You are on page 1of 7

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫الدرس األول‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‪ ،‬واحلمدهلل و الصالة و السالم على رسول هللا وعلى آله وصحبه و من وااله‪،‬‬
‫وبعد‪:‬‬

‫قال املصنف ‪-‬رمحه هللا‪ :-‬بسم هللا الرمحن الرحيم ‪ ،‬خطبة الكتاب‪ ،‬حنمدك اللهم على نعم يؤذن‬
‫احلمد ابزدايدها ‪..‬‬

‫خطبة الكتاب هذا من صنيع احملقق ‪،‬ومل يقل املصنف يف مقدمته هذا العنوان‪ ،‬وابلتايل فإنه من الدقة إذا‬
‫قرأ القارئ وقد نسب الكالم إىل املصنف‪ ،‬بقوله قال املصنف رمحه هللا‪ :‬أال يذكر إال ما قاله ويكون ما‬
‫يصنعه احملققون عادة مما يوضع بني األقواس إما هو إلفادة القارئ‪ ،‬ولتسهيل تقسيم الكالم‪ ،‬لكن إذا قلنا‬
‫قال فالن فلننسب إليه الكالم الذي قاله دون ما أضافه احملقق من عناوين أو زايدات سواء اقتضاها‬
‫الكالم‪ ،‬أو كان مما يناسب التقسيم إلفهام القارئ‪..‬‬

‫قال ‪-‬رمحه هللا‪ :-‬حنمدك اللهم على نعم يؤذن احلمد ابزدايدها‪ ،‬ونصلي على نبيك حممد هادي األمة‬
‫لرشادها‪ ،‬وعلى آله وصحبه ما قامت الطروس والسطور لعيون األلفاظ مقام بياضها وسوادها‪ ،‬ونضرع‬
‫إليك يف منع املوانع عن إكمال مجع اجلوامع اآليت من فين األصول ابلقواعد القواطع البالغ من‬
‫اإلحاطة ابألصلني مبلغ ذوي اجلد والتشميل‪ ،‬الوارد من زهاء مئة مصنف منهالا يروي وميري‪ ،‬احمليط‬
‫بزبدة ما يف شرحي على املختصر و املنهاج ‪،‬مع مزيد كثري‪ ،‬وينحصر يف مقدمات وسبعة كتب‪..‬‬

‫هذه مقدمة املصنف ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬هلذا املنت الصغري يف حجمه الكبري يف حمتواه مجع اجلوامع ‪ ،‬وتقدم‬
‫بك احلديث يف الدرس املاضي عن الكتاب وحمتواه ‪،‬وصنيع املصنف‪ -‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬فيه مبا يغين عن‬
‫إعادته هاهنا يف هذا املقام‪ ،‬ابتدأ ‪-‬رمحه هللا‪ -‬مبقدمة يسرية موجزة تناسب إجياز الكتاب‪ ،‬وهكذا تكون‬
‫مقدمات املتون خمتصرة ؛ألن املنت يف ذاته عبارات موجزة خمتصرة ‪ ،‬فال يناسب فيها اإلطناب وال‬
‫عادة َ‬

‫‪1‬‬
‫أضرب البيان البديع‪ ،‬الذي يستخدمه األدابء‬
‫اإلطالة يف املقدمات‪ ،‬ولو اشتملت على فنون من البالغة ‪،‬و ُ‬
‫واملؤلفون عادة‪.‬‬

‫قال ‪-‬رمحه هللا‪: -‬حنمدك اللهم على نعم يؤذن احلمد ابزدايدها‪ .‬يعين يكون احلمد على النعم سبباً‬
‫الستجالب املزيد ‪،‬وهذا آت من قوله تعاىل‪:‬ﱡﭐ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢﱣﱠ وقد قال‬
‫السلف‪ :‬من تتابع ابحلمد تتابعت عليه النعم‪ .‬وآثر املصنف رمحه هللا البدء هاهنا ابلفعل حنمدك اللهم‪،‬‬
‫وصيغة الفعل كما مر بكم كثرياً يف مقدمات املتون‪ ،‬هي أحدى الصيغتني اليت يستفتح هبا محد هللا ‪-‬عز‬
‫وجل‪ -‬يف الكالم واخلطب واملصنفات مبعىن أن املستفتح حبمد هللا سيختار أحد طريقني‪ ،‬إما اجلملة االمسية‬
‫يف مثل قولك احلمد هلل أو املؤكدة‪ ،‬مثل قولك إن احلمد هلل‪ ،‬أو خيتار اجلملة الفعلية بقوله أمحد هللا أو‬
‫حنمد هللا وحنوه‪ ،‬وعند أهل العلم لكل من األسلوبني أو الطريقتني داللة لغوية‪ ،‬وإفادة معنوية‪ ،‬فإن اجلملة‬
‫الفعلية تفيد التكرار‪ ،‬وتفيد التجدد مع احلدوث‪ ،‬فالذي يقول‪ :‬أمحد هللا يشعر الفعل هاهنا بتجدد احلمد‬
‫وتتابعه على الدوام‪ ،‬واجلملة االمسية منزوعة منها هذه الداللة‪ ،‬لكنها تفيد الثبات واالستقرار ‪،‬فقائل احلمد‬
‫هلل يثبت محداً مستقراً فلكل من األسلوبني داللته ومعناه‪ ،‬وأمجع ما يف ذلك‪ ،‬اجلمع بني الصيغتني وهي‬
‫اآلتية يف خطبة احلاجة‪ ،‬يف حديث النيب صلى هللا عليه وسلم وصيغته اليت يتداوهلا اخلطباء‪ ،‬إن احلمد هلل‬
‫حنمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬فأنظر كيف مجع صلى هللا عليه وسلم بني الصيغتني واألسلوبني‪ ،‬ليكون أبلغ‬
‫يف اإلحاطة مبعاين احلمد‪ ،‬مبا تدل عليه اجلملة االمسية‪ ،‬واجلملة الفعلية كذلك‪ ،‬قال‪ :‬حنمدك اللهم على‬
‫نعم يؤذن احلمد ابزدايدها‪ ،‬ونصلي على نبيك حممد هادي األمة لرشادها‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬واقتصر‬
‫الشراح كان األوىل به أن‬
‫املصنف رمحه هللا على الصالة على النيب صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وقد قال بعض ّ‬
‫يقرن الصالة ابلتسليم‪ ،‬والشك أن هذا هو األكمل يف الصالة والسالم على رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ألن هللا قال‪:‬ﭐﱡ ﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱠ وألن اجلمع بني الصالة والسالم هو‬
‫املخصوص مبقام األنبياء‪ ،‬ونبينا خاصة صلى هللا عليه وسلم وأما الصالة مبعىن الدعاء وحده‪ ،‬فقد أطلقه‬
‫رسول هللا عليه الصالة والسالم يف مثل قوله اللهم صل على آل أيب أوىف‪ ،‬قال رمحه هللا‪ :‬وعلى آله وصحبه‬
‫‪ .‬يعين يف الصالة والسالم عليه صلى هللا عليه وسلم وعلى آله وصحبه‪ .‬ما قامت الطروس والسطور لعيون‬
‫األلفاظ مقام بياضها وسوادها‪ ،‬الطروس‪ :‬مجع ِطرس بكسر الطاء‪ ،‬وهي الصحيفة‪ ،‬كما ذكره أصحاب‬
‫املعاجم‪ ،‬وقد ذكر اجلوهري يف الصحاح‪ ،‬و ابن منظور يف لسان العرب‪ ،‬وابن سيدة أيضاً يف احملكم‪،‬‬
‫أنه يقال للصحيفة‪ :‬طرس إذا كانت قد ُحميت مث كتبت‪ ،‬وذلك أهنم كانوا يستخدموهنا مرات يف الكتابة‬
‫‪2‬‬
‫كاأللواح‪ ،‬فال يقال طرس إال إذا كتب مث حمي مث كتب‪ ،‬و أما املكتوب مرة فال يقال له ذلك‪ ،‬واألمر فيه‬
‫واسع‪ ،‬فاملقصود ابلطرس صحيفة الورق‪ ،‬أو الصحيفة اليت يكتب فيها من ورق أو غريه‪ ،‬قال‪ :‬ما قامت‬
‫الطروس والسطور و قصد ابلسطور الكتابة‪ ،‬فهو اآلن يشري إىل األوراق والصحائف اليت تكون حمل كتابة‪،‬‬
‫وإىل السطور اليت تكتب فيها‪ ،‬وجعل هذا ظرفاً تستمر فيه الصالة والسالم على رسول هللا صلى هللا وعليه‬
‫وسلم‪ ،‬كلما قامت الطروس يعين‪ :‬الصحائف والسطور لعيون األلفاظ مقام بياضها وسوادها‪ ،‬و هذا ضرب‬
‫البالغة بديع‪ ،‬وأدب رفيع‪ ،‬مبعىن اللهم أدم الصالة والسالم على نبيك صلى هللا عليه وسلم كلما استمر‬
‫استخدام الصحائف والسطور يف كتاابت أهل العلم‪ ،‬يف تدوين األلفاظ الرائقة يف عيون الكتابة واجلمل‪،‬‬
‫مقام البياض والسواد يف العيون‪ ،‬وهذا يعين أن هذا مستمر إىل قيام الساعة‪ ،‬ألن بين آدم ال يزال يستخدم‬
‫مثل هذا‪ ،‬وأهل العلم لن ينفك أحدهم عن استخدام الصحف‪ ،‬والكتابة فيها ابلسطور‪ ،‬لتدوين الفوائد‬
‫وتقرير األحكام‪ ،‬وإثبات اجلمل البديعة‪ ،‬والفوائد املاتعة‪ ،‬فهذا ال ينفك وسيبقى أبداً‪ ،‬فجعل ذلك مقروانً‬
‫ابلصالة والسالم على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهو ضرب مما تقرن فيه الصالة على النيب صلى‬
‫هللا عليه وسلم ابألمور املستمرة إىل قيام الساعة‪ ،‬كما يقرن ابستمرار الشروق و الغروب‪ ،‬وبنوح الطري‪،‬‬
‫وتغريد احلمام‪ ،‬وحتليق الطري‪ ،‬وأمثال ذلك مما اليزال متتابعاً يف الكون‪ ،‬قال‪-‬رمحه هللا‪: -‬ما قامت السطور‬
‫والطروس لعيون األلفاظ مقام بياضها وسوادها‪ ،‬ونضرع إليك يف منع املوانع عن إكمال مجع اجلوامع‪،‬هنا‬
‫صرح رمحه هللا ابسم الكتاب الذي امساه مجع اجلوامع سائالً ربه أن يرزقه التوفيق والسداد‪ ،‬لئن يكون هذا‬
‫مشروعاً حمفوفاً ابلقبول ابلتوفيق اإلكمال اليت تتم معه هذه املشاريع‪ ،‬وسأل هللا تعاىل أن مينع املوانع يعين‬
‫أن حييل وحيول بينه وبني كل ما يطرأ عليه ومينعه من إمتام هذا الكتاب‪ ،‬وهذا أيضاً مما يُتعلم يف صنيع أهل‬
‫العلم وكالمهم وإشاراهتم‪ ،‬أن العامل مهما بلغ من العلم‪ ،‬ومهما أويت من األسباب‪ ،‬اليت هي يف اجلملة‬
‫أسباب‪ ،‬يعين علم‪ ،‬ووقت‪ ،‬وصحة‪ ،‬وأسلوب‪ ،‬وآلة متكنه من أن يقوم أبي مشروع علمي‪ ،‬لكنه يبقى‬
‫أحدان مهما بلغ من األسباب إال أنه اليزال فقرياً واقفاً على ابب ربه والتضرع إىل هللا مست أهل العلم؛‬
‫ألهنم أوىل الناس هبذا املعىن‪ ،‬إذا كان األنبياء والرسل عليهم السالم يظهرون غاية االفتقار إىل هللا سبحانه‬
‫السالم‪:‬ﭐﭐﱡﭐ ﲝ ﲞ‬ ‫وتعاىل‪ ،‬يقول موسى عليه السالم‪:‬ﱡﭐ ﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱠ ويقول عيسى عليه‬
‫ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ‬

‫ﲹﲺﲻﲼﱠ يف مواضع كثرية جتد فيها أدب األنبياء عليهم السالم يف إظهار عظم االفتقار إىل هللا‪،‬‬
‫فأوىل الناس ابمتثال هذه املعاين هم ورثة األنبياء والرسل عليهم السالم‪ ،‬وليس ذلك إال أهل العلم‪ ،‬وطلبته‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫و السالكون يف هذا الطريق‪ ،‬هم أوىل الناس حقيقة أن يقوم فيهم معىن االفتقار‪ ،‬والذل‪ ،‬واخلضوع هلل‪،‬‬
‫واالنكسار بني يديه‪ ،‬يف طلب حتقيق املراد‪ ،‬و بلوغ املىن‪ ،‬وال أمنية أعظم لطلبة العلم من الوصول إىل‬
‫عظيم املرادات يف حتصيل العلم‪ ،‬وفهمه‪ ،‬وادراكه‪ ،‬وتعلمه وتعليمه‪ ،‬هذا كله متوقف على عظيم فضل هللا‬
‫وقد جاء ذلك صرحياً يف كتاب هللا‪:‬ﱡﭐﱓﱔ ﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠ ﱡﱢﱣﱠ‬

‫فهذا شيء يعين يتعلمه طالب العلم مع أنه ليس مقصوداً هاهنا يف السياق إمنا طريقة أهل العلم تعلم هذه‬
‫املسائل من خالل عباراهتم وألفاظهم‪ ،‬قال‪ :‬ونضرع إليك يف منع املوانع عن إكمال مجع اجلوامع‪ ،‬وقد‬
‫أكرمه هللا فأكمل مجع اجلوامع وانتشر يف حياته رمحه هللا‪ ،‬ووصل إىل أيدي طلبة العلم والعلماء يف أوانه‪،‬‬
‫فمنهم من علَّق عليه‪ ،‬وقرأه وشرحه‪ ،‬ومنهم أيضاً من انقشه وسأله‪ ،‬واستدرك عليه‪ ،‬وهذا دليل على انتشار‬
‫الكتاب‪ ،‬و اتج الدين السبكي‪ -‬رمحه هللا‪ ،-‬ملا أمت مجع اجلوامع‪ ،‬وانتشر بني أيدي الطلبة‪ ،‬ووصل إىل‬
‫العلماء وبلغهم‪ ،‬ونظروا فيه‪ ،‬وقرأوه واطلعوا عليه‪ ،‬صارت هناك مكاتبات بني اتج الدين السبكي وبني‬
‫بعض أهل العلم يف زمانه‪ ،‬فكاتبه بعضهم موجهاً إليه أسئلة واعرتاضات واستدراكات على ما قرره يف مجع‬
‫اجلوامع إما من حيث األسلوب والصياغة أو األلفاظ والعبارة أو احملتوى أو التقرير يف املسألة إىل أخره يف‬
‫ذلك‪ ،‬فلما اكتملت عنده مجلة من األسئلة واجتمعت‪ ،‬صنف رمحه هللا كتاابً آخر أشران إليه يف الدرس‬
‫املاضي أمساه منع املوانع عن مجع اجلوامع‪ ،‬فكانت هذه مناسبة لطيفة هو يف مقدمة الكتاب سأل هللا‬
‫أن مينع عنه املوانع من إكمال مجع اجلوامع وملا مت له الكتاب وبلغته أسئلة أهل العلم ونقاشهم واستدراكاهتم‬
‫مجعها مث صاغ فيها مصنفاً امساه منع املوانع عن مجع اجلوامع ‪ ،‬مل يقصد فيه شرح أللفاظ الكتاب لكنه‬
‫أراد اإلجابة عما ورد من اعرتاضات ونقاشات وسؤاالت جاء هبا فنثرها يف كتاب منع املوانع وقرر فيها‬
‫ما قصد هبذه العبارة‪ ،‬وملاذا أتى هبذا اللفظ؟ وملاذا قال كذلك ومل يقل هكذا؟ مث أجاب عما يراه‪-‬رمحه‬
‫هللا‪ -‬فصار كتاابً مستقالً هو منع املوانع عن مجع اجلوامع‪ ،‬وال خيلو عادة أحد شراح مجع اجلوامع على‬
‫كثرهتم ‪ ،‬ال خيلو أحد منهم من االستفادة من منع املوانع وإن مل يكن شرحاً كامالً‪ ،‬إىل أنه يستفاد منه؛‬
‫ألنه من صنيع املؤلف وكالمه ذاته‪ ،‬فما يقوله يف مجلة وما يقرره يف عبارة‪ ،‬هو املعول وينبغي أن يكون هو‬
‫الذي يقصد به املؤلف‪،‬ألنه أدرى الناس مبا يكتب ويقول رمحة هللا عليهم أمجعني‪ ،‬قال ‪-‬رمحه هللا‪: -‬ونضرع‬

‫إليك يف منع املوانع عن إكمال مجع اجلوامع‪ ،‬اآليت من ّ‬


‫فين األصول والقواطع‪ ،‬أشار هاهنا إىل أن مضمون‬
‫فين األصول وهو مثىن فن‪ ،‬واملقصود ابألصوليني هاهنا‬
‫هذا الكتاب الذي أمساه مجع اجلوامع أييت من َ‬
‫أصول الدين‪ ،‬وأصول الفقه‪ ،‬فقرر هاهنا أن مجع اجلوامع آت يف مسائله من هذين الفنني من أصول‬

‫‪4‬‬
‫الدين‪ ،‬وأصول الفقه‪ ،‬وأتى منهما ابلقواعد القواطع‪ ،‬قال‪ :‬البالغ من اإلحاطة ابألصلني يعين أصول الدين‬
‫وأصول الفقه‪ ،‬مبلغ ذوي اجلد والتشمري‪ ،‬الوارد من زهاء مئة مصنف منهالً يروي وميري‪ ،‬يعين هذا الكتاب‬
‫قد حوت مسائله خالصة ما جاء يف عدد كبري من الكتب واملراجع كما قال زهاء مئة مصنف‪ ،‬وهذه املئة‬
‫مصنف ليست كثرية يف زمن اإلمام السبكي‪ -‬رمحه هللا‪ -‬يف القرن الثامن اهلجري‪ ،‬فكتب األصول فوق‬
‫ذلك بكثري‪ ،‬لكنه مجع أمهات الكتب وعيوهنا ورؤوسها‪ ،‬فكانت عنده ما حيفظ منها‪ ،‬وما يرجع إليه‪ ،‬وما‬
‫فهمه وما استوعبه‪ ،‬فكان كل ذلك حاضراً ملا صنف مجع اجلوامع‪ ،‬هذا مل يقله اتج الدين السبكي‬
‫مفاخرًة أو مباها ًة أو استكثاراً‪ ،‬لكنها كانت عادة عند أهل العلم السابقني ‪-‬رمحهم هللا‪ ، -‬عندما يريد‬
‫أحدهم أن يستحيث مهة طالب العلم‪ ،‬كأنه يريد أن يقول لك ال تزهد فيه‪ ،‬فهو كتاب متعوب عليه‪ ،‬وال‬
‫تنظر إليه نظرةً عاجلة فقد مجعته من كذا وكذا‪ ،‬وهذا كله وإن كان إثبات للجهد أوالً وتقريراً و توثيقاً‪ ،‬إىل‬
‫أنه يف احملصلة يشعرك وأنت تقرأ مقدمة الكتاب أنك أمام مشروع علمي هو عصارة مئة مصنف تقريباً يف‬
‫األصول‪ ،‬إذاً هو ليس كتاابً قاله مما ورد عليه يف اخلاطر‪ ،‬أو مما استقر عنده من مسائل‪ ،‬لكنه حمرر وقد‬
‫شرحي على املختصر و املنهاج مع مزيد‬
‫َّ‬ ‫اجتهد فيه ‪ -‬رمحه هللا‪ ، -‬وأكد هذا فقال‪ :‬احمليط بزبدة ما يف‬
‫كثري‪ ،‬يعين هذا الذي سأقرره لك‪ ،‬وأقربه لك وأصوغه لك يف مجع اجلوامع هو حميط بزبدة ما أوردته يف‬
‫شرحني كبريين‪ ،‬وقد أشرت إليهما يف الدرس املنصرم ‪...‬شرحه األول على منهاج البيضاوي و قد علمت‬
‫أن املنهاج هو خمتصر للحاصل لتاج الدين األرموي‪ ،‬واحملصول لإلمام الرازي‪ ،‬فالبيضاوي ملا اختصر‬
‫املنهاج وقدمه‪ ،‬شرح اتج الدين السبكي هذا املنت منهاج البيضاوي مكمالً ما ابتدأه أبوه رمحه هللا‪ ،‬يف‬
‫مقدمة الكتاب يف اإلهباج‪ ،‬فإن والده تقي الدين السبكي ابتدأ شرح الكتاب ووقف يف عند حد الواجب‪،‬‬
‫مث اكمل ابنه اتج الدين صاحب مجع اجلوامع أكمل الكتاب وأمساه اإلهباج يف شرح املنهاج‪ ،‬وملا انتهى‪،‬‬
‫اقبل على شرح خمتصر ابن احلاجب يف كتاب أمساه رفع احلاجب عن خمتصر ابن احلاجب‪ ،‬فهذان‬
‫شرحان كبريان‪ ،‬على متنني مها العمدة يف ذلك الوقت يف كتب األصول‪ ،‬وكما قلت لك فأحدمها ميثل‬
‫حمصول الرازي‪ ،‬واآلخر ميثل إحكام اآلمدي يف خمتصر ابن احلاجب‪ ،‬وقد شرح اتج الدين السبكي‬
‫الكتابني وابلتايل فهو مدرك متاماً ملسائل الكتابني واملختصرين إبقباله على شرحهما‪ ،‬هو يقول لك اآلن‬
‫إن مجع اجلوامع هو زبدة ما يف ذينك الشرحني‪ ،‬بل قال‪ :‬مع مزيد كثري‪ ،‬إذاً فيه من املسائل يف مجع‬
‫اجلوامع ما ليس يف شرحه يف اإلهباج على املنهاج‪ ،‬و ما ليس يف شرحه يف رفع احلاجب يف خمتصر ابن‬
‫احلاجب‪ ،‬وهذا أيضاًكما قلت لك إغراء لطالب العلم وهو يقرأ يف مقدمة الكتاب أن اتج الدين السبكي‬

‫‪5‬‬
‫فعالً قدم جهداً علمياً حمرراً نفيساً‪ ،‬وهو يشعرك هبذه العبارات أنه قدم شيئاً ليس ابليسري‪ ،‬وأنه حيتاج إىل‬
‫عمل ينظر فيه املصنف‪ ،‬وينظر فيه الشارح‪ ،‬وينظر فيه الطالب نظرة اإلنصاف‪ ،‬بل قال ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يف‬
‫آخر كتابه ملا ختم الكتاب وهو يريد أن يودع خامتة الكتاب شيئاً يعرب عن املعىن‪ ،‬قال ‪-‬رمحه هللا‪ :-‬فإن‬
‫هذا الكتاب ال يتأتى اختصاره‪ ،‬يعين يقول مع ما فيه من املسائل إىل أنه يف أقصى درجات االختصار‪،‬‬
‫وأي اختصار بعده سيكون خمالً‪ ،‬وأراد أن يغلق الباب أنه ال يصلح أن يكون خمتصراً هلذا الكتاب‪ ،‬مع أن‬
‫شيخ االسالم زكراي األنصاري ‪-‬رمحه هللا‪ -‬اختصره وأمساه لُب األصول مث شرحه‪ ،‬لكنه كان حصل خلل‬
‫من فوات بعض املسائل‪ ،‬على ٍ‬
‫كل هذا الصنيع من املصنف كما قلت لك درج عليه بعض أهل العلم يف‬
‫رفع اهلمم واستحثاثها‪ ،‬ويف استنثار مهة طالب العلم وهو يقبل على املنت أن يكون له وعي وادراك وإملام‬
‫مبضمون الكتاب مبسائله ابحلاجة إىل أن يشمر تشمري احلريص يف اإلفادة من ما اشتمل عليه املنت من‬
‫املسائل والعلوم‪ ،‬قال ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ :-‬وينحصر يف مقدمات وسبعة كتب‪ ،‬يعين هذا املنت سيشتمل على‬
‫مقدمة‪ ،‬بفتح الدال على أهنا اسم مفعول‪ ،‬ويصح فيه‬
‫سبعة كتب سبقها بعض املقدمات‪ ،‬املقدمات‪ :‬مجع َ‬
‫مقدمة اسم مفعول‬ ‫ِ‬
‫كسر الدال فتقول مقدمات مجع مقدمة على أهنا اسم فاعل وكالمها له وجه‪ ،‬فإذا قلت َ‬
‫من قدمها؟ املصنف مقدمة أي كتاب؟ مقدمة أي كتاب قدمها املصنف على ابقي الفصول واألبواب‪،‬‬
‫مقدمة فتكون هي اسم الفاعل‬ ‫فهي مقدمة قدمها املصنف فكانت بني يدي الكتاب‪ ،‬و ميكن أن تقول ِ‬
‫ُ َ‬
‫وتكون املقدمة اليت يصوغها املؤلف تقدمك إىل ما بعدها من األبواب‪ ،‬يعين أتخذك إليها‪ ،‬وكال املعنيني‬
‫مقدمة كتاب‪،‬‬ ‫صحيح‪ ،‬والوجهان جائزان‪ ،‬بل ذكر القرايف عن بعض أرابب اللغة أن كل كلمة َ‬
‫مقدمة‪َ ،‬‬
‫ومقدمة‪ ،‬إال ِ‬
‫مقدمة اجليش فإهنا ال تطلق‬ ‫مقدمة مشروع‪ ،‬مقدمة جمموعة‪ ،‬كلها جيوز فيها الوجهان مقدمة ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫املقدمات عند أهل العلم فاملقصود هبا‪ :‬كل ما يوقف‬
‫إال بكسر الدال على غري خالف فيها‪ ،‬وأما معىن َ‬
‫عليه حصول أمر آخر‪ ،‬مقدمة أي شيء يرتتب عليها حصول أمر بعده فال تكون مقدمة إال وبعدها شيء‬
‫املقدمة جزء من الدليل‪ ،‬فإن الدليل املنطقي يتكون من مقدمتني‪،‬‬
‫يلحقها ويتبعها‪ ،‬وعند املناطقة يقولون َ‬
‫صغرى وكربى‪ ،‬وهااتن املقدمتان جتمعان إىل بعضهما فتنتج عنهما النتيجة هذا يسمى دليالً عن املناطقة‪،‬‬
‫كقوهلم مثالً العا َمل ممكن‪ ،‬وكل ممكن له سبب إذاً فالعا َمل له سبب‪ ،‬فاجلملة األوىل تسمى ِ‬
‫مقدمة‪ ،‬والثانية‬
‫تسمى مقدمة صغرى وكربى‪ ،‬مث تنتج عنهما نتيجة هذا اصطالح‪ ،‬تركيب الدليل عند املناطقة هبذا التقسيم‬
‫املقدمة على اجلزء من الدليل‪ ،‬أما هنا يف التصنيف املقصود به هي مقدمة الكتاب أي‬‫يطلقون مصطلح ِ‬

‫صدره وبداية التصنيف اليت يذكر فيها املصنف عادة أمساء كتبهم‪ ،‬ومنهجهم‪ ،‬ومرادهم‪ ،‬وشيئاً ما جيعلونه‬

‫‪6‬‬
‫مدخالً يعني القارئ على فهم ما سيأيت من فصول وأبواب الكتاب‪ ،‬إذاً هي سبعة كتب رتبها املصنف‪-‬‬
‫رمحه هللا‪ -‬على ما سيأيت بك يف أثناء الكتاب‪ ،‬الكتاب األول يف األدلة بل يف القرآن‪ ،‬وجعل معه دالالت‬
‫األلفاظ الكتاب الثاين يف السنة‪ ،‬مث االمجاع‪ ،‬القياس‪ ،‬مث األدلة املختلف فيها ومسّها ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪-‬‬
‫االستصحاب‪ ،‬واالستصالح‪ ،‬وذكرها يف جمموعة من الفصول يف جمموعة وختم آخر كتابه ابالجتهاد‬
‫والتقليد‪ ،‬وبعض مسائل تتعلق أبصول الدين‪.‬‬

‫‪7‬‬

You might also like