Professional Documents
Culture Documents
في الاُصول الخمسة عند المعتزلة
في الاُصول الخمسة عند المعتزلة
اشتهرت المعتزلة باُصولها الخمسة ،فمن دان بها فهو معتزلي ومن نقص منها أو زاد عليها فليس منهم.
وتلك االُصول المرتّبة حسب أه ّميتها ،عبارة عن :التوحيد ،والعدل ،والوعد والوعيد ،والمنزلة بين
المنزلتين ،واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر .فمن دان بها ث ّم خالف بقيّة المعتزلة في تفاصيلها أو في
فروع اُخر لم يخرج بذلك عنهم.
يستحق أحد منهم االعتزال حتى يجمع القول باالُصول
ّ قال الخيّاط « :فليس
الخمسة :التوحيد ،والعدل ،والوعد والوعيد ،والمنزلة بين المنزلتين،
واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فإذا اكملت في اإلنسان هذه
الخصال الخمس فهو معتزلي»(.)۱
قال المسعودي (م )۳٤٥بعد سرد االُصول الخمسة حسب ما سمعت منّا «:فهذا ما اجتمعت عليه
المعتزلة ومن اعتقد ما ذكرناه من االُصول الخمسة ،كان معتزليّاً ،فان
ق اسم االعتزال ،فال يستحقّه إال باعتقاد
ل لم يستح ّ
اعتقد األكثر أو األق ّ
هذه االُصول الخمسة .وقد تنوزع فيما عدا ذلك من فروعهم»(.)۲
أن االُصول الخمسة عبارة عن القول بخلق القرآن ،ونفي
والعجب من ابن حزم (م )٤٥٦حيث زعم ّ
الرؤية ،والتشبيه ونفي القدر ،والقول بالمنزلة بين المنزلتين ،و الصفات(.)۱
.۱االنتصار للخيّاط :ص .۲ .۱۲٦مروج الذهب :ج ،۳ص .۲۲۲
فقد ذكر من االُصول ثالثة ،حيث ّ
إن نفي القدر و خلق القرآن إيعاز إلى العدل( )۲كما ّ
أن نفي الصفات
والرؤية إشارة إلى التوحيد أي تنزيهه سبحانه ع ّما ال يليق ،وأهمل اثنتين منها أعني الوعد والوعيد واألمر
بالمعروف والنهي عن المنكر .فإذا كان هذا مبلغ علم الرجل بأصول االعتزال الّذي هو أقرب إليه من
الشيعة ،فما ظنّك بعلمه بطوائف أخرى كمعتقدات ال ّشيعة الّذين يعيشون في بيئة بعيدة منه ،وألجل ذلك
رماهم بنسب مفتعلة.
إيعاز إلى االُصول الخمسة
وقبل ك ّل شيء نطرح هذه االُصول على وجه االجمال حتّى يعلم ماذا يريد منها المعتزلة ،ث ّم نأخذ بشرحها
واحداً بعد واحد فنقول:
ق من الصفات نفيا ً و إثباتا على الح ّد -۱التوحيد :ويراد منه العلم ّ
بأن هللا واحد ال يشاركه غيره فيما يستح ُّ
الّذي يستحقّه .وسيوافيك تفصيله فيما بعد ،والتوحيد عندهم رمز لتنزيهه سبحانه عن شوائب االمكان ووهم
المثليّة و غيرهما م ّما يجب تنزيه ساحته عنه كالتجسيم والتشبيه و إمكان الرؤية و طروء الحوادث عليه،
غير ّ
أن المه ّم في هذا األصل هو الوقوف على كيفيّة جريان صفاته عليه سبحانه ونفي الروية ،وغيرهما
ألن كثيراً منها لم يختلف المسلمون فيه إالّ القليل منهم.
يقع في ال ّدرجة الثانية من األهمية في هذا األصلّ ،
أن أفعاله كلّها حسنة ،وأنّه ال يفعل القبيح ،وأنّه ال يخ ّل بما هو
-۲العدل :إذا قيل إنّه تعالى عادل ،فالمراد ّ
واجب عليه .وعلى ضوء هذا ال يكذب في خبره ،وال يجور في حكمه وال يع ِّذب أطفال المشركين بذنوب
آبائهم ،وال يُظهر المعجزة على أيدي ّ
الكذابين ،وال يكلِّف العباد ما ال يطيقون ،وما ال يعلمون ،بل يقدرهم
َن بَ ِي ّ َنة هلَ َ
كع ْ ن َ
م ْ على ما كلّفهم ،ويعلِّمهم صفة ما كلّفهم ،ويدلّهم على ذلك ويبيّن لهم (لِيَ ْهلِ َ
ك َ
عَن َب ِي ّ َنة) ( .۱ )۱األنفال ٤۲/و أنّه إذا كلّف المكلّف و أتى بما كلّف على الوجه
ْ ي
ح َّ ن َ م ْحيَى َ َويَ ْ
الّذي كلف فإنّه يثيبه ال محالة ،وأنّه سبحانه إذا آلم و أسقم فإنّما فعله لصالحه و منافعه و إالّ كان مخالّ ً
بواجب...
أن هللا وعد المطيعين بالثواب ،وتو ّعد العصاة بالعقاب ،وأنّه يفعل
-۳الوعد و الوعيد :والمراد منه ّ
ما وعد به وتو ّعد عليه ال محالة .وال يجوز الخلف ألنّه يستلزم الكذب .فإذا أخبر عن الفعل ث ّم تركه يكون
كذباً ،ولو أخبر عن العزم ،فبما أنّه محال عليه كان معناه اإلخبار عن نفس الفعل ،فيكون الخلف كذباً،
وعلى ضوء هذا األصل حكموا بتخليد مرتكب الكبائر في النار إذا مات بال توبة.
-٤المنزلة بين المنزلتين :وتلقّب بمسألة األسماء و األحكام ،وهي ّ
أن صاحب الكبيرة ليس بكافر كما عليه
الخوارج ،وال منافق كما عليه الحسن البصري ،وال مؤمن كما عليه بعضهم ،بل فاسق ال يحكم عليه بالكفر
وال باإليمان.
-٥األمر بالمعروف و النهي عن المنكر :والمعروف ك ّل فعل عرف فاعله حسنه أو د ّل عليه ،والمنكر ك ّل
فعل عرف فاعله قبحه أو د ّل عليه ،وال خالف بين المسلمين في وجوبهما ،إنّما الخالف في أنّه هل يعلم
عقالً أو ال يعلم إالّ سمعاً؟ ذهب أبو عل ّي (م )۳۰۳إلى أنّه يعلم عقالً وسمعاً ،وأبو هاشم (م )۳۲۱إلى أنّه
يعلم سمعاً ،ولوجوبه شروط تذكر في محلّها ،ومنها أن ال يؤ ّدي إلى مض ّرة في ماله أو نفسه إالّ أن يكون
في تح ّمله لتلك المذلّة إعزاز لل ّدين.
علي ـ عليهما السالم
ّ قال القاضي« :وعلى هذا يحمل ما كان من الحسين بن
ل ولهذا نباهي به
ـ لما كان في صبره على ما صبر إعزاز لدين هللا عزّوج ّ
سائر االُمم فنقول :لم يبق من ولد الرّسول صلَّى هللا عليه و آله و سلَّم
إال ّ سبط واحد ،فلم يترك األمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتّى قتل
دون ذلك»( .۱ .)۱االُصول الخمسة ص .۱٤۲
واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضربين|:
أحدهما :إقامة ما ال يقوم به إالّ األئ ّمة كإقامة الحدود و حفظ بيضة اإلسالم وس ّد الثغور و إنفاذ الجيوش و
نصب القضاة واالُمراء وما أشبه ذلك.
والثاني :ما يقوم به كافة الناس ،وفي المسلمين-كاإلماميّة-من يقول ّ
بأن بعض المراتب منه كالجهاد
االبتدائي مع الكفّار مشروط بوجود إمام معصوم مفترض الطاعة.
وهذا إلماع إلى معرفة االُصول الخمسة الّتي يدور عليها فلك االعتزال وقد أخذناها من شرح االُصول
الخمسة وقد أتى بها في الفصل الّذي عقده لبيان اُصول المعتزلة على وجه االختصار .ث ّم أخذ بالتفصيل في
ضمن فصول.
والمعتزلة قد اتّفقوا على هذه االُصول و إن اختلفوا في تفاصيلها .نعمّ ،
إن هناك اختالفات فيها بين أصحاب
المدرستين :أصحاب مدرسة البصرة| وعلى رأسهم واصل ابن عطاء ،وعمرو بن عبيد ،والنظّام والجبائيان
والقاضي ،وأصحاب مدرسة بغداد وفي مق ّدمهم بشر بن المعتمر ،وأبو الحسين الخيّاط ،وأبو القاسم البلخي،
وقد عرفت في الفصول السابقة ترجمة حياتهم.
هذه االُصول الخمسة الّتي بها يناط دخول الرجل في سلك المعتزلة .
وقد ذكر الشهرستاني االُصول الّتي اتّفقت المعتزلة عليها ،من دون أن يفرّق بين ما يدخل في االُصول
الخمسة وما هو خارج عنها ،وإليك نصّه:
أخص وصف ذاته ،ونفوا الصفات
ّ ن هللا تعالى قديم ،والقدم
«القول بأ ّ
حي بذاته ،ال بعلم وقدرة
ّ القديمة أصال ً فقالوا :هو عالم بذاته ،قادر بذاته،
وحياة .هي صفات قديمة ،ومعان قائمة به ،ألنّه لو شاركته الصفات في
ن كالمه
أخص الوصف،لشاركته في اإللهيّة.واتّفقوا على أ ّ
ّ القدم ال ّذي هو
ل ،وهو حرف وصوت كتب أمثاله في المصاحف
محدث مخلوق في مح ِ ّ
ل عرض قد فني في الحال .واتّفقوا
ن ما وجد في المح ّ
حكايات عنه .فإ ّ
ن اإلرادة والسمع والبصر ليست معاني قائمة بذاته ،لكن اختلفوا
على أ ّ
في وجوه وجودها ،ومحامل معانيها كما سيأتي.واتّفقوا على نفي روية
ل وجه :جهة،
هللا تعالى باألبصار في دار القرار ،ونفي التشبيه عنه من ك ّ
ومكاناً ،وصورة و جسماً ،وتحيّزاً ،وانتقاالً ،وزواال ً و تغيّراً و تأث ّراً .وأوجبوا
موا هذا النّمط توحيداً.
تأويل اآليات المتشابهة فيها ،وس ّ
مستحق على
ّ ن العبد قادر خالق ألفعاله خيرها و شرّها
واتّفقوا على أ ّ
ما يفعله ثواباً و عقاباً في الدار اآلخرة .والر ّ
ب تعالى منزّه أن يضاف إليه
شرّ وظلم ،وفعل هو كفر ومعصية ،ألنّه لو خلق الظ ّلم كان ظالماً ،كما لو
خلق العدل كان عادالً.
ن هللا تعالى ال يفعل إال ّ الصّالح والخير ،ويجب من حيث
واتّفقوا على أ ّ
ما األصلح والل ّطف ففي وجوبه عندهم
الحكمة رعاية مصالح العباد ،وأ ّ
موا هذا النّمط عدالً.
خالف .وس ّ
استحق
ّ ن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة و توبة،
واتّفقوا على أ ّ
الثّواب والعوض .والتّفضل معنى آخر وراء الثّواب و إذا خرج من غير توبة
أخف من
ّ ق الخلود في النار ،لكن يكون عقابه
عن كبيرة ارتكبها ،استح ّ
موا هذا النمط وعداً و وعيداً.
عقاب الكفّار و س ّ
السمع،
ّ ن اُصول المعرفة ،وشكر النعمة واجبة قبل ورود
واتّفقوا على أ ّ
والحسن والقبح يجب معرفتهما بالعقل ،واعتناق الحسن واجتناب القبيح
واجب كذلك وورود التّكاليف ألطاف للبارىء تعالى أرسلها إلى العباد
بتوسط األنبياء ـ عليهم السالم ـ امتحاناً واختباراً ( ِليَ ْهلِ َك َمنْ َهلَكَ عَنْ بَيِّنَةَ 4ويَ ْحيَى
َمنْ َح َّي عَنْ بَيِّنَة()4االنفال.)٤۲/
واختلفوا في اإلمامة ،والقول فيها نصّاً و اختياراً ،كما سيأتي عند مقالة
ل طائفة»( .۱ .)۱الملل والنحل :ج ،۱ص ٤٤ـ ،٤٦طبعة دار المعرفة .
ك ّ
أن المعتزلة لم تقل في اإلمامة بالنصّ ،وإنّما يقولون باالختيار .ونسبة نظرية النصّ إليهم
يالحظ عليهّ :
مبن ّي على ع ّد الشيعة القائلين بالنص منهم ،وهو خطأ.
وال يخفى على القارئ بعد االحاطة بما حقّقنا حول االُصول الخمسة تفكيك االُصول ع ّما يترتب عليها من
األحكام ،وقد خلط هو وقبله األشعري بين المبني و ما يترتب عليه من البناء وغيرهما من االُصول.