Professional Documents
Culture Documents
:الملخص
وقد ركز، يضم هذا البحث بين دفتيه دراسة لقصيدة أحمد الزعتر للشاعر محمود درويش وفق المنهج التداولي
البحث على جوانب مهمة في هذه القصيدة التي تعد من غرر شعر المقاومة الفلسطينية ؛ وقد اعتمدت على
الذي منحه الشاعر صفات الفدائي الذي حمل همومه، ) وصوت البطل الشهيد ( أحمد، صوت الشاعر، صوتين
. وكان النموذج األسمى للمقاتل الفلسطيني، فعانى من الغربة واللجوء كما عانى شعبه، وهموم شعبه
وعالقتها، وأشهر روادها، ونموها، وتكون هذا البحث من مقدمة موجزة لمفهوم التداولية وتاريخ ظهورها
األفعال-2 اإلشاريات-1 : ثم تليها فقرات البحث على النحو اآلتي، وكذلك المذاهب األدبية، بالعلوم األخرى
. ثم الثنائيات، التكرار-4 التوجيهيات-3 اإلخباريات-2 التعبيريات-1 الكالمية التي تتكون من
. قصيدة الزعتر، أفعال الكالم، التداولية، محمود درويش:الكلمات المفتاحية
Abstract:
This research contains a study of the poem Ahmad thyme poet Mahmoud Darwish in
accordance with the curriculum deliberative, focused research on important aspects of
this poem, one of the tricked hair Palestinian resistance; has adopted two votes, the
voice of the poet, and the voice of the hero martyr (Ahmed), which was granted Guerilla
recipes poet who carried the worries and concerns of his people, Fany of alienation and
asylum as his people suffered, and it was the ultimate form of the Palestinian fighters.
And be this research brief introduction to the concept of deliberative and the
date of its appearance, and its growth, the most famous patrons, and their
relationship to other sciences, as well as literary doctrines, followed by
passages search as follows: 1. Alachariat 2. verbal acts consisting of 1-
Altaberiaat 2. Alabarriet 3- 4. The guidelines will repetitions, then diodes.
Keywords: Mahmoud Darwish, Deliberation, Verbs of Speech, Thyme Poem.
13
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
المقدمة:
تبحث التداولية في استعماالت الطاقة اللغوية في نصوص الخطاب في شتى المستويات ،وذلك
للوقوف على القوة االنجازية لألداء الخطابي .
التداول( :لغة)؛ (( مصدر تداول ،يقال :دال يدول دوالً :انتقل من حال إلى حال ،وأدال
الشيء :جعله متداوالً ،وتداولت األيدي الشيء :أخذته هذه مرة وتلك مرة )) ()1
اصطالحا؛ ((فهو فرع لساني ُيعنى بدراسة التواصل بين المتكلم والمتلقي ،أو بمعنى آخر
ً أما
ُيعنى بدراسة الرموز التي يستخدمها المتكلم في عملية التواصل ،والعوامل المؤثرة في اختيار رموز
معينة دون أخرى ،والعالقة بين الكالم وسياق حاله ،وأثر العالقة بين المتكلم والمخاطب في
الكالم ،وهذا الفرع ُيعرف ب ـ’’ البراجماتية أو التداولية ‘‘ )2()).
فهي علم يهتم بدراسة قوانين االستعمال اللغوي لتحقيق التواصل بين أطراف الخطاب ،محققة
التالؤم بين دالالت الرموز والسياقات المرجعية ،والمقامية ،والحدثية ،والبشرية ؛ مفسرة األقوال
المستعملة )3( .
ويمكننا أن نرجع جذور النشأة األولى للتداولية إلى اتجاه الفلسفة التحليلية ،وهو االتجاه الرئيس في
فلسفة اللغة أو التيار الغالب في الفلسفة المعاصرة الذي ركز في موضوع اللغة .فإن نقطة انطالق
التداولية جاءت على يد "موريس" 1938م ،الذي صنف علم السيميائيات إلى ثالثة فروع ( :علم
التراكيب ،وعلم الداللة ،وعلم التداولية . )4 ( .أما لودفيج "فيتجشتاين" ،1951ففلسفته تقوم
على ثالثة مفاهيم -1 :الداللة -2القاعدة – 3ألعاب اللغة ،وله كتاب وحيد هو " رسالة في
المنطق والفلسفة " ،ومن أشهر أعماله العلمية السعي إلى بناء اللغة المثالية التي يكون بوسعها
وصف الواقع المادي وصفاً دقيقاً ، )5(.ويعد "أوستين " 1960م أباً للتداولية ،وقد عمل أستاذاً
غيرت أعماله مجرى
لفلسفة األخالق بجامعة اكسفورد ،وهو الذي أسس تداولية أفعال الكالم ،وقد ّ
الدراسات اللسانية في العشرينيات األخيرة من القرن الماضي ...وله كتاب وحيد بعنوان ( كيف
نصنع األشياء بالكلمات)( . )6أما جون سيرل ،فيعد من أبرز الفالسفة المحدثين الذين ينتمون
إلى تيار الفلسفة الحديثة ،التي طورها "أوستين" .كان "سيرل" ُيدرس الفلسفة في جامعة
كاليفورنيا ...ومن أشهر أعمال " جون سيرل" " :أفعال الكالم" ،و"التعبير والمعنى" ،و"القصدية" ،
و" العقول واألدمغة والعلم " ،و" إعادة اكتشاف العقل" ،و"بناء الواقع االجتماعي" ،و" لغز
الشعور" .ومن أهم أفكاره -1 :مفهوم القصد -2رأيه في معنى المتكلم -3نقده لفكرة األلعاب
اللغوية عند فيتجنشاين . )7(.أما إيرفنج جوفمان؛ فيعد الرائد المؤسس للدراسة األكاديمية للتفاعل
سماه ب(بساطة الحديث).ومن أهم أفكاره -1 :التأثر بعلم
من خالل المحادثة ،وهو موضوع ّ
14
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
15
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
عالقة التداولية بالداللة ،في أن كليهما يدرس المعنى ؛ إال أن التداولية تُعنى بالمعنى واالستعمال
الوظيفي للغة ؛ ومن ثم فهي تتناول وظيفة التواصل وهدف المنتج من كالمه الذي يريد أن يبلغه
للسامع ،وما يتحقق لدى المستمع ؛ مستعيناً بعوامل السياق والمقام األخرى )15(.
-2عالقة التداولية باألسلوبية :إن التداولية ال تقف عند حدود شرح جماليات النص من خالل
خواصه الفنية ،وال تقتصر على وصف األثر الفني ( كما هو الحال في اإلسلوبية) ،بل تتجاوز
ذلك إلى الوقوف على أغراض المتكلم ،وتبين مقصده من خالل المقام ،كما تهتم باإلستراتيجية
الخطابية للنص الموجه بما هو قول ()16؛ ويترتب على ذلك اتفاقهما في دراسة المعنى ،
واختالفهما في المنهج )17(.
فيالحظ في نظرة كل منهما إلى مقدرة المتكلم ،فالتحويليون
-3عالقة التداولية بالتحويليةُ (( :
يرون أن مقدرة المتكلم تشمل قدرتين " :قدرة نحوية خالصة ،وقدرة تداولية " .أما التداوليون
فيرونهما قدرة واحدة لها جانبان (النحوي ،والتداولي) ،وهما معاً يكونان المقدرة اللغوية لدى
المتكلم ،)18( )).أما اتفاقهما فنجده في أن التحويليين لم يكتفوا بوصف وتصنيف المقوالت
اللغوية ،بل سعوا إلى دراسة تفسير هذه المقوالت بما تحتويه من نسق المعارف اللغوية المكتسبة
لدى المتكلم ،وهو ما يعد ركيزة في التداولية )19( .
-4عالقة التداولية بلسانيات الخطاب :فكالهما ُيعنى بتحليل الخطاب؛ ومن ثم فهما يقسمان
عدداً من المفاهيم الفلسفية واللغوية كالطريقة التي توزع بها المعلومات في جمل أو نصوص،
والعناصر اإلشارية ،والمبادئ الحوارية)20( .
المنجزة في
َ ولقد درس النقاد العرب المحدثون النصوص األدبية في ضوء التداولية لمعرفة القوى
التعبير األدبي ،شع اًر كان أم نث اًر ،فقد اختلف خطاب الشاعر من حيث القصدية والتواصلية عن
الخطاب النثري ؛ كون الخطاب النثري قائماً على أدوات التواصلية المعروفة ،من حيث المتكلم
والمخاطب والغرض ،فهو أقرب إلى استعمال األفعال الكالمية في تداوليات المقصديات
االجتماعية على شتى األصعدة ،فهي أقل انزياحية من الخطاب الشعري ؛ وهذا األمر جعل دراسة
النص الشعري تداولياً أكثر صعوبة من النصوص النثرية ،وذلك لتعلقه بمقصديات المتكلم
(الشاعر) ،وتوظيفه أفعاالً كالمية قائمة على التأويل في كثير من جوانبها؛ ألن الشعر إبداع،
تكمن مقصديته بانزياحية اللغة ،فهذه اإلنزياحية تجعل النص األدبي متعدد االحتماالت عند
دراسته .فالسياق في الخطاب اليومي على مختلف مراتبه هو أقرب إلى الواقع منه إلى الخيال ،
لتحقيق الغرض اإلنجازي الذي أُنشيء من أجله هذا الخطاب ،أو ذاك ،فهو يختلف باختالف
المخاطب ،لكنه ال يحتمل كثي اًر من التأويل ،في حين السياق الشعري يحتمل التأويل لتعدد أطراف
المخاطبين ،فهو قائم على التالعب بوظائف اللغة بتغيير أهدافها اإلنجازية القائمة على أساليب
16
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
اإلنزياح ،فهو خرق لالستعمال اللغوي الموضوع للتخاطب ،واإلفهام ،والتواصل االجتماعي
((فاالنزياح هو اختراق مثالية اللغة والتجرؤ عليها في األداء اإلبداعي ،بحيث ُيفضي هذا االختراق
إلى انتهاك الصياغة التي عليها النسق المألوف أو المثالي ،أو إلى العدول في مستويي اللغة
الصوتي والداللي عما عليه هذا النسق ، )21()).فالفن يهدف إلى اإلرتقاء بالواقع المعيش إلى
واقع أسمى ،وهذا قائم على المزج بين الواقع والخيال منبثقاً من تدفق العاطفة التي تطمح إلى
ونقاء ،لتشبع تلهف عاطفة المبدع الذي يبحث بفنه عن التقويم والتعديل
ً وصفاء
ً عوالم أكثر جماالً
الحلم (( فالفعل الكالمي بكونه يحقق فعالً معيناً ،أي
لمشاهد عالم الواقع ُ ،ليحلق خاللها إلى عالم ُ
نشاطاً يهدف إلى تحويل الواقع .)22( )).ولذا فإن ُمثُل الشاعر في سياقاته األدبية تبتعد كثي اًر
عن سياقات المجتمع الواقعية ،وذلك لتعويض ما عجز عن تحقيقه الشاعر في هذا الواقع المليء
بصرامة القوانين ،وقيود األعراف ،وتعسف األقوياء ،وسطوة األنانية على مقدرات اآلخرين .وعلى
الرغم من هذا َّ ،
فإن المتكلم (الشاعر) ال يستطيع فكاكاً من عالمية الواقع ،وانعكاساته التي يتمثلها
الشاعر في فنه صو اًر ممزوجة بعاطفته وخياله ،وهذا ما جعل أصحاب المنظور التداولي باحثين
عن القوى اإلنجازية لألفعال الكالمية ،وتعدد مستويات الدالالت في الجملة الشعرية ،فهم اهتموا
بقوة العناصر التعبيرية من حيث السياقات اللغوية وغير اللغوية .والبد لنا أن نشرع بمقدمة نوضح
فيها أثر التداولية ومساراتها في الخطاب ،واإللمام بأطراف ذلك الخطاب ،سواء أكان شعرياً أم
نثرياً ،والعناصر المتداولة على ألسنة أطراف الخطاب التي توجه النص على وفق قوة اإلنجاز
الكالمي وأبعاده .وهذا ما نراه في قصيدة ( أحمد الزعتر) للشاعر محمود درويش ،وهو يمازج بين
وحلُم العودة ،بين الرصاص وزيتون السالم ،وهذا ماالواقع المرير والمشهد الحالم بين التشرد ُ
سنراه في دراستنا في االفعال الكالمية في هذه القصيدة على وفق المنهج التداولي ؛ فلكل كالم أثر
ومتأثر ،أما األثر؛ فهو الفعل اإلنجازي لتلك الكلمة المتلفظ بها ،فهذه األقوال يترتب عليها إنجاز
صنف الفارابي ((العبارات
أفعال تتعدد أهدافها .وقد عرف العرب أنماط األفعال الكالمية ؛ إذ ّ
الكالمية الصادرة عن اإلنسان إلى صنفين كبيرين هما " :عبارات القول " و" عبارات الفعل" ،فهو
يرى أن لكل قوة كالمية جواباً معيناً ،فكل مخاطبة يقتضي بها شيء ما فلها جواب ،النداء إقبال
أو إعراض ،وجواب التضرع والطلبية بذل أو منع ،وجواب األمر والنهي وما شاكله طاعة ،أو
معصية وجواب الشيءإيجاب أو سلب ،)23()) .وقد سبق الفارابي بهذا الفيلسوف أوستين (( من
اعتبار "المخاطبات" نوعين :أقواالً وأفعاالً تتم باألقوال)24( )).
ومعنى هذا أن العرب كانت لهم مساهمات كبيرة في نظريات اللغة بكل استعماالتها ،وكان
القرآن الكريم هو المنطلق لدراسة أسرار اللغة .وسيدرس هذا البحث العناصر التداولية في قصيدة
أحمد الزعتر:
17
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
المعينات):
أولا /اإلشاريات ( ّ
ويشار بها إلى ذات ،أو زمان ،أو مكان ؛ يأتي بها
هي عنصر من عناصر الدرس التداولي ُ ،
المشير للكشف عن عناصر النص من شخوص ،أو أماكن ،أو أزمنة ،أو أحداث ،وأنشطة
ك
المشتركة في النص الخطابي ،مبينة المقصدية من خالل سياق وعمليات وقعت بين األطراف
النص؛ وتتمثل هذه اإلشاريات بـ(األنا ،الهُنا ،اآلن) ،وهذه ألفاظ مبهمة إال إذا وضعت داخل النص
الخطابي ،فقد قال "براون" و"يول" نقالً عن "هاليداي" ((هي األدوات التي نعتمد في فهمنا لها ال
على معناها الخاص ،بل على إسنادها إلى شيء آخر))( .)25وتعد هذه اإلشاريات اللُحمة
الرابطة ألجزاء الخطاب التلفظي ،كونها مشيرة إلى ذوات الخطاب في مكان معين وزمان محدد،
فهذه المرجعية لم تكن ثابتة ؛ بل تتسم بسمة الحالية ،مؤدية ثالث وظائف كما في تصورات
اللسانيين -1 (( :اإلشارية من حيث كونها ترد أشياء العالم وأحداثه 000إلى الموقع الذي يشغله
تكون -2.اإلشارية من حيث كونها
المتكلم في المكان ،وفي الزمان ؛ وألنه يوفر أمارة لمرجع قد ّ
نمط تركيب مرجعي ال يفصل بين الجهة وحدث المرجع -3 .اإلشارية من حيث كونها عامل
تناسق نصي (محورة ،تبئير) تمكن من إدخال أشياء جديدة في الخطاب )26()).
تكون مع غيرها من عناصر النص نسقاً تواصلياً لعملية التلفظ القائمة (المعينات) ّ
ّ فاإلشاريات
طبة) ،وتدل هذه القرائن الزمانية والمكانية على حضور المتكلم
بين الذات (المتكلم) ،والذات(المخا َ
والمخاطَب معاً ،وذلك استحضا اًر أو إضما اًر .وهذه القرائن تتمثل ب(( عناصر دالة ،ومداخل
معجمية،وعناصر إشارية ،والمعوضات (الضمائر ،إلخ) ،وأزمنة األفعال ،وألفاظ العنوان ))()27
،وقد اهتم الباحثون بدراسة هذه المقاربة القرائنية ،أو التلفظية على صعيد الخطاب الشعري في
ضوء المعينات اإلشارية ،أو قراءتها من خالل القرائن اللغوية ،أو مقاربتها عبر المؤشرات
التلفظية التي تحدد سياق الملفوظ اللغوي واللساني .ومن أهم المعينات اإلشارية :ضمائر
الشخوص ،وأسماء اإلشارة ،وظروف المكان والزمان ،وصيغ القرابة (أبي ،أمي ،خالي) ،
والتعابير االنفعالية الذاتية (آه ،ما أعجبه) .والبد من االلتفات إلى أن اإلشاريات في نصوص
الخطاب االعتيادي على صعيد المحادثات اليومية بين الناس ،أو األوامر والتعامالت الرسمية
تكون دالالتها مع السياق واضحة لها بعد داللي مفهوم في أغلب األحوال؛ إال أنها تتسم في
النصوص األدبية بتعدد األبعاد الداللية لصدورها من (أنا) المتكلم المتميزة بغايات ومقصديات
نفسية عاطفية ،أو إبداعية جمالية ؛ ألن المفردة الموظفة في النصوص اإلبداعية قابلة لتعدد
الدالالت بسبب إنزياحها عن وضعها األصلي إلى وسائل تعبيرية تؤدي أهدافاً مقصودة يريدها
المبدع للوصول بها إلى ذهنية المتلقي إلحداث تعديل ،أو تطوير في فهمه لتصور العالم على وفق
18
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
ما يريده المتكلم للنهوض بخلق عالم أسمى من الواقع المعيش ،وهذا ما يوضحه البحث في قصيدة
أحمد الزعتر:
-1القرائن اإلشارية (المكانية):
نجد المكان في قصيدة "أحمد الزعتر" عنص اًر طاغياً على العناصر الكونية ،فهو يقسم على
قسمين كبيرين ،يستغرقان القصيدة كلها (الوطن والمنفى) ،وينفتح هذان القسمان من المكان عند
درويش على عناصر العالم األخرى الطبيعية ،والزمن ،وعالقات الوجود ؛ فهذه القرائن اإلشارية
تعين المكان الذي تتم فيه عملية الخطاب التواصلي بين المتكلم والمخاطب ،وهذه العناصر
المكانية ّ
اإلشارية ((تشير إلى مكان ،يعتمد استعمالها وتفسيرها على معرفة مكان التكلم ،أو مكان آخر
معروف للمخاطب أو السامع ،ويكون لتحديد المكان أثره في اختيار العناصر التي تشير إليه قرباً
أو بعداً أو جهة )28()).سواء أكانت تلك المعينات أسماء لإلشارة ،أم ظروفاً للمكان ،أم أسماء
للمكان ،أم صيغ مكانية مجردة مثل ،السماء ،الكون ،العواصم ،واستعمل الشاعر قرينتين إشاريتين
مكانيتين؛ األولى إشارية مشتركة ،والثانية إشارية محضة ،فاسم اإلشارة (هذا) في قول الشاعر
)29(:
ليدين من َح َجر وزعتر
ألحمد المنسي بين فراشتين
َ هذا النشيد ..
أشار به المتكلم ألمرين ،األول :النشيد ،وهذا معنوي ،واآلخر :درجة وجود النشيد ،فهو قريب من
أطراف الخطاب ،واشترك اسم اإلشارة (هذا ) بتواصلية ثالثة أمور ،األول :المتكلم (المشير)،
والثاني :المشار إليه (النشيد) ،والثالث :ظرف الحدث (المكان القريب) ،ثم يأتي بإشارية ظرفية
محضة تدل على البينية ،فقد خصص الشاعر هذا النشيد ألحمد المتغرب ،فمكان اإلغتراب بين
فراشتين؛ ألن داللة الظرف (بين) داللة مبهمة قصدها الشاعر إليضاح فكرته ،فهي قوة إنجازية
عززت مجهولية مكان غربة أحمد ،إذ جعله كائناً أثيرياً ،فأحمد المغترب جعله الشاعر في هذه
ك
المرسل الفقرة بين فراشتين لقصد التعمية ،فاإلشاريات المكانية المهمة تظل غامضة لو استعملها
وحدها ،ولكن تحديدها هنا مرتبط بمعرفة الشيء الدال( الفراشتين) (( ،وال يمكن استعمال أي من
هذه الظروف ؛ أعني :وراء ،أمام ،فوق ،إال بإدراك المرجع المضاف إليه في ذهن كل من
طرفي الخطاب))( .)30ونراه مرة أخرى يستعمل البينية ،إذ يضع أحمد المغترب بين رصاصتين،
فالفراشتان رمز ألول طريق الغربة؛ ثم تتطور المسيرة ،إذ يصبح أحمد صاحب قضية ‘فاغترابه بين
رصاصتين :رصاصة المقاومة ،ورصاصة المحتل ،فأصبحت الفراشتان رصاصتين لتصاعد قوة
الموقف ،وعلى الرغم من إحالة المتكلم إلى مرجعيتين (فراشتين ،رصاصتين) ،فإن حدود الفكرة لم
تكتسب وضوحاً يم ّكن المتلقي من تحديد اإلشارية المكانية بدقة وهي إحدى اإلشكاليات التي تسم
19
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
الشعر وتجعله مختلفاً عن المخاطبات النثرية في األفعال المتداولة بين الناس في األمور اليومية،
شعبية كانت أم رسمية ،أوامر كانت أم إخباريات )31(:
اب البحر بين رصاصتين كان اغتر َ
نجب زعت اًر ومقاتلين
وي ُمخيماً ينموُ ،
ثم تتضخم البنية المكانية فتُصبح مخيماً ينجب مقاتلين ،يتذكرون مجزرة تل الزعتر ،فلفظة
زعتر في المنظور التداولي دلت على معنيين ،معنى صريح ؛ الداللة الصريحة التي تحيلنا إلى
ذلك الثبات المعروف في بالد فلسطين ،ومعنى ضمني يدل على ما وقع على الفلسطينيين من
مذبحة على يد شارون ،فهو تلميح إلى ذلك المكان (مكان المجزرة) .ومخيم يدل على معنيين،
المعنى األول يدل على مكان مجرد ،أما المعنى الثاني ،وهو المقصود ؛ فإنه يدل على سيرورة
الحياة ،وارادة القتال ،وله بعد داللي آخر؛ فهو مكان إليواء المشردين ،فهذا المكان جعله الشاعر
بؤرة خالقة لخلق جيل جديد يخرج من بين المأساة ليغير الواقع المرير ،وقد يوظف الشاعر مظاهر
الطبيعة ليجعل منها إشاريات مكانية ،أو زمانية ،فالليل مثالً هو زمن مطلق وكذلك النهار ،وقد
جعل الشاعر الغيم والجبال مكاناً يسع العالم بأجمعه ،وهذه األدائية دلت على مساحة تجوال
الشاعر في عوالم الغربة ؛حتى أنه َّ
ألح على هذا المقطع أكثر من مرة )32( :
وشردتني
الغيوم َّ ك
مضت
ُ
ك
معاطفها الجبا ُل وخبأتني ورمت
ثم ينسحب الشاعر عن المشهد البحري ،والندى ،وتل الزعتر ،والخيمة – بعد أن عرف نفسه-
انسحاباً ال انهزاماً ،فهذه اإلشاريات المكانية (الندى ،المشهد البحري ،تل الزعتر ،الخيمة) مرجعيات
دلت على وطن الشاعر بعد المنفى .
ومن اإلشاريات (األسماء الموصولة) ،فداللتها ال تتضح إال بجملة صلتها ((،من حيث إنها
من األلفاظ اإلشارية التي ال تملك داللة مستقلة ،بل تعود إلى عنصر أو عناصر أخرى مذكورة
في أجزاء أخرى من الخطاب ))( )33فقد جاء الشاعر باالسم الموصول (التي) لتدعيم الصورة
وتقوية الفكرة ،ف قد اتسع هذا المخيم ،وصار بؤرة جذب للمغتربين الفلسطينيين ،فجاءوا من
القطارات التي تمضي في سيرها ،وكذلك من األرصفة المهجورة والياسمين الحزين ،فاالسم
الموصول (التي) يعد جس اًر بين مرحلة مضت ،ومرحلة ستأتي )34(:
وساعداً يشتد في النسيان
ذاكرةً تجيء من القطارات التي تمضي
وأرصفةً بال مستقبلين وياسمين
20
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
نلحظ أن داللة االسماء الموصولة متغيرة بحسب السياق النصي ((فهي ألفاظ كنائية ال تحمل
داللة خاصة ،وكأنها جاءت تعويضاً عما تشير إليه ،وهي أيضاً تقوم بالربط االتساقي من خالل
ذاتها )) ( )35وتتالحق اإلشاريات المكانية في هذا الجزء من هذه القصيدة وهي القطارات ،
والعربات ،والمشهد البحري ،وليل الزنازين ،ففي هذه األماكن اكتشف المغترب ذاته ،وحاول
الشاعر أن يمزج بين الزمان والمكان)36( :
اكتشاف الذات في العربات
َ كان
ي
أو في المشهد البحر ّ
ك
الشقيقة في ليل الزنازين
ك
العالقات السريعة في
والسؤال عن الحقيقة
ك
بنقيضه أحمد يلتقي
ُ كل شيء كانفي ك
21
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
سياقات تواصلية تربط المستقبكل بالباث ((فإن التواصل ليس فعالً عشوائياً ،أو حدثاً غفالً ،بل هو
فعلٌ مخططٌ له ،وموجه لتحقيق أهداف معينة واقامة العالقات بين الناس من أهم أهدافه ،بيد أن
أهدافه ليست محصورة في ذلك ،بل تتجاوزها ،في التعامل اليومي بين الناس ،إلى التبليغ
واإلقناع ،وان التواصل يجري وفقاً لألعراف االجتماعية ،مع أن هذه األعراف تختلف من شخص
آلخر ، )38()).أما أهداف المبدع فهي تطمح إلى إيصال هدف المتكلم إلى المخاطب ،وقد يكون
المخاطب واحداً أو أكثر ،فزمن الشاعر هنا لم ك
يأت نكرة ،فهو مقيد ب(ال) التعريف ،فالسنة
زمن معلوم بذاته ،وهذه المرجعية اإلشارية وان كانت مقيدة ،إال أنها دلت على تشابه الظروف
الزمانية حاض اًر ،أو ماضياً ،أو مستقبالً .وما يعزز فاعلية امتداد الزمن في كل االتجاهات هو ذكر
اسم الفاعل (نازل) ،فهذا النزول لم يقيد بلحظة معينة ،إنما لحظة قد تمتد سنة أو ده اًر )39( :
..نازالً من نحلة الجرح القديم إلى تفاصيل
البالد وكانت السنةُ انفصال البحر عن مدن
وكنت وحدي
ُ الرماد
قدم لنا الشاعر صورة جميلة مبهرة لمعاناته وغربته ،قائمة على اإلنزياح اللغوي من حيث
ّ
تركيبه الداللي الموحي ،فـ(نازل) اسم فاعل د ّل على حدث مجرد من الزمن ،فـ(نازل) مثبت له
منجز .فامتداد زمن الشاعر يؤكد تماثل الوقائع فيما مضى ،واآلن ،وفيالنزول ،وهذا حدث َ
ك
المحركة التي تحدث تغيي اًر على صعيد المستقبل ليوصل فكرة جمودية األحداث النعدام القوى
الواقع ،إللغاء التشابه ،وهذا داللة على رفض الشاعر لهذه األحوال ؛ إذ تدخل الشاعر الذي أخذ
دور الراوي بتهديم جدران الزمن ،ليمنح حرية التحرك لبطله في الزمن المطلق ،فها هو أحمد
ينسلخ من الماضي (وكانت السنة) ،فإذا هو أسير الحاضر ،فلم يجد نفسه إال رهينة للزمن نفسه
هبت المدينة لقتاله ،فالمدينة عنى بها الشاعر (أهل المدينة) ،وهذا ما نجده
مر فيه ،فقد ّ
الذي َّ
ك
الظالم أهلُهَا)( )40وقد يرمز الشاعر هذه القر ك
ية جنا كمن ك في القرآن الكريم بقوله تعالى (ر َبنا ك
أخر َ
َ
هبت لقتال أحمد
بالمدينة إلى الحضارة ؛والمدينة التي تحفل بلوائح حقوق االنسان ،فهذه المدينة ّ
(قناع الشاعر) ،ورمز الثورة على المحتل)41(:
أحمد اآلن الرهينه
تركت شوارَعها المدينه
وأتت إليه
لتقتله
فـ(اآلن) ظرف يشير إلى زمان الحال عند وقت عملية الخطاب الشعري ؛ إذ يتحد أطراف الخطاب
في لحظة التكلم .وتعد الظروف بنوعيها ( الزمانية والمكانية) من العناصر المدعمة للقوة اإلنجازية
22
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
هذه الحالية مؤكدة لتعاضد قرينتين (اآلن) ،و(الفعل المضارع) ،فالفعل المضارع يدل على
الحالية إذا لم يقترن بقرينة تصرفه إلى المستقبل ،أما األفعال المضارعة األخرى فهي مساوقة للفعل
المضارع األول ،وكلها في كنف الحالية .
-3القرائن اإلشارية (الشخصية – الوجودية):
وهي الضمائر التي تُحيل على المتكلم ،أو المتكلم المعظم نفسه ،أو المتكلمين ،أو أطراف
الخطاب األخرى المتمثلة بمخاطب ،أو مخاطبين غائبين أو حاضرين ،ولو جئنا بهذه الضمائر
خارج السياق لما أفادت شيئاً؛ إال أنها تُفصح عن ذاتها من خالل السياق (( فاإلشاريات الشخصية
ك
المرسل في ك
المتلفظة ،تدل على بشكل عام تدل على المتكلم أو المخاطب ،او الغائب .فالذات
ك
المتلفظة تتغير بتغير السياق الذي السياق ،فقد تصدر خطابات متعددة عن شخص واحد ،فذاته
تلفظ به .وهذه الذات هي محور التلفظ في الخطاب تداولياً؛ َّ
ألن األنا ،قد تحيل على المتلفظ
اإلنسان ،أو المعلم ،أو األب ،وهكذا ،)44())..وتقسم اإلشاريات الشخصية على نوعين:
-1اإلشاريات الوجودية -2اإلشاريات الملكية
وما يعنينا من هذه اإلشاريات (اإلشاريات الوجودية)؛ ألنها تمثل نقطة االرتكاز السياقي في
إنجاز الخطاب ،فال يمكن ألي خطاب مهما كان جنسه أن يتحقق دون األطراف المشتركة في
تواصلية السياق ،وفهم أبعاده .فهذه األطراف متمثلة بالضمائر الوجودية التي ُو كجدت بالقوة قبل
إنشاء الخطاب ،لكنها حين دخلت عملية إنجاز الخطاب ،أصبح وجودها فعلياً بتوظيفه في التعبير
اء أكان الضمير (األنا) ك
المعبر عنه ب(األنا) سو ً
ّ (المرسل) اللغوي .ومن أهم هذه األطراف
23
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
موجوداً ،أم مقد اًر ،فهو منطلق إنشاء الخطاب المتضمن أهداف (األنا) من خالل السياق الخطابي
للوصول إلى ذهنية المتلقي ،واحداث التأثير في نفسيته (( فال يمكن للغة الطبيعية أن تتجسد،
ك
المرسل ،فتصبح موجوداً بالفعل بعد أن كان وجودها بالقوة وتمارس دورها الحقيقي ،إال من خالل
ك
المرسل ال يكون للغة فقط .ليس هذا فحسب؛ بل يكون وجودها ذو فعل مناسب للسياق ،فبدون
فاعلية)45( )).
فـ(األنا) في قصيدة أحمد الزعتر شغلت مساحة كبيرة ؛ ألنها تشير إلى البطل الذي يتحدى
انكسارات الواقع وتردي األحوال ،وتخاذل األشقاء ،فها هو الشاعر يترك المجال ألحمد المغترب،
ليفصح عن ذاته ،بائحاً بتفاصيل وجوديته ،فهو كل شيء (الرصاص ،البرتقال ،الذكريات ،البالد،
الذهاب المستمر) ،كما في قوله )46( :
قال
أنا أحمد العربي – َ
يات
الرصاص البرتقا ُل الذكر ُ
ُ أنا
وجدت نفسي قرب نفسي
ُ
ي
فابتعدت عن الندى والمشهد البحر ّ
ُ
تل الزعتر الخيمه
وأنا البالد وقد أتت
وتقمصتني
َّ
وأنا الذهاب المستمر إلى البالد
وجدت نفسي ملء نفسي ...ٌ
يتجلى لنا بأن أحمد في صراعه مع العدو ُيصبح أمةً كاملةً ،فقد أدرك نفسه أهالً للتضخم
واالتساع ال عجباً أو غرو اًر ؛ بل عزماً واص ار اًر ،فهو ال يخشى من أي شيء في سبيل الحرية ،
وقد لعب ضمير المتكلم ( أنا ) دو اًر فاعالً في إعطاء المتلقي صورة من صور التحدي ،فتكررت
ال(أنا) أكثر من مرة على لسان أحمد ،وهذا ما يدرسه البحث بالتفصيل في موضوع التكرار)47(.
يعود الشاعر مخاطباً قناعه ( أحمد) دون ذكر اسمه ؛ وذلك لوضعه في مرتبة مساوية لمرتبة
المتكلم ؛ ألن المخاطب هو المتكلم نفسه ،فالشاعر حين يرسل خطابه المتضمن مقاصده ،فهو
على بصيرة متفحصة ثاقبة ،وان أُحيطت بالمؤثرات الذاتية والموضوعية (( فبصيرة الشاعر أدق
أصر على أن كل
في كشفها عن الحقائق من تحليل الميتافيزيقي .وهذا ما عناه كروتشي حين َّ
وظيفة الفن تنحصر في كلمة بصيرة )) ( ،)48فشاعرنا ُيخبكر المخاطَب ( أنت ) بأنه يختلف
ي
اختالفاً كبي اًر عن سائر الناس ،فهم يتشابهون كتشابه ذ ارت الرمل إال أن أحمد وحده بحر ٌّ
سماوي ،فهو ينتسب إلى ما هو أسمى وأبهى ،فاألزرق يتضمن داللتين ،األولى :تعني البحر
24
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
الذي يرمز إلى العظمة ،والقوة ،والغموض .واألخرى ،السماء الدالة على السعة ،واالرتفاع ،
والشمول ،فالبحر لم يكن أزرقاً لوال زرقة السماء )49(:
أنت لألزرق ك
للرمال و َ َّ
إن التشابهَ
فالرمل يدل على الدونية في التراتبية ،أما األزرق؛ فيدل على الفوقية ،فالرمل وان كثُرت
حبيباته فهو دون السماء ،فقناع الشاعر واحد (أحمد) إال أنه أسمى ممن هو دونه المتمثل بالرمل
الكثير.
يتالعب الشاعر محمود درويش باإلشاريات الوجودية ،فمرة يقر بها مخاطباً إياها ،وأخرى
ُيغيبها؛ فيجعلها بعيدة لمقصدية قائمة على استراتيجية الخطاب وغرضه ،فقد جعل ضمير
طب المطلق ()50
الحضور(أنت) ضمير غياب (هو) لإلخبار عنه ؛ إذ أشرك طرفاً ثالثاً هو المخا َ
هو أحمد الكوني في هذا الصفيح الضيق
المتمزق الحالم
البنفسجةُ الرصاصيَّه
َ وهو الرصاص البرتقالي ..
وهو اندالعُ ظهيرة حاسم
في يوم حريَّه
ندرك من سياق الكالم أن الكون كله مجسد في أحمد ،والصفيح الضيق هو الزنزانة ؛ أي
الرصاص ، يتصور الكون كله زنزانة ،فقد تالعب الشاعر بمنح الصفات إلى ثنائيتين (
والبنفسج) ،فمنح الرصاص لون البرتقال ،ومنح البنفسج لون الرصاص ،وهذه تتضمن معنيين،
معنى صريح ،ومعنى ضمني ،فالمعنى الصريح أن البرتقال يعد ثمرة من ثمار الشتاء .أما المعنى
الضمني ،فقد ارتبط البرتقال بالرصاص (الدم) ،وهذا البنفسج يمتزج برائحة األرض المعطرة بدماء
الشهداء ترتبط بالرصاص ،وأن الداللة األعمق التي قصد إليها الشاعر هي أن الموت والحياة
أمران متضادان ،إال أنها الثنائية البنيوية (الضدية) تكشف لنا االستم اررية المتولدة من هذين
المتضادين ،فالرصاص أداة الموت ،والبنفسج مظهر من مظاهر الحياة ،وال يمكن لنيل الحياة
واستم ارريتها إال بالكفاح الذي من أدواته الرصاص .
يغير الشاعر مجرى الحوار ،فيبعد قناعه ( أحمد) قليالً ليتحدث عن غربته الروحية والجسدية
ّ
مكر اًر ( تاء الفاعل) لتحقيق ما يخدم مقصديته ،يقول رومان جاكوبسون (( َّ
إن هذه الضمائر
المتصلة تقوم بالوظيفة التنبيهية والتأثيرية واإلبالغية))()51؛ إذ أفصح الشاعر عن مكنونات نفسه
َّ
وكأن قاصداً تنبيه المخاطَب وابالغه ،فهو يبحث في نزيفه عن صورته ،فهو ال يجد مالذاً له
الحلُم والشعر ،فالشاعر
فر اًر ،والمدن تسد أبوابها بوجهه ،فال يجد إال رصيف ُ
الطرق قد تفر منه ا
25
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
وقناعه ( أحمد) يعيشان غربة نفسية ،فهو يعيش في الالوعي الفردي مستحض اًر ذكرياته األليمة
()52
التجأت إلى نزيفي كي أحدد صورتي
ُ و
يا أحمد العربي
لم أغسل دمي من ك
خبز أعدائي
مرت ُخطايَ على طريق ولكن ُكلّما َّ
الطرق البعيدةُ والقريبةُ
ُ فر كت
َّ
ك
بالحقيبة آخيت عاصمةً رمتني ُ كلما
فالتجأت إلى رصيف الحلم واألشعار
ُ
كم أمشي إلى ُحلمي فتسبقني الخناجرُ
آه من ُحلُمي ومن روما
ترمي المقاربات القرائنية إلى دراسة الخطاب الشعري في ضوء المعينات اإلشارية ؛ ألنها في
المنظور التداولي تعد من المرجعيات األساسية لمعرفة دالالت السياقات النصية ،وقد اكتفيت في
هذه الفقرة بالوقوف على بعض هذه اإلشاريات ،منها الزمانية ،والمكانية ،والوجودية.
26
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
هذه الظاهرة بما ُيعرف ب"المعنى الفرعي ،أو المعنى الحقيقي ،أو المعنى غير الحرفي ،أو
معنى المعنى ،ومن أوائل الذين التفتوا إلى ذلك عبد القاهر الجرجاني( .)54أما األصوليون؛ فقد
عنوا بدالالت األلفاظ ،الستنباط األحكام الفقهية من تلك المدلوالت ،فالداللة عندهم نوعان:
ٍ
معان خادمة ٍ
معان مختلفة .واألخرى :الداللة المقيدة الدالة على األولى؛ الداللة المطلقة الدالة على
،وتسمى الداللة التابعة( .)55أما النحويون؛ فقد أخضعوا تداولية النص القرآني؛ إلى أن القول له
معنيان "،ظاهر وخفي" ،وأن اللغة هي وسيلة التخاطب األساسية بين الناس ،وما عداها من
حركات ،واشارات ما هي إال موضحات للغة التخاطب ،ولذا فقد عكف اإلنسان على دراسة قوة
األفعال المنبثقة من اللغة المستعملة في التخاطبات اليومية ،أو في حقول العلم ،أو اإلبداع ،والفن،
ومثلما اهتم العرب بهذه اللغة اهتم األوربيون بها ،وقد برز علماء أوربيون كبار في ميدان األفعال
الكالمية مثل ،فيرث ،وأوستين ،وسيرل ،ليتش ....إلخ ،فاألفعال الكالمية (( هي أقوال تؤدى
بها أفعال فبها يمكن للمرء أن ُينجز أفعاالً بواسطة اللغة ، )56( )).ويعد أوستين أباً لنظرية
األفعال الكالمية ،وقد سبقه (فيرث) ،فهما متفقان ((في أن للغة شكالً من أشكال النشاط))(. )57
وقد قسم أوستين المنطوقات على قسمين:
أ -إخبارية (تقريرية) )) :وهي أفعال تصف حقائق العالم الخارجي ،وتكون صادقة أو كاذبة ،
فهي تنقل معلومة إلى المتلقي أو تقرر واقعاً وتوصف بالصدق أو بالكذب )) (.)58
ب -إنشائية (أدائية) (( :تُؤدى بها أفعال في ظروف مالئمة ،وال توصف بصدق وال كذب ،بل
تكون ناجحة أو غير ناجحة ،طبقاً لمعيار المواءمة والمخالفة ،وكون المتكلم مؤهالً للقيام
بالفعل))( ،)59وقد الحظ أوستين أن هناك منطوقات بين بين؛ أي تحتمل التقريرية واألدائية طبقاً
لمالبسات الموقف ،والقرائن المحيطة به ،وتتفرع من هذه التقسيمات ،تقسيمات أخرى ال مجال
للخوض في تفاصيلها )60(.كما كان لسيرل دور كبير في نظرية األفعال الكالمية ؛ إذ رأى أن
هناك كثي اًر من عوامل النقص واالضطراب في نظرية أوستين حاول سدها ،وذلك في كتابه " ما
الفعل الكالمي ؟ " ،فقد قسم األفعال الكالمية على خمسة أقسام -1 :اإلخباريات "التقريريات" -2
الوعديات " اإللتزاميات" -3التوجيهيات " األمريات /الطلبيات" -4التعبيريات " البوحيات" -5
اإلعالنيات " اإليقاعيات" .وقد وضع بعض الباحثين المحدثين تصنيفات جديدة لألفعال في العربية
انطالقاً من التصنيف الخماسي لسيرل ،وهي( :اإليقاعيات والطلبيات واإلخباريات واإللتزاميات
والتعبيريات) ،وسيدرس البحث األفعال الكالمية في قصيدة أحمد الزعتر.
-1التعبيريات ( البوحيات):
هي تعبير عن مكنونات المتكلم وما يعتلج فيها إليصاله إلى المخاطب لتحقيق غاية نفسية يقصدها
المتكلم (( وغرضها اإلنجازي هو التعبير عن الموقف النفسي ،حيال الواقعة التي تعبر عنها
27
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
القضية ،وليس لهذا الصنف اتجاه مطابقة ،فالمتكلم ال يحاول أن يجعل الكلمات تطابق العالم
الخارجي وال العالم الخارجي يطابق الكلمات ،وهذا ما يسميه سيرل اإلتجاه الفارغ ،وكل ما هو
مطلوب اإلخالص في التعبير عن القضية ،وتحقق المحتوى القضوي سلفاً))( ،)61وجمعت قصيدة
أحمد الزعتر بين الغنائية والملحمية ،فهي غنائية من حيث اإليقاع ،والوجدانية العالية ،وملحمية
من حيث ذكر الحوادث َبنفَس ملحمي ،فالشعر الغنائي كما يقول جيرار جينيت يحاكي األحاسيس،
فهو يندرج بصفة طبيعية – وضرورة – بالمحاكاة ،فموضوعه مرتبط باألحاسيس( .)62وأما
القصيدة الملحمية (( فهي قصة شعرية بطولية قومية خارقة ،تختلط فيها الحقائق باألساطير،
وتتغلغل العقائد الروحية في حناياها))( ،)63فقد أظهر هذا التمازج بين الغنائية والملحمية
سايكولوجية اإلنسان الفلسطيني الذي مازج بين حزنه وقصة كفاحه .جعل الشاعر مطلع القصيدة
قدم الجار والمجرور ليشد ذهن المتلقي إلى ما يأتي في بقية الجملة
قائماً على التقديم والتأخير ،إذ ّ
بعد االسم المجرور ،فالقوة اإلنجازية لهذا التقديم قائمة على إحداث تشوق المتلقي إلى تتمة الفكرة
القائمة على اإلخبار ،وبعد أن تأتي التتمة ( هذا النشيد) يزداد تشوق الشاعر ،فحين يأتي ذكر
المنسي .بين فراشتين ) ،تكون الصورة قد اتضحت فيّ ألحمد
َ النشيد
ُ الجار والمجرور الثاني (هذا
دع َم الشاعر هذه الجملة الشعرية بتقديم الجار والمجرور لتقوية الفعل اإلنجازي،
ذهن المتلقي .وقد ّ
فالتقديم والتأخير من العناصر المدعمة للقوة اإلنجازية( ،)64فال يمكن أن نطبق المعايير التي
وضعتها التداولية على الشعر تطبيقاً صارماً؛ ألن للشعر مقصديات وأهداف يرمي إليها الشاعر
(المتكلم) ،أو (الباث) ،ويتوقف الفهم على المتلقي ،فإذا كنا نطبق تلك المعايير في موضوعات
الخطاب غير الشعري ُبيسر ،فال يمكننا أن نطبقها على الشعر الختالف اللغة الشعرية عن اللغة
العادية ؛ ألن لغة الشعر قائمة على اإلنزياح الذي ينقل اللغة من وظيفتها التخاطبية إلى وظيفة
إبداعية ،فوظيفة اللغة بكل أبعادها هو التواصل ،ومن هنا يمكن تحديد اإلتصال بأنه (( استجابة
أو مسلك يحدث بناء على منبه أو أكثر من منبه من المؤثرات الوراثية والبيئية ،ويكون لإلنسان
من ورائه غرض أو أغراض يقصد إليها ،وهذه اإلستجابة أو المسلك قد تصبح بدورها – فضالً
عن المنبه األصلي – منبهاً مباش اًر ُيفضي إلى استجابات أخرى ،يلي بعضها بعضاً ،ويترتب
بعضها على بعض ،تصدر من الفرد نفسه ،أو ممن يتصل به من األفراد ،أو منهما جميعاً))(،)65
فاإلخبار في لغة التخاطب اليومي يختلف عنه في الخطاب الشعري ،فإذا قال أحدهم النافذة
مفتوحة ،أو انهمر المطر ،فمعنى هذا أن المتكلم قصد إخبار المخاطب بما وقع وال يحتمل وجهاً
آخر ،ولكن وجدنا مثل هذا اإلخبار في الخطاب الشعري ،ونجد لهذا اإلخبار داللتين:
-1داللة حرفية ظاهرية تتعلق بتوضيح المعنى الظاهري للنص الشعري.
28
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
-2داللة قصدية أصلية للمتكلم ( الشاعر) ما وراء المعنى ،وتسمى في الدرس الداللي ( التداولية
الصغرى) ،وهذا ما نجد منه الكثير في قصيدة ( أحمد الزعتر ) .وها نحن نسمعه )66(:
وشردتني
الغيوم َّ
ُ مضت
وخبأتني
ورمت معاطفها الجبا ُل َ
ُ
شردته ،والجبال خبأته، طب َّ
بأن الغيوم َّ فالداللة الحرفية لهذين السطرين أن الشاعر ُيخبر المخا َ
ولكن الداللة األصلية أشارت إلى مقصدية الشاعر في توجيه خطابه ؛ فهو يشكو من حالتي التشرد
واالغتراب ،فانتقلت المقصدية من اإلخبارية إلى التعبيرية (( فالمبدع يمتلك المقدرة على نقل أفكاره
في أشكال وطرق متنوعة ،وعليه فإن الخاصية اللغوية يمكن أن تثير انفعاالت متعددة ومتميزة تبعاً
للسياق الذي ترد فيه ،وينتج من ذلك أن نفس االنفعال يمكن أن نثيره بوسائل إسلوبية متعددة.
وهكذا يكون تركيب األسلوب وما ينتج عنه من أثر انفعالي مطابقاً لخاصية الدوال والمدلوالت في
الدراسة اللغوية ، .....دراسة النص اإلبداعي البد أن تعتمد على تحليل العالقة بين صياغته
والعالم الذي نعيش فيه من خالل واقعه))( . )67ومن صور البوح للشاعر قوله )68( :
ك
بالحقيبة كلّما آخيتُ عاصمةً رمتني
الحلُكم واألشعار ك
فالتجأت إلى رصيف ُ
ُ
كم أمشي إلى ُحلُمي فتسبقني الخناجر
آه من ُحلُمي ومن روما
قد علمنا أن األفعال الماضية هي أفعال إخبارية كما يرى أوستين ؛ لكن االفعال في هذا النص
الشعري (آخيت)( ،رمتني)( ،التجأت) ،تدل على الشكوى ،فظاهرها إخبار ،ولكن داللتها القصدية
تشير إلى ما يتوجع منه الشاعر ‘ فهي تعبير عما يقاسيه ،فنراه يعيش الغربة النفسية ،ويلجأ إلى
الحلُم والشعر ،ويعزز الشاعر فكرته باستعمال اسم الفعل المضارع (آه) للكشف عن حالة
رصيف ُ
نفسية تنتابه ،فـ(السم الفعل) قوة إنجازية منحت النص كله طابع البوح ،إذ كشفت لنا خيبة أمل
الشاعر ،فطريقه مليء بالمخاطر ،فالمتكلم هنا واحد ،لكن المخاطَب مطلق ،فبوح الشاعر موجه
إلى متلقي عام غير مقيد بزمان معين ،وال مكان محدد ،ويرى عبد اهلل أن المتلقي أنواع ،ومنها
((المتلقي المطلق :مجرداً عن الزمان والمكان )) ()69
لو ابتعدنا عن التصنيف الدقيق ،لوجدنا أن المتكلم إذا كان شاع اًر وكالمه نظم ،فاغلب ما
يبوح به هو صادر عن انفعاالته الذاتية تحت وطأة الظروف الموضوعية التي تمارس سطوة على
الشاعر ،فتنطقه بما تجيش به نفسه حينها يتم التفاعل بين الذاتي والموضوعي ،فما نظنه إخبار
هو في الحقيقة بوح وتعبير عن ذات الشاعر ،فهو ُيفصح لنا عن مكنونات نفسه معب ار عن أهدافه
النضالية في هذا الوجود ،فالوظيفة االنفعالية (( تعد وظيفة ثانوية ،لكونها تُستعمل في إخراج
29
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
االنفعاالت التي تضطرب بها نفس المتكلم ،كما يفعل الشاعر مثالً )) ( ، )70فالمعنى الصريح
للنص أن الشاعر يحب الفراشات ويجتهد من أجلها ،ورسائله التي تنقل أفكاره هي الحجر ،
وعندما نتوقف عند هذا التعبير ال نجد داللة ذات فائدة ال فكرية وال جمالية ،لكن المعنى الضمني
المستلزم مقاميا يعني أن الشاعر يجتهد ألجل كل ما هو جميل ورقيق ،وعنى به األطفال
المشردين ،فهم كالفراشات (( فقد اقترن اسم الفراشة بالجمال والرقة ،والتخبط والطيش ،كما كانت
رم اًز للخلود عند افالطون)) .أما رسائله فهي عصية على االندثار والفناء ،خالدة خلود صخور
األرض ،فقد واءم الشاعر بين متناقضين ؛ بين الرقة والصالبة ،وبين النعومة والخشونة ،واللين
والقساوة ،وسرعة الفناء والخلود مدعماً فكرته بأحد العناصر المدعمة للقوة اإلنجازية للفعل ،وهو
تقديم ما حقه التأخير (الجار والمجرور) ،كما في قوله )71(:
وللفراشات اجتهادي
والصخور رسائلي في األرض
-2اإلخباريات (التقريريات):
قسم العرب الجملة العربية على قسمين -1 :الجملة الخبرية -2الجملة اإلنشائية ،فالخبر
هو ((كالم يكون لنسبته خارج في أحد األزمنة الثالثة تطابقه أو ال تطابقه))( ،)72فالكالم في
اللغة العربية يمكن أن يؤدى في اسلوب خبري واضح ،صادقاً كان أم كاذباً ،أو يؤدى في اسلوب
إنشائي ،وقد راعى العرب العالقة بين المنطوق اللغوي وما ينتج عنه من نشاط إنجازي ،ففي
اإلخبار اهتموا بمطابقة المنطوق إلى الخارج في موضوعات اإلخبار بتوفر شرط االعتقاد ،وهذا ال
يبعد كثي اًر عن الدرس التداولي عند األوربيين المحدثين في تقسيمهم الكالم على خبر وانشاء
((ولهذا القسم وظائف تداولية للفعل الكالمي التقريري ،واتجاه المطابقة فيه من الكلمات إلى العالم،
ويتضمن معظم أفعال اإليضاح عند أوستين ،والحالة النفسية التي تعبر عنها االعتقاد ؛ أي تمثيل
الحالة كما يعتقدها المتكلم ، )73 ( )).فمراد المتكلم إيصال ما يعتقده من أخبار للمخاطب قاصداً
المطابقة بين القول والعالم الخارجي ،وقد يأتي الخبر وصفياً أو إنشائياً بحسب القصدية التي
ويعنى بها التعهد للمستمع بحقيقةسمى سيرل اإلخباريات باالفعال اإلثباتية (( ُ
يحملها السياق ،وقد ّ
الخبر .فهي أن نقدم الخبر بوصفه تمثيالً لحالة موجودة في العالم .ومن أمثلتها األحكام التقريرية
،واألوصاف الطبية ،والتصنيفات ،والتفسيرات ،وتنطوي جميع اإلثباتيات على اتجاه مالءمة من
الكلمة إلى العالم ،وشرط الصدق في اإلثباتيات هو دائماً االعتقاد ، )74( )) .لكن تطبيق هذه
القاعدة على الشعر ال يأتي حرفياً؛ َّ
ألن مقصديات الشاعر تختلف عن مقصديات المتكلم في غير
النظم ،فإخباريات الشاعر قد تحتمل الحقيقة وما وراءها.
30
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
نرى في هذا النص الفعل الماضي الناقص (كان) ،وهو من االفعال (النواسخ) ،فالفعل
الماضي إذا لم يكن من النواسخ ،فهو لإلخبار؛ لكنه إذا كان من النواسخ ،نجد تفاوتاً بينه وبين
الفعل المجرد من حيث القوة اإلنجازية ،فدخول الفعل (كان) على الجملة األسمية منح الجملة
التقريرية قوة إنجازية تأثيرية ،فالشاعر يركز على أحمد ،وهو محور السياق الخطابي إلبالغ المتلقي
بما وقع ألحمد ،فقد اكتشف أحمد ذاته في تلك المواقع (العربات ،المشهد البحري ،ليل الزنازين،
العالقات السريعة)؛ وهذا التنقل السريع منح المخبر عنه تنوعاَ في التجربة ،فقد اكتشف أحمد ذاته
الحقيقية وبهذا االكتشاف وجد أحمد نقيضه )75( :
اكتشاف الذات في العر ك
بات ُ كان
ي
أو في المشهد البحر ّ
ك
الشقيقة في ليل الزنازين
في العالقات السريعة
والسؤال عن الحقيقه
ك
نقيضهأحمد يلتقي ب
ُ كل شيء كانفي ك
فالقوة اإلنجازية في الفعل المضارع "يلتقي بنقيضه" أفاد اإلخبار عن أمر غاب عن أحمد نفسه،
وهناك طرفاً آخر ينتظر وهو المتلقي ،ف( أحمد ) مخبر عنه من قبل الشاعر .أما المتلقي ،
فهو مطلق أُد كر َك بفعل القوة التأثيرية للسياق اإلخباري سرعة تنقل أحمد ،وتنوع مواقفه )76 ( :
عشرين عاماً كان يسأل
عشرين عاماً كان يرحل
دقائق في
َ عشرين عاماً لم تلده أمهُ ّإال
إناء الموز
وانسحبت
ما زال المتكلم يسوق الجمل اإلخبارية عن أحمد إلحاطة المتكلم بوصف ما يعتريه من اإلخفاقات
(( وأهم ما يميز المنطوقات التقريرية أنها تقال لوصف شيء أو تصويره ،أو سرد معلومات ))
(، )77فالفعل "يريد هوية" فعل إنجازي يدل على خيبة أمل المكافح الفلسطيني بسبب خذالن
األشقاء ،وتخلي األخوان ،ويدعم الشاعر فكرة اإلخفاق بفعل مضارع آخر " فيصاب بالبركان "،
فالمعنى الصريح هو أن البركان ينفجر على أحمد ،ولكن المعنى الضمني المستلزم مقامياً
والكاشف عن المحتوى القضوي للفعل المبني للمجهول " ُيصاب " يدل على صدمة عنيفة تهز
أحمد بقوة تلك الهزة متمثلة بموقف العرب من قضية أحمد ،فبناء الفعل للمجهول منح الفكرة قوة
تعزيزية تأثيرية أتمت عناصر الفكرة )78(:
31
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
صاب بالبركان
في ُيد هويةً ُ
ير ُ
يلح الشاعر على كشف ماضي أحمد ،إذ أتى بالفعل الماضي " كان " ثالث مرات ُليخبر في كل
فعل من هذه االفعال عن مكان له تأثيراته على أحمد ،فالمحتوى القضوي يوضح أن المخيم كان
يمثل مرحلة أولى من مراحل كفاح أحمد ،فهو يشكل جسمانية أحمد .أما الفعل الثاني ،فهو
إخبار عن مكان أوسع من المخيم " دمشق" ثم يأتي الفعل الثالث ،فهو إخبار عن امتداد المكان
وسعة جغرافيته ،واختالف اتجاهه ،فالفعل الكالمي المباشر في االفعال الثالثة الناقصة إخبار عن
تنقل أحمد من مكان إلى آخر .أما الفعل الكالمي غير المباشر لألفعال المذكورة هو تقرير يوصل
المتكلم إلى ما وراء اإلخبار متمثالً بأضيق نقطة كان يعيش فيها أحمد " المخيم " الذي تمرد عليه
ك
ليمارس نشاطاً كفاحياً أرحب ،ثم يغادر الشاعر " دمشق " إلى الثائر فتركه طالباً مساحةً أكبر
الحجاز ،وهو رمز لسعة رقعة البالد العربية ،فإذا كان المخيم جسم أحمد ،فقد أصبحت دمشق
جفون أحمد ،لقد صارت دمشق للجسم " المخيم " جفوناً ،ويريد بها العيون ،ثم يمضي أحمد
مرمى بعيداً ،فهو رمز النطالق
ً الباحث عن المدى األرحب فيستظل بالحجاز الذي رمى إليه
العرب الذين نشروا رايات اإلسالم .ثم يعود الشاعر ليأتي بفعلين ناقصين يفيدان الصيرورة
الجديدة ،فالقوة اإلنجازية لهذين الفعلين أفادت التحول واالنطالق الجديد ،فقد كسر أحمد ذلك
المحال ال يبالي بشيء ،وقد وطّ َن نفسه على الرحيل الدائم )79( :
الحصار ،ومضى ليقتحم ُ
جسم أحمد
المخيم َ
ُ كان
جفون أحمد
َ دمشق
ُ كانت
الحجاز ظالل أحمد
ُ كان
أحمد فوق أفئدة الماليين
َ رور
الحصار ُم َ
ُ صار
األسيره
وم أحمد
الحصار ُه ُج َ
ُ صار
والبحر طلقته األخيره !
لقد استطاع المتكلم ( الشاعر ) أن يحقق غرضه اإلنجازي ،وهو نقل المتكلم ما حوله من وقائع
عاشها أحمد الفلسطيني المغترب الثائر .ويرى سيرل أن الغرض اإلنجازي لإلخباريات ((هو نقل
المتكلم واقعة من خالل قضية يعبر عن هذه الواقعة ،وافعال هذا الصنف كلها تحتمل الصدق
والكذب ،واتجاه المطابقة فيها من الكلمات إلى العالم ،ويتضمن هذا الصنف معظم أفعال
اإليضاح عند أوستين ،والحالة النفسية التي تعبر عنها هي االعتقاد))(.)80
فد تكون األدائية تحتمل أكثر من وجه ؛ فهي إما أن تكون إخبارية محضة ،كقولنا " أزورك غداً"،
أو تكون وعدية قطعية (( وقسم أوستين األدائيات إلى أدائيات أولية ،أو ضمنية ،وهي التي ال
32
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
تحتوي على أفعال أدائية ،نحو( :سأزورك غداً) ،فهو يحتمل الوعد واإلخبار .و(أدائيات ثانوية أو
صريحة) ،وهي التي تشتمل على فعل أدائي في صيغة المضارع المبني للمعلوم المسند إلى المفرد
المتكلم )81( )) .
وهذا ما نراه في قول الشاعر)82(:
يداك
ونزور صمتك حين تطلبنا َُ
وحين تشعلنا اليراعه
مشت الخيو ُل على العصافير الصغيركة
فابتكرنا الياسمين
ليغيب وجهُ الموت عن كلماتنا
ينفصل الشاعر عن قناعه " أحمد " ،فهو ُيخبر على لسان الجمع بأنهم سيحلون عنده ليبددوا
صمته عندما تشير (يدا أحمد) إليهم ،أو عندما تُشعلهم الليالي المثقلة بالذباب ،فتؤرقهم وهذا كالم
غير مباشر؛ فهو كناية عن مضايقات الصهاينة للفلسطينيين وسوء معاملتهم ،فالفعل اإلنجازي "
نزور صمتك " تضمن أمرين :اإلخبار ،وقد ينصرف إلى الوعد ،فهم يعدونه بزيارة صمته ((فالفعل
اإلنجازي ((هو ما يؤديه الفعل اللفظي من معنى إضافي يكمن خلف المعنى األصلي ،أو ُيعنى به
محاولة المتحدث إنجاز غرض تواصلي معين )83( )).
ثم يقطع الشاعر فكرته وكأنه بدأ فكرة جديدة قائمة على اإلخبار ،فالفعل الماضي عند أوستين
من االفعال اإلخبارية ؛ فالشاعر يبلّغ ببدائل الشعب الفلسطيني الثائر ،فحين مشت الخيول على
العصافير الصغيرة ،ابتكر الثوار الياسمين ،وهذا هو ظاهر النص " إخبار صريح " ُيخفي وراءه
نصاً مسكوتاً عنه " الالمقول " مختبئاً وراء النص المكتوب ،وهو القصد ؛ أي غرض الشاعر
(حدث كالمي ) ،فقد رمز الشاعر ب" الخيول " إلى " دبابات المحتل " ،و ب" العصافير " إلى "
الطفولة والبراءة " ،و ب" الياسمين " إلى الحب واألنوثة ،وعروبة القضية (*)
إن هذا التشظي الفرعي منح النص احتماليات أكبر لدالالت أكثر ،وان إدراك المتلقي إلى ما
اع من قبل المتلقي (( فهذه األسس " القيود " التداولية التي ترتبط
ورائيات النص هو إدراك و ٍ
بالحدث اللغوي ،تمكننا من إدراك النص الغائب أو المسكوت عنه أو الالمقول .فهو نص غير
مكتوب لكنه يفرض حضوره .فالسطح الظاهر للنص ليس سوى الحضور المانع لما يقوله ،وهذا
الالمقول هو المسؤول عن بناء العالقات داخل منظومة الخطاب )84( )) .
-2التوجيهيات (األمريات ،الطلبيات):
مر ذكرها .وأما
صنف العرب الجملة إلى خبرية وانشائية كما أسلفنا ،أما الخبرية فقد َّ
ّ
اإلنشائية فهي الجملة التي ال تحتمل الصدق وال الكذب ،ولكن العرب وقفوا عند االفعال
33
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
التوجيهية ،فقسموها بحسب ورودوها في سياق النص منطلقين من قصدية المتكلم ؛فجعلوا أفعال
األمر قسمين :حقيقية ومجازية ،وكذلك النهي حقيقي ،ومجازي مراعين سلطة المتكلم ومرتبة
المخاطَب ،فما صدر ممن هو أعلى إلى ما هو أدنى ،هو أمر حقيقي ،وما صدر من األدنى إلى
األعلى هو أمر مجازي يراد به الدعاء .أما إذا صدر من متكلم بنفس رتبة المخاطب؛ فيسمى
التماساً (( فاألمر مطلق الزمن ،فال يقترن بالحدث إال بعد وقوعه ،وهو لم يقع ...وأن فعل األمر
منقطع لالستقبال ،واألصل فيه أنه طلب الحدوث في الحال عقب األمر ،فالقرينة الحالية توجبه
الحال))( ،)85وكذلك النهي إذا صدر ممن هو أعلى إلى من هو أدنى يسمى نهياً حقيقياً ،واذا
صدر من األدنى إلى األعلى فهو مجازي (دعاء) ،واذا كان صاد اًر من رتبة مساوية للمخاطب فهو
التماس .وعلى هذا َّ
فإن التوجيهيات في لغة العرب تُفسر وفق هذه التقسيمات .والعرب يقولون أن
الطلب هو إيقاع فعل بلفظ يقارنه في الوجود(( .وتبين للنحاة أن األصل في الجملة أن يتفق لفظها
ومعنى ،أو إنشائية لفظاً ومعنى .بيد أن هذا األصل خولف فيً مع معناها ،فتكون خبرية لفظاً
االستعمال ومن ثم قالوا بوجود جملة إنشائية لفظاً خبرية معنى .ووجود جملة خبرية لفظاً وانشائية
معنى .فقولنا :أنت المنصور :إنشاء إذا أردت به الدعاء .أنا جائع :إنشاء إذا أردت به طلب
الطعام .الثور في الحديقة :إنشاء إذا أردت به طلب التحذير)) (.)86
والتوجيهيات (( هي نوع من أفعال الكالم التي يستعملها المتكلمون ليجعلوا شخصاً آخر يقوم
بشيء )) ( ، )87وغرضها اإلنجازي ((هو توجيه المخاطب إلى الفعل ومحاولة التأثير فيه))
( ،)88وال ُب َّد للتوجيهيات أن تكون واضحة ألداء المطلوب (( فهي تتميز بالوضوح في التعبير عن
قصد المتكلم ،فذلك يزيل اللبس على السامع ،مما يضمن تحقيق االستجابة ،ومن سيمات التوجيه
الصريح أنه ال يستلزم أكثر من قصد للخطاب ،ومن ثم فإنه ال يدع للمتلقي أي فرصة للتأويل ،أو
التملص من مضمونه))( .)89والتوجيه ليس عمالً لغوياً بحتاً ،إنما وظيفة من وظائف اللغة ،وقد
سمى رومان جاكوبسون (( وظيفة التوجيه بالوظيفة اإليعازية أو الندائية ،كما في األمر والنصيحة
ّ
والرجاء ..إلخ ،غير أن نظام اللغة التي تعطى لتوجيه قوته اإلنجازية ،ومنها :السلطة ،وجهة
المنعة ،وإلعطاء الخطاب سلطة المركسل فإنه يتضمن بعض اإلشاريات ( الضمائر) التي تحيل
ك
المرسل سلطته ، )90( )).وقُسمت التوجيهيات بحسب أغراضها ،فقد صنفها باخ إلى على
خمسة أصناف :الطلبات ،أسئلة ،المتطلبات ،التحريميات ،أفعال النصح . )91( .ورأى
محمود الصراف مرجعية التوجيه (( ،فجعلها قسمين – 1 :التوجيهيات النفسية :هي توجيهيات
تصدر عن المتكلم في شكل انفعال يعبر عنه متوجهاً به إلى المتلقي لكي يحثه أو ك
يحرك مشاعره
فعالً ،أو يمتنع عن أداء فعل ومن هذا النوع مثالً :العتاب والطمأنة.
34
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
-2التوجيهيات الطلبية:
وهي توجيهيات تصدر من المتكلم لتوجيه المتلقي أو التأثير عليه ،مع خلوها من الجانب
الشعوري غالباً ،وينبغي أن يكون قابالً للتنفيذ))(.)92
شغلت التوجيهيات مساحة واسعة في قصيدة " أحمد الزعتر " لتشكل بنية النص المتكامل مع
غيرها من االفعال الكالمية .وقد نهج البحث طريقة التفكيك بدراسة االفعال الكالمية وفق عناوينها
ليتسنى للباحث إعادة هيكلة البنية الكلية لهذه القصيدة ،لتشكل سياقاً متكامالً إلظهار قصديات
الشاعر ،ففي هذه القصيدة انصهر الذاتي بالموضوعي ،والفردي بالجماعي ،والمعقول بالالمعقول،
والغنائي بالملحمي ليكتمل بناء ملحمة بطولية تكشف لنا صراع الشعب الفلسطيني من أجل أن
يعيش ح اًر كسائر الشعوب التي تعتز بهويتها ووطنيتها .فقد انصبت توجيهيات الشاعر على هذه
الغاية السامية ،ومما يميز شعر محمود درويش تعدد الوسائل والعناصر المدعمة للقوة اإلنجازية
في بنية االفعال الكالمية ،فها هو يقول )93( :
يا أيها الولد الموزعُ بين نافذتين
ال تتبادالن رسائلي
قاوم
فنحن نجد في هذا المقطع عدداً من العناصر المدعمة للقوة اإلنجازية :مثل( ،النداء ،النهي،
األمر) ،فالمتكلم يتدرج بوسائله التوجيهية ( الطلبية ،المنجزة ) مبتدئاً بالنداء الذي يحيل على وجود
( األنا ) المتكلم ،واستحضار المخاطب ،فصيغة النداء (( تؤشر على الحضور البارز للذات
المتكلمة ،من خالل التمركز الذاتي ،وتضخيم األنا البؤرية داخل النسيج النصي ، )94( )) .
ولما حقق النداء جلب انتباه المخاطب يأتي ب( ال الناهية ) التي يترتب عليها ترك الفعل المنهي
عنه من قبل المتكلم ،فيعقبه بفعل أمري صريح ،ولكل صيغة من هذه الصبغ قوى إنجازية مباشرة
.يوجه المتكلم ( الشاعر ) خطابه إلى المنادى بعد استحضار ،فهو ينهاه عن االنشغال بتبادل
الرسائل آم اًر إياه بالمقاومة ؛ أما القوى اإلنجازية المستلزمة مقامياً لهذه الصيغ توحي بأن الشاعر
يريد من المخاطب " أحمد " أال يشغل نفسه بشيء غير مقاومة االحتالل حين وجده موزعاً بين
نافذتين ؛ أي منشغالً بين ذاته والوطن ،فنافذة تطل على ذات الشاعر وما يعانيه من حالة
االغتراب والتشرد ،ونافذة أخرى تطل على وطنه الذي يطمح إلى خالصه من المحتلين ،ومما
يؤيد هذا القول أن الشاعر يكرر صيغة النداء واألمر أكثر من مرة ،مؤكداً على فعل األمر " قاوم"
فالحدث الكالمي منصب على استم اررية المقاومة .أما التشظي الفرعي في هذا النص؛ فهو الولد
المكرس للندى ؛ يعني به أحمد الذي نذر نفسه للبذل ،والعطاء ،والتضحية .أما التشظي اآلخر؛
ّ
فهو أن يجعل الشاعر من أحمد بلداً بأسره ،فهو ثورة تجري مع دم محمود درويش ال سيما أن
35
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
الولد يوصلنا إلى أحمد ،وأحمد يوصلنا إلى الشاعر ،فأحمد قناع الشاعر ،وأما الندى والمسدس
؛ فالندى يدل على العطاء ،والمسدس يدل على البقاء ،كما في قوله )95( :
المكرس للندى
ّ ياأيها الولد
قاوم
المسدس في دمي
ّ ياأيها البلد –
قاوم !
علمنا أن صيغة األمر الحقيقي تأتي من األعلى إلى األدنى ،ولكن حين يصدر األمر من الشاعر
إلى المخاطب ،فالبد من أهلية تمنح الشاعر سلطة اآلمر ،وما دام الشاعر يعد نفسه أكثر نضجاً
من الكثيرين ،فهو يمنح نفسه منزلة اآلمر (( فبمجرد نطق المتكلم بصيغة األمر ،يكون قد أضفى
على نفسه مرتبة اآلمر ،فيضع اآلخر في مرتبة المأمور)) ( ،)96فهو يقول الشاعر )97 ( :
فاذهب بعيداً في الغمام وفي الزراعه
ال وقت للمنفى وأغنيتي ...
زحام الموت فاذهب في الزحام
سيجرفنا ُ
فالشاعر يأمر المخاطب " البطل " أن يذهب بعيداً في الغمام وفي الزراعة ،فالداللة القصدية
الظاهرية ال تعني شيئاً يؤثر في المخاطب أو المتلقي اآلخر ،ولكن الفعل اإلنجازي نتلمسه في
الداللة القصدية األصلية ؛ فالغمام سبب اإلنبات والرخاء ،والزراعة ،فهو نتيجة حتمية للغمام ،
فشاعرنا يأمر المخاطب بأن يكون خي اًر لوطنه ،وسبباً إلنعاشه ،فال وقت للمنفى وأغاني الحنين ،
فالمرء إن لم يقتحم ستسحقه األرجل فالبد له أن يقتحم الموت ليصنع الحياة .ويستعمل الشاعر
حروف العطف لتالحق صيغة األمر بلفظ واحد وقصدية مختلفة ،فنراه يعطف على فعلين مماثلين
بنفس اللفظ ( إذهب ) ،كما في قوله )98( :
واذهب إلى دمك المهيأ النتشارك
واذهب إلى دمي الموحد في حصارك ال وقت للمنفى
فهو يحث المخاطب أن يجعل من دمه درباً للمرور إلى اآلخرين ؛ أي ارجع إلى ذاتك الثائرة لتصل
إلى دم المتكلم الناطق بصوت الجمع .
ُيدرج االستفهام تحت قائمة التوجيهيات الطلبية ،لكن القوة اإلنجازية في االستفهام ال يشترط أن
؛ألن أفق االستفهام الداللي يخرج إلى أغراض مجازية كما هو ُيجاب عنها من قبل المخاطب َّ
معروف في لغتنا العربية ،فقد يأتي نفياً ،أو تعجباً ،أ و توبيخاً ،أو غير ذلك (( فهو اسلوب
ثري ،يتأبى في أحيان كثيرة على أن ينحصر معناه في داللة واحدة ،فال يجد الشارح مناصاً من
36
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
استخدام مجموعة من المعاني في محاولة لإلمساك بعطاءاته الداللية المتنوعة ، )99( )) .فقد
ورد االستفهام ( كيف ) في قول الشاعر )100 ( :
ك
الصخر والتفاح اللفظي بين محوت هذا الفارق
َ كيف
َ
ّ
ك
البندقية والغزاله بين
نلحظ أن ( كيف ) في هذا النص ال تحتاج إلى إجابة ،فالشاعر ساقها ليجعل غرضها اإلنجازي
منصرفاً إلى التعجب ،فهو يعجب من المخاطب " أحمد " ؛ ألنه جمع بين ثنائيات متناقضات ،إذ
جمع بين صالبة الحجر ورقة التفاح ،وبين أداة الموت " البندقية " ،وبين الحيوان الحذر " الغزالة
" الذي ال يطمئن لشيء .ولو تعمق القارئ إلى الداللة القصدية األصلية لوجد أن كفاح " أحمد
اقع تتآلف فيه غاية
الزعتر" قد حطّ َم جدران التناقض وحدود العناصر ،فهو قادر على خلق و ٍ
السمو بالواقع من حالة التردي والشرور إلى حالة المالءمة والتعايش ،واالنسجام .فالصخر رمز
القسوة والصالبة ،والتفاح يرمز إلى المعرفة ،والحكمة ،واالزدهار .أما البندقية؛ فأداة الموت،
والغزالة ترمز للثروة والرخاء ،وتعد من أقوى الرموز للوفرة ،وجريان المال ،وجذب الخير الوافر،
وهي تدل على االستم اررية ،فمن الصالبة تتفتق الخضرة ،ومن الموت تنبثق الحياة.
يعد اسلوب النداء من أساليب الطلب ،فهو ُيؤدى بحروف خاصة بالنداء ،فالنداء يسترعي حضور
ك
المرسل وهو من التوجيهيات ؛ ألنه قائم في المعنى على المخاطب ،أو تحفيزه ذهنياً لتلقي كالم
يد ،نعني أقبل أو إنتبه ،أو ما شابه ذلك ،فعملية النداء تستدعي حضور
طلب ،فحين نقول ياز ُ
آن واحد(( ،فصيغ النداء تؤشر على الحضور البارز للذاتالطرفين ( المتكلم ،والمخاطب ) في ٍ
المتكلمة ،من خالل التمركز الذاتي ،وتضخيم األنا البؤرية داخل النسيج النصي)) ( .)101وقد
َكثُر اسلوب النداء (*) في هذه القصيدة ؛ ألنها قائمة على مخاطبة اآلخر ،ف( اآلخر) هو أحمد
يكون محور القصيدة ،فالقوة اإلنجازية المستلزمة مقامياً لصيغة النداء تبدو جلية من خالل
الذي ّ
ك
المرسل (الشاعر) الذي يبث مقاصده إلى المرسل إليه لردة فعل تجاه سياق النص ،فالنداء يحفز
َ
المرسل إليه ،فها هو الشاعر يقول مخاطباً الجمع )102( :
َ
يا أيها المتفرجون ! تناثروا في الصمت
وابتعدوا قليالً عنه كي تجدوهُ فيكم
ك
ويدين عاريتين حنطةً
وابتعدوا قليالً عنه كي يتلو وصيتهُ
على الموتى إذا ماتوا
مالمحهُ
َ وكي يرمي
ك
األحياء إن عاشوا على
37
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
38
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
المرجوة من النص الشعري .فالتكرار في هذه القصيدة لم يكن على نمط واحد ؛ بل جاء متنوعاً
بحسب ما يهدف إليه الشاعر من اإلثراء الداللي لكل نوع من أنواع التكرار .
والتكرار يقسم على قسمين -1 :التكرار البسيط -2التكرار المركب.
-1التكرار البسيط :يمنح النص بؤ اًر متكررة تشع بدالالت االسمية ،أو الفعلية ،أو الحرفية ،
وهذا ما نسميه تكرار الكلمة ؛ إذ تشكل الكلمة (( المصدر األول من مصادر شعر الحداثة
التك اررية ،والتي تتشكل من صوت معزول ،أو من جملة من األصوات المركبة الموزعة داخل
السطر الشعري ،أو القصيدة بشكل أفقي ،أو رأسي ،وهذه األصوات تتوحد في بنائها وتأثيرها
سواء أكانت حرفاً أم كلمة ذات صفات ثابتة كاألسماء ،أو ذات طبيعة متغيرة تفرضها طبيعة
السياق كالفعل )107( )) .
ومن األمثلة على تك اررالكلمة (وحدي ) ثالث مرات كما في قول الشاعر )108( :
وكانت السنةُ انفصال البحر عن مدن
وكنت وحدي
ُ الرماد
ثم وحدي ...
آه يا وحدي ؟
بعيد عن األهل والوطن،
أفاد التكرار التوكيد الذي يمنح المتلقي الوقوف على غربة المتكلم ،فهو ٌ
متفرداً بنفسه في غربته .
ومن تكرار الكلمة :تكرار فعل األمر ،وهنا نسمع محمود درويش يؤكد على فعل المقاومة
مخاطباً بطله " أحمد" ،فقد كرر فعل األمر ( قاوم ) ثالث مرات ألهمية المقاومة في قهر
الصهاينة المحتلين ،وإلرجاع الحق المغتصب ،كما في قوله )109( :
المكرس للندى
ّ يا أيها الولد
قاوم
َّ
المسدس في دمي يا أيها الولد
قاوم !
أحمد العربي .قاوم !
ُ يا
ففعل األمر ( قاوم ) ال يدل على وقوع الحدث إال بعد التلفظ به ،ويرى محمود عكاشة (( أن فعل
األمر منقطع لإلستقبال ،واألصل فيه أنه طلب الحدوث في الحال عقب األمر ،)110( )).فهو
هنا مطلق غير مقيد بقرينة ،وقد تكرر فعل األمر في ثنايا القصيدة ثالث عشرة مرة )*(.
يكرر الشاعر الفعل المضارع ( يختفي ) مرتين ،وهو يخاطب زوجته ،فالفعل المضارع يدل على
الدخول في الحدث ،كما في قوله )111( :
39
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
40
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
المتمزق الحالم
وهو الرصاص البرتقالي ..البنفسجةُ الرصاصيَّه
وهو اندالع ظهيرة حاسم
يصرح الشاعر بعد كل ضمير باسم يدل على التطور الداللي الذي يكشف للمتلقي أدوار صاحب
الضمير الغائب ،فبعد الضمير األول نرى أحمد الكوني ؛ وهذا استغراق في تضخيم ذات أحمد
البطل وتمددها ،فكأنها الكون كله .وبعد الضمير الثاني ( الرصاص) يصبح أحمد الكوني أداة
ظاهرها الموت وباطنها الحياة ،إذ ال يمكن للحياة الكريمة أن توهب ؛ بل تؤخذ بالكفاح وما دام
الرصاص وسيلة من وسائل الكفاح ،فمنها تولد الحياة ،وهذا ما يدل عليه نعت الرصاص باللون
البرتقالي ،فهذا اللون يجمع بين الدفء والوفرة ،والتوهج اإلشتعالي ،فقد مازج الشاعر بهذا اللون
بين ثمرة السالم ،وبين اشتعال الثورة ،فمنها ينبثق الدفء واألمان ،وقد تالعب الشاعر حين
أعطى دور الرصاص للبنفسجة ،ودور البنفسجة للرصاص داللة على أن الحياة تنبثق من رحم
الموت ؛ وقد أكثر الشاعر في هذه القصيدة من ذكر البنفسج ،ألنه يرمز للحب الصامت ،
والمتأجج ويتخطى حدود الجمال المادي ،ليأخذ كل من يشاهد ه إلى جمال الروح .فحب المقاتل
حب هادئ ممزوج بالحماسة ،وقد يقول قائل ما عالقة الرصاص بالبنفسج ؟ !
الفلسطيني لوطنه ٌ
فالجواب أن الشاعر أراد أن يوصل إلى المتلقي بأنه جعل الرصاص طريقاً لحريته ؛ ألنه يحب
وطنه ،ولم يجعله وسيلة للقتل والدمار .أما بعد الضمير الثالث يستحيل أحمد من الرصاص
البرتقالي ،والبنفسجة الرصاصية إلى ساعة انتفاضة الشعب الفلسطيني بثورته الواضحة وضوح
الظهيرة في عدالتها وأحقيتها.
لقد َّ
ألح الشاعر على ضمير الغائب إلغناء الفكرة بدفق داللي يمنح الصورة ُبعداً مقصدياً
المنجز من هذا التكرار ،فالتكرار عند نازك المالئكة ((إلحاح على جهة هامة من
َ تعزي اًز لقوة
قيمة ينتفع بها الناقد
العبارة ُ ،يعنى بها الشاعر أكثر من عنايته بسواها ،وهو بذلك ذو داللة نفسية ّ
األدبي الذي يدرس النص ويحلل نفسية كاتبه ،إذ يضع في أيدينا مفتاح الفكرة المتسلطة على
الشاعر . )115( )) .حافظ الشاعر على التوازن العددي في ذكره لضمير الغائب ( هو ) ،فهو
في هذا المقطع ذكره ثالث مرات ،وفي مقطع آخر(*) كرره ثالث مرات ،فالشاعر قصد بهذا
معنى خفياً ،ولم يكن محض صدفة ؛ فالعدد ثالثة في كثير من الثقافات األفريقية يرمز إلى َّ
الذكر ً
،فكل ما يفعله الرجل البد أن يكون ثالثة في طقوس " بورو " عند قبائل " سينوفو " (*) ويرمز
الرقم ثالثة في المقدس إلى القوة ،والثالوث األقدس .وبعد أن علمنا رمزية العدد ثالثة ،صار
واضحاً مقصد الشاعر " الذكورة واألنوثة " ،وأن تكرار الحرف في اللغة العربية يفيد التوكيد وفي
النصوص الشعرية يفيد التنغيم .فالحرف المكرر يمنح صوتاً مكر اًر ،فالحرف المكرر (( يدل على
41
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
فاعلية األصوات على إضافة طبقة داللية من خالل الطبقة الصوتية ،وهي في ذلك كأنها إيماء
مكثف يختزل إضافات وصفية أو تشبيهية ،فكأنها لذلك معنى فوق المعنى . )116( )) .نجد
محمود درويش في هذه القصيدة يأتي بتكرار الحرف " ال النافية " إلثراء النص بتكرار النغم ،
وكذلك تقوية القصدية التي يتوخاها الشاعر ،فالقصدية (( تعني رغبة مؤلف النص أن يقدم نصاً
مسبوكاً محبوكاً ،وفي معنى أوسع تشير القصدية إلى جميع الطرق التي يتخذها المؤلف إلستغالل
نصه من أجل تحقيق مقاصده ، )117( )) .فهو يكرر في هذا النص " ال النافية " الداخلة على
الفعل المضارع " تقول " تسع مرات(*)
ياأحمد المولود من حجر وزعتر...
ستقول :ال
ستقول:ال
جلدي عباءةُ كل فالح سيأتي من حقول التبغ
كي يلغي العواصم
وتقول:ال
ك
الخفيفة جسدي بيانالقادمين من الصناعات
والتردد ...والمالحم
نحو اقتحام المرحله
وتقول:ال
تحيات الزهور وقنبله
ُ ويدي
مرفوعة كالواجب اليومي َّ
ضد المرحله
وتقول :ال
ضرج بالسفو كح
الم َّ
ياأيها الجسد ُ
وبالشموس المقبله
وتقول :ال
ياأيها الجسد الذي يتزوج األمواج
فوق المقصله
وتقول :ال
وتقو ُل :ال
وتقول :ال
42
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
إلثبات صفة الرفض على لسان أحمد ،ف(أحمد ) ال يرضى بغير حرية الوطن السليب ،فهو
في كل األحوال يرفض ممتنعاً .وقد كرر الشاعر حرف الجر " في " سبع مرات )118( :
وساعداً يشتد في النسيان
كان اكتشاف الذات في العر ك
بات
ي
أو في المشهد البحر ّ
ك
الشقيقة في ليل الزنازين
في العالقات السريعة
والسؤال عن الحقيقه
ك
بنقيضه أحمد يلتقي
ُ كل شيء كان في ِّ
دقائق في
َ عشرين عاماً لم تلده أمهُ إال
إناء الموز
فالحرف " في" مختص بالظرفية المكانية ،وهو يدل على العمقية ؛ أي التغلغل داخل الظرف
وليس على سطحه ليدل على تواجد أحمد خالل سيرته في ضروب مكانية مختلفة ( النسيان ،
العربات ،المشهد البحري ،ليل الزنازين ،العالقات السريعة ،إناء الموز ) ،ويختمها الشاعر (
في كل شيء كان أحمد يلتقي بنقيضه ) ،ليجعل الكون كله مسرحاً لتحرك أحمد ،وهذا التحرك
يدل – في الوقت نفسه – على تسارع زمن أحمد المتغير الذي صار زماناً واحداً في مكان واحد
وان تعددت تسمياته .
التكرار اإلستهاللي :
يمثل دعائم إرتكاز مضيئة تُنبه المتلقي ،وتثير في نفسه التشوق لتتابع هذه المكررات التي تمنح
النص الشعري قوةإنجازية تم ّكن المتلقي من تمثل الصورة المؤدية إلى مقصدية المتكلم (( وهذا
اللون كثي اًر ما يكشف عن فاعلية قادرة على منح النص الشعري بنية متسقة ،إذ إن كل تكرار من
هذا النوع قادر على تجسيد اإلحساس بالتسلسل والتتابع ،وهذا التتابع الشكلي ُيعين في إثارة التوقع
لدى السامع ،وهذا التوقع من شأنه أن يجعل السامع أكثر تحف اًز لسماع الشاعر واالنتباه
إليه))( ،)119وال تخلو قصيدة أحمد الزعتر من هذا التكرار الذي ينهض بالنص الشعري حتى
يصل به إلى المتلقي .وهذا التكرار إما أن يكون اسماً ،أو فعالً ،أو حرفاً .يكرر الشاعر في هذا
سني غربة أحمد ،فالعدد (عشرين)
النص أحد ألفاظ العقود (عشرين عاما) ثالث مرات ،لتأكيد ّ
نائب عن ظرف الزمان ،كما في قوله )120( :
عشرين عاماً كان يسأل
عشرين عاماً كان يرحل
43
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
دقائق في
َ عشرين عاماً لم تلده أمهُ إال
إناء الموز
دل على حالة أحمد عبر تزاحم األزمنة . وهذا التكرار َّ
كثَُر تكرار ( اذهب )(*) إحدى عشرة مرة في بدايات األشطر الشعرية ،ففي هذا النص نجد
الشاعر كرر فعل األمر ( اذهب ) ست مرات )121( :
فاذهب عميقاً في دمي
اذهب براعم
واذهب عميقاً في دمي
اذهب خواتم
واذهب عميقاً في دمي
اذهب ساللم
فهذا التكرار أفاد تطور غايات الشاعر وأهدافه ،ويترتب عليه تغيير الهدف تغيي اًر تصاعدياً،
فالمخاطب مطالب بإحداث ما مطلوب منه من المنجزات لتغيير العالم ؛ فبعد الفعل (اذهب) ،أوالً
يأمر الشاعر المخاطب بأن يبدأ رحلة التغيير من التغلغل في دم الشاعر ،أي يذوب الشاعر
(صاحب الهدف) في الجمع لينطلق من إرادة ذلك الجمع لتحقيق الطموح ،وبعد الفعل (اذهب)
الثاني ،تعطي حركة المناضل أول أُ ُكلك كه ،إذ يتبرعم النضال ،فالبراعم داللة على النشأة ،ثم تتحول
البراعم بعد (اذهب) الثالث إلى خواتم ،وهذه مرحلة متطورة في مسار كفاح الشعب الفلسطيني،
فالخاتم يفيض بسيل من الدالالت؛ ومنها أنه رمز الحماية والقوة لصاحبه كما في المعتقدات القديمة
والشعبية .وهو رمز لالرتباط المقدس بين الزوجين ،فهذا االرتباط يدل على النشأة الجديدة ،فهو
رمز لنشأة الوجود بأكمله بما يمثله من استدارة تامة ،فتصاعد الخاتم فاصبح ساللماً للصعود
واالرتقاء ،فالبراعم ال تتفتح إال باإلرواء ،فبعد أن ارتوت من دماء الشعب استحالت إلى قوة ونشأة
جديدة متمثلة بالخواتم ،فاستحالت الخواتم (القوة) إلى همة الصعود واالرتقاء ،فأصبحت تضحيات
الشعب الفلسطيني ُسلَّماً لنيل الحرية.
يلح الشاعر على تضخيم البطل حتى جعله عالماً مترامي األطراف من حيث التمدد في كل
االتجاهات ،كما جعله عالماً يحتوي على حركة الكون ،وتبادالت الطبيعة ،وتقلبات الفصول ،وألوان
الزهور ،واختالج نفسيات البشر ،فـ(أحمد) في منظور الشاعر كل هذا وذاك وغيره ،فها نحن
نسمعه يقول )122( :
...ولهُ انحناءات الخريف
لهُ وصايا البرتقال
44
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
45
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
46
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
الحلُكم
.وصاعداً نحو التئام ُ
تحت أشجاري وظلّ كك
المقاعد َ
ُ تنكمش
ُ
يفصح الشاعر عن أمنيته التي عاش من أجلها ،وهي الوطن البسيط الذي يناضل من أجله
الفلسطينيون كما في قوله )137( :
ُلنصاب بالوطن البسيط وباحتمال الياسمين.
وقد تكررت هذه العبارة ثالث مرات(*)،فقد أفاد هذا التكرار زيادة المد العاطفي ،ورهافة حس
بحلُمه (الوطن البسيط) ((فالعبارة المكررة تؤدي إلى رفع مستوى الشعور في
الشاعر وعالقته ُ
القصيدة إلى درجة غير عادية ،تغني الشاعر عن اإلفصاح المباشر ،وتصل القارئ بمدى كثافة
الذروة العاطفية عنده))( . )138إن التكرار في هذه القصيدة اتسم بالمزج بين الذاتي والموضوعي،
بين الشاعر وقناعه ،وبين الشاعر وقناعه والكون ،ويتجلى لنا هذا في قول الشاعر )139( :
وشردتني
الغيوم َّ ك
مضت
ُ
ك
معاطفَها الجبا ُل وخبأتني ورمت
يكشف هذا المقطع عن غربة أحمد الجسدية والنفسية ،فهو غريب في جسده ،بعيد عن وطنه،
وهو غريب في ذاته وتطلعاته عن سائر الناس ،فهو مضى كما تمضي الغيوم حين تزجيها الرياح
إلى أطراف الدنيا ،وقد طمست الجبال شخص أحمد ،وهنا نرى مجا اًز لطيفاً ،فمعاطف الجبال تدل
مغيب عن وطنه. على ستر هذا الشيء بضبابها وثلوجها ،فكأنها دفنت الشاعر وخبأته ،فهو ّ
ويكرر الشاعر هذه الصورة مع شيء من التغيير لتلوين فكرة الغربة )140( :
وشردتني
الغيوم َّ ك
سافرت
ُ
ورمت معاطفها الجبا ُل وخبَّأتني
ففي العبارة األولى قال الشاعر (مضت الغيوم) ،وفي العبارة المكررة الثانية (سافرت الغيوم)،
فالمضي يدل على الذهاب إلى جهة غير معروفة ،أما الفعل " سافر" يدل على الذهاب لمكان
بعينه ،وهذا ما يدل على تطور مرحلي في حياة أحمد ،ونرى في تكرار العبارة الثالثة)141(:
وشردتني
الطيور َّ
ُ كتبت مراثيها
ورمت معاطفها الحقو ُل وجمعتني
يغير الشاعر معظم ألفاظ العبارتين األولى والثانية ،فابدل (مضت)
في هذه العبارة الثالثة ّ
و(سافرت) بـ(كتبت) ،وأبدل (الغيوم) بـ(الطيور) ،وأبدل (الجبال) بـ(الحقول) ،وأبدل (خبأتني)
مشرداً ال حضور له ،قد غيَّبتهبـ(جمعتني)؛ بعد أن كان أحمد في العبارتين األولى والثانية ّ
تضاريس الجبال ،إذ أصبح في العبارة الثالثة أكثر حضو اًر ،فهو ما زال مشرداً إال أنه شهيد الحرية،
وجمعته الحقول التي هي رمز الخصب والنماء ،واالنبعاث
فقد رثته الطيور التي هي رمز الحرية ّ ،
47
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
غير بشهادته مجرى األحداث؛ إذ جعل دمه عامل جذب الجديد ،فهو يسقط شهيداً؛ لكنه ّ
للفلسطينيين بعد الشتات .وهناك خيط رفيع يربط بين العبارات الثالث ربطاً سياقياً وداللياً ((فإن
األنماط المكررة تتعالق في كل صورة من صور التكرار لتشكل لوحة عميقة األلوان ،بعيدة المالمح،
تستثير ذهن المتلقي وتحفز عقله إلى الخوض في تشكيل الخيط الذي ينسج األنماط المتكررة في
كل صورة من صور التكرار))( .)142وقد تالعب الشاعر بالتكرار في العبارات اآلتية )143(:
وتموت قرب دمي وتحيا في الطحين
ُ
فاذهب بعيداً في دمي ! واذهب بعيداً في الطحين
فاذهب عميقاً في دمي واذهب عميقاً في الطحين
نلحظ في هذه العبارات الثالثة تسلسالً منطقيا فيه تدرج ؛ إذ اختفى صوت أحمد وعال صوت
مخب اًر إياه بالموت ،ففي العبارة األولى يعلم الشاعر قناعه أحمد بأن
الشاعر وهو يخاطب أحمد ّ
يموت قرب دم الشاعر لكي يحيا ،فالحياة عنده منبثقة من الموت ،فالطحين رمز للحياة البسيطة،
وفي العبارة الثانية يتغير القرب إلى إيغال " في الظرفية " المبهمة فهنا الشاعر يأمر قناعه (ذاته)
بأن يوغل في دم المتكلم ،ويترتب عليه اإليغال في طلب الحياة .وفي التدرج الثالث يصبح التدرج
في الدم والحياة عميقاً ،فالعمق يكون أكثر ولوجاً في الظرفية ،فهو يدل على قوة إنجازية دالة على
مباشرة الفعل المؤثر لتحريك الثورة ،ففي هذه العبارة تمازج دم المتكلم (الشاعر) بدم المخاطب
بأسباب الحياة ،وهذا طريق المناضلين من أجل الحرية .ومن أنماط التكرار المركب " تكرار
النهاية" ،ويقع هذا التكرار في نهاية كل سطر شعري ،وهو بمثابة الزمة مفعمة بالمعاني الداللية،
فـ"الالزمة" ((عبارة عن مجموعة من األصوات أو الكلمات التي تعاد في الفقرات أو المقاطع
الشعرية بصورة منظمة))( ،)144ومن امثلة تك اررالنهاية قول الشاعر على لسان أحمد )145( :
أحمد العربي – ك
فليأت الحصار ُ أنا
جسدي هو األسوار – ك
فليأت الحصار
ك
الحصار النار – ك
فليأت حدود ك
ُ وأنا
ك
فليأت الحصار باب كل الناس –
وصدري ُ
فقد كرر الشاعر (فليأت الحصار) أربع مرات ،وهذا التكرار َّ
دل على الطلب ،فهو فعل مضارع
مسبوق بـ(الم األمر) ليكشف عن تحدي أحمد للمحتل ،معلناً في الجملة األولى عن اسمه متحدياً
الصهاينة ،ثم يفصح في الجملة الثانية عن تضحيته حين جعل جسده هو األسوار التي ُيحتمى بها.
وفي الجملة الثالثة تتصاعد لهجة التحدي حين تُصبح (أنا المتكلم) حدوداُ ملتهبة بوجه الحصار،
ك
المرسل (المتكلم) صدره مم اًر للجموع الزاحفة لكسر الحصار ،فـ(أحمد وفي الجملة الرابعة يجعل
المتحدي) هو ُمنشئ هذا الخطاب المتكرر في نهاية كل سطر ،فهو قطب رحى الخطاب ومنشؤه
48
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
ك
(المرسل) هو ((الذات المحورية في إنتاج الخطاب ؛ ألنه هو الذيإليضاح القصدية للمخاطَب ،فـ
يتلفظ به ،من أجل التعبير عن مقاصد معينة ،وبغرض تحقيق هدف فيه))( ، )146ويظل أحمد
قوة الجذب المركزية ،ففلك القصيدة يدور حوله ،فاسمه يتكرر أربع مرات في قول الشاعر)147( :
جسم أحمد
المخيم َ
ُ كان
جفون أحمد
َ دمشق
ُ كانت
ظالل أحمد
َ الحجاز
ُ كان
فوق أفئدة الماليين
أحمد َ
َ رور
الحصار ُم َ
ُ صار
َ
األسيره
فكل األماكن تشكل جزءاً ،أما أحمد؛ فهو الكل الذي يمثل الوطن العربي ،انطالقاً من مخيم
انتهاء بالحجاز ،ثم يقلب الشاعر الموازين ،فتُصبح محاصرة أحمد انتفاضة
اللجوء مرو اًر بدمشق ،و ً
على األعداء؛ فالحصار نقطة الشروع لصولة أحمد .ويختتم الشاعر قصيدته بتكرار اسم االستفهام
(متى) ثالث مرات)148( :
متى تشهد
متى تشهد
متى تشهد
إذ يذوب أحمد على لسان الشاعر بالجمع؛ بل هو القيم والمقدسات ،وهو محور القضية .أما
االستفهام فلم يجد له جواباً ،إذ َّ
ظل غامضاً وسيكون الجواب في ساعة االنتصار وهزيمة المحتل.
تكرار النداء:
طب ،ويترتب عليها استجابة ذلك المخاطب ،وقد تكون هذه
منجزة موجهة إلى المخا َ
للنداء قوة َ
االستجابة آنية ،أو مستقبلية والسيما في الخطاب الشعري ،فغاية الشاعر من تكرار النداء
استحضار المخاطب قريباً كان أم بعيداً ،وقد تكرر اسلوب النداء سبع مرات في هذه القصيدة؛
فالمتكلم واحد ،والمخاطب واحد ،المتكلم هو الشاعر ،والمخاطب هو أحمد ،وهذا التكرار يدل على
تأكيد الشاعر على ما يعتلج في نفسه من سياقات أمرية ال يقدر على االستجابة لها إال بطله
أحمد ،ففي النداء األول )149 ( :
يا أحمد العربي ؟
يخاطب الشاعر أحمد ناعتاً إياه بالعربي تيمناً بنبينا محمد (ص) ،فمن اسمائه أحمد وهو من
يوجه
العرب استطاع أن يغير حال العرب من التشرذم إلى الوحدة ،ومن الضعف إلى القوة ،ثم ّ
نداءه إلى أحمد الفلسطيني المولود من رحم الفجيعة ،فهو الثائر من أجل المستقبل الزاهر ،وقد رمز
بالزعتر إلى تل الزعتر؛ تلك المجزرة المعروفة)150( :
49
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
50
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
51
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
وهناك ثنائيات أخرى تسمى عند السرديين ب ـ(ثنائيات الخطاب القصصي) في قوله)166( :
المكر ُس للندى
ّ الولد
يا أيها ُ
قاوم
َّ
المسد ُس في دمي البلد –
يا أيها ُ
قاوم
فيك أغنيتي
اآلن أُكم ُل َ
َ
أذهب في حصارك
و ُ
واآلن أكم ُل فيك أسئلتي
أولد من غبارك
و ُ
فاذهب إلى قلبي تجد شعبي
شعوباً في انفجارك
سيكون المناضل الفلسطيني مل كه َماً لكل الشعوب المضطهدة فالشعب الفلسطيني الثائر سيعلّم
الشعوب كيف تثور على مغتصبيها.
تبين من موضوع التكرار في قصيدة أحمد الزعتر أنه من المستلزمات األدائية المدعمة لقوة
اإلنجاز النصي في هذه القصيدة من حيث تعاضد الدالالت المفصحة عن مقصديات النص
الشعري ،فضالً عن التلوين النغمي الناجم عن تكرار الكلمة ،أو العبارة ،أو الحرف ،فالتكرار له
وظائف نصية مهمة ((أ -فقد امتلك درويش الدواعي الموضوعية التي تدفعه إلى توظيف نظام
بناء على الموافقات اللغوية لذلك .ب – إيجاد المرتكزات البنائية لحصول القيمة اإلنشادية
التكرار ً
للقصيدة .ج -إيصال المحطات التعبيرية عن طريق إيجاد مرتكزات الزمة لتأسيس البدايات اللغوية
في الجمل الشعرية ،والتي كانت القصيدة العمودية تقر بها سمة تركيبية عندما عابت
التضمين))()167
ومن وظائف التكرار األخرى:
إثارة اهتمام المتلقي ،وترسيخ المعاني في ذهنه.
تحقيق االنسجام اإليقاعي داخل النص الشعري.
بهاء من
-3يعد التكرار من جماليات النص الشعري ،فهو يزينه بهذه المكررات ،ويجعله أكثر ً
حيث هندسة الهيكل الظاهري ،فضالً عن عمق المعاني التي يوحي بها التكرار.
52
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
الخاتمة:
درس هذا البحث قصيدة احمد الزعتر للشاعر محمود درويش دراسة تداولية ،وقد بحث في األبعاد
التداولية التي جاءت في هذه القصيدة من حيث المقاصد الظاهرية ،والمقاصد األصلية (معنى
المكونة للنص وفق السياقات التي يهدف إليها الشاعر لتكوين بنية النص الكلية ،وقد سلّط
ّ المعنى)
هذا البحث الضوء على بعض موضوعات االفعال الكالمية ،مبتدئاً بدراسة اإلشاريات التي تعد أحد
عرج البحث على دراسة األفعال الكالمية بدءاً بـ(التعبيريات
العناصر المهمة في هذه القصيدة ،ثم ّ
– البوحيات) ،ثم اإلخباريات (التقريريات) ،وبعدها التوجيهيات (األمريات – الطلبيات) ،كما درس
البحث ظاهرة التكرار ومدى قيمته الداللية في بنية القصيدة ،وأُلحقت به الثنائيات التي توحي
كونت هذه العناصر بنظرة الشاعر الفلسفية إلى الكون القائم على الكثير من الثنائيات .وقد ّ
مجتمعة هيكلية النص المتكامل للقصيدة؛ فقد ركز البحث في دراسة القوة اإلنجازية المتمثلة
بالعناصر المكونة لهذه القصيدة التي تعد إحدى مالحم الكفاح الفلسطيني ،وقد جمع الشاعر في
هذه القصيدة بين الوجداني والملحمي ،وهذه القصيدة تعد بحق من روائع محمود درويش ،وتبين لنا
أن استعمال الشاعر لعناصر البنية الشعرية كانت خادمة لمقصديات الشاعر وفق السياقات المبتغاة
من تكوين كلية القصيدة من خالل النص المترابط الكاشف عن صراع الشعب الفلسطيني المتمثل
بأحمد الزعتر ضد الصهاينة المحتلين .
وتتلخص نتائج هذه الدراسة بـ:
-1إ ّن محمود درويش كان على رأس الشعراء الذين استطاعوا أن يوصلوا القضية الفلسطينية إلى
العالم من خالل الشعر المقاوم.
-2استثمر مقدرته الفنية لتوظيف عناصره توظيفاً تواصلياً قائماً على ثقافته النضالية في نقل
ٍ
غنائية تت اروح بين الرخامة والحماسة العالية. تجربته إلى المتلقي ٍ
بلغة
لتكون بؤ اًر داللية
-3حفلت هذه القصيدة بأساليب متنوعة ،منها :الرموز ،والتكرار ،والثنائياتّ ،
تجعل القارئ يغوص إلى ما وراء السطور ليصطاد المعاني األصلية التي يقصد إليها الشاعر،
فأسلوب هذه القصيدة يعكس أبعاداً مختلفة على المتلقي أن يؤولها بحسب ثقافته ،ومقدرته التحليلية
لشتى العناصر المكونة لهذا النص.
-4تبين أن ليس للتداولية وحدات تحليل خاصة بها ،وال موضوعات مترابطة ،وتعد نقطة التقاء
بمجاالت العلوم ذات الصلة باللغة ،فهي ال تنتمي إلى أي مستوى من مستويات الدرس اللغوي،
صوتياً كان ،أم صرفياً ،أم نحوياً ،أم داللياً.
53
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
ّ -5لو َن الشاعر قصيدته بألوان الطبيعة ليجمع بين الذاتي والموضوعي ،فقد نجد الغيوم،
والجبال ،والبحر ،والفراشات ،والياسمين ،والزنبق ،والرصاص ،والبرتقالة ،والرماد ،وكثير من ألوان
الطبيعة.
المغيرة ،فقد جعل الموت في سبيلّ -6لم يكن شعر المقاومة الفلسطينية يائساً ،بل اتسم باإلرادة
الحرية ميالداً لحياة جديدة ،وهذا ما اتسمت به قصيدة احمد الزعتر التي تعد نشيداً ممزوجاً برثاء
الشهداء ،فمن الشهادة تشرق شموس الحرية .
الهوامش:
.1لسان العرب :ابن منظور ،دار صادر ،بيروت ،ط2000 ، 1م ،مادة ( دول).
.2معجم المصطلحات اللغوية :د .رمزي منير البعلبكي ،دار العلم للماليين ،1990 ،ص390
.3ينظر :التداولية عند العلماء العرب :د .مسعود صحراوي ،ط دار الطليعة ،بيروت .د .تً ، 17 -16
التداولية من أوستين إلى جوفمان :فيليب بالنشيه ،ترجمة :صابر الحباشة ،دار الحوار ،سوريا 2007 ،م،
ص ، 18آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر :د .محمود أحمد نحلة ،ط دار المعرفة الجامعية 2002 ،م،
ص 14 -12
.4مدخل إلى علم النص ،مشكالت بناء النص ،ترجمة :د .سعيد حسن بحيري ،ط مؤسسة المختار ،القاهرة ،
2003م ،ص86
ينظر :أعالم الفكر اللغوي :جون إي جوزيف ،نايجل لف ،توليت جي تيلر ،ترجمة :د .أحمد شاكر -5
الكالبي ،ط ، 1دار الكتاب الجديد ،طرابلس 123 ، 2006 ،
-6ينظر :البعد التداولي في الخطاب القرآني الموجه إلى بني إسرائيل :قدور عمران ،رسالة دكتوراه ،كلية
اللغات واآلداب ،جامعة الجزائر ، 2009 – 2008 ،ص54
-7ينظر :العقل اللغة والمجتمع ( الفلسفة في العلم الواقعي ) ،ترجمة :سعيد الغانمي ،ط ،1الدار العربية
للعلوم ،بيروت 2006 ،م ،ص208 ، 207 ،128 ،5
-8أعالم الفكر اللغوي ،ص251
-9التداولية من أوستين إلى جوفمان :فيايب بالنشيه ،ص107 ، 106
-10مدخل إلى علم اللغة النصي :فولفجانج هانيه من ،ديتر فهفيجر ،ترجمة :د .فالح بن شبيب العجمي ،ط
جامعة الملك سعود 1996 ،م ،آفاق جديدة ص15
-11التداولية عند العلماء العرب :د .مسعود صحراوي ص27 ،26
-12التداولية البعد الثالث في سيميووطيقا موريس :عيد بلبع ،مجلة فصول ،ع( ، ) 66س( )2005ص36
54
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
-16دراسة األسلوب والبحث ،وأدوات الفن األدبي ،ترجمة :د .بسام بركة ،مجلة الفكر العربي ،معهد اإلنماء
العربي ،بيروت 1998 ،م ،ص231
-17م.ن ،ص235
-18قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية – بنية الخطاب من الجملة إلى النص – د .أحمد المتوكل ،دار
اآلمان ،الرباط 2001 ،م ،ص40
-19قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية :د .حافظ اسماعيلي علوي ،عالم الفكر ،ع( ، )24م( )33
2004 ،م ،ص200
-20ينظر :آفاق جديدة ص11
-21اإلنزياح في الخطاب النقدي والبالغي عند العرب :د ،عباس رشيد الددة ،ط ،1بغداد 2009 ،م
-22اللغة والحجاج :د .أبو بكر العزاوي ،العمدة في الطبع ،2006 ،ص118
-23كتاب الحروف :أبو نصر الفارابي ،حققه وقدم له :محسن مهدي ،ط ، 2بيروت ،دار المشرق 1990 ،م
،ص162
-24م .ن
-25معجم تحليل الخطاب :باتريك شارودو ،دومينيك منغو ،ترجمة :عبد القادر المهدي ،حمادي صمود ،
ومراجعة :صالح الدين الشريف ،ط ، 1دار سينات ار ،المركز الوطني ،تونس 2008 ،م ،ص230
-26م.ن ،ص 157 ،156
-27التداولية من أوستين إلى جوفمان ،ص 133
-28أفاق جديدة ،ص21
-29ديوان محمود درويش ،المجلد ( ، )1دار العودة ،بيروت ،ط210 ، 1
-30استراتيجية الخطاب – مقاربة لغوية تداولية – عبد الهادي بن ظافر الشهري ،دار الكتاب الوطنية ،بنغازي
،ليبيا ،ط2004 ،1م ،ص85
-31الديوان ،ص 611
-32م .ن
-33البيان في روائع القرآن :د .تمام حسان ،عالم الكتب ،القاهرة 1993 ،م ،ص 32 -31
-34الديوان ،ص 612
-35اإلحالة في نحو النص :د .أحمد عفيفي ،مجلة دار العلوم ،عدد خاص بعنوان العربية بين نحو الجملة
ونحو النص ،س(535 /2 ، )2005
-36الديوان :ص 612
37- Ch –Perlman andolbrechts – Ttteca : The new rhetoir : Ibid – P 266 – 267
-38استراتيجية الخطاب :ص 10
-39الديوان :ص 611
-40سورة النساء ،اآلية ( )75
-41الديوان ،ص613
-42م.ن ،ص614
-43م .ن ،ص615
55
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
56
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
57
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
-96الديوان ،ص615
-97مقاالت في التداولية والخطاب :عمر بلخير ،دار األمل للطباعة ،الجزائر 2013 ،م ،ص 48
-98الديوان ،ص 622 ،621
-99م.ن ،ص 622
-100تحويالت الطلب :ص 120
-101الديوان ك ص623 ،622
-102تحويالت الطلب :ص 120
(*) – الديوان :ص 625 ،624 ،623 ،622 ،621 ،620 ، ،618 ،616 ،615 ،614
-103الديوان :ص 625
-104كتاب سيبويه -تح :عبد السالم هارون ،عالم الكتب ،بيروت ،ص 84 ،83
-105البيان والتبيين :الجاحظ ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط1968 ،1م ،ص 105
-106دراسة نظرية وتطبيقية :د .فريد عوض حيدر ،مكتبة اآلداب ،القاهرة 2005 ،م ،ص 157
-107اإليقاع في الشعر العربي الحديث في العراق :ثائر عبد المجيد العذاري ،رسالة ماجستير ،كلية التربية ،
جامعة بغداد 1989 ،م ،ص 218
-108جمالية التكرار في الشعر السوري المعاصر :عصام شرتح ،دار زيد للطباعة والنشر والتوزيع ،ط،1
2010م ،دمشق ،سوريا ،ص 493
-109الديوان :ص 611
-110الديوان :ص 615،623 ، 614
-111معجم تحليل الخطاب :ص 75
(*) -ينظر :ديوانه ،ص 623، 622، 621 ،615 ،614
-112الديوان :ص618
(*) -ينظر:ديوانه ،ص623، 621، 620، 619، 618، 616، 615، 614، 613
-113قراءات اسلوبية في الشعر الحديث :محمد عبد المطلب ،الهيئة المصرية للكتاب ،د.ط ،1995،ص 144
-114الديوان :ص 613 ،612
-115م .ن ،ص 615
-116قضايا الشعر المعاصر :نازك المالئكة ،دار العلم للماليين ،بيروت ،ط1978 ،5م ،ص 276
(*) – الديوان :ص 617
)*( -Molefikete Asante – Encyclpedia of African religion – p462
-117القول الشعري – منظورات معاصرة – د .رجاء عيد ،منشأة المعارف باالسكندرية ،ط1995 ،1م ،
ص109
118- Robrtde – beaugran- de and Dresslel: Introduction to text Linguletics- p 113.
(*) -ينظر :الديوان ،ص 621 ،620
-119الديوان :ص 612
-120التكرارفي الشعر الجاهلي – دراسة اسلوبية – د .موسى ربايعة ،مجلة مؤتة للبحوث والدراسات ،م ( ،)5
ع( 1990، )1م ،ص15
58
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
-121الديوان :ص612
(*) -ينظر :الديوان ،ص 623-622
-122الديوان :ص623
-123م.ن،ص 624
-124دالالت صورة الخريف في األدب ،صحيفة الفداء – مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع ،
حماة ،العدد (2012 ، )1م
-125الديوان :ص 625
(*) -الديوان ك ص 623-622 ، 618 -617
-126البالغة الجديدة بين التخييل والتداول :محمد العمري ،ط ،1دار الحامد ،عمان ،األردن 2009 ،م ،ص
205
-127الديوان :ص 618 ،616
-128البالغو واألسلوبية :محمد عبد المطلب ،الهيئة المصرية للكتاب ،د .ط 1984 ،م ،ص 31
-129الديوان :ص 618
-130م .ن ،ص 622
-131م.ن
-132م.ن613 ،
-133م.ن ،ص 623
-134م .ن ،ص624
-135تحليل الخطاب الشعري – رثاء الصخر نموذجاً – نور الدين السد ،مجلة اللغة واألدب ،ع( ، )8جامعة
الجزائر 1996 ،م ،ص109 -108
-136الديوان :ص 618 ، 617
-137م .ن ،ص618،622
-138التكرير بي المثير والتأثير :عز الدين علي السيد ،عالم الكتب ،ط1968 ،2م ،بيروت ،لبنان ،
ص298
(*) -ينظر :ديوانه ،ص624، 622
-139الديوان :ص 612
- 140م.ن622 ،
-141اإلسلوبية ( الرؤية والتطبيق ) :يوسف أبو العدوس ،دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة ،ط ،1عمان،
2007م ،ص233
-142الديوان ،ص 621،622،623
-143ظاهرة التكرار في شعر أبي القاسم ( دراسة اسلوبية) :زهير أحمد منصور ،ص9
-144الديوان ،ص 614
-145استراتيجية الخطاب ،ص45
-146الديوان620 ،619 ،
59
العدد – 221المجلد األول لسنة 2017م 1438 -هـ مجلة األستاذ
-147م.ن625 ،
-148م .ن ،ص 616
-149م.ن ،ص 620
-150م.ن ،ص 622
-151م .ن ،ص623
-152م، ، .ص 622
-153م .ن ،ص 624
-154م .ن
-155القيم الجمالية في شعر محمود درويش :الزاوي أمين العربي عميش ،رسالة ماجستير ،جامعة وهران ،
، 1991ص 291
(*) -الديوان:ص 624، 623، 622، 617، 615 ، 614 ، 613، 612، 611
-156الديوان ،ص 611
-157م.ن
-158م.ن
-159م.ن،ص 612
-160م .ن ،ص 613
-161م.ن
-162م.ن ،ص 614
-163م.ن ،ص 617
-164م.ن ص 619
-165م.ن ،ص 621
-166م .ن ،ص 623
-167م.ن ،ص 615
-168القيم الجمالية في شعر محمود درويش ،ص286
60