Professional Documents
Culture Documents
Safari - Jul 16, 2020 at 17:02
Safari - Jul 16, 2020 at 17:02
ahmedabushouk62@hotmail.com
يقول الكاتب أحمد بهاء الدين إن "الفرق ب Cا?نسان والحيوان ،أن ا?نسان له تاريخ
يتعلم منه حتى Vيكرر أخطاءه" ،فالوعي التاريخي هو الذي يميز ا?نسان عن
الحيوان ،إ Vأن اجترار ا?نسان ^حداث ا\اضي من غير وعي تاريخي وإدراك
معرفي ،يجعل فهمه للحاضر واستشراف ا\ستقبل ضرباً من التنجيم غير ا\درك
لطبيعة التحديات التي تواجهه وكيفية التعامل معها .فا\قاربة التاريخية عن اVنتخابات
البر\انية في السودان )1986-1953م( ،التي عرضنا فصولها في حلقات مسلسلة
في صحيفة ا^حداث ،ينبغي أن تقرأ بوعي تاريخي فاحص في ضوء التحوVت
الديمقراطية التي يشهدها سودان ما بعد اتفاقية السoم الشامل )نيفاشا( التي نصت
على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في موعد أقصاه 9يوليو 2009م ،وأقرrت
ذلك أيضاً ا\ادة 216من الدستور اVنتقالي لسنة 2005م .إ Vأن هذا القيد الزمني
قد تم rتعديله إلى فبراير 2010م ،وذلك مراعاة لبعض الظروف السياسية وا?جرائية
ا\رتبطة بالترتيبات اVنتخابية.
Vجدال أن العملية اVنتخابية في جوهرها ستشكل نقلة نوعية في نظام الحكم في
السودان ،ولفهم هذه النقلة والظروف السياسية ا\حيط بها يستحسن أن نثير في هذا
ا\ضمار سؤال Cمحوري .Cيرتبط أحدهما با?سقاطات التاريخية للتشريعات
الدستورية والقانونية السابقة على الدستور اVنتقالي وقانون اVنتخابات القومية لسنة
2008م ،ويتجسد ا~خر في الضوابط الدستورية والقانونية ا\رتبطة بإجراء
اVنتخابات في ا\وعد ا\رسوم لها ،وبدرجة عالية من النـزاهة والشفافية .وقضية
النـزاهة في أية انتخابات ديمقراطية ،كما هو معلوم ،يجب أن تقوم على منظومة ثنائية،
يمثل بُعدها الساكن ا\بادئ الدستورية والقواعد القانونية ،ويتبلور بُعدها ا\تحرك في
إدارة العملية اVنتخابية ،وفاعلية ا\مارسة الديمقراطية في أروقة ا^حزاب السياسية،
وعoقتها مع بعضها بعضاً .وتوجد ب Cهذين البُعدين عoقة تoزمية ،تقضي بتفعيل
العملية الديمقراطية وفق مبادئ دستورية ذات مرجعية ثابتة بالنسبة للحاكم وا\حكوم،
ويُحدrد من خoلها شكل نظام الحكم وآليات اتخاذ القرار فيه ،وكيفية مشاركة
ا\واطن Cفي صياغة تلك ا\ؤسسات الحاكمة ومهامها الوظيفية.
نلحظ في إطار البُعد الساكن للعملية اVنتخابية أن الدستور اVنتقالي لسنة 2005م،
وقانون اVنتخابات القومية لسنة 2008م قد استفادا من دساتير وقوان CاVنتخابات
السابقة لهما من حيث الصياغة الشكلية وا\وضوعية ،وحاو Vأيضاً أن يتجاوزا بعض
إخفاقاتها ا\رتبطة بتحديد شكل نظام الحكم ،وإجراءات اVنتخابات الرامية إلى تفعيل
آليات ذلك النظام ا\قترح بشقية التشريعي والتنفيذي .وانسحاباً على ذلك أقرr
الدستور اVنتقالي لسنة 2005م نظام الحكم الديمقراطي الoمركزي ،وذلك عبر
أربعة مستويات حكم ،تتدرج من الحكم ا\حلي ،والحكم الوVئي ،والحكم في الجنوب،
والحكم القومي .وتشكل رئاسة الجمهورية ا\كونة من رئيس الجمهورية ونائبيه قمة
الهيئة التنفيذية القومية ،ورئيس الجمهورية يجب أن يكون منتخباً عبر انتخابات شعبية
وقومية .وبهذه الكيفية استطاع الدستور اVنتقالي أن يحدث نقلة نوعية في شكل الهيئة
التنفيذية القومية ،حيث تَمّ استبدال مجلس السيادة الذي كان معمو ًVبه في ا^نظمة
البر\انية السابقة بنظام جمهوري رئاسي ،ينتخب الشعب رئيسه انتخاباً مباشراً،
ويع Cالرئيس نائب ،Cبشرط أن يكون أحدهما ،حسب نص الدستور اVنتقالي" ،من
جنوب السودان ،وا~خر من الشمال؛ فإذا كان الرئيس ا\نتخب من الشمال ،يشغل
منصب النائب ا^ول الشخص الذي اُنتخب \نصب رئيس حكومة جنوب السودان،
ويُعتبر معيناً من رئيس الجمهورية لهذا ا\نصب ،أما إذا كان الرئيس ا\نتخب من
جنوب السودان فيُع Cالنائب ا^ول من الشمال بناءً على توصية الحزب الحائز على
أكبر عدد من ا\قاعد الشمالية في ا\جلس الوطني".
إ Vأن هذه الخطوة اVيجابية Vتمنعنا القول بأن مُشرعي الدستور اVنتقالي قد تأثروا
تأثراً واضحاً بأدبيات الصراع ب Cالشمال والجنوب ،ومداوVت اتفاقية السoم
الشامل لعام 2005م .وعند هذا ا\نعطف ظهرت خصوصية وضع الجنوب في ظل
نظام حكم وسيط ب Cا\ستوي CالوVئي والقومي ،فالخطوة في مجملها إذا فُسرت
بصفة إيجابية تصب في خانة تطوير الجنوب ،وإعادة ترميم جسور الثقة ب Cشطري
القطر .إ Vأن طرفها السالب قد يمهد الطريق Vنفصال الجنوب عن الشمال ،إذا كان
أداء الحكومة القومية غير مقنع للقادة الجنوبي Cفي إطار السودان ا\وحد .وبهذه
الكيفية تكون وحدة السودان الجديد مرهونة بنتائج اVستفتاء الذي سيُجرى في
الجنوب عام 2011م ،للمفاضلة ب Cخيار الوحدة أو اVنفصال.
وقد حدد الدستور –أيضاً -شكل الهيئة التشريعية على ا\ستوى القومي بمجلس،C
هما :ا\جلس الوطني ومجلس الوVيات الذي يتكون من ممثل Cاثن Cلكل وVية،
ينتخبهما ا\جلس التشريعي للوVية وفقاً لقانون اVنتخابات القومي وا?جراءات التي
تستنها ا\فوضية القومية لoنتخابات .وسنحصر نقاشنا في هذه الفقرة حول ا\ستوى
القومي دون ا\ستويات ا^خرى^ ،نه يعطينا قاعدة واسعة \ناقشة ا^سئلة التي
طرحناه في صدر هذا ا\قال .تتكون الهيئة التشريعية القومية من 450عضواً يمثلون
ا\جلس الوطني و 50عضواً آخرين يمثلون مجلس الوVيات .ويتم انتخاب هؤVء
ا^عضاء عن نظام انتخابات مختلط ،يجمع ب CاVنتخاب الفردي والتمثيل النسبي ،مع
تخصيص %25من مقاعد الهيئة التشريعية القومية لتمثيل ا\رأة .وبهذه الخطوة
التشريعية الجريئة استطاع ا\ُشر˜ع السوداني أن يتجاوز أوجه القصور التي صحبت
أداء الهيئة البر\انية التي كانت تتكون من مجلسي الشيوخ والنواب في عهد
الديمقراطية ا^ولى )1958-1953م( ،والجمعية التأسيسية في عهدي الديمقراطية
الثانية )1969-1965م( والثالثة )1989-1986م( .فنظام اVنتخاب ا\ختلط يُعدš
خروجاً صريحاً على نظام اVنتخاب الفردي ذي ا^غلبية البسيطة ،الذي ابتدعه
ا\ستعمر البريطاني نسبة لبساطته وقلة كلفته ا\الية ،وسار عليه العمل في اVنتخابات
البر\انية التي جرت في ظل اتفاقية تقرير ا\صير وما بعدها )1986-1953م(.
وبذلك أضحى نظام ا^غلبية البسيطة هو ا\سيطر على عقل ا\ُشر˜ع السوداني ،كأنه
النظام الوحيد الذي ينظم شؤون تداول السلطة في العالم ،علماً بأن النظم اVنتخابية
السائدة في العالم الديمقراطي يمكن أن تقسم إلى أربع مجموعات :نظام ا^غلبية،
ونظام التمثيل النسبي ،والنظام ا\ختلط ،ونظم أخرى ،وتوزع تلك النظم عا\ياً حسب
الرسم البياني الوارد أدناه:
يبدو أن الدافع الرئيس وراء تبني نظام اVنتخاب ا\ختلط يتبلور في عيوب نظام
اVنتخاب الفردي البسيط الذي يُوصف بعدم التناسب ب Cمجموع أصوات الناخبC
وا^صوات التي يحصل عليها الفائزون؛ ^نه ربما يعطى ا^غلبية لحزب واحد في
البر\ان دون يحصل ذلك الحزب على أغلبية ا^صوات .وينعكس ذلك أيضاً على
مستوى الدوائر اVنتخابية الجغرافية ،حيث يحصل أحد ا\رشح Cعلى نسبة تقل عن
%50من مجموع الناخب Cالذين أدلوا بأصواتهم في انتخابات الدائرة الجغرافية
ا\عنية با^مر .فعلى ا\ستوي البر\اني القومي مث ،ًoحصل الحزب الوطني اVتحادي
على أغلبية مقاعد البر\ان في انتخابات عام 1953م ،وذلك بنسبة تقل عن %40من
مجموع الناخب Cالذين أدلوا بأصواتهم في كل الدوائر الجغرافية؛ وعلى مستوى
الدوائر الجغرافية فإن نسبة الفائزين الذين حصلوا على أكثر من %50في
انتخابات عام 1965م كانت Vتزيد عن %50من مجموع الناخب Cالذين أدلوا
بأصواتهم .ومن أصدق الشواهد في هذا ا\ضمار أن السيrد عثمان إسحق آدم،
مرشح حزب ا^مة في الدائرة 142كتم الشمالية ،قد فاز بـ %21من مجموع
الناخب Cالذين أدلوا بأصواتهم ،وأن السي˜د مضوي محمد أحمد ،مرشح الوطني
اVتحادي في الدائرة 67ا\سيد ،قد فاز بـ %24من مجموع الناخب Cالذين أدلوا
بأصواتهم .إذاً هذه الشواهد تؤكد صحة الفرضية التي ذهب إليها مشرعو قانون
اVنتخابات لعام 2008م ،بأن نظام اVنتخاب الفردي البسيط غير عادل و Vيعكس
التمثيل الحقيقي لتوجهات الناخب .Cفض ًoعن هذه العيوب نلحظ أن نظام اVنتخاب
الفردي يسهم في ترسيخ أدبيات الوVء القبلي والجهوي ،ويسه˜ل عملية التoعب بنتائج
اVنتخابات من خoل تقسيم الدوائر اVنتخابية ،وتوزيعها كما حدث في انتخابات عام
1958م وانتخابات عام 1986م .وفي ا\قابل يعطى التمثيل النسبي إطاراً أوسع
لضمان مشاركة كل القوى السياسية وا\رأة بنسب معقولة ،ويقلل من حدrة الصراعات
القبلية^ ،ن الوVية ستكون وحدة انتخابية قائمة بذاتها دون أن تُجزأ إلى وحدات
صغيرة.
وفي ضوء هذه التقابلية ب Cالفردي والنسبي نصل إلى أن نظام اVنتخاب ا\ختلط
سيكون خطوة إيجابية تجاه تطبيق نظام التمثيل النسبي ،وبذلك تتم عملية تداول
السلطة وفق نسق انتخابي جديد ،له القدرة على تجاوز سلبيات نظام ا^غلبية البسيطة
الذي ابتدعه ا\ستعمر ،وسارت على هدية الحكومات الوطنية الoحقة ،لكن هذا Vيعني
أن هذه النقلة النوعية ستتحقق على صعيد الواقع دون حدوث استقرار سياسي في
السودان.
ويصب أيضاً في وعاء ا\تغيرات الدستورية والقانونية التي طرأت على البُعد الساكن
للعملية اVنتخابية عدم تخصيص دوائر للخريج .Cف oشك أن هذه الخطوة تُعدš
تجاوزاً إيجابياً ^دبيات التراث اVنتخابي في السودان^ ،ن فكرة تخصيص دوائر
الخريج Cقد طرحها ا\ُشر˜ع البريطاني في قانون الحكم الذاتي لعام 1953م ،متعلًo
بأن تمثيل الخريج Cسيفع˜ل العملية الديمقراطية داخل قبة البر\ان وخارجها ،إ Vأن
الخصومة التي نشبت ب CاVتحادي Cوالسي˜دين عام 1956م قد قادت إلى إلغاء دائرة
الخريج Cفي قانون اVنتخابات لعام 1957م ،نكاية في الحزب الوطني اVتحادي
صاحب ا^غلبية في أوساط النخب ا\ستنيرة آنذاك .بيد أن القوى الحديثة وصاحبة
الحضور السياسي الكثيف في ثورة أكتوبر 1964م قد أعادت دائرة الخريج Cفي
قانون اVنتخابات لعام 1965م ،ورفعت عدد مقاعدها من خمسة إلى خمسة عشر
مقعداً ،وكان الفوز فيها حليف الحزب الشيوعي السوداني ) 11مقعداً( وجبهة ا\يثاق
ا?سoمي )مقعدين( والوطني اVتحادي )مقعدين( .وفي قانون اVنتخابات لعام
1985م رُفع عدد مقاعد الخريج Cإلى ثمانية وعشرين مقعداً ،ووزعت تلك ا\قاعد
على أساس وVئي ،وكان الفوز فيها من نصيب الجبهة ا?سoمية القومية التي حصلت
على ثoثة وعشرين مقعداً .ويؤخذ على دوائر الخريج Cبصفة عامة أنها تخلق نوعاً
من التفضيل الطبقي ب Cا\واطن V Cمبرر له ،حيث أنها تميز الخريج على دافع
الضريبة العادي بإعطائه صوتاً إضافياً .زد على ذلك أنها قد سهrلت عملية التحكم
ا\سبق في نتائج اVنتخابات ،وذلك بتحديد حجم الدوائر اVنتخابية وتوزيعها كما
حدث في انتخابات عام 1986م ،حيث أُعطيت وVية الخرطوم ذات الثقل اVنتخابي
الكبير ) 33966ناخب( ثoثة مقاعد فقط ،بينما مُنح ا?قليم ا^وسط خمسة مقاعد
بالرغم من أن نسبة الناخب Cفيه تقل عن %50مقارنة بالعاصمة القومية ،ومُنح
ا?قليم الجنوبي سبعة مقاعد ،علماً بأن عدد الناخب Cفيه لم يتجاوز 2560ناخب.
وبهذه الشواهد التاريخية والسياسية نصل إلى أن قانون اVنتخابات القومية لعام
2008م قد خطا خطوة إيجابية بعدم تخصيصه مقاعد بعينها للخريج ،Cوبذلك
ضرب سهماً في ا\ساواة ب Cا\واطن.C
و Vتمنعنا هذه الجوانب ا?يجابية في القانون اVنتخابية القومية لسنة 2008م
وإطاره الدستوري الذي جسدته اتفاقية السoم الشامل من القول أن للقانون أيضاً
بعض ا\سالب الثانوية ،ونذكر منها إغفال وضع ا\غترب Cفي اVنتخابية البر\انية،
علماً بأن عددهم يقدر بمليون مغترب ،وربما يبلغ عدد الناخب Cا\ؤهل Cمئات ا~Vف.
وحول هذه ا?شكالية يرى ا^ستاذ فيصل خالد أن حرمان ا\غترب Cمن اVشتراك في
اVنتخابات البر\انية القادمة حسب ما جاء في ا\ادة 4-22/3التي حصرت مشاركة
ا\غترب في اVنتخابية الرئاسية واVستفتاء ،وحرمته ضمناً من ا\شاركة في
اVنتخابات التشريعية فيه تعارض صريح مع ا\ادة الدستورية 41/1التي تكفل حق
اVقتراع لكل مواطن سوداني توفرت فيه الشروط القانونية التي تؤهلrه Vختيار ممثليه
في ا^جهزة التشريعية والتنفيذية )رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب( ،وذلك
وفق انتخابات دورية تكفل له حق التعبير الحر عن إرادته السياسية .وقد أثبتنا في
الحلقات السابقة أن مشاركة ا\غترب Cفي اVنتخابات البر\انية في السودان يرجع
تاريخها إلى عام 1953م ،عندما اشتركوا في انتخابات دائرة الخريج Cذات ا\قاعد
الخمسة ،وفي عام 1965م تجددت مشاركتهم في انتخابات دائرة الخريج Cذات
ا\قاعد الخمس عشرة على ا\ستوي القومي ،وفي عام 1986م كانت مشاركتهم على
ا\ستوي الوVئي^ ،ن مقاعد الخريج Cالثمانية والعشرين قد وُزعت ب CوVيات
السودان ا\ختلفة .وبناءً على ما تقدم فإن مشاركة ا\غترب Cفي اVنتخابات القادمة تُعدš
ضرورة قومية ،واستحقاقاً دستورياً ومطلباً سياسياً ،فلذا طالبت بعض ا^حزاب
السياسية ومؤسسات ا\جتمع ا\دني بضرورة إقرارها في مسودة قانون اVنتخابات
القومية قبل إجازتها ،وتحديد الكيفية التي يتم بها حصر ا\غترب Cفي مواطن مهجرهم
ا\ختلفة ،وتسجيل الناخب Cا\ؤهل Cمنهم ،وتخصيص آليات محايدة تشرف على
ا?حصاء ،والتسجيل ،واVقتراع ،وفرز أصوات الناخب .Cإ Vأن اللجنة ا\ُشر˜عة لقانون
اVنتخابات القومية لسنة 2008م قد غضت الطرف عن هذا ا\طلب ا\شروع.