Professional Documents
Culture Documents
مؤدلجو الشر
مؤدلجو الشر
PartagerWhatsAppTwitterFacebook
ذهب المفكر اللبناني جورج قرم في كتابه “شرق وغرب :الشرخ األسطوري” إلى أن الغرب
وديمقراطيته فشال في إدراك التناقض الكبير في المبادئ التي أعلنها لتسويق نظامه اإلمبريالي،
فأصبحت تلك األفكار المثالية التي يدعيها ،مجرد ديكور فارغ ،وبالتالي فقدت القيم الليبرالية
والديمقراطية التي ب ّشرت بها مصداقيتها.
وإذا كان قرم ينطلق في رؤيته من موقف اآلخر العربي أو الشرقي ،فإن في الغرب نفسه مفكرين
شاركوه رؤيته تلك ،ومنهم الفيلسوف الفرنسي جاك رانسيير الذي ذهب في كتابه “كراهية
الديمقراطية” إلى أن الديمقراطية الغربية ارتبطت بحرية مزدوجة أو متعددة األوجه :حرية الفعل،
وحرية فعل الشر وإحداث الفوضى ،كذلك أثبت الصحافي 1األميركي جريج باالست ،في كتابه
”أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها” ،بالوقائع واألرقام فساد السلطة في الواليات المتحدة
التي يعتبرونها جنة الديمقراطية.
مؤدلجو الشر
من نفس زاوية الرؤية الناقدة والواقفة على تناقضات الديمقراطية الغربية ينطلق الباحث السوري
أحمد محمد الريس في كتابه “الوجه اآلخر للحرية والديمقراطية في فكر فالسفة الغرب” ،الصادر
مؤخرا عن الهيئة السورية للكتاب ،وفيه يطرح رؤيته لكيفية التصدي للنظريات التي ير ّوجها الفكر
الغربي المعتمدة على رؤية الفالسفة األوروبيين واألميركيين تجاه العالم اآلخر والدعوة إلى سيادة
الغرب عليه وتفوقه.
أدلجة المجتمعات بدأت قبل الميالد منذ الديمقراطية األثينية التي حملت في طياتها مفهومي التمييز
طبقيا وعنصريا
وفي هذا السياق يتبنّى الباحث مقولة إن التاريخ يعيد نفسه ،فإمبراطورية اإلسكندر المقدوني
استعمرت أراضي الشرق بتوجيه الفيلسوف اليوناني أرسطو ،وكذلك اإلمبراطورية الرومانية
استعبدت شعوب المنطقة العربية جنوبي المتوسط بتشجيع من فيرجيل صاحب مقولة “أنت يا روما
عليك حكم الشعوب” ،وهي المقولة المعبّرة عن مزاعم اإلمبراطوريات اإلمبريالية األوروبية التي
استعمرت وأحرقت وأبادت شعوب آسيا وأفريقيا وأميركا الالتينية بأسانيد من أغاليط وأباطيل
المستشرقين ،حتى هوميروس في ملحمتيه اإللياذة واألوديسة ،كذلك في إشعار سيموئيديس وغيره
من شعراء المالحم اإلغريقية نجد تمجيدا لقتل اآلخر ،وإشادة بالعنف والسادية ،وتصويرا لروح
عنصرية وطبقية متعالية ،كذلك يجد الباحث عند فالسفة اليونان مبدأ القوة والصراع عند
هيراقليطس وأرسطو ،وطوباوية أفالطون التي كرست لمبدأ النخبة الطبقية ،وتجلت الثقافة اليونانية
في فلسفة القوة والعنف التي اتبعها النبالء والقراصنة والكهنة والملوك.
يُبيّن الباحث أن تمجيد الطبقة األرستقراطية واألوليغارشية ونظام األبارتايد ،لم يكن وليد السنوات
األخيرة ،فأدلجة المجتمعات وفق كتاب أحمد الريس ،بدأت قبل الميالد منذ الديمقراطية األثينية التي
حملت في طياتها مفهومي التمييز طبقيا وعنصريا ،ودعمت حكم الطغاة والنُّخَ ب الغنية والعسكر،
بإسناد فكري ق َّدمه كل من سقراط وأفالطون وأرسطو وهيراقليطس وزينوفون .هؤالء حاربوا
الديمقراطية الشعبية ،ورسخوا لميراث العبودية ،وب ّرروا استعمار الشعوب واستعبادها.
وعلى منوالهم سار مفكرو الغرب من ميكيافيللي وتوماس هوبز ولوك وسميث ومونتسكيو ،وكل
الذين استمدوا أفكارهم من الموروث اإلغريقي وسطوة األيديولوجيا الميتافيزيقية والمادية ،وأدلجوا
ديمقراطية النخبة التابعة واقتصاد قراصنة السوق ،ورسّخوا حرية ال ُمرابين وزعماء المؤسسات
والمنظمات المافيوية االحتكارية للسيطرة على الشعوب بالقوة والعنف المنظم .كما برروا النزعة
العنصرية ُمجسِّدين السلطة البرجوازية في مجتمع المدينة المستقل عن الدولة.
المفكرون والفالسفة واالقتصاديون والسياسيون الليبراليون في العصر الحديث ،ساروا أيضا ً -وفقا
للباحث -على نهج فالسفة عصر النهضة ،وأسسوا الليبرالية الجديدة المتوحشة ،وكانت الصهيونية
من إفرازات الليبرالية ومن أدواتها ،كذلك عولموا آليات الدمار ،وخصخصوا المافيات االرتزاقية
وجيوش حلف الناتو لتفكيك وحدة الشعوب وتدمير الدول والسيطرة على ثرواتها بالقوة.
ويتط ّرق الكاتب إلى نيتشه الذي عزز ثقافة القوة والعنف وممارسة الحرية الفردية المطلقة بال
قيود ،وجعل من إرادة القوة محركا 1للتاريخ فهو القائل ”البشرية يتم التضحية بها من أجل نوع من
الرجال 1هم األكثر قوة ،ليسودوا ،وهذا هو التطور” ،وهو أيضا القائل ”المتفوق الذي يقر بأن البشر
غير متساويين وال يمكن أن يتساووا”.
نماذج إيجابية
كذلك يذهب الباحث إلى أن تفكيكية جاك دريدا جاءت كمشروع صهيوني ،فقد انطلقت من نظرية
التراث الحلولي ضمن شبكة التناصّ وصيرورة التحول ،كما انطلق دريدا من مفهوم فصل الدال
عن المدلول معتمدا على مفاهيم االختالف واإلرجاء وتناثر المعنى ،والتراث الحلولي المؤدي إلى
صيرورة يهوه ،الذي جعل اليهود شعبا مختارا ،لذا يتحقق اإلصالح الكوني بتجميعهم بعد الشتات
ليتربعوا على عرش الدولة العولمية .هكذا عززت التفكيكية الصهيونية بتفكيكها لوحدة الشعوب
وإجبارها على فتح حدودها وأسواقها .ومثلهم ميشيل فوكو الذي أعلن صيرورة العبودية وتقويض
ثنائية الفكر الديني واإلنساني في قالب اللذة السادية ،وهنري كيسنجر وجابوتسكي وبرنارد هنري
ليفي الذين نظموا المافيات اإلرهابية ،وأعلنوا سياسة األرض المحروقة ،ومشروع الدولة العبرية
للسيطرة على منطقة الشرق األوسط.
على النقيض من مؤدلجي الشرّ ،يقف الباحث مط ّوال أمام أفكار ثالثة من النماذج اإليجابية في الفكر
اإلنساني هم :جان جاك روسو ،الذي كان أول مفكر غربي يدعو إلى المساواة والعدل ،وصون
حريات اإلنسان وحقوقه ،وفي كتابه “العقد االجتماعي” حدد مفهوم الحرية بمعناها اإلنساني
وهاجم العبودية والرق.
وبعده جاء كارل ماركس منتقدا دولة هيغل الطبقية ،ورأسماليتها التي تضمن ثراء النخبة في مقابل
شقاء الشعب ،مما يخلق الصراع الطبقي ويؤدي إلى نشوب الحروب ،كما دعا إلى حرية اإلنسان
وحقوقه مقرونة بالواجبات.
وثالثهم أنطونيو غرامشي الذي رأى الحروب واألزمات االقتصادية نتاجا للرأسمالية وأيديولوجيتها
العنصرية ،فدعا إلى نظام اقتصادي جديد عادل
وحضاري ،وإلى اعتماد ثقافة المقاومة إزاحة 1قوى الشر واحترام حرية الشعوب وسيادتها .والكاتب
يرى أن الصراع ينبغي أن يكون سياسيا وثقافيا إلحداث عملية التغيير ،مع إدراكه لجبروت النظام
الرأسمالي وسيطرته على االقتصاد والعسكر والتكنولوجيا ،مما يجعل أمر انهياره صعبا للغاية.