Professional Documents
Culture Documents
الدرس1 المقدمة
الدرس1 المقدمة
الدرس األول
بسم هللا الرمحن الرحيم ،واحلمدهلل و الصالة و السالم على رسول هللا وعلى آله وصحبه و من وااله،
وبعد:
قال املصنف -رمحه هللا :-بسم هللا الرمحن الرحيم ،خطبة الكتاب ،حنمدك اللهم على نعم يؤذن
احلمد ابزدايدها ..
خطبة الكتاب هذا من صنيع احملقق ،ومل يقل املصنف يف مقدمته هذا العنوان ،وابلتايل فإنه من الدقة إذا
قرأ القارئ وقد نسب الكالم إىل املصنف ،بقوله قال املصنف رمحه هللا :أال يذكر إال ما قاله ويكون ما
يصنعه احملققون عادة مما يوضع بني األقواس إما هو إلفادة القارئ ،ولتسهيل تقسيم الكالم ،لكن إذا قلنا
قال فالن فلننسب إليه الكالم الذي قاله دون ما أضافه احملقق من عناوين أو زايدات سواء اقتضاها
الكالم ،أو كان مما يناسب التقسيم إلفهام القارئ..
قال -رمحه هللا :-حنمدك اللهم على نعم يؤذن احلمد ابزدايدها ،ونصلي على نبيك حممد هادي األمة
لرشادها ،وعلى آله وصحبه ما قامت الطروس والسطور لعيون األلفاظ مقام بياضها وسوادها ،ونضرع
إليك يف منع املوانع عن إكمال مجع اجلوامع اآليت من فين األصول ابلقواعد القواطع البالغ من
اإلحاطة ابألصلني مبلغ ذوي اجلد والتشميل ،الوارد من زهاء مئة مصنف منهالا يروي وميري ،احمليط
بزبدة ما يف شرحي على املختصر و املنهاج ،مع مزيد كثري ،وينحصر يف مقدمات وسبعة كتب..
هذه مقدمة املصنف -رمحه هللا تعاىل -هلذا املنت الصغري يف حجمه الكبري يف حمتواه مجع اجلوامع ،وتقدم
بك احلديث يف الدرس املاضي عن الكتاب وحمتواه ،وصنيع املصنف -رمحه هللا تعاىل -فيه مبا يغين عن
إعادته هاهنا يف هذا املقام ،ابتدأ -رمحه هللا -مبقدمة يسرية موجزة تناسب إجياز الكتاب ،وهكذا تكون
مقدمات املتون خمتصرة ؛ألن املنت يف ذاته عبارات موجزة خمتصرة ،فال يناسب فيها اإلطناب وال
عادة َ
1
أضرب البيان البديع ،الذي يستخدمه األدابء
اإلطالة يف املقدمات ،ولو اشتملت على فنون من البالغة ،و ُ
واملؤلفون عادة.
قال -رمحه هللا: -حنمدك اللهم على نعم يؤذن احلمد ابزدايدها .يعين يكون احلمد على النعم سبباً
الستجالب املزيد ،وهذا آت من قوله تعاىل:ﱡﭐ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢﱣﱠ وقد قال
السلف :من تتابع ابحلمد تتابعت عليه النعم .وآثر املصنف رمحه هللا البدء هاهنا ابلفعل حنمدك اللهم،
وصيغة الفعل كما مر بكم كثرياً يف مقدمات املتون ،هي أحدى الصيغتني اليت يستفتح هبا محد هللا -عز
وجل -يف الكالم واخلطب واملصنفات مبعىن أن املستفتح حبمد هللا سيختار أحد طريقني ،إما اجلملة االمسية
يف مثل قولك احلمد هلل أو املؤكدة ،مثل قولك إن احلمد هلل ،أو خيتار اجلملة الفعلية بقوله أمحد هللا أو
حنمد هللا وحنوه ،وعند أهل العلم لكل من األسلوبني أو الطريقتني داللة لغوية ،وإفادة معنوية ،فإن اجلملة
الفعلية تفيد التكرار ،وتفيد التجدد مع احلدوث ،فالذي يقول :أمحد هللا يشعر الفعل هاهنا بتجدد احلمد
وتتابعه على الدوام ،واجلملة االمسية منزوعة منها هذه الداللة ،لكنها تفيد الثبات واالستقرار ،فقائل احلمد
هلل يثبت محداً مستقراً فلكل من األسلوبني داللته ومعناه ،وأمجع ما يف ذلك ،اجلمع بني الصيغتني وهي
اآلتية يف خطبة احلاجة ،يف حديث النيب صلى هللا عليه وسلم وصيغته اليت يتداوهلا اخلطباء ،إن احلمد هلل
حنمده ونستعينه ونستغفره ،فأنظر كيف مجع صلى هللا عليه وسلم بني الصيغتني واألسلوبني ،ليكون أبلغ
يف اإلحاطة مبعاين احلمد ،مبا تدل عليه اجلملة االمسية ،واجلملة الفعلية كذلك ،قال :حنمدك اللهم على
نعم يؤذن احلمد ابزدايدها ،ونصلي على نبيك حممد هادي األمة لرشادها ،صلى هللا عليه وسلم ،واقتصر
الشراح كان األوىل به أن
املصنف رمحه هللا على الصالة على النيب صلى هللا عليه وسلم ،وقد قال بعض ّ
يقرن الصالة ابلتسليم ،والشك أن هذا هو األكمل يف الصالة والسالم على رسول هللا -صلى هللا عليه
وسلم -ألن هللا قال:ﭐﱡ ﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱠ وألن اجلمع بني الصالة والسالم هو
املخصوص مبقام األنبياء ،ونبينا خاصة صلى هللا عليه وسلم وأما الصالة مبعىن الدعاء وحده ،فقد أطلقه
رسول هللا عليه الصالة والسالم يف مثل قوله اللهم صل على آل أيب أوىف ،قال رمحه هللا :وعلى آله وصحبه
.يعين يف الصالة والسالم عليه صلى هللا عليه وسلم وعلى آله وصحبه .ما قامت الطروس والسطور لعيون
األلفاظ مقام بياضها وسوادها ،الطروس :مجع ِطرس بكسر الطاء ،وهي الصحيفة ،كما ذكره أصحاب
املعاجم ،وقد ذكر اجلوهري يف الصحاح ،و ابن منظور يف لسان العرب ،وابن سيدة أيضاً يف احملكم،
أنه يقال للصحيفة :طرس إذا كانت قد ُحميت مث كتبت ،وذلك أهنم كانوا يستخدموهنا مرات يف الكتابة
2
كاأللواح ،فال يقال طرس إال إذا كتب مث حمي مث كتب ،و أما املكتوب مرة فال يقال له ذلك ،واألمر فيه
واسع ،فاملقصود ابلطرس صحيفة الورق ،أو الصحيفة اليت يكتب فيها من ورق أو غريه ،قال :ما قامت
الطروس والسطور و قصد ابلسطور الكتابة ،فهو اآلن يشري إىل األوراق والصحائف اليت تكون حمل كتابة،
وإىل السطور اليت تكتب فيها ،وجعل هذا ظرفاً تستمر فيه الصالة والسالم على رسول هللا صلى هللا وعليه
وسلم ،كلما قامت الطروس يعين :الصحائف والسطور لعيون األلفاظ مقام بياضها وسوادها ،و هذا ضرب
البالغة بديع ،وأدب رفيع ،مبعىن اللهم أدم الصالة والسالم على نبيك صلى هللا عليه وسلم كلما استمر
استخدام الصحائف والسطور يف كتاابت أهل العلم ،يف تدوين األلفاظ الرائقة يف عيون الكتابة واجلمل،
مقام البياض والسواد يف العيون ،وهذا يعين أن هذا مستمر إىل قيام الساعة ،ألن بين آدم ال يزال يستخدم
مثل هذا ،وأهل العلم لن ينفك أحدهم عن استخدام الصحف ،والكتابة فيها ابلسطور ،لتدوين الفوائد
وتقرير األحكام ،وإثبات اجلمل البديعة ،والفوائد املاتعة ،فهذا ال ينفك وسيبقى أبداً ،فجعل ذلك مقروانً
ابلصالة والسالم على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وهو ضرب مما تقرن فيه الصالة على النيب صلى
هللا عليه وسلم ابألمور املستمرة إىل قيام الساعة ،كما يقرن ابستمرار الشروق و الغروب ،وبنوح الطري،
وتغريد احلمام ،وحتليق الطري ،وأمثال ذلك مما اليزال متتابعاً يف الكون ،قال-رمحه هللا: -ما قامت السطور
والطروس لعيون األلفاظ مقام بياضها وسوادها ،ونضرع إليك يف منع املوانع عن إكمال مجع اجلوامع،هنا
صرح رمحه هللا ابسم الكتاب الذي امساه مجع اجلوامع سائالً ربه أن يرزقه التوفيق والسداد ،لئن يكون هذا
مشروعاً حمفوفاً ابلقبول ابلتوفيق اإلكمال اليت تتم معه هذه املشاريع ،وسأل هللا تعاىل أن مينع املوانع يعين
أن حييل وحيول بينه وبني كل ما يطرأ عليه ومينعه من إمتام هذا الكتاب ،وهذا أيضاً مما يُتعلم يف صنيع أهل
العلم وكالمهم وإشاراهتم ،أن العامل مهما بلغ من العلم ،ومهما أويت من األسباب ،اليت هي يف اجلملة
أسباب ،يعين علم ،ووقت ،وصحة ،وأسلوب ،وآلة متكنه من أن يقوم أبي مشروع علمي ،لكنه يبقى
أحدان مهما بلغ من األسباب إال أنه اليزال فقرياً واقفاً على ابب ربه والتضرع إىل هللا مست أهل العلم؛
ألهنم أوىل الناس هبذا املعىن ،إذا كان األنبياء والرسل عليهم السالم يظهرون غاية االفتقار إىل هللا سبحانه
السالم:ﭐﭐﱡﭐ ﲝ ﲞ وتعاىل ،يقول موسى عليه السالم:ﱡﭐ ﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱠ ويقول عيسى عليه
ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ
ﲹﲺﲻﲼﱠ يف مواضع كثرية جتد فيها أدب األنبياء عليهم السالم يف إظهار عظم االفتقار إىل هللا،
فأوىل الناس ابمتثال هذه املعاين هم ورثة األنبياء والرسل عليهم السالم ،وليس ذلك إال أهل العلم ،وطلبته،
3
و السالكون يف هذا الطريق ،هم أوىل الناس حقيقة أن يقوم فيهم معىن االفتقار ،والذل ،واخلضوع هلل،
واالنكسار بني يديه ،يف طلب حتقيق املراد ،و بلوغ املىن ،وال أمنية أعظم لطلبة العلم من الوصول إىل
عظيم املرادات يف حتصيل العلم ،وفهمه ،وادراكه ،وتعلمه وتعليمه ،هذا كله متوقف على عظيم فضل هللا
وقد جاء ذلك صرحياً يف كتاب هللا:ﱡﭐﱓﱔ ﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠ ﱡﱢﱣﱠ
فهذا شيء يعين يتعلمه طالب العلم مع أنه ليس مقصوداً هاهنا يف السياق إمنا طريقة أهل العلم تعلم هذه
املسائل من خالل عباراهتم وألفاظهم ،قال :ونضرع إليك يف منع املوانع عن إكمال مجع اجلوامع ،وقد
أكرمه هللا فأكمل مجع اجلوامع وانتشر يف حياته رمحه هللا ،ووصل إىل أيدي طلبة العلم والعلماء يف أوانه،
فمنهم من علَّق عليه ،وقرأه وشرحه ،ومنهم أيضاً من انقشه وسأله ،واستدرك عليه ،وهذا دليل على انتشار
الكتاب ،و اتج الدين السبكي -رمحه هللا ،-ملا أمت مجع اجلوامع ،وانتشر بني أيدي الطلبة ،ووصل إىل
العلماء وبلغهم ،ونظروا فيه ،وقرأوه واطلعوا عليه ،صارت هناك مكاتبات بني اتج الدين السبكي وبني
بعض أهل العلم يف زمانه ،فكاتبه بعضهم موجهاً إليه أسئلة واعرتاضات واستدراكات على ما قرره يف مجع
اجلوامع إما من حيث األسلوب والصياغة أو األلفاظ والعبارة أو احملتوى أو التقرير يف املسألة إىل أخره يف
ذلك ،فلما اكتملت عنده مجلة من األسئلة واجتمعت ،صنف رمحه هللا كتاابً آخر أشران إليه يف الدرس
املاضي أمساه منع املوانع عن مجع اجلوامع ،فكانت هذه مناسبة لطيفة هو يف مقدمة الكتاب سأل هللا
أن مينع عنه املوانع من إكمال مجع اجلوامع وملا مت له الكتاب وبلغته أسئلة أهل العلم ونقاشهم واستدراكاهتم
مجعها مث صاغ فيها مصنفاً امساه منع املوانع عن مجع اجلوامع ،مل يقصد فيه شرح أللفاظ الكتاب لكنه
أراد اإلجابة عما ورد من اعرتاضات ونقاشات وسؤاالت جاء هبا فنثرها يف كتاب منع املوانع وقرر فيها
ما قصد هبذه العبارة ،وملاذا أتى هبذا اللفظ؟ وملاذا قال كذلك ومل يقل هكذا؟ مث أجاب عما يراه-رمحه
هللا -فصار كتاابً مستقالً هو منع املوانع عن مجع اجلوامع ،وال خيلو عادة أحد شراح مجع اجلوامع على
كثرهتم ،ال خيلو أحد منهم من االستفادة من منع املوانع وإن مل يكن شرحاً كامالً ،إىل أنه يستفاد منه؛
ألنه من صنيع املؤلف وكالمه ذاته ،فما يقوله يف مجلة وما يقرره يف عبارة ،هو املعول وينبغي أن يكون هو
الذي يقصد به املؤلف،ألنه أدرى الناس مبا يكتب ويقول رمحة هللا عليهم أمجعني ،قال -رمحه هللا: -ونضرع
4
الدين ،وأصول الفقه ،وأتى منهما ابلقواعد القواطع ،قال :البالغ من اإلحاطة ابألصلني يعين أصول الدين
وأصول الفقه ،مبلغ ذوي اجلد والتشمري ،الوارد من زهاء مئة مصنف منهالً يروي وميري ،يعين هذا الكتاب
قد حوت مسائله خالصة ما جاء يف عدد كبري من الكتب واملراجع كما قال زهاء مئة مصنف ،وهذه املئة
مصنف ليست كثرية يف زمن اإلمام السبكي -رمحه هللا -يف القرن الثامن اهلجري ،فكتب األصول فوق
ذلك بكثري ،لكنه مجع أمهات الكتب وعيوهنا ورؤوسها ،فكانت عنده ما حيفظ منها ،وما يرجع إليه ،وما
فهمه وما استوعبه ،فكان كل ذلك حاضراً ملا صنف مجع اجلوامع ،هذا مل يقله اتج الدين السبكي
مفاخرًة أو مباها ًة أو استكثاراً ،لكنها كانت عادة عند أهل العلم السابقني -رمحهم هللا ، -عندما يريد
أحدهم أن يستحيث مهة طالب العلم ،كأنه يريد أن يقول لك ال تزهد فيه ،فهو كتاب متعوب عليه ،وال
تنظر إليه نظرةً عاجلة فقد مجعته من كذا وكذا ،وهذا كله وإن كان إثبات للجهد أوالً وتقريراً و توثيقاً ،إىل
أنه يف احملصلة يشعرك وأنت تقرأ مقدمة الكتاب أنك أمام مشروع علمي هو عصارة مئة مصنف تقريباً يف
األصول ،إذاً هو ليس كتاابً قاله مما ورد عليه يف اخلاطر ،أو مما استقر عنده من مسائل ،لكنه حمرر وقد
شرحي على املختصر و املنهاج مع مزيد
َّ اجتهد فيه -رمحه هللا ، -وأكد هذا فقال :احمليط بزبدة ما يف
كثري ،يعين هذا الذي سأقرره لك ،وأقربه لك وأصوغه لك يف مجع اجلوامع هو حميط بزبدة ما أوردته يف
شرحني كبريين ،وقد أشرت إليهما يف الدرس املنصرم ...شرحه األول على منهاج البيضاوي و قد علمت
أن املنهاج هو خمتصر للحاصل لتاج الدين األرموي ،واحملصول لإلمام الرازي ،فالبيضاوي ملا اختصر
املنهاج وقدمه ،شرح اتج الدين السبكي هذا املنت منهاج البيضاوي مكمالً ما ابتدأه أبوه رمحه هللا ،يف
مقدمة الكتاب يف اإلهباج ،فإن والده تقي الدين السبكي ابتدأ شرح الكتاب ووقف يف عند حد الواجب،
مث اكمل ابنه اتج الدين صاحب مجع اجلوامع أكمل الكتاب وأمساه اإلهباج يف شرح املنهاج ،وملا انتهى،
اقبل على شرح خمتصر ابن احلاجب يف كتاب أمساه رفع احلاجب عن خمتصر ابن احلاجب ،فهذان
شرحان كبريان ،على متنني مها العمدة يف ذلك الوقت يف كتب األصول ،وكما قلت لك فأحدمها ميثل
حمصول الرازي ،واآلخر ميثل إحكام اآلمدي يف خمتصر ابن احلاجب ،وقد شرح اتج الدين السبكي
الكتابني وابلتايل فهو مدرك متاماً ملسائل الكتابني واملختصرين إبقباله على شرحهما ،هو يقول لك اآلن
إن مجع اجلوامع هو زبدة ما يف ذينك الشرحني ،بل قال :مع مزيد كثري ،إذاً فيه من املسائل يف مجع
اجلوامع ما ليس يف شرحه يف اإلهباج على املنهاج ،و ما ليس يف شرحه يف رفع احلاجب يف خمتصر ابن
احلاجب ،وهذا أيضاًكما قلت لك إغراء لطالب العلم وهو يقرأ يف مقدمة الكتاب أن اتج الدين السبكي
5
فعالً قدم جهداً علمياً حمرراً نفيساً ،وهو يشعرك هبذه العبارات أنه قدم شيئاً ليس ابليسري ،وأنه حيتاج إىل
عمل ينظر فيه املصنف ،وينظر فيه الشارح ،وينظر فيه الطالب نظرة اإلنصاف ،بل قال -رمحه هللا -يف
آخر كتابه ملا ختم الكتاب وهو يريد أن يودع خامتة الكتاب شيئاً يعرب عن املعىن ،قال -رمحه هللا :-فإن
هذا الكتاب ال يتأتى اختصاره ،يعين يقول مع ما فيه من املسائل إىل أنه يف أقصى درجات االختصار،
وأي اختصار بعده سيكون خمالً ،وأراد أن يغلق الباب أنه ال يصلح أن يكون خمتصراً هلذا الكتاب ،مع أن
شيخ االسالم زكراي األنصاري -رمحه هللا -اختصره وأمساه لُب األصول مث شرحه ،لكنه كان حصل خلل
من فوات بعض املسائل ،على ٍ
كل هذا الصنيع من املصنف كما قلت لك درج عليه بعض أهل العلم يف
رفع اهلمم واستحثاثها ،ويف استنثار مهة طالب العلم وهو يقبل على املنت أن يكون له وعي وادراك وإملام
مبضمون الكتاب مبسائله ابحلاجة إىل أن يشمر تشمري احلريص يف اإلفادة من ما اشتمل عليه املنت من
املسائل والعلوم ،قال -رمحه هللا تعاىل :-وينحصر يف مقدمات وسبعة كتب ،يعين هذا املنت سيشتمل على
مقدمة ،بفتح الدال على أهنا اسم مفعول ،ويصح فيه
سبعة كتب سبقها بعض املقدمات ،املقدمات :مجع َ
مقدمة اسم مفعول ِ
كسر الدال فتقول مقدمات مجع مقدمة على أهنا اسم فاعل وكالمها له وجه ،فإذا قلت َ
من قدمها؟ املصنف مقدمة أي كتاب؟ مقدمة أي كتاب قدمها املصنف على ابقي الفصول واألبواب،
مقدمة فتكون هي اسم الفاعل فهي مقدمة قدمها املصنف فكانت بني يدي الكتاب ،و ميكن أن تقول ِ
ُ َ
وتكون املقدمة اليت يصوغها املؤلف تقدمك إىل ما بعدها من األبواب ،يعين أتخذك إليها ،وكال املعنيني
مقدمة كتاب، صحيح ،والوجهان جائزان ،بل ذكر القرايف عن بعض أرابب اللغة أن كل كلمة َ
مقدمةَ ،
ومقدمة ،إال ِ
مقدمة اجليش فإهنا ال تطلق مقدمة مشروع ،مقدمة جمموعة ،كلها جيوز فيها الوجهان مقدمة ِ
َ َ َ
املقدمات عند أهل العلم فاملقصود هبا :كل ما يوقف
إال بكسر الدال على غري خالف فيها ،وأما معىن َ
عليه حصول أمر آخر ،مقدمة أي شيء يرتتب عليها حصول أمر بعده فال تكون مقدمة إال وبعدها شيء
املقدمة جزء من الدليل ،فإن الدليل املنطقي يتكون من مقدمتني،
يلحقها ويتبعها ،وعند املناطقة يقولون َ
صغرى وكربى ،وهااتن املقدمتان جتمعان إىل بعضهما فتنتج عنهما النتيجة هذا يسمى دليالً عن املناطقة،
كقوهلم مثالً العا َمل ممكن ،وكل ممكن له سبب إذاً فالعا َمل له سبب ،فاجلملة األوىل تسمى ِ
مقدمة ،والثانية
تسمى مقدمة صغرى وكربى ،مث تنتج عنهما نتيجة هذا اصطالح ،تركيب الدليل عند املناطقة هبذا التقسيم
املقدمة على اجلزء من الدليل ،أما هنا يف التصنيف املقصود به هي مقدمة الكتاب أييطلقون مصطلح ِ
صدره وبداية التصنيف اليت يذكر فيها املصنف عادة أمساء كتبهم ،ومنهجهم ،ومرادهم ،وشيئاً ما جيعلونه
6
مدخالً يعني القارئ على فهم ما سيأيت من فصول وأبواب الكتاب ،إذاً هي سبعة كتب رتبها املصنف-
رمحه هللا -على ما سيأيت بك يف أثناء الكتاب ،الكتاب األول يف األدلة بل يف القرآن ،وجعل معه دالالت
األلفاظ الكتاب الثاين يف السنة ،مث االمجاع ،القياس ،مث األدلة املختلف فيها ومسّها -رمحه هللا تعاىل-
االستصحاب ،واالستصالح ،وذكرها يف جمموعة من الفصول يف جمموعة وختم آخر كتابه ابالجتهاد
والتقليد ،وبعض مسائل تتعلق أبصول الدين.
7