You are on page 1of 53

‫هيئة التحرير‬

‫كلمة رئيس التحرير‬ ‫‪1‬‬ ‫أمين غوجل‬


‫التحررية‪ :‬دليل إىل احلياة بدون أديان‬ ‫‪3‬‬ ‫أخيل‬
‫ردا على هراء اخللقيني‬ ‫‪11‬‬ ‫تيتان‬
‫ماذا قدمت النساء للعلم؟؟‬ ‫‪29‬‬ ‫نور‬
‫نبضات بن باز ‪...‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪Hunger Mind‬‬
‫عقلية التغيري‬ ‫‪35‬‬ ‫دينا‬
‫مقتطفات من كتاب رب الزمان‬ ‫‪39‬‬ ‫تامبي‬
‫تارخينا ملئ بشىت انواع اآلهلة‬ ‫‪47‬‬ ‫كاترينا‬
‫فويرباخ ‪ ..‬ماركس ‪ ..‬والدين ‪..‬‬ ‫‪49‬‬ ‫بن باز عزيز‬
‫األخـالق يف اإلسالم‬ ‫‪55‬‬ ‫رامي‬
‫العفاف اجلنسي ‪...‬‬ ‫‪65‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديين‬ ‫‪69‬‬
‫عدم ُمطلق‬ ‫‪99‬‬

‫‪facebook.com/I.Think.Magazine‬‬

‫‪1‬‬
‫كلمة رئيس التحرير‬

‫الدولة األسالمية كضرورة تاريخية‬


‫الدولة األسالمية أكيد اهنا باقية لفرتة طويلة و من املؤكد اهنا ستتمدد و ستكون هناك حروب‬ ‫الشك أن هناك رهطاً كبرياً ممن هم مثلي مل يفاجئوا بأعالن قيام دولة اسالمية حقيقية و اعادة‬
‫دموية طاحنة يف هذا الشرخ األوسخ املتدين ‪.‬‬ ‫احياء مبدأ اخلالفة و اخلليفة و ويل أمر املسلمني ‪.‬‬
‫ستجري الدماء من أجل الدين سيقتل البشر من أجل فكرة مرة اخرى يف سقوط آخر و يف غباوة‬ ‫أنا على األقل مل افاجئ مبثل هذا االعالن من أبو بكر البغدادي قائد (الدولة االسالمية يف العراق‬
‫اخرى اخرتعها البشر ‪.‬‬ ‫و الشام ) او مايسميها املسلمون و قنواهتم خجالً ب ( داعش )‬
‫سيقتل االطفال من أجل أن تنازع حبمق أن من حق وضع غباواتك على الفيسبوك‬ ‫سعدت بأعالنه قيام ( الدولة االسالمية ) ألهنا و أقصد الدولة االسالمية ضرورة حتمية الكمال‬
‫من أجل أن متارس محاقاتك اليت تسميها شعائر حبرية‬ ‫كميات احلمق و العته و اجلنون يف هذه املنطقة و كل مناطق املسلمني يف كل بقاع االرض‬
‫نعم سيقتل اطفال من اجلك و بسبب عتهك و عنجهيتك و محقك الال حمدود ايها الكائن‬ ‫ضرورة لريى املسلمون اوالً دينهم بأهبى صورة واقعية بعيداً عن نعومة الدعاة اجلدد للنسخة ( الكول‬
‫املتدين ‪.‬‬ ‫) للدين االسالمي‬
‫و ستكمل طريق القتل بك و بسببك و من أجلك‬ ‫سريون دينهم احلقيقي و ممثلون عن دينهم احلقيقي املأخوذ مباشرة من القرآن‬
‫حىت نصل يف النهاية اىل خالصة ال مفر منها و هي أن نرمي بكل أديان االرض يف أقرب مكب‬ ‫سيتنطحون لفرتة بان هذه الدولة المتثل االسالم لكنهم لن يستطيعو و سيستضمون عاجالً أو‬
‫نفايات و مرة واحدة و اىل األبد‬ ‫آجالً بأن كل ما تفعله مأخوذ مباشرة من نصوصهم املقدسة ‪.‬‬
‫و حينها سيكون من حقنا أن نسمي أنفسنا كائنات مفكرة ‪ .‬و حىت ذلك احلني لن تروا الال الدماء‬ ‫كل ماتفعله ( داعش ) و جبهة النصرة و اهليئة االسالمية يف بالد الشام و كل الكتائب االسالمية‬
‫و التشرد و القتل و الديكتاتورية ‪.‬‬ ‫هو نقل حريف وواقعي ألوامر حممد املوجودة يف القرآن ‪.‬‬
‫كم امتىن بالفعل أن توجد كبسولة زمن لكي اقطع السنني القادمة ألهنا ستكون مرعبة بكل معىن‬ ‫لن يستطيعوا اخفاء أن قطع الرؤوس و الصلب و قطع االيدي و حتقري املرأة موجود بالفعل يف‬
‫الكلمة ‪.‬‬ ‫نصوصهم و بشكل واضح ال حيتمل أي لبس‬
‫و عندها فقط سيعرفون ملا حاربنا تلك االفكار ‪.‬‬
‫عيشوا سعداء اصدقائي أو حاولوا على األقل‬ ‫من املؤكد اننا مل ننجح يف حماربتها و اال ملا كننا وصلنا اىل دموية هذه االيام‪.‬‬
‫أمين غوجل‬ ‫مل ننجح و هذا مؤكد ألن الدين (كل دين ) مدعوم بآله اعالمية و سياسية و حىت حربية ضخمة‬
‫مؤسس و رئيس حترير‬ ‫المنتلك يف مقابلها سوى الكلمة ‪.‬‬
‫جملة أنا أفكر‬ ‫مل ننجح بالتأكيد ألن احلكومات تدعم و تعلم و تؤسس لكل اجلماعات اليت تسمى باالرهابية و‬
‫على مستوى العامل ‪.‬‬
‫مل ننجح ألن هذه اجملتمعات و بأغلبيتها العظمى مل و يبدو اهنا لن تتطور بعد على مستوى‬
‫تالفيف الدماغ لتخرج من تلك العباءات البدوية ‪.‬‬

‫‪facebook.com/I.Think.Magazine‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫التحررية‪ :‬دليل إىل احلياة بدون أديان‬
‫التحررية‪ :‬دليل إىل احلياة بدون أديان‬

‫وبالتايل‪ ،‬جيب أن يكون هناك بعض املبادئ التوجيهية لنعيش على أساسها‪،‬‬
‫ولكن جيب أن تكون هذه املبادئ التوجيهية تسمح للمجتمع التمتع حبرية‬
‫حقيقية دون إزعاج النظام االجتماعي‪.‬‬ ‫كتابة هارجيت سينغ‬
‫التحررية هى الدليل املثايل للحرية احلقيقية والنظام‪ .‬أنا فقط أعرض هذه‬
‫خ ــال رحليت الروحية‪ ،‬ال ــي ب ــدأت يف طفوليت املبكرة‪ ،‬م ــررت بأناس من‬
‫الطريقة البديلة للحياة‪ ،‬ولكين ال أفرضها‪ .‬أنت وبشكل شخصي‪ ،‬لك احلق‬
‫يف أن تأخذه بعني االعتبار أو ترتكه‪ .‬اخليار كله لك‪.‬‬ ‫أديان ومعتقدات متعددة‪ ،‬يتشاركون فيها أو يتفاخرون هبا‪ .‬كان واضح اً‬
‫يل أهن ــم وب ــدون معتقداهتم سيكونون بالتأكيد ضعفاء وت ــائ ــه ــن‪ .‬ه ــؤالء‬
‫أوالً انظر حولك وشاهد العامل كما هو‪ ،‬مث وبعد ق راءة املبادئ الـ ‪ ،12‬ختيل‬
‫العامل وهو مليء بالتحرريني‪.‬‬ ‫املتدينني‪ ،‬خصوص اً املسلمني واليهود‪ ،‬الكثري منهم عاشوا حياهتم وفق اً‬
‫لقوانني أدياهنم‪ ،‬سوف جيدون صعوبة بالغة يف التخلي عن إمياهنم ليصبحوا‬
‫ملحدين أو ال أدري ــن‪ .‬وذل ــك ألن القوانني الدينية وال ــع ــادات والتقاليد‬
‫أصبحت متشابكة بعمق ىف حياهتم‪.‬‬
‫المبادئ الـ ‪ 12‬للتحررية‬
‫هناك ملحدين وال أدري ــن متكنوا يف مساعدة املتدينني بتحرير أنفسهم‬
‫بواسطة هارجيت سينغ‬
‫من أغالل الدين واالنتقال إىل الرخاء ونور املنطق‪ ،‬ولكن هؤالء املساعدين‬
‫التحررية هي طريق فريد من نوعه ‪ ،‬انعتاق‪ ،‬بال تبعية‪ ،‬ال هتتم بالرحبية‪،‬‬
‫من ملحدين أو ال أدري ــن‪ ،‬ال يوفرون التوجيه احلقيقي يف كيفية احلياة‬
‫عقالنية‪ ،‬مسار جديد للالأدرية مغلفة ضمن ‪ 12‬مبدأ‪:‬‬
‫بدون الدين‪ .‬إنه مثل إنقاذ احليوانات من األقفاص املوجودة ضمن حديقة‬
‫‪ .1‬اإليمان بالالأدرية‬
‫احليوانات ووضعهم على الطريق السريع واملزدحم للمركبات‪.‬‬
‫رمبا هناك إله‪ ،‬ورمبا ال يوجد إله‪ .‬ال أحد يعرف حىت اآلن‪ .‬وبالتايل ال تصديق‬
‫لذلك ومن أجل هذا السبب‪ ،‬قمت بتأسيس مفهوم التحررية‬
‫وال إنكار‪ .‬فقد ادعى العديد من البشر معرفة اإلله وأقنع اآلخرين بادعائهم‬
‫إهنا عبارة عن ‪ 12‬مبدأ‪ ،‬مقرتحة كإرشاد عقالين‪ ،‬وهذه اإلرشادات سوف‬
‫هذا‪ ،‬ولكن اإلميان هو مقامرة‪ ،‬وال يوجد أدلة عليه‪ .‬لذلك اعمل على تقدير‬
‫تكون مفيدة بشكل خاص ألولئك الذين ختلوا عن أكثر األديان والطوائف‬
‫احلياة واالستمتاع هب ــا‪ ،‬وإذا ك ــان هناك إل ــه‪ ،‬ستكون قد عبدته من خالل‬
‫تعصب اً‪.‬‬
‫امتنانك هلذه احلياة‪.‬‬
‫إن اجملتمع الذي يتبع حبزم القوانني اليت هي قاسية جداً وحمددة متام اً‪ ،‬مثل‬
‫‪ .2‬المعبد العالمي‬
‫الشريعة أو القانون اليهودي‪ ،‬سوف خيتنق حتم اً‪ .‬وإن ه ــذا اجملتمع لن‬
‫أم ــاك ــن العبادة ميكن استخدامها كم راكز للسيطرة على العقل وحتقيق‬
‫يرى هناية لالضط رابات املتكررة‪ .‬وباملثل‪ ،‬فإن اجملتمع الذي يعيش من دون‬
‫املكاسب املالية‪ .‬ال يلزم وجود املعابد حلضور الصالة‪ ،‬واالستماع إىل اخلطب‪،‬‬
‫أية مبادئ توجيهية سوف ينهار بالتأكيد بسبب الفوضى‪.‬‬
‫وما إىل ذلك‪ ،‬وليس هناك أي حاجة لوجود مكان للحج‪ .‬اعترب العامل كله‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬
‫التحررية‪ :‬دليل إىل احلياة بدون أديان‬ ‫التحررية‪ :‬دليل إىل احلياة بدون أديان‬

‫‪ .6‬المساعدة المباشرة‬ ‫كمعبد‪ ،‬واعترب األعمال الصاحلة أهنا هي الصالة‪ ،‬وتأمل الكون كصورة‬
‫لصوص املال الشرهني يزدهرون على حساب شفقة الناس اللطفاء‪ .‬ال تدفع‬ ‫لإلله احملتمل وجوده‪.‬‬
‫أي ضريبة دينية واليت تأمر هبا بعض األديان‪ .‬جتنب التربع باملال للجمعيات‬ ‫‪ .3‬مجمتع غير كهنوتى‬
‫اخلريية الدينية وغ ــر الدينية‪ ،‬ألهن ــا قد تستغل ه ــذه التربعات النقدية‪ .‬إذا‬ ‫ميكن للكهنة أن يوجهوا الناس ولكن ممكن أيض اً أن يضلوهم‪ .‬كن فرداً‬
‫كنت ترغب يف ذلك‪ ،‬استعمل مالك الفائض وبشكل شخصي ملساعدة‬ ‫يقدر وحي ــرم نفسه بشكل مستقل وب ــدون ق ــي ــادة‪ .‬ال تسمح لنفسك أن‬
‫األش ــخ ــاص ال ــذي ــن حيتاجون ملساعدة حقيقية‪ ،‬وس ــوف يُعترب ذل ــك كعمل‬ ‫تكون عاج زاً أو أن يتم تضليلك باخلوف‪ ،‬أو الك راهية والشعور بالذنب‬
‫حقيقي مفيد لك‪.‬‬ ‫الناتج م ــن وع ــظ الكهنة‪ ،‬وأن تقع يف مصيدة مناهج اجل ــه ــل‪ ،‬مثل قمع‬
‫‪ .7‬الحب بدون زواج‬ ‫اإلناث‪ ،‬واحلرب الدينية‪ ،‬واخلوف من اجلحيم‪ ،‬وما إىل ذلك‪.‬‬
‫ال ــزواج يعرقل الفردية‪ .‬كن مع شريكك املتوافق معه ولكن جتنب م راسم‬ ‫كن الدليل لنفسك‪ ،‬فقط باتباع مبادئ التحرير االثىن عشر‪.‬‬
‫ال ــزواج الدينية والقانونية‪ ،‬إال إذا كنت خاضع اً بالفعل لذلك‪ .‬ال ــزواج هو‬ ‫‪ .4‬الطاقة األنثوية‬
‫جمرد عُ رف لتضييع الوقت واملال والطاقة‪ ،‬لينتهي يف آخر املطاف إىل مشاكل‬ ‫التطور الروحي ليس ممكن اً من دون االتصال باجلانب األنثوي املوجود‬
‫قانونية أو عاطفية‪ .‬الوثائق والطقوس واجملوه رات بالتأكيد ليست هي رابط اً‬ ‫فينا‪ .‬س ــواء كنت ذك ـراً أو أنثى‪ ،‬البد لك من االتصال باجلانب األنثوي‬
‫للحب‪ .‬ببساطة نكون مع اً‪ ،‬ونرعى بعضنا البعض وننجب‪.‬‬ ‫اخل ــاص ب ــك‪ ،‬واجعل نفسك تشع باحلب وامل ــرون ــة‪ .‬الطاقة األنثوية ميكن‬
‫‪ .8‬المعارضة الغير عنيفة‬ ‫أن تتغلب على السلبية وتنهى احلروب وتشكيل العصابات وغريها من‬
‫العنف ي ــؤدي فقط إىل األذى واالنتقام والسجن أو امل ــوت‪ .‬الب ــد من صنع‬ ‫الشرور اليت بدأها أولئك الذين هم مرتبطني بقوة جبانبهم الذكوري فقط‪.‬‬
‫السالم مع أعدائنا‪ ،‬ولكن إذا فشل ذلك‪ ،‬اقطع كل الروابط معهم بدالً من‬ ‫كن متفتح العقل‪ ،‬لطيف اً‪ ،‬مشارك لآلخرين ومساعداً هلم‪.‬‬
‫حماربتهم‪ .‬ميكنك استخدام املقاومة غري العنيفة ضد أصحاب الفتوة أو‬ ‫‪ .5‬الحرية الجنسية‬
‫احلكومات الظاملة‪ ،‬مثل الشكاوى الرمسية‪ ،‬عدم التعاون ‪ ..‬اخل‪.‬‬ ‫اجل ــن ــس اهل ــادف س ــوف يساعدك سريع اً يف التطور ال ــروح ــي اخل ــاص بك‪.‬‬
‫احلماية املادية غري مربرة إال يف حالة وجود خطر مباشر على حياتك‪.‬‬ ‫استمتع مبمارسة اجلنس يف سن النضوج مع أي شخص بالغ آخ ــر‪ ،‬ويف‬
‫‪ .9‬استهالك جيد‬ ‫أي عمر‪ ،‬س ــواء كانوا من اجلنس اآلخ ــر أو من نفس اجلنس‪ .‬ولكن جيب‬
‫االستهالك اجليد يثري السعادة‪ .‬بغض النظر عن طريقة الذبح‪ ،‬حاول أن تأكل‬ ‫أن يكون األم ــر ب ــال ـراض ــي وب ــدون خيانة‪ .‬م ــارس االستمناء مبتعة‪ ،‬ولكن‬
‫حمم ص‪ .‬اشرب املاء واحلليب‬ ‫اللحوم والدواجن واألمساك وخصوص اً بشكل ّ‬ ‫باعتدال‪ ،‬ألن االف راط يف االستمتاع الذايت سوف يستنزف طاقتك ويسبب‬
‫واستهلك الفواكه واخلضروات يف شكلها الصلب أو السائل‪ ،‬كن نباتي اً إذا‬ ‫لك الضعف واإلحباط‪.‬‬
‫كان ذلك أفضل‪ .‬ميكن لعصري القنب أو الكحول الناتج عن عصري التفاح‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬
‫التحررية‪ :‬دليل إىل احلياة بدون أديان‬ ‫التحررية‪ :‬دليل إىل احلياة بدون أديان‬

‫ستة تعليقات‪:‬‬ ‫والنبيذ ميكنها أن تساعدك يف االسرتخاء‪ ،‬ولكن جتنب األدوية القوية ملنع‬
‫‪ -‬املبادئ االث ــي عشر التحررية هو الدليل الرمسي للتحررية‪ .‬هذا كل ما‬ ‫ضعف املناعة‪.‬‬
‫سوف حتتاجه‪ .‬املؤسس هالك ولكن املسار هو أبدي‪.‬‬ ‫‪ .10‬قلب اليعرف الكره‬
‫‪ -‬ال تنطبق القواعد واألنظمة املعمول هبا يف األديان األخرى على التحريني‪.‬‬ ‫ال ــك ــره يسجن ال ــس ــع ــادة‪ .‬ارف ــض العنصرية والقومية والطبقية‪ ،‬والتحيز‬
‫فهي خالية من القوانني الصارمة وخ رافات اليهودية واهلندوسية واإلس ــام‬ ‫اجلنسي وغريه من أشكال التمييز‪ ،‬حىت التنافس الرياضي‪ .‬األديان املختلفة‬
‫واملسيحية ‪ ..‬اخل‪.‬‬ ‫ق ــد ح ـّـرض ــت ط ــوي ـاً على ك راهية املختلفون عنهم ‪ .‬دائ ــم ـاً احكم على‬
‫‪ -‬يعاين العامل بسبب الطائفية املسيحية واالنفصالية الصهيونية‪ ،‬واجلهاد‬ ‫األشخاص من خالل أعماهلم فقط‪ ،‬وبناء على هذا احلكم‪ ،‬إما أن تكون‬
‫اإلسالمي‪ ،‬والطبقية اهلندوسية واالضطهاد الشيوعي‪ ،‬والعصابات اإلج رامية‬ ‫صديق اً هلم‪ ،‬أو اقطع عالقتك هبم كلي اً‪ ،‬ولكن بدون أن تضمر مشاعر‬
‫والعنصرية ‪ ..‬اخل‪.‬‬ ‫الك راهية هلم‪.‬‬
‫التحررية تنشد الطعام اجليد‪ ،‬واجلنس اجليد واملرح اجليد‪ .‬التحررية هي احلل‬ ‫‪ .11‬الشجاعة بدون حياء‬
‫للسالم العاملي‪.‬‬ ‫اخلوف خينق السالم الداخلي والنجاح اخلارجي‪ .‬ال ختشى اآلهلة واألنبياء‪،‬‬
‫‪ -‬اعمل لتحولك اإلجيايب وانضم إىل الثورة التحررية‪.‬‬ ‫أو الكتب املقدسة‪ ،‬أو الشياطني واخل رافات‪ ،‬أو اخلطايا واألساطري وجحيم‬
‫‪ -‬العتناق التحررية‪ ،‬ببساطة اقبل املبادئ االثين عشر وسوف تكون تلقائي اً‬ ‫الديانات األخرى‪ ،‬وال التهديدات والعنف واحلكومات واإلرهاب‪ ،‬وسائل‬
‫ورمسي اً من التحرريني‪ .‬إهنا بكل هذه البساطة‪.‬‬ ‫اإلع ـ ــام‪ ،‬وال ــس ــج ــن‪ ،‬وال ــع ــار وص ــع ــوب ــة ال ــت ــك ــي ــف‪ ،‬واحل ــي ــوان ــات وال ــك ــوارث‬
‫ليس هناك حاجة للسفر إىل أي مكان‪ ،‬وال حاجة إىل الطقوس‪ ،‬وال تورط‬ ‫الطبيعية‪ ،‬واألم ـ ـراض أو امل ــوت‪ .‬ك ــن م ــازح ـاً وواج ــه أي ش ــيء بابتسامة‪.‬‬
‫مع الكهنة‪ ،‬وليس هناك اش رتاط بدفع أي شيء‪.‬‬ ‫اهتم حبياتك احلالية وما يرتتب عليها من ج زاء األفعال الكارمية (مفهوم‬
‫‪ -‬تقاسم احلرية من خالل نشر الكلمة كلما كان ذلك ممكن اً‪ .‬إذا مت تغيري‬ ‫الكارما)‪ ،‬حاول أن يكون تفكريك عميق اً‪.‬‬
‫أي من املبادئ أو مت إس ــاءة تفسريها‪ ،‬فإهنا لن تكون من التحررية‪ ،‬ولكن‬ ‫‪ .12‬ضمير خالي من الشعور بالذنب‬
‫شيئ اً آخر‪.‬‬ ‫الشعور بالذنب حي ــرق طاقة اإلن ــس ــان‪ .‬إذا كنت قد فعلت شيئ اً خاطئ اً‬
‫بشكل حقيقي‪ ،‬فقط عاهد نفسك أن ال تكرر ذلك اخلطأ‪ .‬ليس هناك‬
‫ح ــاج ــة للشعور ب ــال ــب ــؤس‪ ،‬أو ال ــص ــاة أو احل ــج إىل األض ــرح ــة امل ــق ــدس ــة‪ ،‬أو‬
‫ارتكاب أي أذى للنفس‪ .‬معظم األمور اليت كانت تعترب خطيئة يف األديان‬
‫حترر !‬ ‫القدمية هي طبيعية فع الً ‪ ،‬وبالتايل ارتكاهبا ال جيب أن حيثك على الشعور‬
‫بالذنب‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬
10
71 70
9
‫ردا على هراء اخللقيني‬ ‫ردا على هراء اخللقيني‬

‫وتبي اسباب‬‫القراء اىل مصادر اخرى للمعلومات ّ‬ ‫وتساعد يف الرد عليها‪ ,‬وتوجه ّ‬
‫وجوب اغالق الصفوف املدرسية امام تدريس نظريات اخللق ‹›العلميّ ة››‪.‬‬
‫‪ .1‬التطور عبارة عن نظرية فقط وليست حقيقة او قانونا علميا‪:‬‬ ‫الموضوع عبارة عن ترجمة لمقال‬
‫تعلم ال ــع ــدي ــد يف امل ــدرس ــة االب ــت ــدائ ــي ــة ب ــأن ال ــن ــظ ــري ــة ت ــق ــع يف م ــك ــان وس ــط ــي ضمن‬ ‫نشره الكاتب جون ريني في المجلة‬
‫التسلسل اهلرمي املتصاعد للحقيقة‪ ,‬فوق الفرضيّ ة و حتت القانون‪ ,‬ولكن العلماء‬ ‫العلمية االمريكية ‪Sceintific‬‬
‫اليستعملون مفهوم النظريّة هبذه الطريقة‪.‬‬ ‫‪ american‬في شهر تموز عام‬
‫مدع م باألدلة‬
‫حسب األكادمية الوطنية للعلوم ‹›‪ ››1‬فان النظرية العلمية هي شرح ّ‬ ‫‪.2002‬‬
‫لبعض ظواهر العامل الطبيعي تتضمن حقائق وقوانني واستنتاجات وفرضيّ ات‬ ‫ع ــن ــدم ــا ق ـ ـ ّدم ت ــش ــارل ــز داروي ـ ــن ن ــظ ــريّــة‬
‫جمربّة‪.‬‬ ‫التطور قبل ‪ 148‬سنة جت ــادل علماء‬
‫مهما ارتفع مقدار صحة وتوثيق نظريّة ما فان ذلك لن حيوهلا لقانون‪ ,‬وبالتايل‬ ‫ذل ــك ال ــزم ــن ح ــول ص ــح ــت ــه ــا‪ ,‬ول ــك ــن‬
‫عندما يتكلم العلماء عن نظرية التطور او النظرية ال ــذري ــة او نظريّة اجلاذبية‬ ‫األدل ـ ــة ال ــض ــخ ــم ــة ال ــي وف ـرهت ــا ال ــع ــل ــوم‬
‫اوال ــن ــظ ــري ــة امل ــادي ــة ف ــاهن ــم الي ــع ــرون ع ــن حتفظهم على م ــدى صحة وحقيقة هذه‬ ‫املختلفة م ــث ــل ع ــل ــم احل ــف ــري ــات‪ ,‬علم‬
‫النظريات‪.‬‬ ‫ال ــوراث ــة‪ ,‬ع ــل ــم احل ــي ــوان‪ ,‬ع ــل ــم االح ــي ــاء‬
‫يستطيع املرء ان يتكلم عن حقيقة التطور وليس عن نظرية التطور فقط‪.‬‬ ‫وال ــع ــدي ــد م ــن اجمل ــاالت االخ ــرى اثبتت‬
‫شاه َدة اليت مت تأكيدها‬‫احلقيقة حسب االكادمية الوطنية للعلوم››‪ ››1‬هي‪« :‬املُ َ‬ ‫ورسخ ت صحة هذه النظرية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫بشكل متكرر ومقبول بصحتها يف مجيع اجملاالت التطبيقية‪».‬‬ ‫كسبت نظرية التطور املعركة يف مجيع امليادين حاليا ما عدا يف خميلة ال رأي العام‪,‬‬
‫السجل األحفوري والكثري من األدلة االخرى تشهد بأن األحياء تطورت وتغريت‬ ‫ومن املثري للخجل اننا يف القرن احل ــادي والعشرين ومازلنا نرى ان اتباع نظرية‬
‫عرب الزمن‪.‬‬ ‫التصميم الذكي ومنتقدي التطور ق ــادرون على اقناع عدد كبري من الناس بأن‬
‫على الرغم من عدم مشاهدتنا هلذه التغ ريات فان الدليل الغري مباشر واضح ال‬ ‫نظرية التطور عبارة عن نظرية ضعيفة خمتلقة وغري مثبتة‪ ,‬بل وحياولون ايقاف‬
‫لبس فيه‪.‬‬ ‫تدريسها يف املدارس واجلامعات واعتماد نظرية التصميم الذكي بدال منها‪.‬‬
‫يعتمد مجيع العلماء بشكل متكرر على األدلة الغري مباشرة‪ .‬اليستطيع الفيزيائيون‬ ‫رغم ان احلجج واالع رتاضات اليت يستند اليها اخللقيني مغلوطة ومستندة اىل سوء‬
‫على سبيل املثال رؤية اجلسيمات اليت تتكون منها الذرة بشكل مباشر‪ ,‬ولكنهم‬ ‫فهم(او اساءة فهم قصدي) للنظرية‪ ,‬اال ان عدد هذه االع رتاضات وتنوعها يؤدي‬
‫يتحققون من وجودها بشكل غري مباشر عن م راقبة االثار اليت ترتكها اجلسيمات‬ ‫اىل خداع العديد من االشخاص العاديني وحىت املطلعني بشكل جيّ د منهم‪.‬‬
‫يف الغرفة السحابية ‹›‪. ››2‬‬ ‫املقالة التالية ت ــورد اكثر االع ـراض ــات ‹›العلمية›› الشائعة على نظرية التطور‬
‫‪12‬‬ ‫‪11‬‬
‫ردا على هراء اخللقيني‬ ‫ردا على هراء اخللقيني‬

‫خطئها‪ .‬النظرية تدعي حصول أحداث ال ميكن مشاهدهتا او إعادهتا‪.‬‬ ‫غياب املشاهدة املباشرة ال تعين بأي حال من األحوال بأن استنتاجات العلماء‬
‫ي ــت ــج ــاه ــل ه ـ ــذا االدع ـ ـ ـ ــاء ف ـ ــروق ـ ــات أس ــاس ــي ــة ت ــق ــس ــم ال ــت ــط ــور اىل ق ــس ــم ــن‪:‬‬ ‫اقل دقة وتأكيد‪.‬‬
‫‪Macroevolution & Microevolution‬‬ ‫‪.2‬االنتخاب الطبيعي يستند اىل دليل دائ ــري‪ :‬األنسب (أو األق ــوى) هم الذين‬
‫‪ Microevolution‬ي ــدرس التغي ريات ال ــي حتصل يف األن ــواع املختلفة خالل‬ ‫يبقون على قيد احلياة‪ ,‬والباقون على قيد احلياة هم األنسب‪:‬‬
‫الزمن‪ ,‬هذه التغ ريات اليت تشكل بداية لإلنتواع (تشكل تطوري لنوع جديد)‬ ‫بقاء األنسب هو مصطلح تعبريي لوصف االنتخاب الطبيعي‪ ,‬ولكن االنتخاب‬
‫واصلذا لنشوء أنواع جديدة‪.‬‬ ‫الطبيعي مييل بشكل اكرب للتعبري عنر اختالف نسبة التكاثر البقاء على قيد‬
‫‪ Macroevolution‬ي ــدرس الكيفية ال ــي تتغري فيها اجمل ــم ــوع ــات املصنفة‬ ‫احلياة وليس عن األنسب فقط‪.‬‬
‫(بيولوجيا) خارج مستوى األنواع‪ ,‬واألدلة عليه تأيت من سجل املتحج رات ومقارنة‬ ‫اي ان االنتخاب الطبيعي يشرح لنا عدد األجيال اليت ستبقى على قيد احلياة‬
‫احلمض النووي ‪ ,DNA‬وذلك إلعادة بناء الكيفية اليت قد تتصل هبا الكائنات‬ ‫ضمن ظروف معيّ نة وليس األجيال األفضل او األسوأ‪.‬‬
‫املختلفة مع بعضها‪.‬‬ ‫مثال‪ :‬اذا ما وضعنا زوج ــا من الطيور الصغرية املنقار وسريعة التناسل وزوج ــا‬
‫ح ــى معظم اخللقيني يف ه ــذه األي ــام اض ــط ــروا للتسليم ب ــأن ــه مت اث ــب ــات صحة ال‬ ‫من نفس الطيور كبرية املنقار ولكنها بطيئة التناسل على جزيرة مليئة بالبذور‬
‫‪ Microevolition‬عن طريق التجارب يف املخابر (التجارب على اخلاليا‪,‬‬ ‫فان الطيور السريعة التكاثر ستسيطر على معظم مصادر الغذاء خالل أجيال‬
‫النباتات وذب ــاب ــة الفاكهة)‪ ,‬ويف احلقول (دراس ــة بيرت غ رانت ح ــول تطور مناقري‬ ‫متعددة فقط‪.‬‬
‫طيور الربقش)‪.‬‬ ‫االن اذا ما كانت املناقري الكبرية تسحق البذور بشكل افضل فان الصفة األنسب‬
‫اإلنتخاب الطبيعي وغ ــره م ــن اآلل ــي ــات مثل ت ــغ ـرات ال ــك ــروم ــوزوم ــات‪ ,‬املعايشة‬ ‫موجودة يف الطيور البطيئة التناسل بغض النظر عن نوع الطيور الذي سيسود‬
‫والتهجني قد تؤدي اىل حدوث تغي ريات عميقة جدا للسكان خالل الزمن‪.‬‬ ‫سواء اكانت الطيور سريعة التكاثر او البطيئة‪.‬‬
‫الطبيعة ال ــت ــارخي ــي ــة ل ــد راس ــة ال ‪ macroevolution‬تتضمن اإلس ــت ــدالل من‬ ‫متت مالحظة هذا النوع من التحوالت السكانية يف الربية يف دراسة رائدة للطيور‬
‫املتحج رات واحلمض النووي ‪ DNA‬بدال من املالحظة املباشرة‪.‬‬ ‫الربقش على جزر غاالباغوس قام هبا بيرت غ رانت من جامعة برنستون‪.‬‬
‫عالوة على ذلك ميكن اختبار الفرضيات يف العلوم التارخيية (اليت تشمل الفلك‬ ‫‹›أنظر مقالة «االنتقاء الطبيعي لداروين وطيور الربقش» ؛ جملة العلم االمريكي‬
‫واجليولوجيا وعلم االثار ‪ ،‬وكذلك البيولوجيا التطورية) عن طريق التأكد إذا ما‬ ‫‪1991 ،‬تشرين االول ‹›‬
‫كانت تتالئم مع األدلة املادية املتوفرة واذا ما حتققت توقعاهتا حول املكتشفات‬ ‫النقطة األهم انه من املمكن تعريف األنسب بدون ربطه بالبقاء على قيد احلياة‪:‬‬
‫اليت سنجدها يف املستقبل‪.‬‬ ‫صفة املناقري الكبرية هي تكيف افضل لسحق البذور سواء ابقيت األجيال حاملة‬
‫على سبيل املثال ‪ ،‬خيربنا التطور بأنه ينبغي للمرء أن يصادف تعاقب اً من الكائنات‬ ‫هذه الصفة على قيد احلياة ام ال‪.‬‬
‫البشرية مع مي زات متدرجة مبتعدة عن ال ــق ــردة ومقرتبة من االن ــس ــان احلديث‪,‬‬ ‫‪.3‬ن ــظ ــري ــة ال ــت ــط ــور ليست نظرية علمية ألن ــه م ــن غ ــر ممكن إث ــب ــات صحتها أو‬
‫‪14‬‬ ‫‪13‬‬
‫ردا على هراء اخللقيني‬ ‫ردا على هراء اخللقيني‬

‫كل من ‪ Barbara Forrest‬من جامعة ‪Southeastern‬‬ ‫القليلة املاضية قام ٌ‬ ‫وذلك بني أقرب أسالف البشر املعروفني (قبل حوايل مخسة ماليني عاما) وبني‬
‫‪ Louisiana‬و ‪ Lawrence M. Krauss‬من جامعة ‪Case Western‬‬ ‫ظهور اإلن ــس ــان احل ــدي ــث (‪ 100000‬قبل ح ــوايل مئة ال ــف ع ــام)‪ .‬وه ــذا م ــا يؤكده‬
‫‪ Reserve‬بشكل مستقل بأحباث مشاهبة و كانت نتيجتها غري مثمرة بشكل‬ ‫سجل املتحج رات‪.‬‬
‫مشابه‪.‬‬ ‫ولكن ينبغي للمرء أال جيد احافري لإلنسان احلديث مدفونة يف طبقات تعود للعصر‬
‫اخللقيون ي ــرددون ب ــأن اجملتمع العلمي املغلق العقل يرفض أدلتهم‪ .‬بينما تبع اً‬ ‫اجلوراسي قبل ‪ 65‬مليون سنة مضت‪ ,‬وفعال مثل هذه األشياء غري موجودة‪.‬‬
‫حملرري اجملالت العلمية البارزة كـ‪ Nature‬أو ‪ Science‬و غريها فإن القليل من‬ ‫البايولوجيا التطورية لديها توقعات أكثر دقة وبعدا من هذا‪ ,‬والباحثون خيتربوهنا‬
‫النش رات املعارضة للتطور ترسل اليهم من األساس‪ .‬و أن بعض الكتّ اب املعارضني‬ ‫باستم رار‪.‬‬
‫للتطور قاموا بالفعل بنشر أحباث هلم يف اجملالت اجلدية و لكن هذه األحباث نادراً‬ ‫من املمكن دحض التطور بطرق أٌخرى‪:‬‬
‫ما تنتقد التطور بشكل مباشر أو تطرح آراء خلقية‪ ،‬و بأحسن األح ــوال تقول‬ ‫اذا كنا نستطيع توثيق النشوء التلقائي مل ــادة حيّ ة معقدة واح ــدة فقط نشأت‬
‫أحباثهم بأن بعض املسائل التطورية هي غري حملولة بعد أو صعبة (و هو شيء ال‬ ‫من مواد غري حيّ ة‪ ,‬عندها سنجد يف سجل املتحج رات بعض اً من من املخلوقات‬
‫خيتلف عليه أحد)‪.‬‬ ‫األٌخ ــرى ال ــي نشأت هب ــذه الطريقة‪ ,‬ولكن مل يستطع اح ــد اىل االن أن ي ــأيت مبثل‬
‫باختصار‪ ،‬أنصار اخللق مل مينحوا اجملتمع العلمي سبب اً جيداً ليأخذهم بشكل‬ ‫هذا الدليل‪.‬جتدر االشارة اىل ان فكرة قابلية التخطئة كسمة مميزة للعلوم نشأت‬
‫جدي‬ ‫مع الفيلسوف ك ــارل بوبر يف عام ‪ .1930‬ال ــد راس ــات احلديثة لفلسفته أدت اىل‬
‫‪.5‬االختالفات بني علماء االحياء التطورية انفسهم دليل على عدم صالبة املوقف‬ ‫توسيع مفاهيمه الضيقة نظ راً ألهنا تؤدي إىل استبعاد الكثري من احلقائق العلمية‬
‫العلمي للنظرية‬ ‫الصحيحة‪.‬‬
‫الرد‪:‬‬ ‫‪.4‬عدد العلماء املشككني بصحة التطور يف ت زايد مستمر‪.‬‬
‫علماء األح ــي ــاء التطورية يتناقشون يف خمتلف امل ــواض ــي ــع‪ :‬كيف تظهر األن ــواع‪،‬‬ ‫الرد‪:‬‬
‫معدل التغري التطوري‪ ،‬العالقة السلفية بني الطيور و الديناصورات‪ ،‬و فيما إذا‬ ‫ال يوجد دليل على أن التطور خيسر شيئ اً م ــن أتباعه‪ .‬اخ ــر أي ع ــدد م ــن جملة‬
‫كان انسان ال ــ‪ Neandertals‬هو نوع خمتلف عن االنسان احلديث‪ ،‬و غريها‬ ‫احيائية ُم راجعة و ستجد مقاالت تدعم و تضيف إىل ال ــد راس ــات التطورية أو‬
‫الكثري‪ .‬هذه النقاشات هي كغريها املوجودة يف كل الفروع األخرى من العلوم‪.‬‬ ‫تتعامل مع التطور كمفهوم جوهري و أساسي‪.‬‬
‫موج ه متفق عليه‬‫و رغم هذه النقاشات فقبول التطور كحقيقة واقعة و مبدأ ِ‬ ‫املنشورات العلمية اجلادة اليت تنتقد التطور غري موجودة على االطالق‪ .‬يف منتصف‬
‫بشكل شامل يف علم األحياء‪.‬‬ ‫التسعينيات قام ‪ George W. Gilchrist‬من جامعة واشنطن بالبحث بني‬
‫لألسف بعض أنصار اخللق الغري صادقني قاموا ب ــاخ ـراج تعليقات العلماء من‬ ‫آالف النش رات األساسية عن مقاالت تتحدث عن التصميم الذكي أو علم اخللق‪،‬‬
‫سياقها لتضخيم و حتريف االختالفات‪ .‬و أي شخص مطلع على أعمال عامل‬ ‫بني تلك املئات من اآلالف من التقارير العلمية مل جيد شيئ اً عنها‪ .‬و يف السنني‬
‫‪16‬‬ ‫‪15‬‬
‫ردا على هراء اخللقيني‬ ‫ردا على هراء اخللقيني‬

‫تشكلت هبا احلموض األمينية والنووية ولبنات احلياة األخرى والطريقة اليت‬ ‫املستحاثات ‪ Stephen Jay Gould‬من جامعة هارفرد يعلم أنه باإلضافة‬
‫نظمت فيها ه ــذه امل ــواد أنفسها يف وح ــدات مكتفية ذات ــي ــا‪ ,‬وأرس ــوا أسس‬ ‫إىل مشاركته يف وضع منوذج ‪ punctuated-equilibrium‬فإنه واح ٌد من‬
‫الكيماء احليوية اخللوية‪.‬‬ ‫أشد املدافعني عن التطور‪ (.‬الـ ‪ punctuated-equilibrium‬يشرح مناذج‬
‫بعض التحليالت تلمح بأن هذه املركبات نشأت يف الفضاء وهبطت على‬ ‫املستحاثات املوجودة على اعتبار أن معظم التغ ريات التطورية حتدث خالل ف رتات‬
‫األرض عن طريق املذنبات‪ ,‬هذا السيناريو قد حيل املشكلة يف الكيفية اليت‬ ‫جيولوجية قصرية و اليت ميكن مع ذلك أن تصل يف طوهلا إىل املئات من األجيال)‬
‫تكونت فيها تلك العناصر يف ظل الظروف اليت كانت سائدة عندما كان‬ ‫و مع ذل ــك ف ــإن انصار اخللق يسارعون إىل اقتطاع مجل من كتاباته ليظهرونه‬
‫كوكب األرض مازال فتي اً‪.‬‬ ‫كمن يشكك يف التطور‪ ،‬و يصورون منوذج الـ‪punctuated-equilibrium‬‬
‫اخللقيون حياولون إبطال التطور بسبب ع ــدم ق ــدرة العلم احل ــايل على شرح‬ ‫و كأنه يسمح لألنواع اجلديدة بأن تتكون بني ليلة و ضحاها أو أن الطيور تولد‬
‫أصل احلياة‪.‬‬ ‫من بيوض الزواحف‪.‬‬
‫ولكن حىت ولو كان أصل احلياة على األرض ذو منشأ غري تطوري (مثال اذا ما‬ ‫لذلك عندما تواجه باقتباس عن مصدر علمي يبدو و كأنه يشكك بالتطور‪،‬‬
‫قامت كائنات فضائية خبلق اخلاليا األوىل منذ باليني السنوات)‪ ,‬فإن تطور‬ ‫أحل على رؤية التصريح ضمن سياقه‪ .‬ففي الغالبية العظمى من امل رات سيثبت أن‬
‫احلياة منذ ذلك احلني أمر الميكن إنكاره ويؤكده عدد الحيصى من الد راسات‪.‬‬ ‫اهلجوم على التطور هو وهم‪.‬‬
‫‪.8‬من غري املعقول رياضي اً أن مركب اً معقداً كالربوتني‪ ,‬تاهيك عن اخللية احلية‬ ‫‪ .6‬اذا ما احندر االنسان من قرود فلماذا ما ي زال هناك قرود؟‬
‫واالنسان‪ ,‬ميكن ان يتشكل بالصدفة‪.‬‬ ‫هذا السؤال يعكس عدة مستويات من اجلهل حول التطور‪.‬‬
‫اخلطأ األول هو ان التطور ال يقول ان االنسان احندر من القرود‪ ,‬بل ينص على ان‬
‫تلعب الفرصة دوراً يف التطور(يف الطف رات العشوائية اليت ميكن أن تؤدي اىل‬ ‫االنسان والقرد هلما جد مشرتك‪.‬‬
‫ظهور صفات جديدة على سبيل املثال)‪ ,‬لكن التطور اليعتمد على الصدفة‬ ‫اخلطأ االعمق هو ان هذا االع رتاض يكاىفء هذا السؤال‪ :‬اذا كان األطفال منحدرون‬
‫خللق الكائنات احلية أو الربوتينات‪.‬‬ ‫من البالغني‪ ,‬فلماذا ال ي زال هناك بالغني؟‬
‫بل على العكس‪ :‬يقوم اإلنتخاب الطبيعي(االلية الرئيسية املعروفة يف التطور)‬ ‫تتطور االنواع اجلديدة عن طريق االنشقاق من االنواع املوجودة‪ ,‬وعندما تصبح‬
‫بلجم التغي ريات العشوائية وذلك عن طريق إبقاء الصفات املرغوبة(امل تَ َك يِّ فة)‬ ‫هذا الكائنات معزولة عن النوع االصلي ومتلك ما يكفي من االختالفات للبقاء‬
‫ُ‬ ‫وإزالة الصفات املكروهة(الغري ُم تَ َك يِّ فة)‪.‬‬ ‫متميزة اىل األبد‪.‬‬
‫ميكن لإلنتخاب الطبيعي أن يدفع التطور يف اجت ــاه واح ــد وإنتاج ت راكيب‬ ‫االنواع األصلية قد تنقرض او قد تبقى على قيد احلياة ألجل غري مسمى‪.‬‬
‫متطورة يف وقت قصري‪.‬‬ ‫‪ .7‬اليستطيع التطور شرح الكيفية اليت بدأت فيها احلياة على سطح األرض‬
‫ميكن أن نضرب املقارنة التالية كمثال‪:‬‬ ‫أصل احلياة مازال لغ زاً ‪ ,‬ولكن علماء الكيمياء احليوية أخربونا عن الكيفية اليت‬
‫‪18‬‬ ‫‪17‬‬
‫ردا على هراء اخللقيني‬ ‫ردا على هراء اخللقيني‬

‫احل ـرارة وال ــض ــوء(اي ان كوكب األرض نظام غري مغلق) وم ــن املمكن للكائنات‬ ‫لتكن لدينا السلسلة التالية املؤلفة من ‪ 13‬عشرة حرف اً‪:‬‬
‫البسيطة أن تزداد تعقيداً عن طريق إستهالكها ألشكال اخرى من املواد احلية أو‬ ‫“‪”.TOBEORNOTTOBE‬‬
‫الغري حيّ ة‪.‬‬ ‫لو فرضنا بأنه هناك مليون قرد كل واحد منهم يقوم بطبع عبارة مكونة من ‪13‬‬
‫‪.10‬الطف رات مهمة لنظرية التطور ولكن الطف رات تؤدي اىل استئصال الصفات‬ ‫ح ــرف ـاً يف ك ــل ثانية‪ ,‬فمن املمكن أن حيتاج األم ــر اىل ‪ 78‬ال ــف سنة الجي ــاد تلك‬
‫فقط‪ .‬الطف رات ال تستطيع إنتاج صفات جديدة‪.‬‬ ‫السلسة من بني السالسل( ‪ 26‬أس ‪ )13‬املتوفرة‪.‬‬
‫على العكس‪ ,‬فقد وثّق علم األحياء العديد من احلاالت اليت نشأت فيها صفات‬ ‫ولكن يف مثانيات القرن املاضي قام ريتشارد هاريدسون من كلية ‪Glendale‬‬
‫جديدة عن طريق الطف رات (ت ــغ ـرات يف امل ــواق ــع الدقيقة ل ــدي ان اي ــه الكائنات‬ ‫بكتابة برنامج حاسوب يقوم بتوليد العبارات بشكل عشوائي‪ ,‬وذل ــك حبيث‬
‫احلية)‪ ,‬مثل مقاومة اجل راثيم للمضادات احليوية على سبيل املثال‪.‬‬ ‫تبقى األحرف املفردة اليت تصادف وجودها يف املوضع الصحيح‪.‬‬
‫الطف رات عند ذبابة الفاكهة أدت اىل ظهور أرجل يف األمكنة اليت يفرتض فيها‬ ‫يف املعدل‪ ,‬لقد قام الربنامج بإعادة تشكيل العبارة بعد ‪ 366‬تك رار فقط وخالل‬
‫منو مستشع رات حسية‪.‬‬ ‫أقل من ‪ 90‬ثانية‪.‬‬
‫هذه األط راف ليست وظيفية ولكن وجودها يثبت بأن الطف رات ميكن أن تؤدي‬ ‫الربنامج نفسه يستطيع إعادة بناء مسرحية كاملة لشكسبري يف أربعة ايام ونصف‬
‫إىل ت ـراك ــي ــب م ــع ــق ــدة‪ ,‬ه ــذه ال ـراك ــي ــب ق ــد ت ــؤدي اىل ح ــدوث ت ــغ ـرات ك ــب ــرة عند‬ ‫فقط‪.‬‬
‫ارتباطها باالنتخاب الطبيعي‪.‬‬ ‫‪.9‬يقول القانون الثاين يف الثرموديناميك بأن الفوضى يف األنظمة جيب ان تزداد‬
‫ع ــاوة ع ــل ــى ذل ــك ق ــام ع ــل ــم االح ــي ــاء ب ــاك ــت ــش ــاف ال ــي ــات للتغري ال ــوراث ــي تتجاوز‬ ‫مبرور الزمن‪ ,‬وبالتايل الميكن للكائنات احليّ ة بأن تنطور من مواد كيميائية غري‬
‫الطف رات‪ ,‬مما يوسع الطريق أم ــام ظهور صفات ج ــدي ــدة‪ ,‬مثل التغري يف ارتباط‬ ‫حية‪.‬‬
‫الوحدات الوظيفية للجينات مع بعضها‪.‬‬ ‫سبب هذه احلجة هو سوء فهم للقانون الثاين‪.‬‬
‫من املمكن جلينات كاملة ب ــأن تتضاعف يف دي ان اي ــه الكائن احل ــي‪ ,‬اجلينات‬ ‫لوكانت ه ــذه احلجة سارية لكانت البلورات املعدنية ون ــدف الثلج مستحيلة‬
‫املضاعفة تتغري ايضا ومن املمكن أن ت ــؤدي التغ ريات اىل نشوء جينات جديدة‬ ‫ايض اً‪.‬‬
‫مسؤولة عن صفات ووظائف معقدة‪.‬‬ ‫يف احلقيقية القانون الثاين للرتموديناميك ينص بأنه الميكن للإلعتالج الكلي‬
‫مقارنة الدي ان ايه ألنواع خمتلفة من الكائنات اثبتت بأنه هذه هي الطريقة اليت‬ ‫‪ Entropy‬التناقص يف نظام مغلق(يف النظام املغلق الحيصل فيه تبادل للمادة‬
‫تطورت فيها عائلة بروتني غلوبني الدم خالل ماليني السنني‪.‬‬ ‫او الطاقة مع الوسط اخلارجي) ‪.‬‬
‫‪ .11‬اإلنتخاب الطبيعي قد يوضح امليكروايفولوشني ‪,microevolution‬‬ ‫املهم على أية حال هو أن القانون الثاين للرتموديناميك يسمح بنقصان اإلعتالج‬
‫ولكنه اليستطيع توضيح اصل األنواع اجلديدة والرتب األعلى من احلياة‪.‬‬ ‫يف بعض أج زاء النظام طاملا واجهت األج زاء االخرى زيادة متوازنة‪.‬‬
‫كتب علماء األحياء التطورية بشكل واسع حول الكيفية اليت ميكن فيها لإلنتخاب‬ ‫وهكذا من املمكن لكوكبنا ككل أن يزداد تعقيداُ نظ راُ ألن الشمس تصب فيه‬
‫‪20‬‬ ‫‪19‬‬
‫ردا على هراء اخللقيني‬ ‫ردا على هراء اخللقيني‬

‫مكانيا أو موقعيا‪ ،‬أو على النباتات (وبالطبع فإن األحافري ال تنسل)‪.‬‬ ‫الطبيعي إنتاج أنواع جديدة‪.‬‬
‫ل ــذا يستخدم البايولوجيون ع ــادة السمات الفيزيائية والسلوكية أيضا يف‬ ‫املطور من قبل العامل ارنست‬
‫على سبيل املثال‪ ,‬يف النموذج املدعو ‪ّ allopatry‬‬
‫حتديد عضوية النوع‪.‬‬ ‫ماير من جامعة هارفرد‪ :‬إذا عزلت جمموعة من الكائنات احليّ ة جغ رافي اً عن‬
‫مع ذل ــك‪ ،‬الكتابات العلمية تضم بالفعل تقارير عن ظواهر نشوء أن ــواع‬ ‫األف راد األخرى من نفس النوع‪ ,‬فقد ختضع اىل العديد من العمليات اإلنتخابية‪.‬‬
‫جديدة يف النباتات‪ ،‬احلش رات والديدان‪ .‬يف معظم التجارب‪ ،‬أخضع الباحثون‬ ‫ه ــذه التغي ريات ق ــد ت ـراك ــم يف الكائنات اىل احل ــد ال ــذي تصبح فيها خمتلفة‬
‫الكائنات احلية إىل أنواع متعددة من اإلختيار‪ --‬من اإلختالفات التشرحيية‪،‬‬ ‫عن النوع األصلي الذي عزلت منه‪ ,‬وبالتايل ميكن القول بأن هذه الكائنات‬
‫سلوك ال ــت ـزاوج‪ ،‬البيئة املفضلة لديها‪ ،‬ومس ــات اُخ ــرى‪ --‬ووج ــدوا أهن ــم قد‬ ‫تسلك طريق االنفصال عن نوعها األصلي حنو نوع جديد مستقل‪.‬‬
‫صنعوا جماميع من الكائنات احلية اليت مل تنسل خارج جمموعاهتا‪ .‬على سبيل‬ ‫اإلنتخاب الطبيعي هو أكثر الية تطورية مت دراستها والتحقق منها‪ ,‬ولكن‬
‫املثال‪ ،‬وليام ر‪ .‬رايس من جامعة نيومكسيكو‪ ،‬و جورج دبليو‪ .‬سالت من‬ ‫علماء األحياء منفتحون أمام اإلحتماالت واالليات األخرى‪.‬‬
‫جامعة كاليفورنيا يف ديفز‪ ،‬قد استعرضوا أنه يف يف حالة تصنيف جمموعة‬ ‫ل ــن مارغليس م ــن جامعة ماساشوتس مثال جي ــادل بشكل مقنع ب ــأن بعض‬
‫من ذبابة الفاكهة بتفضيلهم لبيئات حمددة وتناسلوا بشكل منفصل خلمس‬ ‫األعضاء اخلليوية مثل امليتوكوندريا ‪ mitochondria‬تطورت عن طريق‬
‫وثالثني جيال‪ ،‬فالذباب الناتج سريفض التناسل من تلك اليت هلا بيئة خمتلفة‬ ‫االندماج التعايشي لكائنات حية قدمية‪.‬‬
‫كث ريا‬ ‫بالتايل‪ ,‬إن العلم يرحب بإمكانيات التطور اليت تتم عن طريق اليات أو قوى‬
‫‪ .13‬التطور ال يستطيع اإلش ــارة اىل احلفريات اإلنتقالية (كائنات نصفها‬ ‫اخرى خمتلفة عن اإلنتخاب الطبيعي‪.‬‬
‫زواحف ونصفها طيور على سبيل املثال)‪.‬‬ ‫ولكن جيب على هذه القوى ان تكون طبيعية‪ :‬الميكن نسب التطور اىل قوى‬
‫يف ال ــواق ــع ي ــع ــرف علماء اإلح ــاث ــة الكثري م ــن االم ــث ــل ــة املفصلة ع ــن حفريات‬ ‫خارقة غامضة الميكن إثبات وجودها حسب املصطلحات العلمية‪.‬‬
‫انتقالية على شكل وسيط بني اجملموعات التصنيفية واحد من أشهر األمثلة‬ ‫‪ .12‬مل ير أحد تطور نوع جديد‬
‫هو ال ‪ Archaeopteryx‬الذي جيمع الريش وتركيب اهليكل العضمي‬ ‫نشوء األنواع قد يكون نادرا للغاية‪ ،‬ويف عدة حاالت يستغرق قرونا‪ .‬كذلك‬
‫القريب من بعيد اىل الطيور احلالية مع معامل البنية العظمية للديناصورات‬ ‫حتديد نوع جديد خالل مرحلة تكونه قد يكون صعبا‪ ،‬ألن البايولوجيني قد‬
‫مت أكتشاف الكثري من الفصائل احلاملة للريش بعضها اكثر شبها بالطيور‬ ‫خيتلفون يف الطريقة األفضل لتعريف األن ــواع‪ .‬التعريف األكثر استخداما‪،‬‬
‫وبعضها اقل شبها‬ ‫مفهوم مري لتحديد األنواع البيولوجية ‪Mayr›s Biological Species‬‬
‫صورة حلفرية ‪( Archaeopteryx‬الحظ أثار الريش حول عظام اليدين)‬ ‫‪ ،Concept‬يعرتف بالنوع على أنه جمموعة متمايزة يتكاثرون بشكل منعزل‬
‫نفس الصورة والكائن متخذ نفس الوضع كالصورة أع ــاه ولكن بالشرح‬ ‫‪ --‬جمموعة من الكائنات احلية اليت ال تستطيع أن تتناسل خارج مجاعتها‪.‬‬
‫والتوضيح‬ ‫عمليا قد يكون من الصعب تطبيق هذا املعيار على الكائنات احلية املنعزلة‬
‫‪22‬‬ ‫‪21‬‬
‫ردا على هراء اخللقيني‬ ‫ردا على هراء اخللقيني‬

‫اجلزئية‪ ،‬كل الكائنات تتشارك يف معظم اجلينات وتتشابه هبا وكما توقع‬ ‫إعادة بناء للشكل العام للطائر‪/‬الديناصور (قد ال يكون مضبوطا بدقة لكنه‬
‫التطور فهياكل هذه اجلينات واج زائها ختتلف من فصيلة ايل اخري وللبقاء‬ ‫قريب للواقع بشكل عام)‬
‫يف عالقاهتم التطورية يتحدث علماء الوراثة عن ساعة جزيئية تسجل مرور‬ ‫وكذلك سلسلة من احلفريات ال ــي تغطي تطور ال ‪ Eohippus‬قبل ‪54‬‬
‫الوقت ‪ ,‬هذه املعلومات اجلزيئية اليت تظهر كيف أن بعض الكائنات ما هي‬ ‫مليون سنة اىل احلصان املعاصر حاليا متوفره بكثرة‬
‫عبارة إال عن م راحل انتقالية يف عمليه التطور‪.‬‬ ‫بعض امل راحل اإلنتقالية حتمل أمساء وميكن األطالع عليها أكثر بالبحث عنها‬
‫‪ .14‬الكائنات احلية حتمل وبشكل رائ ــع خصائص معقده لدرجة خيالية‬ ‫احل ــي ــت ــان ك ــان هل ــا أج ــداد ب ــأرب ــع ــة أق ــدام مشت على األرض وك ــذل ــك كائنات‬
‫علي املستويات التشرحيية واخللوية واجلزيئية واليت مل تكن لتعمل لوكانت‬ ‫تعرف ب ‪ Ambulocetus‬و ‪ Rodhocetus‬و ‪ dalanistes‬اليت تعترب‬
‫أقل تعقيدا األستنتاج الوحيد احلكيم أنه هذه الكائنات هي انتاج تصميم‬ ‫كحلقة وسيطة على أنتقال الثدييات ايل احلياة يف احمليطات (شاهد كتاب‬
‫ذكي وليس التطور‪.‬‬ ‫‪:‬الفقاريات اليت احتلت البحار‪ .‬بواسطه الكاتبة كايت وونج)‬
‫هذه احلجة بتصميمها هي العمود الفقري يف أغلب اهلجومات علي التطور‬ ‫الكائنات املذكورة وسطية تقع بني الكائنات الربية والبحرية‬
‫ولكنها أيضا واحدة من أقدم احلجج‬ ‫كذلك األح ــاف ــر البحرية لقواقع البحر تقتفي أث ــر تطور ال ــرخ ــوي ــات خالل‬
‫ففي العام ‪ 1802‬كتب الالهويت ويليام بايل ‪ :‬إذا وجد أحدهم ساعة جيب يف‬ ‫ماليني السنني بوضوح‬
‫حقل ‪ ,‬أكثر أستنتاج منطقي هو أنه هناك من أوقعها وليس أن هذه الساعة‬ ‫وتقريبا يوجد ‪ 20‬أو أكثر ‪( hominid‬ليسوا كلهم أجدادنا) ميلؤون الف راغ‬
‫من عمل الطبيعة‬ ‫بني لوسي ال‪( australopithecine‬الفصيلة اليت حتدرنا منها) واالنسان‬
‫بالتحليل بايل ناقش أن درجة تعقيد هذه الكيانات احلية جيب أن تكون من‬ ‫املعاصر‬
‫عمل مباشر وأخ رتاع إهلي‪.‬‬ ‫علي ال ــرغ ــم م ــن ذل ــك علماء اخل ــل ــق يتجاهلون دراس ــات األح ــف ــوري ــات وهم‬
‫كتب داروين يف كتابه (أصل األنواع) جواب علي الالهويت بايل وشرح كيف‬ ‫يتناقشون يف أن ال ‪ Archaeopteryx‬ليس حلقه بني الزواحف والطيور‬
‫تعمل قوي الطبيعة علي اإلنتخاب‬ ‫فهو م ــن حسب وجهة نظرهم ط ــر منقرض قريب الشبه مبالحمه للزواحف‬
‫وبناء علي اخلصائص الوراثية وميكن ان تشكل تدرجييا تطورا يف البنائات‬ ‫فهم يريدون من التطوريني إنتاج وحش غريب الشكل الميكن تصنيفه ايل أي‬
‫املزخرفة العضوية‬ ‫جمموعة‬
‫أجيال من علماء اخللقيني حاولت إعاقة دارون عن طريق نقل مثال العني‬ ‫وحىت لو قبل علماء اخللق أحفورة لكائن كحلقة وصل بني كائنني أثنني‬
‫كرتكيب ال ميكنه أن يكون تطور ‪ ,‬ألن قدره العني علي توفري البصر تعتمد‬ ‫بعدها سيصرون علي أن يرو أحافري أخرى تتوسط بني هذه األحفورة وأول‬
‫علي الرتتيب املثايل والكامل ألج زاها‪ .‬لذلك يقول النقاد ‪ :‬اإلختيار الطبيعي‬ ‫كائنني وهكذا دواليك‬
‫لن يفضل الكائنات األنتقالية اليت حنتاجها للوصول اىل عني بصرية ‪ ,‬مافائدة‬ ‫وم ــع ذل ــك التطوريون لديهم امل ــزي ــد م ــن األدل ــة الداعمة م ــن علوم البيلوجيا‬
‫‪24‬‬ ‫‪23‬‬
‫ردا على هراء اخللقيني‬ ‫ردا على هراء اخللقيني‬

‫احتمالية ان تكون هذه املصفوفة املعقدة قد نشأت من التعديل والتطور‬ ‫نصف عني ؟؟‬
‫ال شيء تقريبا‪ ،‬يبين املؤلف حجته هبذه الطريقه حيت يدلل علي التصميم‬ ‫يف األجابة علي هذا النقد إقرتح داروين أن حيت العني الغري مكتملة قد متنح‬
‫الذكي وه ــو يشري ايل نقاط مشاهبة هل ــذه مثل كيفية ختثر ال ــدم وغريها من‬ ‫بعض الفوائد (مثال تساعد املخلوقات علي التوجه حنو الضوء) وبالتايل البقاء‬
‫األنظمة اجلزيئية‬ ‫علي قيد احلياة ملزيد من الصقل التطوري‪.‬‬
‫ومع ذلك علماء األحياء التطوري لديهم اجلواب هلذه االع رتاضات‬ ‫تطور األبصار من حساسات ضوئية بسيطة اىل عيون أعقد (سيناريو حمتمل)‬
‫أوال ‪ :‬وجود أسواط بكتريية أبسط من تلك اليت إستشهد هبا مايكل لذلك‬ ‫األح ــي ــاء س ــان ــدت داروي ــن‪ :‬ف ــاألحب ــاث ح ــددت عيون أول ــي ــة وأج ــه ــزة إلستشعار‬
‫ليس من الضروري وج ــود كل املركبات املعقدة يف األس ــواط لتعمل كذلك‬ ‫ال ــض ــوء يف مجيع أحن ــاء اململكة احليوانية وح ــى عند تتبع ت ــاري ــخ تطور وراث ــة‬
‫كل املركبات املعقدة هل ــذا السوط البكتريي هلا سوابقها يف الطبيعة كما‬ ‫العيون علميا ومن خالل املقارنة بني اجلينات ( يظهر انه يف عوائل الكائنات‬
‫وص ــف كينيث ميللر م ــن جامعة ب ـراون وغ ــره ال ــك ــث ــر‪ ,‬يف ال ــواق ــع تركيب‬ ‫احليه املختلفة تطورت العني بإستقالل عن بعضها )‬
‫السوط بالكامل يشبه حلد ما احد ان ــواع البكترييا اليت تستخدم الرتكيب‬ ‫اليوم دعاة التصميم الذكي أكثر تقدما ممن سبقهم ولكن حججهم وأهدافهم‬
‫الشبيه جدا هبذا السوط حلقن اخلاليا بالسموم بكترييا (‪ )Yersinia‬بكترييا‬ ‫ليست خمتلفه كث ريا عن سابقيهم فهم ينتقدون التطور عن طريق حماولة نشر‬
‫الطاعون‪.‬‬ ‫إن ــه مل يشرح بعض من جوانب احلياة ونشوئها ومث يصرون على أن البديل‬
‫املفتاح هنا هو األسواط يف البكترييا اليت استشهد هبا مايكل بيهي وأقرتح انه‬ ‫الوحيد هلذه النظرية هو أن احلياة صممت عن طريق كيان ذكي غري معرف‪.‬‬
‫ال قيمة ألج زائها غري يف الدفع وتوجيه البكترييا وهي يف الواقع تستطيع أداء‬ ‫‪ .15‬اإلكتشافات احلديثة تثبت ان ــه وح ــى على املستوى امليكروسكويب ‪,‬‬
‫عده وظائف مما ساهم يف بقائها عند التطور‬ ‫احلياة هلا نوعية وتعقيد مل تكن لتأيت من التطور‬
‫وعند التطور النهائي لسوط البكترييا ميكن أن يكون مشل على إعادة مزج‬ ‫«التعقيد الغري قابل لألخت زال» هو عنوان معركة مايكل بيهي من جامعه‬
‫جديدة لألعضاء املعقدة املوجودة يف البداية ألغ راض اخرى‪.‬‬ ‫ليهاي مؤلف كتاب الصندوق األسود لداروين‪ :‬التحدي البيوكيميائي للتطور‪.‬‬
‫بنفس الطريقة يبدو أن نظام التجلط يف الدم قد تتطور وتعدل عن طريق‬ ‫يستعرض مؤلف الكتاب مثال للتعقيد الغري قابل لإلخت زال عبارة عن فخر‬
‫الربوتينات اليت كانت يف األصل تستعمل يف اهلضم‬ ‫فئ ران‪ ,‬آلة ال تعمل إذا غابت أي قطعة فيها والقطع ال قيمة هلا إال كجزء من‬
‫ووفقا لد راسات راسل دوليتيل من جامعه كاليفورنيا يف سان دييغو بعض‬ ‫الفخ‬
‫املركبات املعقدة اليت يستند عليها بيهي يف إثبات إن وراء الكائنات احلية‬ ‫ماهية حقيقة فخ الفأر ه ــذا ؟ يقول املؤلف‪ :‬حىت أصغر أن ــواع األجهزة يف‬
‫مصمم ذكي ليست مقبولة كدليل قوي إطالقا‬ ‫البكترييا مثال األسواط اليت تستخدم هلدف معني وتعمل كمحرك خارجي‪,‬‬
‫التعقيد من وجهة نظر أخرى «التعقيد احملدد» هو حجر األساس يف حجة‬ ‫ال ــروت ــن ال ــذي يبين ال ــس ــوط البكتريي مرتبه بشكل خ ــارق للطبيعة ومعقد‬
‫(نظرية التصميم ال ــذك ــي) لويليام دميبسكي م ــن جامعه بايلور يف كتابه‬ ‫وصالت مشرتكة مثل تلك اليت قد حيددها املهندسون البشر‬
‫‪26‬‬ ‫‪25‬‬
‫ردا على هراء اخللقيني‬ ‫ردا على هراء اخللقيني‬

‫‪cloud chamber.2‬‬ ‫(األس ــت ــدالل علي التصميم والغ ــداء جم ــاين) يف األس ــاس حجته تقوم على أن‬
‫‪http://en.wikipedia.org/wiki/Cloud_chamber‬‬ ‫الكائنات احلية معقدة بشكل غري موجه وإن العمليات العشوائية ال ميكنها‬
‫إنتاج هكذا تعقيد ‪.‬‬
‫نظريته وحججه املقامة حتتوي علي الكثري من الثقوب ونقاط الضعف من‬
‫اخل ــاط ــئ التلميح ايل ان جم ــاالت التفسري وال ــش ــرح حت ــوي فقط علي العمليه‬
‫العشوائية او التصميم الذكي‬
‫األحباث يف املنظومات الغري خطية يف معهد (سانتا يف) وأماكن اخري أظهرت‬
‫ان العملية الغري موجهة البسيطه ميكن ان تسفر عن امناط معقدة للغاية بعض‬
‫التعقيد املشاهد يف الكائنات احلية قد يكون نشأ من خالل ظواهر طبيعية‬
‫ال نستطيع فهمها حاليا لكن ذلك بعيد جدا جدا عن قول ان التعقيد مل‬
‫ينهض طبيعيا ‪.‬‬
‫املصدر‪ :‬منتدى الالدينيني العرب و منتدى امللحدين العرب‬
‫ترمجة‪samirukas :‬‬

‫* ‪Answers to Creationist Nonsense 15‬‬


‫‪Opponents of evolution want to make a place for‬‬
‫‪creationism by tearing down real science, but their‬‬
‫‪.arguments don›t hold up‬‬
‫‪By John Rennie‬‬
‫‪2002 Scientific American Magazine July‬‬
‫‪http://www.scientificamerican.com/article.‬‬
‫‪answers-to-creationist-15=cfm?id‬‬
‫‪National Academy of Sciences NAS.1‬‬
‫‪http://www.nasonline.org/site/PageServer‬‬
‫‪28‬‬ ‫‪27‬‬
‫قدمت ال ّنساء للعلم؟‬
‫ماذا ّ‬ ‫ماذا قدمت النساء للعلم؟؟‬

‫احللقة الرابعة‪:‬‬

‫عاملة األحياء الفيزيائيّ ة‪ :‬روزاليند ف رانكلني‬


‫‪ -‬اجلنسية‪ :‬بريطانية‪.‬‬
‫‪ -‬املؤسسة‪ :‬كلية امللك يف لندن‬
‫‪ -‬التخصص‪ :‬علم األح ــي ــاء الفيزيائيّ ة (البيوفيزياء) ودراس ــة البلورات باألشعة‬
‫السينية‪.‬‬
‫‪ -‬اإلجناز‬
‫الرغم من أ ّن إمسها ال يكاد يُعرف إال من قبل ق لّ ة قليلة من امل طّلعني على‬ ‫ّ‬ ‫على‬
‫تاريخ إكتشاف تركيبة جزيء الـ (‪ ،)DNA‬إال أن إسهامات روز ُ‬
‫اليند ف رانكلني‬ ‫ّ‬
‫الس ياق هي ما جعلت هذا اإلكتشاف ممكنً ا بالفعل‪ .‬روزاليند كانت‬ ‫يف هذا ّ‬
‫عاملة بيوفيزياء بريطانيّ ة تعمل يف جمال دراس ــة البلورات باألشعة السينيّ ة‪ .‬على‬
‫الرغم من أ ّن واتسون وكريك ح ــازا على النّ صيب األك ــر من الشهرة لعملهما‬ ‫ّ‬
‫معتمدا على إجن ــازات‬
‫ً‬ ‫يف هذا اجمل ــال‪ ،‬إالّ أ ّن عملهما كان يف كث ٍري من تفاصيله‬
‫ف رانكلني‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬ال احلصر‪ ،‬إكتشاف الشكل اللوليب امللتف جلزيء‬
‫الص ور اليت أخذهتا ف رانكلني يف أثناء دراستها للجزيء‪.‬‬ ‫الـ (‪ )DNA‬كان بفضل ّ‬
‫كما أنّــه من اجلدير بال ّذكر أنّــه كان لروزاليند إسهامات أخ ــرى يف فهم تركيبة‬
‫الفريوسات‪ ،‬الفحم‪ ،‬واجل رافني‪.‬‬
‫والس معة اليت‬
‫الش هرة ّ‬ ‫يف مثل هذا اليوم ولدت روزاليند إىل العامل‪ .‬رّب ا مل ُت ّق ق ّ‬
‫ألن ا أنثى‪ .‬ولقد‬‫لشيء إال ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تعرضت ملضايقات وتضييقات ال‬ ‫تستح ّق ها فع الً‪ .‬لقد ّ‬
‫ـس ــرط ــان‪ .‬ولكنّ ها‬
‫توفّ يت وه ــي يف زه ــرة شباهبا بعد مصارعة صعبة مع م ــرض ال ـ ّ‬
‫وإسهاماهتا العظيمة ستبقى يف ذاكرة اإلنسانيّ ة إىل األبد‪.‬‬

‫‪24‬‬ ‫‪29‬‬
‫نبضات بن باز ‪...‬‬ ‫نبضات بن باز ‪...‬‬

‫اىل هنا ينتهي اهل راء اعاله ونبدا يف الرد على هذه احلجة‬ ‫لقد رأينا اهلل‬
‫ان اول مشكله يف استنتاج السيد اعاله هو تاكيده على ان « كل البشر»‬
‫مت ــر بتلك ال ــت ــج ــارب الدينية‪ .‬ول ــك ــن بالسهولة مب ــك ــان على اي شخص ان‬
‫يصر على موقف بدون اي دليل يدعمه‪ .‬فلو كان يعين بتلك التجارب هي‬ ‫يقول اح ــده ــم‪« :‬ولست وح ــدي فقد راي الكثريين اجلنة واملالئكة بل واهلل‬
‫القوى اخلارقة مثل اهلل واملالئكة اخل فانه بالتاكيد خمطىء‪ .‬اما ان كان يعين‬ ‫شخصيا‪ .‬وذل ــك الننا نؤمن مبا يقوله البشر فان قال لنا احدهم اين ذهبت‬
‫شيئا أكثري غموضا مثل ذلك االحساس الذي يدامهنا عند التفكر يف الكون‬ ‫بسياريت الكامري اىل السوق ملا علي ان اكذبه؟ فاملتشككني يطبقون دائما‬
‫فالتاكيد هو على صواب ولكن هذا ال عالقة له بادعائه على االطالق‪.‬‬ ‫معاي را معقدة للتصديق ال يطبقوهنا يف باقي مناحي حياهتم فهم يظهرون كم‬
‫املشكلة الثانية ه ــي يف تنوع التجارب الدينية‪ :‬فلو ك ــان هناك ال ــه واح ــد‬ ‫هم يستيقون دائما االحكام فيما خيص الدين وهذا ما مينعهم من التصديق‪».‬‬
‫فلما ن ــرى العديد من االخبار من خمتلف الديانات؟ بل ان ه ــذه التجارب‬ ‫لقد قال احدهم من قبل ان كل البشر العاديون مي ــرون مبثل تلك التجارب‬
‫متضاربه مع بعضها البعض‪ .‬وال ميكن ان تكون مجيعها صحيحة ولكن على‬ ‫الروحانية ومبا ان تلك التجارب هي الدليل النهائي الدامغ فاننا جيب ان نقبل‬
‫االق ــل ف ــان بعضها خطا‬ ‫حقيقة وجود اهلل‪ .‬يقول ايضا ان تلك التجارب تؤثر ايضا يف حياة كل البشر‬
‫وكذب‪ .‬اذا كيف ميكننا‬ ‫بل وحياة اجملتمعات وبالتايل ال ميكن ان تكون هالوس ابدا‪ .‬وبالتايل فانه من‬
‫التفريق؟ وملا جيب علي‬ ‫العقالين ان نؤمن بوجود اله مسؤول عن هذه التجارب بدال من ان نربطها‬
‫ان اص ـ ـ ــدق ال ــت ــج ــارب‬ ‫بتخيالتنا‬
‫االس ــام ــي ــة او املسيحية‬
‫او غريها وارفض البقية؟‬
‫ال يوجد معيار مستقل‬
‫مي ـ ــك ـ ــن ـ ــن ـ ــا اس ـ ــت ـ ــخ ـ ــدام ـ ــه‬
‫ل ــل ــت ــف ــري ــق ب ــن ال ــت ــج ــارب‬
‫احلقيقية وال ــك ــاذب ــة اليت‬
‫يدعيها االخرين او حىت‬
‫اليت قد منر هبا‪ .‬ان املعيار‬
‫الوحيد املوجود يعتمد على سالمة النظام الديين‪ .‬على سبيل املثال‪ :‬البعض‬

‫‪32‬‬ ‫‪31‬‬
‫نبضات بن باز ‪...‬‬ ‫نبضات بن باز ‪...‬‬

‫انه راى سنافر داخل الغرفة فاننا لن نصدق احتماليه وجود السنافر داخل‬ ‫يدعي انه ان مل تتوافق التجربة مع ما هو مذكور يف الق ران او االجنيل فاهنا‬
‫الغرفة‪.‬‬ ‫جتربه كاذبة ‪ -‬ولكن هذا يفرتض ان احلقيقة موجوده فيما جيب ان يتم اثبات‬
‫صدقه اصال وبالتايل هذا غري مقبول‪.‬‬

‫المشكلة الثالثة‪ :‬هي فكرة التأثري العميق لتلك التجارب يف حياتنا فهذا‬
‫ال يعين اهنا من اهلل!‪ .‬فان ادعينا ان بعض الناس مر هبذه التجارب وان هذه‬
‫التجارب اث ــرت يف حياهتم ولكننا ال جيب ان نقبل ان ه ــذه التجارب ذات‬
‫طبيعة خارقة‪.‬‬
‫ان التجارب احلقيقية اليت هلا تاثري على حياتنا هلا تفسريها الطبيعي بدون اي‬
‫كما ان هناك شيئا مهما علينا ان نضعه يف احلسبان‪ :‬ان فشل املؤمنني يف‬ ‫عالقات بالقدر‪ .‬بل انه باستخدام مواد كيميائية واجهزة حديثة ميكننا انتاج‬
‫اثبات تلك التجارب لنا هو سبب جيد لكي نعتقد ان اهلل غري موجود‪.‬‬ ‫جتارب يشعر هبا املتلقي‪ .‬واذا كان االمر هكذا فلماذا جيب علينا ان نصدق‬
‫بن باز‬ ‫ان جتارب االخرين متعلقة باسباب من وراء الطبيعة؟‬
‫@‪benbazbuzz‬‬
‫اذا كان هناك على االقل بعض التجارب الدينية املزعومة طبيعية ‪،‬فكيف‬
‫نفرقها عن تلك التجارب اخلارقة؟ حىت وان غريت تلك التجربة مسار اجملتمع‬
‫فان هذا ليس دليال ابدا على اهنا خارقة‪.‬‬
‫ان البعض يزعم ان الدرجة اليت يهيأ هبا لشخص ما ان شيئأ ما قد حدث‬
‫جيب ان ترتجم اىل احتماليه وقوع هذا الشيء‪ .‬ان هذا االمر صحيح عندما‬
‫يقول شخص ما بانه يبدو له ان هناك كرسيا يف الغرفة وبالتايل فاننا منيل‬
‫اللى املوافقة على ان هناك كرسيا يف الغرفة‪ .‬ولكنه من غري الصحيح انه يف‬
‫كل مره يؤمن هبا احدهم بشكل جاد يف امر ما فانه جيب ان نقبل بان كل‬
‫ما يؤمن به صحيح‪.‬‬

‫اننا نقبل هبذا االمر عندما يتعلق بامور دنيوية خربناها مجيعا‪ .‬فلو قال احدهم‬
‫‪34‬‬ ‫‪33‬‬
‫عقلية التغيري‬ ‫عقلية التغيري‬

‫ألن وصول أح زاب دينية إىل سدة احلكم وهو ماجرى يف البلدان الثائرة واليت يش ّك ل الوالء‬
‫معتز نادر‪ -‬شاعر وكاتب‬
‫الديين فيها جزء من اجملتمع الثائر‪ ,‬سيكون بداية حلصيلة جتارب سياسية طويلة ستعرب‬
‫من خالهلا ال ــدول كي تصل إىل طريق التنمية املأمول وه ــذا الوصول الديين للسلطة ال‬ ‫إن مفهوم التغيري مرتبط بسياقه ال ــت ــارخي ــي وبشكل كبري مبفهوم ال ــث ــورة إذ مث ــة عالقة‬
‫ميثّل بادرة‬ ‫ديناميكية بني املصطلحني‪ ,‬والثورة حبد ذاهتا مرتبطة إرتباطا وثيقا بوجود الدول اليت‬
‫فشل ثوري بقدر ماهو إف راز يعكس عش رات السنني من الكبت والقهر عاشه الشعب‬ ‫تعاين جمتمعاهتا التخلف والفقر والفساد السياسي ومن هنا أستطيع القول ‪ -‬إن روح‬
‫وجعله يتمسك بطريقة اقوى جبذوره الدينية املتوارثة ‪,‬فبلد كسوريا مثال والذي يشهد‬ ‫جتس د شرطا اساسيا للتقدم واإلزدهار‬ ‫التمرد هو جوهر الثورة – وإن هذه الروح نفسها ّ‬
‫ما شهدته بلدان اُخرى كمصر وتونس وليبيا واليمن جنحت يف تغيري أنظمة حكمها‬ ‫إذ متنح الشعوب الرغبة العميقة يف التعبري عن ذاهتا وجتاوز أزماهتا ‪ ,‬والثورة هنا التقرتن‬
‫‪ ,‬من املتوقع كث ريا ان ال يكون النظام اجلديد فيه نظاما دميق راطيا عادال وهذا ما اعتربه‬ ‫بالثورات ذات الطابع العسكري اليت خت لّ ف بدورها حكومات ديكتاتورية من نوع اخر‬
‫طبيعي نسبيا‬ ‫وذات إيدلوجية أُحادية تكون على االغلب أكثر فتكا وتشددا من سابقتها ‪,‬والسبب‬
‫ذلك الن جذور الديكتاتورية عميقة الغور يف سوريا وأثرت على البناء النفسي لإلنسان‬ ‫ألهن ــا تغري شكل اجملتمع وتفرض منطا سياسيا من دون اي تغيري حقيقي يف املضمون‬
‫السوري االمر الذي حيتاج زمنا طويال حىت يتشرب الشعب ثقافة التعبري عن ال رأي والتخلي‬ ‫السياسي واإلجتماعي للشعوب وبالتايل تظل حالة القمع والفساد سائدة على شكل‬
‫متاما عن الثقافة الببغائية اليت زرعها النظام احلزيب واالمين وبالتايل جناح انتفاضة عاشت‬ ‫استق رار بريوق راطي جامد يرفض أية حالة جتديد أو تغيري ألج ــواء الروتني اليت تسيطر‬
‫يف ظل ظروف امنية إستثنائية يعترب إجنازا رائعا بل تارخييا على حساب سلطة القهر‪,‬‬ ‫على الدولة واليت يسميها إعالم هذه الدولة حالة إستق رار‪ ,‬وجتربة أوروبا يف هذا اجملال‬
‫واحلقيقة ان سوريا حتتاج تغيري كل ما أسس لثقافتها منذ نصف قرن إذ أن السوريون‬ ‫تعد برهانا دامغا ملا نتطرق إليه‪ ,‬فلدينا على سبيل املثال‬
‫سيجدون أنفسهم مضطرين لتغيري كل كبرية وصغرية ب ــدءا من مؤسسات الدولة إىل‬ ‫الثورة الروسية اليت حدثت عام ‪ 1917‬كانت ث ــورة ذات طابع عسكري تبعتها حرب‬
‫طوابع الربيد ومنه إىل العملة الرمسية اللتني محلتا صور اّخر رئيسني مثال الديكتاتورية‬ ‫أهلية متخضت عن وصول الشيوعيون البالشفة إىل هرم السلطة الذين رسخوا بدورهم‬
‫بأسوأ أشكاهلا‬ ‫نظاما إستبداديا رمبا كان االكثر وحشية وقمعا يف القرن العشرين واحلقيقة أنه ترك تأث ريا‬
‫حىت تغيري كلمات النشيد السوري لن يكون خطيئة بل حمل نقاش وال أعترب هذا ترف يف‬ ‫على اسلوب احلياة الروسية وعقليتها إىل يومنا هذا ‪,‬نفس االمر ينطبق على الثورات‬
‫التعاطي مع احلريّات مع ان النشيد السوري ليس من صنيعة النظام احلايل بل أنه مجيل‬ ‫حولت احلياة‬ ‫اليت شهدهتا دول أوروبا الشرقية أيام جمد الشيوعية العاملية وهذه الثورات ّ‬
‫اللحن ‪-‬إال انه عندما منعن بكلماته جند بأنه نشيد ذو طابع مرحلي جينح حنو التعصب‬ ‫يف هذه البلدان إىل منوذج أحادي مع لّ ب زرع البريوق راطية اإلدارية ووقف بوجه اإلبداع‬
‫‪,‬وال ينفع بان يكون مرجعية الجيال تنشأعلى طرق علمية حديثة غايتها التصاحل مع‬ ‫واحلرية الفكرية ‪ ,‬حىت الثورة الفرنسية ال ــي كانت يف منتهى الدمويةعلى الرغم من‬
‫ميج د قادة يف التاريخ العريب مثل (هارون‬ ‫نفسها ومع العامل احمليط هبا إذ أن النشيد الوطين ّ‬ ‫رمزيتها الكبرية بوصفها سامهت يف تغيري اخلارطة السياسية الوروب ــا مل تنعكس على‬
‫الرشيد) الذي كان حيكم يف ظل نظام إسالمي وراثي ‪,‬ويُعتربما عاشه العامل العريب من‬ ‫الشعب الفرنسي ي ــوم ــذاك ُي نا وب ــرك ــة ب ــل إنتظر الفرنسيون ع ــش ـرات السنوات بعدها‬
‫استبداد وقمع امتدادا حلقبة الرشيد إذ اُعترب فيها احل ّك ام اّهلةعلى الرغم من توسعهم‬ ‫ليصلوا إىل م ــا وص ــل ــوا إليه االّن م ــن تقدم وح ــريّــة‪ ,‬وام ــا ال ــث ــورات ال ــي شهدهتا وم ــا زال‬
‫عسكريا ‪,‬ناهيك عن البعد الديين للنشيد بذكر(خالد ابن الوليد )الذي يُعد من أكرب‬ ‫تشهدها بعض دول العامل العريب إمنا هي ثورات سلمية حتررية ستصنع املستقبل الناصع‬
‫الرموز الدينية اإلسالمية‬ ‫بعيدا عن ثقافة العنف والتشويه حىت إن مل تكن البدائل كما يشتهي العلمانيون ‪,‬ذلك‬
‫‪36‬‬ ‫‪35‬‬
‫عقلية التغيري‬ ‫عقلية التغيري‬

‫الذين شيّ دوا البناء فسنرى أن ليس من بينهم إماراتيني وهذا الكالم ينطبق على كامل‬ ‫فذكر الرموز التارخيية والدينية يف النشيد الوطين يعد خمالفا ألسس الدولة املدنية احلديثة‬
‫دول اخلليج وكلنا يعلم بان احل ّك ام اخلليجيون منزهني عن أي نقد وهذا يتناىف مع مشروع‬ ‫وألنه يزرع نزعة التأبيد عند األجيال الناشئة‪,‬إذ ال حيق ألحد أن يظل مرجعية إىل األبد‬
‫الدولة وبالتايل جند ان زعماء دول اخلليج يعملون على تلميع شكل الدولة وليس على‬ ‫وذلك من باب رفضنا تأليه القادة مهما كانوا عظماء والذي كان اهم أهداف الثورة‬
‫مستوى التنمية البشرية ‪ ,‬حىت ان دور امل رأة يف‬ ‫القضاء عليها‪,‬وألن طرحت النشيد كمثال ذلك ألين مؤمن بأن‬
‫هذه الدول يعد االدىن يف العامل وبالتايل أرى أن منطقة اخلليج هي من اكثر الدول اليت‬ ‫مجال التغيري يكون يف صميمه وليس يف شكله أي عندما ال أحد يكون فوق مستوى‬
‫احملرم (–الدين – اجلنس‪ -‬السياسة‪) -‬والذي اعتربه‬ ‫تعطي بُعدا عمليا ملا يُسمى الثالوث ّ‬ ‫النقد ‪,‬‬
‫شخصيا حتديا حقيقيا جلوهر التغيري ‪ .‬وان هذا الثالوث ميثل عائقا أمام األشخاص الذين‬ ‫وبالتايل يأخذ شكله احلضاري ‪ ,‬والتغيري بطبيعته ض ــرورة تارخيية ورغبة نفسية عند‬
‫يرغبون يف تطوير أنفسهم ‪.‬وباملقابل أرى أن دوال مثل املانيا واليابان على سبيل املثال‬ ‫اإلنسان بوصفه عامال مساندا حلركة الوعي عنده‪ ,‬وإذا أمعنا النظر فإننا سنجد شعوبا‬
‫جس دت جوهر التغيري ببعده اإلنساين عرب ب رامج تنمية بشرية علمية ومتطورة بعد أن‬ ‫ّ‬ ‫مل تعش التجربة الثورية ببعدها التغريي أو إهنا مل تكن حباجة إليها نلقاها ال متلك نفس‬
‫كانت دوال منكوبة مدمرة يف هناية احلرب العاملية الثانية عام ‪ 1945‬واليوم مها من أرقى‬ ‫القدر من الوعي احليايت مثل بلدان شهدت ثورات على الرغم من ان قيام الثورات‬
‫وأهم دول العامل وبنفس الوقت أعطيا مثاال رائعا عن اإلهلام الذي ممكن أن يقدمه بلد ما‬ ‫ال ميثّل باملطلق حالة وعي كامل ألن هناك عديد من الثورات خ لّ فت البؤس لشعوهبا‬
‫إىل بلدان أخرى من دون اإلرتكاز على اإلجناز العسكري والنووي وهذا هو املهم‬ ‫وكانت على االغلب ذات طابع عسكري ‪,‬إن أرضية التغيري مرتبطة بالعمق التارخيي‬
‫واستطيع القول بأن تركيا اليت ليست بتطوراملانيا او اليابان إستطاعت القيام بتغ ريات‬ ‫للبلد‬
‫جذرية فبعد ان كانت دولة عسكرية متخلفة استطاعت يف مخسني عام ان تتبدل إىل‬ ‫ال ــذي يعيش جتربة التغيري ‪ ,‬فمثال بلدان ك ــدول اخلليج العريب تعيش استق رارا ماديا‬
‫دولة علمانية تطمح باإلنضمام لإلحتاد االورويب‬ ‫منقطع النظري تفتقر إليه اوروب ــا الصناعية نفسها‪ -‬كالسعودية وقطر واإلم ــارات ممن‬
‫إن عقلية التغيري تتقبل االفكار اجلديدة من دون ان حتكم عليها مسبقا بوصفها أفكارا‬ ‫تسعى جاهدة‬
‫شاذة‪.‬‬ ‫للوصول إىل مطاف الدول املتقدمة وهذا مجيل وافضل من ان ال تفعل شيئا ‪,‬ولكن هنا‬
‫وهي تفرض الصدق والثقة بالنفس ‪ ,‬وأن ما يقوله املرء لنفسه وألصدقائه املقربني جيب‬ ‫تأخذ الرغبة بالتطور والتق ّدم جانبا شكليّ ا الجوهريا ‪,‬الين أجد هذا التوجه ال ينبع من‬
‫أن يقوله للعامل بأمجعه دون أي شعور باخلجل‬ ‫جتربة حضارية ‪ ,‬فدولة مثل قطر من املقرر أن تستضيف كأس العامل لكرة القدم عام‬
‫‪ 2022‬جندها حتكم على شاعر بالسجن مدى احلياة ألنه جمّ د الثورات العربية وأنتقد‬
‫النظم اخلليجية دون ان ينبس أحدا ببنت شفة يف قطر أو يف اخلليج عامة وجندها أيضا‬
‫تستضيف مهرجانات سينمائية تدعو إليه خرية جنوم العامل بينما ليست لديها أدىن‬
‫خربة يف هذه الصناعة وحنن بدورنا مل نسمع عن سينما قطرية ‪,‬ونفس املثال ينطبق على‬
‫دولة اإلمارات ففي اإلمارات اليوم أعلى بناء يف العامل‬
‫حوايل ‪ 160‬طابقا ‪ ,‬ولكن لنسأل انفسنا من هو مهندس هذا البناء أو ما هي جنسية‬
‫العم ال‬
‫ّ‬
‫‪38‬‬ ‫‪37‬‬
‫مقتطفات من كتاب رب الزمان‬ ‫مقتطفات من كتاب رب الزمان‬

‫من كانوا ينتظرونه‪ :‬كان مسيحا ثائ راً‪ .‬هو سيقوم لتحريرهم من اضطهاد روما لألبد‪,‬‬
‫سيحرر الشعب اليهودي منهم‪ .‬انتظروا حمارب اً لكنهم واجهوا شيئ اً آخر‪ :‬معلم المع أراد‬ ‫للكاتب واملفكر حممود سيد القمنى‬
‫ب لعقائده اخلاصة وبصورة مفرطة‪.‬‬ ‫متعص ٌ‬
‫ِّ‬ ‫تقدمي خ ّده مقابل الغف ران‪.‬‬ ‫لقد أمضيت سنوات من عُ مري دارس ـاً حياة يسوع املسيح‪ .‬ومب ــرور زمن طويل‪ ,‬لفت‬
‫األناجيل ويسوع‬ ‫بالنمو كسلطة وبطرق يصعب ع ّدها‪ .‬الكثري مما حبثت به‪,‬‬ ‫انتباهي انتهاء املسيحيّ ة‬
‫ّ‬
‫تشك ل النصوص اإلجنيليّ ة دعاية تعمل على نشر اإلميان‪ .‬يعين اإلجنيل‪ ,‬يف الواقع‪ ,‬البشارة‬ ‫ِّ‬ ‫كقص ة‬ ‫األول « الصليب‬
‫ّ‬ ‫قمت بتحويله لصيغ قصصية روائيّ ة‪ ,‬كما فعلت يف كتايب ّ‬
‫اجلديدة‪.‬‬ ‫خياليّ ة‪ :‬مشكلة الصليب «‪.‬‬
‫لكن عندما حاولوا أوائل تابعيه‪ ,‬نشر حياة وعمل يسوع‪ ,‬اصطدموا مبشكلة‪ :‬مل يتمكنوا‬ ‫من الواضح أنه قد كان خيال‪ ,‬وبالتايل‪ ,‬مل أمتلك حدود بتخ يُّ لي‪ .‬قمت باالستشهاد‬
‫من إدخال عبادته يف بلدان ذات ت راث أقدم من العبادات القويّة‪ ,‬حبضور قصص املعج زات‪,‬‬ ‫مبصادر ث بَّ تها بأسفل الصفحات‪ ,‬وذلك لل راغبني بتعميق فهمهم لبعض األمور‪.‬‬
‫أبناء العذ راوات اإلهليني‪....,‬اخل‪.‬‬ ‫شك بالدور الذي يلعبه يسوع املسيح‪ :‬ففيما لو ُو ِج َد‪ ,‬كيف‬ ‫بيومنا هذا‪ ,‬ال أمتلك أدىن ّ‬
‫ما الذي جيب فعله هنا ؟‬ ‫لدي هبذا الصدد‪.‬‬‫جرى صلبه‪ ... ,‬اخل‪ .‬لنتابع بعض األفكار الواضحة ّ‬
‫األكثر ترجيح اً هو قيام كتبة االناجيل بالتزوير‪ :‬لتكييف حياة وعمل حبيبهم يسوع‬ ‫الناصري‬ ‫حياة وعمل يسوع‬
‫ّ‬
‫مع األساطري القدمية‪ ,‬سواء عبادة إله الشمس‪ ,‬ميث را‪ ,‬حورس‪ .... ,‬اخل‪.‬‬ ‫هل ُو ِج َد يسوع ؟‬
‫هلذا جند التوازي اهلائل مع تلك العبادات القدمية‪ ,‬حيث ُولِدت آهلتها من عذ راوات‪ ,‬قاموا‬ ‫تارخيي‪ ,‬ما خال اشارتني تلموديتني للمسيح امل نتظر‪ ,‬فاألناجيل‬ ‫أي دليل‬ ‫يف الواقع ال يوجد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ما هي إل نصوص دعائي ة وبالتايل ال مت ثِّل دليل تارخيي لوجود يسوع ُ‬
‫باملعج زات‪ ,‬أقاموا االموات‪ ,‬وبعد موهتم عادوا للحياة بصورة إعجازيّة‪ .‬لقد ش ّك لت تلك‬ ‫املسيح‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫العبادات الوثنيّ ة‪ :‬العبادات اليت شاعت يف ذاك الزمن بروما‪.‬‬ ‫القوي الذي‬ ‫مع ذلك‪ ,‬فيما لو نأخذ باحلسبان بأ ّن املؤمنني باملسيح‪ ,‬ومن خالل االميان‬
‫ّ‬
‫وق ــد احتاجت روم ــا‪ ,‬كسائر االم ـراط ــوري ــات‪ ,‬لدين سريشد شعبها‪ .‬فشعب دون دين‪:‬‬ ‫أظهروه‪ ,‬قد حتدوا كل نظام مفروض إلعالن وجود قائدهم‪ ,‬فشخصيّ ة كيسوع كانت‬
‫التحك م به صعب من قبل احل ّك ام ذوي املصاحل‪ ,‬وهلذا ش ّك ل تعدُّد اآلهلة وجبماعات‬ ‫ُّ‬ ‫يكون‬ ‫واجبة الوجود‪ .‬يف الواقع‪ ,‬ويف حقبة املسيح كان هناك « أكثر من مسيح « قد توزعوا‬
‫املؤمنني هبا أم راً شائك اً يستحق االهتمام بُغية التغيري‪.‬‬ ‫يف القدس‪ .‬رمبا كان يسوع ذو الكاريزما األكرب بينهم‪.‬‬
‫بيومنا هذا نرى الطوائف والفرق الدينيّ ة الكثرية‪ .‬يعتقدون مجاعة الغورو أهنم ُم رسلون‬
‫لقد احتاجوا للقيام بالتوحيد‪.‬‬ ‫إهليون ملؤمنني مبحيطهم‪ .‬إذا كان هذا حيدث بيومنا هذا‪ ,‬كحقبة تكنولوجيا وتقدُّم‪,‬‬
‫األول ورق ــت ــه‪ ,‬فتالعب بالنصوص ال ــدع ــائ ــيّ ــة للطائفة املسيحيّ ة‬
‫وه ــن ــا لعب قسطنطني ّ‬ ‫فلن نتم ّك ن من خت يُّ ل وضع الطروحات الدينية بزمن مل يكن فيه ال تلفزيون وال كهرباء‪.‬‬
‫لتكييفها مع اإلميان الروماينّ باآلهلة الوثنيّ ة‪.‬‬ ‫ولآلن ميتلك الدعاة الدينيون كثري من الفرص القتناص املريدين‪.‬‬
‫يسوع وعمله‬ ‫من جانب آخر‪ ,‬كانت الفرصة مؤاتية‪ .‬فلقد انتظر اليهود املسيح { يف الواقع‪ ,‬ما زالوا‬
‫نالحظ يف األناجيل شيء خاص‪ .‬نالحظ بأ ّن يسوع ويف كل فرصة يق ّدم هبا نفسه‪ :‬حياول‬ ‫ينتظرونه‪ ,‬ألهنم ال يقصدون به يسوع املسيح أص ـاً } وهو ينتمي لألنبياء القدامى‪,‬‬
‫اثبات أن ما يقوم به ما هو ّإل نبوءات قدمية ألنبياء العهد القدمي‪ .‬فال يقوم بشيء دون أن‬ ‫لساللة داوود‪ .‬يكون مفهوم اً‪ ,‬بالتايل يقول اإلجنيليون بأ ّن يسوع قد انتمى لذات العائلة‬
‫يق ّدم اشارة‪ ,‬من الذاكرة‪ ,‬من كالم األقدمني‪ .‬ويبدو أ ّن هذا قد ش ّك ل منهجيّ ة مقصودة‬ ‫امللكيّ ة‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫‪39‬‬
‫مقتطفات من كتاب رب الزمان‬ ‫مقتطفات من كتاب رب الزمان‬

‫اب‪ :‬اَلَّ ِذي يَأْ ُك ُل‬ ‫ِ ِِ ِ‬


‫اخ تـَْرتـُ ُه ْم‪ .‬لك ْن ل يَ ت َّم الْ ك تَ ُ‬
‫ين ْ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ول َع ْن َج يع ُك ْم‪ .‬أَنَا أ َْع لَ ُم ال ذ َ‬ ‫ت أَقُ ُ‬‫‪« 18‬لَ ْس ُ‬ ‫لديه‪ .‬كما لو أنّه بإي راده ملصادر حيرتمها اليهود‪ :‬سيجعل مهمته أكثر تصديق اً وجناح اً‪.‬‬
‫الُبـَْز َرفَ َع َع لَ َّي َع ِق بَ هُ‪.‬‬
‫َم عِ ي ْ‬ ‫هلذا‪ ,‬قال‪:‬‬
‫إجنيل يوحنا ‪13‬‬ ‫ب َع ِّن‪.‬‬ ‫ص ِّدقُونَ ِن‪ ،‬ألَنَّهُ ُه َو َك تَ َ‬
‫وس ى لَ ُك ْن تُ ْم تُ َ‬
‫ص ِّدقُو َن ُم َ‬ ‫« ‪ 46‬ألَنَّ ُك ْم لَ ْو ُك ْن تُ ْم تُ َ‬
‫ومن الواضح أن إضافة يف الكتابات املق ّدسة‪ ,‬تقول‪:‬‬ ‫ص ِّدقُو َن َك الَِم ي؟»‪ .‬إجنيل يوحنا ‪5‬‬ ‫ف تُ َ‬ ‫ب َذ َاك‪ ،‬فَ َك ْي َ‬ ‫‪ 47‬فَِإ ْن ُك ْن تُ ْم لَ ْس تُ ْم تُ َ‬
‫ص ِّدقُو َن ُك تُ َ‬
‫ين الَ يـُ ْؤِم نُ و َن‪،‬‬ ‫َن ي س وع ِم ن الْ ب ْد ِء ع لِ م م ن ه م الَّ ِ‬
‫ذ‬ ‫َّ‬ ‫أل‬ ‫»‪.‬‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫لك ن ِم ْن ُك م قـ وم الَ يـ ْؤِ‬
‫م‬ ‫‪ 64‬و ِ‬ ‫هل احتاج ابن اهلل إلي راد مصادر قدمية‪ ,‬لكي يؤمن به مريدوه أو حيرتمون ما كان يقوم‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ََْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬
‫َوَم ْن ُه َو الَّذي يُ َس لِّ ُم هُ‪.‬‬ ‫الضروري التربير هبذه الطريقة ؟ أو أ ّن هذا مل يكن أكثر من زاوية من‬ ‫به ؟ هل كان من‬
‫ّ‬
‫إجنيل يوحنا ‪6‬‬ ‫املشهد ؟‪.‬‬
‫ستشه د هبا‬ ‫ِ‬
‫ُوج َد يف النبوءات املسيحيّ ة ثالث نبوءات رئيسيّ ة‪ :‬نبوءة ابن داوود‪ { ,‬املُ َ‬
‫عمليّ ة الصلب‬ ‫التجس د على صورة‬ ‫ُّ‬ ‫يف األناجيل }‪ ,‬نبوءة ابن اإلنسان والعبد املت ألِّ ‪ .‬مل يستسغ يسوع‬
‫حبسب أواخر االكتشافات األثريّة‪ ,‬مل يتم صلب املسيح مبسمرة معصميه‪ ,‬وال هم ربطوه‬ ‫التجس د على صورة روحيّ ة‪ :‬كحال‬ ‫ُّ‬ ‫حصري‪ ,‬بل خيتار كذلك‬ ‫ّ‬ ‫املسيح احملارب بشكل‬
‫باحلبال‪ .‬ب ــل ق ــام ــوا بالصلب اع ــت ــب ــاراً م ــن قفا اليدين‪ ,‬حبيث حي ــدث الصلب م ــن خالل‬ ‫ابن االنسان { أو العبد املت ألِّ }‪.‬‬
‫مر الذ راع من خلف اخلشبة ومتّت‬ ‫اليدين والكتفني واخلتام على الصليب‪ .‬هبذه الصيغة‪ّ ,‬‬ ‫ب ــل أكثر م ــن ذل ــك‪ :‬فالعبد امل ــت ـألِّ يش ّك ل ال ــن ــب ــوءة ح ــن جي ــري ال ــق ــول ب ــأ ّن « امل ــخ ــت ــار «‬
‫بسمرته مبسمار طويل بقفا اليد‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫سيموت إثر تعرضه لكل أصناف التعذيب والحق اً سيعود للحياة‪.‬‬
‫نتمع ن ببعض القصص – كشهادة يوسيفوس فالفيوس‬ ‫كان األمل شديداً‪ .‬لكن فيما لو َّ‬ ‫لكن يسوع يقوم مبزج‪ ,‬مقصود‪ ,‬يف كل م راحل مهمته‪ :‬لصور املسيح الثالثة‪ .‬فبحسب‬
‫– ميكننا القول بأنّه حىت لو كان القصد من الصلب قد كان حتقيق املوت‪ ,‬فهذا مل يكن‬ ‫العقليّ ة اليت واجهها‪ ,‬فقد بدا مناسب اً أن يكون الواحد أواآلخ ــر من الثالثة‪ .‬هلذا ن راه‬
‫ليحصل دوم ـاً‪ .‬وفيما لو ح ــدث ختفيض زم ــن الصلب‪ ,‬فمن امل حتمل أن يكون حصل‬ ‫يدخل للقدس ممتطي اً محار‪ :‬كما جرى التن بُّ ؤ قدمي اً مبا سيعمله ابن داوود‪ .‬لكن أيض اً‬
‫ُ‬ ‫طبيعي‪.‬‬ ‫إنقاذ له بشكل‬ ‫مبواجهة بيالطس‪ ,‬يقول بأ ّن « مملكته ال تنتمي هلذا العامل «‪ ,‬كما هو مأمول من ابن‬
‫ّ‬
‫هناك حاالت الشخاص‪ ,‬قد استغرق تعليقهم لثالث أيّام وأكثر‪ :‬ومل ميوتوا!‬ ‫اإلنسان‪ .‬يف الغالب‪ ,‬ومبعرفة ذهنيّ ة شعبه‪ ,‬فقد اختار التالميذ املناسبني ملتابعته رسالته‬
‫لكن يسوع مل يستغرق تعليقه على الصليب بالكاد ‪ 3‬ساعات‪ .‬ففي الغالب‪ ,‬وكما‬ ‫إىل األمام‪.‬‬
‫اخلل من خالل اسفنجة مب لّ له به‪ :‬فقد‬ ‫أك دت د راسات عديدة فإنّه عندما أعطوه ليشرب ّ‬ ‫َّ‬ ‫يف أيامنا هذه‪ ,‬نرى ذات املنطق مع الغورو اجملسدين لأللوهيّ ة‪ .‬يقولون بأهنم خمتارون‪,‬‬
‫ُّ‬
‫يتملك ه شيءٌ من اخلَ َد ْر‪.‬‬ ‫كان‬ ‫أو كلمهم اهلل‪ ,‬بل حىت أهن ــم ذاهت ــم هم اهلل‪ .‬ما يشجع أولئك على الظهور دوم ـاً هو‬
‫م ــن ج ــان ــب آخ ــر‪ ,‬امتلكا بيالطس وي ــوس ــف ال ـرام ــي ع ــاق ــة وثيقة‪ ,‬كما يُــش ــر كثري من‬ ‫البشري جتاه هذه القصص‪ .‬يعرفون أين تكمن نقاط ضعفنا جتاه‬ ‫ّ‬ ‫معرفتهم بالضعف‬
‫االناجيل امل نتحلة { األبوكريفيّ ة } هلذا‪ .‬مل يرغب بيالطس بإعدام يسوع‪ ,‬لكن الشعب‬ ‫الوجودي املتم ثِّل بعدم امتالك إله معنا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الف راغ‬
‫ختوف من حدوث ثورة عليه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫قد رغب هبذا‪ .‬ولقد َّ‬ ‫التحك م مبصائر كثري من األشخاص‪ ,‬من خالل تقدمي ما‬ ‫وكمتالعبني جيدين‪ :‬ميكنهم‬
‫ضمين قد جرى حتقيقه بني بيالطس‪ ,‬يوسف ال رامي ويسوع‪ :‬بُغية تفادي‬ ‫ّ‬ ‫هل مثّة اتفاق‬ ‫حيتاجونه أو ما يعتقدون أهنم حيتاجونه‪ .‬ويف الغالب فقد حدث شيء شبيه مع يهوذا‪.‬‬
‫املوت على الصليب ؟‬ ‫هلذا مل يتفاجأ يسوع عندما اشتكوا منه‪ .‬ففي الواقع‪ ,‬يقول له يف العشاء األخري‪:‬‬
‫‪42‬‬ ‫‪41‬‬
‫خديعة يسوع املسيح‪ :‬ابن اهلل‬ ‫خديعة يسوع املسيح‪ :‬ابن اهلل‬

‫بطريقة ومهيّ ة‪ .‬وهلذا‪ ,‬كان من السهل عليه جعلهم متابعني لإلميان بتعاليمه‪ .‬ومل تكن‬ ‫يتوج ب علينا نسيان شيء آخر‪ :‬املغارة الطبيعيّ ة‪ ,‬حيث سيكون قرب املسيح‪ ,‬وكان‬ ‫ال َّ‬
‫تعاليمه‪ ,‬ب ــال ــواق ــع‪ ,‬ش ــيء خمتلف ع ــن تعاليم الفيلسوف ‪ Hillel‬وه ــو ح ــاخ ــام ومعلم‬ ‫هذا من أمالك يوسف ال رامي‪.‬‬
‫يهودي والذي قال « ال تعملوا مع اآلخرين ما ال ترغبون أن يعمله اآلخرون معكم « إىل‬ ‫ّ‬ ‫بالعموم‪ ,‬امتلك ه ــذه امليزة االغنياء فقط‪ .‬أم ــا من ك ــان مي ــوت على الصليب‪ ,‬فكانوا‬
‫جانب أشياء كثرية أخرى‪.‬‬ ‫جه ز املغارة‪ ,‬ريثما‬
‫عام ة‪ .‬يبدو يل أمر مشكوك به بأ ّن يوسف ال رامي قد ّ‬ ‫يلقونه يف حفر ّ‬
‫كعلمة يف الكتب املق ّدسة‪ ,‬ساهم بنشر سطوته عربها‪ .‬ما بلغه {نطاق التأثري}‬ ‫يسوع‪ّ ,‬‬ ‫ميوت يسوع خالل ‪ 3‬ساعات من التعليق على الصليب‪ .‬فعوض اً عن كسر سيقانه‪,‬‬
‫– أختيّ ل – ال هو ذاته‪ ,‬هو ما أمكن التشكيك به‪.‬‬ ‫أفقي { ومن جديد يتم تأكيد‬ ‫وهذا ما اعتادوا القيام به مع املصلوبني‪ ,‬مسمروه برمح ّ‬
‫فاجملازر اليت قادهتا حماكم التفتيش بامسه‪ ,‬انتهاكات رجال الكنيسة ممثلي اهلل‪ ,‬مل يكن‬ ‫أي عظم }‪.‬‬
‫النبوءات القدمية اليت قالت بأ ّن املسيح لن يُكسر له ّ‬
‫ليسوع أن يتخيله!!‬ ‫وأهم ما يف األمر‪ ,‬أنّه إثر هذا املوت‪ ,‬تتم رؤيته من جديد‪ ,‬منري‪ ,‬ملتحف بلباس أبيض‬
‫على الرغم من انتظار الواحد فينا إجابة حول فيما لو كان يسوع هو ابن اهلل‪ .‬فإ ّن أمور‬ ‫على القرب‪ .‬وتبدأ أحاديث حول ظهوراته وسيبقى إجنيله لألبد بقلب رجاله‪ .‬أل ّن الوعد‬
‫أخرى تفرض نفسها‪:‬‬ ‫مل يكن شيء آخر سوى العودة للحياة متجسداً !!‬
‫مل تظهر عقيدة قد أنتجت كل تلك اجملازر يف التاريخ كاملسيحيّ ة‪.‬‬ ‫املشك ك منه أن يُريه عالمات الصلب‪,‬‬ ‫ِّ‬ ‫مثّة تفصيل مثري لالهتمام‪ :‬عندما طلب توما‬
‫دم راً ؟‬
‫يف الواقع‪ ,‬هل كان يسوع ُم نقذاً أم ُم ِّ‬ ‫األقل‪.‬‬
‫ويسوع أراه تلك العالمات‪ .‬ويذكر هذا كتبة االناجيل على ّ‬
‫ِ‬ ‫َن ِ‬
‫ض بَ ْل ألُ َك ِّم َل‪.‬‬
‫ت ألَنـْ ُق َ‬ ‫وس أَ ِو األَنْ بِ يَ اءَ‪َ .‬م ا ج ْئ ُ‬
‫َ‬ ‫َّام‬
‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫ْ‬‫َنـ‬
‫أل‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ئ‬
‫ْ‬ ‫ج‬ ‫‪« 17‬الَ تَظُنُّوا أ ِّ‬ ‫في وقد عاد للحياة بينهم من جديد ؟‬ ‫باملناسبة‪ ,‬أال يقول لنا هذا بأ ّن املسيح قد ُش َ‬
‫فوِ‬
‫اح ـ ٌد أ َْو نـُ ْق طَةٌ‬ ‫ـول لَ ُك ْم‪ :‬إِ َل أَ ْن تـَـ ُـز َ‬ ‫‪ 18‬فَ ـِإ ِّن ْ‬
‫الَ ـ َّـق أَقُـ ُ‬
‫ول َح ـ ْـر ٌ َ‬ ‫ض الَ يـَـ ُـز ُ‬
‫الس َم اءُ َواألَْر ُ‬
‫ول َّ‬ ‫كما أنّــه ق ــد ت ــن ــاول السمك معهم‪ .‬وحبسب املفاهيم امليتافيزيقيّ ة املتصلة بالصيغة‬
‫وس َح تَّ يَ ُك و َن الْ ُك ُّل‪.‬‬ ‫َّام ِ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫اح َدةٌ ِ‬
‫م‬ ‫وِ‬ ‫ـري‪ :‬ال ميكنه‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫الروحيّ ة وم ــا جيب عليها فعله‪ :‬فهذا ال يكون مقبوالً‪ .‬كائن روح ـ ّـي‪ ,‬أث ـ ّ‬
‫أي صنف‪ ,‬حيث ال وجود للحم‪.‬‬ ‫تناول األطعمة وال امتالك عالمات من ّ‬
‫لكن بتلك األزمنة‪ ,‬كان مفهوم البعث‪ ,‬يف الواقع‪ ,‬عبارة عن قيامة‪ :‬وعندما يعودون‬
‫للحياة‪ ,‬فهم يعودون كما كانوا جبسدهم ذاته‪ ,‬مع عالمات ومع كل شيء‪ .‬وهلذا طلب‬
‫إجنيل مىت ‪5‬‬ ‫توما أن يُريه يديه‪ .‬تُولد قوة الدعاية للعبادة من العقيدة ذاهتا‪ ,‬فيما لو نسرتشد برتتليان‪.‬‬
‫الر ُس ل شيء آخر سوى رؤيا يوحنا‪ ,‬التدمري‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الخالصة‬
‫ومل يُر ْد ُ‬
‫كان يسوع قائد روح ــاينّ ُم ــادع‪ ,‬ككثري من امل نتشرين اليوم بطول العامل وعرضه‪ .‬لقد‬
‫ُ‬ ‫ساعدته احلقبة الزمنيّ ة‪.‬‬
‫وقد غ ّذى هذا االعتقاد كل من كان على متاس به‪ .‬ساعدوه على إنقاذ نفسه من عقوبة‬
‫اإلعدام‪ .‬أعطوه الصيغة لتحقيق معجزة ال وجود هلا‪.‬‬
‫جدير بالتنويه‪ ,‬أ ّن يسوع ذاته قد اعتاد القول‪ :‬إميانك قد خ لَّ صك‪ .‬كان يعلم‪ ,‬كقائد‬
‫روح ــاينّ جيّ د حم لِّ ل لشخصيات مؤمنيه ع ــارف ـاً ملكامن ضعفهم‪ :‬أن اإلمي ــان يشفيهم‬
‫‪44‬‬ ‫‪43‬‬
46 45
‫تاريخنا ملئ بشتى انواع اآللهة‬ ‫تاريخنا ملئ بشتى انواع اآللهة‬

‫من فيوضاته وأنواره ‪ ،‬فإذا وصل عبد من عباده إىل م راقي املواجدة زينه هذا اإلله‬
‫بوحدانيته وألبسه أنانيته ورفعه إىل أحديته فصار العابد واملعبود روحا واحدة ‪.‬‬
‫* إل ــه الوهابيني صاحب اليد املبسوطة ‪ ،‬ال ــذي ينسى ويضحك ويستوي على‬ ‫‪Nesta Fz‬‬
‫العروش ‪.‬‬
‫* إله الشيعة الذي يتعنصر لنسب نبيه فيجعل من ذريته أئمة ويقيمهم مقام‬ ‫* إله ذرادشت امللحد‬
‫األنبياء ‪ُ ،‬م ربئني من العيوب م طّهرين من الدنس معصومني من اخلطأ واخلطايا‬ ‫* إله أرسطو الذي ال يعدو عن كونه ( عقل ) حمض ال يعقل إال ذاته ‪ ،‬بعيد عن‬
‫* إله املعتزلة الذي ال هو جبسم وال شبح وال صورة وال جوهر وال عرض وال يتحرك‬ ‫عامل الكون والفساد‬
‫وال يسكن وال جهة له وال حلول له مبكان وال عالقة له بأفعال عباده و( واجب‬ ‫* إله ابيقور شديد اخلفة ‪ ،‬عدمي الثقافة ‪ ،‬غري العابئ بعامل البشر ‪ ،‬متوا ٍر منهم‬
‫) عليه العدل‬ ‫وراء اخلري والشر‬
‫وي اطب عباده قبل أن خيلقهم ‪ ،‬اجلائز يف حقه‬ ‫وي لل ُ‬‫* إله األشاعرة الذي ُي رم ُ‬ ‫* إله اسبينوزا الذي ال يشغل نفسه بقدر وأفعال البشر‬
‫إسعاد عاص ٍي وإشقاء مستقيم ‪.‬‬ ‫* إله غوركي الذي ال يعبأ بالصالة والصوم له فهو مشغول بأمور أهم‬
‫* إله املرجئة الذي يعفوا عن مغتصيب األطفال وقتلة األبرياء وآكلي أموال اليتامى‬ ‫* إله كانط الضعيف الشاحب‬
‫ـ وإن مل يتوبوا ـ إذا آمنوا بوجوده‬ ‫* إله هيغل نسيج العامل املطلق‬
‫* إله احلركة اإلسالمية املبا ِرك لإلنقالبات العسكرية وإضطهاد الشعوب وخداعها‬ ‫* إله غوته ذا النظ رات غري املنخرطة يف عامل البشر‬
‫بإمسه ‪.‬‬ ‫* إله نيتشة املرت َق ب أو مقدسه ‪ ،‬إله القوة ‪ ،‬إلهٌ ال دين له ‪ ،‬إله بال آخرة وبال ج زاء‬
‫يعين باختصار لو آمنا وإتبعنا الفطرة البتقولوا عليها نقتنع باي إله ؟‬ ‫وال عقاب وال تعذيب ضمري أو شقاوة ‪ ،‬يقر باألنا وال ينفيها وال يدين اجلسد‬
‫ويكبله هب راءات اخلطيئة ‪ ،‬ويعلي هوى اإلنسان معلن اً كماله ‪.‬‬
‫دعك من آهلة الفالسفة وإليك آهلة االديان ‪:‬‬
‫* إله موسى ال ــذي يقتل األطفال وينتقي بضعة ماليني من البشر كأحباب له‬
‫وخيصهم بالنعيم والرضى ويغضب على املاليري اآلخرين ويزج هبم يف أتون النار‬
‫* إله عيسى الذي ينجب طفال من زوجة فانية وحيمله خطايا البشر ‪.‬‬
‫وقد ق رأت حبكم خلفييت االسالمية لعدد من االهلة مثل ‪:‬‬
‫* إله الصوفيني الذي ال موجود إال هو ‪ ،‬وما الكون إالّ جتلي من جتلياته أو فيضا‬

‫‪48‬‬ ‫‪47‬‬
‫فويرباخ ‪ ..‬ماركس ‪ ..‬والدين ‪..‬‬ ‫فويرباخ ‪ ..‬ماركس ‪ ..‬والدين ‪..‬‬

‫ي ــرى املتديّن إهل ــه ك ــروح مطلقة‪ ،‬و بناء على ذل ــك‪ ،‬يعتقد فويرباخ‪ ،‬أن اهلل‬
‫البشري‪ّ .‬أم ا تعريف اإلله بأنّه‬
‫ّ‬ ‫املثايل للعقل‬
‫ّ‬ ‫‪-‬كروح مطلقة‪ -‬هو االنعكاس‬
‫للحب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قوة اخلري املطلقة‪ ،‬فما هو إال انعكاس لألخالق البشريّة و‬ ‫ّ‬
‫ـان»أم ــا من الناحية النفسيّ ة‬ ‫فويرباخ»‪ ،‬و رأيه يف ال ّدين‪:‬‬
‫كتب فويرباخ‪« :‬إل ــه البشر الوحيد هو اإلن ــس ـ ّ‬ ‫عاش «فويرباخ» بني العامني ‪ 1804‬و ‪ ، 1872‬و درس يف البداية ديانة مسيحيّ ة‬
‫فيعتقد ف ــوي ــرب ــاخ‪ ،‬أن املتديّن ال ــذي خياطب إهل ــه أث ــن ــاء ال ــص ــاة‪ ،‬أّن ــا خياطب‬
‫الص ورة‪ ،‬أو املاهيّ ة اليت يتمناها لنفسه‪.‬‬ ‫أجنليكانيّ ة‪ ،‬و بعد هناية ال ــد راس ــة‪ ،‬حت ـ ّـول إىل أستاذه هيغل و درس الفلسفة‪.‬‬
‫نفسه‪ ،‬أو نفسه األخرى‪ ،‬أي‪ :‬خياطب ّ‬ ‫مل يتبع فويرباخ فلسفة أستاذه «هيغل»‪ ،‬بل بدأ العمل على تطوير فلسفة‬
‫كتب فويرباخ‪« :‬اإلنسان هو ما يأكل “خيطيء الكثريون عندما يعتقدون أن‬
‫مادي عن نوعية ال طّعام و أشكاله‪ ،‬فهذه املقولة‬ ‫خاص ة به‪.‬‬
‫ّ‬
‫فويرباخ يتح ّدث هنا بشكل ّ‬ ‫سياسي‬ ‫فلسفي و‬ ‫تقي‪ ،‬إىل ناقد‬
‫موجهة باألصل ض ّد أستاذه هيغل‪ .‬أراد فويرباخ يف هذه اجلملة أن يهدم فهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تغي فويرباخ خالل حياته‪ ،‬من إنسان مؤمن ّ‬ ‫ّ‬
‫الروح‪ .‬يريد فويرباخ يف هذه اجلملة أن‬ ‫لل ّديانات‪ ،‬و هذا هو ما دعا «ماركس»‪ ،‬لوصفه بأنه «أكرب أنبياء اإلش رتاكية»‪.‬‬
‫املثايل لإلنسان‪ ،‬و حديثه عن ّ‬ ‫ّ‬ ‫هيغل‬
‫تطور األديان البشريّة‪ ،‬هو قدرة البشر‬ ‫حقيقة األديان‪ :‬السبب‬
‫مادي‬
‫يقول‪ ،‬أ ّن اإلنسان هو جزء من األرض‪ ،‬و بذلك فإن اإلنسان هو إنتاج ّ‬ ‫األساسي يف ّ‬
‫ّ‬
‫جاء بطريق املصادفة‪.‬‬ ‫على التفكري و ام ــت ــاك ال ــوع ــي‪ ،‬و ه ــذا ه ــو ال ــف ــرق األس ــاس ـ ّـي ب ــن اإلن ــس ــان و‬
‫النتائج السلبيّ ة للدين‬ ‫احليوان‪ ،‬فاإلنسان يعي وجوده و ال يقوم احليوان بذلك‪ ،‬و لذلك يعيش املرء‬
‫ـؤدي إىل نفي ع ــامل البشريّة األرض ـ ّـي‪ ،‬و ي ــق ــود إىل عدم‬ ‫يف ثنائية (أنا–أنت)‪ّ .‬أم ا هذه الـ «أنت» ‪ ،‬فهي الـ «أنا» اليت انفصلت عن‬
‫‪ 1-‬اإلمي ــان ب ــاإلل ــه‪ ،‬ي ـ ّ‬
‫بالتطور البشريّني‪.‬‬ ‫االهتمام باحلياة و‬ ‫الذات‪ ،‬لتلعب دوراً جديداً يف اجلماعة البشريّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫البشري؛‬ ‫تطور األدي ــان يف املاهيّ ة البشرية‪ ،‬من الهنائيّ ة الوعي‬
‫‪ 2-‬اإلميان باإلله‪ ،‬يعرقل‪ :‬العلم‪ ،‬التق ّدم‪ ،‬التوعية و احلريّة ‪ ...‬هذا يعين أنّه‬ ‫ّ‬ ‫و ينبع أصل ّ‬
‫يعارض العمل من أجل حياة أفضل‪.‬‬ ‫تصرف اإلنسان مع ماهيّ ته ال الّهنائيّ ة‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬فإ ّن ال ّدين هو سلوك أو ّ‬
‫يؤدي إىل عدم التسامح مع الذين ال يؤمنون باإلله ذاته‪،‬‬ ‫األساسي يف الديانة املسيحيّ ة‪ ،‬هو «أمنيات البشر»‪ ،‬و بالتايل‪ ،‬فإ ّن‬ ‫الشيء‬
‫‪ -3‬اإلميان باإلله‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫هذا يعين أ ّن عدم التسامح نتيجة حتميّ ة لألديان‪.‬‬ ‫النهائي‬
‫ّ‬ ‫أساسيّ ات ال ّديانة املسيحيّ ة‪ ،‬هي هذه األمنيات البشريّة يف شكلها‬
‫كارل ماركس» و نظرته إىل ال ّدين‬ ‫عندما تتح ّق ق‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ :‬يتمىن البشر حياة دون كوارث و مصائب‪،‬‬
‫‪:‬عاش «ماركس» بني العامني ‪ 1818‬و ‪ .1883‬و هو ينحدر من أسرة يهوديّة‬ ‫فهذا هو اإلله الذي وجدوه‪ ،‬و كذلك فإن أمنياهتم حبياة سعيدة خالية من‬
‫اعتنقت الربوتستانتيّ ة‪.‬‬ ‫مجيع الكوارث‪ ،‬جعلهم يعتقدون أ ّن هذه احلياة‪ ،‬ستكون موجودة يف العامل‬
‫التطرق يف هذا‬ ‫مهم ة يف الديانة املسيحية‪ ،‬و هي‪ :‬قيامة املسيح‬ ‫اآلخر‪ .‬و هناك نقطة أساسيّ ة ّ‬
‫الص عب احلديث عن مفهوم و نقد ماركس للدين‪ ،‬دون ّ‬ ‫من ّ‬ ‫من األموات‪ ،‬هذه القيامة اليت تعين الرغبة البشرية يف اخللود و عدم املوت‪.‬‬
‫السياق إىل فويرباخ‪ ،‬الذي ش ّك لت أفكاره أساس نظرة ماركس إىل ال ّدين‪.‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪49‬‬
‫فويرباخ ‪ ..‬ماركس ‪ ..‬والدين ‪..‬‬ ‫فويرباخ ‪ ..‬ماركس ‪ ..‬والدين ‪..‬‬

‫مجيع‬
‫«أفيون الشعب “مشهورة هذه العبارة‪ ،‬و لكن‪ ،‬هل يفهم هذه اجلملة ُ‬ ‫ففي الوقت الذي عمل فيه فويرباخ‬
‫من يستخدمها؟‬ ‫على ش ــرح ال ـ ّدي ــن بالنسبة لإلنسان‬
‫الصناعي‪ ،‬و ق ــد فقد‬‫ّ‬ ‫التطور‬
‫ّ‬ ‫ال ــوق ــت ال ــذي ع ــاش فيه م ــارك ــس‪ ،‬ك ــان عصر‬ ‫بشكل جتريدي‪ ،‬يري ماركس اإلنسان‬
‫ألن م‬
‫العم ال يف هذا النوع من الصناعة‪ ،‬العالقة مع البضاعة اليت ينتجوهنا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫جزءاً من جمموعة بشريّة ‪« :‬اإلنسان‪،‬‬
‫حتولوا من منتجني للبضاعة‪ ،‬إىل خدم لآلالت اليت تنتج البضاعة؛ هذا ّأدى‬ ‫ّ‬ ‫هو عامل البشر‪ ،‬الدولة‪ ،‬اجملتمع‪ .‬هذه‬
‫العم ال و إحساسهم باالستغالل‪.‬‬ ‫تذم ر ّ‬ ‫إىل ّ‬ ‫الدولة و ه ــذا اجملتمع‪ ،‬تـُنتج ال ّدين‪،‬‬
‫يف هذا الوقت‪ ،‬نشأت هذه اجلملة «ال ّدين هو أفيون الشعب»‪ .‬أل ّن اإلنسان‬ ‫ال ــذي ه ــو وع ــي مطلق خ ــاط ــيء؛ أل ّن‬
‫اجلسدي مبساعدة األفيون‪ ،‬و كذلك فإ ّن الشعب يستطيع‬ ‫ّ‬ ‫حتم ل األمل‬‫يستطيع ّ‬ ‫أسبابه (ال ــدول ــة و اجملتمع) ه ــي عامل‬
‫حتم ل األمل الناتج عن ب ــؤس احلياة بواسطة ال ــدي ــن‪ .‬فاألفيون يوهم اإلنسان‬ ‫ّ‬ ‫خاطيء»‪.‬‬
‫بشعور السعادة‪ ،‬و كذلك ال ّدين‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬يعتقد ماركس أ ّن إزالة ال ّدين‬
‫‪/1845/http://www.marxists.org/arabic/archive/marx‬‬ ‫ال تعين حصول اإلنسان على كماله‪،‬‬
‫‪feuerbach.htm‬‬ ‫فأسباب نشوء ال ّدين موجودة داخل‬
‫املاديـّة السابقة بأسرها ‪-‬مبا فيها مادية فورباخ‪،-‬‬ ‫‪ -1‬إ ّن النقيصة الرئيسيّ ة يف ّ‬ ‫كل‬
‫البشري قبل ّ‬
‫ّ‬ ‫احلقيقي (احلياة البشريّة)‪ ،‬و جيب تغيري ه ــذا العامل‬‫ّ‬ ‫العامل‬
‫هي أ ّن الشيء (‪ ،)Gegenstand‬الواقع و احلساسية‪ ،‬مل تـُعرض فيها إال‬ ‫شيء؛ لذلك‪ ،‬فإ ّن نضال ماركس مل يكن ض ّد الدين‪ ،‬إ ّن ا ض ّد أسباب وجوده؛‬
‫ـأم ــل‪ ،‬ال بشكل ن ــش ــاط إن ــس ــاينّ‬
‫بشكل م ــوض ــوع (‪ ،)Object‬أو بشكل ت ـ ّ‬ ‫فحقيقة الغربة الدينيّ ة لإلنسان تكمن يف أصلها و مبدئها‪ ،‬أي يف أسباب‬
‫حس ّي؛ و ال بشكل جتربة‪ ،‬ال من وجهة النظر الذاتيّ ة‪ .‬و جنم عن ذلك أ ّن‬ ‫ّ‬ ‫تطورها‪ .‬و بالتايل‪ ،‬فمع القضاء على أسباب هذه الغربة‪ ،‬خيتفي‬ ‫حدوثها و ّ‬
‫طورته املثاليّ ة‪ ،‬و لكن فقط بشكل‬ ‫املادية‪ ، -‬إمنا ّ‬
‫العملي ‪-‬خبالف ّ‬ ‫ّ‬ ‫اجلانب‬ ‫الديين تلقائيا‪ .‬لذلك‪ ،‬جيب أن يكون النضال ض ّد أسباب هذه الغربة‬ ‫ّ‬ ‫الشعور‬
‫احلس ّي كما‬ ‫الواقعي ّ‬
‫ّ‬ ‫جتريدي‪ ،‬أل ّن املثاليّ ة ال تعرف ‪-‬بطبيعة احلال‪ -‬النشاط‬ ‫ّ‬ ‫الدينيّ ة‪ ،‬و ليس ض ّد الغربة الدينية‪.‬‬
‫هو يف األصل‪ .‬و فورباخ‪ ،‬يريد املوضوعات احلسيّ ة اليت تتميز يف احلقيقة عن‬ ‫كتب ماركس يف موضوعاته عن فويرباخ‪:‬‬
‫املوضوعات الفكريّة‪ ،‬و لكنّ ه ال ينظر إىل النشاط اإلن ــس ــاينّ نفسه بوصفه‬ ‫املهم ة‬
‫لكن ّ‬ ‫إن الفالسفة مل يفعلوا غري أن فسروا العامل بأشكال خمتلفة‪ ،‬و ّ‬
‫نشاط اً واقعيّ اً‬ ‫تتقوم يف تغيريه «‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .‬و هل ــذا‪ ،‬مل يـَعتبـِر يف كتابه «ج ــوه ــر املسيحيّ ة» شيئ اً إنسانيّ اً ح ــق ـاً‪ ،‬إال‬ ‫لذلك‪ ،‬يرى ماركس أ ّن نقد ال ّدين جيب أن يكون من أجل املعرفة‪ ،‬أي من أجل‬
‫العملي و مل حي ّدده إالّ من‬
‫ّ‬ ‫النظري ‪ ،‬يف حني أنّه مل ينظر إىل النشاط‬
‫ّ‬ ‫النشاط‬ ‫معرفة حقيقة أساسيّ ات و أصول ال ّدين‪ ،‬و بالتايل‪ ،‬يكتشف اإلنسان التناقض‬
‫«الثوري» ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫التجاري الوسخ‪ .‬و هلذا‪ ،‬ال يدرك أمهيّ ة النشاط‬
‫ّ‬ ‫حيث شكله‬ ‫الومهي (اإلله)‪ ،‬و ماهيّ ة البشر احلقيقيّ ة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بني املخلوق‬
‫‪52‬‬ ‫‪51‬‬
‫فويرباخ ‪ ..‬ماركس ‪ ..‬والدين ‪..‬‬ ‫فويرباخ ‪ ..‬ماركس ‪ ..‬والدين ‪..‬‬

‫للحواس اإلنسانيّ ة‬
‫ّ‬ ‫لكنّ ه ال يعترب احلساسية نشاط اً عمليّ اً‬ ‫«النقدي‪-‬العملي»‪.‬‬
‫لكن اجلوهر‬ ‫ـي يف اجلوهر اإلن ــس ــاينّ‪ ،‬و ّ‬ ‫‪ 6-‬إ ّن ف ــورب ــاخ‪ ،‬يُذيب اجلوهر ال ــدي ـ ّ‬ ‫‪ -2‬إ ّن معرفة ما إذا كان التفكري اإلنساين له حقيقة واقعية ‪ ،‬ليست ‪-‬مطلق اً‪-‬‬
‫اإلنساينّ ليس جتريداً مالزم اً للفرد املنعزل‪ ،‬فهو يف حقيقته جمموع العالقات‬ ‫العملي ينبغي لإلنسان أن‬‫ّ‬ ‫قضيّ ة نظريّة‪ ،‬إ ّن ا هي قضيّ ة عمليّ ة؛ ففي النشاط‬
‫االجتماعيّ ة كافّة‪.‬‬ ‫قوة تفكريه‪ ،‬و وجود هذا التفكري يف عاملنا هذا‪.‬‬ ‫يثبت احلقيقة‪ ،‬أي واقعيّ ة و ّ‬
‫احلقيقي مضطر إذن إىل‪:‬‬‫ّ‬ ‫إ ّن فورباخ‪ ،‬الذي ال ينتقد هذا اجلوهر‬ ‫العملي إمنا‬
‫ّ‬ ‫و النقاش حول واقعيّ ة أو عدم واقعية التفكري املنعزل عن النشاط‬
‫الديين يف ذاته‪ ،‬مفرتض اً وجود‬ ‫ّ‬ ‫يتجرد عن سري التاريخ‪ ،‬و أن يعترب الشعور‬ ‫أن ّ‬ ‫هو قضيّ ة كالميّ ة حبتة‪.‬‬
‫جمرد منعزل‪.‬‬
‫فرد إنساينّ ّ‬ ‫تقر بأن الناس هم نتاج الظروف و الرتبية‪ ،‬و بالتايل‬ ‫‪ -3‬إ ّن النظريّة املاديّة اليت ّ‬
‫أن يعترب ‪-‬بالتايل‪ -‬اجلوهر اإلنساينّ فقط‪ ،‬بوصفه «نوعا»‪ ،‬تعميم اً داخليّ اً‬ ‫تغيوا هم نتاج ظروف أخرى و تربية مغايرة‪ .‬هذه النظريّة‬ ‫بأ ّن الناس الذين ّ‬
‫بعرى طبيعيّ ة حبتة‬
‫أخرس‪ ،‬يربط كثرة من األف راد ً‬ ‫ـرب نفسه حب ــاج ــة إىل‬
‫تنسى أ ّن ال ــن ــاس ه ــم ال ــذي ــن ي ــغ ـ ّـرون ال ــظ ــروف‪ ،‬و أ ّن امل ـ ّ‬
‫ـي » هو نفسه نتاج‬ ‫‪ 7-‬و نتيجة لذلك‪ ،‬ال ي ــرى فورباخ أ ّن «الشعور ال ــدي ـ ّ‬ ‫الرتبية؛ و هلذا‪ ،‬فهي تصل ‪-‬بالضرورة‪ -‬إىل تقسيم اجملتمع قسمني‪ ،‬أحدمها‬
‫اجتماعي‬
‫ّ‬ ‫اجملرد الذي حي لّ له‪ ،‬يرجع يف احلقيقة إىل شكل‬ ‫اجتماعي‪ ،‬و أ ّن الفرد ّ‬ ‫فوق اجملتمع (عند روبرت أوين مث الً)‬
‫معي‪.‬‬‫ّ‬ ‫إ ّن ات ــف ــاق ت ــب ـ ّدل ال ــظ ــروف و النشاط اإلن ــس ــاينّ‪ ،‬ال ميكن حبثه و فهمه فهم اً‬
‫كل األس رار اخلفيّ ة اليت‬
‫‪ 8-‬إ ّن احلياة االجتماعية هي باألساس حياة عمليّ ة‪ .‬و ّ‬ ‫عقالنيّ اً‪ ،‬إالّ بوصفه عم الً ثوريّاً‪.‬‬
‫العملي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫جتر النظريّة حنو الصوفيّ ة‪ ،‬جتد حلوهلا العقالنيّ ة يف نشاط اإلنسان‬ ‫ّ‬ ‫‪ 4 -‬إ ّن فورباخ‪ ،‬ينطلق من واقع أ ّن ال ّدين يُبعد اإلنسان عن نفسه‪ ،‬و يشطر‬
‫و يف فهم هذا النشاط ‪.‬‬ ‫الديين‬
‫ّ‬ ‫جر العامل‬
‫واقعي‪ ،‬و عمله ينحصر يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫العامل إىل عامل ديين موهوم‪ ،‬و عامل‬
‫املادية اليت ال تعترب احلساسية‬ ‫املادية التأمليّ ة ‪-‬أي ّ‬ ‫‪ 9-‬إ ّن ال ّذ روة اليت بلغتها ّ‬ ‫إىل قاعدته األرض ــيّ ــة‪ ،‬و ه ــو ال ي ــرى أنّــه م ــى انتهى ه ــذا العمل‪ ،‬بقي الشيء‬
‫تأم ل أف راد منعزلني يف «اجملتمع املدين»‪.‬‬ ‫نشاط اً عمليّ اً‪ ،-‬إ ّن ا هي ّ‬ ‫الرئيسي غري منجز‪ ،‬و الواقع أ ّن القاعدة األرضيّ ة تفصل نفسها عن نفسها‪،‬‬ ‫ّ‬
‫املادية‬
‫املاديـّة القدمية هي اجملتمع «املدين»؛ و وجهة نظر ّ‬ ‫‪ 10-‬إ ّن وجهة نظر ّ‬ ‫و تنقل نفسها إىل السحاب‪ ،‬بوصفها ملكوت اً مستق الًّ‪ ،‬ال ميكن تفسريه إالّ‬
‫اجتماعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫البشري‪ ،‬أو البشريّة اليت تتـّسم بطابع‬ ‫ّ‬ ‫اجلديدة هي اجملتمع‬ ‫بالنزعات و التناقضات ال ّداخلية املالزمة هلذه القاعدة األرضيّ ة‪ .‬جيب إذن‪،‬‬
‫فس روا العامل بأشكال خمتلفة‪ ،‬و لكن‬ ‫‪ 11-‬إ ّن الفالسفة مل يفعلوا غري أن ّ‬ ‫ثوري‪ ،‬عن‬‫ّأوالً فهم هذه األخرية يف تناقضها‪ ،‬و بعد ذاك جيب تعديلها بشكل ّ‬
‫تتقوم يف تغيريه‪.‬‬
‫املهم ة ّ‬ ‫ّ‬ ‫سر العائلة املق ّدسة‬‫طريق إزالة هذا التناقض؛ و عليه‪ ،‬حني يكتشف ‪-‬مث الً‪ّ -‬‬
‫يف العائلة األرض ــيّ ــة‪ ،‬فيجب انتقاد العائلة األرضية نفسها نظريّاً و حتويلها‬
‫قصي عبد الرمحن‬ ‫عملي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ثوريّاً بشكل‬
‫احلس ّي؛ و‬
‫بالتأم ل ّ‬‫ّ‬ ‫‪ 5-‬إ ّن فورباخ‪ ،‬الذي ال يـُرضيه التفكري اجمل ـّـرد‪ ،‬يستنجد‬
‫‪54‬‬ ‫‪53‬‬
‫األخالق يف اإلسالم‬ ‫األخـالق يف اإلسالم‬

‫يف عقول الناس منذ طفولتهم؛‬


‫و تعاد عليهم و تكرر بشكل‬
‫ـدل هبا‬
‫جي ــع ــل ــه ــا «ف ــط ــريّ ــة» ي ــس ــت ـ ّ‬
‫عوض اً عن البحث عن إثباهتا‪.‬‬ ‫كررهتا بشكل دائم فسيصدقها الناس يف النهاية»‬ ‫إذا كذبت كذبة كبرية و ّ‬
‫و ما أريده هنا ليس نقض هذه‬ ‫جوزيف غوبلز – وزير اإلعالم األملاين يف العهد النازي‬
‫األك ــذوب ــة «ال ــغ ــوب ــل ــزي ــة» فقط و‬ ‫تعتمد ثقافتنا العربية ‪-‬بشكل شبه كامل‪ -‬على تشجيع التلقني و احلفظ و‬
‫ت ــب ــي ــان أ ّن اإلس ـ ــام ال ع ــاق ــة له‬ ‫اململ أن آيت بأمثلة‬
‫حماربة التجديد و اإلبداع و االختالف‪ ،‬و لعله من التك رار ّ‬
‫ب ــاألخ ــاق؛ ب ــل أك ــث ــر م ــن ذل ــك‪،‬‬ ‫على ذل ــك‪ ،‬فمن ع ــاش يف منطقتنا و درس يف م ــدارس ــن ــا و جامعاتنا يعرف‬
‫أن طريق النجاح و التفوق هو احلفظ و االستظهار و التك رار‪ّ ،‬أم ا الفهم و‬
‫أري ــد مناقشة أ ّن ال ــدي ــن عموم اً‬
‫و اإلس ـ ـ ـ ـ ــام خ ــص ــوص ـ ـاً ن ــق ــي ــض‬ ‫البحث فهو لزوم ما ال يلزم‪ ،‬فاألمر سيّ ان فيه و بدونه‪.‬‬
‫فع ال‬ ‫قوة‪ ،‬و حتارب‬ ‫بكل ّ‬‫و تشجع األنظمة و العقائد الشمولية الدوغمائية ذلك ّ‬
‫لألخالق و يساهم بشكل ّ‬ ‫التحري عند الناس‪ ،‬فالعقائد‬
‫األخالقي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حس هم‬
‫يف تشويه نفسيّ ة املؤمنني به و قتل ّ‬ ‫الفردي و ملكة البحث و ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬بقوة مماثلة‪ -‬التميـَّز‬
‫ّ‬
‫األخالقي حسب رأيي‪:‬‬ ‫ألبدأ ّأوالً بتعريف األخالق و الشخص‬ ‫الشمولية ‪-‬العلمانية منها و الدينية‪ -‬تق ّدم نفسها بصفتها مالكة احلقيقة‬
‫ّ‬ ‫أي اختالف مع طروحاهتا اليت تق ّدم على‬
‫تضره‪ ،‬يفعلها اإلنسان‬
‫تصرفات غرييّة ال تنفع فاعلها و غالب اً ما ّ‬ ‫األخالق هي ّ‬ ‫املطلقة و هلا حساسية زائدة جتاه ّ‬
‫لذاهتا من دون توقّع منفعة مباشرة تعود عليه منها و ليس خوف اً من عواقب‬ ‫أهن ــا مس لّ مات غ ــر قابلة للنقاش؛ و بديهيّ ات ال حتتاج إىل إث ــب ــات‪ .‬و تنبع‬
‫إذا امتنع عن القيام هبا‪.‬‬ ‫أي أساس‬‫احلساسية ال ـزائ ــدة من ك ــون معظم ه ــذه الطروحات ال تقوم على ّ‬
‫فبالنسبة للقسم األول من التعريف‪ :‬عندما يلتزم اإلنسان اإلخالص لزوجه أو‬ ‫عقالين ميكن الدفاع عنه منطقيّ ا‪ ،‬و يبقى البديل األفضل هو فرض الفكرة‬
‫الشك يف ال ــن ــاس‪ ،‬مث قمع و إخ ـراس من يبقى‬‫ّ‬ ‫قس راً و قتل ملكة املناقشة و‬
‫زوجته فهو يقوم حبرمان نفسه من متع كبرية‪ ،‬و عندما يكون التاجر صادق اً‬
‫يف معامالته فهو حيرم نفسه من أرباح أكثر ميكن أن تعود عليه‪ ،‬و عندما‬ ‫من األف راد القالئل الذين استطاعوا حترير عقوهلم و ملكوا قدرة التحليل و‬
‫يقوم احملسن بالتربع مباله أو وقته للفق راء فهو خيسر هذا املال أو الوقت الذي‬ ‫املناقشة‪.‬‬
‫كان ميكن إنفاقه على نفسه‪ ،‬و عندما مينع اإلنسان نفسه عن السرقة فهو‬ ‫كررهتا و تكررها‬ ‫و أريد يف هذا املقال مناقشة واحدة من هذه «املس لّ مات» اليت ّ‬
‫حيرم نفسه من املال املسروق و هكذا‪...‬‬ ‫الدوغما الدينية عموم اً و اإلسالمية خصوص اً بشكل مكثف‪ ،‬حبيث أقنعت‬
‫اآلن نأيت إىل مناقشة القسم التايل و األهم كث ريا‪« :‬يفعلها اإلنسان لذاهتا من‬ ‫هبا حىت بعض العلمانيني و املتنورين‪ ،‬هذه املسلمة هي أ ّن اإلس ــام م رادف‬
‫دون توقع منفعة مباشرة تعود عليه منها و ليس خوف اً من عواقب إذا امتنع‬ ‫األخالق‪ ،‬فمن ال دين له هو بالضرورة ال أخالق له‪ .‬حتشر هذه «البديهية»‬
‫‪56‬‬ ‫‪55‬‬
‫األخالق يف اإلسالم‬ ‫األخالق يف اإلسالم‬

‫تثري هذه األسئلة الغثيان يف نفسي و االحتقار لسائلها‪ ،‬فهو ال يسرق و ال‬ ‫عن القيام هبا»‬
‫ينام مع ّأم ــه و ال يقتل ‪-‬فقط‪ -‬أل ّن كتابه قال له ذل ــك‪ ،‬و طمع اً يف احلور‬ ‫فاليت ال ختون زوجها خوف اً من أن يقتلها أو يطلقها ال ميكن أن أقول عنها أهنا‬
‫األبدي و تبديل‬‫ّ‬ ‫كل نكاح؛ و خوفا من الشواء‬ ‫اللوايت يرجعن عذارى بعد ّ‬ ‫واللص الذي ال يسرق خوف اً من قطع‬ ‫ّ‬ ‫على ُخ لُ ق عظيم‪ ،‬بل هي خائفة فقط‪.‬‬
‫أي نوع من األنواع‪.‬‬ ‫أخالقي من ّ‬
‫ّ‬ ‫ألي مبدأ‬
‫املتكرر بعد النضج‪ ،‬و ليس ّ‬ ‫ّ‬ ‫اجللود‬ ‫يده فليس شريف اً و ذا أخالق‪ .‬و احملسن الذي يتربع علن اً كي يتح ّدث الناس‬
‫لسان حال ه ــؤالء يقول أنّــه لو مل يكن هناك عقاب و ال ث ــواب فسيقومون‬ ‫عن كرمه؛ فما هو إالّ منافق‪.‬‬
‫بكل ذلك‪ ،‬و أسأل هنا‪ :‬أين هي األخالق؟ هل األخالق هي الطمع و اخلوف؟‬ ‫ّ‬ ‫ـود و الديه و أهله طمع اً يف امل ـراث أو التجارة بأمواهلم فليس إالّ‬ ‫و ال ــذي ي ـ ّ‬
‫العصا و اجلزرة؟ من يقاد بالعصا و اجلزرة هم القطيع و الدمهاء‪ ،‬سواء أكان‬ ‫حتن على ولدها الصغري كي يطيعها و يكرمها يف كربها‬ ‫تاج را‪ .‬و األم اليت ّ‬
‫هذا القطيع من البشر أو من البهائم؛ ال فرق يذكر‪ ،‬و القطيع و الدمهاء ليس‬ ‫فما هي إال ُم رابية تدين ابنها دين اً تريد اس ــرداده أضعاف اً مضاعفة الحق اً‪ .‬و‬
‫شك أ ّن الدمهاء و الغوغاء و اللصوص حيتاجون‬ ‫هلم أخالق؛ بل غ رائز فقط‪ .‬ال ّ‬ ‫أفرق هنا بني املصلحة املباشرة و غري املباشرة‪ ،‬فالفعل اجليّ د‬ ‫األمثلة كثرية‪ ...‬و ّ‬
‫لكن القوانني البشريّة تستطيع ردعهم دون‬ ‫تصرفاهتم‪ ،‬و ّ‬ ‫العقوبات لضبط ّ‬ ‫حتب ولدها ألنّه ولدها و ليس‬ ‫فاألم اليت ّ‬
‫كث رياً ما يدور و يرت ّد على صاحبه‪ّ ،‬‬
‫أي نوع‪.‬‬
‫احلاجة إىل آهلة؛ و دون ّادعاءات أخالقيّ ة من ّ‬ ‫يفض ل‬
‫لشيء آخر؛ سيبادهلا ولدها شعورها على األغلب‪ ،‬و التاجر الصادق ّ‬
‫العصايب اإلس ــام ـ ّـي بني‬
‫ّ‬ ‫األم ــر اآلخ ــر ال ــذي ال ب ـ ّد من اإلش ــارة إليه هو الربط‬ ‫الناس التعامل معه دوم اً‪ ،‬و احملسن الذي ينقذ الناس من غائلة اجلوع قد يرت ّد‬
‫األخالق و العفة اجلنسيّ ة للم رأة خصوص اً‪ ،‬األمر املوروث عن العادات البدويّة‬ ‫عليه ذلك جمتمع اً أكثر أمن اً‪ ،‬و األمثلة كثرية هنا أيض اً‪ ،‬و حىت لو مل يرت ّد عليه‬
‫العوام يوجد تكافؤ شبه مطلق‬ ‫ّ‬ ‫للبيئة اليت نشأ فيها اإلسالم‪ ،‬فبالنسبة ملعظم‬ ‫الفعل على اإلطالق‪ ،‬فهناك من الناس من يفعل اخلري أل ّن ذلك مينحه السعادة‬
‫لدي ما أضيفه فيه‪.‬‬ ‫بني األمرين‪ ،‬و هذا املوضوع قـُتل حبث اً بالطبع و ليس ّ‬ ‫ألي غرض آخر‪.‬‬ ‫فقط؛ و ليس ّ‬
‫جمرد قانون عقوبات و مكافآت دنيويّة و‬ ‫اإلس ــام ليس أخالق اً‪ ،‬اإلس ــام هو ّ‬ ‫ن ــأيت هنا إىل إلس ــام‪ ،‬ال ض ــرورة لتك رار بيان متع اجل ــنّ ــة و ع ــذاب ال ــن ــار‪ ،‬فما‬
‫اإلسالمي للخري طبع اً) كي يفوز‬
‫ّ‬ ‫أخرويّة‪ ،‬املسلم يعمل اخلري (حسب املفهوم‬ ‫كتب عنها يكفي و يزيد‪ ،‬فقد جت ــاوزت األدب ــيّ ــات اإلسالميّ ة ك ـ ّـل احل ــدود يف‬
‫للشر أيض اً) كي يتجنّ ب‬ ‫الشر (حسب مفهوم اإلس ــام ّ‬ ‫باجلنّ ة‪ ،‬و يتجنّ ب ّ‬ ‫بيان اجلوائز اليت سيغدقها اإلله على أتباعه املطيعني و العقوبات املرعبة اليت‬
‫النار‪ .‬و ال أعتقد أ ّن أحداً حياول أن جيعل كتاب قانون العقوبات مرجع اً يف‬ ‫تنتظر من خيالف أوامره حىت وصلت إىل مرحلة اإلسفاف و االبتذال يف ذلك‬
‫يتجزأ من العقيدة اإلسالميّ ة‪ ،‬و املؤمن‬‫األخ ــاق‪ .‬اخلوف من اهلل هو جزء ال ّ‬ ‫على الطرفني‪ :‬العقوبات واملكافئات‪ .‬يف نقاشايت مع املؤمنني تواجهين دوم اً‬
‫ـأي شكل من األشكال‪ ،‬و هذا طبع اً‬ ‫احلقيقي ال ميكنه أن يأمن مكر إهله ب ـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫األسئلة التقليديّة التالية‪:‬‬
‫يكفي؛ فالعقوبات الوحشي ة الدنيوي ة تنتظر من مل خيافوا بشكل كافٍ‬ ‫ال‬ ‫‪ -‬ما الذي مينعك من ممارسة اجلنس مع ّأم ك و أختك؟‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من عقوبات اآلخ ــرة‪ .‬الطمع باجلنة هو اجل ــزء الثاين‪ ،‬و هذا أيض اً ال يكفي؛‬ ‫‪ -‬ملاذا ال تسرق طاملا ال حسيب و ال رقيب؟‬
‫فالسبايا و الغنائم و الس راري تسكب الع زاء مؤقّ ـت اً يف قلوب من ال يستطيع‬ ‫‪ -‬ملاذا ال تقتل الناس طاملا ال حساب و ال عذاب؟‬
‫‪58‬‬ ‫‪57‬‬
‫األخالق يف اإلسالم‬ ‫األخالق يف اإلسالم‬

‫يغي تب ّدل الزمن و املكان‬ ‫مر العصور بدون استثناء‪ ،‬و مل ّ‬ ‫اجملتمعات و على ّ‬ ‫املؤج لة‪.‬‬
‫انتظار املكافأة ّ‬
‫من ذلك شيئ اً‪.‬‬ ‫مرة أخرى‪ ،‬أين األخالق يف الرشوة و الرتهيب؟‬ ‫أسأل ّ‬
‫احلريّة الفكريّة و‬
‫متغيات ال يوجد اتفاق كامل عليها؛ مثل ّ‬ ‫باملقابل توجد ّ‬ ‫لنناقش اآلن القسم الثاين و األهم يف املوضوع‪ ،‬و هو تشويه الدوغما اإلسالمية‬
‫الديين‪...‬‬
‫ّ‬ ‫العمري و‬
‫ّ‬ ‫اجلنسي و‬
‫ّ‬ ‫العنصري و‬
‫ّ‬ ‫اجلنسيّ ة و نبذ العبوديّة و التمييز‬ ‫لنفسيّ ة و أخالق معتنقيها‪ ،‬إذ لو كان اإلسالم حياديّاً جتاه األخالق فال ضرر‬
‫إخل‬ ‫يف ذل ــك على اإلط ــاق‪ ،‬فقليل م ــن الفلفل و ال ــب ــه ــارات األخ ــرويّــة إلخ ــاف ــة أو‬
‫أكاد أمسع متلمل اإلسالميّ ني هنا و هم يقولون‪ :‬و هل يقول فكرنا غري ذلك؟‬ ‫العام ة و اجلهلة ‪-‬الذين ال فكر هلم و ال أخالق أص الً‪ -‬إن مل تنفع فلن‬ ‫ترغيب ّ‬
‫فبكل بساطة يقوم‬‫ّ‬ ‫اإلسالمي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الكارثي للفكر‬
‫ّ‬ ‫املنهجي‬
‫ّ‬ ‫لكن هنا يأيت اخلالف‬ ‫تضر‪ ،‬رغم أ ّن القوانني و العقوبات البشريّة أكثر من كافية لضبط اجملتمعات؛‬ ‫ّ‬
‫ه ــذا الفكر على أ ّن عقل اإلنسان ‪-‬ك ـ ّـل اإلنسان بال استثناء‪ -‬قاصر و ال‬ ‫و عندنا التاريخ بطوله و عرضه لنقارن بني الدول املتديّنة و بني قليلة التديّن‬
‫يضره‪ ،‬و جيب بالتايل أن يتبع توجيهات اإلله‬ ‫ميكن له التمييز بني ما ينفعه و ّ‬ ‫أي دور يف ضبطها‪.‬‬ ‫لنرى إذا كان الدين يلعب ّ‬
‫يضره‪ ،‬و حىت لو اجتمعت‬ ‫الذي خلقه‪ ،‬و بالتايل هو أعلم منه مبا ينفعه و ما ّ‬ ‫األول من املقال لبيان ملاذا يفعل املسلم املتديّن اخلري؛ و هو‬ ‫صت القسم ّ‬ ‫خص ُ‬ ‫ّ‬
‫يهم ذلك قيد‬ ‫آراء الناس على عدم رغبتها يف اتباع هذه التوجيهات فال ّ‬ ‫الشر؛‬
‫فبغض النظر عن السبب يف فعل اخلري و جتنّ ب ّ‬ ‫ّ‬ ‫ذو أمهّ يّ ة قليلة نسبيّ ا‪،‬‬
‫بكل بساطة‪ ،‬و هكذا‬ ‫أمن ــل ــة‪ ،‬ف ــاإلل ــه سيجعلهم أخالقيّ ني «غصب اً عنهم» ّ‬ ‫سواء كان أخالق اً فعليّ ة أو جتارة مع اإلله؛ فاملطلوب حاصل و اجملتمع يف خري‬
‫خاص ة‬
‫جند أ ّن «األخالق» الدينيّ ة قد انفصلت عن الناس و أصبح هلا قيمة ّ‬ ‫لكن الكارثة تأيت عندما يسأل املرء‪ :‬كيف أعرف‬ ‫كل الناس سعداء‪ ...‬و ّ‬ ‫و ّ‬
‫خاص هبا و أصبح الناس يف خدمة‬ ‫ّ‬ ‫هبا حب ّد ذاهتا و أصبحت تسبح يف فضاء‬ ‫أخالقي و ذاك غري أخالقي؟‬ ‫ّ‬ ‫أقرر أ ّن هذا األمر‬
‫الشر؟ كيف ّ‬ ‫اخلري و ّ‬
‫ـدت خلدمة‬‫الطبيعي ال ــذي هو أ ّن األخ ــاق ُوج ـ ْ‬
‫ّ‬ ‫األخ ــاق عوض اً عن الوضع‬ ‫املرجع بالنسبة يل هو عقلي ّأوالً و عقول الناس ثاني اً‪ ،‬فما يريده الناس و‬
‫الفكري مقلوب اً متام اً‪ ،‬فعوض اً عن أن أف ّك ر و‬
‫ّ‬ ‫الناس‪ ،‬و بالتايل يصبح املنهج‬ ‫بكل بساطة‪ ،‬فاخلري و األخالق‬ ‫اجملتمع و يرونه مناسب اً هلم فهو اخلري؛ هكذا و ّ‬
‫مضر للناس؛ و أق ـ ّـرر بناءً عليه أنّه‬‫أجرب و أستنتج أ ّن تصرف اً ما مفيد أو ّ‬ ‫اجملرات يف الكون‪ ،‬بل هي لصيقة بالبشر و‬ ‫جمردة مع لّ قة بني ّ‬ ‫ليست مفاهيم ّ‬
‫أخالقي؛ أنتظر رأي اإلله ‪-‬أو باألحرى ُوكالءه األرضيّ ني‪ -‬يف‬ ‫ّ‬ ‫أخالقي أو غري‬
‫ّ‬ ‫بيئتهم و ك رهتم األرضيّ ة اليت يعيشون عليها‪ ،‬و ال معىن هلا بدوهنم‪ .‬اخلري و‬
‫مربرات منطقيّ ة للتصنيف اآليت‬ ‫التصرف مثّ بعد ذلك أقوم بالبحث عن ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذا‬ ‫يضرمها‪.‬‬
‫الشر هو ما ّ‬ ‫األخالق هو ما ينفع احلياة و الناس‪ ،‬و ّ‬
‫الرف فوراً‪ ،‬فال قيمة على‬ ‫من السماء‪ ،‬و يف هذا املنهج يُوضع العقل على ّ‬ ‫تتغي مفاهيم األخ ــاق و تتطور‬ ‫املستمر ّ‬
‫ّ‬ ‫مع تطور اجملتمعات و اإلنسانية‬
‫عملي عن صحة أو عدم صحة الضرر أو النفع املزعوم‬ ‫ّ‬ ‫ألي برهان‬‫اإلطالق ّ‬ ‫معها‪ ،‬فما كان مقبوالً و متفق اً عليه قبل مائة عام؛ قد يُرفض كليّ ةً اليوم‪ ،‬و‬
‫يتم الربهان على عكس النتيجة املفرتضة‪.‬‬ ‫حىت عندما ّ‬ ‫العكس بالعكس‪.‬‬
‫سأقرب الفكرة مبثال حلم اخلنزير‪ ،‬ملاذا هو ُم ّرم؟‬‫قبل مناقشة األمثلة األخالقية ّ‬ ‫أي أرضيّ ة أخالقيّ ة ثابتة‪ ،‬بل على العكس متام اً‪،‬‬ ‫هذا ال يعين ّأن ــا ال توجد ّ‬
‫بكل بساطة أل ّن اهلل ق ــال ذل ــك‪ ،‬نقطة انتهى‪ .‬لكن «العلماء» اإلسالميّ ني‬ ‫ّ‬ ‫كل‬
‫الغش مذمومة و مدانة يف ّ‬ ‫فالقتل و السرقة و الكذب و اخليانة و النفاق و ّ‬
‫‪60‬‬ ‫‪59‬‬
‫األخالق يف اإلسالم‬ ‫األخالق يف اإلسالم‬

‫بث الك راهية الصرحية بني الناس بعقيدة الوالء و ال رباء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الدج الني س طّروا ُم لّ دات يف أض راره املفرتضة اليت أثبتتها «األحباث العلمية»‬ ‫ّ‬
‫الرق و اعتباره شرعيّ اً و لو على مبدأ املعاملة باملثل‪ ،‬بل و حىت‬ ‫الدفاع عن ّ‬ ‫الزغلويل أسرتوخ يف اهلند و الصني‪ ،‬و يقومون بتصيّ د‬‫ّ‬ ‫اليت أج راها نظ راء العامل‬
‫تكفري العبد اهلارب‪.‬‬ ‫أي م ــرض بلحم اخلنزير‪ ،‬و ك ــأ ّن البقر و‬ ‫أي جملة علميّ ة يربط ّ‬ ‫أي مقال يف ّ‬ ‫ّ‬
‫اهلمجي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الردة‬
‫الدفاع املستميت عن ح ّد ّ‬ ‫األغنام ال تنقل أم راض اً‪ ،‬و حىت بالنسبة ملن يعرف أنّــه ال يوجد ما مييّ ز حلم‬
‫اإلص رار على العقوبات اجلسديّة؛ سواء منها اليت هتدف إىل اإليذاء أو تلك‬ ‫الصح ية يقول لك‪ :‬عدم اكتشاف الضرر ال ينفي‬ ‫ّ‬ ‫اخلنزير عن غريه من الناحية‬
‫اليت هتدف إىل اإلذالل‪.‬‬ ‫وجوده‪ ،‬لعله يكتشف الحق اً!‬
‫موضوع معاملة امل ـرأة و حقوقها‪ ،‬و هو موضوع ذو شجون حيتاج جم لّ دات‬ ‫لكن أكل حلم اخلنزير ال يق ّدم و ال يؤخر من ناحية األخالق‪ ،‬املأساة تتب ّدى‬ ‫ّ‬
‫للتوس ع فيه‪]item/[.‬‬
‫ّ‬ ‫عند تطبيق منهج التفكري ه ــذا على األخ ــاق و اخل ــر و ال ــش ــر‪ .‬تطبيق هذا‬
‫لكل‬
‫حمم د و صحابته أخالقـيّ ا ‪-‬مهما كانت منافية ّ‬ ‫تصرفات ّ‬‫تربير مجيع ّ‬ ‫أي‬
‫املنهج بشكل أعمى؛ و احتقار العقل متام اً و عدم تقبـّل مناقشة صالحيّ ة ّ‬
‫قيم و أخالق‪ -‬و اعتبارها ُم ـث الً عليا‪.‬‬ ‫تعاليم و توصيات يف القرآن و السنّ ة للعصر و قيمه و حماولة فرض و تثبيت‬
‫املربر الذي متّ باسم اإلسالم على شعوب العامل يف‬ ‫تربير الغزو و العدوان غري ّ‬ ‫قيم بدو اجلزيرة العربية قبل ‪ 1400‬عام على العامل بأسره اليوم؛ ّأدى لألسف إىل‬
‫ما يطلق عليه اسم «الفتوحات اإلسالمية»‬ ‫جعل اإلسالم و املسلمني خصوص اً هدف اً سه الً يسهل الطعن فيه من الناحية‬
‫ه ــذا ناهيك ع ــن الكثري م ــن األم ــور األخ ــرى ال ــي ال أري ــد اإلط ــال ــة و اإلم ــال‬ ‫تقل خ رافيّ ة عن اإلس ــام‬
‫األخالقيّ ة حىت من متبعي العقائد األخ ــرى ال ــي ال ّ‬
‫بذكرها‪ ،‬حيث ميكن االطالع على الكثري منها من خالل املنتدى و غريه‪.‬‬ ‫معي‪ ،‬ليس هلدف مناقشتها‪،‬‬ ‫نفسه‪ ،‬و هنا سأسرد بعض األمثلة بغري ترتيب ّ‬
‫ائعي‬
‫عندما أق رأ الردود اإلسالمية على هذه «الشبهات» و ما فيها من تربير ذر ّ‬ ‫لكن أهدف من‬ ‫فهي قد قـُتلت حبث اً و مل يبق فيها ما يقال من الطرفني‪ ،‬و ّ‬
‫النص ما ال حيتمل أو أحيان اً متجيد‬ ‫تارة و تلفيق صريح تارة أخرى و حتميل ّ‬ ‫اإلسالمي الذي‬
‫ّ‬ ‫جتميعها مع اً إىل تبيان اهلاوية األخالقيّ ة اليت يقبع هبا الفكر‬
‫التصرف و اعتبار أنّه ليس باإلمكان أفضل ممّا كان‪ ،‬أشعر مبدى التشويه و‬ ‫ّ‬ ‫نصب نفسه حام الً للواء القيم و املثل العليا‪:‬‬
‫النفسي الذي يلحق مبق ّدسي النصوص و مق ّدمي النقل على العقل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اخل راب‬ ‫الشماتة بضحايا ال ــك ــوارث الطبيعيّ ة‪ ،‬حيث يذكر اجلميع ‪-‬فيما أعتقد‪-‬‬
‫ال يسعين إالّ أن أذكر القول الشهري لعامل الفيزياء ستيفن واينربغ‪:‬‬ ‫املخازي اليت قاهلا العديد من املشايخ عن استحقاق الضحايا للعقوبة اإلهلية‬
‫[‪Good people will do good things, and bad people‬‬ ‫حبقهم‪.‬‬
‫‪will do bad things. But for good people to do bad‬‬ ‫اإلسالمي)‬
‫ّ‬ ‫معاملة الولد الناتج عن عالقة غري شرعيّ ة (أو ابن الزنا بالتعبري‬
‫‪]things, that takes religion‬‬ ‫و التمييز ض ّده‪ ،‬برغم اع رتاف اإلسالميّ ني أنفسهم بأنّه ال ذنب له يف خطأ و‬
‫«األشخاص اجليّ دون يقومون بأعمال جيّ دة‪ ،‬و األشخاص السيّ ئون يقومون‬ ‫الديه!‬
‫بأعمال سيئة‪ ،‬و لكن جيب وجود الدين كي يقوم األشخاص اجليّ دون بأعمال‬ ‫الدفاع املستميت عن سخافة الطالق الذي يقع بلفظه ض ّد أي منطق و عقل‪.‬‬
‫‪62‬‬ ‫‪61‬‬
‫األخالق يف اإلسالم‬ ‫األخالق يف اإلسالم‬

‫سيّ ئة»‬
‫أردت أن أخلّص املقال ميكنين مجع أفكاره كالتايل‪:‬‬
‫إذا ُ‬
‫أي دين‪ ،‬و الناس‬ ‫مستقل عن ّ‬
‫ّ‬ ‫املنظومة األخالقية موجودة حب ّد ذاهتا بشكل‬
‫يفرغ األخالق من مضموهنا‬ ‫السيء‪].‬اإلسالم ّ‬
‫بكل بساطة ما هو اجليّ د و ّ‬‫تعرف ّ‬
‫حيوهلا إىل جتارة؛ بربطها بنظام العقوبات و املكافآت‪.‬‬ ‫و ّ‬
‫حيول األخ ــاق إىل‬
‫اإلس ــام يلغي دور العقل يف املنظومة األخالقية‪ ،‬و بالتايل ّ‬
‫جمرد اتباع أعمى لتعاليم معيّ نة؛ أل ّن اإلسالم أتى هبا و ليس اقتناع اً بفائدهتا‪.‬‬
‫ّ‬
‫اإلسالم يثبّ ت املنظومة األخالقيّ ة البشريّة عند نقطة زمنيّ ة مكانيّ ة حم ّددة هي‬
‫اجلزيرة العربيّ ة قبل ‪ 1400‬سنة‪ ،‬و يرى ّأن ا الكمال املطلق واضع اً نفسه ‪-‬و‬
‫تطور و تق ّدم املعتقدين به‪.‬‬
‫حبق‪ -‬أكرب عقبة تقف يف طريق ّ‬ ‫ّ‬

‫‪Syrian River‬‬

‫‪53‬‬ ‫‪63‬‬
‫العفاف اجلنسي ‪...‬‬ ‫العفاف اجلنسي ‪...‬‬

‫فلنأخذ اإلسالم على سبيل املثال‪ ،‬فإىل جانب مشروعية «نكاح اجلواري»‪،‬‬
‫كان زواج املتعة من أحد أبرز القضايا اخلالفية اليت ال ت زال قائمة حىت اليوم‪،‬‬ ‫بعيدًا عن طبيعية اإلنسان واجملتمع الصحي‬
‫فض الً عن كوهنا إحدى أعمدة اخلالف بني السنة والشيعة‪ .‬مث كانت أنواع‬
‫أخرى من االلتفافات والفتاوى كزواج امليسار وسواه‪.‬‬ ‫على خالف الفكرة الشائعة لدى السواد األعظم من شعوب املنطقة العربية‬
‫بشكل ٍ‬
‫موافق لألديان كان أكثرها‬ ‫ٍ‬ ‫لكن أكثر أشكال تلبية احلاجة اجلنسية‬ ‫ورمبا العامل‪ ،‬مل يرتبط ظهور فكرة العفاف والتعفف اجلنسي مع ظهور األديان‬
‫إحداث اً للخلل يف اجملتمع‪ .‬حيث تعد ظاهرة الزواج كحل شرعي للممارسة‬ ‫وخصوص اً السماوية منها‪ ،‬بل إن هلذا املفهوم على اختالف أسبابه وجوانبه‬
‫اجلنس داءً اجتماعي اً مقلق اً ألبعد احل ــدود‪ ،‬فكم من الغلمان الذين دفعوا‬ ‫وف ــح ــواه ج ــذوراً ض ــارب ـةً بالتاريخ‪ ،‬وق ــد يعود ج ــزء منه إىل جانب غ ـرائ ــزي قد‬
‫للزواج ليجدوا أنفسهم آباءً عن عم ٍر ال جياوز العشرين عام اً‪ .‬أو حىت شبان‬ ‫بشكل مشابه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يوجد عند بعض احليوانات كما يوجد عن اإلنسان أو‬
‫حلاجة جنسية دون أي تصور أو هتيئة نفسية‬ ‫ٍ‬ ‫ورج ــاالً يافعني تزوجوا ٍ‬
‫تلبية‬ ‫الفالسفة اإلغريق مل ينبذوا املمارسة اجلنسية باعتبارها «عاراً» أو «خطيئة»‪،‬‬
‫لتحمل أع ــب ــاء األس ــرة‪ ،‬دون أي منظومة م ــن القيم أو األخ ــاق أو التقاليد‬ ‫بشكل مباش ٍر صريح على «شيوعية جنسية» يف سبيل‬ ‫ٍ‬ ‫بل إن بعضهم شجع‬
‫حل طار ٍئ للتعامل‬‫يسعون لتوريثها ألبنائهم‪ .‬فتكون العملية الرتبوية جمرد ٍ‬ ‫حتقيق النسل األفضل ال ــذي يضمن للدولة املدينة بقائها وتطورها‪ .‬إال أن‬
‫مع طفال ال يعدو كونه «حتصيل حاصل»‪.‬‬ ‫نبذ هؤالء الفالسفة للجنس جاء على أساس تغلب اإلنسان على غ رائزه يف‬
‫تشوه اجتماعي ثقايف آخر يطرح نفسه على الساحة‪ ،‬هو اإلحباط والكبت‬ ‫سبيل إغالب العقل على اجلسد (أو الروح كما اعتربها البعض حمرك اً للرغبة‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫اجلنسي ال ــذي يتحول يف معظم األحيان يف حال عدم التعامل معه‬ ‫اجلنسية)‪.‬‬
‫صحي إىل سلوك عدواين اجتاه الذات واجملتمع وامل رأة‪ .‬فمن املفرتض أن تكون‬ ‫وقد ال يكون التاريخ واضح اً حول ارتباط اجلنس للمرة األوىل مبفهوم العار‪،‬‬
‫هناك عالقة تفسر حجم التخلف واالضط راب االجتماعي والعنف املوجه‬ ‫وه ــل ك ــان ذل ــك مقتص راً على اجلنس خ ــارج إط ــار الزوجية أم أن ــه ك ــان ع ــاراً‬
‫ضد امل رأة يف جمتم ٍع ما‪ ،‬ومدى الكبت اجلنسي والتزمت الديين يف هذا اجملتمع‪،‬‬ ‫بشكل عام‪ .‬لكن اجليل األخري من األديان‪ ،‬وخصوص اً السماوية منها‪ ،‬كرست‬ ‫ٍ‬
‫مصر وأفغانستان والسعودية مثاالً‪ .‬وال أجد أصلح تفس رياً هلذه احلالة من‬ ‫ه ــذه ال ــف ــك ــرة‪ ،‬ووض ــع ــت التعفف ع ــن اجل ــن ــس (إىل ج ــان ــب التعفف ع ــن عدة‬
‫القول بأن الكبت اجلنسي يلعب دور كبري وقد ال أبالغ إذا قلت أحد األدوار‬ ‫ملذات جسدية أخرى) بدي الً عن تقاليد التضحية تقرب اً لآلهلة يف الديانات‬
‫الرئيسية يف تشكل هذا السلوك العدواين املوجه يف كافة االجتاهات‪ ،‬واملتمثل‬ ‫القدمية األسطورية‪ ،‬فأصبحت التضحية اجلديدة هي التضحية برغبات اجلسد‬
‫على وجه التحديد يف احتقار امل رأة واالعتداء عليها والتحرش هبا‪.‬‬ ‫وملذاته‪.‬‬
‫علمي اً‪ ،‬ميكننا إسقاط هذه املعضلة على هرم ماسلو للحاجات اإلنسانية‪،‬‬ ‫إال أن مفهوم العفاف اليت تفرتض األدي ــان أنه املفهوم الصحي الطبيعي وأن‬
‫فاالستجابة للغريزة اجلنسية تأيت يف قاعدة اهلرم‪ ،‬أي يف بداية السلم‪ ،‬وبدوهنا‬ ‫كل ما س ــواه ش ــذوذ واحن ـراف فشل متام اً يف إثبات «طبيعيته» وحسن أث ــره‪.‬‬

‫‪66‬‬ ‫‪65‬‬
‫العفاف اجلنسي ‪...‬‬ ‫العفاف اجلنسي ‪...‬‬

‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫ال ميكن االستم رار بالصعود‪ ،‬أو على األقل ال ميكن االستم رار بالصعود‬
‫سليم وصحي‪ .‬كذلك قد يصطدم البعض من املتعففني باجلنس مرة أخرى‬
‫يف قمة اهل ــرم‪ ،‬حيث تغدو املمارسة اجلنسية بالنسبة للبعض إح ــدى أرك ــان‬
‫«حتقيق ال ــذات»‪ ،‬وب ــدون هذه املمارسة يصبح اإلنسان حمبط اً ومهزوزاً‪ .‬وقد‬
‫يبدو من اإلسفاف مبكان القول‪« :‬أنا أم ــارس اجلنس إذاً أنا موجود»‪ ،‬إال أن‬
‫إعادة التفكري يف هذه العبارة من منظور علم نفسي بدالً من منظور الفلسفة‬
‫شيء من املنطق‪.‬‬ ‫الوجودية قد يفضي إىل ٍ‬
‫خالص ةً بإمكاننا القول بأن وجود اإلحباط اجلنسي ونتائجه السلبية أصبح‬
‫أم راً ال ميكن إنكاره منطقي اً‪ .‬ومن املفهوم جلوء الناس إىل الزواج أو االلتفاف‬
‫على ال ــدي ــن أو «تطوير» ال ــدي ــن (كما يسميه البعض) ليتماشى م ــع احلياة‬
‫احلالية كإضافة مفاهيم ك ــ»زواج املتعة» وغ ــره‪ .‬كما بإمكاننا القول هنا‬
‫أن االع ـراف باملشكلة هو ثالثة أرب ــاع احل ــل‪ ،‬أما اهل ــرب منها بإحدى الطرق‬
‫السابقة أو غريها فهو تشوه اجتماعي ثقايف على أفضل األحوال‪ .‬ويف سط ٍر‬
‫واحد ختام اً أقول‪« :‬التعفف اجلنسي ليس حال ةً طبيعي ةً صحي ةً كما تصورها‬ ‫ٍ‬
‫األديان‪ ،‬بل على العكس هو سبب يف مشاكل واضط رابات وتشوهات نفسية‬
‫واجتماعية مؤذية جداً وأثرها ميتد ليسمم معظم أعمدة احلياة الصحية»‪.‬‬

‫‪68‬‬ ‫‪67‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬ ‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬

‫س الرفيعة يف كافة أحناء القبيلة وأصبح ذو سيط حممود وموثوق بني مجيع‬
‫اجملتمع احمليط به‪ .‬ولكن عندما يستغل س ثقت الناس به عن طريق اإلدعاء‬
‫ب ــأن هناك ملك ن ــوراين امس ــه جربيل قد ن ــزل عليه وه ــو يف غ ــار ح ـراء ليطلعه‬
‫على أمور ستحدث يف مستقبل البشرية‪ ,‬هذا ما يتناىف مع أخالق س الذي‬ ‫هل اإلميان والعقائد أن تسلب إنسان اً بصره مث تعاقبه إذا مل َير‪ ،‬وأن تعطي آخر‬
‫عهدناه صادق اً‪ .‬وقد يدعي س أيض اً أنه قد رأى الفيل يطري جبناحني يف السماء‬ ‫بصرا قويًّا مث تكافئه ألن بصره قوي(عبد اهلل القصيمي‬ ‫ً‬
‫مث ذلك الفيل قد أرسل الوحي ليخربه عن األمم اليت ستدخل النعيم واألمم‬ ‫مدخل عام‪ :‬يف البداية جيب علينا أن نعرف أن املسألة األخالقية – كغريها ‪-‬‬
‫اليت ستدخل اجلحيم أي النار– أعاذنا اهلل وإياكم منها –‪ .‬ولكن !! عندما‬ ‫مسألة فكرية شغلت بال املفكرين والفالسفة منذ القدم‪ ,‬فطرحت نفسها‬
‫ال يكون هناك دليل‪ ,‬لن أقول لكم دليل مادي بل دليل معقول منطقي اً على‬ ‫على ط ــاول ــة احل ــوار وال ــن ــق ــاش‪ .‬ت ــع ــددت اآلراء واألف ــك ــار يف ش ــأهن ــا مم ــا أدى إىل‬
‫األق ــل يؤكد صحة كالمه‪ ,‬بوجود الفيل الطائر عندئذ ينتقل س من ذلك‬ ‫ظهور مدارس أخالقية عديدة ( األبيقورية‪ ,‬السفسطائية‪ ,‬الرواقية‪ .) ...‬وكان‬
‫الشخص اخللوق والصادق إىل شخص استغاليل يستغل ثقة الناس به ليحقق‬ ‫للمفكرين اإلغريق ( أبيقور‪ ,‬أرسطو‪ ,‬سق راط‪ ,‬أفالطون ‪ ) ....‬دور ب ــارز يف‬
‫طموحاته للوصول مث الً إىل حكم العشرية‪.‬‬ ‫دفع مسألة األخالق إىل التحليل العقلي والنقاش الفكري‪ .‬فمث الً راج املذهب‬
‫وهذا املثال ينطبق متام اً على شخصية الدين عندما جنرده من قدسيته ونتعامل‬ ‫العقلي عند الفالسفة اليونان القدماء وك ــان اإلل ـزام اخللقي عندهم خيضع‬
‫معه بعني الناقد الذي يبحث مبوضوعية وجترد‪.‬‬ ‫للعقل فنجد أن هريقليطس (‪ 475‬ق ‪ .‬م ) آية الفعل النبيل خضوعه لقانون‬
‫هلذا إن األخالق اجلميلة اليت يدعي الدين األحقية فيها واألسبقية يف معرفتها‬ ‫العقل وآية الفعل اخلسيس منافاته هلذا القانون‪ ،‬وجرى يف هذا التيار سق راط‬
‫هي بكل بساطة إحدى الطرق ال ربامجاتيكية ( الذ رائعية ) اليت يستخدمها‬ ‫( ‪ 399‬ق ‪ .‬م ) الذي أرجع األخالق إىل العقل ومن مث كانت الفضيلة علم اً‬
‫الدين للحصول على أكرب عدد من املؤيدين لعقيدته وأفكاره‪.‬‬ ‫والرذيلة جه الً‪.‬‬
‫واملشكلة اخلُلقية حاهلا كأي مشكلة تعرتض الفكر اإلنساين الذي حياول أن‬
‫حيل مشكالته ليتجه حنو الكمال‪.‬‬ ‫والدين أيض اً أظهر أفكاره يف األخالق كونه جزء من التاريخ الثقايف واإلنساين‬
‫فلقد حارت املسألة األخالقية وترددت بني ( األخالق النظرية ) وهي أخالق‬ ‫الطويل ليحاول بشكل أو بآخر تأكيد معتقده – كما سنرى – أو إلثبات‬
‫الفلسفة وبني علم االجتماع األخالقي‪.‬‬ ‫وج ــوده ودح ــض حجج نقاده فاألخالق بالنسبة للدين ش ــيء أساسي لعمل‬
‫والب ــد من اإلش ــارة إىل أن التيارات األخالقية – كما أسلفنا – قد تباينت‬ ‫دعاية للعقيدة اليت يتبناها بني الناس أعين على سبيل املثال أن الشخص س‬
‫حلوهلا املطروحة يف املشكلة اخللقية فتصدر عن وجهة نظر عقلي حمض تارًة‬ ‫ذو أخالق رفيعة من صدق وأمانة وإخالص ‪ ...‬اخل‪ .‬جاء ع‪ 1‬وحتدث لـ ع‪2‬‬
‫أو عن تفكري جترييب خالص ت ــارًة أخ ــرى‪ ,‬غري أهن ــا مجيع اً ال خت ــرج عن كوهنا‬ ‫عن أن أخالق س رائعة مث ع‪ 2‬حتدث لـ ع‪ 3‬و ع‪ 4‬وهكذا انتشر خرب أخالق‬

‫‪70‬‬ ‫‪69‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬ ‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬

‫تعب رياً أيديوجلي اً وفلسفي اً ألصحاهبا ‪.‬‬


‫أ ‪ -‬علم األخالق األخالق هي دراس ــة‪ ,‬وتقييم السلوك اإلنساين على ضوء‬ ‫واحلقيقة أن العثور على حلول متعددة للمشكالت األخالقية ال ي ــأيت من‬
‫القواعد األخالقية اليت تضع معايري للسلوك‪ ,‬يضعها اإلنسان لنفسه أو يعتربها‬ ‫العلم وإمنا يصدر عن العقل‪ ,‬فاألخالق ليست غريبة عن ضرورات العقل وال‬
‫الت زامات وواجبات تتم بداخلها أعماله أو هي حماولة إلزالة البعد املعنوي‬ ‫ميكن للحياة األخالقية أن تستغين عن ذلك اجلهد العقلي الذي حياول معرفة‬
‫لعلم األخ ــاق‪ ,‬وجعله عنص را مكيف اً‪ ,‬أي أن األخ ــاق هي حماولة التطبيق‬ ‫دواعي الواجب معرفة واضحة‪ .‬فاحلياة األخالقية إذن ال تقوم بال تأمل وتفكري‬
‫العلمي‪ ,‬والواقعي للمعاين اليت يديرها علم األخالق بصفة نظرية‪ ,‬وجمردة ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫عندئذ إال إهلام اً أعمى‪.‬‬ ‫وإذا مل تكن األخالق معقولة فلن تكون‬
‫وكلمة أخالق ‪ ETHIC‬مستخلصة من اجلدار اليوناين ‪ ,ETHOS‬واليت‬ ‫سأبدأ بتعريف علم األخ ــاق وتوضيح بعض املفاهيم األخالقية ألنتقل إىل‬
‫تعين خلق‪ .‬وتكون األخالق ‪ ETHIC‬طقما من املعتقدات‪ ,‬أو املثاليات‬ ‫نقد ربط األخ ــاق بوجود اهلل‪ ,‬فهناك حجج نقدية عديدة يف هذا املوضوع‪,‬‬
‫املوجهة‪ ,‬واليت تتخلل الفرد أو جمموعة من الناس يف اجملتمع < ‪> 1‬‬ ‫وسأنتهي بنقد األخ ــاق الدينية‪ ,‬حيث أن ــي سأتعامل مع الدين مبعزل عن‬
‫إن علم األخ ــاق حي ــاول أن حي ــدد لإلنسان مبادئ العمل وق ــواع ــد السلوك‪.‬‬ ‫القدسية‪ ,‬أي بعد جتريده من قدسيته اليت حيفها به أصحابه‪ ,‬فهم يرونه ذلك‬
‫ينطلق دائ ــم ـاً للبحث ع ــن امل ــث ــل العليا وحتقيق م ــا جي ــب أن ي ــك ــون فيطلق‬ ‫الكائن األليف الذي ال يتجاوز عتبات دور العبادة‪.‬‬
‫أحكام اً تسمى أحكام وجوب أي أحكام قيم وهذا ما جيعل من علم األخالق‬ ‫وهبذا سيكون سري املقال وفق املنهجية التالية‪:‬‬
‫علم معياري ويقربه من علم املنطق يف آلية استشفاف األحكام آنفة الذكر‪.‬‬ ‫مدخل عام‬
‫إالّ أن هناك من الفالسفة يفرقون بني نوعني من األخالق وصفي ومعياري‪:‬‬ ‫علم األخالق – تعريفات ضرورية –‬
‫فالوصفي أي العادات اليت يتبعها جمتمع من اجملتمعات يف شؤون حياته أما‬ ‫وفيه أربعة فروع ‪ :‬علم األخالق‪ ,‬اإلنسان كائن أخالقي‪ ,‬القيمة األخالقية‪,‬‬
‫املعياري فهي نظرة فلسفية حتدد مواطن اخلري والشر يف مطلق الزمان‪.‬‬ ‫املذهب العقلي يف األخالق‬
‫ولكن ميكن املزج بني النوعني السابقني – أي بني األخالق الوصفية واملعيارية‬ ‫نقد فكرة ارتباط األخالق بوجود اهلل (اإلله واألخالق(‬
‫– فأعتقد أن األخالق النظرية جيب أن ترتجم إىل الواقع أي نقل األفكار من‬ ‫نقد األخالق الدينية (مشكلة األخالق الدينية(‬
‫حيز العقل اجملرد إىل حيز الواقع العملي ‪ ....‬وقد قال األستاذ تيسري شيخ‬
‫األرض يف كتابه « الفحص ع ــن أس ــاس األخ ــاق « ك ــام ـاً يبني ال ـراب ــط بني‬ ‫أوالً‪ :‬علم األخالق – تعريفات ضرورية يوجد بعض التعاريف واملصطلحات‬
‫األخالق الوصفية واملعيارية ‪:‬‬ ‫املهمة والشائكة يف علم األخالق جيب توضيحها‪ ،‬وإذا مل يتم ذلك قد يؤدي‬
‫واحلقيقة أن الفالسفة يُفرقون عادة بني أخالق وصفية وأخرى معيارية‪.‬‬ ‫إىل س ــوء فهم من املتلقي أو صعوبة يف فهم تعابري ال نستخدمها غالب اً يف‬
‫أما األوىل فهي العادات اليت يتبعها جمتمع من اجملتمعات يف شؤونه احليوية‬ ‫حياتنا ألهنا باعتقادي نتاج فكري صرف‪ .‬وهلذا سأقدم بشكل وجيز وخمتصر‬
‫يف خ ــال ف ــرة م ــن ال ــزم ــن يف ح ــن أن ال ــث ــان ــي ــة ن ــظ ــرة فلسفية تُــري ــد أن حت ــدد‬ ‫تعاريف وأولوليات جيب معرفتها قبل الشروع يف صلب موضوعنا األساسي‪.‬‬
‫‪72‬‬ ‫‪71‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬ ‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬

‫تقول نظرية أخالقية معيارية إنه من اخلطأ دائم اً قتل أي خملوق ميلك القدرة‬ ‫للمجتمعات كلها كل مواطن اخلري والشر يف هذه العادات يف مطلق الزمان‬
‫على تقرير مستقبله ومل خيرت أن يُقتل‪.‬‬ ‫وهي من هذه الناحية تتطلع إىل مثل أعلى‪ .‬إذا تأملنا هذا التفريق وجدنا أنه‬
‫ه ــذه ليست نظرية ح ــول ما هو ص ــواب أو خطأ من األشياء اخلاصة بل ما‬ ‫خيلط بني مستويني مستوى املمارسة ومستوى النظر‪ ,‬فالعادات االجتماعية‬
‫هو صواب أو خطأ من أنواع األشياء‪ .‬فالشخص الذي يعمل على مستوى‬ ‫تدخل يف مستوى املمارسة يف حني أن تقوميها يدخل يف مستوى النظر‪ .‬وإذا‬
‫األخالق التطبيقية ووافق على هذا اخلُلُ ق املعياري سوف حياول عندئذ ويرى‬ ‫اعرتفنا بأن هناك ارتباط اً بني املمارسة والنظر كان َّ‬
‫البد لنا من أن نرى كيف‬
‫ما هل ــذه القاعدة من متضمنات لقضايا نوعية كتلك املتعلقة باستنساخ‬ ‫يؤدي أحد املستويني إىل اآلخر‪.‬‬
‫البشر والقتل الرحيم وخري احليوانات‪.‬‬ ‫فاألخالق املعيارية مبا حتمله من قيم ميكن أن ننزهلا إىل حيز التنفيذ وجنعلها‬
‫لكن اجلدل ميكن أن يرتفع ثانية إىل مستوى آخر يسمى « األخالق العليا‬ ‫تأخذ هلا مكان اً يف الواقع‪ ,‬واألخالق يف مستوى املمارسة ميكننا أن خنضعها‬
‫‪ « meta-ethics‬ويعاجل حالة االدعاءات األخالقية بصورة عامة مثال ذلك‬ ‫للتأمل ونرفعها إىل مستوى القيم لنرى خريها من شرها ويف هذه احلال ميكن‬
‫حني يقول أحدهم من اخلطأ قتل أي خملوق ميلك املقدرة على تقرير مستقبله‬ ‫تنقيحها والعودة هبا إىل الواقع خالية من شوائب الشر‪ .‬إن املستوى األول‪:‬‬
‫اخلاص ومل خيرت أن يُقتل ‪ .‬ما نوع االدعاء الذي يُ ّدعى؟ أيقول شيئ اً صادق اً أم‬ ‫هو مستوى النظر يف حني أن املستوى الثاين‪ :‬هو مستوى العمل‪ ,‬ولكن من‬
‫يقول قوالً كاذب اً؟ أم أنه يعرب عن رأي وحسب؟ هل يقول شيئ اً ينطبق على‬ ‫خالل تنقيح أحدمها اآلخر وتفاعله جدلي اً معه < ‪. > 2‬‬
‫كل أحد أم على أشخاص فقط من ثقافة معينة أو فرتة تارخيية معينة؟ ما‬
‫أساس ما يقول؟ واألخالق أهي راسخة اجلذور يف الطبيعة البشرية أم يف اهلل‬ ‫وقد قسم الكاتب جوليان باجيين ‪ Julian Baggini‬يف كتابه « الفلسفة‬
‫أم خنلقها حنن فقط؟ هذه القضايا لألخالق العليا تدور حول الطبيعة العامة‬ ‫مواضيع مفتاحية «‬
‫لألخالق وبنيتها ال حول ما هو صائب من األفعال وما هو خاطئ‬ ‫“‪ “ Philosophy Key Themes‬األخالق إىل ثالثة أنواع‪:‬‬
‫<‪>3‬‬ ‫يف املستوى األكثر عملية تدور الفلسفة األخالقية حول ما جيب أن نفعله يف‬
‫أي موقف معني ميكن أن نسمي هذا مستوى األخالق التطبيقية ‪applied‬‬
‫علم األخالق باختصار‪ :‬جمموعة من املبادئ النظرية والقواعد العملية اليت‬ ‫‪ ethics‬ومعظم املناقشات يف وسائل اإلعالم تتم على هذا املستوى وتتضمن‬
‫جيب على الفرد إتباعها ليحيا حياته الطبيعية‪ ,‬أي احلياة اإلنسانية السوية‬ ‫أسئلة من قبيل‪ :‬هل من الصواب نسخ كائن بشري؟ هل قتل الرحيم خط أً‬
‫اليت جتعل املرء يعيش بسالم مع بين جنسه‪.‬‬ ‫أخ ــاق ــي ـاً؟ ‪ .....‬لإلجابة ع ــن أسئلة ك ــه ــذه ك ــث ـراً م ــا حي ــت ــاج امل ــرء الصعود إىل‬
‫مستوى أع ــل ــى ودراس ــة النظريات العامة عما ي ــك ــون ص ــواب ـاً فعله أو خطأ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬اإلنسان كائن أخالقي‪:‬إن إح ــدى املمي زات الكربى للوجود اإلنساين‬ ‫يقودنا هذا إىل مستوى األخالق املعيارية ‪ normative ethics‬حيث جند‬
‫هي اعتبار اإلنسان كائن اً أخالقي اً حيتضن يف أعماقه قوة باطنية هي الشعور‬ ‫نظريات عامة عن أنواع األشياء الصائبة واخلاطئة‪ .‬وهبذه الصورة ميكن مث الً أن‬
‫‪74‬‬ ‫‪73‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬ ‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬

‫فالقيمة األخالقية هي اخلاصة املميزة لفعل أخالقي نرغب فيه ويكون جدير‬ ‫األخالقي أو الضمري الذي حيكم على األفعال اإلنسانية على ضوء ما تستحقه‬
‫بالطلب‪.‬‬ ‫م ــن قيم أخ ــاق ــي ــة‪ .‬ول ــق ــد ع ــرف اإلن ــس ــان ه ــذه التجربة األخ ــاق ــي ــة وه ــذا امليل‬
‫د ‪ -‬املذهب العقلي يف األخالق‪:‬يوجد مذاهب أخالقية كثرية وعديدة إال أن‬ ‫حنو اخل ــر عملي اً منذ بداية ظهور احلياة االجتماعية‪ ,‬فأخذ يصدر أحكام اً‬
‫أقواها هو املذهب العقلي‪.‬‬ ‫تقوميية على سلوكه وعلى سلوك غريه من الناس‪ .‬وإذا كان صحيح اً أن لدى‬
‫فاالجتاه العقلي يف األخالق يرى الواجب أو اإلل زام أنه يصدر عن سلطة باطنية‬ ‫اإلنسان حاجات ودوافع عضوية يسعى إلشباعها مثله يف ذلك كمثل غريه‬
‫يف اإلنسان نفسه هي ( العقل ) وليس من سلطة إهلية كما يرى الدين‪ ,‬إن‬ ‫من الكائنات األخرى إال أنه خيتلف عن تلك الكائنات مجيع اً يف أنه الكائن‬
‫الدين ينظر إىل اخلري كما يريده اهلل لنا فريبط بني فعل اخلري والطاعة ومن هنا‬ ‫الوحيد الذي يستطيع م راقبة دوافعه وإعالء غ رائزه ‪.‬‬
‫كان فعل اخلري يؤدي إىل طاعة اهلل وبالتايل دخول اجلنة‪.‬‬ ‫<‪>4‬‬
‫لقد لقي ه ــذا االجت ــاه – أي املذهب العقلي ‪ -‬دع ــاة بني الفالسفة اليونان‬ ‫ج – القيمة األخالقية* القيمة بشكل عام‪ :‬حاضرة يف سلوك اإلنسان‪ ,‬حتدد‬
‫قدمي اً وكما حتدثنا يف بداية هذا املقال عن هريقليطس وسق راط فهرقليطس‬ ‫اجت ــاه هذا السلوك وترسم مقوماته فهي ت ــازم عملنا ومتثل مطالبنا الدائمة‬
‫وجد أن آية الفعل النبيل خضوعه لقانون العقل وآية الفعل اخلسيس منافاته‬ ‫واملؤقتة‪ .‬مثال ذلك ‪ :‬من األجدر أن يكون اإلنسان شجاع اً ال جبان اً ‪ ,‬قوي اً ال‬
‫هلذا القانون وجرى على دربه سق راط الذي أرجع األخالق إىل العقل ومن مث‬ ‫ضعيف اً‪ ،‬فالقيام هبذا التفضيل يسمى تقومي اً ‪.‬‬
‫كانت الفضيلة علم اً والرذيلة جه الً‬ ‫تبدو لنا القيمة يف ث ــوب نرغب فيه أو ه ــدف نبتغي نواله أو ت ــوازن نسعى‬
‫هل رذيل ةٌ (‪.‬‬ ‫واجل‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫فضيل‬ ‫لم‬ ‫) العِ‬ ‫لتحقيقه‪ ,‬إن القيمة قد تتبدد عندما حنصل عليها ولكن ال تزول هنائي اً ألهنا‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يف ض ــوء ه ــذا االجت ــاه العقلي ص ــدرت آراء تلميذ س ــق ـراط‪ ,‬أي أف ــاط ــون‪ ,‬يف‬ ‫ستظهر يف مطلب جديد‪.‬‬
‫فكرة اإلل زام اخللقي حيث يتحقق عنده اخلري األقصى أو السعادة لإلنسان‬ ‫إن اللذة والفرح والسعادة – وهي قيم ‪ -‬تفقد أحسن هبجتها حني منلكها‬
‫بإخضاعه الشهوات احلسية لصوت العقل والعقل هو الذي يلزم اإلنسان‬ ‫ولكن تعود من خ ــال أم ــل جديد يف حياتنا وباختصار القيمة تتمثل كل‬
‫بإتباع اخلري وجتنب الشر‪ .‬وبالتايل فإن ذلك يتعارض متام اً مع فكرة الدين‬ ‫هدف خنتاره ونرغب فيه أو نفضله كاحلقيقة والصحة والسعادة كلها قيم‬
‫اليت جتعل من عقولنا قاصرة وغري قادرة على التفريق بني ما هو خري لنا أو‬ ‫نرغب فيها ونبتغي احلصول عليها‬
‫شر لنا‪.‬‬ ‫* أما القيمة األخالقية‪ :‬هي أمسى القيم ألهنا غاية بذاهتا وال تقاس بنفعها وتعلو‬
‫قد رأت املدرسة الرواقية ( وضع أصوهلا زينون ‪ 264 - 336‬ق‪.‬م ) أن اإلل زام‬ ‫كل القيم األخرى مبا فيها القيم العقلية والفكرية اليت ال تتمتع هبذه القيمة‬
‫اخللقي على اتصال وثيق بالعقل‪ ,‬فالعقل وحده هو الذي حيدد قيم ومقياس‬ ‫الرفيعة إال إذا اجتهت اجتاه اً أخالقي اً يقرب الناس من بعضهم لبعض ليحقق‬
‫اخلري و الشر ومن هنا كان شعار املدرسة الرواقية ال رائع‪ (( :‬عش على ٍ‬
‫وفاق‬ ‫هلم اخلري الذي يصبون إليه ‪ ,‬أفعال اإلنسان األخالقية املتنوعة من استقامة‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫الطبيعة )) أي مبقتضى العقل‪.‬‬ ‫مع‬ ‫وإيثار وأمانة مجيعها ذات قيم أخالقية ألهنا جديرة بالتقدير والطلب وعموم اً‬
‫َ‬
‫‪76‬‬ ‫‪75‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬ ‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬

‫أخرى جديدة حيث أنه يف احلجة اجلديدة كانت أكثر حبك ةً وهي احلجة‬
‫األخالقية على وج ــود اهلل‪ ,‬إذ أهن ــم ي ــرون السبب الوحيد ال ــذي جيعل الناس‬ ‫ثاني اً‪ :‬نقد فكرة ارتباط األخ ــاق بوجود اإلل ــه ( اإلل ــه واألخ ــاق )‪ :‬بات عند‬
‫يظنون من املهم وجود اهلل هو أن وجود األخالق مستحيل بدون وجود اهلل‬ ‫الدينيني أمر الدفاع عن اهلل هو أمر أساسي بل هو واجب إمياين ميليه عليهم‬
‫واملرشح الوحيد الذي سيسن لنا القواعد األخالقية ومعايري اخلري والشر هو‬ ‫دينهم ومتأصل يف نفوسهم وعقوهلم ‪.‬‬
‫اهلل‪ ,‬ولكن هناك انتقادات كثرية قد وجهت إىل احلجة األخالقية مل حيسب‬ ‫لقد ت ــع ــددت طرقهم يف ذل ــك ويف ك ــل م ــرة يظهر لنا امل ــؤم ــن ــون حبلة جديدة‬
‫حساهبا الدينيني‪.‬‬ ‫من األدل ــة ف ــت ــارًة ي ــوردون احلجة الغائية أي إن وج ــود اإلل ــه هو أفضل تفسري‬
‫من تلك االنتقادات ما حتدث عنه برت راند راسل يف « ملاذا لست مسيحي اً «‬ ‫للنظام الكوين الذي يُعترب من أعقد املشكالت اليت واجهت اإلنسان حيث‬
‫بقوله‪:‬‬ ‫أن اإلنسان بقي فرتة طويلة يؤمن بـ ( اآلهلة ) فيلحق كل شيء يف الطبيعة مل‬
‫فهناك صيغة تقول أنه الوجود للخري والشر مادام اهلل غري موجود‪ ,‬وأنا هنا‬ ‫يستطيع تفسريه بإله مستقل وهكذا قد ظهر عنده إله الريح كون اإلنسان‬
‫لست معني اً بالتحقيق عما إذا كان هنالك مثة اختالف بني اخلري والشر أم‬ ‫القدمي ال يعلم ما هو تفسري الرياح ومن أين تأيت وكيف تنشأ ؟ وإله املاء وإله‬
‫ال‪ ,‬فهذا سؤال آخر‪ ,‬ولكنين معين بطرح السؤال اآليت‪ :‬إذا كنتم واثقون من‬ ‫الشمس ‪ ...‬وقد جاء النقاد اآلن وأثبتوا لنا أنه ال دليل على أن هذا النظام قد‬
‫وجود االختالف بني اخلري والشر‪ ,‬فإنكم ستكونون عالقني يف موقف وهو‪:‬‬ ‫قام به مصمم ذكي وخارق وأن بالوسع تفسري الكون من خالل الفيزياء ‪ ...‬مث‬
‫هل هذا متوقف على كينونة اهلل ؟ فإذا كان هذا متعلق اً هبا‪ ,‬فهذا يعين أن‬ ‫حتدث املؤمنون عن احلجة الكونية اليت تقول بأن اهلل واجب الوجود وهو العلة‬
‫اهلل ال ي ــك ــرث ب ــاالخ ــت ــاف ب ــن اخل ــر وال ــش ــر‪ ,‬وي ــع ــي أن ــه ال ي ــوج ــد أي فحوى‬ ‫األوىل للكون ألن الكون ال ميكن أن يكون علة نفسه ( وهذه الفرضية قال هبا‬
‫حقيقية عن طيبة اهلل‪ .‬وإذا كنتم ستتخذون نفس موقف الالهوتيني‪ ,‬أن اهلل‬ ‫الكندي سابق اً ) ووجهت انتقادات واسعة لفرضية العلة األوىل ‪..‬‬
‫طيب‪ ,‬فعليكم أن تعرتفوا أن اخلري والشر ميلكان نفس املعىن وأهنما مستقالن‬ ‫منها أنه ال يوجد لدينا مربر الف رتاض ضرورة وجود علة من هذا القبيل أي اهلل‬
‫عن كينونة اهلل‪ ,‬ألن كينونة اهلل طيبة حسب تصوركم وأيض اً كما خلقها‪.‬‬ ‫يف األصل ليس ضروري اً وجوده ألنه لن يضيف شيئ اً جديداً لتفكرينا بل سيأزم‬
‫حينئذ أن تقولوا أنه ليس بواسطة اهلل يأيت اخلري والشر إىل‬ ‫ٍ‬ ‫كما أنكم جمربون‬ ‫الوضع أكثر ومن هنا قال الشاعر الع راقي مجيل صدقي الزهاوي‪:‬‬
‫الوجود‪ ,‬بل يكونان يف جوهر منطقهما سابقني على وج ــود اهلل‪ .‬وبالطبع‬ ‫ملا جهلت من الطبيعة أمرها وأقمت نفسك يف املقام ِ‬
‫معلل‬
‫– إذا كنتم ترضون هبذا – ستستطيعون أن تقولوا أن مثة كائن متعال يقوم‬ ‫ِ‬
‫مشكل‬ ‫أثبت رب اً تبتغي ح الً به للمشكالت فكان أكرب‬
‫بإمالء أوامره على اإلله الذي صنع هذا العامل‪> 5 < .‬‬
‫كما أنه إن وجدت تلك العلة األوىل للكون فليس من الواضح السبب الذي‬
‫لقد حتدث أيض اً عن تلك احلجة واالنتقادات اليت وجهت إىل فكرة ارتباط‬ ‫يدفعنا إىل اف رتاض أن هذه العلة هي اهلل‪.‬‬
‫األخالق بوجود اهلل األستاذ جوليان باجيين ‪ Julian Baggini‬يف كتابه «‬ ‫لقد احتار املؤمنون ماذا يفعلون كي يثبتوا أن إهلهم موجود فطرحوا لنا فرضية‬
‫‪78‬‬ ‫‪77‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬ ‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬

‫صاحل ألنه صاحل أم أن الصاحل صاحل ألن اإلله خيتاره؟ ( يدور سؤال أفالطون‬ ‫الفلسفة مواضيع مفتاحية «‬
‫عن اآلهلة ال عن اإلله وعن املقدس بدالً من الصاحل لكن النقطة األساسية هي‬ ‫“ ‪ “ Philosophy Key Themes‬وق ــدم أسئلة م ــش ــروع ــة جتعل من‬
‫ذاهتا )‬ ‫احلجة األخالقية على وجود اهلل ضعيفة وهشة – والكالم للمؤلف –‬
‫تأمل اإلم ــك ــان ال ــث ــاين ‪ .‬إذا ك ــان ال ــص ــاحل ه ــو فقط م ــا خي ــت ــاره اإلل ــه فيبدو أن‬ ‫سبب وحيد جيعل الناس يظنون أن من املهم جداً وجود اإلله‪:‬‬
‫التفريق بني الصاحل والطاحل هو تفريق قسري‪ ,‬فما الذي مينع اإلله أن يقرر أن‬ ‫قد يبدو أن تكون األخ ــاق مستحيلة من دون اإلل ــه‪ .‬ويتضمن وج ــود قانون‬
‫القتل صاحل وال رأفة طاحلة مث الً؟‬ ‫يسن القانون والكائن الوحيد الذي هو يف وضع خيوله‬ ‫أخالقي أن يوجد من ّ‬
‫وإذا ك ــان الصاحل وال ــط ــاحل قسريني هب ــذه ال ــص ــورة فإهنما إذن يفقدان قوهتما‬ ‫سن قوانني من هذا القبيل هو اإلله هلذا إذا مل يكن اإلله موجوداً فإن األخالق‬ ‫ّ‬
‫األخالقية ‪.‬‬ ‫غري ممكنة‪.‬‬
‫من املؤكد إذن أن اخليار األول هو الذي جيب أن يصح‪ .‬إن خيار اإلله للصاحل‬ ‫حىت إن بعضهم قد استخدم هذا األمر كدليل على وجود اإلله‪ .‬مل ا كان هناك‬
‫والطاحل ليس قسري اً‪ ,‬ليس كونه خيتار الصاحل هو الذي جيعله صاحل اً إنه خيتار‬ ‫شيء من قبيل األخالق ومل ا كان اإلله وحده قادراً على أن يكون ّمصدرها فإن‬
‫الصاحل ألنه صاحل‪ ,‬لكن هذا يعين أن األشياء الصاحلة صاحلة بصورة مستقلة‬ ‫اإلله واجب الوجود‪ ,‬إن ّاملقدمة األوىل هلذه احلجة موضع تساؤل ألن كوننا‬
‫عن اإلل ــه واختيار اإلل ــه ال جيعلها صاحلة – هي صاحلة قبل أن خيتاره اإلله‬ ‫نتبع القواعد األخالقية ونؤمن بوجود األخ ــاق ال يضمن أن توجد األخالق‬
‫وهذا يعين أن الصالح ال يعتمد على اإلله‪> 7 < .‬‬ ‫مستقلة عنا إمنا نتبع تقاليد بشرية أو قوانني أخالقية أنشأناها حنن ال اإلله‪.‬‬
‫هل ــذا على الرغم من أن ــه ال ري ــب يف ص ــدق وج ــود األخ ــاق بصورة من الصور‬
‫يتابع جوليان باجيين يف كتابه لينتقد فكرة ارتباط اإلله مع األخالق ولكأن‬ ‫ليس واضح اً أن هذه أخالق مبعىن جمموعة من القوانني سنّ تها سلطة إهلية‪.‬‬
‫املؤلف يريد أن يقول لنا أن األخالق منفص الً متام اً عن فكرة امكانية وجود‬ ‫واملقدمة الثانية للحجة أكثر أمهية ألنه سواء كانت احلجة من وجود األخالق‬
‫اهلل!!‬ ‫إىل وج ــود اإلل ــه تعمل أم ال ‪ ,‬فال ي ـزال هناك قضية ما إذا كان إمكان وجود‬
‫كيف ال؟ وأن اإلنسان هو ال ــذي وضع معايري وقيم الصاحل والطاحل‪ ,‬فتلك‬ ‫األخالق يعتمد على اإلله بصورة ما أو ال يعتمد‪> 6 < .‬‬
‫القيم كما رأينا عند املذهب األخالقي العقلي أن اخلري واض ــح ومفهوم يف‬ ‫حي ــدث ــن ــا ج ــول ــي ــان ب ــاج ــي ــي اآلن ع ــن معضلة ي ــوث ــي ــب ــرو ‪The Euthypyro‬‬
‫العقل والشر أيض اً ومع هذا يعود املؤمنني ليقحموا اهلل يف املفهوم األخالقي‪:‬‬ ‫‪Dilemme‬‬
‫لكن إذا كان الصاحل والطاحل ال يعتمدان على اإلله‪ ,‬فهذا يعين أننا ال حنتاج‬ ‫وهي عبارة عن حوار داخلي طرحه أفالطون قدمي اً‪:‬‬
‫اإلله لكي يوجد الصاحل والطاحل إذا كان اإلله غري موجود‪ .‬إذن فإن الصاحل‬ ‫احلقيقة أن أفالطون قبل ‪ 2000‬سنة وضع حجة مقنعة جداً بأن األخ ــاق ال‬
‫والطاحل يظالن موجودين وهكذا ال يوجد عالقة اعتماد متبادل بني اإلله‬ ‫تعتمد على اإلل ــه وذل ــك يف ح ــوار ي ــدع ــى يوثيبريو ‪ Euthypyro‬واحلجة‬
‫والصالح وهكذا ال يُثبت وجود األخالق وجود اإلله كما أن عدم وجود اإلله‬ ‫بسيطة جداً تقوم على األجوبة املمكنة عن سؤال بسيط‪ :‬أخيتار اإلله ما هو‬
‫‪80‬‬ ‫‪79‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬ ‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬

‫وتطرح إستفهامات عديدة ‪..‬‬ ‫لن يهدد األخالق < ‪> 8‬‬
‫بل أكثر من ذلك هناك من العلماء قد قال بأن ( اهلل هو الشر) أي بأن اهلل‬ ‫لقد أثارت معضلة يوثيبريو ضجة كبرية يف األوساط الثقافية بعدما طرحت‬
‫هو الظلمة القصوى والعدو الذي جيب حماربته‪.‬‬ ‫نفسها بشكل أكرب فيما بعد ‪ ...‬حاول املؤمنني إخ راج اهلل من الورطة الكبرية‬
‫اليت وقع فيها‪.‬‬
‫وه ــذا العامل االش رتاكي هو ب ــرودون وحيدثنا األستاذ أندريه ناتاف ‪Andre‬‬ ‫واآلن جوليان يستعرض فكرة املؤمنني اجلديدة مث سيوجه هلا انتقاد حاسم‬
‫‪ Nataf‬يف كتابه‬ ‫للقضية ‪ ...‬علم اً أن باب النقاش مفتوح بالنسبة للمؤمنني ولغري املؤمنني‬
‫« الفكر احلر « “ ‪“ ´La Libre Pensee‬‬ ‫فعندما حياول املؤمنني ‪ -‬كما سنرى اآلن ‪ -‬إجياد حل للمشكالت اليت يعانيها‬
‫وخيربنا أندريه عن ذلك الباحث االش رتاكي الالمع بقوله‪:‬‬ ‫اهلل سيقابل هذا احلل بعش رات االنتقادات وأتساءل ملاذا يا ترى حيدث ذلك؟‬
‫{اهلل هو الشر} برودون ‪) 1809 – 1865 ( Proudhon‬‬ ‫هل ألن فكرة وجود اهلل هشة إىل هذه الدرجة؟؟؟‬
‫معروف كاش رتاكي وكخصم ملاركس‪ ,‬لقد كان كاتب اً أصي الً خرج من الشعب‬
‫كما كان مع باكونني ‪ Bakounine‬أحد مؤسسي الفوضوية‪ ,‬فإن برودون‬ ‫يقول جوليان باجيين يف كتابه‪:‬‬
‫له هذه الصيغة لفكر حر ال يلني { اهلل هو الشر }‪:‬‬ ‫يعد الكثريون هذه احلجة حامسة وحاول بعضهم الرد عليهم‪ .‬فقيل مث الً إن اإلله‬
‫فكرة فيها من املفارقة ما جيعلنا ال نعلم إن كان ينبغي اعتبارها سفسطة أم‬ ‫هو الصالح وهكذا يكون السؤال املطروح يف معضلة يوثيبريو ‪Euthypyro‬‬
‫طفولية أم جتديف اً‪ ,‬مل جيرؤ أح ٌد قبل برودون أن يفكر يف قلب اف رتاض احلس‬ ‫سؤاالً مضل الً اإلله خيتار ما هو صاحل‪ ,‬اإلله هو ذاته صاحل لكن عندئذ يبقى‬
‫السليم املقبول منذ قرون والذي يعترب أن اهلل هو اخلري نظ راً ألن الشر يعود‬ ‫بإمكاننا طرح املعضلة األساسية ذاهتا يف صيغة أخرى‪:‬‬
‫إلبليس أو للخطيئة‪.‬‬ ‫ه ــل اإلل ــه ص ــاحل ألن ال ــص ــاحل ه ــو اإلل ــه مت ــام ـاً مهما ك ــان؟ أو اإلل ــه ال ــص ــاحل ألن‬
‫< ‪> 10‬‬ ‫الصالح متجسد يف اإلله؟‬
‫وبكلمة أخرى أيكون اإلله صاحل اً مهما كانت طبيعته ‪ -‬كلي الرمحة أو كلي‬
‫بعد كل ذلك من النقاشات املطروحة لدينا بعض األسئلة اليت حيق لنا أن‬ ‫النقمة ‪ -‬أم اإلله صاحل ألن ما يعنيه كونه صاحل اً ظاه راً متام اً يف اإلله‪.‬‬
‫نطرحها عليكم‬ ‫إن األجوبة تقود إىل النتيجة ذاهتا‪ :‬إذا كان الصالح غري قسري فإن صالح اإلله‬
‫خي أو كلي احملبة – كما يرى املسيحيون –؟‬ ‫هل اهلل حق اً هو ّ‬ ‫جيب أن يعكس طبيعة الصالح ذاهتا األمر الذي يعين أن مفهوم الصالح قابل‬
‫هل سألنا أنفسنا ‪ ..‬يا تُرى هل اهلل يستحق الصفات احلميدة اليت ننعته هبا؟‬ ‫لالنفصال عن مفهوم اإلله < ‪> 9‬‬
‫كيف يكون اهلل كلي الرمحة واملغفرة واحلنان والشر موجود يف العامل والزالزل‬ ‫إذا كان املؤمنني قد حاولوا الرد على يوثيبريو للتخلص من املعضلة بإدعائهم‬
‫وال رباكني تقتل آالف الناس بدون متييز بني صغري أو كبري بني عاجز أو ام رأة‬ ‫بأن اهلل هو الصالح بقيت فرضية ارتباط األخالق باهلل أمر مثري للشك والريبة‬
‫‪82‬‬ ‫‪81‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬ ‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬

‫‪:> 11‬‬ ‫‪ ...‬من املسؤول عن الطبيعة األساسي يف املفهوم الديين؟ ‪...‬‬


‫أال ترى أن الناس كما هم خملوقون مظلومون ومن الظامل غري اهلل إن صح ما‬ ‫اجلواب هو اهلل؟ إذاً ملاذا يفعل اهلل ذلك طاملا هو كلي الرمحة واحملبة؟‬
‫يزعمون‬ ‫يقودنا ذلك إىل قول أبيقور يف انتقاد رمحة وقدرة اهلل املزعومة بقوله‪:‬‬
‫وهل يصح أن يكون هو الذي ابتالين يف الدنيا الفانية بالعوز والسقم وبشيء‬ ‫(( هل يريد اهلل أن مينع الشر‪ ,‬لكنه ال يقدر؟ حينئذ هو ليس كلي القدرة هل‬
‫من الفهم‬ ‫يقدر لكنه ال يريد ؟ حينئذ هو شرير؟ ))‬
‫زيادة يف البالء مث يهددين يف الدار الباقية بالشقاء ويدعين أقول يف الشكوى‬
‫من هذا القضاء‪:‬‬ ‫وهكذا مل خيطأ اإلش رتاكي الالمع برودون مبقولته (اهلل هو الشر) ‪...‬‬
‫أنا أيوب يف أملي ** ولكن ليس يف صربي‬ ‫وأستطيع أيض اً من خالل أطروحة أبيقور ومقولة برودون أن أنشأ هذه القضية‬
‫هواك فقمت ختربه ** وما قصرت يف ض ِر‬ ‫املنطقية ذات املقدمات والنتائج‪:‬‬
‫ولكين أنا بالعكـ ** س ال أهواك عن عذ ِر‬ ‫مقدمات ‪:Premises‬‬
‫حبيبك منك يف أمل ** وخصمك منك يف ش ِر‬ ‫أ ‪ :‬اذا كان اهلل موجوداً فإنه ذو قدرة عظيمة‬
‫فما أنت الذي يُرجى ** إذا كنت الذي ندري < ‪> 12‬‬ ‫خي وحمب‬
‫ب ‪ :‬اذا كان اهلل موجوداً فإنه ّ‬
‫ج ‪ :‬يوجد شر يف العامل‬
‫***‬ ‫نتائج ‪:Results‬‬
‫أ ‪ :‬اهلل اخلري واملقتدر لن يسمح بوجود الشر ألنه خري‬
‫أهكذا صنعتم ** إهلكم صنع اليد‬ ‫ب ‪ :‬اهلل ‪ -‬الكلي القدرة والكلي الرمحة ‪ -‬مل يستطع إزالة الشر من مملكته‬
‫إن كان هذا ربكم ** يا أمم اً مل ِ‬
‫هتتد‬ ‫إذن اهلل ال ميكن أن يكون موجود ألنه ليس كلي القدرة وألن الشر بقي موجود‬
‫ِ‬
‫ملحد‬ ‫فما أنا منكم ** وإين ملحد يف‬ ‫يف العامل‪.‬‬
‫ج ‪ :‬نستنتج‪ :‬إما أن يكون اهلل ليس كلي القدرة ألن الشر بقي موجود أو أن‬
‫< ‪> 13‬‬ ‫اهلل هو شرير وال يستحق أن يكون رحيم اً ألنه يرى الشر وال مينعه‪.‬‬

‫ثالث اً‪ :‬نقد األخالق الدينية ( مشكلة األخالق الدينية (إن الدين ال يستطيع‬ ‫وسأختم ه ــذا القسم م ــن امل ــق ــال ه ــذه الكلمات و األب ــي ــات الشعرية ال رائعة‬
‫أبداً أن يغري قلب اإلنسان دون أن يكون يف هذا القلب عدول عن الشر}‬ ‫وردت يف كتاب‬
‫< ‪> 14‬‬ ‫« آراء الدكتور شبلي مشيل « حتت عنوان « رسالة املعاطس البن جال « <‬
‫‪84‬‬ ‫‪83‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬ ‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬

‫إىل مطالب الدين ( خاصة اإلسالم ) الشديدة واحلذر الذي يفرضه على أبنائه‬
‫ألن الدين اإلسالمي مث الً يرغب يف أن يكون اجملتمع اإلسالمي (جمتمع اً مالئكي اً)‬ ‫كما رأينا يف القسم السابق مسلسل ربط األخ ــاق بوجود اهلل ال ــذي تناوله‬
‫وهذا مل حيدث ولن حيدث إال يف خياالت الدين وأحالمه ‪....‬‬ ‫الدينيون تعرض لكثري من االن ــت ــق ــادات ولكن ال يتوقف الدينيون عند هذا‬
‫وقد وضع الدين اإلسالمي ضوابط رادعة يف الدنيا واآلخرة أما يف الدنيا‬ ‫احلد بل يتابعون عملهم يف الدفاع عن عقيدهتم ومقدسهم ليحصلوا على‬
‫رجم ال زاين إذا كان حمصن ( متزوج ) حىت املوت أمام الناس مجيع اً من أهل‬ ‫حوريات اجلنة ومخورها وولداهنا أو ألسباب أخرى خيفوهنا يف نفوسهم ‪....‬‬
‫بلدته‬ ‫فهذه املرة يعتربون أن الدين هو ( مصدر األخ ــاق ) وأن اجملتمعات الدينية‬
‫جلد القاذف مثانني جلدة وال تقبل شهادته‪ ,‬قطع يد السارق ‪ ....‬ويف اآلخرة‬ ‫ه ــي م ــن أف ــض ــل اجمل ــت ــم ــع ــات أخ ــاق ـاً ك ــوهن ــا ت ــرىب ع ــل ــى ي ــد ال ــك ــت ــب امل ــق ــدس ــة (‬
‫يعد اهلل للعصاة وللفاسقني ع ــذاب شديد على أب ــواب جهنم ال ــي حيرسها‬ ‫األديان ) وبالتايل يعتقدون أن األديان هي أعظم مربية لألخالق وهنا يقعون‬
‫مالئكة غالظ شداد ‪...‬‬ ‫يف مشكلتني‪:‬‬
‫وأسأل نفسي ما فائدة هذه العقوبات اليت تشبه السادية والتعذيب للناس؟‬ ‫األوىل‪ :‬أن اجملتمعات الدينية ( العربية خاصة ) تعاين م ــن ت ـزاي ــد يف الفساد‬
‫هذا النوع من التعذيب يتناسب مع بيئة أصحابه البدوية على ما يبدو ‪ ...‬أملْ‬ ‫األخ ــاق ــي وهب ــذا يتناقض ق ــول ــن ــا م ــع ال ــف ــك ــرة ال ــش ــائ ــع ــة ب ــأن جمتمعات العربية‬
‫يكن القانون الوضعي اآلن مصيب اً أكثر؟ فالذي يريد أن يفعل اخلطأ سيفعله‬ ‫جمتمعات حمافظة‪.‬‬
‫مهما كان وأعتقد أن العالج النفسي سيكون احلل األوحد بدالً من العقاب‬ ‫أما الثانية‪ :‬أن الدين هو باألصل يدعي امتالك األخالق واألسبقية يف معرفة‬
‫الديين السادي واملتخلف ‪..‬‬ ‫القواعد واملبادئ األخالقية اليت تصلح يف كل زمان ومكان ناسي اً أو متناسي اً‬
‫يقول الشيخ ابن عثيمني يف خطبته « أسباب الزنا وحكم الدش « فيقول‪:‬‬ ‫طرحت السؤال‬ ‫ُ‬ ‫أن األخالق حىت بني األديان هي نفسها ال ختتلف كث رياً وقد‬
‫(( فمن ذلك عقوبة القاذف وهو الذي يرمي غريه بالزنا فإذا كان هذا الغري‬ ‫أي ــض ـاً‪ :‬ه ــل ال ــص ــدق يف اإلس ــام خيتلف كتعريف ع ــن ال ــص ــدق يف املسيحية؟‬
‫حمصنا أي معروفا يف العفة فقال له أنت زاين أو يا زاين أو ما أشبه ذلك فإنه‬ ‫وطاملا أنه ال خيتلف ملاذا إذن هناك كل هذه األديان؟‬
‫يطالب بالبينة الشرعية وهو أربعة رجال يشهدون على صريح الزنا فإن مل‬ ‫وأنا بالتايل سأحتدث بالتفصيل عن تلك املشكلتني آنفة الذكر‪.‬‬
‫يقم هذه البينة وجب أن يعاقب باحلد واحلد ثالثة عقوبات جيلد مثانني جلدة‬
‫ين‬ ‫وال تقبل منه شهادة أبدا وحيكم بفسقه لقول اهلل تبارك و تعاىل ‪( :‬والَّ ِ‬
‫ذ‬ ‫أ – األخالق واجملتمعات الدينية مل يكن حبسبان املتدينون تدهور اجملتمعات‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ات ُثَّ َل ي أْتُوا بِأَربـ ع ِة ش ه َداء فَ اج لِ‬ ‫يـ رم و َن الْ م ح ص نَ ِ‬
‫وه ْم َثَان َ‬
‫ني َج ْل َد ًة َوال‬ ‫د‬
‫ُ‬
‫ْ ََ َ َ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫الدينية يف اآلون ــة األخ ــرة وخاصة بالنسبة للمجتمعات الشرقية و الشرقية‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫ك ُه ُم الْ َف اس ُق و َن * إلَّ ال ذ َ‬
‫ين تَابُوا م ْن بـَ ْع د َذل َ‬ ‫اد ًة أَبَداً َوأُولَ ئ َ‬
‫تـَ ْق بـَلُ وا َلُ ْم َش َه َ‬ ‫العربية وهي جمتمعات حمافظة كما نعلم مجيع اً‪.‬‬
‫يم) (النور‪ )5:‬وإمنا أوجب اهلل عقوبة القاذف‬ ‫وأَص لَ ح وا فَ ـِإ َّن ال لَّ ه َغ ُف ِ‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫لقد أثبت الدين فشله يف تربية جمتمعاته الرتبية اليت كان حيلم هبا وهذا يعود‬
‫بتلك العقوبات محاية لألع راض ودفعا عن هتمة املقذوف الربيء البعيد عن‬ ‫باعتقادي‬
‫‪86‬‬ ‫‪85‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬ ‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬

‫ِم ْن نـَ ْف عِ ِه َم ا) (البقرة‪ )219:‬وألجل ذلك حرمهما اهلل عز وجل حترميا باتا ))‬ ‫التهمة وفرض اهلل تعاىل عقوبة ال زاين وجعلها على نوعني باجللد مائة جلدة‬
‫< ‪> 15‬‬ ‫أمام الناس مث ينفي عن البلد ملدة سنة كاملة وذلك فيما إذا مل يسبق له زواج‬
‫وكل تلك العقوبات غري موجودة طبع اً اآلن وال يطبقها أي عاقل‪.‬‬ ‫اج لِ ُد وا ُك َّل‬ ‫الز ِان فَ ْ‬ ‫(الزانِيَ ةُ َو َّ‬
‫متتع فيه بنعمة اجلماع املباح يقول اهلل عز وجل‪َّ :‬‬
‫ك ــون البلدان العربية ذات األغلبية املسلمة ه ــي دول علمانية حتتكم إىل‬ ‫اح ٍد ِم نـْ ُه َم ا ِم ائَةَ َج ْل َد ٍة َوال تَأْ ُخ ْذ ُك ْم بِِ َم ا َرأْفَ ةٌ ِف ِدي ِن ال لَّ ِه إِ ْن ُك ْن تُ ْم تـُ ْؤِم نُ و َن‬
‫وِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قانون وضعي وليس إىل قوانني مساوية …‬ ‫ني) (النور‪ )2:‬وقال‬ ‫بِال لَّ ه َوالْ يـَ ْوم ْالخ ـ ِر َولْ يَ ْش َه ْد َع َذابـَ ُه َم ا طَائ َف ةٌ م َن الْ ُم ْؤم ن َ‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ) والنوع‬
‫ولكن ما هو مشهد اجملتمعات العربية املسلمة واحملافظة يا ترى اآلن ‪..‬؟‬ ‫الثاين من عقوبة الزناة الرجم باحلجارة حىت ميوت مث يغسل ويكفن ويصلى‬
‫عليه ويدعى له بالرمحة ويدفن مع املسلمني وهذه العقوبة ملن سبق له زواج‬
‫‪ -‬ارتفاع حاالت الطالق يف مصر‪:‬‬ ‫متتع فيه باجلماع املباح وإن كان حني فعل الفاحشة ال زوج معه‪ .‬قال أمري‬
‫تشري اإلحصائيات الرمسية مبصر إىل اخنفاض نسبة ال ــزواج يف مصر بدرجة‬ ‫املؤمنني عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه على منرب رس ــول اهلل صلي اهلل عليه‬
‫كبرية فقد بلغت عقود ال ــزواج يف العام املاضي ‪ 63‬ألف عقد بينما وصل‬ ‫وسلم إن اهلل بعث حممدا باحلق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل اهلل عليه‬
‫عدد حاالت الطالق إىل ‪ 78‬ألف حالة وقد تعدى سن ‪ 35‬سنة نسبة ‪%35‬‬ ‫آية الرجم ق رأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم‬
‫م ــن الفتيات دون زواج ‪ %20‬منهن ي ــت ــزوج ب ــن ‪ 35‬و‪ 40‬سنة منهن ‪%55‬‬ ‫ورمجنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل واهلل ما جند الرجم يف‬
‫حاصالت على املاجستري والدكتورة و‪ %25‬خرجيات جامعة و‪ %15‬مؤهالت‬ ‫كتاب اهلل فيضلوا برتك فريضة أنزهلا اهلل وإن الرجم حق يف كتاب اهلل على من‬
‫متوسطة و‪ %10‬مل يكملن التعليم‪ .‬ويفسر خ رباء االجتماع ارتفاع سن الزواج‬ ‫زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان احلبل يعين احلمل‬
‫خالل السنوات العشر األخرية بالظروف االقتصادية باإلضافة إىل التغ ريات‬ ‫أو االع رتاف ))‬
‫اليت ط رأت على شخصية البنت املصرية يف ظل ارتفاع تكاليف الزواج اليت‬
‫وصلت إىل أرقام خيالية سواء املهر أو الشبكة أو األثاث باإلضافة إىل الشقة‬ ‫أما عن « الدش « الذي يفسد ويضر بنظره أخالق الناس‪:‬‬
‫ال ــي تعد أك ــر مشكلة ت ــواج ــه املقبلني على م ــش ــروع ال ــزواج! وح ــى األف ـراح‬ ‫(( ومن ذلك أيض اً ما فنت به بعض الناس من تركيب ما يسمى بالدش على‬
‫أصبحت باهظة التكاليف وحيرص عليها الفق راء واألغنياء فهي تعد مناسبة‬ ‫بيوهتم ال ــذي يتضرر ب ــه أه ــل البيت ويتضرر ب ــه ( وم ــن س ــن يف اإلس ــام سنة‬
‫للتفاخر االجتماعي واالقتصادي باإلضافة إىل قيمة املؤخر الذي يصر اآلباء‬ ‫سيئة فعليه وزره ــا ووزر من عمل هبا إىل يوم القيامة ) وهذه الدشوش بناءً‬
‫على أن يكون كب ريا بغض النظر عن مستوى العروسني وحىت يضمن والد‬ ‫على أن أكثر ما تستعمل فيما ال يرضي اهلل عز وج ــل حي ــرم بيعها وش رائها‬
‫العروس عدم غدر العريس بابنته‪.‬‬ ‫وتركيبها واالستفادة منها ألن غالبها الشر وقد قال اهلل تعاىل يف اخلمر وامليسر‪:‬‬
‫< ‪> 16‬‬ ‫الَ ْم ِر َوالْ َم ْي ِس ِر قُ ْل فِ ي ِه َم ا إِ ْثٌ َك بِ ريٌ َوَم نَ افِ ُع لِل ن ِ‬
‫َّاس َوإِْثُ ُه َم ا أَ ْك بـَُر‬ ‫ك َع ِن ْ‬
‫(يَ ْس أَلونَ َ‬
‫‪88‬‬ ‫‪87‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬ ‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬

‫وال تقتصر على فئة دون أخرى فهي تشمل املتعلمني كما تشمل متوسطي‬ ‫‪ -‬ارتفاع قضايا املخد رات يف السعودية إىل ‪ %33.7‬العام املاضي‪:‬‬
‫التعليم‪ ،‬وكبار السن كما الشباب‪ ،‬واإلناث كما الذكور‪ .‬وأكد أن التعامي‬ ‫كشف باحث سعودي عن ارت ــف ــاع أع ــداد قضايا امل ــخ ــد رات ال ــي مت ضبطها‬
‫عن التعامل مع ج ــذور املشكلة لن حيلها‪ .‬م ــش ــدداً على أمهية إب ـراز ال ـرادع‬ ‫يف السعودية خالل العام املاضي ‪ 1424-1423‬إىل ‪ 16.3‬ألف قضية وهو ما‬
‫الديين والصحي أثناء التعامل التوعوي معها‪ .‬منبه اً إىل ضآلة تأثري الوعظ‬ ‫ميثل نسبة ارتفاع ‪ %33.7‬عما كانت عليه عام ‪ .1421‬وأوض ــح سلمان بن‬
‫املباشر‪ ،‬دون إب راز األرقام واإلحصائيات واحلقائق العلمية والطبية للمشكلة‪.‬‬ ‫حممد العمري يف حبث أص ــدره بعنوان «وب ــاء امل ــخ ــد رات وخطره على صحة‬
‫ونبه الباحث إىل ضخامة املشكلة وارت ــف ــاع معدالهتا داعي اً إىل جهد وطين‬ ‫اجملتمع» أن أعداد املتهمني يف قضايا جلب املخد رات واالجتار فيها والرتويج‬
‫شامل ملواجهة املشكلة‬ ‫والتعاطي زادت خالل عام ‪ 1422‬إىل ‪ 22349‬متهما متثل نسبة ‪ %30‬خالل‬
‫< ‪> 17‬‬ ‫الفرتة نفسها‪ .‬وأضاف العمري أنه فيما يتعلق باملواد املخدرة اليت مت ضبطها‬
‫خالل عام ‪ 1422‬فقد كانت تزن ‪ 347043‬كيلو ج راما تعد من أخطر أنواع‬
‫‪ -‬ارتفاع أعداد العنوسة والطالق يف السعودية ‪:‬‬ ‫املخد رات ومبقارنة هذه الكمية بالكمية املضبوطة عام ‪ 1421‬يتضح أهنا تزيد‬
‫سجلت نسبة الطالق زي ــادة يف بعض املناطق السعودية إىل جانب وجود‬ ‫عليها بنسبة ‪ %36‬وهي نسبة كبرية إذا وضع يف االعتبار احتماالت الكميات‬
‫‪ 231‬أل ــف ع ــان ــس يف اململكة‪ .‬وق ــال ــت صحيفة «اجل ــزي ــرة» ن ــق ـاً ع ــن رئيس‬ ‫ال ــي مل يتم ضبطها‪ .‬وفيما خي ــص «وق ــوع امل ــخ ــد رات» ال ــي تشمل استعمال‬
‫مشروع التنمية األسرية يف حمافظة االحساء‪ ،‬الدكتور خالد بن سعود احللييب‪،‬‬ ‫أو حيازة املخدر أو تروجيه والتعاون على ذلك فقد بلغ عددها ‪ 493‬وقوعة‬
‫أن نسبة الطالق يف احملافظة بلغت ‪ 25‬يف املئة‪ ،‬وتسجل ‪ 8‬ح ــاالت طالق‬ ‫متثل نسبة ‪ %2‬من أمجايل الوقوعات اليت مت ضبطها بزيادة عن العام املاضي‬
‫يومي اً يف الدمام واخلرب‪ .‬وأشار إىل وجود ‪ 231‬ألف عانس يف خمتلف حمافظات‬ ‫مقدارها ‪ %41.3‬فيما بلغ عدد األشخاص املضبوطني يف هذه الوقوعات ‪493‬‬
‫ومناطق السعودية وفق أحدث إحصاءات وزارة الشؤون االجتماعية‪ .‬وقال‬ ‫شخصا وم ــن أن ــوع امل ــخ ــد رات ال ــي ضبطت بالسعودية‪( :‬احل ــش ــي ــش‪ ،‬أف ــي ــون‪،‬‬
‫أن ح ــاالت الطالق هي أحد أب ــرز دواع ــي إنشاء مشروع التنمية األسرية يف‬ ‫هريوين‪ ،‬قات‪ ،‬كوكايني‪ ،‬أمفيتامني‪ ،‬سيكونال‪ ،‬كبتاجون)‪ ,‬وت ـراوح أعمار‬
‫االحساء‪ ،‬باإلضافة إىل كثرة اخلالفات داخل األسرة الواحدة‪ ،‬وظهور جهات‬ ‫مستخدميها من الـ‪ 20‬إىل ‪ 51‬سنة‪ .‬وعاجل الباحث حجم املشكلة وأسباهبا‬
‫غري مأمونة تقوم بدور اإلصالح االجتماعي على غري اهلدي الصحيح‪ ،‬وتتمثل‬ ‫وتطرق إىل ال رأي الطيب والديين واالجتماعي يف بيان أخطارها‪ .‬وأوصى يف هناية‬
‫يف بعض الفضائيات واجملالت‪> 18 < .‬‬ ‫البحث بالتأكيد على التوعية بأخطارها الصحية واالجتماعية‪ .‬ودع ــا إىل‬
‫زيادة تفاعل األسرة مع أبنائها وفتح باب احلوار معهم الستيعاهبم داخل قيم‬
‫يف جريدة « احلوادث « املصرية وردت العناوين التالية < ‪:> 19‬‬ ‫العائلة ومحايتهم من منزلقات قرناء السوء‪.‬‬
‫‪ – 1‬ال ــزوج ــة املسكينة اغتصبها ‪ 11‬ذئب اً يف كفر الشيخ يقول الصحفي‬ ‫ويف تعليق لـ»الوطن» على نتائج البحث قال سلمان العمري إنه ملس من‬
‫الذي ينقل لنا هذه اجلرمية املروعة وهو يستفسر‪:‬‬ ‫خالل الغوص يف املشكلة موضوع البحث أهنا مشكلة اجتماعية مستشرية‬
‫‪90‬‬ ‫‪89‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬ ‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬

‫والسؤال الذي يفرض نفسه اآلن‪ ( :‬أين هو احلل ؟ )‬ ‫(( ما ذنب هذه الزوجة كانت جتلس يف بيتها وال تسري يف الشارع إذا افرتضنا‬
‫يرفع املسلمون شعاراهتم الرنانة ويطبلون ويزمرون هلا حتت اسم ( اإلسالم‬ ‫أن السري يف الشارع أصبح خط راً على النساء كما أهنا مل تكن ترتدي مالبس‬
‫هو احلل ) ولكن!! ملاذا ال يكون الشعار األصح ( املسيحية هي احلل ) أو (‬ ‫حمزق وضيق أو سرتتش أو تكشف عن أج زاء من جسدها حىت يطلع علينا من‬
‫حت ( اهلندوسية هي احلل ) ‪...‬‬ ‫اليهودية هي احلل ) أو ّ‬ ‫يتهمها بأهنا ساعدت على ارتكاب اجلرمية مبالبسها اخلليعة ))‬
‫يعطينا مفهوم « معتقدي هو احلل « نتيجة هنا وهي أنه أصبح شعاراً زائف اً‬ ‫‪ – 2‬وزارة الصحة املصرية ‪ 570 :‬حالة انتحار يف هذا العام ‪ %60‬من احلاالت‬
‫تستشف منه دعاية مماثلة لـ الرغبة يف امتالك احلقيقة املطلقة والوصول إىل‬ ‫ينتحرون يف النيل و‪ %20‬بالسم و‪ %10‬بإشعال النار‪.‬‬
‫احلكم أو إىل أهداف أخرى متليها املؤسسات الدينية على عقول أتباعها ‪...‬‬
‫ولكن حق اً إن جمتمعاتنا العربية حتتاج إىل اهتمام كبري – باعتقادي – من‬
‫قبل علماء النفس واالجتماع وتثقيفهم ثقافة نفسانية وعلمية وإعطائهم‬ ‫واآلن يل تعليق بسيط على حاالت االنتحار املريعة اليت حدثت يف مصر هذا‬
‫حلول ذاتية يتبعوهنا حىت يستطيعوا مبدئي اً حل مشاكلهم‪ .‬أنا ال أقول أنه‬ ‫العام‬
‫يوجد حل سريع يستطيع حل مشكالت اجملتمعات العربية املتخلفة بني يوم‬ ‫ماذا يفعل جامع األزهر وهو الذي يُعترب املرجع األول للبالد اإلسالمية؟‬
‫وليلة فهو حيتاج إىل عمل كبري وجهد واسع يبذله أصحاب العقول املتنورة‬ ‫أال ينبغي لبلد فيها أول مرجع إسالمي يف مجيع البالد اإلسالمية أن يكون‬
‫وحىت لو كان هناك حلول ستبقى حاالت االغتصاب واالنتحار وهذا شيء‬ ‫جمتمعه متماسك وأفضل من ذل ــك؟ أم أن ــه مشغول يف معرفة أن ــواع احلديث‬
‫طبيعي ولكن ميكن امتصاصها حىت تصبح نادرة ‪ ..‬علم النفس اجلنائي مث الً‬ ‫الشريف الصحيح منه والضعيف ومن مث الرد على خصومه يف جامعة امللك‬
‫من مهامه دراسة نفسيات اجملرمني ومعرفة األسباب يف إقدام اإلنسان على‬ ‫فهد اإلسالمية يف السعودية اليت ال يتوقف مشاخيها عن إطالق فتاوى التكفري‬
‫اإلج رام ومن مث وضع خطط لتقليل من عدد اجل رائم‪.‬‬ ‫حبق علماء األزهر!!‬
‫لقد أثبتت الدول العلمانية ب رأيي جناحها وخاصة أوروبا الشمالية ( الدول‬ ‫أال ينبغي علينا أن خنجل م ــن أنفسنا بعد اآلن وأن نتوقف ع ــن التشدق‬
‫اإلسكندنافية )‬ ‫باألخالق العربية و اإلسالمية؟‬
‫وقد شاهدت برناجم اً على اجلزيرة يتكلم عن إحدى الدول االسكندنافية بأن‬ ‫أال ينبغي علينا أن نتوقف عن نعت الغرب الكافر باالحنالل اخلُلقي واالجتماعي؟‬
‫احملكمة تفتح يف السنة مرة واحد فقد أصبح اجملتمع هناك حبالة من الرتف‬ ‫بني فتاوى التكفري يف السعودية وردود جامع األزهر عليها تبقى اجملتمعات‬
‫املايل واألمين ‪ ...‬اخل‪.‬‬ ‫العربية يف سكون واحنطاط حياول الدينيون إخفائه!!‬
‫ويف هناية ه ــذه املشكلة – أع ــي األخ ــاق واجملتمعات الدينية ‪ -‬أذك ــر لكم‬ ‫اجملتمعات العربية تعاين من حالة احتضار وحتتاج ملن يرد هلا حيويتها ونشاطها‬
‫أنه يف قضية امل رأة مث الً كان لألدباء العرب آراء فيها فقد حاولوا إصالحها‬ ‫أو أن متوت حتت أقدام علمائنا وهم يتشاجرون عن حقيقة احلديث ضعيف‬
‫والنهوض هبا ألهنا‬ ‫كان أم صحيح!!‬
‫‪92‬‬ ‫‪91‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬ ‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬

‫بشكل مطلق والسبب ألن األخالق اليت يأيت هبا هي مستوحاة من مصدر‬ ‫شطر اجملتمع فقد ألّــف على سبيل املثال قاسم أمني كتابه « حترير امل ـرأة «‬
‫مسائي أو ميتافيزيقي‪ ,‬يذهب عن ب ــال الدين أن األخ ــاق ليست باملنظور‬ ‫الذي أثار ضجة يف البالد العربية قاطبة‪.‬‬
‫الذي ي راهُ هلا‪ .‬فقد تعددت األفكار كما حتدثنا يف البداية يف مفاهيم األخالق‬ ‫تعددت آراء األدب ــاء يف قضية امل ـرأة فمنهم إصالحي ومنهم ث ــوري ألن امل ـرأة‬
‫ول ــذل ــك ال ميكن تأصيل األخ ــاق وتعميمها على مجيع البشر يف خمتلف‬ ‫عنصر هام للنهوض باجملتمع‪.‬‬
‫الزمان واملكان وهذا رأي االجتاه األخالقي الذي ينظر إىل األخالق بأهنا نسبية‬ ‫فالشاعر ح ــاف ــظ إب ـراه ــي ــم ل ــه كلمات رائ ــع ــة يف امل ـ ـرأة ول ــك ــن م ــن وج ــه ــة نظر‬
‫وهناك اجتاه أخالقي يرى األخالق مطلقة ولكن خيتلف متام اً عن نظرية الدين‬ ‫إصالحية ‪:‬‬
‫يف مطلقية األخالق ‪..‬‬
‫إن القيم األخالقية تبقى واحدة ومطلقة ومفهومة يف العقل ولذلك فهي ال‬ ‫ِ‬
‫األسواق‬ ‫أنا ال أقول لكم دعوا النساء سواف راً ** بني الرجال جيلن يف‬
‫ختتلف مهما كان الزمان واملكان مث الً‪ :‬السعادة واحلب والصدق هي واحدة‬ ‫ك الّ وال أدعوكم أن تسرفوا ** يف احلجب والتضييق واإلرهاق‬
‫ال تتغري‬ ‫فتوسطوا يف احلالتني وأنصفوا ** فالشر يف التقييد واالطالق‬
‫فهل السعادة اليوم حتمل غري املعىن منذ ظهور اإلنسان؟ طبع اً ال ‪..‬‬
‫ولكن ق ــد مت االخ ــت ــاف يف ُس بل ال ــوص ــول إليها ‪ ...‬وال مشكلة يف مطلقية‬ ‫ولكن الشاعر والفيلسوف الع راقي الزهاوي يدعو امل رأة للثورة على حجاهبا‬
‫األخالق ولكن عندما توجه هذه املطلقية على أساس أن أصحاب هذا الدين‬ ‫فيقول‪:‬‬
‫املعني سيذهبون إىل اجلنة واآلخرون إىل النار بعد أن تتم حمكمة جيتمع فيها‬ ‫مزقي يا ابنة الع راق احلجابا ** واسفري فاحلياة تبغي انقالبا‬
‫اهلل ومالئكته وأنبيائه والبشر يف آخر الزمان ليقوم اإلله ومالئكته بعملية‬ ‫مزقيه واحرقيه بال ريث ** فقد كان حارس اً كذابا‬
‫انتقام أو معاقبة ك ــل م ــن مل يتبع ذل ــك ال ــدي ــن‪ ..‬ه ــذا م ــا يتناىف م ــع مبادئ‬
‫أصحاب األخالق املطلقة يف الفلسفة األخالقية‪.‬‬ ‫ب – األخ ــاق وال ــك ــت ــب ال ــدي ــن ــي ــة‪ :‬ل ــو ح ــاول ــن ــا حت ــدي ــد ماهية الكتب الدينية‬
‫ف ــأص ــح ــاب األخ ــاق املطلقة ( امل ــع ــي ــاري ــة ) ‪ -‬وم ــا س ــأحت ــدث ع ــن ــه يف مفهوم‬ ‫بالنسبة ألصحاهبا ‪ ..‬الكتب الدينية باختصار هي كتب مقدسة ودساتري‬
‫األخالق املطلقة عند املثاليني خيتلف عن األخالق املطلقة عند الدينيني ‪-‬‬ ‫حيث أنه ال ميكن للكتب املقدسة أن ختطئ وهي دائم اً تريد الصالح واخلري‬
‫إذ أنه ميثل القائلون هبذا االجتاه – أي اجتاه املثاليني ‪ -‬من أكرب املذاهب يف‬ ‫لكل من يؤمن هبا بضمانة اهلل ورسوله‪.‬‬
‫فلسفة األخ ــاق من احلدسيني والعقليني منهم‪ :‬سق راط وأفالطون وأرسطو‬ ‫لقد كان جانب األخالق من الكتب املقدسة جانب هام و ترتجم أمهيته من‬
‫وديكارت وسبينوزا وكنط ويفرتضون هؤالء‪:‬‬ ‫حيث أنه جيذب شرحية كبرية من الناس إليه عن طريق املقولة الشائعة « ديننا‬
‫بأن الطبيعة البشرية واحدة يف كل زمان ومكان مبعىن أهنم يس لّ مون بوجود‬ ‫متسامح وربنا لطيف رحيم « ( تذكر قصة صديقنا س الذي حتدثنا عنه يف‬
‫يشرعون لإلنسانية عامة وإن وظيفة الفلسفة‬ ‫ماهية بشرية ثابتة ومن مث فإهنم ّ‬ ‫بداية املقال ) ‪ ..‬ولكن تكمن مشكلة الدين يف اإلدعاء بأنه صاحب األخالق‬
‫‪93‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬ ‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬

‫يقول أن األخالق مصدرها واحد أي اهلل‪ ,‬إذن ملاذا يوجد أديان بدل من دين‬ ‫األخالقية عندهم هي حماولة لوضع مبادئ أخالقية عامة وثابتة أي مطلقة‬
‫واحد على اعتبار أن املصدر واحد؟‬ ‫تُعد غايات بذاهتا وخيضع هلا السلوك البشري ألهنا تالئم أمسى جانب مشرتك‬
‫هل الصدق يف اإلسالم خيتلف كتعريف عن الصدق يف املسيحية؟ وطاملا أنه‬ ‫بني البشر كافة أال وهو « جانب العقل «‬
‫ال خيتلف ملاذا إذن هناك كل هذه األديان؟‬ ‫فالسعادة هي مطلب بشري أينما كان اإلنسان ويف أي زمان ولكن خيتلف‬
‫و يف هن ــاي ــة املقالة أن ــق ــل لكم ه ــذه األب ــي ــات ال ـرائ ــع ــة ال ــي حت ــاول أن تستنطق‬ ‫املثاليني عن الدينيني بأهنم ال يعتربون أنفسهم أصحاب األخ ــاق احلقيقية‬
‫الكتب الدينية وهي من كتاب « آراء الدكتور شبلي مشيل «‪:‬‬ ‫املطلقة وأن الذي سيخالفهم هو كافر وداخل إىل النار ألنه قد كفر مبعتقدهم‬
‫وبكتاهبم املقدس وهم ال ي ّدعون األحقية واألسبقية يف امتالك األخالق كما‬
‫أهل الكتاب أال أجبتم سائ الً ** ماذا رأيتم يف الكتاب من عرب‬ ‫يرى الدين‪.‬‬
‫هذيان موسى أم سخافة حممد ** أم ذل عيسى يف افتداء البشر‬ ‫واألخ ــاق النسبية‪ :‬ه ــم فالسفة امل ــذه ــب الوضعي التجرييب ال ــذي ــن يرفضون‬
‫< ‪> 21‬‬ ‫التسليم بوجود قواعد كلية ثابتة ومطلقة يسري مبقتضاها السلوك البشري‬
‫وميثل هذا االجتاه أوغست كونت‪.‬‬
‫***‬ ‫‪ -‬ومن خالل األخالق النسبية واملطلقة لدينا نظرة‪:‬‬
‫نرغب‬
‫ْ‬ ‫نيب اإلفك تدعونا ** بإرهاب لكي‬ ‫إن تاريخ احلضارة اإلنسانية حافل بالقواعد األخالقية واملعايري االجتماعية‬
‫أكذب‬
‫ْ‬ ‫تقول املرء كذاب ** وربك قبله‬ ‫اليت تتغري من حضارة ألخرى واملتغرية بتغري الظروف وهنا تتجلى التطبيقات‬
‫أوجب‬
‫ْ‬ ‫مينّ نا ومينونا ** مبا أسدى وما‬ ‫النسبية اليت تتمثل يف خمتلف قواعد السلوك األخالقي ومن خالل ما تقتضيه‬
‫املذهب‬
‫ْ‬ ‫فأين اخلري يف الدنيا ** وأين األمن يف‬ ‫ظروف الواقع االجتماعية واالقتصادية ولكن مهما تنوعت الش رائع األخالقية‬
‫يركب < ‪> 22‬‬
‫ْ‬ ‫ديانات خ رافات ** وقصد الكل أن‬ ‫الب ــد م ــن أن تستمد أص ــوهل ــا م ــن ق ــاع ــدة أول ــي ــة ه ــي اح ـرام الشخص البشري‬
‫وتقديس القيم اإلنسانية‪.‬‬
‫أعود ألؤكد بأن القيم األخالقية من‪ :‬صدق وأمانة وإيثار وحب الناس هي‬
‫واحدة ال تتغري ولكن الدين يدعي امتالك األخالق عندما يقول‪ :‬الدين عند‬
‫اهلل اإلسالم أو الدين عند اهلل املسيحية أو الدين عند اهلل اليهودية ‪....‬‬
‫ولكن يف أي دين هي األخالق الصحيحة؟‬
‫امل راجع الرئيسية‪:‬‬ ‫أال ت ــك ــون تلك األخ ــاق ال ــي يتكلم عنها ال ــدي ــن ه ــي أخ ــاق واح ــدة ولكن‬
‫< ‪ > 1‬املوسوعة احلرة‪ ,‬ويكبيديا ‪wikipedia.org‬‬ ‫الش رائع الدينية واألمس ــاء والوجوه والكتب هي اليت تتغري ‪ ..‬طاملا أن الدين‬
‫‪96‬‬ ‫‪95‬‬
‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬ ‫اشكالية األخالق يف الفكر الديني‬

‫< ‪ُ > 17‬م تاح على ال رابط‪:‬‬ ‫< ‪ > 2‬الفحص عن أساس األخالق‪ ,‬تيسري شيخ األرض‪ ,‬صفحة ‪.36‬‬
‫‪http://www.arabrenewal.com/index.‬‬ ‫< ‪ « > 3‬الفلسفة مواضيع مفتاحية « “ ‪Philosophy Key Themes‬‬
‫‪1850=php?rd=AI&AI0‬‬ ‫“‪ ,‬جوليان باجيين ‪ , Julian Baggini‬صفحة ‪.86 - 85‬‬
‫< ‪ُ > 18‬م تاح على ال رابط‪:‬‬ ‫< ‪ > 4‬مشكلة فلسفية‪ ,‬د‪.‬زكريا إب راهيم‪ ,‬دار القلم‪ ,1962 ,‬صفحة ‪.205‬‬
‫‪http://www.arabrenewal.com/index.‬‬ ‫< ‪ > 5‬ملاذا لست مسيحي اً‪ ,‬برت راند راسل‪ ,‬ترمجة الزميل زمكان‪.‬‬
‫‪8564=php?rd=AI&AI0‬‬ ‫< ‪ « > 6‬الفلسفة مواضيع مفتاحية « “ ‪Philosophy Key Themes‬‬
‫< ‪ > 19‬يف عددها ‪ 721‬الصادر يف اخلميس ‪ 26‬من ذو احلجة ‪ 1426‬هـ ‪26‬‬ ‫“‪ ,‬جوليان باجيين ‪ , Julian Baggini‬صفحة ‪. 236 – 235‬‬
‫يناير ‪ 2006‬م‪.‬‬ ‫< ‪ > 7‬املرجع السابق‪ ,‬صفحة ‪.237‬‬
‫< ‪ > 20‬آراء الدكتور شبلي مشيل‪ ,‬حممد كامل اخلطيب‪ ,‬دار اليازجي‪,‬‬ ‫< ‪ > 8‬املرجع السابق‪ ,‬صفحة ‪.237‬‬
‫صفحة ‪51‬‬ ‫< ‪ > 9‬املرجع السابق‪ ,‬صفحة ‪. 238 - 237‬‬
‫< ‪ > 21‬املرجع السابق ‪.53 - 52 ,‬‬ ‫< ‪ > 10‬الفكر احلر‪ ,‬أندريه ناتاف‪ ,‬ترمجة‪ :‬رندة بعث‪ ,‬دار‪ :‬املؤسسة العربية‬
‫للتحديث الفكري‪ ,‬صفحة‪.12 – 11 :‬‬
‫< ‪ > 11‬آراء ال ــك ــت ــور شبلي مش ــي ــل‪ ,‬حممد ك ــام ــل اخل ــط ــي ــب‪ ,‬دار ال ــي ــازج ــي‪,‬‬
‫‪Libre_Penseur‬‬ ‫صفحة ‪.50‬‬
‫< ‪ > 12‬املرجع السابق‪ ,‬صفحة ‪.50‬‬
‫< ‪ > 13‬املرجع السابق‪ ,‬صفحة ‪.52‬‬
‫< ‪ > 14‬املوسوعة النفسية‪ ,‬هبيج شعبان‪ ,‬دار احياء العلوم بريوت‪ ,‬صفحة‬
‫‪.53‬‬
‫< ‪ُ > 15‬م تاح على ال رابط‪:‬‬
‫‪http://www.ibnothaimeen.com/all/khotab/‬‬
‫‪shtml.612_article‬‬
‫< ‪ُ > 16‬م تاح على ال رابط‪:‬‬
‫‪http://www.arabrenewal.com/index.‬‬
‫‪1806=php?rd=AI&AI0‬‬
‫‪98‬‬ ‫‪97‬‬
‫عدم ُمطلق‬ ‫عدم ُمطلق‬

‫كحاالت صورية ملا ميكن للطبيعة األرضية أن تكون عليه من جهة‪ ،‬وما‬ ‫ٍ‬
‫جهة ثانية‪ ،‬وعليه كون األنظمة نتاج‬ ‫ميكن للبشر صناعته وزخرفته من ٍ‬
‫بشري‪ ،‬فقد أصبحت بالنتيجة كل ت راثهم وأخالقهم وحياهتم‪ ،‬بل وحىت‬ ‫مل تقتصر احلياة على مدى القرون املتعاقبة مبسألة فشل أو فشلني وال‬
‫مصريهم احملتوم‪ ،‬ومنها إستقوا أخالقهم وعاداهتم وتقاليدهم‪ ،‬والعودة‬ ‫بكارثة أو اثنتني‪ ،‬بل انطلقت مبسرية التهدمي ‪ ..‬التهدمي غري عابثة مبصري‬
‫خطوةً إىل الوراء مبثابة إنتحار كما البقاء يف هذا الطريق املسدود‪ ،‬ومنه‬ ‫البشر أو سواهم من الكائنات – اليت أمست أعداداً كبرية منها متوت‬
‫تكون الفرداية هي احلل!‪.‬‬ ‫بسببهم أو على أيديهم – على الغالب إهنا الطبيعة تنظف نفسها بأسرع‬
‫النظام الطبيعي املوجود على الكرة األرضية‪ ،‬من اكتساب للطاقة عن‬ ‫طريقة ممكنة من هذا النظام احملكومة فيه‪ ،‬وهي إما متمردة أو متمردة على‬
‫طريق األكل – وهي ما يسمى التغذية – هدفه إستم رار الكائن حي اً ال‬ ‫القانون األساسي الذي عليه تقوم الكثري من الروايات واألساطري ‪ ،‬وهذا‬
‫األكل لغاية األكل فقط (كما يفعل اإلنسان)‪ ,‬ومن هذا الشذوذ نستطيع‬ ‫القانون الذي ال يوجد أساس اً إال يف عقل اإلنسان – حبد ذاته – كارثة‬
‫القول أن التغايل يف فكرة وجود خالق هلا ذات اإلرتباط العقلي بالتضخيم‬ ‫األرض األوىل واألخرية‪.‬‬
‫والتهويل البشري‪ ،‬من الف راغ إىل الوجود‪ ،‬ففي كل هذا الكون الفارغ –‬ ‫فعلت احلضارة كل شيء‪ ،‬والتطور أخذ مساراً متسارع اً يف حياة البشر‪،‬‬
‫(مقارن ةً بصغر حجم اإلنسان وإختالفه) قد تتعد اآلهلة احلاكمة‪ .‬ووفق اً‬ ‫عائد يف السبب على الطبيعة البشرية وتكوينها أساس اً‪ ،‬ومسبب اً الكوارث‬
‫للتعدد ختتلف السيطرة‪ ،‬وتصبح املعركة معركة إثبات األكثر صح ةً‬ ‫اض ألصناف كائنات حية وحتوالت بنيوية يف األرض ‪-‬‬ ‫املتعاقبة من إنق ر ٍ‬
‫فاألكثر قوًة على التجنيد‪ ،‬فقطع الرؤوس وتفتيت األبدان‪ ،‬والنتيجة ما‬ ‫كمناطق التجارب النووية مثاالً – فهل كل هذه النتائج ضريبة العقل‬
‫عليه هذه الكرة األرضية اليوم‪.‬‬ ‫وامتالكه مع كل ذلك التجريد ؟‪.‬‬
‫العدم املطلق هو ما حييط الكون وليس جتلي مطلق‪ ،‬فإن الرؤية للوجود‬ ‫النظام األرضي الذي نعيش فيه نظام الغذاء فقط‪ ،‬فعلى الرغم من كل‬
‫دمى متثل دوراً لتموت يف النهاية‪ ،‬منقوص الغاية‬ ‫البشري هو كون البشر ً‬ ‫التكنولوجيا اليت أنتجها العقل البشري فهي مل تعاجل اجلوع أو العطش مث الً‬
‫والسبب‪ ،‬فأي تاريخ تعتز به هذه البشرية وأي منطق خارج عن الطبيعة‬ ‫دون احلاجة إىل قتل كائنات حية أخرى كالنباتات واحليوانات‪ ،‬بل وعلى‬
‫حري بالبشر التفكري للحظة قبل القبول مبا يعترب قوانني‬ ‫وصلت إليه ؟‪ُ ،‬‬ ‫أصناف منهم ويف حتويل أصناف أخرى‬ ‫ٍ‬ ‫العكس سببت التسريع يف إنق راض‬
‫ثابتة‪ ،‬نتائجها تسبقها كاإلرتدادات العكسية اليت جتري أثناء حديث‬ ‫عن طبيعتها بعلم الوراثة‪ ،‬فقد ال يكون من اجلائز مث الً لو أن األشجاراً‬
‫شخصني حول وجود اهلل‪ ،‬واملنطق يف التعامل مع املوضوع‪.‬‬ ‫تفتتخ خمت رباً جتري فيه تعديالت على البشر لكي يتوافق شكهم مع‬
‫وجود اهلل أمسى مصيب ةً‪ ،‬ولو كان موجوداً ألرسل من يبيض صورته عن‬ ‫م زاجها‪ ،‬قد يبدو األمر بغاية اإلج رام‪ ،‬لكن يفعلها اإلنسان واصف اً نفسه‬
‫الصور اليت تأيت لنا من الص راعات اليت تقوم بإمسه‪ ،‬وجيب أن يكون على‬ ‫بأنه وعقله مركز هذا الكون وغايته األبدية‪.‬‬
‫علم أن الوعي البشري مل يكن مكتم الً حينما قرر ذلك اخلالق أن يتوقف‬ ‫الديانات واألنظمة املدنية والعسكرية و ‪ ...‬إخل من نظم شكلها اإلنسان‬
‫‪100‬‬ ‫‪99‬‬
‫عدم ُمطلق‬ ‫عدم ُمطلق‬

‫عن التبشري !‪ ،‬وأن تلك الصور اخليالية مل تعد تشكل هاجس اً خميف اً للبشر‬
‫على هذه الكرة األرضية‪ ،‬وجيب التحذير بلسان جديد يواكب تطور‬
‫البشر عن شكل العقاب احملتوم للكافرين الزنادقة‪ .‬ويف النهاية هذا اللسان‬
‫من ذاك املنطق !‪.‬‬

‫‪102‬‬ ‫‪101‬‬
‫شكراً‪...‬عيشوا سعداء‬

You might also like

  • 31 PDF
    31 PDF
    Document57 pages
    31 PDF
    OrwaB.Al-Shara'a
    No ratings yet
  • 21
    21
    Document65 pages
    21
    OrwaB.Al-Shara'a
    No ratings yet
  • 11
    11
    Document73 pages
    11
    OrwaB.Al-Shara'a
    No ratings yet
  • 17
    17
    Document68 pages
    17
    OrwaB.Al-Shara'a
    No ratings yet