You are on page 1of 3

‫على قدر أهل العزم‬

‫بقلم محمد عبد الكريم يوسف‬

‫للقيادة شؤونها وشجونها التي ال يعرف تفاصيلها وأس رارها إال أص اب الش أن فيه ا ‪.‬‬
‫نق رأ يومي ا على مواق ع التواص ل االجتم اعي االنتق ادات الكث يرة للقي ادة وال تي في‬
‫معظمه ا ص ادر عن أن اس لم يجرب وا القي ادة ولم يتعرض وا للظ روف الطارئ ة أو‬
‫المواقف االستثنائية التي تقتضي رد فعل استثنائي ‪ .‬ونحن هنا ال نبرر أب دا الق رارات‬
‫الخاطئة التي تأتي في الظروف العادية وإنما نريد أن نشير إلى الق رارات االس تثنائية‬
‫في الظروف االستثنائية ‪ .‬لقد أدرك خبراء السياسة واإلدارة الضرورة الملحة لوج ود‬
‫المكاتب االستش ارية للق ادة وتأس س م ا نس ميه ش ركات العالق ات العام ة ال تي تق وم‬
‫بدراسة الحالة الطارئة في ظروف بعيدة عن المش كلة الطارئ ة وتق وم بتق ديم الحل ول‬
‫المناسبة للمسألة الطارئة بعيدا عن المؤثرات العاطفية التي ق د ت دفع القائ د لالرتج ال‬
‫واتخاذ قرار متسرع ق د ي رغب ب التراجع عن ه بع د حين ‪ .‬وق د يك ون درس الط بيب‬
‫الش رعي في إدارة األزم ات من ال دروس الجي دة ال تي يمكن االس تفادة منه ا في ه ذا‬
‫السياق فما تراه أنت وأن ا مص يبة كب يرة يس تدعي البك اء يك ون عمال عادي ا للط بيب‬
‫الشرعي ورجال اإلسعاف وما تراه أنت وأنت ظرفا طارئا هو عمل اعتيادي روتيني‬
‫لألخرين ‪ .‬لقد كثرت االنتقادات في الفترة األخيرة من العام ة لرج ال الطب والص حة‬
‫واالس عاف بع د انتش ار ف يروس كوفي د ‪ 19-‬المس تجد بس بب م ا س مي التب اطؤ في‬
‫االستجابة للحاالت المشتبه بها بالفيروس اللعين ‪ .‬الحقيقة أن التباطؤ ناجم عن سرعة‬
‫لهفة المنتقد واعتيادية العمل المميز الذي يقوم به هؤالء الرجال‪ .‬القيادة والتعام ل م ع‬
‫األزمات والظروف الناش ئة علم وفن وخ برة ق د تقتض ي من القائ د التض حية أحيان ا‬
‫بالكثير من األشياء الغالية بما فيها السمعة وغرابة السلوك وفرادته بما يرافق ذلك من‬
‫ظلم وتجن على القائد بسبب غياب المعطي ات الكث يرة عمن ينتق د أو يش هر س يفه في‬
‫وجه القائد‪.‬‬
‫يحكى أن ه في ي وم من األي ام وفي مدين ة كوفين تري في انكل ترا ‪ ،‬ع اش ل ورد اس مه‬
‫ليوفريك ‪ ،‬وكان يتمتع بأخالق متدنية وأناني ومتغطرس ويهتم فقط بشؤونه الخاصة‪،‬‬
‫وكان يمتلك قصرا فارها وحدائق خالبة وخيوال جميلة وكالب ا مدلل ة وزوج ة جميل ة‬
‫جدا اسمها غوديفا‪ .‬ك انت غوديف ا من النس اء الفاتن ات ب ل األجم ل بين النس اء تمتل ك‬
‫ابتسامة ساحرة وشعرا ذهبي ا منس دال وطبيع ة لطيف ة ‪ .‬ك ان يس قط في حبه ا ك ل من‬
‫شاهدها لكن اللورد ليوفريك أحبه ا تمام ا كم ا أحب منزل ه وحدائق ه وخيول ه وكالب ه‬
‫وكان يعتقد أن غوديفا ليست سوى ملكية خاصة أخرى من أمالكه الكثيرة ‪.‬‬
‫وحتى يحافظ لوفريك على ثروته وممتلكاته ويزيدها كما ك انت الع ادة في تل ك األي ام‬
‫وهذه األيام مع تغير بس يط في التس مية والمص طلحات ف رض ض رائب جدي دة على‬
‫الفالحين ال ذين يس تثمرون أرض ه وعلى تج ار المدين ة وص ناعها دون االك تراث‬
‫بالمحنة التي قد تصيب الفرحين والصناع وسكان المدينة ‪ .‬لق د اهتمت غوديف ا لألم ر‬
‫المستجد وأدركت أن المحنة قادمة ال محالة في ظل الظروف المستجدة خاص ة وأنه ا‬
‫كانت تنزل إلى الشارع وتستمع للهموم وتسامر نساء المدينة بين الحين واآلخر‪.‬‬
‫عندما سئمت السيدة غوديفا من طبيع ة زوجه ا المس يطرة ‪ ،‬ق ررت امتط اء حص انها‬
‫األبيض القوي والتنقل بين الريف و المدينة ‪ .‬كانت تحب التح دث م ع الن اس هن اك ‪،‬‬
‫وك ان س كان البل دة يتطلع ون إلى زياراته ا وينتظرونه ا ألنه ا ك انت ودي ة ولطيف ة‬
‫وتستمتع باالستماع إلى همومهم اليومية وتستشرف القيل والق ال في زواريب المدين ة‬
‫الض يقة‪  .‬في بعض األحي ان ك انت ت دعو األطف ال للرك وب على حص انها‬
‫األبيض ؛‪ ‬وكانت دائ ًما تتوقف للدردشة مع أصحاب المتاجر والعمال والصناع ‪.‬‬
‫وذات ي وم انطلقت الس يدة غوديف ا على حص انها‪  .‬األبيض وه رولت إلى المدين ة‬
‫ولوحت ألول صاحب متجر رأته ‪ ،‬لكنه اليوم لم يبتسم أو يلوح كما هي العادة ‪ .‬ق الت‬
‫في نفسها ‪" :‬كم هو غريب‪ .‬ربما لديه مشاكل في المنزل‪  ".‬تابعت طريقه ا ‪ ،‬و رأت‬
‫المزي د والمزي د من الن اس و الحظت أن الجمي ع ك انوا حزي نين ‪ .‬لم يبتس م أح د في‬
‫وجهها أو يلوح بيديه كما هي العادة ‪ ،‬و األطفال بدا عليهم الكآبة‪.‬‬
‫احتارت غوديفا من هذا الحزن الغريب الذي غطى المدينة ‪ ،‬و ت وقفت غوديف ا لرؤي ة‬
‫الخباز ‪ ،‬صديقها الخاص‪  .‬ق الت ل ه ‪" :‬أخ برني ‪ ،‬لم اذا يش عر الجمي ع في كوفن تري‬
‫بالحزن الشديد اليوم؟"‬
‫ف وجئ الخب از بس ؤالها وق ال‪" :‬بالتأكي د تع رفين م ا فعل ه زوج ك"‪"  .‬لق د ض اعف‬
‫الضرائب علينا ‪ .‬نحن نكافح بالفعل لنحيا ‪ ،‬واآلن سنكون أكثر فق رًا بس بب ض رائبه‬
‫المجحفة"‪.‬‬
‫عندما سمعت السيدة غوديفا هذا الخبر ‪ ،‬غضبت غض با ش ديدا وق الت‪" :‬س أعود إلى‬
‫البيت على الفور وأخبر زوجي أنه يجب عليه أال يفعل ذلك" ‪ ،‬وهرعت إلى قصرها‪.‬‬
‫وعندما وصلت إلى القصر ‪ ،‬ترجلت بس رعة وأس رعت الخط و في مكتب زوجه ا‪ .‬‬
‫قالت بغضب‪ " :‬يا زوجي ‪ ،‬أريد أن أتحدث إليك "‪.‬‬
‫استدار ليوفريك ونظر إليها و‪ ‬قال‪" :‬وأنا أود أن أتح دث إلي ك أيض ا ‪ .‬لن ت ذهبي أب دًا‬
‫إلى المدينة مرتدية مالبسك بهذه الطريقة مرة أخرى‪ .‬كيف تجرؤين على ارتداء مث ل‬
‫هذه المالبس الرديئة في األماكن العامة! أنت زوجة لورد ‪ ،‬وس ترتدين مالبس ك وفقً ا‬
‫لألصول الرسمية من هذا اليوم فصاعدًا‪".‬‬
‫استدارت السيدة جوديفا ونظ رت إلى عي ني زوجه ا‪ ،‬و‪ ‬ق الت بن برة لم تس تخدمها من‬
‫قب ل‪" :‬ال يهم ني م ا ه و رأي ك في مالبس ي‪ ،‬وأري دك أن تش رح لي لم اذا ض اعفت‬
‫الضرائب على الناس‪ .‬هذه جريمة ال تغتفر‪" .‬‬
‫دهش الورد‪ ‬ليوفريك وقال ‪" :‬كيف تجرؤين على التحدث إلى زوج ك به ذه الطريق ة‪.‬‬
‫عملي من شأني و ليس من شأن سيدة مثلك ‪ .‬أنت تميلين إلى التصرف بعق ل الم رأة ‪.‬‬
‫عليك االهتمام بواجباتك كامرأة ‪ ،‬وأنا سأعتني بواجبي كرج ل‪ .‬الض رائب هي عملي‬
‫ومن اختصاصي ‪ .‬وعليك أن تكوني زوجة سيد هو ملكك‪".‬‬
‫لم تعد السيدة غوديفا تتحمل هذا الوضع وشعرت بأنها تفقد أعص ابها‪ .‬فك رت وق الت‪:‬‬
‫"الناس بحاجة إلى المال ليأكلوا! إذا لم تخفض الضرائب ‪ ،‬فسأفعل ‪"...‬‬
‫ضحك‪ ‬اللورد‪ ‬ليوفريك وقال‪" ‬سوف ماذا؟ ما التهديد الذي تقترحينه ؟"‬
‫تعرف السيدة غوديفا ما الذي يكسر عناد زوجها ‪ .‬كان لديها م ا يكفي من الق وة لتنفي ذ‬
‫تهدي دها‪ .‬و‪ ‬ق الت‪" :‬س وف ت رى م ا أفع ل"‪  .‬ثم أس رعت إلى الخ ارج ‪ ،‬وامتطت‬
‫حصانها‪ ،‬ورجعت عائدة إلى المدينة‪  .‬وهناك ‪ ،‬في ساحة البلدة ‪ ،‬نشرت بيان ا مكتوب ا‬
‫يقول‪ ":‬إذا‪ ‬لم يخفض‪ ‬اللورد‪ ‬ليوفريك‪ ، ‬زوجي ‪ ،‬ضرائبه بحلول ظهر ي وم الس بت ‪،‬‬
‫أعدك أنا السيدة غوديفا بأنني سأمتطي جوادي األبيض في شوارع كوفن تري عاري ة‬
‫بال مالبس على اإلطالق!"‬
‫في أقل من ساعة من الزمن ‪ ،‬انتشرت األخبار في جميع أنحاء مدينة الليدي غوديف ا‬
‫تتحدى زوجها‪  .‬وعندما‪ ‬سمع‪ ‬اللورد‪ ‬ليوفريك‪ ، ‬انفجر ضاح ًكا و قال "لن تفعل هذه‬
‫المجنونة مثل هذا الشيء ‪ ،‬ولن تجرؤ أي امرأة على أن تخجلني بهذه الطريقة"‪.‬‬
‫كان سكان البلدة على يقين من أن الل ورد‪ ‬ليوفري ك‪ ‬س يخفض الض رائب بس بب ق رار‬
‫الس يدة غوديف ا‪ .‬و لن يس مح بالتأكي د لزوجت ه ب الظهور عاري ة في األم اكن العام ة‪ .‬‬
‫وانتظروا ما يحصل على أمل أن يعلموا في أي لحظة أنه سيتم تخفيض الضرائب‪.‬‬
‫مرت األيام ولم تأت أي كلمة من اللورد ‪ .‬وفي مساء الجمعة ‪ ،‬أدرك س كان البل دة أن‬
‫السيدة غوديفا المحببة إلى قلوبهم جميعا سوف تفي بوعدها‪  .‬وألنهم أحبوها ‪ ،‬أرادوا‬
‫فعل شيء ما تجاهها‪  .‬لذا في تلك الليلة بالذات اجتمع وا في س احة البل دة ليق رروا م ا‬
‫يجب القيام به لمساعدتها‪.‬‬
‫وقبل عشر دقائق من ظهر يوم السبت ‪ ،‬غادر جميع سكان البل دة الش وارع ‪ ،‬ودخل وا‬
‫من ازلهم ومحالتهم وأس دلوا الس تائر وأغلق وا األب واب والنواف ذ وأداروا ظه ورهم‬
‫لألبواب والنوافذ‪  .‬وعندما دقت ساعة البلدة ‪ 12‬مرة ‪ ،‬سمعوا ح وافر حص ان الس يدة‬
‫غوديفا في الشوارع المرصوفة بالحصى ‪ ،‬وكانوا يعرفون أن أنه ا ق د أوفت بوع دها‬
‫بأن تسير في شوارعهم مغطاة فقط بشعرها الطويل الذهبي‪  .‬لق د وع دوا أنفس هم ب أن‬
‫اسمها لن يُنسى أبدًا ‪ ،‬وأنه سيتم تذكرها دائ ًما على أنها امرأة شجاعة ليس لها مثي ل ‪،‬‬
‫ومنذ ذلك اليوم تحولت غوديفا إلى حكاية والحكايات ال تموت ‪.‬‬

‫القيادة الصلبة تحتاج إلى إرادة صلبة ودراية بما يجب فعله تجنبا للمحظ ور‪ .‬ألم يق ل‬
‫الشاعر يوما‪ :‬على قدر أهل العزم تأتي العزائم‪...‬‬

You might also like