You are on page 1of 20

‫الرقائق الغزلية في شرح ألفاظ الصالة األنموذجية‪ .

‬ألبي الفيض الكتانى‬


‫هذا كتاب صغير الجرم‪ ،‬عظيم الفائدة للختم األكبر الشيخ أبي الفيض محمد بن عبد‬
‫الغزلية في شرح الصالة األنموذجية"‪،‬‬ ‫الكبير الكتاني قدس سره‪ ،‬بعنوان "الرقائق ْ‬
‫يعني صالته التي نصها‪:‬‬
‫"اللهم صل على سيدنا وموالنا أحمد الذي جعلت اسمه متحدا باسمك ونعتك‪،‬‬
‫وصورة هيكله الجسماني على صورة أنمو ُذج حقيقة خلَق هللا سيدنا آدم على‬
‫صورته‪ ،‬وفجرْ ت عنصر موضوع مادة محموله من أنِيَة أنا هللا‪ ،‬بل حتى إذا جاءه‬
‫لم يجده شيئا ووجد هللا عنده وآله وصحبه وسلم"‪..‬‬
‫بسم اللـه الرحمن الرحيم وصلى اللـه على قطب المنازل وآلـه وصحبه وسلم‬
‫كتاب الرقائق الغزلية في شرح الصالة األنموذجية‬
‫الحمد لمن أفاض مناهل أشعة األنس وناموس همس التلقياتـ على أرجاء رياض‬
‫الـهياكل‪ .‬وأرسل عساكر جند نواسيت التعددات في لوح تقادير المنازل‪ .‬فجعلـها‬
‫موشحة بتضاد القبضتين‪ .‬ومؤتزرة بمقتضيات اإلسمين‪ .‬سيدنا وموالنا محمد‬
‫يعسوب التكثرات الحرفية‪ .‬وأس االنتشارات الظلمانية والنورانية‪ ،‬الشمسية‬
‫والقمرية‪ ،‬السعدية والنحسية‪ .‬فالكل جزء من كليات كلياته‪ ،‬ونعت من نعوت شمول‬
‫إطالقاته‪ ،‬ونجوم سماء ذاته الروحية والعنصرية‪ ،‬و ُخالفه الناهجين نهج ما لـه من‬
‫الكماالت اإلطالقية‪.‬‬
‫أما بعد‪.‬‬
‫فهذه بحول اللـه تعالى وقوته توشيحات فيضية‪ ،‬وطالسم أحمدية‪ ،‬ورقائق غزلية‪،‬‬
‫أبداها عبيد ربه وأسير ذنبه محمد بن عبد الكبير األحمدي اإلبراهيمي الصديقي‬
‫األويسي الكتاني غفر اللـه ذنبه وستر عيبه في فتك أزرار رموز هذه الصالة‬
‫األنموذجية‪ .‬ولنقدم من فيض اللـه تعالى مقدمة‪ :‬اعلم أوال أن الحق تعالى ما أبرز‬
‫هذه األثرات الكيانية من حيث هي‪ ،‬أعني بحسب التبع‪ ،‬إال لمعرفة مزاياه صلى‬
‫اللـه عليه وسلم ومفاخره وخصيصاته‪ ،‬ويرشدك لـهذا حديث سيدنا سلمان رضي‬
‫اللـه عنه عند ابن عساكر‪ :‬جاء سيدنا جبريل إلى النبي صلى اللـه عليه وسلم فقال‬
‫إن اللـه يقول لك إن كنت اتخذت ابراهيم خليال فقد اتخذتك حبيبا وما خلقت خلقا‬
‫أكرم علي منك ولقد خلقتـ الدنيا وأهلـها العرفهم كرامتك ومنزلتك عندي‪ .‬وإذا‬
‫كان كذلك‪ :‬فتصرف األعمار والقوى في التهتك في ما لـه صلى اللـه عليه وسلم‬
‫وذكر شئونه ونعوته وكماالته‪ ،‬أعني بحسب اإلجمال‪ ،‬وإال فتفصي ُل ما لـه صلى‬
‫اللـه عليه وسلم من المقتضياتـ على سبيل الكنه ال سبيل إلدراك ما ذكر‪ ،‬وهذا أمر‬
‫عندنا عام في عالم الشهادة وعالم الغيب وعالم البرزخ وعالم القرار‪ ،‬ألن وصف‬
‫العارف من وصف معروفه فقد تخلق صلى اللـه عليه وسلم باألسماء اإللـهية‬
‫الذاتية ومن جملة األسماء اسم الـهوية فتخلق به صلى اللـه عليه وسلم ومن يوم‬
‫انبسطت عليه أشعة مقتضى هذا االسم وهو صلى اللـه عليه وسلم مجهول عند‬
‫جميع العوالم فلم يدرك لـه قرار وال حد و ال مطلع‪ .‬فكما أن الجنابـ األقدس جل‬
‫جاللـه مجهول ال يعرف {وما قدروا اللـه حق قدره} كذلك مظهره صلى اللـه‬
‫عليه وسلم الذي هو العالم الكبير هيولى سائر المواد الكلية والجزئية البسيطة‬
‫والمركبة‪ ،‬فكل العالمين من العرش إلى الفرش كلـه عالم صغير بالنسبة لـه فما‬
‫العوالم كلـها إال قائمة من قوائم عرشه المحيط صلى اللـه عليه وسلم‪ ،‬وما ذلك إال‬
‫ألنه ُسقِي من جميع األسماء الذاتية‪ ،‬ولما سقي منها صار ذاتيا وغيره من ساداتنا‬
‫األنبياء والرسل عليهم الصالة والسالم صفاتيون بالنسبة إليه ومن هذا المعنى‬
‫انتفت عنه البقية رأسا فلم تؤثر فيه مقتضيات العناصر التي ركب منها الـهيكل‬
‫اإلنساني‪ ،‬ألجل هذا كان ال يُرى لـه صلى اللـه عليه وسلم ظل إذا مشى فكأن‬
‫روحا ساذجا تمثل بصورة البشرية كما هو مشاهد لدى المحقق‪ .‬وهذا عندي معنى‬
‫قولـه كما رويناه في البخاري‪ :‬إني لست كهيئتكم‪ ،‬ومعنى قولـه أيضا‪ :‬إني ألراكم‬
‫من خلفي كما أراكم من أمامي‪ ،‬فليست لـه أعين وراءه كما يقول ساداتنا أهل‬
‫الحديث بل المراد أنه لما انتفت عنه بقايا مقتضيات الطبائع واألخالط والعناصر‬
‫صار روحا صرفا تشكل بشكل الـهيكل ومن ها هنا كان يرى من الجهات ألن‬
‫الروح ال يحجبها شيء‪ .‬هذا مراده صلى اللـه عليه وسلم على سبيل الخوض في‬
‫باطنه ال على سبيل الفكر والتخمين والظن {وكل حزب بما لديهم فرحون}‪ ،‬ومن‬
‫هاهنا أيضا صحت لـه الرؤية الساذجة الصرفة‪ :‬أعني أحدية الكل الجمعي بدون‬
‫حجابـ التعينات وبما تقدم تعلم أن قول المديح ‪:‬‬
‫وكيف يدرك في الدنيا حقيقته قوم نيام تسلوا عنه بالحلم‬
‫في عهدته ألنا إن قلنا مفهوم الدنيا اآلخرة أفاد أن في اآلخرة تدرك وهذا عندنا ال‬
‫يمكن إذ لو بدت ذرة من جوهرة حقيقة أحمدية كنهه في اآلخرة لتالشت لـها الجنة‬
‫ولم يبق لـها رسم وال طلل ألنه صلى اللـه عليه وسلم النسخة الذاتية‪ ،‬فلون الماء‬
‫لون إنائه‪ ،‬وإن قلنا ال مفهوم للدنيا يعني وكذلك اآلخرة عكر عليه قولـه‪ :‬قوم نيام‪،‬‬
‫ألن الناس إذا ماتوا انتبهوا كما ورد وهذا وإن لم ينبه عليه أحد فدونك هذا التحقيق‪،‬‬
‫وكم ترك األول لآلخر‪ ،‬فكان عليه أن يقول وكيف يدرك في األخرى حقيقته‬
‫والناس نيام بحسب هذا اإلدراك‪ ،‬ولما كان صلى اللـه عليه وسلم بهذه المثابة أطلقنا‬
‫األلسن بالثناء عليه كل على قدر القابلية المبسوط عليه شعاعها من أم الكتاب‬
‫وسرادق الوحدات فمن ذلك قولنا هذه الصالة األنموذجية الكتانية األحمدية التي‬
‫الواحدة منها بثمانمائة من دالئل الخيرات والواحدة منها بتسعمائة ألف من صالة‬
‫الفاتح المنسوبة للبكريين وهي عندهم بستمائة الف صالة من غيرها وعليه فمن‬
‫قرأ األنموذجية كان عند اللـه وال عبرة بالمنتقد كمن قرأ صالة الفاتح أربعا‬
‫وخمسين مائة الف مليون مضعفة أربع مرات والمنة للبرزخيات الثالث وقد كان‬
‫القطب األشهر سيدي إبراهيم الدسوقي رضي اللـه عنه رءاها في لوح التعينات‬
‫فأراد أن يخرجها ألصحابه فقيل لـه إنها ليست لك إنها لمحمد بن عبد الكبير‬
‫الكتاني األحمدي اإلبراهيمي الصديقي األويسي يظهر في القرن الرابع عشر‬
‫وأولـها {اللـهم صل على سيدنا وموالنا أحمد} واسم هذا الشرح الرقائق الغزلية‬
‫في شرح الصالة األنموذجية‪ .‬واعلم أن سر إيثار التعبير بأحمد دون محمد مع أن‬
‫المتداول عند الناس هو محمد وهو أن الحق تعالى أول شيء أبرزه من جوهرية‬
‫العما هو جوهرية روحانيته صلى اللـه عليه وسلم المعبر عنها بالحقيقة األحمدية‬
‫المعبر عنها بالقبضة ثم بعد ذلك أبرز الحق هيكلـه الجسماني في زوايا البطون كما‬
‫ورد ذلك في الحديث روى ابن الجوزي في الوفا عن كعب األحبار أنه تعالى لما‬
‫أراد أن يخلق سيدنا محمدا صلى اللـه عليه وسلم أمر جبريل أن يأتيه بالطينة‬
‫البيضاءـ فهبط في مالئكة الفردوس وقبض قبضة من موضع قبره بيضاء نيرة‬
‫فعجنت بماء التسنيم في معين الجنة حتى صارت كالدرة البيضاءـ لـها شعاع عظيم‬
‫ثم طافت بها المالئكة حول العرش والكرسي والسماوات واألرض حتى عرفته‬
‫المالئكة قبل أن تعرف آدم عليه السالم لكن لم يكن في ذلك العالم للجسم حكم‪ ،‬فكان‬
‫الحكم للجوهر الروحاني عكس عالم الشهادة لكن من حين برزت روحانيته أمرها‬
‫الحق تعالى باالصطحابـ العيني مع الـهيكل فاصطحبا فكان شيئا واحدا‪.‬‬
‫ولو أن روحي مازجت ثَم روحه لقلت ادن مني أيها المتباعد‬
‫ويرشدك لـهذا أيها الطالب للدليل قولـه في الحديث‪ :‬قبض قبضة من نوره فقال لـها‬
‫كوني محمدا‪ .‬الشك أن القبضة عبارة عن حقيقة أحمديته صلى اللـه عليه وسلم‪،‬‬
‫وهذه القبضة توجه عليها الحق بالتوجه اإلرادي فتدفقت من نفس ماهية اإلطالق‬
‫وال اتصال وال انفصالـ بشاهد قولـه في الحديث‪ :‬أنا من اللـه والمومنون مني‪،‬‬
‫وهذا عندنا حديث صحيح‪ ،‬وهذه القبضة أمرها في الحديث بأن تتحد مع جسمانيته‬
‫صلى اللـه عليه وسلم وقد فعلت فقال لـها أي للقبضة كوني محمدا أي اتحدي‬
‫بالمحمدية‪ ،‬ومن يوم اتحدا وليس الحكم إال لألحمدية ألن العالم عالمها وهو عالم‬
‫األمر {قُل الروح من أمر ربي}‪ .‬واعلم أن مشهدنا معاشر المحققين في عالم‬
‫الشهادة هو شهود برزخية روحانية أحمديته صلى اللـه عليه وسلم أول تعين تدفق‬
‫من حضرة العلم أولية حقيقية ال إضافية‪ ،‬وأما محمديته فنراها منطوية في هيولى‬
‫أحمديته‪ .‬ألن المحقق إذا تمكن في بساط الرياضة التحق بعالم المجردات‬
‫فتجوهرت جسمانيته وصار الحكم للروحانية وإذا صارت روحانية صارت ال‬
‫تشهد إال مقتضى عالم المجردات وهي جوهرية روحانيته صلى اللـه عليه وسلم‪،‬‬
‫وهذا محمل قولنا في الصالة أحمد بدل محمد وهذا عندنا هو السر في إيثار تعبير‬
‫سيدنا عيسى عليه السالم في قولـه‪{ :‬ومبشرا برسول ياتي من بعدي اسمه أحمد}‪.‬‬
‫الشك أن البشارة منوطة بأمور ثالثة‪ :‬التبشير بالرسول واإلتيان من بعده ال مقارن‬
‫لـه في الزمان واسمه أحمد‪ .‬والشك أنه صلى اللـه عليه وسلم لما برز لم يشتهر في‬
‫األرض إال بمحمد‪ ،‬وعليه فسر إيثاره التعبير بأحمد دون محمد‪ ،‬مع كون محمد هو‬
‫الذي سمي به لما ظهر‪ ،‬هو أن سيدنا عيسى عليه السالم كان يعلم أنه صلى اللـه‬
‫عليه وسلم ركب من جوهرين لطيف وكثيف لكن الجوهر الكثيف ال يؤثر فيه‬
‫صلى اللـه عليه وسلم لغلبة الروحانية وإذا كان كذلك فكأنه ما برز إال الجوهر‬
‫الروحاني والجوهر الروحاني من عالم األمر‪ ،‬والشك أن عالم األمر ليس‬
‫مستودعا فيه اال الحقيقة األحمدية‪ ،‬وإذا كان كذلك فما برز اال الجوهر اللطيف‪ .‬فإن‬
‫قلت‪ :‬يشم من هذا أن البشرية منتفية فيه صلى اللـه عليه وسلم أصال ُ‬
‫قلت‪ :‬هذا ال‬ ‫َ‬
‫يتوهمه عاقل فأحرى فاضل لألنه مكابرة‪ ،‬والقرءان والسنة تثبتها‪ .‬والمراد أن‬
‫حكمها منتف ال يثبت وعينها قائمة فانفكت الجهات وبها تنفصم عرى إشكاالت‬
‫{لمن كان لـه قلب أو القى السمع وهو شهيد} فطوبى لمن قيل لـه {فكشفنا عنك‬
‫غطاءك فبصرك اليوم حديد} ولم يكن أسير تقليد‪ .‬فهذا هو السر في إيثارنا التعبير‬
‫بأحمد دون محمد تدبر إن فهمت وإال فسلم تسلم وان سئلت فقل ال أعلم‪ .‬فإن َ‬
‫قلت‪:‬‬
‫ما السر في اإلتيان بحروف احمد كلـها نورانية ما عدا الدال فإنه حرف ظلماني؟‬
‫قلت‪ :‬الشك أن جوهره اللطيف لم يظهر لبسيطة كرة العالم من حيث هي‪ ،‬وما ذلك‬ ‫ُ‬
‫إال لتستره تحت مباني الـهيكل الجسماني المركب مما يقتضي الكثافة ظاهرا فهذا‬
‫هو السر في ختم المادة بحرف ظلماني‪ ،‬كذلك الروحانية الكلية تسترت تحت‬
‫أصداف عالم اإلمكان ألجل ذلك لم تظهر وهو سر يرقص لـه العقل السليم‪.‬‬
‫ثم قلنا في الصالة‪ :‬الذي جعلت اسمه متحدا باسمك ونعتك‪ .‬الشك أن االتحاد يطلق‬
‫ويراد به المقارنة وهذا أمر ناطقة به األحاديث المتكاثرة غير أنه معنى ظاهري‬
‫يليق بالقاصرين مثلي وإال فمن علت همته ارتقى ألعلى عالم العناصر وصار يأخذ‬
‫األشياء من محلـها‪ .‬ومحمل هذا أن المراد باالتحاد المقارنة مع اسمه تعالى في‬
‫الكتابة على ساق العرش‪ ،‬وعندنا بحسب مكنون باطن األمر ال فرق بين اسمه‬
‫صلى اللـه عليه وسلم محمدا وأحمد وإن كانت الصيغ تعطى الفرق فدونك الشرح‬
‫الكبير المسمى بالبحر المسجور ففيه العجب العجاب‪.‬‬
‫ثم قلنا‪ :‬وصورة هيكلـه الجسماني على صورة أنموذج حقيقة خلق اللـه آدم على‬
‫صورته‪ .‬المراد باألنموذج بحسب اللغة هو صورة الشيء التي تنطبع فيه األشياء‬
‫وكذلك سيدنا محمد صلى اللـه عليه وسلم كل ما في الوجودات من أشتات الكماالت‬
‫المتفرقة فقد انطبعت فيه صلى اللـه عليه وسلم وال تكمل لـه أفضليته على جميع‬
‫الجواهر اإلنسانية إال بعد أن ينطبع فيه جميع ما فيهم أعني كاألنبياء والرسل‬
‫والمالئكة و زاد عليهم بما هو مذكور في باطن القرءان المجيد بما يصرح به‬
‫وماال‪ .‬والمراد أن صورته صلى اللـه عليه وسلم على صورة أنموذج جميع‬
‫الكماالت اإللـهية التي هي مقتضيات األسماء والصفات‪ .‬فسيدنا آدم الجسماني هب‬
‫أنه علم األسماء كلـها لكن مجموعه صلى اللـه عليه وسلم علم مسميات األسماء‬
‫فبهذا كان أفضل وأرفع وأشرف سائر العوالم من حيث سقي من جميع مسميات‬
‫األسماء وصار بسبب ذلك كالـهيولى ينطبع فيه كل شيء‪ ،‬ولما انطبع فيه كل شيء‬
‫فضل كل شيء وارتقى عن كل شيء حتى عن تعظيمنا وتنويهنا معاشر المحققين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قولـه صلى اللـه عليه وسلم‪ :‬خلق اللـه آدم‬‫قلت‪ :‬هل لـهذا من شاهد؟ ُ‬ ‫فإن َ‬
‫على صورته‪ .‬اعلم أوال أن عند األصوليين قاعدة وهي أن العبرة بعموم اللفظ ال‬
‫بخصوص السبب وذلك أن هذا الحديث ورد على سبب وهو أن المؤدب األكبر‬
‫رأى رجال يضرب عبده عل وجهه فقال لـه ال تفعل إن اللـه خلق آدم على صورته‬
‫هذا السبب لكن العبرة عندنا بمراده صلى اللـه عليه وسلم حالة النطق بهذا الكالم‬
‫وهذا أمر نطلع عليه والمنة للبرزخياتـ الثالث‪ .‬واعلم أن عندنا آدمين‪ :‬آدم أنور‬
‫وهو الجسماني‪ ،‬وآدم أكبر وهو العقل األول‪ ،‬فهو أب لألرواح كما أنه آدم األجسام‬
‫واألكبر هو الحقيقة األحمدية‪ ،‬وهو المراد في الحديث‪،‬ـ أعني باعتبار باطنه‪ ،‬وإال‬
‫فقد سمعت ظاهره والمعنى‪ :‬خلق اللـه آدم األكبر التعين األول النفس الكلية على‬
‫صورته‪ ،‬المراد بالصورة هنا الصفة‪ :‬أي أوجد اللـه هذه الجوهرية الجامعة لرقائق‬
‫الكنز المصون وحقائق الغيوبات على صفة الحق‪ .‬فكما أن الحق متصف بجميع‬
‫الكماالت االستبدادية كذلك النسخة الذاتية حاوية وجامعة للكماالت اإلالهية‬
‫االستمدادية ويرشدك لـهذا القرءان {وإنك لعلى خلق عظيم} على قراءة اإلضافة‬
‫خلق عظيم وهو الحق إذ ال أعظم‬ ‫ِ‬ ‫بدون تنوين أي وإنك أيها الـهيكل الجامع لعلى‬
‫منه‪ .‬والشك أن أخالقه ال تحصى‪ .‬وهاهنا اثبت لـه الحق أنه اكتنف األخالق‬
‫اإللـهية و لم يحصرها في جنس معين فأبقينا هذا اللفظ على ما تعطيه صراحته‪.‬‬
‫والمراد أنه حائز لجميع الكماالت اإللـهية بدليل اآلية‪ ،‬وكذلك قولـه تعالى {إن‬
‫الذين يبايعونك إنما يبايعون اللـه} وهذه اآلية دالة على ما أبديناه من التحقيق بل‬
‫أنزلـه منزلة نفسه‪ .‬وقد تكلمت على هذه اآلية في شرح البخاري فلتنظر‪ .‬فإن قلت‪:‬‬
‫قلت‪ :‬ال يلزم‪ ،‬وذلك‬‫يلزم على هذا مسايرته صلى اللـه عليه وسلم للحق في كماالته ُ‬
‫ألن الجناب األقدس متصف بذلك على سبيل االستبداد االستبدادي‪ ،‬وأما سيدنا‬
‫صلى اللـه عليه به فهو ملتحف بذلك على سبيل االستمداد من الحق فليس مستبدا‬
‫بذلك حتى يلزم المحظور تفهم إن كنت ممن‪ .‬وقد تكلمت على هذا الحديث أعني‬
‫قولـه‪ :‬خلق اللـه آدم على صورته في كتابنا المسمى بالطالسم وفي كتابنا المسمى‬
‫برياض األزهار وفي كتابنا المسمى بالديوانة فلينظر الكل‪.‬‬
‫ثم قلنا‪ :‬وفجرت عنصر موضوع مادة محمولـه من أنية أنا اللـه‪ .‬اعلم أن العنصر‬
‫كناية عن أول ما انبجس من جوهرية العما أولية حقيقية ال إضافية‪ ،‬وليس إال‬
‫الحقيقة األحمدية‪ ،‬فكان الحق أوال متفردا في غياهب الكنزية وليس إال البطون‬
‫الذاتي فلما أراد التعرف انفعلت األسماء وظهرت مقتضياتها‪،‬ـ فمن األسماء الرب‬
‫وهو يقتضي ظهور مقتضاه أعني المربوب‪ ،‬ومنها اإللـه وهو يقتضي المألوه‬
‫والخالق ويقتضي ظهور المخلوق والرازق ويقتضي ظهور المرزوق‪ .‬فاقتضت أن‬
‫تظهر انفعاالتها وشؤونها فنظرت فوجدت أن ال حكم في تلك المهامه إال لحضرة‬
‫األحدية وهذه الرتبة ال تقتضي شيئا زائدا عليها إذ هي المدلول عليها باأللف صدر‬
‫الحروف‪ .‬وإذا كان كذلك فالشكلة والنقطة التي تزاد عليه ال يقبلـها من حيث‬
‫مدلولـه عندي في الواقع فال يزاد عليه بل ما دل عليه متخلق بالتجريد الذاتي‬
‫المقتضي للسحق والمحق‪ .‬فهناك تجلت أمواج ريح اإلرادة وأبرزت جوهرا مسمى‬
‫بالفلك المحيط‪ ،‬فأفاضت عليه الكماالت والشؤون والنعوت وجعلته مظهرا أكمل‬
‫داال عليها بوسعية إحاطته‪ ،‬وهو آدم األكبر‪ .‬فهناك تدفقت جوهرية أحمديته من‬
‫نفس التجلي اإلرادي‪ ،‬فبرز هنالك ووقع لـه صلى اللـه عليه وسلم التعرف‪ ،‬فعرف‬
‫الحق بحسب ما سقي من األسماء‪ .‬وال زال سره راكضا في أمواج كل اسم آالفا‬
‫من السنين‪ .‬هنالك كافحه بقولـه {طه} فالتحف بأجنحتي الشوق واالشتياق وصار‬
‫طائرا في نعوت برقيات هوية اإلطالق العجمي إلى أن تحقق بأنه النقطة المرقومة‬
‫تحت باء البسملة‪ .‬وهذا هو عالم ذره هو‪ ،‬األول لـه‪ .‬ثم الزال يطير بأجنحتي‬
‫اإلطالق إلى أن وصل لمنهل االسم الواحد‪ ،‬وال شك أنه يقتضي التكثر واالنتشار‪.‬‬
‫هاهنا قال في الحديث‪ :‬فخلقتـ الخلق ألعرف فبي عرفوني‪ .‬الشك أن العالم إنما‬
‫سمي عالما ألن فيه عالمة على وجود المخترع‪ ،‬وهي الحدوثية‪ .‬والشك أنها تدل‬
‫على موجد‪ ،‬وهذا الموجد دلت األدلة على أن ليس كمثلـه شيء‪ ،‬فهو قديم‪ .‬لكن‬
‫كون العالم إنما سمي عالما لكونه كذا‪ ،‬هذا يشم منه رائحة‪ :‬وهي أن الجناب الحقي‬
‫غير غني لما يدل عليه‪ ،‬مع كونه من الغنى كما قال {واللـه غني عن العالمين}‬
‫وعليه‪ :‬فالعالم إنما سمي عالما لكونه عالمة على جوهرية الحدوثية‪ ،‬وأنها من‬
‫جنس الممكنات‪،‬ـ هكذا يظهر‪ .‬فهو تعالى غني حتى عن داللتنا عليه تعالى ولعل هذا‬
‫يؤخذ بطريق الفص المحرف الكشفي من قولـه غني عن العالمين أي غني عن‬
‫كون العالم عالمة أن لـه ربا أوجده من ال شيء تدبر‪.‬‬
‫وهاهنا نكتة عجيبة وهي أن قولـه في الحديث المتقدم فبي عرفوني الشك أنه تقرر‬
‫في علم الحساب أن الفاءـ بثمانين والياء بعشرة والباء بإثنين ومجموع هذا العدد هو‬
‫عدد حروف محمد مع عدم اعتبار التضعيف فصار المراد‪ :‬فخلقت الخلق ألعرف‬
‫فبمحمد عرفوني‪ .‬إذ ليس لنا إال رتبتين‪ :‬رتبة الوجوب‪ ،‬ورتبة اإلمكان‪ .‬والشك أن‬
‫الممكنات فيما بينها يعسر عليها معرفة بعضها‪ ،‬إذ الناس معادن‪ ،‬فكيف يعرف من‬
‫ليس بيننا وبينه مجانسة‪ .‬وإذا خلي هذا وسبيلـه ما عرفنا الحق‪ .‬وإذا لم يُعرف‬
‫تعطلت مقتضيات األسماء والصفات‪.‬ـ وقد سبق في ديوانة األزل أن البد من‬
‫التعريف والمعرِّ ف والمعرَّف فجاءناـ هيولى اإلجمال والتفصيل صلى اللـه عليه‬
‫وسلم فتعرف إلينا إلى أن عرفنا الحق ببعض ما لـه من الكماالت‪ .‬ولعلك أيها‬
‫المنصف ما طرقت سمعك وال رأيتَها في ديوان أعني باعتبار صدر النكتة‪ .‬فإن‬
‫قلت‪ :‬أليس قد قال بعض األكابر من المحققين رضي اللـه عنه أن حضرة الـهباء‬ ‫َ‬
‫برزت قبل ظهور روحه صلى اللـه عليه وسلم ثم تدفق نوره منها؟ ُ‬
‫قلت‪ :‬هذا ال‬
‫نعرفه وال وجه لـه ولعلـه رضي اللـه عنه نظر للنور فرأى أن جوهريته ع َرضٌ ‪.‬‬
‫والعرض عندهم ال يقوم بنفسه‪ ،‬فأبرز الحق جسما لطيفا مسمى بالـهباء كان هو‬ ‫َ‬
‫الظرف لذلك التعين‪ ،‬لعل هذا ملحظه‪ .‬ونحن نقول هذا من التحكمات العقلية‪ ،‬وإال‬
‫فالكشف أعطانا أن جوهرية نوره صلى اللـه عليه وسلم هب أنها برزت من‬
‫صحاري األزل لكن النسبة المعبر عنها ب{وهو معكم} الكائنة بين الرب‬
‫والمربوب ال زالت‪ .‬والشك أن عالم اإلطالق مجهول ال يدرك‪ ،‬فكذلك هي‪ ،‬ألن‬
‫وصف العارف من وصف معروفه فهي مجهولة‪ .‬وأيضا قول أهل التوحيد العام‬
‫العرض ال يقوم بنفسه‪ ،‬هذا ما أعطتهم قواهم المدركة‪.‬‬ ‫والحكماء والمناطقة‪ :‬أن َ‬
‫وأما نحن فالكشف أعطانا أن العرض قد يقوم بنفسه كهذه الجوهرة النورانية‬
‫األحمدية فلم يكن لـها ظرف وإنما كانت بنعت اللونية‪ .‬فإن قلت‪ :‬وما سبب بدء‬
‫العالم؟ قلت‪ :‬انفعاالت األسماء وتأثيرها‪ ،‬إذ الحكم أوال لم يكن إال لما دل عليه‬
‫األلف ال غير ثم وقع االنفعال‪ .‬وغاية ما للعلماء باللـه هاهنا أن سبب بدء العالم هو‬
‫تعلق العالم القديم أزال به تفهم‪ .‬فإذا تمهد هذا التحقيق لديك علمت أن قولـه صلى‬
‫اللـه عليه وسلم فيما رويناه في البخاري‪ :‬نحن اآلخرون األولون‪ ،‬أي أولية حقيقية‬
‫ال إضافية‪ .‬فإن َ‬
‫قلت‪ :‬أين تجد في كتاب اللـه أنه صلى اللـه عليه وسلم أول‬
‫قلت‪ :‬صدر ديباجة القرءان بطريق الفص المحرف الكشفي‪ ،‬أعني قولـه‪:‬‬ ‫التعينات؟ ُ‬
‫بسم اللـه‪ .‬فال شك أن ما قبل الباء هو الخالء الموهوم المعبر عنه بمعقول القبلية‬
‫للجنابـ الحقي والباء هي أول مراتب األعداد فتدل على اإلثنينية‪ .‬والشك أن‬
‫التعددات أولـها هو النفس الكلية‪ ،‬العقل األول‪ ،‬المعنون عنه باألول الثاني‪ .‬فيوخذ‬
‫من ديباجة القرءان العزيز أنه هو األول في التعينات‪ ،‬وهي نكتة عجيبة ما طرقت‬
‫سمعك‪ .‬ولك أن تأخذ هذا من النقطة وذلك بان تجعل الباء إشارة للوجود الحقي‬
‫قلت‪ :‬كيف يصح هذا والباء أول األعداد كما في علم الحساب فتدل‬ ‫المطلق‪ .‬فإن َ‬
‫على الكثرة والتعدد؟ ُ‬
‫قلت‪ :‬أطلقت عليها ما ذكر بلسان الواحدية ال األحدية وتقدم‬
‫الفرق بينهما‪ .‬والنقطة إشارة لحقيقة الحقائق فهي أول مصدر من حضرة التعين‬
‫العلمي‪ .‬ثم انه صلى اللـه عليه وسلم من يوم برز أفاض الحق عليه مقتضيات‬
‫األسماء والصفاتـ ما صار به نبيئا في تلك الزوايا‪ .‬إذ النبوءة عبارة عن إفاضة‬
‫الحق على سطح عوالم هيكل من أراده للتربية‪ :‬الكماالت والمقتضيات‪ ،‬أعني‬
‫مسميات جميع األسماء ما صار به هيولى تنطبع فيه سائر األشكال والصور‪.‬‬
‫أخرج اإلمام أحمد واللفظ لـه والبخاري في التاريخ وأبو نعيم في الحلية والبغوي‬
‫وابن السكن وصححه الحاكم عن ميسرة الفجر قال قلت‪ :‬يارسول اللـه متى كنت‬
‫نبيئا؟ قال وآدم بين الروح والجسد‪ .‬فإن قلت‪ :‬حقيقة آدم هذا الـهيكل المخلوق من‬
‫طين المنفوخ فيه الروح فمجموعها هو آدم فما معنى البينية في الحديث؟ ُ‬
‫قلت‪ :‬ال‬
‫غرو أنه صلى اللـه عليه وسلم كما سبق بروحانيته كذلك سبق بجسمانيته وتقدم‬
‫الحديث الشاهد لذلك‪.‬‬
‫ويوخذ أيضا من قولـه‪ :‬نحن اآلخرون األولون‪ ،‬والشك أن ساعة إخباره صلى‬
‫اللـه عليه وسلم بهذه الخصيصة كان مجموع الجوهرين الروحي والجسدي أي‬
‫نحن األولون والمتكلم هما معا‪ ،‬وإن كان المدبر للجسم هو الروح‪ .‬ولعل هذا من‬
‫واد ما اشتهر عند الحكماء واألصوليين من أن المشار إليه بأنا هل هو الـهيكل‬
‫المخصوص المشتمل على النفس والروح أو النفس وحدها ألنها المدبرة‪ .‬ونحن من‬
‫هذا القبيل‪ .‬والحديث إنما عبر عن حالتيه األولوية واآلخرية على سبيل إظهار‬
‫عظمة المسدي فليس المراد غيره‪ .‬هكذا يوخذ بطريق الخوض في باطنه صلى‬
‫اللـه عليه وسلم‪ .‬وال شك أن جواهر العوالم كلـها منبجسة من نفس معناه وحسه‪.‬‬
‫وعليه فالمراد كنت نبيئا حقيقة وآدم الذي هو عنصر الـهياكل بين روحي الكلية‬
‫وجسدي الذي هو أصل المواد‪ .‬فالمراد روحه صلى اللـه عليه وسلم وجسده هو‪ ،‬ال‬
‫روح سيدنا آدم وجسده صلى اللـه عليه وسلم‪ .‬وليس في الحديث ما يرجح هذا‬
‫الطرف على هذا والمراد أنه أفيضت عليه مقتضيات النبوءة وسيدنا آدم الزال‬
‫منطويا في جوهريه صلى اللـه عليه وسلم تفهم‪ .‬فإذا أحطت خبرا بما تلي عليك‬
‫علمت أن ‪ :‬كنت نبيئا ال إشكال فيه حتى يقال أن النبوءة وصف والبد أن يكون‬
‫الموصوف به موجودا وإنما يكون بعد بلوغ أربعين سنة والمنة للبرزخيات الثالث‪.‬‬
‫كنت مزكوما ً فليس بالئق مقالك هذا المسك ليس بفائح‬ ‫وان َ‬
‫ثم إن المراد بالموضوع والمادة والمحمول شيء واحد عندنا‪ :‬وهو األول الثاني‪،‬‬
‫نفسه الكلية‪ .‬واصطالح المناطقة والحكماء شيء آخر وكل حزب بما لديهم‬
‫فرحون‪ .‬والمراد باألنية هي قول اللـه {إنني أنا اللـه} فليس المراد باألنية إال ادعاء‬
‫األنانية أي قول القائل أنا وليس إال الجناب الحقاني‪.‬ـ أي وفجرت عنصر مادة‬
‫العوالم كلـها من التوجه اإلرادي الذي هو عين الذات‪ .‬إذ اإلرادة وصف وهو ال‬
‫يفارق الموصوف وهو صلى اللـه عليه وسلم نتيجة التوجه اإلرادي للحق‪ .‬أي‬
‫وفجرت أصلـه صلى اللـه عليه وسلم من قول الحق {أنا اللـه}‪ .‬أي فجر نوره‬
‫وانفتق من بساط الرتق حيث لم يكن إال الحق متفردا في غياهب البطون يثني على‬
‫نفسه بنفسه ويقول‪ :‬أنا اللـه وحدي الشيء معي حتى يسبحني‪ .‬بل األسماء‬
‫والصفاتـ بحكم البطون فليس هناك مسبح أصال‪ ،‬أعني بحسب التفصيل‪ ،‬أي‬
‫وفجرت روحه التي هي أول موجود من قول الحق أنا اللـه ليس ثم غيري‪ ،‬فهو‬
‫األول الثاني صلى اللـه عليه وسلم‪ .‬وهذا بساط تكلمت عليه في تفاسير البسملة‬
‫فلينظر‪ .‬وهاهنا قال صلى اللـه عليه وسلم‪ :‬أنا من اللـه والمومنون مني تفهم‪.‬‬
‫ثم قلنا‪ :‬بل حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد اللـه عنده وآلـه وصحبه وسلم‪ .‬اعلم‬
‫أن هذا العالم كلـه ظلمة أي أصلـه العدم ويؤول للعدم ويتوسطه العدم‪ .‬لكن إنما‬
‫اكتسب الوجود من حيث إفاضة الحق عليه جالبيب الوجود المطلق‪ ،‬فلوال إرسال‬
‫منح الجود اإلالهي على جزئيات العالم ما وقع عليها أبصار ألنها معدومة‪ .‬وإذا‬
‫كان كذلك فال وجود إال للحق‪ ،‬ألن وجوده ذاتي بسبب كونه وجوبا‪ ،‬ووجود غيره‬
‫ممكن‪ .‬ألجل ذلك لم يكن لـه وجود ال يثبت إال بوجود الحق‪ .‬والمراد من الجمل‪:‬‬
‫بل حتى إذا جاءه صلى اللـه عليه وسلم الجائي بعقلـه وروحه وقواه لم يجده شيئا‪،‬‬
‫أي موجودا‪ ،‬وذلك ألن الشيء عندهم من خواص الموجود‪ .‬وعليه فلم يجده‬
‫موجودا لوال وجود الحق المفيض عليه أمطار التوجهات اإلرادية‪ ،‬فبها قام الوجود‬
‫وهي عين الذات‪،‬ـ ووجد اللـه عنده هو الموجد للوجود‪ .‬أي حتى إذا جاءه صلى‬
‫اللـه عليه وسلم الذي هو كل الوجود وإنسان الوجود لم يجده موجودا إال بالوجود‬
‫الحقي‪ .‬ووجد اللـه هو الذي لـه الوجود الحقيقي عنده وآلـه وصحبه وسلم تسليما‬
‫هذا ما يسع الكالم عليها بحسب االختصار‪ ،‬مع مقاساة األهوال واألحزان‪ .‬ومن‬
‫أراد الكالم عليه بحسب التحقيق‪ ،‬فليراجع التفسير الكبير المسمى بالبحر المسجور‪.‬‬
‫وقد ألف هذا الشرح ونحن في نزهة في أقل من لحيظات والمنة للبرزخياتـ‬
‫الثالث‪.‬‬
‫وصلٌ‪ :‬اعلم أن الحق تعالى خص طريقتنا هذه األحمدية اإلبراهيمية الصديقية‬
‫األويسية الكتانية بخصيصاتـ منها‪ :‬أن المصطفى صلى اللـه عليه وسلم يحضر‬
‫على رأس المائة الثانية من ياأحد بجسمه الشريف‪ ،‬ثم انه يحضر عند ذكر الصالة‬
‫األنموذجية بجسمه الكريم‪ ،‬وزيادة المحبة الخاصة به صلى اللـه عليه وسلم في‬
‫مقام القرب المعنوي‪ ،‬فيحضر مع زيادة حلل في التجلي الذاتي تخصيصا لطريقتنا‬
‫هذه‪ ،‬وهذا مشهود لدى أرباب البصائر‪،‬ـ {ومن عميت عليهم األنباء يومئذ فهم ال‬
‫يتساءلون} والحمد للـه رب العالمين‪ .‬وبهذه الصيغة التي نقرأها عليها في الزاوية‬
‫الكتانية بها سمعت المالئكة تقرأها بها {وترى الذين كذبوا على اللـه وجوههم‬
‫قلت‪ :‬الشك أن هذا كان يعلمه صلى اللـه عليه وسلم‬ ‫مسودة} فال تبغي بها بدال‪ .‬فإن َ‬
‫وإذا علمه فيلزم عليه أنه صلى اللـه عليه وسلم أطلع على عمل تنطوي لنا فيه‬
‫قلت‪ :‬اعلم أن المصطفى‬ ‫األعوام والشهور وهو في لحيظة ومع ذلك لم يخبرنا به‪ُ .‬‬
‫صلى اللـه عليه وسلم أطلع على هذا لكن كان عند الصحابة ما يغنيهم عن هذا ألن‬
‫اللحظة الواحدة منهم بمثابة آالف من السنين منا ألن عبادتهم مع الكشف وتحقيق‬
‫العيان سيما مع النظر فيه صلى اللـه عليه وسلم‪ .‬فأغناهم هذا عن ما ذكر‪ .‬وأيضا‬
‫ادخر صلى اللـه عليه وسلم ذلك لـهذه الطائفة األحمدية الكتانية تشريفا لـها‬
‫واختصاصاـ لـها من بين سائر الطرق‪ .‬وأيضا قد قال صلى الـه عليه وسلم‪ :‬كل يوم‬
‫ترذلون‪ ،‬والشك أن أصحاب الـهمم إذا علموا ذلك تفتكت أزرار هياكلـهم‪ ،‬فجبر‬
‫الحق كسرهم وأبرز هذه الصالة األنموذجية لتقوم لـهم مقام عبادة آالف من السنين‬
‫مع شدة اسوداد ظلمة الوقت وغلبة سلطنة أرباب الدنيا واستواء شوكتهم على‬
‫القاصيـ والداني‪ ،‬فالصحابة كان عندهم ما يكفيهم فحازوا مالم يشم لـه أكابر‬
‫المحققين منا رائحة‪ .‬لكن قال صلى اللـه عليه وسلم‪ :‬مثل أمتي كالمطر ال يدرى‬
‫أولـه خير أم آخره‪ .‬فأقيمت قلوبنا على ساق‪ ،‬والعلم للكبير الخالق‪ .‬وأيضا فقد‬
‫أخبرنا به صلى اللـه عليه وسلم فال نقول أنه لم يخبر وهذا الفضل بالنسبة لكل أحد‬
‫في كل مرة والحمد للـه رب العالمين‪.‬‬
‫وصلٌ‪ :‬اعلم أنا حققنا أن روحانيته صلى اللـه عليه وسلم اصطحبت مع جسمانيته‬
‫من يوم برزت جسمانيته لكرة العالم‪ .‬ولنا تأليف في هذه المسألة مستقل يسمى‬
‫بالديوانة‪ .‬فكانت العوالم عنده متحدة‪ :‬مهما كان عالم اللطافة هنالك عالم الكثافة‪،‬‬
‫ومهما كان عالم علوي ثم العالم السفلي من شدة اتحاد جوهري الحس والمعنى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لم كانت األشياء القائمة على األنهار يرى أعالها أسفلـها وأسفلـها‬ ‫نكتة فإن َ‬
‫أعالها وترى الشمس تحتها مع أنها فوق؟ الجوابـ أن الشعاع الخارج من العين إذا‬
‫اتصل بجسم صقيل وهو الماء أو غيره لم يثبت عليه لصقالته وزلق عنه إلى الجهة‬
‫المقابلة للرائي إن لم يكن الصقيل أمامه بحيث تكون زاوية االلتقاء على الصقيل‬
‫مثل زاوية االنعكاس في المساحة من غير زيادة وال نقصان مثالـه هكذا ‪:‬‬
‫الشعاع النهر‬
‫فهاتان الزاويتان في السعة واحدة فيتصل طرف الشعاع بالقائم ثم يجري فيه خيالـه‬
‫إلى الماء فينطبع فيه‪ .‬فكأن القائم وقع على سطح الماء والقائم إذا وقع يصير أعاله‬
‫أسفلـه وأسفلـه أعاله فلذلك رأينا السماء تحته وكل ما هو أعلى من صاحبه يراه‬
‫أسفلـه‪ .‬فلو أقيم الماء واقفا كالمرآة رؤي على هيئته‪ .‬فالقائم في القائم قائم والقائم‬
‫في المنبسط منعكس ألن موضوع االنطباع أسفل والقائم أتى إليه فكأنه انطبع فيه‬
‫وهو قائم‪ ،‬فأخذه في نفسه وانبطح‪ .‬واالنطباع في الحقيقة إنما هو في وجه الماء ال‬
‫في عمقه‪ ،‬وإنما الحس ال يمكنه ضبط ذلك فيغلط فيه الوهم فيراه في جوفه فكأنه‬
‫غرق في الماء بعد االنبطاح على وجه الماء‪،‬ـ ولو غرقت الشجرة لكان رأسها‬
‫أسفل‪ ،‬ضرورة أن كل ما هو أعلى من السماء وغيرها يرى أسفل‪ .‬فاحتفظ على‬
‫هذه النكتة واعرف محل الشاهد منها فهي ملفقة من علم الـهندسة والحكمة والطب‬
‫يقول األرجاني ‪:‬‬
‫هذا الزمان على ما فيه من كدر‬
‫غدير ماء تراءى فـي أسافلـه‬
‫فالرجلـ تنظر مرفوعـا أسافلـها‬
‫حكى انقالب لياليه بأهليه‬
‫خيال قوم تمشوا في نواحيه‬
‫والرأس ينظر منكوسا أعاليه‬
‫وقال أبو عمار الكوفي ‪:‬‬
‫لئن بسط الزمان يـدي لئيم‬
‫فقد تعلوا علـى الرأس الذنابي‬
‫فصبرا للذي فـعل الزمـان‬
‫كما يعلوا على النار الدخان‬
‫فالدهر مولع برفع الناقص‪ .‬وخفض الكامل‪ .‬وسعد الجاهل‪.‬ـ وشقاء الفاضل‪ .‬وبؤس‬
‫الكريم‪ .‬ونِ َعم اللئيم‪ .‬وعز الشرير‪ .‬وذل الخيِّر الخبير‪ .‬وراحة المتهور‪ .‬وتعب‬
‫المتحذر‪.‬‬
‫شيم مرت الليالي عليها والليالي قليلة اإلنصاف‬
‫و ال غرو أن يرتفع الجاهل وينحط العالم فقد يت َدلَّى ُسهَيل وتستعلي النعائم‬
‫وإن عالني من دوني فال عجب لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل‬
‫وقال قابوس ‪:‬‬
‫وفي السماء نجوم ال عداد لـها وليس يكسف إال الشمس والقمر‬
‫وقال أبو عبيد البكري ‪:‬‬
‫ومازال هذا الدهر يلحن في الورى فيرفع مجرورا ويخفض مبتدا‬
‫وقال ابن الرومي ‪:‬‬
‫قالت عال الناس إال أنت قلت لـها كذلك يسفل في الميزان من رجحان‬
‫فكل من غلبت عليه طبيعة من طبائعه كان ظاهرا بمقتضاها إن غلبت عليه‬
‫الصفراءـ كان جمالي الظاهر والباطن متصفا بالبسط والسرور وان غلبت عليه‬
‫البلغم كان غالبا عليه الغضب وكذلك السوداء والدم مثل الصفراء إذ الدم حار‬
‫رطب والصفراءـ حارة يابسة والبلغم بارد رطب والسوداء باردة يابسة‪ ،‬هذا فيمن‬
‫غلبت عليه طبيعة من الطبائع وأما من اعتدلت طبائعه فهو بلونها وإن كانت‬
‫األوصاف البشرية البد من ظهورها مناسبة لعالم الشهادة‪ .‬فإن َ‬
‫قلت‪ :‬أليس قد ساق‬
‫الرئيس ابن سيناء في الشفاء ما يدل عل أن المعتدل الذي امتزج من العناصر على‬
‫أكمل أحوالـه ممتنع لكن لما كان االعتدال الحقيقي ممتنعا وجب أن يكون كلما كان‬
‫قلت‪ :‬هذا الرئيس ابن سيناء ارتكب متن عمود‬ ‫أقرب إليه كان أولى باسم االعتدال؟ ُ‬
‫الحكماءـ وذلك أنهم احتجوا على تعذر وجود المعتدل بامتناع مكان يستحقه ألن‬
‫مكان الجسم المركب هو مكان ما يغلب عليه من البسائط وهذا بسائطه متعادلة‬
‫فيجب أن ال يستحق مكانا فيمتنع وجوده‪ .‬كذا قالوا‪ .‬وال يتجه‪ .‬فإن عنينا بالمعتدل ما‬
‫تكافأت فيه الكيفيات أعني الطبائع فهذا ال يجب أن ال تتكافأ فيه الكميات ألن الجزء‬
‫اليسير من النار يقاوم بحرارته كثيرا من جوهري الماء واألرض‪ .‬فعلى هذا يجوز‬
‫وجود المعتدل باعتبار الكيفيات دون الكميات‪ .‬ويكون مكانه الذي يستحقه هو مكان‬
‫ما غلب عليه من العناصر بكميته ال بكيفيته ألن االعتبار في المزاج إنما هو‬
‫بالكيف فقط واالعتبار في الجزء إنما هو بالكم والثقل والخفة تفهم‪ .‬يقول أبو تمام‬
‫وكأنه يشير لـهذا البساط‪:‬‬
‫فلو صورت نفسك لم تزدها على ما فيك من شرف الطباع‬
‫وهذا كلـه في غير هيولى اإلجمال والتفصيل صلى اللـه عليه وسلم فكان معتدل‬
‫الطبائع ألجل ذلك وسع العالمين علما وحلما ولعل كالمهم في غيره يقول سيدنا‬
‫حسان على التحقيق‪:‬‬
‫ُخلقتـ مبرأً من كل عيب كأنك قد ُخلِ ْقت كما تشاء‬
‫وليت شعري أي عيب من أن تكون طبيعة أو غيرها لـها الـهيمنة عليه صلى اللـه‬
‫عليه وسلم فمن تمام أفضليته على جميع الجواهر اإلنسانية فأحرى غيرها أن تكون‬
‫لـه السلطنة على جميع الرتب والدوائر وما ذاك إال ألن روحانيته اصطحبت مع‬
‫جسمانيته فصار الحكم للروحانية ال في عالم الشهادة وال في عالم البرزخ‪ .‬فإن‬
‫قلت‪ :‬يشكل عل هذا قولـه صلى اللـه عليه وسلم‪ :‬ما من أحد يسلم علي إال رد اللـه‬ ‫َ‬
‫علي روحي حتى أرد عليه السالم فإنه يقتضي انفصالـها عنه مع أنا قلنا أنهما‬
‫قلت‪ :‬اعلم أنه صلى اللـه عليه‬ ‫اصطحبا إن شئت قل عينا وإن شئت قل حكما تفهم‪ُ .‬‬
‫وسلم ح ٌي دائما بحياة مفاضة عليه من بحر القدس ألنه تخلق بالسبع المثاني ومن‬
‫جملتها الحياة ففي جميع األطوار لـه وجهتان وجهة لعالم اإلطالق‪ ،‬المعبر عنه‬
‫بالقرب المعنوي المجهول‪ ،‬ووجهة لعالم التقييد كي يفيض عليهم مقتضيات‬
‫األسماء والصفاتـ والشؤون واالعتبارات ويحفظهم ويحرسهم من سائر الطوارق‪.‬‬
‫فإذا سلم عليه المسلم عرجت وجهته المقابلة لمرأى المظاهر الخلقية وأما الجهة‬
‫األخرى فال دخل لـها في تدبير الملك فتدخل مكتب التعليم فتستأذن الجناب الحقي‬
‫في سقي هذا المسلم عليه من جميع ما يطلب من المنح واألماني واألمنيات‬
‫والمطالب‪،‬ـ فإذا خرج اإلذن‪ ،‬هاهنا قال‪ :‬رد اللـه علي روحي أي بما أفيضه عليه‬
‫من سبحات الجمالـ والجالل والكمال فليس في هذا أن روحه انفصلت عن جوهر‬
‫الـهيكل فتأملـه فإنه يرقص لـه العقل السليم ولم أسبق به كغيره وهاهنا أمور أخر‬
‫تقطع دونها األعناق‪.‬‬
‫سيكفيك من ذاك المسمى إشارة ودعه مصونا بالجمالـ محجبا‬
‫قلت‪ :‬الشك أن السالم في اللغة هو‬ ‫قلت‪ :‬قولـه حتى أرد عليه السالم ينافي هذا‪ُ .‬‬ ‫فإن َ‬
‫األمان وألجل هذا شرع السالم على من عرفت وعلى من لم تعرف كأنك تخبر‬
‫الكل وأنه في أمان منك فال تؤذيه وتحفظ عرضه‪ .‬وكذلك هاهنا‪ .‬فسالمه صلى اللـه‬
‫عليه وسلم فيه جميع األماني واألمنيات‪ .‬فأفاد هذا المعنى بأوجز لفظ مع ما فيه من‬
‫علم البديع من المبالغة في أصغر عبارة ما لو تجسدت لكانت ياقوتا‪ ،‬ولو‬
‫استطعمت لكانت للعقول قوتا‪ ،‬وقد فعلت فخرجتـ من بحر النثر‪ ،‬إلى ساحل‬
‫السحر‪ .‬وذلك أن الصفة التي وقعت فيها المبالغة إما أن تمكن عقال وعادة أو عقال‬
‫ال عادة أوال عقال وال عادة‪ .‬واألول يسمى بالتبليغ ومنه قولـه صلى اللـه عليه‬
‫وسلم‪ :‬لخلوف فم الصائم أطيب عند اللـه من ريح المسك فصيرورة ريح فمه أطيب‬
‫من المسك مبالغة وهو ممكن عقال ال عادة ومنه قول امرؤ القيس يصف فرسا‪:‬‬
‫فعادى عداء بين ثور ونعجة دراكا ولم ينضح بماء فيغسل‬
‫ومنه هذا الحديث فقولـه‪ :‬ما من أحد يسلم علي إال رد اللـه علي روحي حتى أرد‬
‫عليه السالم‪ .‬الشك أنه ال تخلو طرفة عين في كرة البسيطة إال ومسلم يسلم عليه‪.‬‬
‫وقد أثبت صلى اللـه عليه وسلم لنفسه أنه يسلم على جميعهم بشاهد إتيان النكرة في‬
‫سياق النفي وهي تفيد العموم أي ما من جميع من يسلم علي إال رد اللـه علي‬
‫روحي حتى أرد‪ .‬على حد {ال نفرق بين أحد من رسلـه}‪ .‬فأحد في معنى الجماعة‬
‫والشك أن هذا ممكن عقال بأن يعطيه الحق قوة إطالقية يستقصي بها الرد على‬
‫جميع جواهر الوجود في وقت واحد‪ .‬وال غرابة في هذا عندنا فإنه صلى اللـه عليه‬
‫وسلم سقي من األسماء الذاتية‪ .‬والشك أن كل اسم لـه مقتضيات وكل تلك‬
‫المقتضياتـ ترد على المسلمين‪ ،‬والشك أنها تتعداهم‪ .‬لكن العقل النوراني الذي‬
‫تجوهر والتحق بعالم المجردات هو الذي يشاهد ذلك‪ ،‬وأما من الزال متلطخا‬
‫بكثافات البشرية فبمعزل عن هذا‪ .‬وكذلك ممكن عادة بما تقدم فإن النكرة في سياق‬
‫النفي تعم‪ ،‬أي لفظا‪ ،‬حتى يتنزل المفرد فيها منزلة الجمع في تناولـه اآلحاد مطابقة‪،‬‬
‫ال كما ظنه بعض األصوليين من أن مدلولـها بطريق المطابقة في النفي‪ ،‬كمدلولـها‬
‫في اإلثبات‪ ،‬وذلك للداللة على الماهية‪ ،‬وإنما لزم فيها العموم من حيث أن سلب‬
‫الماهية يستوجب سلب األفراد لما بين األعم واألخص من التالزم في جانب النفي‬
‫إذ سلب األعم أخص من سلب األخص فتستلزمه‪ .‬وهاهنا اثبت صلى اللـه عليه‬
‫وسلم لنفسه أنه يرد على جميعهم فصار ممكنا لما أخبر به‪ ،‬ضرورة أنه ال ينطق‬
‫عن الـهوى‪ .‬وهذا من نفثات سحره الذي يعجز فرسان العقول النورانية عن المشي‬
‫على نهجه‪.‬‬
‫‪-‬يتبع‪--‬‬
‫فإذا أحطت بهذا خبرا علمت أن قول بعض الحفاظ في الجواب عن الحديث أنه‬
‫صلى اللـه عليه وسلم يستغرقه الشهود والتلذذ بالمناجاتـ في جميع األوقات‪ ،‬فإذا‬
‫سلم عليه المسلم رجع صلى اللـه عليه وسلم من تلك المشاهدة إلى مكافأته‪ ،‬خال‬
‫عن التحقيق‪ ،‬إذ علم عندنا معاشر هذه الطائفة األحمدية أن لـه صلى اللـه عليه‬
‫وسلم القوة من الجهتين فال يشغلـه حق عن خلق وال خلق عن حق فهو معتدل‬
‫الزاويتين بل هذا عندنا من المعتقدات وكيف ال والحق أثنى بقوة باطنه بقولـه‬
‫{ق}‪ .‬وال غرو أن من أقسم الحق بقوته كيف يحجبها شيء أو يعقبها فتور وهذا‬
‫مبسوط عندي في الطالسم والديوانة وكذلك وراثه صلى اللـه عليه وسلم لـهم القوة‬
‫من الجهتين وكل من ليس هكذا فليس بمحقق عندنا ويرشدك لـهذا قولـه في‬
‫البخاري‪ :‬إني أبيت عند ربي وفي رواية إني أظل عند ربي‪ ،‬والشك أن الليل‬
‫والنهار يصادفان اإلنسان وهو إما قائم أو قاعد أو مضطجع أو غير ذلك‪ ،‬وكل هذه‬
‫األحوال أثبت لنفسه صلى اللـه عليه وسلم أنه مع ربه المعية الخاصة به‪ ،‬على‬
‫سبيل المكافحة والتجريد الذاتي‪ ،‬بدون لثام التعينات وراء الواحدية‪ ،‬بل صرافة في‬
‫صرافة‪ ،‬وهذا عندنا هو المعروف‪ ،‬والمهيع المسلوك‪ ،‬وغيره وإن شاع وذاع‪،‬‬
‫ومأل الطروس واألسماع‪ ،‬وسار وطار‪ ،‬في األقطار باالشتهار‪ ،‬فال ذوق لنا فيه‬
‫وال يساعده كشفنا الصمداني‪ .‬فاختر لنفسك في الـهوى من تصطفي‪ .‬وهب أن‬
‫زحال أعلى من الشمس‪ ،‬لكن الحكم عند اللـه لـها بمشاهدة الحس‪ ,‬وأما قولـه صلى‬
‫اللـه عليه وسلم‪ :‬لي وقت ال يسعني فيه غير ربي‪ .‬فالمراد به عندنا جنس الوقت ال‬
‫وقت مخصوص‪ .‬وال شك أن الدهر كلـه وقت واحد‪ .‬راجع كتابنا الديوانة‪ .‬وذهب‬
‫بعض المحققين إلى أنه وقت مخصوص وهو مذهب لـه وهذه أمور كشفية ال تقليد‬
‫فيها ألحد‪.‬‬
‫وصلٌ‪ :‬اعلم أن الحق تعالى لما أبرز هذه األرواح الجزئية في عالم الذر وأزاح‬
‫عنها النقابـ حتى سمعت الكالم القديم الغير المناسب للكالم البشري هناك غامرها‬
‫ما سمعت‪ ،‬فانفتكت عرى أزرارها‪،‬ـ وبلبلت أطيار أدواح أزهارها وترنمت‪:‬‬
‫اال غـنيـا لـي قبـل أن نـتفـرقا‬
‫فقد كاد ضوء الصبح أن يفضح الدجا‬
‫وهات اسقني صرفا شرابا مروقا‬
‫وكـاد قمـيص الليل أن يتمزقا‬
‫هناك أخذ عليها العهد وأقرت‪ ،‬إما طوعا وإما كرها بالنسبة ألهل الشقاء وأولـهم‬
‫اللعين‪ ،‬فكأنهم قالوا‪ :‬نعم‪ .‬فكما أخذ عليهم العهد باإلقرار بربوبيته كذلك أخذ عليهم‬
‫العهد بأن يقروا بنبوته صلى اللـه عليه وسلم ورسالته‪ .‬بشاهد‪{ :‬وإذا أخذ اللـه‬
‫ميثاق النبيئين لما ءاتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم‬
‫لتومنن به ولتنصرنه‪ ،‬قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري‪ ،‬قالوا أقررنا‪ ،‬قال‬
‫فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} فكل من الحق جل جاللـه لـه رب‪ ،‬فالمصطفى‬
‫صلى اللـه عليه وسلم نبي ورسول‪ ،‬وال فخر فوق هذا كما ال يخفى على ذي‬
‫مسكة‪ .‬وليس المراد بهذا إال التنويه بما لـه من المزايا والمفاخر‪ .‬كما أمر العوالم‬
‫كلـها بأن تصلي عليه صلى اللـه عليه وسلم في قولـه {إن اللـه ومالئكته يصلون‬
‫قلت‪ :‬إذا صلى‬‫على النبيء‪ ،‬ياأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}‪ .‬فإن َ‬
‫الحق عليه فأي حاجة لصالتنا نحن؟ ُ‬
‫قلت‪ :‬لما كان سيدنا صلى اللـه عليه به واسع‬
‫الدائرة‪ ،‬وكان قطب أفالك المراتب‪،‬ـ ناسبت وسعية حيطته الوسعية أن ال يستغني‬
‫عن جوهر من جواهر الوجود‪ ،‬فعلى قدر حريته على قدر عبوديته‪ ،‬تفهم‪ .‬ولك أن‬
‫تقول‪ :‬أنه لما لم يكن هناك إال أجزاء ذاته الكلية‪ ،‬وكان لون الماء على لون إنائه‪،‬‬
‫ناسب أن يثني عليه كل جزئية من أجزاء ماهيته بمقتضى اللونية‪ .‬وعليه فليس‬
‫مصل إال تجليات أنواره‪ .‬واعلم أن في هذه اآلية من التنويه بقدره ما نقول‪ :‬منها‬
‫التصدير بإن التوكيدية‪ ،‬ومنها إيثار التعبير باالسم الذاتي‪ ،‬ومنها تعظيم رتبته بأن‬
‫ال يبقى أحد إال سعى في زيادة انتشار كماالته‪ ،‬ومنها اإلتيان بالجملة االسمية‬
‫المفيدة للتأكيد‪ ،‬ومنها إيثار التعبير بالمضارع المفيد لالستمرار التجددي‪ ،‬ومنها‬
‫اإليذان بإفاضة الجناب األقدس حلة التخلق عليهم بسببه‪ ،‬فكأنه يقول إذا كان مسدي‬
‫الفضائلـ والفواضل يصلي على عبده فكيف أنتم‪ ،‬ومنها أن الحق هو المبتكر لـهذا‬
‫الشأن فلم يامر غيره به كأمره للمالئكة بالسجود لسيدنا آدم بل بدأ بنفسه ثم أخبر‬
‫عن المالئكة‪ ،‬ومنها االعتناء بأجزائه حتى نودوا ألجلـه‪ ،‬ومنها وقوع الموصول‬
‫مركزهم إشارة لوصلتهم‪ ،‬ومنها نداؤهم باسم اإليمان وقد كانت األمم تنادى بياأيها‬
‫المساكين وشتان ما بين الخطابين‪ ،‬ومنها انبساط جاهه حتى نادى كل من فيه‬
‫اإليمان فيدخل فيه كل مومن كيف ما كان فال يشترط فيه كمال اإليمان ألجل هذا‬
‫أتى بالموصول بصلة مطلقة غير مقيدة بعمل صالح بل التصديق بالمع ِّرف‬
‫والمعرَّف هو السبب للنداء‪ ،‬وإنما لم يقتصر على أهل اإلحسان جبرا لقلوب‬
‫الضعفاءـ الذين لم يصلوا ألوج هذه الرتب تفهم‪ .‬فإن َ‬
‫قلت‪ :‬كيف نودوا بالياء‬
‫قلت‪ :‬لبعدهم عن حضرة الجناب‬ ‫المشعرة بالبعد وهو مناف لمقام التعظيم والمدح؟ ُ‬
‫الحقي بتدنيسهم بالكثافات واألغيار بخالف أهل البيت الشريف الطيني لما شهد‬
‫الحق بتطهيرهم وسبقت إرادته التي ال تتبدل بذلك ناداهم بقولـه {إنما يريد اللـه‬
‫ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} إشارة إلى أنهم ملحقون بعالم المجردات في‬
‫التطهير عند اللـه‪ ،‬ومع ذلك ال ينبغي لـهم إال أن يكونوا كجناحي الطائر في استواء‬
‫الخوف والرجاء تأمل‪ ،‬ومنها نسبة فعل الحق لـهم ضرورة أن ال فاعل إال اللـه‬
‫والعبد إنما لـه الكسب فقط إشارة إلى أن ليس المصلي حقيقة إال هو‪ ،‬ومنها أمرهم‬
‫بمساهمتهم لـه فيصلون عليه هكذا أعطانا نور اآلية‪:‬‬
‫وما أثالث القدس إال ألهلـه وما كل إنسان بواديها يسرح‬
‫قلت‪ :‬لم أضيف السالم إلى المومنين ولم يضف إلى اللـه والمالئكة؟ ُ‬
‫قلت‪ :‬اعلم‬ ‫فإن َ‬
‫أن الحق متصف باإلطالق والشك أن صالته على محبوبه بجميع كماالته وشؤونه‬
‫وأسمائه ومقتضياته فتتضمن الصالة السالم‪ ،‬ألن الصالة في اللغة هي الوصلة‪.‬‬
‫والمراد هنا زيادة كشف في مقام المعية الخاصة به صلى اللـه عليه وسلم‪ ،‬بخالف‬
‫قلت‪ :‬وألي‬ ‫المومنين فليس لـهم هذا الوسع فأمروا بتفصيل التفصيل تدبر‪ .‬فان َ‬
‫قلت‪ :‬ما فيها من شكر برزخيته إذ‬ ‫شيء أمرنا بالصالة عليه صلى اللـه عليه وسلم؟ ُ‬
‫ليس لنا مدد حسي أو معنوي ملكي أو ملكوتي إال وهو من البرزخ فلما كان بهذه‬
‫المثابة تأكد علينا أن نصلي ونسلم عليه أداء لبعض حقوقه الواجبة علينا وإال فلو‬
‫كانت كل شعرة منا تصلي عليه بلسان من لدن خلقت إلى ما ال نهاية لـه ما قامت‬
‫بمعشار العشر‪:‬‬
‫ومن لي بحصر البحر والبحر زاخر‬
‫ولـو أن كـل العالـمين تألفوا‬
‫ورب سكوت كـان فيـه بالغة‬
‫ومن لي بإحصاء الحصى والكواكب‬
‫على مدحه لـم يبلغوا بعض واجب‬
‫ورب كالم كـان فيه عتب لعاتب‬
‫بل نقول من يوم برزت روحانيته من غياهب األزل وهي تسقي بدوالبها جميع‬
‫األنبياء واألرسال والمالئكة وجميع األمم وكل ذرة من الوجود‪ .‬فليس هناك أحد‬
‫يقدر على التلقي مباشرة إال منه وبه وفيه فالكل مستمد من جواهر حقيقة ماهيته‬
‫بشاهد {مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ ال يبغيان}‪ .‬ال غرو أنه صلى اللـه عليه‬
‫وسلم قال أن القرءان لـه ظاهر وباطن ولباطنه سبعة أبطن وباطن هذه اآلية أن‬
‫تقول‪ :‬المراد بالبحرين الالهوتية والناسوتية‪ ،‬والمراد بااللتقاء االتصال المعنوي‬
‫المجهول المعبر عنه بالمعية السارية‪ ،‬والمراد بالبرزخ الـهيولى القابلة الرتسام‬
‫جميع األشكال والصور والرقوم والتماثيل‪ .‬ومعلوم في الحس أن البرزخ ال ينزل‬
‫شيء إال عليه وال يصعد شيء إال عليه‪ ،‬وكذلك نقول هاهنا هو برزخ حائل بين‬
‫صدمات الحقية والخلقية‪ .‬لوال برزخيته لتالشت الرسوم والجواهر بسبب انبساط‬
‫شعشعانية األحدية فإن فيها حرارة معنوية ال تالقي شيئا إال فتكته اللـهم إن كان‬
‫مستغرقا في قمر الجنابـ األحمدي فيقال لـه نم في ظل {وزاده بسطة في العلم‬
‫والجسم} والمراد بعدم البغي عدم الفتكاتـ التي تحصل بسبب بسط أشعة الذات‬
‫لوال برزخية الكافور المحمدي ألن من شأن الكافور البرودة وهاهنا معنوية‪ .‬واعلم‬
‫أن معنى صالة اللـه عليه صلى اللـه عليه وسلم هو ما يتلى عليك‪.‬‬
‫ال يخفى على المحقق األحمدي أنه صلى اللـه عليه وسلم من يوم برز وليس ترقيه‬
‫بمتقضى االصطحاب إال أحدية الكل الجمعي المطلق العاري عن النسب‬
‫واإلضافاتـ فطورا يرفل في مظهر ثياب عظمتها‪ ،‬وآونة يلتحف برداء كبرياء‬
‫لطفها ونقطة شكلتها‪ ،‬وحينا يعرج في ميادين سرادقات األرواح‪ ،‬ووقتا يتلذذ بنعيم‬
‫معين مدام األقداح‪ ،‬وزمنا يطير بأجنحتي الشوق واالشتياق في مجال الجبروت‬
‫مخيطة العين بخط {وأنتم لباس لـهن} في غيوبة الرغبوت والرهبوت وصباحا‬
‫قائمة الشكل في محراب جمع الجمع الجمعي تسمع‪:‬‬
‫تذلل بأنس البسط في حضرة المنى‬
‫ودونك حسنـي فاشهدنه مجردا‬
‫على عزة تبدوا بكـهف هويـتي‬
‫على نعت فرق الجمع من ق قوتي‬
‫وذلك ألن الصالة في اللغة هي الوصلة وال غرو أن صلة كل أحد على قدر‬
‫معرفته وقد قال صلى اللـه عليه وسلم‪ :‬أنا أعرفكم باللـه وليست الوصلة الالئقة به‬
‫إال وطئ مقتضيات بطون اإلسم الباطن لكن مقامه فيه في الفلك السادس وقد أراد‬
‫ترجمت عنه صلى اللـه عليه وسلم‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫أن يزج الفلك السابع فسمع اللـه أكبر وهاهنا‬
‫وثم وراء الحس معنـى شهـدته‬
‫هناك انمحى عن فرقي نقطة غينه‬
‫بمهمه غيب القدس فـي طـي حلتي‬
‫وصرت وراء الجمع من جمع شكلتي‬
‫فدونك حاناتـ اإلطالقات‪ ،‬وبُسُط الباءاتـ كي تفهم ما أشرت إليه‪ .‬ولما كان هذا هو‬
‫معنى صالة اللـه عليه نطق وجده صلى اللـه عليه وسلم وقال‪ :‬جعلت قرة عيني في‬
‫ي في هذه المواكب المضروبة بصحاري ارتفاع البين‬ ‫الصالة‪ ،‬أي صالة اللـه عل َّ‬
‫من البين {إذ يقول لصاحبه ال تحزن إن اللـه معنا}‪ .‬واعلم أن الجناب األقدس لما‬
‫أمرنا بالصالة على محبوبه وعلم صلى اللـه عليه وسلم التحافنا بأ ُ ُزر التقييد قال‪:‬‬
‫قولوا اللـهم صل أي إذا أردتم الصالة علي فتشبثوا بأذيال كعبة التحقيق‪ ،‬واطلبوا‬
‫من اللـه أن يصلي علي‪ .‬وأما أنتم فعاجزون عن هذا البساط‪ .‬هكذا أخبر الناموس‬
‫الجمعي‪ .‬إذ الحق أمرنا بالصالة على محبوبه وهو صلى اللـه عليه وسلم أمرنا بأن‬
‫نطلب من اللـه أن يصلي عليه‪ .‬وإذا تحققت بهذا أرشدت إلى أن المصلي عليه ليس‬
‫لـه من أمر الصالة إال أن يطلب من اللـه بتلك النسبة الكسبية التي هي مناط‬
‫التكليف أن يصلي على حبيبه األكرم ومحبوبه األعظم صلى اللـه عليه وسلم‪ .‬فإذا‬
‫أحطت بهذا قلت قطعا ال معنى للخالف في هذه المسألة أعني هل صلى اللـه عليه‬
‫وسلم ينتفع بصالتنا عليه أم ال ألن اإلنسان يطلب من الحق أن يصلي على حبيبه‬
‫ويزيده كشفا في المعية الخاصة به في بساط القرب المعنوي المجهول‪ ،‬والشك أنه‬
‫ينتفع بذلك قطعا فما معنى الخالف‪،‬ـ وقد تقرر في علم التوحيد العام أن اإلنسان‬
‫ليس لـه اختراع وال إيجاد وال إنشاء وإنما لـه الكسب بحسب القوة المفاضة عليه‬
‫من جداول الفيض األقدس بواسطة هيولى اإلجمال والتفصيل صلى اللـه عليه به‪،‬‬
‫فإنما المصلي كاآللة وعليه فليس مصل على الحقيقة إال الجنابـ الحق هو الذي‬
‫يصلي على حبيبه صلى اللـه عليه وسلم‪ ،‬ضرورة أن المصلى يقول يا اللـه صل‬
‫على سيدنا محمد وهو ينتفع بها قطعا سيما والمنشئ حقيقة والمخترع هو اللـه‬
‫وحده فينتفع بهذا‪ .‬واختالف سادتنا أهل الظاهر يوكل إليهم فافهم‪ .‬وإنما نشأ لـهم‬
‫ذلك من توهمهم أن المصلي هو الذي صدرت منه الصالة وليس كذلك‪ ،‬إذ المصلي‬
‫لم يصدر منه إال طلب الجنابـ المطلق أن يصلي على سيدنا محمد صلى اللـه عليه‬
‫به بشاهد قولـه‪ :‬اللـهم صل أي يا اللـه صل‪ ،‬فنحن نطلب من اللـه أن يصلي على‬
‫حبيبه‪ .‬فالصالة حقيقة إنما هي صادرة من اللـه والعبد ليس لـه إال التلفظ بالطلب‪.‬‬
‫ومن تحقق بهذا أيقن أن الخالف في المسألة ال معنى لـه‪ .‬وليت شعري كيف خفي‬
‫هذا المبحث على كثير من صناديد األمة‪ .‬واعلم أن طلب الطالب من اللـه أن‬
‫يصلي عليه هذه طاعة من أجل القرباتـ فيثاب عليها أعني على التلفظ‪ .‬وأما سيدنا‬
‫صلى اللـه عليه وسلم إنما ينتفع بنتيجة هذا الطلب وهو صالة اللـه عليه‪ .‬لكن هاهنا‬
‫بساط آخر وهو أن تقول ال يخفى أن المدبر لـهذا الـهيكل الجسماني هو جوهر‬
‫الروح‪ ،‬والشك أن الروح مستفاضة من نفس الروح الكلية‪ ،‬أعني الحقيقة‬
‫األحمدية‪ ،‬وإذا فهمت هذا تحققت أن ليس متجل في هذه األشكال والصور إال أنوار‬
‫تجليات شؤونه وكماالته صلى اللـه عليه وسلم‪ .‬وعليه فنفسه الجزئية طلبت لـه ما‬
‫أمرها الحق به فمنه إليه‪ .‬فأنتج هذا البساط أيضا أنه ينتفع بالصالة عليه صلى اللـه‬
‫عليه وسلم أي من حيث الطلب فقط‪ .‬وهاهنا ملحظ آخر وهو أن تعلم أن الثواب‬
‫الذي يسديه الحق على المصلي بسبب طلبه من الحق زيادة تكرمة حبيبه ينتفع به‬
‫المصلي‪ .‬ويرشدك لـهذا قولـه في حديث سيدنا كعب بن عجرة وإن زدت فهو خير‬
‫لك تأمل قولـه لك أي ال أنتفع أنا به الستغنائي بما يفاض علي من الجنابـ األقدس‪،‬‬
‫وأنت تنتفع به فقط وأن الطلب الذي طلبه المصلي وهو زيادة كشف النقابـ لـه في‬
‫مقام أو أدنى ينتفع به صلى اللـه عليه به وعليه فال خالف‪ .‬فبالنسبة لطلب المصلي‬
‫ينتفع به المصلي في خاصة نفسه‪ .‬وأما نتيجة ذلك الطلب‪،‬ـ أعني بالنسبة لما من‬
‫الحق لـه صلى اللـه عليه به بسبب طلب الزيادة لـه‪ ،‬فال شك أنه ينتفع به قطعا‬
‫قلت‪ :‬إن ظاهر قول سيدنا أبي بن كعب يا رسول اللـه إني أكثر‬‫تأمل جدا‪ .‬فإن َ‬
‫الصالة عليك فكم أجعل لك من صالتي يعطي أنه كان يقصد نفعه صلى اللـه عليه‬
‫قلت‪ :‬يظهر هاهنا أن هذا الصحابيـ‬‫به بصالته عليه وهو يخدش فيما ذكرت‪ُ .‬‬
‫الجليل رضي اللـه عنه كان في هذه اللحظة في البداية الزال لم يصل لمقام الفتح‬
‫الكبير ألنه صار يرى نفسه غيره صلى اللـه عليه وسلم حتى صار يقصد نفعه‬
‫بصالته فال زال صلى اللـه عليه وسلم يجذبه ويرقيه بسياسته العلية إلى أن خرج‬
‫عن جميع َما لـه وبقي خاليا مما يعرف وأوصلـه لمقام الفتح الكبير‪ .‬وليس في هذا‬
‫تنقيص للصحابي بل نحن نعترف أن ما نالـه أكابر المحققين منا إنما هو رشحة من‬
‫رشحاتهم فإياك والغلط‪ .‬وتأمل سياسته صلى اللـه عليه وسلم كيف لم ينكر عليه‬
‫بالصراحة بل سلم لـه ظاهرا وألقى عليه مغناطيس الجذبات فاختطفته إلى أوج‬
‫الكماالت تفهم‪ .‬هكذا يظهر لنا في المقام وهو كشف صراح‪،‬ـ وأن لم نسبق به‪ .‬فكم‬
‫ترك األول لآلخر وأحسن ما في الطاووس الذنب واإلسكار بالخمر ال بالعنب‪.‬‬
‫خاتمة ‪ :‬الحت هاهنا لطائف في حديث سيدنا كعب بن عجرة أو أبي بن كعب وهو‬
‫أنه قال‪ :‬يا رسول اللـه إني أكثر الصالة عليك فكم أجعل لك من صالتي قال ما‬
‫شئت قلت الربع قال ما شئت وإن زدت فهو خير لك قلت النصف قال ما شئت وإن‬
‫زدت فهو خير لك قلت فالثلثين قال ما شئت وإن زدت فهو خير لك‪ .‬قلت أجعل لك‬
‫صالتي كلـها قال إذا تكفى همك ويغفر ذنبك‪.‬‬
‫األولى‪ :‬كثرته الصالة عليه وهو يدل على شدة استهالكه فيه‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬خبرة المريد شيخه بما يفعلـه إن أقره على ذلك ثابر عليه وإال كان أسير‬
‫تقليده إن كان مريد إرادة وإال فهو كذوب‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬جواز إهداء الثواب لـه صلى اللـه عليه وسلم أعني ثواب الطلب‪ .‬فذلك‬
‫الطلب الذي يسديه الحق على المصلي ويثيبه عليه يجوز لـه إهداؤه لـه وليس فيه‬
‫سوء أدب تفهم‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬جواز مشاورته فيما يقدم عليه‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬ما فيه من حسن تربيته صلى اللـه عليه وسلم حيث أدخلـه على نظره أي‬
‫الصحابيـ وأخرجه على نظره هو صلى اللـه عليه به‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬جواز التذلل واالنبساط على العظماء ورؤساء الحضرة‪.‬‬
‫السابعة‪ :‬جواز الطول في المخاطبة وال يضر مع األحبة لكن إن لم يخف طول‬
‫السآمة‪.‬‬
‫الثامنة‪ :‬المكافأة على الـهدية في قولـه إذن تكفى همك‪.‬‬
‫التاسعة‪ :‬حض الناس على الخير في قولـه خير لك‪.‬‬
‫العاشرة‪ :‬فيه رفع الـهمة للمعالي وعدم الرضى بالدون‪.‬‬
‫وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها األجسام‬
‫الحادية عشرة‪ :‬فيه جواز قول الوارث المحمدي لمريده الصادق اجعل ثواب عملك‬
‫هذا في صحيفتي وليس مراده بذلك إال إخراجه عن نظره وعدم الوقوف مع حظ‬
‫من الحظوظ لكن إن طلب ذلك المريد كما يوخذ من قولـه فكم أجعل لك من‬
‫صالتي‪.‬‬
‫الثانية عشرة‪ :‬اإلقرار بنعم اللـه‪ ،‬وأن من حصل على بساط الغنى النسبي أن يخبر‬
‫عنه إن حصل لـه إذن وهذا من قولـه خير لك أي ال لي تفهم‪.‬‬
‫الثالثة عشرة‪ :‬حض الناس على الخير المرة بعد المرة وعدم االستنكاف من ذلك‪.‬‬
‫وأستروح هاهنا بقول األديب ‪:‬‬
‫ماذا يريد العاذلون بعدل من لبس الخالعة واستراح وراحا‬
‫وقولـه ‪:‬‬
‫دع عنك تعنيفي وذق طعم الـهوى فإذا عشقت فبعد ذلك عنِّفِي‬
‫وقلت من قصيدة طويلة ‪:‬‬
‫كم ضاق ذرعا بالخطوب وقد غدا‬
‫أبلت حوادثها الزمان ومالـها‬
‫فتكت جيوب الصبر فانفلتتـ قوا‬
‫ما بث شكـوى للزمـان فال لـه‬
‫متمنطقا بذوائـب الـنـيران‬
‫عنـه منـاص ُم ِّزجـا بـثوان‬
‫ه المرسالت على القليب الفان‬
‫حكم على الرجحان والنقصان‬
‫وهذه كلـها مأخوذة من الحديث وهي ظاهرية والمنة للبرزخياتـ الثالث والحمد للـه‬
‫رب العالمين وسالم على جميع األنبياء والمرسلين‪.‬‬

‫‪1212‬‬
‫‪commentaires 5‬‬
‫‪partages 21‬‬
‫‪J’aime‬‬
‫‪Commenter‬‬
‫‪Partager‬‬

You might also like