Professional Documents
Culture Documents
Kahfi
Kahfi
إن الحمد هلل ،نحمده ،ونستعينه ،ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ،وسيئات أعمالنا ،من يهده هللا فال
مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال هللا ،وحده ال شريك له ،وأشهد أن محمدا ً عبده
ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب هللا ،وخير الهدي؛ هدي محمد صلى هللا عليه وسلم ،وشر األمور محدثاتها ،وكل
محدثة بدعة ،وكل بدعة ضاللة ،وكل ضاللة في النار.
سبب تسمية سورة الكهف بهذا االسم.
عباد هللا:
هذه سورة الكهف التي نقرؤها كل جمعة ،هذه التي أرشد النبي صلى هللا عليه وسلم من يريد الوقاية من
فتن ة الدجال إلى حفظ مطلعها ،وأن يقرؤه على الدجال إذا خرج ،سميت السورة بأعجب ما فيها على عادة
العرب في التسمية ،واختيار الكلمة العجيبة الالفتة للنظر في تسمية قصائدهم ،وهذا نزل بلسان عربي
مبين ،فإذا بالسورة تسمى بسورة الكهف ،لماذا؟ ألنه ذكر فيها قصة أصحاب الكهف ،ما هو الكهف؟ من
هم أصحابه؟ ما هي القصة؟ إنها سورة تلفت العقول ،والقلوب إليها ،من اسمها العجيب ،سورة الكهف ،أ َ ْم
يمسورة الكهف.9الرقيم ،المرقوم المكتوب( ،إال رقما ً في ثوب) ِكتَابٌالرقِ ِ اب ْال َك ْه ِ
ف َو َّ َح ِسبْتَ أ َ َّن أ َ ْ
ص َح َ
َّم ْرقُو ٌمسورة المطففين .9مكتوب فيه ما هو مكتوب.
قصة أصحاب الكهف.
إذن لقد كان من أمر هذه القصة شيء عجب دعا إلى كتابتها ،وتسطيرها ،كأنهم أرادوا أن يذكروا شأن
هؤالء لألجيال القادمة ،ولكن يذهب الكاتب والمكتوب ،ويبقى ما أراد إبقاؤه عالم الغيوب ،أ َ ْم َح ِسبْتَ أ َ َّن
الرقِ ِيم فصارت القصة في كتاب هللا ،فال حاجة إلى كتابتها في ألواح ،أو البحث في آثار ف َو َّ اب ْال َك ْه ِص َح َأَ ْ
األقدمين عن تفاصيل القصة؛ ألن هللا أغنانا ،فيا أصحاب المتاحف واآلثار كفوا عنا ،لم نعد نرد مصدرا ً
اب ص َح َ آخر لمعرفة األخبار وخصوصا ً ما قد سبق إال هذا الكتاب – الوحي من هللا تعالى -أ َ ْم َح ِسبْتَ أ َ َّن أ َ ْ
يمسورة الكهف .9هلل آيات في السماوات ،وآيات في األرض ،وآيات في كتابه الذي أنزله، الرقِ ِ
ف َو َّ ْال َك ْه ِ
هنالك آيات للتحدي واإلعجاز ،وهنالك آيات تبرهن لهؤالء الناس على أمور كثيرة من قدرته سبحانه
ع َجبا ً * ِإ ْذ أ َ َوى ْال ِفتْ َيةُ إِلَى ْال َك ْه ِفسورة الكهف
الرقِ ِيم َكانُوا ِم ْن آ َياتِنَا َف َو َّ اب ْال َك ْه ِ وتعال ،أ َ ْم َح ِسبْتَ أ َ َّن أ َ ْ
ص َح َ
. 10-9فروا إليه مم؟ العادة أن اإلنسان يأوي إلى أبيه وأمه ،يأوي إلى بيته ،لكن هؤالء أووا إلى الكهف،
والكهف موحش ،الكهف مقفر ،الكهف بعيد ،الكهف ليس فيه أهل ،الكهف ليس فيه متاع ،وال أثاث ،ليس
مجهزا ً ليأوي إليه اإلنسان ،لكن هؤالء أووا إلى هللا ،أووا إلى الكهف في سبيل هللا ،ولذلك صار الكهف
مأوى ،صار الكهف على بعده ،وعلى بساطته وبدائيته ،وعلى خلوه من األثاث ،والرياش ،والمتاع صار
بالنسبة لهم مأوى ،لماذا؟ ألن اإليواء في الحقيقة؛ ألنهم آووا في الحقيقة إلى هللا ،أوى إلى هللا فآواه هللا،
ف فرارا ً بدينهم من أجل ربهم ،خوفا ً من الفتنة التي ومن آواه هللا فال ضيعة عليهِ ،إ ْذ أ َ َوى ْال ِفتْيَةُ ِإلَى ْال َك ْه ِ
تفتنهم فتردهم عن دينهم ،إنهم اعتنقوا التوحيد ،وعرفوا الحق فاتبعوه ،والعجب أنهم فتية ،فيا عبد هللا :ال
ي ،ويا أيها الشاب الذي نشأ في طاعة هللا :هنيئا ً لك يغررك السِن فقد يوجد على الحق من هو صغير فت ٌ
فربما تعرف حقا ً لم يعرفه الكبار ،وانظر حولك في الدنيا ،كم من الكبراء والخبراء؟ كم من هؤالء لم
يعرفوا الحق ،لكن الصغير إذا عرف الحق ،ونشأ عليه فإنه يبقى يسري في جسده منذ صغره ،وشاب نشأ
في طاعة هللا ،هذا تأسيس من مرحلة مبكرة أدعى للثبات ،ولذلك نشئوا فتيانكم على طاعة هللا ذكورا ً
وإناثاً ،عرفوهم الحق يا أيها اآلباء ،عرفوهم الحق.
ف فَقَالُوا َربَّنَا آتِنَا ِم ْن َلدُ ْنكَ َرحْ َمةًسورة الكهف10حيث أن هؤالء الناس الذين حولنا ِإ ْذ أ َ َوى ْال ِفتْيَةُ ِإلَى ْال َك ْه ِ
ما عندهم رحمة ،يريدون أن يصدونا عن الحق ،يريدون أن يفتنونا ،فأنت يا هللا آتنا من لدنك رحمة،
رحمة ،هل هي الرحمة طعام؟ الرحمة غذاء ،كساء ،مأوى ،الرحمة سكن ،الرحمة أمان؟ الرحمة قبل ذلك
هداية ،الرحمة علم من هللا ،الرحمة تثبيت ،الرحمة هذه طمأنينة ،وسكينة ،وما أحوج الخائفين إليها ،وقد
جاءت الرحمة بمعنى النبوة في آيات أخرى ،ولكن هي أعم من النبوة كما في هذه القصة ،فإن هؤالء
أولياء وليسوا بأنبياء ،آتِنَا ِم ْن لَدُ ْنكَ َرحْ َمةً َوهَيِئْ لَنَا ِم ْن أ َ ْم ِرنَا َرشَدا ًسورة الكهف .10رحمة في اللغة
معرفة ب(ال) التعريف (الرحمة) ،وإنما هي منكرة (رحمة)، َّ العربية نكرة ،وليست معرفة ،ليست
والمن َّكر إذا جاء في سياق الطلب يفيد العموم ،آتِنَا ِم ْن لَدُ ْنكَ َرحْ َمةً رحمة تشمل كل األنواع المطلوبة ،كل
سنَةًسورة البقرة .201تشمل حسنة الرزق ،وحسنة الزوجة الصالحة، شيء نحتاجهَ ،ربَّنَا آ ِتنَا ِفي الدُّ ْن َيا َح َ
وحسنة الولد البار ،وحسنة المسكن الواسع ،وحسنة الذكر الحسن ،والرغد العيش ،والرزق الوفير ،كما
أنها في اآلخرة رزق الجنة ،حسنة الجنة ،حسنة ظل العرش ،حسنة تيسير الحساب ،حسنة سرعة دخول
الجنة ،حسنة النجاة على الصراط ،وفي اآلخرة حسنات كثيرة ،فقه الدعاء آ ِتنَا ِم ْن لَدُ ْنكَ َرحْ َمةً فيها كل ما
نحتاج وأكثر مما نحتاجَ ،وه َِيئْ لَنَا ِم ْن أ َ ْم ِرنَا َرشَدا ً ،فقه الدعاء يا عباد هللا :أن بعض الناس ربما يطلب
تفاصيل؛ آتني سيارة ،وآتني وظيفة ،وآتني بيتاً ،وآتني ماالً ،وآتني ،ولكن عندما يسأل هللا من فضله فضل
هللا فيه كل هذه وزيادة عما سألت ،كذلك العافية ،فإذن سؤال هللا للعمومات من فقه الدعاء( ،أجملوا في
الطلب) ( .أجملوا في الطلب)َ ،وهَيِئْ لَنَا ِم ْن أ َ ْم ِرنَا َرشَدا ً ،ما أحسن الرشد ،الرشد :إصابة الحق ،الرشد:
المسلك الصحيح ،الرشد :ضد الضالل ،والغواية ،الرشد :ما أجمله وما أحسن من أوتيهَ ،وهَيِئْ لَنَا ِم ْن
أ َ ْم ِرنَا َرشَدا ً ،نحن فتية صغار ،ما عندنا خبرة ،نحن فتية نحتاج إلى حماية ،ليس عندنا حماية ،نحن فتية
خرجنا ما نعرف إال بيوتنا ،وبلدنا إلى أين نتجه ،ليس لنا خبرة بالطرقات ،والدروب ،واألسفار ،ال نعرف
علَ ْي ُك ْم َي ْر ُج ُمو ُك ْم، إلى أين نتجه ،لكن المهم أن نفر بديننا ،المهم أن ننجو من هؤالء الظلمةِ ،إنَّ ُه ْم إِن َي ْ
ظ َه ُروا َ
فيها هالك ،وإذا ما كانت هذه فاألسوأ أ َ ْو يُ ِعيدُو ُك ْم فِي ِملَّتِ ِه ْم َولَن ت ُ ْف ِل ُحوا ِإذًا أَبَدًاسورة الكهف20إذا عادوا
في الملة بعد إذ نجاهم هللا منها ملة الكفر ،ولذلك الفتية صغار ال عندهم خبرة ،وال عندهم ما يستعينون به
غير هللا ،فقالواَ :وه َِيئْ لَنَا ِم ْن أ َ ْم ِرنَا َرشَدا ً ،دبرنا ،وعندما تقول يا مسلم يا عبد هللا :دبرني فإني ال أحسن
التدبير ،أنت ال تعرف كل االحتماالت في البيت إذا نزلت ،وال تعرف كل االحتماالت في الوظيفة ،إذا
توظفت فيها ،وال تعرف كل االحتماالت في نوعية السيارة إذا اخترتها ،وال تعرف كل االحتماالت في
أشياء كثيرة ،فماذا ستفعل للوقاية من االحتماالت ،تتبع االحتماالت عملية منهكة جداً ،تحتاج حسابياً،
ورياضياً ،إلى أعمال ذهنية كثيرة ،ثم أنت ستجلس إذا صار كذا ،ال بد أن أفعل كذا ،وإذا صار كذا ،ال بد
أن أفعل كذا ،لدرجة أنه يضيق الوقت ،والمصادر ،والجهد ،عن الوفاء بمواجهة كل االحتماالت ،لكن
عندما تقول :هيئ لي من أمري رشداً ،هللا يدلك ،هللا يسلك بك المسالك ،والدروب
عندما تقول يا مسلم يا عبد هللا :دبرني فإني ال أحسن التدبير ،أنت ال تعرف كل االحتماالت في البيت إذا
نزلت ،وال تعرف كل االحتماالت في الوظيفة ،إذا توظفت فيها ،وال تعرف كل االحتماالت في نوعية
السيارة إذا اخترتها ،وال تعرف كل االحتماالت في أشياء كثيرة ،فماذا ستفعل للوقاية من االحتماالت ،تتبع
االحتماالت عملية منهكة جداً ،تحتاج حسابياً ،ورياضياً ،إلى أعمال ذهنية كثيرة ،ثم أنت ستجلس إذا صار
كذا ،ال بد أن أفعل كذا ،وإذا صار كذا ،ال بد أن أفعل كذا ،لدرجة أنه يضيق الوقت ،والمصادر ،والجهد،
عن الوفاء بمواجهة كل االحتماالت ،لكن عندما تقول :هيئ لي من أمري رشداً ،هللا يدلك ،هللا يسلك بك
المسالك ،والدروب
،هللا الذي يقيك من االحتماالت السيئة ،هللا الذي يدلك على الخير ،واألحسن ،واألفضل ،بالنسبة
لكَ ،وهَيِئْ لَنَا ِم ْن أ َ ْم ِرنَا َرشَدا ً ،وهكذا يا عباد هللا :هكذا كان في حال هؤالء ،الذين أعطاهم هللا مكافآت
ف هذه أول شيء؛ ألن هؤالء يحتاجون إلى طمأنينة علَى آذَانِ ِه ْم فِي ْال َك ْه ِ ض َر ْبنَا َ كثيرة ،مقابل هذا الدعاءَ ،ف َ
وأمان ،يحتاجون إلى سكينة ،ما أحسن للمنهك المتعب الخائف من النوم ،واحد فار هارب من بلده،
هارب من قوم جبارين ،ظلمة يرجمون حتى الموت ،ماذا يحتاج اآلن؟ يحتاج إلى نوم ،اآلن قد فارقوا
البلد ،ورحلوا هذه المسافة حتى وصلوا إلى هذا الكهف البعيد في الصحراء ،في المكان المقفر الموحش،
علَى ض َر ْبنَا َ ماذا يحتاجون اآلن؟ نوم ،نوم ،النوم راحة ،النوم راحة ونعمة من هللا عز وجل ،ولذلك فَ َ
عدَدًا ،لكن صار نقاش طويل عدَدًاسورة الكهف .11ما أخبرنا عن العدد اآلنَ ، ف ِسنِينَ َ آذَا ِن ِه ْم ِفي ْال َك ْه ِ
حول العدد في هذه القصة ،عدد هؤالء ،وكم السنوات التي لبثوها؛ ألن القصة عجيبة ،في البداية ما
ي ْال ِح ْزبَي ِْن عدَدًا ،انتظر يا متعلم حتى يأتي الوقت المناسب لتصل المعلومة إليك ،ث ُ َّم بَعَثْنَا ُه ْم ِلنَ ْعلَ َم أ َ ُّ أخبرنا َ
صىسورة الكهف .12الحزبان الذين اختلفوا أيهما أحصى ِل َما لَ ِبثُوا أ َ َمدا ً؟ هللا يعلم من هو المصيب من أَحْ َ
الحزبين ،وهللا يعلم الحق أين هو مع المختلفين ،ولكن ليظهر علمه في الواقع ،وهذا معنى (لنعلم) أو
(ليعلم) في القرآنَ ،ولَ َّما يَ ْعلَ ِم ّللاُ الَّذِينَ َجا َهدُواْسورة آل عمرانَ .142و ْليَ ْعلَ َم الَّذِينَ نَافَقُواْسورة آل
عمران .167ونعلم الصادقين ،هو يعلمهم قبل أن يخلقكم ،ولكن ليظهر علمه في الواقع ،ث ُ َّم َبعَثْنَا ُه ْم ِلنَ ْعلَ َم
علَيْكَ نَبَأ َ ُه ْم بِ ْال َح ِقسورة الكهف13-12؛ ألن هناك مصادر ص َصى ِل َما لَبِثُوا أ َ َمدا ً * نَحْ ُن نَقُ ُّ ي ْال ِح ْزبَي ِْن أَحْ َ أ َ ُّ
كثيرة تقص على الناس ،في إعالم ،وفي أخبار ،في كتب قديمة ،وفي روايات ،وقصص ،وفي فيس بوك،
وتويتر ،وفي مصادر كثيرة للمعلومات اآلن ،لكن من الذي يفوز ،ما هي المعلومة الصحيحة؟ كل واحد
يتكلم ،ما هي المعلومة الصحيحة؟ التي تأتي من الوحي ،هذه قضية المصدر الصحيح للمعلومة ،المصدر
الوحيد للمعلومة الصحيحة ،المعلومة الصحيحة عن الغيب ،سوا ًء كان غيبا ً ماضياً ،أو غيبا ً حاضرا ً غاب
عنا اآلن ،أو غيبا ً مستقبلياً ،ال مصدر صحيحا ً لكل المعلومات عن الغيب إال الوحي فقط ،الباقي رجم
بالغيب ،استنباطات ،استنتاجات ،قد تخطئ وقد تصيب ،وقد تكون مجرد حتى ما فيها استنتاج أصالً إال
ق ،وليس غيرنا ،اعتمد مصدرنا ،وليس المصادر األخرى ،ال علَيْكَ نَ َبأ َ ُه ْم ِب ْال َح ِ
ص َ المجازفة ،إذن نَحْ ُن نَقُ ُّ
كتب أهل الكتاب المحرفة ،وال كتب التواريخ التي كتبها علماء اآلثار ،واألخبار ،علماء التواريخ ،نَحْ ُن
ق ،نحن فقطإِنَّ ُه ْم ِفتْ َيةٌ آ َمنُوا ِب َر ِب ِه ْم َو ِز ْدنَا ُه ْم ُهدًى ،هذا ملخص القصة ،هللا كريم، علَيْكَ نَ َبأ َ ُه ْم ِب ْال َح ِ
ص َنَقُ ُّ
العبد يريد الخير هللا يعطيه أكثر ،يريد هدى هللا يعطيه الهدى ،وزيادة ،يريد علماً؟ هللا يعطيه العلم الذي
أراده وزيادة ،وهكذا ،إِنَّ ُه ْم فِتْيَةٌ آ َمنُوا بِ َربِ ِه ْم َو ِز ْدنَا ُه ْم ُهدًى ،كل هذا أعطاهم؛ إذن ناموا في الكهف،
واطمأنوا ،وسكنوا ،وذهب الخوف ،وجاءت الراحة بعد التعب ،والنصب ،بعد التعب النفسي ،والجسدي
علَى قُلُو ِب ِه ْم بعد أن زادهم هدى ،ربط على من هذا االنتقال ،وزالت الوحشة من هذا الكهفَ ،و َربَ ْ
طنَا َ
قلوبهم إِ ْذ قَا ُموا في البداية لما آمنوا ،واتفقوا ،وتعارفوا فيما بينهم في بلدهم ،وترجع القصة للبداية ،وهذه
قضية ذكر تفصيل في منتصف القصة ثم العودة للبداية ،ثم العودة لإلتمام ،عملية نقل الذهن ،والقلب،
وجذب الذهن ،والقلب في سياق تشويقي حتى يتنقل السامع بين المدد الزمنية في هذه القصة ،فهو يقول
ماذا فعل لهم في الكهف ثم يرجع إلى أصل القصة ويقولِ :إنَّ ُه ْم ِفتْ َيةٌ اجتمعوا في بلدهم ،وتعارفوا ،والذي
ت س َم َاوا ِ علَى قُلُو ِب ِه ْم ِإ ْذ قَا ُموا فَقَالُوا َربُّنَا َربُّ ال َّطنَا َ جمعهم هو اإليمان ،آ َمنُوا بِ َر ِب ِه ْم َو ِز ْدنَا ُه ْم ُهدًى* َو َربَ ْ
ضسورة الكهف .14ال هذا الصنم ،وال هذا الوثن ،ال بشر ،وال غير البشر ،وال كواكبَ ،ربُّنَا َربُّ َو ْاأل َ ْر ِ
طا ،لو ابتعدنا عن الحق لو فعلنا ذلك هذا كبيرة، ط ًع َو ِمن دُونِ ِه ِإلَ ًها لَقَ ْد قُ ْلنَا ِإذًا َش َض لَن نَّ ْد ُت َو ْاأل َ ْر ِ س َم َاوا ِ ال َّ
هذه مصيبة كبيرة ،وبعد عن الحق ،ولن نمشي مع ركاب الضالين ،ولو كثروا ،ولو كانوا أقاربنا ،ولو
كانوا من حولنا ،البيئة كلها فاسدة ،هَؤُ َالء قَ ْو ُمنَا ات َّ َخذُوا ِمن دُونِ ِه آ ِل َهةًسورة الكهف .15ال تساير الواقع إذا
كان الواقع منحرفاً ،يا عبد هللا هذا درس لنا ،أننا لو قالت المرأة على سبيل المثال :أكثر الالبسات ،أو
القادمات ،أو الحاضرات في العرس لباسهن غير شرعي ،فيه تعري ،يمكن في واحدة ،أو اثنتين
متسترات ،يعني ما أكثر المنكرات في بعض األماكن ،واألحيان ،والمناسبات ،يكون عامة من يحضر ،أو
يأتي ،أو يجتمع أكثرهم على ضالل ،أو على خطأ ،أو على معصية ،فهل نساير ،هل نمشي الحال ،هل
نتابع ،هل نكون مع الخيل كما يقولون؟ ال ،هَؤُ َالء قَ ْو ُمنَا ات َّ َخذُوا ِمن دُونِ ِه آ ِل َهةً ،وال يمكن أن نتابع قومنا لو
ان
ط ٍ س ْل َ كانوا أكبر منا ،ولو كانوا أكثر منا ،ولو كانوا عالقتهم بها ما هي ،لكن ال يمكن لَ ْوال َيأْتُونَ َ
علَ ْي ِه ْم ِب ُ
بَيِ ٍن ،وين الدليل على ما ادعوه من آلهة غير هللا ،وين ،وين السلطان البين ،أين الدليل؟ أين األثارة من
ّللاِ َكذِبا ً ،فما هو الحل؟ آمنا واللي حولنا كثر على الشرك ،وما في فائدة علَى َّ علم؟ فَ َم ْن أ َ ْ
ظلَ ُم ِم َّم ْن ا ْفت ََرى َ
من دعوتهم ،ولن يقبلوا منا بل سيعذبوننا ،ويفتنونا ،ما هو الحل؟ إذن الحلَ :و ِإ ْذ ا ْعت َزَ ْلت ُ ُمو ُه ْم َو َما َي ْعبُد ُونَ
ّللاَ ،أنت إذا غلبت في مكان عملك ،في مكان دراستك ،في مكان إقامتك من قوم حولك ،يأتي البيئة إِالَّ َّ
فاسدة ،حتى لو عامل بين عمال في بيئة ،لكن أكثرهم ما في صالة ،وربما أفالم عارية ،مخدرات ،هو
ش ْر لَ ُك ْم َربُّ ُك ْم ِم ْن
ف يَن ُ ّللاَ فَأ ْ ُووا ِإلَى ْال َك ْه ِ
نفسه يستقيم حتى لو كان وحدهَ ،و ِإ ْذ ا ْعت َزَ ْلت ُ ُمو ُه ْم َو َما يَ ْعبُدُونَ إِالَّ َّ
ش ْر لَ ُك ْم َربُّ ُك ْم ِم ْن َرحْ َمتِ ِه ،وفي هذه الحالة؛ فإنه َرحْ َمتِ ِه ،في عند الفتية إيمان أنه سيأتيهم خير عظيم ،يَن ُ
سبحانه وتعالى سيهيئ لهم من أمرهم مرفقاً ،وييسر لهم إنه جواد كريم.
أقول قولي هذا ،وأستغفر هللا لي ولكم ،فاستغفروه ،إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد هلل رب العالمين ،وأشهد أن ال إله إال هو ،الملك الحق المبين ،خلق األولين ،واآلخرين ،والسماوات
واألرضين ،ربنا ورب كل شيء ،مالك الملك ،يفعل ما يشاء ،الحي القيوم ،القائم على كل نفس بما كسبت،
يعلم السر وأخفى ،هللا ال إله إال هو له األسماء الحسنى ،العليم الخبير القدوس السالم المؤمن المهيمن
العزيز الجبار المتكبر ،هو هللا عرفنا بنفسه ،وعرفه المؤمنون ،ومنهم هؤالء الفتية ،بعض الناس يقولون
اليوم :الطبيعة التي خلقتهم ،وبعضهم يزعمون الكواكب ،وبعضهم يزعمون أن مع هللا آلهة أخرى،
وبعضهم يقولون :في قوة خفية في الكون هي الخالقة ،وال يعرفون ما هي ،يقولون :قوة خفية ،وبعضهم
يقولون :الطاقة ،من الذين يدرسون في الجامعات يقولون :الطاقة ،الخالق هو الطاقة ،هناك قوة خفية
ش َهادَةِسورة الحشرّ .22للاُ ال ِإلَهَ ِإالَّ ُه َو عا ِل ُم ْالغَ ْي ِ
ب َوال َّ ّللاُ الَّذِي َال ِإلَهَ ِإ َّال ُه َو َ
الطاقة ،هللا عرفنا بنفسه ُه َو َّ
ي ْالقَيُّو ُمسورة آل عمران .2هو هللا الملك القدوس السالم المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ،هو ْال َح ُّ
هللا الرحمن الرحيم الخالق البارئ المصور له األسماء الحسنى ،هو هللا وليس قوة خفية وطاقة ،عرف
أصحاب الكهف من هو ،وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله ،إمام المتقين ،وقائد الغر المحجلين ،صلوات
ربي وسالمه عليه إلى يوم الدين ،اللهم صل وسلم ،وزد وبارك على عبدك ،ونبيك محمد ،وعلى آله،
وصحبه أجمعين ،وذريته الطيبين ،وأزواجه ،وخلفائه الميامين ،والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد هللا:
من آوى إلى هللا ،وتوكل على هللا ،وفوض أمره إلى هللا ،ودعا هللا ،ولجأ إلى هللا ،ال يضيعه هللا بل يعتني
ض ُه ْم ذَاتَ ين َو ِإذَا غ ََر َبت ت َّ ْق ِر ُ عن َك ْه ِف ِه ْم ذَاتَ ْال َي ِم ِ طلَ َعت تَّزَ َاو ُر َ س ِإذَا َ به ،انظروا للعنايةَ ،وت ََرى ال َّ
ش ْم َ
الش َما ِل َو ُه ْم فِي فَجْ َوةٍ ِم ْن ُها سورة الكهف .17جعلهم هللا في مكان ،وفقهم لمكان ،ساقهم إلى مكان ،حتى ِ
ّللاِت َّ المكان الذي أنامهم فيه مختار بعناية من هللا ،هللا يختار التفاصيل لعبده المؤمن ،تفاصيلذَلِكَ ِم ْن آيَا ِ
ظا سبُ ُه ْم أ َ ْيقَا ً
ض ِل ْل فَلَن ت َِجدَ لَهُ َو ِليًّا ُّم ْر ِشدًاسورة الكهف.17ثم العناية َوتَحْ َ ّللاُ فَ ُه َو ْال ُم ْهتَدِي َو َمن يُ ْ َمن َي ْه ِد َّ
صي ِد ،وألقى ع ْي ِه بِ ْال َو ِ
ط ذ َِرا َ الش َما ِلوفي حارس في الخارجَ ،و َك ْلبُ ُه ْم بَا ِس ٌ ين َوذَاتَ ِ َو ُه ْم ُرقُودٌ َونُقَ ِلبُ ُه ْم ذَاتَ ْاليَ ِم ِ
علَ ْي ِه ْم لَ َولَّيْتَ ِم ْن ُه ْم ِف َرارا ً َولَ ُم ِلئْتَ ِم ْن ُه ْم ُرعْبا ًسورة الكهف .18فمن الذي اطلَعْتَ َ هللا عليهم مهابة لَ ْو َّ
سا َءلُوا بَ ْينَ ُه ْم سيجترئ على االقتراب؟ هذا الحفظ ،هذه الصيانة ،هذه العناية ،ثم بعثهم َو َكذَلِكَ بَ َعثْنَا ُه ْم ِليَت َ َ
قَا َل قَائِ ٌل ِم ْن ُه ْم َك ْم لَبِثْت ُ ْم ،إذن ما أحسوا ،ما أحسوا كم لبثوا ،هذه من تمام النعمة ،ولكن فوضوا أمرهم إلى
هللا على عقيدة التوحيد َربُّ ُك ْم أ َ ْعلَ ُم ِب َما لَبِثْت ُ ْمسورة الكهف .19هذه عقيدة التوحيد ،رد األمر إلى هللا في
المختلف فيه الذي ال نعلم حقيقته ،وهكذا أعثر هللا عليهم بعد ذلك ،وتنازع الناس في عددهم ،والراجح أنهم
سيَقُولُونَ كما قال ابن عباس :سبعة؛ ألن هللا ذكر قولين أعقبهما وصف الرجم بالغيب ،والثالث سكت عنهَ ،
امنُ ُه ْم َك ْلبُ ُه ْمسورة س ْب َعةٌ َوث َ ِب َو َيقُولُونَ َ س ُه ْم َك ْلبُ ُه ْم َرجْ ما ً ِب ْالغَ ْي ِ ثَالثَةٌ َرا ِبعُ ُه ْم َك ْلبُ ُه ْم َو َيقُولُونَ خ َْم َ
سةٌ َ
سا ِد ُ
الكهف .22ما قال عن هذا :أنه رجم بالغيب ،وأفرده عن األولين ،وليس هناك قول رابع ،فلم يذكر ربنا إال
ثالثة أقوال ،قال عن اثنين :رجم بالغيب ،وهذا الثالث ،فذهب ابن عباس رضي هللا عنه إلى أن هذا
عددهم ،لكن ما هي قيمة العدد وأهمية العدد؟ َّر ِبي أ َ ْعلَ ُم ِب ِعدَّتِ ِهم َّما يَ ْعلَ ُم ُه ْم ِإ َّال قَ ِليلٌوانتهينا ،المهم العبرة في
القصة ،لقد خرجوا ،وعرف الناس حالهم ،وأمرهم ،وكان قد شاع خبرهم ،وتناقلته األجيال ،وقيل من
العملة التي معهم ،المهم أن هللا أعثر عليهم ،حتى يعرف الناس اآلية ،ويعرف الناس العبرة ،ويعرف
الناس الكرامة ،ويعرف الناس خرق العادة ،أنها ألجل هؤالء الفتية الصالحين ،ليس نمت أظفارهم،
وشعورهم ،كما يتصور البعض ،بل هذا غير صحيح؛ ألنهم هم لم يشعروا
لقد خرجوا ،وعرف الناس حالهم ،وأمرهم ،وكان قد شاع خبرهم ،وتناقلته األجيال ،وقيل من العملة التي
معهم ،المهم أن هللا أعثر عليهم ،حتى يعرف الناس اآلية ،ويعرف الناس العبرة ،ويعرف الناس الكرامة،
ويعرف الناس خرق العادة ،أنها ألجل هؤالء الفتية الصالحين ،ليس نمت أظفارهم ،وشعورهم ،كما
يتصور البعض ،بل هذا غير صحيح؛ ألنهم هم لم يشعروا
ض يَ ْو ٍم ،لو كان نمت األظفار ،والشعور ،وصار المنظر كئيبا ً مزرياً ،لرأوا هم هذا ،لكن لم ،يَ ْو ًما أ َ ْو بَ ْع َ
يروا ذلك ،هذه من تمام عناية هللا أنهم ما نمت األظفار ،ونمت الشعور بشكل مزري ،هذه عناية من هللا أن
هذا ما حدث ،حتى أنهم هم ما أحسوا عند قيامهم كم لبثوا ،الغلو بالصالحين هذا بدعة ،وطريقة شيطانية،
حتى هؤالء أصحاب الكهف الشيطان ما ترك الناس فيما يتعلق بهم ،فقد أغرى بعضهم أن يبنوا عليهم
مسجداً ،ونحن نعلم أنه ال يجوز بناء المساجد على القبور ،وأن القبر إذا كان في مسجد يخرج القبر إذا
كان المسجد أوالً ،والقبر جاء بعد ذلك ،هذا منكر إذن يخرج القبر ينقل إلى المقبرة ،وإذا كان القبر أوالً،
ثم بني عليه المسجد فما بني على باطل فهو باطل ،فيزال المسجد ،ويكشف القبر ،وال تجوز الصالة في
مسجد فيه قبر ،كما أخبرنا النبي عليه الصالة والسالم ،وسأل ربه هذا.
ماذا نستفيد من قصة أصحاب الكهف.
عباد هللا:
إن هللا سبحانه وتعالى ،يخبرنا بأخبار من قبلنا لنتعظ ،ويكون عندنا من العلم ،والهدى ما نهتدي به ،وهذه
قصة يصلح يا مسلم :أن تربي عليها أوالدك ،نحن نسأل اآلن ،ماذا نعمل للمراهقين؟ ماذا نقول
للمراهقين؟ خذها هدية يا مسلم من رب العالمين واستعن في تربية أوالدك وتثبيت نفسك وآلك ،آل بيتك.
اللهم أحيينا مؤمنين ،وتوفنا مسلمين ،وألحقنا بالصالحين ،غير خزايا ،وال مفتونين ،اللهم إنا نسألك فعل
الخيرات ،وترك المنكرات ،وحب المساكين ،اللهم ارحم ضعفنا ،واجبر كسرنا ،واشف مريضنا ،وارحم
ميتنا ،واقض ديوننا ،واستر عيوبنا ،واجمع على الحق شملنا ،آمنا في األوطان ،والدور ،وأصلح األئمة،
ووالة األمور ،واغفر لنا يا عزيز يا غفور ،اللهم إنا نسألك العون للمسلمين في الشام ،وسائر األرض يا
رب العالمين ،اللهم أطعم جائعهم ،وآ ِو شريدهم ،واكس عاريهم ،واحمل حافيهم ،اللهم اجمع كلمتهم على
الحق يا رب العالمين ،واحفظهم من بين أيديهم ،ومن خلفهم ،وعن أيمانهم ،وعن شمائلهم ،ومن فوقهم،
ومن أسفل منهم ،يا رب العالمين ،طائرات تضرب من فوق ،وألغام من تحت ،وقذائف من جميع الجهات،
ما أحوجنا ،وأحوج أهل الشام ،وبورما ،والمستضعفين في األرض إلى هذا الدعاء ،احفظنا من بين أيدينا
ومن فوقنا ،ومن فوقنا ،والقصف عليهم ،نسأل هللا سبحانه وتعالى أن يحفظهم ،نسأل هللا سبحانه وتعالى أن
ينصرهم ،نسأل هللا سبحانه وتعالى أن يكألهم ،نسأل هللا سبحانه وتعالى أن يرد عنهم الكيد ،وأن يرفع
عنهم البأس ،وأن يفرج همهم ،ونسأل هللا أن ينقذهم وأن ينجيهم ،وهو أرحم الراحمين ،اللهم إنا نسألك أن
تنصر من نصر الدين ،وأن تعلي شأن المسلمين ،وأن تنصرهم على عدوك ،وعدوهم يا رب العالمين،
اللهم عليك بالطغاة المجرمين ،اللهم عليك بالجبابرة الظالمين ،أنزل بهم بأسك الذي ال يرد عن القوم
المجرمين ،فرق شملهم ،وشتت جمعهم ،واجعل دائرة السوء عليهم ،وائتهم من حيث ال يحتسبون ،وابطش
بهم بطشتك الكبرى يا جبار خذهم ،خذهم أخذا ً أليما ،خذهم أخذا ً وبيالً ،واجعل دائرة السوء عليهم ،وأقر
أعيننا ،وأفرحنا ،وأفرح المسلمين بنصر عاجل قريب ،تعز فيه دينك ،وعبادك الصالحين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ،وسالم على المرسلين ،والحمد هلل رب العالمين.
1 -رواه البخاري.5958
( 2 -رواه ابن ماجه بمعناه).2142