You are on page 1of 56

‫كلمة رئيس التحرير‬

‫نحن ال نملك كتاباً مقدساً‬ ‫حنن ال منلك كتاباً مقدساً‬ ‫‪2‬‬ ‫هيئة التحرير‬
‫و ال منلك ماليني الشيوخ و الرهبان و رجال الدين و املبشرين‬ ‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬ ‫‪3‬‬
‫ال منلك دوراً للعبادة‬ ‫ماذا قدمت النساء للعلم؟؟‬ ‫‪22‬‬ ‫أمين غوجل‬
‫و ال منلك مدارس و معاهد و جامعات لتدريس افكارنا‬ ‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬ ‫‪24‬‬ ‫أخيل‬
‫مقابل مئات اآلالف لناشري األديان و معتنقيها‬ ‫من الروح إىل الوعي‬ ‫‪38‬‬ ‫تيتان‬
‫حنن ال منلك قناة تلفزيونية أو اذاعية واحدة مقابل عشرات آالف القنوات الدعوية ملختلف االديان‬ ‫أمهات املؤمنني ـ قراءة مغايرة (صفية بنت حيي)‬ ‫‪48‬‬ ‫نور‬
‫حنن ال منلك تدريس أفكارنا منذ الصغر يف املدارس مقابل عمليات غسيل االدمغة ألطفال معتنقي‬ ‫ملاذا اإلسالم هو حمور النقد والسخرية؟‬ ‫‪52‬‬ ‫‪Hunger Mind‬‬
‫االديان‪ ،‬و لكن حنن باملقابل منلك ما ال ميلكونه جمتمعني‬ ‫االقتصاد االسالمي بضعة نقاط‬ ‫‪56‬‬ ‫دين‬
‫حنن منلك املنطق و العلم‬ ‫نبضات بن باز ‪ ...‬لقد رأينا اهلل !‬ ‫‪58‬‬ ‫تامبي‬
‫و هلذا السبب جمموعة المتلك كل هذه الوسائل و ال تضخ هلا كل هذه املليارات و جييش هلا مئات‬ ‫بن باز ‪ ..‬حوار‬ ‫‪62‬‬ ‫كاترينا‬
‫آالف الشيوخ و الرهبان و يتوفر هلا كل مستلزمات الضخ االعالمي و الثقايف و اجملتمعي و القانوين‬ ‫التحيزات املعرفية الـ‪ 12‬اليت متنعك من أن تكون عقالنياً‬ ‫‪68‬‬ ‫بن باز عزيز‬
‫و السياسي ‪.‬‬ ‫إمساعيل أدهم ورسالته ‪ :‬ملاذا أنا ملحد؟‬ ‫‪76‬‬ ‫رامي‬
‫تنتصر و تؤرق و حيسب هلا كل هذا احلساب‬ ‫السيارة اليت صنعت نفسها‬ ‫‪90‬‬
‫ال بل مؤخراً أصبح هناك دورات و دراسات و مواقع و صفحات للرد علينا‬ ‫من اهلل إىل الكمبيوتر‬ ‫‪94‬‬
‫كم أنتم ضعفاء ‪ ...‬أنتم و اديانكم و كل آهلتكم‬ ‫مشاعر اللالديىن‬ ‫‪100‬‬
‫بعد كل هذا تعب الذين تتعبونه لتجهيل الشعوب ‪ ...‬و بعد كل هذه األموال‬ ‫ماذا لو؟؟‬ ‫‪102‬‬
‫هناك بلدان بأكملها أصبح فيها املتدينون أقلية‬ ‫أحوال شخصية‬ ‫‪104‬‬
‫هناك أجيال بأكملها رفضت ترهاتكم بعد أن مسعت أول مجلة منطقية‬ ‫نقض الدستور املصري اجلديد من وجهة نظر اإلسالم‬ ‫‪106‬‬
‫أنتم تتخبطون و تقاتلون و تذحبون و ترهبون و تدفعون املليارات‬
‫و حنن جنعل الناس حتتفل باملنطق جماناً‬
‫أنتم تسرفون بعبادة من تعتقدون أنه يف السماء و تسرفون أكثر بعبادة من هم على األرض‬
‫و حنن نسرف باالحتفال حبريتنا ‪ ...‬و شتان بني عبيد و أحرار‬

‫عيشوا سعداء أصدقائي‬


‫فاحلرية و السعادة شئ واحد‬

‫أمين غوجل‬ ‫‪i-think-magazine.blogspot.com‬‬


‫‪www.ithinkmag.net‬‬
‫رئيس حترير جملة أنا أفكر‬ ‫‪facebook.com/I.Think.Magazine‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬ ‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬

‫أن العقل‪ ،‬كما يتجلى على حنو طاقة قادرة على اختاذ الق رار‪ ،‬يكون إىل ٍ‬
‫حد‬
‫كل إلكرتون‪.‬‬
‫ما‪ ،‬متأص الً يف ّ‬ ‫العقل هو مسرية الطبيعة ملعرفة ذاتها‬
‫‪ .2‬المستوى الثاني‪ :‬ه��و امل��س��ت��وى ال���ذي ي ��ك��ون فيه العقل على حنو‬ ‫نـدره اليـازجـي‬

‫م ��ا ن ��دع��وه ب ��ـ «مستوى التجربة اإلنسانية امل��ب��اش��رة»‪ .‬فوفق ه��ذا املستوى‪،‬‬
‫تظهر عقولنا وكأهنا أجهزة تعمل لتوسيع املك ِون األساسي للعقل الفاعل يف‬
‫يحُ تمل أال تكون لإلنسان روح خاصة ب��ه‪ ،‬لكنه على األق��ل‪ ،‬ج��زء من روح‬
‫اخليارات الكوانتية اليت تضعها اإللكرتونات أو الذ رات داخل رؤوسنا‪ .‬وهذا‬
‫كربى‪ ،‬هي روح واحدة شاملة ختص كل إنسان‪.‬‬
‫يشري إىل أن الكون‪ ،‬يف ك لّ يته‪ ،‬مالئم لنمو العقل‪.‬‬
‫جون شتاينبك‬
‫‪ .3‬المستوى الثالث‪ :‬ه��و املستوى ال��ذي نشاهد فيه امل ��ك�� ِون العقلي‬
‫األساسي للكون‪ .‬يقول فرميان دايسون‪« :‬إننا‪ ،‬إذ نعرتف بوجود هذا املك ِون‬
‫العقلي للكون‪ ،‬نعرتف يف الوقت ذاته‪ ،‬بأننا أج زاء صغرية من اجلهاز الكوين‬
‫الذي يشري إىل حقيقة الوعي الكوين‪».‬‬

‫مارغ ناو والعقل الكوني‬ ‫أوالً‪ .‬هنري ِ‬


‫يسهل علينا أن جند العديد من الصوفيني والشع راء والفالسفة ممن آمنوا‬
‫بالطبيعة الالمركزية أو الالحمدودة للعقل والشبيهة بالروح‪ .‬لكننا يف املقابل‪،‬‬
‫ال جند إال القليل من العلماء ممن انشغلوا هبذا اإلميان من وقت إىل آخر‪.‬‬
‫مـقـدِّمـة‬
‫ل���ذا يُ��ع��ت �بر ه��ن��ري م��ارغ��ن��او‪ ،‬ال���ذي ك���ان أس���ت���اذاً ف��خ��ري��اً للفيزياء والفلسفة‬
‫يؤكد العلماء الذين انشغلوا بد راسة الكون وجود العقل يف مستويات ثالثة‪:‬‬
‫الطبيعية يف جامعة ييل‪ ،‬عامل اً ف��ذاً حت��دث ص راحة عن مشولية العقل‪ .‬وقد‬
‫‪ .1‬المستوى األول‪ :‬هو مستوى السريورات املادية األولية يف امليكانيكا‬
‫استهل مارغناو‪ ،‬الذي قام باختباراته يف الفيزياء الذرية والنووية‪ ،‬دراسته وهو‬
‫الكوانتية – وهذا ألن املادة‪ ،‬وفق ما هي عليه يف امليكانيكا الكوانتية‪ ،‬ليست‬
‫يتقصى حقيقة األسس الفلسفية للعلم الطبيعي‪ ،‬فاستطاع أن يوسع وجهة‬
‫جوه راً غري فعال أو عاطل‪ ،‬بل عامل أو قوة فعالة تفعل دائم اً يف عملية اختاذ‬
‫نظره الكلية والشاملة إىل الفيزياء‪ ،‬معلن اً أن الفيزياء هتدف إىل إب راز حقيقة‬
‫الق رار وسط احتماالت التعاقب أو التناوب حبسب القوانني االحتمالية‪ .‬واحلق‬
‫تتجلى فائدهتا يف مشولية حتتوي أبعاد احلياة قاطبة‪ .‬ويف وفاق مع هذا املنظور‬
‫أن كل جتربة كوانتية تُلزم الطبيعة على القيام بـعملية اختيار‪ .‬وهكذا يبدو‬
‫الشامل‪ ،‬يُعد كتاب مارغناو معجزة الوجود أطروحة ال يقتصر ما جاء فيها‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬
‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬ ‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬

‫عندما تنفصل يف امل��ك��ان حبيث ال ت ��ك��ون متفاعلة‪ ،‬ي ��ك��ون أح��ده��ا حم��اي��داً‬ ‫على الفيزياء وحدها‪ ،‬بل يتعداها إىل احلديث عن احلقيقة املطلقة‪ .‬ففي كتابه‬
‫فيما حيمل اآلخ��ر شحنة موجبة‪ .‬وعندما يقرتب أح ��دمه ��ا م ��ن اآلخ��ر اق �تراب ��اً‬ ‫هذا يتماثل مصطلح «العقل الكوين» مع مصطلح «العقل الالمركزي» الذي‬
‫كافي اً ختتفي هويتهما‪ ،‬وتندمج خصائصهما‪ ،‬ويصبح التمييز بينهما أم راً‬ ‫نعتمده يف هذا املقال‪.‬‬
‫مستحي الً‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬يكونان ‪ onta‬اثنني‪.‬‬ ‫إذا ك��ان ال ��ص ��وف��ي ��ون ك��ث �يراً م��ا حت��دث��وا ع��ن ال��وح��دة ال�تي تكتنف ال��وج��ود فإن‬
‫وباإلضافة إىل ذلك‪ ،‬يشري مارغناو إىل حقيقة هي‪:‬‬ ‫العلماء النظريني عاينوا هذه الوحدة الشاملة يف متاثل خصائص املك ِونات‬
‫��ك��ون��ات العامل‬ ‫ي��ف�ترض العلماء احمل��دث��ون وج���ود ق��وى أس ��اس��ي��ة خمتلفة ب�ين م ِّ‬ ‫األولية أو البدئية للمادة‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول مارغناو‪:‬‬
‫ال��ن��ووي‪ .‬وتعتمد ق��درة ه��ذه ال ��ق��وى على طاقة الكيانات املتفاعلة‪ .‬وعلى‬ ‫مث ��ة يف الطبيعة متاسك مذهل ووح���دة تدعو إىل الدهشة – وه��ذا ألن مجيع‬
‫مستوى الطاقات الصغرية للتفاعل‪ ،‬ختتلف شدة هذه القوى كث رياً‪.‬‬ ‫ذرات األكسجني يتصف بالكتلة وبالوزن ذاهتما‪ ،‬ويتصف مجيع اإللكرتونات‬
‫ويتابع مارغناو حديثه قائ الً‪:‬‬ ‫بالكتلة وباللف ‪ spin‬وبالشحنة عينها‪ ،‬األمر الذي يشري إىل وجود دقة يعجز‬
‫يُدهشنا أن نعلم أن قيم هذه القوى الثالث تتعادل‪ ،‬كما يؤ ّك د العلم‪ ،‬يف‬ ‫اإلنسان عن إجنازها يف األشياء اليت يصنعها‪ .‬وينطبق هذا التماثل التام على‬
‫الطاقات العالية جداً‪ .‬ويُعد هذا املثال إشارة إىل وجود الوحدة‪.‬‬ ‫مجيع خصائص املك ِونات األساسية للمادة‪ .‬وعندما جند هذا التماثل والوحدة‬
‫يؤكد مارغناو بأنه يستطيع‪ ،‬كونه عامل فيزياء‪ ،‬أن يتحدث عن الوحدة اليت‪،‬‬ ‫يف العامل املاكروسكوپي ويف عاملنا اليومي‪ ،‬ندرك أن العقل اإلنساين هو الذي‬
‫ويدع م‬
‫كما حتدثنا إهل ��ام ��ات العلم‪ ،‬تشمل املستويات القصوى للطبيعة‪ّ .‬‬ ‫صممها‪ .‬على هذا األساس‪ ،‬نستنتج وجود كيانات أساسية للفيزياء الذرية‬
‫مارغناو وجهة نظره بوجهة نظر كل من ڤرينر هايزنربغ وديڤيد بوهم‪ .‬فقبيل‬ ‫أبدع ها ليس العقل اإلنساين‪.‬‬
‫والنووية‪ ،‬ونعلم أن العقل الذي َ‬
‫وفاته‪ ،‬حتدث هايزنربغ عن بعض التصورات امليكانيكية األساسية املألوفة‪،‬‬ ‫يف سبيل توضيح ال��وح��دة ال�تي نتحدث عنها‪ ،‬يستعمل م ��ارغ ��ن ��او مصطلح‬
‫مثل «كوهنا مؤلفة من» و «كوهنا أج زاء متمايزة ميكن لنا تسميتها»‪ .‬وقد‬ ‫‪ onta‬اليوناين األصل الذي يعين الكينونة أو الوجود‪ .‬وقد دلت حبوث الفيزياء‬
‫ع برّ ديڤيد بوهم عن هذا الشعور ذاته يف العبارة التالية‪:‬‬ ‫النووية على أن ‪ onta‬خمتلفة يتحد بعضها مع بعض ويفقد هويته يف ظروف‬
‫كل متصل وغري جمزأ يتجاوز‬ ‫يبلغ اإلنسان يف تصوره وجود وحدة متصلة أو ٍّ‬ ‫معينة؛ وهذا يعين وجود وحدة يف أعمق مستويات الطبيعة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تكون‬
‫الفكرة اليت تشري إىل حتليل العامل الكائن إىل أج زاء منفصلة ومستقلة‪.‬‬ ‫هذه الوحدة مرّك بة‪ :‬فعلى الرغم من فقدان الـ ‪« onta‬هويتها» ال تندمج‬
‫ويف هذا الصدد‪ ،‬يتحدث مارغناو‪ ،‬وهو يرى اهنيار الفكرة الداعية إىل حتليل‬ ‫كليّ ا حبيث تفقد متايزها‪ ،‬بل‪ ،‬على غري ذل ��ك‪ ،‬حتتفظ بـ «عددها»‪ .‬وهكذا‬
‫األج زاء أو انفصاهلا على املستوى الذري‪ ،‬على النحو التايل‪:‬‬ ‫حتتفظ «الفردية» بوجودها‪ ،‬على حنو تناقُض ظاهري‪ ،‬داخ ��ل احلركة باجتاه‬
‫كل متصل‬ ‫إذا كانت األج زاء‪ ،‬على الرغم من انفصاهلا املزعوم‪ ،‬تنضوي يف ٍّ‬ ‫الوحدة يف هذا املستوى املاثل يف الطبيعة‪.‬‬
‫وغ�ير قابل للتجزئة‪ ،‬فإمنا يعين ه ��ذا أن العقول املنفصلة تُضاف إىل العقل‬ ‫يف سبيل ال��وض��وح‪ ،‬يتحدث مارغناو عن سلوك النيوترونات وال �بروت��ون ��ات‪،‬‬
‫الكلي الشامل‪.‬‬ ‫فيقول‪:‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬
‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬ ‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬

‫للعامل‪ .‬ويذهلنا أن نعلم أن هذا الوعي الواحد ينشئ صورة واحدة من الصور‬ ‫كل من مارغناو وهايزنربغ وبوهم أن مفهوم وجهة النظر الكلية ال‬ ‫يؤكد ّ‬
‫اليت تنشئها العقول اإلنسانية عن العامل‪ .‬لذا جند أن عق الً واحداً‪ ،‬هو العقل‬ ‫يتحدد يف النطاق ال��ذري وح��ده‪ .‬ف��إذا ك��ان التفكري بانفصالية األج���زاء غري‬
‫الكلي الشامل‪ ،‬هو العقل القادر على مجع هذه الصور يف صورة واحدة‪ .‬إذاً‬ ‫مالئم يف نطاق املستوى الذري فإنه يكون كذلك على مستوى العقول أيض اً‪.‬‬
‫ال بد أن يكون هذا العقل الواحد ال مركزي اً وال حملي اً وال حمدوداً‪ ،‬وهو حيقق‬ ‫فإذا ما سألنا‪ :‬كيف يكون العقل جمرداً من األج زاء؟ أجبنا‪ :‬هو العقل الواحد‬
‫هذه الصورة الواحدة هبذه الطريقة ألنه عقل يقع فيما يتعدى العقول الفردية‬ ‫أو العقل الكلي الشامل‪.‬‬
‫واألجسام الفردية‪ .‬ولو مل يكن العقل الواحد يعمل وهو يصوغ الكم الواسع‬ ‫يعتقد مارغناو أن الدليل القاطع على وجود العقل الكلي الشامل يكمن يف‬
‫احلس ية ال�تي تنجزها العقول الكثرية وه��ي تعاجل‬ ‫م ��ن املعلومات والبيانات ّ‬ ‫حقيقة هي أن مجيع البشر يدركون‪ ،‬عرب حواسهم‪ ،‬عامل اً واحداً‪ ،‬ويشاركون‪،‬‬
‫سلسلة العمليات املتعاقبة يف هذا العامل لتوقعنا وجود صور عديدة مش ّك لة‬ ‫على حنو مجعي‪ ،‬يف إنشاء صورة متماسكة وم رتابطة للعامل‪.‬‬
‫عن العامل على حنو يُعجزنا عن جتميعها ألهنا متفاوتة ومتباينة حبيث يتعذر‬ ‫ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول مارغناو‪:‬‬
‫إبالغها‪.‬‬ ‫حتتوي هذه الوحدة‪ ،‬اليت نعزوها إىل الكل‪ ،‬مشولية العقل‪ .‬ويقوم هذا التصور‬
‫على حنو مغاير‪ ،‬يع لّ ق معارضو هذا املنظور قائلني‪ :‬إن الصور اليت نُنشئها‬ ‫على معرفتنا بأن املادة هي بناء يش يِّ ده العقل‪.‬‬
‫عن العامل هي صورة واحدة لسبب هو وجود عامل واحد نُنشئ صورة عنه‪.‬‬ ‫وب���ذا ميكن لنا أن ن ��ق��ول إن علماء النفس اإلدراك���ي�ي�ن‪ ،‬أي ال��ذي��ن استمدوا‬
‫وعلى غري ذلك‪ ،‬يطلب منا مارغناو‪ ،‬متام اً كما تقتضي الفيزياء احلديثة‪ ،‬أن‬ ‫معلوماهتم عن طريق اإلدراك احلسي‪ ،‬وعلماء األم راض العصبية وفالسفة العقل‬
‫نتجاوز هذا االع رتاض إىل ما هو أكثر وأبعد – وهذا ألن احلقيقة غري موجودة‬ ‫قد عاينوا هذه اإلمكانية اهلامة معاينة متناسقة ومتناغمة أو أطلوا عليها على‬
‫«خارج اً» هناك حبيث نعتربها خارجنا كلي اً‪ ،‬وليست موضوعية وواحدة لكل‬ ‫األقل‪ .‬وإذا كنا‪ ،‬كما مييل علماء األعصاب إىل التأكيد‪ ،‬ال نعلم شيئ اً إال عرب‬
‫إنسان‪ .‬لذا توجد مسة للحقيقة أعمق من املوضوعات «اخلارجية» وتقضي‬ ‫احلواس‪ ،‬فإمنا يعين هذا وجود عامل خمتلف لكل دماغ‪ .‬واحلق أن األدمغة ليست‬
‫بأن يكون العقل مضمون اً فيها‪ .‬وتكون هذه احلقيقة‪ ،‬يف أعلى مستوياهتا‪،‬‬ ‫متشاهبة‪ ،‬حىت لدى التوأمني املتماثلني‪ .‬وميكن لنا أن نضيف إىل قولنا هذا ما‬
‫حقيقة ال ��ك��ي��ان ال��واح��د‪ ،‬أي العقل الكلي ال���ذي ه��و التعبري ال ��ش ��ام ��ل عن‬ ‫يلي‪ :‬يستطيع الدماغ الواحد أن يدرك املن بِ ه الواحد إدراك اً خمتلف اً بني حلظة‬
‫احلقيقة السامية‪.‬‬ ‫وأخرى‪ ،‬فينشئ بذلك صورة خمتلفة للعامل‪ .‬وإذ نتأمل االختالف اجلذري بني‬
‫إن اع رتافنا بالعقل الكلي الشامل أو الالمركزي الذي حتدث عنه مارغناو ال‬ ‫الصور اليت تستطيع أدمغتنا إنشاءها‪ ،‬نعلم أن الصور اليت ننشئها عن العامل‬
‫ينقذنا من التجربة املريرة اليت اعتدنا أن جند أنفسنا‪ ،‬من خالهلا‪ ،‬منفصلني‬ ‫تبدو م رتابطة على حنو ما هي عليه‪ .‬ويف ه ��ذا السياق‪ ،‬حيدثنا مارغناو عن‬
‫عنه – وهذا ألننا نثابر على اعتقادنا الذي جيعلنا نعترب الواحد– الكل كما‬ ‫السبب الذي جيعلها م رتابطة على النحو التايل‪:‬‬
‫نعترب األشياء أو املوضوعات‪ ،‬كالشجرة أو الصخرة أو غروب الشمس‪ .‬هكذا‬ ‫ليست هذه الصور م رتابطة ألن عقولنا متشاهبة أو ألهنا تعمل بطريقة واحدة‪،‬‬
‫يصبح الواحد– الكل يف نظرنا «شيئ اً» كباقي األشياء؛ وهكذا خنتزل مفهوم‬ ‫واح���دا ينشئ ص��ورة واح��دة‬
‫ً‬ ‫بل ألن عقولنا هي عقل واح��د‪ .‬واحل��ق أن وعيً ا‬
‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬
‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬ ‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬

‫ثانيً ا‪ :‬العقل بوصفه حق الً‬ ‫العقل الكلي الشامل وجنعل منه «شيئ اً واح��داً ك��ب �يراً»‪ .‬واحل��ق أن الواحد–‬
‫ختتلف الفيزياء احلديثة‪ ،‬على غري احلال السائدة يف العلوم احليوية (كالبيولوجيا‬ ‫الكل ال ميكن له أن يكون «شيئ اً واحداً»‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول كِ ْن ِولرب‪:‬‬
‫والطب)‪ ،‬يف أهنا تتحدث عن الكيانات أو املوجودات الالمادية‪ .‬فقد تقبّ ل‬ ‫إننا جند يف حديثنا عن احلقيقة واعتبارها الواحد – الكل مقولة ترحينا وتُطمئننا‪.‬‬
‫علماء الفيزياء احلديثة التصور الذي يعرتف بوجود كيانات «غري مادية»‬ ‫ويف هذا االعتبار ندرك إدراك اً جمازي اً أن احلقيقة هي اخللفية الواحدة املطلقة‬
‫وأطلقوا على غالبيتها مصطلح «ح��ق��ول» ‪ .fields‬وعلى الرغم من أهنا‬ ‫للظاه رات كلها‪ .‬وهكذا يتحدث احلكماء عن «ال��واح��د– الكل» دون أن‬
‫متماه معها‪ .‬وعلى‬ ‫ٍ‬ ‫غري مادية‪ ،‬لكن معظمها‪ ،‬مع ذل ��ك‪ ،‬مرتبط باملادة أو‬ ‫يقصدوا التحدث عن «الواحد» حرفي اً‪ .‬فقد قصدوا أنه التعبري األمثل للتعايل‬
‫سبيل امل ��ث ��ال‪ ،‬تشمل ه��ذه احلقول الفيض املتدفق لسائل متحرك‪ ،‬احلقول‬ ‫عن الثنائية الظاهرية‪ .‬وهكذا ال تشري هذه املقولة إىل الوحدانية احملدَّدة أو إىل‬
‫الكهرطيسية احمليطة باألجسام‪ ،‬احلقل احل راري للجو‪ ،‬إخل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬توجد‬ ‫احللولية بقدر ما تشري إىل التجربة اليت خنترب فيها عدم وجود الثنائية‪.‬‬
‫حقول ال تتطلب وجود امل ��ادة‪ ،‬وليست متصلة أو مرتبطة باألشياء املادية‪،‬‬ ‫ميكن لنا أن ن ��ق��ول‪ :‬إن مفهوم العقل ال��واح��د يتوافق م ��ع معطيات الفيزياء‬
‫وال ميكن وصفها ب ��ـ «امل���ادي���ة»‪ .‬على سبيل امل��ث��ال‪ ،‬ن ��ذك��ر احل��ق��ول امل�تري��ة يف‬ ‫احلديثة وم��ع رؤى احلكماء الكبار‪ .‬وإذا ك��ان ال��واح��د – الكل ه��و «العقل‬
‫نظرية النسبية العامة وحقول الطاقة املشعة وحقوالً أخرى جتريدية حتدث‬ ‫الواحد» ذات��ه‪ ،‬فإمنا يعين هذا بأننا لسنا جمرد «ج��زء» منه‪ .‬فعلى غري ذلك‪،‬‬
‫يف الفيزياء النووية‪ .‬وإىل هذه احلقول‪ ،‬يضيف مارغناو «حقول االحتمال»‬ ‫جيب علينا أن نتجاوز االعتقاد بأن عقلنا «جزء» من أي شيء أص الً ونأخذ‬
‫‪ probability fields‬اليت توجد بني ما ميكن رصده يف الفيزياء الكوانتية‬ ‫مبا قاله إرڤن شرودنغر‪:‬‬
‫ويف مقادير مثل املوقع والسرعة والكتلة والطاقة‪ .‬واحلق أن حقول االحتمال‬ ‫إذ نبلغ املستوى العقلي الذي نعاين فيه احلقيقة ندرك أننا العقل الواحد‪.‬‬
‫تسم جوهر الفيزياء الكوانتية وتلعب دوراً هام اً يف ص ��وغ النموذج الذي‬ ‫فإذا كان أي شيء‪ ،‬مبا فيه أنفسنا‪ ،‬هو هذا العقل الواحد فإمنا يعين هذا أنه‬
‫يُلحقه مارغناو بالعقل الكوين الشامل والالمركزي‪.‬‬ ‫ال ميكن أن يكون «الواحد والك لِّ ي والكامل واملطلق»‪.‬‬
‫يرح ب علماء البيولوجيا احملدثون بالفكرة ال�تي تشري إىل إمكانية كون‬ ‫مل ّ‬ ‫واحلق أن وجهة نظر مارغناو ال ختتلف عن وجهة نظر شرودنغر يف شيء؛ فهو‬
‫العقل حق الً ال مادي اً ق��ادراً على إح��داث تغي ريات مادية يف العامل‪ .‬وقد بدأ‬ ‫يعي السريورة اليت ينطوي من خالهلا «اجل ��زء» يف «الكل»‪ .‬ويف هذا الصدد‪،‬‬
‫علماء البيولوجيا يعتقدون‪ ،‬على حنو حذر ومرت ٍو‪ ،‬بأن العقل ال يتكل مادي اً‬ ‫يقول مارغناو‪:‬‬
‫على الدماغ واجلسم‪ ،‬وبأن اإلنسان ليس قادراً على فهمه من خالل كيمياء‬ ‫أعتقد أن كل إنسان هو جزء من احلقيقة السامية أو جزء من العقل الكلي‬
‫الدماغ وعلم التشريح‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقتبس پول ديڤيس‪ ،‬عالمِ الفيزياء‬ ‫الشامل والالمركزي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬أراين أتردد يف استعمال مصطلح «جزء من»‬
‫املرموق‪ ،‬العبارة اهلامة التالية اليت ذكرها البيولوجي هارولد مورويتنر‪:‬‬ ‫بسبب ق ��ص ��وره وع��دم إم ��ك ��ان تطبيقه على الفيزياء احلديثة ذاهت���ا‪ .‬ل��ذا أمسح‬
‫يتجاوز علماء الفيزياء األمناط امليكانيكية للكون إىل وجهة نظر ترى العقل‬ ‫لنفسي بأن أع برِّ عن هذه القضية تعب رياً أفضل فأقول‪ :‬كل واحد منا هو عقل‬
‫وهو يقوم بدور تكاملي يف مجيع األحداث الفيزيقية‪.‬‬ ‫شامل ُم بتلى بالتحديدات اليت حتجب جزءاً من معامله وخصائصه‪.‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪9‬‬
‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬ ‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬

‫يحُ تمل أن يكون العقل الالمادي ح راً ومستق الً متام اً عن الدماغ املادي‪ ،‬ومع‬ ‫على الرغم من معارضة علماء البيولوجيا وجهة نظر مارغناو عن طبيعة‬
‫ذلك‪ ،‬يكون ق ��ادراً على التأثري فيه تأث رياً تام اً دون أن يكون ملزم اً باإلتيان‬ ‫العقل الالمادية يؤيد علماء الفيزياء وجهة نظره‪ .‬ويف هذا الشأن يقول نيلز‬
‫ب ��أي ��ة ط ��اق ��ة مطلوبة يف التفاعل ب�ين االث��ن�ين‪ .‬وإذا ك ��ان ��ت البيولوجيا تنكر‬ ‫بوهر‪:‬‬
‫التفاعل القائم بني العقل والدماغ فإن الفيزياء احلديثة تعرتف هبذا التفاعل‪.‬‬ ‫ال جند يف الكيمياء والفيزياء ما يشري‪ ،‬من قريب أو بعيد‪ ،‬إىل وجود الوعي‪.‬‬
‫وهكذا تكمن اإلجابة عن هذا التفاعل بني العقل والدماغ أو اجلسم يف املبدأ‬ ‫الالتعي‬
‫نُّ‬ ‫وعلى حن��و مم ��اث ��ل‪ ،‬يقول معاصره ڤرينر ه ��اي ��زن �برغ‪ ،‬ال��ذي أب��دع مبدأ‬
‫التايل‪ :‬ال تصدر طاقة من العقل الالمادي لكي يؤثر يف الدماغ أو يف اجلسم‪،‬‬ ‫‪ indetermination principle‬يف الفيزياء احلديثة‪:‬‬
‫بل تصدر من الدماغ‪ .‬ضمن هذا املنظور‪ ،‬يتحدث مارغناو عن العقل الكلي‬ ‫ال شك أن الوعي ال حيدث أو ال يوجد يف الفيزياء والكيمياء وال ينتج عن‬
‫الشامل‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫امليكانيكا الكوانتية‪.‬‬
‫تشتمل معرفته على احلاضر‪ ،‬بكليته ومشوله‪ ،‬وعلى األحداث املاضية برمتها‪.‬‬ ‫وهكذا يع برّ مارغناو وبوهر وهايزنربغ عن وجهة نظرهم على النحو التايل‪:‬‬
‫وإذا كان عقلنا قادراً على فحص كلية املكان وتقييمها ومعرفتها فإن العقل‬ ‫ال نستطيع أن نعزو وجود الوعي إىل العلوم الفيزيقية كما نفهمها يف الوقت‬
‫الكلي الشامل قادر على االرحتال ذهاب اً وإياب اً يف الزمان كما يشاء‪.‬‬ ‫احلاضر‪.‬‬
‫إذا كانت عقولنا جزءاً من العقل الكلي أو الواحد فال بد أن تكون‪ ،‬مثله‪ ،‬ال‬ ‫يتساءل علماء البيولوجيا‪ ،‬وهم يعارضون وجهة نظر مارغناو حول الطبيعة‬
‫تحُ د مركزي اً بالزمن واملكان‪ .‬لمَِ نشعر إذن بفرديتنا واحتجازنا داخل أجسامنا؟‬ ‫الالمادية للعقل‪ :‬كيف يستطيع كيان «الم���ادي»‪ ،‬وه��و مستقل عن امل ��ادة‬
‫ولمَِ نتعذب وحنن نطرح سؤاالً استغرق آالف السنني لنعلم إن كنا منتلك عن‬ ‫متام اً‪ ،‬أن يؤدي أي فعل؟ هل تستطيع «األشياء الالمادية» أن تفعل يف األشياء‬
‫حق حرية االختيار‪ ،‬أو إن كانت حياتنا قد خضعت للربجمة منذ البدء؟ لمِ‬ ‫املادية؟ جييب مارغناو عن هذا التساؤل كما يلي‪:‬‬
‫َ‬
‫نشعر باحملدودية وحنن على ما حنن عليه؟ ولمَِ يتملكنا شعور طاغ باحلاضر‬ ‫توجد تفاعالت بني ما هو المادي وبني ما هو مادي‪ .‬واحلق أن هذه التفاعالت‬
‫وشعور آخر باالحتجاز يف هذا املكان احل��ايل؟ واحل ��ق أن هذه التساؤالت ال‬ ‫حتدث يف كثرة يف الفيزياء احلديثة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬حنن نعلم أن كل مولّد كهربائي‬
‫جت ��د موضع اً هل ��ا يف العقول ال�تي تؤمن بأهنا ج��زء م ��ن العقل الكلي الشامل‬ ‫يعتمد على مبدأ التفاعل‪ .‬وباملثل‪ ،‬تؤثر حقول االحتمال على سلوك الكيانات‬
‫والالحمدود‪.‬‬ ‫الذرية‪.‬‬
‫يعتقد مارغناو أن التحديدات والتقييدات امل ��ادي ��ة ال�تي تفرضها أجسامنا‬ ‫ويف سبيل توضيح التفاعل بني العقل الالمادي والدماغ املادي نقول‪ :‬عندما‬
‫حتجب عنا شعورنا بشموليتنا وكونيتنا‪ .‬وإذا كان األمر كذلك فإنه ال يدعو‬ ‫حي��دث عمل ب�ين كيانني متفاعلني ينتقل م��ق��دار م��ن ال ��ط ��اق ��ة بينهما‪ .‬ومع‬
‫إىل جتاوزها لسبب هو أهنا ليست مطلقة يف ذاهتا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يعرتف مارغناو‬ ‫ذلك نقول‪ :‬ال تتميز مجيع التفاعالت اليت حتدث يف العامل الفيزيقي بطبيعة‬
‫بواقعية التحديدات والتقييدات‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يتحدث عن التحديدات‬ ‫التبادالت الطاقية‪ .‬ونستطيع أن خنلص إىل النتيجة اليت بلغها مارغناو وهو‬
‫الثالثة التالية‪:‬‬ ‫يتحدث عن تأثري العقل الالمادي يف الدماغ املادي‪:‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪11‬‬
‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬ ‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬

‫ب‌‪ .‬التأثري يف املصادفة أو العمل على اخت زاهلا‬ ‫‪ .1‬يستعمل مارغناو‪ ،‬جمازاً‪ ،‬مصطلح «شق الزمن الطويل»‪ ،‬ساعي اً إىل توضيح‬
‫على هذا األساس‪ ،‬يؤكد مارغناو عدم وجود حتديد يعوق اإلنسان عن بلوغ‬ ‫قدرتنا على رؤية شرحية صغرية من املشهد الكامل للزمن وإىل االع رتاف بأننا‬
‫أعلى مستويات العقل‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫ال نستطيع أن نرى من الطيف الكهرطيسي الكامل غري شريط ضيق ندعوه‬
‫ال جند أث راً لـ «شق الزمن الطويل» أو لـ «اجلدار الشخصي» يف العقل الك لّ ي‬ ‫«الضوء»‪ .‬وباملثل ال نستطيع أن نخُ ضع حلواسنا أكثر من شرحية صغرية من‬
‫الشامل الذي ال تتقيد معرفته باالحتماالت الكوانتية‪ .‬واحلق أن العقل الكلِ ي‬ ‫الزمن ندعوها «اآلن»‪ .‬لذا يُسهم هذا التحديد ملعرفة كلية الزمن يف إحساسنا‬
‫الشامل‪ ،‬أي الكوين‪ ،‬ال حيتاج إىل ذاكرة مادامت مجيع األحداث والعمليات‬ ‫بأننا مساقون إىل الوقوع يف شرك الزمن‪ ،‬مبعىن أننا حمدودون أو مقيدون بفرتة‬
‫املاضية واحلاضرة واملقبلة مضمونة داخل معرفته الكلية الشاملة‪.‬‬ ‫حياتية واح��دة‪ ،‬األمر الذي جيعلنا نشعر بأننا كائنات يائسة وفانية حمكوم‬
‫حتفل جمازية مارغناو‪ ،‬وهو يتحدث عن «شق الزمن الطويل»‪ ،‬مبضامني تُفيد‬ ‫عليها باملوت‪.‬‬
‫املعرفة اإلنسانية‪ ،‬مثل ملكة ال ��ذاك��رة‪ .‬وكلما زاد «الشق الطويل» اتساع اً‬ ‫‪ .2‬يتحدث مارغناو عن «اجلدار الشخصي» الذي يعيقنا عن استعمال‬
‫نقص تقيدنا واحتجازنا يف نطاق الزمن وزادت قدرتنا على التذكر‪ .‬وهكذا‬ ‫عقولنا اس ��ت ��ع ��م��االً مش��ول��ي��اً وك��ون��ي��اً غ�ير حم����دود‪ .‬ف ��ه ��و يعتقد أن ه���ذا «اجل���دار‬
‫تعود الذات الواعية إىل أصلها املفرتض واملس لّ م به‪ ،‬الذي هو العقل الكوين‬ ‫الشخصي» يولِّ د فينا إحساس اً طاغي اً بعزلة فردية‪ ،‬ويزودنا باهلوية اليت تتأصل‬
‫أو العقل الكلي الشامل‪ .‬وه��ذا يعين أن ال ��ذاك��رة‪ ،‬كوهنا ج��زءاً من احلقيقة‬ ‫يف مركزية األنا‪ ،‬ويف حده األسوأ‪ ،‬خيلق فينا اإلحساس احلتمي األليم باالنع زال‬
‫السامية‪ ،‬تتصف بالقدرة على زيارة مجيع معامل جتربتها األرضية جمدداً‪.‬‬ ‫والوحدة‪.‬‬
‫ويف اختصار‪ ،‬نتمثل وجهة نظر مارغناو يف منظور الفيزيائيني شرودنغر‬ ‫معوق آخ��ر حي ��ول دون متاهينا مع العقل الكلي الشامل‬ ‫‪ .3‬مثة حتديد أو ّ‬
‫وبوهم‪ .‬وتشري هذه الرؤية إىل أن الن زاع بني العلم والبحث الدائم واألبدي عن‬ ‫ويشكل اخلاصية املالزمة لشرطنا البشري‪ .‬ويثري فينا هذا التحديد اإلحساس‬
‫حقيقة اإلنسانية يُرد إىل سبب هو أن العلم مل يتقدم يف مسريته التجريبية‬ ‫هبيمنة العشوائية وعدم اليقني يف الوضع البشري‪ .‬ويعزو مارغناو هذا اإلحساس‬
‫واالختبارية تقدم اً كافي اً وافي اً‪ .‬فلو أن تفس رياتنا للعامل املادي توقفت‪ ،‬كما‬ ‫املقيد أو املع ِوق إىل كون العامل‪ ،‬يف املستوى الذري الصامت غري املنظور‪ ،‬عامل اً‬
‫هي يف املنظور الكالسيكي‪ ،‬ل رأينا أنفسنا يف ص��ورة جزئية تنزع على حنو‬ ‫المتعين اً واليقيني اً‪ .‬وعلى غري ذلك‪ ،‬يؤكد مارغناو أن األمر مناقض ملا يُعتقد‪،‬‬
‫تنساق فيه إىل «هناية» يف الزمن‪ .‬أما إذا‪ ،‬عوض اً عن ذلك‪ ،‬أخذنا مبضامني‬ ‫وهذا ألن التعينية العامل هي اليت تتيح لنا‪ ،‬على األقل‪ ،‬إمكانية االحتمال يف‬
‫وجهة النظر احلديثة إىل الكون وتطبيقاهتا ألصبحنا قادرين على االعتقاد‬ ‫نطاق حرية اإلرادة اإلنسانية‪.‬‬
‫باحتمال موافقتنا‪ ،‬على حنو توكيدي‪ ،‬على كشوف احلكماء املتكررة بانتظام‬ ‫التعي ‪ indetermination‬والاليقني ‪،uncertainty‬‬ ‫وباإلضافة إىل عدم نُّ‬
‫دائم‪ ،‬لنعلم أننا كيان واحد‪ ،‬أبدي والهنائي‪.‬‬ ‫حنتاج إىل عنصر آخر هو حرية االختيار‪ .‬وهكذا يتحدث مارغناو عن عاملني‬
‫ثالثً ا‪ :‬العقل اجلمعي يف كون هولوغ رايف كلي‬ ‫جيعالن من احلرية اإلنسانية حقيقة وواقع اً‪ ،‬مها‪:‬‬
‫يقول ديڤيد بوهم‪:‬‬ ‫حرية االختيار‬ ‫أ‌‪.‬‬
‫‪14‬‬ ‫‪13‬‬
‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬ ‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬

‫إب��داع اإلحصاء ومبادئ االحتمال‪ .‬وهكذا طورت الفيزياء الكوانتية جتربة‬ ‫وبكل ما تشتمل‬ ‫جيب علينا أن نفهم الكون بك لّ يته ومشوله‪ ،‬مع كل «جزئياته» ِ‬
‫مندل ووسعتها لتبلغ املستوى ال��ذي أعلنت فيه أن ك ��ل ج��زء م ��ن الكون‬ ‫عليه من كائنات بشرية وخمت رباهتا‪ ،‬ون راه ك الً واحداً غري قابل لالنقسام على‬
‫حيتوي ضمن اً كل املعلومات املاثلة يف مشولية الكون ذاته‪.‬‬ ‫حنو ال جيد فيه التحليل إىل أج زاء منفصلة ومستقلة متسع اً‪.‬‬
‫يُعترب ديڤيد بوهم‪ ،‬زميل أينشتاين‪ ،‬عامل اً من أعظم علماء الفيزياء النظرية يف‬ ‫يعتقد بوهم أن اجل��زء حيتوي الكل‪ .‬ويف سبيل توضيح ه ��ذه املقولة‪ ،‬يعتمد‬
‫القرن العشرين‪ .‬ويؤكد بوهم أن املعلومات املنبثة واملنتشرة يف الكون الشامل‬ ‫األمثلة التالية‪:‬‬
‫حمتواة يف كل جزء من أج زائه‪ .‬وجيد بوهم يف مبدأ اهلولوغ رام ‪hologram‬‬ ‫الصناديق الصينية‪ :‬يُعد كل صندوق نسخة مطابقة عن الصندوق‬ ‫أ‌‪.‬‬
‫املثال األفضل لرسالة الكون الكاملة‪ .‬ويُعد اهلولوغ رام صورة تنشأ على حنو‬ ‫الذي حيتويه‪ ،‬مبعىن أن يف كل صندوق نسخة كاملة للصندوق الذي يغلفه –‬
‫خاص‪ ،‬وتبدو يف حال إضاءهتا بشعاع ليزر‪ ،‬معلقة يف مكان ثالثي األبعاد‪.‬‬ ‫كل صندوق حيتوي مصغ راً تام اً لذاته‪.‬‬
‫واحلق أن أكثر ما يذهلنا هو أن أي جزء من هذا اهلولوغ رام يعيد‪ ،‬يف حال‬ ‫ب‌‪ .‬امل��راي��ا ال�تي ي ��واج��ه ك ��ل منها األخ���رى‪ :‬إهن��ا تعكس سلسلة الهنائية من‬
‫إضاءته بضوء متواصل‪ ،‬إنشاء صورة اهلولوغ رام كاملة‪ .‬وهكذا خيتزن اجلزء‬ ‫الصور املتماثلة واملتطابقة‪ ،‬يتضاءل حجمها تدرجيي اً حىت تتالشى على حنو‬
‫مجيع املعلومات الكامنة يف اهلولوغ رام كله‪ .‬وجيزم بوهم أن هذا املبدأ يسري‬ ‫تتجاوز فيه قدرتنا البصرية‪.‬‬
‫على الكون كله‪.‬‬ ‫ت‌‪ .‬ش ��ج��رة السنديان الضخمة ال�تي تنتج لولب اً حي ��ت��وي املعلومات كلها‪،‬‬
‫يعتقد بوهم أن الكون مشكل وف ��ق املبادئ ال�تي تكون هبا اهلولوغ رام‪ .‬ويف‬ ‫لتنطوي وتتكرر يف شجرة سنديان ثانية تعيد نسخ ذاهتا وتشتمل على منوذج‬
‫سبيل إقامة الدليل على صحة هذا املبدأ يعتمد بوهم على معطيات الفيزياء‬ ‫مماثل ينتج لوالبه اخلاصة‪ ،‬ليعيد إنتاج ذاته أي ليولد ذاته من جديد إىل ما‬
‫احلديثة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬تشري وجهة النظر الفيزيائية احلديثة إىل أن الكون ليس‬ ‫الهناية‪.‬‬
‫لك َس ر فردية صغرية‪ ،‬بل يُعترب ك �لاً واح���داً من النماذج وامل ثل‬ ‫جم��رد جتميع ِ‬ ‫ث‌‪ .‬من��وذج أو مثال ك ��ل كائن بشري مكتوب يف جينات احلُ ييوين املنوي‬
‫وسريورة دينامية مثابرة واتصالية متواصلة‪ .‬أما املظهر اخلارجي الذي ُ‬
‫ندركه‬ ‫والبويضة على حنو معلومات مصغرة ومركزة يف جزء يكفي إلعادة بناء الكل‪.‬‬
‫فيشاه د يف أج زاء معزولة ومنفصلة‪ .‬وهكذا تظهر األشياء منفصلة‬ ‫َ‬ ‫عن العامل‬ ‫على الرغم من أن العلم احلديث يعرتف بصحة الفكرة اليت تشري إىل أن «اجلزء‬
‫يعوزها االت��ص��ال وال ��ت ��داخ ��ل‪ .‬وم��ع ذل��ك‪ ،‬يعتقد بوهم أن ه��ذا اإلدراك جمرد‬ ‫حيتوي الكل»‪ ،‬لكن احلكمة القدمية اعرتفت هبذه احلقيقة قبل اع رتاف العلم‬
‫«وهم» و»تشويه» للوحدة الكامنة ضمن املشاهد وخلفها‪ ،‬الوحدة اجلوهرية‬ ‫أس س مبدأ النماذج‬ ‫هبا‪ .‬وإذا كان غريغور مندل‪ ،‬العامل النمساوي‪ ،‬هو الذي ّ‬
‫واحلقيقية للعامل‪.‬‬ ‫الوراثية القابلة للتنبؤ‪ ،‬فإن العلم اعرتف مببدأ الكليات اجملسدة أو املشخصة‬
‫يعتقد بوهم أن هذه الوحدة «منطوية» يف الكون؛ وهي يف رأيه‪ ،‬تعبري عن‬ ‫يف األج��زاء‪ .‬وقد استطاع مندل أن جيعل من حديقة خضرواته كون اً كام الً‪.‬‬
‫«نظام منط ٍو» ‪ .implicate order‬أو هو‪ ،‬كما يعتقد‪« ،‬نظام منط ٍو»‬ ‫واحل��ق أن نسبه العددية حتولت إىل رياضيات معقدة يف كل من النظريتني‬
‫من املوجات الكهرطيسية واملوجات الضوئية واألشعة اإللكرتونية وأشكال‬ ‫النسبية والكوانتية‪ ،‬وأدى وصفه لنماذج الوراثة احلتمية والقابلة للتنبؤ إىل‬
‫‪16‬‬ ‫‪15‬‬
‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬ ‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬

‫يقول بوهم‪:‬‬ ‫أخ��رى من احل��رك ��ة‪ .‬ويطلق بوهم على ه��ذه احلركة تسمية «احل��رك ��ة الكلية»‬
‫إذا ما توغلنا إىل العمق‪ ،‬وجدنا الوعي اإلنساين واح��داً‪ .‬وتُعد هذه الوحدة‬ ‫‪ .holomovement‬وعلى الرغم من أن العلماء يدرسون مظاهر معينة‬
‫الكامنة يف العمق يقين اً فعلي اً يشري إىل أن املادة واحدة يف الف راغ‪ .‬وإذا كنا‬ ‫من احلركة الكلية‪ ،‬هي اإللكرتونات والفوتونات والصوت إخل‪ ،‬إال أن مجيع‬
‫ال نشاهد هذه احلقيقة فألننا ال نريد أن نشاهدها‪ .‬وإن كنا نرفض أن نقيم‬ ‫أشكال احلركة الكلية تندمج وتُبقي على اتصاهلا‪ .‬وهكذا ال تتحدد هذه‬
‫احلواجز املطلقة بني العقول فإمنا لنكون قادرين‪ ،‬على حنو إمكان توحيدها‬ ‫احلركة الكلية بأية طريقة معينة أو خاصة‪ ،‬وهذا ألهنا تتميز بعدم موضوعيتها‬
‫يف عقل واحد‪.‬‬ ‫وعدم خضوعها للقياس‪.‬‬
‫ميكن لنا أن نقول‪ :‬إن وجهة نظر بوهم تتجاوز مقولة توحيد الوعي وتبلغ‬ ‫عج ز العني اجمل���ردة عن‬ ‫يعتقد بوهم أن النظام يسترت أو ينطوي على حن��و ي ِ‬
‫ُ‬
‫املستوى الذي يعلن فيه خلود العقل‪ .‬وإىل وجهة نظره تلك يضيف بوهم‬ ‫رؤيته‪ .‬وباإلضافة إىل ذل ��ك‪ ،‬يعتقد أن الكون تتخلله أشكال موجية (يعترب‬
‫ما يلي‪:‬‬ ‫الضوء إح��داه��ا)‪ ،‬وحيتمل أننا حنيا يف ك��ون ه��ول��وغ��رايف‪ .‬وه��و يعتقد أن هذا‬
‫يُعد النظام املنطوي موطن العقل ومجيع األشياء‪ .‬ويف هذا املستوى‪ ،‬الذي‬ ‫العامل اهلولوغ رايف يشكل وحدة توجد‪ ،‬فيما يتعدى العامل املرئي‪ ،‬ضمن النظام‬
‫هو االمتالء أو احل يِّ ز املمتلئ األساسي لكلية الكون املتجلي والظاهر‪ ،‬ال جند‬ ‫املنطوي‪ .‬إنه عامل نعجز عن معرفته معرفة كلية‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫الزمن اخلطي – وهذا ألن النطاق املنطوي الزمين وحلظاته ليست متجاورة‪.‬‬ ‫نستطيع أن نتصوره‪ ،‬لكننا ال نستطيع أن ندركه‪.‬‬
‫على هذا األساس‪ ،‬خيلص بوهم إىل النتيجة التالية‪:‬‬ ‫ويف رأي��ه أن اإلن��س��ان يعي‪ ،‬أكثر م ��ا يعي‪ ،‬ع��امل التجليات وال��ظ��ه��ورات‪ ،‬أي‬
‫يف حدها األقصى‪ ،‬تُعد مجيع اللحظات واحدة‪ ،‬وبالتايل يكون «اآلن» هو‬ ‫«ال��ن��ظ��ام املنبسط» ‪ explicate order‬ال���ذي ه��و ال��ع��امل امل��رئ��ي لألشياء‬
‫األبدية‪ .‬وكل شيء‪ ،‬مبا فيه اإلنسان‪ ،‬ميوت يف كل حلظة ليتحد مع األبدية‬ ‫واألح���داث‪ .‬ويتحدث بوهم عن العقل البشري ال��ذي يعترب العامل اخلارجي‬
‫ويولد من جديد‪.‬‬ ‫واقع اً ويشاهد فيه االنفصال والتجزئة‪.‬‬
‫مثة متاثل بني وجهة نظر بوهم ووجهة نظر شرودنغر‪ :‬فقد أعلن شرودنغر أن‬ ‫يف هذه النظرة التجزيئية‪ ،‬تتوطد االنفصالية املكانية اليت نشعر هبا بني ذواتنا‬
‫«احلياة هي انفتاح الالزمين على اللحظة احلاضرة»‪ .‬ويف توافق مع وجهة نظر‬ ‫واآلخرين – هذه االنفصالية اليت تُلزمنا على اإلحساس بأننا عقول منفصلة يف‬
‫بوهم‪ ،‬يقول شرودنغر‪:‬‬ ‫أجسام معزولة‪ .‬وميتد هذا اإلحساس باالنفصالية واالنع زال إىل نطاق تقسيم‬
‫يف كل يوم‪ ،‬ال تلدك ُّأم نا األرض مرة واحدة‪ ،‬بل آالف آالف امل رات‪ .‬ويف كل‬ ‫الزمن إىل «مقصورات» ‪ compartments‬أو أج��زاء مستقلة هي املاضي‬
‫يوم‪ ،‬تغمرك آالف امل��رات‪ .‬وعلى حنو أبدي ودائ��م ال يوجد سوى اآلن‪ :‬اآلن‬ ‫واحلاضر واملستقبل‪ ،‬األمر الذي جيعلنا حنتجز ذاتنا داخل أحد هذه األج زاء‬
‫الواحد يف ذاته‪ .‬لذا كان احلاضر هو الشيء الوحيد الذي ال هناية له‪.‬‬ ‫املستقلة ونعتربه احلاضر‪ .‬واحلق أننا ال نعترب هذه املقصورات جوهرية وأصلية‪،‬‬
‫تُعد وجهة نظر بوهم‪ ،‬اليت تشري إىل توحيد الوعي‪ ،‬حقيقة يعرتف هبا عدد‬ ‫بل‪ ،‬على غري ذلك‪ ،‬نعترب العامل بنية واحدة تتواشج فيها وتتداخل العالقات‬
‫كبري من علماء الفيزياء احلديثة‪ .‬ومنهم من يؤيد مبدأ العقل الالمركزي‬ ‫املتصلة اليت ال تنقسم ويتحد فيها مجيع العقول واألج��زاء‪ .‬ويف هذا الصدد‪،‬‬
‫‪18‬‬ ‫‪17‬‬
‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬ ‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬

‫على الرغم من اعتبار سرعة الضوء حتديداً لنظرية العقل أو العامل الالمركزي‬ ‫وال�لاحم��دود‪ ،‬أي العقل ال��ذي ال يتعني باملكان وال��زم��ن‪ ،‬أي العقل ال��ذي ال‬
‫وال�لاحم��دود وإق����راراً ب��أن السرعة ال�تي نتلقى م ��ن خالهلا املعلومات‪ ،‬حبسب‬ ‫يحُ تجز يف الدماغ أو اجلسم‪ ،‬أي العقل الذي هو يف مطلقه‪ ،‬عقل واحد‪ ،‬مع‬
‫نظرية النسبية اخلاصة ‪ ،special theory of relativity‬حمددة بسرعة‬ ‫كونه عق الً فردي اً‪ ،‬أي العقل اخلالد الذي ال يفىن‪.‬‬
‫الضوء أو مبا هو أقل من سرعته‪ ،‬لكن العالقات بني املوضوعات أو األشياء‬ ‫خـاتـمـة‬
‫البعيدة‪ ،‬يف عامل حمدود أو غري حمدود‪ ،‬تنعقد بسرعة تفوق سرعة الضوء‪ :‬إهنا‬ ‫تتمثل خامتة هذا املوضوع يف السؤال التايل‪ :‬كيف يكون العامل الذي يقتضي‪،‬‬
‫حتدث آني اً‪ ،‬أي يف اللحظة احلاضرة‪.‬‬ ‫ب ��ال ��ض��رورة‪ ،‬وج��ود العقل ال�لاحم��دود أو ال�لام��رك ��زي‪ ،‬أي العقل ال��واح��د ال ��ذي‬
‫يتحدث ع��امل الفيزياء نِ ْ‬
‫��ك ه��رب ��رت يف كتابه ال��واق��ع ال ��ك��وان�تي‪ ،‬ال��ذي يُعترب‬ ‫دعا إليه شرودنغر‪ ،‬والعقل الشمويل والكوين الذي دعا إليه مارغناو‪ ،‬والعقل‬
‫مرجع اً موثوق اً للنتائج الالحمدودة يف الفيزياء‪ ،‬عن النتائج الالمركزية على‬ ‫اهلولوغ رايف الذي دعا إليه بوهم؟ تتمثل اإلجابة يف العبارة التالية‪ :‬هو عينه‬
‫النحو التايل‪ :‬ال تكون احلقول أو أي شيء آخر وسيط اً بينها‪ .‬وهذا يعين أن‬ ‫العامل الذي حنيا فيه‪ ...‬العامل‪ ،‬الذي هو يف ذاته‪ ،‬المركزي والحمدود‪.‬‬
‫عالقة «ألف» مع «ب ��اء»‪ ،‬على حنو المركزي‪ ،‬تقتضي عدم وجود أي شيء‬ ‫مل يعرتف العلماء‪ ،‬أو بعضهم‪ ،‬بأن العامل هو يف مضمونه وكمونه‪ ،‬عامل المركزي‪،‬‬
‫قادر على عبور املكان‪ ،‬وتقتضي باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬أن التأث ريات الالمركزية‬ ‫توح د بني األشياء‪ ،‬مهما تكن متفاوتة ومتباينة‪ ،‬إال يف‬ ‫وبأن اتصالية المرئية ّ‬
‫ال تتناقص نتيجة للمسافة‪ .‬على هذا األساس‪ ،‬يعتقد هربرت أن التأث ريات‬ ‫الفرتة األخرية من تطور العلم‪ .‬وقد دعا أولئك العلماء إىل ضرورة فهم العامل‬
‫ال الَّمركزية تفعل آني اً ‪ ،‬أي يف اللحظة احلاضرة‪ ،‬وأن سرعة انتقاهلا ال تتحدد‬ ‫فهم اً ج��دي��داً يتحدى امل��ع��امل امل��رك ��زي ��ة أو احمل���دودة للواقع ال���ذي هيمن على‬
‫بسرعة الضوء‪ .‬وهكذا يصل تفاعل المركزي بني موضع وموضع آخر دون‬ ‫الفيزياء منذ نيوتن‪.‬‬
‫أن يعرب املكان‪ ،‬ودون أن يتعرض لالحنالل‪ ،‬ودون تأخري؛ وباختصار يفعل‬ ‫يف ال��وق��ت احل��اض��ر‪ ،‬تعتقد غالبية الفيزيائيني ب ��إم ��ك ��ان تفسري ال��ع��امل‪ ،‬متام اً‬
‫التفاعل الالمركزي على حنو مباشر وآين‪ ،‬ويفعل يف وسط ال تتوسطه احلقول‪.‬‬ ‫كما كان يعتقد نيوتن‪ ،‬من خالل العالقات املركزية واحمللية تفس رياً مشولي اً‪،‬‬
‫أخ رياً‪ ،‬يتحدث هربرت عن وجود عامل المركزي يف املقتطف التايل‪:‬‬ ‫وباحتمال تفسري التفاعالت املعروفة من خالل قوى الطبيعة األساسية األربع‪:‬‬
‫‪ .1‬القوة النووية القوية‬
‫‪ .2‬القوة النووية الضعيفة‬
‫على ال��رغ��م م��ن ال��رف��ض التقليدي ال���ذي ت��ب��نّ ��اه الفيزيائيون مل��ب��دأ التفاعل‬ ‫‪ .3‬القوة الكهرطيسية‬
‫الالمركزي‪ ،‬وعلى الرغم من اعتبار مجيع القوى املعروفة مركزية على حنو‬ ‫‪ .4‬قوة الثقالة‬
‫ال يقبل اجل���دل‪ ،‬وع ��ل��ى ال��رغ��م م��ن ع��دم اع �ت�راف أينشتاين ب��وج��ود عالقات‬ ‫تسوي اخلالفات بينها أو تتوسطها‪...‬‬ ‫واحلق أن هذه القوى تتصرف وكأن احلقول ّ‬
‫تتجاوز سرعة الضوء‪ ،‬لكنين أقر بوجود التأث ريات الالمركزية اليت متأل العامل‪.‬‬ ‫هذه احلقول اليت ال تتميز عن القسيمات األولية ‪elementary particles‬‬
‫وعالوة على ذلك‪ ،‬ليست هذه العالقات اخلالية من وساطة احلقول حاضرة‬ ‫ذاهتا‪.‬‬
‫‪20‬‬ ‫‪19‬‬
‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬ ‫العقل يف منظور الفيزياء الكوانتية وفلسفة الطبيعة‬

‫يف ظروف نادرة وحسب‪ ،‬بل تستغرق أيض اً أحداث حياتنا اليومية‪ .‬وهكذا‬
‫خنلص إىل النتيجة التالية‪ :‬تُعد العالقات والتأث ريات الالمركزية كلية احلضور‬
‫لسبب هو أن احلقيقة ذاهتا المركزية والحمدودة وكلية احلضور‪.‬‬
‫*** *** ***‬
‫امل راجع‬
‫‪Bohm, David, The Implicate and Explicate‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪Order‬‬
‫‪Davies, Paul, The Mind of God‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪Dossey, Larry, Recovering the Soul‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪Dyson, Freeman, Infinite in All Directions‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪Herbert, Nick, Quantum Reality‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪Margenau, Henry, The Miracle of Existence‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪22‬‬ ‫‪21‬‬
‫ماذا قدمت النساء للعلم؟؟‬

‫احللقة األوىل‪:‬‬

‫عاملة االعصاب‪ :‬كوري بارمجان‬

‫اجلنسية‪ :‬أمريكية‪.‬‬
‫املؤسسة‪ :‬جامعة روكفيلر‬
‫التخصص‪ :‬علم األعصاب والسلوك‪.‬‬
‫اإلجناز‪ :‬اكتشفت السبل الوراثية والعصبية اليت تتحكم يف السلوك الغريزي عند نوع‬
‫من الديدان االسطوانية اليت تعرف بالربداء الرشيقة (‪.)c.clegeans‬‬

‫‪23‬‬ ‫‪22‬‬
‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬ ‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫أن االنتخاب الطبيعي هو احملرك ملعظم هذا التغري؛ وحىت أنه مل يتم عموما‬
‫اعتماد مبدأ االنتخاب الطبيعي كقوة رئيسية للتطور فعليا إال بعد مضي‬ ‫العقل هو مسرية الطبيعة ملعرفة ذاتها‬
‫عقود يف القرن العشرين ‪.‬‬ ‫نـدره اليـازجـي‬

‫ويتبوأ مبدأ االنتخاب الطبيعي حاليا موقعا آمنا نتيجة لعقود من البحث‬
‫التجرييب التفصيلي ‪ ،‬علما أن فصول التمحيص يف االنتخاب الطبيعي مل‬
‫قد يتأخر اكتشاف بعض األفكار يف فرع علمي ما لطبيعتها الدقيقة واملعقدة‬
‫تستكمل البتة حىت اآلن ‪ .‬والواقع هو أن تطوير تقنيات جتريبية جديدة جزئيا‬
‫أو الصعبة ‪ .‬ولكن مفهوم االنتخاب الطبيعي ليس بإحدى تلك احلاالت ‪.‬‬
‫والعمل على التحليل التجرييب الدقيق لآلليات اجلينة املؤسسة لالنتخاب‬
‫فمع أنه ظهر متأخ راً مقارنة بأفكار ثورية علمية أخرى ‪ -‬طرحت من قبل «‬
‫الطبيعي ‪ ،‬أكسبا مساعي دراسة االنتخاب الطبيعي يف البيولوجيا حيوية‬
‫دارون « و « واالس « يف عام ‪ ، 1858‬وتالها إصدار « داروين « كتابه أصل‬
‫فاقت ما كانت عليه قبل عقدين من الزمن ‪ .‬وقد متحور الكثري من األحباث‬
‫األنواع يف عام ‪ – 1859‬فإن فكرة االنتخاب الطبيعي هي البساطة بعينها‬
‫التجريبية احلديثة هذه حول أه��داف ثالثة ‪ :‬حتديد مدى شيوع االنتخاب‬
‫‪ .‬وتتمكن بعض الكائنات م ��ن االزده���ار يف ظ��روف معينة أكثر م ��ن غريها‬
‫الطبيعي ‪ ،‬وحتديد التغ ريات اجلينية الدقيقة النامجة عن االنتخاب الطبيعي‬
‫وتنجب نسال أكثر ‪ ،‬فتصبح أكثر‬
‫وامل��ول ��دة للتكيّ ف ‪ ،‬مث تقدير م ��دى إسهام االنتخاب الطبيعي يف إشكالية‬
‫شيوعا مع مرور الزمن ؛ أي أن البيئة‬
‫أساسية يف البيولوجيا التطورية تتمثل يف منشأ األنواع اجلديدة ‪.‬‬
‫« ت ��ن ��ت ��خ ��ب « م���ن ال��ك��ائ��ن��ات تلك‬
‫األك��ث��ر ت�لاؤم��ا م��ع ال��ش��روط احمليطة‬
‫االنتخاب الطبيعي‪ :‬فكرته‬
‫احلالية وعند تغري ال��ش��روط البيئية‬
‫تعد االستعانة بالكائنات ذات دورة احلياة القصرية اليت تسمح بتتبع عدة‬
‫ستسيطر م ��ك��اهن��ا ت��ل��ك ال ��ك ��ائ ��ن ��ات‬
‫أجيال منها ‪ ،‬الطريقة املثلى لتقدير أمهية دور االنتخاب الطبيعي يف عملية‬
‫ال�ت�ي ت��ص��ادف أن ام ��ت ��ل ��ك ��ت خ��واص‬
‫التطور ‪.‬فبعض أنواع البكت ريات تستطيع مضاعفة عددها كل نصف ساعة‬
‫أكثر مواءمة مع الشروط املستجدة‬
‫‪ ،‬وه��ك��ذا لنتصور جمموعة م��ن ال��ب��ك ��ت �يرات م��وزع��ة يف منطني جينيني بداية‬
‫‪ .‬فاجلانب الثوري يف الداروينية ال يتمثل يف ادعاءات ملغزة حول البيولوجيا ‪،‬‬
‫وبأعداد متساوية ‪ .‬ولنفرتض إضافة إىل ذلك أن كليهما يلتزمان بالتكاثر‬
‫وإمنا يف إحيائها بإمكانية كون املنطق املؤسس للطبيعة مدهشا يف بساطته ‪.‬‬
‫التايل ‪:‬‬
‫عانت نظرية االنتخاب الطبيعي ‪ ،‬على الرغم من بساطتها ‪ ،‬تارخيا طويال‬
‫بكت ريات النمط األول ال تولد إال نسال من النمط األول ‪ ،‬و بكت ريات النمط‬
‫حافال بالصعوبات ‪ .‬فبعكس ط��رح « داروي���ن « ح��ول تطور األن���واع ال ��ذي‬
‫الثاين ال تولد إال نسال من النمط الثاين ‪ .‬واآلن لنفرتض حدوث تغري فجائي‬
‫لقي قبوال سريعا من البيولوجيني ‪ ،‬ف��إن معظمهم مل يقبل ما طرحه حول‬
‫يف البيئة ‪ :‬وضع مضاد حيوي يف هذه البيئة يستطيع النمط األول مقاومته‬
‫‪25‬‬ ‫‪24‬‬
‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬ ‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫وينجم عن هذه الطف رات يف كل جيل كائنات جديدة معدلة جينيا تثري‬ ‫‪ ،‬يف حني يعجز عن ذلك النمط الثاين ‪ .‬يف هذه البيئة اجلديدة يكون النمط‬
‫اجلماعات ‪ .‬ويغربل االنتخاب الطبيعي الحقا هذه الطف رات ‪ :‬تعمل قسوة‬ ‫األول أكثر لياقة ؛ أي أنه أحسن تكيفا ‪ ،‬فهو يبقى – ومن مث يتكاثر – أكثر‬
‫الشروط البيئية على خفض تواتر الكائنات املعدلة « السيئة « ( غري الالئقة‬ ‫من النمط الثاين ‪ .‬والنتيجة أن النمط األول يولد نسال أكثر مما يولده النمط‬
‫نسبيا ) ترفع من تواتر « اجليدة « ( الالئقة نسبيا ) ‪ .‬وجتدر اإلشارة هنا إىل‬ ‫الثاين ‪.‬‬
‫قدرة مجاعة الكائنات على مجع العديد من األف راد املعدلني جينيا يف آن واحد‬ ‫وجي��س��د مصطلح « ال ��ل��ي��اق ��ة « ‪ ،fitness‬امل��س��ت ��خ ��دم يف س��ي��اق البيولوجيا‬
‫‪ ،‬ويساعد هذا اجلمع على التصدي للمتغ ريات البيئية عندما تنشأ ‪ .‬فقد‬ ‫التطورية والذي هو مصطلح تقين ‪ ،‬فكرة ‪ :‬أرجحية البقيا أو التكاثر يف بيئة‬
‫تكون اجلينة اليت أنقذت بكت ريات النمط األول من تأثري املضاد احليوي بال‬ ‫معينة ‪ .‬وحصيلة عملية االنتخاب ‪ ،‬اليت تكررت م رات عديدة ال حصر هلا‬
‫فاعلية – أو حىت ذات أثر ضار قليال – يف ظروف البيئة اخلالية من املضاد‬ ‫يف سياقات خمتلفة هو ما ن راه يف الطبيعة ‪ :‬نباتات وحيوانات ( و بكت ريات )‬
‫احليوي ‪ ،‬ولكن توافرها يف النمط األول مكن البكت ريات من البقيا عندما‬ ‫الئقة ‪ fit‬لبيئتها بطرق معقدة ‪.‬‬
‫تغريت الظروف ‪.‬‬ ‫ومبقدور علماء الوراثة التطوريني إث راء النقاش السابق من خالل إحتافنا بتفاصيل‬
‫لقد أضاء علماء الوراثة املختصون باجلماعات جوانب من عملية االنتخاب‬ ‫بيولوجية غنية ‪ .‬فنحن نعلم ‪ ،‬على سبيل املثال ‪ ،‬أن منشأ األمناط اجلينية هو‬
‫الطبيعي أيضا ع �بر اللجوء إىل وص��ف رياضيايت هل ��ا ‪ .‬وبينوا ‪ ،‬على سبيل‬ ‫طف رات يف جزيء الدنا ‪ – dna‬تغ ريات عشوائية يف تسلسل النكليوتيدات‬
‫امل��ث��ال ‪ ،‬وج���ود تناسب ط���ردي ب�ين درج���ة لياقة من��ط م��ا يف مج ��اع ��ة م��ن جهة‬ ‫( وهو خيط متسلسل مكون من األحرف ‪ ) T,C,G,A‬املكونة « للغة «‬
‫‪ ،‬وسرعة تنامي تواتره من جهة أخ��رى ‪ .‬وق ��د أمكن بالفعل حساب مدى‬ ‫اجلينوم ‪ .‬وكذلك نعلم قد را جيدا عن معدل تشكل طفرة مشرتكة – حتول يف‬
‫سرعة حدوث هذه الزيادة ‪ .‬واكتشف علماء الوراثة املختصون باجلماعات‬ ‫حرف واحد يف الدنا إىل حرف آخر ‪ .‬فلكل نكليوتيد يف كل خلية تناسلية‬
‫احلقيقة املدهشة بأن لالنتخاب الطبيعي قوة « إبصار» من الصعب تصورها‬ ‫‪ ،‬يف كل جيل ‪ ،‬فرصة واح��دة يف البليون تقريبا كي يتحول إىل نكليوتيد‬
‫‪ ،‬تستطيع متييز تباين مدهش يف الصغر يف مستوى لياقة األمناط اجلينية ‪.‬‬ ‫آخر ‪ .‬ولكن األه ��م يف هذا السياق ‪ ،‬هو أننا على علم بعض الشيء بتأثري‬
‫ففي مجاعة مكونة من مليون فرد ‪ ،‬مبقدور االنتخاب الطبيعي أن يعمل من‬ ‫الطف رات يف اللياقة ‪ .‬فالغالبية الساحقة للطف رات العشوائية ضارة بالكائن‬
‫خالل تباين صفري يف مستوى لياقة األف راد يصل إىل واحد يف املليون ‪.‬‬ ‫احلي ‪ ،‬فهي حتط من لياقته ؛ ويقتصر املفيد منها الداعم للياقة على أقلية‬
‫ومثة مسة مميزة ملنطق االنتخاب الطبيعي وهي أنه يبدو صحيحا من أجل أي‬ ‫قليلة جدا ‪ .‬ومعظم هذه الطف رات سيئ للسبب نفسه ال��ذي جيعل معظم‬
‫مستوى من مستويات الكينونة ‪ entity‬احليوية ‪ ،‬من اجلينة إىل النوع ‪ .‬وقد‬ ‫أخطاء الطباعة يف كود احلاسوب سيئ ‪ .‬فاملرجح أن يؤدي أي تغري عشوائي‬
‫أخذ البيولوجيون يف االعتبار ‪ ،‬منذ « داروين « بالطبع ‪ ،‬تباين اللياقة بني‬ ‫يف منظومة حمكمة بدقة إىل خلل يف األداء وليس إىل حتسنه ‪.‬‬
‫أف راد الكائنات ‪ ،‬ولكن ميكن لالنتخاب الطبيعي من حيث املبدأ ‪ ،‬التأثري‬ ‫تنقسم فعالية التطور التكيفي ‪ adaptive evolution‬إىل مرحلتني ‪،‬‬
‫يف بقيا ‪ survival‬أو تكاثر كائنات أخرى ‪.‬‬ ‫ي ��ت��وزع فيهما العمل بشكل ص��ارم ب�ين ح ��ادث ��ة الطفرة وعملية االنتخاب ‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫‪26‬‬
‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬ ‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫اف �تراض مجهور علماء احلياة ‪ ،‬حىت أع��وام الستينات من القرن املاضي أن‬ ‫وعلى سبيل امل ��ث ��ال ‪ ،‬ميكننا أن نفسر أن ‪ :‬أن���واع الكائنات ذات االنتشار‬
‫اإلجابة عن هذا السؤال تتمثل يف « مجيع التغ ريات تقريبا « إال أن جمموعة‬ ‫اجل ��غ��رايف ال��واس��ع هلا – كنوع – فرصة أك�بر للبقيا من األن���واع األخ��رى ذات‬
‫من علماء الوراثة املختصني باجلماعات ي رأسها الباحث الياباين «كيمورا «‬ ‫االنتشار اجلغ رايف احملدود ‪ .‬فاألنواع األوىل املنتشرة ستتحمل ‪ ،‬يف النهاية زوال‬
‫حتدث بقوة هذه الفرضية ‪ .‬فقد جادل «كيمورا» بأن معظم التطور اجلزيئي‬ ‫بعض اجلماعات احمللية أكثر مما ستتحمله األنواع احملصورة جغ رافيا‪ .‬وبذلك‬
‫ال حيركه عادة انتخاب طبيعي « إجيايب « حيث ترفع البيئة من خالله تواتر‬ ‫قد يتنبأ منطق االنتخاب الطبيعي بزيادة نسبية مع مرور الوقت يف األنواع‬
‫األمناط املفيدة اليت كانت نادرة يف البدء ‪ .‬واألحرى – كما قال – أن معظم‬ ‫ذات االنتشار اجلغ رايف الواسع ‪.‬‬
‫ال ��ط ��ف��رات اجلينية ال�تي ت��دوم وتبلغ ت��وات��را مرتفعا يف اجل ��م ��اع ��ات ه��ي حمايدة‬ ‫وعلى الرغم من صحة هذه احلجة شكليا – و التطوريون يشتبهون فعال يف‬
‫انتخابيا وليس هلا أثر يذكر يف اللياقة بطريقة أو أخرى ‪.‬‬ ‫حدوث انتخاب مستويات أعلى بني احلني واآلخر فإننا جند معظم البيولوجيني‬
‫متفقني على كون االنتخاب الطبيعي حيصل اعتياديا يف مستوى الكائنات‬
‫وتستمر بالطبع الطف رات الضارة بالظهور مبعدل مرتفع ‪ ،‬إال أهنا ال تستطيع‬ ‫الفردية أو األمناط اجلينية ‪ .‬ويعود ذلك إىل أن مدة حياة الكائنات أقصر كث ريا‬
‫أب��دا بلوغ تواتر مرتفع يف مجاعة ما ؛ أي إهنا مسلك تطوري مسدود‪ ,‬وملا‬ ‫من مدة حياة األنواع ‪ .‬فاالنتخاب الطبيعي يف مستوى الكائنات هو الغالب‬
‫كانت الطف رات احملايدة عمليا « غري مرئية « يف البيئة األنية ‪ ،‬فإن مبقدورها‬ ‫يف مستوى األنواع ‪.‬‬
‫أن تتسلل هبدوء إىل اجلماعة ‪ ،‬ومع مرور الزمن تعدل تركيب اجلماعة اجليين‬
‫تعديال رئيسيا ‪ .‬وق��د أطلق على ه��ذه العملية تسمية « االجن���راف اجليين‬ ‫ما مدى شيوع االنتخاب الطبيعي ؟‬
‫العشوائي « وهو جوهر نظرية احلياد يف التطور اجلزيئي ‪.‬‬ ‫إن أحد أبسط األسئلة اليت ميكن أن يطرحها البيولوجيون حول االنتخاب‬
‫ومع ولوج الثمانينات من القرن املاضي ‪ ،‬تبىن معظم علماء الوراثة التطوريني‬ ‫الطبيعي ه��و أي��ض��ا – وه���ذا م ��ف ��اج��ئ – أ ك ��ث��ره��ا ص ��ع��وب ��ة م��ن ح��ي��ث اإلج��اب��ة‬
‫نظرية احلياد ‪ ،‬إال أن معظم البيانات الساندة هلذا التوجه كان غري مباشر‬ ‫عنها ‪ :‬ما مدى مسؤولية االنتخاب الطبيعي يف إحداث تغ ريات يف التكوين‬
‫‪ ،‬إذ غابت االختبارات احلرجة املباشرة ‪.‬وساعد تطور مسعيني على إصالح‬ ‫اجليين العام جلماعة ما ؟ إن أح��دا ال يشك جديا يف أن االنتخاب الطبيعي‬
‫هذه املشكلة ‪:‬‬ ‫هو احمل��رك لعميلة تطور معظم السمات الفيزيائية يف الكائنات احلية – اذ‬
‫املسعى األول هو تصميم علماء ال��وراث��ة املختصني باجلماعات اختبارات‬ ‫ال يوجد تفسري آخر معقول للسمات الواسعة االنتشار ‪ ،‬كاملنقار والعضلة‬
‫إحصائية بسيطة لتمييز التغ ريات احليادية يف اجلينوم من تلك ذات الطبيعة‬ ‫ذات ال رأسني والدماغ ‪ .‬ولكن هناك شك جدي حول أمهية الدور الذي يؤديه‬
‫التكيفية ‪.‬‬ ‫االنتخاب الطبيعي يف توجيه التغري على املستوى اجلزيئي ‪ .‬ما هي إذن نسبة‬
‫واملسعى الثاين هو تصميم تقانات جديدة لتحليل تسلسل الدنا أو اجلينوم‬ ‫التغ ريات التطورية يف الدنا اليت منشؤها مفعول االنتخاب الطبيعي عرب ماليني‬
‫الكلي للعيد م��ن األن����واع ‪ ،‬مم��ا واف���ر م��دا ك��ب �يرا م��ن ال��ب ��ي��ان ��ات أت���اح تطبيق‬ ‫السنني ‪ ،‬مقارنة بالتغ ريات اليت تعود إىل مفعول بعض العمليات األخرى ؟‬
‫‪29‬‬ ‫‪28‬‬
‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬ ‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫للتطور التكيفي ‪ .‬لقد مس ��ح التطور اجل ��دي ��د يف علم ال��وراث��ة للبيولوجيني‬ ‫االختبارات اإلحصائية نفسها عليها ‪.‬‬
‫بتحدي هذه اإلشكالية بصورة مباشرة ‪ .‬وحاليا هناك حماوالت لإلجابة عن‬ ‫وقد أوضحت تلك البيانات اجلديدة أن نظرية احلياد قد خبست االنتخاب‬
‫جمموعة أسئلة جوهرية حول عملية االنتخاب ؛ كاألسئلة التالية ‪ :‬عندما‬ ‫الطبيعي أمهيته ‪ .‬يف إح��دى ه��ذه ال��د راس��ات عمل فريق ‪ ،‬ي رأسه كل من «‬
‫يتكيف كائن مع بيئة جديدة من خالل االنتخاب الطبيعي ‪ ،‬فهل يتم ذلك‬ ‫بيكان « و « النكلي « ( ومه��ا يف جامعة كاليفورنيا – ديفيس ) ‪ ،‬على‬
‫بسبب تغ ريات حت ��دث يف جينات قليلة أم كثرية ‪ .‬وه ��ل ميكن حتديد هوية‬ ‫مقارنة تسلسل دنا نوعني من ذبابة الفاكهة ‪ ،‬تابعني جلنس الدوروسوفيال‬
‫هذه اجلينات ؟ وهل تشارك اجلينات ذاهتا يف حاالت مستقلة من التكيف‬ ‫‪ . Drosophila‬فحلال حنو ستة أالف جينة يف كال النوعني‪ ،‬وحددا تلك‬
‫مع احمليط نفسه ؟‬ ‫اجلينات ال�تي قد تشعبت بعد انفصال النوعني عن أصلهما املشرتك‪ ,‬وعرب‬
‫ليس من السهل اإلجابة عن تلك األسئلة ‪ .‬وتكمن الصعوبة الرئيسية يف‬ ‫تطبيق اختبار إحصائي ‪ ،‬ق��د را أن ��ه ميكن استبعاد التطور احليادي يف ‪%19‬‬
‫أن زيادة اللياقة النامجة عن طفرة مفيدة قد تكون زيادة صغرية جدا ‪ ،‬وهو‬ ‫على األقل من هذه اجلينات؛ أو بعبارة أخرى ‪ :‬إن االنتخاب الطبيعي يدفع‬
‫األمر الذي جيعل التغري التطوري بطئيا جدا ‪ .‬وتتمثل إحدى الطرق اليت جلأ‬ ‫التشعب التطوري يف خمُ س جمموعة اجلينات املدروسة (وألن االختبار اإلحصائي‬
‫إليها البيولوجيون التطوريون ملعاجلة هذه املشكلة ‪ ،‬ويف وضع مجاعات من‬ ‫املستخدم كان حمافظا‪ ،‬فإن النسبة احلقيقية قد تكون أكرب بكثري )‬
‫الكائنات احلية السريعة التكاثر وتنميتها يف بيئات صنعية ‪ ،‬حيث االختالف‬
‫يف اللياقة أكرب ‪ ،‬ومن مث فإن عملية التطور أسرع ‪ .‬ويساعد العملية إن كان‬ ‫وال تعين ه��ذه النتيجة هتميش التطور احل��ي��ادي ؛ إذ إن بعضا م ��ن اجلينات‬
‫عدد مجاعات الكائنات احلية كب ريا مبا فيه الكفاية لتحقيق سيل مستمر من‬ ‫الـ‪ %81‬قد يكون ‪ ،‬يف النهاية ‪ ،‬تشعب بفعل عامل االجن راف اجليين ؛ بل هو‬
‫الطف رات ‪ .‬ويف دراسة التطور التجرييب للميكوربات ‪ ،‬توضع منطيا مجاعة من‬ ‫يدل على أن دور االنتخاب الطبيعي يف تشعب األنواع يفوق ما مخنه معظم‬
‫الكائنات امليكروية املتماثلة جينيا يف حميط جديد عليها أن تتكيف معه ‪.‬‬ ‫مؤيدي نظرية احلياد ‪ .‬ودفعت دراس��ات شبيهة بتلك معظم علماء الوراثة‬
‫وملا كانت مجيع هذه الكائنات حتوي تسلسل الدنا ذاته يف بداية التجربة ‪،‬‬ ‫التطوريني إىل استنتاج مفاده أن االنتخاب الطبيعي هو العامل الشائع الذي‬
‫فإن االنتخاب الطبيعي يعمل على استثمار الطف رات اجلديدة اليت حدثت‬ ‫حيرك التغري التطوري ‪ ،‬حىت يف مستوى تسلسل نيكلوتيدات الدنا ‪.‬‬
‫إب ��ان التجربة فقط ويستطيع الباحث مع م��رور الزمن ‪ ،‬تبيان كيفية تغري‬
‫اللياقة يف اجلماعة من خالل قياس سرعة النكاثر يف البيئة اجلديدة ‪.‬‬ ‫الوراثة الخاصة باالنتخاب الطبيعي ‪:‬‬
‫أكثر أحب ��اث التطور التجرييب إث��ارة للفضول أُجن��زت باستخدام الفريوسات‬ ‫على الرغم من ثقة البيولوجيني يف دفع االنتخاب الطبيعي للتغري التطوري ‪،‬‬
‫امللتهمة للبكت ريات ‪ ،‬وهي فريوسات من الصغر حبيث تستطيع مخج ‪infect‬‬ ‫فإننا غالبا ما جندهم جيهلون كيفية حديث ذلك ‪ ،‬وهذا يشمل حىت مسات‬
‫البكت ريات ‪ .‬وهذه الفريوسات حتوي جينومات صغرية مكافئة حلجمها ‪ ،‬ما‬ ‫بدنية عادية ( املنقار ‪ ،‬العضلة ذات ال رأسني ‪ ،‬الدماغ ) ‪ .‬فعلى سبيل املثال ‪،‬‬
‫يساعد البيولوجيني على إج راء تسلسل كامل جلينوماهتا يف بداية التجربة‬ ‫مل يكن معروفا – حىت تاريخ حديث – إال القليل عن التغ ريات اجلينية املؤسسة‬
‫‪31‬‬ ‫‪30‬‬
‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬ ‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫بينها حنتها االنتخاب الطبيعي ؛ ومن مث عملوا على دراسة هذه االختالفات‬ ‫وهنايتها ‪ ،‬وك ��ذل ��ك أث ��ن ��اء التجربة ‪ .‬وه��ذا يسمح بتعقب ك ��ل تغري جيين «‬
‫جينيا ‪ .‬وعلى سبيل املثال ‪ ،‬قام كل من « شيمسكيه «( من جامعة والية‬ ‫ميسك « به االنتخاب الطبيعي لينشره مع الزمن ‪.‬‬
‫ميتشكان ) و « ب رادشو « ( من جامعة واشنطن ) بتحليل دور االنتخاب‬ ‫طبق كل من « هولدر « و « ب ��ول « ( ومه��ا من جامعة تكساس يف أوسنت‬
‫الطبيعي يف نوعني م ��ن زه��رة ال ��ق��رد ‪ .‬وق��د وج��دا أن��ه على ال��رغ��م م ��ن عالقة‬ ‫) جتربة كالواردة أنفا باستخدام نوعني قريبني جداً من الفريوسات امللتهمة‬
‫القرىب القوية فيما بني هذين النوعني ‪ ،‬فإن التلقيح يتم بشكل رئيسي يف‬ ‫للبكت ريات ‪ФX174 :‬و ‪ ، G4‬وك�لامه��ا خيمج بكترية معوية شائعة هي‬
‫زه��رة ‪ Mimulus Lewisii‬بوساطة النحل الطنان ‪bumble bees‬‬ ‫اإلشريشيا ك��ويل ‪ . E.Coli‬لقد وض��ع الباحثان ال ��ف�يروس��ات يف درج��ات‬
‫فيما ينجز بشكل رئيسي يف ‪ M.Cardinalis‬بوساطة الطائر الطنان‬ ‫ح��رارة عالية غري اعتيادية ‪ ،‬ومسحا هلا بالتكيف مع البيئة احل��ارة اجلديدة ‪،‬‬
‫‪ hummingbird‬وتبني البيانات املتوافرة من األنواع األخرى أن أسلوب‬ ‫فازدادت يف كال النوعني درجة اللياقة أثناء التجربة بشكل درامي ‪ .‬والحظ‬
‫التلقيح ع�بر ال ��ط��ي ��ور يف اجل ��ن��س ‪ Mimulus‬ق��د ت ��ط��ور م��ن تلقيح حشرة‬ ‫الباحثون يف كلتا احلالتني النمط ذاته ؛ إذا حتسنت اللياقة سريع اً يف بداية‬
‫النحل ‪.‬‬ ‫التجربة ‪ ،‬وتباطأت مع مرور الزمن ‪ .‬والالفت هو أن « هولدر « و « بول «‬
‫إن اختالف ل��ون ال ��زه��رة وح��ده – ‪ M. Lewisii‬أزه��ار وردي��ة اللون ‪ ،‬يف‬ ‫متكنا بشكل دقيق من حتديد طف رات الدنا اليت عملت على زيادة اللياقة ‪.‬‬
‫حني أن ‪ M.Cardinalis‬أزهار مح راء اللون ‪ .‬يفسر بكشل جلي التباين‬
‫يف اختيار امللقح ‪. pollinator‬وعندما جل ��أ ك ��ل م ��ن « شيمسيكه « و‬ ‫االنتخاب الطبيعي ( في البيئات الطبيعية ) ‪:‬‬
‫« ب رادشو « إىل هتجني النوعني ‪ ،‬بيّ نا أن االختالف يف ل��ون الزهرتني يعود‬ ‫على ال��رغ��م مم��ا يقدمه البحث التطوري التجرييب م ��ن رؤي��ة ج��دي ��دة ملفعول‬
‫يف معظمه ‪ ،‬فيما يبدو ‪ ،‬إىل مفعول جينة وحيدة تسمى األصفر العلوي‬ ‫االنتخاب الطبيعي ‪ ،‬يبقى األسلوب املعتمد حمصورا يف استخدام الكائنات‬
‫‪. YUP‬وبناءً على ذلك ‪ ،‬عمال على توليد منطني خمتلفني من اهلجائن ‪:‬‬ ‫احلية البسيطة اليت تسمح بتحديد كامل تسلسل دنا اجلينوم م رات عدة ‪.‬‬
‫النمط األول الذي حيوي اجلينة ‪ YUP‬من النوع ‪ ، M.Cardinalis‬أما‬ ‫كذلك حذر بعض العاملني يف هذا اجملال من أن أحباث التطور التجرييب قد‬
‫ما تبقى من جينوم هذا اهلجني فهو مشتق من النوع ‪ M. Lewisii‬ليعطي‬ ‫تضمن ضغوطا انتخابية قاسية ال توجد يف الطبيعة ‪ ،‬وقد تكون أقسى كث ريا‬
‫أزه��ارا برتقالية اللون ‪ .‬النمط الثاين كان ص ��ورة مرآتية للهجني األول ؛ إذ‬ ‫من تلك اليت تواجهها الكائنات يف بيئاهتا الطبيعية ‪ .‬لذلك رغبنا يف دراسة‬
‫حوى اجلينة ‪ YUP‬من النوع ‪ ، M. Lewisii‬وما تبقى من اجلينوم مشتق‬ ‫عملية االنتخاب يف كائنات حية أرق��ى يف ظ��روف أق��رب إىل ظ��روف البيئة‬
‫من النوع ‪ M.Cardinalis‬ليعطي أزهارا وردية اللون ‪.‬‬ ‫الطبيعة ‪ ،‬فكان ال بد لنا من ابتداع أسلوب مغاير للبحث يف هذه التغ ريات‬
‫وعندمات مت نقل اهلجائن إىل الربية ‪ ،‬الح��ظ الباحثات أن اجلينة ‪YUP‬‬ ‫التطورية البالغة البطء ‪.‬‬
‫هلا مفعول هائل يف حذب املل ّق ح ‪ .‬فنباتات ‪ ، M. Lewisii‬على سبيل‬ ‫و لعمل ذل���ك ‪ ،‬ف���إن ع ��ل ��م��اء ال��ت��ط��ور ي��ل��ج��ؤون منطيا إىل مج��اع��ات أو أن���واع‬
‫املثال ‪ ،‬اليت حتمل اجلينة ‪ YUP‬من النوع ‪ M.Cardinalis‬جذبت إليها‬ ‫كاف للعثور بسهولة على اختالفات تكيفية‬ ‫انفصلت عن بعضها منذ زمن ٍ‬
‫‪33‬‬ ‫‪32‬‬
‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬ ‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫يف كتابه « أصل األنواع « ميكن مشاهدهتا يف يومنا هذا وقد تشعبت بصورة‬ ‫الطائر الطنان مبقدار ‪ 68‬مرة أكثر من نباتات ‪ M. Lewisii‬الصافية ؛ أما‬
‫جلية إىل أنواع خمتلفة بعد أن انفصلت جغ رافيا ‪.‬‬ ‫فيما خيص التجربة املع****ة ( نباتات ‪ M.Cardinalis‬مع اجلينة ‪YUP‬‬
‫وعندما ينشأ العزل التكاثري ‪ ،‬فقد يتخذ أشكاال عدة ‪ .‬فعند قيام ذكور‬ ‫من النوع ‪ ) M. Lewisii‬فكانت النتيجة زيادة يف زيارات النحل الطنان‬
‫ن��وع معني باملغازلة ‪ ،‬على سبيل املثال ‪ ،‬قد ال تستجيب إن��اث من أن��واع‬ ‫قدرها ‪ 74‬مرة ‪ .‬فليس إذن مثة شك يف الدور الرئيسي للجينة ‪ YU‬يف تطور‬
‫قريبة أخرى إىل هذه املغازلة ( إذا صادف أن مت اتصال جغ رايف بني النوعني )‬ ‫التلقيح الذي يقوم به الطائر الطنان يف النوع ‪ . M.Cardinalis‬ويتضح‬
‫‪ .‬فإناث الف راشات ‪ ، pieris occidentalis‬على سبيل املثال ‪ ،‬لن تت زاوج‬ ‫من حبث « شيمسكيه « و «ب رادوشو « أن عامل االنتخاب الطبيعي قادر‬
‫بذكور النوع القريب ‪ p. protodice‬ويعود ذلك اإلحجام على األرجح إىل‬ ‫أحيانا على تأسيس تكيفات عرب ما يبدو أنه تغ ريات جينية بسيطة ‪.‬‬
‫اختالف يف الرسم على أجنحة ذكور النوعني ‪ .‬وحىت إن حصل الت زاوج بني‬
‫النوعني ‪ ،‬فسيؤدي ذلك إىل موت اهلجني أو والدة هجني عقيم ‪ ،‬وسيكون‬ ‫أصل األنواع ‪:‬‬
‫ذلك شكال آخر من أشكال العزل التكاثري ؛ إذ ال ميكن أن تنتقل اجلينات‬ ‫إن ادعاء « داروين « األكثر ج رأة فيما خيص االنتخاب الطبيعي ‪ ،‬يتلخص يف‬
‫من نوع إىل آخر يف حال كون مجيع اهلجائن الناجتة فيما بينها ميتة أو عقيمة‬ ‫يفس ر كيفية نشوء األنواع ) علما‬
‫اعتبار االنتخاب الطبيعي هو العامل الذي ّ‬
‫‪ .‬فسؤال البيولوجيني املعاصرين عما إذا كان االنتخاب الطبيعي هو الذي‬ ‫أن عنوان كتابه املشهور هو ‪ :‬أصل األنواع ) ‪ .‬ولكن هل مبقدور االنتخاب‬
‫يُس يرّ أصل األنواع ‪ ،‬يتحول إىل السؤال عما إذا كان االنتخاب الطبيعي هو‬ ‫الطبيعي تفسري ذلك بالفعل ؟ وما هو الدور الذي يؤديه االنتخاب الطبيعي‬
‫الذي يؤدي إىل نشوء العزل التكاثري ‪.‬‬ ‫يف عملية تكون األنواع ‪ speciation‬وتشعب ساللة معينة إىل ساللتني ؟‬
‫ط��وال ال ��ق��رن العشرين تقريبا ‪ ،‬ك��ان ج��واب أكثر علماء التطور ع ��ن هذا‬ ‫سؤاالن ما ي زاالن إىل اليوم موضوعا مهما يف أحباث البيولوجيا التطورية ‪.‬‬
‫السؤال بالنفي ؛ واعتقدوا أن االجن راف اجليين كان العامل احلاسم يف نشوء‬ ‫كي نتوصل إىل إجابات عن هذين السؤالني ‪ /‬ال بد من فهم ما يقصده علماء‬
‫األن���واع – وأح��د أكثر املكتشفات احلديثة إث��ارة هو احتمال خطأ فرضية‬ ‫التطور مبصطلح « النوع « ‪ .‬يلتزم البيولوجيون املعاصرون عموما بعكس‬
‫االجن راف اجليين كمنشأ لألنواع ‪ .‬واملرجح حاليا هو أن االنتخاب الطبيعي‬ ‫« داروين « مبا يسمى املفهوم احليوي لألنواع ‪ ،‬الذي يتمثل جوهره يف عزلة‬
‫يؤدي دورا رئيسيا يف تشكل األنواع ‪.‬‬ ‫األنواع فيما بينها تكاثريا ‪ :‬أي امتالك األنواع مسات جينية حتول دون تبادل‬
‫نوع ي زهرة القرد الذين سبق ذكرمها ‪ ،‬مثاال جيدا على ما‬‫ويُع ّد تاريخ تطور َ‬ ‫اجلينات مع األنواع األخرى ‪ ،‬وبعبارة أخرى ‪ :‬إن مجيع األنواع املختلفة متتلك‬
‫امللق حان بني نوعي زهرة القرد ‪ ،‬فهذا يعين أن‬‫ذكر ‪ .‬وألنه يندر أن خيطئ ِّ‬ ‫أحواض جينية ‪ genetic pools‬منفصلة ‪.‬‬
‫كال النوعني معزوالن تكاثريا بصورة تامة تقريب اً ‪ .‬ومع أن كال النوعني يوجد‬ ‫ويعتقد العلماء أن��ه ال ب ��د م��ن فصل مجاعتني م ��ن الكائنات احلية جغ رافيا‬
‫يف األمكنة ذاهتا يف مشال أمريكا ‪ ،‬فإن النحل الطنان الذي يزور زهرة ‪M.‬‬ ‫كشروط لتطور العزل التكاثري ‪ .‬فطيور ال���دوري ‪ finches‬ال�تي سكنت‬
‫‪ Lewisii‬سيتجنب زيارة زهرة ‪ M.Cardinalis‬كما سيتفادى الطائر‬ ‫جزرا عدة يف أرخبيل كاالبا**** واشتهرت من خالل وصف « داروين « هلا‬
‫‪35‬‬ ‫‪34‬‬
‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬ ‫اختبار االنتخاب (االصطفاء ) الطبيعي‬

‫وكفاية مفعوله ‪ ،‬إال أن مكانة االنتخاب الطبيعي لدى البيولوجيني التطوريني‬ ‫الطنان الذي يزور زهرة ‪ ، M.Cardinalis‬زيارة زهرة ‪ M. Lewisii‬؛‬
‫‪ ،‬بدءا من العقود القليلة املاضية ‪ ،‬مل تشهد إال تناميا يف أمهيتها وترسيخا‬ ‫وبذلك لن يتم نقل حبوب الطلع فيما بني النوعني إال فيما ندر ‪.‬‬
‫هلا ‪.‬‬ ‫وبالفعل ب �ّي�نّ « شيمسكيه « وزم�ل�اؤه أن ه ��ذا االخ ��ت�لاف يف امللقح مسؤول‬
‫املؤلف ‪H.Allen orr :‬‬ ‫وح��ده عن كبح الدفق اجليين بني النوعني مبا مقد راه ‪ . %98‬يف ه ��ذه احلالة‬
‫أستاذ جامعي ‪ ،‬وأستاذ ‪ Shirley Cox Kearns‬للبيولوجيا يف جامعة‬ ‫حتديدا ‪ ،‬ال ميكن الشك إذن يف أن االنتخاب الطبيعي قد عمل على تشكيل‬
‫روشسرت ‪ ،‬ومؤلف مشارك ( مع « جريي كوين « ) لكتاب « تشكل األنواع‬ ‫تكيفات النباتني مع مل ّق حني معينني وأدى إىل عزل تكاثري قوي ‪.‬‬
‫« ‪. speciation‬‬ ‫وقد ظهرت أدلة أخرى حول دور االنتخاب الطبيعي يف تشكل األنواع ‪ ،‬وذلك‬
‫وتتمحور أحباثه ح��ول األس��س اجلينية لتشكل وتكيف األن���واع ‪ .‬حصل «‬ ‫من مصدر آخر غري متوقع ‪ .‬ففي العقد املاضي أو قبل ذلك بقليل استطاع‬
‫أورر « ع ��ل��ى م��ي��دال��ي��ة داروي����ن واالس م��ن مجعية لينيان يف ل��ن��دن ‪ ،‬وزم��ال��ة‬ ‫عدة علماء وراثة تطوريني ( ومنهم املؤلف ) حتديد نصف دزينة من اجلينات‬
‫جيوجينهامي ‪ ،‬وزمالة داوود ولوسيل باكارد ‪ ،‬وجائزة دوب زانسكي من مجعية‬ ‫اليت تسبب عقما أو موت اهلجني ‪ .‬وتؤدي هذه اجلينات – اليت جرت دراسة‬
‫دراسات التطور ‪ .‬نشرت له عدة دراسات ومقاالت نقدية يف اجمللتني ‪New‬‬ ‫يكود‬
‫معظمها يف أن��واع ذبابة الفاكهة – وظائف متنوعة عادية ؛ فبعضها ّ‬
‫‪. Yorker، New York Review of books‬‬ ‫يكود لربوتينات بنيوية أو بروتينات ترتبط بالدنا‬ ‫ألنزميات وبعضها اآلخ��ر ِّ‬
‫‪. DNA‬‬
‫املصدر ‪:‬‬ ‫وهل���ذه اجل��ي��ن ��ات مس ��ت ��ان ب��ارزت��ان ‪ :‬األوىل ه��ي أن معظم اجل��ي��ن ��ات ال�تي تسبب‬
‫جملة العلوم األمريكية ‪) 2009( 6/5‬‬ ‫تشع بت بسرعة كبرية ‪ .‬والثانية ه��ي أهنا‬ ‫اض ��ط��راب ��ات يف النسل اهلجني ق ��د ّ‬
‫أكدت – وهو ما تبني من اختبارات علم الوراثة املختص باجلماعات – أن‬
‫التطور السريع هلذه اجلينات كان نامجا عن عامل االنتخاب الطبيعي ‪.‬‬
‫إن الد راسات اليت تناولت زهرة القرد وعُ قم هجائن ذباب الفاكهة ‪ ،‬مل تتعمق‬
‫بعد مبا يكفي يف األحب��اث املستمرة يف الصدور للكشف عن ال��دور الفاعل‬
‫لالنتخاب الطبيعي يف تشكل األنواع ‪.‬‬
‫وبالفعل ‪ ،‬يتفق حاليا معظم البيولوجيني على أن االنتخاب الطبيعي قوة‬
‫تطورية مفتاحية ‪ ،‬ال يقتصر دوره ��ا على دفع عجلة التغري التطوري داخل‬
‫النوع الواحد ‪ ،‬وإمنا ميتد ليشمل أنواعا جديدة من الكائنات احلية ‪ .‬ومع أن‬
‫جمموعة من غري املختصني مازالت تشكك بقوة يف حجة االنتخاب الطبيعي‬
‫‪37‬‬ ‫‪36‬‬
‫من الروح إىل الوعي‬ ‫من الروح إىل الوعي‬

‫ويصبح انعكاس له‪ ،‬مفهوم‪ ،‬وه ��ذه الوحدة املفهومية (املفهوم املخزون يف‬
‫اجلسد) ليست ال مادة من اجلسد وال انعكاس لشيء مادي»‪.‬‬
‫هذا الفرق بني جسم مادي‪ ،‬قادر على فهم العامل‪ ،‬وبني الالمادة العقلية أو‬
‫الالمادة الروحية‪ ،‬اليت تشكل مضمون الفهم أو الوعي يف رابطه إىل البيئة‪ ،‬يف‬ ‫الوعي شيء ال ميكن أن يقاس أو يوزن‪ ،‬ومع ذلك يالحقه الباحثني لتفسري‬
‫الفلسفة يطلق عليه تعبري‪ :‬دواليزم‪( dualism ،‬الثنائية بني الروح واجلسد)‪.‬‬ ‫جوهره‪.‬‬
‫ه���ذه امل�لاح��ق��ة أع��ط��ت‪ ،‬ح�تى اآلن‪ ،‬القليل م��ن اإلج���اب���ات ول��ك��ن ال ��ك ��ث�ير من‬
‫ال��ف��ي��ل��س��وف وال���ري���اض���ي ال��ف��رن��س��ي ‪ René Descartes‬ق����ام ب��ت ��ط��وي��ر‬ ‫التساؤالت‪.‬‬
‫ال���ص���ورة ال��س��اب��ق��ة يف ك��ت��اب��ه امل�����س�����م�����ى»‪Meditationes de prima‬‬ ‫أهم التساؤالت هي‪:‬‬
‫‪ »philosophia‬م ��ن ع��ام ‪ ,1641‬حيث وص��ف ال���روح على أن��ه «وسيلة‬ ‫‪ -‬أين موضع الوعي؟‬
‫تفكري» غري جسدي‪ ،‬تقدم جوهر الذات وتقف خلف مجيع األفكار واآلمال‬ ‫‪ -‬هل الوعي غري مرتبط باجلسم؟‬
‫والشك وجممل اإلميان‪.‬‬ ‫‪ -‬ه���ل مي��ك��ن ل��ل��ح��ي��وان وامل���ك���ان أن ميتلكان‬
‫حسب طرح ديكارت ميكن للروح أن توجد بدون عالقة باجلسد‪ ،‬ولكنهم‬ ‫الوعي؟‬
‫قادرين على التأثري على بعض‪.‬‬
‫من هنا نالحظ أن مفهوم الروح نشأ وتطور‪ ،‬من تصور األولني‪ ،‬وهو حيمل‬ ‫صورة البدر اليت ن راها يف السماء العالقة هلا‬
‫مواصفات واسعة تشمل املواصفات اليت حنملها اليوم للوعي‪ ،‬ولذلك فإننا‬ ‫حبقيقة القمر الفعلية‪.‬‬
‫نرى يف حقيقة األمر رحلة خلق مفهوم الوعي وانفصال مضمونه عن الروح‪،‬‬ ‫إن هذه الصورة موجودة فقط يف وعينا‪ ،‬متام اً كما أن ال رائحة تصبح رائحة‬
‫لينتج الوضع الذي نتعاطى معهم اليوم‪.‬‬ ‫فقط عندما تصل اجلزيئات املتطايرة إىل إحدى املستقبالت يف أنفنا فتتفاعل‬
‫معها وتطلق «وهم حمدد» نعايشه يف الوعي‪.‬‬
‫ديكارت حاول بنشاط البحث عن «مكان» وجود الروح يف اجلسد‪.‬‬
‫على العكس من بقية الفالسفة الذين كانوا يعتقدون أن الروح تسبح حبرية‬ ‫قبل ‪ 2500‬سنة قام الفيلسوف دميوق راطس بامل راهنة على العالقة بني احلواس‬
‫بل وحىت اعتقدوا أهنا تقف جبانبنا‪ ،‬يف حني أصر ديكارت على أهنا تتموضع‬ ‫والفهم العقلي هلم‪.‬‬
‫يف الدماغ‪ ،‬واضع اً األساس لظهور مفهوم الوعي‪.‬‬ ‫األب أوغسطينوس ‪ Augustinus of Hippo‬وضع املعضلة عام ‪400‬‬
‫لقد كان يعلم أن الدماغ مبين على التناظر وأن أغلب البىن منقسمة بني‬ ‫بالشكل التايل‪:‬‬
‫النصف األمين والنصف األيسر‪.‬‬ ‫«عندما يُنظر إىل شيء مادي من خالل عني العقل‪ ،‬ينتهي عن أن يكون شيء‬
‫‪39‬‬ ‫‪38‬‬
‫من الروح إىل الوعي‬ ‫من الروح إىل الوعي‬

‫وأن االنسان (أو أي كائن واعي) ال متلك أعضاء غري جسدية (روح)‪.‬‬ ‫لكون ال��روح‪/‬ال��وع��ي يشكل ن��واة الشخص‪ ،‬ال ميكن للمرء امتالك إال روح‪/‬‬
‫وعي واحد‪ .‬هلذا السبب جيب أن تكون موجودة يف منطقة دماغية يوجد منها‬
‫النواة الرئيسية يف املادية هو مفهوم «‪ ,»neural correlate‬واملقصود أنه‬ ‫نسخة واحدة‪.‬‬
‫لكل جزء من أج زاء الوعي يوجد وضع عصيب خاص به يفسر نشوئه‪.‬‬ ‫ديكارت اعترب املكان املناسب هو غدة تسمى ‪.pineal gland‬‬
‫عند الكثري من علماء األعصاب يعين ذل ��ك أن الوعي واملشاعر اإلنسانية‬ ‫اليوم نعلم أن وظيفة هذه الغدة هي إنتاج هرمونات امليالتونني‪ ،‬احلامسة يف‬
‫متلك منشأها يف التفاعالت البيو كيميائية اجلارية يف الدماغ‪.‬‬ ‫حتقيق انسجام الساعة اليومية‪.‬‬
‫وع ��ل��ى ال��رغ��م م��ن أن ه ��ن ��اك الكثري م��ن احل��رك��ات ال��روح��ي��ة تعطي هل��ذه الغدة‬
‫يف نفس الوقت‪ ،‬من الصعب للغاية التعرف على املوجات العصبية املرتبطة‬ ‫وظيفة مركزية يف الوعي‪ ،‬إال أن احلقل العلمي ال يقدم أي دليل يدعم هذه‬
‫بالوعي‪ ،‬وبالتايل الربهنة على ذلك‪.‬‬ ‫االدعاءات‪.‬‬
‫الوضع املثايل هو القيام بالتصوير اإلشعاعي للدماغ‪ ،‬والتعرف على ما يدور‬
‫يف الوعي‪ ،‬متاما كما نفعل من أجل التعرف على اخلاليا العصبية املشاركة‬ ‫م��ن أوائ����ل ال ��ت��ح��دي��ات ال�ت�ي واج��ه��ت دي��ك��ارت وم ��ف ��ه ��وم ��ه ‪ ،dualism‬ك ��ان‬
‫يف عملية حتريك اليد‪.‬‬ ‫تفسري كيف أمكن للروح الالجسدي االلتحام‬
‫من أجل التعرف على املناطق املسؤولة عن حركة اليد‪ ،‬جيري تصوير الدماغ‬ ‫التفاعلي مع اجل��زء اجلسدي للغدة وم��ن خالهلا‬
‫قبل احلركة وخ�لاهل ��ا‪ ،‬وم ��ن مث حتليل الصور ملعرفة املناطق ال�تي تغريت أثناء‬ ‫باجلسم كله‪ ،‬بالرغم من أن كال منهما مؤلفان‬
‫احلركة‪.‬‬ ‫من طبيعة خمتلفة‪.‬‬
‫مثل هذه الطريقة البسيطة ال ميكن اتباعها يف البحث عن الوعي‪ ،‬إذ أنه يف‬ ‫ديكارت مل يتمكن أبداً من إجياد حل للمعضلة‪،‬‬
‫األوضاع الطبيعية دائما حيدث شيء ما فيها‪.‬‬ ‫والعديد م ��ن تالمذته ب���رروا األم��ر ب��أن اهلل وح ��ده‬
‫الذي ميكن أن يكون ال رابط (اجلسر) بني اجلسم‬
‫متاما كما هو األمر مع الدواليزم‪ ،‬توجد للمادية العديد من الفروع‪ ،‬ولكنهم‬ ‫والروح‪.‬‬
‫يف األصل كانوا يف أغلبيتهم من أتباع نظرية أن الروح «اليت وحسب تعريفهم‬
‫هي فيزيائية ونابعة من اجلسد» متلك موضعها يف مكان خلفي من الدماغ‪،‬‬ ‫حىت اليوم الزال أتباع مجيع ف��روع مبدأ الدواليزم ال تستطيع تفسري طبيعة‬
‫تقريبا كتقدير ديكارت يف شأن التموضع‪.‬‬ ‫العالقة ب�ين اجلسد وال���روح وه��ذا األم��ر فتح الطريق لتوجه فلسفي جديد‪:‬‬
‫ويف مسار تطور قد رات العلم يف فرتة التسعينات من القرن املاضي‪ ،‬أصبحت‬ ‫املادية‪.‬‬
‫هذه الرؤية متلك مشاكلها‪.‬‬ ‫هذا التوجه يقول أن الروح الواعية (الوعي) والعقل الفيزيائي مها شيء واحد‪،‬‬
‫‪41‬‬ ‫‪40‬‬
‫من الروح إىل الوعي‬ ‫من الروح إىل الوعي‬

‫اإلش�����ارات العصبية م��ن ال��ع�ين إىل م��ك��ان ال��وع��ي‪،‬‬


‫وصلت بذات التتابع‪ ،‬حبيث أن أشخاص التجربة‪،‬‬ ‫يف عام ‪ 1912‬قام عامل النفس التشيكي ‪ Max Wertheimer‬بتجربة‪،‬‬
‫يف كال الرؤيتني الغري مرتبطتني ببعض‪ ،‬فهموا أهنم‬ ‫أمساها «ظاهرة يف»‪ ,phi-fenomen ،‬واليت أصبحت يف نسختها األخرية‬
‫ي���رون ح��دث�ين منفصلني‪ ،‬ح��ي��ث ال���دائ���رة يف األوىل‬ ‫متطورة جداً‪.‬‬
‫كانت مح راء ويف الثانية كانت زرقاء‪ .‬هلذا السبب‬ ‫لألشخاص املشاركني يف التجربة‪ ،‬جيري إظهار صورتني بتتابع سريع‪.‬‬
‫استنتج أن الوعي ليس مكان حمدد مبنطقة واحدة‬ ‫يف ال���ص���ورة دائ����رة زرق����اء يف ال���زاوي���ة العليا‬
‫وإمنا البد أنه متوزع على عدة مواضع تتعاون فيما بينها‪.‬‬ ‫اليسرى‪ ،‬ودائ��رة مح��راء يف ال زاوية السفلى‪.‬‬
‫لقد ظهر أنه عند وقت تبديل حمدد‪ ،‬يبدأ‬
‫يف ذات الوقت تقريبا‪ ،‬الحظ األطباء أن احلوادث اليت تنتهي بضرر يف الدماغ‪،‬‬ ‫الناظر يف فهم الصورتني على أهن��م صورة‬
‫تقريبا دائما تؤدي إىل تغي ريات يف شخصية املصاب‪.‬‬ ‫واح�����دة ح��ي��ة‪ ،‬ح��ي��ث ال���دوائ���ر ت��ت��ح��رك من‬
‫ه��ذا األم���ر ي ��ع ��زز أن ال��وع��ي ليس م��وج��ود يف منطقة حم���ددة وإمن���ا م���وزع على‬ ‫زاوية إىل أخرى ويف الوسط (نقطة االلتقاء)‬
‫العديد من مناطق الدماغ‪.‬‬ ‫يتبدل اللون من األزرق إىل األمحر‪.‬‬
‫مب��ع�نى آخ���ر ف���إن «ال��ن��ظ��رة االخ���ي��رة» ت��ؤث��ر‪،‬‬
‫يف ع ��ام ‪ 1991‬ح��اول دانيل دينيت الربهنة هنائي اً على خطأ نظرية دواليزم‬ ‫بشكل من األشكال‪ ،‬على ما فهمه الوعي‬
‫ديسكارت‪ ،‬اليت سادت لفرتة طويلة‪.‬‬ ‫من النظرة األوىل‪ ،‬حبيث أن تبدل اللون يتخذ الوعي ق راراً بشأنه قبل أن يكون‬
‫شخص التجربة نفسه قد أصبح واعيا للصورة الثانية‪.‬‬
‫دينيت يقدم نظريته «‪ « ,»the multiple drafts‬تعدد قوى التأثري»‪.‬‬
‫حسب هذه النظرية ميكن لكل انطباع فردي قادم من احلواس أن يُعاجل معزوالً‪،‬‬ ‫يف الصورة أعاله نرى منوذجا آخر للخداع البصري‪ ،‬حيث الفتاة ترقص دائرة‬
‫وحنصل منه على معايشة واعية معينة‪ ،‬أو ميكن تركيبه مع انطباع إحساسي‬ ‫حول نفسها من اليسار إىل اليمني‪ .‬مع االستم رار بالتحديق جند أهنا تغري اجتاه‬
‫‪ ،‬من حاسة أخرى‪ ،‬من احملتمل أنه جرى تلقيها سابق اً‪ ،‬ومن احملتمل أهنا مل‬ ‫دوراهنا‪ .‬مثل هذه األمثلة أصبح لدينا منها العديد‪.‬‬
‫تصبح واعية‪ ،‬ويف النتيجة يندجمان ويصبحان ُم عايشة مشرتكة واحدة‪.‬‬
‫كما يُفهم من اسم النظرية‪ ،‬نفهم حنن العامل من خالل قطع متفرقة صغرية‬ ‫م ��ع ��ط��ي��ات جت��رب��ة م��اك��س وي���رزم�ي�ر ف��س��ره��ا ال ��ف��ي��ل��س��وف االم��ري��ك��ي ‪Daniel‬‬
‫وم ��ع ��زول ��ة‪ ،‬ميكن تشبيهها بالكتابة السريعة‪ ،‬حيث األح���رف الصغرية اليت‬ ‫‪ ,Dennett‬بعد بضعة عشرة سنة الحقة‪ ،‬على أن الوعي مل يفهم احلدث‬
‫الم��ع�نى هل��ا تنضم إىل بعضها ال��ب ��ع ��ض يف امل��ك��ان الصحيح لتلتصق وختلق‬ ‫بتواتره املوضوعي‪ .‬لو كان الوعي موجود يف مكان حمدد من الدماغ لكانت‬
‫‪43‬‬ ‫‪42‬‬
‫من الروح إىل الوعي‬ ‫من الروح إىل الوعي‬

‫الصورة وال رائحة واأللوان لوردة يلتصقان إىل بعضهم مع مشاعرنا املفاهيمية‬ ‫كلمات ومن مث رواية‪.‬‬
‫ليظهر رمز احلب‪.‬‬ ‫بذات الشكل تلتصق مشاعر صغرية مع بعضها‪ ،‬لتصبح مع بعضها كبرية‬
‫حنن نعلم إن معايشات انطباعية منفردة تتحد مع املشاعر وجيري معاجلتها‬ ‫(م عايشة) واعي‪.‬‬
‫قادرة على خلق انطباع ُ‬
‫يف مواقع خمتلفة من ال��دم��اغ‪ ،‬وهل��ذا السبب جيب على العديد من املناطق‬
‫احملددة موضعي اً يف الدماغ التعاون بانسجام من أجل خلق امل عايشة الواعية‪.‬‬ ‫حسب نظرية تعدد ال ��ت ��أث �يرات‪ ،‬ميكن ال ��ق��ول ب ��وج��ود ال��وع��ي فقط طاملا لديه‬
‫ُ‬ ‫حتكم باألحداث‪ ،‬وفيما عدا ذلك فالمعىن للقول بوجود الوعي‪.‬‬
‫هل ��ذا السبب ب ��دأ ه��ذان العاملان بد راسة الدماغ تشرحيي اً يف حماولة لتحديد‬ ‫هذا الفهم يعطي القدرة على طرح العديد من األطياف للوعي‪ ،‬مبعىن آخر‬
‫بنية هلا إمكانية القيام بوظيفة التحكم‬ ‫تعدد مستويات الوعي‪ ،‬عند احليوان واإلنسان وحىت املكان‪.‬‬
‫املنسجم‪.‬‬ ‫أن أك��ون واع��ي‪ ،‬ال يعين امتالك كل الوعي أو ال شيء على اإلط�لاق‪ ،‬وهلذا‬
‫ال��ب��ح��ث أش����ار إىل م ��ن ��ط ��ق ��ة حت���ت ال ��ق��س ��م‬ ‫السبب ال يوجد جواب واحد حاسم فيما إذا كانت احليوانات واملكائن قادرة‬
‫املركزي من اللحاء الدماغي موجودة يف‬ ‫أن تكون واعية أم ال‪.‬‬
‫كال النصفني‪.‬‬
‫لقد عثروا على طبقة من خاليا دماغية‪،‬‬ ‫ومتاما كبقية أغلب النظريات ال تقدم نظرية تعدد التأث ريات جواب اً حمدداً على‬
‫تصل ثخانتها إىل أقل من ميليمرت واحد‬ ‫سؤال عن موضع متوضع الوعي يف الدماغ‪.‬‬
‫اطلق عليها اس ��م ‪ ,claustrum‬وتعين‬ ‫بني علماء األعصاب يوجد دعم كبري ملفاهيم دانييل دينيت األساسية من أن‬
‫املختفية‪.‬‬ ‫الوعي ميلك شكال فيزيائيا ومرتبط بأكثر من موضع يف الدماغ‪.‬‬
‫على الرغم من أن املنطقة موجودة لدى مجيع احليوانات إال أننا‪ ،‬وإىل حد‬ ‫أحد هؤالء العلماء من الذين وصل به األمر إىل اق رتاح مكان اً حمدداً للوعي هو‬
‫بعيد ال نعلم عن وظيفتها شيء‪.‬‬ ‫عامل الكيمياء البيولوجية وبيولوجيا األعصاب الربيطاين ‪,Francis Crick‬‬
‫وعلى كل حال اكتشف العلماء أن اخلاليا الدماغية يف هذه املنطقة متلك‬ ‫والذي حصل عام ‪ 1962‬على جائزة نوبل يف حقل البيولوجيا‪.‬‬
‫رواب ��ط تقريب اً مع مجيع مناطق اللحاء الدماغي‪ ،‬حيث الوظائف الدماغية‬ ‫هذا العامل مات عام ‪ 2005‬قبل أن ينتهي من نظريته ولكن زميله ‪Christof‬‬
‫العليا‪ ،‬مثل اللغة‪ ،‬جيري تشكيلهم وحيث يوجد مركز األحاسيس‪.‬‬ ‫‪ Koch‬تابع العمل ونشر نتائج النظرية عام ‪.2005‬‬
‫إضافة إىل ذلك فإن الروابط العصبية ثنائية املسارات‪ ،‬حبيث أن كل خلية‬
‫يف املنطقة املختفية ق���ادرة على تلقي اإلش���ارات القادمة م ��ن مركز اللحاء‬ ‫لقد توصلوا إىل أن وعينا عبارة عن انطباع عن شيء تقريب اً دائما يتحول إىل‬
‫الدماغي وارسال اإلشارات‪ ،‬يف ذات الوقت‪.‬‬ ‫معايشة موحدة‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫‪44‬‬
‫من الروح إىل الوعي‬ ‫من الروح إىل الوعي‬

‫وأيضا متلك املنطقة «املختفية» رواب ��ط عصبية مع املنطقة الواقعة يف عمق‬
‫الدماغ‪ ,basala ganglierna ،‬وهي املنطقة املسؤولة عن تنظيم احلركة‬
‫حيث منظومة إعادة ربط التوجيه وحتسني االنسجام بني األوامر القادمة من‬
‫خمتلف مناطق الدماغ‪.‬‬

‫مبعىن آخ��ر فاملنطقة «املختفية» تظهر وكأهنا احملطة ال�تي تربط أكثر أقسام‬
‫الدماغ مع بعض‪.‬‬
‫حىت اآلن الزالت هذه النظرية غري جمربة‪ ،‬ولكن جيري جتهيز العديد من األحباث‬
‫للتأكد من الدور الذي يلعبه «املختفية» يف الوعي‪.‬‬
‫إحدى هذه التجارب اليت جيري اإلعداد هلا هو زرع اليكرتود يف دماغ شخص‬
‫التجربة لتنشيط اخلاليا الدماغية من خالل موجات كهربائية ضعيفة‪.‬‬
‫إذا حصل الشخص على أفكار أو انطباعات أو مشاعر أو معايشات كاليت‬
‫نعايشها يف وعينا‪ ،‬دل ذلك على أن نظرية ف رانسيس وكريستوف صحيحة‪.‬‬

‫على الرغم من انقضاء عش رات السنني يف البحث عن الوعي‪ ،‬الزال العلماء‬


‫ال ميلكون إال بضعة نظريات والقليل من املعلومات احلقلية‪.‬‬
‫بالتأكيد سيحتاج األمر إىل املزيد من الوقت قبل الوصول إىل كشف سر الوعي‬
‫بشكل حاسم ومؤكد‪ ،‬لنتمكن من تفسري كيف تتمكن املوجة الكهربائية‬
‫يف رحلتها القادمة من البصر إىل الدماغ أن تتحول إىل ُم عايشة من خمتلف‬
‫املقاييس‪ ،‬منها ما جيعل املرء مدهوش اً من املتعة ومنها ما حيمل القهر واألمل‪.‬‬
‫فهل حنن على أبواب خلق اجلنة والنار‪ ،‬بطريقة أكثر فعالية وأسرع وأرخص‬
‫مما تصفه الكتب السماوية؟‬

‫‪47‬‬ ‫‪46‬‬
‫أمهات املؤمنني ـ قراءة مغايرة (صفية بنت حيي)‬ ‫أمهات املؤمنني ـ قراءة مغايرة (صفية بنت حيي)‬

‫يف اإلس�لام ويضرب شبهة تكرمي اإلس�لام هلا يف مقتل‪ .‬فلفظة السياقة حني‬
‫تتعامل معها لغويا تكتشف اهن ��ا ال تستخدم إال يف إط��ار من اجل�بر‪ ،‬ال ��ذل‪،‬‬ ‫المصادر – راجع العدد األول من السلسة‬
‫القهر‪.‬‬ ‫ص ـ ـ ‪ ( 287، 286‬من الكتاب األصلي )‬
‫امل��رأة كيان فاقد األهليه ليس له س��وي أن يقاد ‪ ،‬الرجل هو الكيان املؤله‬
‫امل خول له أن يفعل ويتصدر لكل شيء‪ ،‬مما جيعلك تتأكد من فكرة الذكورية‬
‫ق راءة ولن راعي ما حتته خط‬
‫يفُ اإلسالم واليت تتجلي بوضوح يف كافة تعاليمه إال أن تفصيل فحوي تللك‬
‫وسيقت نساء أم القموص سبايا ‪ ،‬ويف مقدمتهن (صفية) ام راة كنانة ‪ ،‬وابنة‬
‫الذكورية يستحق أن نتعاطي معه ببحث مستقل‪.‬‬
‫عم هلا ‪ ،‬يقودمها (بالل) مؤذن الرسول صوسلم ‪.‬‬
‫أما خبصوص ب�لال‪ ،‬ففي األم��ر منشأ داخلي ال ينفك عن الطبيعة البشرية‬
‫ومر هبما بالل علي ساحة إمتالت بالقتلي من يهود ‪ ،‬فهمت صفية أن تصيح‬
‫ورغبتها يف التشفي واإلنتقام خصوصا إن كانت طيلة حياهتا مذلولة مرذولة‬
‫لكن الصيحة احتبست يف حلقها ال تنطق‪.‬‬
‫ال يٌتعامل معها إال مبنطق السخره واإلذالل فما كان يفعله معه سيده امية‬
‫وام��ا ابنة عمها فأعولت ص ��ارخ��ة ‪ ،‬وصكت وجهها ‪ ،‬وحثت ال �ت�راب علي‬
‫بن خلف واضح ومعروف للجميع‪ ،‬واملشهد خيربك ضمنيا ب رائحة التشفي‬
‫رأسها ‪ ...‬وجيء هبما إيل رسول اهلل صوسلم ‪.‬‬
‫والرغبه يف اإلنتصار للذات بصرف النظر عن ماهية تللك الذات وإن كانت‬
‫صفية يف ح��زهن ��ا ال ��ص ��ام ��ت وج��زع ��ه ��ا امل ��ك��ب ��وت ‪ ،‬حت���اول أن تتماسك يف ترفع‬
‫هي الفاعله أم ال‪ ،‬فكل ما يعرفه ب�لاب ب�لال ذل��ك العبد األس��ود هي اهنا‬
‫وكربياء ‪ ،‬وما من أحد يعرف فيم كانت تفكر ‪ ،‬وان بدا اهنا تلوذ أمام القائد‬
‫سيدة أبيه يف عزة يف قومها‪ ،‬وقد إرتبط مفهوم السيادة عنده باحلقد‪ ،‬الكره‪،‬‬
‫املنتصر بآخر ما كان هلا من عزة يف قومها ‪.‬‬
‫البغضاء‪ ،‬فما لبث أن حانت الفرصه إال وبدأ يف إسرتداد حاسبه‪.‬‬
‫واالخ��ري شعثاء الشعر معفرة بال رتاب ‪ ،‬ممزقة الثياب ‪ ،‬ال تكف عن عويل‬
‫مما جيعلنا نقف علي جدية وص ��دق تغيري اإلس�لام للبشر من داخلهم علي‬
‫ونواح‬
‫املستوي مستوى التصاحل النفسي أو علي مستوي التعاطي مع اآلخر املسيء‬
‫قال صوسلم وهو يشيح بوجهه عنها ‪:‬‬
‫يف إخت زال واضح بأن كل ما مت تغيريه كان علي مستوي املظهر ال املخرب‪،‬‬
‫« اغربوا عين هذه الشيطانة «‬
‫بلسان املقال ال بلسان احلال ‪.‬‬
‫إمعانا يف اإلذالل ورغبة يف التشفي ‪ ،‬هو ان هذا العبد األسود إختار عن قصد‬
‫تذييل ‪:‬‬
‫الطريق الذي إمتأل جبثث القتلي من اهل صفية بنت حيي‬
‫إستخدام التعبري سيقت يكشف لنا عن مدي إحنطاط الشخصية الفاعلة‪،‬‬
‫ولك أن تتخيل عزيز القاريء‪ ,‬كيف لصاحيب جليل حاز علي لقب مؤذن‬
‫وت ��دين التعامل مع األس�ير بالعموم ‪ ،‬ومع امل��رأه باخلصوص‪ ،‬حييلك استخدام‬
‫الرسول ( لنا مع هذا اللقب تذييل سيأيت يف حينه ) تفوح تصرفاته بالعنصريه‬
‫اللفظ إيل ختيل قطيع ماشيه يٌساق بيد راعيه‪ ،‬مما حيطم فكرة مكانة امل راه‬
‫واحلقد والدفني ‪ ،‬ما هو موقفك وأن��ت مربوط حببل يف ي��داك تجُ��ر بيد عبد‬
‫‪49‬‬ ‫‪48‬‬
‫أمهات املؤمنني ـ قراءة مغايرة (صفية بنت حيي)‬ ‫أمهات املؤمنني ـ قراءة مغايرة (صفية بنت حيي)‬

‫‪ ...‬وهنا نتوقف هنيهة م ��ا ال��ذي جعل حممد جي��زع م ��ن تصرفات ابنة عم‬ ‫أسود يف أيامك املاضيه كان يرتعد منك خوفا‪ ,‬ومع كل خطوة ختطوها جتد‬
‫صفية‪ ,‬الكوهنا نافت نصا إسالميا صرحيا بتحرمي العويل وال��ن��واح ؟؟ أم‬ ‫األرض ملئي برفيق أو صديق أو جار أو صاحب صلة أو ذي نسب‪ ,‬مقتول‪،‬‬
‫لكونه مل يكن يرى يف األمر ما يسوئها هلذه الدرجة مما جعله يفهم تصرفها‬ ‫مبتور‪ ،‬أو ميت‪ .‬ختيل املشهد واترك لقرحيتك العنان‪ .‬مث تسائل عن مساحة هذا‬
‫بانه هتويل حلقري أمر‪.‬‬ ‫اإلسالم‪ ،‬عن حقوق األسري فيه اليت أفردت هلا جملدات‪ ،‬حقيقة تغيري اإلسالم‬
‫إن كانت األويل فما ذنبها يف ان تتعلم شريعة رجل دعي‪ ،‬قتل قومها‪ ،‬استويل‬ ‫ألصحابه وحتويلهم من رعاة غنم لقادة أمم‪.‬‬
‫علي كنوزهم‪ ،‬ساق نسائهم سبايا‪ ،‬مث او ليست أوليست علس الشريعة‬ ‫ضع تللك تلك اإلدعاءات جنبا جبنب مع النص املكتوب وإستنتج بنفسك ‪.‬‬
‫اليهودية الغ راء !!!!‬ ‫أما موقف صفية بنت حيي فعليك قارئي العزيز أن تركز من اآلن عن كل‬
‫وإن كانت الثانية فهو جهل جهول بأبسط طبائع البشر وهو التعبري عن‬ ‫الكلمات املسطوره عنها لتتكشف بنفسك كم التناقض الرهيب يف املواقف‪،‬‬
‫إستيائهم ومشاعرهم املكبوته حيال أمر جلل سيحيلهم يف غمضى عني من‬ ‫التصرفات اليت تنايف الطبيعة البشريه‪ ،‬مما جيعلك تقف بني أمرين كالمها فادح‬
‫اعلي عليني إيل أسفل سافلني‪ .‬مما جيعلنا نتسائل عن ماهية رسول للبشرية‬ ‫املصاب‪ ،‬االول إحنطاط وتغول املرض النفسي يف هؤالء القوم‪ ،‬أو كذب وعوار‬
‫مجعاء جيهل أبسط مباديء الطبيعة البشرية!!‬ ‫م راجعنا ال رتاثيه ال�تي نقلت لنا أخ��ب��ار محُ مد ‪ ،‬أو ح�تي عمي أو جتاهل ‪-‬ال‬
‫‪ ....‬يتبع‬ ‫أدري‪ -‬ناقلي هذه الكتب والذين مل تثتثريهم تستثريهم حفيظة السياق ‪،‬‬
‫ومل يسألوا أنفسهم عن كيفية إتساق تللك تلك االحداث مع بعضها‪ ،‬فضال‬
‫املصادر كما هي مذكورة يف النص األصلي‬ ‫عن تصديرها ألجيال كاملة علي إهنا سرية عطرة لشخص هو خري خلق اهلل‪.‬‬
‫تاريخ الطربي ‪95/3‬‬ ‫طبيعتها ال راقيه وكوهنا زوجة لسيدين من سادة بين النضري‪ ,‬جعلها تتطبع‬
‫السرية ‪351/3‬‬ ‫بطبائع امللوك وعلي رأسهم األنفه واإلباء‪ ,‬مما جعلها تتكتم مشاعرها‪ ،‬أو لعله‬
‫تاريخ الطربي ‪94/3‬‬ ‫هول املفاجاة الذي قد صورته ولو للحظات علي إنه جمرد كابوس مزعج لن‬
‫السرية ‪350/3‬‬ ‫يلبث سوي أن خيتفي‪ ،‬لكنه وللقدر التعس والزمان الشقي‪ ،‬حالت األقدار‬
‫دون ذلك وتويل سوقة القوم ودمهائهم األمر وباتوا يتشفون ويأخذون بثأرهم‬
‫اإلصابة ‪126/8‬‬ ‫القدمي‪ .‬فلم تنوح ومل تلطم خدها او تشق جيبها أو حيت تذرف دمعة ‪ ،‬علي‬
‫عكس إبنة عمها واليت حالت طبيعتها البشريه علي أن تتخذ نفس النهج‬
‫يف التصرف‪ ,‬ودفعها هول امل صاب من أن تنوح وتولول وهي حمقة يف ذلك ‪.‬‬
‫الرمحه حني رأي حال ابنة عمها‪ ،‬إال وأشاح بوجهه‬ ‫وما كان من حممد رسول ُ‬
‫وظهرت عليه عالمات اإلستياء والغضب صارخا « أبعدوا عين هذه الشمطاء»‬
‫‪51‬‬ ‫‪50‬‬
‫ملاذا اإلسالم هو حمور النقد والسخرية؟‬ ‫ملاذا اإلسالم هو حمور النقد والسخرية؟‬

‫عن فهمه املسلمون‪ ،‬فهو أن تقديس حرية التعبري يف الغرب هو بالضبط ما‬
‫يوفّ ر هلم احلق يف ممارسة دينهم على الرغم مما يتضمنه هذا الدين من تعاليم‬ ‫بقلم بسام درويش‬
‫مقيتة‪.‬‬
‫حىت فرتة قريبة من الزمن‪ ،‬كان الغريب يعتقد حق اً بأن هؤالء الذين خيرجون‬
‫إىل الشوارع مبظاه رات عنيفة كهذه‪ ،‬ليسوا سوى جهلة ورعاع‪ ،‬ألنه مل يكن‬
‫دين يدعو أتباعه للقيام بأعمال كهذه‬ ‫ليص ّد ُق بأنه ميكن أن يكون هناك ٌ‬
‫كنت إذا قلت لشخص‬ ‫دفاع اً عن تعاليمه أو رموزه‪ .‬ففي املاضي القريب‪َ ،‬‬
‫حي��رض على العنف ويزخر بالتعاليم اليت‬ ‫أمريكي مثقف إن القرآن كتاب ّ‬
‫شك متسائ الً عما إذا‬
‫تدعو إىل الك راهية‪ ،‬فإنه غالب اً ما كان يرمقك بنظرة ّ‬
‫كنت إنسان اً متعصب اً أو جاه الً‪ .‬أما اليوم‪ ،‬فلم يعد على هذا املقدار من اجلهل‬
‫باإلسالم‪ .‬األعمال اإلرهابية اليت أصابته يف عُ ق ِر داره‪ ،‬ال بل واليت أصابت وال‬
‫زالت تصيب بالد املسلمني أنفسهم‪ ،‬دفعته للتعرف على ماهيّ ة هذا الدين‪.‬‬
‫أصبح هناك اشخاص يتصلون ب ربامج احل��وار اإلذاع��ي��ة أو التلفزيونية وهم‬
‫يستشهدون بآيات من ال ��ق��رآن‪ ،‬ق رأوها بأنفسهم‪ ،‬مستنكرين وجودها يف‬
‫كتاب ديين‪ .‬مل يعد هناك اآلن أمريكي مل يسمع حبوريات اجلنة اليت ال يتورع‬ ‫وحدهم املسلمون بني أتباع مجيع الديانات خيرجون إىل ال ��ش��وارع للتظاهر‬
‫املسلمون عن تفجري أنفسهم يف األماكن العامة طمع اً باحلصول عليها يف‬ ‫احتجاج اً على ما يرون فيه إساءة لدينهم‪ ،‬أو لنبيهم‪ ،‬أو لرم ٍز من رموزهم‪.‬‬
‫احلياة اآلخرة‪ .‬ومل يعد هناك ال غريب وال شرقي ال يعرف معىن كلمة اجلهاد‪.‬‬ ‫لكن احتجاجاهتم ال تقتصر على التظاهر واهل��ت��اف��ات الغاضبة والتلويح‬
‫واألمر الذي يبعث على السخرية حق اً‪ ،‬ال بل على الرثاء أيض اً‪ ،‬فهو حماولة‬ ‫بالقبضات فقط‪ ،‬إمنا تتسم دائم اً بالعنف الذي غالب اً ما يتمثل باعتداءات‬
‫أصحاب الدعاية اإلسالمية تصوير اإلقبال على ش راء القرآن وغريه من الكتب‬ ‫على السفارات واملؤسسات الغربية‪.‬‬
‫اإلسالمية إقباالً على اإلسالم‪!...‬‬ ‫إ ّن اللجوءَ إىل العنف احتجاج اً على نشر صورة كاريكاتورية لرمز ديين أو‬
‫أمر يعجز‬
‫نشر كتاب يتضمن انتقاداً أليديولوجية‪ ،‬دينية كانت أو سياسية‪ٌ ،‬‬
‫*********‬ ‫اإلنسان الغريب عن تفهمه‪ .‬فالثقافة الغربية تقدس حرية التعبري أكثر من‬
‫تقديسها ألي شيء آخر‪ ،‬مبا يف ذلك املقدسات الدينية نفسها‪ .‬أما ما يعجز‬

‫‪53‬‬ ‫‪52‬‬
‫ملاذا اإلسالم هو حمور النقد والسخرية؟‬ ‫ملاذا اإلسالم هو حمور النقد والسخرية؟‬

‫على السفارات والكنائس‪.‬‬ ‫الغريب ال يهتم عادة بانتقاد الغري إال إذا اصابه من هذا الغري اعتداء عليه أو‬
‫ال بل ليس من املبالغة يف شيء إن قلنا بأن اإلسالم ليس وراء اإلرهاب فقط‪،‬‬ ‫على حقوقه‪ .‬إنه يتعايش مع كل املعتقدات والتقاليد اليت هي أساس اً حممية‬
‫إمن��ا هو أيض اً وراء فقر الشعوب اإلسالمية وختلفها‪ .‬فالدين ال��ذي يشجع‬ ‫بقوانني العامل الغريب‪ .‬لكن‪ ،‬ما أصابه من املسلمني فتح الباب بشكل واسع‬
‫أتباعه على إجناب أكرب عدد من األطفال ألن نبيه يريد أن يفاخر بعددهم‬ ‫على اإلسالم فأصبح هو وأتباعه حتت اجملهر‪ ،‬وبالتايل عرضة للنقد وللسخرية‪...‬‬
‫��ك يف أن ��ه مل حيسب حساب اً لطعامهم ولباسهم‬
‫األم��م ي ��وم القيامة(‪ )2‬ال ش ّ‬ ‫وما أكثر ما يف هذا الدين مما يستحق النقد والسخرية‪!...‬‬
‫وتربيتهم ولكمية اللقاحات اليت يسعى العامل الغريب لتأمينها هلم‪ .‬والدين‬ ‫ٍ‬
‫حصانة ضد‬ ‫ٍ‬
‫معتقد أو فك ٍر أو شخص يتمتع بأية‬ ‫يف الواقع‪ ،‬ليس هناك من‬
‫الذي ال زال يفرض نفسه على دساتري الدول اإلسالمية كمصدر للتشريع‪،‬‬ ‫يبت يف حدود النقد هو القضاء فقط‪ .‬لذلك‪ ،‬ال‬ ‫النقد‪ ،‬واملرجع الوحيد الذي ّ‬
‫هو الذي يقف عقبة بني شعوب هذه الدول وبني تقدمها ومتتعها باحلرية‪.‬‬ ‫نسمع عن مظاه رات يهودية أو مسيحية أو بوذية خيرج فيها أتباعها حيرقون‬
‫األخضر واليابس دفاع اً عن دياناهتم‪.‬‬
‫**********‬ ‫فلماذا إذاً اإلسالم وحده بني كل هذه الديانات هو األكثر عرض ةً لالنتقاد؟‬
‫ختام اً‪ ،‬هناك ما الب�� ّد من اإلش��ارة إليه‪ ،‬وه��و أن ��ه ع�لاوًة على كل ما تق ّدم‪،‬‬ ‫وملاذا هم املسلمون وحدهم بني كل أتباع الديانات الذين يلجأون إىل العنف‬
‫وعالوًة على كل ما يزخر به اإلسالم من تعاليم إرهابية أو سخيفة مضحكة‬ ‫رداً على االنتقاد؟‬
‫شتائم مهينة حبق‬
‫َ‬ ‫تستوجب النقد‪ ،‬فإنه ال يعقل أن تتضمن تعاليم هذا الدين‬ ‫اجلواب على هذين السؤالني هو أنه ليس هناك من يكشف عن مؤخرته دون‬
‫الذين ال يؤمنون به دون أن يتوقع املسلمون الرد على شتائمه‪ ،‬على األقل‪،‬‬ ‫أن يتوقع تسليط األض���واء عليها‪ .‬أعمال املسلمني هي ال�تي كشفت عورة‬
‫فبانتقاد أو بسخرية‪ .‬فالقرآن واحلديث يزخ ران بالشتائم‬‫ٍ‬ ‫إن مل يكن بشتيمة‪،‬‬ ‫اإلسالم وس لّ طت األضواء عليها‪ ،‬وخاصة للذين مل يسبق هلم وأن رأوها‪!...‬‬
‫املوجهة لغري املسلمني‪ ،‬وبالذات‪ ،‬للمسيحيني واليهود‪ ،‬كوصفهم بالقردة‬
‫واخلنازير والبهائم والكفرة القذرين النجسني ال��ذي ال جت��وز مصافحتهم‬ ‫************‬
‫واملنافقني الذين ال جتوز مصاحبتهم‪ )3(.‬رمبا على املسلمني أن يعملوا على‬ ‫ليس من املبالغة يف ش��يء أب��داً إن قلنا ب��أن مشكلة العامل الكربى ال�تي هتدد‬
‫إع��ادة النظر هب ��ذه النصوص قبل االحتجاج على أي ��ة شتيمة أو نقد ساخر‬ ‫استق راره وتقدمه هي اإلس�ل�ام‪ .‬العامل كله يعاين منه‪ ،‬مبا يف ذل ��ك املسلمون‬
‫حبقهم وحبق دينهم‪.‬‬ ‫أنفسهم‪ .‬نظرة سريعة إىل ما يشغل العامل كله اليوم‪ ،‬تؤ ّك د قول اإلم رباطور‬
‫البيزنطي الذي استشهد به البابا بندكت السادس عشر‪« ،‬أرين شيئ اً جديداً‬
‫أتى به حممد ولن جتد فيه إال ما هو شرير وغري إنساين‪ »!...‬ولقد أثبت صحة‬
‫هذا القول املسلمون أنفسهم باملظاه رات العنيفة اليت قاموا هبا احتجاج اً عليه‪،‬‬
‫وما صاحب تلك املظاه رات من أعمال التخريب واحل��رق والقتل واالعتداء‬
‫‪55‬‬ ‫‪54‬‬
‫االقتصاد االسالمي بضعة نقاط‬ ‫االقتصاد االسالمي بضعة نقاط‬

‫األفالس‪ ،‬يعطيك الفرصة ان تبدا من جديد‪ ...‬يف النظام األسالمي ال ميكنك‬


‫ان تعلن أفالسك‪ ....‬ويف حالة املشروع‪ ،‬لو فشل‪ ..‬البنك هو املدان‪ ،‬بسبب‬ ‫وجهة نظر حزب التحرير في االقتصاد‬
‫انه مل يقدر املشروع بطريقة صحيحة‪....‬‬

‫اجر األجري‪:‬‬
‫هنا مت ربط األجر بالنفع (األنتاج) وهذا ليس عدال‪ ...‬األجر يف الدول ال رأمسالية‬
‫بساعات العمل وليس األنتاج‪ ...‬ممكن يكون لدي أدوات قدمية صعب التعامل‬
‫معها‪ ،‬وال تنتج‪ ،‬ويكون العقاب علي العامل‪ ،‬الذي أجرة مرتبط باألنتاج‪....‬‬
‫‪ .2‬بالنسبة لألراضي‪ ،‬مصر مثال مل تعرف امتالك األراضي حيت القضاء علي‬
‫اخلالفة األسالمية‪ ،‬فهي كانت أرض خ راج (أق رأ صفحة ‪ ....)128‬وهنا النظام‬
‫ال رأمسايل يتيح بأمتالك األراضي أفضل للعامة‪...‬‬
‫‪ .3‬بالنسبة للربا‪ ..‬حترمي األس�لام للربا (صفحة ‪ )259‬بدون تقدمي بديل هو‬
‫فشل‪ ...‬عندما يتم قرض شخص ما مال‪ ،‬فالقارض هنا قام باملخاطرة مبالة‪،‬‬
‫مبعين ان ��ة ممكن ان خيسر امل��ال‪ ،‬وبالتايل جيب تعويضة عن املخاطرة بربح‪...‬‬
‫وه ��ذا ال تفهمونة‪ ...‬انتم القرض لديكم جيب س ��دة‪ ،‬مبعين أقرتضت مال من‬
‫أج���ل م��ش��روع‪ ،‬وامل���ش���روع ف��ش��ل‪ ،‬جي��ب ان أرد امل���ال ويف م ��ص��ر ي ��ت��م السجن‪،‬‬
‫والبنوك األسالمية أدت ايل سجن العديد من الفالحني يف السودان مما كان‬
‫يهدد التنمية‪...‬‬
‫البنوك احلديثة ال تعمل هكذا‪ ...‬هي تقدر املشروع‪ ،‬وتقدر املخاطرة‪ ،‬ولو كان‬
‫املشروع ناجح‪ ،‬يتم تقدير املخاطرة وبالتايل تقدير الفائدة‪ ،‬وأذا املشروع فشل‪،‬‬
‫ال يتم سجن املدان‪ .‬ايضا ممكن ان تعلن أفالسك‪ ،‬وتتخلص من كل الديون‬
‫الشخصية (ليست مرتبطة مبشروع)‪ ،‬واملوضوع بالنسبة له أنتهي (العديد من‬
‫ال رأمسالني الشهريني أعلنوا أفالسهم يف أمريكا‪ ،‬ويف النهاية جنحوا)‪ ..‬اعالن‬

‫‪57‬‬ ‫‪56‬‬
‫نبضات بن باز ‪ ...‬لقد رأينا اهلل !‬ ‫نبضات بن باز ‪ ...‬لقد رأينا اهلل !‬

‫غموضا مثل ذلك االحساس الذي يدامهنا عند التفكر يف الكون فالتاكيد‬ ‫لقد رأينا اهلل !‬
‫هو على صواب ولكن هذا ال عالقة له بادعائه على االطالق‪.‬‬ ‫بن باز‬
‫املشكلة الثانية هي يف تنوع التجارب الدينية‪ :‬فلو كان هناك اله واحد فلما‬
‫نرى العديد من االخبار من خمتلف الديانات؟ بل ان هذه التجارب متضاربه‬ ‫يقول اح��ده��م‪« :‬ولست وح��دي فقد راي الكثريين اجلنة واملالئكة بل واهلل‬
‫مع بعضها البعض‪ .‬وال ميكن ان تكون مجيعها صحيحة ولكن على االقل‬ ‫شخصيا‪ .‬وذل ��ك الننا نؤمن مبا يقوله البشر فان قال لنا احدهم اين ذهبت‬
‫فان بعضها خطا وكذب‪ .‬اذا كيف ميكننا التفريق؟ وملا جيب علي ان اصدق‬ ‫بسياريت الكامري اىل السوق ملا علي ان اكذبه؟ فاملتشككني يطبقون دائما‬
‫التجارب االسالمية او املسيحية او غريها وارفض البقية؟‬ ‫معاي را معقدة للتصديق ال يطبقوهنا يف باقي مناحي حياهتم فهم يظهرون كم‬
‫ال يوجد معيار مستقل ميكننا استخدامه للتفريق بني التجارب احلقيقية‬ ‫هم يستيقون دائما االحكام فيما خيص الدين وهذا ما مينعهم من التصديق‪».‬‬
‫والكاذبة اليت يدعيها االخرين او‬ ‫لقد قال احدهم من قبل ان كل البشر العاديون مي��رون مبثل تلك التجارب‬
‫ح�تى ال�تي ق��د من��ر هب��ا‪ .‬ان املعيار‬ ‫الروحانية ومبا ان تلك التجارب هي الدليل النهائي الدامغ فاننا جيب ان نقبل‬
‫ال���وح���ي���د امل����وج����ود ي��ع��ت��م��د على‬ ‫حقيقة وجود اهلل‪ .‬يقول ايضا ان تلك التجارب تؤثر ايضا يف حياة كل البشر‬
‫س��ل�ام����ة ال����ن����ظ����ام ال�����دي��ن��ي‪ .‬ع��ل��ى‬ ‫بل وحياة اجملتمعات وبالتايل ال ميكن ان تكون هالوس ابدا‪ .‬وبالتايل فانه من‬
‫سبيل املثال‪ :‬البعض يدعي انه‬ ‫العقالين ان نؤمن بوجود اله مسؤول عن هذه التجارب بدال من ان نربطها‬
‫ان مل تتوافق التجربة مع ما هو‬ ‫بتخيالتنا‬
‫م����ذك����ور يف ال����ق����ران او االجن���ي���ل‬ ‫الى هنا ينتهي الهراء اعاله ونبدا في الرد على هذه الحجة‬
‫فاهنا جتربه كاذبة ‪ -‬ولكن هذا‬ ‫ان اول مشكله يف استنتاج السيد‬
‫يفرتض ان احلقيقة موجوده فيما‬ ‫اع�لاه ه��و تاكيده على ان « كل‬
‫جيب ان يتم اثبات صدقه اصال‬ ‫البشر» متر بتلك التجارب الدينية‪.‬‬
‫وبالتايل هذا غري مقبول‪.‬‬ ‫ول ��ك ��ن بالسهولة مب ��ك ��ان على اي‬
‫املشكلة الثالثة‪ :‬هي فكرة التأثري العميق لتلك التجارب يف حياتنا فهذا‬ ‫شخص ان يصر على موقف بدون‬
‫ال يعين اهنا من اهلل!‪ .‬فان ادعينا ان بعض الناس مر هبذه التجارب وان هذه‬ ‫اي دل��ي ��ل ي ��دع ��م��ه‪ .‬فلو ك��ان يعين‬
‫التجارب اث��رت يف حياهتم ولكننا ال جيب ان نقبل ان هذه التجارب ذات‬ ‫بتلك التجارب هي القوى اخلارقة‬
‫طبيعة خارقة‪.‬‬ ‫مثل اهلل وامل�لا ئ ��ك ��ة اخل فانه بالتاكيد خم ��ط��ىء‪ .‬ام��ا ان ك��ان يعين شيئا أكثري‬

‫‪59‬‬ ‫‪58‬‬
‫نبضات بن باز ‪ ...‬لقد رأينا اهلل !‬

‫ان التجارب احلقيقية اليت هلا تاثري على حياتنا هلا تفسريها الطبيعي بدون اي‬
‫ع�لاق��ات ب��ال��ق��در‪ .‬بل‬
‫ان����ه ب��اس��ت��خ��دام م���واد‬
‫ك���ي���م���ي���ائ���ي���ة واج����ه����زة‬
‫ح��دي��ث��ة ميكننا ان��ت��اج‬
‫جت�������������ارب ي�����ش�����ع�����ر هب���ا‬
‫امل���ت���ل���ق���ي‪ .‬واذا ك���ان‬
‫االم������ر ه���ك���ذا ف��ل��م��اذا‬
‫جيب علينا ان نصدق ان جتارب االخرين متعلقة باسباب من وراء الطبيعة؟‬
‫اذا كان هناك على االقل بعض التجارب الدينية املزعومة طبيعية ‪،‬فكيف‬
‫نفرقها عن تلك التجارب اخلارقة؟ حىت وان غريت تلك التجربة مسار اجملتمع‬
‫فان هذا ليس دليال ابدا على اهنا خارقة‪.‬‬
‫ان البعض يزعم ان الدرجة اليت يهيأ هبا لشخص ما ان شيئأ ما قد حدث‬
‫جيب ان ترتجم اىل احتماليه وقوع هذا الشيء‪ .‬ان هذا االمر صحيح عندما‬
‫يقول شخص ما بانه يبدو له ان هناك كرسيا يف الغرفة وبالتايل فاننا منيل‬
‫اللى املوافقة على ان هناك كرسيا يف الغرفة‪ .‬ولكنه من غري الصحيح انه يف‬
‫كل مره يؤمن هبا احدهم بشكل جاد يف امر ما فانه جيب ان نقبل بان كل‬
‫ما يؤمن به صحيح‪.‬‬

‫اننا نقبل هبذا االمر عندما يتعلق بامور دنيوية خربناها مجيعا‪ .‬فلو قال احدهم‬
‫انه راى سنافر داخل الغرفة فاننا لن نصدق احتماليه وجود السنافر داخل‬
‫الغرفة‪.‬‬
‫كما ان هناك شيئا مهما علينا ان نضعه يف احلسبان‪ :‬ان فشل املؤمنني يف‬
‫اثبات تلك التجارب لنا هو سبب جيد لكي نعتقد ان اهلل غري موجود‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫‪60‬‬
‫نبضات بن باز ‪ ...‬حوار‬ ‫نبضات بن باز ‪ ...‬حوار‬

‫‪ -‬ال مت رفض هذا الطلب مرتني يف مرحلتني للتحقيق ومنع عين اهلاتف ومل‬
‫امتكن من خماطبه اي حمامي اال من داخل السجن‪.‬‬ ‫حوار مع بن باز‬

‫هل وكلت حمامي دفاع خالل احملاكمة ؟‬ ‫ح��وار و شهادة صديقي و أح��د كتاب جملة أن ��ا أفكر منذ ف�ترة طويلة (عبد‬
‫‪ -‬نعم وبعد معاناه شديده ورف��ض من قبل ع ��ده حمامني‪ .‬وق��ام ه ��ذا احملامي‬ ‫العزيز بن باز) عن ظروف اهتامه و اعتقاله و سجنه‬
‫ايضا برفض التعاون مع اي اصدقاء او جهات حقوقيه بسبب خجله من‬ ‫هتمته عملي اً وواقعي اً هي أنه يفكر يف بالد منع فيها التفكري و يتكلم يف بالد‬
‫مسمى القضية‪..‬‬ ‫اخلرسان هم مواطنوا الدرجة األوىل فيها‬
‫هتمة ال ميكن أن ت��وص ��ف اال أهن��ا هتمة خ ��ط�يرة و عظيمة و م ��ه��ددة يف بالد‬
‫كيف كانت معاملة و حيادية القاضي خالل احملاكمة ؟‬ ‫األسالم و املسلمني‬
‫‪ -‬يف حمكمه اول درج���ه مل يطلب ال ��ق ��اض��ي ح��ض��وري وق���ام بتوبيخ احملامي‬
‫لقيامه بال رتافع من اجلي‪ .‬ويف االستئناف كان من الواضح متاما ان القاضي‬ ‫ماهو السبب الرئيسي ألعتقالك ؟‬
‫متحيز جدا ضدي من خالل اسئلته اليت منت عن غضب شديد جتاهي‪ .‬ويف‬ ‫‪ -‬بناء على خطاب موجه من امن الدولة اىل االداره العامة للمباحث االلكرتونية‬
‫التمييز مت رفض الطعن شكال‪..‬‬ ‫ينبههم اىل مدون يدعو اىل الكفرو االحلاد ‪.‬‬

‫هل أحسست بأن القاضي جتاوز القانون الكوييت باحلكم عليك ؟‬ ‫كيف مت االعتقال ؟‬
‫‪ -‬قام يتطبيق اقصى عقوبه علي‪ .‬يف احلقيقة انا ال استحق يوما واحدا وذلك‬ ‫‪ -‬مت اعتقايل من قبل قبل ظابط املباحث االلكرتونية يف تاريخ ‪2012-12-31‬‬
‫انين مل احقر الدين من االساس‪..‬‬ ‫يف مقر العمل ومت مصادره هاتفي ومتعلقايت يف الفور‪..‬‬

‫حتت أي قانون متت حماكمتك ؟‬ ‫هل تعرضت ألي عنف جسدي أو نفسي خالل عملية االعتقال ؟‪.‬‬
‫‪ -‬قانون انتهاك حرمه االديان ماده ‪:111‬‬ ‫‪ -‬نعم مت هت ��دي ��دي مبزيد م ��ن التوريط القانوين اذا مل استجب لطلباهتم وان‬
‫ك ��ل م ��ن أذاع‪ ،‬ب ��إح��دى ال ��ط��رق العلنية املبينة يف امل���ادة ‪ ، 101‬آراء تتضمن‬ ‫اعرتف بكل ما هو مكتوب يف التحقيق واحملضر‪.‬‬
‫سخرية أو حتق ريا أو تصغ ريا لدين أو مذهب ديين‪ ،‬سواء كان ذلك بالطعن‬
‫يف عقائده أو يف شعائره أو يف طقوسه أو يف تعاليمه‪ ،‬يعاقب باحلبس مدة ال‬ ‫هل مسح لك بأن توكل حمامي دفاع عند التحقيق معك ؟‬

‫‪63‬‬ ‫‪62‬‬
‫نبضات بن باز ‪ ...‬حوار‬ ‫نبضات بن باز ‪ ...‬حوار‬

‫جتاوز سنة واحدة وبغ رامة ال جتاوز ألف دينار أو بإحدى هاتني العقوبتني‪..‬‬
‫هل مت ضربك أو ايذائك بأي شكل من االشكال ؟‬
‫‪ -‬مت وضعي يف العزل االنف رادي فرته قصريه بدون سبب غري ان الضابط ينتمي‬ ‫كيف مت اثبات التهم املوجه اليك‬
‫للمذهب الشيعي وقد اعتقد بانين سين املذهب‪...‬‬ ‫‪ -‬من خالل مدونيت ‪benbazbuzz.blogspot.com‬‬
‫مت اعتبار ( ما هي مكانه الدين يف اجملتمع العلماين) (هل هم متدينون حقا)‬
‫هل متت مضايقتك من قبل مسجونني آخرين ؟‬ ‫(مل��اذا خلق اهلل امللحدون) وغريها من املقاالت دع��وه للعلمانية بدل الديانه‬
‫‪ -‬بالتاكيد كان هذا يتم بشكل يومي‪ .‬سواء بالسب واللعنات او باالجبار‬ ‫ونشر للكفر واالحلاد‪ .‬هذا ما مت اهتامي به حرفيا‪.‬‬
‫على النقاش واملناظ رات العقيمه‪ .‬ومن مث يتم هتديدك مره اخرى باي كلمه‬
‫تتفوه هبا‪.‬‬ ‫ماهي االدلة و الق رائن اليت اثبتت التهم ؟‬
‫السجن احلقيقي ليس تلك اجلد ران بقدر اولئك االف راد الذين اجربت على‬ ‫‪ -‬بالغ جهاز امن الدولة ومن مث اع رتايف بان املدونه ختصين‪..‬‬
‫احلياة معهم وغالبهم من السايكوباتني‪.‬‬
‫ما احلكم الذي أخذته ؟‬
‫هل كان هناك مسجونني آخرين بتهم مشاهبة لتهمتك ؟‬ ‫‪ -‬سنه مع الشغل والنفاذ وغ رامه ‪ 75‬دينار كوييت‪.‬‬
‫‪ -‬نعم ك��ان هناك شيعي ممتهم ب��االس��اءه للمذهب السين واخ��ر مسيحي‬
‫متهم باالساءه لالسالم جملرد انه ابدى انزعاجه من تعدد الزوجات‬ ‫هل تعرضت خالل احملاكمة ألي نوع من أنواع التعذيب ؟‬
‫‪ -‬مل اذه��ب للمحاكمه اال م��ره واح��ده وق��ام جمموعه من العساكر مبحاوله‬
‫ه ��ل أحسست ب��أي عمل ممنهج ألي��ذائ��ك جسدي اً أو نفسي اً ؟ خ�لال مدة‬ ‫التهجم علي بعد اجللسه ومس��اع امل��راف��ع��ه‪ .‬ل��وال تدخل البعض الي ��ق ��اف هذا‬
‫سجنك ؟‬ ‫االمر‪..‬‬
‫‪ -‬يف احلقيقة ال اعلم ان كان ذلك ممنهجا ام ال لكن االم��ر كان غالبا ما‬
‫حيدث من قبل املساجني‪..‬‬ ‫بعد دخولك السجن كيف كانت معاملة ادارة السجن لك ؟‬
‫‪ -‬يف احلقيقة كان هناك تعنت يف العديد من االم��ور مثل ادخ ��ال الكتب او‬
‫هل أنتهيت كل مدة حكمك أم خرجت قبل املدة ؟‬ ‫الزيارات او اي طلبات اخرى‪ .‬كانت دائما تقابل بالبطء الشديد يف التنفيذ‬
‫‪ -‬قصيت ك��ام ��ل امل���ده ب��ل قضيت ‪ 45‬فوقها الهن���اء اج����راءات القضيه و‬ ‫او الرفض‪ .‬يكفي ان نذكر انه مل يتم ادخال اي كتب اال بعد ان مت اجباري‬
‫السفر وغريها‪..‬‬ ‫على ق راءه الق ران لشهر كامل‪..‬‬
‫‪65‬‬ ‫‪64‬‬
‫نبضات بن باز ‪ ...‬حوار‬ ‫نبضات بن باز ‪ ...‬حوار‬

‫أعمل أص الً يف موضوع توثيق االنتهاكات يف موضوع حقوق االنسان‬


‫و هلذا رمبا ستالحظون أنه أشبه بتحقيق اكثر منه مقابلة فأعذروين‬ ‫بعد خروجك من السجن ملا تركت الكويت ؟‬
‫أردت أن أوض ��ح جزئ أً يس رياً و صغ رياً ملا يتعرض له رافضو األدي��ان يف بالد‬ ‫هل مت طردك منها أو خرجت بأختيارك ؟‬
‫األسالم‬ ‫‪ -‬مت اب ��ع ��ادي عن البالد ومت رف ��ض تظلمي من ه ��ذا ال ��ق��رار مع اين اقيم هناك‬
‫الكثر من ‪ 20‬عام ومواليد الكويت ايضا‪..‬‬
‫عيشوا سعداء‬
‫أمين غوجل‬ ‫هل متت مضايقتك بعد خروجك من السجن و حىت خروجك من الكويت ؟‬
‫مؤسس و رئيس حترير جملة ‪ ...‬أنا أفكر‬ ‫‪ 45 -‬يوم كانت اسوا فرته قضيتها يف حيايت النين قضيتها يف مكان يف منتهى‬
‫القذاره ويفتقد اىل اي معايري انسانية ونقص يف الغذاء والتدفئة‪..‬‬

‫كيف هي حالتك اآلن يف مصر؟‬


‫‪ -‬يف احلقيقة اشعر بالتهديد احلقيقي يف ك ��ل حلظه مم ��ا يدفعين االن بشده‬
‫للبحث عن خمرج‪ .‬وانا االن يف طور تنفيذ هذا االمر‪.‬‬

‫و مبلخص صغري ن��رى أن ك ��ل اج��رائ��ات أعتقال عبد العزيز ب ��ن ب��از تشكل‬
‫جمموعة خروقات و انتهاكات واضحة الدىن قواعد حقوق األنسان‬
‫رمبا لن نستغرب كون الكويت معروفة بأنتهاكاهتا يف هذا اجملال و لن نستغرب‬
‫أكثر ألن قانون اً ديني اً حكم على عبد العزيز‬
‫و بكل االحوال شهادة عبد العزيز بن باز سننشرها و نضعها بتصرف مجعيات‬
‫حقوق األنسان لنرى هل سيتم أخذها بشكل جدي كانتهاكات صارخة أم‬
‫أن النفط الكوييت بأستطاعته ش راء تلك اجلمعيات و اهليئات‬

‫أصدقائي أحببت أن أق��وم بنفسي بتسجيل شهادة عبد العزيز رمب ��ا لكوين‬
‫‪67‬‬ ‫‪66‬‬
‫التحيزات املعرفية الـ‪ 12‬التي متنعك من أن تكون عقالنيًا‬ ‫التحيزات املعرفية الـ‪ 12‬التي متنعك من أن تكون عقالنيًا‬

‫إصدار األحكام‪ ,‬لكننا على األقل نستطيع أن نبقى مدركني هلذه األخطاء‪.‬‬
‫هنا سنستعرض بعض اً من أمهها لنأخذها بعني االعتبار‪:‬‬ ‫جورج دفورسكي‬
‫التحيز التأكيدي‪:‬‬ ‫ترجمة‪ :‬حسنين عبد األمير‬
‫إننا حنب أن نوافق األشخاص الذين يوافقوننا ال رأي‪ .‬هذا هو سبب زيارتنا‬
‫للمواقع األلكرتونية اليت تع برّ عن آراءنا السياسية‪ ,‬و هذا هو سبب خروجنا‬
‫إن الدماغ البشري قادر على تنفيذ حوايل ‪ 16^10‬عملية يف الثانية الواحدة‪،‬‬
‫ع���ادة م��ع م��ن حيملون نفس رؤان���ا و آراءن����ا‪ .‬حن��ن منيل إىل اج��ت ��ن ��اب األف���راد‪,‬‬
‫و الذي جيعله أقوى بكثري من أي حاسوب موجود حالي اً‪ .‬لكن هذا ال يعين‬
‫اجلماعات‪ ,‬و مصادر األخ��ب��ار ال�تي جتعلنا نشعر بانعدام االرت��ي��اح و األم ��ان‬
‫أن أدمغتنا ال حتتوي حدود رئيسية‪ .‬فاآللة احلاسبة املتواضعة ميكنها القيام‬
‫حول آرائنا‪ -‬هذا ما يسميه عامل النفس السلوكي ب‪.‬ف‪ .‬سكينز بالتنافر‬
‫املرات مما ميكن لعقلنا فعله‪ ،‬و‬ ‫بالعمليات احلسابية الرياضية أفضل بآالف ّ‬
‫املعريف‪ .‬إنه الوضع التفضيلي من السلوك الذي يؤدي إىل التحيز التأكيدي‪-‬‬
‫ذاكرتنا غالبا ما تكون أقل من مستوى عدم الفائدة‪ -‬إضافة إىل ذلك‪ ,‬فإننا‬
‫العمل ال�لاواع��ي ع��ادة يف ال��رج��وع اىل املنظورات ال�تي تدعم وجهات نظرنا‬
‫رهن التحيّ زات املعرفية‪ ,‬هذه الثغ رات املزعجة يف تفكرينا اليت جتعلنا نتخذ‬
‫املوجودة من قبل حص راً‪ ,‬و يف نفس الوقت جتاهل أو رفض اآلراء – مهما‬
‫نتحص ل على استنتاجات خاطئة‪ .‬هنا يف هذه املقالة‬ ‫ّ‬ ‫ق رارات مشكوك فيها و‬
‫كانت صحتها‪ -‬اليت هت ّدد نظرتنا إىل العامل‪ .‬و بشكل متناقض‪ ,‬فقد جعل‬
‫حتتاج‬
‫ُ‬ ‫س ��وف نعرض ‪ 12‬من أكثر التحي زات املعرفية شيوع اً و ض��رراً و ال�تي‬
‫اإلنرتنت هذا امليل أكثر سوءا من ذي قبل‪.‬‬
‫ملعرفتها بالطبع‪.‬‬
‫التحيز للمجموعة‬
‫قبل أن نبدأ‪ ,‬فمن املهم علينا أن منيز بني التحيّ زات املعرفية و املغالطات‬
‫التحيز الشبيه إىل حد ما بالتحيز التأكيدي هو التحيز للمجموعة‪ ,‬مظهر‬
‫احلج ة –امل رافعة‪ -‬املنطقية (على‬ ‫املنطقية‪ .‬فاملغالطة املنطقية هي خطأ يف ّ‬
‫من مظاهر امليول القبلية الفطرية لدينا‪ .‬و الغريب يف األمر أن الكثري من هذا‬
‫سبيل املثال‪ ,‬مغالطة االحتجاج بالشخص‪ ,‬مغالطة املنحدر الزلق‪ ,‬مغالطة‬
‫التأث ريات قد تكون هلا عالقة هبرمون األوكسيتوسني‪ -‬ما يسمى ب‪”،‬جزيء‬
‫اجلدال الدائري‪ ,‬مغالطة التماس القوة و غريها)‪ .‬من اجلانب اآلخر‪ ,‬فالتحيز‬
‫احل��ب‪ ”.‬هذا الناقل العصيب‪ ,‬يف حني أنه يساعدنا على إقامة رواب��ط أكثر‬
‫املعريف هو نقص حقيقي أو جمموعة قيود يف تفكرينا‪ -‬خلل يف احلكم الذي‬
‫متانة مع الناس يف داخل جمموعتنا‪ ,‬فإنه يؤدي الوضيفة املعاكسة مع من هم‬
‫ينشأ من أخطاء الذاكرة‪ ,‬املنسوبية االجتماعية‪ ,‬و احلسابات اخلاطئة ( مثل‬
‫خارج هذه اجملموعة‪ -‬إنه جيعلنا نشتبه‪ ,‬نتخوف‪ ,‬و حىت نزدري اآلخرين‪ .‬يف‬
‫األخطاء اإلحصائية أو اإلحساس ال زائف لبعض االحتماالت)‪.‬‬
‫هناية املطاف‪ ,‬فإن التحيز للمجموعة جيعلنا نبالغ يف تقدير قد رات و قيمة‬
‫يعتقد بعض علماء النفس أن حتي زاتنا املعرفية تساعدنا يف معاجلة املعلومات‬
‫جمموعتنا احلالية على حساب أناس ال نعرفهم‪.‬‬
‫القادمة إلينا بكفاءة أعلى‪ ,‬و خاصة يف احلاالت اخلطرية‪ .‬لكنها ال ت زال تقودنا‬
‫مغالطة املقامر‬
‫إىل ارت��ك��اب أخ��ط��اء جسيمة‪ .‬ميكن أن ن ��ك��ون ع��رض ��ة ملثل ه��ذه األخ��ط��اء يف‬
‫إهن��ا تدعى “مغالطة”‪ ,‬لكنها أكثر من كوهنا خلل يف تفكرينا‪ .‬حنن منيل‬
‫‪69‬‬ ‫‪68‬‬
‫التحيزات املعرفية الـ‪ 12‬التي متنعك من أن تكون عقالنيًا‬ ‫التحيزات املعرفية الـ‪ 12‬التي متنعك من أن تكون عقالنيًا‬

‫(إحصائي اً‪ ,‬فلدينا احتمالية ‪ 1‬من ‪ 84‬من املوت يف حادث مركبات‪ ,‬مقارنة‬ ‫إىل وض��ع كمية هائلة م ��ن الرتكيز على األح���داث السابقة‪ ,‬معتقدين بأهنا‬
‫مع ‪ 1‬من ‪ 5,000‬احتمالية من املوت يف حادث حت طّم طائرة [مصادر أخرى‬ ‫سوف تؤثّر بطريقة أو بأخرى على النتائج املستقبلية‪ .‬و املثال الكالسيكي‬
‫تشري إىل اح��ت ��م��االت تصل إىل ‪ 1‬م ��ن ‪ .)]20,000‬إهن��ا ال ��ظ ��اه��رة نفسها اليت‬ ‫هو عملية رمي العملة‪ .‬فبعد كون العملة على وجه “ال رأس‪ ″‬خلمس م رات‬
‫ج��راء عمل إره��ايب يف مقابل شيء أكثر‬ ‫جتعلنا نتخوف من تعرضنا للقتل ّ‬ ‫متتالية من الرمي‪ ,‬فإن ميلنا سيكون يف التنبّ ؤ بأن الرمية املقبلة ستكون على‬
‫التسم م العرضي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫احتماالً‪ ,‬مثل السقوط من أعلى سلم أو‬ ‫وجه “الذيل” – هذا ألن احتماالت جيب أن تكون بالتأكيد يف صاحل وجه‬
‫يسم ية عامل النفس االجتماعي كاس سونشنت بـ(إحتمال االستخفاف)‬ ‫هذا ما ّ‬ ‫“ال��رأس‪ .″‬و لكن يف الواقع‪ ,‬فأن االحتماالت ال ت ��زال ‪ .50/50‬فكما يقول‬
‫–عدم قدرتنا على الفهم الصحيح ملعىن اخلطر و املخاطرة‪ -‬و الذي يقودنا‬ ‫علم اإلحصاء‪ ,‬إن النتائج يف الرميات املختلفة مستق لّ ة إحصائي اً و احتمال‬
‫عادة إىل املبالغة يف تقدير خماطر نشاطات غري مؤذية نسبي اً‪ ,‬يف حني جيربنا‬ ‫أي من النتيجتني ال ي زال ‪.%50‬‬
‫على االستخفاف بأمور أكثر منها خطورة‪.‬‬ ‫ترشيد ما بعد الش راء‬
‫حتيز اإلنتقاء الرصدي أو الشهودي‬ ‫تذ ّك ر تلك امل��رة اليت اشرتيت فيها شيئ اً غري ض��روري ��اً‪ ,‬أو باخلطأ‪ ,‬أو كنفقة‬
‫إن هذا التحيز هو ذلك التأثري الذي يالحظ فجأة أشياءاً مل نالحظها من‬ ‫ق���ررت أن ت��رش ��د م��ن ال��ش��راء إىل ح��د أن��ك أقنعت‬
‫أ ك ��ث��ر م��ن ال�ل�ازم‪ ,‬و م��ن مث ّ‬
‫قبل – و لكننا نفرتض –باخلطأ‪ -‬بأن وترية ذلك الشيء قد ازدادت‪ .‬هناك‬ ‫ترش د على الدوام؟ أجل‪ ,‬هذا هو ترشيد ما بعد‬ ‫نفسك بأهنا فكرة عظيمة أن ّ‬
‫مثال ممتاز حول هذا التحيز و هو ما حيصل بعد ش راءنا لسيارة جديدة لنرى‬ ‫الش راء – هو نوع من اآللية املدجمة اليت جتعلنا نشعر بتحسن بعد اختاذ ق رارات‬
‫بعد ذل ��ك –و لسبب غري مفهوم‪ -‬نفس ن��وع سيارتنا يف كل مكان‪ .‬تأثري‬ ‫غري مسؤولة‪ ,‬و خاصة يف العمليات النقدية‪ .‬املعروف أيض اً باسم متالزمة‬
‫مشابه هلذا هو ما حيدث للم رأة احلامل اليت تالحظ بشكل مفاجئ أن هناك‬ ‫مشرتي ستوكهومل‪ .‬إهنا وسيلة لتربير مشرتياتنا شعوري اً‪ -‬وخاصة تلك املكلفة‬
‫الكثري من احلوامل حوهلا‪ .‬أو قد يكون األم��ر نفسه بالنسبة لرقم فريد أو‬ ‫منها‪ .‬يقول علماء النفس االجتماعي أهنا تنطلق من مبدأ االلت زام‪ ,‬و الرغبة‬
‫أغنية ما‪ .‬إن األمر ليس أن هذه األشياء تظهر مع اً بشكل أكثر توات راً‪ ,‬لكن‬ ‫النفسية لدينا لنبقى ثابتني و بعيدين عن التنافر املعريف‪.‬‬
‫ألن أدمغتنا – وألي سبب كان‪ -‬قامت بتحديد العنصر احمل ّدد يف أذهاننا‪,‬‬ ‫أحتمال االستخفاف‬
‫و بالتايل‪ ,‬فإهنا تالحظها يف كثري من األحيان‪ .‬املشكلة يف أن‪ ,‬معظم الناس‬ ‫عدد قليل ج��داً منا لديه مشكلة يف صعود سيارة و الذهاب للقيادة‪ ,‬لكن‬
‫ال يعرتفون بأن هذا حتيّ ز اختياري‪ ,‬و يصدقّ ون بالفعل بأن هذه العناصر أو‬ ‫الكثري منّ ا لديهم تلك الرهبة الكبرية يف صعود طائرة و التحليق على ارتفاع‬
‫يكون شعور مقلق اً جداً‪ .‬إنه أيض اً‬ ‫األحداث قد ت زاديت تواتري اً‪ -‬الشيء الذي ّ‬ ‫‪35,000‬م‪ .‬بكل وضوح‪ ,‬فإن الط ريان نشاط غري طبيعي كليّ اً و يبدو نشاط اً‬
‫حتيّ ز معريف يساهم باإلحساس بأن ظهور أشياء أو أحداث حم ّددة ليس صدفة‬ ‫خط رياً ج��داً‪ .‬يع ِرف كل منا إىل اآلن و يعرتف حبقيقة أن احتمال ال��وف ��اة يف‬
‫(على الرغم من أنه صدفة)‪.‬‬ ‫ح��ادث سيارة هو أ ك �بر بكثري من احتمال تعرضنا للموت يف ح��ادث حت طّم‬
‫حتيز الوضع ال راهن‬ ‫طائرة – لكن أدمغتنا سوف لن حتررنا من هذا املنطق الواضح وضوح الشمس‬
‫‪71‬‬ ‫‪70‬‬
‫التحيزات املعرفية الـ‪ 12‬التي متنعك من أن تكون عقالنيًا‬ ‫التحيزات املعرفية الـ‪ 12‬التي متنعك من أن تكون عقالنيًا‬

‫تأثري عربة املوسيقى ‪BandWagon‬‬ ‫حنن البشر منيل اىل التخوف من التغيري‪ ,‬وهذا ما يقودنا إىل اختاذ ق رارات تضمن‬
‫نفض ل الذهاب مع سيل‬ ‫على الرغم من أننا لسنا واعني حول ذلك‪ ,‬لكنّ نا ّ‬ ‫أن األمور ستبقى نفسها‪ ,‬أو أن نغري على قدر صغري من املستطاع‪ .‬غين عن‬
‫مفض ل‪ ,‬فإن ذلك‬ ‫احلشود‪ .‬فعندما تبدأ اجلماهري بأختيار فائز ما أو شيء ّ‬ ‫ال��ق��ول‪ ,‬ب��أن هل��ذا التحيز تشعبات يف ك��ل ش��ي م��ن السياسة اىل االقتصاد‪.‬‬
‫ال��وق ��ت ه��و وق��ت أي��ق��اف العقول ال ��ف��ردي ��ة و ال��دخ��ول يف ن��وع م��ن “التفكري‬ ‫إننا ن��ود االل ��ت��زام بروتيننا‪ ,‬أح زابنا السياسية‪ ,‬و الوجبات املفضلة لدينا يف‬
‫اجلماعي” أو اخللية العقلية‪ .‬لكنه ليس من الضروري أن يكون ذلك احلشد‬ ‫املطاعم‪ .‬إن جزء من مضار هذا التحيز هو االف رتاض الغري مربر بأن االختيار‬
‫كب رياً أو يكون ّأم ة كاملة‪ ,‬بل ميكن أن يشمل جمموعات صغرية جداً‪ ,‬مثل‬ ‫اآلخ��ر سيكون أق ��ل شأن اً أو أن ��ه سيجعل األم��ور أكثر س���وءاً‪ .‬ميكن تلخيص‬
‫األسرة أو حىت جمموعة أصغر من زمالء مكتب العمل‪ .‬إن تأثري عربة املوسيقى‬ ‫حتيز الوضع ال راهن بالقول‪“ ,‬إذا مل تكن مكسورة‪ ,‬فال تصلحها” – القول‬
‫هو ما جيعل عادة السلوكيات‪ ,‬املعايري االجتماعية‪ ,‬و امليمات تتكاثر فيما‬ ‫املأثور الذي يغذي امليول احملافِ ظة لدينا‪ .‬و يف واقع األمر‪ ,‬يقول بعض احمل لّ لني‬
‫ب�ين جماميع االف��راد‪-‬ب��غ��ض النظر ع��ن األدل���ة و ال��دواف��ع يف ال��دع��م‪ .‬ه��ذا هو‬ ‫بان هذا هو السبب وراء أن الواليات املتحدة مل تكن قادرة على َس ّن قانون‬
‫سبب كون استطالعات ال رأي معابَة عادة‪ ,‬ألهنا ال ميكن ان تقدم وجهات‬ ‫الرعاية الصحيّ ة الشاملة‪ ,‬على الرغم من حقيقة أن معظم األف��راد يدعمون‬
‫نظر األف راد وفق اً لذلك‪ .‬الكثري من هذا التحيّ ز له عالقة بالرغبة املدجمة يف‬ ‫فكرة اإلصالح‪.‬‬
‫موض ح يف جتارب التوافق “آش”‪.‬‬ ‫التناسب و االتفاق‪ ,‬و كما هو ّ‬ ‫التحيز السليب‬
‫حتيز اإلسقاط‬ ‫مييل الناس اىل إيالء املزيد من االهتمام اىل األخبار السيئة‪-‬و هذا ليس لسبب‬
‫كاف راد فقد بقي ‪ 7/24‬داخل عقولنا‪ ,‬إنه من الصعب بالنسبة لنا أن نتخ طّى‬ ‫أننا نعاين من اهل��وس فقط‪ .‬ين ظّ ر علماء االجتماع بأن ذلك التحيز موجود‬
‫حدود وعينا و تفضيالتنا‪ .‬هذا النقص املعريف عادة ما يقودنا إىل تأثري ذو‬ ‫نتج ه إىل األخبار السلبية لكوهنا‬ ‫على اعتبار من اهتمامنا اإلنتقائي و أننا ّ‬
‫صلة يعرف باسم حتيّ ز اإلمجاع اخلاطئ حيث إننا منيل إىل اإلعتقاد بأن الناس‬ ‫أكثر أمهية أو عمق اً‪ .‬إننا منيل أيض اً إىل أعطاء مصداقية أكرب لألخبار السيئة‪,‬‬
‫ال يف ّك رون مثلنا فقط‪ ,‬لكنهم يوافقوننا أيض اً‪ .‬إنه ذلك التحيز الذي نبالغ‬ ‫رمبا ألننا نكون على ارتياب (أو ملل)من التصرحيات العكسية‪ .‬و بطريقة‬
‫فيه يف تقدير كم إننا منوذجيون وطبيعيون‪ ,‬و نفرتض أن هناك توافق يف اآلراء‬ ‫أكثر تطورية‪ ,‬فإن اإلصغاء اىل األخبار السيئة قد يكون أكثر تكيف اً من جتاهل‬
‫بشأن املسائل يف حني أنه قد ال يكون هناك أي توافق‪ .‬ع�لاوة على ذلك‪,‬‬ ‫حادة” مقابل “هذا التوت‬ ‫األخبار اجليّ دة (على سبيل املثال “أسنان النمور ّ‬
‫فإنه ميكنه أيض اً خلق تأثري حيث يفرتض فيه األعضاء من مجاعة راديكالية‬ ‫طعمه جيّ د”)‪ .‬اليوم‪ ,‬حنن خناطر يف اخلوض يف السلبيات على حساب األخبار‬
‫أو متطرفة أن الناس يف اخلارج يتّ فقون معهم بشكل كبري‪ .‬أو الثقة املبالغ هبا‬ ‫السارة بشكل فعلي‪ .‬يقول ستيفن بنكر يف كتابه “مالئكة أفضل لطبيعتنا‪:‬‬ ‫ّ‬
‫اليت يتحصل عليها الشخص الفائز يف انتخابات أو مباراة رياضية‪.‬‬ ‫مل��اذا ت��وقّ��ف العنف” إن اجل��رمي��ة‪ ,‬العنف‪ ,‬احل���رب‪ ,‬و امل ��ظ ��امل األخ���رى آخ��ذة يف‬
‫حتيز اللحظة احلالية‬ ‫اإلخنفاض بشكل جيّ د‪ ,‬حىت اآلن فإن معظم الناس يقولون أن األم��ور تزداد‬
‫حن ��ن البشر منتلك وق ��ت ��اً عصيب اً ح�� ّق ��اً يف ختيّ ل أنفسنا يف املستقبل و تغيري‬ ‫سوءاً‪ -‬و الذي هو خري مثال عملي على التحيز السليب‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫‪72‬‬
‫التحيزات املعرفية الـ‪ 12‬التي متنعك من أن تكون عقالنيًا‬ ‫التحيزات املعرفية الـ‪ 12‬التي متنعك من أن تكون عقالنيًا‬

‫فيود معظمنا جتربة املتعة يف اللحظة‬


‫سلوكياتنا وفق اً لتوقعاتنا‪ .‬بدالً من ذلك‪ّ ,‬‬
‫ال راهنة‪ ,‬يف حني يرتك األمل للوقت الالحق‪ .‬هذا هو التحيز الذي يشكل مصدر‬
‫قلق االقتصاديني (أي عدم استعدادنا لعدم اإلس راف يف النفقات و توفري املال)‬
‫و اخلرباء الصحيني‪ .‬يف الواقع‪ ,‬فإن دراسة اجريت يف العام ‪ 1998‬أظهرت بأنه‬
‫عند القيام باختيارات الطعام لكل اإلسبوع القادم‪ ,‬فإن ‪ %74‬من املشاركني‬
‫قد اختاروا الفواكة‪ .‬لكن عند القيام باختيار الطعام لليوم احلايل فقط‪ ,‬فقد‬
‫اختار ‪ %70‬من املشاركني الشوكوال‪.‬‬
‫تأثري االرتكاز‬
‫و يعرف أيض اً بفخ النسبية‪ ,‬هذا امليل لدينا ملقارنة و مقابلة جمموعة حمدودة‬
‫يسم ى بـتأثري االرتكاز ألننا منيل إىل اإلرتكاز على قيمة‬
‫من العناصر فقط‪ّ .‬‬
‫يقارن بدوره بشيء آخر‪ .‬املثال الكالسيكي هلذا التحيز هو العنصر‬ ‫أو رقم َ‬
‫املعروض للبيع‪ ,‬إننا منيل إىل رؤية (وتقييم) فرق السعر‪ ,‬وليس السعر اإلمجايل‬
‫ذات��ه‪ .‬إن هذا هو السبب يف أن بعض قوائم املطاعم تتميز مبقبّ الت مكلفة‬
‫للغاية‪ ,‬يف حني إهنا حتتوي (على ما يبدو) على أخريات بأسعار معقولة‪ .‬و‬
‫هذا هو السبب وراء اختيارنا – اذا أعطينا فرصة االختيار‪ -‬اخليار األوسط‪,‬‬
‫ليس الغايل جداً‪ ,‬وال الرخيص جداً‪.‬‬

‫املصدر‪:‬‬
‫‪the-most-common-/5974468/com.http://io9‬‬
‫‪cognitive-biases-that-prevent-you-from-‬‬
‫_‪being-rational?utm_source=buffer&utm‬‬
‫_‪campaign=Buffer&utm_content=buffer5832c&utm‬‬
‫‪medium=twitter‬‬

‫‪75‬‬ ‫‪74‬‬
‫إسماعيل أدهم ورسالته ‪ :‬ملاذا أنا ملحد؟‬ ‫إسماعيل أدهم ورسالته ‪ :‬ملاذا أنا ملحد؟‬

‫وكان متنقال بني ميادينها فلم أعرفه‬ ‫نص الرسالة‪:‬‬ ‫ّ‬


‫أو أتعرف عليه إال بعد أن وضعت‬ ‫ملاذا أنا ملحد؟‬ ‫موقع األوان‬
‫احل�������رب أوزاره������������ا‪ ،‬ودخ�������ل احل���ل���ف���اء‬ ‫(ك ��ت��ب��ت ع ��ل��ى أث���ر مطالعة “عقيدة‬
‫األستانة‪ .‬غري أن بعد والدي عين مل‬ ‫األل��وه��ي��ة” ل ��ل ��دك ��ت��ور أمح���د زك���ي أب ��و‬
‫تقدمي‬
‫يكن ليمنعه عن فرض سيطرته علي‬ ‫شادي)‬
‫مدرس ا للرياضيات يف‬ ‫ً‬ ‫تركيا فكان‬ ‫كتب إمساعيل أده���م ه��ذه الرسالة‬
‫من الوجهة الدينية‪ ،‬فقد كلف زوج‬ ‫ملا جهلت من الطبيعة أمرها وجعلت‬
‫م ��ع ��ه ��د أت���ات���ورك ب��أن��ق��رة‪ ،‬وهب���ا نشر‬ ‫س���ن���ة ‪ 1937‬ب���ع���د أن ق������رأ رس���ال���ة‬
‫عميت وه��و أح��د الشرفاء العرب أن‬ ‫نفسك يف مقام معلل‬
‫ك���ت���اب���ه”إس�ل�ام ت���ارخي���ي“ب���ال �ّت�رّ ك���يّ ���ة‪.‬‬ ‫ل��ل��ش ��اع��ر زك���ي أب���و ش����ادي ع ��ن��واهن ��ا‬‫ّ‬
‫يقوم بتعليمي من الوجهة الدينية‪،‬‬ ‫أثبت ربـــا تبتغي حأل به للمشكالت‬
‫وع��اد إىل مصر سنة ‪1936‬م فنشر‬ ‫“عقيدة األلوهيّ ة”‪.‬‬
‫فكان يأخذين لصالة اجلمعة وجيعلين‬ ‫فكان أكرب مشكل!‬
‫رسالة بالعربيّ ة”من مصادر التّ اريخ‬ ‫ال���ز ِر ْك ���ل���ي يف ال ��ت ��ع ��ري ��ف‬
‫وممّ����ا ي��ق��ول��ه ِّ‬
‫أصوم رمضان وأقوم بصالة ال رتاويح‪،‬‬ ‫توطئة ‪:‬‬
‫اإلس���ل���ام�������ي“ص�������ادرهت�������ا احل����ك����وم����ة‪،‬‬ ‫ب ��ص ��اح ��ب ال��رس��ال��ة ‪“ :‬إمس��اع��ي��ل بن‬
‫وكان هذا كله يثقل كاهلي كطفل‬ ‫الواقع أنين درج ��ت على تربية دينية‬ ‫ّ‬
‫��ش ��اع��ر“وك ��ت ��اب ��ا وضعه‬ ‫و”ال���زه���اوي ال ّ‬
‫ّ‬ ‫أمح ��د بن إمساعيل بن إب راهيم باشا‬
‫مل ي���ش���ت���د ع�������وده ب����ع����د‪ ،‬ف���ض�ل�ا ع��ن‬ ‫مل ت ��ك ��ن أق���وم ط��ري��ق ل��غ��رس العقيدة‬
‫يف اإلحل����اد‪ .‬وك��ت��ب يف جم�لات مصر‬ ‫أده���م ع���ارف بالرياضيات‪ ،‬اشتغل‬
‫حتفيظي القرآن‪ .‬والواقع أين حفظت‬ ‫الدينية يف نفسي‪ .‬فقد كان أيب من‬
‫وال�����ش �����ام م����ق����االت ب���ال���ع���رب���يّ ���ة (‪)...‬‬
‫ّ‬ ‫ب��ال��ت��اري��خ (‪ )...‬ك����ان أب�����وه ض ��اب ��ط ��ا‬
‫القرآن وجودته وأنا ابن العاشرة‪ ،‬غري‬ ‫املتعصبني لإلسالم واملسلمني‪ ،‬وأمي‬
‫وك����ان ي ��ع��ي ��ش م���ن ري���ع م��ل��ك صغري‬ ‫ك����ي‪ ،‬وج����� ّده مع لّ ما‬‫يف اجل��ي��ش ال ��ّت�رّ ّ‬
‫أين خرجت ساخطا على القرآن ألنه‬ ‫م��س��ي��ح��ي��ة ب��روت��س��ت��ان��ت��ي��ة ذات ميل‬
‫بالس ل‪.‬‬‫له يف اإلسكندريّة‪ .‬وأصيب ّ‬ ‫ل��ل�ترك��يّ ��ة يف ج��ام��ع��ة ب����رل��ي�ن‪ُ ...‬ول���د‬
‫كلفين جهدا كب ريا كنت يف حاجة‬ ‫حلرية الفكر والتفكري‪ ،‬وال عجب يف‬
‫ف���ت���ع���ج ���ل امل����������وت‪ .‬ف�����أغ�����رق ن��ف��س��ه‬
‫ّ‬ ‫باإلسكندرية وتع لَّ م هباوباآلستانة‪،‬‬
‫إىل صرفه إىل ما هو أحب إىل نفسي‪،‬‬ ‫ذل ��ك فقد كانت كرمية الربوفيسور‬
‫باإلسكندريّة منتح را‪”.‬‬ ‫مث أح����رز ال���دك���ت���وراه يف ال��ع��ل��وم من‬
‫وك�����ان ذل����ك م���ن أس���ب���اب ال ��ت ��م ��ه ��ي��د‬ ‫وانتهوف الشهري‪ .‬ولكن سوء حظي‬
‫لثورة نفسية على اإلسالم وتعاليمه‪.‬‬ ‫جعلها تتوىف وأنا يف الثانية من سين‬
‫وج�����دت ج���ثّ���ة إمس���اع���ي���ل أده�����م ي��وم‬ ‫جامعة موسكو سنة ‪1931‬م‪ ،‬وعُ ينِّ َ‬
‫‪ 23‬يوليو ‪ ،1940‬وعثر البوليس يف‬ ‫مدرس ا للرياضيات يف جامعة سان‬ ‫ً‬
‫ولكين كنت أجد من املسيحية غري‬ ‫ح���ي���ايت‪ ،‬ف��ع��ش��ت أي�����ام ط��ف��ول�تي حىت‬
‫معطفه على رس��ال��ة منه إىل رئيس‬ ‫ب ��ط��رس �برج‪ ،‬وانتخب عضوا أجنبيّ ا‬
‫ذلك‪ ،‬فقد كانت شقيقتاي –وقد‬ ‫أواخ���ر احل���رب العظمى م��ع شقيقيت‬
‫النيابة خيربه بأنه انتحر زهدا احلياة‬ ‫الس وفيتية (‪)..‬‬ ‫يف أكادمييّ ة العلوم ّ‬
‫نالتا قسطا كب ريا من التعليم يف كلية‬ ‫يف األستانة‪ ،‬وكانتا تلقناين يف تعاليم‬
‫وك��راه��ي��ة هل���ا‪ ،‬وأن����ه ي��وص��ي ب��إح��راق‬ ‫ال��روس��ي‬
‫ّ‬ ‫وان��ت��خ��ب وك��ي�لا للمعهد‬
‫األمريكان باألستانة ال تثقالن علي‬ ‫املسيحية وتس ريان يب كل يوم أحد اىل‬
‫جثّته وبعدم دفنه يف مقابر املسلمني‪.‬‬ ‫ل��ل�� ّد راس��ات اإلس�لام��يّ ��ة مث انتقل إىل‬
‫بالتعليم الديين املسيحي وكانتا قد‬ ‫الكنيسة‪ .‬أما أيب فقد انشغل باحلرب‬
‫‪77‬‬ ‫‪76‬‬
‫إسماعيل أدهم ورسالته ‪ :‬ملاذا أنا ملحد؟‬ ‫إسماعيل أدهم ورسالته ‪ :‬ملاذا أنا ملحد؟‬

‫اإلع�������دادي ف��ي��ه��ا ع��ل��ى ي���د م��درس�ين‬ ‫ت����ف����ك��ي�ري ووض��������ع أس��������اس ع���ق���ي���ديت‬ ‫حيث غادرها مع مصطفى كمال‬ ‫درجتا على اعتبار أن كل ما حتتويه‬
‫خصوصيني ونزلت تركيا والتحقت‬ ‫املستقبلة‪ ،‬فكان يفرض على اإلسالم‬ ‫إىل األناضول ليبدأ مع زعماء احلركة‬ ‫ال����ت����وراة واإلجن����ي����ل ل��ي��س ص ��ح��ي��ح��ا‪.‬‬
‫ب���ع���ده���ا مب�����دة ب���اجل���ام���ع���ة‪ .‬وه��ن��ال��ك‬ ‫والقيام بشعائره فرضا‪ ،‬وأذك��ر يوما‬ ‫االستقاللية حركتهم‪ .‬وظللت أربع‬ ‫وكانتا تسخ ران من املعج زات ويوم‬
‫للمرة األوىل وجدت أناسا ميكنين أن‬ ‫أين ثرت على هذه احلالة وامتنعت عن‬ ‫س��ن��وات م��ن سنة ‪ 1919‬إىل ‪1923‬‬ ‫القيامة واحل��س��اب‪ ،‬وك��ان هل��ذا كله‬
‫أشاركهم تفكريهم ويشاركونين‪ .‬يف‬ ‫الصالة وقلت ل ��ه‪ :‬أين لست مبؤمن‪،‬‬ ‫يف األس���ت���ان���ة ق��اب��ع��ا أت��ع��ل��م األمل��ان��ي��ة‬ ‫أثر يف نفسييت‪.‬‬
‫األستانة درست الرياضيات وبقيت‬ ‫أن��ا داروين أؤم��ن بالنشوء واالرت��ق��اء‪.‬‬ ‫والرتكية على يد شقيقيت والعربية‬ ‫ك���ان���ت م��ك��ت��ب��ة وال�������دي م��ش��ح��ون��ة‬
‫كذلك ثالث سنوات ويف هذه الفرتة‬ ‫ف ��ك��ان ج��واب��ه ع ��ل��ى ذل���ك أن أرس ��ل�ني‬ ‫على يد زوج عميت‪ ،‬ويف هذه الفرتة‬ ‫ب�����أالف ال��ك��ت��ب وك�����ان حم���رم���ا على‬
‫أسست (مجاعة نشر اإلحلاد) برتكيا‬ ‫إىل القاهرة وأحل ��ق�ني مب ��درس ��ة داخلية‬ ‫ق��رأت ل ��داروي ��ن أص ��ل األن���واع وأصل‬ ‫اخل��������روج واالخ�����ت��ل��اط م����ع األط����ف����ال‬
‫وك��ان��ت لنا مطبوعات ص ��غ�يرة كل‬ ‫ليقطع على أسباب املطالعة‪ ،‬ولكين‬ ‫اإلنسان وخرجت من ق رائتهما مؤمنا‬ ‫ال��ذي��ن ه��م م��ن س�ني‪ .‬ول ��ق ��د عانيت‬
‫منها يف ‪ 64‬صفحة أذكر منها ‪:‬‬ ‫حتايلت على ذل��ك ب��أن كنت أت��ردد‬ ‫بالتطور‪ .‬وق��رأت مباحث هكسلي‬ ‫أث��ر ه��ذا التحرمي ق��ي ف��ردي ��ة تبعدين‬
‫على دار الكتب املصرية وأطالع ما‬ ‫وهيكل والسر ليل وبيجهوت وأنا‬ ‫عن اجلماعة فيما بعد‪ ،‬ومل يكن يف‬
‫الرسالة السابعة‪ :‬الفرويديزم‪،‬‬ ‫يقع حتت يدي من املؤلفات الرتكية‬ ‫مل أجت������اوز ال��ث��ال��ث��ة ع���ش���رة م���ن سىن‬ ‫مستطاعي اخل��روج إال مع شقيقيت‬
‫الرسالة العاشرة‪ :‬ماهية الدين‪،‬‬ ‫واألمل��ان��ي��ة ي��وم��ي اخل��م��ي��س واجل��م��ع��ة‪،‬‬ ‫حيايت‪ .‬وانكببت أق رأ يف هذه الفرتة‬ ‫وق�������د أل����ف����ت ه�������ذه احل�����ي�����اة وك���ن���ت‬
‫ال��رس��ال��ة احل��ادي��ة ع��ش��ر‪ :‬ق ��ص ��ة تطور‬ ‫ومها من أيام العطلة املدرسية‪ .‬وكنت‬ ‫لديكارت وهوبس وهيوم وكانت‪،‬‬ ‫أح��ب��ه��م��ا ح��ب��ا مج���ا ف��ن��ق��ض��ي وق��ت��ن��ا‬
‫الدين ونشأته‪،‬‬ ‫أشعر وأنا يف املدرسة أين يف جو أحط‬ ‫ول��ك�ني مل أك���ن أف��ه��م ك��ل م��ا أق���رأه‬ ‫معا نطالع ونق رأ‪ .‬فطالعت وأنا ابن‬
‫الرسالة الثانية عشرة‪ :‬العقائد‪،‬‬ ‫مين بكثري‪ .‬نعم مل تكن سين تتجاوز‬ ‫هلم‪ .‬وخرجت من هذه الفرتة نابذا‬ ‫ال ��ث ��ام ��ن ��ة م��ؤل��ف��ات ع��ب��د احل���ق حامد‬
‫ال��رس ��ال ��ة الثالثة ع ��ش��رة‪ :‬قصة تطور‬ ‫ال رابعة عشر ولكن كانت معلومايت‬ ‫نظرية اإلرادة احلرة‪ ،‬وكان لسبينوزا‬ ‫وحفظت الكثري من شعره‪ ،‬وكنت‬
‫فكرة اهلل‪،‬‬ ‫يف ال���ري���اض���ي���ات وال���ع���ل���وم وال���ت���اري���خ‬ ‫وأرن����س����ت ه��ي��ك��ل األث�����ر األك��ب��ر يف‬ ‫كلفا بالقصص األدبية فكنت أتلو‬
‫الرسالة ال رابعة عشرة‪ :‬فكرة اخللود‪.‬‬ ‫ت��ؤه��ل�ني ألن أك����ون يف أع��ل��ى ف ��ص ��ول‬ ‫ذلك‪ ،‬مث نبذت عقيدة اخللود‪.‬‬ ‫ل��ب��ل ��زاك وج��ي دي م��وب ��اس ��ان وهيغو‬
‫امل����دارس ال��ث��ان��وي��ة‪ .‬ول ��ك��ن ع��ج��زي يف‬ ‫غ�ير أن خ ��ط دراس�ت�ي توقف برجوع‬ ‫م�����ن ال���غ���رب���ي�ي�ن أث������اره������م‪ ،‬وحل���س�ي�ن‬
‫وك�����ان حي����رر ه����ذه ال���رس���ائ���ل أع��ض��اء‬ ‫العربية واإلجنليزية كان يقعد يب عن‬ ‫وال�������دي إىل األس���ت���ان���ة ون����زوح����ه إىل‬ ‫رمح������ي ال������روائ������ي ال��ت�رك����ي امل���ش���ه���ور‬
‫اجلماعة وهم طلبة يف جامعة األستانة‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫مصر واصطحابه إياي‪ .‬وهنالك يف‬ ‫ق ��ص ��ص ��ه‪ .‬وأت���ى وال����دي إىل األس ��ت ��ان ��ة‬
‫حت ��ت إرش���اد أمح��د ب��ك زك��ري��ا أستاذ‬ ‫ويف سنة ‪ 1927‬غادرت مصر بعد أن‬ ‫اإلسكندرية خطوت أي ��ام م راهقيت‪.‬‬ ‫وقد وضعت احلرب أوزاره��ا‪ ،‬ودخل‬
‫ال���ري���اض���ي���ات يف اجل���ام���ع���ة وال��س��ي��دة‬ ‫تلقيت اجل��ان��ب األك�ب�ر م��ن التعليم‬ ‫ول���ك���ن ك����ان أيب ال ي���ع�ت�رف يل حبق‬ ‫يبق كث ريا‬ ‫احللفاء األستانة‪ ،‬ولكن مل َ‬
‫‪79‬‬ ‫‪78‬‬
‫إسماعيل أدهم ورسالته ‪ :‬ملاذا أنا ملحد؟‬ ‫إسماعيل أدهم ورسالته ‪ :‬ملاذا أنا ملحد؟‬

‫وق ��د مكن ذل��ك االعتقاد يف نفسي‬ ‫وكان هذا املوضوع سبب نوال درجة‬ ‫الطبيعيات ال ��ن ��ظ��ري ��ة‪ .‬وك���ان سبب‬ ‫زوج���ت���ه‪ .‬وق����د وص���ل���ت اجل��م��اع��ة يف‬
‫األوس���اط اجلامعية ال�تي اتصلت هبا‬ ‫الدكتوراه يف الرياضيات البحته من‬ ‫ان���ص���رايف ل��ل��ري��اض��ي��ات ن ��ت��ي��ج��ة ميل‬ ‫ظ��رف م��دة ق��ص�يرة للقمة ف ��ك ��ان يف‬
‫إذ درس����ت م��ؤق ��ت��ا ف��ك��ريت يف دروس‬ ‫ج��ام��ع��ة م��وس��ك��و س��ن��ة ‪ .1933‬ويف‬ ‫ط��ب��ي��ع��ي يل ح��ت�ى ل���ق���د ف����رغ����ت م ��ن‬ ‫ع��ض��وي��ت��ه��ا ‪ 800‬ط���ال���ب م���ن طلبة‬
‫ال��ري��اض��ي��ات جب��ام��ع��ة م��وس��ك��و سنة‬ ‫نفس السنة جنحت يف أن أنال العلوم‬ ‫دراس����ة ه ��ن ��دس ��ة أوق��ل��ي��دس وأن����ا اب ��ن‬ ‫امل���دارس العليا وأكثر من ‪ 200‬من‬
‫‪.1934‬‬ ‫وفلسفتها إج���ازة ال��دك��ت��وراه لرسالة‬ ‫ال��ث��ان��ي��ة ع���ش���ر‪ ،‬وق������رأت ل��ب��وان��ك��اره‬ ‫طلبة امل��دارس الثانوية –اإلع ��دادي ��ة‪.‬‬
‫إن األس����ب����اب ال��ت�ي دع���ت�ن�ي للتخلي‬ ‫جديدة عن “امليكانيكا اجلديدة اليت‬ ‫وك�ل�اي���ن ول��وب��اج��ف��س��ك��ي م ��ؤل ��ف ��اهت��م‬ ‫وبعد هذا فكرنا يف االتصال جبمعية‬
‫ع ��ن اإلمي���ان ب��اهلل كثرية منها م ��ا هو‬ ‫وضعتها مستندا على حركة الغازات‬ ‫وأن������ا اب�����ن ال����راب����ع����ة ع����ش����رة‪ .‬وك��ن��ت‬ ‫نشر اإلحل��اد األمريكية ال�تي يديرها‬
‫علمي حب��ت ومنها م��ا ه��و فلسفي‬ ‫وحسابات االحتمال” وكانت رسالة‬ ‫كثري الشك والتساؤل فلما بدأت‬ ‫األستاذ تشارلز مسث‪ ،‬وكان نتيجة‬
‫صرف ومنها ما هو بني بني‪ ،‬ومنها‬ ‫يف الطبيعيات النظرية‪.‬‬ ‫هب���ن���دس���ة أوق����ل����ي����دس وج����دت����ه ي��ب��دا‬ ‫ذل�����ك ان��ض��م��ام��ن��ا ل����ه وحت����وي����ل اس���م‬
‫ما يرجع لبيئيت وظ���رويف‪ ،‬ومنها ما‬ ‫وخرجت من كل حبثي بأن احلقيقة‬ ‫م��ن األول���ي���ات‪ ،‬وص���دم اع��ت��ق��ادي يف‬ ‫مجاعتنا إىل (اجمل��م��ع ال ��ش��رق��ي لنشر‬
‫ي��رج ��ع ألس��ب��اب سيكلوجية‪ .‬وليس‬ ‫إعتبارية حمضة وأن مبادئ الرياضيات‬ ‫قدسية الرياضيات وقتئذ فشككت‬ ‫اإلحل�������اد)‪ .‬وك�����ان ص��دي��ق��ي ال��ب��ح��اث ��ة‬
‫من شأين يف هذا البحث أن أستفيض‬ ‫اعتبارات حمضة‪ .‬وكان جلهدي يف هذا‬ ‫يف أوليات الرياضيات منكبا على‬ ‫إمساعيل مظهر يف ذلك الوقت يصدر‬
‫يف ذكر هذه األسباب‪ ،‬فقد شرعت‬ ‫املوضوع هناية إذ ضمنت النتائج اليت‬ ‫دراس��ة هوبس ول��وك وبركلي وهيوم‬ ‫جملة “ال��ع��ص��ور” يف م ��ص��ر‪ ،‬وكانت‬
‫منذ وق��ت أض��ع كتابا ع ��ن عقيديت‬ ‫انتهيت إليها بكتايب “الرياضيات‬ ‫وك������ان األخ���ي��ر أق����رهب����م إىل ن��ف��س��ي‪.‬‬ ‫مت ��ث ��ل ح��رك��ة م ��ع ��ت ��دل ��ة يف ن ��ش��ر حرية‬
‫الدينية والفلسفية ولكن غاييت هنا‬ ‫والفيزيقا” ال��ذي وضعته بالروسية‬ ‫وحاول الكثريون إقناعي بأن أكمل‬ ‫الفكر والتفكري وال��دع��وة ل�لإحل ��اد‪.‬‬
‫أن أك��ت ��ف��ي ب��ذك��ر ال��س��ب ��ب العلمي‬ ‫يف جم��ل��دي��ن م���ع م��ق��دم��ة م��س��ه��ب��ة يف‬ ‫دراسيت للرياضة‪ ،‬ولكن حدث بعد‬ ‫ف��ح��اول��ن��ا أن ن��ع��م��ل ع��ل��ى ت ��أس��ي ��س‬
‫الذي دعاين للتخلي عن فكرة “اهلل”‬ ‫األمل ��ان��ي��ة‪ .‬وك ��ان ��ت نتيجة ه��ذه احلياة‬ ‫ذل��ك حت��ول ال أع���رف كنهه لليوم‪.‬‬ ‫مجاعة تتبع مجاعتنا يف مصر وأخرى‬
‫وإن كان هذا ال مينعين من أعود يف‬ ‫أين خرجت عن األدي ��ان وختليت عن‬ ‫ف��ال��ت��ه��م��ت امل���ع���ل���وم���ات ال��ري��اض��ي��ة‬ ‫يف لبنان واتصلنا ب��األس��ت��اذ عصام‬
‫فرصة أخرى (إذا سنحت يل) لبقية‬ ‫كل املعتقدات وأمنت بالعلم وحده‬ ‫ك���ل���ه���ا ف�����درس�����ت احل�����س�����اب واجل��ب��ر‬ ‫الدين حفين ناصف يف اإلسكندرية‬
‫األسباب‪.‬‬ ‫وب ��امل ��ن ��ط ��ق ال ��ع ��ل ��م ��ي‪ ،‬ول��ش��د م��ا كنت‬ ‫واهلندسة بضروهبا وحساب الدوايل‬ ‫وأح����د األس���ات���ذة يف ج��ام��ع��ة ب�ي�روت‬
‫وق��ب��ل أن أع���رض األس��ب��اب ال ب��د يل‬ ‫ده��ش�تي وع��ج�بي أين وج����دت نفسي‬ ‫والرتبيعات ولكن الشك مل يغادرين‪،‬‬ ‫ولكن فشلت احلركة!‬
‫من اإلستط راد ملوضوع إحلادي‪ .‬فأنا‬ ‫أس���ع���د ح�����اال وأك����ث����ر اط��م��ئ��ن��ان��ا م ��ن‬ ‫ف��س��ل��م��ت ج������دال ب���ص���ح���ة أول����ي����ات‬ ‫وغ��������ادرت ت���رك���ي���ا يف ب��ع��ث��ة ل��روس��ي��ا‬
‫ملحد ونفسي ساكنة هل��ذا اإلحل��اد‬ ‫ح��ال�تي حينما كنت أغ��ال��ب نفسي‬ ‫الرياضة ودرس��ت‪ ،‬وم ��ا انتهيت من‬ ‫سنة ‪ 1931‬وظللت إىل عام ‪1934‬‬
‫وم���رت���اح���ة إل���ي���ه‪ ،‬ف���أن���ا ال أف��ت��رق من‬ ‫لالحتفاظ مبعتقد ديين‪.‬‬ ‫دراسيت حىت عنيت بأصول الرياضة‪،‬‬ ‫هنالك أدرس الرياضيات وجبانبها‬
‫‪81‬‬ ‫‪80‬‬
‫إسماعيل أدهم ورسالته ‪ :‬ملاذا أنا ملحد؟‬ ‫إسماعيل أدهم ورسالته ‪ :‬ملاذا أنا ملحد؟‬

‫ل��س��ل��وك احل����وادث وص�لاهت��ا بعضها‬ ‫اجلماعات منذ ألفي سنة‪ .‬ومن هنا‬ ‫ي��ق��ول ع��م��ان��وئ��ي��ل ك��ان��ط (‪-1724‬‬ ‫ه��ذه الناحية ع ��ن امل ��ؤم��ن املتصوف‬
‫ببعض‪ .‬وقد جنحنا يف ساحة الفيزيقا‬ ‫ميكننا ب ��ك��ل اط��م��ئ��ن��ان أن ن��ق��ول أن‬ ‫‪)1804‬‬ ‫يف إمي����ان����ه‪ .‬ن��ع��م ل��ق��د ك����ان إحل����ادي‬
‫(الطبيعيات) يف أن نثبت أن (أ) إذا‬ ‫مقام فكرة اهلل الفلسفية أو مكاهنا يف‬ ‫“أنه ال دليل عقلي أو علمي على‬ ‫ب��داءة ذي ب ��دء جم��رد فكرة تساورين‬
‫ك��ان��ت نتيجة ل ��ل��س ��ب ��ب‪ .‬ف���إن معىن‬ ‫عامل الفكر اإلنساين ال يرجع ملا فيها‬ ‫وجود اهلل” و “أنه ليس هنالك من‬ ‫وم���ع ال��زم��ن خضعت هل��ا مشاعري‬
‫ذل ��ك أن هناك عالقة بني احلادثتني‬ ‫ع ��ن ��اص��ر ال��ق��وة اإلق��ن��اع��ي��ة الفلسفية‬ ‫دل��ي��ل ع��ق��ل��ي أو ع��ل��م ��ي ع��ل��ى ع��دم‬ ‫فاستولت عليها وانتهت من كوهنا‬
‫(أ) و(ب)‪ .‬وحيتمل أن حت��دث هذه‬ ‫وإمن�����ا ي���ع���ود حل���ال���ة ي��س��م��ي��ه��ا ع��ل��م��اء‬ ‫وجود اهلل”‪.‬‬ ‫ف���ك���رة إىل ك���وهن���ا ع���ق���ي���دة‪ .‬ويل أن‬
‫ال ��ع�لاق ��ة ب�ين (أ) و(ج) وبينها وبني‬ ‫النفس التربير‪ .‬ومن هنا فإنك ال جتد‬ ‫أتساءل‪ :‬ما معىن اإلحلاد؟‬
‫(د) و (ه ��ـ) فكأنه حيتمل أن تكون‬ ‫ل ��ك ��ل األدل����ة ال�ت�ي ت��ق��ام ألج���ل إث��ب��ات‬ ‫وه���������ذا ال�����ق�����ول ص���������ادر م�����ن أع���ظ���م‬ ‫جييبك لودفيج خبنر زعيم مالحدة‬
‫نتيجة للحادثة (ب) وقتا وللحادثة‬ ‫وج ��ود السبب األول قيمة علمية أو‬ ‫ف�لاس��ف��ة ال��ع��ص��ور احل��دي��ث��ة وواض����ع‬ ‫القرن التاسع عشر ‪:‬‬
‫(ج) وقتا آخ��ر وللحادثة (د) حينا‬ ‫عقلية‪.‬‬ ‫الفلسفة االنتقادية يتابعه فيه مجهرة‬ ‫اإلحلاد هو اجلحود باهلل‪ ،‬وعدم اإلميان‬
‫وللحادثة ( هـ) حينا آخر‪.‬‬ ‫وحنن نعلم مع رجال األديان والعقائد‬ ‫الفالسفة‪ .‬وق��ول عمانوئيل كانت‬ ‫باخللود واإلرادة احلرة‬
‫والذي خنرج به من ذلك أن العالقة‬ ‫أن أص�������ل ف����ك����رة اهلل ت�����ط�����ورت ع��ن‬ ‫ال خيرج عن نفس ما قاله لوقريتوس‬ ‫والواقع أن هذا التعريف سليب حمض‪،‬‬
‫بني ما نطلق عليه اصطالح السبب‬ ‫ح��االت بدائية‪ ،‬وأهن ��ا شقت طريقها‬ ‫ال��ش��اع��ر ال�لات��ي�ني م��ن��ذ أل��ف��ي س ��ن ��ة‪،‬‬ ‫وم����ن ه��ن��ا ال أج����د ب����دا م���ن رف��ض��ه‪.‬‬
‫وبني ما نطلق عليه اصطالح النتيجة‬ ‫لعامل الفكر من حاالت وهم وخوف‬ ‫وهلذا السبب وحده تقع على كثريين‬ ‫والتعريف الذي أستصوبه وأراه يعرب‬
‫ختضع لسنن االحتمال احملضة اليت‬ ‫وج��ه ��ل ب ��أس ��ب��اب األش��ي��اء الطبيعية‪.‬‬ ‫من صفوف املفكرين واملتنورين بل‬ ‫عن عقيديت كملحد هو ‪:‬‬
‫هي أساس الفكر العلمي احلديث‪.‬‬ ‫وم��ع��رف��ت��ن��ا ب���أص���ل ف���ك���رة اهلل ت��ذه��ب‬ ‫الفالسفة م��ن ال�ل�اأدري�ي�ن‪ ،‬وه��رب ��رت‬ ‫«اإلحلاد هو اإلميان بأن سبب الكون‬
‫وحنن نعلم أن ق رارة النظر الفيزيقي‬ ‫بالقدسية اليت كنا خنلعها عليها‪.‬‬ ‫س���ب���ن���س���ر ال���ف���ي���ل���س���وف اإلجن���ل���ي���زي‬ ‫يتضمنه ال ��ك��ون يف ذات���ه وأن مث��ة ال‬
‫احل���دي���ث ه���و ال���وج���ه���ة االح��ت��م��ال��ي��ة‬ ‫إن ال��ع��امل اخل��ارج��ي (ع���امل احل��ادث��ات)‬ ‫الكبري وتوماس هكسلي البيولوجي‬ ‫شيء وراء هذا العامل»‬
‫احمل��ض��ة‪ .‬ول��ي ��س يل أن أط��ي ��ل يف هذه‬ ‫خي��ض��ع ل��ق��وان�ين االح���ت���م���ال‪ .‬فالسنة‬ ‫واملشرح اإلجنليزي املعروف قد كانا‬ ‫وم���ن م��زاي��ا ه���ذا ال��ت��ع��ري��ف أن شقه‬
‫ال���ن���ق���ط���ة وإمن�������ا أح����ي����ل ال�����ق�����ارئ إىل‬ ‫الطبيعية ال خت���رج ع��ن ك��وهن��ا أمش��ال‬ ‫ال أدريني‪ .‬ولكن هل عدم قيام األدلة‬ ‫األول إجيايب حمض‪ ،‬بينما لو أخذت‬
‫مذكريت العلمية ملعهد الطبيعيات‬ ‫ال��ق��ي��م��ة ال��ت��ق��دي��ري��ة ال��ت�ي خي��ل��ص هبا‬ ‫على ع��دم وج��ود اهلل مم ��ا يدفع امل��رء‬ ‫وج��ه��ت��ه ال��س��ل��ب ��ي��ة ل��ق��ام دل��ي�لا على‬
‫األملاين واملرسلة يف ‪ 14‬سبتمرب سنة‬ ‫الباحث من حادثة على ما مياثلها‬ ‫للالأدرية؟‬ ‫ع��دم وج��ود اهلل‪ ،‬وشقه ال ��ث ��اين سليب‬
‫‪ 1934‬وال�ت�ي تليت يف اجتماع ‪17‬‬ ‫م��ن ح�����وادث‪ .‬وال��س ��ب ��ب ��ي��ة العلمية ال‬ ‫الواقع الذي أملسه أن فكرة اهلل فكرة‬ ‫يتضمن كل ما يف تعريف خبنر من‬
‫سبتمرب ون��ش��رت يف أع��م��ال املعهد‬ ‫خت����رج يف ص ��م��ي��م��ه ��ا ع���ن أهن����ا وص��ف‬ ‫أولية‪ ،‬وقد أصبحت من مستلزمات‬ ‫معاين‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫‪82‬‬
‫إسماعيل أدهم ورسالته ‪ :‬ملاذا أنا ملحد؟‬ ‫إسماعيل أدهم ورسالته ‪ :‬ملاذا أنا ملحد؟‬

‫ف��إذا أت��ى ال��دش م��رة م ��ن ‪ 36‬م��رة ملا‬ ‫ل‪:1‬ل‪:2‬ل‪:3‬ل‪ :4‬ل‪ :5‬ل‪ 6‬يف زهر‬ ‫“ملقى السبيل يف مذهب النشوء‬ ‫لشهر أكتوبر ع��ن “امل���ادة وبنائها‬
‫عد ذلك غريبا ألنه حمتمل الوقوع‪،‬‬ ‫النرد األول‬ ‫واالرت���ق���اء”‪ ،‬ص ‪ – 167-163‬منذ‬ ‫ال��ك��ه��رب��ائ��ي”‪ .‬وق���د خل��ص��ت جانبا‬
‫ولكن ليس معىن ذلك أن الدش البد‬ ‫ك‪:1‬ك‪:2‬ك‪:3‬ك‪:4‬ك‪ :5‬ك‪ 6‬يف زهر‬ ‫تفتح العقل اإلن��س��اين‪ .‬غ�ير أين من‬ ‫من مقدمتها جبريدة “البصري” عدد‬
‫م��ن جم��ي��ئ ��ه ألن ه���ذا ي��دخ��ل يف ب��اب‬ ‫النرد الثاين‬ ‫وج ��ه ��ة رياضية أج��د للصدفة معىن‬ ‫‪“ 12120‬امل���ؤرخ األرب��ع��اء ‪ 21‬يوليه‬
‫أخ��ر قد يكون ب ��اب ال��رج��م‪ .‬وكلما‬ ‫ومب���ا أن ك��ل واح����د م��ن ه���ذه األوج���ه‬ ‫غ�ي�ر ه����ذا‪ ،‬م��ع�نى دق��ي��ق��ا ب���ث ل ��ل ��م ��رة‬ ‫س���ن���ة ‪ .”1937‬ويف ه�����ذه امل���ذك���رة‬
‫ع��ظ��م��ت م���ق���دار “س” يف امل��ع��ادل��ة‬ ‫حمتمل جميئه إذا رمينا زهر النرد‪ ،‬فإن‬ ‫األوىل يف ت ��اري ��خ الفكر اإلن��س��اين يف‬ ‫أثبت أن االحتمال هو ق��رارة النظر‬
‫(ن‪+‬س) حت������دد م�����ق�����دار “ح” أي‬ ‫م��ب��ل��غ االح���ت���م���ال هل����ذه األوج�����ه حي��دد‬ ‫كتايب ‪:‬‬ ‫العلمي للذرة ف��إذا ك ��ان كل ما يف‬
‫النسبة االحتمالية وذل��ك خضوعا‬ ‫معىن الصدفة اليت نبحثها‪.‬‬ ‫‪Mathematik und physic‬‬ ‫العامل خيضع لقانون االحتمال فإين‬
‫لقانون األعداد العظمى يف حسابات‬ ‫إن نسبة احتمال هذه األوج��ه تابعة‬ ‫ج‪ 2‬فصل‪7‬‬ ‫أمضي هبذا ال رأي إىل هنايته وأقرر أن‬
‫االح���ت���م���ال‪ .‬وم��ع�نى ذل���ك أن ق��ان��ون‬ ‫حلالة الالعب بزهر النرد‪ ،‬ولكن لنا‬ ‫يف ص��������دد ال������ك���ل��ام ع������ن ال����ص����دف����ة‬ ‫العامل خيضع لقانون الصدفة‪.‬‬
‫الصدفة يسري يف املقادير الكبرية‪.‬‬ ‫أن نتساءل ‪:‬‬ ‫وال��ت��ص��ادف‪ .‬وه���ذا امل ��ع�نى ال تؤتيين‬
‫م��ث��ال ذل���ك أن ع ��م��ل��ي��ة ب�ت�ر ال���زائ���دة‬ ‫م ��ا نسبة احتمال ه��ذه األوج���ه حتت‬ ‫األلفاظ العادية للتعبري عنه ألن هذه‬
‫الدودية نسبة جناحها ‪ .%95‬أعين أن‬ ‫نفس الش رائط‪ ،‬فمثال لو فرضنا أنه‬ ‫األل���ف���اظ ارت��ب��ط��ت مب��ف��ه��وم السبب‬ ‫ولكن ما معىن الصدفة والتصادف؟‬
‫‪ 95‬حالة تنجح من ‪ 100‬حالة‪ ,‬فلو‬ ‫يف املرة “ن” كانت النتيجة هي ‪:‬‬ ‫وال ��ن ��ت��ي��ج��ة‪ ،‬هل���ذا س ��ن ��ح��اول أن حن ��دد‬ ‫يقول هنري بوانكاريه يف أول الباب‬
‫فرضنا أن م ��ائ ��ة م��ري ��ض دخ��ل��وا أحد‬ ‫ل‪6x‬ك‪=6‬شيش‪x‬شيش=دش‬ ‫املعىن عن طريق ضرب األمثلة‪.‬‬ ‫ال رابع من كتابه ‪:‬‬
‫املستشفيات إلج���راء ه��ذه العملية‬ ‫فما أوجه جميء الدش يف املرة (ن‪+‬س)؟‬ ‫لنفرض أن أم ��ام ��ن ��ا زه��ر ال��ن��رد وحنن‬ ‫“‪”Science et Methode‬‬
‫ف���إن اجل����راح ي��ك��ون مطمئنا إىل أن ��ه‬ ‫إذا فرضنا أن احلالة االجتماعية هي‬ ‫جلوس حول مائدة‪ ،‬ومعلوم أن لكل‬ ‫يف ص���������دد ك���ل��ام������ه ع�������ن ال����ص����دف����ة‬
‫س ��ي��خ��رج بنحو ‪ 95‬ح��ال��ة م��ن ه ��ذه‬ ‫“ح” كان لنا أن خنلص من ذلك بأن‬ ‫زه��ر ستة أوج���ه‪ ،‬فلنرمز لكل زهر‬ ‫والتصادف ‪:‬‬
‫العمليات بنجاح‪ ،‬ف��إذا م ��ا سألته‪:‬‬ ‫الالعب إذا رم��ى زه��ر النرد (ن=س)‬ ‫بالوجه األيت يف كل من الزهرين ‪:‬‬ ‫«إن الصدفة ختفي جهلنا باألسباب‪،‬‬
‫يا دكتور ما نسبة احتمال النجاح‬ ‫من امل��رات وك��ان جمموعها مثال ‪36‬‬ ‫لنفرض أن أم ��ام ��ن ��ا زه��ر ال��ن��رد وحنن‬ ‫والركون للمصادفة اع رتاف بالقصور‬
‫يف ه���ذه العملية؟ ف��إن��ه جييبك ‪95‬‬ ‫م����رة ف��اح��ت��م��ال جم����يء ال�����دش ه��ن��ا يف‬ ‫جلوس حول مائدة‪ ،‬ومعلوم أن لكل‬ ‫عن تعرف هذه األسباب»‬
‫يف امل���ائ���ة‪ ،‬وي��ك��ون مطمئنا جل��واب��ه‪.‬‬ ‫الواقع ‪(\1:‬ن‪+‬س)‬ ‫زه��ر ستة أوج���ه‪ ،‬فلنرمز لكل زهر‬ ‫وال����واق����ع أن ك���ل ال��ع��ل��م��اء يتفقون‬
‫ول��ك��ن��ك إذا س��أل��ت��ه‪ :‬ي���ا دك���ت���ور ما‬ ‫ومبا أن ق‪+‬س=‪ 36‬مرة فكأن النسبة‬ ‫بالوجه األيت يف كل من الزهرين ‪:‬‬ ‫م��ع ب��وان��ك��اري��ه يف اع��ت��ق��اده ‪-‬أن��ظ��ر‬
‫نسبة احتمال النجاح يف العملية‬ ‫االحتمالية هي ‪.36\1‬‬ ‫يك‪ :‬دو‪ :‬ثه‪ :‬جهار‪ :‬بنج‪ :‬شيش‬ ‫لصديقنا البحاثة إمس ��اع��ي ��ل مظهر‬
‫‪85‬‬ ‫‪84‬‬
‫إسماعيل أدهم ورسالته ‪ :‬ملاذا أنا ملحد؟‬ ‫إسماعيل أدهم ورسالته ‪ :‬ملاذا أنا ملحد؟‬

‫امل��وج��ودات‪ .‬وملا كانت الرياضيات‬ ‫ح=ص‬ ‫ينتظم بعضها مع بعض يف وحدات‬ ‫اليت ستجريها لفالن؟ فإنه يصمت‬
‫منسجمة مع طبيعة الكون كانت‬ ‫وعاملنا ال خي��رج عن كونه كتابا من‬ ‫وتتداخل وتتناسق مث تنحل وتتباعد‬ ‫وال جييبك‪ ،‬ألن��ه يعجز ع��ن معرفة‬
‫لنابه‪ .‬وملا كانت الرياضيات تفسر‬ ‫ه����ذه ال���ك���ت���ب‪ ،‬ل���ه وح���دت���ه ون��ظ��ام��ه‬ ‫لتعود من جديد لتنتظم…‪ .‬وهكذا‬ ‫النسبة االحتمالية‪.‬‬
‫ت����ص����رف����ات احل����������وادث ال���ت��ي ت���ق���ع يف‬ ‫وتنضيده إال أنه تابع لقانون الصدفة‬ ‫خ��اض��ع��ة يف ح��رك��ت��ه��ا ه���ذه حل���االت‬ ‫ه���ذا امل���ث���ال ي��وض��ح م��ع�نى ق���ان���ون يف‬
‫ال���ك���ون وت��رب��ط��ه��ا يف وح����دة عقلية‬ ‫الشاملة‪.‬‬ ‫اإلم��ك��ان ال�تي حي��دده��ا ق��ان��ون العدد‬ ‫أهنا تتصل باملقادير الكبرية والكثرة‬
‫ف��ه��ذا التفسري وال��رب��ط ال حي ��م ��ل إال‬ ‫يقول ألربت أينشتاين صاحب نظرية‬ ‫األعظم الصديف‪ .‬ومثل العامل يف ذلك‬ ‫ال�����ع�����دي�����دة‪ .‬وي�����ك�����ون م���ف���ه���وم س��ن��ة‬
‫على طبيعة األشياء الرياضية‪ ،‬ومن‬ ‫النسبية يف حبث قدمي له‪:‬‬ ‫مثل مطبعة فيها م ��ن ك ��ل ن��وع من‬ ‫الصدفة وجه االحتمال يف احلدوث‪،‬‬
‫أجل هذا ال مندوحة لنا أن نبحث‬ ‫“مثلنا إزاء العامل مثل رجل أتى بكتاب‬ ‫ح��روف األجب��دي��ة مليون ح��رف وقد‬ ‫ويكون السبب والنتيجة من حيث‬
‫عن عقل رياضي يتقن لغة الرياضة‬ ‫قيم ال يعرف عنه شيئا‪ ،‬فلما أخذ يف‬ ‫أخ ��ذت هذه احلركة يف االصطدام *‬ ‫مه���ا م��ظ��ه��ران ل ��ل ��ص ��ل ��ة ب�ي�ن ح��ادث ��ت�ين‬
‫ي��رج��ع ل��ه ه���ذا ال���ك���ون‪ ،‬ه���ذا العقل‬ ‫مطالعته وتدرج من ذلك لدرسه وبان‬ ‫فتجتمع وتنتظم مث تتباعد وتنحل‬ ‫يف ال��ن��ط��اق اخل��اض��ع ل��ق��ان��ون ال��ع��دد‬
‫الرياضي الذي نلمس أثاره يف الكون‬ ‫له ما فيه من أوجه التناسق الفكري‬ ‫ه��ك��ذا يف دورة الهن��ائ��ي��ة‪ ،‬ف�لا شك‬ ‫األعظم الصديف حالة إمكان حمض‪.‬‬
‫هو اهلل”‪.‬‬ ‫شعر بأن وراء كلمات الكتاب شيئا‬ ‫أن������ه يف دورة م����ن ه������ذه ال��������دورات‬ ‫ومعىن هذا أن السببية صلة إمكان‬
‫وأنت ترى أن كليهما “واألول من‬ ‫غامضا ال يصل لكنهه‪ .‬هذا الشيء‬ ‫الالهنائية الب��د أن خي��رج ه��ذا املقال‬ ‫ب�ين شيئني خيضعان لقانون العدد‬
‫أساطني الرياضيات يف العامل والثاين‬ ‫ال��غ��ام��ض ال����ذي ع��ج��ز ع���ن ال��وص��ول‬ ‫ال��ذي تلوته األن‪ ،‬كما أن ��ه يف دورة‬ ‫األعظم الصديف‪ .‬فمثال لو فرضنا أن‬
‫ف ��ل ��ك��ي وري���اض���ي م��ن ال��ق��در األول”‬ ‫إليه هو عقل مؤلفه‪ .‬فإذا ما ترقى به‬ ‫أخرى من دورات الالهنائية ال بد أن‬ ‫ال��دش أت��ى م��رة واح���دة م ��ن ‪ 36‬مرة‬
‫ع��ج��ز ع���ن ت���ص���ور ح���ال���ة االح��ت��م��ال‬ ‫التفكري عرف أن هذه األث��ار نتيجة‬ ‫خي��رج كتاب “أص��ل األن���واع” وكذا‬ ‫أع�ني بنسبة ‪ 1:36‬م��رة ففي الواقع‬
‫اخل ��اض ��ع ��ة ل ��ق ��ان��ون ال ��ص ��دف ��ة الشاملة‬ ‫لعقل إنسان عبقري أبدعه‪ .‬كذلك‬ ‫“القرآن” جمموعا منضدا مصححا‬ ‫حن���ن ن���ك���ون ق���د ك��ش��ف��ن��ا ع���ن صلة‬
‫واليت يتبع دستورها العامل‪ ،‬ال لشيء‬ ‫حن���ن إزاء ال���ع���امل‪ ،‬ف��ن��ح��ن ن��ش��ع��ر ب��أن‬ ‫من نفسه‪ .‬وميكننا إذن أن نتصور أن‬ ‫إمكان بني زهر النرد وجميء الدش‪،‬‬
‫إال لتغلب فكرة السبب والنتيجة‬ ‫وراء نظامه شيئا غامضا ال تصل إىل‬ ‫مجيع املؤلفات اليت وضعت ستأخذ‬ ‫وهذا قانون ال خيتلف عن القوانني‬
‫عليهما‪.‬‬ ‫إدراكه عقولنا‪ ،‬هذا الشيء هو اهلل”‪.‬‬ ‫دوره���ا يف الظهور خاضعة حل��االت‬ ‫الطبيعية يف شيء‪.‬‬
‫الواقع أن أينشتني يف مثاله انتهى إىل‬ ‫ويقول السري جيمس جينز الفلكي‬ ‫احتمال وإمكان يف الالهنائية‪ ،‬فإذا‬ ‫إذا ميكننا أن نقول أن الصدفة اليت‬
‫وجود شيء غامض وراء نظام الكتاب‬ ‫اإلجنليزي الشهري ‪:‬‬ ‫اع��ت�برن��ا (ح) رم����زا حل��ال��ة االح��ت��م��ال‬ ‫ختضع العامل لقانون عددها األعظم‬
‫ع�ب�ر ع��ن��ه ب��ع��ق��ل ص��اح��ب��ه (م��ؤل��ف��ه)‪.‬‬ ‫“إن صيغة املعادلة اليت توحد الكون‬ ‫و(ص) رم زا للنهائية كانت املعادلة‬ ‫تعطي حاالت إمكان‪ .‬وملا كان العامل‬
‫والواقع أن هذا احتمال حمض‪ ،‬ألنه‬ ‫ه�����ي احل������د ال��������ذي ت����ش��ت�رك ف���ي���ه ك��ل‬ ‫الدالة على هذه احلاالت‪:‬‬ ‫ال خي���رج ع��ن جم��م ��وع ��ة م��ن احل���وادث‬
‫‪87‬‬ ‫‪86‬‬
‫إسماعيل أدهم ورسالته ‪ :‬ملاذا أنا ملحد؟‬ ‫إسماعيل أدهم ورسالته ‪ :‬ملاذا أنا ملحد؟‬

‫الذي نألفه‪ ،‬بل كل الغ رابة يف عدم‬ ‫يصح أن يكون خاضعا حلالة أخرى‬
‫انطباقها ألن لكل ك��ون رياضياته‬ ‫ون��ت��ي��ج��ة ل��غ�ير ال��ع��ق��ل‪ .‬وم��ث��ل��ن��ا عن‬
‫امل���خ���ص���وص���ة‪ ،‬ف���ك���ون م���ن األك�����وان‬ ‫املطبعة وح��روف��ه��ا وإم��ك��ان خ��روج‬
‫مضبوط بالرياضيات شرط ضروري‬ ‫ال��ك��ت��ب خ��ض��وع��ا ل��ق��ان��ون ال ��ص ��دف ��ة‬
‫لكونه كونا‪.‬‬ ‫الشامل يوضح ه��ذه احل ��ال ��ة‪ .‬أم��ا ما‬
‫من هنا يتضح أن السري جينز انساق‬ ‫ي��ق��ول ال��س�ير ج��ي��م��س ج��ي��ن��ز ف��رغ��م‬
‫حت ��ت فكرة السبب والنتيجة كما‬ ‫انه أخطأ يف اعتباره الرياضة طبيعة‬
‫انساق أينشتني إىل التماس الناحية‬ ‫األشياء ألن جناح الوجهة الرياضية‬
‫الرياضية يف ال ��ع ��امل‪ .‬وه��ذا جعلهما‬ ‫يف رب��ط احل���وادث وتفسري تصرفاهتا‬
‫يبحثان عن عقل رياضي وراء هذا‬ ‫ال حي��م��ل ع��ل��ى أن ط��ب��ي��ع��ة األش���ي���اء‬
‫العامل‪ ،‬وهذا خطأ ألن العامل إن كان‬ ‫ألن جناح الوجهة الرياضية يف ربط‬
‫نظام ما هو واقع خاضعا لنظام ما‬ ‫احلوادث وتفسري تصرفاهتا ال حيمل‬
‫ه��و مم ��ك��ن ف��ه��و ح��ال��ة اح��ت��م��ال من‬ ‫على أن طبيعة األشياء رياضية بل‬
‫ع��دة ح��االت وال���ذي حي��دد احتماله‬ ‫يدل على أن هنالك قاعدة معقولة‬
‫ق��ان��ون الصدفة الشامل ال السبب‬ ‫تصل بينه وبني طبيعة األشياء‪.‬‬
‫األول الشامل‪.‬‬ ‫ف����األش����ي����اء ه�����ي ال����ك����ائ����ن ال�����واق�����ع‪،‬‬
‫والرياضيات ربط ما هو واقع يف نظام‬
‫ذهين على قاعدة العالقة والوحدة‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى أن الرياضيات نظام‬
‫م��ا ه��و ممكن وال��ك��ون ن ��ظ ��ام م��ا هو‬
‫واق�����ع‪ ،‬وال����واق����ع ي ��ت ��ض ��م��ن ��ه امل��م��ك��ن‪.‬‬
‫ول���ذل���ك ف���ال���واق���ع ح��ال��ة خصوصية‬
‫م ��ن ��ه‪ .‬وم��ن هنا يتضح أن��ه ال غ رابة‬
‫يف انطباق الرياضيات على الكون‬
‫‪89‬‬ ‫‪88‬‬
‫السيارة التي صنعت نفسها‬ ‫السيارة التي صنعت نفسها‬

‫الشيخ‪< :‬ال رد>‬


‫جورج دفورسكي‬
‫امللحد‪ :‬أنت ترى أمامك كل يوم ‪ 100‬سيارة تصنع‪ ،‬وترى البنايات تُصنع‪،‬‬ ‫ترجمة‪ :‬حسنين عبد األمير‬
‫وترى القوارب تُصنع‪ ،‬لكن هل رأيت أمامك يوم اً كون اً يُصنع؟‬
‫كان هناك ملحد حاوره كل املسلمني يف حارته وعجزوا مجيع اً يف أن يكسروا‬
‫الشيخ‪ :‬ال‪ ،‬لكن هناك قانون يقول أن لكل سبب ُم سبب ويسمى قانون‬
‫منطقه… فكلما حاوره مسلم يثبت له امللحد أنه خمطئ وأنه ال ميلك دليل‬
‫السببية‪ ،‬فكما أنه لكل سيارة صانع‪ ،‬فال بد أن يكون هلذا الكون صانع!‬
‫على ما يؤمن به…‬
‫امللحد‪ :‬أوالً‪ :‬امسه “مبدأ” السببية وليس قانون السببية‪ ،‬وال يوجد أي دليل‬
‫ويف يوم من األيام قرر شيخ احلارة أن حياور هذا امللحد‪ ،‬وجاء يوم احلوار وقدم‬
‫على وجود قانون للسببية‪ ،‬فالسببية هي فرض يفرضه اإلنسان بسبب رؤيته‬
‫الشيخ على املوعد متأخ راً‪ ،‬فسأله امللحد عن سبب تأخره…‬
‫لكل شيء بشكل كالسيكي على شكل سبب ونتيجة‪ ،‬وميكانيك الكم‬
‫أثبت بأكثر من طريقة عدم وجود ترتيب سبيب لألحداث دوم اً‪.‬‬
‫فقال الشيخ‪ :‬كنت أريد أن آيت إىل هنا بالتكسي‪ ،‬لكن مل يقف أي تكسي‬
‫يل‪ ،‬ولذلك بقيت يف االنتظار‪ ،‬وفجأة‪ ،‬رأيت قطع احلديد تتطاير أمامي ترتكب‬
‫ثاني اً‪ :‬هل تقيم عاد ًة املقارنات هبذه الطريقة؟ يعين هل حتتكم دوم اً مبقارنة‬
‫لتصنع يل امل��وت��ور وقطع س��ي��ارة‪ ،‬رأيتها جتمعت م ��ع قطع أخ��رى م ��ن املطاط‬
‫أي شيئني ميلكان صفة مشرتكة؟ يعين السيارة متشي والقطة متشي‪ ،‬إذاً مبا‬
‫لتصنع الدواليب‪ ،‬وجتمعت سيارة أمامي‪ ،‬ركبتها وقدمت إليك‪.‬‬
‫أن السيارة متشي على البنزين فالقطة متشي على البنزين‪ .‬هل جتد أن هذا‬
‫منطق سليم للمقارنة؟ على أي أس ��اس أقمت املقارنة بني الكون ال ��ذي ال‬
‫فرد امللحد‪ :‬أنا ال أصدق ذلك‪ ،‬فهذا كالم غري منطقي‪ .‬هل تستطيع إثبات‬
‫متلك أي معلومات عنه وبني السيارة اليت تعرف كل شيء عنها ألن اإلنسان‬
‫ما تدعي؟‬
‫هو الذي صنعها؟‬
‫فقال الشيخ‪ :‬إذاً كيف تصدق أن كل هذا الكون ُوجد وحده بالصدفة؟‬
‫ثالث اً‪ :‬إذا كنت ستجزم بالسببية على أن��ه أم��ر مطلق ال ري��ب فيه‪ ،‬فأنت‬
‫تستخدم اهلل كسبب لوجود الكون‪ ،‬لكن أنت تكسر القانون الذي صنعته‬
‫فرد امللحد‪ :‬من قال لك أن الكون ُوجد بالصدفة بنفس طريقة السيارة؟ ومن‬
‫يف نفس مجلتك‪ ،‬ألنك تقول أنه البد من وجود اهلل “كي” خيلق الكون الذي‬
‫قال لك أن الكون أساس اً حباجة إىل الصانع؟‬
‫جتهل أن ��ت تفسري سبب وج���وده‪ ،‬لكنك تقبل بوجود اهلل دون سبب‪ .‬ملاذا‬
‫‪91‬‬ ‫‪90‬‬
‫السيارة التي صنعت نفسها‬ ‫السيارة التي صنعت نفسها‬

‫تناقض أول مجلتك آخرها؟ هل هذا هو املنطق الذي ع لّ مك إياه الدين؟‬

‫إذا كنت ستقبل جبملة ال حتتاج إىل صانع وأنت جتهل كل شيء فيها‪ ،‬أليس‬
‫األجدر أن تقتنع بوجود الكون دون صانع بدالً من أن تفرتض وجود ما يصنع‬
‫الكون وأنت ال تعرف عنه شيئ اً متام اً كما ال تعرف شيئ اً عن هذا الكون؟‬

‫وبعد هذا اللحظة وقف الشيخ وهو مصاب بصدمة كبرية‪ ،‬وأجهش بالبكاء‬
‫وحتولت الدولة إىل اإلحلاد بعد أن أدركوا‬
‫وأعلن إحلاده‪ ،‬وأعلنت احلارة إحلادها‪ّ ،‬‬
‫أن الدين ليس أكثر من كذبة غري منطقية تُقام على البلهاء‪ ،‬وحتولّت الدولة‬
‫إىل دولة متقدمة عاملي اً تستخدم العلم واملنطق يف حكمها على أي شيء‪.‬‬

‫‪https://blog.onlyscience.org‬‬

‫‪93‬‬ ‫‪92‬‬
‫من اهلل إىل الكمبيوتر‬ ‫من اهلل إىل الكمبيوتر‬

‫تتساءل فيما إذا كان العامل حقيقي أم وهم خلقه خيالنا‪.‬‬


‫يف اهلندوسية والفلسفة الشرقية يأخذ األمر أبعاداً أكرب إذ يسعى اإلنسان‬
‫لالحتاد مع الفكرة األصلية اليت يكون اإلنسان جزء منها‪.‬‬
‫آينشتاين ك���ان يشعر ب��ع��دم االرت��ي��اح‬
‫غالبية الناس حياولون التخلص من مثل هذه األفكار غري أنه يوجد باحثني‬ ‫لكون العامل يعطي اإلمكانية لوصفه‬
‫يعملون بكل جدية على التحقق من هذه الفكرة‪ .‬الفرضية االستف زازية اليت‬ ‫باملعادالت الرياضية‪.‬‬
‫يضعوهنا تقول أن العامل بأسره عبارة عن برنامج يتحكم فيه كمبيوتر هائل‪.‬‬ ‫غ�����ي����ر أن ال������ف������ي������ل������س������وف ‪Nick‬‬
‫‪ Boström‬جيد أن ذلك يدل على أن‬
‫ال رباهني على هذه الفرضية توجد يف كل شيء حولنا‪ .‬العامل الفيزيائي ميكن‬ ‫الكون جرى صنعه من قبل كمبيوتر‬
‫وصفه باستخدام أرقام صغرية ومعادالت بسيطة‪ ،‬وهذا بالذات الذي جيعله‬ ‫يستخدم برنامج قائم على الرياضيات‬
‫عامل ظاهري‪ ،‬يتطابق مع عوامل احملاكاة الكمبيوترية‪.‬‬ ‫واملعادالت البسيطة‪.‬‬
‫فهل العامل الفيزيائي نتيجة لطبيعته أم بسبب خالق إله أم ُم ربمج؟‬
‫نالحظ مثال أن مجيع املكونات البيولوجية والكيمائية املعقدة تقوم على‬
‫أقل من مئة عنصر أساسي‪ ،‬ومجيعها تتكون من بنية االلكرتون والربوتون‬ ‫إن القول أن الكون نتاج ‪( computer simulation‬حماكاة بالكمبيوتر)‬
‫والنيرتون‪ .‬وهذه املكونات الثالثة حتكمها أربعة قوى‪ ،‬ومن هذه القوى فقط‬ ‫سريفضه غالبية العلماء ويعتربوه ه راء‪.‬‬
‫اجلاذبية األرضية نشعر هبا مباشرة‪ .‬وخلف هذا الكون املعقد يوجد موديل‬ ‫غري أنه يوجد بضعة علماء يعتقدون جبدية أن العامل وهم كمبيوتري‪ .‬ويدعون‬
‫بسيط‪ .‬وحسب آينشتاين فإنه ميكن وصف أكرب العقد يف الكون مبعادالت‬ ‫أهنم عثروا على مؤش رات تدل أن العامل الفيزيائي إنتاج كمبيوتر‪.‬‬
‫رياضية‪.‬‬ ‫ل رمبا نتذكر فيلم ‪ ،The Matrix‬واجلزء الثاين منه والذي يسمى ‪Matrix‬‬
‫‪ ،Reloaded‬وتدور أحداثه عن أن البشر يعيشون يف ‪virtual universe‬‬
‫الفيلسوف نيك ب ��وس�تروم‪ ،‬ال��ذي يدافع عن فكرة أن العامل عبارة عن جمرد‬ ‫(عامل اف رتاضي)‪ ،‬جرى إنتاجه باحملاكاة الكمبيوترية‪.‬‬
‫حماكاة كمبيوترية‪ ،‬عدا عن إمكانية وصف العامل باملعادالت‪ ،‬حيتج باملنطق‬ ‫فكرة الفيلم تعرب عنها الفكرة الفلسفية يف السؤال التايل‪:‬‬
‫الفلسفي‪ .‬ينطلق من االف �تراض أن الكمبيوتر سيصل يوما ما إىل مستوى‬ ‫هل تعيش يف عامل حقيقي أم اصطناعي؟‬
‫يستطيع فيه حم ��اك ��اة ال��وع��ي اإلن��س��اين املعقد ك��ام �لاً‪ .‬عند ال��وص��ول إىل هذا‬ ‫ال ��ف ��ك��رة ليست ب��اجل��دي��دة‪ ،‬إذ منذ عصر الفالسفة اإلغ��ري��ق ك ��ان ��ت البشرية‬

‫‪95‬‬ ‫‪94‬‬
‫من اهلل إىل الكمبيوتر‬ ‫من اهلل إىل الكمبيوتر‬

‫وشخصيات اللعبة الكمبيوترية‪ ،‬مهما اكتسبت من وعي‪ ،‬أيض اً غري قادرة‬ ‫امل��س��ت��وى س ��ي��ك��ون م��ن ال��س��ه ��ل ت��رك��ي ��ب ال�برن��ام��ج يف بيئة طبيعية تسمح له‬
‫على اكتشاف أن عاملها اف رتاضي اصطناعي‪ ،‬ألن املعلومات ليست خمزنة يف‬ ‫بالتطور‪ .‬بذلك يكون مت خلق ع ��امل اصطناعي‪ .‬وه��و يقدم ثالثة إمكانيات‬
‫الربنامج ‪.‬‬ ‫الستم رار هذا التطور‪.‬‬

‫ولكن يف ه��ذه احل��ال��ة‪ ،‬م ��ن احملتمل أننا نستطيع احل��ص ��ول على عينات من‬ ‫اإلمكانية األوىل أن البشرية ستنقرض قبل أن نتمكن من الوصول إىل هذه‬
‫الرباهني الضعيفة ولكن املميزة ملثل هذا الوضع‪ .‬غالبية الكمبيوت رات متلك‬ ‫احملاكاة‪ .‬عندها ال مشكلة‪ ،‬إذ أن ذلك يعين أن الكون حقيقة‪.‬‬
‫يف طياهتا خطأ ما كما أن امل ربمجِ ني ال يستطيعون الوقوف متفرجني بدون‬ ‫اإلمكانية الثانية أننا نتمكن من تطوير هذا التكنيك ولكن مننع استخدامه‬
‫التدخل يف شؤون ب راجمهم وقت اً ُطوي الً‪ .‬هذا النوع من املؤث رات سيسبب انقطاع‬ ‫بسبب األخطار األخالقية احملتملة والغري ممكن التنبؤ هبا‪ .‬ولكن منذ مىت كان‬
‫غري منطقي‪ ،‬غري لوغاريتمي‪ ،‬يف سلسلة جمرى احلوادث‪ .‬مبعىن آخر ستظهر‬ ‫اإلنسان ميتنع عن استخدام تكنيك جديد ألسباب أخالقية؟‬
‫يف عاملنا ظواهر غري طبيعية تتناقض وقوانني الطبيعة السارية والفعالة‪.‬‬ ‫اإلمكانية الثالثة واألخرية واألكثر احتماالً‪ ،‬حسب بوسرتوم‪ ،‬أن نتمكن من‬
‫تطويرها ونستخدمها‪ .‬وإذا حتقق ذلك فإن العوامل االف رتاضية ستت زايد بسرعة‪.‬‬
‫إذا وثقنا ه��ذا النوع من الظواهر ووصلنا إىل مرحلة االع �ت�راف بعدم وجود‬ ‫الكثري من البشر على األغلب ستصبح آهلة متلك عاملها اخلاص ال خياصمها‬
‫تفسري هلا‪ ،‬سيعين ذلك أن اإلعجازات الدينية والقدرة على التنبؤ أو النبوءات‬ ‫فيه إل��ه آخ��ر وال يستحق اخل��ص ��ام م��ن أجلها ‪ ،‬ألن ال��ع��وامل االف �تراض��ي��ة ميكن‬
‫‪ clairvoyance‬وعمليا كل شيء ال تفسري منطقي له‪ ،‬سيكون مؤشر‬ ‫خلقها بال هناية‪.‬‬
‫على أعطال يف الكمبيوتر استدعت تغيري يف املكثفات أو الذاكرة أو تدخالت‬ ‫ولكن عندما تصبح العوامل االف رتاضية أكثر من العوامل الفعلية فذلك سيعين‬
‫امل ربمج لتطوير الربنامج أو دفعه يف اجتاه معني‪.‬‬ ‫أن عاملنا على األغلب اف رتاضي بدوره‪.‬‬
‫إذا كان السبب األخ�ير هو الصحيح جيب علينا أن نتساءل ما هو اهلدف‬ ‫ُ‬
‫من ذلك؟ هل ذلك جمرد لعبة من أجل املتعة وتضيع الوقت‪ ،‬عندها سيكون‬ ‫ب ��ص��ري ��ا ي��ب��دو ال��ك��ون ث��اب��ت وم����ادي ول��ك��ن ذل���ك ل��ي ��س ب��ره��ان ع ��ل��ى أن���ه ليس‬
‫علينا اتباع احلذر واحلذاقة واحلرفية اليت متنع إخ راجنا من اللعبة بسرعة‪ .‬أما‬ ‫اف رتاضي‪ .‬هذه الثقة والقناعة القوية ميكن أن تكون ناجتة عن أننا ملتصقني‬
‫إذا ك ��ان ذل��ك برنامج لتجربة عوامل الصدامات واألوب��ئ ��ة فعلينا أن نكون‬ ‫مبنطق اللوغاريتم الذي يشكل ذاتنا وجيعلنا واحد مع العامل االف رتاضي‪ .‬فكر‬
‫هادئني ومتعقلني ونكتشف الوسائل اليت حتييد نشوء هذه العوامل‪.‬‬ ‫مثال كيف ستقوم شخصية من شخصيات اللعبة الكمبيوترية بالتعايش مع‬
‫عاملها إذا استوعبت ذلك على أنه احلقيقة الفيزيائية‪.‬‬
‫لألسف ال نستطيع جتربة النظرية أو الكشف عن الوجود للكمبيوتر الذي‬
‫ي��دي��ره��ا‪ .‬ه���ذا ال��ن��وع م��ن امل ��ع��ل��وم ��ات ل��ن ي ��ك��ون م��وج��ود يف ع ��امل ��ن ��ا االف �تراض��ي‪.‬‬
‫‪97‬‬ ‫‪96‬‬
‫من اهلل إىل الكمبيوتر‬ ‫من اهلل إىل الكمبيوتر‬

‫ذلك سيبعث النقاشات الفلسفية عما إذا كنا حنن ضحايا حماكاة أو عما‬ ‫وك���م���ا ه���ي ال����ع����ادة مت��ل��ك ال��ن��ظ��ري��ة ال���ع���دي���د م���ن ال ��ن ��ق ��د‬
‫إذا كان من الصحيح أن نقوم خبلق شخصيات كمبيوترية واعية ونستغلها‬ ‫والناقدين‪.‬‬
‫ملتعتنا‪ ،‬أو ل رمبا كال االثنني‪.‬‬ ‫يقول بعض النقاد أن اإلنسان على ال ��دوام كان يفسر‬
‫العامل من منظور سقفه املعريف الثقايف‪ .‬اإلنسان املبكر‬
‫مثال اخرتع اهلل على صورته وصورة عامله وزاد له بالقدرة‬
‫ليكون ق��ادر على اإلج��اب��ة على ك ��ل األس ��ئ ��ل ��ة‪ ،‬يف حني‬
‫أن اإلنسان اليوم‪ ،‬يف عصر املعلومات حيشر الكمبيوتر الذي يشكل ثقافته‬
‫اجلديدة‪ ،‬ليصبح جزء من كل شيء‪ ،‬مبا فيه جزء من صورة اهلل القدمية‪ .‬وهذا‬
‫األمر ال يفسر لنا نشوء الكون نفسه بقدر ما خيربنا عن طبيعة تفكري اإلنسان‬
‫يف فهم العامل‪.‬‬

‫غ�ير أن ه��ذه النظرية ميكن أن تصبح م��ث�يرة لالهتمام ف��ع �لاً عندما يتمكن‬
‫اإلنسان من الوصول إىل برنامج قادر على حماكاة وعي االنسان‪.‬‬
‫الفيزيائي ‪ ،Seth Lloyd‬من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا‪ ،‬حسب‬
‫أن جمموع سرعة نشوء املعلومات منذ االنفجار العظيم هي ‪ .10120‬حنن لن‬
‫نستطيع بناء كمبيوتر ق ��ادر على العمل هبذه السرعة وحماكاة كوننا بأدق‬
‫التفاصيل‪ ،‬غري أن ذلك ال داعي له‪ .‬عوضا عن حماكاة بليارات اجمل رات حيتاج‬
‫الربنامج إىل تقدمي مساء وأضواء تكرب عندما سينظر إليها «األذكياء القادمون»‬
‫باملنظار‪ ،‬حبيث يرون مصورات وليس ف راغ‪ .‬هبذا االختصار الذي سيبقى على‬
‫كل حال ضمن االحتياجات املبكرة احملدودة لألذكياء املخلوقني‪ ،‬ميكن إنتاج‬
‫الربنامج يف املستقبل املنظور على األغلب‪.‬‬
‫الباحث يف الروبوتات ‪ Hans Moravec‬يرى أن خالل ‪ 30‬سنة سنكون‬
‫قادرين على بناء برنامج حماكاة لشخصيات واعية‪.‬‬
‫إذا كان على حق سيعين ذلك أن فيلم املاتريكس واقعي يف بعض األطياف‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫‪98‬‬
‫مشاعر اللالدينى‬ ‫مشاعر اللالدينى‬

‫وبعد ان ق رأنا الكثري والكثري من الكتب الالدينية وبعد ان أخذنا ىف إعمال‬


‫عقلنا و استيقظنا من نوم عميق و اكتشفنا حقيقة االديان‪ ،‬مازلنا نتحدث‬
‫عنها وجند م�بررات حتافظ على إ مي ��ان املؤمن‪ ،‬مازلنا نبحث عن سبب اميانه‬
‫وخضوعه لدينه وإلهله‪ .‬أكثر الكتب واملقالت الالدينية مازالت تدور ىف نفس‬
‫احللقة‪ .‬مل نبتعد كث ريا ع ��ن ال ��دي ��ن ح�تى وان كنا ض��ده‪ ،‬مازلنا ملتصقني به‬
‫وندور ىف فلكه حىت وان كنا غري مؤمنني فما هو سر اجلاذبيه هذه؟‬
‫وكأننا مل نستيقظ من هسرتيا الدين وكأننا مل خنرج من بوتقته‪ ،‬فهل هى فرحة‬
‫املعرفة؟ هبجة الوضع اجلديد؟ وكأننا نؤكد ألنفسنا اننا بالفعل خارج نطاقه‪.‬‬
‫مثل اخلروج من حفل صاخب ومات زال املوسيقى الصاخبة ىف آذاننا‪.‬‬
‫ىف اعتقادى الشخصى اننا مازلنا ىف مرحلة اخلروج‪ ،‬مرحلة االنتقال من حال‬
‫اىل حال وهذه املرحلة هلا هبجتها مثل فرحة طفل مبالبس العيد‪ ،‬فرحة االعمى‬
‫عندما يبصر أو احملروم عندما حيصل على ما يريد‪.‬‬
‫وستبقى هذه املرحلة حىت نرتوي منها ويتغري احلال من حولنا‪ ،‬مبعىن اخلروج‬
‫من احلصار الديىن ىف اجملتمع‪ ،‬مث نبدأ رحلة جديده وه��ى البحث بعمق ىف‬
‫احوال هذا الكون‪.‬‬

‫‪101‬‬ ‫‪100‬‬
‫ماذا لو؟؟‬ ‫ماذا لو؟؟‬

‫طاعتنا ل ��ه عمياء‪ .‬إل��ه جبار ٍ‬


‫م��ؤذ إن مل ننفذ أوام���ره دون ن ��ق ��اش‪ ،‬إل��ه يهدد‬ ‫ماذا لو أننا تواجدنا ىف جمتمع آخر‪ .‬جمتمع علماىن ال يتعاطى االديان ليل هنار‪،‬‬
‫ويتوعد بنار وعذاب ملن ال يتبعه بدقة‪ .‬يتحدثون إليه عن إله يأمر بالصالة‬ ‫وال يغرق فيها حىت اذنيه؟‬
‫له ىف كل حني السرتحامه والتودد إليه‪ ،‬اىل ماالهناية دون كلل أو ملل‪.‬‬ ‫م��اذا كان سيحدث لو كنا قد تربينا ىف م��دارس غري مدارسنا‪ ،‬م��دارس لكل‬
‫هذا اإلله يرغم البشر على الصيام والذي هو ضمن تعليماته االخرى‪ ،‬بالرغم‬ ‫العلوم اال علوم الدين‪ .‬مدارس هتتم بالعلم والثقافة واجملتمع واالنسان الفرد‪.‬‬
‫من ان العامل ملئ باجملاعات ىف بالد كثرية‪.‬‬ ‫حبياة الفرد احلاضرة على هذه االرض‪.‬‬
‫يكرب الطفل على ه��ذا كله ح�تى يعتاد على االم���ور كما ه��ى دون نقاش‪،‬‬ ‫نعم اعلم انه ليس الواقع بل ان واقعنا مزعج‪ .‬ويبدأ ازعاجه مع الطفل الربيء‬
‫ليكون متلق فقط‪ .‬وتضيع بعض سنوات عمره ىف دراسة اشياء غري مرئية او‬ ‫على ص ��ورة والديه او االه ��ل واجملتمع واملدرسة ورج��ل الدين حيث يتقامسون‬
‫هلا اى دليل‪.‬‬ ‫مهمة غسيل دماغ هذا الربيء بتعاليم دينه‪.‬‬
‫ف ��م��اذا لوكنا ق ��د تربينا ىف م���دارس غ�ير م ��دارس ��ن ��ا؟ كنا ق ��د وعينا على حب‬ ‫وتبدأ رحالت هذا الطفل املسكني بوضع خ رافات وخزعبالت ىف عقلة‪ ،‬اديان‬
‫املعرفة والعمل دون كلل على اكتشاف الكون والعلوم املفيدة حلياة البشر‪.‬‬ ‫وآهله‪ ،‬جنة ونار‪ ،‬مالئكة وشياطني‪ ،‬عذاب ومكافئات‪ ،‬خوف‪ ،‬خنوع‪ ،‬خضوع‪،‬‬
‫كنا قد انتمينا اىل اجلنس البشرى عمليا وعملنا على اح رتام بعضنا البعض‬ ‫وعبودية‪.‬‬
‫واح رتام آدميتنا‪.‬‬ ‫يتحدثون اليه عن إله غيورال حيب ان يكون له شريك‪ ،‬إله رحيم إن كانت‬

‫‪103‬‬ ‫‪102‬‬
‫أحوال شخصية‬ ‫أحوال شخصية‬
‫الهرطقة‬

‫الذي مير يف خريف يبدو طويال أظهر لنا كم تتعثر خطانا يف أن نتحول إىل‬
‫مواطنني ومواطنات أح رار ومتساوين يف احلقوق‪ .‬لن ننسى طبعا «جهود»‬ ‫ديانا مقلد‬
‫اإلخوان املسلمني خالل حكم حممد مرسي يف تشريع األمر نفسه‪ ،‬وكم أن‬
‫قضية زواج الصغ ريات هي مبثابة الطاعون يف اليمن‪ ،‬وكيف باتت ظاهرة‬ ‫السواد الذي اتشحت به سيدات ع راقيات تظاهرن يف بغداد احتجاجا على‬
‫تتفشى يف جمتمع التشتت السوري وامتدت إىل الداخل اللبناين أيضا‪.‬‬ ‫مشروع قانون األحوال الشخصية اجلعفري الذي أقرته احلكومة الع راقية بات‬
‫مسة تقرتن بأحوالنا مجيعها ويف صدارهتا تلك اليت تتعلق حبرياتنا كأف راد وكنساء‬
‫قبل أيام طالعتنا عقيلة رأس التشريع اللبناين‪ ،‬عقيلة رئيس جملس النواب‬ ‫على حنو خاص‪ .‬فواقع احلال يستلزم وعن حق ارتداء السواد حدادا وإعالنا‬
‫السيدة رندة نبيه بري بتصريح تعترب فيه أنه من الصعب جترمي االغتصاب‬ ‫لظالمة ال جيوز ال إنسانيا وال حقوقيا أن نتغاضى عنها وأن نكتفي بإدراج‬
‫الزوجي ألنه ال أحد يعرف ماذا يدور يف الغرف املغلقة‪ .‬واحلقيقة أن هذا متاما‬ ‫تلك االرتكابات يف سياق املصاب العام األكرب وهو االنكسارات املتتالية اليت‬
‫لب القصيد‪ :‬الغرف املغلقة‪.‬‬ ‫منىن هبا يف السياسة واألمن واحلرية‪.‬‬

‫فتزويج الصغ ريات أو لنكن أكثر دقة اغتصاهبن بغطاء القانون وانتهاك جسد‬ ‫وقوانني األحوال الشخصية هي يف صلب معايري التقدم االجتماعي واحلقوقي‬
‫امل رأة بذريعة أهنا زوجة وكل التفاصيل املنضوية حتت خانة «حقوق الرجل»‬ ‫ألي جمتمع يف العامل لكن عربيا فإن هذه القوانني هي مسة ختلف وت راجع نادرا‬
‫وما حييط هبا من عنف أسري سواء أكانت جنسية أم جسدية أم سلطوية‬ ‫م��ا جن��ا منه أي ن ��ظ ��ام ع��ريب ح�تى يف عهد م��ا بعد ال��ث��ورات‪ ،‬إذ ال ت���زال هناك‬
‫هي مجيعها أمور تدور غالبا يف غرف مغلقة وغالبا ما يتعاطى املشرعون يف‬ ‫انتكاسات تشبه تلك اليت أقدمت عليها احلكومة الع راقية وميكن تتبع ذلك‬
‫جمتمعاتنا معها على قاعدة «ناقصات عقل ودين» فتجري مصادرة ملكية‬ ‫يف أكثر من دولة وجمتمع‪.‬‬
‫النساء لعقوهلن وأجسادهن استنادا إىل تلك القاعدة‪.‬‬
‫وبالعودة إىل مشروع القانون الع راقي املطروح فهو جيرد امل رأة التابعة للمذهب‬
‫أمس استفقت صباحا على رسائل معايدة بيوم امل رأة العاملي وطالعين حمرك‬ ‫الشيعي اجلعفري من بديهيات تتناول املساواة يف حقوق أساسية يف الزواج‬
‫البحث «غ��وغ��ل» باحتفالية باملناسبة نفسها ووس��ائ��ل اإلع�ل�ام وشبكات‬ ‫والطالق واإلرث واألفدح أنه يشرع زواج الصغ ريات من عمر التاسعة‪ .‬وال يسع‬
‫التواصل االجتماعي حتفل بتحقيقات ومواضيع وصور عن هذا اليوم‪ .‬لست‬ ‫واحدنا سوى أن يشعر بالصدمة والذهول ملا يكشفه هذا القانون من جنوح‬
‫ضد إحياء املناسبة واالحتفاء هبا إعالميا‪ ،‬فتسليط الضوء على مكامن العلل‬ ‫لدى كل من صدق عليه وها هو اآلن يسلك طريقه حنو جملس النواب‪..‬‬
‫ض���رورة‪ ،‬لكن فيما حن ��ن نتبادل التحيات هناك م ��ن يعمل لتوسيع نطاق‬
‫الظلم املمارس وإبقائنا يف الغرف املغلقة‪.‬‬ ‫طبعا ليس الع راق وحده من ينتج ظواهر ختلف من هذا النوع‪ ،‬فالربيع العريب‬
‫‪46‬‬
‫‪54‬‬
‫‪50‬‬
‫‪105‬‬ ‫‪104‬‬
‫‪53‬‬
‫‪49‬‬
‫‪45‬‬
‫نقض الدستور املصري اجلديد من وجهة نظر اإلسامل‬ ‫نقض الدستور املصري اجلديد من وجهة نظر اإلسالم‬

‫حقيقي يطبق يف دولة خالفة راشدة‪.‬‬


‫أصدره ـ حزب التحرير‬
‫املزيد ‪:‬‬

‫_ ‪http://hizb.net/wp-content/uploads/BookPDFfiles/Aldustor‬‬
‫‪Almasri _ 280213.pdf‬‬ ‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫متهيد‬
‫إن ال رائد ال يكذب أهله‪ ،‬وإن حزب التحرير منذ نشأته ي القدس ‪0998‬هـ –‬
‫‪ 0099‬وهو ينصح األمة‪ ،‬ويأخذ بيدها لتعمل معه الستئناف احلياة اإلسالمية‬
‫بإقامة‬
‫اخلالفة ال راشدية ال راشدة بعد هذا امللك اجلربي الذي ابتلينا به خالل تسعني‬
‫سنة بال خالفة وال خليفة‪ ،‬بل نصب الكافر املستعمر على بالد املسلمني‬
‫حكاما عمالء له حكموا بدساتري وقوانني غريبة العقل واهل��وى‪ ،‬وطبقوها‬
‫بظلمها وفسادها ‪..‬‬
‫فاصطلى الناس بنار تلك الدساتري النشاز عن عقيدة األم��ة وإساملها‪ ،‬ما‬
‫دفعهم للبحث جد واجتهاد عما ينقذهم من نار تلك املصائب اليت املت‬
‫هبم‪ ،‬فكان أن اجتهت غالبية األم ��ة حنو اإلس�لام واملطالبة باالحتكام اليه ‪...‬‬
‫فصعق أعداء اإلسالم واملسلمني‪،‬‬
‫وتفتق ذهنهم الشيطاين عن قيادة محلة الضفاء مساحيق جتميل زائفة على‬
‫بعض الدساتري الوضعية‪ ،‬فيسموهنا إسالمية وليس هلا من امسها شيء من‬
‫نصيب‪ ،‬ظنا من أع��داء اإلس�لام أن هذا التجميل ال زائف للدساتري سيضلل‬
‫الناس وخدعهم‪ ،‬وم��ن مث خيدرهم ويقعدهم عن االجت��اه إىل دستور إسالمي‬

‫‪107‬‬ ‫‪106‬‬
‫عيشوا سعداء‬...ً‫شكرا‬
‫لتحميل املجلة‬
issuu
www.issuu.com/i-think-magazine
Mediafire
www.mediafire.com/?odd3nd897q2ne
Box
www.box.com/s/zhvvajbeglqpq2enaqzp
facebook
www.facebook.com/I.Think.Magazine
Web
www.ithinkmag.net
www.i-think-magazine.blogspot.com

You might also like

  • 31 PDF
    31 PDF
    Document57 pages
    31 PDF
    OrwaB.Al-Shara'a
    No ratings yet
  • 21
    21
    Document65 pages
    21
    OrwaB.Al-Shara'a
    No ratings yet
  • 11
    11
    Document73 pages
    11
    OrwaB.Al-Shara'a
    No ratings yet
  • 17
    17
    Document68 pages
    17
    OrwaB.Al-Shara'a
    No ratings yet