You are on page 1of 1

‫إشارة ضوئية صفراء أمام الحكومة ا)نتقالية‪،‬‬

‫انتبه!!! ‪ ..‬بقلم‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬أحمد إبراهيم أبوشوك‬

‫تشير التجارب التاريخية إلى أن‪ K‬فشل الفترات ا)نتقالية السابقة‬


‫في السودان‪ ،‬في مرحلة ما بعد إزاحة‬
‫ا[نظمة الشمولية الحاكمة‪ ،‬يُعزى إلى‬
‫عدم التجانس السياسي للنخبة‬
‫الحاكمة‪-‬القائمة على أمر ا)نتقال‬
‫الديمقراطي‪ ،‬وغياب الرؤية الوطنية‬
‫للتغيير‪ .‬فحكومة إسماعيل ا[زهري‬
‫ا[ولى سقطت في أقل من ستة أشهر‬
‫بعد ا)ستق‪n‬ل‪ ،‬بناءً على لقاء السيدين )السيد عبد الرحمن ا‪l‬هدي‬
‫والسيد علي ا‪l‬يرغني( الذي وصفه محمد أحمد محجوب بأنه‬
‫"أعظم كارثة مُنيَ بها تاريخ السياسة الس‪r‬ودانية"‪ ،‬ومن خ‪n‬له‬
‫"سعى عدوان لدودان مدى الحياة‪ ،‬بدافع الجشع والتهافت على‬
‫الس‪r‬لطة والغرور وا‪l‬صلحة الشخصية‪ ،‬إلى السيطرة على ا‪l‬يدان‬
‫السياسي‪ ".‬وكأن محجوب بهذا ا)تهام يريد أن‪ K‬يبرئ ساحة‬
‫النخبة السياسية الس‪r‬ودانية التي كانت وراء لقاء السيدين‬
‫لتصفية خصوماتها الحزبية‪ ،‬وتحقيق كسبها الشخصي في‬
‫بورصة العمل السياسي‪ .‬فانقسام النخبة السياسية هو الذي‬
‫أفسح ا‪l‬جال لقيام حكومة السيدين‪ ،‬والدليل على ذلك قول‬
‫الدرديري محمد عثمان‪ :‬قد "وفقني ا} إلى الجمع بينهما ]أي‬
‫السيدين[ في ذلك اللقاء التاريخي العظيم‪ ،‬الذي غي‪K‬ر إلى حد كبير‬
‫من مجرى الحوادث في الس‪r‬ودان‪ ،‬ووجهها وجهة لم تكن في‬
‫حسبان أكثر ا‪l‬راقب‪ ƒ‬دق‪K‬ة‪ ،‬حتى قال بعض الساسة ا•نجليز الذين‬
‫كانوا بالس‪r‬ودان‪ ،‬لقد تحققت إحدى ا‪l‬عجزات بالس‪r‬ودان بالتقاء‬
‫السيدين‪ ".‬فالتناقض ب‪ ƒ‬ا‪l‬حجوب والدرديري يؤكد عدم‬
‫التجانس السياسي وغياب الرؤية ا)ستراتيجية لقادة الحركة‬
‫الوطنية‪ .‬ويتكرر السيناريو مرة أخرى بعد ثورة أكتوبر ‪1964‬م‬
‫عندما سقطت حكومة جبهة الهيئات باستقالة سر الختم الخليفة‪،‬‬
‫رئيس الوزراء آنذاك‪ ،‬والذي برر استقالته بحرصه "على مصلحة‬
‫الب‪n‬د وس‪n‬متها‪ ،‬وعلى تجنيب أبنائها الشقاق والخ‪n‬ف الحاد"‬
‫ب‪ ƒ‬الحداثي‪ ƒ‬والتقليدي‪ .ƒ‬وبعد ثورة أبريل ‪1985‬م قطع‬
‫العساكر الطريق أمام الثورة‪ ،‬وأعلنوا انحيازهم لها؛ لكن‬
‫الخ‪n‬فات السياسية ب‪ ƒ‬قادة التجمع الوطني شجعتهم على‬
‫تشكيل ا‪l‬جلس العسكري ا)نتقالي في ‪ 9‬أبريل ‪1985‬م‪ ،‬وبذلك‬
‫أفرغوا فكرة تشكيل حكومة مدنية كاملة الدسم تعمل وفق ميثاق‬
‫ا)نتفاضة من محتواها‪ ،‬ونتيجة لذلك أذعن الطرفان إلى سياسة‬
‫ا[مر الواقع‪ ،‬التي أقعدت الحكومة ا)نتقالية عن تنفيذ مطلوبات‬
‫الثورة وشعاراتها‪.‬‬

‫ا‹ن تواجه الحكومة ا)نتقالية )‪2022-2019‬م( جملة من ا[سئلة‬


‫الصعبة‪ ،‬والتي تضع قوى إع‪n‬ن الحرية والتغيير تحت ا‪l‬جهر؛‬
‫لقياس كفاءتها السياسية في تتجاوز خصوماتها الحزبية‬
‫الضيقة‪ ،‬والتأسيس )نتقال ديمقراطي حقيقي في السودان‪ .‬نعم‪،‬‬
‫قد يدرك الجميع أن تركة النظام ا‪l‬بادة تركة ثقيلة من كافة‬
‫جوانبها‪ ،‬ا‪l‬تعلقة بالوضع ا)قتصادي‪ ،‬وإعادة هيكلة مؤسسة‬
‫الدولة ا‪l‬دنية والعسكرية‪ ،‬وإح‪n‬ل الس‪n‬م الشامل وا‪l‬ستدام في‬
‫السودان؛ إ) أن التحدي الرئيس إلى جانب التحديات الكبرى‬
‫ا‪l‬شار إليها‪ ،‬يتجس‪K‬د في التركيبة البنيوية غير ا‪l‬تجانسة لقوى‬
‫إع‪n‬ن الحرية والتغيير‪ ،‬التي اتفقت مرحليًا في إسقاط نظام‬
‫ا•نقاذ ا‪l‬ستبد‪ ،‬لكنها تختلف ا‹ن في طرائق تفكيرها وتعاطيها‬
‫مع كيفية إزالة آثاره‪ ،‬وكيف يكون توجيه مسار الفترة ا)نتقالية‬
‫لخدمة أجندة التحول الديمقراطي ا‪l‬ستدام‪ .‬تنقسم قوى إع‪n‬ن‬
‫الحرية والتغيير الناظمة لهذه التركيبة البنيوية إلى ث‪n‬ث‬
‫مجموعة رئيسة‪ .‬أولها‪ ،‬ا‪l‬جموعة التي يتصدرها الحزب الشيوعي‬
‫الس‪r‬وداني وبعض القوى اليسارية التي تدعوا بحكم تركيبتها‬
‫ا[يديولوجية إلى تفكيكك نظام الث‪n‬ث‪ ƒ‬من يونيو ‪1989‬م‪ ،‬التي‬
‫حكمت الس‪r‬ودان لث‪n‬ثة عقود‪ ،‬تفكيكًا شام‪ ًn‬لقوانينها‬
‫ومؤسساتها وكوادرها البشرية؛ وثانيها‪ ،‬ا‪l‬جموعة التي يمثلها‬
‫حزب ا[مة القومي‪ ،‬والتي تدعوا إلى "هبوط ناعم" عن طريق‬
‫تفعيل آليات التحول الديمقراطي ا‪l‬تمثلة في تأسيس ا‪l‬فوضيات‬
‫ا‪l‬سؤولة عن ا•عداد ل‪n‬نتخابات القومية العام‪K‬ة وا‪l‬ؤتمر‬
‫الدستوري‪ ،‬دون ا)نصراف التام إلى تفكيك دولة الحزب الواحد‬
‫تفكيكًا شام‪ًn‬؛ وثالثها‪ ،‬حركات الكفاح ا‪l‬سلحة التي لم تضع‬
‫أجندة واضحة وموحدة •ح‪n‬ل الس‪n‬م في ا‪l‬ناطق ا‪l‬تأثرة‬
‫بالحرب في دارفور‪ ،‬وجنوب كردفان‪ ،‬وجنوب النيل ا[زرق‪ ،‬وشرق‬
‫الس‪r‬ودان‪ ،‬بل أن أطروحاتها السياسي‪K‬ة تميل إلى تجزئة الحلول‪،‬‬
‫وافتعال ا‪l‬واقف الثانوية ا‪l‬تعلقة بقضايا الكسب القطاعي‬
‫والجهوي دون النظر في القضايا الكلية التي تحتاج إلى‬
‫تشخيص علمي دقيق‪ ،‬وحلول موضوعية مبتكرة‪ ،‬يراعي فيها‬
‫طبيعة الع‪n‬قة الجدلية ب‪ ƒ‬استحقاقات ا‪l‬تضررين ا‹نية في‬
‫ا‪l‬ناطق ا‪l‬تأثرة بالحروب وواقع الدولة ا)قتصادي ا‪l‬نهار‪ .‬وفوق‬
‫هذا وذاك‪ ،‬تأتي تركيبة الحكومة ا)نتقالية ا‪l‬عقدة‪ ،‬التي يحمل‬
‫أحد أض‪n‬عها الث‪n‬ثة بعض الجنيات الوراثية للنظام القديم‬
‫)العسكري‪ ƒ‬في مجال السيادة(‪ ،‬التي تجعل العسكري‪ ƒ‬غير‬
‫مهتم‪ ƒ‬بتفكيك مؤسسات دولة التمك‪ ƒ‬التي عاشوا في كنفها‪،‬‬
‫وكذلك إعادة هيكلة ا‪l‬ؤسسات العسكرية والقوات النظامية‬
‫ا[خرى لتكون أكثر مهنيةً وقومية من وضعها الراهن‪ .‬وعلى‬
‫الضفة ا[خرى يقف منتسبو حزب ا‪l‬ؤتمر الوطني ا‪l‬حلول‬
‫وحلفاؤهم الذين يعارضون الثورة في الخفاء والعلن من واقع‬
‫ع‪n‬قتهم بالنظام القديم‪ ،‬وخوفهم على مستقبلهم السياسي من‬
‫الدعوة الثورية لتفكيك قوان‪ ƒ‬النظام القديم ومؤسساته‪،‬‬
‫ومحاسبة الكوادر السياسي‪K‬ة التي ولغت في فساده‪ ،‬وأفسدت‬
‫الحياة العام‪K‬ة في الس‪r‬ودان‪.‬‬

‫فا•شارة الضوئية الصفراء تتمثل في تصريحات بعض قيادات‬


‫قوى إع‪n‬ن الحرية والتغيير‪ ،‬فمث‪ ًn‬عمر الدقير‪ ،‬رئيس حزب‬
‫مؤتمر السوداني‪ ،‬غرد في صفحته على تويتر )‪ 20‬مارس‬
‫‪2020‬م(‪ ،‬قائ‪ )" :ًn‬نعلم الجهة التي تحدد التعيينات في‬
‫الوظائف القيادية بالخدمة ا‪l‬دنية‪ ،‬و) الكيفية‪ .‬من ا[وفق تكوين‬
‫مفوضية الخدمة ا‪l‬دنية‪ ،‬وطرح الوظائف للتنافس النزيه ب‪ ƒ‬كل‬
‫السوداني‪ ƒ‬وفق معايير سليمة ومعلنة‪ .‬سياسة التمك‪ ƒ‬من‬
‫ا‪l‬وبقات التي كنستها الثورة‪ ،‬يجب أ) يُسمَح بعودتها بأي وجهٍ‬
‫كان‪ ".‬وعلى نسق آخر جاء بيان التجمع ا)تحادي في ‪ 20‬مارس‬
‫‪2020‬م‪ ،‬مؤكداً "بصورة ) يطالها الشك أن هناك قسماً داخل‬
‫ا‪l‬كون العسكري بمجلس السيادة إلى جانب دوائر داخل السلطة‬
‫التنفيذية )مجلس الوزراء( عقدت العزم على السير في طريق‬
‫مساومة مزعومة مع مختلف القوى ا•س‪n‬موية ومكونات النظام‬
‫البائد تهدف لتعطيل عملية التفكيك‪ ،‬وذلك عبر ا)ستهداف ا‪l‬باشر‬
‫لعمل لجنة إزالة التمك‪ ƒ‬ومحاربة الفساد فض‪ n‬عن توفير‬
‫الحماية وا‪nl‬ذات ا‹منة لرموز النظام البائد ا‪l‬طلوبة للعدالة‪ .‬قد‬
‫عملت ا[طراف ا‪l‬شار إليها على اتخاذ قرارات في غاية الخطورة‬
‫من وراء ظهر مؤسسات قوى الحرية والتغيير وعبر إغراء أفراد‬
‫واستخدامهم كبيادق لشق الصف الثوري‪ ،‬با•ضافة لصنع دائرة‬
‫محدودة العدد وذات توجه سياسي معروف واعتمادها كحكومة‬
‫موازية لحكومة الثورة‪ ،‬فض‪ ًn‬عن السعي )ستقطاب بعض‬
‫ا‪l‬كونات الثورية من أجل إضعاف قوى الحرية والتغيير وخلق‬
‫تحالف جديد يشمل ا‪l‬وال‪ ƒ‬للنظام البائد وقوى الثورة ا‪l‬ضادة‪".‬‬

‫مثل هذه ا•شارات الضوئية الصفراء ا‪l‬ربكة في طريق الحكومة‬


‫ا)نتقالية ) ينبغي تجاوزها‪ ،‬بل يجب ا)حتراز إليها بحكم أنها‬
‫نقاط انذارٍ مبكرٍ‪ ،‬تؤكد بأن الحكومة ا)نتقالية تسير في طريق‬
‫يحتاج إلى مراجعة؛ ف‪ n‬عيب في ذلك؛ [ن الثورات الكبرى في‬
‫العالم قامت على ا‪l‬راجعات‪ ،‬التي تؤسس على نوعٍ من التوافق )‬
‫التوفيق؛ [ن التوفيق يعنى الحلول الترقيعية للقضايا ا‪l‬ختلف‬
‫فيها‪ ،‬بهدف تحقيق نوع من الرضا الجزئي [صحاب ا‪l‬صالح‬
‫ا‪l‬تعارضة‪ ،‬دون أن تعالج القضايا ا‪l‬ختلف فيها عالجًا جذريًا‪،‬‬
‫يستأصل أسبابها‪ ،‬ويدرأ أثارها‪ ،‬ويفسح ا‪l‬جال للحلول ا‪l‬واكبة‬
‫‪l‬تطلبات العصر ولتطلعات الشباب )ا•ناث والذكور( الذين يجب‬
‫أن يُفسح لهم ا‪l‬جال لحماية ثورتهم وصنع مستقبلهم‪ .‬أما‬
‫التوافق فيؤسس دائمًا على "تبادل الرأي‪ ،‬بهدف ا)قتناع بوجهة‬
‫محددة للنظر‪ ،‬ا[مر الذي يستوعب خلخلة ا)قتناعات وتحريكها‬
‫من دون حساب الوسيط الرياضي‪ ،‬بل بمراجعة ا‪l‬واقف‬
‫وتطويرها من طرف مجموع ا‪l‬واقع الراغبة في تحقيق التوافق"‪،‬‬
‫الذي يستوعب مقتضيات الظروف التاريخية‪ ،‬وخيارات الثورة‬
‫التي نصرها الشباب خارج أورقة ا[حزاب السياسي‪K‬ة وصراعاتها‬
‫ا[يديولوجيات ا‪l‬غلقة‪ .‬إذًا مثل هذا الواقع يحتاج إلى رؤية‬
‫وطنية وأهداف محددة تلتف حولها كل شرائح ا‪l‬جتمع الفاعلة‪،‬‬
‫بعيدًا عن ا•سقاطات السياسي‪K‬ة ا‪l‬ؤدلجة‪ ،‬وبعدها تنتقل الحكومة‬
‫ا)نتقالية وقوى إع‪n‬ن الحرية والتغيير إلى رحاب السياسات‬
‫الكبرى‪ ،‬التي تسع ا‹خر وفق شروط الثورة‪ ،‬وتضع الحلول‬
‫ا‪l‬وضوعية ا‪l‬بتكرة وا‪l‬مكنة‪ ،‬التي يراعى فيها حسابات القوة‬
‫والضعف التي شكلت البيئة السياسي‪K‬ة وا)جتماعية وا)قتصادية‬
‫الحاضنة لثورة ديسمبر ‪2018‬م‪ ،‬وطبيعة ا‪l‬هددات التي تستهدف‬
‫وجودها الثوري واستمراريتها‪ ،‬والفرص ا‪l‬تاحة •نجاز‬
‫الشعارات التي رفعها الشباب الثائرون الذين وقفوا من خلفها‪،‬‬
‫ينادون بجسارة "حرية س‪n‬م وعدالة‪ ،‬وثورة خيار الشعب"‪.‬‬

‫‪ahmedabushouk62@hotmail.com‬‬

You might also like