Professional Documents
Culture Documents
ُمشكالت وحلول
الجامعة األردنية نموذجا
إعداد
د .عوني الفاعوري د .خالد أبو عمشة
ال َجام َعة األردنية0
ملخص
يهدف هذا البحث إلى مدارسة ظاهرة تعليم اللغة العربية بوصفها لغة ثانية ُ
ي وما هو بين ما هو نظر ّ َوفق نظريات األلسنية التّطبيقيّة ،القائمة على ال ُمزاوجة َ
عمل ّيَ .ومن أجل تقديم هذه الظاهرة بصورتها الواقعيّة الحقيقيّة فإنّه ت ّم تجزئة
البحث إلى أربعة محاور رئيسة ،تمحورت حول مستويات العربية :الصوتية
والصرفية والنحوية والداللية وتعليم العربية بوصفها لغة ثانية .وارتباطُ تلك
المستويات بعمليّة تعلّم العربية وتعليمها من حيث :األهداف اللغوية و طرائق
البحث إلى محور العملية التعليمية ُ التدريس والمناهج وطرق التقويم ،وتطرّق
وموجّه دفّتها ،المدرس ،والعالئق التي تربطه بما سبق و ِعماد العملية بر ّمتها
الطالب من حيث خصائصه النفسية واالجتماعية واللغوية.
وقد خلص البحث إلى أهمية :توقع الصّعوبات التعلميّة التي يمكن أن
يواجهها متعلمو العربية بوصفها لغة ثانية ،واإللمام بِالمميزات اإلنسانية واللغوية
أثر واضح في العمليّة التّعلميّة
والفكرية والحضارية للدارس لما لها من ٍ
والتعليميّة ،وضرورة إتقان المدرس للمهارات التي تطلّبها العملية التدريسيّة:
اللغوية والثقافيّة والمهنيّة.
Abstract
This research aims at studying teaching Arabic as a second language relying on
language application theories, based on pairing theory and application. To show this,
this study is divided into four main parts, phonology, Etymology, Syntax, and
Semantics. Then it explicates how these parts are connected to teaching and learning
Arabic through language goals, teaching methodologies, pedagogy and evaluation.
This study is furthered to investigate the teacher and how he/she relates to core of the
entire purpose concerning the students’ psychological, social, and linguistic
characteristics.
The research shows the importance of the difficulties which students encounter
regarding humane characteristics, linguistic, ideologies, and civilization of the learner.
All in all, this is crucial because the teacher must posses the scholastic skills such as:
linguistic, culture, and profession.
1
تعليم العربيّة 0للناطقين 0بغيرها ُ :مشكالت وحلول
الجامعة األردنية 0نموذجُاًُ€0
إعداد
د .عوني خالد أبو عمشة *
الفاعوري**
ال َجام َعة األردنية0
ارتأينا أن يتكئ منهجنا في هذا البحث على المالحظة والتجريب المباشر
واالحتكاك المستمر مع طلبة شعبة اللغة العربية 0للناطقين 0بغيرها ،في مركز
اللغات بالجامعة األردنية 0،ولعل ال ّدافع األساس الذي كان وراء كتابة هذا
البحث هو تلك المحاورات التي استثمرت في دورات أساليب تعليم اللغة
العربية للنلطقين بغيرها ،التي داب مركز اللغات على عقدها ك ّل فصل دراسي
حتى يعمم خبراته وإنجازاته .وقد تع ّودنا أن نق ّدم لهؤالء المشتركين من
المدرسين والمدرّسات عصارة خبراتنا وتجاربنا في المركز القائمة على أسس
عملية ،عدا عن دراساتنا النظرية 0المعمقة في هذا الحقل ،التي اكتسبناها أيّام
التحصيل العلمي وبعده ،ولّما كان حرصهم بالغا ً في الحصول على هذه
المالحظات والتجارب والرؤى مكتوبة تبادر إلى أذهاننا تضمينها في هذا
البحث.
يحاول المشتغلون بتعليم اللغات الحيّة دائما ً البحث عن أيسر الطرق
ي شيء وأسهلها إليصال أهدافهم اللغوية في أسرع وقت ممكن ،لذلك ّ
فإن أ ّ
يقف في طريقهم يع ّدونه مشكلة حتى يجدوا له حالّ ،والفارق هنا بين تعليم
أن اللغات األخرى قد ُعكف العربية لغير أهلها وبين تعليم اللغات األخرىّ ،
أكان ذلك بدوافعهم الشخصية أم بدعم على دراستها منذ عشرات السنين ،سواء َ
من حكومات بالدهم ،وقّدمت حولها أبحاث ومؤتمرات وندوات يصعب على
المرء المتخصص حصر أسمائها ،بينما ما زلنا في الخطوات األولى في تعليم
العربية للناطقين بغيرها.
و ِمن الطّبيعي أن يواجه المهتمون بتعليم اللغة العربيّة 0للناطقين 0بغيرها
ت ج ّمة ،فَ ِمن خالل خبرتنا وتجربتنا المنبثقة 0من ميدان تعليم العربية0
عقبا ٍ
للناطقين ِبها في مركز اللغات التابع للجامعة األردنية 0،يمكننا إجمال هذه
ت كالتالي:
العقبات في دوائر أربع ،تتفرع إلى حلقا ٍ
----------------------------------------------------------------------------------------------------------
*محاضر – الجامعة األردنية.
**أستاذ مساعد – الجامعة األردنيّة.
2
اإل ْشكاليّات التي تعود إلى اللغة العربيّة نفسها ،فالمشتغلون أوالّ:
باللسانيّات العربيّة خاصّة اللغويّات التّطبيقيّة ،طرقوا أبوابا ً عديدة
ِمن الصّعوبات التي وصفوها بالكؤود ،فمنذ قرون طويلة 0وهم
يحاولون التيسير والتّسهيل ،منذ محاوالت ابن مضاء القرطبي
مروراً باجتهادات الدكتور نهاد الموسى إلى محاوالت الدكتور
شوقي ضيف وغيرهم ،ويعترف علماء اللسانيات العربية 0في شتى
ت كثيرة البالد 0العربية 0بأن عملية تعليم العربية يواجه مشكال ٍ
وصعوبات ج ّمة؛ لذلك نجدهم عاكفين على محاوالت تيسير عملية
كان هذا حالهم مع أبناء العربيّة ،فِمن الطبيعي تعليم العربية ،فإذا َ
ت أكبر أو أكثر تعقيداً عند متعلمي العربية من أن نواجه مشكال ٍ
الناطقين 0بغيرها ،وإن اختلفت في طبيعتها ودرجة صعوبتها.
اإل ْشكاليّات التي تتعلق 0بعمليّة التعلّم والتعليم 0في ح ّد ذاتِهما ،وقد ثانياً:
قام علماء اللغة والتربية ،وعلماء علم اللغة النفسي واالجتماعي
وغيرهم بدراسة الظاهرة اللغوية 0من أجل الوصول إلى أيسر
الطرق 0في تعليم العربيّة .وتتمثل 0عمليّة التعلّم والتعليم 0في أربعة
أوجه :األهداف ،وطرق التّدريس ،والمناهج التعليميّة 0،وطرائق0
التّقويم.
اإل ْشكاليّات التي ترتبطُ 0بدارسي اللغة العربيّة أنفسهم ،إذ يمتلكون ثالِثاً:
أنظمة 0لغوية لها خصائصها الصّوتية ،والنّحوية ،والصرفيّة،
وال ّدالليّة ،والتّركيبيّة تنماز بها ،وهذا أمر طبيعي نظراً الختالف
ع 0في تأديةالجنسيات ومسالكهم اللغوية واللهجيّة ،مما أدى إلى تن ّو ٍ
اللغات اإلنسانيّة ،وفوق ذلك كلّه المميزات اإلنسانيّة 0وال ّشخصية
لدى ك ّل دارس أث ٌر واضح في حدوث هذا التباين.
رابِعاً :إ ْشكاليّة وجود المدرّس المتخصص الذي يتمتّع بصفات تؤهّله
للقيام بهذه المهمة على أكمل وجه.
3
إ ْشكاليّات تعليم اللغة العربية للناطقين بها
تناولت كتب اللغة منذ القرن الثاني للهجرة مسائل العربية بالجمع والتحليل
والدراسة ،مبديةً موا ِط َن سهولتها وصعوبتها ،من خالل تقعيدها وتوصيفها بمناهج
وطرائق مختلفة ،واستم ّر األمر في دراسة هذه الصعوبات أو الظواهر اللغوية
المائزة للغة العربيّة حتى عصرنا الحاضر 0،إذ أفرزت لمهارات اللغة العربيّة
ت لغوية خاصّة تتح ّدث عن المهارات اللغوية األربع :االستماع والمحادثة مصنّفا ٍ
والقراءة والكتابة ،وعن عناصر مكونات اللغة العربية :األصوات والنحو
والصرف ،وال ّداللة ،وقد عكف بعض العلماء في شتى بقاع البالد العربية لهذا
الموضوع ،ول ّما كان موضوع هذا البحث التطرق لصعوبات العربية للناطقين
بغيرها ،فسنكتفي بعرض أبرز تلك الصعوبات ،وهي:
-نظرية العامل ومناداة العلماء اللغويين القدامى منهم والمحدثين بإلغائها،
ورفض القياس والعلل النحوية ،وتقديم النحو بعيداً عن مواطن الخالف
واألقوال المتع ّددة.
-مسألة االزدواجيّة اللغوية (الفصحى والعاميّة) وأثرها في الحياة العملية
والعلميّة ،وإشكاالتها في تعليم العربية على مستويين مختلفين.
-مظاهر تقعيد اللغة العربية الفصحى بقوانين نحويّة وصرفيّة أكثر ما ته ّم
المتخصصون وليس الطّالب.
-ظاهرة الكتابة العربية وخل ّوها من الحروف المصوتة (الحركات)0.
-قضيّة اإلمالء العربي وتنوعاته في كتابة الهمزة المتطرفة والمتوسطة.
-ظاهرة األصوات المنطوقة وغير المكتوبة في األسماء واألفعال.
-نظام اإلعراب وأثره في البناء التركيبي العربي.
-إشكاليّة المعجم العربي والمعجميّة ،وأثر خل ّو السّاحة العربيّة من المعاجم
التّاريخية المناسبة لتعليم العربيّة .
-ظاهرة عدم قدرة اللغة العربية عن الوفاء بمتطلبات التق ّدم العلمي اللغوية.
-مسألة القدرة على التعبير الكتابي لدى الطّلبة العرب التي توصف – أحيانا ً
– بالضّعف نظراً لقلّة الثروة المفرداتيّة لديهم.
-االتجاه الفلسفي والعقلي ،واتباع مناهج المتكلمين والفقهاء في دراسة النحو
وتقديمه.
-ظهور الدالالت المستحدثة لبعض المفردات العربية ،غير المثبتة في
المعاجم العربيّة (قضيّة المعنى وال ّداللة).
-وإشكاليّات أخرى تخرج عن نطاق هذا البحث (.)1
4
إ ْشكاليّات تعليم العربية 0للناطقين 0بغيرها
إن أصوات هذه المجموعة في الغالب ليست في مخارج المجموعة الثانيةَّ :
لغات الدراسين الصوتية ،لكن هناك ما يقاربها في المخرج
والصوت ،وك ّل ما تحتاجه هذه األصوات تقديمها بعناية
كبيرة وتركيز شديد ،فضالً عن االعتماد الهائل على
التدريبات المكثفة ،والتعزيز ،وتتمثل هذه األصوات في / :أ /
ث/خ/ذ/ط/ظ/ص/ض/غ./
المجموعة الثالثة :تستحق هذه الفئة من األصوات أن نطلق عليها إشكاالً في
تعليم العربية ،ويُلحظُ فيها مدى صعوبة تعلّم بعض الطلبة
لبعض هذه األصوات التي توصف -أحيانا – بأنها تمثّل
5
مشكلة لغويّة لديهم ،وتتمثل 0هذه األصوات في / :ح /ع /ق /
هـ . /
ويتخلّ ُل هذه المسألة بعضا ً من المظاهر الصوتية التي قد تؤ ّدي إلى نفور
بعض متعلمي العربيّة لما تتطلّبه 0من جه ٍد لغوي كبير من الطالب والمدرس
ت نفسه ،ويمكن إجمال هذه المظاهر بما يلي: في الوق ِ
ثانياً :امتازت اللغة العربية بظاهرة التنوين 0عن بقيّة لغات العالم ،ولذلك ّ
فإن
طويل حتى يتم ّكن الطالب
ٍ ت
تفرّد العربية 0بهذه الظاهرة يحتا ُج إلى وق ٍ
من إتقانها ،باإلضافة إلى تماثلهما الكتابي مع حرف النون ونطقها مما
يزيد من صعوبة تعلّمها لدى المتعلّم األجنبي.
رابعاً :ظاهرة تع ّدد تأدية األصوات (تفخيمها ،ترقيقها ،تسهيلها ،تخفيفها) التي
ينتج عنها خلط لدى الدارسين بين الصوت المنطوق 0وشكله المكتوب،
أكان ذلك بسبب طريقة األداء اللغوي المتأثرة باللهجة ،أم اقتران
سوا ًء َ
ذلك الصوت بالضّمة ،أو مجاورته لصوت مف ّخم.
خا ِمساً:ظاهرة اختالف بعض األصوات نطقا ً وكتابةً ،وتمثّل التاء مع الهاء هذه
الظاهرة ،باإلضافة إلى مسألة التّاء المفتوحة وخلطها بالتّاء المربوطة.
ثا ِمناً :همزتا الوصل والقطع وأداؤهما الصوتي ،يُلحظ بوضوح ظهور هذه
المشكلة لدى متعلّمي العربية .وهي مسألة صوتية في شكلها الخارجي،
مع إغفال بعدها المعرفي ذي الجانب التركيبي للغة.
تا ِسعاً :ونذك ُر أخيراً بعض األصوات التي ترافق بعض الكلمات من غير تمثّلها
كتابيّاً ،نحو بعض أسماء اإلشارة وغيرها.
كانت تلك هي بعض القضايا التي ألفناها وما ِزلنا نتعايش معها في تعليم
النظام الصوتي للغة العربية ،وتجدر اإلشارة ،أننا قُمنا بع ّدة محاوالت تربويّة
بشكل يؤدي إلى تقليل تبعاتها في
ٍ وتعليميّة تهدف إلى التعامل مع هذه القضايا
بين الزمالء في المركز يحددون ت خاصّة َ العمليّة التعليميّة 0،وما زلنا نعقد دورا ٍ
فيها القضايا ومن ث ّم يظهرون النتائج ،ويعملون على إيجاد الحلول والطرق
المناسبة للتعامل معها ،ومن الخطوات األخرى التي َسلكناها:
أوالً :يض ّم مركز اللغات بالجامعة األردنية ستّة مستويات لغوية قابلة
للتعديل 0زيادة ونقصانا ً وفق الحاجة؛ ولذلك فإنّه يولي المستوى
بين تلك المستويات عناية خاصّة ،إذ قا َم المركز بتأليف األ ّول من ِ
مناهج خاصّة تتوافق 0وقدرات طلبة المستوى األول ،كما أنّه يضع
مؤهالت خاصة لمدرس هذا المستوى ،حيث يتطلب هذا المستوى
من أن يكون لمدرسه معرفة تفصيليّة 0باألصوات العربية مخرجا ً
وملمحا ً مميزاً ،حتى يجيد توصيل الصّوت العربي بطريقة0
مراعية للمخرج والصّفة المميزة.
7
كما أنّه يطلب من مدرّس المستوى األ ّول ّ
أن تكون لديه الكفاية
الجيّدة في اللغة الوسيطة ،حتّى يُسهل عليه التّواصل اللغوي مع
الطّلبة ،وفوق هذين المؤهلين الالزمين لكل مدرّس يدرس طلبة
المستوى األ ّول فإنّه يُطلب منه أن تكون لديه الحصيلة التربوية
الثقافيّة في أساليب تقديم العربية للمستوى األ ّول وتقويمها؛ ولذلك
فإن عدداً قليالً من ال ّزمالء تكون لديهم الرّغبة في تدريس
ّ
المستوى األ ّول.
رابعاً :معالجة القضايا الصوتية 0على مبدأ التدرّج المدروس ،حيث ال يت ّم
االنتقال من ظاهرة صوتية إلى أخرى إال حين التأكد من السيطرة
عليها وامتالكها من قبل الطلبة ،فضالً عن عدم الخوض في
كان سببا ً من أسباب نجاحنا.
قضييتين صوتيين في آن واحدَ ،
خا ِمساً :فَمن العناصر المهمة التي ساعدتنا على اختفاء هذه المظاهر
الصوتية في المستوى األول طريقة تقديم األصوات العربيّة
للطلبة 0،إذ نتّبع الطريقة اآلتية:
8
تقديم األصوات على شكل مجموعات متشابه في أشكال الكتابة، -
ومواقعها المختلفة في الكلمة.
ربط الصّوت بعدد النّقاط التي تكون فوقه أو تحته. -
تطوير الصّوت مع حركته الصّوتية مقطعيّاً ،وذلك بربط الصّوت -
مع حروف ال ّمد واللين.
اختيار مجموعة ِمن المفردات ذات داللة ماديّة تتمثل فيها -
األصوات المدروسة متضمنة الحركات القصيرة والطويلة.
إن هذه المنهجيّة تساعدنا في تقديم المظاهر الصوتية 0للصوت ّ -
العربي (تنوين ،أل القمرية والشمسية ،والتّضعيف ،إلخ).
سادساً :أ ّما وسائل اإليضاح أو ما يطلق عليها بالتقنيات التربوية ،فهنا
مجالها ،والمدرس المبدع 0هو الذي يستطيع التعامل معها،
وتطويعها لما يخدم أهدافه اللغوية ،من تسجيالت وبطاقات،
وصور ،ومواقف صوتية حقيقية.
سابعاً :تعويد الدارسين على القراءة الصحيحة منذ المستوى األ ّول،
بصرف النظر 0عن الطريقة التي يسلكها المدرس من كلية أو
جزئية ،فالمهم هو إكساب الطلبة 0القدرة على القراءة الصوتية
الصحيحة.
أما مصطلحا الكالم والحديث فهما يأتيان ألغراض تواصلية تمكن الدارس
من االندماج في المجتمع وتساعده على تلبية حاجاته وأهدافه وغاياته ،ولكنها ال
تخرج عن المفهوم الوظيفي للغة.
أما المحادثة والتح ّدث فهما ما يمكن أن نع ّدها القدرة على التعبير الحر دون
حاجة إلى أن يكون لدى الدارس فكرة عن طبيعة الحوار أو الحديث أو المناقشة،
فضالً عن قدرته فيها على المبادأة في التح ّدث والمناقشة.
بين الحديث والكالم من جهة والتح ّدث في حين يجمع مصلح التعبير َ
والمحادثة من جهة أخرى ،فإذا أردنا التعميم في القدرة على األداء اللغوي
استخدمنا هذا المصطلح وكثيراً ما يميل الدارسون والمشتغلون بعلم تعليم العربيّة
إليه على هذا األساس .فهو يمثل المرحلة الوظيفية التواصلية والوظيفية والمرحلة
اإلبداعية .وليس من السهولة بمكان أن تجد كتابا ً يعالج مثل هذه القضايا 0النظرية،
ول ّما كانت حاجتنا للوقوف على دقائق هذه األمور قمنا بتقصي بعض الكتب
المتخصصة في تعليم العربية للناطقين بغيرها لنجد أنّها تق ّدم المحادثة (التعبير
الشفوي) على ثالثة مستويات ،أو تفسمه إلى ثالثة أقسام ،هي:
المستوى الثّاني :يكون الغرض منه تعبيريّاً ،من حيث إيضاح األفكار والتعبير
عن المشاعر والخواطر ونقلها إلى اآلخرين بطريقة أدبية
مش ّوقة ،وهو ما يطلق عليه بالتعبير اإلبداعي.
10
والذي نريد التأكيد عليه هنا هو ّ
أن المدرّس هو مجرد موجّه للحديث(،)2
-مراقب لمجراه،
-ضابط لحدوده،
-مصحح ألخطائه،
-موجّه لتيار الفكر فيه.
بين كاتبي هذا البحث وزميل ثالث ( )3في زمن كنّا ومن خالل خبرة عملية َ
كان االتفاق على مجموعة من األسس فيه مضطلعين بتدريس مهارة المحادثةَ ،
إن مركز اللغات في األردنية يسير عليها ويتبنّاها ،لذلك كنّا
التي يمكن القول ّ
نشاهد الرّضا التام والبالغ على وجوه طلبتنا الملتحقين بشعبة العربية 0للناطقين0
بغيرها ،وهذه األسس هي:
-1ينبغي أن يتحدث الطالب أكثر من المعلم ،ألن مادة المحادثة موجهة إليه.
-2دور المعلم دور توجيه وإثارة للقضايا وتوسيعها وتعقيدها.
-3يأخذ الطالب وقتا ً مناسبا ً في الحديث دون مقاطعة حتى إن وقع في خطأ،
حيث يقوم المدرس بتسجيل المالحظات وبعد انتهائه يناقشها معه.
-4يقوم المدرس على تسجيل وكتابة المفردات الجديدة التي أفرزتها المحادثة
على السبورة ،وكذلك التراكيب اللغوية 0الجديدة .
-5يراقب مدى إفادة الطالب من هذه المالحظات المدونة على السبورة أثناء
متابعة المحادثة ،فإذا استخدمها الطالب وأحسنوا استعمالها فتكون الفائدة قد
تحققت.
-6ال يشترط في الطالب أن يكون في وضع معين أثناء الحديث كالوقوف أو
الخروج إلى السبورة ،بل يتحدث كما هو جالسٌ دون تغيير ،مما يعطيه
الحرية والحركة في التعبير.
-7من عالمات إصغاء المدرس اثناء حديث الطالب وقوف المدرس ال جلوسه
على الكرسي،إذ يوفر بهذا الوقوف حيوية للحوار ،ويغرس انطباعا ً لدى
أن الجلوس يميت الحوار. الطلبة 0بمدى اهتمام المدرس لما يقال ،واعتبار ّ
ومن الحلول التي وصفت بالمفيدة نظريا ً وتطبيقيا ً الخطوة الرائدة التي
قامت شعبة اللغة العربية للناطقين بغيرها على تطبيقها ،وهي دمج الطلبة0
األجانب بمجتمع الجامعة المحلي من خالل ما يعرف ببرنامج خدمة المجتمع،
حيث تتم المزواجة بين طالبين عربي وأجنبي للقيام بممارسة اللغة في مواقف
حقيقية ،لفترات شبه يومية ،مما كان لها أكبر األثر على أداء الطلبة الشفوي.
11
أن نظام شعبة العربية للناطقين بغيرها يدعم فكرة األعداد القليلة 0من كما ّ
الطلبة 0في الشعبة الواحدة ،وذلك تساوقا ً مع األفكار التي تدعو إلى تشجيع
الطلبة 0على المناقشة والمحادثة والمحاورة من خالل إعطائه فرصا ً كافية
للتعبير عن نفسه وما يجول في خاطره ،واستخدام العربيّة 0داخل ال ّشعبة
بطريقة أكثر تواصليّة مع المدرس وزمالئه.
كان
أن تبادل الخبرات بين المدرسين من خالل تجاربهم المحتلفةَ ، كما ّ
لها دورها في إثراء هذا النجاح وزيادة تألقه ،حيث دأب مدير المركز ومشرف
الشعبة على عقد هذه الندوات لتبادل األفكار والخبرات.
وهناك مسألة في غاية األهمية ال بد أن نلفت النظر 0إليها ،أال وهي َ
بين معاني الكلمات ودالالتها ،فال بد من األخذ باالعتبار مجموعة من التفريقَ 0
العوامل في ذلك قد تحول دون الحصول على مرادف مناسب لها في لغة
أحسن وصفا ً ال ّدكتور أحمد مختار عمر (َ )4
حين قسّمها على َ ال ّدارس ،وقد
النّحو اآلتي:
-1اختالف ال َمجال ال ّداللي 0لِلَفظين 0يبدوان 0مترادفين ،من حيث اتّساعه في
لغة وضيقه في لغة أخرى.
-2اختالف التّوزيع السياقي لكلمتين تبدوان 0مترادفتين في اللغةّ ،
لكن
تطبيقاتهما في االستعمال أو في سياقاتهما تبدو مختلفة.
-3االستخدامات المجازية للمفردات ،لذلك ال تص ّح في أيّة ٍ
حال من
األحوال التّرجمة الحرفية ،فالقاموس ال يق ّدم خدمة لغويّة توصف
بال ّدقة..
-4التلّطف 0في التعبير ،من ناحية اتصاف بعض المفردات بحساسية
خاصّة ،لمعاني ال يفضل التصريح بها.
-5اإليحاء والجرس الصوتي ،وال تتأتى معرفة دالالت الكلمات إالّ من
سياقاتها.
اختالف المألوفات الثقافيّة واالجتماعية لكال اللغتين ،لغة الدارس واللغة
المستهدفة ،حيث هناك كلمات ومفردات ارتبطت بعادات وتقاليد اجتماعية،
برزت في بيئة خاصة ،ال تعالجها المعجمات العربية.
12
طَرائق التدريس:
ي ُْل َحظُ المتتبّع لسير َح َركة تط ّور طرائق تدريس اللغات األجنبيّة ،س ْيطَ َرة
طريقة القواعد والترجمة ،أو ما تُس ّمى بالطّريقة 0التّقليديّة 0أو الكالسيكيّة،
ت طويلةِ 0من ال ّزمن -لِدرجة جعلت بعض ال ُمشتغلين يعتقدون بصعوبة فترا ٍ
االنعتاق منها -تِلك الطّريقة التي تقوم على تَرجمة النّصوص ودراستها
إنلغايات حفظ الكلمات ،والقوالب اللغويّة والنّحوية ،و ِمن المنصف القول ّ
كان له مس ّوغاته ،خاصة إذا َعلمنا ارتباط نشأتها ظهورها في ذلك الوقت َ
بِدراسة اللغة الالتينية ،وفهم الكتب الموضوعة بها ،تلك اللغة الحية بثقافتها
ولكن استخدام تلك الطّريقة ّ وحضارتها ورموزها ،الميتة 0في التواصل 0بها.
الذي ما زال شائعا ً في تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها يواجه مشاكل
جمة صعبة على الحصر ،فمن المفيد معرفة نتائج هذه الطّريقة 0االستماع لرأي
إن طريقة تعليم أحد ال ّدارسين وفقها وهو المستشرق صمويل زويمر ،إذ يقولّ :
وصيغ
ٍ وجمل
ٍ الذاكرة في حفظ كلمات العربيّة لألجانب قاصرة على تربيةّ 0
وأنماط لغوية ،دون االلتفات إلى درجة استعمالها في الغرض من التعليم...
وتهمل قوى العقل ،تتركها في خمولها التّام ،وال يجد العقل مجاالً لفهم المعاني
التي تمسّ الحياة ،ويتطلبها المتعلّم ،وال تستغ ّل المعاني ،التي تختزنها ذاكرة
الطّالب من ثقافته ولغته ،فيعطى له مقابلها ...وتضيع السّنون ،ويخرج المتعلّم0
الجواهر
واجهة بائعي َ بثروة قيّمة غير أنّها ال تصلح إال للعرض في ِ
الكالسيكيين (.)5
واختلفت أهداف تعلم اللغات األجنبيّة وغاياتها مع بدايات القرن
الماضي ،مما استتبعه ميال َد طرائق لغوية جديدة تلبّي الحاجات اإلنسانية
الحديثة ،ولع ّل أهم مسوغات هذا التط ّور ما شهده العالم ِمن تق ّدم تقني وعلمي
إذ شملت أرجاؤه شتّى مناحي ال َحياة.
علوم َجديدة، ٍ أن نضوج معالم علم النّفس وتطوراته 0أ ّدت إلى ميالد كما ّ
كان في مق ّدمتها "علم اللغة النفسي" ذلك العلم الذي أخذ على عاتقه تمهيد َ
المسالك الصّعبة التي قد تواجه متعلمي اللغات األجنبيّة ،وينطبق هذا الحديث
على "علم اللغة االجتماعي" الذي أم ّدنا بنتائج علميّة ساهمت في عملية تعليم
اللغات األجنبية.
وأسهم بد ُء ظهور التّوجهات الخاصة واألهداف المحد ّدة في تعلّم اللغات
األجنبية 0بدوره في ظهور مداخل وطرائق 0جديدة في تعليم اللغات األجنبية،
وتأسيسا ً على ما سبق ذكره يمكن رصد العديد ِمن الطّرائق 0المتنوعة 0تبعا ً
لِتن ّوع األهداف المرجوة ِمن تعلّم اللغة ،ونحن المشتغلين 0في حقل تعليم اللغة
13
العربية للناطقين بغيرها ،ال نميل أليّة طريقة ِمن تلك الطّرق إنّما نحاول أن
نسلك أيسر الطرق 0نحو تحقيق الهدف التعليمي .ولم يخل ِمن بعض اإلشكاالت
خاصة في ضوء اختالف الكتب والمناهج والمدرّسين ،وتنوع 0خبراتهم
ومستوياتهم وقدراتهم ،ويمكن إيجاز تلك الطّرق التي نستخدمها كثيراُ وتلك
التي ق ّل استخدامها.
يَرى بعض التّربويين المهتمين بتعليم 0اللغات الحيّة أنّه لو تقاربت بعض
العوامل من خصائص المتعلمين ،ونوعيّة المادة ،وطرائق 0تقديمها ،واألهدالف
فإن طرق التّدريس 0هي التي ستؤ ّدي إلى إظهار الفروق في المرجوة منهاّ ،
بأن طرق التّدريس لها دور فعّال فينواتج التعليم .ويقودنا هذا إلى االعتقاد ّ
عمليّة تعلّم العربيّة وتعليمها ،وتحقيقا ً للفائدة نعرض طرق تعليم اللغات الحيّة،
التي قام على حصرها "مكاي" في كتابه تحليل تعليم اللغة ( ،)6حيث حصرها
في خمس عشرة طريقة ،هي:
-1الطريقة المباشرة.
-2الطريقة الطبيعيّة.
-3الطريقة السيكلوجيّة.
-4الطريقة الصّوتية.
-5طريقة القراءة.
القواعد.
ِ -6طريقة
-7طريقة التّرجمة.
القواعد والتّرجمة. ِ -8طريقة
-9الطريقة التوليفيّة.
طريقة الوحدة. -10
طريقة ضبط اللغة. -11
طريقة التقليد والحفظ. -12
طريقة المران. -13
طريقة المفردات المتشابهة. -14
طريقة اللغة المزدوجة. -15
أن بعض المدرّسين كانوا يسلكون طريقة فمن اإلشكاليات التي واجهناها ّ
ال يحيدون عنها ،في تعليم شتّى المهاراتّ ،
لكن واقع تعليم العربية 0الحي أثبت
أن بعض الطرق 0أفضل من األخرى في تعليم مهارة أو عنصر لغوي ،لذلك
أضحى توجّهنا إلى رؤية المهارة اللغوية 0أو العنصر لكي نحدد أفضل وسيلة
أو طريقه لتقديمه 0للدارسين ،أي ال ب ّد من اإلفادة من شتى الطرائق 0اللغوية 0من
ترجمة وسمعية وتواصلية 0وكالمية ،خاصّة تلك الجوانب التي أثبتت جدواها،
فضالً عن مراعاة مبادئ علم النفس من تعلم واكتساب ،عدا الجوانب الثقافيّة،
التي ال بد أن تكون نصب أعيننا في عملية تدريس العربية 0للناطقين 0بغيرها.
بذلك استطعنا التغلب على كثير من المشكالت ،من تركيبيّة ،وداللية 0وصوتية.
المناهج التعليميّة:
كان نوعها أو نمطها أو مادتها ومحتواها فإنها إن عمليّة التدريس 0أيا ً َ
ّ
تعتمد اعتماداً كبيراً على الكتاب المنهجي ،وهو بهذا المفهوم يع ّد ركنا ً من
أركان عمليّة التعليم وعنصراً من عناصرها ،وركيزة من ركائزها ،ولذلك تع ّد
نوعيّة الكتاب وجودته أبرز األمور التي تشغل بال المهتمين بحقل تعليم
العربية للناطقين بغيرها (.)7
ولعل الحاجة لمثل هذا الكتاب الممنهج ضروريّة في ظل إقرار معظم
المراكز المشتغلة بتعليم 0العربية 0للناطقين 0بغيرها بعدم توفر المدرس الكفء
المتخصص في تعليم العربية للناطقين بغيرها ،الذي قد يغطي وجوده جوانب
النقص التي تع ّج في كتب تعليم العربية للناطقين بغيرها.
وال ب ّد أن يؤلف هذا الكتاب في ضوء خطّة تعليميّة 0محكمة ،تحدد
أهدافها ،ويربط 0محتواها بتلك 0األهداف ،وال ب ّد أن يكون الكتاب انعكاسا ً لهذه
ي عمل جاد يبدأ بتحديد أن أ ّ األهداف وساعيا ً إلى تحقيقها ،وال ش ّ
ك في ّ
األهداف بوضوح تا ّم ،ث ّم اختيار الوسائل التي تحقق هذه األهداف (.)8
16
متعلّمو اللغة العربيّة
ينظَ ُر إلى متعلمي اللغة العربيّة 0على أنهم من الجوانب المهمة في عمليّة
تعليم اللغة الثانية ،إذ هناك العديد من المتغيّرات المرتبطة بهم ،لها تأثيرها
البالغ والواضح على عمليّة تعلّم العربيّة بر ّمتها ،ومن تلك المتغيّرات التي
الحظناها من خالل الميدان في تعليم العربيّة 0للناطقين 0بغيرها في مركز
اللغات :دوافعهم ،وأعمارهم ،واتّجاهاتهم نحو العربيّة ،وقدراتهم أو ما يُطلق0
عليه عند علماء علم اللغة النفسي (استعداداتهم) ،ومع ّدالت ذكائهم ،ونضيف
إلى ذلك كلّه أنظمة ال ّدارسين اللغوية ،أو ما يُطلق 0عليها "خبراتهم اللغوية0
السابقة".
بالذكر أن كثيراً من تلك المتغيّرات ما زالت مثار جدل وخالف وجدير ّ
بين علماء اللغة من جانب وعلماء التربيّة والنفس واالجتماع من جانب آخر.
لكن ما يميّز رؤيتنا هذه أنها تنطلق 0من جانب عمل ّي ،وال تولي الجانب ّ
النّظري إالّ في تطبيقاتها العمليّة .وبعبارة أخرى سنحاول الوقوف على مدى
تأثير هذه العوامل على دارسي العربيّة من خالل تجربتنا القائمة في مركز
اللغات ،مبتعدين قدر اإلمكان عن الخوض في تفاصيلها النظريّة.
ت أكبر من بأن صغار السّن لديهم قدرا ٍويشي ُع في أوساط البحث العلمي ّ
أن األبحاث النظرية حتّى اللحظة 0لم تحسم هذه المسألة، كبار السّن ،والحقيقة ّ
أن الفئة 0التي تراوحت ع مجاالً للرّيبّ ،
لكن واقع تعليمنا أظهر لنا بما ال يد ُ ّ
أعمارها من مطلع العشرينيّات إلى األربعينيّات أكثر قدرة على اتقان العربيّة0
والتّغلب على صعابها ،وتمثّلها ،من هؤالء الذين تجاوزت أعمارهم ّ
سن
األربعين ،مما كان يدفعنا إلى إجراءات تعزيزيّة متواصلة ومستمرة حتى
نستطيع إكسابهم المهارات التي نسعى إليها ،ولعله من اإلنصاف القول أنهم
في الغالب لم يدركوا ما أدركه زمالؤهم من الفئة األولى ،على الرّغم من
وصولهم لمستوى متميّز يحقق لهم األهداف التي جاؤوا من أجلها ،ولعل
مرجع تفوق هؤالء الفتية والفتيات من الفئة 0األولى تلك القوى الجسديّة
والذهنية والحركيّة التي ما تزال متوقدة في نفوسهم وأجسادهم؛ مما تنعكس ّ
على عمليّة تعلّم العربيّة 0إيجابيّا.
أ ّما موضوع صغار السن ممن هم دون الخامسة عشرة فقد أرجأنا
الحديث عنهم العتبارين :األول أنهم خارج نطاق دراستنا حيث ال تسمح
قوانين الجامعة األردنية بالتحاق َمن هم دون الثامنة عشرة ببرامج مركز
بأن هؤالء لديهم قدرات واستعداد اللغات ،باإلضافة إلى اعتقاد بعض الباحثين ّ
17
أفضل لتعليم 0اللغات يع ّد ضربا ً من الخرافات ،التي يرى ضرورة طرحها
بعيداً فضالً عن تسفيفها (.)11
أن الكبار أقوى إدراكا ً من إن ثورنديك يقرر في كتابه تعليم الكبار ّ بل ّ
األطفال ،وأنهم يملكون استراتيجيات تعلّم أفضل ،فضالً عن كونهم أكثر وعيا ً
بأعباء التعلّم وأهدافه ،عدا عن استطاعتهم التركيز واالنتباه لفترة أطول،
بين األمور المختلفة ،وغير ناهيك عن قدرتهم على الربط ورؤية العالقات َ
ذلك كثير (.)12
وعند الحديث عن دوافع المتعلّمين يمكن طرح مجموعة أفكار ال ب ّد من
مالحظتها ،قبل البدء بعمليّة تعليم العربيّة مما يساعد على توضيح العديد من
إشكالياتها ،أ ّما أولى تلك األفكار فهي ،ما ال ّدوافع التي جعلت هؤالء الدارسين
يقبلون على تعلّم العربيّة ،أهي :سياسيّة ،اقتصاديّة ،ثقافيّة ،اجتماعيّة ،مهنيّة؟
بعض من
ٍ و ِمن الضّروري االنتباه إلى مسألة مه ّمة تساهم في ح ّل
مشكالت تعليم العربيّة ،تلك هي معرفة هل هؤالء الطلبّة 0راغبون في تعلّم
العربيّة من تلقاء أنفسهم ،أم أنّها مفروضة عليهم؟
أن أبرز قضيّة بجب معرفتها ،هي :ما المهارات التي يرغبُ وال غَرْ َو ّ
متعلّمو العربيّة في إتقانها :المحادثة ،االستماع ،القراءة ،الكتابة؟ أم عناصر
العربية :األصوات ،النحو ،الصرف ،ال ّداللة؟
ومن واقع ميداننا العملي نلحظ ما يلي:
ينقسم دارسو العربيّة إلى قسمين رئيسين ،منهم من جا َء يتعلّم العربيّة0
بدوافع شخصيّة ،طالبا ً اتقان مهارات العربيّة كلّها :من محادثة واستماع إلى
القراءة والكتابة ،وغالبا ً ما تكون دوافع هؤالء دينيّة أو ثقافيّة أو مهنيّة.
أ ّما القسم الثاني ،الذي يرى ضرورة اتقان لغة أجنبية وقع اختياره فيها على
العربية ،وتكون دوافع هؤالء في الواقع العملي دون القسم األول مما يجعلنا
نتوقع بعض اإلشكاالت ،تتمثل 0في تحفيزهم أكثر من مجرّد حضورهم
للفصول الدراسية ،ألنّه من مسلمات تعليم اللغات األجنبية 0أن التعلّم 0داخل
الفصول ليس كافيا ً إلتقان اللغة ،ومنهم من يعطي عناية خاصّة لمهارات
مخصوصة دون غيرها .ومنهم َمن ك ّون اتّجاهات مسبّقة نحو العربيّة وأهلها،
ي بحت، أو حتّى الثقافة العربيّة 0برمتها ،وتمثّلت اإلشكاليّة على صعيدين :لغو ّ
وآخر يعمل نعمد فيه على تصحيح األفكار والمقوالت الخاطئة التي كانت قد
تك ّونت لديهم.
ولع ّل إلقاء نظر ٍة سريعة على كتاب (في علم اللغة التقابلي :دراسة
تقابلية للدكتور أحمد سليمان ياقوت ( ،)14تعطينا قيمة هذا التحليل 0وأهميته،
ففي الوقت الذي يستغرق فيه المدرس وقتا ً طويالً للتفكير والتحضير لكيفية
تقديم موضوع نحوي أو صرفي ما ،توفّر لنا هذه الدراسات الجهد والوقت،
حيث نستطيع أن نسلك أيسر الطرق وأسهلها في تقديم المواد اللغوية .ففي
وارتباك في تقديم الشكل
ٍ درس مثل اإلضافة قد يدخل المدرس في حيرة
والمضمون في حين يستطيع تقديمه خالل دقائق معدودة بع َد عقد مقارنة يسيرة
بين نظام العربية 0في اإلضافة ونظامي اإلنجليزية 0والفرنسية 0مثالً.
19
ثالثة :أولها" :المعايير اللغوية" وثانيها" :المعايير المهنية" ،وثالثها" :المعايير
الثقافيّة".
أ ّما فيما يتعلّق 0بالمعايير اللغوية ،فليس مشروطا ً أن يكون مدرس العربيّة0
للناطقين بغيرها خريج أقسام اللغة العربية 0وآدابها ،بل المطلوب منه إتقان
الجوانب اللغوية 0المهمة التي يحتاجها في عمليّة التعليمِ 0من معرف ٍة بالنّظم
الصوتية ،والتركيبيّة( 0النحوية والصرفيّة) ،والدالليّة 0،فضالً عن إتقان مهارات
العربيّة :االستماع والمحادثة ،والقراءة والكتابة ،إتقانا ً جيّداً فضالً عن إجادة
مهارات التعرّف والتحليل والتفسير والتقويم إجادة متميّزة.
أن اإللمام بِعلوم اللغة الحديثة :كعلم اللغة النفسي ،وعلم اللغة كما ّ
االجتماعي ،وعلم اللغة التطبيقي وتطبيقاتها في تعليم العربيّة للناطقين بغيرها
يع ّد من أبجديّات تعليم اللغات الحيّة.
وقد بيّن األستاذ محمد صالح بن عمر أهميّة معرفة العلوم اللغوية0
إن إلمام مدرّس اللغة الحديثة في كتابه (كيف نعل ّم العربية 0لغة حيّة) بقولهّ :
الحية بأسس علم النفس اللغوي أبعد ما يكون عن الترف أو الثقافة التكميلية0،
إنّما هو ضرورة ملحة اعتباراً لما يق ّدمه من حلول عمليّة للكثير من المشكالت
البيداغوجيّة ،التي يواجهها المعلم"(.)15
وقد أ ّكد هذه المعرفة اللغوية إلى ح ّد معرفة العلوم اللسانيّة إذ يقول ّ :
إن
مدرّس اللغة الحيّة ال يكفيه أن يكون له تكوين في اللسانيات العا ّمة ،بل ينبغي
أن يل ّم بخصائص اللغة التي يدرسها صوتيا ً وصرفيا ً وتركيبيا ً وأسلوبيّا ً (.)16
20
-عالقة المدرس بطالبه 0من حيث فهمهم ،وفهم عملية التعلّم ،ليتمكن من
مساعدة طالبه 0على الوجه األمثل (.)17
أ ّما فيما يتعلّق 0بالمعايير الثّقافيّة ،فال بد من توافر قاعدة ثقافية صلبة
لدى مدرس العربية 0للناطقين 0بغيرها ،انبثاقا ً من المقولة الشائعة ّ
بأن (الثقافة ال
تنفصل في أي حال من األحوال عن تعليم اللغة) ،ولتكن نقطة االنطالق 0الفهم
الدقيق والعميق للحضارة العربيّة 0اإلسالميّة باعتبارها جزءاً ال يتج ّزأ من
عناصر تعليم العربيّة ،فضالً عن عادات العرب وأعرافهم وتقاليدهم ،ويدخل
بعض من الروائع األدبية ومبرّزيها من األعالم ،ناهيك ٍ في هذا الباب تقديم
عن تغطية 0الجوانب السياسية واالقتصادية واالجتماعية والنفسية 0للمجتمع
العربي.
خاتمة
حاول هذا البحث أن يبين بعض الجوانب المهمة لخصائض تجربة تعليم
العربية للناطقين بغيرها التي يمكن إجمالها في:
تمثّل طبيعة النّظام اللغوي للغة العربية ،ذلك النّظام 0الذي يشتمل أوالً:
األصوات وخصائصها ،والنّحو والتركيب وسماتها ،والصّرف
وبناء ال َكلمة وميزاتها ،والمعنى وال ّداللة 0وارتباطهما ببقيّة 0النّظام0
اللغوي العرب ّي.
من خالل تركيز البحث على النّاحية العمليّة ،التي توفّرت ثالثاً:
للباحثين وتجربتهما الغنيّة 0مع الدارسين ،الذين يمكن وصفهم
21
بأنهم متعددو الجنسيّات ،ومن ث ّم متعددو األنظمة 0اللغوية؛ فإنّه بدا
أن المميزات اإلنسانيّة 0واللغوية 0والفكريّة والحضارية واضحا ً ّ
للدارس أثر واضح في العمليّة 0التعلميّة والتعليميّة من حيث
سرعة االستقبال اللغوي أو تأ ّخره ،أو حسن اكتساب اللغة الثانية
إن اللغة وعاء الفكر. أو صعوبته؛ إذ ّ
يش ّكل هذا المحور عماد العمليّة 0التعلميّة للناطقين بغير العربيّة، رابعاً:
أن عمليّة الفهم التّبادلي تتطلب آلية ومنهجيّة مناسبة، وذلك ّ
فالمدرس صاحبُ المنهجيّة المناسبة قاد ٌر على توصيل الفهم
لآلخرين بطريقة 0قابلة لإلقناع واالقتناع ،فس ّر نجاح هذا المدرس
في درس العربية للناطقين بغيرها يكمن في هذا التساؤل:
كان مؤثّراً؟ وهكذا حاول البحث اإلشارة كان ُمقنعاً؟ أو هل َ
هل َ
أن منهجيّة المدرس القائمة على مبدأي :التّاثر والتأثير– 0 إلى ّ
واإلقناع واالقتناع 0هي أساس نجاحه وتميزه في العملية 0التدريسيّة.
22
الهوامش:
23
قائمة المصادر والمراجع
د .أحمد مجدوبة وآخرون ،العربيّة للناطقين بغيرها :المستوى األول ،الجامعة -
األردنية – عمان -األردن.
د .أحمد مجدوبة وآخرون ،العربيّة للناطقين بغيرها :المستوى الثاني ،الجامعة -
األردنية – عمان -األردن.
أحمد مختار عمر ،مشكالت داللية -في وقائع تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها: -
الجزء األول :مكتب التربية العربي لدول الخليج)1401 .هـ .
د .أحمد ياقوت سليمان ،في علم اللغة التقابلي ،دار المعرفة الجامعية – اإلسكندرية – -
.1992
د .علي أحمد مدكور -تقويم برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها–: -
منشورات اإليسيسكو الرباط 1985م.
علي الحديدي ،مشكلة تعليم اللغة العربية لغير العرب ،القاهرة ،دار الكتاب العربي، -
1966م.
د .علي القاسمي ،اتجاهات حديثة في تعليم العربية للناطقين بغيرها –،عمادة شؤون -
المكتبات ،الرياض ،السعودية 1979م.
مجد محمد باكير البرازي ،مشكالت اللغة العربية المعاصرة ،مكتبة الرسالة ،عمان -
األردن ،الطبعة األولى 1989م.
محمد صالح بن عمر :كيف نعلم العربية لغة حيّة .سلسلة لسانيات عربية .معهد -
بورقيبة للغات الحية ،تونس).
محمد صالح سمك ،فن التدريس للتربية اللغوية وانطباعاتها المسلكيّة وأنماطها -
العمليّة ،نكتبة اإلنجلو المصرية ،القاهرة1986 ،م.
محمود كامل الناقة ،خطة مقترحة لتأليف كتاب أساسي لتعليم العربية للناطقين -
بغيرها ،وقائع ندوات تعليم العربية للناطقين بغيرها ،مكتب التربية العربي لدول
الخليج ،الجزء الثاني1401 ،هـ .
مصطفى الشهابي ،مشكالت العربية ،مجلة المجمع العلمي العربي ،دمشق ،المجلد -
39الجزء الرابع.
المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ،صناعة المعجم العربي لغير الناطقين بها، -
أبحاث الدورة التدريبيّة الرباط – .1981
ناصر عبد هللا الغالي ،د .عبد الحميد عبد هللا ،أسس إعداد الكتب التعليمية لغير -
الناطقين بالعربيّة -دار الغالي الرياض.
د .نهاد الموسى ،قضية التحول إلى الفصحى في العالم العربي الحديث ،دار الفكر، -
عمان1987 ،م.
هكتر هامرلي ،النظرة التكاملية في تدريس اللغات ،ونتائجها العمليّة ،ترجمة :د. -
راشد بن عبد الرحمن ادويش ،جامعة الملك سعود1994 ،م.
Macky, W. F. Language Teaching Analysis. London: Long man Group. -
.6th Edition, 1976
24