تجربة التسيير المباشر للمرافق العامة رغم أهميتها خصوصا
على المستوى اإلجتماعي من حيث تكلفة الخدمات المنخفضة نسبيا ،إال أن مردوديتها العامة إتسمت بضعف األداء ومحدودية الجودة ،وهذه الخالصة كانت نتيجة طبيعية لمجموعة من العوامل التي ترتبط بواقع الجماعات الترابية. أهمها سوء التدبير وقلة تجربة المسيريين المحليين وهشاشة البنيات المالية ألغلب الجماعات الترابية ،وبالتالي كان من المحتم اإلتجاه إلى عقد شراكات مع القطاع الخاص بهدف ضمان تدبير أفضل للمرافق العامة المحلية وتقديم خدمات أكثر جودة للمرتفقين]1[. وذلك باإلستفادة من المؤهالت المالية والتقنية التي يوفرها القطاع الخاص وتجاوز نقط ضعف التسيير المباشر ،كالبطء وتعقد المساطر واإلجراءات اإلدارية وضعف جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين وعدم قابليته للتطور بالموازاة بتزايد وتنوع المتطلبات. وخاصة على مستوى المرافق الحيوية واألساسية كخدمات التزويد بالماء والكهرباء و إنجاز شبكات التطهير ،وهي المجاالت التي تواجه الجماعات صعوبات كبيرة في تدبيرها لما تستوجبه من إستثمارات مالية مهمة ال توازي واقع ميزانيتها. وتتخذ أساليب تدبير المرافق العامة المحلية من لدن الخواص عدة صور تختلف تبعا لطبيعة عالقة اإلدارة بالمرفق العام ذو التسيير الخاص ،ويبقى أهمها التدبير المفوض ،التي شكل أحد الحلول الفاعلة لعصرنة تدبير المرافق األساسية و تحقيق المردودية والجودة]2[. وذلك من خالل تحسين نوعية المرافق والبنيات التحتية اإلدارية واإلقتصادية واإلجتماعية ،لإلستجابة لتزايد الحاجيات ومتطلبات التنمية الترابية]3[. إال أن تفويض مسؤولية تدبير المرافق الجماعية للخواص لم يسلم هو اآلخر من عدة إختالالت ونقائص في الواقع العملي، أثرت سلبا على جودة الخدمات المرفقية المقدمة للمواطنين. ومن بين هذه أبرز هذه اإلختالالت عدم تنفيذ المقتضيات المنصوص عليها في دفاتر التحمالت ،سواء من السلطة المفوضة أو المفوض إليه كما أن مجموعة من المرافق تدبر وفق المنظور الخاص للشركة بعيدا عن المعايير المعهودة في عقود التدبير المفوض. األمر الذي يزيد من حدته ضعف الدور الرقابي المفترض من الجماعات ممارسته على الشركات المفوض لها ]4[.في ظل غياب دوريات توضيحية أو دورات تكوينية أو عقود نموذجية تهم عمليات المراقبة ]5[. باإلضافة إلى ذلك ،يسجل بطء في اتخاذ القرارات من طرف السلطات المفوضة حيث تستوجب الموافقة على بعض قرارات تعديل ومالءمة بعض بنود العقود في بعض الحاالت مصادقة كل المجالس الجماعية التي تشكل السلطة المفوضة. األمر الذي يتسبب في عرقلة السير العادي للمرافق العامة ،هذا باإلضافة إلى النواقص المرتبطة باللجان المختصة بتتبع التدبير المفوض والتي تتكون من السلطة المفوضة و المفوض له و سلطة الوصاية]6[ . ذلك أن عدم ضبط و وضوح بعض مقتضيات العقود وعدم تطرقها لبعض المواضيع يفتح الباب لقراءات وتأويالت مختلفة تؤثر سلبا على سالسة إتخاذ القرارات داخل هذه اللجن مما يؤدي بالضرورة إلى صعوبة تنفيذ العقود خاصة في غياب هيئة دائمة للتحكيم والوساطة]7[. على صعيد آخر يسجل ضعف كبير بالنسبة للموارد البشرية على المستويين النوعي والعددي في هذا المجال مما يعيق عملية التدبير المفوض طيلة جميع مراحلها ،بدءا بمرحلة إعداد العقود إلى مرحلتي التتبع والمراقبة]8[. حيث تجد الجماعات المفوضة نفسها غير مؤهلة إزاء الشركات المفوض لها ذلك أن نظام التوظيف واألجور وتدبير المسار المهني لموظفي وأعوان السلطات المفوضة ال يسمح بتعبئة الكفاءات المطلوبة لتوفير المخاطبين األكفاء للشركات المفوض إليها ،في ظل غياب آليات لتكوين وتأهيل الموارد البشرية لدى الجماعات]9[. كما أن تدخل سلطات الوصاية والسيما في إبرام وتنفيذ مراقبة عقود التدبير المفوض ليس موحدا بحيث يتم التعامل مع كل حالة على حدة]11[. وبصفة عامة خلص المجلس األعلى للحسابات في تقرير حول تدبير المرافق العامة المحلية ،إلى تحديد مجموعة من أهم الصعوبات التي تعيق تنفيذ عقود التدبير المفوض وذلك بناء على إستمارة موجهة من المجلس إلى عينة من مجالس الجماعات الحضرية والقروية في هذا الشأن حيث كانت النتائج كالتالي: نقص في المراقبة بسبب عدم كفاية الوسائل البشرية