You are on page 1of 17

‫تمهيد ـــــــ‬

‫لقد احت ّل موضوع الصحوة اإلسالمية وتوعية أبناء اإلسالم حيزاً كبيراً من اهتمامات هذا الداعية اإلسالمي‬
‫المج ّدد‪ ،‬فضالً عن رحالته العديدة التي طاف فيها أرجاء عديدة من العالم‪ ،‬كل هذه االهتمامات والمشاغل لم‬
‫تترك له فرصة تدوين أفكاره وتسجيل آرائه بشكل منظّم ودقيق‪ ،‬إلعطاء صورة واضحة عن رؤيته‬
‫اإلسالمية([‪.)]1‬‬
‫ومما يؤسف له ّ‬
‫أن المؤلفات التي وصلتنا عن جمال الدين مبعثرة ومعظمها يتناول موضوعات سياسية‬
‫واجتماعية‪ ،‬وعلى رأسها الرسالة النيجرية‪ ،‬التي تحظى بانسجام وتماسك موضوعي واضح([‪ .)]2‬والسمة‬
‫المشتركة التي تطبع مؤلفاته ـ على تف ّرقها كخيط يجمع إليه خرزات السبحة ـ هو الشعور الديني الوقّاد‪ ،‬وقد‬
‫عبّر هذا الشعور عن نفسه بوضوح في موضوع التوظيف االجتماعي للدين‪ ،‬حيث عبارته الشهيرة‪« :‬الدين‬
‫جوهر األمم ونبع السعادة الحقيقية لإلنسان»([‪.)]3‬‬
‫شعار اإلسالم هو الح ّل ـــــــ‬

‫أن للدين دوراً خطيراً في إرساء أسس المجتمعات البشرية وحفظ هيكل‬ ‫إذن‪ ،‬فالشيخ المصلح يرى ّ‬
‫الحضارة‪ ،‬معرّفا ً المجتمع المدني بأنّه ذلك المجتمع الذي تنغرز ركائزه في تربة الدين‪ ،‬مؤ ّكداً في الوقت‬
‫ذاته على نقطة جوهرية وهي ّ‬
‫أن المجتمع الذي ينزع عنه لباس الدين لن تستر عورته األيديولوجيات‪ ،‬ولن‬
‫يتم ّكن من وضع أقدامه على طريق النجاح والسؤدد؛ ّ‬
‫ألن «الدين بصورة مطلقة هو السلسلة التي تجمع‬
‫حلقات البناء االجتماعي إلي بعضها‪ ،‬ومن دونه لن تقوم للحضارة قائمة»([‪.)]4‬‬
‫لقد شرح شيخنا المج ّدد األفغاني هذه النقطة بإسهاب في رسالته النيچرية‪ ،‬مستدالً لها في الصفحات ‪ 64‬ـ‬
‫‪ ،72‬حيث يستعرض في بدايتها أربعة طرق مؤثرة وناجعة في تقويم األهواء النفسانية وتوطيد أسس األمن‬
‫االجتماعي ومن هذه الطرق‪ ،‬المبادرة الشخصية وشرف النفس وسلطة الح ّكام‪ ،‬ثم يخرج بهذه النتيجة وهي‬
‫أنّنا ال نستطيع أن نجعل من العقل اإلنساني محوراً لنظام الكون وذلك لجهة نسبيته وافتقاده إلى قوة الدعم‬
‫التنفيذية‪ .‬ثم ينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن الطريق الرابع الذي يساهم في تحقيق هذا األمر المهم بقوله‪:‬‬
‫بأن للكون صانعا ً عليما ً‬
‫لكف أيدي أرباب الشهوات عن التع ّدي واإلجحاف هو اإليمان ّ‬
‫«وأ ّما الطريق الرابع ّ‬
‫وأن لكل عمل ـ خيراً كان أم ش ّراً ـ ثواب وعقاب في اآلخرة»([‪.)]5‬‬
‫وقادراً‪ّ ،‬‬
‫كان الشيخ جمال الدين يرى أنّه في ضوء ثبات أصول الدين وقواعده العامة التي تحيط بحاجات البشرية‬
‫ومتطلباتها كافة‪ ،‬أثبتت تعاليمه قدرتها على رفع همم الناس وعزائمهم وتزكية نفوسهم وجمع قلوبهم على‬
‫األلفة والمحبة‪ ،‬واألخذ بيدهم إلى مدارج الحضارة والتم ّدن([‪.)]6‬‬
‫أن اإلسالم يك ّرم اإليمان المبني على العلم والوعي‪ ،‬وينبذ الجهل والخرافات واتّباع‬
‫لقد آمن سيدنا الجليل ّ‬
‫الظنون‪ ،‬وهو الدين الوحيد برأيه الذي رفع منزلة العقل وك ّرم طالبه والساعين وراءه‪ ،‬لما في طريق العقل‬
‫والعقالنية من سعادة وفالح‪ ،‬وعلى النقيض من ذلك‪ّ ،‬‬
‫فإن في الجهل وعدم التب ّ‬
‫صر الضالل والخسران‪،‬‬
‫وهي لعمري مزية ال يتوافر عليها أي دين آخر([‪.)]7‬‬
‫بأن طريق االجتهاد في اإلسالم مفتوح على مصراعيه ّ‬
‫وأن السبيل إلى‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬كان األفغاني يعتقد ّ‬
‫نيل العلوم الدينية ممهّدة‪ ،‬ماذا يعني ّ‬
‫أن باب االجتهاد ممنوع ومغلق؟ أي نصّ أو حديث حرّم االجتهاد‬
‫)‬
‫ومنعه؟ أفهل منعه أحد من أئمتنا وحرّم ولوجه من بعدهم؟([‪]8‬‬
‫لقد كان وقع ر ّد جمال الدين على آراء السير أحمد خان المادية الطبيعية كالصاعقة وذلك في مقالته «تفسير‬
‫المفسّر»‪ ،‬حيث عبّر عن وضوح وشفافية في الرؤية تجاه مسألة حرية الفكر في التعاطي مع المعارف‬
‫الدينية واستيعابها‪ ،‬والوقوف على حدود صالحياتها‪ .‬وكان يرى أنّه ليس بالضرورة أن يندرج كل إصالح‬
‫في قضايا الدين وتعاليمه ضمن إطار تحديث الفكر الديني وتجديده‪ ،‬وهو بذلك كان ير ّد على مقولة السير‬
‫أحمد خان حول مرتبة النبوة التي أنزلها إلى مرتبة المصلحين من أمثال جورج واشنطن ونابليون‬
‫وبالمرستون وغاريبالدي وغالدستون وغامبليا([‪.)]9‬‬
‫جمع األفغاني في شخصيته العقالنية واألصالة الدينية في آن معاً‪ ،‬ويظهر ذلك بجالء من خالل مق ّدمة كتبها‬
‫في صحيفته العروة الوثقى استعرض خاللها األهداف التي كان يتو ّخاها من إصداره الصحيفة‪ ،‬حيث يقول‬
‫فيها‪ :‬إنه يسعى إلى تبيين خطر آراء أولئك الذين يعتقدون بعجز المسلمين عن امتالك ناصية العلم‬
‫والحضارة‪ ،‬مؤ ّكداً قدرتهم على ذلك ما داموا على عقيدة السلف الصالح التي مهّدت أمامهم طريق الفتوحات‬
‫واالنتصارات العظيمة([‪.)]10‬‬
‫وفي إطار هذه اآلراء واألفكار‪ ،‬ش ّ‬
‫ق شيخنا المصلح طريقه إلى األزهر لتدريس الفلسفة والعلوم العقلية‬
‫وكان يحضّ على تعلّم العلوم المعاصرة وذلك من أجل ازدهار الفكر اإلسالمي وإشاعة حملة تنويرية في‬
‫صفوف علماء األزهر الهدف منها إحياء األفكار اإلسالمية وبعث العقائد الدينية‪ ،‬من هنا كان يعتقد ّ‬
‫بأن‬
‫مفاهيم من قبيل القضاء والقدر والتوكل على هللا يجب أن تكون دوافع نحو النهضة والنشاط‪ ،‬ال عوامل‬
‫للتواكل والكسل والعزلة‪ ،‬حيث عبارته الشهيرة‪« :‬التوكل واإليمان بالقضاء والقدر تعني النشاط والمثابرة‬
‫ال التراخي والكسل»([‪.)]11‬‬
‫كان هذا المصلح المج ّدد يرى في اإلسالم دين ج ّد واجتهاد‪ ،‬وهذا ما حمله على إيالء فريضة الجهاد اهتماما ً‬
‫خاصاً‪ ،‬إذ كان يعتقد توافر اإلسالم على المقومات الالزمة التي تؤهله لقيادة المسلمين وتهيئة مستلزمات‬
‫أن أولوياته تر ّكزت على‬
‫الحياة الطيبة لهم‪ ،‬حياة تجمع سعادة الدنيا وثواب اآلخرة‪ .‬وعلى الرغم من ّ‬
‫التطبيقات العملية للدين وتأثيراتها على تنظيم حياة البشر‪ ،‬لكن ربّ سائل يسأل‪ :‬أنّى لنا أن نستيقن بعدم‬
‫ضعف عالقته بجوهر الدين وحقيقته‪ ،‬وأنّه لم يكن يستخدمه وسيلةً لتحريك عواطف الجماهير وإثارة‬
‫مشاعرها؟ جوابا ً على ذلك نقول‪ :‬أال تكفي حركته اإلحيائية المستلهمة من روح القرآن وتعاليمه لتشهد على‬
‫صدق إيمانه بالدين وعمقه؟‬

‫أسباب التدهور اإلسالمي عند جمال الدين ـــــــ‬

‫في بداية مقاله‪ :‬لماذا أصبح اإلسالم ضعيفاً؟ يستشهد األفغاني باآلية الكريمة‪َ { :‬وما كانَ َر ُّب َك لِيُ ْهلِكَ ا ْلقُرى‬
‫صلِ ُحونَ }‪( ‬هود‪ ،)117 :‬ليناقش سبب ضعف المسلمين وذلّتهم على الرغم من قدرات اإلسالم‬ ‫بِظُ ْل ٍم َوأَ ْهلُها ُم ْ‬
‫الهائلة وإمكاناته العظيمة؟ كيف أتيح للكفار أن يظهروا على المسلمين؟ ما الذي جرى؟ كيف وصلت‬
‫الحضارة اإلسالمية إلى ما وصلت إليه من الضعف واالنحالل والوهن بعد عصر طويل من االزدهار‬
‫والغلبة؟ كيف أضاع المسلمون جميع تلك اإلمكانات والنعم؟ وبطبيعة الحال‪ّ ،‬‬
‫إن النعم التي يقصدها جمال‬
‫الدين هي االستقالل واالعتماد على النفس والحرية واالقتدار والمنعة واألمن والرفاه‪.‬‬
‫لكن‪ ..‬ما هي النعم السالفة؟ إنّها الع ّزة والسيادة والعظمة حينما كان صيت أجدادنا العظام يزلزل األرض‬
‫تحت أقدام جميع ملوك المعمورة‪ ،‬ورؤوسهم مطأطأة في حضورهم‪ ،‬أ ّما النعم األخرى فهي األمن والراحة‬
‫والحرية‪ ،‬إذ لم يكن أحد ليجرؤ على مج ّرد التفكير بالتطاول أو االعتداء علينا‪ ،‬ألننا كنّا نمسك بأسباب الع ّزة‬
‫والمنعة من علماء فطاحل وسالطين مقتدرين وجيوش جرارة و‪ ..‬كانت لدينا الثروات وال ُمكنة‪ ،‬ولم تكن لنا‬
‫باألجانب حاجة‪ ،‬كنّا نصنع ما نحتاج بأنفسنا‪ ،‬بعبارة جامعة‪ :‬كنا نمتلك أسباب العمل بما حبانا هللا من نعم‬
‫وفيرة وخيرات عميمة‪ ،‬لكنّها وفي لحظة تاريخية عصيبة ضاعت كلّها‪ ،‬ضيعناها جميعا ً ودفعة واحدة‪،‬‬
‫لنستعيض عنها بالفقر والحرمان واالضطراب والذلة والعوز والفقر والمسكنة والعبودية‪ ،‬فهال سألنا أنفسنا‬
‫لماذا جرى علينا كل هذا؟‬

‫األدهى من كل ما قيل آنفا ً ـ بحسب رأي جمال الدين ـ هو األسلوب المتّبع في عرض تلك األخبار‬
‫واالنتكاسات على الجيل الحالي‪ ،‬وكأنّها مرتبطة بذلك التاريخ وال حيلة لنا اآلن سوى القبول بالواقع الم ّر‬
‫باعتباره قدرنا‪ ،‬في حين يرى رائد اإلصالح األفغاني بأنها قضية ترتبط بعصرنا الحالي‪ ،‬من خالل طرحه‬
‫للسؤال التالي‪ :‬ما العمل اآلن؟ كيف نستطيع إحياء هذه الهمم وبعثها من جديد وارتقاء ذرى المجد والعلى؟‬
‫كيف نوقظ الذي يغطّ في سبات عميق ويحلّق مع أحالمه ورؤاه؟‬

‫ويرى هذا المصلحـ الكبير ّ‬


‫أن الحل يكمن في العودة إلى قرآننا لننهل من نمير معارفه وعلومه‪ ،‬ففيه الحل‬
‫الناجع لمشاكلنا المزمنة والشفاء السريع ألمراضنا المستعصية‪ ،‬كما تصرّح بذلك اآلية الكريمة‪{ :‬إِنَّ هَّللا َ ال‬
‫يُ َغيِّ ُر ما بِقَ ْو ٍم َحتَّى يُ َغيِّ ُروا ما بِأ َ ْنفُ ِ‬
‫س ِه ْم}‪( ‬الرعد‪:‬ـ ‪.)]12[()11‬‬
‫من هذا المنطلق‪ ،‬وعبر مراجعة سريعة لتاريخ األمم وتحليل مسيرتها الحضارية‪ ،‬يمكن الوقوف على‬
‫أن الحكيم المبدع لهذا الكون قد وضع لألشياء علالً وأسباباً‪ ،‬ومن ث ّم لكل‬
‫أسباب تق ّدمها وتراجعها‪ ،‬ذلك ّ‬
‫حادث علله ونتائجه الخاصة به‪ ،‬واآليات القرآنية بدورها تصرّح بهذه الحقيقة‪ ،‬وهي ّ‬
‫أن نظام الكون تحكمه‬
‫قوانين دقيقة وثابتة اصطلح عليها بالسنن اإللهية‪ّ ،‬‬
‫وأن التزامها والتقيّد بها يعني السير في طريق الخير‬
‫والفالح‪ ،‬والحيد عنها يوجب الضالل والخسران([‪.)]13‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬يعزو األفغاني س ّر تألّق الحضارة اإلسالمية المفاجئ في القرون األولى من ظهور اإلسالم‪،‬‬
‫إلى خلوص نوايا المسلمين وتمسكهم بالتعاليم اإللهية‪ ،‬ولماذا كل هذا؟ من أجل الوفاء بالعهد الذي قطعوه‬
‫لربهم‪ ،‬فأثابهم هللا على أعمالهم باألجر الجزيل والثواب الجميل‪ ،‬وأنالهم ع ّز الدنيا وسعادة اآلخرة([‪.)]14‬‬
‫أن شيخنا المج ّدد يرسم صورة واضحة المالمح عن العالقة المتينة التي تربط بين‬
‫ونلمس بوضوح كيف ّ‬
‫العبد وربه‪ ،‬إنّهم قوم كانوا مع هللا فكان هللا معهم‪ ،‬ذكروه فذكرهم ولم ينساهم‪ ،‬لقد شروا أنفسهم ابتغاء‬
‫مرضاته‪ ،‬فأعطوه صفقة أيديهم وثمرة قلوبهم‪ ،‬فكان العبد في حمى الرب ما دام الدين في حماه‪{ ،‬إِنْ‬
‫ص ْر ُك ْم َويُثَبِّ ْ‪3‬ت أَ ْقدا َم ُك ْم}‪( ‬محمد‪.)]15[( )7 :‬‬
‫ص ُروا هَّللا َ يَ ْن ُ‬
‫تَ ْن ُ‬
‫ث ّمة عوامل كثيرة أ ّدت إلى توقّف مسيرة التم ّدن والنهوض عند المسلمين وانكفائهم‪ ،‬وتقهقهر الدولة‬
‫اإلسالمية وانحسار نفوذها وسلطانها‪ ،‬هذا ما يقوله األفغاني بعد أن يستشهد باآليتين الشريفتين‪:‬ـ {إِنَّ هَّللا َ ال‬
‫س ِه ْم} (الرعد‪َ { ،)11 :‬وما أَصابَ ُك ْم ِمنْ ُم ِ‬
‫صيبَ ٍة فَبِما َك َ‬
‫سبَتْ‬ ‫يُ َغيِّ ُر ما بِقَ ْو ٍم َحتَّى يُ َغيِّ ُروا ما بِأ َ ْنفُ ِ‬
‫أَ ْي ِدي ُك ْم}‪( ‬الشورى‪ )30 :‬ثم يتابع‪ :‬كانت البداية‪ ،‬عندما طرح المسلمون العقل جانباً‪ ،‬وهو الهادي إلى سعادة‬
‫البشرية‪ ،‬ثم نسوا العهد الذي قطعوه مع هللا‪ ،‬وتهاونوا في االمتثال ألوامر الدين واالنتهاء عن نواهيه‪ ،‬كما‬
‫أنّهم بوقوفهم موقف الالمباالة من مصير األمة مهّدوا لعوامل ضعفها ومن ث ّم سقوطها في هاوية التخلف‬
‫واالنحطاط([‪.)]16‬‬
‫فإن المصلح األفغاني قد ش ّخص في البداية داء األمة‪ ،‬ووضع يده على أسباب انحطاطها‬
‫إذن‪ ،‬كما نلحظ‪ّ ،‬‬
‫وعوامل تراجعها والمتمثلة في الفصل بين الدين والسياسة‪ ،‬وذلك عندما أنيطت مسؤولية إدارة شؤون‬
‫المجتمعات اإلسالمية إلى أفراد لم يتبنّوا النهج اإللهي في الحكم‪ ،‬وكانوا يجهلون أصول الدين وفروعه‪،‬‬
‫ناظرين إلى الحكم بوصفه غايةً وهدفاً‪ ،‬وإن لم يكونوا أهالً له‪ ،‬وكانت تنقصهم الكفاءة الالزمة إلدارة‬
‫المجتمع اإلسالمي‪ ،‬األمر الذي أ ّدى إلى تف ّرق الدين مذاهب وفرق عديدة وأن تفقد الدولة اإلسالمية هيبتها‬
‫ومركزيتها‪ ،‬فانقطعت بذلك شعرة معاوية بين العلماء من جهة وبين الح ّكام والناس من جهة أخرى‪،‬‬
‫وانصرف ك ّل إلى شأنه‪ ،‬وجاءت حملة التتار والحروب الصليبية لتضيف مزيداً على العلّة ويواصل‬
‫المجتمع اإلسالمي مسير االنحدار والسقوط بسرعة أكبر([‪.)]17‬‬
‫من السنن اإللهية األكيدة التي في تجاهلها واالستخفاف بها ذهاب وجود الفرد أو النظام االجتماعي هي‬
‫العدل واالعتدال([‪ )]18‬والحقيقة ّ‬
‫أن مسائل اإلسراف واإلتراف بحسب المفهوم القرآني لم تغب عن بال‬
‫وأن عاقبة الحيد عن طريق السماء هو تحقق‬ ‫المصلح‪ ،‬حيث ع ّدها من عوامل انحطاط المسلمين وتراجعهم‪ّ ،‬‬
‫([‬
‫ش ُرهُ يَ ْو َم ا ْلقِيا َم ِة أَعْمى}(طه‪)124 :‬‬ ‫شةً َ‬
‫ض ْنكا ً َونَ ْح ُ‬ ‫الوعيد اإللهي‪َ { :‬و َمنْ أَ ْع َر َ‬
‫ض عَنْ ِذ ْك ِري فَإِنَّ لَهُ َم ِعي َ‬
‫‪ .)]19‬كما وأنّه كان ينظر إلى الجهل والخرافة وضيق األفق والدوغمائية باعتبارها من نتاجات تعطيل العقل‬
‫أن من بوادر االنحطاط في مجتمع ما عزوفه عن مناهل الفلسفة والحكمة‪.‬‬‫والتنكر لطريق العقالنية‪ ،‬معتقداً ّ‬
‫«كل أ ّمة ذهبت ريحها وأفل نجمها كانت العلّة في ضعف روحها الفلسفية ثم انتقال هذا الضعف إلى سائر‬
‫العلوم واآلداب»([‪ .)]20‬ولع ّل مراده من الروح الفلسفية طلب الحكمة وليس الفهم العلمي التجريبي لعلل‬
‫الظواهر([‪.)]21‬‬
‫تأثير التص ّوف وعقيدة الجبر على االنحطاط اإلسالمي ـــــــ‬

‫أ ّما العلّة األخرى النحطاط المجتمعات اإلسالمية فهي شيوع عقيدة الجبر والطرق الصوفية التي تحمل‬
‫المسلمين على التراخي والضعف‪ ،‬كما تناول الفكرة الخاطئة السائدة لدى الغرب وهي ّ‬
‫أن إيمان المسلمين‬
‫بعقيدة القضاء والقدر وعزو جميع أسباب الحياة وشؤونها إلى هللا أفقدهم أ ّ‬
‫ي حافز للعمل والمثابرة في أي‬
‫منحى من مناحي الحياة‪ ،‬لهذا السبب لم يج ّدوا في طلب العلوم والفنون ولم يعيروا اهتماما ً لبعث مجدهم‬
‫التليد‪ ،‬فتراخوا وتكاسلوا في الدفاع عن أنفسهم ولم يخطو خطوةً واحدة باتجاه استعادة حقوقهم‪ .‬ويرى جمال‬
‫أن الغرب قد خلط بين أحد األصول الحقّة للعقائد اإلسالمية أال وهو القضاء والقدر وبين مذهب‬ ‫الدين ّ‬
‫الجبر‪ ،‬وأنّه قد أساء فهم هذا المصطلح‪،‬ـ معتبراً هذا النمط من الفهم بمثابة افتراء ظالم بح ّ‬
‫ق العقائد‬
‫اإلسالمية‪ ،‬بعد ذلك يبدأ بالتمييز بين عقيدة الجبر والقضاء والقدر قائالً‪ :‬ليست عقيدة القضاء والقدر‬
‫كالجبر‪ ،‬وال حتى من مقتضياتها‪ ،‬فالمفهوم األصيل لهذه العقيدة (أي القضاء والقدر) يحرّك في اإلنسان‬
‫عناصر المثابرة واله ّمة والتق ّدم… وعندما تتخلّص هذه العقيدة من قيود الجبر‪ ،‬تمهّد أمامها طريق اإلقدام‬
‫والشجاعة والفتوة‪ ،‬لتنتصر على المهالك التي ترعب الشجعان‪ ،‬هذه العقيدة تصبّر النفوس وتع ّودها الثبات‬
‫على الشدائد والصعاب لتصرع وحش الخوف في داخلها([‪.)]22‬‬
‫وتحت ظل هذه العقائد‪ ،‬اندفع المسلمون ليض ّحوا بالغالي والنفيس غير مبالين بالصعاب في سوح الوغى‪،‬‬
‫اخش َْو ُه ْم فَزا َد ُه ْم إِيمانا ً‬
‫اس قَ ْد َج َم ُعوا لَ ُك ْم فَ ْ‬
‫اس إِنَّ النَّ َ‬ ‫حتى نالوا مرضاة هللا ومدحته‪{ :‬الَّ ِذينَ قا َل لَ ُه ُم النَّ ُ‬
‫سو ٌء‪( } ‬آل عمران‪ 173 :‬ـ‬ ‫س ُه ْم ُ‬‫س ْ‬ ‫سبُنَا هَّللا ُ َونِ ْع َم ا ْل َو ِكي ُل‪ ‬فَا ْنقَلَبُوا بِنِ ْع َم ٍة ِمنَ هَّللا ِ َوفَ ْ‬
‫ض ٍل لَ ْم يَ ْم َ‬ ‫َوقالُوا َح ْ‬
‫‪.)174‬‬
‫لقد تح ّرى األفغاني الحلول الناجعة لعالج أمراض المجتمع‪ ،‬فلم يجد أمامه من خيار إلنقاذ األمة واستعادة‬
‫سالف ع ّزها وعظيم مجدها إال بالعودة إلى الينابيع الصافية لإلسالم األصيل‪ ،‬وهل أنقى من ينابيع القرآن‬
‫الكريم والسنّة المطهرة وسيرة السلف الصالح؟‬

‫سنعرض خالل سطور هذا البحث لتلك الحلول العملية التي طرحها جمال الدين منطلقا ً من روح التعاليم‬
‫القرآنية النيرة‪ .‬كما نرى من المستحسن أن نتط ّرق إلى رؤيته المتفائلة إزاء تغيير أوضاع المسلمين‪ ،‬في‬
‫ضوء عقيدته الراسخة باهلل سبحانه والحافظ للشريعة اإلسالمية‪ ،‬وأنّه سيبعث ـ عاجالً أم آجالً ـ مصلحا ً‬
‫عالما ً ملما ً باألمور‪ ،‬لينشر اإلصالح بين المسلمين ويحيي فيهم الفكر الديني‪« .‬إنني لعلى يقين من ّ‬
‫أن هللا لن‬
‫يأذن بزوال هذا الدين الحق والشرع الصدق‪ ،‬وإنني أنتظر على أح ّر من الجمر أن ينير هللا تعالى بحكمته‬
‫وتدبيره عقول المسلمين وقلوبهم بأسرع وقت»([‪.)]23‬‬
‫لقد كان انتصار الثورة اإلسالمية في إيران بقيادة اإلمام الخميني نقطة تح ّول في مسيرة الصحوة اإلسالمية‬
‫العالمية‪ ،‬وال نغالي إذا قلنا ّ‬
‫بأن جمال الدين كان يحلم بصحوة إسالمية عارمة تطيح بسلطة األجانب‬
‫وجبروتهم وتنتزع االستقالل وتُرسي دعائم الثقة بالنفس واالعتماد على الذات‪.‬‬

‫أن مصلحنا األفغاني لم يترك منظومة فكرية واضحة ومنسجمة‪ ،‬ولهذا ّ‬


‫فإن الوقوف على آرائه‬ ‫ذكرنا ّ‬
‫وأفكاره حول مكانة القرآن وعالقته بالخالئق‪ ،‬ال يتيسّر إال من خالل البحث في ثنايا كتبه ورسائله‬
‫وأحاديثه‪ ،‬وإذا ما تأ ّملنا في آثاره أمكننا تلخيص اهتمامه بالقرآن ضمن ثالثة محاور هي‪ :‬منزلة القرآن‬
‫وتعاليمه‪ ،‬طبيعة قراءته للقرآن واستنباطه من آياته‪ ،‬وأخيراً مسؤولية المسلمين إزاء القرآن‪.‬‬

‫مكانة القرآن في منظومة‪ 3‬األفغاني الفكرية ـــــــ‬

‫كان المج ّدد األفغاني يؤ ّكد دوما ً على عظمة القرآن ومنزلته بوصفه كتابا ً سماويا ً هاديا ً ودليالً خالداً جادت‬
‫به حكمة السماء فنزل على قلب الرسول األمين’ دوا ًء شافيا ً وعالجا ً ناجعا ً آلالم البشرية وتسكينا ً لعذاباتها‬
‫وتطهيراً من أدرانها([‪ ،)]24‬وهو (القرآن) الحقيقة الراسخة التي ال يعرف كنهها وال يسبر غورها إال‬
‫العقالء‪ ،‬يستند إلى الحكمة والمصلحة‪ ،‬آياته خالصة ال يشوبها غلو أو لغو‪ ،‬ال تُنسخ سننه وال تعفى كلماته([‬
‫‪ .)]25‬لقد آمن جمال الدين ّ‬
‫بأن القرآن الكريم هو المنهل العذب لجميع المعارف والعلوم‪ ،‬ومعلم الحكمة‬
‫وأن كل حقيقة علمية في هذا الكون هي لسان حال القرآن وترجمان مكنوناته‪ّ ،‬‬
‫وأن آياته لم تترك‬ ‫األول‪ّ ،‬‬
‫منحى من مناحي الحياة البشرية إال وطرقته‪ ،‬ولم تترك شأنا ً من شؤون الكون([‪ )]26‬وال صغيرة أو كبيرة‬
‫في الحياة المادية والمعنوية لإلنسان إالّ وتناولتها‪« :‬لقد جاء القرآن الكريم على ذكر كل ما يالمس معاش‬
‫اإلنسان ومعاده… وبيّن القوانين العامة والمعامالت األسرية والمدنية لما في ذلك السعادة المطلقة‪ ،‬كما‬
‫أوضح مضا ّر الظلم ومفاسد التع ّدي الناجم عن الوحشية والبربرية»([‪.)]27‬‬
‫بأن لآليات بطنا ً وظهراً‪ ،‬ما يجعل فهمها واستيعابها سهالً يسيراً وصعبا ً عسيراً في آ ٍن معاً؛‬
‫كان يعتقد ّ‬
‫فالبيان العربي واضح وجزل يمكن من ظواهر ألفاظه ودالالتها كشف مقاصد اآليات وغاياتها‪ .‬وفي الوقت‬
‫نفسه‪ ،‬ال يخفى على العاقل الفطن باطن القرآن المختزن لألسرار والخفايا التي ال يُكشف سترها وال يُرفع‬
‫حجابها إالّ لمن أذن له الرحمن([‪.)]28‬‬
‫أن صعوبة تفسير بعض اآليات القرآنية ال يعني أن نتخلّى عن‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬كان جمال الدين يرى ّ‬
‫التدبّر في معانيها وتأ ّمل باطنها؛ لذا كان يحث دائما ً على التف ّكر في كالم هللا وسبر أغواره والعمل‬
‫بأحكامه([‪ .)]29‬كان ينظر إلى القرآن الكريم َ‬
‫دليل عمل وفكر في الحياة االجتماعية للمسلمين‪ ،‬من هنا ينبغي‬
‫أن يكون التعاطي مع اآليات من منطلق تطبيقي عملي؛ وذلك إليمانه الراسخ بأنها تعلّم المسلمين المبادئ‬
‫واألسس التي توصلهم إلى شاطئ األمان‪ ،‬وترفع من شأنهم على الصعد السياسية واالجتماعية‪ ،‬وفي هذا‬
‫الخصوص يستشهد بسورة النمل التي تتض ّمن قصة النبي سليمان مع ملكة سبأ‪ ،‬وهي بحسب رأيه مليئة‬
‫بالدروس والعبر في مجال السياسة ّ‬
‫وفن إدارة الحكم وتدبير شؤون الممالك‪ ،‬لذلك ينبغي للساسة ورجال‬
‫الحكم أن ينهلوا أصول ومبادئ علم السياسة من المعاني الراقية التي تزخر بها هذه اآليات الكريمة من قبيل‬
‫أصول الحكم وإدارة الناس واتّخاذ القرارات والمشاركة الشعبية العامة وأهمية المنظومة المخابراتية‬
‫واألمنية وكيفية طاعة الحاكم وتنفيذ أوامره… وغير ذلك من المعاني الراقية التي استنبطها جمال الدين من‬
‫السورة المذكورة([‪.)]30‬‬
‫في مقالته‪ :‬السياسة والعلوم في القرآن‪ ،‬يؤ ّشر األفغاني إلى بعض المالمح العلمية لآليات الشريفة معتقداً ّ‬
‫أن‬
‫القرآن يتوافر على حقائق علمية ج ّمة‪ ،‬من جملتها كروية األرض وثبوت الشمس وكيفية فناء العالم‪ ،‬وهي‬
‫حقائق كانت مح ّل صراع دموي طويل بين أبناء الجنس البشري([‪ .)]31‬ولم يكن األفغاني بصدد إنزال قيم‬
‫السماء على األرض‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫أن رؤيته العلمية تجاه القرآن لم تكن مادية وجودية محض (غير ميتافيزيقية)‬
‫وقد عبّر عن ذلك بجالء في ثورته ض ّد التفسيرات ذات الطابع المادي كما ورد ذلك في مقالته «تفسير‬
‫المفسّر»‪ ،‬حيث اعتقد ّ‬
‫بأن هذا النمط من التفسيرات الذي ظهر في كتاب «تفسير القرآن وهو الهدى‬
‫والفرقان» للسير أحمد خان هو نتاج االنبهار واالنسالب أمام اآلخر الغربي ومن ث ّم فتح األبواب أمام‬
‫انتشار النفوذ األجنبي في البالد اإلسالمية([‪.)]32‬‬
‫ّ‬
‫إن الدوافع التي وقفت وراء المحاوالت الحثيثة للمصلحـ االسدآبادي وجهوده المضنية هي استعادة مجد‬
‫اإلسالم وإحياء عظمة التعاليم والمعارف القرآنية بين المسلمين‪ ،‬وفي هذا الصدد يقول الكاتب المصري‬
‫الشهير الدكتور محمد البهي‪« :‬لقد اصطبغت نشاطات الشيخ جمال الدين بلون سياسي مميّز‪ ،‬وكان ينطلق‬
‫في جميعها من القرآن الكريم‪ .‬ـ ثم يشير الدكتور البهي إلى كالم الشيخ في العروة الوثقى عندما يقول ـ‪:‬‬
‫أتمنّى أن يكون القرآن الكريم سلطان جميع المسلمين‪ ،‬واإليمان محور وحدتهم»([‪.)]33‬‬
‫بأن المسلمين على خير ما داموا متمسّكين بقرآنهم وتعاليمه الخالدة وسبيله‬ ‫لقد آمن شيخنا المصلح الجليل ّ‬
‫المؤدية إلى مدارج الع ّز والرفعة‪ ،‬ويقينا ً أنّهم لن يذوقوا طعم الذ ّل والهوان طالما استظلّوا بظلّه‪ ،‬والملفت أنّه‬
‫لم يقصر دعوته بالتمسّك بحبل هللا على المسلمين وحدهم‪ ،‬بل أطلقها صرخة مدوية لجميع بني البشر في‬
‫ق ّ‬
‫أن الشيخ جمال الدين كان يرى في القرآن الكريم وتعاليمه الحصن الحصين‬ ‫أرجاء المعمورة([‪ .)]34‬والح ّ‬
‫الذي يحمي المسلمين من شرور المستعمرين وأذنابهم‪ ،‬وهم في مأمن من مكائدهم ما داموا مع القرآن‪،‬‬
‫ولكن إذا هجروه‪ ،‬فتحوا الباب أمام المستعمر وليس أد ّل على ذلك م ّما وقع في الهند([‪.)]35‬‬
‫وبإمكاننا هنا أن نضع الحركة اإلصالحية للشيخ جمال الدين ضمن ثالثة محاور هي‪ 1 :‬ـ محاربة الظلم‬
‫وإحقاق العدل‪ 2 .‬ـ جهوده من أجل تحقيق الوحدة اإلسالمية‪ 3 .‬ـ التأكيد على دور رجال الدين في إرشاد‬
‫المجتمع اإلسالمي‪.‬‬

‫أصول اإلصالح عند األفغاني ـــــــ‬

‫‪ 1‬ـ محاربة الظلم وإحقاق العدل ـــــــ‬

‫في مواجهته للظلم‪ ،‬تح ّرك جمال الدين على مسارين‪ :‬محاربة االستعمار األجنبي‪ ،‬والتص ّدي لالستبداد‬
‫الداخلي؛ إذ كان يؤرّقه تسلّط األجانب ـ وعلى رأسهم االستعمار اإلنجليزي ـ على مقدرات العالم اإلسالمي‪،‬‬
‫باإلضافة إلى عمالة الح ّكام المستب ّدين في البالد اإلسالمية([‪.)]36‬‬
‫أ ّما عن جهوده التي انطلقت من وحي القرآن وتعاليمه‪ ،‬فقد تر ّكزت حول المبادئ التالية‪ :‬نبذ أ ّ‬
‫ي سلطة سوى‬
‫سلطة هللا‪ .‬النهي عن االعتماد على األجانب‪ .‬التأكيد على إرساء أسس العدل وإناطة شؤون المسلمين إلى‬
‫األشخاص الصالحين‪ .‬التذكير بوعد هللا سبحانه بتحقّق ع ّزة اإلسالم والمسلمين‪ .‬التأكيد على الجهوزية‬
‫للقتال والتضحية والثبات حتى تحقيق األهداف المرسومة‪ .‬تحديد المعوقات التي تحول دون الكفاح (مثل‬
‫الجبن والوهم)‪ ،‬وفي الوقت عينه‪ ،‬تحديد العوامل المشجعة على النضال (الحيوية والنشاط واالعتماد على‬
‫رحمة هللا ولطفه)‪.‬‬

‫ك أنّه كان ينظر إلى عبارة‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬في اآلية الشريفة على أنّها الشعار الذي يتص ّدر اآليات التي‬
‫وال ش ّ‬
‫وأن المؤمنين الحقيقيين بهذا الشعار ال يعترفون بسلطان إالّ بسلطان هللا‬
‫ي سلطة سوى سلطة هللا‪ّ ،‬‬
‫تنبذ أ ّ‬
‫سولِ ِه َولِ ْل ُم ْؤ ِمنِينَ }‪( ‬المنافقون‪ ،)8 :‬وهي من‬
‫فحسب([‪ .)]37‬بعد ذلك‪ ،‬تأتي اآلية الكريمة‪َ { :‬وهَّلِل ِ ا ْل ِع َّزةُ َولِ َر ُ‬
‫أهم اآليات التي رسمت اإلطار العام للنشاط السياسي واالجتماعي للشيخ المصلح؛ لهذا كانت تمثل بالنسبة‬
‫له رسالة اإلسالم الخالدة في عدم الخضوع للذل واالستكانة‪ ،‬وكانت الحافز الذي يدفعه إلى البذل والعطاء‬
‫إليصال هذه الرسالة إلى أسماع المسلمين ليكونوا سادة أنفسهم‪.‬‬
‫وقد استنبط الشيخ مفهوم عدم جواز تولّي األجانب من روح القرآن الكريم‪ ،‬وقوله تعالى‪{ :‬ال تَتَّ ِخ ُذوا َعد ُِّوي‬
‫ق} (الممتحنة‪{ ،)1 :‬ال تَتَّ ِخ ُذوا بِطانَةً‬ ‫َو َع ُد َّو ُك ْم أَ ْولِيا َء تُ ْلقُونَ إِلَ ْي ِه ْم بِا ْل َم َو َّد ِة َوقَ ْد َكفَ ُروا بِما جا َء ُك ْم ِمنَ ا ْل َح ِّ‬
‫صدُو ُر ُه ْم أَ ْكبَ ُر} (آل‬
‫ت ا ْلبَ ْغضا ُء ِمنْ أَ ْفوا ِه ِه ْم َوما ت ُْخفِي ُ‬‫ِمنْ دُونِ ُك ْم ال يَأْلُونَ ُك ْم َخباالً َودُّوا ما َعنِتُّ ْم قَ ْد بَ َد ِ‬
‫عمران‪ .)]38[()118 :‬يقيناً‪ّ ،‬‬
‫إن األمة التي ترتضي تسليم زمام أمورها إلى المستبدين الحمقى يتصرّفوا‬
‫بشؤونها كما يحلو لهم‪ ،‬قد حكمت على نفسها بالذل والخنوع واالكتواء بنار العار والخزي أمام سائر األمم‪،‬‬
‫وعندها ستصدق عليها اآليات الكريمة‪َ { :‬وما ظَلَ ُمونا َول ِكنْ كانُوا أَ ْنفُ َ‬
‫س ُه ْم يَ ْظلِ ُمونَ } (البقرة‪« )57 :‬استبدلوا‬
‫الخبيث بالطيّب»([‪.)]39‬‬
‫لطالما أطلق الشيخ المصلح دعوته من موقع الناصح المشفق إلى الح ّكام المسلمين بمراعاة اإلنصاف‬
‫والعدل‪ ،‬وكان يحثهم دوما ً على وضع األشياء في مواضعها‪ ،‬وإناطة مسؤوليات إدارة شؤون البالد إلى‬
‫الجديرين األكفاء‪ ،‬وكان تفسيره لمفهوم العدل هو الحكمة والخير الكثير استلهاما ً من اآلية الكريمة‪{ :‬إِنَّ هَّللا َ‬
‫ي بقعة‬ ‫أن الخروج عن دائرة االعتدال والحيد عن الطريق المستقيم في أ ّ‬ ‫يَأْ ُم ُر بِا ْل َعد ِْل} (النحل‪ ،)90 :‬فكما ّ‬
‫من بقاع العالم‪ ،‬يؤدي إلى الفناء والزوال‪ ،‬كذلك هو الظلم بالنسبة للمجتمعات اإلنسانية‪ ،‬وهذا األمر يفسّر‬
‫تأكيد هللا تعالى ـ مراراً وتكراراً ـ على مراعاة العدل واإلنصاف‪ ،‬حتى قَرنه بالخير إذ يقول ع ّز من قائل‪:‬‬
‫{ َو َمنْ يُ ْؤتَ ا ْل ِح ْك َمةَ فَقَ ْد أُوتِ َي َخ ْيراً َكثِيراً} (البقرة‪:‬ـ ‪.)]40[()269‬‬
‫إن االستعداد للتضحية والفداء وتح ّمل الشدائد والصعاب في سبيل رفعة دين هللا هو المحك الذي يمحّص‬ ‫ّ‬
‫جوهر الفرد وإخالصه‪ ،‬ولطالما أ ّكد شيخنا المج ّدد على مفاهيم الجهاد والدفاع واالستقامة لتحقيق األهداف‬
‫العليا مستوحيا ً ذلك من تعاليم السماء‪ ،‬وكان يحضّ المسلمين على تمثل تلك المفاهيم التي فيها ع ّز المسلمين‬
‫اس أَنْ يُ ْت َر ُكوا أَنْ يَقُولُوا‬
‫ب النَّ ُ‬ ‫وخالصهم‪ ،‬مستنداً إلى كلمات الوحي المقدس من قبيل اآلية الكريمة‪{ :‬أَ َح ِ‬
‫س َ‬
‫آ َمنَّا َو ُه ْم ال يُ ْفتَنُونَ َولَقَ ْد فَتَنَّا الَّ ِذينَ ِمنْ قَ ْبلِ ِه ْم فَلَيَ ْعلَ َمنَّ هَّللا ُ الَّ ِذينَ َ‬
‫ص َدقُوا َولَيَ ْعلَ َمنَّ ا ْلكا ِذبِينَ } (العنكبوت‪ 2 :‬ـ‬
‫‪.)]41[()3‬‬
‫أن المؤمن الحقيقي الذي يرى الدنيا جسراً إلى اآلخرة ومزرعة لها‪ ،‬يكون على أهبة االستعداد‬ ‫خاف ّ‬
‫ٍ‬ ‫وغير‬
‫ستَأْ ِذنُ َك الَّ ِذينَ يُ ْؤ ِمنُونَ بِاهَّلل ِ َوا ْليَ ْو ِم ا ْ‬
‫آل ِخ ِر أَنْ‬ ‫لكل أشكال التضحية مجسّداً بذلك مفهوم اآلية الكريمة‪{ :‬ال يَ ْ‬
‫يُجا ِهدُوا بِأ َ ْموالِ ِه ْم َوأَ ْنفُ ِ‬
‫س ِه ْم َوهَّللا ُ َعلِي ٌم بِا ْل ُمتَّقِينَ } (التوبة‪ ،)44 :‬أ ّما الذين يزعمون اإليمان زوراً وبهتاناً‪،‬‬
‫فقد تعلّقوا بحبائل الدنيا وأسروا أنفسهم بزخارفها‪ ،‬وبذلك وقعوا في َش َرك الشبهة والنفاق‪ ،‬يتحيّنون الفرص‬
‫للفرار من أوامر هللا معتذرين بحجج واهية‪ ،‬وقد أحسن الخبير بالنفوس وصفهم في اآلية الكريمة‪:‬ـ {إِنَّما‬
‫ارتابَتْ قُلُوبُ ُه ْم فَ ُه ْم فِي َر ْيبِ ِه ْم يَت ََر َّددُونَ }(التوبة‪.)]42[()45 :‬‬ ‫ستَأْ ِذنُكَ الَّ ِذينَ ال يُ ْؤ ِمنُونَ بِاهَّلل ِ َوا ْليَ ْو ِم ا ْ‬
‫آل ِخ ِر َو ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫أن من جملة مقتضيات الجهاد‪ ،‬الجاهزية القتالية والدفاعية‪ ،‬وامتالك ع ّدة‬
‫كان جمال الدين يعلم علم اليقين ّ‬
‫الحرب والتم ّكن من فنونها؛ لذلك كان على الدوام يشكو غفلة المسلمين عن القضايا العسكرية‪ ،‬وكان ال‬
‫يكف عن المقارنة بين اإلسالم والمسيحية‪ ،‬ويسأل نفسه دائماً‪ :‬كيف نهضت المسيحية وهي دين الرهبنة‬
‫ّ‬
‫والخصام واستيقظ أبناؤها من سباتهم وتجهّزوا بأحدث الوسائل والعلوم الحربية وتفوقوا على المسلمين‪،‬‬
‫بينما اإلسالم وهو دين الجهاد والفتوحات لم يهت ّم أتباعه بتجهيز أنفسهم وامتالك ع ّدة الحرب والجهاد‪ ،‬على‬
‫الرغم من تك ّرر نداءات القرآن الكريم التي تستنهض المسلمين للدفاع عن حياض الدين‪َ { :‬وأَ ِعدُّوا لَ ُه ْم َما‬
‫ستَطَ ْعتُ ْم ِمنْ قُ َّو ٍة} (األنفال‪ .)60 :‬ثم ينتقل الشيخ المصلح إلى المعوقات التي تحول دون الجهاد مثل‬
‫ا ْ‬
‫سيطرة الجبن واألوهام على الفرد‪ ،‬ويقف عند هذا الموضوع مطوالً في مقالتين على األقل من مقاالت‬
‫العروة الوثقى‪ ،‬مستوضحا ً أسباب الجبن وعلله واألضرار التي يتسبّب بها‪ ،‬محذراً المسلمين من هذه‬
‫الرذائل األخالقية([‪.)]43‬‬
‫لم يأل الشيخ جهداً في نفخ روح الشجاعة واإلقدام في جسد المجتمع اإلسالمي المتراخي‪ ،‬إذ ما فتأ يتلو على‬
‫مسامع المسلمين آيات األمل والنشاط إلبعاد اليأس واإلحباط عنهم وكان ير ّدد دائماً‪ :‬أنّى لحامل كتاب هللا أن‬
‫ييأس أو يقنط؟!‬

‫السعي لوحدة المسلمين ـــــــ‬ ‫‪.2‬‬

‫كانت الدعوة إلى التآخي بين المسلمين ووحدتهم عند الشيخ جمال الدين بمثابة فريضة دينية وتطبيق لتعاليم‬
‫القرآن قبل أن تكون ضرورة سياسية‪ ،‬ومن هذا المنطلق دعا إلى تشكيل جبهة إسالمية موحدة ورصّ‬
‫صفوف المسلمين في العصر الجديد للتص ّدي للهجمة اإلمبريالية الغربية‪ ،‬وأطماع الدول الصناعية في‬
‫الهيمنة على مقدرات العالم اإلسالمي‪ ،‬لذلك وفي ضوء تشخيصه لألمراض االجتماعية التي تفتك باألمة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ارتأى الشيخ المصلح أن تكون الخطوة األولى ـ وفي الوقت عينه الخطوة األهم ـ في التحرّك‬
‫هي نداء الوحدة اإلسالمية ونبذ الخالف والفرقة‪ ،‬وقد تق ّدم صفوف مصلحي األمة من أجل تحقيق هذا‬
‫الهدف لدرجة رأى بعض المفكرين ّ‬
‫بأن الهدف األسمى الذي نذر شيخنا حياته لتحقيقه كان الوحدة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬لتأتي جهوده األخرى في خدمة هذا الهدف([‪.)]44‬‬
‫ّ‬
‫وتجذر‬ ‫لقد ح ّدد األفغاني مواطن الخلل والضعف في جسد األمة اإلسالمية بما يلي‪ :‬هجر الفضائل األخالقية‬
‫الرذائل والتعصب القومي والتعصب العرقي والطائفي واالنحراف عن جوهر اإلسالم األصيل وانتشار‬
‫الخرافات والبدع وتم ّكنها من عقائد المجتمعات اإلسالمية وخواء العقائد من العمل والنفاق وانقطاع‬
‫التواصل بين العلماء والح ّكام والفصل بين الدين والسياسة وتح ّول الخالفة إلى ملكية وراثية والفُرقة‬
‫والتح ّزب واالستبداد الداخلي واالستعمار األجنبي والجهل وتأخر المسلمين في العلوم والفنون([‪.)]45‬‬
‫على أ ّ‬
‫ي حال‪ ،‬ومن أجل تطهير المجتمع اإلسالمي من عوامل الفرقة واالختالف ودعوة المسلمين للتضامن‬
‫والوحدة في مقابل العدو المشترك‪ ،‬ح ّدد استراتيجيته ضمن ثالثة مسارات هي‪ 1 :‬ـ إحياء التعاليم الدينية‬
‫الداعية إلى األخوة والوحدة‪ 2 .‬ـ استحضار عناصر االتحاد والتقريب بين المجتمعات اإلنسانية وعلى‬
‫األخصّ المجتمع اإلسالمي‪ 3 .‬ـ تقديم الحلول العملية الكفيلة بتحقيق الوحدة‪.‬‬

‫ومن الحلول العملية التي اقترحها شيخنا المج ّدد لتحقيق الوحدة‪ ،‬إنشاء جمعية «أم القرى»‪ ،‬في هذا الشأن‪،‬‬
‫يرى ناظم اإلسالم كرماني ّ‬
‫أن الهدف النهائي الذي كان الشيخ يسعى إلى تحقيقه هو اإلطار العملي العام‬
‫إلقامة الحكومة الموحدة لألمة اإلسالمية‪ ،‬يقول السيد كرماني‪« :‬لع ّل الهدف الظاهري من جهود الشيخ‬
‫جمال الدين هو وحدة البلدان اإلسالمية وجمع كلمة المسلمين‪ ،‬بيد ّ‬
‫أن المتأ ّمل في سيرته يلمس بوضوح‬
‫سعيه الحثيث إلى تطبيق النموذج الجمهوري الدستوري في إيران‪ ،‬حيث لم يكن يتورّع عن فضح‬
‫ممارسات االستبداد الملكي في المجالس العامة‪ ،‬وفي فترة تأسيسه لجمعية «أم القرى» في مكة المكرمة‬
‫كان حلمه الكبير أن يتمثل مسلمو األرض في هذه الجمعية‪ ،‬فيختاروا سلطانا ً لجميع المسلمين يكون مقرّه‬
‫األستانة أو الكوفة‪ ،‬ويختاروا شخصا ً ثانيا ً يكون األعلم ويستق ّر في مكة المكرمة‪ ،‬وأن تنهض الجمعية‬
‫المذكورة بمسؤولياتها في اتّخاذ القرارات الخاصة بشؤون المسلمين لتكون نافذة بعد أن يوقّع عليها السلطان‬
‫واألعلم وتعلن على المأل‪ ،‬وأن يحكم جميع األمراء والملوك المسلمين تحت لقب «أمير األمراء» وبإمرة‬
‫أن السلطان عبد المجيد تآمر على إسقاطها ظنّا ً منه ّ‬
‫أن‬ ‫ذلك السلطان‪ ،‬لكن لم يكتب لتلك الجمعية الدوام؛ ذلك ّ‬
‫ذلك السلطان ربّما يأتي عن طريق االقتراع فتقع القرعة على غيره‪ .‬لذلك لم تع ّمر الجمعية المذكورة أكثر‬
‫من سنة واحدة‪ ،‬وقد ت ّم تدوين نظامها الداخلي ووزع في جميع البلدان‪ ،‬ولم يعرف المصير الذي انتهت إليه‬
‫تلك الوثيقة([‪.)]46‬‬
‫التأكيد على دور رجال الدين في إرشاد المجتمع اإلسالمي ـــــــ‬ ‫‪.3‬‬

‫ث ّمة آيات في القرآن الكريم ـ بحسب الشيخ جمال الدين ـ تح ّدد مسؤوليات رجال الدين بدقة‪ ،‬وهذه اآليات من‬
‫قبيل‪َ { :‬و ْلتَ ُكنْ ِم ْن ُك ْم أُ َّمةٌ يَ ْدعُونَ إِلَى ا ْل َخ ْي ِر َويَأْ ُم ُرونَ بِا ْل َم ْع ُر ِ‬
‫وف َويَ ْن َه ْونَ َع ِن ا ْل ُم ْن َك ِر َوأُولئِكَ ُه ُم ا ْل ُم ْفلِ ُحونَ }‬
‫(آل عمران‪َ { ،)104 :‬وما كانَ ا ْل ُم ْؤ ِمنُونَ لِيَ ْنفِ ُروا َكافَّةً فَلَ ْوال نَفَ َر ِمنْ ُك ِّل فِ ْرقَ ٍة ِم ْن ُه ْم طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّ ُهوا فِي‬
‫أن هذه اآليات وأمثالها‬ ‫الدِّي ِن َولِيُ ْن ِذ ُروا قَ ْو َم ُه ْم إِذا َر َج ُعوا إِلَ ْي ِه ْم لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْح َذ ُرونَ } (التوبة‪ ،)122 :‬وباعتقاده ّ‬
‫تحمل رسالة خاصة تفرض على رجال الدين أن ينخرطوا في معالجة مشاكل األمة وهمومها‪ ،‬وإيقاظ‬
‫الجماهير من سباتها وتنبيه الغافلين وإرشاد اليقظين ونفخ روح النشاط واألمل في جسم المجتمع العليل من‬
‫أجل استعادة مجد األمة وعظمتها([‪ .)]47‬بعبارة أخرى‪ّ :‬‬
‫إن األمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وجهة‬
‫نظره يأتي في صدارة قائمة المسؤوليات الملقاة على عاتق رجال الدين وهي استمرار لرسالة األنبياء؛ لذلك‬
‫ال ينبغي بأ ّ‬
‫ي شكل من األشكال التهاون في القيام بها‪« ،‬نتمنى على ورثة األنبياء أن ينطقوا بالحق‪ ،‬وأن‬
‫يحيوا آيات التوحيد وآيات األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعالى قد أمر بإعالء كلمته‬
‫ونهى عن المسامحة والتهاون في تنفيذ الواجبات‪ ،‬ولعمري لو أ ّدى العلماء هذا الواجب المتمثل باألمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر لفترة من الزمن‪ ،‬وذ ّكروا العامة بمفاهيم القرآن الكريم ومعانيه السامية‪،‬‬
‫وأحيوا ذكره في قلوبهم‪ ،‬لجنوا ثماراً يانعة إلى أبد اآلبدين»([‪.)]48‬‬
‫لقد آمن شيخنا األسدآبادي «األفغاني» بقدرة علماء الدين على إحياء مفاهيم القرآن العظيمة في قلوب‬
‫ق على الباطل‪.‬‬ ‫المسلمين؛ وذلك بالسعي الحثيث والجهد المتواصل وإحداث تح ّول مه ّم يضمن انتصار الح ّ‬
‫«لو نهض العلماء المتقون بواجباتهم إزاء هللا ورسوله والمؤمنين‪،‬ـ وأت ّموا مهامهم الموكلة إليهم فيما يتعلّق‬
‫بإعادة القرآن الكريم إلى قلب المجتمع‪ ،‬وألّفوا بين روح معانيه وبين المؤمنين‪ ،‬حينذاك سنشهد غلبة الح ّ‬
‫ق‬
‫وزهوق الباطل‪ ،‬وستسطع أنوار تبهر األبصار وستظهر أعمال تحيّر األفكار»([‪.)]49‬‬
‫وفي ر ّد ه على رسالة الحاج مستان الداغستاني الذي كان يحمل على رجال الدين باعتبارهم العقبة التي تقف‬
‫أن رجال الدين لم يكونوا يوما ً س ّداً بوجه‬
‫بوجه التق ّدم والحضارة‪ ،‬يدافع األفغاني عن هذه الشريحة مبينا ً ّ‬
‫مظاهر الحضارة ولم يعارضوا الحداثة‪ ،‬فيقول‪« :‬متى عزمت الحكومة على م ّد خطوط السكك الحديدية في‬
‫البالد فتص ّدى لها رجال الدين‪ ،‬وحالوا دون تحقّق هذا األمر المفيد للحكومة والشعب معاً؟ متى أرادت‬
‫الحكومة إنشاء المدارس والصروحـ لتربية األجيال ونشر التعليم‪ ،‬فعارضها رجال الدين ليطفئوا نور العلم‬
‫والمعرفة الذي يطرد ظلمة الجهل؟ متى قال رجال الدين ّ‬
‫بأن العلم الصحيح المفيد يتعارض مع جوهر‬
‫الشريعة الغراء؟ متى أرادت الحكومة اإليرانية بسط العدل في ربوع المجتمع‪ ،‬عبر إنشاء المحاكم ومجلس‬
‫للشورى ينهض بأعباء القوانين واللوائح الحديثة التي تستجيب للمشاكل المعاصرة للمجتمع‪ ،‬فثار العلماء‬
‫في مقابل إرادة الدولة‪ ،‬وحاربوا العدالة والقوانين؟ متى انبرت الدولة إلى إنشاء المستشفيات الستقبال‬
‫المرضى والعناية بهم والتخفيف من آالمهم‪ ،‬وبناء المص ّحات ودور العجزة ولم تلق هذه األعمال صدى‬
‫طيبا ً عند العلماء‪ ،‬أو أنكروها وقالوا عنها‪ :‬إنّها بدع وكل بدعة في النار؟»([‪.)]50‬‬
‫وفي موضع آخر من ر ّده على الداغستاني‪ ،‬يقوم الشيخ جمال الدين باستعراض شرائح مختلفة من رجال‬
‫أن كل شريحة تحتوي على المفسدين واالستغالليين؛ لذا يجب التمييز بين من‬ ‫الدين فيقول بأنّه ال شك في ّ‬
‫تلفّع بعباءة الدين من أجل تحقيق مآرب دنيوية‪ ،‬وبين زهّاد العلماء الذين نذروا أنفسهم إلعالء كلمة اإلسالم‬
‫واستعادة مجده وعظمته‪« .‬ال ينطبق هذا األمر على جميع العلماء في إيران‪ ،‬ففيهم الكثير من المخلصين‬
‫م ّمن نهضوا لنصرة الحق والفضيلة‪ ،‬زاهدين في حطام الدنيا ومتاعها‪ ،‬وهذه المسائل كانت وال تزال‬
‫موجودة في كل شريحة وفي كل زمان ومكان»([‪.)]51‬‬
‫كان قلب الشيخ جمال الدين يعتصر ألما ً كلما شاهد تنافر علماء اإلسالم وفرقتهم‪ ،‬ولطالما دعاهم إلى ل ّم‬
‫شعثهم ورصّ صفوفهم وإقامة جسور الحوار بينهم‪ ،‬من أجل نشر علوم القرآن والحديث وإنارة أذهان‬
‫المسلمين؛ إذ كان يعتقد ّ‬
‫أن اجتماع كلمة العلماء وتذاكرهم وتبادلهم لآلراء في مكان هو من أقدس بقاع‬
‫األرض أال وهو المسجد الحرام‪ ،‬سيعود على المسلمين بفوائد دينية وسياسية واجتماعية ج ّمة‪ ،‬وهذه الفوائد‬
‫برأيه‪ 1 :‬ـ تثمير الفكر اإلسالمي وتقويته في مواجهة المؤامراتـ المعتدين‪ 2 .‬ـ تشخيص مشاكل المجتمعات‬
‫اإلسالمية والتعاطي معها‪ 3 .‬ـ اإلحاطة بجميع البدع في مجال الفكر اإلسالمي ومحاربتها‪ .‬يقول‪« :‬على‬
‫العلماء والخطباء واألئمة في جميع زوايا اإلسالم أن يتواصلوا ويتحاوروا مع بعضهم البعض‪ ،‬وأن ينشؤوا‬
‫مراكز لهم في أنحاء األرض المختلفة‪ ،‬يجتمعوا فيها ليبحثوا قضايا الوحدة ويرشدوا العامة إلى تعاليم‬
‫القرآن الكريم والحديث الشريف‪ ،‬ويجمعوا الشتات في األماكن المقدسة‪ ،‬وأ ّ‬
‫ي مكان أقدس من بيت هللا‬
‫الحرام‪ ،‬ينهلوا من فيوضاته الرحمانية فيمتلؤوا عزيمة وثباتا ً بوجه المعتدين‪ ،‬ويقفوا على احتياجات الناس‪،‬‬
‫وفي هذا العمل نشر للعلوم وحماية للدين وكذلك طر ٌد للبدع وتنوير لألذهان‪ ،‬وتنظيم هذه العملية سيح ّدد‬
‫المدارج العلمية ومسؤوليات كل فرد ويس ّد باب البدع‪ ،‬وحتى لو ظهرت البدعة‪ّ ،‬‬
‫فإن تواصل هذه الشرائح‬
‫مع بعضها سيتيح وأدها في مهدها لئال تنتشر بين الناس([‪.)]52‬‬
‫كان الشيخ جمال الدين يقول ّ‬
‫بأن القرآن وعلماء اإلسالم هما القلعتان الحصينتان بوجه االستعمار اإلنجليزي‬
‫«حسْبُ رجل الدين‬
‫وأطماعه‪ ،‬لهذا السبب كان يحاربهما على جبهة واحدة‪ ،‬يقول األفغاني في هذا الصدد‪َ :‬‬
‫أن يقول‪ :‬إنّه مؤمن بالقرآن وآياته؛ لينفيه االستعمار إلى جزيرة اندومان (وهي جزيرة في السودان‪ ،‬على‬
‫األرجح)»([‪ .)]53‬وهذا ما جعل الشيخ المج ّدد يستشف خطورة استبعاد علماء الدين عن الساحة وتقليص‬
‫دورهم في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬فقد كتب في رسالة موجهة إلى رجال الدين في إيران قائالً‪« :‬أينما انحسرت‬
‫قدرة العلماء قويت شوكة األوروبيين بالمقدار الذي يتمكنون فيه من كسر شوكة اإلسالم»‪.‬‬
‫الهوامش‬

‫(*)‪ ‬باحثة حائزة على شهادة الماجستير من كلية اإللهيات والمعارف اإلسالمية بجامعة طهران‪.‬‬
‫(‪ )1‬کما هي الحال مع الشيخ النائيني وعبد الرحمن الکواکبي اللذين ترکا مؤلّفات تص ّرح بأفکارهم‪ ،‬ويشهد‬
‫علی ذلك کتاب تنبيه األمة وتنـزيه الملّة الذي بيّن فيه النائيني األسس الشرعية للثورة الدستورية‬
‫(المشروطة)‪ ،‬وبالنسبة لعبد الرحمن الکواکبي‪ ،‬فقد طرح أفکاره ومبادئه عن الوحدة اإلسالمية ومقارعة‬
‫االستبداد في کتبه‪ ،‬من قبيل «أم القری» و«طبائع االستبداد»‪.‬‬
‫([‪ )]2‬من جملة ما کتب الشيخ جمال الدين نذکر‪ :‬تتمة البيان في تاريخ األفغان‪ ،‬المقاالت الجمالية‪ ،‬مقاالت‬
‫العروة الوثقى‪ ،‬رسائل في الفلسفة والعرفان‪ ،‬المقالة البابية ومؤلفات أخری کثيرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ميان محمد شريف‪ ،‬تاريخ الفلسفة في اإلسالم ‪ ،3049 :4‬ترجمة‪ :‬مرکز النشر الجامعي‪،‬‬
‫الطبعة األولی‪ ،‬طهران‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬جمال الدين األفغاني‪ ،‬النيچرية أو المادية‪ 12 :‬ـ ‪ ،13‬قم‪ ،‬مکتب النشر اإلسالمي التابع لجماعة‬
‫المدرسين في الحوزة العلمية‪.‬‬
‫(‪ )5‬المصدر نفسه‪.71 :‬‬
‫([‪ )]6‬االفغاني‪ ،‬ماضي األمة وحاضرها وعالج أمراضها‪ 18 :‬ـ ‪ ،30‬مقاالت العروة الوثقى‪ ،‬ترجمة عبد‬
‫هللا سمندر؛ انظر له کذلك‪ :‬مقاالت العروة الوثقی‪ ،‬إعداد‪ :‬هادي خسروشاهي‪.83 :‬‬
‫([‪ )]7‬انظر‪ :‬النيچرية أو المادية‪ 80 :‬ـ ‪.81‬‬
‫([‪ )]8‬انظر‪ :‬أحمد أمين‪ ،‬زعماء اإلصالح في العصر الحديث‪.113 :‬‬
‫([‪ )]9‬انظر‪ :‬األفغاني‪ ،‬تفسير المفسّر‪ 100 :‬ـ ‪ ،104‬المقاالت الجمالية‪ ،‬إعداد‪ :‬ميرزا لطف هللا خان‬
‫أسدآبادي‪ ،‬طهران‪ ،‬مؤسسة خاور‪1933 ،‬م‪.‬‬
‫([‪ )]10‬انظر‪ :‬األفغاني‪ ،‬نهج ابن جديدة‪ ،3 :‬مقاالت العروة الوثقی؛ وانظر أيضاً‪ :‬مقاالت العروة الوثقی‪:‬‬
‫‪.69‬‬
‫([‪ )]11‬انظر‪ :‬األفغاني‪ ،‬القضاء والقدر‪ 64 :‬ـ ‪ ،75‬مقاالت العروة الوثقی‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد هللا سمندر‪ ،‬وانظر‬
‫له أيضاً‪ :‬رسائل في الفلسفة والعرفان‪ ،70 :‬تنظيم‪ :‬هادي خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]12‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫([‪ )]13‬انظر‪ :‬األفغاني‪ ،‬أسباب حفظ الملك‪ 148 :‬ـ ‪ ،157‬العروة الوثقی‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد هللا سمندر؛ وانظر‬
‫له أيضاً‪ :‬مقاالت العروة الوثقی‪ ،182 :‬إعداد‪ :‬هادي خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]14‬األفغاني‪ ،‬لماذا أصبح اإلسالم ضعيفاً؟‪ 167:‬ـ ‪ ،168‬مقاالت جمالية‪.‬‬
‫([‪ )]15‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫([‪ )]16‬انظر‪ :‬األفغاني‪ ،‬الفضائل والرذائل وعواقبهما‪ 84 :‬ـ ‪ ،85‬مقاالت العروة الوثقی‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد هللا‬
‫سمندر؛ وانظر له أيضاً‪ :‬مقاالت العروة الوثقی‪ 128 :‬ـ ‪ ،129‬إعداد‪ :‬هادي خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]17‬انظر‪ :‬االفغاني‪ ،‬علل انحطاط ورکود المسلمين‪44 :‬؛ مقاالت العروة الوثقی‪ ،‬سمندر؛ ومقاالت‬
‫العروة الوثقی‪ ،96 :‬خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]18‬انظر‪ :‬االفغاني‪ ،‬السنن اإللهية في األمم وتطبيقها في األمة اإلسالمية‪ ،169 :‬سمندر؛ ومقاالت‬
‫العروة الوثقی‪ ،198 :‬خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]19‬انظر‪ :‬االفغاني‪ ،‬أسباب حفظ الملك‪ 148 :‬ـ ‪ ،157‬سمندر؛ ومقاالت العروة الوثقی‪،184 :‬‬
‫خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]20‬انظر‪ :‬األفغاني‪ ،‬لکچر في التربية والتعليم‪ ،‬المقاالت الجمالية‪ 92 :‬ـ ‪.93‬‬
‫([‪ )]21‬المصدر نفسه؛ ويشار إلی ّ‬
‫أن استخدام الشيخ جمال الدين األفغاني لمصطلح الفلسفة ليس بالمفهوم‬
‫المعروف عندنا‪ ،‬بل بمعنی البحث والتق ّ‬
‫صي والروح العلمية‪ ،‬انظر‪ :‬عبد الكريم سروش‪ ،‬جمال الدين‬
‫األفغاني واإلحياء اإلسالمي‪ ،‬كتاب مدارا ومديريّت‪.75 :‬‬
‫([‪ )]22‬األفغاني‪ ،‬القضاء والقدر‪ 64 :‬ـ ‪ ،75‬سمندر؛ ومقاالت العروة الوثقى‪ 67 :‬ـ ‪ ،71‬خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]23‬انظر‪ :‬النيچرية أو المادية‪.20 :‬‬
‫([‪ )]24‬لماذا أصبح اإلسالم ضعيفاً؟ المقاالت الجمالية‪ 164 :‬ـ ‪.165‬‬
‫([‪ )]25‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫([‪ )]26‬األفغاني‪ ،‬فوائد الفلسفة‪ ،‬المقاالت الجمالية‪ 139 :‬ـ ‪.140‬‬
‫([‪ )]27‬المصدر نفسه‪.139 :‬‬
‫([‪ )]28‬صفات هللا جمالي‪ ،‬وثائق وأسناد حول جمال الدين األفغاني‪ ،105 :‬إعداد‪ :‬هادي خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]29‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫سبَإ ٍ بِنَبَإ ٍ‬
‫([‪ )]30‬عندما افتقد النبي سليمان الهدهد غضب عليه‪ ،‬عند ذا حضر الهدهد وقال له‪َ { :‬و ِج ْئتُكَ ِمنْ َ‬
‫ين}‪( ‬النمل‪ ،)22 :‬أي أحمل إليك نبأ ال يشوبه کذب أو شك‪ ،‬وهو ين ّم عن دقة وحذر ال يتوافر عليهما‬ ‫يَقِ ٍ‬
‫أغلب عناصر المخابرات لدى الملوك‪{ ..‬إِنِّي َو َجدْتُ ا ْم َرأَةً تَ ْملِ ُك ُه ْم َوأُوتِيَتْ ِمنْ ُك ِّل ش َْي ٍء َولَها ع َْر ٌ‬
‫ش‬
‫س‬
‫ش ْم ِ‬ ‫{و َج ْدتُها َوقَ ْو َمها يَ ْ‬
‫س ُجدُونَ لِل َّ‬ ‫ع َِظي ٌم}(النمل‪ )23 :‬ويخبر الهدهد مليکه عن معتقدات أولئك القوم‪َ  ..‬‬
‫ُون هَّللا ِ}‪( ‬النمل‪ ،)24 :‬أ ّما سليمان فال يستعجل التصديق بکالم الهدهد ويرى أن يتريّث لحين التحقّق‬ ‫ِمنْ د ِ‬
‫ص َد ْقتَ أَ ْم ُك ْنتَ ِمنَ ا ْلكا ِذبِينَ }‪( ‬النمل‪ )27 :‬ث ّم يح ّمل‬
‫سنَ ْنظُ ُر أَ َ‬
‫من األمر ليتبيّن صدق األمر من کذبه‪{ ..‬قا َل َ‬
‫الهدهد رسالة إلى ملکة سبأ ويوصيه بأن يراقب األمر من بعيد ويرصد موقف القوم‪ ،‬وحين تصل الرسالة‬
‫إلى ملکة سبأ‪ ،‬تدعو على عجل إلى جلسة اضطرارية لممثلي البالد‪ ،‬وتقول لهم‪{ :‬قالَتْ يا أَيُّ َها ا ْل َمألَُ أَ ْفتُونِي‪3‬‬
‫ُون}‪( ‬النمل‪ ،)32 :‬وفعالً يجتمع الممثلون ـ وهم بمثابة الوزراء‬ ‫فِي أَ ْم ِري ما ُك ْنتُ قا ِط َعةً أَ ْمراً َحتَّى تَ ْ‬
‫ش َهد ِ‬
‫في االصطالح المعاصر ـ ويعلنون لملکة سبأ بأنّهم رهن إشارتها إذا ما أعلنت الحرب على سليمان وجنده‬
‫ش ِدي ٍد َو َْ‬
‫اْأل‪ْ َ3‬م ُر إِلَ ْي ِك‬ ‫وأنّهم على أت ّم االستعداد من ناحية الع ّدة والعدد‪{ ..‬قالُوا نَ ْحنُ أُولُوا قُ َّو ٍة َوأُولُوا بَأْ ٍ‬
‫س َ‬
‫فَا ْنظُ ِري ما ذا تَأْ ُم ِرينَ }‪( ‬النمل‪ ،)33 :‬فتجيبهم الملکة ّ‬
‫بأن الحرب أمر مد ّمر ال معنى له‪ ،‬فال ينبغي العجلة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬محمد عمارة‪ ،‬السياسة والعلوم في القرآن‪ ،‬األعمال الکاملة للشيخ جمال الدين األفغاني مع دراسة‬
‫عن حياته وآثاره‪ 267 :‬ـ ‪.270‬‬
‫([‪ )]31‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫([‪ )]32‬فوائد الفلسفة‪ ،‬المقاالت الجمالية‪.141 :‬‬
‫([‪ )]33‬الدكتور محمد البهي‪ ،‬الفکر اإلسالمي الحديث وصالته باالستعمار الغربي‪:‬ـ ‪ ،63‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1379‬هـ‪ ،‬نقالً عن حامد الكار‪ ،‬دور رجال الدين المتنورين في ثورة الدستور في إيران‪:‬ـ ‪ ،274‬ترجمة‪ :‬أبو‬
‫القاسم سري‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬طهران‪ ،‬توس‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫([‪ )]34‬فوائد الفلسفة‪ ،‬المقاالت الجمالية‪.141 :‬‬
‫([‪ )]35‬األفغاني‪ ،‬الصحوة من السبات‪ ،‬مقاالت العروة الوثقى‪ ،413 :‬خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]36‬لماذا أصبح اإلسالم ضعيفاً؟‪ ،‬المقاالت الجمالية‪ 169 :‬ـ ‪.170‬‬
‫([‪ )]37‬األفغاني‪ ،‬الوحدة والعظمة‪ ،‬مقاالت العروة الوثقى‪103 :‬؛ ومقاالت العروة الوثقى ‪،143‬‬
‫خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]38‬أسباب حفظ الملك‪ ،‬مقاالت العروة الوثقى‪:‬ـ ‪ 148‬ـ ‪157‬؛ ومقاالت العروة الوثقى‪،184 :‬‬
‫خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]39‬األفغاني‪ ،‬األمة والسلطة الحاکمة المستبدة‪ ،‬مقاالت العروة الوثقى‪:‬ـ ‪ 137‬ـ ‪138‬؛ ومقاالت العروة‬
‫الوثقى‪ 171 :‬ـ ‪ ،172‬خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]40‬األفغاني‪ ،‬أسباب حفظ الملك‪ ،‬مقاالت العروة الوثقى‪:‬ـ ‪155‬؛ ومقاالت العروة الوثقى‪،186 :‬‬
‫خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]41‬األفغاني‪ ،‬ابتالء هللا المؤمنين‪ ،‬مقاالت العروة الوثقى‪ 143 :‬ـ ‪146‬؛ والعروة الوثقى‪:‬ـ ‪،179‬‬
‫خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]42‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫([‪ )]43‬األفغاني‪ ،‬الجبن‪ ،‬مقاالت العروة الوثقى‪.106 :‬‬
‫([‪ )]44‬أحمد موثقي‪ ،‬استراتيجية الوحدة في الفکر السياسي اإلسالمي‪ 288 :‬ـ ‪ ،371‬الطبعة األولى‪ ،‬قم‪،‬‬
‫مکتب اإلعالم اإلسالمي التابع للحوزة العلمية‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫([‪ )]45‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫([‪ )]46‬ناظم اإلسالم كرماني‪ ،‬تاريخ صحوة اإليرانيين‪ ،‬أو التاريخ الحقيقي التفصيليـ لثورة الدستور في‬
‫إيران‪ ،83 :‬إعداد وتنظيم‪ :‬علي أکبر سعيدي سيرجاني‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬طهران‪ ،‬دار آكاه ولوح للنشر‪،‬‬
‫‪1982‬م؛ ويعتقد بعض المحلّلين ّ‬
‫بأن جمال الدين لم يفلح في بلورة فکرة المؤتمر اإلسالمي الموسومة بـ«أم‬
‫القرى»‪ ،‬ثم جاء من بعده الشيخ عبد الرحمن الکواکبي الذي د ّون کتابه أ ّم القرى متأثّراً بأفکار األفغاني‪،‬‬
‫انظر‪ :‬استراتيجية الوحدة في الفکر السياسي اإلسالمي ‪.336 :1‬‬
‫([‪ )]47‬األفغاني‪ ،‬الفضائل والرذائل‪ ،‬مقاالت العروة الوثقى‪86 :‬؛ ومقاالت العروة الوثقى‪:‬ـ ‪،129‬‬
‫خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]48‬الجبن‪ ،‬مقاالت العروة الوثقى‪188 :‬؛ ومقاالت العروة الوثقى‪:‬ـ ‪ ،213‬خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]49‬األفغاني‪ ،‬النواميس اإللهية في األمم وانطباقها على المسلمين‪ ،‬مقاالت العروة الوثقى‪173 :‬؛‬
‫ومقاالت العروة الوثقى‪ ،200 :‬خسروشاهي‪.‬‬
‫([‪ )]50‬خسروشاهي‪ ،‬رسائل ووثائق الشيخ جمال الدين األفغاني السياسية‪.43 :‬‬
‫([‪ )]51‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫([‪ )]52‬األفغاني‪ ،‬الجمود وانحطاط المسلمين‪ ،‬مقاالت العروة الوثقى‪ 45 :‬ـ ‪46‬؛ ومقاالت العروة الوثقى‪ ،97 :‬خسروشاهي‪.‬‬

‫([‪ )]53‬األفغاني‪ ،‬العروة الوثقى وجرائد اإلنجليز‪ ،‬مقاالت العروة الوثقى‪206 :‬؛ ومقاالت العروة الوثقى‪ ،292 :‬خسروشاهي‪.‬‬

You might also like