Professional Documents
Culture Documents
فن تحديد الأهداف وتحقيقها
فن تحديد الأهداف وتحقيقها
إذا كنا سنختار شيئ ًا واحدًا فقط نعُدُّه أه َّم أسباب النجاح ،فال شك عندي أنه تحدي ُد أهداف ذات
سبُل الموصلة إليها ،وهذا ما أثبتَتْه دراسات عدة في هذا المجال؛ فقد تبيَّن ِقيمة ،ومعرفة ال ُّ
بهدف معيَّن ،وقد لوحظ أنه بمجرد ٍ صبُون إليه عندهم تعلُّ ٌ
ق شديد تحقيق ما ي ْ
ِ أن النَّاجحين في
وتتحرك
َّ تبيُّ ِن الهدف واتِضاحه ،فإن إمكانات المرء تتضاعف ،ويزداد نشا ُ
طه ،ويتيقَّظ عقلُه،
األفكار التي تخ ُد ُم غرضه
ُ .دوافعه ،وتتولَّد لديه
في منتصف القرن الماضي أ َخذ فريق لألبحاث السلوكية من كلية إدارة األعمال بجامعة
عينةً عشوائية ،عددُها مائة من طالَّب السنة النهائية ،وسألوهم :ماذا يريد ك ُّل
هارفارد ِ -
تخرجه ،فأجابوا جميعًا :إنهم يريدون أن يكونوا عشر سنوات من ُّ ِ واحد منهم أن يكون بعد
.قوى مؤثِرة في دنيا المال واألعمال
ً
أضعاف
َ نجز في وقت قصير َ
يتجاوز العقبات والعراقيل ،ويُ ِ إن األهداف الواضحة تتيح للفرد أن
نتصور قائد طائرة
َّ غيره في وقت أطو َل؛ ذلك أن المر َء بال هدف إنسا ٌن ضائع ،فهلما ينجزه ُ
يُق ِلع وليس عنده مكا ٌن يريد الوصول إليه ،وال خارطة توصله إلى ذلك المكان؟ أين ينتهي به
الطيران؟ ربما ينفَ ُد َوقودُه ،وتَه ِوي طائرته ،وهو يفكر :إلى أين سيذهب ،وأين المخطط الذي
!يوصله إلى وجهته
هدف معين هو العام ُل الحاسم في :يقول أح ُد ِكبار رجال األعمال ٍ َ
التركيز الشديد على إن
المتألق :أن
ِ شرطان للنجاح
ِ النجاح ،سوا ٌء في أمور المال أم في سواه ،ويُ ِضيف قائالً :هناك
يجب دفعه ،وتكونُ مستعدًّا لد َْفعه
ُ من الذي.تحد َد لنفسِك ما تريدُه بالضبط ،وأن تعلَ َم الث َّ َ
ِ
يعرفونيحققون نجا ًحا ذا بال ،والذين ِ ق بال هدف؛ لذلك ال ِ أغلب الناس يتركون حياتَهم تنسا ُ
ُ
ً
ربيًا فاضالً ،أو أستاذا يدركُ ُ
قيمة تحدِي األهداف ،تعلَّموا ذلك؛ إما من أ َ
س ِرهم ،وإما صادَفوا ُم ِ
األمر ال يُعلَّم في المدارس أو الجامعات؛
َ سف أن هذا قيمةَ ذلك ،ففتَح عيونَهم عليه ،والمؤ ِ
صصة فقد يمت ُّد تعلي ُم المرء إلى ما يزيد على ( )16عا ًما دون أن يتلقَّى فيها ساعةً واحدة مخ َّ
سبُل تحقيقها( للحديث عن ضع األهداف و ُ ).و ْ
َ
الوالدان لهم أهدافًا
ِ مبكرة ،فيضع
سن ِ (فن تحديد األهداف) في ٍ
تدريب الصغار على ِ
ُ ويمكن
كاالستيقاظ في ساعة معينة ،أو حفظ بعض
ِ ويشجعانهم على تحقيقها؛
ِ سهلة من واقعهم،
السور من القرآن الكريم ،أو عدد من األحاديث النبوية الشريفة ،أو حفظ بعض القصائد ،أو
قراءة بعض الكتب ،أو إتقان بعض أنواع الرياضة المفيدة؛ كالسِباحة ،والجري ،وما إلى
.ذلك
احترام
ِ الخوف ِمن عدم
َ ب اإلعراض عن تحدي ِد األهداف -بعد الجه ِل بأهميتِها - ولع َّل من أسبا ِ
َ
استعينوا على إنجاح " :اآلخرين ألهدافِنا ونقدِهم لها ،وهنا يمكننا أن نأخذ بالحكمة القائلة
"حوائجكم بالكتمان
ِ ويشجعُنا على ال ُمضي قُد ًما
ِ يدركُ قيمتَها،
،فال نحدِث عن أهدافنا إال من ِ
.في سبي ِل تحقي ِقها
يدركون أهمية اإلخفاق في التمهي ِد للنجاح ،إن النجا َح الكبير يس ِبقُه -في
أكثر الناس ال ِ
إن َ
أكثر من ( )500شخص حقَّقوا ق كبير ،وقد قام الباحث (نابليون هل) بمقابلة َ الغالب -إخفا ٌ
درجات عالية من النجاح ،فو َجدهم جميعًا -بال استثناء -قد حقَّقوا النجا َح بع َد مواجهة
اإلخفاق ،فنالوا ما يُريدون
ِ قرروا أن يمشُوا خطوةً أخرى بعد .اإلخفاق ،ولكنهم َّ
تجاربِه
ِ ظ َم مخترعٍ في العصر الحديث ،توماس إديسون( ،أخفق عشرة آالف مرة) في إن أع َ
المصباح الكهربائي قبل أن ينج َح في اختراعه! سأَله أحد الصحفيين قائالً :يا سيدعلى ِ
المصباح الكهربائي ،فلماذا ت ُ ُّ
صر إديسون ،لقد أخفقتَ حتى اآلن خمسة آالف مرة في اختراعِ ِ
تجاربِك؟ فأجابه :لقد أخطأتَ أيها الشاب ،لقد نجحتُ في اكتشاف خمسة
على المضي ِ قد ًما في ِ
!آالف طريقة ال توصلُني إلى ما أريد
الحالي وال
َّ ض َعهميفضلون البقا َء في (منطقة األمان) ،ومن أجل ذلك يق َبلون َو ْ أغلب الناس ِ ُ
المنطقة ،ويق َبلون
يخرجون من هذه ِ يحققون نجا ًحا ذا بال ُ
أغلب الذين ِ
ُ يفكرون بالتغيير ،بينما ِ
لكن أكثر الناس يخافون منه ،وفي مفر منهَّ ،
أمر ال َّ
التغيير ٌ
َ بحد معقو ٍل من المجازفة ،إن ٍ
الوقت نفسه يتمنَّ ْون أن يتحقق لهم ما يريدون ،والحكمة تقتضي منا أن نقبَل بالتغيير ما دام
أهداف
ٌ يجب أن تكون عندناُ أمرا الز ًما ،وأن نجعَلَه تحت سيطرتِنا قَد َْر المستطاعِ ،وألجل ذلك
ً
.واضحة
:هناك أمور ثالثة لها أهميةٌ خاصة فيما يتَّصل بموضوعِ األهداف
التفوق)
ُّ :األول :ما يعرف بـ( :منطقة
يكتشف هذه الناحية
َ يتفوقَ فيها ،وواجبه نحو نفسِه أن
لكل إنسان ناحية معيَّنة يستطيع أن َّ
َ
أحسن استغالل .ويستغلَّها
متواضع ،قانعون
ٍ كبيرا من حياتِهم وهم في مجال
شطرا ًً سا يُمضون سف أن ترى أنا ً من المؤ ِ
ق في المجا ِل الصحيح الذي
للتفو ِ
ُّ بالدونية ،ال يبذُلون جهدَهم للرقي ِ والتقدُّم ،إن الذي يسعى
نان أيضًاَّ ،
لكن َمن س ِ ق فحسب ،بل إن طاقتَه اإلنتاجية ،وص َّحتَه النفسية تتح َّ يتفو ُ
يناسبه ،ال َّ
صا عاديًّا في كل شيء ،ليست له أدنى مزيَّة ،كيف يشعُ ُر ظ ُر في المرآة فيرى أمامه شخ ًين ُ
التفوقَ فيه ،فال
ُّ بتقدير ذاته؟ إنني ما لَم أعلَ ْم أن هناك مجاالً واحدًا -على األقل -أستطي ُع
ِ
َّ
.يمكن أن أحتر َم نفسي وأعطيَها حقها الالز َم من التقدير
البحر
ِ سه في اليأس ولم يحقِقْ ُحلمه ،فألقى نف َ
ُ أدركه
ظل الرج ُل ثالثة عشر عا ًما يبحث حتى َ
ع الجديد الذي كان قد اشترى حق َل صاحبنا بينما كان ليكون طعا ًما لألسماك ،غير أن المزار َ
يع َم ُل في الحق ِل و َجد شيئ ًا يلمع ،ولما التقطه و َجده قطعةً صغيرة من األلماس ،فتح َّمس ،وبدأ
ب بجد واجتهاد ،فو َجد ثانية وثالثة! يا للمفاجأة ،فقد كان تحت حق ِله منج ُم ألماس نق ُ
!يح ِف ُر ويُ ِ
لقكل مكان ولم يب َح ْث في حق ِله ،ولعله وجد ألماسة فلم يُ ِ العجوز ب َحث عن األلماس في ِ َ إن
لها باالً؛ ألن األلماسةَ ال تصبح جميلةً إال بعد القطع والتشكيل والصقل ،ومغزى القصة :أن
َ
الموهبة ب إلى أحدِنا من موضع قدميه ،لكننا ال ننتبهُ إليه ،ثم إن ق قد يكو ُن َ
أقر َ التفو ِ
ُّ سر
ضع أهداف تخلب النَّظر إال بعد القطع وال َّ
صقل؛ لذا فحينما يري ُد المرء َو ْ ُ كقطعة األلماس ،ال
هدفٍ ظ َر فيما عنده ،وال يرحل إلى آخر الدنيا بحثًا عن له كي يسعى إلى تحقي ِقها ،عليه أن ين ُ
.جدير بالتحقيقٍ
يكون هدفي قضا َء نصف وقتي َ األهداف متناقضة ،فال يجوز -مثالً -أن
ُ المهم أال تكون
ِ ومن
ً
قابلة تكون أهدافُنا
َ والتفوقَ في العمل في الوقت نفسِه ،كذلك يجب أن
ُّ في التسلية واللعب،
.للتحقيق؛ فال نضع هدفًا خياليًّا مستحي َل التحقيق ،نقضي العمر في الجري ِ وراءه ،وال نُ ِ
دركه
في ثالثين ثانية ،اكتب أه َّم ثالثة أهداف تريد الحصو َل عليها في الوقت الحاضر ،وقد •
أعطينا مدة قصيرة جدًّا؛ ألن ما تكتُبُه دون رويَّة وتفكير يكون هدفًا حقيقيًّا بعيدًا عن تزيين
.الخيال وتجميله
ظروف التي تُعطيك أعلى درجات تحقيق الذات؛ أي :الشعور بال ِقيمة • ما األحوال وال ُّ
يحد ُد لك مجا َل التفوق لديك ،ويساعدُك في توجي ِه حياتِك
واألهمية؟ الجواب عن هذا السؤال ِ
.نحوه
وبعد االستعانة بهذه األسئلة ،اخت َ ْر لنفسك هدفًا واحدًا واض ًحا تَعُدُّه أه َّم مما عداه ،وال ِ
تز ْد
بأهداف متعددة،
ٍ يريدون أن يبدؤواَ خطئون عندمافكثير من الناس يُ ِ
ٌ هدف واحد تبدأ به؛ٍ على
أهداف أخرى ثانوية يمكن تحقيقُها في ٍ بأس بتحديد
َ الهدف األساسي ال
ِ وبعد تحدي ِد هذا
.الطريق إليه
:الثقة 2-
ول ْد في نفسك الثقةَ الكاملة بأنك ستحصل على هدفِك إن شاء هللا ،دون شك أو ريب؛ ألن ِ
ق تلك
سيصد ُ
ِ عقلَك الواعي إذا صدَّق أهدافك تصديقًا كامالً ،فإن عقلك الباطن (أو الشعورك)
يوجه سلوكك نحو تحقيقها ،ولتكن أهدافك واقعية ،فمثالً :إذا كان وزنك األهداف ،وبالتالي ِ
( )100كغ ،فال يك ُْن هدفك األول إنقاص ( )30كغ منها ،ابدأ بـ )5( :كغ ،ثم انتقل إلى الخمسة
الدافع لبذل الجهد
ِ التحدي ضروري إليجاد
َ .األخرى ،ولكن ال تجعل هدفك سهالً جدًّا؛ ألن
َ
تجتازها 7- :حدِد العقبات التي عليك أن
إذا لم يكن هناك عقبات ،فليس ما تبحث عنه هدفًا ،بل مجرد نشاط وحركة ،وستالحظ أن
أصغر بعد أن تكتبَها
َ ت التي كانت تبدو كبيرة ستبدو
.العقبا ِ
وفي هذا الصد ِد تذكَّر أن الحياة أخذٌ وعطا ٌء ،فإذا كان بإمكانك أن تقدِم شيئ ًا لمن تطلب
أعطي اآلخرين قبل أن يعطوني؟ إن العظما َء َ مساعدته فافعل ،اسأل نفسك :ماذا أستطيع أن
أكثر مما يأخذون ،لكن أغلب الناس -مع األسف -يريدون أن على مدار التاريخ يعطون َ
قدر ممكن من البذل والعطاء ،وقد صح عن رسو ِل هللا صلى هللا صلوا على ما ينفَعُهم بأقل ٍ
يح ُ
،فك ُْن في حاجة ][2عليه وسلم أنه قال(( :من كان في حاج ِة أخيه ،كان هللاُ في حاجته))
أمورك ،ويك ُْن في حاجتك
َ .الناس ييس ِِر هللاُ عليك
التخطيط أول خطوات النجاح ،جيمس شرمان ،ترجمة :محمد طه علي ،دار المعرفة ][1
.للتنمية البشرية32 - 31 ،
.البخاري ومسلم وغيرهما ][2