You are on page 1of 3

‫مؤدلجو الشر‬

‫الكثير من اإلمبراطوريات قامت على مر التاريخ على رقاب الشعوب‬


‫المهزومة‪ ،‬تحكمت فيها ونهبت ثرواتها وطاقاتها‪ ،‬وكل هذا كان بمبرر وقف‬
‫خلفه الكثير من الفالسفة‪1.‬‬
‫االثنين ‪2018/06/18‬‬

‫‪PartagerWhatsAppTwitterFacebook‬‬
‫ذهب المفكر اللبناني جورج قرم في كتابه “شرق وغرب‪ :‬الشرخ األسطوري” إلى أن الغرب‬
‫وديمقراطيته فشال في إدراك التناقض الكبير في المبادئ التي أعلنها لتسويق نظامه اإلمبريالي‪،‬‬
‫فأصبحت تلك األفكار المثالية التي يدعيها‪ ،‬مجرد ديكور فارغ‪ ،‬وبالتالي فقدت القيم الليبرالية‬
‫والديمقراطية التي ب ّشرت بها مصداقيتها‪.‬‬

‫وإذا كان قرم ينطلق في رؤيته من موقف اآلخر العربي أو الشرقي‪ ،‬فإن في الغرب نفسه مفكرين‬
‫شاركوه رؤيته تلك‪ ،‬ومنهم الفيلسوف الفرنسي جاك رانسيير الذي ذهب في كتابه “كراهية‬
‫الديمقراطية” إلى أن الديمقراطية الغربية ارتبطت بحرية مزدوجة أو متعددة األوجه‪ :‬حرية الفعل‪،‬‬
‫وحرية فعل الشر وإحداث الفوضى‪ ،‬كذلك أثبت الصحافي‪ 1‬األميركي جريج باالست‪ ،‬في كتابه‬
‫”أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها”‪ ،‬بالوقائع واألرقام فساد السلطة في الواليات المتحدة‬
‫التي يعتبرونها جنة الديمقراطية‪.‬‬

‫مؤدلجو الشر‬

‫من نفس زاوية الرؤية الناقدة والواقفة على تناقضات الديمقراطية الغربية ينطلق الباحث السوري‬
‫أحمد محمد الريس في كتابه “الوجه اآلخر للحرية والديمقراطية في فكر فالسفة الغرب”‪ ،‬الصادر‬
‫مؤخرا عن الهيئة السورية للكتاب‪ ،‬وفيه يطرح رؤيته لكيفية التصدي للنظريات التي ير ّوجها الفكر‬
‫الغربي المعتمدة على رؤية الفالسفة األوروبيين واألميركيين تجاه العالم اآلخر والدعوة إلى سيادة‬
‫الغرب عليه وتفوقه‪.‬‬

‫أدلجة المجتمعات بدأت قبل الميالد منذ الديمقراطية األثينية التي حملت في طياتها مفهومي التمييز‬
‫طبقيا وعنصريا‬

‫وفي هذا السياق يتبنّى الباحث مقولة إن التاريخ يعيد نفسه‪ ،‬فإمبراطورية اإلسكندر المقدوني‬
‫استعمرت أراضي الشرق بتوجيه الفيلسوف اليوناني أرسطو‪ ،‬وكذلك اإلمبراطورية الرومانية‬
‫استعبدت شعوب المنطقة العربية جنوبي المتوسط بتشجيع من فيرجيل صاحب مقولة “أنت يا روما‬
‫عليك حكم الشعوب”‪ ،‬وهي المقولة المعبّرة عن مزاعم اإلمبراطوريات اإلمبريالية األوروبية التي‬
‫استعمرت وأحرقت وأبادت شعوب آسيا وأفريقيا وأميركا الالتينية بأسانيد من أغاليط وأباطيل‬
‫المستشرقين‪ ،‬حتى هوميروس في ملحمتيه اإللياذة واألوديسة‪ ،‬كذلك في إشعار سيموئيديس وغيره‬
‫من شعراء المالحم اإلغريقية نجد تمجيدا لقتل اآلخر‪ ،‬وإشادة بالعنف والسادية‪ ،‬وتصويرا لروح‬
‫عنصرية وطبقية متعالية‪ ،‬كذلك يجد الباحث عند فالسفة اليونان مبدأ القوة والصراع عند‬
‫هيراقليطس وأرسطو‪ ،‬وطوباوية أفالطون التي كرست لمبدأ النخبة الطبقية‪ ،‬وتجلت الثقافة اليونانية‬
‫في فلسفة القوة والعنف التي اتبعها النبالء والقراصنة والكهنة والملوك‪.‬‬

‫يُبيّن الباحث أن تمجيد الطبقة األرستقراطية واألوليغارشية ونظام األبارتايد‪ ،‬لم يكن وليد السنوات‬
‫األخيرة‪ ،‬فأدلجة المجتمعات وفق كتاب أحمد الريس‪ ،‬بدأت قبل الميالد منذ الديمقراطية األثينية التي‬
‫حملت في طياتها مفهومي التمييز طبقيا وعنصريا‪ ،‬ودعمت حكم الطغاة والنُّخَ ب الغنية والعسكر‪،‬‬
‫بإسناد فكري ق َّدمه كل من سقراط وأفالطون وأرسطو وهيراقليطس وزينوفون‪ .‬هؤالء حاربوا‬
‫الديمقراطية الشعبية‪ ،‬ورسخوا لميراث العبودية‪ ،‬وب ّرروا استعمار الشعوب واستعبادها‪.‬‬

‫وعلى منوالهم سار مفكرو الغرب من ميكيافيللي وتوماس هوبز ولوك وسميث ومونتسكيو‪ ،‬وكل‬
‫الذين استمدوا أفكارهم من الموروث اإلغريقي وسطوة األيديولوجيا الميتافيزيقية والمادية‪ ،‬وأدلجوا‬
‫ديمقراطية النخبة التابعة واقتصاد قراصنة السوق‪ ،‬ورسّخوا حرية ال ُمرابين وزعماء المؤسسات‬
‫والمنظمات المافيوية االحتكارية للسيطرة على الشعوب بالقوة والعنف المنظم‪ .‬كما برروا النزعة‬
‫العنصرية ُمجسِّدين السلطة البرجوازية في مجتمع المدينة المستقل عن الدولة‪.‬‬

‫المفكرون والفالسفة واالقتصاديون والسياسيون الليبراليون في العصر الحديث‪ ،‬ساروا أيضا ً ‪-‬وفقا‬
‫للباحث‪ -‬على نهج فالسفة عصر النهضة‪ ،‬وأسسوا الليبرالية الجديدة المتوحشة‪ ،‬وكانت الصهيونية‬
‫من إفرازات الليبرالية ومن أدواتها‪ ،‬كذلك عولموا آليات الدمار‪ ،‬وخصخصوا المافيات االرتزاقية‬
‫وجيوش حلف الناتو لتفكيك وحدة الشعوب وتدمير الدول والسيطرة على ثرواتها بالقوة‪.‬‬

‫ويتط ّرق الكاتب إلى نيتشه الذي عزز ثقافة القوة والعنف وممارسة الحرية الفردية المطلقة بال‬
‫قيود‪ ،‬وجعل من إرادة القوة محركا‪ 1‬للتاريخ فهو القائل ”البشرية يتم التضحية بها من أجل نوع من‬
‫الرجال‪ 1‬هم األكثر قوة‪ ،‬ليسودوا‪ ،‬وهذا هو التطور”‪ ،‬وهو أيضا القائل ”المتفوق الذي يقر بأن البشر‬
‫غير متساويين وال يمكن أن يتساووا”‪.‬‬

‫نماذج إيجابية‬

‫وجه مظلم للحرية والديمقراطية‬


‫كما ينقل الباحث عن جيل دولوز في كتابه “نيتشه والفلسفة” إن نيتشه ركز على الصيرورة المادية‬
‫وصيرورة الفكر اليهودي للسيادة التي تمنح المتفوق حق كتابة التاريخ‪ ،‬إنها صيرورة والدة المآسي‬
‫التراجيدية‪ ،‬التي تعتمد القوة والعنف للسيطرة على اآلخر”‪.‬‬

‫كذلك يذهب الباحث إلى أن تفكيكية جاك دريدا جاءت كمشروع صهيوني‪ ،‬فقد انطلقت من نظرية‬
‫التراث الحلولي ضمن شبكة التناصّ وصيرورة التحول‪ ،‬كما انطلق دريدا من مفهوم فصل الدال‬
‫عن المدلول معتمدا على مفاهيم االختالف واإلرجاء وتناثر المعنى‪ ،‬والتراث الحلولي المؤدي إلى‬
‫صيرورة يهوه‪ ،‬الذي جعل اليهود شعبا مختارا‪ ،‬لذا يتحقق اإلصالح الكوني بتجميعهم بعد الشتات‬
‫ليتربعوا على عرش الدولة العولمية‪ .‬هكذا عززت التفكيكية الصهيونية بتفكيكها لوحدة الشعوب‬
‫وإجبارها على فتح حدودها وأسواقها‪ .‬ومثلهم ميشيل فوكو الذي أعلن صيرورة العبودية وتقويض‬
‫ثنائية الفكر الديني واإلنساني في قالب اللذة السادية‪ ،‬وهنري كيسنجر وجابوتسكي وبرنارد هنري‬
‫ليفي الذين نظموا المافيات اإلرهابية‪ ،‬وأعلنوا سياسة األرض المحروقة‪ ،‬ومشروع الدولة العبرية‬
‫للسيطرة على منطقة الشرق األوسط‪.‬‬

‫على النقيض من مؤدلجي الشرّ‪ ،‬يقف الباحث مط ّوال أمام أفكار ثالثة من النماذج اإليجابية في الفكر‬
‫اإلنساني هم‪ :‬جان جاك روسو‪ ،‬الذي كان أول مفكر غربي يدعو إلى المساواة والعدل‪ ،‬وصون‬
‫حريات اإلنسان وحقوقه‪ ،‬وفي كتابه “العقد االجتماعي” حدد مفهوم الحرية بمعناها اإلنساني‬
‫وهاجم العبودية والرق‪.‬‬

‫وبعده جاء كارل ماركس منتقدا دولة هيغل الطبقية‪ ،‬ورأسماليتها التي تضمن ثراء النخبة في مقابل‬
‫شقاء الشعب‪ ،‬مما يخلق الصراع الطبقي ويؤدي إلى نشوب الحروب‪ ،‬كما دعا إلى حرية اإلنسان‬
‫وحقوقه مقرونة بالواجبات‪.‬‬

‫وثالثهم أنطونيو غرامشي الذي رأى الحروب واألزمات االقتصادية نتاجا للرأسمالية وأيديولوجيتها‬
‫العنصرية‪ ،‬فدعا إلى نظام اقتصادي جديد عادل‬
‫وحضاري‪ ،‬وإلى اعتماد ثقافة المقاومة إزاحة‪ 1‬قوى الشر واحترام حرية الشعوب وسيادتها‪ .‬والكاتب‬
‫يرى أن الصراع ينبغي أن يكون سياسيا وثقافيا إلحداث عملية التغيير‪ ،‬مع إدراكه لجبروت النظام‬
‫الرأسمالي وسيطرته على االقتصاد والعسكر والتكنولوجيا‪ ،‬مما يجعل أمر انهياره صعبا للغاية‪.‬‬

You might also like