Professional Documents
Culture Documents
تعد الصفقات العمومية ،األداة اإلستراتيجية التي وضعها المشرع في أيدي السلطة
العامة النجاز العمليات المالية المتعلقة بإنجاز ،تسيير وتجهيز المرافق العامة ،إذ أن
اإلقتصاد الجزائري يعتمد بصفة أساسية على ضخ األموال العامة من أجل تنشيط العجلة
اإلقتصادية وذلك بزيادة حجم النفقات العمومية ،ومنه فنظام الصفقات يعد الوسيلة األمثل
الستغالل وتسيير األموال العامة.
وقد عرف هذا النظام عدة تطورات منذ اإلستقالل إلى غاية يومنا هذا ،فصدر األمر
رقم 67/90 :المؤرخ في 17/06/1967 :المتضمن قانون الصفقات العمومية ،تاله
المرسوم رقم 82/45 :المؤرخ في 10/04/1982 :المتضمن تنظيم صفقات المتعامل
العمومي ،وعلى إثر التحول االقتصادي الذي عرفته الجزائر مطلع التسعينيات بتخليها عن
نظام االقتصاد الموجه وتبنيها لنظام اقتصاد السوق ،استلزم األمر إعادة النظر في نظام
الصفقات فصدر المرسوم التنفيذي رقم 91/434 :المؤرخ في 09/11/1991 :والمتعلق
بتنظيم الصفقات العمومية ،ونظرا للنقائص التي كانت تشوب هذا المرسوم بعد أكثر من 10
سنوات من العمل به من جهة ،وتماشيا مع تطور المرحلة اإلقتصادية الجديدة والقائمة على
فتح المجال أمام المتعاملين اإلقتصاديين سواء الوطنيين أو األجانب للمساهمة في بناء
اإلقتصاد الوطني من جهة أخرى ،صدر المرسوم الرئاسي 02/250المؤرخ في:
24/06/2002المتضمن تنظيم الصفقات العمومية المعدل والمتمم بموجب المرسوم
الرئاسي 03/301المؤرخ في 11/09/2003 :الذي ألغى المرسوم 91/434وجاء
لتكريس مبادئ المساواة والشفافية في إبرام الصفقات ،إذ يحتوي على 153مادة تشتمل على
مجمل اإلجراءات الواجب إتباعها في إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية.
وبما أن مجال الصفقات العمومية يشكل أهم مسار تتحرك فيه األموال العامة فإنه
بذلك يعد مجاال حيويا للفساد بكل صوره ،وهو ما أدى إلى اهتمام المشرع بتجريم مختلف
المخالفات المتعلقة بالصفقات العمومية ،فبرز ذلك من خالل تعديل قانون العقوبات بموجب
القانون 09-01الصادر بتاريخ 26جوان ،2001الذي استحدث مجموعة من المواد
1
تصت في مجملها على تجريم وقمع المخالفات التي ترتكب أثناء إبرام أو تنفيذ الصفقات
العمومية.
غير أنه وتماشيا مع السياسة الدولية الرامية إلى مكافحة الجرائم المتعلقة بالفساد صدر
في الجزائر القانون رقم 01-06المؤرخ في 20فيفري 2006والمتعلق بالوقاية من الفساد
ومكافحته ،والذي جاء نتيجة لمصادقة الجزائر بتاريخ 19أفريل 2004بواسطة مرسوم
رئاسي ،على اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد المعتمدة من قبل الجمعية العامة لألمم
المتحدة بنيويورك يوم ،31/10/2003وقد وضع هذا القانون نصوصا خاصة بتجريم
المخالفات المرتكبة في مجال الصفقات العمومية ،ملغيا بذلك نصوص قانون العقوبات التي
تنص على نفس التجريم ،كما وضع مجموعة من المعايير التي يجب أن تؤسس عليها
الصفقات العمومية وذلك من خالل المادة 09منه.
غير أن دراسة جانب التجريم وحده ال يكفي للوصول إلى التكييف القانوني السليم لهذا
النوع من الجرائم ،إذ يستلزم األمر التطرق إلى أحكام الصفقات العمومية في ظل المرسوم
250-02المتضمن تنظيم الصفقات العمومية خاصة ما تعلق منها بمرحلة تحضير وإ برام
الصفقة وبكيفية اختيار المتعامل المتعاقد مع اإلدارة ،وهذا لكون معظم الجرائم الخاصة
بالصفقات التي جاء بها قانون الفساد تتم في هذه المرحلة.
ويكتسي موضوع الصفقات العمومية والجرائم المتعلقة بها أهمية بالغة تجعله جديرا
باإلهتمام والدراسة نظرا لألسباب اآلتية:
-كثرة القضايا المتعلقة بجرائم الصفقات المطروحة على القضاء الجزائي ،وهذا
لكونها تشكل مجاال خصبا للفساد.
-الطابع التقني الذي تتميز به الصفقات يثير إشكاالت عديدة بالنسبة للقضاة.
-حداثة قانون الوقاية من الفساد ومكافحته وقلة المراجع التي تفصل أحكامه.
-قلة اإلجتهادات القضائية الصادرة بشأن جرائم الصفقات.
لهذه األسباب فإن هذا الموضوع يطرح عدة تساؤالت تتمثل في:
كيف عالج المشرع الجزائري موضوع الصفقات العمومية؟ وماهي المعايير واألسس
المعتمدة في إبرام الصفقة واختيار المتعامل المتعاقد؟ وماهي أحكام جرائم الصفقات التي جاء
2
بها قانون مكافحة الفساد؟ وماهي األساليب التي استحدثها هذا األخير لقمع هذا النوع من
الجرائم؟.
ولمحاولة اإلجابة على مختلف هذه التساؤالت ودراسة هذا الموضوع اعتمدنا على
أسلوب تحليلي بسيط ،يرتكز على دراسة أهم الجوانب المتعلقة بإبرام الصفقة واختيار
المتعامل المتعاقد وكذا مجمل المبادئ التي تقوم عليها الصفقة من خالل كل من المرسوم
02/250وقانون الفساد هذا في فصل أول ،بينما نتناول في الفصل الثاني دراسة الجرائم
المتعلقة بمجال الصفقات العمومية في ظل قانون الفساد ،وهذا وفقا للخطة اآلتية:
3