You are on page 1of 214

‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المقدمة‬
‫احلمد هلل رب الع املني والص الة والس الم على أش رف املرس لني س يدنا‬
‫حممد وعلى آله وأصحابه والتابعني هلم بإحسان إىل يوم الدين وبعد‪.‬‬

‫فإن لالقتصاد دوراً مهم اً يف استقرار األمم واجملتمعات‪ ،‬ومستوى دخوهلا‬


‫ومعيش تها‪ ،‬والن اظر إىل خريطة الع امل اجلغرافية جيد أنه يوجد فيه أنظمة اقتص ادية‬
‫خمتلفة كالنظ ام الرأمسايل أو اقتص اد السوق كما يس ميه البعض‪ ،‬والنظ ام الشيوعي‬
‫املاركسي قبل اهنياره‪.‬‬

‫وهي كلها أنظمة اقتص ادية من اجته اد البش ر‪ ،‬قابلة للتغيري والتع ديل بل‬
‫والزوال كما عليه االشرتاكية اليوم‪ ،‬خبالف النظام االقتصادي اإلسالمي الذي‬
‫يس تمد أص وله ومبادئه من ال دين اإلس المي ال ذي هو العاصم الوحيد ألمتنا‬
‫عندما تتمسك به من الرتدي يف هاوية النظم االقتصادية اهلدامة‪ ،‬ويضمن هلا يف‬
‫الوقت نفسه التقدم والتنمية واالستقالل االقتصادي املنشود‪.‬‬

‫وإميان اً ب واجب اإلس هام يف كشف بعض ج وانب النظ ام االقتص ادي‬
‫اإلس المي من جهة وتلبية لرغبة اجلامعة يف إع داد كت اب لطالهبا يف م ادة النظ ام‬
‫االقتص ادي اإلس المي من جهة أخ رى‪ ،‬فقد ق ام املؤلف ون بالكتابة يف ه ذا‬
‫املوض وع‪ ،‬م راعني يف ت أليفهم أن يك ون مناس باً ملس توى الط الب اجلامعي غري‬
‫املتخصص‪ ،‬متفقاً مع توصيف مفردات املقرر‪.‬‬
‫هذا وال نزعم أن هذا العمل املتواضع ينطق بفصل اخلطاب يف موضوع‬
‫ه ام كالنظ ام االقتص ادي اإلس المي‪ ،‬لكنه حماولة نأمل أن تكلل بالنج اح يف‬
‫كشف بعض ما حوته شريعتنا الغراء يف اجملال االقتصادي‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫على أننا مل ن دخر وس عاً من أجل أن ي أيت ه ذا العمل على خري ص ورة‬
‫وأفضل وجه‪.‬‬
‫وقد مت تقسيم الكتاب إىل ثالثة فصول‪:‬‬

‫الفصل األول‬
‫المدخل إلى دراسة النظام االقتصادي اإلسالمي‬
‫ويتضمن أربعة مباحث ‪:‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬تعريف النظام االقتصادي اإلسالمي وبيان ومصادره ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬األصول االعتقادية لالقتصاد اإلسالمي‬
‫وهما من إعداد الدكتور ‪ /‬عبد هللا إبراهيم الناصر ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬األنظمة االقتصادية الوضعية ‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬خصائص النظام االقتصادي اإلسالمي وأهدافه‬
‫وهما من إعداد الدكتور‪ /‬عمر بن فيحان المرزوقي ‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫أسس النظام االقتصادي‪ G‬اإلسالمي‬
‫ويتضمن ثالثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬الملكية العامة وملكية الدولة والملكية الخاصة ‪.‬‬
‫وهو من إعداد الدكتور ‪ /‬محمد بن سعد المقرن ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬الحرية االقتصادية المقيدة ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬التكافل االجتماعي االقتصادي‬
‫وهما من إعداد الدكتور ‪ /‬أحمد بن سعد الحربي ‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫التوزيع والمصارف والتأمين‬
‫ويتضمن ثالثة مباحث ‪:‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬التوزيع في االقتصاد اإلسالمي‪.‬‬
‫وهو من إعداد الدكتور ‪ /‬عمر بن فيحان المرزوقي ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬المصارف ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬التأمين ‪.‬‬
‫وهما من إعداد الدكتور ‪ /‬عبد هللا بن محمد السعيدي ‪.‬‬

‫نسأل هللا أن يجعل هذا العمل خالصا ً لوجهه وأن ينفع به‬
‫وهللا الموفق والهادي إلى سواء السبيل ‪.‬‬
‫المؤلفون‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الفصل األول‬
‫المدخل إلى دراسة النظام االقتصادي اإلسالمي‬
‫المبحث األول‬
‫التعريف‪ G‬والمصادر‪G‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫األصول االعتقادية‬

‫المبحث الثالث‬
‫األنظمة االقتصادية الوضعية‬

‫المبحث الرابع‬
‫خصائص النظام االقتصادي‪ G‬اإلسالمي وأهدافه‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المبحث األول‬
‫(*)‬
‫تعريف النظام االقتصادي اإلسالمي‬

‫المطلب األول‬
‫تعريف النظام االقتصادي اإلسالمي‬

‫أوالً ‪ :‬مفهوم االقتصاد‪ G‬في اللغة واالصطالح‪ G‬الشرعي ‪:‬‬


‫االقتص اد لغة هو ‪ :‬التوسط واالعت دال واس تقامة الطريق(‪ )1‬ق ال تع اىل‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪[     ‬لقمان ‪ ]19:‬أي توسط فيه بني الدبيب واإلسراع‬
‫‪ ،‬وق ال تع اىل ‪[      :‬املائ دة ‪ ]66 :‬أي من أهل‬
‫الكتاب أمة معتدلة فليست غالية وال مقصرة (‪.)3‬‬

‫وهذا املعىن " أي التوسط يف األشياء واالعتدال فيها " هو مضمون علم‬
‫االقتص اد وج وهره ‪ ،‬واهلدف ال ذي يقصد إليه ‪ ،‬وهو ما نصت عليه اآلي ات‬
‫القرآنية يف العديد من املواضع ‪ .‬كقوله تعاىل‪    :‬‬
‫‪[        ‬الفرق ان ‪]67:‬‬
‫وقوله تع اىل ‪         :‬‬
‫‪[      ‬اإلسراء ‪ ، ]29 :‬وقوله تعاىل ‪:‬‬
‫‪          ‬‬
‫[األعراف ‪. ]31 :‬‬
‫كما أن هذا املعىن هو الذي استخدمه العلماء السابقون – رمحهم اهلل –‬
‫يف تع ريفهم ملص طلح االقتص اد حيث يقص دون ب ه‪ :‬التوسط واالعت دال بني‬
‫اإلسراف والتقتري ‪.‬‬

‫إعداد الدكتور عبد اهلل الناصر‬ ‫*)‬ ‫(‬

‫انظر‪ :‬لسان العرب ‪ 11/179‬والقاموس احمليط ص‪ 396‬واملصباح املنري ص‪ 504‬مادة‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫قصد ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تفسري البغوي ‪. 3/424‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫انظر ‪:‬املرجع السابق ‪. 3/424‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫يقول اإلمام العز بن عبد السالم رمحه اهلل (ت ‪ 660‬ﻫ ) يف تعريفه لالقتصاد‪:‬‬
‫( االقتصاد رتبة بني رتبتني ومنزلة بني منزلتني واملنازل ثالث ‪ :‬التقصري‬
‫يف جلب املصاحل ‪ ،‬واإلسراف يف جلبها ‪ ،‬واالقتصاد بينهما ) (‪. )1‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬تعريف‪ G‬النظام االقتصادي‪ G‬اإلسالمي ‪:‬‬
‫تطلق كلمة ( النظ ام ) ويُقصد هبا‪ :‬جمموعة القواعد واألحك ام اليت تنظم‬
‫جانب اً معين اً من جوانب احلياة اإلنسانية ويصطلح اجملتمع على وجوب احرتامها‬
‫وتنفيذها(‪.)2‬‬

‫ونظ راً ألن اجلانب االقتص ادي من احلي اة يهم مجيع ش رائح اجملتمع فقد‬
‫تولت الشرائع السماوية بيانه وتنظيمه ‪ ،‬كما أن اجملتمعات البشرية قد تعارفت‬
‫على بعض املف اهيم والع ادات اليت يقصد هبا حتقيق العدالة االجتماعية يف توزيع‬
‫الثروات املالية ‪.‬‬

‫وملا ك انت الش ريعة اإلس المية آخر الش رائع الس ماوية فقد اعتنت هبذا‬
‫اجلانب وأق رت العديد من القواعد واألحك ام العامة والتفص يلية اليت ت بني أص ول‬
‫العالقة املالية بني األشخاص واألموال من جانب ‪ ،‬وبني األشخاص بعضهم مع‬
‫بعض فيما يتعلق بشؤوهنم املالية من جانب آخر ‪.‬‬
‫وخيتلف تعريف النظ ام االقتص ادي اإلس المي حبسب اجلانب ال ذي نظر‬
‫املعرف فقد يعرفه بالنظر إىل أصوله اليت يقوم عليها ومن ذلك تعريفه بأنه "‬‫إليه ِّ‬
‫جمموعة األص ول االقتص ادية العامة اليت نس تخرجها من الق رآن والس نة‪ ،‬والبن اء‬
‫االقتص ادي ال ذي نقيمه على أس اس تلك األص ول حبسب كل بيئة وكل عصر "‬

‫قواعد األحكام يف مصاحل األنام ‪. 2/339‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫انظر امدخل لدراسة العلوم القانونية صـ ‪ 5‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫(‪ )1‬وقد يُع َّرف حبسب غايته وهدفه ومن ذلك تعريفه بأن ه‪ " :‬العلم ال ذي يوجه‬
‫(‪)2‬‬
‫النشاط االقتصادي وينظمه وفقاً ألصول اإلسالم ومبادئه "‪.‬‬
‫عرف حبسب‬‫ولعل األنسب يف تعريف النظام االقتصادي اإلسالمي أن يُ َّ‬
‫حقيقته وجوهره ونستطيع تعريفه بناءاً على هذا االجتاه بأنه ‪:‬‬
‫جمموعة األحك ام والسياس ات الش رعية اليت يق وم عليها املال وتص رف‬
‫اإلنسان فيه‪.‬‬
‫شرح التعريف ‪:‬‬
‫جمموعة األحك ام ‪ :‬احلكم الش رعي هو ما نص عليه الش ارع مما يتعلق‬
‫بأحك ام املكلفني على وجه الطلب والتخيري ( األحك ام التكليفية اخلمسة وهي‬
‫الوج وب والن دب واحلرمة والكراهة واإلباحة ) أو الوضع ( كالص حة والفس اد‬
‫أو جعل الشيء شرطاً لشيء آخر أو سبباً له أو مانعاً منه ) (‪. )3‬‬

‫والسياس ات الش رعية ‪ :‬السياسة الش رعية هي‪ :‬ما يفعله ويل األمر أو‬
‫تس نه الدولة من نظم يقصد هبا تنظيم أح وال اجملتمع وط رق تع املهم فيما بينهم‬
‫وتك ون غري معارضة لألحك ام املنص وص عليها ومبنية على حتقيق املص احل ودرء‬
‫املفاسد(‪. )4‬‬

‫اليت يق وم عليها املال ‪ :‬يُقصد باملال ‪ :‬ما له منفعة مقص ودة مباحة وله‬
‫قيمة مادية بني الن اس(‪ ،)5‬ويش مل ذلك املال النق دي ‪ :‬أي النق ود ‪ ،‬واملال العيين‬
‫‪ :‬أي األعيان واألعراض كالعقارات والسيارات وسائر السلع ‪ ،‬واملنافع ‪ :‬سواء‬

‫وهو تعريف د‪ .‬حممد العريب انظر موسوعة االقتصاد اإلسالمي ‪. 1/14‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫وهو تعريف د‪ .‬حممد الفنجري ‪ ,‬انظر املذهب االقتصادي يف اإلسالم صـ‪. 300‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫انظر‪ :‬شرح الكوكب املنري ‪ 1/333‬وما بعدها ‪ .‬وروضة الناظر ‪.1/90‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫انظر املدخل إىل السياسة الشرعية د‪ .‬عبد العال عطوه ص‪.52‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫انظر‪ :‬معجم املصطلحات االقتصادية يف لغة الفقهاء د‪ .‬نزيه محاد ص‪.237‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫منفعة اإلنس ان أو منفعة املال العيين ‪ ،‬ول ذا ف إن املال ليس مقص وراً على املال‬
‫النق دي فقط وإمنا يش مل مجيع ه ذه األن واع وهو ما يُعرب عنه يف علم االقتص اد‬
‫باملواد اإلنتاجية ‪.‬‬

‫وتص رف اإلنس ان فيه ‪ :‬أي تص رف اإلنس ان يف املال كإنفاقه أو بيعه‬


‫وحنو ذلك من سائر التصرفات املالية ‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬العالقة بين النظام االقتصادي اإلسالمي والعلوم‪ G‬المشابهة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬العالقة بين النظام االقتصادي اإلسالمي وفقه المعامالت ‪:‬‬
‫فقه املعامالت هو أحد فروع علم الفقه ‪،‬ويُقصد بعلم الفقه " العلم الذي‬
‫يهتم بدراسة األحك ام الش رعية العملية من أدلتها التفص يلية (‪ ")1‬ويش مل ذلك‬
‫أحكام العبادات ( فقه العبادات وهي ‪ :‬الطهارة ‪ ،‬الصالة ‪ ،‬الزكاة ‪ ،‬الصيام ‪،‬‬
‫احلج ) وأحك ام املع امالت املالية ( فقه املع امالت املالية ) وأحك ام النك اح‬
‫والطالق ( فقه األسرة ) وأحكام اجلنايات واحلدود وأحكام القضاء واإلثبات(‪. )2‬‬
‫والنظام االقتصادي اإلسالمي له صلة وثيقة بعلم الفقه وخاصة الزكاة يف‬
‫فقه العبادات‪ ،‬والنفقات والفرائض يف فقه األسرة ‪ ،‬وسائر أبواب فقه املعامالت‬
‫املالية ‪ ،‬واليت تش مل العق ود والتص رفات املالية كعقد ال بيع واإلج ارة والق رض‬
‫وال رهن والكفالة واحلوالة والعارية والوديعة واللقطة والش ركة والص لح والس بق‬
‫واهلبة والوقف والوصية وغريها من العقود والتصرفات املالية ‪.‬‬

‫ولكن هذا االرتباط ال يصل إىل حد االندماج حيث إن لكل علم موضوعه‬
‫املستقل عن اآلخر ‪ ،‬ومن الفروق بني النظام االقتصادي وفقه املعامالت ما يلي ‪:‬‬

‫انظر‪ :‬املدخل للفقه اإلسالمي د‪ .‬عبد اهلل الدرعان ص‪.31‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫انظر يف هذا التقسيم كتب الفقه ككتاب بدائع الصنائع للكاساين وبداية اجملتهد البن‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫رشد ومغين احملتاج للشربيين واملغين البن قدامة ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫(‪ )1‬النظام االقتصادي اإلسالمي أعم وأمشل من فقه املعامالت املالية حيث إنه‬
‫يقوم عليه وعلى غريه من أبواب الفقه كالزكاة والنفقات والفرائض‬
‫والنظام املايل للدولة إضافة إىل اجلانب العقدي – مكانة املال والنظرة‬
‫إليه – أما فقه املعامالت فهو خاص ببحث املعامالت املالية بني األفراد‬
‫واجملتمعات والدول ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أن النظام االقتصادي يدرس النظريات العامة املرتبطة باملال والعالقات‬
‫املالية كامللكية بقسميها العامة واخلاصة ‪ ،‬واحلرية االقتصادية وضوابط‬
‫تقييدها والتكافل املايل االجتماعي ‪ ،‬ومنهج اإلسالم يف اإلنتاج ‪،‬‬
‫واالستهالك والتوزيع والتداول‪.‬‬

‫أما فقه املع امالت في درس فيه األحك ام الش رعية العملية يف التعامل املايل بني‬
‫األفراد واجملتمعات البشرية على وجه التفصيل ‪.‬‬
‫ب _ العالقة بين النظام االقتصادي اإلسالمي وعلم االقتصاد ‪:‬‬
‫علم االقتصاد ( االقتصاد التحليلي ) هو أحد العلوم االجتماعية اليت هتتم‬
‫بدراسة الكيفية اليت يتم هبا توزيع املوارد االقتص ادية على احلاج ات والرغب ات‬
‫اإلنس انية وذلك بقصد مس اعدة األف راد واجملتمع على االختي ار بني الب دائل‬
‫املتعددة بغرض حتقيق أقصى منفعة أو عائد ممكن(‪. )1‬‬
‫وينقسم علم االقتصاد إىل فرعني رئيسيني مها ‪:‬‬
‫‪ )1‬االقتصاد الكلي ‪ :‬وهو الذي يهتم بدراسة مشاكل االقتصاد ككل ‪،‬‬
‫حيث يق وم بتحليل س لوك الوح دات االقتص ادية جمتمعة على أهنا‬
‫وح دة واح دة مكونة لالقتص اد الق ومي ‪ ،‬ومن مب احث ه ذا القسم ‪:‬‬
‫حتديد مستوى الدخل القومي ‪ ،‬اإلنتاج القومي ‪ ،‬االستهالك القومي ‪،‬‬

‫انظر ‪:‬مقدمة يف النظرية االقتصادية اجلزئية د‪ .‬خالد الدخيل ص‪. 3‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫متوسط مس توى األس عار ‪ ،‬مس توى التوظيف والتش غيل ‪ ،‬اإلنف اق‬
‫احلكومي ‪.‬‬
‫االقتصاد الجزئي ‪ :‬وهو الذي يهتم بدراسة مشاكل الوحدات‬ ‫‪)2‬‬
‫االقتص ادية الفردية ك الفرد والعائلة واملؤسسة ‪..‬اخل ‪ .‬وك ذا دراسة‬
‫األش كال املختلفة للس وق وكيفية حتديد األس عار فيه ‪ ،‬ومن مب احث‬
‫ه ذا القسم ‪ :‬نظرية الع رض والطلب ‪ ،‬ونظرية اإلنت اج والتك اليف ‪،‬‬
‫ونظرية سلوك املستهلك ‪ ،‬وتوازن السوق واستقرارية التوازن(‪. )1‬‬

‫ومن أوجه الف روق بني علم االقتص اد أو ما يس مى باالقتص اد التحليلي ‪،‬‬
‫والنظام االقتصادي ما يلي ‪:‬‬
‫(‪ )1‬النظام االقتصادي ال يقوم على تفسري احلياة االقتصادية وأحداثها ‪ ،‬أما‬
‫علم االقتص اد فهو ق ائم على دراسة الظ واهر االقتص ادية وتفسري أح داثها‬
‫على أساس االستقراء واملالحظة واالستنتاج العلمي ‪.‬‬
‫(‪ )2‬النظ ام االقتص ادي يت أثر بعوامل غري اقتص ادية لت أثره مبفه وم العدالة‬
‫االجتماعي ة‪ ،‬إذ لكل نظ ام فكرته املس تقلة عن العدالة اليت حيكم من‬
‫خالهلا على ما جيري يف احلياة ‪.‬أما علم االقتصاد فال يتأثر بفكرة العدالة‬
‫ألهنا ليست فكرة قابلة للقياس باألساليب املادية(‪.)2‬‬
‫(‪ )3‬النظام االقتصادي تتفاوت فيه اجملتمعات واحلضارات تبعاً ملبادئها اليت‬
‫تؤمن هبا‪ ،‬أما علم االقتصاد فيوجد فيه تفاوت إال أنه أقل من التفاوت بني‬
‫األنظمة االقتص ادية‪ ،‬وذلك ألنه متعلق ب الظواهر االقتص ادية ( ك العرض‬
‫والطلب والتك اليف واإلنت اج والت وازن ‪..‬اخل ) واليت ال ختتلف بني جمتمع‬
‫وآخر وإمنا ال ذي خيتلف كيفية معاجلة ه ذه الظ واهر فيما حيقق مص لحة‬

‫املرجع السابق ص ‪. 11-10‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫انظر عناصر اإلنتاج يف االقتصاد اإلسالمي _ د‪ .‬صاحل العلي ص‪.50‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫األف راد واجملتمع وه ذا التف اوت يف علم االقتص اد مرتبط بالعقائد واملب ادئ‬
‫اليت ت ؤمن هبا اجملتمع ات ‪ ،‬إذ لكل جمتمع مبادئه اليت ي ؤمن هبا واليت قد‬
‫تتفق أو ختتلف مع اجملتمع اآلخر‪ ،‬وحيث أن اإلسالم له مسلكه اخلاص يف‬
‫توجيه املوارد اإلنتاجية فإننا جند أن لالقتص اد التحليلي يف اإلس الم‬
‫اس تقاللية يف أدوات البحث واليت تتفق مع عقيدته وش ريعته ‪ ،‬ويطلق على‬
‫هذا العلم " االقتصاد التحليلي اإلسالمي " ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المطلب الثاني‬
‫مصادر النظام االقتصادي اإلسالمي‬

‫يستمد النظام االقتصادي اإلسالمي قواعده من مصادر الدين اإلسالمي‬


‫وهي الق رآن الك رمي والس نة النبوية واإلمجاع والقي اس واملص لحة املرس لة وحنوها‬
‫من أدلة الشريعة ‪.‬‬
‫المصدر األول ‪ :‬القرآن الكريم ‪:‬‬
‫نص اهلل س بحانه وتع اىل يف كتابه الك رمي على الكثري من األحك ام اليت‬
‫تتعلق باملال س واء من ناحية مكانته والنظ رة إليه أو األم ور املتعلقة بط رق مجعه‬
‫واكتسابه أو تداوله وإنفاقه ‪ ،‬وقد وردت مئات اآليات اليت تبني هذه األحكام‬
‫كاآلي ات املتعلقة بالزك اة والص دقات والنفقة وإباحة ال بيع واإلج ارة وال رهن‬
‫والكفالة والوصية وتقسيم اإلرث ‪ ،‬واحلث على توثيق الديون بالكتابة واإلشهاد‬
‫ووج وب الوف اء ب العهود والعق ود وحفظ األمان ات وأدائها ألص حاهبا ووج وب‬
‫االهتمام بأموال اليتامى وتنميتها واحملافظة عليها ‪ .‬وكذا اآليات املتعلقة بتحرمي‬
‫الربا وامليسر وأكل أموال الناس بالباطل من رشوة وغش وغريها ‪.‬‬

‫فعلى س بيل املث ال ُجل اآلي ات يف آخر س ورة البق رة مرتبطة بتنظيم املال‬
‫بدء باآلية رقم ‪        261‬‬
‫ً‬
‫‪          ‬‬
‫‪         ‬اآلية ‪ .‬وهي يف احلث على‬
‫النفقة وال رتغيب فيها مث ت أيت اآلي ات اليت بع دها يف ض رب األمثلة على أمهية‬
‫النفقة وأهنا هي املال الذي يبقى لإلنسان يف الدار اآلخرة ‪ ،‬مث تأيت آيات الربا ‪‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫اآليات ‪ .‬وأخرياً تأيت آيتا املداينة‬ ‫‪   ‬‬
‫‪           ‬‬
‫[ البقرة ‪. ]283 –282 :‬‬ ‫‪         ‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫كما ورد يف القرآن الكرمي العديد من القصص املرتبطة باملال كقصة قوم‬
‫ش عيب ال ذين ك انوا يطفف ون الكيل وال وزن ويبخس ون الن اس حق وقهم ‪ :‬ق ال‬
‫تعاىل ‪           :‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ [        ‬هود – ‪– 84‬‬
‫‪ ، )1( ]85‬وقصة ق ارون ال ذي أغن اه اهلل فطغى وجترب فخسف اهلل به وب داره‬
‫األرض ( يف س ورة القصص )‪ ،‬وقصة أص حاب اجلنة ( يف س ورة ن ) وص احب‬
‫اجلنتني ( يف سورة الكهف ) وغريها من القصص ‪.‬‬
‫المصدر الثاني ‪ :‬السنة المطهرة ‪:‬‬
‫النصوص اليت وردت يف القرآن الكرمي تكون يف غالب حاالهتا – جمملة –‬
‫كاألمر بالزكاة مثالً حيث مل حتدد أنصبتها وشروطها ومقاديرها وهنا يأيت دور‬
‫السنة لتوضيح اجململ وتفصيل العام وتقييد املطلق ‪ ،‬فالسنة بالنسبة للقرآن الكرمي‬
‫إما أن تكون مفصلة ملا جاء فيه من أحكام عامة ‪ ،‬أو مؤكدة لتلك األحكام ‪،‬‬
‫أو تأيت بأحكام جديدة مل ترد يف القرآن الكرمي ‪.‬‬

‫والسنة يف مجيع هذه احلاالت معتربة ألن اهلل سبحانه وتعاىل أمر نبيه بتبليغ‬
‫ما أن زل إليه فق ال‪         :‬‬
‫‪ [   ‬املائ دة ‪ ] 67 :‬كما أمر س بحانه وتع اىل بطاعة رس وله × ‪:‬‬
‫‪ [         ‬النس اء ‪:‬‬
‫‪ ] 59‬وقد جاءت السنة املطهرة بآالف األحاديث اليت تنظم املعامالت املالية يف‬
‫مجيع حاالهتا ومن مجيع جوانبها ‪ .‬وقد مجع العلم اء ه ذه األح اديث وص نفوها‬
‫وفس روا معانيها وذلك يف أب واب الزك اة وال بيوع يف كتب الص حاح والس نن‬

‫وانظر اآليات من سورة األعراف ‪ 93 – 85‬وسورة الشعراء ‪. 191 – 176‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫كص حيح البخ اري وص حيح مس لم وس نن النس ائي وأيب داود والرتم ذي وابن‬
‫ماج ه‪ ،‬وك ذلك بعض املؤلف ات اخلاصة اليت اعتنت جبمع األح اديث النبوية‬
‫املتعلقة باملال ككت اب " األم وال " أليب عبيد القاسم بن س الم ( ‪ 224‬ﻫ )‬
‫وكتاب " األموال " حلميد بن زجنويه ( ‪ 251‬ﻫ ) ‪.‬‬
‫المصدر الثالث ‪ :‬اإلجماع‬
‫اإلجم‪GG‬اع هو ‪ :‬اتف اق اجملته دين من أمة حممد × بعد عصر النب وة على حكم‬
‫شرعي(‪. )1‬‬

‫ومن األمثلة عليه يف اجلانب االقتصادي ‪ :‬إمجاع الصحابة ‪ ‬على قتال مانعي‬
‫الزكاة‪.‬‬

‫وإمجاع العلم اء املعاص رين على أن الفائ دة اليت تُعطى أو تؤخذ على ما‬
‫يسمى بالقروض الشخصية يف البنوك من الربا احملرم (‪.)2‬‬
‫المصدر الرابع ‪ :‬القياس‬
‫القي‪GGGG‬اس هو ‪ :‬إحلاق ف رع بأصل يف احلكم جلامع بينهما ‪ ،‬وهو من األدلة اليت‬
‫(‪) 3‬‬

‫تبني األحكام بالنسبة للفروع فتلحقها بأحكام األصول اليت تتفق معها يف العلة ‪.‬‬
‫ومن أمثلة القياس في الجانب االقتصادي ‪:‬‬
‫قياس األوراق النقدية املتداولة اآلن ‪ -‬كالرياالت واجلنيهات ‪_...‬على العملة‬
‫النقدية اليت ُوج دت يف وقت الرس ول ‪ ‬وهي ال دينار ال ذهيب وال درهم الفضي‬
‫وذلك جبامع أن العلة واح دة وهي الثمينة ‪ ،‬ومن مث يأخذ الف رع املقيس أحك ام‬
‫األصل املقيس عليه يف وجوب الزكاة فيه ‪ ،‬وك ذا اش رتاط التماثل والتق ابض يف‬

‫انظر‪ :‬روضة الناظر ‪ 411/ 1‬وتيسري الوصول ص‪. 200‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫انظر قرارات اجملامع الفقهية وهيئات كبار العلماء يف ذلك ومن ذلك قرار جممع الفقه‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫اإلسالمي رقم ‪ 3‬الدورة الثانية بتاريخ ‪ 1406 / 4 / 16 -10‬ﻫ ‪.‬‬


‫انظر ‪ :‬روضة الناظر ‪. 2/227‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫صرف اجلنس جبنسه ( كرياالت برياالت ) واشرتاط التقابض يف صرف اجلنس‬


‫بغري جنسه ( كرياالت بدوالرات ) ‪.‬‬
‫المصدر الخامس ‪ :‬المصلحة المرسلة‬
‫تنقسم المصالح إلى ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫‪ )1‬مص لحة معت ربة كاملص لحة املتحققة من البيع حلصول الن اس على‬
‫احتياجاهتم‪ ،‬وهذه اعتربها الشارع فأجاز البيع ألجلها‪.‬‬

‫دل الدليل الشرعي على إلغائها وعدم‬ ‫مصلحة ملغاة وهي اليت َّ‬ ‫‪)2‬‬
‫اعتبارها ‪ ،‬ومن ذلك حرمة امليسر " القم ار " ق ال تع اىل‪  :‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪[ .         ‬‬
‫البقرة ‪] 219 :‬‬
‫وك ذا ما يكون يف الربا من مص لحة متوقعة يف جانب من اجلوانب فإهنا‬
‫ال تق ارن باملفاسد املرتتبة عليه ول ذا فإهنا ملغ اة لغلبة املفاسد على املص احل‬
‫‪.‬‬
‫مصلحة مرسلة أي مطلقة ‪ ،‬مل ينص الدليل الشرعي على‬ ‫‪)3‬‬
‫اعتبارها أو إلغائها‪ ،‬وإمنا ترك األمر فيها حبسب األوضاع واألحوال‬
‫واليت قد ختتلف من زمان أو مكان إىل آخر ‪.‬‬

‫ومن أمثلة هذا القسم يف اجلانب االقتصادي املعاصر‪ :‬اإللزام بالتسجيل يف‬
‫الس جالت التجارية ‪ ،‬ونظ ام الش هر التج اري وحنو ذلك من األنظمة‬
‫واإلجراءات اليت يقصد هبا حتقيق املصاحل ‪.‬‬
‫المصدر السادس ‪ :‬سد الذرائع‬
‫‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يقصد بسد الذرائع ‪ :‬منع الوسائل املباحة اليت تؤدي إىل مفاسد‬

‫انظر ‪:‬شرح الكوكب املنري ‪ 434 / 4‬وتيسري الوصول ص‪. 221‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ف إذا ك انت الوس يلة ت ؤدي إىل حمرم ش رعي أو مفس دة وك ان ه ذا‬
‫احلص ول قطعي اً أو غالب اً ف إن ه ذه الوس يلة متنع ‪ .‬ومن األمثلة على ذلك يف‬
‫اجلانب االقتص ادي املعاص ر‪ :‬حرمة ت أجري احملالت ملن يس تخدمها يف أمر حمرم‬
‫كالربا أو القمار‪ ،‬أو بيع اخلمور وحنوها ‪ ،‬أو بيع املعازف واألغاين ‪.‬‬
‫المصدر السابع ‪ :‬العرف‬
‫العرف ‪ :‬هو كل ما تعارف عليه الناس وألفوه حىت أصبح شائعاً يف جمرى‬
‫حياهتم (‪. )1‬‬

‫فإذا كان العرف شائعاً بني أهله ومل خيالف نص اً شرعياً فإنه يكون معترباً‬
‫إال إذا صرح املتعاقدان على خالفه ‪.‬‬

‫واألعراف التجارية هلا قيمة مهمة يف تفسري كثري من املعامالت املالية مما‬
‫مل ينص املتعاقدان عليها أو يفسرا كيفيتها أو املقصود هبا ‪.‬‬

‫ومن األمثلة على األخذ ب العرف يف اجلانب االقتص ادي ‪ :‬نفقة ال زوج على‬
‫زوجته وأبنائه حيث يرجع يف حتديد مقدارها إىل العرف ‪ ،‬قال تعاىل ‪  :‬‬
‫‪ [ . )2(       ‬البق رة ‪:‬‬
‫‪] 233‬‬

‫انظر‪ :‬تيسري الوصول ص‪. 212‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫وانظر اآليات اليت بعدها ‪ ,‬وانظر يف تفسريها – تفسري فتح القدير ‪. 255 – 244 /1‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المطلب الثالث‬
‫مراجع النظام االقتصادي اإلسالمي‬

‫بدأت حركة التأليف املتخصصة يف االقتصاد اإلسالمي يف هناية القرن‬


‫الث اين اهلج ري حيث ألف اإلم ام أبو يوسف كتابه اخلراج مث ت والت الكتب بعد‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫وقد شهد آخر القرنني الثاين والثالث اهلجريني جمموعة من املؤلفات‬


‫اخلاصة يف النظ ام املايل اليت ظه رت احلاجة إليها يف ظل توسع ال دول اإلس المية‬
‫وقوهتا االقتصادية وتعدد مصادر الدخل ‪.‬‬

‫مث ت والت املؤلف ات املتخصصة بعد ذلك يف الق رون اهلجرية الرابع‬
‫واخلامس والس ادس‪ ،‬وبع دها ش هد الت أليف تراجع اً يف منهجه وأس لوبه حيث‬
‫طغى عليه أس لوب التقليد واحملاك اة ‪ ،‬واس تمر ه ذا الوضع إىل ال زمن احلاضر‬
‫ولكن مع تأس يس اجلامع ات اإلس المية والكلي ات الش رعية ووج ود األقس ام‬
‫املتخصصة لالقتصاد اإلسالمي بدأت حركة التأليف تزدهر من جديد وظهرت‬
‫(‪)1‬‬
‫الدراسات املتخصصة يف غالب جماالت االقتصاد ‪.‬‬

‫وسنعرف ببعض الكتب املتقدمة يف جمال االقتصاد اإلسالمي ‪:‬‬


‫‪ )1‬الخراج – ألبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الحنفي – (ت ‪ 182‬ﻫ) ‪:‬‬
‫جاء تصنيف هذا الكتاب بناءً على طلب اخلليفة العباسي هارون الرشيد‬
‫رمحه اهلل حيث طلب من قاضي القضاة يف عصره – وهو أبو يوسف – أن‬
‫يضع له كتاباً جامعاً يُعمل به يف أنظمة الدولة املالية واالقتصادية ‪ ،‬فألف هذا‬
‫الكتاب ومساه باخلراج ألنه كان أهم مورد من موارد بيت املال يف زمنه ‪.‬‬

‫ملزيد من التوسع يف حركات التأليف انظر مناهج الباحثني يف االقتصاد اإلسالمي د‪ .‬محد‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫اجلنيدل ص ‪. 58 -43‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ويعترب الكت اب أق دم ما أُلف يف النظ ام املايل يف احلض ارة اإلس المية‬


‫وغريها ويه دف الكت اب إىل رفع مس توى اإلنت اج يف األمة اإلس المية وحتقيق‬
‫(‪)1‬‬
‫التنمية االقتصادية الشاملة مبيناً أن عنصر العمل هو األساس للتقدم والقوة ‪.‬‬
‫‪ )2‬الكسب – لمحمد بن الحسن – (ت‪189‬ﻫ) ‪:‬‬
‫ألف اإلم ام حممد بن احلسن الش يباين كتابه الكسب مث اختص ره وش رحه‬
‫تلميذه حممد بن مساعه بكتاب أمساه ( االكتساب يف الرزق املستطاب ) ‪.‬‬

‫وقد بني فيه أنواع الكسب وطرقه املباحة ‪ ،‬وأن الكسب يكون بواسطة‬
‫العمل واإلنت اج من طريق اإلج ارة أو التج ارة أو الزراعة أو الص ناعة ‪ ،‬مث حكى‬
‫اخلالف يف املفاضلة بني هذه الطرق األربعة ‪ ،‬وبعد ذلك تعرض لنظرية اإلنفاق‬
‫وطرقه الواجبة واملستحبة ‪ ...‬اخل ‪.‬‬

‫ويعد هذا الكتاب رداً على تيار الزهد املذموم الذي بدأ باالنتشار يف‬
‫(‪)2‬‬
‫وقته ‪ ،‬وهو ترك اإلنتاج والعمل حبجة االعتماد على اهلل يف طلب الرزق ‪.‬‬
‫‪ )3‬األموال – ألبي عبيد‪ G‬القاسم بن سالم – (ت‪ 224‬ﻫ) ‪:‬‬
‫يعترب كت اب األم وال أليب عبيد من أث رى الكتب يف الرواية حىت ق ال عنه‬
‫احلافظ ابن حجر رمحه اهلل ‪ (:‬إن كت اب األم وال أحسن ما ص نف يف الفقه‬
‫وأج وده ) ‪.‬وقد مجع أبو عبيد يف كتابه األح اديث واآلث ار املتعلقة باملال وخاصة‬
‫مالية الدولة (‪ ، )3‬مما جعل العلم اء ال ذين ألف وا بع ده يف األم وال يعتم دون عليه‬
‫(‪)4‬‬
‫كحميد بن زجنويه (ت‪ 251‬ﻫ) يف كتابه الذي حيمل نفس االسم‪ ( :‬األموال )‬
‫انظر الكتاب مطبوعاً ضمن موسوعة اخلراج – دار املعرفة – بريوت –‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫انظر الكتاب مع شرحه االكتساب – نشر دار الكتب العلمية – وانظر‪:‬األربعون‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫االقتصادية د‪ .‬زيد الرماين ص‪. 11‬‬


‫انظر الكتاب بتحقيق – حممد خليل هراس ‪.‬نشر دار الكتب العلمية ‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫وهو مطبوع بتحقيق د‪ .‬شاكر ذيب فياض ‪ .‬نشر مركز امللك فيصل للبحوث‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫والدراسات اإلسالمية ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪ )4‬اإلشارة إلى محاسن التجارة – ألبي الفضل جعفر الدمشقي (ت‪580‬ﻫ)‪:‬‬


‫حتدث املؤلف يف كتابه عن حقيقة املال وأقس امه واحلاجة إليه ‪ ،‬مث تكلم‬
‫عن النقود وضرورهتا وأسس تكوينها ‪.‬‬

‫كما حتدث عن أفضل السبل املتعلقة مبمارسة التجارة ‪ ،‬وكان يدعم ما يذكره‬
‫بنص وص الق رآن والس نة وأق وال احلكم اء والتج ارب اليت حص لت له ‪ ،‬مما جعل‬
‫(‪) 1‬‬
‫للكتاب قيمة علمية متميزة ‪.‬‬

‫ومن الكتب املتخصصة يف االقتصاد اإلسالمي اليت ألفها العلماء السابقون‬


‫ما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬إصالح املال البن أيب الدنيا (ت‪281‬ﻫ) ‪.‬‬
‫‪ )2‬أحكام السوق أليب بكر حيىي بن عمر الكناين (ت‪289‬ﻫ) ‪.‬‬
‫‪ )3‬األموال املشرتكة لشيخ اإلسالم ابن تيمية (ت‪728‬ﻫ) ‪.‬‬
‫‪ )4‬عدة الصابرين وذخرية الشاكرين البن القيم اجلوزية (ت‪751‬ﻫ) ‪.‬‬
‫‪ )5‬الربكة يف فضل الس عي واحلركة أليب عبد اهلل مجال ال دين احلبشي (ت‬
‫‪782‬ﻫ) ‪.‬‬
‫‪ )6‬حصول الرفق بأصول الرزق جلالل الدين السيوطي (ت‪911‬ﻫ) ‪.‬‬
‫‪ )7‬حترير املقال فيما حيل وحيرم من بيت املال لتقي الدين البالطنسي‬
‫(ت‪936‬ﻫ) ‪.‬‬

‫انظر‪ :‬األربعون االقتصادية ص‪. 37‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫كما أن العلماء عقدوا الفصول املستقلة يف كتب األحكام السلطانية(‪ )1‬عن‬


‫النظ ام املايل للدولة اإلس المية وحتدثوا فيه عن مص ادره وط رق توزيعه التوزيع‬
‫العادل ‪.‬‬

‫انظر مثالً الباب احلادي عشر والثاين عشر والثالث عشر والثامن عشر من كتاب‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫األحكام‬
‫السلطانية للماوردي ‪ ,‬والباب السادس من كتاب حترير األحكام يف تدبري أهل اإلسالم لبدر الدين‬
‫بن مجاعة ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المبحث الثاني‬
‫(*)‬
‫األُصول االعتقادية لالقتصاد اإلسالمي‬

‫لكل نظام اقتصادي أصوله وقواعده الفكرية اليت يؤمن هبا وينطلق منها يف‬
‫رسم أنظمته وسياساته االقتصادية ‪.‬‬

‫وإذا كان النظامان الرأمسايل واالشرتاكي ينطلقان من قاعدة اعتقادية واحدة‬


‫هي ( املادية ) أو ( تقديس املال ) فإن النظام االقتصادي اإلسالمي خيتلف عنهما‬
‫يف الوجهة حيث يقيم أص وله الفكرية على قاع دة أعظم وأهم ‪ ،‬بل هي األصل‬
‫لكل جوانب احلياة ‪ ،‬أال وهي قاعدة اإلميان ‪.‬‬

‫فاإلميان ميثل املنطلق ال رئيس والرك يزة األوىل لكل ج وانب وجماالت‬
‫االقتص اد اإلس المي ‪ ،‬فهو يف حقيقته وج وهره ف رع من ف روع عقي دة‬
‫اإلميان ومهمته أن حيمي ه ذه العقي دة ويعمق ج ذورها وينشر نورها ‪،‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫‪G.‬‬ ‫ويضع الصور العملية اليت تعرب عنها وحتقق أهدافها يف واقع احلياة‬

‫ول ذا جند أن اهلل س بحانه وتع اىل يوجه اخلط اب يف كتابه الك رمي إىل‬
‫الذين آمنوا وذلك يف سائر األحكام الشرعية ومنها أحكام املعامالت ‪.‬‬

‫‪ -‬يقول تعاىل يف آيات الربا‪      :‬‬
‫‪ [         ‬البقرة ‪. ] 278 :‬‬

‫إعداد الدكتور عبد اهلل الناصر‬ ‫*)‬ ‫(‬

‫انظ ر‪ :‬دور القيم واألخالق يف النظ ام االقتص ادي اإلس المي _ د‪ .‬يوسف القرض اوي ص‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪.37‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫فوجه اخلط اب إىل عب اده املؤم نني طالب اً منهم تق واه وذلك ب رتكهم الربا إن‬
‫كانوا مؤمنني حقاً (‪ ، )2‬ويف آخر اآليات أعاد األمر بتقواه واحلذر من عقوبته يف‬
‫الدار اآلخرة ‪           :‬‬
‫‪ [       ‬البقرة ‪ ] 281 :‬مما يعين أن االلتزام‬
‫يف أساسه التزام عقدي إمياين ‪.‬‬

‫واملسلم حني يلتزم هبذه األوامر والنواهي من إيتاء الزكاة وبذل الصدقات‬
‫وت رك الربا والغش ‪ ...‬اخل فإنه إمنا يل تزم هبا ألهنا من عند اهلل عز وجل وهو‬
‫يدرك يف قرارة نفسه أهنا خري له يف عاجل أمره وآجله (‪. )2‬‬

‫وارتباط االقتصاد اإلسالمي بالعقيدة يظهر يف عالقته املباشرة بأركان اإلميان‬


‫وخاص ًة ( اإلميان باهلل ) و ( اإلميان ب اليوم اآلخر واإلميان بالق در خ ريه وش ره )‬
‫وسنبني هذه األصول الثالثة مث نبني بعض املبادئ االعتقادية املتفرعة عنها ‪.‬‬
‫األصل األول ‪ :‬اإليمان باهلل ‪:‬‬
‫أن أهم ما يقوم عليه االقتصاد اإلسالمي عقيدة اإلميان باهلل ‪ ،‬واليت تتضمن‬
‫فات )‬ ‫التوحيد بأنواعه الثالثة ( توحيد الربوبية ‪ ،‬واأللوهية ‪ ،‬واألمساء الص‬
‫وخاصة النوعيني األوليني ‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬توحيد الربوبية ‪:‬‬
‫يظهر ارتباط االقتصاد اإلسالمي بتوحيد الربوبية من خالل اإلميان بأن اهلل‬
‫هو اخلالق ‪ ،‬املالك ‪ ،‬الغين ‪ ،‬الرازق ‪.‬‬
‫‪ )1‬فاهلل سبحانه وتعاىل هو خالق كل شيء كما قال عن نفسه‪  :‬‬
‫‪            ‬‬
‫[ غافر ‪. ] 62 :‬‬
‫انظر ‪:‬املنتخب يف تفسري القرآن الكرمي ص‪. 67‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫انظر‪ :‬يف االقتصاد اإلسالمي د‪ .‬رفعت العوضي ص‪. 81‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫وقد امنت علينا سبحانه بأن خلق لنا ما يف األرض وأوجد لنا فيها النعم‬
        : ‫ قال تع اىل‬.‫الظاهرة والباطنة‬
. 
] 29 : ‫[ البقرة‬
         :‫وقال‬
] 71 :‫ [ يس‬    
‫) وإذا كان اهلل سبحانه هو خالق كل شيء فإن هذا يستتبع أنه املالك لكل‬2
   ‫ ق ال تع اىل‬، ‫ما خلق وهو كل ش يء موج ود يف ه ذا الوج ود‬

  :‫ ] وق ال‬18 : ‫ [ املائ دة‬     


       
          
] 26 : ‫ [ آل عمران‬       
     :‫وهو سبحانه غين كرمي كما قال تعاىل‬ )3
: ‫ [ ف اطر‬        
‫ فهو غين عن خلقه مل خيلقهم طمع اً فيما عن دهم – كيف وهو‬،] 15
 :‫ال ذي خلقه هلم ورزقهم إي اه – وإمنا خلقهم لعبادته كما ق ال تع اىل‬
         
           
. ] 58 – 56:‫ [ الذاريات‬  
‫وإذا ك ان اإلنس ان جمب والً على حب املال والبخل ف إن اهلل س بحانه‬
. ‫وتعاىل كرمي يعطي العطاء اجلزيل‬
         :‫قال تعاىل‬
: ‫ [ اإلسراء‬       
‫لو أنتم متلكون خزائن رزق‬: ‫ ] " أي قل يا حممد هلؤالء املشركني‬100

28
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ريب لبخلتم خش ية الفقر ألن اإلنس ان مطب وع على ش دة احلرص والبخل‬


‫واهلل هو الغين الكرمي "‬
‫(‪)1‬‬

‫وجاء يف احلديث القدسي‪ ( :‬يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم‬


‫وجنكم ق اموا يف ص عيد واحد فس ألوين ف أعطيت كل إنس ان مس ألته ما‬
‫نقص ذلك مما عندي إال كما ينقص املخيط إذا أدخل البحر ) (‪. )2‬‬
‫‪ )4‬الرازق هو اهلل ‪ :‬إن مصدر الرزق من عند اهلل ‪ ،‬فهو سبحانه‪  :‬‬
‫‪ [    ‬ال ذاريات ‪ ] 58 :‬خلقنا ومل يرتكنا بل‬
‫تفضل علينا بأرزاقن ا‪       :‬‬
‫‪ [     ‬ال روم ‪ ] 40 :‬وهو س بحانه يبسط‬
‫ال رزق ملن يش اء من عب اده ويق در ال رزق عمن يش اء‪   :‬‬
‫‪          ‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ [   ‬العنكبوت ‪] 62 :‬‬
‫وقد كتب سبحانه األرزاق جلميع اخللق ‪ ،‬بل حىت الدواب اليت ال تستطيع‬
‫أن حتمل رزقها وتدخره قد يسر اهلل هلا أسباب الرزق واحلياة كما قال تعاىل‪ :‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[ العنكبوت ‪ ] 60 :‬فاإلنسان قد ُكتب مقدار رزقه قبل أن يوجد على األرض‬
‫كما جاء يف احلديث عن النيب ‪" : ‬إن امللك عندما ينفخ الروح يف اجلنني يُؤمر‬
‫بأربع كلمات بكتابة رزقه ‪ ،‬وأجله ‪ ،‬وعمله ‪ ،‬وشقي أو سعيد" (‪. )4‬‬

‫املنتخب ص‪ 434‬وانظر تفسري البغوي ‪ 114 / 3‬وتفسري التسهيل للكليب ‪.498 / 1‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫رواه مسلم كتاب الرب والصلة واآلداب – باب حترمي الظلم برقم ‪. 4674‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫وانظر‪ :‬اآليات ( ‪ 26‬من سورة الرعد ‪,‬و‪ 30‬اإلسراء ‪ ,‬و‪ 82‬القصص ‪ ,‬و‪ 37‬الروم ‪ ,‬و‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 39 , 36‬سبأ ‪ ,‬و‪ 52‬الزمر ‪ ,‬و‪ 12‬الشورى ) ‪.‬‬


‫متفق عليه ‪ ,‬رواه البخاري يف كتاب بدء اخللق باب ذكر املالئكة رقم ‪ , 3208‬ومسلم‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫يف كتاب القدر باب كيفية اخللق األوىل رقم ‪. 2643‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫وقد فاضل س بحانه بني البشر يف أرزاقهم حلكمة بينها وهي أن خيدم‬
‫ق ال تع اىل‪      :‬‬ ‫بعض هم بعضا‬
‫(‪)1‬‬

‫‪ [ )2(      ‬الزخ رف ‪ ] 32 :‬فاألغني اء‬


‫مسخرون للفقراء ‪ ،‬والفقراء مسخرون لألغنياء(‪. )3‬‬

‫وإذا كان اهلل قد سخر بعضنا لبعض ‪ ،‬فإنه من رمحته ولطفه قد سخر لنا‬
‫أيضاً األرض مبا فيها حىت نستطيع االستفادة منها ومما فيها من اخلريات‬
‫والطيبات ‪ .‬قال تعاىل‪          :‬‬
‫‪         ‬‬
‫[ لقمان‪ ] 20 :‬وقال‪         :‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫‪ [        ‬امللك‪] 15 :‬‬
‫ويترتب على اإليمان بتوحيد الربوبية ما يلي ‪:‬‬
‫املسلم يؤمن بأن املالك لألموال العامة واخلاصة هو اهلل سبحانه وتعاىل ‪،‬‬ ‫‪)1‬‬
‫فاهلل جل وعال هو خ الق كل ش يء ومالك كل ش يء‪   :‬‬
‫‪ [      ‬الرع د‪ ] 16 :‬فهو مالكنا‬
‫وما منلك من األم وال وال ثروات‪. ‬وليس هن اك تع ارض بني ملكيتنا‬
‫اخلاصة لألموال وملكية اهلل هلا ألننا عباد اهلل وحنن مملوكون له وما منلك‬
‫يتبعنا يف ملكية اهلل له ق ال تع اىل ‪      :‬‬
‫‪ [   ‬الن ور‪ ،] 33 :‬وق ال تع اىل ‪   :‬‬
‫‪ [  ‬البق رة‪] 254 :‬ففي ه اتني اآلي تني نسب اهلل س بحانه‬
‫وتعاىل املال إليه وأثبت ملكيته له ألنه هو اخلالق له وهو الذي رزقنا إياه‬
‫‪،‬ر َز ْقنَ ا ُكم )‬
‫‪ ،‬وأثبت أيضاً ملكية البشر للمال حيث نسبه إليهم (آتَا ُك ْم َ‬
‫انظر‪ :‬تفسري التسهيل ‪. 312 / 2‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫وانظر‪ :‬اآليات ( ‪ 165‬األنعام ‪ 71 ,‬النحل ‪ 21 ,‬اإلسراء ) ‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫انظر‪ :‬قواعد األحكام لإلمام العز بن عبد السالم ص‪. 236‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫وانظر‪ :‬اآليات ( ‪ 34-32‬إبراهيم ‪ ,‬والنحل ‪ 65 , 14-12‬احلج ‪ 13 ,‬اجلاثية ) ‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪.‬‬
‫وفرق بني ملكية اخلالق جل وعال لألموال وملكية البشر هلا فملكيته عامة‬
‫لكل األم وال وش املة لكل البشر وس واء ك انت األم وال مملوكة أو غري‬
‫مملوكة ‪ ،‬أما ملكية البشر فهي خاصة والبد أن يوجد هلا س بب معني‬
‫يؤدي إىل اكتساهبا كالزراعة أو الصناعة أو الصيد أو الشراء أو غريها ‪.‬‬
‫وإذا كان اهلل قد سخر هذا الكون لإلنسان فإن هذا ال يعين حصول‬ ‫‪)2‬‬
‫اإلنس ان على األم وال والطيب ات من دون جهد أو عمل ‪ ،‬بل عليه أن‬
‫يعمل بقدر طاقته ألجل أن حيصل على الرزق الذي قسمه اهلل له ‪ ،‬قال‬
‫تع اىل حاث اً على الس عي يف طلب ال رزق ‪    :‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[ اجلمعة‪] 10:‬وقال تعاىل ‪      :‬‬
‫‪[   ‬امللك‪] 15:‬‬
‫جيب على املسلم أن يستفيد مما سخر اهلل يف هذه األرض من الطيبات‬ ‫‪)3‬‬
‫واخلريات فيأكل منها ويستخدمها فيما أباح اهلل مما حيقق عمارة األرض‬
‫قال تعاىل‪         :‬‬
‫‪         ‬‬
‫[ البقرة ‪] 168 :‬‬
‫وال جيوز أن حيرم ما أحل اهلل له ق ال تع اىل ‪     :‬‬
‫‪        ‬‬
‫[األع راف‪] 32:‬وق ال‪      :‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪ [.‬النحل‪] 116 :‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬توحيد األلوهية ‪:‬‬
‫إن مقتضى اإلميان بتوحيد الربوبية وأن اهلل هو اخلالق املالك الرازق توحيده‬
‫بالعب ادة فال يُس أل إال اهلل وال يُطلب ال رزق إال منه جل وعال ‪،‬وقد بني ذلك‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫س بحانه يف كتابه الكرمي حيث ضرب مثالً بأنه فضل بعض البشر على بعض يف‬
‫ال رزق فجعل رزق الس ادة أفضل من رزق ممل وكيهم ‪ ،‬فهل ه ؤالء الس ادة‬
‫معط وهم نصف أم واهلم ليكون وا على حد املس اواة معهم ‪ ،‬وإذا ك ان اجلواب ال‬
‫مع أهنم بشر مثلهم ‪ ،‬فكيف يرضون أن يشركوا مع اهلل غريه من خملوقاته مع أهنا‬
‫مل ترزقهم شيئاً وإمنا الذي رزقهم هو اهلل وحده ‪.‬ومقتضى ذلك حتم اً أن ال يعبد‬
‫إال الذي يرزق جل وعال قال تعاىل‪       :‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪ [         ‬النحل‪71:‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫]‪.‬‬
‫مث بني س بحانه بعد ه ذه اآلية أن ه ؤالء املش ركني يعب دون غري اهلل من‬
‫األوث ان وهي ال متلك هلم رزق اً وأن ال رزق من اهلل س بحانه ق ال تع اىل‪ :‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪. ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[ النحل ‪] 73 :‬‬
‫وق ال‪           :‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ [  ‬العنكبوت ‪. ] 17 :‬‬

‫فهذه اآلهلة اليت تعبدوهنا من دون اهلل ال متلك لكم رزقاً ‪ ،‬وإمنا الذي يرزق‬
‫(‪)2‬‬
‫هو اهلل فالتمسوا الرزق منه وحده وخصوه بالعبادة والشكر على أنعمه ‪.‬‬
‫ويقتضي اإليمان بتوحيد األلوهية ‪:‬‬
‫االعتماد على اهلل يف طلب الرزق وااللتجاء إليه وحده دون غريه من‬ ‫‪)1‬‬
‫املخل وقني ق ال تع اىل‪        :‬‬
‫‪ [    ‬الش ورى ‪، ] 19 :‬وق ال × ‪ (:‬من‬

‫انظر‪ :‬املنتخب يف تفسري القرآن الكرمي ص‪. 396‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع السابق ص‪. 593‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫أص ابته فاقة فأنزهلا بالن اس مل تسد فاقته ‪ ،‬ومن أنزهلا باهلل فيوشك اهلل له‬
‫(‪)1‬‬
‫برزق عاجل أو آجل )‬
‫كما جيب على املس لم أن يتوكل على اهلل يف طلب ال رزق ‪ ،‬فمن توكل‬
‫على اهلل كفاه ويسر له أمر رزقه ‪ ،‬قال × ‪ (:‬لو أنكم تتوكلون على اهلل‬
‫حق توكله لرزقكم كما يرزق الطري تغدوا مخاصاً وتروح بطاناً ) (‪. )2‬‬
‫ص رف لل رزق ‪ ،‬يبعد عن اإلنس ان‬ ‫أن اإلميان الص ادق ب أن اهلل هو املُ َ‬ ‫‪)2‬‬
‫الصفات الذميمة كاحلسد والغل وخبس الناس أشياءهم ‪.‬‬

‫رواه أبو داود يف كتاب الزكاة باب االستعفاف برقم ‪ , 1402‬والرتمذي يف كتاب‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫الزهد ‪ ,‬باب ما جاء يف اهلم يف الدنيا برقم ‪ 2248‬وقال حديث حسن غريب وصححه األلباين –‬
‫صحيح اجلامع برقم ‪. 6566‬‬
‫رواه اإلمام أمحد – مسند عمر بن اخلطاب – برقم‪ , 200‬والرتمذي يف كتاب الزهد‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫باب التوكل على اهلل برقم ‪ 2266‬وصححه األلباين – صحيح اجلامع برقم ‪. 5254‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

: ‫ اإليمان باليوم اآلخر‬: ‫األصل الثاني‬


‫يدرك املسلم أن الدنيا ما هي إال مزرعة لآلخرة وأن الثواب والعقاب احلقيقي‬
          :‫يف تلك ال دار حيث‬
     :‫ ] و ق ال تع اىل‬281 : ‫[ البق رة‬
          
.] 47 : ‫ [ األنبياء‬       

‫ حيث لن يضر الفقري فقره إذا‬، ‫والدار اآلخرة ليست حمالً للتفاضل املايل‬
ً‫ كما أن الغين لن ينفعه غن اه إذا ك ان مقص را‬، ‫ك ان قد ق ام مبا أوجب اهلل عليه‬
       :‫ ق ال تع اىل‬، ‫يف طاعة ربه‬
       
       
‫ وق ال‬.] 11 – 5 : ‫ [ الليل‬      
        :‫تع اىل‬
         
.] 37 : ‫ [ سبأ‬      

:‫ قال تعاىل‬، ‫كما أن الدار اآلخرة ليست حمالً للعوض املايل‬


   
– 88 : ‫ [ الشعراء‬          
.] 89
: ‫ويترتب على هذا اإليمان باليوم اآلخر ما يلي‬
، ‫ وأن يريد ما عند اهلل والدار اآلخرة‬، ‫جيب أن تكون مهة املسلم عالية‬ )1
           :‫قال تعاىل‬
         
‫ ( من كانت اآلخرة‬:× ‫] ويقول‬20:‫ [ الشورى‬   
، ‫ وأتته ال دنيا وهي راغمة‬، ‫ ومجع عليه مشله‬، ‫مهه جعل اهلل غن اه يف قلبه‬

28
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ومن ك انت ال دنيا مهه جعل اهلل فق ره بني عينيه وف رق عليه مشله ومل يأته‬
‫(‪) 1‬‬
‫من الدنيا إال ما قُدر له )‪.‬‬
‫أن معيار الربح خيتلف عند املسلم من غري املسلم ‪ ،‬فغري املسلم ال ميكن‬ ‫‪)2‬‬
‫أن يقدم على عمل جتاري إال وقد غلب على ظنه أن له مردوداً مادي اً ‪،‬‬
‫أما املس لم فإنه قد يعمل العمل ال ذي ليس له م ردود م ادي عن رضا‬
‫وقناعة بل ويسابق اآلخرين إليه وما ذلك إال إلدراكه أن جزاءه يف الدار‬
‫اآلخرة اليت هي خري وأبقى من هذه احلياة الدنيا ‪.‬‬
‫وقد رتب سبحانه وتعاىل جزاء األعمال الصاحلة من الصدقات وحنوها‬
‫يف الدار اآلخرة قال تعاىل‪        :‬‬
‫‪ [      ‬البقرة ‪ .] 245 :‬وقال‪:‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪ [  ‬البقرة ‪.] 262 – 261 :‬‬
‫كما أن املسلم قد ميتنع عن بعض األعمال التجارية اليت حتقق عائداً‬
‫مرتفعاً بسبب أهنا حمرمة شرعاً وذلك خشية من عذاب اهلل وعقوبته ‪.‬‬
‫جيب على املسلم أن يراقب نفسه وتصرفاته فال يأخذ إال حقه وال‬ ‫‪)3‬‬
‫يعت دي على حق غ ريه وعليه أن يس ارع يف ب راءة ذمته من حق وق‬
‫اآلخ رين ‪ .‬وذلك ألنه إذا مل يؤدها يف ال دنيا فإنه س يؤديها يف ال دار‬
‫اآلخ رة ‪.‬ق ال ×‪(:‬لت ؤدن احلق وق إىل أهلها ي وم القيامة حىت يق اد للش اة‬
‫اجللحاء من الشاة القرناء) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫األصل الثالث ‪ :‬اإليمان بالقدر خيره وشره ‪:‬‬

‫رواه الرتمذي يف كتاب صفة القيامة والرقائق برقم ‪ , 2465‬وابن ماجة يف كتاب الزهد‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫باب اهلم بالدنيا برقم ‪ , 4157‬وصححه األلباين – صحيح اجلامع برقم ‪. 6510‬‬
‫رواه مسلم كتاب الرب ولصلة باب حترمي الظلم برقم ‪. 4679‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫يؤمن املسلم بعقيدة القضاء والقدر وأن اهلل سبحانه قد قدَّر كل شيء كما‬
‫قال عن نفسه‪ [        :‬القمر ‪] 49 :‬‬

‫وعن عبد اهلل بن عمرو قال مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪ (:‬كتب اهلل مقادير‬
‫اخلالئق قبل أن خيلق السماوات واألرض خبمسني ألف سنة ) (‪.)1‬‬

‫وقد كتب اهلل أرزاق بين آدم كما ورد يف احلديث ‪ (:‬أن امللك عندما ينفخ‬
‫الروح يف اجلنني يُؤمر بأربع كلمات ‪ ،‬بكتابة رزقه ‪.)2( ) .... ،‬‬
‫ويترتب على اإليمان بالقضاء والقدر ما يلي ‪:‬‬
‫جيب على املس لم أن يطلب ال رزق من حمله ويسعى يف حتصيله ق در‬ ‫‪)1‬‬
‫اس تطاعته ‪ ،‬فكل آتيه رزقه كما ُكتب له ‪ .‬ج اء يف احلديث‪ (:‬ال‬
‫تس تبطئوا ال رزق ‪ ،‬فإنه لن ميوت عبد حىت يبلغه آخر رزق هو له ‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فأمجلوا يف الطلب ‪ ،‬أخذ احلالل وترك احلرام)‪.‬‬
‫أما التواكل وعدم العمل وادعاء االعتماد على ما ُكتب لإلنسان من‬
‫رزق ف إن ه ذا غري ص حيح إذ التوكل والرضا بالق در ال يقتضي ع دم‬
‫العمل بل كما ق ال الرس ول ‪ (: ‬اعمل وا فكل ميسر ملا ُخلق له ) (‪، )4‬‬
‫وكما ورد يف احلديث‪ ( :‬لو أنكم تتوكلون على اهلل حق توكله لرزقكم‬
‫(‪)5‬‬
‫كما يرزق الطري تغدوا مخاصاً وتروح بطاناً )‬
‫رواه مسلم كتاب القدر باب حجاج آدم وموسى برقم ‪. 4797‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫متفق عليه رواه البخاري يف كتاب بدء اخللق باب ذكر املالئكة برقم ‪ , 3208‬ومسلم‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫يف كتاب القدر باب كيفية اخللق األول برقم ‪. 2643‬‬


‫رواه ابن ماجه يف كتاب التجارات باب االقتصاد يف املعيشة ‪ ,‬ورواه احلاكم يف كتاب‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫البيوع برقم ‪ 2134‬وقال صحيح على شرط الشيخني ووافقه الذهيب وصححه األلباين – صحيح‬
‫اجلامع برقم ‪. 7323‬‬
‫متفق عليه ‪ :‬رواه البخاري يف كتاب التفسري باب قوله فأما من أعطى واتقى برقم‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪ , 4564‬ومسلم يف كتاب القدر باب كيفية خلق اآلدمي برقم ‪. 4789‬‬


‫رواه الرتمذي يف كتاب الزهد باب يف التوكل على اهلل برقم ‪ 2266‬وابن ماجه يف‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫كتاب الزهد برقم ‪ 4154‬وامحد برقم ‪ 200‬وصححه األلباين – صحيح اجلامع – برقم ‪. 5254‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫فالطري تعمل وتأخذ باألسباب من الذهاب لطلب الرزق وحتصيله‬


‫وترجع إىل أعشاش ها وقد حص لت عليه وهي يف كل ذلك معتم دة على‬
‫رهبا جل وعال ‪.‬‬
‫جيب على املسلم أن يرضى مبا قُدِّر عليه وال يضجر ‪ ،‬فإذا ربح يف‬ ‫‪)2‬‬
‫جتارته فإنه يشكر نعمة اهلل عليه ‪ ،‬وإذا خسر أو أصابته مصيبة من سرقة‬
‫أو حريق أو غ رق بض اعة أو غري ذلك من األق دار املكتوبة رضي وصرب‬
‫وه ذا هو س بب اطمئن ان املؤمن كما ج اء يف احلديث عن النيب ×‪:‬‬
‫( عجباً ألمر املؤمن إن أمره كله خري وليس ذلك ألحد إال للمؤمن ‪ ،‬إن‬
‫أصابته سراء شكر فكان خرياً له وإن أصابته ضراء صرب فكان خرياً له )‬
‫(‪.)1‬‬
‫المبادئ المرتبطة بهذه األصول ‪:‬‬
‫من املب ادئ املرتبطة هبذه األص ول الثالثة والناجتة عن اإلميان هبا مب دأ‬
‫االس تخالف ‪ ،‬ومب دأ أن املال وس يلة لطاعة اهلل‪،‬ومب دأ كفاية اخلريات حلاج ات‬
‫البشر ‪،‬وسنبني هذه املبادئ الثالثة ‪:‬‬
‫المبدأ األول ‪ :‬االستخالف ‪:‬‬
‫إذا ك ان املالك للم ال هو اهلل س بحانه وتع اىل فإنه قد اس تخلفنا يف ه ذه‬
‫األموال عمن كان قبلنا ‪ ،‬وأمرنا أن نقوم حبق هذا االستخالف من عدم صرف‬
‫املال يف احملرم ات أو اإلس راف يف املباح ات ‪،‬كما أمرنا بإنف اق بعضه يف وج وه‬
‫اخلري واإلحسان ‪.‬‬

‫وه ذا ما نصت عليه اآلية الكرمية‪    :‬‬


‫‪        ‬‬
‫‪ [     ‬احلديد ‪ ] 7 :‬فقد أمر اهلل سبحانه وتعاىل‬

‫رواه مسلم كتاب الزهد ‪ ,‬باب املؤمن أمره كله خري برقم ‪. 5318‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫باإلميان به وبرس وله على الوجه األكمل ‪ ،‬وحث على اإلنف اق مما جعلنا‬
‫مستخلفني فيه عمن كان قبلنا ‪ ،‬وسيكون ملن بعدنا ‪ ،‬مث بني سبحانه جزاء من قام‬
‫حبق هذا االستخالف بأن هلم أجراً كبرياً يف الدار اآلخرة(‪. )1‬‬

‫ويف قوله‪        :‬إشارة إىل أنه سيكون‬
‫خملف اً عنك فلعل وارثك أن يطيع اهلل فيه فيك ون أس عد مبا أنعم اهلل به عليه منك‬
‫‪ ،‬أو يعصى اهلل فتكون قد سعيت إىل معاونته على اإلمث والعدوان(‪. )2‬‬

‫واإلميان هبذا املب دأ جيعل اإلنس ان ي درك أن ه ذه النعم من ةٌ من اهلل عليه‬


‫استخلفه فيها ‪ ،‬فتبعد بينه وبني األشر واالستكبار فال يطغيه الغىن ألنه مدرك أن‬
‫املال مال اهلل وأن اهلل قد استخلفه فيه ويسر له االنتفاع منه ‪.‬‬

‫إن هن اك فرق اً كب رياً بني إنس ان ينظر إىل املال من خالل شخصه ه و‪،‬‬
‫فهو وح ده ال ذي مجعه ‪،‬وال ذي خبربته اس تطاع تنميته ‪ ،‬ول ذا فإنه مبف رده هو‬
‫ال ذي يس تحق أن يس تمتع بثمراته ‪ ،‬وبني إنس ان ي رى نفسه مس تخلفاً يف ه ذا‬
‫املال من اهلل ‪ ،‬واملال يف احلقيقة م ال اهلل ‪ ،‬هو ال ذي أنشأ مادته ‪ ،‬وهو ال ذي‬
‫سخره له ‪ ،‬مث هو الذي وهبه قدر ًة على اكتسابه فهو أمني عليه ومستخلف فيه‪،‬‬
‫وعليه أن يرعى حق هذه األمانة وهذا االستخالف (‪. )3‬‬

‫ولقد ضرب القرآن املثل برجلني أحدمها مسلم واآلخر كافر ‪ ،‬أما املسلم‬
‫– وهوسليمان عليه السالم‪ -‬فإنه قال‪      :‬‬
‫‪           ‬‬

‫انظر‪ :‬تفسري الطربي ‪ 671 / 11‬والبغوي ‪ 268 / 4‬وروح املعاين ‪ 259 / 15‬وأيسر‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫التفاسري‬
‫‪. 263 / 5‬‬
‫تفسري ابن كثري ‪. 306 / 4‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫انظر‪ :‬دور القيم واألخالق يف االقتصاد اإلسالمي د‪ .‬يوسف القرضاوي ص‪. 42‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪ [     ‬النمل ‪ ، ] 40 :‬أما غري املسلم‪ -‬وهو قارون –‬
‫فقال‪ [         :‬القصص ‪ ، ] 78 :‬ومل‬
‫ينسب الفضل إىل اهلل فكانت عقوبته العاجلة اخلسف به وبأمواله اليت تطاول هبا‬
‫يف األرض‪          :‬‬
‫‪ [ )1(         ‬القصص ‪:‬‬
‫‪. ] 81‬‬
‫المبدأ الثاني ‪ :‬المال وسيلة لطاعة هللا ‪:‬‬
‫تتفاوت الفلسفات واألديان يف نظرهتا للمال تفاوت اً متباين اً ‪ .‬فحينما جند‬
‫(‪)2‬‬
‫األفك ار اليت ت رفض املال ومتع ال دنيا معه وتص ور أهنا شر جيب اخلالص منه‬
‫جند يف مقابل ذلك تلك األفكار اليت تقدس املال وجتعله هو اإلله الذي جيب أن‬
‫يُعبد (‪. )3‬‬
‫وبني ه ذين االجتاهني املتناقضني يقف اإلس الم موقف الوسط ‪ ،‬فهو يعتد‬
‫باملال‪ ،‬ويضع له قيمته ويعت ُّد مبكانته يف نفس اإلنس ان اجملب ول على حب ه‪ :‬‬
‫‪ [     ‬العاديات‪ ]8 :‬فاملال زينة احلياة الدنيا‪ :‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ [        ‬الكهف ‪ ] 46 :‬وبه‬
‫تقوم مصاحل الناس‪:‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ [   ‬النساء ‪ ، ] 5 :‬إنه خري وصالح ملن أخذه من حله فوضعه‬
‫يف حمله ‪ ،‬ولكن اإلس الم ال يغ ايل يف مكانة املال لدرجة التق ديس والعب ادة ‪ ،‬بل‬

‫ملزيد من التفصيل عن مثرات اإلميان بقاعدة االستخالف انظر‪ :‬املرجع السابق ‪-45‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 60‬‬
‫وهذا موقف الربامهة يف اهلند ‪ ,‬والبوذيني يف الصني واملانويني يف فارس ‪ ,‬والرهبان يف‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫النص رانية ‪ ,‬وقد ك ان هلذا االجتاه رواج وأنص ار يف احلض ارات الس ابقة ولكنه ق َل أتباعه يف العص ور‬
‫احلديثة لغلبة اجتاه تقديس املال وحب املادة ‪.‬‬
‫وهذا ما عليه الدهريون يف كل زمان ومكان وعلى هذه النظرة ظهر املذهبان الرأمسايل‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫والشيوعي ‪ ,‬انظر‪ :‬دور القيم واألخالق يف االقتصاد اإلسالمي د‪ .‬يوسف القرضاوي ص‪.91‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫إنه حيذر من ه ذا املس لك مبين اً أن املال فتنة وابتالء لإلنس ان ‪ ،‬وأن على املس لم‬
‫أن ال جيعله مهه وغايته يف ه ذه احلي اة ‪    :‬‬
‫‪ [        ‬احلشر‪ ،]9 :‬ويقول‬
‫×‪ (:‬تعس عبد ال دينار ‪ ،‬وال درهم ‪ ،‬والقطيفة ‪ ،‬واخلميصة ‪ ،‬إن أعطي رضي وإن‬
‫مل يعط مل يرض ) (‪.)1‬‬

‫إن اإلسالم جيعل املال وسيلة للدار اآلخرة ‪ ،‬فالدنيا يف حقيقتها ما هي إال‬
‫مرحلة زائلة والدار الباقية هي الدار اآلخرة ‪ ،‬وإذا كانت الدنيا كلها ما هي إال‬
‫وسيلة للدار اآلخرة فاملال وسيلة أيضاً للوصول إىل تلك الدار ‪.‬‬

‫يق ول تع اىل مبين اً ه ذه املنزل ة‪      :‬‬
‫‪           ‬‬
‫‪             ‬‬
‫[ القص ص‪ ] 77:‬ويق ول س بحانه يف مع رض املدح‪    :‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪ [  ‬البقرة‪ ، ] 201:‬وكان من دعاء املصطفى ×‪ ( :‬اللهم أصلح يل‬
‫ديين ال ذي هو عص مة أم ري ‪ ،‬وأص لح يل دني اي اليت فيها معاشي ‪ ،‬وأص لح يل‬
‫آخ ريت اليت إليها مع ادي ‪ ،‬واجعل احلي اة زي ادة يل يف كل خري واجعل املوت‬
‫راحة يل من كل شر ) ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫فاإلنسان املؤمن باهلل ميلك املال وال ميلكه املال ‪ ،‬إنه جيعله يف يده ال يف قلبه ‪،‬‬
‫إنه يس عى لتحص يله واس تثماره مبا أب اح اهلل ال مبا أوحى إليه ه واه واش تهت‬
‫نفس ه‪ .‬أن املال يف نظ ره وس يلة وطريق ‪ ،‬ذلك أن هدفه يف ه ذه احلي اة أعظم‬
‫وأجل ‪ ،‬إهنا طاعة اهلل اليت خلق هلا‪      :‬‬

‫رواه البخاري يف كتاب اجلهاد باب احلراسة يف سبيل اهلل برقم ‪ , 2673‬وكتاب الرقاق‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫باب ما يتقى من فتنة املال برقم ‪. 5955‬‬


‫رواه مسلم كتاب الذكر والدعاء ‪ ,‬باب التعوذ من شر ما عمل برقم ‪. 2720‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪          ‬‬


‫‪ [    ‬األنعام ‪] 163-162 :‬‬
‫المبدأ الثالث ‪ :‬كفاية الخيرات لحاجات البشر ‪:‬‬
‫يقرر اإلسالم أن اخلريات اليت أودعها اهلل يف األرض واليت سيودعها كافية‬
‫حلاجات البشر من الغذاء والكساء والسكن وسائر الض رورات واحلاجات اليت‬
‫حيت اج إليها اإلنس ان بل وكل دابة يف األرض كما ق ال تع اىل‪  :‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪ [  ‬العنكب وت‪ ]60:‬وه ذا من رمحته ولطفه بعب اده أن ق در هلم‬
‫أرزاقهم وأقواهتم وأوجدها يف األرض من املياه واملعادن والرتبة اخلصبة وغريها‪،‬‬
‫قال تعاىل‪          :‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪         ‬‬
‫[ فصلت‪ ] 10-9:‬فقوله‪   :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪   ‬‬
‫أي أرزاق أهلها ومعاشهم (‪. )2‬‬ ‫‪ ‬‬

‫وق ال تع اىل‪      :‬‬


‫‪         ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪ [       ‬احلجر‪] 21-19:‬‬
‫"أي ما من ش يء ن افع للبش رية هي يف حاجة إليه لق وام حياهتا عليه إال عند اهلل‬
‫خزائنه ومن ذلك األمط ار ‪ ،‬لكن ينزله بق در معل وم حسب حاجة املخلوق ات‬
‫(‪)3‬‬
‫إليه ‪ ،‬وما تتوقف عليه مصاحلهم " ‪.‬‬

‫قوله " يف أربعة أيام " أي أن األربعة أيام كملت باليومني األوليني فخلق اهلل األرض يف‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫يومني ‪ ,‬وقدر فيها أقواهتا يف يومني ‪ ,‬فتكون أربعة أيام ‪ ,‬مث خلق السماوات يف يومني فتكون ستة‬
‫أي ام ق ال تع اىل ( ولقد خلقنا الس ماوات واألرض وما بينهما يف س تة أي ام وما مس نا من لغ وب )‬
‫[ق‪.] 38 :‬‬
‫تفسري التسهيل ‪ 289 / 2‬وانظر تفسري الطربي ‪. 89 / 11‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫ايسر التفاسري ‪ , 78/ 3‬وانظر‪ :‬تفسري فتح القدير ‪. 126 / 3‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫وعلى ذلك فإن االقتصاد اإلسالمي يقوم على مبدأ أن اخلريات اليت أوجدها‬
‫اهلل يف األرض ‪ ،‬وما سيوجده فيها سبحانه كاف حلاجات البشر ‪ ،‬ليس يف ذلك‬
‫ندرة مطلقة ‪ ،‬وال زيادة مفرطة بل كل شيء بقدر معلوم ‪.‬‬

‫يق ول تع اىل‪         :‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪ [  ‬الشورى‪ " ]27 :‬فلو وسع اهلل الرزق جلميع عباده – كما يبتغون‬
‫– لطغوا يف األرض وظلموا " (‪. )1‬‬
‫وهنا يثار سؤال عن أسباب اجملاعات اليت تعاين منها بعض الدول ‪ ،‬هل هو‬
‫لع دم كفاية املوارد الطبيعية ‪ ،‬وهو ما ال يتفق مع ه ذا املب دأ ال ذي أثبتن اه ‪ ،‬أم‬
‫يرجع إىل أسباب أخرى ؟‪.‬‬

‫واجلواب على ذلك ‪ :‬إن الفقر ليس يف حقيقة األمر نتيجة لقلة ال ثروات‬
‫الطبيعية يف ه ذه األرض‪ ،‬بل إننا جند أن بعض ال دول الفق رية اليت تع اين من‬
‫اجملاعات متثل املصدر الرئيس للمواد األولية ‪ ،‬وإمنا توجد أسباب أخرى كان هلا‬
‫األثر املباشر أو غري املباشر يف ظهور هذه اجملاعات ‪ ،‬ومن أهم هذه األسباب ما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫‪ )1‬عدم استخدام اإلنسان لكامل جهوده الذهنية والبدنية ‪ .‬وقصوره يف‬
‫اس تغالل املوارد اليت أنعم اهلل هبا عليه ‪ ،‬ومن ذلك الفس اد اإلداري‬
‫وض عف التخطيط االقتص ادي وس وء التوزيع للم وارد واليت تع اين منه‬
‫كثري من الدول ‪.‬‬
‫‪ )2‬الكفر بنعم اهلل ‪ ،‬قال تعاىل‪      :‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ [    ‬النحل‪]112 :‬‬
‫املنتخب ص‪. 718‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫مبالغة البشر يف حاجاهتم املادية ‪ ،‬وعدم وجود الرشد االستهالكي‬ ‫‪)3‬‬


‫املناسب سواءٌ على املستوى الفردي أو اإلقليمي أو الدويل ‪.‬‬
‫اختالف توزيع املوارد الطبيعية والكثافة السكانية على مستوى الدول ‪.‬‬ ‫‪)4‬‬
‫األزمة الروحية اليت يعاين منها العامل لغياب التعاليم الدينية الصحيحة عنه‬ ‫‪)5‬‬
‫‪ ،‬مما س بب التظ امل بني الش عوب واجملتمع ات وس اعد يف إجياد احلروب‬
‫اليت كان هلا األثر يف املآسي اإلنسانية واخلسائر املادية الفادحة ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من كثرة االجتماعات الدولية اليت هتدف إىل مساعدة‬
‫ال دول الفق رية ‪ ،‬إال أن أثرها ال ي زال حمدوداً ‪ ،‬ففي ال وقت ال ذي تع اين‬
‫منه هذه الدول من نقص املواد الغذائية جند دوالً أخرى لديها فائض من‬
‫هذه املواد وتعزف عن تلبية حاجات تلك الدول ‪ ،‬إما ألسباب اقتصادية‬
‫أو سياس ية ‪ ،‬ويف ح ال قيامها بتلبية تلك الرغب ات فإهنا ال تنسى‬
‫(‪)1‬‬
‫استخدام أسلوب االبتزاز السياسي لتلك الدول ‪.‬‬
‫قد يكون هذا النقص الفردي أو الدويل ابتالء من اهلل كما قال تعاىل‪:‬‬ ‫‪)6‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ [       ‬البقرة‪:‬‬
‫‪. ]155‬‬

‫انظر‪ :‬مدخل للفكر االقتصادي يف اإلسالم د‪ .‬سعيد مرطان ص‪. 72‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المبحث الثالث‬
‫*‬
‫األنظمة االقتصادية الوضعية‬
‫المطلب األول‬
‫النظام االقتصادي الرأسمالي‬

‫أ‪ -‬تعريفه ‪ :‬ـ‬


‫يع رف النظ ام االقتص ادي الرأمسايل بتعريف ات كث رية وذلك لتع دد‬
‫خصائصه ومؤسس اته‪ .‬وقد اخرتنا تعريف اً ألحد الب احثني لعله أفض لها وأدقه ا‪،‬‬
‫حيث عرفه بأنه‪" :‬النظام االقتصادي الذي ميتلك فيه األفراد آحاداً أو مجاعات‬
‫املوارد اإلنتاجية ملكية خاص ة‪ ،‬كما أن هلم احلق يف اس تخدم م واردهم بأية‬
‫طريقة يروهنا مناس بة"‪ ،1‬ويف ه ذا التعريف جند الب احث اس تخدم تعبري "املوارد‬
‫اإلنتاجية" بدالً من رأس املال وذلك لشموليته‪ ،‬فاملوارد اإلنتاجية تشمل كل ما‬
‫ينتجه اإلنس ان من أدوات ومع دات ومب ان اس تثمارية‪ ،‬كما تش مل كل ما هو‬
‫موج ود يف الطبيعة من أراض ومع ادن وغريه ا‪ .‬كما أنه من خالل ه ذا التعريف‬
‫نستشف أن امللكية اخلاصة واحلرية يف النش اط االقتص ادي من أهم أسس النظ ام‬
‫الرأمسايل‪.2‬‬
‫ب‪ -‬نشأته‪ :‬ـ‬
‫يكشف التط ور الت ارخيي للنظ ام الرأمسايل بأنه من أق دم النظم االقتص ادية‬
‫الوضعية ظهوراً‪ ،‬وقد مر مبراحل متعددة‪ ،‬ميكننا أن نربزها يف النقاط التالية‪:‬‬

‫إعداد الدكتور‪ /‬عمر املرزوقي‪.‬‬ ‫*‬

‫النظم االقتصادية املعاصرة‪ ،‬د‪ .‬حممد حامد‪ ،‬ص‪.16‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.17‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫مرحلة الرأسمالية التجارية‪:‬‬


‫ميثل املذهب التج اري أو الرأمسالية التجارية البداية املبك رة للرأمسالية يف‬
‫اجملتمع األورويب‪ ،‬وقد ظه رت الرأمسالية التجارية من بداية الق رن الس ادس عشر‬
‫وامت دت حىت منتصف الق رن الث امن عشر امليالدي‪ .‬وقد س اعد على ظهورها‬
‫عدة عوامل داخلية وخارجية‪ ،‬ميكننا أن جنملها يف النقاط التالية‪:1‬‬
‫(‪ )1‬اهنيار النظام اإلقطاعي*‪ ،‬بسب هروب رقيق األرض من الريف الزراعي‬
‫إىل املدن‪ ،‬ألهنم مل يس تطيعوا حتمل الطلب ات املتزاي دة من قبل أس ياد‬
‫اإلقطاع‪ ،‬واليت كانت تستنفذ كل منتجاهتم وجمهوداهتم‪.‬‬
‫(‪ )2‬االكتشافات اجلغرافية الكربى واملتمثلة يف‪:‬‬
‫(أ) اكتش اف الق ارة األمريكية س نة (‪1493‬م) وما أس فر عنه ذلك من‬
‫اكتش اف من اجم ال ذهب الغنية هن اك‪ ،‬حىت أص بح ت دفق املع دن‬
‫النفيس منها إىل اجملتمع األورويب ع امالً مهم اً يف اتس اع دائ رة‬
‫التب ادل النق دي يف اجملتمع ات اإلقطاعية يف أوروب ا‪ ،‬األمر ال ذي أثر‬
‫سلباً على االقتصاد اإلقطاعي‪ ،‬ألنه اقتصاد عيين حتصل فيه املبادالت‬
‫بص ورة عيني ة‪ ،‬حيث أص بح التج ار يس تخدمون العم ال يف نظري‬
‫أجور نقدية‪ ،‬كما أصبح أسياد اإلقطاع أنفسهم يشرتون من التجار‬
‫الس لع ويدفعون مثن اً نق داً‪ ،‬ويبيعون ماهلم من حقوق إقطاعية عينية‬
‫يف نظري مبالغ نقدية‪ ،‬بشكل حتطمت معه رابطة التبعية‪ ،‬وما تفرضه‬

‫د‪ .‬حسني عمر‪ ،‬تطور الفكر االقتصادي‪ ،‬ص‪.149‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫د‪ .‬النجار‪ ،‬تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬ص‪.26‬‬


‫الذي كان سائداً يف اجملتمع األورويب إبان فرتة العصور الوسطى وهي الفرتة اليت‬ ‫*‬

‫اس تغرقت حنو عشرة ق رون متتالية تبدأ من سقوط اإلمرباطورية الرومانية يف الق رن اخلامس امليالدي‬
‫إىل فتح القس طنطينية يف منتصف الق رن اخلامس عشر وهي ف رتة س اد فيها اجلهل والتخلف اجملتمع‬
‫األورويب‪ .‬انظر‪ :‬د‪ .‬صالح الدين نامق‪ ،‬النظم االقتصادية املعاصرة‪ ،‬ص‪ ،52‬د‪ .‬سعيد النجار تاريخ‬
‫الفكر االقتصادي‪ ،‬ص‪.17‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫من التزام ات مالي ة‪ ،‬وحتطم معها نظ ام رقيق األرض‪ ،‬ال ذي هو‬


‫أساس النظام اإلقطاعي‪.2‬‬
‫(ب) اكتش اف طريق رأس الرج اء الص احل إىل اهلند والش رق األقصى (‬
‫فر عنه ذلك من فتح الطريق حبراً حنو تلك‬ ‫‪1498‬م) وما أس‬
‫ال دول‪ ،‬ومن مث فتح آف اق جدي دة للتج ارة اخلارجية اليت ك انت‬
‫كاسدة منذ قرون‪ ،‬األمر الذي زاد من ثراء طبقة التجار الرأمساليني‪.‬‬
‫(‪ )3‬االحتكاك باحلضارة اإلسالمية أثناء احلمالت الصليبية‪ ،‬حيث يكاد جيمع‬
‫املؤرخ ون على أن احلروب الص ليبية ك ان هلا أكرب األثر يف التط ور‬
‫األورويب‪ ،‬أهنا أت احت الفرصة أم ام ال دول األوروبية ملعرفة ث روات الع امل‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وإمكاناته االقتصادية‪ ،‬ومن مث كان انتهاء هذه احلروب إيذاناً‬
‫بقيام صالت جتارية وفتح منافذ تصديرية بينها وبني العامل اإلسالمي‪.‬‬

‫وهك ذا ش هدت أوربا يف ه ذه املرحلة فج راً لعهد اقتص ادي جديد خيتلف‬
‫اختالف اً ج ذرياً عما ع رف يف ظل النظ ام اإلقط اعي‪ ،‬وقد س اد االعتق اد يف ه ذه‬
‫الف رتة ب أن ق وة ال دول تكمن يف مق دار ما متلكه من ال ذهب وغ ريه من املع ادن‬
‫النفيس ة‪ ،‬وهلذا اهتم التج اريون اهتمام اً خاص اً بالتج ارة اخلارجي ة‪ ،‬حىت أص بحت‬
‫حجر الزاوية يف النظ ام الرأمسايل اجلدي د‪ ،‬ول ذلك مسيت الرأمسالية يف ه ذه الف رتة‬
‫بالرأمسالية التجاري ة‪ ،‬ومن مث أك دوا على ض رورة ت دخل الدولة يف التج ارة‬
‫اخلارجي ة‪ ،‬بغية حتقيق ف ائض يف ميزاهنا التج اري‪ ،‬وانتهج وا سياسة االنفت اح من‬
‫ج انب واح د‪ ،‬ومتثلت يف تش جيع الص ادرات‪ ،‬حىت ي رد ال ذهب والفضة من‬
‫اخلارج‪ ،‬وتقييد ال واردات‪ ،‬لكي ال تت دفق ه ذه املع ادن إىل اخلارج‪ .‬وهي السياسة‬
‫اليت تسمى بلغة االقتصاد املعاصر بسياسة إفقار اجلار‪.‬‬
‫مرحلة الرأسمالية الصناعية‪:‬ـ‬

‫د‪ .‬لبيب شقري‪ ،‬تاريخ الفكر االقتصادي‪ ، ،‬ص‪.67‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫كما أتضح من الص فحات الس ابقة فقد تط ور االقتص اد األورويب من‬
‫مرحلة االقتص اد اإلقط اعي إىل مرحلة الرأمسالية التجاري ة‪ ،‬ولكن الرأمسالية مل‬
‫تقف عند ه ذا احلد بل تط ورت ومنت‪ ،‬حىت وص لت يف الق رن الث امن عشر إىل‬
‫الرأمسالية الصناعية‪ ،‬نتيجة الثورة الصناعية‪ ،‬اليت ظهرت يف منتصف هذا القرن‪،‬‬
‫واليت أدت إىل التعجيل بنهاية الرأمسالية التجارية من جه ة‪ ،‬وإىل تغيري وتط ور‬
‫الفن اإلنت اجي من جهة أخ رى حىت أصبح هن اك زي ادة هائلة يف مي ادين اإلنت اج‬
‫املختلف ة‪ ،‬نتيجة إحالل اآلالت الص ناعية حمل الع دد اليدوية واألدوات البس يطة‬
‫اليت كانت مستخدمة من قبل يف اإلنتاج‪ ،‬األمر الذي جعل قطاع الصناعة نتيجة‬
‫ه ذا التط ور يف الفن اإلنت اجي مغري اً لالس تثمارات‪ ،‬حيث ج ذب الكثري من‬
‫رؤوس األموال إليها‪ ،‬وهلذا مسيت الرأمسالية يف هذه الفرتة ـ واليت مازالت قائمة ـ‬
‫باسم الرأمسالية الصناعية‪.1‬‬

‫وقد اعتمد النظ ام الرأمسايل يف ه ذه الف رتة ـ الرأمسالية الص ناعية ـ على‬
‫احلرية االقتص ادية اليت ن ادى هبا آدم مسيث‪ ،‬ال ذي ظه رت أفك اره وسط ه ذا‬
‫التط ور‪ ،‬حيث دعا إىل إلغ اء كافة القي ود اليت ك انت تف رض على التج ارة‬
‫الداخلية واخلارجي ة‪ ،‬وع دم ت دخل الدولة يف احلي اة االقتص ادية‪ ،‬كما ك ان األمر‬
‫يف ظل الرأمسالية التجاري ة‪ ،‬إال مبا يكفل األمن والعدالة ومحاية امللكية الفردية‪،2‬‬
‫غري أن هذا النظام الرأمسايل الذي يعتمد على احلرية االقتصادية املطلقة وبشكله‬
‫الكالسيكي الق دمي مل يعمر طويالً يف ال دول الرائدة يف النظام الرأمسايل يف ذلك‬
‫ال وقت‪ ،‬كربيطانيا وأمريكا ـ فلم يعمر يف بريطانيا على س بيل املث ال ألك ثر من‬
‫نصف ق رن وهو النصف األخري من الق رن الث امن عشر امليالدي ـ وإمنا أدخل‬
‫عليه بعض التع ديالت والت دخالت احلكومية ملعاجلة مس اوئه‪ ،‬إذ ك انت ال دول‬
‫د‪ .‬لبيب شقري تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬ص ‪.56‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫د‪ .‬حممد حامد عبداهلل‪ ،‬النظم االقتصادية املعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.18‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الرأمسالية تف رض الرس وم اجلمركي ة‪ ،‬ومتنح اإلعان ات وال دعم لبعض القطاع ات‬
‫االقتص ادية‪ ،‬كما ك انت حتدد أس عار بعض النش اطات االقتص ادية ذات النفع‬
‫الع ام كالكهرب اء واملاء والغ از‪ .‬كما أهنا م ازالت تس تخدم السياسة النقدية‬
‫واملالي ة‪ ،‬ك أداة من أدوات الت دخل االقتص ادي‪ ،‬وذلك للحيلولة دون ح دوث‬
‫أزم ات اقتص ادية معين ة‪ ،‬إذ إهنا يف خالل ف رتات الكس اد االقتص ادي وتفشي‬
‫البطالة تس ارع إىل خفض س عر الفائ دة‪ ،‬بالق در ال ذي ي ؤدي إىل زي ادة حجم‬
‫االس تثمار‪ ،‬وإىل زي ادة اإلنف اق الع ام‪ ،‬ومنح املس اعدات املالي ة‪ ،‬والتوسع يف‬
‫املشروعات العامة‪ ،‬بشكل يسهم يف النهاية يف زيادة القوة الشرائية يف اجملتمع‪،‬‬
‫فتنشط حركة االقتص اد ويرتفع مس توى الطلب الفعلي‪ ،‬بينما يف حالة ف رتات‬
‫ال رواج االقتصادي وظهور ب وادر التضخم تسارع إىل كبح مجاح التض خم عن‬
‫طريق رفع سعر الفائدة‪ ،‬واحلد من إنفاقها العام‪.1‬‬

‫وهبذا الت دخل من قبل الدولة الرأمسالية انتهت مرحلة احلرية التجارية‬
‫املطلق ة‪ ،‬ودخل النظ ام الرأمسايل يف مرحلة أص بح فيها الت دخل االقتص ادي أم راً‬
‫مقب والً يف ال دول الرأمسالية‪ ،‬ب الرغم من أنه ك ان مرفوض اً يف األصل من قبل‬
‫املنظرين هلذا النظام‪ ،‬خاصة آدم مسيث وتالميذه‪ ،‬إال أنه ينبغي التنبيه إىل أن هذا‬
‫التدخل ال يصل إىل درجة القضاء على جوهر النظام الرأمسايل‪ ،‬وإمنا مل يعد هبذا‬
‫التدخل حيتفظ بشكله الكالسيكي القدمي املفرط يف احلرية االقتصادية املطلقة‪.‬‬
‫جـ‪ -‬أسس وخصائص النظام االقتصادي الرأسمالي‬
‫تعترب احلرية االقتص ادية وامللكية الفردية وح افز ال ربح من أب رز أسس‬
‫وخصائص النظام الرأمسايل‪ ،‬وفيما يلي نناقش ذلك بشيء من التفصيل‪-:‬‬

‫د‪ .‬حممد النشار‪ ،‬النظم االقتصادية‪ ،‬ص‪.59‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪ -1‬الحرية االقتصادية‪ :‬يكفل النظام الرأمسايل احلرية االقتصادية للفرد‪ ،‬سواء‬


‫من حيث النشاط االقتصادي الذي يزاوله أو من حيث االستهالك الذي‬
‫يرغبه‪ ،‬أو من حيث اإلنفاق أو االستثمار الذي يناسبه‪ ،‬فليس للدولة يف‬
‫اجملتمع الذي يسوده النظام الرأمسايل حق التدخل ووضع القيود والعراقيل‬
‫أمام الفرد‪ ،‬عندما يقوم بأي تصرف من التصرفات السابقة‪ ،‬فالقرارات‬
‫اخلاصة بالعمل واإلنتاج واالستهالك واالدخار واالستثمار يتخذها الفرد‬
‫بنفسه‪ ،‬ويف ضوء ما يراه مناسباً له‪.1‬‬
‫‪ -2‬الملكية الخاصة‪ :2‬تعترب امللكية اخلاصة حجر الزاوية يف النظام الرأمسايل‪،‬‬
‫الذي يعطي الفرد احلق يف متلك أموال االستهالك واإلنتاج‪ ،‬وأي شيء‬
‫ذي أمهية اقتصادية‪ ،‬وبالطرق القانونية‪ ،‬حىت أضحت املشروعات الغالبة‬
‫يف النظام الرأمسايل هي املشروعات اخلاصة‪.‬‬
‫وال يع زب عن الب ال أن امللكية اخلاصة يف النظ ام الرأمسايل أس همت يف‬
‫زي ادة اإلنت اج‪ ،‬ويف تش جيع مجع وت راكم ال ثروة واحملافظة عليه ا‪ ،‬إال أن‬
‫امللكية اخلاصة املطلقة هلا مساوئها‪ ،‬إذ إهنا تؤدي إىل الفوارق الكبرية يف‬
‫الثروات والدخول بني أفراد اجملتمع‪ ،‬إذا ما تركت بدون قيود‪ ،‬كما هو‬
‫احلال يف النظام الرأمسايل‪ ،‬األمر الذي جيعل احلياة الرأمسالية ميدان سباق‪،‬‬
‫مس عور وحمم وم‪ ،‬بني فئة متلك أدوات اإلنت اج‪ ،‬وال يهمها إال مجع املال‬
‫من كل الس بل ولو أض رت ب اآلخرين‪ ،‬وأخ رى حمروم ة‪ ،‬ال متل ك‪ ،‬بل‬
‫تظل تبحث عن املقوم ات األساس ية حلياهتا‪ ،‬دون أن يش ملها ش يء من‬
‫الرتاحم‪ ،‬والتكافل‪ ،‬والتعاطف املتبادل ‪.‬‬
‫وال يعين هذا أن االقتصاد اإلسالمي ينكر مبدأ امللكية اخلاصة والتفاوت يف‬
‫الدخول الفردية‪ ،‬بل إنه يقر هذا املبدأ‪ ،‬طاملا أنه مت بالطرق املشروعة واملباحة اليت‬
‫د‪ .‬حممد محدي النشار‪ ،‬النظم االقتصادية‪ ،‬الناشر جامعة أسيوط‪1965 ،‬م‪ ،‬ص‪.33‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫د‪ .‬حممد حامد‪ ،‬النظم االقتصادية املعاصرة‪ ،‬ص‪.22‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪      ‬‬ ‫التضر ب اآلخرين‪ ،‬لقوله تع اىل‪:‬‬
‫‪[   ‬النح ل‪ ،]71 :‬وقوله تع اىل ‪    ‬‬
‫‪[          ‬الزخ رف‪:‬‬
‫‪ ،]32‬إال أن االقتص اد اإلس المي وهو يقر ه ذا التف اوت وال ينك ره‪ ،‬فـ ‪ ‬‬
‫‪       ‬فإنه يف نفس ال وقت يس عى إىل‬
‫تضييقه‪ ،‬وعدم اتساعه‪ ،‬ألن هذا التفاوت وهذه الفروق إذا تركت وشأهنا دون‬
‫التخفيف من اتساعها وحدهتا أصبحت عوامل للهدم‪ ،‬ووسائل للتحطيم‪ ،‬كما هو‬
‫‪1‬‬
‫احلال املشاهد يف الرأمسالية‪.‬‬

‫وه ذا ما أدركه التش ريع اإلس المي منذ أربعة عشر قرن اً من الزم ان‪،‬‬
‫فعن دما اع رتف بامللكية الفردية جعل فيها وظيفة اجتماعية‪ ،2‬أو مبعىن آخر ف رض‬
‫عليها التزام ات وواجب ات‪ ،‬لص احل الفئة احملروم ة‪ ،‬أو الفق رية يف اجملتم ع‪ ،‬األمر‬
‫ال ذي يسهم يف النهاية يف التق ريب بني املتف اوتني فال يك ون هن اك غىن مطغٍ وال‬
‫فقر منسيٍ‪ ،‬يف اجملتمع الذي يتبع شريعة اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -3‬حافز الربح‪ :‬يعترب البحث عن أكرب ربح ممكن غاية النظام الرأمسايل‪ ،‬إذ أنه‬
‫هو احملرك ال رئيس ألي نش اط اقتص ادي‪ ،‬إىل درجة أن أص بح الف رد يف‬
‫ظل النظ ام الرأمسايل يتجه إىل اإلنت اج مسرتش داً باعتب ارات أكرب ربح‬
‫ممكن‪ ،‬ال باعتب ارات إش باع احلاج ات األساس ية أو الض رورية للبشر‪،3‬‬
‫ألنه مل تعد حتركه س وى األمثان الس وقية واالعتب ارات االقتص ادية‬
‫البحت ة‪ ،‬وإن ت رتب على ذلك إه دار للقيم الروحية أو األخالقية يف‬
‫اجملتمع‪ ،‬حيث يظل حمكوم اً ومعتمداً على قرار السوق وحجم الطلب‪،‬‬

‫د‪ .‬عمر املرزوقي‪ ،‬اقتصاديات الغىن يف اإلسالم‪ ،‬ص‪.58‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫حممد أبوزهرة‪ ،‬يف اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬ص‪.4‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫د‪ .‬رفعت احملجوب‪ ،‬النظم االقتصادية‪ ،‬ص‪.56‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ناد للقمار مثالً فإنه يسارع يف إنشاءه‪ ،‬وإذا‬ ‫فإذا كان هناك طلب على ٍ‬
‫ك ان هن اك طلب على اخلمر فإنه يس ارع ك ذلك إىل إنش اء الب ارات‪،‬‬
‫وتوظيف األم وال يف إنتاجه وتس ويقه‪ .‬إىل درجة أن البحث عن ال ربح‬
‫بشىت الط رق واألس اليب جيعل املنتج أو املس تثمر يف ظل النظ ام الرأمسايل‬
‫ال مييز بني السلع الطيبة والسلع اخلبيثة‪.1‬‬
‫وليس معىن ذلك أن االقتص اد اإلس المي ينكر مب دأ ح افز ال ربح‪ ،‬أو‬
‫يتجاهل جه از الثمن‪ ،‬وإمنا ينكر اس تخدام الوس ائل الض ارة لتحقيق ه ذا‬
‫ال ربح‪ ،‬كما ينكر أيض اً إنت اج الس لع الض ارة اليت ال ي رتتب عليها منفعة‬
‫حقيقية للمجتمع‪.‬‬
‫باعتب ار أن أوجه النش اط االقتص ادي يف اإلس الم حمكومة بقاع دة احلالل‬
‫واحلرام‪ ،‬وهي القاع دة اليت تسد كل منافذ الش هوات‪ ،‬وأن واع الس لوك‬
‫غري السوي أو الضارة اليت تبدد جانب اً مهم اً من موارد اجملتمع‪ .2‬فقد قال‬
‫اىل ‪         ‬‬ ‫تع‬
‫رة‪:‬‬ ‫‪[         ‬البق‬
‫‪.]168‬‬
‫د‪ -‬مساوئ النظام االقتصادي الرأسمالي‬
‫على ال رغم مما يتض منه النظ ام الرأمسايل من جمموعة من األسس‬
‫واخلص ائص واليت تب دو يف ظاهرها ص احله ومغرية للفط رة للبش رية كامللكية‬
‫الفردية واحلرية االقتصادية وحافز الربح إال أن له مساوئ عديدة أمهها ما يلي‪:‬‬

‫االحتاد الدويل للبنوك اإلسالمية‪ ،‬املوسوعة العلمية والعملية للبنوك اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‬
‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪.95‬‬
‫د‪ .‬شوقي دنيا‪ ،‬تمويل التنمية في االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬ص‪.94‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫د‪ .‬عمر املرزوقي‪ ،‬االستثمار األجنيب املباشر من منظور إسالمي‪ ،‬ص‪.32‬‬


‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫إمهال اجلوانب األخالقية والدينية واإلنس انية يف النظ ام الرأمسايل‪ ،‬إىل درجة‬ ‫‪.1‬‬
‫أنه يؤثر الكسب االقتصادي ولو على حساب األخالق ومقتضيات اإلميان‬
‫وحياة اإلنسان‪.‬‬
‫يؤدي إىل التفاوت الكبري يف الدخل والثروة وتركزها يف يد فئة قليلة‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫يؤدي إىل فرض السيطرة االحتكارية يف السوق‪ ،‬إىل درجة أن اإلنتاج يف‬ ‫‪.3‬‬
‫اجملتمع ات الرأمسالية يس يطر عليه ع دد حمدود من الش ركات االحتكارية‬
‫الكربى‪ ،‬مما يعطيها القدرة على فرض األسعار واهليمنة على االقتصاد‪.‬‬
‫من االنتق ادات الرئيسة هلذا النظ ام أنه دائم التع رض للتقلب ات االقتص ادية‬ ‫‪.4‬‬
‫احلادة وظه ور مش كالت البطالة والتض خم واملديوني ة‪ ،‬األمر ال ذي ي ؤثر‬
‫بشكل مباشر على العديد من أفراد اجملتمع خاصة أولئك الذين ال ميلكون‬
‫‪1‬‬
‫إال خدمة العمل‬
‫المطلب الثاني‬
‫النظام االقتصادي االشتراكي‬
‫أ‪ -‬تعريفه‪:‬ـ‬
‫لفظ االش رتاكية يعين الكثري من املع اين املختلف ة‪ ،‬فقد يطلق أحيان اً على‬
‫جمرد ت دخل الدولة يف النش اط االقتص ادي‪ ،‬فتك ون االش رتاكية ب ذلك نقيض اً‬
‫لسياسة احلرية االقتص ادية‪ ،‬كما يس تعمل أحيان اً للداللة على ت دخل الدولة من‬
‫أجل حتسني حالة العم ال والطبق ات الفق رية يف اجملتم ع‪ ،‬وذلك بسن التش ريعات‬
‫اليت ختفف عنهم أعب اء احلي اة‪ ،‬ومتنحهم بعض املزاي ا‪ ،‬وهبذا املعىن تص بح‬
‫االشرتاكية ضرباً من ضروب إصالح خلل النظام الرأمسايل‪ ،‬وبشكل عام ميكن‬
‫تعريف النظ ام االقتص ادي االش رتاكي بأن ه‪ :‬النظ ام ال ذي يتم يز بتملك الدولة‬
‫لعوامل اإلنت اج (أي امللكية اجلماعي ة) كاألراضي واآلالت واملص انع‪ ،‬وتتخذ‬

‫د‪ .‬خالد املقرن األسس النظرية لالقتصاد اإلسالمي‪ ،‬ص‪.69‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫مجيع الق رارات االقتص ادية فيه من خالل جه از التخطي ط‪ ،‬ومن هنا ج اءت‬
‫تسمية هذا النظام بنظام التخطيط املركزي‪.1‬‬

‫وهو بذلك خيتلف كل االختالف عن النظام الرأمسايل‪ ،‬الذي يعتمد على‬


‫مبدأ حرية متلك األفراد لكافة عناصر اإلنتاج‪.‬‬
‫ب‪ -‬نشأته‪:‬ـ‬
‫توصل ع دد من املفك رين يف الق رن التاسع عشر إىل أن امللكية اخلاصة‬
‫وس وء توزيع ال ثروة مها الس بب يف الب ؤس والش قاء ال ذي تعيشه بعض فئ ات‬
‫اجملتمع األورويب‪ .‬ومن أبرز هؤالء كارل ماركس (‪1883-1818‬م)‪ ،‬وجتدر‬
‫اإلشارة إىل أن مؤرخي الفكر االقتصادي يفرقون بني نوعني من االشرتاكية‪:2‬‬
‫‪ -1‬االش رتاكية اخليالية اليت مل يس تند دعاهتا إىل منطلق علمي وحتليل دراس ة‪،‬‬
‫وإمنا ت أثروا عاطفي اً مبس اوئ النظم االجتماعية واالقتص ادية الس ائدة‪،‬‬
‫فحاولوا بأحالمهم وخياالهتم إقناع األفراد وأحيان اً احلكومات بإقامة نظام‬
‫ينقل الناس إىل جمتمع أفضل وأكثر رخاءً‪.‬‬
‫‪ -2‬االش رتاكية العلمية أو املاركس ية نس بة إىل ك ارل م اركس (‪-1818‬‬
‫‪1883‬م)‪ ،‬ال ذي ن ادى بإلغ اء امللكية اخلاص ة‪ ،‬باعتبارها يف نظ ره أس اس‬
‫الشرور اليت تعاين منها اجملتمعات الرأمسالية‪.‬‬

‫د‪ .‬لبيب شقير‪ ،‬تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬ص‪.27‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫د‪ .‬حممد حامد‪ ،‬النظم االقتصادية املعاصرة‪ ،‬ص‪.73‬‬


‫د‪ .‬لبيب شقري‪ ،‬تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬ص‪.121‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫جـ‪ -‬أسس وخصائص النظام االقتصادي االشتراكي‬


‫يقوم النظام االشرتاكي على عدة أسس وخصائص كثرية لعل أمهها ما‬
‫يلي‪:1‬‬
‫امللكية العامة لوس ائل اإلنت اج‪ :‬تعترب امللكية العامة لوس ائل اإلنت اج‬ ‫‪-1‬‬
‫األساس االقتصادي للنظام االشرتاكي‪ ،‬وهذا يعين أن مجيع أفراد اجملتمع‬
‫متس اوون فيما بينهم حي ال ملكية وس ائل اإلنت اج‪ ،‬حبيث تص بح معظم‬
‫املوارد االقتص ادية ملك اً للمجتم ع‪ ،‬مبا يف ذلك األرض والص ناعات‬
‫واملصارف وقطاع املال والتجارة‪.‬‬
‫مع مالحظة أن وجود امللكية العامة يف النظام االشرتاكي ال ينفي وجود‬
‫امللكية الفردية احملدودة‪ ،‬حيث يس مح لألف راد ب امتالك س لع االس تعمال‬
‫واالس تهالك الشخص ي‪ ،‬وذلك ض من ح دود معين ة‪ ،‬ال ميكن جتاوزه ا‪،‬‬
‫كما ال جيوز هلم اس تخدامها من أجل اس تغالل اآلخ رين‪ ،‬أو اب تزاز‬
‫مداخيل غري نامجة عن العمل‪.‬‬
‫إش باع احلاج ات اجلماعي ة‪ :‬يق وم النظ ام االش رتاكي بوضع أولولي ات‬ ‫‪-2‬‬
‫الحتياج ات اجملتمع من الس لع واخلدمات املختلف ة‪ ،‬حبيث تعطى الس لع‬
‫اليت تش بع احلاج ات الض رورية للغالبية العظمى من أف راد اجملتمع األولوية‬
‫يف اإلنتاج‪ ،‬تارك اً تلك السلع اليت تشبع حاجات كمالية‪ ،‬على أن يقوم‬
‫اجملتمع يف الفرتة التالية بإنتاج سلع أقل ضرورية أو أكثر كمالية‪.2‬‬
‫التخطيط املركزي‪ :‬يعتمد النظام االشرتاكي على جهاز التخطيط‬ ‫‪-3‬‬
‫املركزي‪ ،‬بدالً من جهاز األمثان الذي تعتمد عليه الرأمسالية‪ ،‬والتخطيط‬
‫املرك زي يف ال دول االش رتاكية يعين تنظيم النش اط املتعلق بعملية اإلنت اج‬
‫والتب ادل والتوزيع واالس تهالك‪ ،‬فمثالً يتم تنظيم اإلنت اج يف النظ ام‬

‫د‪ .‬مصطفى العبداهلل‪ ،‬علم االقتصادي واملذاهب االقتصادية‪ ،‬ص‪.268‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫د‪ .‬حممد برعي‪ ،‬د‪ .‬عبداهلادي السويفي‪ ،‬أصول علم االقتصاد‪ ،‬ص‪.129‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫االش رتاكي من حيث كمية الس لع املراد إنتاجها وأنواعها واملوارد اليت‬
‫تس تخدم يف ذلك عن طريق جه از التخطيط املرك زي‪ ،‬ال ذي يعد اجلهة‬
‫الوحيدة لتحديد العرض والطلب يف ظل ذلك النظام‪.‬‬
‫د‪ -‬مساوئ النظام االقتصادي االشتراكي ‪:‬‬
‫إذا كان النظام االشرتاكي يزعم أنه يهدف إىل إشباع احلاجات العامة‪،‬‬
‫ورعاية مص لحة األغلبي ة‪ ،‬ومعاجلة سوء توزيع الثروة إال أن له مس اوئ عدي دة‪،‬‬
‫أمهها ما يلي ‪:‬‬
‫(‪ )1‬تقييد حريات األفراد االقتصادية‪ ،‬وقتل احلافز الفردي‪ ،‬الذي له دور‬
‫أساسي يف إثارة ضروب النشاط االقتصادي‪.‬‬
‫(‪ )2‬إلغاء امللكية الفردية لوسائل اإلنتاج‪ ،‬األمر الذي جعله يصطدم مع الفطرة‬
‫البشرية اليت جبلت على حب التملك‪.‬‬
‫(‪ )3‬حماربته لألديان السماوية‪ ،‬باعتبارها يف نظره أفيون الشعوب‪ ،‬ومن مث‬
‫س عيه احلثيث حنو حمو مش اعر اإلخ اء يف النف وس البش رية‪ ،‬وإث ارة فك رة‬
‫الصراع الطبقي بني الفقراء واألغنياء‪.‬‬
‫(‪ )4‬فتور بواعث العمل فيه عند معتنقيه لسد باب الطموحات أمامهم‪ ،‬األمر‬
‫الذي يصيب اإلنتاج بالنقص الشديد‪ ،‬وحيول بني املوارد االقتصادية وبني‬
‫بلوغ أقصى أهدافها‪ ،‬وهلذه األسباب وغريها مل تستطع االشرتاكية املاركسية‬
‫حتقيق أه دافها ومبادئه ا‪ ،‬بل فش لت يف عقر دارها بعد متجي دها وتطبيقها‬
‫ردح اً من ال زمن‪ ،‬وبعد أن أكد الواقع وكش فت التج ارب املري رة أهنا غري‬
‫ص احلة للتط بيق كنظ ام اقتص ادي ق ادر على مس ايرة الفط رة البش رية وعلى‬
‫عالج املشاكل االقتصادية اليت تواجه البشرية املعاصرة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المطلب الثالث‬
‫النظام االقتصادي المختلط‬

‫الواقع أن النظ ام االقتص ادي املختلط ليس له هوية ذاتية قائمة ب ذاهتا عن‬
‫هوية النظم الوضعية األخرى اليت تولد عنها‪ ،‬بل هو نظام جيمع بني بعض مسات‬
‫النظ ام الرأمسايل وبعض مسات النظ ام االش رتاكي‪ ،‬مع احتفاظه باخلص ائص‬
‫األساسية املميزة للنظام االقتصادي الذي انتقل منه أو حتول عنه‪.‬‬

‫فمثالً الدول الرأمسالية اليت حتولت إىل نظام رأمسايل خمتلط مازالت حتتفظ‬
‫بنظ ام الس وق وبامللكية اخلاص ة‪ ،‬وال دول االش رتاكية اليت حتولت إىل نظ ام‬
‫اش رتاكي خمتلط احتفظت مبلكية الدولة لوس ائل اإلنت اج إال يف ح دود ض يقة‬
‫للغاية‪.‬‬

‫واهلدف من ه ذا التح ول إىل النظ ام املختلط هو يف الواقع حمافظة على‬


‫النظ ام االقتص ادي الق ائم‪ ،‬فمثالً حينما ش عرت بعض ال دول األوروبية اليت تطبق‬
‫النظ ام الرأمسايل الكس اد العظيم ال ذي س اد الع امل يف الثالثيني ات وبعد هناية احلرب‬
‫العاملية الثانية ‪1945‬م رأت أهنا البد هلا من التدخل يف االقتصاد من أجل إنقاذه‬
‫دون أن حتد من حرية األف راد باختاذ الق رارات االقتص ادية‪ ،‬ألهنا رأت أن القط اع‬
‫اخلاص ونظ ام الس وق التلق ائي غري ق ادر وح ده وبالس رعة املطلوبة على حتسني‬
‫مستوى املعيشة للطبقات الفقرية وإعادة بناء املنشآت واملؤسسات اليت دمرت أثناء‬
‫احلرب‪ ،‬وهلذا ت دخلت من خالل التخطيط االقتص ادي والسياس ات املالية والنقدية‬
‫والضمان االجتماعي‪ ،‬حىت أصبح ذلك من خصائص النظام االقتصادي الرأمسايل‬
‫املختلط‪.1‬‬

‫د‪ .‬حممد حامد‪ ،‬النظم االقتصادية‪ ،‬ص‪.111‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المبحث الرابع‬
‫(*)‬
‫خصائص النظام االقتصادي اإلسالمي وأهدافه‬

‫المطلب األول‬
‫خصائص النظام االقتصادي اإلسالمي‬

‫يتصف النظ ام االقتص ادي اإلس المي خبص ائص متيزه عن غ ريه من النظم‬
‫االقتصادية األخرى‪ ،‬وهذه اخلصائص أربع نوجزها فيما يلي ‪:‬‬
‫الخاصية األولى‪ :‬النظام االقتصادي اإلسالمي جزء من نظام اإلسالم‬
‫إذا ك انت األنظمة االقتص ادية الوض عية قد انفص لت متام اً عن ال دين‬
‫والقيم األخالقية اإلنس انية غرابة يف ذلك طاملا أهنا أنظمة بش رية املص در‪ ،‬ف إن‬
‫أهم ما مييز نظ ام االقتص اد اإلس المي هو ارتباطه الت ام ب دين اإلس الم عقي دة‬
‫وش ريعة‪ ،‬األمر ال ذي جيعل للنش اط االقتص ادي يف اإلس الم – على خالف‬
‫النش اط االقتص ادي يف النظم الوض عية – طابع اً تعب دياً وه دفاً س امياً‪ ،‬وجيعل‬
‫الرقابة عليه رقابة ذاتية يف املقام األول‪ ،1‬وتفصيل ذلك على النحو التايل‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫أوالً‪ -‬للنشاط االقتصادي في اإلسالم طابع تعبدي وهدف سام‬
‫أكد اإلسالم كرامة العمل‪ ،‬ورفع من قدره وارتقى به إىل درجة العبادة‪،‬‬
‫طاملا اقرتن بالنية الصاحلة والتزم باألحكام الشرعية‪ ،3‬يؤكد ذلك حديث كعب‬
‫بن عُج رة‪ ،‬ق ال مر رجل على النيب ‪ ‬ف رأى أص حاب رس ول اهلل ‪ ‬من جل ده‬
‫ونش اطه ‪ ،‬فق الوا‪ :‬يا رس ول اهلل‪ ،‬لو ك ان ه ذا يف س بيل اهلل ‪ ،‬فق ال ‪" ‬إذا ك ان‬
‫خ رج يس عىعلى ول ده ص غاراً فهو يف س بيل اهلل ‪ ،‬وإن ك ان خ رج يس عى على‬
‫إعداد الدكتور عمر املرزوقي ‪.‬‬ ‫(*)‬
‫النظام االقتصادي يف اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬أمحد عسال‪ ،‬د‪ .‬فتحي عبدالكرمي ص‪20‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫النشاط االقتصادي من منظور إسالمي‪ ،‬د‪ .‬عمر املرزوقي ص‪.286-257‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫دور القيم واألخالق يف االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص‪.142‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫أب ويني ش يخني كب ريين فهو يف س بيل اهلل‪ ،‬وإن ك ان خ رج يس عى على نفسه‬
‫يعفها فهو يف س بيل اهلل‪ ،‬وإن ك ان خ رج ري اءً ومف اخر ًة فهو يف س بيل‬
‫الشيطان"‪.1‬‬

‫فاملس لم إذا خلصت نيته وحسن مقص ده يف نش اطه االقتص ادي عمالً‬
‫وإنتاج اً واس تهالكاً فهو يف عب ادة مبفهومها الع ام‪ ،‬ألن العب ادة يف اإلس الم ال‬
‫تقتصر على الش عائر التعبدية املعروفة كالص الة والص يام بل تش مل "كل ما حيبه‬
‫اهلل ويرضاه من األقوال واألعمال الباطنة والظاهرة"‪.2‬‬

‫وال ريب أن ه ذا الط ابع التعب دي حبد ذاته ح افز ق وي على العمل‬
‫واإلنتاج ‪ ،‬األمر الذي يسهم يف زيادة عرض العمل يف االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬ومن‬
‫مث زي ادة اإلنت اج من الس لع واخلدمات‪ ،‬دون الت أثر وبش كل كبري بتقلب ات‬
‫األج ور املالي ة‪ ،‬ما دام املس لم يعمل ابتغ اء ث واب ال دنيا –العائد املادي‪ -‬وث واب‬
‫اآلخ رة‪ ،‬وه ذا يس هم يف النهاية يف القض اء على البطالة االختياري ة‪ ،‬ويف كبح‬
‫‪3‬‬
‫مجاح التضخم‪ ،‬الذي يسود االقتصاديات املعاصرة‪.‬‬

‫بل إن تلك الص فة التعبدية جتعل العائد املادي أو احلافز االقتص ادي ليس‬
‫هو الب اعث أو اهلدف الوحيد للنش اط االقتص ادي اإلس المي‪ ،‬كما هو يف‬
‫االقتصاديات الوضعية‪ ،‬اليت اعتربت املعاش مقصد اإلنسان األساسي‪ ،‬ولو كان‬
‫عن طريق الربا وامليسر واالحتك ار واألنانية وخبس حق الفقري واألج ري‪ .‬وإمنا‬
‫هناك هدف آخر يتمثل يف كسب رضاء اهلل تعاىل الذي يبتغيه املسلم من وراء‬

‫املعجم الكبري‪ ،‬الطرباين‪ ،‬حتقيق محدي عبد اجمليد‪ ،‬ج‪ 19‬ص‪.282‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫العبودية‪ ،‬ابن تيمية ص‪.5‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫التصخم والبطالة يف إطار التكييف اهليكلي من منظور إسالمي‪ ،‬د‪ .‬قاسم احلموري ص‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪.428 ،420‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫نشاطه االقتصادي ‪ ،‬الذي يتميز بالبعد الزمين يف أهدافه‪ ،‬اليت مل تعد تقتصر على‬
‫اجلانب املادي‪ ،‬أو احلي اة ال دنيا فحس ب‪ ،‬حيث مل خيلق فيها اإلنس ان فيها عبث اً‪،‬‬
‫اىل ‪       ‬‬ ‫لقوله تع‬
‫‪[  ‬املؤمن ون‪ ،]115 :‬وإمنا ميتد إىل ما بع دها‪ ،‬اليت هي غايت ه‪ ،‬يف‬
‫إطاراهلدف األمسى والنهائي الذي من أجله خلق اإلنسان‪ ،‬وهي عبادة اهلل تعاىل‬
‫‪[        ‬ال ذاريات‪   ]56:‬‬
‫‪[        ‬األنع ام ‪:‬‬
‫‪.]162‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬ذاتية الرقابة على ممارسة النشاط االقتصادي في اإلسالم‪:‬‬
‫س بق الق ول أن النظم االقتص ادية الوض عية قد انفص لت عن ال دين متام اً‪،‬‬
‫وأبعدته عن القي ام ب دور إجيايب يف نظامها االقتص ادي‪ ،‬ونتيجة ل ذلك ف إن رقابة‬
‫النشاط االقتصادي يف ظل هذه النظم موكولة إىل السلطة العامة‪ ،‬متارسها طبق اً‬
‫للق انون‪ ،‬األمر ال ذي جيعلها يف النهاية ع اجزة عن حتقيق مجيع أه دافها‪ ،‬لع دم‬
‫وج ود رقابة أخ رى غريه ا‪ ،‬وآية ذلك ما هو مش اهد يف ظل ه ذه النظم من‬
‫هترب الكثري من التزام اهتم ومن القي ود اليت تف رض عليهم ملص لحة اجملتمع‬
‫كالضرائب‪ ،‬وذلك كلما غفلت الدولة‪ ،‬أو عجزت أجهزهتا عن مالحقتهم‪.1‬‬

‫أما يف ظل نظ ام االقتص اد اإلس المي فإنه يوجد إىل ج وار الرقابة الرمسية‬
‫اليت متارسها الدولة رقابة أخرى ‪ ،‬أشد وأكثر فاعلية ‪ ،‬هي رقابة الضمري املسلم‪،‬‬
‫القائمة على اإلميان باهلل وعلى احلس اب يف الي وم اآلخر ق ال تع اىل‪  :‬‬
‫‪[      ‬احلديد‪ ]4 :‬وقال‪      :‬‬
‫‪[       ‬آل عمران‪ ]5:‬وحني يشعر اإلنسان‬

‫النظام االقتصادي يف اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬أمحد العسال‪ ،‬د‪ .‬فتحي عبدالكرمي‪ ،‬ص‪.26‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫بأنه إذا ما انفلت من الرقابة البش رية فإنه ال يس تطيع اإلفالت من الرقابة اإلهلي ة‪،‬‬
‫اليت أعدت له عذاباً أليم اً يف حالة احنرافه‪ ،‬يتمثل يف قوله تعاىل ‪  ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪[  ‬احلاقة ‪.]32- 30 :‬وه ذا يف حد ذاته فيه أكرب ض مان لس المة‬
‫النشاط االقتصادي املتصف باإلنسانية والرمحة والعدل‪.‬‬
‫الخاصية الثانية‪ :‬التوازن في رعاية المصلحة االقتصادية للفرد والجماعة‬
‫لقد ج اءت مب ادئ اإلس الم االقتص ادية أك ثر رحابة واس تيعاباً لش ئون‬
‫الف رد واجلماع ة‪ ،‬فهي الت ذيب الف رد يف اجلماعة على حنو ما تفعله االش رتاكية ‪،‬‬
‫حينما تنك رت للف رد وأه درت حريته ومص لحته ‪ ،‬ليك ون اجملتمع أو الدولة هي‬
‫املالك لكل شيء‪ ،‬انطالقاً من فلسفة املذهب اجلماعي‪ ،‬اليت ترى أن األصل هو‬
‫تدخل الدولة‪ ،‬إىل درجة انفرادها بعناصر اإلنتاج‪ ،‬وحرمان الفرد من مثرة جهده‬
‫وكدحه‪.‬‬

‫وال تغلِّب مصلحة الفرد على مصلحة اجلماعة‪ ،‬كما تفعل الرأمسالية اليت‬
‫أعطت الف رد احلرية الواس عة يف إش باع رغباته وممارسة نش اطه االقتص ادي‪،‬‬
‫وبغض النظر عن ك ون ه ذه الرغبة أو ه ذا النش اط نافع اً أو ض اراً بالص حة‪،‬‬
‫وباعث اً على االحنالل والفس اد‪ ،‬ك اخلمور واألفالم اهلابطة وحان ات ال رقص‬
‫والفج ور‪ ،‬غري مك رتث حينئذ مبص لحة اجملتمع األخالقي ة‪ ،‬طاملا حيقق له نفع اً‬
‫مادياً‪.‬‬
‫ذلك ألن االقتص اد اإلس المي له سياس ته اليت تق وم على الت وازن يف رعاية‬
‫املصلحة االقتصادية لسائر األطراف اإلنسانية‪ ،‬أفراداً ومجاعات‪ ،‬فالفرد واجلماعة‬
‫ليسا خص مني ال يلتقي ان‪ ،‬كما ص ورهتما املذاهب الفردية واجلماعية على‬
‫السواء‪ ،‬بل مها يكمالن بعضهما‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫أما إذا كان هناك تعارض بني املصلحتني وتعذر حتقيق التوازن أو التوفيق‬
‫بينهما ف إن اإلس الم يق دم مص لحة اجلماعة على مص لحة الف رد مع مالحظة‬
‫تع ويض الف رد عما حلقه من أض رار‪ ،‬وذلك ما عرب عنه العلم اء بق وهلم " يُتحمل‬
‫الضرر اخلاص لدفع الضرر العام"‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك مايلي‪:1‬‬
‫(‪ )1‬قوله ‪ " ‬ال تلقوا الركبان وال يبع حاضر لباد"‪ 2‬ففي النهي عن تلقي‬
‫الركب ان تق دمي ملص لحة عامة هي مص لحة أهل الس وق على مص لحة‬
‫خاصة هي مص لحة املتلقي‪ ،‬ال ذي قد حيصل على الس لعة بس عر‬
‫منخفض ويعيد بيعها على مجهور املستهلكني بسعر مرتفع‪.‬‬
‫ويف النهي عن بيع احلاضر للب ادي تق دمي ملص لحة عامة هي مص لحة أهل‬
‫احلض ر‪ ،‬وإن ك ان فيه تف ويت مص لحة للب ادي بتق دمي النصح له وللحاضر‬
‫إذا كان البيع بطريق الوكالة باألجر‪.‬‬
‫(‪ )2‬أجاز بعض الفقهاء أخذ الطعام من يد حمتكره وبيعه على الناس بسعر‬
‫السوق‪ ،‬مراع اة للمص لحة العامة اليت قد تقف يف وجهها املصلحة اخلاصة‬
‫للمحتكر‪.‬‬

‫النظ ام االقتص ادي يف اإلس الم‪ ،‬د‪ .‬أمحد العسال ‪ ،‬د‪ .‬فتحي عب دالكرمي ص‪, 32‬د‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫االقتصاد اإلسالمي ‪ ،‬عبداهلل الطريقي ص‪26‬‬


‫أخرجه البخاري ‪ ،‬يف كتاب البيوع ‪ ،‬باب هل يبيع حاضر لياد برقم ‪ ، 2013‬ومسلم‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫يف كتاب البيوع برقم ‪. 2798‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الخاصية الثالثة‪ :‬التوازن بين الجانبيْن المادي و الروحي‬


‫يوفِّق االقتصاد اإلسالمي بني العنصرين اللذين يتكون منهما اإلنسان ومها‪:‬‬
‫املادة والروح‪.‬‬

‫ويعطي كالً منهما ما يس تحقه من الرعاية والعناية ‪ ،‬فهو ي دعو اإلنس ان‬
‫إىل العمل والكسب يف ال دنيا‪ ،‬كما ي دعوه يف ال وقت نفسه إىل العمل لطلب‬
‫اآلخ رة‪ ،‬ق ال تع اىل‪         :‬‬
‫‪[      ‬القصص‪. ]77 :‬‬

‫ويف آية أخرى قال تعاىل‪      :‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪[  ‬اجلمعة‪.]10 :‬‬

‫فاآلية الكرمية رغم ما فيها من أمر إهلي باالنتش ار يف األرض ليم ارس‬
‫املس لم ننش اطه االقتص ادي فإهنا يف ال وقت نفسه اس تهدفت حفظ الت وازن‬
‫املطلوب بني اجلانب املادي واجلانب ال روحي‪ ،‬حينما م زجت العمل االقتصادي‬
‫ال دنيوي ب ذكر اهلل كث رياً‪ ، 1‬حىت ال يقع اإلنس ان يف ه زال الرهبانية أو يف سعري‬
‫الشهوات املادية‪.‬‬

‫وذلك على النقيض من األنظمة االقتص ادية الوض عية اليت رك زت على‬
‫اجلانب املادي‪ ،‬حىت أصبح اهلدف الوحيد للنشاط االقتصادي لإلنسان املعاصرة‪،‬‬
‫دون مراع اة أو التف ات للقيم األخالقية والروحي ة‪ ،‬إذ أن الش يوعية املاركس ية‬
‫تنكر ال دين وتعت ربه أفي ون الش عوب‪ ،‬وتركز على التط ور املادي للحي اة‪ ،‬ومتحو‬
‫مش اعر اإلخ اء يف النف وس البش رية وت دعو إىل الص راع الطبقي بني أف راد‬
‫اجملتمع ات‪ ،‬أما الرأمسالية فإهنا وإن ك انت ال تنكر ال دين واألخالق إال أهنا‬
‫التنمية االقتصادية يف اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬عبدالرمحن يسري ص‪.28‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫قص رهتا على نط اق الكنيسة وأبع دهتا عن القي ام ب دور إجيايب يف نظامها‬
‫االقتص ادي‪ ،‬ومن مث ف إن التفاعل اإلجيايب والفع ال بني النظم الدينية والدنيوية‬
‫ليس له وجود يف اجملتمع الرأمسايل أو االشرتاكي‪.1‬‬

‫هذا وقد أنكرت السنة النبوية على من يرتك العمل ويرتهنب بنية التفرغ‬
‫للعبادة‪ ،‬كما يف قصة الرجل العابد الذي قال فيه الرسول ‪ :‬أيكم كان يكفيه‬
‫علف ناقته وصنع طعامه؟ قالوا كلنا يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬كلكم خري منه"‪.2‬‬

‫فاجلانب التعب دي ال ي دعو إىل ت راخي اإلنس ان يف نش اطه االقتص ادي‪،‬‬


‫أخذاً بنصيبه من الدنيا‪ ،‬بل إن الرتكيز على جانب من جوانب احلياة اإلنسانية‬
‫وإمهال اجلوانب األخ رى يتن اىف مع ما ج اءت به الش ريعة اإلس المية‪ ،‬اليت تنظم‬
‫أم ور املع اش كما تنظم أم ور املع اد‪ ،‬وت دعو لطلب ال دنيا كما ت دعو لطلب‬
‫اآلخرة‪.‬‬
‫الخاصية الرابعة‪ :‬االقتصاد اإلسالمي أخالقي‬
‫إذا كانت النظم االقتصادية الوضعية قد استبعدت العنصر األخالقي فإن‬
‫النظ ام االقتص ادي اإلس المي ال يفصل اب داً بني االقتص اد واألخالق‪ ،‬وال أدل‬
‫على ذلك من أن السنة النبوية رفعت درجة التاجر الذي يسعى لتعظيم مصلحته‬
‫وأرباحه إىل درجة النب يني والص ديقني إذا ما ال تزم ب أخالق الص دق واألمانة ‪،‬‬
‫حيث يق ول النيب ‪( ‬الت اجر الص دوق األمني مع النب يني والص ديقني والش هداء‬
‫والصاحلني يوم القيامة ‪.‬‬

‫االقتصاد اإلسالمي بني النظرية والتطبيق د‪ .‬منان‪ ،‬ترمجة د‪ .‬منصور الرتكي ‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫رواه عبدالرزاق ‪ ,‬املصنف ‪ ,‬حتقيق األعظمي ‪ ،‬ج‪ 11‬باب خدمة الرجل صاحبه‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫وه ذا االق رتان بني االقتص اد واألخالق يولد يف النفس البش رية ش عوراً‬
‫باملسؤولية أمام اهلل تعاىل فيعمل املسلم على سالمة ونقاء املعامالت االقتصادية‬
‫يف اجملتمع املسلم‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫أهداف النظام االقتصادي‪ G‬اإلسالمي‬

‫يس عى النظ ام االقتص ادي اإلس المي إىل حتقيق ع دة أه داف ميكننا إبرازها يف‬
‫النقاط التالية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تحقيق حد الكفاية المعيشية ‪:‬‬
‫يهدف اإلسالم يف نظامه االقتصادي إىل توفري مستوى مالئم من املعيشة‬
‫لكل إنس ان ‪ ،‬وهو ما يع رف يف الفقه اإلس المي "بتوفري حد الكفاية "‪ ،‬وهو‬
‫خيتلف عن حد الكف اف املع روف يف االقتص اد الوض عي‪ ،‬وال ذي يتمثل يف توفري‬
‫ضرورات املعيشة للفرد وأسرته‪ ،‬بالقدر الذي يسمح هلم بالبقاء على قيد احلياة‪،‬‬
‫وهو ما يش كل مس توى متواض عاً للرفاهة االقتص ادية‪ .2‬ت ذكر قصة الفقري ال زمي‬
‫مع عمر رضي اهلل عنه ومذكورة يف اخلراج أليب يوسف ‪.‬‬

‫وقد ذكر الفقيه ابن حزم يف كتابه احمللى أن الكفاية – اليت بدوهنا يصبح‬
‫اإلنس ان مع دماً – تتحقق يف طع ام وشراب مالئمني ‪ ،‬وكسوة للشتاء وأخرى‬
‫للصيف‪ ،‬ومسكن يليق حباله‪ ، 3‬أي حقوق املأكل وامللبس واملأوى‪.‬‬
‫كما ذكر املاوردي يف كتابه األحك ام الس لطانية أن الع ربة يف العط اء هو توفري‬
‫حد الكفاي ة‪ ،‬ال ذي يف رتض على اجملتمع اإلس المي توف ريه لكل ف رد عجز عن‬
‫األسس النظرية للنظام االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬خالد املقرن ص‪35‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫تدخل الدولة يف النشاط االقتصادي يف إطار االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬حممد فتحي صقر‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫ص‪.71‬‬
‫احمللى‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪.156‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫حتقيقه لقوله ‪" :‬أميا أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة اهلل‬
‫تعاىل"‪.1‬‬

‫وهلذا فقد ف رض اإلس الم م وارد معينة –كالزك اة ‪ -‬تس هم يف حتقيق‬


‫الكفاية املعيشية للذين ال يقدرون على كفاية أنفسهم‪ ،‬والتاريخ اإلسالمي مليء‬
‫بالش واهد اليت تثبت أن الدولة اإلس المية ك انت تنفق على الفق راء واحملت اجني‪،‬‬
‫ولو كانوا غري مسلمني‪ ،‬وقد ك ان عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه يق ول لعماله‬
‫على الزكاة‪" :‬إذا أعطيتم فأغنوا"‪.2‬‬

‫علم اً ب أن الزك اة ليست هي‪ ،‬األداة الوحي دة املس ئولة عن ض مان حد‬
‫الكفاية يف االقتص اد اإلسالمي‪ ،‬بل يعترب الت دخل يف سوق العمل من قبل الدولة‬
‫لتوفري ف رص العمل والكسب للع اطلني وإق رار األجر الع ادل ال ذي حيقق الكفاية‬
‫املعيش ية لألجري وتوجيه املوارد االقتص ادية وفق اً الحتياج ات اجملتمع احلقيقية من‬
‫األدوات اليت تسهم يف حتقيق حد الكفاية يف االقتصاد اإلسالمي ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬االستثمار "التوظيف" األمثل لكل الموارد االقتصادية‬


‫يعد التوظيف األمثل للم وارد االقتص ادية من األه داف الرئيسة للنظ ام‬
‫االقتص ادي اإلس المي‪ ،‬ويتحقق توظيف ه ذه املوارد يف االقتص اد اإلس المي من‬
‫خالل عدة طرق أمهها ما يلي ‪:‬‬
‫(‪ )1‬توظيف املوارد االقتصادية يف إنتاج الطيبات من الرزق وعدم إنتاج السلع‬
‫أو اخلدمات الضارة واحملرمة‪.‬‬
‫(‪ )2‬الرتكيز على إنتاج الضروريات واحلاجيات اليت تسهم يف محاية مقاصد‬
‫الش ريعة‪ ،‬وع دم اإلف راط يف إنت اج الس لع واخلدمات الكمالي ة‪ ،‬اليت ال‬
‫رواه أمحد يف مسنده برقم ‪. 4648‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫األموال‪ ،‬أبو عبيد حتقيق حممد هراس‪.502 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫تتحرج احلياة وال تصعب برتكها‪ ،‬وبذلك يتم ختصيص املوارد االقتصادية‬
‫حبسب احلاجات احلقيقية للمجتمع وليس حبسب أسعار الطلب آلحاده‪.‬‬
‫(‪ )3‬إبعاد املوارد االقتصادية عن إنتاج السلع واخلدمات اليت تتطلب إنفاقاً ذا‬
‫طبيعة إسرافية‪.1‬‬
‫ثالثاً‪ :‬تخفيف التفاوت الكبير في توزيع الثروة والدخل‬
‫ينكر اإلسالم وبشدة التفاوت الصارخ يف توزيع الدخل والثروة‪ ،‬وهو‬
‫التوزيع غري الع ادل‪ ،‬ال ذي تس تأثر فئة ب اجلزء األكرب من ه‪ ،‬مما ي ؤدي إىل هتميش‬
‫األغلبية الساحقة‪ ،‬اليت ال تستطيع ضمان تغطية حاجاهتا األساسية‪ ،‬وهلذا ال يقر‬
‫الغىن املطغي‪ ،‬أو تس لط األقلية على مق درات اجلماع ة‪ ،‬كما هو احلال يف النظم‬
‫االقتص ادية الوض عية‪ ،‬كما ال يقر الفقر املع دم‪ ،‬أو حرم ان أحد من وس ائل‬
‫املعيشة‪ ،‬بل يقاوم ذلك كله ويأباه وال يقبله ‪.‬‬

‫فليس يف التص ور اإلس المي أن يك ون الظلم االجتم اعي أو إمهال حق‬


‫الفق راء والضعفاء أو تك ديس الثروة واكتنازها هو الغاية اليت يسعى إليها عنصر‬
‫املال‪ ،‬أو التوزيع يف اإلسالم‪ ،2‬بل العكس هو الصحيح‪ ،‬إذ إن ختفيف التفاوت‬
‫وتق ريب الفق راء من األغني اء ومنع ت راكم ال ثروات املفرطة املول دة لالس تبداد‬
‫املضرة باألخالق هدف من أهداف اإلسالم يف جمال االقتصاد‪    .‬‬
‫‪[      ‬احلشر‪.]7 :‬‬

‫وهلذا فهو ينبذ اكتناز األموال واالحتكار والربا والقمار والرشوة والغش‬
‫وكل أشكال االستغالل واألنانية اليت يكون الفقري هو ضحيتها‪ ،‬ويفرض الزكاة‬

‫النظرية االقتصادية اإلسالمية د‪ .‬يوسف الزامل و بو عالم‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫اقتصاديات الغىن يف اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬عمر املرزوقي ص‪.60‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫والنفق ات الواجبة وحيث على الوص ايا واألوق اف والص دقات التطوعية بش كل‬
‫حيقق يف النهاية توزيعاً عادالً للدخل والثروة يف اجملتمع ويرتقي حبال الفقري‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬تحقيق القوة المادية والدفاعية لألمة اإلسالمية‬
‫إذا ك ان النظ ام االقتص ادي يف اإلس الم يه دف إىل حتقيق حد الكفاي ة‪،‬‬
‫والتصدي للفقر والفاقة إال أن أهدافه ال تتوقف عند ذلك فحسب وإمنا تتجاوزه‬
‫إىل ه دف س ام يتمثل يف حتقيق الق وة املادية والدفاعية لألمة اإلس المية ‪ ،‬مبا‬
‫يكفل هلا األمن واحلماية وي درأ عنها الع دو املرتبص باس تقالهلا واملس تنزف‬
‫لطاقاهتا االقتصادية ‪ ،‬يقول تعاىل ‪       ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪           ‬‬
‫[األنفال‪]60 :‬‬ ‫‪    ‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الفصل الثاني‬
‫أسس النظام االقتصادي اإلسالمي‬
‫المبحث األول‬
‫الملكية في االقتصاد اإلسالمي‬

‫المبحث الثاني‬
‫الحرية االقتصادية المقيدة‬

‫المبحث الثالث‬
‫التكافل االجتماعي االقتصادي‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الفصل الثاني‬
‫أسس النظام االقتصادي اإلسالمي‬
‫المبحث األول‬
‫(‪)1‬‬
‫الملكية في االقتصاد اإلسالمي‬

‫إن التملك واالس تئثار بالش يء والرغبة يف االس تحواذ عليه أمر فط ري‬
‫جبل اهلل النفس اإلنس انية على حبه والس عي إىل حتقيقه ‪ ،‬ومما يـدل على ذلك‬
‫الكتاب والسنة ‪:‬‬

‫فمن الكت اب قوله تع اىل ‪      :‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪[        ‬آل عمران ‪]14 :‬‬
‫ومن السنة النبوية قوله ‪ " ‬لو كان البن آدم واديان من مال البتغى وادي اً ثالث اً‬
‫(‪)2‬‬
‫وال ميأل جوف ابن آدم إال الرتاب ‪ " ...‬احلديث‬

‫يه رم ابن آدم ويشب منه اثنت ان ‪ :‬احلرص على املال ‪،‬‬ ‫"‬ ‫وقوله ‪‬‬
‫(‪)3‬‬
‫واحلرص على العمر"‬

‫وألجل ذلك جاءت الش ريعة اإلسالمية ب إقرار التملك الف ردي لإلنس ان‬
‫وحقه يف التص رف ما دام أنه يف اإلط ار الش رعي ‪ ،‬رعاية ملص احله واس تجابة‬
‫للغريزة اليت أودعها اهلل تعاىل فيه ‪ ،‬وهذا املوقف اإلسالمي املميز خيالف موقف‬

‫إعداد ‪ :‬د‪ /‬حممد بن سعد املقرن‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الرقاق ‪،‬باب ما يتقى من فتنة املال برقم ‪ ، 5956‬ومسلم ‪،‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫كتاب الزكاة‪ ،‬باب لو أن البن آدم واديني البتغى ثالثا‬


‫أخرجه مسلم كتاب الزكاة برقم ‪ ، 1739‬باب كراهة احلرص على الدنيا برقم ‪1736‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫املذهب الرأمسايل ال ذي يعترب امللكية اخلاصة هي األصل وما ع داها اس تثناء ‪،‬‬
‫وخيالف ك ذلك املذهب االش رتاكي ال ذي يعترب امللكية العامة هي األصل وال‬
‫يعرتف بامللكية اخلاصة إال يف أضيق األحوال ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬أنواع الملكية ‪:‬‬
‫هي‪ :‬الملكية العامة ‪ ،‬ملكية الدولة‪ ،‬الملكية الخاصة‬ ‫تنقسم امللكية إىل ثالثة أقسام‬

‫الملكية العامة ‪ :‬ما وجد بإجياد اهلل تع اىل مما ميلكة عم وم ألمة دون اختص اص أحد‬
‫( ‪)1‬‬
‫بعينه به ‪ .‬كاألهنار والرباري واآلبار‪.‬‬

‫فاألشياء واألموال اليت متنع أو حتول طبيعتها دون أن تكون حمالً للملكية‬
‫اخلاصة تعترب من امللكية العامة كاألهنار‪ ،‬واملراعي وما إىل ذلك مما وجد بإجياد‬
‫(‪) 2‬‬
‫اهلل له‪.‬‬
‫إقرار الملكية العامة‪:‬‬
‫الشريعة اإلسالمية مل هتمل حقوق اجملتمع واجلماعات باختالف أنواعهم‬
‫وحاجاهتم ‪،‬فقد أذنت لألفراد أن يتملكوا أعياناً ال يلحق متلكها إضراراً بالعامة‪،‬‬
‫ومنعت من متلك ما يف متلكه إحلاق األضرار باجملتمع عموماً ‪ ،‬فهي حينما أقرت‬
‫امللكية اخلاصة ‪ ،‬أقرت يف مقابلها امللكية العامة ‪،‬وهي أن تكون ملكاً لعموم‬
‫الناس دون النظر إىل األفراد ‪،‬فال حيق للفرد أو اجملموعة من األفراد أن حيجزوا‬
‫منافعها عن اآلخرين حبال‪ ،‬بل هي مشاع بني أفراد اجملتمع عموماً على ما‬
‫تقتضيه املصلحة العامة ‪ ،‬كالطرق ‪ ،‬واألهنار‪ ،‬واملراعي‪ ،‬وغريها ‪ ..‬وقد‬
‫تضافرت األدلة على إقرار امللكية العامة ومن ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫قيود امللكية اخلاصة يف الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل املصلح ‪ ،‬ص ‪ ، 105‬امللكية يف‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬د‪ /‬عبد السالم العبادي ‪244 /1 ،‬‬


‫اخلراج أليب يوسف ‪ ،‬ص ‪110‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫عن ابن عباس رضي اهلل عن أن النيب ‪ ‬قال ‪ " :‬املسلمون شركاء يف‬ ‫‪-1‬‬
‫ثالث يف املاء ‪،‬والكأل‪ ،‬والن ار" (‪ )1‬ففي ه ذا احلديث يق رر النيب ‪ ‬مب دأ‬
‫امللكية العامة ‪،‬حيث جعل ‪ ‬احلق لعموم الناس يف االنتفاع باملاء والكأل‬
‫والنار‪.‬‬
‫عن الصعب بن جثامة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال" المحى إال هلل‬ ‫‪-2‬‬
‫ورس وله " (‪ )2‬فه ذا مما ي دل على إق رار الش ريعة اإلس المية للملكية‬
‫العامة ‪ .‬وقد ج اءت نص وص العلم اء رمحهم اهلل تع اىل تق رر مب دأ‬
‫امللكية العامة ‪،‬وأنه ال جيوز للف رد أو جملم وع األف راد متلك ما يتعلق به‬
‫مص احل عم وم الن اس وحاج اهتم ‪ ،‬بل إنه ال جيوز لإلم ام أو احلاكم أن‬
‫يقطع أحد رعيته ما يتعلق به مصاحل وحاجات عموم املسلمني كاألهنار‬
‫(‪)3‬‬
‫واملراعي‬
‫خصائص الملكية العامة ‪ :‬يمكن القول بأن الملكية العامة تختص بما يلي‪:‬‬
‫امللكية العامة عالقتها مع مصاحل عموم املسلمني وحاجاهتم كعالقة العلة‬ ‫‪-1‬‬
‫باحلكم فمىت وجدت العلة وهي املصلحة العامة وجد احلكم وهو امللكية‬
‫لحة العامة زالت امللكية العامة وحتولت تلك‬ ‫العامة ومىت زالت املص‬
‫األش ياء إىل بيت املال يتص رف فيها احلاكم وفق املص لحة الش رعية ولو‬
‫بإعطائها لألفراد‪.‬‬
‫امللكية العامة مقررة حبكم اهلل تعاىل ورسوله ‪ ‬ال ميلك أحد التصرف‬ ‫‪-2‬‬
‫فيها بل وال جيوز له ذلك ما دام أن املص لحة العامة للمس لمني متعلقة‬
‫هبا‪.‬‬

‫رواه ابن ماجة كتاب األحكام ‪ ،‬باب املسلمون شركاء يف ثالث وصححه األلباين يف‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫اإلرواء ‪1552‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب املساقاة ‪ ،‬باب ال محى إال هلل ورسوله برقم ‪, 2197‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫انظر يف ذلك اخلراج أليب يوسف ‪ ،‬ص ‪ ،110‬املغين البن قدامة ‪8/161‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫امللكية العامة ملكية دائمة ومس تقرة ب دوام واس تقرار مص لحة عم وم‬ ‫‪-3‬‬
‫املسلمني‬
‫احلق يف امللكية العامة حق مستقر للجماعة باعتبارها مؤلفة من أفراد‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫ملكية الدولة ‪ :‬هي امللكية اليت تك ون للدولة ‪،‬ومواردها ل بيت م ال املس لمني‬
‫( ‪)1‬‬
‫يتصرف فيها ويل أمر املسلمني مبوجب ما تقتضيه املصلحة العامة ‪.‬‬

‫وبيت املال هو اجلهة اليت ختتص بكل ما ال يع رف مالكه أو مل يتعني له‬


‫مالك وهو ما يسمى اليوم ‪ :‬وزارة املالية ‪.‬‬
‫موارد ملكية الدولة ( بيت المال )‬
‫املع ادن ‪ :‬وهي ‪ :‬اجلواهر اليت أودعها اهلل تع اىل األرض س واء ك انت‬ ‫األول ‪:‬‬
‫جارية ك البرتول أو ك انت جام دة كال ذهب والفضة ‪ ،‬وس واء ك انت‬
‫(‪)2‬‬
‫ظاهرة على وجه األرض أو كانت يف باطنها‪.‬‬
‫الزكاة‪ :‬ومنها زكاة هبيمة األنعام‪ ،‬وعروض التجارة‪ ،‬وزكاة النقدين‪،‬‬ ‫الثاني ‪:‬‬
‫وزك اة ال زروع والثم ار ‪.‬وذلك بقبض ها من أص حاهبا وتوزيعها على‬
‫اىل يف قوله ‪   ‬‬ ‫مس تحقيها ممن ذك رهم اهلل تع‬
‫‪    ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪        ‬‬
‫[ التوبة ‪. ] 60 :‬‬
‫اخلراج ‪ :‬وهو مقدار معني من املال يوضع على األرض الزارعية ‪، ،‬‬ ‫الثالث ‪:‬‬
‫وأول من ف رض اخلراج عمر بن اخلط اب رضي اهلل بعد مش اورة كب ار‬
‫( ‪)3‬‬
‫املهاجرين واألنصار‪.‬‬
‫امللكية يف الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬د‪ /‬عبد السالم العبادي ‪1/258 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫للمزيد من املعلومات انظر امللكية يف الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬العبادي ‪356-1/346‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫اخلراج أليب يوسف ‪ ،‬ص ‪45‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الفيء ‪ :‬وهو كل مال وصل إىل املسلمني من الكفار بغري قتال وال‬ ‫الثالث ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫إجياف خيل وال ركاب‪ .‬قال تعاىل‪      ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪          ‬‬
‫[ احلشر ‪] 7 :‬‬ ‫‪       ‬‬

‫الرابع ‪ :‬مخس الغنائم‪:‬مخس الغنائم يؤخذ لبيت مال املسلمني فعن عبادة بن‬
‫الص امت رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬أخذ وب رة من جنب بعري فق ال" أيها‬
‫الن اس إنه ال حيل يل مما أف اء اهلل عليكم ق در ه ذه إال اخلمس واخلمس‬
‫( ‪)2‬‬
‫مردود عليكم"‬

‫الخامس ‪ :‬اجلزية ‪ :‬وهي ما يض رب على األش خاص ال ذين مل ي دخلوا يف اإلس الم‬
‫(‪)3‬‬
‫نظري إقرارهم على دينهم و محايتهم قال تعاىل ‪   :‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪        ‬‬
‫[ التوبة ‪]29:‬‬
‫السادس‪ :‬العشور‪ :‬وهي ما يؤخذ من جتار أهل الذمة واحلربيني لقاء السماح هلم‬
‫بدخول بالد املسلمني للتجارة ‪ )4( .‬ويعرب عنه اليوم باجلمارك ‪.‬‬
‫السابع ‪ :‬اللقطات وتركات املسلمني اليت ال وارث هلا أو هلا وارث ال يرد عليه‬
‫كأحد الزوجني ‪ ،‬وديات القتلى الذين ال أولياء هلم ‪.‬‬
‫الثامن ‪ :‬األوقاف اخلريية ‪ :‬والوقف هو حتبيس األصل وتسبيل املنفعة على أوجه‬
‫الرب بشروط مبينة يف كتب الفقه ‪.‬‬
‫التاسع ‪ :‬الضرائب املوضوعة يف األشجار والتجارات والطائرات والسفن ‪.‬‬

‫منتهى اإلرادات ‪ ،‬الفتوحي الشهري بـ ابن النجار ‪1/232‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه النسائي كتاب قسم الفيء برقم ‪. 4069‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫األحكام السلطانية ‪ ،‬املاوردي ‪ ،‬ص ‪251‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫جمموع الفتاوى ‪ ،‬شيخ اإلسالم اين تيميّه ‪28/276‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الملكية الخاصة ‪ :‬وهي ما ك انت لف رد أو جملموعة من األف راد على س بيل االش رتاك‪،‬‬
‫وختول صاحبها االستئثار مبنافعها والتصرف يف حملها‪ ،‬كتملك اإلنسان للمسكن‬
‫‪1‬‬
‫واملركب ‪..‬‬ ‫( )‬

‫إقرار الملكية الخاصة ‪:‬‬


‫ج اءت الش ريعة اإلس المية بإثب ات امللكية اخلاصة لألف راد "والواقع أن‬
‫إقرار الشريعة اإلسالمية حلق امللكية الفردية أمر معروف من الدين بالضرورة ؛‬
‫إذ ل وال ه ذا اإلق رار ملا ك ان هن اك معىن ملا ش رعه اإلس الم من أنظمة الزك اة‬
‫‪،‬واإلرث‪ ، ،‬وامله ور يف األنكحة ‪ ،‬وعق ود املعاوض ات والتمليك ات وعقوب ات‬
‫االعت داء على م ال الغري ؛ ألن ه ذه التش ريعات تس تلزم بالبداهة االع رتاف حبق‬
‫امللكية الفردية ؛ ألن ه ذا احلق حمله املال ‪ ،‬وه ذه التش ريعات تتعلق به أو‬
‫حبمايته(‪ . )2‬وقد ج اء ذلك واض حاً يف القرآن الك رمي ويف س نة النيب ‪ ‬ويف كالم‬
‫الفقهاء رمحهم اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫أدلة إقرار الملكية الخاصة ما يلي ‪:‬‬
‫الق‪GG‬ران الك‪GG‬ريم ‪ :‬قوله تع اىل ‪       :‬‬
‫‪ [    ‬البق رة ‪ ] 279 :‬وقوله تع اىل ‪ :‬‬
‫‪ [         ‬التغابن ‪:‬‬
‫‪]15‬‬

‫حيث أض اف اهلل س بحانه وتع اىل املال وامللك وما تولد من االكتس اب‬
‫إىل اإلنسان إضافة اختصاص ومتليك ال ينازعه فيها أحد من الناس ‪ ،‬وهذا صريح‬
‫بإقرار امللكية اخلاصة ‪.‬‬

‫امللكية يف الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬د‪ /‬عبد السالم العبادي ‪ 243 /1 ،‬التملك يف اإلسالم ‪،‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫د‪ .‬محد اجلنيدل ‪ ،‬ص‪19‬‬


‫القيود الواردة على امللكية الفردية للمصلحة العامة ‪ ،‬عبد الكرمي زيدان ص‪9‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫السنة النبوية ‪:‬‬


‫‪ -1‬عن أيب بكرة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال يف حجة الواداع ‪ ..." :‬فإن‬
‫دم اءكم‪ ،‬وأم والكم ‪ ،‬وأعراض كم عليكم ح رام كحرمة ي ومكم ه ذا ‪،‬يف‬
‫(‪)1‬‬
‫بلدكم هذا ‪،‬يف شهركم هذا "‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪ -2‬عن جابر رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪" :‬من أحيا أرضا ًميتة فهي له "‬
‫‪ -3‬عن عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال ‪ " :‬من قُتل دون ماله‬
‫(‪) 3‬‬
‫فهو شهيد "‬
‫فهذه األحاديث وأمثاهلا تدل على إقرار الشريعة اإلسالمية مللكية األفراد ‪.‬‬
‫خصائص الملكية الخاصة‬
‫(‪) 4‬‬
‫ال حد ملا يتملكه اإلنسان ‪ ،‬مادام متلكه من خالل الوسائل املشروعة‬ ‫‪-1‬‬
‫امللكية اخلاصة حق كامل يشتمل على مجيع األعيان واحلقوق واملنافع‬ ‫‪-2‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫واملزايا اليت متنحها الشريعة لصاحبها‪.‬‬
‫‪،‬متكن ص احبها من التص رف فيها مبا يش اء‪ ،‬على أي حن ٍو‬ ‫امللكية اخلاصة ِّ‬ ‫‪-3‬‬
‫كان مامل يكن تصرفه ممنوعا شرعا كاإلضرار بالغري ‪.‬‬
‫امللكية اخلاصة تعترب حقا دائما لصاحبها‪ ،‬ال تزول عنه حبال من األحوال‬ ‫‪-4‬‬
‫إال برض اه م امل يكن هن اك مص احل معت ربة ش رعاً ‪،‬كش فعة مثال أو ن زع‬
‫(‪) 6‬‬
‫امللكية للمصلحة العامة‪.‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب العلم ‪ ،‬باب قول النيب ‪ ‬رب مبلغ برقم ‪ ، 102‬ومسلم ‪،‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫كتاب القسامة واحملاربني والقصاص والديات ‪ ،‬باب تغليظ حترمي الدماء واألعراض واألموال برقم‬
‫‪. 3179‬‬
‫أخرجه البخاري كتاب املزارعة ‪ ،‬باب إحياء أرض موات بدون رقم ‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب املظامل ‪ ،‬باب من قتل دون ماله برقم ‪ ، 2300‬ومسلم‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫كتاب اإلميان ‪ ،‬باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غريه بغري حق رقم ‪, 202‬‬
‫متلك األموال وتدخل الدولة يف اإلسالم د‪ .‬عبد الرمحن اجلليلي ‪ ،‬ص ‪458‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫القيود الواردة على امللكية الفردية ‪،‬د‪ .‬عبد الكرمي زيدان ‪ ،‬ص ‪13‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫املرجع السابق ص ‪ ، 13‬امللكية يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬د‪.‬العبادي ‪153 /1 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪6‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪ -5‬امللكية ختول صاحبها التربع مما ميلك دون حتديد أو تقييد‪ ،‬مادام أنه يف‬
‫ق واه املعت ربة ش رعاً ‪ ،‬س واء ك ان ذلك الت ربع لألق ارب أو لغ ريهم ‪،‬وه ذا‬
‫متصور يف الوقف‪ ،‬واهلبة ‪،‬والوصية ( يف حدود الثلث )‪ ،‬والعطايا عموماً ‪.‬‬
‫‪ -6‬من خصائص امللكية أيضاً أهنا تؤدي إىل النمو االقتصادي حيث تدفع‬
‫صاحبها إىل تنمية ملكه دون خوف أو حذر ‪.‬‬
‫أهمية إقــــــــرار الملكيــــــــة الخــــاصة‬
‫أولت الش ريعة اإلس المية امللك أمهية بالغة حيث ش رعت املع امالت‬
‫مبختلف أنواعها كالبيع واإلجارة والسلم باعتبارها أدوات ناقلة للملك ووسيلة‬
‫لت داول األم وال ‪ ،‬كما ش رعت ما حيافظ على امللك يف يد ص احبه ‪ ،‬فح رمت‬
‫الس رقة والنهب والغصب وأوجدت احلدود اليت تكفل حفظها ‪ ،‬وش رعت‬
‫ك ذلك ما يوثق حق ص احبها وحيفظه إذا مل تكن يف ي ده كالكتابة والش هادة‬
‫وال رهن والض مان والكفالة وغري ذلك ‪ )1(.‬وميكن أن ن بني أمهية إق رار امللكية‬
‫اخلاصة يف األمور اآلتية ‪:‬‬
‫أوالً ‪ -:‬تحقيق حاجة اإلنسان ‪ ،‬وما تتطلبه الحياة الكريمة ‪.‬‬
‫إن حاجة اإلنس ان إىل الطع ام والش راب وال دواء وس ائر أم ور املعيشة‬
‫تدفعه وبش دة إىل التكسب ال ذي هو س بب امللك ‪ ،‬وما ذلك إال ملا يعلمه من‬
‫أن ه ذه األش ياء لن حتصل له دون مقابل ‪ ،‬بل البد ألجل احلص ول عليها من‬
‫دفع ما يقابلها من الثمن ‪ ،‬وه ذا هو منط احلي اة ال ذي ش رعه اهلل تع اىل يف ه ذه‬
‫األرض ‪ ،‬وألجل ذلك ج اء احلث على التكسب والعمل وت رك البطالة والكسل‬
‫‪ ،‬رعاية ملص احل األف راد واجملتمع ات ‪ ،‬وب ذل األس باب إلجياد املس توى املعيشي‬
‫والصحي والتعليمي الالئق هبم ‪ ،‬مجاعة وأفراداً ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ -:‬عمارة األرض واستغالل مواردها‪.‬‬

‫امللكية يف الشريعة اإلسالمية ‪،‬د‪ .‬خمتار يونس ص‪176-169‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ وطلب‬، ‫خلق اهلل سبحانه وتعاىل اإلنسان وسخر له مجيع ما يف األرض‬


‫ وجعل ذلك من‬، ‫منه س بحانه وتع اىل الس عي البتغ اء ال رزق وعم ارة األرض‬
       : ‫القرب اليت يتقرب هبا إليه سبحانه قال تعاىل‬
         
          
          
         
   
‫ ] وال شك أن إق رار حق الف رد واجلماعة يف التملك من‬30-29: ‫[ البق رة‬
، ‫أقوى األسباب اليت تدفع اإلنسان إىل بذل الوسع للحصول على املوارد املالية‬
، ‫واس تغالل تلك املوارد إلعم ار األرض ومن مث حص ول املن افع لبين اإلنس ان‬
. ‫ودرء املفاسد عنهم‬

5
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ثالثا ً ‪ -:‬إعداد القوة ‪.‬‬


‫إن من عوامل ق وة األمة قوهتا االقتص ادية وال ميكن أن يق وم االقتص اد‬
‫الق وي إال باس تثمار األم وال يف املش اريع االنتاجية املختلفة ‪ ،‬ومن هنا ك ان‬
‫اس تثمار األم وال يف املش اريع اليت تزيد من الق درة االقتص ادية لألمة ‪ ،‬أم را‬
‫مطلوبا وال س بيل إىل ذلك االس تثمار إال ب إقرار حق الف رد يف التملك واحلي ازة‬
‫ومنحه حق االنتف اع مبا أنعم اهلل عليه من م وارد مالية ‪ ،‬ما دامت يف دائ رة‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلباحة الشرعية" ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ -:‬البذل واإلنفاق في أوجه البر ‪.‬‬
‫إن امللك التام يعين وجود الثروة ‪ ،‬ووجودها يدفع اإلنسان – يف الغ الب‬
‫‪-‬إىل الب ذل والعط اء س واء ك ان عن طريق ال واجب كالزك اة والكف ارات ‪ ،‬أو‬
‫ك ان عن طريق الن دب واالس تحباب كالص دقات واألوق اف واهلب ات وغريمها ‪،‬‬
‫وعلى العكس من ذلك فإن جتريد الفرد من امللك معناه جتريده من الثروة ‪ ،‬وإذا‬
‫جرد من الثروة مل يكن لديه القدرة على البذل واإلنفاق‪.‬‬
‫األسباب المشروعة للملكية الخاصة ‪:‬‬
‫من خصائص الشريعة اإلسالمية أهنا شريعة الكمال ‪،‬حيث شهد بذلك‬
‫رب الع املني‪ ،‬وأن من أوجه الكم ال يف ه ذه الش ريعة املباركة أهنا حثت على‬
‫إعم ار األرض ‪ ،‬والس عي يف طلب ال رزق ‪ ،‬والبحث عما يفي مبتطلب ات احلي اة‬
‫الدنيوية من توفري للمس كن الالئق ب الفرد وعائلته واإلنف اق عليهم ‪ ،‬والب ذل يف‬
‫أوجه الق رب ‪ ،‬وقد وردت آي ات كثرية يف كت اب اهلل الك رمي وأح اديث عظيمة‬
‫يف س نة املص طفى ‪ ‬حتث على العمل والتكسب ال ذي هو طريق من ط رق‬
‫التمل ك‪ .‬ق ال تع اىل ‪       :‬‬
‫‪[          ‬‬

‫امللكية يف الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬د‪.‬العبادي ‪2/97،98 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫بحانه ‪:‬‬ ‫ال س‬ ‫وق‬ ‫]‬ ‫اجلمعة ‪10 :‬‬


‫[ املزمل ‪:‬‬ ‫‪          ‬‬
‫‪] 20‬‬
‫وعن أيب هري رة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬ق ال " وال ذي نفسي بي ده ألن‬
‫يأخذ أحدكم أحبله فيحتطب على ظهره خري له من أن يسأل الناس أعطوه أو‬
‫(‪)1‬‬
‫منعوه"‬

‫وعن أنس رضي اهلل عنه أن رس ول اهلل ‪ ‬ق ال " ما من مس لم ي زرع‬


‫زرع اً أو يغرس غرس اً فيأكل منه طري أو إنسان أو هبيمة إال كان له به صدقه"‬
‫(‪ )2‬وقد بني العلم اء رمحهم اهلل تع اىل أن طلب ال رزق ‪،‬واإلنف اق على من‬
‫يعوهلم الرجل بقدر الكفاية من الفرائض اليت جيب على اإلنسان القيام هبا ويأمث‬
‫برتكه ا‪ )3(.‬وه ذه الش ريعة املباركة كما ش رعت العمل وب ذل اجلهد للتكسب‬
‫فقد وض عت له قواعد وض وابط ال جيوز للمس لم أن يتع داها ف بينت احلالل‬
‫وحثت عليه ‪،‬وبينت احلرام وحذرت منه ‪ ،‬فاهلل طيب ال يقبل إال طيبا ‪.‬‬

‫هذا ‪ ،‬وإن األصل يف املعامالت احلل واإلباحة ‪ ،‬وال حيرم منها إال ما قام‬
‫الدليل على حترميه وما عدا ذلك فيبقى على األصل وهو اإلباحة ‪ ،‬وهذا مما يدل‬
‫على مساحة الشريعة اإلسالمية ويسرها ‪.‬‬

‫ول ذا ف إن أس باب امللك املش روعة كث رية ومتنوعة يص عب حص رها ‪،‬‬


‫حيث ختتلف ب اختالف األش خاص من جهة ق دراهتم ورغب اهتم ‪ ،‬وإمنا حص رت‬
‫األسباب احملرمة للتملك نظرا لكوهنا حمدودة وحمصورة ‪.‬‬

‫أخرجه البخاري كتاب الزكاة ‪ ،‬باب االستعفاف عن املسألة برقم ‪, 1377‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب املزارعة ‪ ،‬باب فضل الزرع والغرس برقم ‪. 2152‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫انظر يف ذلك كتاب الكسب ‪ ،‬حممد الشيباين وشرحه للسيوطي ص‪81‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫وب النظر يف األس باب املش روعة للتملك جند أن آراء العلم اء واملؤلفني قد‬
‫تن وعت يف تقس يمها إال أنه بالتأمل يف تلك التقس يمات جند أهنا يف اجلملة ال‬
‫تكاد خترج عن األقسام اآلتية و يندرج حتت كل قسم منها فروع كثرية ‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬التملك مقابل عوض ‪ ،‬فيدخل فيه املعاوضات بأنواعها ‪ ،‬كالبيع‬
‫‪ ،‬واإلجارة ‪ ،‬والسلم ‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬التملك بغري عوض ‪ ،‬فيدخل فيه عقود التربعات كالوصية‪ ،‬واهلبة ‪،‬‬
‫واملرياث‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬التملك باالستيالء ‪،‬فيدخل فيه إحراز املباح ‪ ،‬وإحياء املوات ‪،‬‬
‫والصيد ‪ ،‬واالحتطاب ‪.‬‬
‫وفيما يلي نبذة موجزة ألهم أسباب الملكية ‪:‬‬
‫أوال ‪:‬البيع‬
‫تعريفه ‪ :‬البيع لغة ‪ :‬مقابلة الشيء بالشيء ‪ ،‬يقال ألحد املتقابلني ‪ :‬مبيع‬
‫ولآلخر مثن ‪ ،‬ويقابل ال بيع الش راء ‪ ،‬إال أن كال اللفظني يعت ربان من األض داد ‪،‬‬
‫ومعىن ذلك أن كال منهما ي أيت مبعىن اآلخر ؛ حيث ميكن أن يس تعمل لفظ‬
‫الشراء مبعىن البيع ويستعمل البيع مبعىن الشراء ‪ ،‬إال أنه إذا أطلق البائع فاملتبادر‬
‫( ‪)1‬‬
‫إىل الذهن يف العرف أنه باذل السلعة‬
‫( ‪)2‬‬
‫والبيع شرعا ‪ :‬مبادلة املال باملال متليكا ومتلكا ‪.‬‬
‫مشروعيته‪ :‬البيع مشروع بالكتاب والسنة واإلجماع ‪:‬‬
‫[ البقرة‬ ‫‪      ‬‬ ‫الكتاب ‪ :‬قال تعاىل‬
‫‪] 275:‬‬

‫()لسان العرب ‪ ،‬خمتار الصحاح ‪،‬القاموس احمليط‪ :‬مادة ‪ " :‬باع "‬ ‫‪1‬‬

‫املغىن ‪ ،‬البن قدامة ‪6/5 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫السنـ ــة ‪ :‬وردت أح اديث كث رية عن النيب ‪ ‬ت دل على مش روعية ال بيع‬
‫وأنه من أطيب املكاسب ومن ذلك ‪:‬أن النيب ‪" ‬س ئل ‪ :‬أي الكسب أطيب ؟‬
‫(‪)3‬‬
‫فقال ‪ :‬عمل الرجل بيده وكل بيع مربور"‬

‫مث إنه ‪ ‬وص حابته رض وان اهلل عليهم ك انوا يتع املون ب البيع والش راء مما‬
‫ي دل على مش روعيته ‪ ،‬وقد أمجع العلماء رمحهم اهلل على مش روعية البيع ‪ ،‬كما‬
‫أن حاجة الن اس داعية إليه وال ميكن دفعها إال به ‪ ،‬حيث ختتلف احلاج ات ‪،‬‬
‫وتتعلق غالباً مبا يف أيدي اآلخرين والبيع طريق للحصول عليها‪.‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫شروط البيع‬
‫يشترط لصحة البيع شروط عدة ‪:‬‬
‫الش‪GG‬رط األول ‪ :‬الرضا من المتعاق‪GG‬دين ‪ :‬ق ال تع اىل ‪   :‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪            ‬‬
‫‪ [  ‬النساء ‪]29 :‬‬

‫وعن أيب س عيد اخلدري رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬ق ال ‪ " :‬إمنا ال بيع عن‬
‫ت راض" (‪ )3‬والرضا يعلم ب القول الص ريح ‪ ،‬أو ماي دل عليه من األفع ال اجلارية‬
‫جمرى األق وال مع القرينة الدالة على مثل ذلك كالكتابة للغ ائب كما ق رره‬
‫الفقه اء رمحهم اهلل تع اىل ‪ ،‬وأما اإلك راه فال يصح معه ال بيع م امل يكن حبق ‪،‬‬
‫ك أن يك ون اإلك راه ج ا ٍر لتحقيق مص لحة أو ل دفع مفس دة ‪،‬مثل أن يش رتي‬
‫احلاكم أرضا من رجل ليقيم عليها طريقا حيتاجه الناس‪.‬‬

‫رواه أمحد يف املسند برقم ‪16628‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫حاشية الروض املربع ‪ ،‬عبد الرمحن بن قاسم ‪4/331‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫رواه ابن ماجة ‪ ،‬كتاب التجارات ‪ ،‬باب بيع اخليار‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الشـرط الثاني ‪ :‬أن يكون العاقدان جائزي التصرف بأن يكون كل منهما‬
‫مكلف اً رش يداً ‪.‬ق ال ‪" : ‬رفع القلم عن ثالثة ‪:‬عن الن ائم حىت يس تيقظ وعن‬
‫( ‪)1‬‬
‫الصغري حىت يكرب وعن اجملنون حىت يعقل"‬
‫الشرط الثالـث ‪ :‬أن يكون المعقود عليه ماالً مباح المنفعة من غير ضرورة‪.‬‬
‫ق ال ‪ " : ‬إن اهلل ورس وله ح رم بيع اخلمر وامليتة واخلنـزير واألص نام ‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬يارسول اهلل أرأيت شحوم امليتة فإنه يطلى هبا السفن‪ ،‬ويدهن هبا اجللود‪،‬‬
‫ويستص بح هبا الن اس ؟فق ال‪ :‬ال ‪ ،‬هو ح رام ‪ ،‬مث ق ال ‪ ‬عند ذلك ‪:‬قاتل اهلل‬
‫(‪)2‬‬
‫اليهود ‪ ،‬إن اهلل ملا حرم عليهم شحومها مجلوه مث باعوه فأكلوا مثنه "‬

‫وب ذلك خترج األعي ان النجسة واحملرمة ‪ ،‬فال يصح أن يك ون املبيع مخرا أو ميتة‬
‫أو دماً وحنو ذلك ‪.‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬أن يكون العاقد مالكا ً للمعقود عليه ‪ ،‬أو مأذونا ً له في ذلك ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫"‬ ‫لقول النيب ‪ " : ‬ال تبع ماليس عندك‬
‫الشرط الخامس ‪ :‬أن يكون المعقود عليه مقدوراً على تسليمه‪.‬‬
‫أي البد أن يك ون الب ائع ق ادرا على تس ليم املش رتي العني املباعة ؛حىت‬
‫يتمكن املش رتي من االنتف اع هبا ‪ ،‬وه ذا هو مقص ود ال بيع ‪ ،‬وعلى ه ذا ال جيوز‬
‫بيع غري املقدور على تسليمه ‪ ،‬كاجلمل الشارد ‪ ،‬والسيارة الضائعة ‪.‬‬
‫الشرط السادس ‪ :‬أن يكون المعقود عليه معلوما ً لدى المتعاقدين ‪.‬‬
‫وذلك ألن النيب ‪ ‬هنى عن بيع الغ رر ‪ ،‬وبيع اجمله ول فيه غ رر ؛ لع دم‬
‫معرفته وال معرفة أوصافه ‪.‬‬

‫رواه الرتمذي كتاب احلدود ‪ ،‬باب فيمن ال جيب عليه احلد برقم ‪، 1343‬والنسائي‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫كتاب الطالق‪ ،‬باب من ال يقع طالقه برقم ‪. 3378‬‬


‫البخاري كتاب البيوع ‪ ،‬باب بيع امليتة واألصنام برقم ‪ ، 2071‬ومسلم كتاب املساقاة‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،‬باب حترمي بيع اخلمر وامليتة برقم ‪. 2961‬‬


‫رواه الرتمذي ‪ ،‬كتاب البيوع برقم ‪ ، 1153‬والنسائي برقم ‪ ، 4532‬كتاب البيوع ‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الشرط السابع ‪ :‬أن يكون الثمن معلوما للمتعاقدين‪.‬‬


‫ثانيا ‪ :‬ال َسلَم‬
‫الس لم ن وع من ال بيع ‪ ،‬وتش رتط له ش روط خاصة ‪ ،‬إض افة إىل ش روط‬
‫البيع املتقدمة وصورته ‪ :‬أن يشرتي التاجر ألف كيلو من التمر مثال من املزارع‬
‫‪-‬والتمر غري موجود وقت العقد ‪ -‬بقيمة متفق عليها على أن يدفع التاجر املال‬
‫مقدما ويُ َسلِّ ُم املزارع التمر وقت وجوده ‪ ( .‬مع مراعاة شروطه )‬

‫عقد على موص وف يف الذمة ‪،‬مؤجل بثمن مقب وض يف جملس‬ ‫تعريف الس‪GGGG‬لم ‪:‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫العقد ‪.‬‬
‫فقوله ‪:‬عقد على موصوف ‪ ،‬خيرج اجملهول فال يصح السلم فيه للجهالة ‪.‬‬
‫السلَم يف األعيان احلاضرة إذا تعاقدا عليها ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬يف الذمة ‪ ،‬خيرج َ‬
‫(‪) 2‬‬
‫وقوله ‪:‬مؤجل ‪ ،‬يدل على اشرتاط األجل يف السلم ‪ ،‬فيخرج السلم يف احلال ‪.‬‬
‫وقوله بثمن مقبوض ‪ -‬يدل على اشرتاط قبض رأس مال السلم يف جملس العقد‬
‫احرتازاً من بيع الدين بالدين املنهي عنه؛ ألنه من صور الربا ‪.‬‬
‫مشروعية السـلم‪ :‬السلم جائز بالكتاب والسنة واإلجمـاع‪:‬‬
‫يف الكت اب ‪ :‬قوله تع اىل ‪     :‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ [    ‬البقرة ‪]282 :‬‬
‫ق ال ابن عب اس رضي اهلل عنه ‪" :‬أش هد أن الس لف املض مون إىل أجل‬
‫(‪)3‬‬
‫مسمى قد أحله اهلل يف كتابه وأذن فيه ‪ ،‬مث قرأ هذه اآلية"‬

‫منتهى اإلرادات البن النجار ‪2/381‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫السلم احلال جائز عند الشافعية ‪ ،‬روضة الطالبني للنووي ‪3/247 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫الدراية يف ختريج أحاديث اهلداية البن حجر ‪ ،2/159‬املغين البن قدامة ‪6/384‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫يف السنـة ‪ :‬عن ابن عباس رضي اهلل عنه عن رسول اهلل ‪ ‬أنه قدم املدينة‬
‫والن اس يس لفون يف الثمر الس نتني والثالث ‪ ،‬فق ال عليه الص الة والس الم ‪" :‬من‬
‫(‪)1‬‬
‫أسلف يف شيء فليسلم يف كيل معلوم ووزن معلوم إىل أجل معلوم "‬
‫(‪) 2‬‬
‫السلَم‪.‬‬
‫و أمجع أهل العلم على جواز َ‬
‫شروط السلم(‪ :)3‬يشرتط لعقد السلم عدة شروط زائدة على شروط البيع وهي‬
‫السلَم يف جملس العقد‪.‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬تسليم رأس مال َ‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬ذكر وصف املسلم فيه وجنسه وقدره ‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكون امل ْسلَم فيه ديناً موصوفاً يف الذمة ‪.‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬أن يكون ُامل ْسلَم فيه مما ميكن ضبط صفاته اليت خيتلف الثمن‬
‫باختالفها ُ‬
‫كثريا‪.‬‬
‫الشرط الخامس ‪ :‬أن يكون الُ ْم َسلم فيه مؤجالً أجالً معلوماً ‪.‬‬
‫الشرط السادس ‪ :‬وجود امل ْسلَم فيه غالباً وقت حلول العقد‪.‬‬
‫ُ‬
‫الحكمة من مشروعية ال َسلَم ‪:‬‬
‫احلكمة تقتضي مشروعية السلم ؛ وذلك ألن مصاحل الناس تتم يف السلم‬
‫فاحملت اج إىل املال تن دفع حاجته ب النقود احلاض رة ‪ ،‬والت اجر ينتفع بأخذ الس لعة‬
‫املسلم فيها لرخصها ‪ ،‬ولو مل يشرع السلم لتضرر الناس حيث يلجأ احملتاج إىل‬
‫(‪) 4‬‬
‫التعامل الربوي لقلة املقرضني ‪ ،‬فكانت مشروعية السلم منعا للتعامل بالربا ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬اإلجارة‬
‫( ‪)5‬‬
‫تعريفها ‪ :‬هي عقد على منفعة مباحة معلومة ‪ ،‬بشروط معينة ‪.‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب السلم ‪ ،‬باب السلم يف وزن معلوم برقم ‪ ، 2086‬ومسلم ‪ ،‬كتاب‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫املساقاة ‪،‬باب السلم برقم ‪. 3010‬‬


‫املغين ‪ ،‬ابن قدامة ‪ ، 6/385 ،‬جمموع الفتاوى ‪ ،‬ابن تيمية ‪29/495‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫شرح منتهى اإلردات ‪ ،‬للبهويت ‪3/296 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫من فقه املعامالت ‪ ،‬د‪ .‬صاحل الفوزان ص ‪150‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫شرح منتهى االرادات ‪ ،‬للبهويت ‪4/5 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫مشروعيتها ‪:‬اإلجارة مشروعة يف الكتاب والسنة واإلمجاع‬


‫في الكت‪GG‬اب ‪ :‬ق ال تع اىل ‪        :‬‬
‫[ الطالق ‪ ] 6:‬وق ال س بحانه‪        :‬‬
‫[الكهف ‪] 77:‬‬
‫()‬
‫قال القرطيب ‪" : 1‬يف هذا دليل على صحة وجواز اإلجارة وهي سنة األنبياء "‬
‫في السنــة ‪:‬‬
‫‪ -)1‬عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ " :‬قال اهلل عز وجل ‪ " :‬ثالثة أنا‬
‫خص مهم يوم القيام ة‪ :‬رجل أعطى يب مث غ در ‪ ،‬ورجل ب اع ح راً فأكل‬
‫(‪)2‬‬
‫مثنه ‪ ،‬ورجل استأجر أجرياً فاستوىف منه ومل يعطه أجره "‬

‫‪ -)2‬ماجاء يف قصة هجرة النيب ‪ ‬أنه استأجر هو وأبو بكر رضي اهلل عنه‬
‫(‪) 3‬‬
‫رجالً من بين الديل ليدهلم الطريق‪.‬‬
‫( ‪)4‬‬
‫اإلجمـاع‪ :‬أمجع الفقهاء على مشروعية اإلجارة وصحتها‪.‬‬
‫شروط عقد اإلجارة ‪ )5( :‬يشرتط لصحة عقد اإلجارة عدة شروط‪:‬‬
‫(‪ )1‬أن تكون من جائز التصرف وهو احلر البالغ الرشيد ‪.‬‬
‫(‪ )2‬معرفة املنفعة واألجرة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أن تكون العني املؤجرة مما ميكن االنتفاع هبا مع بقاء أصلها‪.‬‬
‫كالسيارات‪ ،‬والبيوت وحنوها ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أن تكون املنفعة مباحة ‪.‬‬

‫اجلامع ألحكام القرآن ‪ ،‬القرطيب ‪11/23‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه البخاري ‪،‬كتاب البيوع باب إمث من باع حرا برقم ‪. 2075‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب اإلجارة باب استئجار املشركني برقم ‪2103‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫املغن ‪،‬ي البن قدامة ‪8/6 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫اإلقناع ‪ ،‬للحجاوي ‪2/487‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫رابعا ً ‪ :‬الوصيـــة بالمال (‪:)1‬‬


‫( ‪)2‬‬
‫تعريفها ‪ :‬هي التربع باملال بعد املوت‪.‬‬
‫مشروعيتها ‪ :‬الوصية مشروعة يف الكتاب والسنة واإلمجاع ‪:‬‬
‫‪ ‬‬ ‫في الكت‪GGG‬اب ‪ :‬قوله تع اىل ‪   :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪ [      ‬البقرة‪]180:‬‬

‫"‬ ‫في السنة ‪ :‬عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪:‬‬
‫ما حق ام رئ مس لم ي بيت ليل تني وله ش يء يريد أن يوصي فيه إال ووص يته‬
‫(‪) 3‬‬
‫مكتوبة عند رأسه "‬

‫‪-‬قصة س عد بن أيب وق اص رضي اهلل عنه حني أراد أن يوصي يف مرضه أن النيب‬
‫‪ ‬قال له‪ " :‬الثلث والثلث كبري أو كثري" (‪. )4‬‬
‫( ‪)5‬‬
‫اإلجماع ‪ :‬أمجع العلماء على جواز الوصية‬
‫حكمها ‪ :‬جترى يف الوصية األحكام اآلتية ‪:‬‬
‫‪ -1‬حترم على من له وارث إذا أوصى بأكثر من الثلث أو أوصى لوارث‬
‫بشيء مل جيزه الورثة ‪.‬‬
‫‪ -2‬و تسن بالثلث فأقل ملن ترك خرياً كثرياً‪.‬‬
‫‪ -3‬وتكره لفقري ووارثه حمتاج ‪.‬‬
‫املراد بالوصية يف هذا املبحث الوصية باملال ‪ ،‬ال الوصية العامة اليت يدخل فيها األموال‬
‫()‬ ‫‪1‬‬

‫وغريها ‪.‬‬
‫اإلقناع ‪ ،‬للحجاوي ‪3/129 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الوصايا برقم ‪ ، 2533‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الوصية برقم‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪. 3974‬‬
‫أخرجه البخاري كتاب الوصايا ‪ ،‬باب أن يرتك ورثته أغنياء برقم ‪، 2537‬ومسلم‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫كتاب الوصية ‪،‬باب الوصية بالثلث برقم ‪. 3076‬‬


‫املغين ‪ ،‬البن قدامة ‪390 /8‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫( ‪)1‬‬
‫‪ -4‬وتباح لفقري ووارثه غين ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬إحراز المباح‬
‫املب اح ‪ :‬كل ماخلقه اهلل تع اىل يف ه ذه األرض مما ينتفع به الن اس على‬
‫الوجه املعتاد وال مالك له مع إمكان حيازته وملكه‪ ،‬وهو يتنوع فمنه احليوانات‬
‫و النباتات واجلمادات ‪.‬‬

‫وهذه األموال املباحة اليت مل تدخل يف حيازة معصوم جعلتها الشريعة‬


‫اإلس المية حمالً للملك ‪ ،‬فمن اس توىل عليها بالوجه الش رعي فقد ملكها ‪،‬‬
‫ويتن وع االس تيالء عليها بتن وع تلك األم وال ‪،‬فمنها ما يك ون االس تيالء عليه‬
‫بالصيد‪ ،‬ومنها ما يكون بوضع اليد عليه كاالحتطاب ‪،‬ومنها ما يكون باإلحياء‬
‫أو اإلقطاع من ويل األمر‪،‬وهي األراضي‪،‬قال ‪" ‬من سبق إىل ماء مل يسبقه إليه‬
‫(‪)3‬‬
‫مسلم فهو له"‬

‫وقال ‪ " : ‬من أحيا أرضا ميتة فهي له " (‪. )4‬‬
‫سادسا ً ‪:‬إحيـاء المــوات‪:‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫املوات‪ :‬األرض املنفكة عن االختصاصات وملك معصوم‪.‬‬
‫إحياء املوات ‪ :‬إحياء األرض املوات اليت مل يُ ْس بَق إليها بزرع أو بناء‪.‬‬
‫(‪ )6‬أو مشروع جتاري أو سياحي يقام عليها ‪.‬‬

‫نيل املآرب ‪ ،‬ابن بسام ‪322 /2 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫املدخل الفقهي العام ‪ ،‬مصطفى الزرقاء ‪1/336‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫رواه أبو داود ‪ ،‬كتاب اخلراج ‪ ،‬باب إقطاع األراضني برقم ‪2669‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب املزارعة ‪ ،‬باب إحياء أرض موات‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫نيل املآرب ابن بسام‪، 275 /3‬كشاف القناع ‪ ،‬للبهويت ‪4/185‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫نيل األوطار ‪ ،‬للشوكاين ‪340 /5 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪6‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫مشروعيته ‪ :‬إحياء املوات مشروع يف السنة واإلمجـاع ‪:‬‬


‫في السنة‪ :‬عن ج ابر رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬ق ال ‪ " :‬من أحيا أرض اً ميتة فهي له"‬
‫(‪) 1‬‬

‫وقد أقطع النيب × بالل بن احلارث أرض اً ميتة لكن عمر اسرتدها منه لعدم إحيائها‬
‫يف مدة معينة ‪.‬‬

‫اإلجم‪GGG‬اع ‪ :‬أمجع املس لمون على مش روعية اإلحي اء يف اجلملة ‪ ،‬وقد وض عت‬
‫الش ريعة اإلس المية ش روطاً حمددة إلحي اء األرض لتحقيق مقاص دها من جلب‬
‫املص احل لعم وم املس لمني ودرء املفاسد والنـزاع عنهم ‪ ،‬وهي مبينة يف مواض عها‬
‫من كتب الفقه (‪ )2‬منها إذن احلاكم ‪ ،‬لئال تبدأ مع الناس ويتخا قموا ويتنازعوا ‪،‬‬
‫وأن حيبوها يف زمن حمدد ‪ ،‬الكما فعل بالل بن احلارث يف قصته مع عمر ‪.‬‬
‫سابعا ً ‪ :‬اإلقطـاع ‪:‬‬
‫تعريفه ‪ :‬وهو جعل احلاكم بعض األراضي العامرة بالبناء أو الزراعة خمتصة ببعض‬
‫األشخاص فيكون هذا الشخص أوىل به من غريه بشروط معينة‪ )3(.‬واإلقطاع‬
‫مشروع إذا كان ملصلحة‪.‬‬

‫(ع ْدو) فرسه ‪،‬‬‫ض َر َ‬ ‫ي دل على ذلك س نة النيب ‪ ‬حيث أقطع الزبري ُح ْ‬
‫(‪) 4‬‬
‫وأجرى الفرس حىت قام مث رمى بسوطه فقال ‪ :‬أقطعوه حيث بلغ السوط‪.‬‬
‫والفرق بني املوات واإلقطاع أن األخري لألرض العامرة بالزراعة أو البناء‬
‫خبالف األول ‪.‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب املزارعة ‪ ،‬باب إحياء أرض موات‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫منتهى اإلرادات حباشية ابن قائد النجدي ‪ ،3/269‬حاشية الروض‪ ،‬البن قاسم ‪5/474‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫نيل األوطار ‪ ،‬للشوكاين ‪5/350 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫رواه أبو داود ‪ ،‬كتاب اخلراج ‪ ،‬باب اقطاع األراضني برقم ‪ ،2607‬وأمحد يف مسنده‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫برقم ‪6169‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫اإلقطاع ثالثة أنواع ‪:‬‬


‫(‪ )1‬إقطاع التمليك ‪ :‬وهو إقطاع يقصد به متليك اإلمام ملن أقطعه ‪.‬‬
‫(‪ )2‬إقطاع إرفاق‪ :‬وهو أن يقطع اإلمام أو نائبه الباعة اجللوس يف الطرق‬
‫الواسعة وامليادين وحنو ذلك مما ينتفعون به دون إضرار بالناس ‪.‬‬
‫(‪ )3‬إقطاع استغالل ‪ :‬وهو أن يقطع اإلمام أو نائبه من يرى يف اقطاعه‬
‫مص لحة لينتفع بالش يء ال ذي أقطعه ‪،‬ف إذا فق دت املص لحة فلإلم ام‬
‫( ‪)1‬‬
‫اسرتجاعه‬
‫األسباب المحرمة في كسب الملكية الخاصة ‪:‬‬
‫أوال ‪:‬الربا‪:‬‬
‫الربا لغـة ‪ :‬مصدر ربا يربو وهو النماء والزيادة ‪ ،‬يقال ‪ :‬ربا الشيء ربوا إذا‬
‫(‪) 2‬‬
‫زاد ومنا‪ ،‬قال الراغب ‪ :‬الربا "هو الزيادة على رأس املال ‪ ،‬والرما لغة فيه"‬

‫الربا اص‪GG‬طالحاً ‪ :‬هو زي ادة يف أش ياء ونسأ يف أش ياء خمتص بأش ياء ج اء الش رع‬
‫(‪. ) 3‬‬
‫بتحرميها‪.‬‬
‫أنواع الربا‪:‬ينقسم الربا إلى نوعين ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬ربا ال َديْن وله صور ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الزيادة في الدين مقابل الزيادة في األجل ‪.‬‬
‫ومث ال ذلك أن يطلب املدين من ال دائن – ص احب ال دين ‪ -‬متديد أجل‬
‫ال دين بعد حلوله فيقبل ال دائن ذلك بش رط الزي ادة يف مق دار ال دين ‪ ،‬وه ذا هو‬
‫ربا اجلاهلية ؛ ألنه ك ان الغ الب على تع امالهتم ‪ ،‬فك ان أحدهم إذا جاءه املدين‬
‫يطلب تأجيل ال دين يق ول له ‪( :‬إما أن تقضي وإما أن ت ريب ) أي إما أن تقضي‬
‫حل عليك أو تزيد يف مقداره لقاء تأجيله ‪.‬‬
‫الدين الذي ّ‬
‫ب ‪ -‬الزيادة المشروطة ‪:‬‬

‫نيل املآرب ‪ ،‬ابن بسام ‪279 /3 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫لسان العرب ‪ ،‬القاموس احمليط مادة ‪ ( :‬ربا )‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫اإلقناع ‪ ،‬للحجاوي ‪2/245‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫وذلك بأن حيدد الدائن للمدين موعدا معينا لسداد الدين ويشرتط عليه‬
‫يف العقد زيادة معينة إذا مل يسدد يف املوعد احملدد ‪.‬‬

‫حاال أو مؤجالً‪.‬‬
‫بيع ربوي مبثله متفاضال َّ‬ ‫النوع الثاني ‪ :‬ربـا البيع ‪ :‬وهو ُ‬
‫ويقع يف األعي ان الربوية اليت نص عليها النيب ‪ ‬فعن عب ادة بن الص امت‬
‫رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال ‪(:‬الذهب بالذهب ‪ ،‬والفضة بالفضة ‪ ،‬والرُب بالرُب ‪،‬‬
‫والش عري بالش عري‪ ،‬والتمر ب التمر ‪ ،‬وامللح ب امللح مثْال مبثْل س واء بس واء ي دا بيد‬
‫فمن زاد أو اس تزاد فقد أرىب ف إن اختلفت ه ذه األش ياء ف بيعوا كيف ش ئتم إذا‬
‫كان يدا بيد ) (‪ ، )1‬ويقاس على هذه األشياء املذكورة ما يشرتك معها يف علة‬
‫الرب ا‪.‬ومث ال ذلك ‪ :‬بيع مخسني جرام اً ذهب اً بس بعني جرام اً ذهب اً يف احلال ‪ ،‬أو‬
‫بيع مخسني رياال بسبعني لاير حاال‪.‬‬

‫علة الربا ‪:‬نص النيب ‪ ‬على األص ناف الس تة املذكورة يف ح ديث عب ادة‬
‫املتقدم ويقاس عليها ما شاركها يف العلة ‪ ،‬والعلة فيها كما يلي ‪:‬‬
‫الذهب والفضة ‪:‬‬
‫العلة فيهما الثمنية فهما أمثان لألش ياء فيق اس عليهما ما ك ان مثنا‬
‫األوراق النقدية املعروفة ‪ ،‬حيث جيري فيها الربا لكوهنا أمثانا قياسا على‬ ‫ك‬
‫الذهب والفضة ‪.‬‬
‫األصناف األربعة األخرى ‪:‬‬
‫العلة فيها على الصحيح الطعم مع الكيل أو الوزن ‪ ،‬فاألطعمة اليت تكال‬
‫أو ت وزن جيري فيها الربا قياسا على األص ناف األربعة ال واردة يف ح ديث عب ادة‬
‫بن الصامت رضي اهلل عنه (الرب ‪،‬الشعري ‪،‬التمر ‪ ،‬امللح)‬
‫ضوابط التعامل باألجناس الربوية‪:‬‬

‫أخرجه مسلم يف صحيحه كتاب املساقاة ‪ ،‬باب بيع الذهب بالورق نقد برقم ‪. 2971‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫التعامل باألجناس الربوية ال خيلو من حالتني ‪:‬‬


‫الحالة األولى ‪ :‬بيع جنس رب وي مبثله ك بيع ذهب ب ذهب مثال فيش رتط جلواز‬
‫التعامل يف هذه احلالة شرطني ‪:‬‬
‫التماثل يف القدر بني اجلنسني ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫التقابض يف جملس العقد ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫ودليل ذلك ما ج اء يف ح ديث عب ادة بن الص امت رضي اهلل عنه الس ابق‬
‫أن النيب ‪ ‬قال‪ .. ( :‬مثال مبثل سواء بسواء يدا بيد ‪)..‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬بيع جنس رب وي جبنس رب وي آخر ك بيع بر بتمر مثال ‪ ،‬فيش رتط‬
‫جلواز التعامل يف هذه احلالة التقابض يف جملس العقد وجتوز الزيادة بينهما ‪.‬ودليل‬
‫ذلك ما جاء يف حديث عبادة بن الصامت رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪..(:‬فإذا‬
‫اختلفت – أي األجناس‪ -‬فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد )‬

‫أدلة تح‪GG‬ريم الربــا‪ :‬الربا حمرم وكب رية من كب ائر ال ذنوب دل على ذلك الكت اب‬
‫والسنة واإلمجاع ‪:‬‬

‫الكتاب ‪ :‬قال تعاىل ‪       :‬‬


‫‪         ‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪           ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪[    ‬البق رة‪ ]275،276:‬وق ال تع اىل ‪:‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪[     ‬البقرة‪] 278:‬‬

‫السنــة ‪ :‬عن ج ابر رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬لعن رس ول اهلل ‪ ‬آكل الرب ا‪،‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫وموكله‪ ،‬وكاتبه ‪،‬وشاهديه‪ ،‬وقال هم سواء‬
‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب املساقاة ‪،‬باب بيع الذهب بالورق نقداً برقم ‪.. 2971‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال مسعت أبا القاسم ‪ ‬يقول ‪" :‬اجتنبوا‬
‫السبع املوبقات ‪ ،‬قالوا‪ :‬يارسول اهلل وماهن ؟قال‪ :‬الشرك باهلل‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل‬
‫النفس اليت ح رم اهلل إال ب احلق ‪ ،‬وأكل الربا ‪ ،‬وأكل م ال الي تيم ‪ ،‬والت ويل ي وم‬
‫(‪)1‬‬
‫الزحف ‪ ،‬وقذف احملصنات املؤمنات الغافالت "‬
‫( ‪)2‬‬
‫اإلجماع ‪ :‬أمجع املسلمون على حترمي الربا‪.‬‬
‫الحكمة في تحريم الربا‪:‬‬
‫من احلكم يف حترمي الربا ما يلي ‪:‬‬
‫(‪ )1‬االبتعاد عن الظلم وأكل أموال الناس بالباطل ‪.‬‬
‫الربا من أظلم الظلم ‪ ،‬فمن تعامل به فقد حصل على مال أخيه املسلم‬
‫ظلماً بغري حق‪ ،‬حيث مل يبذل اجلهد يف االكتساب والرزق كما هو مشروع ‪،‬‬
‫ومل يتحمـل مسؤولية اخلسارة بل ضمن الربح على حساب اآلخرين وعملهم‬
‫وجهدهم ‪ .‬قال سبحانه‪      :‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪[       ‬البقرة ‪] 279-278:‬‬

‫قال ابن عباس رضي اهلل عنه ‪ :‬يقال يوم القيامة آلكل الربا خذ سالحك‬
‫للح رب ‪ ،‬وق ال أيض اً رضي اهلل عنه ‪ :‬من ك ان مقيم اً على الربا ال ينـزع عنه‬
‫(‪) 3‬‬
‫فحق على إمام املسلمني أن يستتيبه فإن تاب وإال ضرب عنقه ‪.‬‬

‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب املساقاة لعن أكل الربا برقم ‪. 2995‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫املغين ‪ ،‬البن قدامة ي ‪، 6/52‬حاشية الروض ‪ ،‬البن قاسم‪،4/490‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫اجلامع ألحكام القرآن ‪ ،‬القرطيب ‪3/235 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫وقد توعد اهلل ورسوله ‪ ‬الظامل بالوعيد الشديد يوم القيامة ‪ ،‬فعن النيب ‪‬‬
‫أنه ق ال ملع اذ رضي اهلل عنه ي وم أرس له إىل اليمن‪ " :‬واتق دع وة املظل وم فإنه ليس‬
‫(‪)1‬‬
‫بينه وبني اهلل حجاب"‪.‬‬

‫وال شك أن التعامل بالربا من أشد أن واع الظلم وقد لعن النيب ‪" ‬آكل‬
‫(‪)2‬‬
‫الربا وموكله وكاتبه وشاهديه "‪.‬‬
‫(‪ )2‬الربا طريق للكسل والبطالة ‪.‬‬
‫ملا ك انت النفس البش رية متيل بطبعها إىل ك ثرة املال مع الراحة والدعة ‪،‬‬
‫ك ان الربا من أق وى العوامل املؤدية إىل الكسل واخلم ول وت رك البحث عن‬
‫ال رزق واالكتس اب وب ذل اجلهد يف ذلك ‪ ،‬وه ذا الشك أنه م ذموم يف ه ذه‬
‫الش ريعة املباركة اليت ج اءت ب احلث على العمل واالكتس اب ‪ ،‬وقد ك ان من‬
‫ص فات األنبي اء عليهم الص الة والس الم حب العمل واحلث عليه ‪ ،‬حيث اش تغل‬
‫النيب ‪ ‬بالرعي (‪ )3‬والتجارة فأكل من كسب يده ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الربا يربي اإلنسان على الجشع والطمع ‪ ،‬ويهدم األخالق الفاضلة‪.‬‬
‫ذلك أن املرايب يس تغل حاج ات أف راد اجملتمع بتطويق أعن اقهم بال ديون‬
‫مما جيعل املدين يف موقف يصعب عليه التخلص من ربقة الديون ‪ ،‬ويسد بالتايل‬
‫أب واب اخلري والتع اون على الرب والتق وى ‪ ،‬ويغلق ب اب الق رض احلسن ‪،‬كما‬
‫حيمله على الشح والبخل املنهي عنه ‪ ،‬فالربا إذاً يقضي على عوامل التكافل ‪،‬‬
‫والتعاون‪.‬‬
‫(‪ )4‬الربا طريق إلى الجريمة وتوجيه األموال نحو االستثمار الضار ‪.‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب املغازي برقم ‪ ،4000‬ومسلم ‪ ،‬كتاب اإلميان برقم ‪ 27‬و‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 28‬‬
‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب املساقاة ‪ ،‬باب لعن آكل الربا ومؤكله برقم ‪. 2995‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب اإلجارة ‪ ،‬باب الرعي على قراريط برقم ‪. 2102‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫مبا أن املدين مط الب بتس ديد ما عليه من مس تحقات هي يف الغ الب‬


‫باهظة لص احب املال‪ ،‬فس وف يلجأ إىل طريق س ريع ختلصه من ه ذه األعب اء اليت‬
‫أح اطت به ‪ ،‬وحيث إن الش يطان جيري من ابن آدم جمرى ال دم كما ق ال ذلك‬
‫الص ادق املص دوق ‪ )1( ‬ل ذلك فغالبا ما يلجأ املدين إىل احلص ول على املال ب أي‬
‫طريق ك ان ‪ ،‬إما بالس رقة املرتتب عليها زعزعة األمن واض طراب أح وال الن اس و‬
‫معايش هم وع دم أمنهم على أم واهلم ‪ ،‬أو باالش تغال يف احملرم ات كاملخ درات ‪،‬‬
‫واملس كرات ‪ ،‬وغريها من الوس ائل احملرمة ‪ ،‬واليت ي رتتب عليها إفس اد اجملتمع‬
‫بأفراده ومجاعاته ‪.‬‬

‫هلذا ج اءت ه ذه الش ريعة املباركة بتح رمي الربا والتح ذير منه ‪ ،‬وت رتيب‬
‫الوعيد الشديد على من تعامل به‪.‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب االعتكاف ‪ ،‬باب زيارة املرأة زوجها يف اعتكافه برقم ‪1897‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬كتاب السالم ‪ ،‬باب بيان أنه يستحب ملن رئي خاليا بامرأة برقم ‪. 4041‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ثانيا ‪ :‬الميسر‬
‫امليس ر‪ :‬هو أن يؤخذ م ال اإلنس ان وهو على خماطرة ال ي دري هل‬
‫حيصل له عوضه أوال حيصل ‪،‬وهو يتناول بيوع الغرر اليت هني عنها‪ )1( ،‬ويتناول‬
‫أيض اً املغالب ات واملس ابقات اليت يك ون فيها ع وض من الط رفني ‪ ،‬وأما مس ابقة‬
‫(‪) 2‬‬
‫اخليل ‪ ،‬واإلبل ‪ ،‬والسهام فإهنا مباحة‪ .‬إن مل يكن فيها رهان من طرفني مع اً‬
‫ومثلها ساق السيارات والدرجات ‪....‬‬

‫وله صور منها ‪ :‬اللعب بالنرد ‪ ،‬والشطرنج ‪ ،‬وبعض املسابقات املعلنه يف وسائل‬
‫اإلعالم وبعض ما جيري يف مدن املالهي والرتفيه ‪.‬‬

‫وقد ص رح العلم اء رمحهم اهلل تع اىل بتح رمي ال نرد والش طرنج إذا ك ان‬
‫على عوض من لدن الصحابة رضوان اهلل عليهم وعدومها من قبيل امليسر ‪.‬‬
‫فقد ق ال علي ابن أيب ط الب‪ ،‬وابن عب اس رضي اهلل عنهم ‪ ،‬وجماه د‪،‬‬
‫وحممد بن سريين‪ ،‬واحلسن ‪،‬وابن املسيب‪ ،‬وعطاء كل شيء فيه قمار من نرد‬
‫(‪) 3‬‬
‫أو شطرنج فهو امليسر إال ما أبيح من الرهان‪.‬‬

‫جمموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية ‪19/283 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان ‪ ،‬ابن سعدي ص‪81‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫جمم وع الفت اوى‪ ،‬ابن تيمية ‪ ، 32/216 ،‬اجلامع ألحك ام الق رآن ‪ ،‬القرطيب ‪،‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬
‫‪، 3/36‬حترمي النرد والشطرنج واملالهي ‪ ،‬لآلجري ‪ ،‬ص‪53‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ومنها‪ :‬أوراق اليانصيب وهي نوع من أنواع امليسر ؛ إذ تقوم بعض‬


‫اجلهات بطبع أوراق صغرية على هيئة عمالت ورقية ‪ ،‬وتسمى أوراق اليانصيب‬
‫على أن يك ون مثن كل منها زهي دا‪ ،‬وتب اع ه ذه األوراق تغري راً باملش رتين ب أن‬
‫من يش رتي ورق يانص يب قد يكسب مبلغ اً كب رياً من املال ‪ ،‬مث جيري الس حب‬
‫يف هناية كل م دة معينة على أرق ام األوراق املباع ة‪ ،‬فيكسب نفر قليل من‬
‫املشرتين مبالغ كبرية بدون أي عمل منتج‪ ،‬ويف املقابل خيسر السواد األعظم من‬
‫(‪)4‬‬
‫املشرتين كل ما دفعوه من مال‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬االتجار في المحرمــــــات‬
‫منع الش ارع احلكيم املس لم من االجتار يف احملرم ات ؛ رعاية ملص احله‬
‫وحثاً له على طلب الطيب من الكسب ‪.‬وهذه احملرمات ال ختلو أن تكون مواد‬
‫تفسد العقول كاخلمور واملخدرات ‪ ،‬أو مطعومات تفسد الطباع وتغذي غذاءً‬
‫خبيث اً ‪ ،‬أو أعيانا مه درة القيمة ألهنا تفسد األدي ان وت دعو إىل الفتنة والش رك‪،‬‬
‫كاألصنام‪ ،‬والتماثيل ‪ ،‬والصور احملرمة ‪ .‬أو أطعمة انتهت صالحيتها ‪ ،‬أو ألبسة‬
‫يتم تزوير وطن املنشأ فيها ‪...‬‬
‫ومن هذه المحرمات ما ورد في قوله تعالى‪:‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪       ‬‬
‫[املائ دة‪]3:‬وق ال س بحانه‪  :‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪[      ‬املائ دة‪]90:‬وق ال‬
‫‪       ‬‬ ‫سبحانه ‪:‬‬
‫حترمي اإلسالم للميسر ‪ ،‬أمني منتصر ص‪66‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

      


       
        
       
‫]ومعلوم‬157:‫ [األعراف‬      
. ‫أن اهلل سبحانه وتعاىل إذا حرم شيئاً حرم مثنه‬
‫ الغرر‬: ‫رابعا‬
‫ وهل‬، ‫ هل حيصل أو ال‬: ‫ حبيث ال يُعلم‬، ‫ما ك ان جمه ول العاقبة‬: ‫الغ رر‬
) 1(
.‫يُقدر على تسليمه أم ال ؟‬
: ‫أدلة تحريمه‬
‫ ي دل على‬، ‫ح رم اإلس الم الغ رر وجعله من أكل أم وال الن اس بالباطل‬
‫ذلك الكتاب والسنة واإلمجاع‬

: ‫الكتاب‬
       :‫قال تعاىل‬
          
‫] وق ال‬29:‫ [النس اء‬        
       : ‫سبحانه‬
        
    :‫] وق ال تع اىل‬188 :‫ [البق رة‬ 
       
‫]وال شك أن من أكل‬161:‫ [النس اء‬    
‫أموال الناس بالباطل الغرر واخلداع‬

2/12 ‫ للشريازي‬، ‫ املهذب‬،3/432 ‫ للقرايف‬، ‫الفروق‬ )( 1

5
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫قال القرطيب (‪ ")1‬اخلطاب يف هذه اآلية يتضمن مجيع أمة حممد ‪ ‬واملعىن‬
‫ال يأكل بعض كم م ال بعض بغري حق ‪ ،‬في دخل يف ه ذا القم ار واخلداع وجحد‬
‫احلقوق وما ال تطيب به نفس مالكه ‪ ،‬أو حرمته الشريعة "‬

‫السنة ‪:‬‬
‫‪ -1‬عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬هنى رسول اهلل ‪" ‬عن بيع احلصاة وعن‬
‫(‪) 2‬‬
‫بيع الغرر"‬

‫‪ -2‬عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن رس ول اهلل ‪ ‬هنى عن بيع َحَبل‬
‫اجلَزور إىل أن تنتج‬
‫أهل‪)3‬اجلاهلية كان الرجل يبتاع َ‬ ‫احلَبلة‪ ،‬وكان بيعا يتبايعه‬
‫َ‬
‫(‬
‫الناقة مث تنتج اليت يف بطنها"‬
‫اإلجماع ‪ :‬أمجع العلم اء رمحهم اهلل تع اىل على حترمي الغ رر يف اجلملة وإن‬
‫اختلف وا يف بعض جزئياته ‪ ،‬ق ال الن ووي (‪ ")4‬النهي عن بيع الغ رر أصل عظيم‬
‫من أصول كتاب البيوع "‬

‫ضابط الغرر المؤثر ‪:‬‬


‫يشترط في الغرر ليكون مؤثراً في العقد عدة شروط هي ‪:‬‬
‫أن يكون الغرر كثيراً ‪:‬‬ ‫‪-)1‬‬
‫ال خالف بني الفقه اء رمحهم اهلل تع اىل يف أن الغ رر املؤثر يف العقد هو‬
‫الغرر الكثري‪ ،‬وأما اليسري فال تأثري له ‪ ،‬وميكن أن يقال‪ :‬بأن الغرر املؤثر هو‪" :‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ما كان غالباً يف العقد حىت صار العقد يوصف به " وما عداه فهو يسري‬
‫أن يكون الغرر في المعقود عليه أصالة ‪.‬‬ ‫‪-)2‬‬

‫اجلامع ألحكام القرآن ‪ ،‬القرطيب ‪2/225‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب البيوع باب بطالن بيع احلصاة والبيع الذي فيه غرر برقم ‪2783‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪.‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب البيوع باب بيع الغرر وحبل احلبلة برقم ‪. 1999‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫شرح مسلم ‪ ،‬للنووي ‪5/155 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫الغرر وأثره يف العقود ‪،‬د‪ .‬الصديق حممد األمني الضرير ص ‪592‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الغ رر ال ذي ي ؤثر يف ص حة العقد هو ما ك ان يف املعق ود عليه أص الة ‪،‬‬


‫وأما الغرر يف التابع فيغتفر فيه وليس له تأثري يف العقد ‪ ،‬وقد قرر الفقهاء رمحهم‬
‫(‪)1‬‬
‫اهلل ذلك فقالوا" يغتفر يف التوابع ما ال يغتفر يف غريها"‪.‬‬
‫ومن أمثلـة ذلك ‪ :‬بيع الثمر قبل بدو صالحه مع األصل ‪.‬‬
‫ومعلوم أنه ال جيوز بيع الثمر قبل بدو صالحه منفردة عن أصلها لنهيه ‪‬‬
‫عن بيع الثمر حىت يزهو ‪ ،‬وعن بيع احلب حىت يش تد (‪ ، )2‬لكن إذا بيعت مع‬
‫أصلها جاز ذلك وصح البيع ؛ ألن البيع وقع على األصل ‪ ،‬وجاء الثمر تابع اً ‪،‬‬
‫ق ال ابن قدامه رمحه اهلل يف تعليل ج واز ذلك ‪ " :‬ألنه إذا باعها مع األصل‬
‫حصلت تبع اً يف البيع ‪ ،‬فلم يضر احتمال الغرر فيها " (‪ )3‬ومن ذلك بيع احلمل‬
‫مع الشاة ‪ ،‬وبيع اللنب يف الضرع مع الشاة وهكذا‪،،،،‬‬
‫‪ -)3‬أال تدعو الحاجة للعقد ‪.‬‬
‫احلاجة هي ‪:‬ما يفتقر إليها لرفع احلرج والضيق حبيث يؤدي فواهتا إىل‬
‫(‪) 4‬‬
‫حصول العنت واملشقة على املكلف‪.‬‬

‫وعليه فإنه يش رتط يف الغ رر املؤثر يف العقد أن ال ت دعو حاجة الن اس‬
‫إليه ؛ وذلك ألن العق ود كلها ش رعت حلاجة الن اس ‪ ،‬ومن أص ول الش ريعة‬
‫(‪)5‬‬
‫قال تعاىل ‪        :‬‬ ‫اإلسالمية رفع احلرج‬
‫‪[          ‬احلج‪] 78:‬ومن‬
‫أمثلة ما أبيح للحاجة مع وجود الغرر بيع السلم ‪ ،‬واإلجارة ‪. ،‬‬

‫شرح القواعد الفقهية ‪ ،‬أمحد الزرقاء ‪ ،‬ص ‪291‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب البيوع ‪ ،‬باب بيع النخل قبل أن يبدو صالحها برقم ‪، 2045‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫ومسلم ‪ ،‬كتاب املساقاة برقم ‪, 2906‬‬


‫املغين ‪ ،‬البن قدامة ‪4/82 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫املوافقات ‪ ،‬للشاطيب ‪2/5 ،‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫الغرر وأثره يف العقود ‪ ،‬الصديق الضرير ‪ ،‬ص ‪599‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫اإلنفاق المشروع وضوابطه‬

‫اإلنفاق ‪ :‬بذل املال فيما يرضي اهلل على سبيل اإللزام أو التطوع ‪.‬‬
‫أنواع اإلنفاق ‪ :‬ميكن تقسيم اإلنفاق إىل قسمني ‪:‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫أوال ‪ :‬اإلنفاق الواجب ‪ :‬ويراد به إنفاق اإلنسان فيما افترض هللا عليه وألزمه بأدائه ‪.‬‬
‫وبناء عليه فإن اإلنفاق يشمل ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬إنف اق اإلنس ان على نفسه و على من تلزمه نفقتهم كالزوجة ‪ ،‬واألوالد‬
‫‪ ،‬والوالدين ‪ ،‬واألقارب بشروط مبينة يف كتب الفقهاء ‪.‬‬
‫ق ال تع اىل‪          :‬‬
‫‪           ‬‬
‫‪[        ‬الطالق‪ ]7:‬وقال تعاىل ‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪       ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[ اإلس راء‪ ]26:‬وعن أيب هري رة رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ‪: ‬‬
‫" دين ار أنفقته يف س بيل اهلل ودين ار أنفقته يف رقبة ‪ ،‬ودين ار تص دقت به‬
‫على مسكني ‪ ،‬ودينار أنفقته على أهلك ‪ ،‬أعظمها أجرا الذي أنفقته على‬
‫(‪)2‬‬
‫أهلك"‬

‫‪ .2‬الزكاة اليت فرضها اهلل تعاىل على عباده ممن توافرت فيهم شروط وجوهبا‬
‫ق ال تع اىل ‪      :‬‬
‫‪ [  ‬التوبة ‪]103:‬‬
‫‪ .3‬الكفارات ‪:‬وهي ما جيب على املسلم بسبب احلنث يف اليمني ‪ ،‬والظهار‬
‫( ‪)3‬‬
‫ق ال تع اىل‪      :‬‬ ‫والقتل اخلطأ‬
‫‪      ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪         ‬‬

‫الكسب واإلنفاق وعدالة التوزيع يف اجملتمع اإلسالمي ‪ ،‬حممود بابللي ص‪112‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،‬باب فضل النفقة على العيال برقم ‪. 1661‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫العدة يف شرح العمدة ‪ ،‬لبهاء الدين املقدسي ‪2/193‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪         ‬‬


‫‪ [ ‬املائدة ‪]89:‬‬
‫‪ .4‬النذر ‪ :‬وهو ما أوجبه املكلف على نفسه من الطاعات ‪ ،‬وقد امتدح اهلل‬
‫املوفون بالنذر ‪ ،‬قال تعاىل ‪      :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[ اإلنسان‪]7:‬‬
‫‪ .5‬زكاة الفطر ‪ :‬حلديث أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عنه قال ‪ " :‬كنا خنرج‬
‫زك اة الفطر ص اعا من طع ام أو ص اعا من ش عري أو ص اعا من متر أو ص اعا‬
‫(‪)1‬‬
‫من أقط أو صاعا من زبيب " ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬اإلنف‪GG‬اق التط‪GG‬وعي‪ :‬وهو نفق ات يؤديها املرء تربعا من تلق اء نفسه مل يوجبها‬
‫( ‪)2‬‬
‫عليه الشرع‬

‫وأب واب اإلنف اق التط وعي كث رية ومتنوعة منها الص دقات العامة ‪،‬‬
‫واهلبات‪ ،‬واهلدايا‪ ،‬واإلنفاق على األقارب الذين ال تلزمه نفقتهم ‪ ،‬والقاعدة يف‬
‫(‪) 3‬‬
‫اإلنفاق التطوعي أن ينفق اإلنسان مما فضل عن كفايته وكفاية أهله ‪.‬‬

‫ض‪GGG‬وابط اإلنف‪GGG‬اق ‪ :‬من القواعد العامة يف اإلنف اق ما ذُكر يف قوله تع اىل‪  :‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[ اإلسراء‪ ]29:‬و قوله تعاىل ‪      :‬‬
‫[ اإلسراء ‪ ] 26:‬وميكن أن جنمل‬ ‫‪     ‬‬
‫أهم ضوابط اإلنفاق فيما يلي ‪:‬‬

‫أخرجه البخاري كتاب الزكاة ‪ ،‬باب صدقة الفطر صاعا من طعام برقم ‪، 1410‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫ومسلم كتاب الزكاة ‪ ،‬باب زكاة الفطر على املسلمني من التمر والشعري برقم ‪. 1640‬‬
‫مباحث يف االقتصاد اإلسالمي ‪ ،‬حممد قلعه جي ص‪96‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫متلك األموال وتدخل الدولة يف اإلسالم ‪ ،‬عبدالرمحن اجلليلي ‪2/644‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫(‪ )1‬اإلنفاق في الحالل والبعد عن اإلنفاق في الحرام ‪.‬‬


‫إذا علم اإلنس ان أن املال م ال اهلل ‪ ،‬وأن اهلل اس تخلفه فيه ق ال تع اىل ‪:‬‬
‫‪ ،       ‬وق ال س بحانه ‪  :‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪[       ‬احلدي د‪ ]7 :‬ف إن من‬
‫ال واجب عليه أن ي راعي يف إنفاقه األوجه املش روعة والطيبة من املباح ات ق ال‬
‫تع اىل ‪        :‬‬
‫[األع راف‪ ،]157 :‬وق ال س بحانه‪       :‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪[ ‬األع راف‪ ،]32 :‬و أن ي درك أيضا أنه حماسب على ه ذا املال من جهة‬
‫وم القيامة‬ ‫ٍ‬
‫ول قَ َد َما َعْب د يَ َ‬
‫االكتس اب واإلنف اق كما ق ال رس ول اهلل ‪" :‬لَ ْن َت ُز ُ‬
‫أل عن عم ره فيما أفن اد وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه‬ ‫حىت يُس َ‬
‫( ‪)1‬‬
‫وفيم أنفقه وعن جسمه فيما أباله"‬

‫ومع األسف الشديد فإن املتأمل يف حال الناس يف هذا العصر جيد الكثري‬
‫منهم يق وم بإنف اق املال يف احملرم ات بل ويف إفس اد الن اس ‪ ،‬وال شك أن ه ذا‬
‫من اإلنفاق يف األوجه احملرمة املنهي عنها ‪.‬‬
‫(‪ )2‬البعد عن التبذير واإلسراف المنهي عنه ‪.‬‬
‫اإلس راف والتب ذير‪ ،‬جماوزة حد االعت دال والتوسط يف اإلنف اق ‪ ،‬وهو‬
‫ُمه در لل ثروة ُمض يع للم ال واجلهد وطاق ات األف راد واألمة ‪ ،‬وهو حمرم ش رعا‬
‫ق ال تع اىل‪         :‬‬
‫‪[          ‬األنع ام‪:‬‬
‫‪ ،]141‬وقال سبحانه ‪       :‬‬

‫أخرجه الرتمذي كتاب صفة القيامة والرقائق والورع باب ما جاء يف شأن احلساب‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫والقصاص برقم ‪. 536‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪     ‬فالش ريعة اإلس المية راعت االعت دال‬
‫والتوسط يف اإلنفاق وغريه من شؤون احلياة ؛مراعاة ملصلحة الفرد واجملتمع ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الموازنة في اإلنفاق ‪.‬‬
‫لقد قسم اهلل ‪ ‬األرزاق بني العب اد وفضل بعض هم على بعض يف ال رزق‬
‫حكمة منه ‪ ‬قال تعاىل ‪          :‬‬
‫[النحل‪ ]71:‬ومن هنا فإن الواجب على املسلم أن يوازن يف إنفاقه بني حاجاته‬
‫ووضعه املادي فيبدأ مبا هو ضروري مث الذي يليه ‪ ،‬وميكن ترتيب األوليات على‬
‫النحو اآليت ‪:‬‬
‫الض روريات‪ :‬املراد هبا األش ياء اليت ال تس تقيم احلي اة ب دوهنا‬ ‫‪‬‬
‫كاألكل والشرب ‪.‬‬
‫احلاجي ات ‪ :‬املراد هبا األش ياء اليت تبعد احلرج واملش قة عن‬ ‫‪‬‬
‫اإلنسان ‪ ،‬أو ختفف منها‪.‬‬
‫التحسينات‪ :‬املراد هبا األشياء الكمالية اليت توفر الرفاهية يف احلياة‬ ‫‪‬‬
‫الدنيوية ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المبحث الثاني‬
‫(*)‬
‫الحرية االقتصادية المقيدة‬

‫سنتكلم يف هذا املبحث عن مذهب احلرية االقتصادية ‪ ،‬مث نعرض بإجياز‬


‫احلرية االقتص ادية املقي دة يف النظ ام االقتص ادي اإلس المي ‪ ،‬وت دخل الدولة يف‬
‫النشاط االقتصادي وذلك يف ثالثة مطالب ‪.‬‬

‫المطلب األول‬
‫مذهب الحرية االقتصادية‬
‫احلرية االقتص ادية مص طلح ارتبط اس تعماله مبدرسة الطبيع يني اليت ظه رت يف‬
‫فرنسا يف منتصف الق رن الث امن عشر امليالدي ‪ ،‬ومن رواد ه ذه املدرسة "‬
‫كين اي " ‪ ،‬وهو الط بيب اخلاص للملك ل ويس اخلامس عشر ‪ ،‬وقد ن ادت ه ذه‬
‫املدرسة بعدد من املبادئ ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬خضوع اجلانب االقتصادي من احلياة لنظام طبيعي ليس من صنع أحد ‪،‬‬
‫وه ذا النظ ام الط بيعي حيقق للن اس النمو ‪ ،‬والرخ اء ‪ ،‬وعلى الدولة أالَّ‬
‫تت دخل يف النش اط االقتص ادي ‪ .‬فمهمة الدولة يف نظ رهم تقتصر على‬
‫توفري األمن ‪ ،‬والدفاع ‪ ،‬والنظام (القضاء)‪.‬‬
‫‪ -2‬اس تقالل علم االقتص اد عن ال دين واألخالق وس ائر العل وم االجتماعية ‪.‬‬
‫وعن دما يق ال "ال دين" يقصد به هنا ال دين النص راين ألنه هو دين األمم‬
‫األوربية اليت نشأت فيها مدرسة الطبيعيني ‪.‬‬
‫‪ -3‬اعتبار املصلحة الشخصية هي الدافع الوحيد للعمل ‪ ،‬والكسب‪.‬‬
‫‪ -4‬االعتقاد بتوافق املصلحة اخلاصة مع املصلحة العامة ‪ ،‬وعدم وجود تناقض‬
‫بني املصلحتني (العامة واخلاصة)‪ .‬ويف بريطانيا ظهر ما مسي باملذهب‬

‫إعداد الدكتور أمحد احلريب ‪.‬‬ ‫*)‬ ‫(‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫التقليدي ‪ ،‬الذي يعد " آدم مسيث " من أبرز رواده ‪ ،‬الذي أكد على‬
‫أمهية املنافسة احلرة ‪ ،‬وأهنا هي األداة لتحقيق رفاه اجملتمعات ‪ . 1‬و مبالحظة‬
‫أفكار الطبيعيني والتقليديني ميكن القول‪ :‬انه يف تلك الفرتة بدأ يربز يف‬
‫أوربا فكر اقتصادي يقوم على االنطالق من القيود احلكومية ‪ ،‬ففي تلك‬
‫الفرتة برزت املناداة بعدم تدخل الدولة يف النشاط االقتصادي ‪ .‬ومن معامل‬
‫الفكر االقتصادي يف تلك الفرتة يف أوربا املناداة بالتخلص من قيود الدين‬
‫النصراين املفروضة على علم االقتصاد ‪،‬وعلى النشاط االقتصادي‪ .‬وهذا‬
‫جزء من التمرد على الكنيسة الذي ساد أوربا يف تلك الفرتة من التاريخ ‪.‬‬
‫وعندما طبقت األفكار اليت نادى هبا الطبيعيون و التقليديون بدأت يف أوربا‬
‫معامل نظام جديد يقوم على مبادئ احلرية ‪ ،‬أو ما مسي فيما بعد "بالنظام‬
‫الرأمسايل" ويبدو أن أفكار التحرر االقتصادي مل تأت مببادرات حمددة‬
‫ابتداءً ‪ ،‬فظهور هذه املبادئ كان ردة فعل ‪ .‬فمثالً الدعوة إىل عدم تدخل‬
‫الدولة يف النشاط االقتصادي يبدو أن من أبرز أسبابه الضرر الذي حلق‬
‫احلكام يف النشاط االقتصادي ‪ ،‬كالضرائب‬ ‫بالنشاط االقتصادي من تدخل َّ‬
‫العالية اليت فرضت على الفالحني الفرنسيني ‪ ،‬بل وصل األمر إىل فرض‬
‫أسعار منخفضة للقمح من أجل خفض تكلفة املعيشة ‪ .‬أما الدعوة إىل‬
‫استقالل علم االقتصاد عن الدين‪ ،‬و األخالق ‪ ،‬فهي ردة فعل جتاه تسلط‬
‫َّ‬
‫احلكام‪ ،‬واليت ال تسمح باآلراء املخالفة آلرائها ‪،‬‬ ‫الكنيسة املتحالفة مع‬
‫باإلضافة إىل أن متويل نفقات الكنيسة حتت مسميات خمتلفة جزء من‬
‫العبء املايل الذي يعاين منه النشاط االقتصادي يف أوربا يف تلك الفرتة‪ .‬أما‬
‫التأكيد على أمهية املصلحة الشخصية فيبدو أنه ردة فعل جتاه سحق شخصية‬

‫انظر ‪ :‬مدخل للفكر االقتصادي يف اإلسالم ‪ ,‬سعيد سعد مرطان ‪ .‬ص‪ 28-26‬أصول‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫االقتصاد اإلسالمي رفيق املصري ‪.‬ص‪, 57‬دراسات يف االقتصاد السياسي ‪ ,‬عيسى عبده ص‪-18‬‬
‫‪.28‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الفرد يف ظل نظام اإلقطاع يف أوربا ‪ ،‬ليؤكد على أن الفرد هو اخللية‬


‫‪1‬‬
‫األساسية يف اجملتمع و أن احلرية من حقوقه الطبيعية ‪.‬‬

‫فمذهب احلرية االقتصادية يف مجلته جزء من ثورة يف أوربا ضد أوضاع ‪،‬‬


‫و أفكار كانت سائدة ‪ ،‬و بتطبيق أفكار هذا التمرد أو الفكر االقتصادي احلر‬
‫ظهر ما يس مى النظ ام الرأمسايل الق ائم على مب ادئ احلرية االقتص ادية و أمهها ‪:‬‬
‫حرية التملك ‪ ،‬وحرية التعاقد ‪ ،‬وحرية اإلنتاج‪ ،‬وحرية حتديد األسعار ‪ ،‬وحرية‬
‫‪2‬‬
‫التبادل ‪ ،‬وحرية االستهالك ‪ ،‬وحرية التصرف يف الدخل والثروة ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫الحرية االقتصادية المقيدة في النظام االقتصادي اإلسالمي ‪:‬‬

‫توسط النظ ام االقتص ادي اإلس المي يف منهجه من مس ألة احلرية‬


‫االقتصادية ‪ ،‬فأعطى لإلنسان جماالً واسعاً يتحرك فيه باختياره ‪ ،‬ليمارس نشاطه‬
‫االقتص ادي ‪ ،‬ال ذي حيقق به وظيفته على األرض ‪ ،‬وهي حتقيق العبودية هلل ‪ ،‬و‬
‫إعم ار األرض باإلس تناد إىل منهج اإلس الم الش امل لكل ج وانب احلي اة ‪ ،‬فلم‬
‫يعان اإلنسان من مساوئ االنفالت املوجود يف النظام الرأمسايل ‪ ،‬ومل ِ‬
‫يعان من‬ ‫ِ‬
‫كبت الدوافع الفطرية املوجود يف ظل النظام االشرتاكي ‪.‬‬

‫واحلرية يف النظ ام اإلس المي ليست مقص ودة ل ذاهتا ‪ ،‬بل هي وس يلة‬
‫ملساعدة اإلنسان على حتقيق اهلدف الذي ُخلق من أجله ‪ ،‬فالوسيلة تعطى بقدر‬
‫ما حيقق اهلدف ‪ ،‬و هلذا فاحلرية االقتص ادية يف النظ ام اإلس المي مض بوطة‬
‫بض وابط ش رعية من أجل الوص ول إىل حتقيق ذلك اهلدف ‪ ،‬وه ذه الض وابط‬
‫أص يلة يف أسس النظ ام اإلس المي ‪ ،‬ومل ت أت ردة فعل ‪ ،‬وإذا ك ان النظ ام‬
‫انظر ‪ :‬ضوابط حرية االستثمار املايل فهد أمحد أبو حسبو ‪ ،‬صـ‪.15‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫انظر ‪ :‬مدخل للفكر االقتصادي يف اإلسالم ‪ ,‬مرجع سابق ‪ ,‬صـ‪.29‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الرأمسايل قد أدخل بعض التع ديالت على مب ادئ احلرية قبل ح وايل ق رن ‪ ،‬ف إن‬
‫النظ ام االقتص ادي اإلس المي قد ج اءت مب ادئ احلرية االقتص ادية فيه مضبوطة‪،‬‬
‫وه ذه الض وابط ج زء من التش ريع وليست اص الحات اتض حت احلاجة هلا بعد‬
‫التطبيق ‪.‬‬
‫الضوابط الشرعية الواردة على النشاط االقتصادي ‪-:‬‬
‫يف النظ ام االقتص ادي اإلس المي ع دد من القي ود اليت تض بط النش اط‬
‫االقتصادي ‪،‬لضمان جلب املصاحل ‪ ،‬ودرء املفاسد للفرد واجملتمع‪ 1‬و ال يقتصر‬
‫ذلك على ال دنيا ‪ ،‬بل يش مل ال دنيا و اآلخ رة ‪ ،‬وه ذه املس ألة من املس ائل اليت‬
‫يتم يز هبا املس لمون عن غ ريهم ‪ ،‬حيث تتصل عند املس لم حياته ال دنيا مبا بعد‬
‫موته ‪ ،‬فال ينصب تفك ريه ‪،‬و أس لوب حياته على ال دنيا وح دها ‪ ،‬بل يش مل ما‬
‫بعد رحيله من ه ذه ال دنيا ‪ ،‬وه ذا الربط بني املرحل تني ي ؤثر يف س لوكه‬
‫االقتص ادي ‪ ،‬فقد ت رد بعض القي ود على النش اط االقتص ادي لض مان مص لحة‬
‫الفرد يف اآلخرة ‪ .‬حىت ولو مل تكن املصلحة الدنيوية من هذا القيد واضحة لكل‬
‫الن اس ‪ .‬ومس ألة املص احل املتعلقة ب اآلخرة تقع خ ارج ق درات العقل البش ري ‪،‬‬
‫وهلذا فاملدارس الفكرية االقتصادية الوضعية ال تقدم للبشرية شيئاً يف هذا اجملال ‪،‬‬
‫بل تتجاهل ه ذا اجلانب ‪ ،‬على ال رغم من وض وحه يف األدي ان الس ماوية اليت‬
‫تعاقبت هبا الرسل ‪ ،‬منذ نزول أول نيب على األرض ‪ ،‬وهو آدم عليه السالم إىل‬
‫آخر رس الة مساوية ن زلت وهي اإلس الم ‪ ،‬فكل ه ذه الرس االت الس ماوية تربط‬
‫بني احلياتني‪ :‬الدنيوية واألخروية ‪ ،‬وجتعل األوىل فرتة استعداد للحياة اآلخرة ‪.‬‬

‫ولتحقيق تلك الغاية الس امية ( جلب املص احل ودرء املفاسد ) جعل‬
‫النظام االقتصادي اإلسالمي قيوداً لضبط النشاط االقتصادي ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫انظر ‪ :‬املوافقات‪ ,‬أبو إسحاق الشاطيب‪ ،‬حـ‪ ، 2‬ص ـ‪ 6‬ضوابط املصلحة ‪,‬حممد سعيد‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫البوطي ‪ ،‬ص ـ‪ 85 ، 25‬االقتصاد اإلسالمي ‪ ,‬حسن سري صـ‪. 49- 45‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫(أ) تطبيق أحكام اإلسالم في الحالل والحرام ‪ ،‬ولذلك صور كثيرة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬حترمي إنتاج واستهالك السلع واخلدمات اخلبيثة املضرة باإلنسان ‪ ،‬كما يف‬
‫اىل‪       ‬‬ ‫قوله تع‬
‫(األعراف ‪ .)157‬فحرية اإلنتاج ‪ ،‬واالستهالك تقع داخل دائرة احلالل‬
‫‪ ،‬أما الس لع و اخلدمات اخلبيثة احملرمة فهي ممنوعة ‪ .‬وقد تك ون الس لع‬
‫احملرمة منصوصاً عليها كاخلمر ‪ ،‬وحلم اخلنزير ‪ ،‬وقد يكون منصوص اً على‬
‫وص فها بأهنا خبيثة أو مض رة في أيت دور اجملته دين يف تع يني ما ينطبق عليه‬
‫الوصف املذموم ‪ .‬وه ذا التح رمي ليس من ص الحية البشر بل هو هلل ‪،‬‬
‫فال ذي خلق البشر هو ال ذي يع رف ما يض رهم و ما ينفعهم ‪ ،‬وقد ح ذر‬
‫اهلل من التحليل و التح رمي بغري علم فق ال تع اىل ‪    ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪          ‬‬
‫(النمل ‪ . )116‬وتط بيق ه ذا القيد (احلالل و احلرام ) له آث ار اقتص ادية‬
‫اجيابية ‪ ،‬وجتاهله له ع واقب وخيمة ‪ .‬و أهم اآلث ار االجيابية لتط بيق قيد‬
‫(احلالل و احلرام ) ‪:‬‬

‫أو ًال ‪ :‬احملافظة على الضروريات اليت ال تستقيم حياة اجملتمع إالَّ هبا ‪ ،‬وهي‪ :‬حفظ‬
‫ال دين ‪ ،‬والنفس‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والنسل ‪ ،‬واملال فه ذه الض روريات ج اءت كل‬
‫الرساالت السماوية حلفظها‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬زيادة رفاهية اجملتمع ‪ ،‬ومتتعه بالسلع و اخلدمات النافعة ‪ ،‬وذلك ألن‬
‫هذا القيد يوجه املوارد املتاحة لتوفري الطيبات ‪ ،‬ويستبعد اخلبائث املضرة ‪،‬‬
‫أما إمهال ه ذا القيد فنتيجته العكس متام اً ‪ .‬ف اجملتمع ال ذي يهمل ‪ ،‬أو‬
‫يقصر يف تط بيق قيد ( احلالل واحلرام ) يلحق الض رر بالض روريات‬
‫املذكورة ‪ ،‬مما يع رض اجملتمع إىل اخلطر ولو بعد حني ‪ ،‬ويف ال وقت نفسه‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫هتدر املوارد احملدودة يف توفري س لع وخ دمات مض رة ‪ ،‬و حيرم اجملتمع من‬


‫سلع وخدمات طيبة نافعة ‪ .‬و األمثلة على ذلك كثرية ‪ ،‬ومنها الإنفاق على‬
‫( )‬
‫املخ درات ‪ 1 ،‬فهي ث الث جتارة بعد النفط والس الح ‪ ،‬وتق در حبوايل ‪٪8‬‬
‫من حجم التج ارة العاملية ‪ ،‬وينفق على مكافحة املخ درات ح وايل (‪)120‬‬
‫مليار دوالر سنوياً ‪ .‬أما اخلسائر البشرية فحوايل (‪ )7‬ماليني شخص ميوتون‬
‫سنوياً بسبب اخلمر و التدخني و املخدرات ‪ .‬ويف أحدى الدول اإلسالمية‬
‫ج اء يف دراسة هليئة رمسية أن اإلنف اق على املخ درات يف تلك الدولة س نة‬
‫بلغ‬ ‫قد‬ ‫م‬ ‫‪2003‬‬
‫( ‪ )18.4‬مليار جنيه مصري ‪ ،‬وأنه يتزايد مبعدل مليار جنيه مصري سنوياً‬
‫‪ .‬و أن (‪ )%36‬من طالب املرحلة الثانوية يتعاطون املخدرات ‪.‬‬

‫و حيدث ه ذا على ال رغم من أن دول الع امل تك اد تتفق من الناحية الرمسية‬


‫على مكافحة املخدرات ‪ ،‬فقيد (احلالل و احلرام) ليس قراراً رمسياً فحسب ‪ ،‬وإمنا‬
‫هو أيضاً وقبل كل شي سلوك يرتىب عليه الناس ‪ ،‬فيحفظ هلم مقومات جمتمعهم ‪،‬‬
‫ويوفر هلم املزيد من الطيبات ‪.‬‬

‫‪ -2‬حترمي ط رق الكسب غري املش روع كالربا ‪ ،‬و الغ رر ‪ ،‬و الغش بأش كاله‬
‫املختلفة كالرش وة‪ ،‬و ال تزوير ‪ ،‬وغري ذلك مما نص على حترميه ‪ ،‬أو أنه مما‬
‫يلحق الضرر باجملتمع ‪.‬‬
‫(ب) االلتزام بعدد من الواجبات الشرعية االقتصادية ‪:‬‬
‫فهناك قدر من حرية تصرف اإلنسان يف دخله ‪ ،‬وثروته ولكن يرد على‬
‫ذلك قي ود ‪ ،‬ومنها أنه مل زم باإلنف اق يف بعض األوجه و ال خي ار له يف ذلك‬

‫جريدة اجلزيرة ‪4/10/1424 .‬هـ ‪ ،‬صـ‪31‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫إذا حتققت الش روط الش رعية ‪ ،‬ومن ه ذه األوجه أداء الزك اة ‪ ،‬و نفقة‬
‫األقارب‪ ،‬و نفقة الزوجة و األوالد وغريها‪.‬‬
‫(ج) الحجر على السفهاء و الصبيان و المجانين ‪-:‬‬
‫يقصد ب احلجر يف اللغة املنع و التض ييق ‪ ،‬ويف الش رع يقصد به ( منع‬
‫‪1‬‬
‫اإلنسان من التصرف يف ماله )‪.‬‬

‫واألصل حرية اإلنس ان يف تص رفه مباله بكل أن واع التص رفات الش رعية‬
‫ك البيع ‪ ،‬واهلبة ‪ ،‬والص دقة ‪ ،‬وغريها ‪ ،‬ولكن قد يط رأ ما ي ربر احلجر عليه مبنعه‬
‫من تلك التص رفات ‪ .‬وه ذا من حكمة اهلل وعدله ‪ ،‬فاملال أحد الض روريات‬
‫اخلمس اليت جاءت الشرائع السماوية حلفظها ‪ .‬فحفظها من املصاحل الضرورية ‪،‬‬
‫أما احلرية الفردية فليست مقص ودة ل ذاهتا بل تتبع املص لحة‪ ، 2‬ومىت تعارضت‬
‫احلرية مع املص لحة تُقيَّد احلرية ‪ ،‬مبا خيدم املص لحة ‪ ،‬ومن ذلك احلجر ‪ .‬وهو‬
‫قسمان ‪:‬‬

‫القسم األول ‪ :‬فهو حجر ملصلحة الغري‪،‬كاحلجر على املفلس ملصلحة الغرماء‪،‬‬
‫فبهذا القيد الشرعي على حرية التصرف يف املال ‪ ،‬يتم احلجر على املفلس‬
‫الذي يعجز ماله عن الوفاء بديونه احلالة ‪ ،‬وذلك حفظاً ملصاحل الغرماء‬
‫حبفظ أمواهلم ‪ ،‬وتوزيع املوجود من أموال املدين بني غرمائه بالعدل ‪ .‬وحيجر‬
‫على املريض بأالَّ يتربع مبا يزيد على ثلث ماله حفظاً حلق الورثة ‪.‬‬

‫القسم الث‪GG‬اني ‪ :‬فهو حجر على إنس ان ملص لحة نفسه ‪ ،‬وهو احلجر على الس فيه‪،‬‬
‫والصيب ‪ ،‬واجملنون ‪.‬‬

‫البسام‪ ،‬جـ‪ ، 4‬صـ‪76‬‬


‫توضيح األحكام عبد اهلل َّ‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫أنظر ‪ :‬مقدمة يف أصول االقتصاد اإلسالمي ‪,‬حممد علي القري‪ ،‬صـ‪. 61‬‬ ‫(‪) 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫أما الس فيه فهو "ض عيف العقل و س يء التص رف"‪ ، 1‬و حُي جر عليه إذا‬
‫ظهر منه التب ذير ملاله ‪ .‬أما الصيب فهو من ك ان دون البل وغ ‪ .‬أما اجملن ون فهو‬
‫فاقد العقل ‪ .‬فه ؤالء الثالثة تقيد ح ريتهم فيمنع ون من التص رف يف أم واهلم‬
‫بالبيع‪ ،‬وبالتربع ‪ ،‬وباإلجارة وحنو ذلك ‪ ،‬ومينعون أيض اً من التصرف يف ذممهم‬
‫‪ ،‬فال يتحمل ون يف ذممهم دين اً أو ض ماناً أوكفالة أو حنو ذل ك‪ 2.‬ودليل احلجر‬
‫عليهم قوله تع اىل ‪        ‬‬
‫‪(  ‬النساء ‪ ) 5‬ويتوىل أولياؤهم التصرف بدالً منهم ‪ ،‬حفظ اً ملصلحة هذه‬
‫األصناف الثالثة ومصاحل األمة‪ .‬فمال هذه األصناف من أموال األمة‪ ، 3‬كما يف‬
‫قوله تع اىل ‪ .      ‬ويف األح وال العادية يُوكل‬
‫حفظ كل مال إىل صاحبه‪ ،‬و له حرية التصرف يف حدود املصلحة‪ ،‬أما إذا كان‬
‫ص احب املال ع اجزاً عن حتقيق املص لحة لس فه ‪ ،‬أو جن ون ‪ ،‬أو ص غر ف ذلك‬
‫موك ول لوليه ‪ .‬وال يرفع عنهم احلجر ‪ ،‬وتع اد هلم حرية التص رف ‪ ،‬إالَّ ب زوال‬
‫س بب احلجر ‪ .‬ف ريفع عن الص غري ببلوغه ‪ ،‬وثب وت رش ده ‪ .‬ويرفع عن اجملن ون‬
‫برج وع عقل ه‪ ،‬وثب وت رش ده أيض اً ‪ ،‬أما الس فيه ف ريفع عنه احلجر إذا اتصف‬
‫بالرشد وهو" الصالح يف املال "‪ 4‬أي حسن تدبري ماله ‪ ،‬وعكسه السفه يف املال‬
‫بسوء تدبريه ‪.‬‬
‫ويالحظ هنا ح رص اإلس الم على حفظ املال ‪ ،‬حيث حيجر على من ال‬
‫حيسن ت دبري ماله اخلاص ‪ ،‬وتقيد حريته يف التص رف مباله ‪ ،‬فم اذا عن ال ذين‬
‫يس يئون التص رف يف م ال األمة ‪ 5‬؟ الشك أن املس ئولية جتاه املال الع ام‬

‫حاشية الروض املربع عبد الرمحن القاسم ‪ ،‬جـ‪ ، 5‬صـ‪181‬‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر ‪ :‬امللخص الفقهي ‪ ،‬صاحل الفوزان جـ‪ ، 2‬صـ‪. 96‬‬ ‫(‪) 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫البسام ‪ ،‬جـ‪ ،3‬صـ‪. 173‬‬


‫انظر ‪ :‬نيل املآرب عبد اهلل َّ‬ ‫(‪) 3‬‬ ‫‪3‬‬

‫الدر النقي يوسف بن عبد اهلادي ( ابن املربد ) ‪ ،‬ج‪ ، 3‬صـ‪. 503‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫انظر ‪ :‬نيل املآرب ‪ ،‬مرجع سابق جـ‪ ، 3‬صـ‪173‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫أعظم‪،‬وإمث تض ييعه أش د‪،‬وقوله تع اىل‬


‫‪     ‬‬
‫يدل على احلجر على من يضيع املال العام من باب أوىل ‪.‬‬
‫إذا تعارضت المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة تقدم المصلحة العامة‪:1‬‬ ‫(د)‬
‫عند ممارسة األنش طة االقتص ادية املختلفة قد تتع ارض املص احل ‪ ،‬ومن‬
‫املواطن اليت تقيد فيها احلرية الفردية ‪ ،‬إذا تعارضت مص لحة الف رد مع مص لحة‬
‫اجملتمع فتق دم مص لحة اجملتمع ‪ .‬ومن أمثلة ذلك منع االحتك ار مبعن اه الش رعي ‪،‬‬
‫ال ذي يقصد به االمتن اع عن بيع س لعة أو خدمة مما ي ؤدي منعه إىل األض رار‬
‫بالن اس ‪ .‬ك أن يتوقف التج ار ال ذي ي بيعون بعض الس لع الض رورية عن ال بيع‬
‫ل ريتفع الس عر ‪ ،‬فه ذا هو االحتك ار املنهي عنه يف قوله × (من احتكر فهو‬
‫خاطيء)‪ )2(.‬فاألصل أن اإلنسان حر يف البحث عن مصلحته ‪ ،‬و ارتفاع السعر‬
‫من مصلحة التجار الذين حبوزهتم بضاعة ‪ ،‬ولكن إذا تعارضت مصلحة هؤالء‬
‫األفراد مع مصلحة اجملتمع ‪ ،‬تُقدم مصلحة اجملتمع ‪ ،‬فيحرم االحتكار ألنه يلحق‬
‫الضرر باملصلحة العامة ‪.‬‬

‫وه ذه األمثلة الس ابقة للقي ود الش رعية ال واردة على احلرية االقتص ادية يف‬
‫النظ ام االقتص ادي اإلس المي قي ود ثابتة ‪ ،‬ي رتىب عليها اإلنس ان املس لم ‪،‬ويلزمه‬
‫االلتزام هبا ‪ ،‬ويضاف إىل ذلك أن الدولة تضمن تطبيقها كما تضمن تطبيق بقية‬
‫ج وانب الش ريعة اإلس المية ك أداء أرك ان اإلس الم وغريها ‪ .‬ويض اف إىل ه ذه‬
‫القيود قيود أخرى تنتج عن تدخل الدولة يف النشاط االقتصادي ألداء وظائفها‬
‫االقتصادية ‪.‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫تدخل الدولة في النشاط االقتصادي‪:‬‬

‫مجهرة القواعد الفقهية يف املعامالت املالية علي أمحد الندوي ‪ ،‬جـ‪،1‬صـ‪163‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫رواه مسلم ‪ ( ,‬كتاب املساقاة ‪ ,‬باب حترمي االحتكار يف األقوات برقم ‪. 3012‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫يقصد بالدولة هنا احلكومة ‪ ،‬أو اهليئة احلاكمة يف بلد معني‪ ،1‬فاحلكومة‬
‫متثل بقية عناصر الدولة املعروفة يف العل وم السياس ية ‪ .‬أما عن دما يق ال "ت دخل‬
‫الدولة" فيقصد به أي نوع من أنواع تدخل احلكومة للتأثري على قوى العرض و‬
‫الطلب لتحقيق أهداف اقتصادية معينة ‪ ،‬مثل إجراءات خفض البطالة ‪ ،‬أو تشجيع‬
‫زراعة حمص ول معني ‪ ،‬أو رعاية فئ ات اجتماعية معينة ‪ ،‬إىل غري ذلك من ص ور‬
‫الت دخل ‪ ،‬أو الوظ ائف االقتص ادية للدول ة‪ 2.‬ويف الفق رة التالية س نتعرض بإجياز‬
‫لتدخل الدولة يف كل من النظام الرأمسايل ‪ ،‬والنظام االقتصادي اإلسالمي ‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬تدخل الدولة في النظام الرأسمالي ‪-:‬‬
‫طبقت مباديء النظام الرأمسايل احلر بصورهتا املثالية حوايل نصف قرن ‪.‬‬
‫ويف تلك الف رتة اليت ب دأت منذ منتصف الق رن الث امن عشر امليالدي ‪ ،‬مل تكن‬
‫الدولة تتدخل يف النشاط االقتصادي ‪ .‬وبعد ظهور بعض سلبيات احلرية املطلقة‬
‫أُعيد تدخل الدولة ‪ .‬أما اآلن فكل الدول يف العامل تتدخل يف النشاط االقتصادي‬
‫"فليس هناك حكومة يف أي مكان من العامل تستطيع أن ترفع يدها عن االقتصاد‬
‫"‪ 3‬ولكن درجة ه ذا الت دخل ختتلف من دولة إىل أخ رى ‪ .‬ولعل فرنسا ‪،‬‬
‫‪،‬‬ ‫وبريطانيا‬
‫و الس ويد ‪ ،‬من ال دول اليت تت دخل حكوماهتا يف النش اط االقتص ادي بدرجة‬
‫واض حة(‪ ، )4‬وت أيت الوالي ات املتح دة األمريكية يف آخر القائمة من حيث درجة‬

‫انظر ‪ :‬الوظائف االقتصادية للدولة يف اإلسالم أمحد الدريويش‪ ،‬جـ‪ ، 1‬صـ‪77‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫موسوعة املصطلحات االقتصادية و اإلحصائية ‪ ،‬عبد العزيز فهمي هيكل صـ‪439‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪2‬‬

‫(تدخل )‪.‬‬
‫االقتصاد ‪ ،‬بول سامو يلسون و وليام نورد هاوس صـ‪57‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫‪3‬‬

‫النظم االقتصادية املعاصرة ‪ ,‬حممد حامد عبد اهلل صـ‪.128-120‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫‪4‬‬

‫املرجع نفسه ‪ ,‬صـ‪.54‬‬ ‫(‪)5‬‬


‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ت دخل احلكومة يف النش اط االقتص ادي ‪ ،‬أي أهنا األق رب من بني ال دول إىل‬
‫منوذج االقتصاد احلر(‪. )5‬‬

‫ومن أب رز ص ور ت دخل الدولة يف النظ ام الرأمسايل يف ص ورته املعاص رة ‪:‬‬


‫فرض الضرائب بأنواعها املختلفة ‪ ،‬ودعم اخلدمات العامة كالتعليم ‪ ،‬و الصحة‪،‬‬
‫واألنظمة اليت تنظم ان دماج الش ركات حلماية املنافسة ‪ ،‬ودعم بعض الس لع و‬
‫اخلدمات ‪ ،‬وف رض الض رائب على بعض ها ‪ ،‬ورعاية بعض الفئ ات االجتماعية‬
‫احملتاجة لرعاية ‪ ،‬واختاذ اإلج راءات املختلفة ملواجهة بعض الظ روف االقتص ادية‬
‫كالبطالة ‪ ،‬واالنكم اش االقتص ادي إىل غري ذلك من اإلج راءات ‪ ،‬ولكن ذلك‬
‫بعم وم ال خيرج عن التع اون مع النظ ام احلر لتجنيبه اخللل ‪ ،‬فاالجتاه الع ام هو أن‬
‫الدولة يف ظل النظام الرأمسايل ال تتدخل إالَّ عندما خيتل النظام أو يعجز عن أداء‬
‫وظائفه على الوجه املطل وب ‪ .‬وقد ج اء ه ذا الت دخل بعد جتربة ع دم الت دخل ‪،‬‬
‫فهو ردة فعل بعد حي اد الدولة جتاه النش اط االقتص ادي ال ذي ُج رب ح وايل‬
‫نصف قرن ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬تدخل الدولة في النظام االقتصادي اإلسالمي ‪:‬‬
‫ميكن التمييز بني قسمني من الوظائف االقتصادية للدولة ‪ ،‬أو قسمني من‬
‫ت دخل الدولة أما أوهلا فهو ت دخل الدولة لتط بيق األحك ام الش رعية املنص وص‬
‫عليها يف اجلانب االقتص ادي ‪.‬أما الث اين فهو ت دخل الدولة فيما يعد من السياسة‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫(أ) تدخل الدولة لتطبيق األحكام الشرعية االقتصادية المنصوص عليها ‪-:‬‬
‫من الوظائف االقتصادية للدولة يف النظام االقتصادي اإلسالمي أهنا‬
‫مسئولة عن تطبيق الضوابط الشرعية املتعلقة بالنشاط االقتصادي ‪ ،‬كمنع‬
‫احملرمات مثل الربا ‪ ،‬و الغرر‪ ،‬وبعض السلع كاخلمر ‪ .‬فهذه الثوابت يرتىب‬
‫الناس على تطبيقها ‪ ،‬فمنهج الرتبية اإلسالمي يربيهم على جتنب احلرام ‪ ،‬ويغرس‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫يف أذهاهنم اخلوف من اهلل ‪ ،‬ويربيهم على االلتزام بالواجبات كأداء الزكاة ‪،‬‬
‫ويغرس يف كياهنم رجاء الثواب من اهلل ‪ ،‬وباإلضافة إىل هذا كله يأيت دور‬
‫الدولة لتلزم الناس بالبعد عن احملرمات و أداء الواجبات الشريعة يف اجلانب‬
‫االقتصادي كغريها من اجلوانب الشرعية األخرى ‪ .‬وهذا الدور االقتصادي‬
‫للدولة ‪ ،‬واملتعلق بإلزام الناس بفعل الواجبات ‪ ،‬وترك احملرمات يف اجلانب‬
‫االقتصادي ال جدال حوله‪ ،1‬فهو حمل اتفاق بني الذين كتبوا يف الوظائف‬
‫االقتصادية للدولة يف اإلسالم ‪ ،‬و واضح كل الوضوح من تاريخ الدولة يف‬
‫العصور اإلسالمية األوىل كعصر النبوة ‪ ،‬وعصر اخلالفة الراشدة ‪ .‬حيث كان‬
‫النيب × مير باألسواق فيأمر الناس بااللتزام بأحكام الشريعة يف تعاملهم ‪،‬‬
‫وينهاهم عن املعامالت احملرمة كالغش‪ ،‬ويبعث من جييب الزكاة ‪ ،‬وتوزع يف‬
‫األوجه الشرعية هلا ‪ .‬وسار على هنجه اخللفاء الراشدون حيث كانوا ميرون‬
‫باألسواق فيأمرون وينهون ‪ ،‬بل إن أبا بكر قاتل القبائل اليت امتنعت عن دفع‬
‫الزكاة ‪ .‬فاألمر باملعروف و النهي املنكر يف اجلانب االقتصادي وغريه من‬
‫جوانب احلياة يعد من الوظائف املتفق عليها للحكومة اإلسالمية ‪ ،‬فذلك من‬
‫حفظ الدين ‪،‬واملال ومها من مقاصد التشريع ‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬مقدمة يف أصول االقتصاد اإلسالمي ‪ ،‬مرجع سابق صـ‪65‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫(ب) تدخل الدولة فيما يعد من السياسة الشرعية ‪-:‬‬


‫تع رف السياسة الش رعية بأهنا "تص رف احلاكم باملص لحة وفق ض وابطها‬
‫الش رعية "‪ ،1‬أو هي " عمل ويل األمر باملص احل اليت مل ي رد من الش ارع دليل هلا‬
‫على اخلص وص ‪ ،‬ولكنها ت دخل ض من األص ول اليت ش هدت هلا الش ريعة يف‬
‫ثر من أن حتصى ‪ .‬فحفظ املال مقصد من‬ ‫اجلملة "‪. 2‬واألمثلة على ذلك أك‬
‫مقاصد الش ريعة ‪ ،‬ولكن ليس هن اك نص ش رعي أو قي اس ص حيح حيدد‬
‫مواص فات أب واب املت اجر اليت حتقق ه ذا املقصد ‪ ،‬ف األمر م رتوك للجهة ص احبة‬
‫االختص اص ‪ .‬وحفظ النفس مقصد من مقاصد الش ريعة ‪ ،‬ولكن ليس هن اك‬
‫نصوص أو قياس صحيح حيدد مواصفات املواد اليت يسمح بإضافتها إىل األطعمة‬
‫املعلبة حلفظها من الفساد ‪ ،‬فاألمر مرتوك لالجتهاد من أهل االختصاص من أهل‬
‫االختصاص ‪.‬ففي الشريعة اإلسالمية ما يسمى املصاحل املرسلة ‪ ،‬و من تعريفاهتا‬
‫أهنا "كل منفعة داخلة يف مقاصد الش ارع دون أن يك ون هلا ش اهد باالعتب ار أو‬
‫اإللغ اء " (‪ . )3‬وال ي دخل يف ه ذا الن وع من املص احل ما ورد ال دليل على وجوبه‬
‫كالزك اة ‪ ،‬وال ي دخل أيض اً ما ورد ال دليل على حرمته كالربا ‪ .‬فالسياسة‬
‫الشرعية املبنية على املصاحل املرسلة باب واسع أمام احلكومة للتدخل يف النشاط‬
‫االقتصادي لتحقيق املصاحل االقتصادية فيما مل يرد فيه نص وال قياس ‪ ،‬ال باألمر‬
‫وال ب النهي ‪ .‬فهو من حيث األصل من املباح ات اليت مل ي رد أمر بفعلها ‪ ،‬وال‬
‫هني عنها ‪ ،‬فعلى سبيل املثال لو منعت احلكومة استرياد بعض السلع من اخلارج‬
‫محاية للمنتج ات احمللية ‪ ،‬ولو ت دخلت احلكومة فق ررت تق دمي ق روض حس نة‬
‫ملنتجي التمور ‪ ،‬أو قررت تقدمي قروض حسنة ملنتجي األدوية ‪،‬أو قررت تقدمي‬
‫إعانة للمص انع من أجل ت دريب غري املؤهلني من العمالة احمللية لتخفيف البطالة‬

‫أصول االقتصاد اإلسالمي ‪ ،‬رفيق يونس املصري صـ‪76‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫مقدمة يف أصول االقتصاد اإلسالمي ‪ ،‬مرجع سابق صـ‪65‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪2‬‬

‫ضوابط املصلحة ‪ ،‬مرجع سابق صـ‪330‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪ ....‬إىل غري ذلك من أنواع التدخل ‪ ،‬فهذه التدخالت احلكومية يف األصل أهنا‬
‫من املباحات ‪ ،‬ولكن إذا اتضح أن من املصلحة الراجحة التدخل لتحقيق مقصد‬
‫شرعي لزم هذا التدخل ‪ ،‬ولزم الناس االلتزام به حرص اً على املصلحة العامة ‪،‬‬
‫ولكي ال يساء استعمال هذه السلطة ال بد من وجود ضوابط شرعية ‪ ،‬خاصة‬
‫يف ظل التغريات اليت طرأت مثل تضخم أجهزة الدولة ‪ ،‬و قدرهتا على التدخل‬
‫يف النش اط االقتص ادي بدرجة مل تكن يف األزمنة اليت وض عت فيها أسس الفقه‬
‫اإلسالمي ‪ ،‬فويل األمر املذكور يف كتب الفقه األوىل مل يكن ميلك قدرات الدولة‬
‫(‪)1‬‬
‫املعاصرة ‪.‬‬
‫• حدود تدخل الدولة‪:‬‬
‫إن القدرة اهلائلة اليت اكتسبتها الدولة احلديثة ‪ ،‬و إمكاناهتا أصبحت متكنها من‬
‫التأثري على النشاط االقتصادي ليس فقط داخل حدود الدولة ‪ ،‬بل أصبح يف ظل‬
‫االتفاقات الدولية بامكان الدولة التأثري على نشاط مواطنيها حىت خارج احلدود ‪،‬‬
‫ول ذا البد من وضع ض وابط ش رعية تضع ه ذه الق درات يف مكاهنا لتك ون فعالً‬
‫وس يلة جللب املص احل ودفع املفاسد ‪ .‬وليس وس يلة كبت ‪ ،‬وتض ييق على النش اط‬
‫االقتص ادي ‪ .‬ويب دو أن ه ذه السياسة الش رعية املبنية على املص احل املرس لة ختضع‬
‫لضوابط املصلحة اليت ميكن إجيازها يف الضوابط اآلتية ‪-:‬‬

‫(‪ )1‬أن تكون املصلحة املقصودة من التدخل احلكومي مندرجة حتت مقاصد‬
‫التشريع وهي ‪:‬‬
‫حفظ ال دين والنفس والعقل والنسل واملال ‪ .‬ف أي ت دخل حك ومي‬
‫البد أن خيدم واحداً أو أكثر من هذه املقاصد ‪.‬‬

‫مقدمة يف أصول االقتصاد اإلسالمي‪ ,‬مرجع سابق صـ‪64-62‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫(‪ )2‬أن تكون املصلحة املقصودة من التدخل غري متعارضة مع حكم ثابت‬
‫ب دليل ش رعي من الق رآن ‪ ،‬أو الس نة ‪ ،‬أو القي اس ‪ .‬فلو ق ال قائل ‪ :‬إن‬
‫مص لحة االقتص اد الس ماح بتج ارة اخلمر يف املن اطق الس ياحية لتنش يط‬
‫السياحة ‪ ،‬وزيادة الدخل يف املناطق السياحية ‪ ،‬نقول صحيح أن زيادة‬
‫ال دخل مص لحة مرغ وب فيها ‪ ،‬لكنها تتع ارض مع حكم ث ابت ‪ ،‬وهو‬
‫حترمي اخلمر ‪ ،‬واالجتار فيه ‪ ،‬ول ذا علينا البحث عن وس يلة أخ رى لزي ادة‬
‫الدخل ‪ .‬وكذلك لو قال قائل إن من مصلحة االقتصاد السماح بتقدمي‬
‫البن وك للق روض الربوية لتمويل الص ناعة اليت ستس اهم يف بن اء اقتص اد‬
‫ق وي ‪ .‬نق ول ‪ :‬الس ماح ب القروض الربوية وإن ك ان يب دو أنه س يمكن‬
‫البنوك من املسامهة يف التقدم الصناعي إالَّ أنه يتعارض مع حكم شرعي‬
‫ث ابت وهو حترمي الربا ‪ .‬إىل غري ذلك من األمثلة اليت تفيد أنه ال يعتد‬
‫باملصلحة إذا تعارضت مع حكم شرعي ثابت ‪.‬‬

‫(‪ )3‬أالَّ تؤدي املصلحة املقصودة من تدخل الدولة إىل تفويت مصلحة أخرى‬
‫أهم منها أو مساوية هلا ‪.‬‬

‫وه ذا الش رط من أدق الش روط يف التط بيق ‪ ،‬فعلى ال رغم من س هولة‬
‫إدراك معن اه النظ ري ‪ ،‬ف إن تطبيقه على قض ايا ت دخل الدولة يف النش اط‬
‫االقتص ادي ‪ ،‬ليس ب األمر الس هل ‪ ،‬ألن املقارنة بني املص احل حتت اج إىل‬
‫معلومات دقيقة عن النشاط االقتصادي ‪ ،‬ملعرفة قيمة املصلحة العائدة من‬
‫التدخل ‪ ،‬ويف كثري من احلاالت ال يكون ذلك ميسوراً ‪ .‬فاالقتصاد القومي‬
‫ليس طاولة ص غرية وإمنا هو هيكل معقد من املكون ات املادية ‪ ،‬وغري املادية‬
‫‪ ،‬واي ت دخل حك ومي ال ميكن التنبؤ جبميع آث اره ‪ ،‬ومن مث ليس من‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫السهل اجلزم دائماً بأن أثر التدخل يف جمال معني سيحقق املصلحة املرجوة‬
‫منه دون التسبب يف فوات مصاحل أخرى أعظم و أهم ‪.‬‬

‫فعلى س بيل املث ال قد تتخذ إج راءات حكومية ص ارمة لزي ادة العمالة‬
‫الوطنية يف الش ركات و املؤسس ات ‪ ،‬ولكن يف ه ذه احلالة علينا أن نتأكد من‬
‫آث ار ه ذا الت دخل على أرب اح رج ال األعم ال ‪ ،‬اليت قد ت ؤدي عند ت دنيها إىل‬
‫إغالق املصانع ‪ ،‬أوغريها من املنشآت ‪ ،‬ورمبا تؤدي إىل هروب رؤوس األموال‬
‫إىل دول أخ رى ‪ ،‬فلو ح دثت ه ذه النتيجة ‪ ،‬فمعىن ه ذا أن الت دخل لتحقيق‬
‫مص لحة وهي ختفيف البطالة أدى إىل ت دهور االقتص اد الق ومي بكامله ومن مث‬
‫ستزيد البطالة ‪.‬‬

‫وهلذا و مبالحظة إدارة النش اط االقتص ادي يف عهد النب وة ‪ ،‬واخلالفة‬


‫الراشدة ‪ ،‬يبدو أن هذا النوع من التدخل كان يف أضيق حدوده ‪ ،‬ملعاجلة بعض‬
‫احلاالت ‪.‬‬
‫• أمثلة للوظائف االقتصادية للدولة المبنية على السياسة الشرعية ‪-:‬‬
‫تق وم الدولة يف النظ ام االقتص ادي اإلس المي ب أداء ع دد من الوظ ائف‬
‫االقتص ادية‪ ،‬وه ذه الوظ ائف تس تند إىل السياسة الش رعية املبنية على املص احل‬
‫املرسلة‪،‬ومنها ‪-:‬‬
‫‪ -1‬إدارة املوارد الطبيعية مثل اختاذ اإلج راءات اليت ت ؤدي إىل االنتف اع ب املوارد‬
‫الطبيعية املت وفرة كاألراضي الزراعية ‪ ،‬واملع ادن ‪ ،‬ومي اه األهنار ‪،‬‬
‫فاإلجراءات و النظم املنظمة لالستفادة من هذه الثروات مبنية على حتقيق‬
‫املص لحة ‪ ،‬وليس هلا حكم ش رعي حمدد ‪ .‬فقد تك ون املص لحة العامة‬
‫بتأجري بعض األراضي ‪ ،‬ومنح بعضها ملن حيييها ‪ .‬وقد تكون املصلحة يف‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫االنتف اع مبنجم لل ذهب بإنش اء مؤسسة حكومية تس تخرج ال ذهب ‪ ،‬وقد‬


‫تك ون املص لحة بإنش اء ش ركة مس امهة الس تغالل املنجم إىل غري ذلك من‬
‫االحتم االت ‪،‬ولكن املهم اختي ار الطريقة اليت حتقق املص لحة العامة بأقصى‬
‫درجة ممكنة ‪.‬‬
‫‪ -2‬إدارة ميزانية الدول ة‪ :‬تع رف ميزانية الدولة بأهنا (تق دير مفصل ‪ ،‬ومعتمد‬
‫لنفقات الدولة‪ ،‬وإيراداهتا لفرتة زمنية مقبلة ‪ ،‬عادة ما تكون سنة )‪.1‬‬
‫وحقيقتها ال تقتصر على األرق ام ال واردة يف ج انب اإلي رادات ‪ ،‬والنفق ات ‪،‬‬
‫وإمنا متثل الربن امج االجتم اعي ‪ ،‬و االقتص ادي للحكومة ‪ ،‬فقد تركز مثالً‬
‫على أولويات معينة كاإلنفاق على التعليم املهين ‪ ،‬أو الصحة ‪ ،‬أو الدفاع و‬
‫الرتكيز على أي جانب يعترب غالب اً من السياسة الشرعية املستندة إىل املصاحل‬
‫املرسلة ‪.‬‬
‫تنظيم النش اط االقتص ادي ‪ :‬من ص ور ت دخل الدولة يف النش اط‬ ‫‪-3‬‬
‫االقتصادي اختاذ اإلجراءات ‪ ،‬و إصدار النظم املنظمة للنشاط االقتصادي‬
‫‪ ،‬وه ذا النوع من الت دخل يكون مقبوالً يف النظ ام االقتص ادي اإلسالمي‬
‫بق در ما حيقق من املص لحة العامة ‪ ،‬بالض وابط الش رعية للمص لحة ‪ .‬ومن‬
‫أمثلة ه ذا التنظيم ‪ :‬األنظمة املتعلقة بإنش اء املص ارف ‪ ،‬واألنظمة املتعلقة‬
‫بإنش اء الش ركات ‪ ،‬واملص انع ‪ ،‬وأنظمة مؤسس ات التعليم اخلاص إىل غري‬
‫ذلك من صور التنظيم‬
‫التدخل ملعاجلة بعض الظواهر االقتصادية مثل البطالة ‪ ،‬أو االنكماش أو‬ ‫‪-4‬‬
‫هج رة األم وال إىل اخلارج ‪ ،‬أو الفقر ‪ ،‬أو س وء توزيع ال دخل ‪ ،‬و ال ثروة‬
‫داخل اجملتمع ‪ ،‬فمعاجلة ه ذه الظ واهر الس لبية من ص ور ت دخل الدولة ‪،‬‬

‫اقتصاديات املالية العامة عبد احلميد القاضي‪ ،‬صـ‪261‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫وهي من الوظائف االقتصادية للدولة يف النظام االقتصادي اإلسالمي وهي‬


‫من السياسة الشرعية املستندة إىل املصاحل املرسلة ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫(*)‬
‫المبحث الثالث‬
‫التكافل االجتماعي االقتصادي‬

‫سنعرض يف هذا املبحث إىل مفهوم التكافل االجتماعي االقتصادي ‪ ،‬و‬


‫أمهيته ‪ ،‬مث نع رض ألهم وس ائل ه ذا التكافل يف النظ ام االقتص ادي اإلس المي‬
‫وذلك يف مطلبني ‪-:‬‬

‫المطلب األول‬
‫مفهوم التكافل االجتماعي االقتصادي وأهميته‬

‫َّل" و " َكـ َف َل " ‪ ،‬فالكافل هو العائل ‪،‬‬


‫التكافل يف اللغة مأخوذ من " َكف َ‬
‫‪1‬‬

‫والكفيل هو الضامن ‪ ،‬والتكافل‪ :‬كفالة متبادلة بني أكثر من طرف ‪.‬‬


‫أما معناه العام فيشري إىل تعاون متبادل داخل اجملتمع املسلم ‪ ،‬يغطي كل‬
‫جوانب احلياة االجتماعية ‪ ،‬فيجعل الفرد حيس أنه جزء من نسيج متماسك ‪،‬‬
‫فيمنعه من طغيان النزعة الفردية املفرطة ‪ ،‬وحيميه من اإلحساس باخلوف من‬
‫ظروف طارئة ‪ .‬فالتكافل مبعناه العام حلقات من التعاون داخل اجملتمع ‪ ،‬تزيد‬
‫من متاسكه ‪ ،‬وتقوي بنيته ملواجهة الظروف املتغرية‪ ،‬احملبوب منها‬
‫واملكروه‪،‬فيُعزى املصاب ‪ ،‬و يُنصر املظلوم ‪ ،‬ويُعان احملتاج ‪ ،‬ويُرحم الضعيف ‪،‬‬
‫وحيرص الفرد على مصلحة اجلماعة ‪ ،‬وتراعي اجلماعة كرامة الفرد ‪ ،‬ويُنصح‬
‫املخطيء ‪ ،‬ويؤمر باملعروف ‪ ،‬وينهى عن املنكر ‪ ،‬فكل هذا من صور التكافل‬
‫أو التعاون داخل اجملتمع املسلم ‪ .‬فالتكافل داخل اجملتمع املسلم من السمات‬
‫البارزة اليت متيزه عن غريه من اجملتمعات‪ ،‬وموضوعنا هنا يتعلق باجلانب‬
‫االقتصادي من هذا التكافل ‪ ،‬الذي عرفه بعض الباحثني بأنه " تضامن متبادل‬

‫إعداد الدكتور أمحد احلريب ‪.‬‬ ‫*)‬ ‫(‬

‫انظر ‪ :‬القاموس احمليط ‪،‬حممد بن يعقوب الفريوزبادي (كفل) ‪ ,‬خمتار الصحاح (كفل)‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫بني مجيع أفراد اجملتمع ‪ ،‬وبني احلكومة و األفراد ‪ ،‬يف املنشط واملكره ‪ ،‬على‬
‫حتقيق مصلحة أو دفع مضرة "‪ .1‬وعرفه آخر بأنه " أن يتساند اجملتمع أفراداً‬
‫ومجاعات حبيث ال تطغى مصلحة الفرد على مصلحة اجلماعة ‪ ،‬وال تذوب‬
‫مصلحة الفرد يف مصلحة اجلماعة"‪ 2‬فالتكافل االجتماعي يف اجلانب االقتصادي‬
‫يدور معناه حول التعاون املادي املتبادل داخل اجملتمع املسلم ‪ ،‬فهو " تفاعل‬
‫مستمر يتضمن مسئولية متبادلة ‪ ....‬عن رعاية الرخاء العام وتنميته‪.3" ..‬ليعيش‬
‫اجلميع يف شعور دائم بالضمان واألمان املادي‪.‬‬

‫وقد جاءت أدلة شرعية كثرية تؤصل هلذا التكافل ‪ ،‬وتدل على أمهيته ‪،‬‬
‫كقوله تع اىل ‪(     ‬احلج رات‪ )10،‬ف األخوة اإلميانية‬
‫مته د‪ ،‬وتش عر باملس ئولية املتبادلة بني أف راد اجملتمع ‪ .‬ومنها قوله تع اىل‪ :‬‬
‫‪(      ‬املائ دة ‪ ) 2 ،‬فه ذا أمر ب أن‬
‫يتع اون املؤمن ون على فعل أوامر اهلل ‪ ،‬واجتن اب نواهيه ‪ .‬ومنها قوله × ‪ " :‬ال‬
‫ب لنفسه "‪ 4‬وقوله × ‪ " :‬إن املؤمن‬ ‫حيب ألخيه ما حُي ُّ‬
‫ي ؤمن أح دكم حىت َّ‬
‫يش ُّد بعضه بعض اً "‪ . 5‬وإذا مت تط بيق ه ذا التكافل ينتج عنه‬‫للم ؤمن كالبني ان ُ‬
‫متاسك اجملتمع ‪ ،‬وينمو الش عور باالنتم اء ل ذلك اجملتمع ‪ ،‬وحيس األف راد‬
‫باالطمئن ان على مس تقبلهم ومس تقبل أوالدهم ‪ ،‬وحنصل على توزيع أفضل‬
‫لل دخل ‪ ،‬و ال ثروة داخل اجملتمع ‪ ،‬إىل غري ذلك من اآلث ار اإلجيابية للتكافل يف‬
‫النظام االقتصادي اإلسالمي ‪ ،‬ورمبا تزداد الصورة وضوحاَ عند إلقاء نظرة على‬
‫النظ ام الرأمسايل ‪ ،‬حيث أدت النزعة الفردية ‪ ،‬واالنغالق على ال ذات إىل‬
‫االقتصاد اإلسالمي مرجع سابق‪ .‬صـ‪50‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫أدوات إعادة التوزيع ‪،‬عبد الرمحن الشبانات ص ـ‪282‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪2‬‬

‫أدوات إعادة التوزيع ‪،‬عبد الرمحن الشبانات صـ ـ‪. 282‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب اإلميان ‪ ،‬باب ‪ :‬من اإلميان أن حيب ألخيه ما حيب لنفسه‬ ‫(‪)4‬‬ ‫‪4‬‬

‫برقم ‪. 12‬‬
‫صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب الصالة ‪ ،‬باب تشبيك األصابع يف املسجد وغريه برقم ‪. 459‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫إض عاف األس رة ‪ " ،‬تلك املؤسسة اليت ك انت عرب الت اريخ أس اس التط ور‬
‫االجتماعي السليم "‪ 1‬وبتفكك األسرة افتقد العامل الغريب أخطر حلقات التكافل‬
‫يف اجملتمع ‪ ،‬وفقد أهم سبل االنضباط االجتماعي ‪ ،‬وتعاقبت الثمار السيئة اليت‬
‫يطول احلديث عنها ‪ ،‬ولكن يهمنا هنا أن نشري إىل أن أحد أسباب املعاناة كان‬
‫احلاجة إىل وج ود نظ ام تكافل متكامل احللق ات ‪ ،‬فبعد أن أُدخل على النظ ام‬
‫الرأمسايل تع ديالت متتالية ‪ ،‬وفَّرت بعض ج وانب التكافل ‪ ،‬ولكن أص بحت‬
‫الدولة يف النظ ام الرأمسايل هي املس ئولة عن توفري الرعاية للفق راء ‪ ،‬واملرضى ‪،‬‬
‫واملس نني ‪ ،‬مما يعين احلاجة إىل املزيد من املوارد احلكومية لتمويل ه ذا العبء ‪،‬‬
‫ال ذي ال ينس جم مع أص ول النظ ام االقتص ادي احلر ‪ ،‬ل ذلك تف اوتت ال دول‬
‫الرأمسالية يف تطبيقها هلذه التع ديالت ولعل الوالي ات املتح دة‪ 2‬أقل ه ذه ال دول‬
‫تطبيقاً لوسائل التكافل ‪ .‬وتبقى املشكلة يف هيكل النظام الرأمسايل ‪ ،‬الذي يفتقر‬
‫إىل نظ ام تكافل متكامل ينس جم مع أص وله ‪ ،‬وليس تع ديالت تُف رض حتت‬
‫ضغط الواقع ‪ .‬أما النظام االقتصادي اإلسالمي فيملك شبكة واسعة ‪ ،‬وحلقات‬
‫مرتابطة من وسائل التكافل ‪ ،‬املرتبطة بعقيدة املسلم ‪ ،‬و اليت يدعم بعضها بعض اً‬
‫وسنرى عدداً منها يف الصفحات التالية ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫وسائل التكافل االجتماعي االقتصادي‬

‫إن التكافل االجتم اعي يف النظ ام االقتص ادي اإلس المي ليس كالم اً‬
‫نظرياً‪ ،‬و إمنا هو نظام متكامل لإلنفاق املرتبط بالدافع اإلمياين ‪.‬‬
‫ففي النظ ام االقتص ادي اإلس المي ع دد كبري من الوس ائل ‪ ،‬اليت حتقق‬
‫التكافل داخل اجملتمع املس لم ‪ ،‬و تعتمد ه ذه الوس ائل يف مجلتها على ال دافع‬

‫اإلسالم و التحدي االقتصادي ‪ ،‬حممد عمر شابرا ص ـ‪.101‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫اإلسالم و التحدي االقتصادي ‪ ،‬املرجع السابق ص ـ‪.174‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫اإلمياين بالدرجة األوىل ‪ ،‬ويكمله دور الدولة يف تط بيق ه ذه الوس ائل ‪ ،‬أي أن‬
‫وس ائل التكافل يف النظ ام االقتص ادي اإلس المي تعترب ش بكة من األدوات اليت‬
‫يكمل بعضها بعض اً ‪ ،‬وال مثيل هلا يف أي نظام اقتصادي آخر ‪ ،‬ولكنها ال تؤيت‬
‫مثارها إالَّ بق وة ال دافع اإلمياين بالدرجة األوىل وكلما ض عف ال دافع اإلمياين يف‬
‫اجملتمع ضعف أثر هذه الوسائل ‪ ،‬فهي إحدى مثار الرتبية اإلسالمية ‪ .‬ومن هذه‬
‫الوس ائل ‪ :‬الزك اة ‪ ،‬ص دقات التط وع ‪ ،‬الوقف ‪ ،‬الق رض احلسن ‪ ،‬النفق ات‬
‫الواجبة لألوالد والزوجة واألق ارب ‪ ،‬الكف ارات ‪ ،‬ض مان الدولة حلد الكفاية ‪،‬‬
‫األضحية‪،‬العارية وفيما يلي سنتعرض ألبرز املسائل املتعلقة ببعض هذه الوسائل‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬الـزكــاة‬
‫وتشمل زكاة األموال وزكاة األبدان ( صدقة الفطر) ‪ .‬وسنقصر الكالم‬
‫على زكاة األموال ‪.‬‬

‫زك‪GG‬اة األم‪GG‬وال ‪ :‬من تعريفاهتا أهنا‪ " :‬نص يب مق در ش رعاً يف م ال معني ‪،‬‬
‫يُصرف لطائفة خمصوصة"‪ . 1‬حكمها ‪ :‬واجبة ‪ .‬ومن أدلة وجوهبا ‪ :‬قوله تعاىل‪:‬‬
‫‪(      ‬املزمل ‪. ) 20 ،‬‬

‫و مما متتاز به الزكاة على الضرائب أن املكلفني هبا يؤدوهنا بدافع ديين ‪،‬‬
‫إض افةً إىل ال دافع النظ امي الرمسي ‪ ،‬ال ذي تعتمد عليه الض رائب املعاص رة ‪ ،‬اليت‬
‫تع اين من هترب الن اس منها ‪ ،‬مىت وج دوا غفلة من ال رقيب احلك ومي ‪ .‬وهلذه‬
‫الزكاة آثار عديدة يهمنا منها اآلثار االقتصادية ‪.‬‬
‫أهم اآلثار االقتصادية للزكاة ‪:‬‬
‫أداء الزكاة عبادة ‪ ،‬وهلا آثار اقتصادية ‪ ،‬من أمهها ‪:‬‬
‫الشرح املمتع على زاد املستقنع‪ ,‬حممد بن صاحل العثيمني جـ‪ ، 6‬ص ـ ‪.17‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫أهنا وس يلة من وس ائل إع ادة توزيع ال دخل ‪ ،‬وال ثروة يف اجملتمع ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫فت ؤدي إىل مواس اة الفق راء ‪ .‬فهي وس يلة من وس ائل الع دل‬
‫االقتصادي‪ ،‬الذي أصبح حمل اتفاق بني االقتصاديني مع االختالف‬
‫حول تعريفه ووسائله ‪.‬‬
‫أهنا أحد الدوافع حنو االستثمار ‪ :‬فإخراج الزكاة ال يشجع األغنياء‬ ‫‪-2‬‬
‫على جتميد األرصدة النقدية عاطلة ‪ ،‬ألن جتميدها ‪ ،‬وإخراج الزكاة‬
‫منها ي ؤدي إىل تآكلها ‪ .‬أي أن من ميلك أرص دة نقدية البد له من‬
‫اس تثمارها حرص اً عليها من التآكل ‪ ،‬ومع روف أن االس تثمار يف‬
‫و حترص‬ ‫خمتلف املش روعات من مص لحة االقتص اد الق ومي‬
‫الدول على تشجيعه مبختلف الوسائل ‪.‬‬
‫أهنا وس يلة من وس ائل األمن املش جع على توفري البيئة املناس بة‬ ‫‪-3‬‬
‫لالنتعاش االقتصادي ‪ ،‬ألن الفقر أحد أسباب اجلرمية ‪ ،‬وألن الزكاة‬
‫حتارب الفقر فهي وسيلة حملاربة اجلرمية بطريقة غري مباشرة ‪.‬‬
‫أهنا وسيلة من وسائل حتسني أوضاع الفئات الفقرية يف اجملتمع ‪ :‬أي‬ ‫‪-4‬‬
‫إهنا تس اهم يف حتسني مس تواهم املعيشي ‪ ،‬والص حي ‪ ،‬والتعليمي ‪،‬‬
‫وه ذا يعين املس امهة يف ت أهيلهم ليص بحوا ق وة عمل مش اركة يف‬
‫التنمية االقتصادية ‪.‬‬
‫متول التكافل يف اجملتمع ‪ ،‬فتخفف‬ ‫أهنا تس اهم يف توفري م وارد ِّ‬ ‫‪-5‬‬
‫العبء عن ميزانية الدولة ‪ .‬وكلما تراجع التزام الناس بأداء الزكاة ‪،‬‬
‫ذي تتحمله ميزانية الدولة لتمويل التكافل داخل‬ ‫زاد العبء ال‬
‫اجملتمع ‪ .‬وكلما ق وي ال دافع اإلمياين يف اجملتمع ‪ ،‬زاد ال تزام الن اس‬
‫ب أداء الزك اة وغريها من الواجب ات املالية ‪ ،‬مما ي ؤدي إىل ختفيف‬
‫العبء املايل ال ذي تتحمله ميزانية الدولة لإلنف اق على أص ناف من‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫اإلعانات اليت تقدم للمحتاجني كاأليتام ‪ ،‬والعجزة ‪ ،‬و املعاقني ‪...‬‬


‫وغريهم ممن حيتاجون إىل الرعاية االجتماعية ‪.‬‬
‫األموال التي تجب فيها الزكاة ‪:‬‬
‫جتب الزكاة يف أربعة أصناف من املال ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫‪ -1‬األمثان ‪ :‬وتش مل ال ذهب ‪ ،‬والفضة ‪ ،‬وما يلحق هبما من العمالت‬
‫املعاصرة املصنوعة من الورق أو غريه ‪.‬‬
‫‪ -2‬الس ائمة من هبيمة األنع ام ‪ .‬وهي البقر ‪ ،‬واإلبل ‪ ،‬والغنم ‪ ،‬اليت‬
‫ترعى يف الرباري معظم السنة ‪.‬‬
‫‪ -3‬اخلارج من األرض من احلبوب كالقمح ‪ ،‬والثمار كالتمر ‪ ،‬واملعدن‬
‫كاحلديد‪.‬‬
‫‪ -4‬عروض التجارة ‪ :‬وهي كل ما أُعد للبيع والشراء هبدف الربح(‪. )1‬‬
‫شروط وجوب الزكاة ‪:‬‬
‫جتب الزكاة يف األموال بشروط مخسة ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫‪ -1‬احلرية ‪ :‬وض دها ال ِّرق ‪ ،‬فال جتب على عبد ممل وك ‪ .‬ويالحظ أن‬
‫نظام الرق غري موجود اآلن يف بالد املسلمني وغريها ‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلسالم ‪ :‬فال تؤخذ الزكاة من غري املسلمني ‪ ،‬سواء أكان كفرهم‬
‫أصلياَ ‪ ،‬أم ناجتاً عن ردة عن اإلسالم ‪.‬‬
‫‪ -3‬ملك النص اب ‪ :‬ويقصد بالنص اب ‪ :‬املق دار من املال ال ذي ال جتب‬
‫الزكاة يف أقل منه ‪ .‬أو هو‪ " :‬املقدار من املال الذي رتب الشارع‬
‫وج وب الزك اة على بلوغه(‪ " )1‬ولكل ص نف من املال نص اب ‪.‬‬
‫فمثالً نصاب اإلبل (‪ ، )5‬ونصاب الغنم (‪ ، )40‬ونصاب الذهب‬
‫(‪ )85‬جرام اً ‪ .‬وال جتب الزك اة على من ك ان ماله أقـل من‬
‫انظر ‪ :‬حاشية ابن قاسم على الروض املربع ‪ ,‬مرجع سابق ‪ ,‬جـ‪ , 3‬صـ‪.260‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫النص اب‪ ،‬فمن ك ان لديه (‪ )30‬رأس اً من الغنم فال زك اة فيها ‪،‬‬


‫ألهنا أقل من النص اب ‪ .‬ومن ميلك (‪ )40‬جرام اً من ال ذهب فال‬
‫زكاة فيها ‪.‬‬
‫وفائ دة معرفة مق دار النص اب لكل ص نف من املال ‪ ،‬أن نع رف هل‬
‫وصل هذا املال إىل احلد الذي جتب فيه الزكاة أم ال ‪.‬‬
‫‪ -4‬متام امللك ‪ ،‬واس تقراره ‪ :‬أي أن يك ون ملكه للم ال تام اً ب أن ال‬
‫(‪) 1‬‬
‫يتعلق به حق غريه ‪ ،‬وميكنه التصرف به ومبنافعه حسب اختياره ‪.‬‬
‫‪ -5‬متام احلول ‪ :‬أي أن ميضي على ملكه للم ال س نة هجرية كاملة ‪،‬فال‬
‫زك اة يف م ال إالَّ بعد مضي سنة ‪ .‬ويستثىن بعض أصناف املال فال‬
‫يشرتط هلا احلول ‪ ،‬وهي ربح التجارة فحوله حول أصله ‪ ،‬واخلارج‬
‫من األرض ك احلبوب والثم ار ت زكى عند حص ادها ‪ .‬وص غار هبيمة‬
‫األنعام تعد مع الكبار من هبيمة األنعام وتزكى‪ .‬وتطبيقاً هلذا الشرط‬
‫ال جتب الزكاة يف رواتب املوظفني مبجرد قبضها ‪ ،‬أما ما توفر منها‬
‫حىت ح ال عليه احلول وك ان نص اباً ‪ ،‬أو ض مه إىل غ ريه من املال‬
‫فهنا يزكيه ‪ .‬وقد ج اء يف ج واب لس ؤال ح ول ه ذا املوض وع‬
‫أج ابت عليه اللجنة الدائمة " و ال جيوز قياس ها ( أي ال رواتب )‬
‫على اخلارج من األرض ‪ ،‬ألن اش رتاط احلول يف وج وب الزك اة يف‬
‫النقدين ثابت بالنص ‪ ،‬وال قياس مع النص " (‪. )2‬‬

‫انظر ‪ :‬حاشية ابن قاسم على الروض املربع ‪ ،‬مرجع سابق حـ‪ ، 3‬ص ـ‪.168‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪1‬‬

‫فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء ‪ ،‬حـ‪ ، 9‬ص ـ‪. 281‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫مسائل متفرقة في فقه الزكاة ‪-:‬‬


‫المسألة األولى ‪:‬‬
‫جتب الزك اة يف م ال الصيب و اجملن ون يف أصح أق وال العلم اء ألهنا حق‬
‫واجب يف املال وليس متعلقاً باجلسم كالصالة اليت ال جتب عليها ‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪:‬‬
‫ال زك اة يف أم وال الدولة ‪ ،‬وأم وال اجلمعي ات اخلريية ‪ ،‬واألوق اف‬
‫املوقوفة على جه ات خريية كاملدارس ‪ ،‬واملستش فيات ‪ ،‬ألهنا مرص دة للخري‬
‫وليست ملكاً للفرد املكلف ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬زكاة الدين ‪:‬‬
‫إذا كان لإلنسان دين عند اآلخرين فهل جتب فيه زكاة أم ال ؟ هذه من‬
‫مسائل اخلالف ‪ ،‬وخالصتها أن للدَّين حالتني ‪-:‬‬
‫الحالة األولى ‪ :‬إذا كان الدين على مليء أي إذا كان املدين غنياً وفياً غري‬
‫مماطل ‪ ،‬حبيث أن صاحب الدين يستطيع احلصول عليه مىت أراد‪،‬‬
‫فه ذا ال دين جتب فيه الزك اة كل ع ام ‪ ،‬وله أن خيرج زكاته كل‬
‫سنة ‪ ،‬وهو األفضل ‪ ،‬وله أن ينتظر حىت يقبضه مث يزكي عن كل‬
‫السنوات املاضية ‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬أن يكون املدين معسراً أو مماطال غري ويف ‪ ،‬فال زكاة فيه ولو‬
‫تغريت أحوال املدين فسدد هذا الدين الحق اً فهو أيض اً ال زكاة‬
‫في ه‪ ،‬فيُعامل على أنه دخل ‪ ،‬ينتظر حىت حيول عليه احلول من‬
‫قبضه إذا ك ان قد بلغ النص اب‪ .‬وقيل ي زكي عن س نة واح دة من‬
‫باب االستحباب‪.‬‬
‫المسألة الرابعة ‪ :‬حكم الزكاة يف مال من عليه دين ينقص النصاب ‪ :‬فلو أن‬
‫شخص اً عن ده مئة ألف لاير ‪ ،‬وعليه دين يزيد عن ه ذا املبلغ أو‬
‫انظر ‪ :‬الشرح املمتع ‪ ،‬حـ‪ ، 6‬مرجع سابق صـ‪.31‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫يساويه ‪ ،‬أي أنه لو سدد الدين مل يبق عنده ما يساوي النصاب‬


‫‪ ،‬فهل يزكي املبلغ الذي عنده وهو مئة ألف لاير يف هذا املثال ؟‬
‫هذه من مسائل الخالف القوي ‪ ،‬وفيها أقوال ‪:‬‬
‫أنه ال زك اة عليه ‪ ،‬فهو فقري يس تحق املواس اة ‪ ،‬وه ذا هو املش هور يف‬ ‫األول ‪:‬‬
‫املذهب احلنبلي ‪ ،‬و ال فرق بني الدين احلال واملؤجل ‪.‬‬

‫أنه جتب عليه الزكاة فيما عنده من املال ‪ ،‬وال أثر للدين يف منع‬ ‫الثاني ‪:‬‬
‫الزك اة ‪ ،‬ومما يُس تدل به هلذا الق ول عموم ات األدلة اآلم رة بالزك اة يف‬
‫كل م ال بلغ النص اب و أن الزك اة جتب يف املال ‪ ،‬وهو موج ود ‪ ،‬إذاً‬
‫جتب فيه الزك اة ‪ ،‬أما ال دين فهو يف الذمة ‪ .‬وممن رجح ه ذا الق ول عبد‬
‫العزيز بن باز وحممد بن صاحل بن عثيمني رمحهما اهلل ‪.‬‬

‫التفص يل ‪ :‬فأص حاب ه ذا الق ول قس موا األم وال الزكوية إىل قس مني‬ ‫الثالث ‪:‬‬
‫ف األموال الظ اهرة وهي احلب وب ‪ ،‬والثم ار ‪ ،‬وهبيمة األنع ام جتب فيها‬
‫الزكاة ‪ ،‬إذا كان ما لكها عليه دين ينقص النصاب ‪،‬أما األموال الباطنة‬
‫وهي األمثان وعروض التجارة فال جتب فيها الزكاة إذا كان مالكها عليه‬
‫( ‪)1‬‬
‫دين ينقص النص اب وه ذا الق ول اختي ار الش يخ عبد ال رمحن الس عدي‬
‫رمحه اهلل‪.‬‬

‫ويبدو أن األخذ بالقول الثاين أحوط ‪ ،‬و أبرأ للذمة ‪ ،‬وفيه حث للناس‬
‫على الوفاء مبا يف ذممهم من الديون واهلل أعلم ‪.‬‬
‫وبعد ه ذا س نعرض بإجياز أهم املس ائل املتعلقة بكل قسم من األم وال‬
‫الزكوية اليت سبق إمجال الكالم عليها ‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬الشرح املمتع ‪ ،‬املرجع السابق جـ‪ ، 6‬صـ‪.39-33‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫القسم األول‪ :‬زكاة الذهب والفضة والعمالت الورقية ‪:‬‬


‫جتب الزك اة يف ال ذهب ‪ ،‬والفضة ‪ ،‬لقوله تع اىل‬
‫‪  ‬‬
‫‪          ‬‬
‫( التوبة ‪ ) 34‬فقوله " يف سبيل اهلل " على الراجح أن ذلك الزكاة الواجبة ‪.‬‬

‫وقوله × ( ما من ص احب ذهب وال فضة ال ي ؤدي منها حقها إالَّ إذا‬
‫صفِّحت له صفائح من نار ‪ ،‬فأمحي عليها يف نار جهنم فيُكوى‬ ‫كان يوم القيامة ُ‬
‫( ‪)1‬‬
‫هبا جنبه ‪ ،‬وجبينه ‪ ،‬وظهره ‪ ...‬احلديث "‬

‫نص اب ال ذهب والفضة ‪ :‬أُختلف يف ذلك ‪ ،‬وما قيل في ه‪ :‬أن نص اب‬


‫الفضة ( ‪ )595‬جرام اً ‪ ،‬ونصاب الذهب (‪ )85‬جرام اً وهو قول الشيخ حممد‬
‫بن صاحل بن عثيمني(‪ .)2‬و الشيخ عبد اهلل بن جربين(‪.)3‬‬

‫نص اب العمالت الورقية ‪ :‬العمالت املعاص رة املص نوعة من ال ورق ‪ ،‬أو‬


‫غ ريه حلت حمل ال ذهب ‪ ،‬والفضة ‪ ،‬وأص بحت هي األمثان املتداولة ‪ ،‬فتق اس‬
‫على الذهب ‪ ،‬والفضة ‪ ،‬فتجب فيها الزكاة ‪.‬‬

‫أما نص اب العملة الورقية فليس حمدداً مبق دار ث ابت ‪ ،‬بل يتغري حسب‬
‫اختالف أس عار ال ذهب أو الفضة ‪ .‬ومل يعد من املمكن الق ول أن العملة الورقية‬
‫تن وب عن ذهب ‪ ،‬أو فضة ‪ ،‬بل هي عملة مس تقلة ب ذاهتا ‪ ،‬ويُق در نص اهبا على‬
‫أساس قيمة نصاب الفضة ‪ ،‬عمالً باألفضل للفقراء فنظراً الرتفاع أسعار الذهب‬
‫‪ ،‬واخنف اض أس عار الفضة ‪ ،‬ف إن تق دير نص اب العملة الورقية على أس اس قيمة‬
‫نصاب الفضة يزيد من األموال اليت خترج منها الزكاة ‪ ،‬فهو من مصلحة الفقراء ‪،‬‬

‫رواه مسلم ‪ (,‬كتاب الزكاة ‪ ,‬باب أمث مانع الزكاة ) برقم ‪. 1647‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫جمالس شهر رمضان ‪ ،‬ص ـ‪.77‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪2‬‬

‫فتاوى الزكاة ‪ ،‬عبد اهلل بن جربين ص ـ‪.51-47‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫وهو مب دأ معترب يف تق دير الزك اة ‪ ،‬كما نص عليه بعض الفقه اء‪ 1‬يف‬
‫تقدير زكاة عروض التجارة ‪.‬‬
‫طريقة حساب نصاب العملة الورقية ‪-:‬‬
‫نصاب العملة الورقية = مقدار نصاب الفضة باجلرام × سعر اجلرام بالريال‬
‫‪.‬‬
‫فلو ك ان س عر اجلرام (‪ )2‬لاير ‪ ،‬ف إن مق دار نص اب العملة الورقية = ‪2×595‬‬
‫=(‪ )1190‬لاير ‪.‬‬

‫ولو كان سعر جرام الفضة رياالً واحداً ‪ ،‬فإن النصاب ‪(=1×595 :‬‬
‫‪ )595‬رياال‪.‬‬

‫ويالحظ أن فائ دة معرفة مق دار نص اب العملة الورقية ‪ ،‬ليع رف‬


‫الش خص‪ ،‬هل املبلغ ال ذي ميلكه وصل إىل حد وج وب الزك اة ‪ ،‬أوال ‪ ،‬وال‬
‫دخل ملقدار النصاب يف طريقة حساب ما خيرج من املال الذي ميلكه ‪.‬‬

‫حاشية ابن قاسم على الروض املربع ‪،‬مرجع سابق جـ‪ ، 3‬صـ‪.264‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫مقدار ما يخرج من األثمان ‪:‬‬


‫من ميلك ذهب اً ‪ ،‬أو فضة ‪ ،‬أو أي عمالت معاص رة ‪ ،‬ورقية ‪ ،‬أو‬
‫معدنية‪ ،‬أو كانت مصنوعة من أي مادة أخرى ‪ ،‬وتوفرت فيها شروط وجوب‬
‫الزكاة ‪ ،‬فإنه خيرج منها (‪ ، )٪2.5‬أي ( ‪ ) 25‬من كل ( ‪ )1000‬فمن ميلك‬
‫(‪ )10000‬لاير ‪ ،‬فإنه خيرج منه اآليت ‪:‬‬
‫‪ )250( = 0.025 ×10000‬رياالً ‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬زكاة السائمة من بهيمة األنعام ‪:‬‬
‫هبيمة األنعام ‪ :‬هي اإلبل اليت هلا سنام واحد ‪ ،‬أو هلا سنامان ‪ ،‬والبقر ‪،‬‬
‫مبا فيها اجلواميس ‪ ،‬والغنم ‪ ،‬وتشمل املاعز والضأن ‪.‬‬

‫والسائمة ‪ :‬أي اليت ترعى أكثر من ستة أشهر من كل سنة من العشب‬


‫ال ذي نبت باألمط ار ‪ ،‬وحىت لو أخرجها ولو قليال من ال وقت ‪ ،‬وعن دما ع ادت‬
‫علفها فتعترب من الس ائمة ‪ 1‬أما لو اش رتى هلا العلف معظم الس نة ‪ ،‬أو أهنا رعت‬
‫مما زرع يف مزرعته معظم الس نة ‪ ،‬فه ذه ال ينطبق عليها وصف " الس ائمة "‬
‫وعلى هذا فبهيمة األنعام اليت ترىب يف احلظائر إلنتاج احلليب أو للتكاثر ال تعترب‬
‫من الس ائمة فال جتب فيها الزك اة‪ ،2‬ألهنا يُش رتى هلا العلف أو أهنا ت رعى يف‬
‫مزارع وقد ُزرِع هلا علف ‪ ،‬ويسقى هلا لرتعى منه‪ ،3‬إالَّ إذا كان صاحبها يتاجر‬
‫هبا أي أنه يبيع منها ‪ ،‬ويشرتي بدالً مما باعه ‪ ،‬فتعامل معاملة عروض التجارة ‪،‬‬
‫و سيأيت ذكرها ‪.‬‬

‫فتاوى الزكاة ‪ ،‬مرجع سابق ص ـ‪.44‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫يرى األمام مالك وجوب الزكاة يف هبيمة األنعام اليت تعلف ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر الشرح املمتع ‪،‬مرجع سابق جـ‪ ، 6‬صـ‪.54- 53‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫نصاب بهيمة األنعام ‪:‬‬


‫لكل ص نف من هبيمة األنع ام نص اب ال جتب الزك اة يف أقل منه ‪.‬‬
‫فنص اب اإلبل (‪ ،)5‬ونص اب البقر (‪ ، )30‬و نص اب الغنم من املاعز ‪ ،‬أو‬
‫الضأن (‪ . )40‬وتفاصيل أحكام زكاهتا مفصلة يف كتب الفقه‪.1‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬زكاة الخارج من األرض ‪:‬‬
‫يش مل اخلارج من األرض احلب وب و الثم ار ‪ ،‬والعسل ‪ ،‬واملع ادن ‪،‬‬
‫والرك از ‪ .‬ومما ي دل على وج وب الزك اة فيها عم وم قوله تع اىل‪ ‬‬
‫‪          ‬‬
‫(البقرة‪ )267‬وفيما يلي أبرز املسائل املتعلقة بزكاة احلبوب والثمار‬ ‫‪  ‬‬
‫‪.‬‬

‫( ‪)2‬‬
‫زكاة الحبوب و الثمار‪:‬‬
‫على ال راجح من أق وال العلم اء ‪ ،‬أن الزك اة ال جتب يف كل احملاص يل‬
‫الزراعية ‪ ،‬بل جتب يف احلبوب اليت تنتجها الزروع كالقمح ‪ ،‬والذرة ‪ ،‬واألرز ‪،‬‬
‫و الش وفان و ما ش اهبها ‪ ،‬وجتب أيض اًَ يف الثم ار ‪ ،‬وهي ما خيرج من األش جار‬
‫كالتمر ‪ ،‬ويشرتط يف هذه احلبوب و الثمار أن تكون مما يُكال ويُدَّخر ‪ .‬أي أن‬
‫القاعدة يف حتديد احملاصيل الزراعية الزكوية يف أن الزكاة ختتص باحلبوب والثمار‬
‫اليت تُكال وتُدَّخر‪ .‬سواء أكانت قوت اً كالقمح ‪،‬أو غري قوت كاحلبة السوداء ‪،‬‬
‫وحب الرش اد ‪ .‬ومعىن " تك ال " أي أن املعي ار الش رعي لتق ديرها يف زمن‬
‫الرس ول × يف املدينة هو الكيل ‪ .‬وال يغري من ذلك تغري الع رف يف تق ديرها ‪.‬‬
‫ومعىن " تُ دَّخر" أي ميكن االحتف اظ هبا لالنتف اع هبا مس تقبالً ب الطرق العادية‬
‫ك التجفيف وليس بالتربيد ‪ .‬ومعىن ه ذا أنه ال زك اة يف الفواكه كالتف اح ‪،‬‬

‫انظر ‪ :‬الشرح املمتع ‪ ،‬مرجع سابق حـ‪ ، 6‬صـ‪.71 -51‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر ‪ :‬الشرح املمتع ‪ ،‬املرجع السابق حـ‪ ، 6‬صـ‪.97-71‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫والربتق ال ‪ ،‬و املوز ‪ ،‬وال زك اة يف اخلض روات كالفجل واخلس ‪ .‬وبتأمل ه ذه‬
‫احملاصيل الزراعية املعفاة من الزكاة على الراجح من أقوال العلماء ‪ ،‬يُالحظ أهنا‬
‫كما قال الفقهاء ال تتم هبا النعمة ‪ ،‬فالتالف منها كثري ‪ ،‬فنجد أن بعضها يتلف‬
‫قبل وص وله إىل الس وق ‪ ،‬وبعض ها يتلف عند الباعة ‪ ،‬وج زء منها يتلف عند‬
‫املس تهلكني ‪ ،‬وكل ه ذا ي ؤثر على قيمتها االقتص ادية ‪ ،‬فإعفاؤها من الزك اة فيه‬
‫ع دل وتيسري وتش جيع للنش اط االقتص ادي ‪ ،‬بتخفيف األعب اء عنه ‪ .‬فنفع ه ذه‬
‫احملاص يل ال يقتصر على أص حاهبا ‪ ،‬بل أن إعفاءها أحد األس باب املس اعدة على‬
‫توفريها يف األسواق ‪،‬وهذا فيه مراعاة للمصلحة العامة‪.‬‬
‫شروط وجوب الزكاة في الحبوب والثمار المكيلة المدخرة‪ -:‬لوجوب الزكاة فيها شرطان ‪:‬‬
‫أن تبلغ النصاب ‪ ،‬ومقداره ثالمثائة صاع نبوي ويقدر الصاع‬ ‫الشرط األول ‪:‬‬
‫بأنه ح وايل (‪ )2.04‬كغم أي أن النص اب ح وايل (‪ )612‬كغم‬
‫من القمح ‪ ،‬وهذا التقدير تقرييب نظراً لعدم وجود عالقة دقيقة‬
‫بني وزن احلبوب وحجمها‪.‬‬

‫أن تكون احملاصيل املراد تزكيتها مملوكة للمزكي وقت وجوب‬ ‫الشرط الثاني ‪:‬‬
‫الزكاة فيها‪.‬‬

‫ووقت وجوب الزكاة يف احلبوب هو ابتداء اشتداد احلب يف سنبلة ‪ ،‬أما‬


‫الثمار فوقت وجوب الزكاة فيها هو بدو صالحها ‪ ،‬وبدو صالح التمور مثالً‬
‫أن تب دأ حتمر أو تص فر ‪ .‬فيق در كامل احملص ول مث يُ َق دَّر ما خيرج فلو ‪ ،‬أش رتى‬
‫شخص حمصول مزرعة بعد بدو صالح الثمر ‪ ،‬فالزكاة جتب على املالك األول‪،‬‬
‫وال جتب على املالك الثاين ‪،‬كذلك لو ملك شخص أحد احملاصيل الزكوية بعد‬
‫احلصاد فليس عليه زكاة ‪ ،‬بل هي على من كان ميلكها عند بدو صالحها ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫وقت إخراج زكاة احلبوب والثمار ‪ :‬خترج زكاة احلبوب و الثمار بعد‬
‫احلص اد ‪ ،‬لقوله تع اىل‪(       ‬األنع ام ‪ )141‬وال‬
‫تتكرر ‪ ،‬فلو بقيت عنده حىت السنة القادمة ال يزكيها مرة أخرى‪.‬‬

‫مق دار ما خيرج ‪ :‬خيتلف مق دار ما خيرج من احلب وب والثم ار حسب‬


‫طريقة السقي ‪ .‬فإذا كان يسقي من األهنار أو املطر ‪ ،‬أو كان الثمر من أشجار ال‬
‫حتت اج إىل س قي فيخ رج (‪ )٪10‬من احملص ول ‪ ،‬و إذا ك ان يس قي باس تخدام‬
‫املك ائن إلخ راج املاء من ب اطن األرض خيرج (‪ )٪5‬من احملص ول ‪ ،‬أما إذا ك ان‬
‫جيمع بني الطريق تني الس ابقتني فيخ رج (‪ . )٪7.5‬ويالحظ هنا أن الش رع راعى‬
‫الع دل ‪ ،‬وش رع اهلل كله ع دل ‪ ،‬فلما زادت التكلفة اخنفض مق دار ما خيرج من‬
‫زك اة ‪ ،‬فمص لحة مالك املزارع ت راعى أيض اً يف ال وقت ال ذي ت راعى فيه مص احل‬
‫احملتاجني ‪.‬‬
‫القسم الرابع‪ :‬زكاة عروض التجارة ‪:‬‬
‫تعترب ع روض التج ارة أوسع األم وال الزكوية ‪ ،‬في دخل فيها كل الس لع‬
‫اليت يتخ ذها الن اس لطلب ال ربح ب البيع ‪ .‬كالعق ارات ‪ ،‬و املواد الغذائية ‪،‬‬
‫واألثاث‪ ،‬و اآلالت ‪ ،‬و املالبس ‪ ،‬وغري ذلك من أصناف األموال التجارية ‪ .‬أما‬
‫ما أُعد للت أجري كالعم ائر اليت يؤجرها أص حاهبا ‪ ،‬واملع دات اليت ت ؤجر أو‬
‫تستعمل من قبل أصحاهبا ‪ ،‬فهذه ال زكاة فيها مهما بلغت قيمتها ‪ ،‬و إمنا ينظر‬
‫إىل أجرهتا ف إن ح ال احلول على ما يس اوي نص اباً أخ رجت زكاته ‪ ،‬وه ذا ما‬
‫أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و اإلفتاء ‪.1‬‬

‫حكم زك اة ع روض التج ارة ‪ :‬جتب الزك اة يف ع روض التج ارة ‪ ،‬عند‬
‫مجه ور العلم اء‪ .‬ومن أدلة وجوهبا قوله تع ايل ‪   ‬‬

‫فتاوى اللجنة الدائمة ‪ ،‬ح ـ‪ ، 9‬ص ـ‪.332‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬
‫‪           ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪  ‬‬‫( البق رة ‪ .)267‬وقوله تع اىل‬ ‫‪     ‬‬
‫‪         ‬‬
‫( التوبة ‪ )103‬فع روض التج ارة ت دخل يف‬ ‫‪      ‬‬
‫عموم األموال و الكسب املذكور يف اآليتني ‪.‬‬

‫شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة‪:1‬‬


‫‪ -1‬أن ميلك هذه العروض باختياره ‪ ،‬كالشراء ‪ ،‬وقبول اهلبة ‪َّ ،‬أما ما دخل‬
‫يف ملكه بغري إرادته كاإلرث فال زكاة فيه ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ينوي هبا التجارة عند متلكها ‪ .‬فلو اشرتى سيارة لالستعمال مث نوى‬
‫االجتار هبا طلب اً لل ربح فال زك اة فيها ‪ .‬ولو اش رتاها لالجتار هبا مث غري نيته‬
‫فجعلها لالستعمال فال زكاة فيها أيضاً ‪ .‬والقول الثاين يف املذهب احلنبلي‬
‫أنه ال اعتبار هلذين الشرطني بل يكفي أن ينوي هبا التجارة ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تبلغ قيمتها نص اب ال ذهب ‪ ،‬أو الفضة أيهما أقل ‪ .‬ومع روف أن قيمة‬
‫نصاب الفضة منخفضة يف هذا الوقت ‪ ،‬فال يُتصور وجود تاجر ببضاعة ال‬
‫تبلغ قيمتها قيمة نصاب الفضة ‪.‬‬

‫ويالحظ أن الش روط الس ابقة خاصة بع روض التج ارة ‪ ،‬ويض اف إليها‬
‫الش روط العامة لوج وب الزك اة ‪ .‬أما بالنس بة للح ول فال يش رتط أن حيول على‬
‫قوم التاجر ما عنده من بضاعة ‪،‬‬‫نفس البضاعة فالسلع تتجدد عند التاجر و إمنا يُ ِّ‬
‫حىت ومل ميض هلا عن ده س اعات ‪ ،‬ألن مثنها جتب فيه الزك اة ب دءاً من متلكه‬
‫نصاب أصلها الذي حال عليه احلول ‪.‬‬

‫انظر ‪ :‬الشرح املمتع ‪ ،‬مرجع سابق حـ ‪ ، 6‬صـ ‪.142‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫فتاوى اللجنة الدائمة ‪ ,‬للبحوث واإلفتاء ‪ ,‬جـ‪ , 9‬صـ ‪. 322‬‬ ‫( ‪)2‬‬


‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫تقويم ع‪GG‬روض التج‪GG‬ارة ‪ :‬جتب الزك اة يف قيمة ع روض التج ارة ‪ ،‬وهلذا فمن‬
‫أراد إخراج زكاة عروض التجارة‪ ،‬عليه أن يقدر قيمتها بعملة البلد ‪ .‬فينظر إىل‬
‫ما عن ده من بض اعة مع دة لل بيع ‪ ،‬فيقومها بس عر ي وم التق ومي ‪ ،‬بغض النظر عن‬
‫سعر الشراء ‪ ،‬وال يلتفت إىل السعر الذي يتوقع أن يبيع به يف املستقبل ‪ .‬و لكن‬
‫من املسائل اليت تثار هنا ‪ :‬هل التقومي بسعر اجلملة أو بسعر التجزئة ؟‬
‫سعر التقويم ‪:‬‬
‫اختلف العلم اء يف الس عر ال ذي يتم به تق ومي البض اعة ألجل إخ راج‬
‫زكاهتا‪ .‬ومن أبرز األقوال ‪:‬‬
‫أن التق ومي يتم بس عر اجلملة ‪ .‬وممن أفىت ب ذلك اللجنة الدائمة‬ ‫‪-1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫للبح وث العلمية ‪ ،‬واإلفت اء ‪ ،‬يف اململكة العربية الس عودية وك ذلك‬
‫الشيخ عبد اهلل بن جربين ‪.‬‬
‫‪ -2‬إن كان يبيع باجلملة فباعتبار سعر اجلملة ‪ ،‬وإن كان يبيع بالتجزئة يقوم‬
‫(‪) 1‬‬
‫بسعر التجزئة ‪ .‬وممن قال هبذا الشيخ حممد بن عثيمني ‪.‬‬

‫ويبدو أن القول األول أقوى ‪ ،‬وذلك ألن التقومي وقع على اجلملة‪ ،‬وألن سعر‬
‫التجزئة يكثر فيه االختالف ‪ ،‬وألن سعر اجلملة فيه ختفيف على التجار ‪ ،‬و هو أمر‬
‫معترب للمصلحة العامة ‪ .‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫الشرح املمتع ‪،‬مرجع سابق حـ‪ ، 6‬صـ‪.146‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر ‪ :‬الشرح املمتع ‪ ,‬املرجع السابق ‪ ,‬جـ‪, 6‬صـ‪. 250-218‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫مصارف الزكاة ‪:‬‬


‫يقصد مبص ارف الزك اة أي األوجه اليت تص رف فيها الزك اة ‪ .‬وقد‬
‫اىل ‪    ‬‬ ‫ذه األوجه يف قوله تع‬ ‫وردت ه‬
‫‪      ‬‬
‫‪            ‬‬
‫(التوبة ‪ )60‬و إمنا تفيد احلصر ‪ ،‬ف دل على أنه ال جيوز ص رف‬‫"‬ ‫"‬ ‫‪ ‬‬
‫الزك اة إالَّ يف ه ذه األص ناف الثمانية املذكورة يف اآلية ‪ ،‬فال جيوز اس تعمال‬
‫أموال الزكاة يف بناء املدارس ‪ ،‬وال املستشفيات ‪ ،‬وال املساجد ‪ ،‬و ال غريها من‬
‫املرافق ذات النفع العام ‪ .‬وال حيل ألحد من غري هذه األصناف أن يأخذها حىت‬
‫وإن أُعطيت له‪.‬‬

‫شرح موجز لمصارف الزكاة (‪-:)2‬‬


‫‪ -2 ، 1‬الفقراء ‪ ،‬واملساكني ‪ :‬درجتان من احملتاجني ‪ ،‬والفقراء أشد حاجة من‬
‫املس اكني‪ ،‬و كال الص نفني ال يس تطيع احلص ول على كفايته بقدراته‬
‫الذاتية ‪ ،‬فيس تحق الزك اة ‪ .‬و يُعطى كل من الص نفني ما يوص له إىل حد‬
‫الكفاية ‪.‬‬
‫‪ -3‬الع املون عليها ‪ :‬وهم املكلف ون جبمع الزك اة وتوزيعه ا‪ ،‬وحفظها ‪،‬‬
‫ويُعطون أجرهتم من الزكاة ‪.‬‬
‫‪ -4‬املؤلفة قل وهبم ‪ :‬وهم إما أهنم غري مس لمني يُ رجى إس المهم ‪ ،‬أو كف‬
‫ش رهم ‪ ،‬أو االس تعانة هبم ضد غ ريهم ‪ .‬و إما أهنم مس لمون ي راد تقوية‬
‫إمياهنم أو إغراء غريهم بالدخول يف اإلسالم ‪.‬‬
‫‪ -5‬الرقاب ‪ :‬ويشمل يف هذه األزمنة كل األسرى أما حترير العبيد فقد احنسر‬
‫أو انعدم وجوده اآلن ‪.‬‬
‫‪ -6‬الغارمون ‪ :‬وهم ‪ :‬املدينون ‪ ،‬ويقسمون إىل قسمني ‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫األول ‪ :‬غ ارم لنفسه وهو ش خص حتمل ديون اً ملص لحته ‪ ،‬وعجز عن‬
‫الوف اء هبا ‪ ،‬فهو فقري فيُعطى ما يس دد ديونه ‪ .‬ولكن يالحظ أن‬
‫من حتمل الديون يف املعاصي كالقمار‪ ،‬أو الذي ال يصلي فهؤالء‬
‫ال نصيب هلم يف الزكاة إالَّ بعد التوبة ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬غارم إلصالح ذات البني ‪ :‬وهو من حتمل يف ذمته ماالً من أجل‬
‫إمخاد فتنة ‪ ،‬فيعُطى بق در ما ال تزم به ومل يس دده ‪ ،‬أما إذا دفع‬
‫ذلك من ماله فال يُعطى ‪ ،‬ألنه مل يعد مديناً ‪.‬‬
‫‪ -7‬سبيل اهلل ‪ :‬وه و اجلهاد ‪ ،‬فيعطي اجملاهدون املتطوعون بدون مرتبات من‬
‫الدولة ‪ ،‬أو أهنم هلم رواتب ال تكفيهم ‪ ،‬فيعط ون على ق در ما حتتاجه‬
‫مهمتهم يف اجله اد وقد ق رر اجملمع الفقهي برابطة الع امل اإلس المي أن‬
‫ال دعوة إىل اهلل داخلة ض من " يف س بيل اهلل " وعلى ه ذا جيوز ص رف‬
‫الزكاة للإنفاق على الدعوة إىل اهلل‪ ،‬وقال الشيخ حممد بن إبراهيم ‪ :‬إنه‬
‫يلحق ب ذلك أيض اً اإلنف اق على كشف الش به عن ال دين فهو من‬
‫اجلهاد(‪.)1‬‬
‫‪ -8‬ابن السبيل وهو ‪ :‬املسافر املنقطع فيعطى ما يوصله إىل بلده ‪.‬‬
‫وجيوز دفع الزكاة لصنف واحد من هذه األصناف ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬صدقة التطوع‬
‫وهي مس تحبة ‪ ،‬يف أي ص ورة ‪ :‬نقدية أو عينية ‪ .‬وقد ج اء احلث‬
‫عليها يف القرآن‪ ،‬والسنة ‪ .‬فقال تعاىل ‪       ‬‬
‫‪ ( ‬البق رة ‪ . ) 245‬ومن ذلك قوله ×‪ " : G‬سبعة يظلهم اهلل يف ظله ي وم ال‬
‫ظل إالَّ ظله ‪ " ....‬إىل أن ق ال " ورجل تص دق بص دقة فأخفاها حىت ال‬

‫توضيح األحكام ‪،‬مرجع سابق ح ـ‪ ، 3‬صـ‪.110‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫تعلم مشاله ما تنفق ميينه " (‪ )1‬ومعىن يظلهم أي يس رتهم‪ ،‬وذلك يش مل‬
‫الرجل و املرأة ‪.‬ويالحظ أن من الفروق بني الزكاة الواجبة وصدقة التطوع‬
‫أن الزك اة الواجبة ال نص يب فيها ألبن اء الش خص ‪ ،‬وآبائه ‪ ،‬أما ص دقة‬
‫التطوع فأوىل الناس هبا هم أقرب الناس للمتصدق ‪ .‬ويف هذا داللة على أن‬
‫وس ائل التكافل يف النظ ام اإلس المي يتمم بعض ها بعض اً ‪ ،‬فمن ليس له‬
‫نصيب يف إحداها جند له نصيباً يف وسيلة أخرى ‪.‬‬

‫ويالحظ أيض اً اعتم اد ص دقة التط وع على ال دافع اإلمياين وح ده ‪ .‬وه ذا‬
‫خالف الزكاة الواجبة اليت تدعم احلكومة تطبيقها ‪ ،‬باإلضافة إىل الدافع اإلمياين ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الـوقـــف‬
‫( ‪)2‬‬
‫تعريفه ‪ :‬من تعريفات الوقف أنه " حتبيس األصل وتسبيل املنفعة‬
‫"‬
‫وص ورته أن شخص اً ميلك أحد األص ول كمزرعة أو عم ارة أو أرض ‪،‬‬
‫ويق وم ه ذا املالك جبعل ه ذا األصل الن افع موقوف اً ‪ ،‬أي حمبوس اً على وجه‬
‫من أوجه الرب ‪ ،‬اليت خيتارها الواقف نفسه ‪ .‬ك أن جيعل غلة مزرعته لص احل‬
‫ذريته من بع ده ‪ ،‬أو أن جيعل غلة عمارته لص احل دور األيت ام ‪ ،‬أو أن جيعل‬
‫عمارته وقفاً ليسكن فيها طالب العلم الفقراء ‪ ،‬فهنا جيب االلتزام بالشروط‬
‫‪ ،‬واألغ راض اليت ح ددها الواقف إذا مل ختالف الش رع ‪ ،‬ويبقى ه ذا األصل‬
‫موقوف اً وال يب اع ‪ ،‬إالَّ إذا تعطلت منافعه فتبيعه اجلهة املش رفة عليه ‪،‬‬
‫ويصرف مثنه يف مثله لتحقيق هدف الواقف ‪.‬‬

‫حكمه ‪ :‬وحكمه مس تحب ‪ ،‬فهو من العمل االختي اري ‪ ،‬املعتمد على‬


‫الدافع اإلمياين ‪ ،‬الذي جاءت الشريعة باحلث عليه ‪،‬كما يف قوله × " إذا مات‬
‫رواه البخاري كتاب الزكاة ‪ ،‬باب الصدقة باليمي برقم ‪. 1334‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫امللخص الفقهي ‪ ،‬مرجع سابق حـ‪ ، 2‬ص‪. 199‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫اإلنسان انقطع عمله إالَّ من ثالثة ‪ :‬إالَّ من صدقة جارية ‪ ،‬أو علم يُنتفع به ‪ ،‬أو‬
‫( ‪)1‬‬
‫ولد صاحل يدعو له "‬

‫لزومه ‪ :‬وهو عقد الزم ‪ ،‬ال جيوز فس خه بعد انعق اده ‪ ،‬عند مجه ور‬
‫العلماء(‪. )3‬‬

‫أهميته ‪ :‬هو من أهم وس ائل التكافل يف النظ ام االقتص ادي اإلس المي‪،‬‬
‫سواء أكان لصاحل ذرية الواقف ‪ ،‬أم كان يف أي وجه من وجوه العمل اخلريي ‪،‬‬
‫ومن مزاي اه ‪ ،‬أنه ي وفر م وارد مس تمرة ‪ ،‬بل ميكن تنميتها لتمويل التكافل ‪،‬‬
‫وكان له إسهام جيد يف متويل التعليم يف املاضي ‪ ،‬فكثري من املساجد اليت كانت‬
‫مبثابة جامعات كاحلرمني ‪ ،‬كانت مُت ول من األوقاف ‪.‬‬

‫وكذلك اإلنفاق على األيتام ‪ ،‬و اللقطاء ‪ ،‬و الفقراء ‪ ،‬وغريهم كان من‬
‫أبرز مصادره األوقاف(‪ . )2‬وهلذا فاحلاجة ماسة إلعادة إحياء دور األوقاف الذي‬
‫أصابه الضعف يف هذا الزمن ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬الـقرض الحـسـن‬
‫تعريفه ‪ :‬من تعريف ات الق رض يف الفقه أنه ‪ " :‬دفع م ال ملن ينتفع به‬
‫رد بدله " (‪ .)3‬والق رض املتفق مع الش رع هو الق رض احلسن ‪ ،‬أي الق رض‬ ‫وي ُّ‬
‫الذي بدون فائدة ربوية ‪ .‬وهو من عقود اإلرفاق اليت يُقصد هبا نفع املقرتض ‪،‬‬
‫وال جيوز أن يش تمل عقد الق رض على أي نفع مش روط ‪ ،‬أو متواطأ عليه يع ود‬

‫صحيح مسلم كتاب الوصية ‪ ( .‬باب ما يلحق اإلنسان من الثواب بعد وفاته برقم‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 3084‬‬
‫توضيح األحكام ‪ ,‬مرجع سابق جـ‪ , 4‬صـ‪. 244‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫انظر ‪ :‬إدارة وتثمري ممتلكات األوقاف ‪،‬البنك اإلسالمي للتنمية صـ‪.113‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫‪2‬‬

‫امللخص الفقهي ‪ ،‬حـ‪ ، 2‬صـ‪.63‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫جر نفع اً فهو‬


‫املقرض ‪ .‬ويف هذا قاعدة فقهية جممع عليها وهي " كل قرض َّ‬ ‫على‬
‫( ‪)1‬‬
‫ربا " و معناها أن كل ق رض يش تمل على نفع مش روط ‪ ،‬أو متواطأ عليه‬
‫يعود على املقرض فهو ربا ‪ ،‬وقد يكون هذا النفع املشروط زيادة يف املال عند‬
‫الوفاء ‪ ،‬أو أن يعريه شيئا ينتفع به ‪ ،‬أو أن يقدم املقرتض للمقرض خدمة ‪ ،‬كأن‬
‫يس اعده يف إجناز خدمة يف إح دى اإلدارات احلكومية ‪ .‬ف أي نفع مش روط‬
‫صراحة ‪ ،‬أو تلميح اً حييل القرض إىل قرض ربوي ‪ ،‬وليس من القرض احلسن ‪،‬‬
‫أما إذا ج اء النفع للمق رض ب دون ش رط أو تواطؤ فه ذا ج ائز ‪ .‬وعلى ه ذا‬
‫فالقرض يف الفقه اإلسالمي ليس من سبل استثمار املال ‪ ،‬أما يف النظام الرأمسايل‬
‫‪ ،‬ف اإلقراض من س بل اس تثمار النق ود ‪ ،‬فمعظم نش اط املص ارف التجارية ي دور‬
‫حول اإلقراض بفائدة ‪ ،‬واالقرتاض بفائدة ‪.‬‬

‫أما يف النظام اإلسالمي فاملقرض ال ينتظر رحباً عاجالً ‪ ،‬بل يقدم القرض‬
‫ويرجو ب ذلك الث واب يف اآلخ رة ‪ ،‬فهو سيحصل على منفعة ولكنها ليست يف‬
‫الدنيا ‪ ،‬بل يف اآلخرة ‪ ،‬وهذا ينسجم مع بقية أعمال املسلم اليت ال يقتصر أثرها‬
‫على الدنيا ‪ ،‬بل ميتد إىل ما بعد الدنيا ‪.‬‬
‫حكم القرض‪:‬‬
‫الق رض ج ائز الطلب من املق رتض ‪ .‬ومس تحب للمق رض ‪ ،‬ففيه إعانة‬
‫(‪)2‬‬

‫للمحت اجني ‪ ،‬وي دخل حتت عم وم قوله × " من نفَّس عن م ؤمن كربة من‬
‫ُك َرب ال دنيا نفَّس اهلل عنه ُك ْربة من ُك َرب ي وم القيامة " (‪ . )3‬ففي ه ذا احلديث‬
‫حث على مساعدة احملتاج بأي نوع من املساعدة ‪.‬‬

‫مجهرة القواعد الفقهية يف املعامالت املالية ‪ ،‬مرجع سابق حـ‪ ، 3‬صـ‪. 1291‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫توضيح األحكام ‪ ,‬مرجع سابق ‪ ,‬جـ‪ , 4‬صـ‪. 64-59‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح مسلم ‪ ,‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار ‪ ,‬باب فضل االجتماع على‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫تالوة القرآن وعلى الذكر برقم ‪. 4867‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الفصل الثالث‬
‫التوزيع والمصارف والتأمين‬
‫المبحث األول‬
‫التوزيع في االقتصاد اإلسالمي‬

‫المبحث الثاني‬
‫المصارف‬

‫المبحث الثالث‬
‫التأمين‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المبحث األول‬
‫(*)‬
‫التوزيع في االقتصاد اإلسالمي‬
‫مفهوم التوزيع وإعادة التوزيع‪:‬‬
‫مييز عادة بني التوزيع الوظيفي الذي هي عملية توزيع أو قسمة عائد‬
‫النشاط االقتصادي على عناصر اإلنتاج اليت شاركت فيه‪ ،‬وبني إعادة التوزيع‬
‫اليت هي عملية سحب جزء من الدخول والثروات املكتسبة عرب التوزيع الوظيفي‬
‫وإعادة دفعها إىل فئات أخرى‪ ،‬حسب اعتبارات اجتماعية وإنسانية غري‬
‫وظيفية‪ ،‬كاعتبار احلاجة يف حالة توزيع الزكاة‪ ،‬واعتبار درجة القرابة واحلاجة‬
‫معاً يف حالة توزيع املرياث‪.1‬‬
‫وسنبني أوالً‪ :‬التوزيع الوظيفي مث نبني إعادة التوزيع يف املطلب الثاين‪.‬‬

‫المطلب األول‬
‫التوزيع الوظيفي في االقتصاد اإلسالمي‬

‫من املس لم به أن عناصر اإلنت اج (وهي ‪ :‬العمل ورأس املال واألرض)‬


‫تس تحق كل منها عائ داً إذا ما ش اركت يف العملية اإلنتاجي ة‪ ،‬وذلك تبع اً‬
‫لوظيفتها يف اإلنتاج‪ .‬وفيما يلي نبني اإلطار الشرعي الذي يستحق به كل عنصر‬
‫نصيبه يف الناتج‪.2‬‬
‫أ ‪ -‬عائد عنصر العمل ‪:‬‬

‫إعداد الدكتور عمر املرزوقي ‪.‬‬ ‫*)‬ ‫(‬

‫الوجيز يف الفكر االقتصادي الوضعي واإلسالمي‪ ،‬وضع سابقة‪ ،‬د‪ .‬عبداجلبار السبهاين‪،‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫ص‪.237‬‬
‫عامل إسالمي بال فقر‪ ،‬د‪ .‬رفعت العوضي‪ ،‬ص‪.86‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫حيق لعنصر العمل أن حيصل على أجر حمدود أو عائد ث ابت‪ ،‬كما يف‬
‫عقد اإلج ارة‪ .‬وعقد اإلج ارة عقد مش روع‪ .‬حبسب ما س بق بيانه يف مبحث‬
‫أسباب امللكية ‪.‬‬
‫كما له أن حيصل على نس بة من ال ربح كما يف ش ركة املض اربة‪ ،‬اليت‬
‫تنعقد بني ط رفني أح دمها يق دم املال ويس مى رب املال واآلخر عليه العمل‬
‫ويسمى املضارب‪ ،‬وهو الذي يتاجر باملال‪ ،‬ويكون الربح بينهما حسبما يتفقان‬
‫عليه من النصف أو الثلث أو أي ج زء معل وم مش اع من ال ربح ‪ ،‬أما إذا حتققت‬
‫خسارة فيتحملها صاحب رأس املال من ماله‪ ،‬والعامل (املضارب) خيسر جهده‬
‫وعمله بال عائد‪.‬‬

‫ولعنصر العمل أيضاً عائد آخر هو نسبة من الناتج كما يف املزارعة‪.‬‬


‫ب‪ -‬عائد عنصر رأس المال‬
‫رأس املال له أس لوب واح د‪ ،‬وهو أن يش ارك يف النش اط االقتص ادي‪،‬‬
‫ومن مث يش رتك يف النتيجة النهائية للنش اط االقتص ادي ‪ ،‬اليت حيتمل أن تك ون‬
‫رحباً أو خس ارة‪ ،‬وذلك ميثل الطريق الش رعي والس وي والع ادل لنم اء املال‬
‫وزيادته ‪ ،‬فال يوجد كسب طيب ب دون جهد وعن اء وخماطرة ‪ ،‬وال توجد فئة‬
‫تعيش على جهد وع رق اآلخ رين‪ ،‬بل يعمل اجلميع ويش رتكون يف اإلنت اج ويف‬
‫حتمل املخ اطرة‪ ،‬حىت تتم عدالة توزيع الن اتج‪ ،1‬وفق اً ملع ايري عادلة ‪ ،‬إذ الغ رم‬
‫ب الغنم‪ ،‬كش رط ش رعي الس تحقاق العائد من رأس املال ‪ ،‬أما أن يتمتع رأس‬
‫املال بعائد ث ابت بغض النظر عما تس فر عنه نتيجة النش اط من ربح أو خس ارة‬
‫كما هو جار يف النظام الرأمسايل فهذا ال جيوز أص الً‪ ،‬ألنه من قبيل الربا احملرم يف‬

‫د‪ .‬عبد احلميد الغزايل‪ ،‬اإلنسان أساس املنهج اإلسالمي يف التنمية االقتصادية‪ ،‬ص‪. 56‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫د‪ .‬عمر املرزوقي‪ ،‬النشاط االقتصادي يف اإلسالم ‪ ،‬ص‪.274‬‬


‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫اىل‬ ‫قوله تع‬


‫[البقرة‪.]275 :‬‬ ‫‪       ‬‬

‫وتوعد اهلل مبامل يتوعد به غ ريه‪ ،‬وأن ذر حبربه على من يصر على أكله يف‬
‫‪          ‬‬ ‫قوله‬
‫‪          ‬‬
‫‪           ‬‬
‫[البقرة‪]279 -278 :‬‬
‫جـ‪ -‬عائد عنصر األرض ‪:‬‬
‫حيق لألرض يف االقتصاد اإلسالمي أن حتصل على عائد يف صورة جزء‬
‫من الن اتج كما يف حالة املزارع ة‪ ،‬واملزراعة هي دفع األرض إىل من يزرعها جبزء‬
‫‪1‬‬
‫معلوم مما خيرج منها‪.‬‬

‫وقد دفع النيب ‪ ‬أرض خيرب لزراعتها بش طر ما خيرج منه ا‪ .‬فقد روى‬
‫البخاري عن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال "أعطى رسول اهلل ‪ ‬خيرب اليهود أن‬
‫يعملوها ويزرعوها وهلم شطر ما خيرج منها"‪.2‬‬
‫‪ -‬كما حيق هلا أن حتصل على أجر حمدد يف حالة دفعها للغري ليستغلها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫إعادة التوزيع في االقتصاد اإلسالمي‬

‫د‪ .‬إبراهيم العروان ‪ ،‬نظرية التوزيع دراسة فقهية اقتصادية‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه البخاري يف كتاب املزارعة ‪ ،‬باب املزارعه مع اليهود برقم ‪. 2163‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫لقد شرع اإلسالم أدوات وآليات تتوىل إعادة توزيع الدخول الثروات‬
‫املكتسبة بالتوزيع الوظيفي السالف الذكر‪ ،‬لعل أبرزها ما يلي‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬الزكاة ‪ :‬اليت تعيد التوزيع على أساس احلاجة ‪.‬‬
‫ثاني‪GG‬اً ‪ :‬الم‪GG‬يراث ال ذي يعيد التوزيع على أس اس درجة القرابة واحلاجة مع اً‪ .‬وفيما‬
‫يلي التفصيل‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫أوالً‪ :‬الزكاة‬
‫تعترب الزك اة أداة مهمة من أدوات إع ادة التوزيع ال دخل وال ثروة لص احل‬
‫الطبق ات الفق رية‪ ،‬أو الفئ ات املنخفضة ال دخل‪ ،‬وغين عن البي ان أن ا ٍإلس الم مل‬
‫جيعلها ص دقة مقطوعة أو إحس اناً اختياري اً‪ ،‬وإمنا جعلها حق اً مفروض اً وق دراً‬
‫معلوماً يف مال الغين‪ ،‬الذي متلي عليه شريعته اإلسالمية أن يشرك غريه فيما أتاه‬
‫اهلل من فض له‪ ،‬وأن جيعل يف ماله متس عاً يس عف به الفقري اجلائع واحملروم الض ائع‬
‫واألرملة اليت ال عائل هلا واليتيم الذي ال مورد له‪ ،‬وفق ما تقضيه تعاليم اإلسالم‬
‫اليت مل ت رتك ه ؤالء وأمث اهلم هنب اً ل ذوي األغ راض واالس تغالل وعرضة للفاقة‬
‫واحلرم ان ‪ ،‬بل وض عت هلم نظام اً مالي اً قومياً يعيد التوزيع لص احلهم‪ ،‬ليواصل‬
‫الفقري واملس كني نش اطه وكدحه يف مي ادين العمل واإلنت اج‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫فريضة الزك اة‪ ،‬وبنسب خمتلفة ختتلف ب اختالف الوع اء املزكى وتنوع ه‪ ،‬فقد‬
‫تصل إىل اخلمس (‪ )%20‬كما يف الرك از‪ ،‬كما تصل إىل العشر ك امالً (‬
‫‪ )%10‬كما يف ال زروع والثم ار اليت س قتها الس ماء والعي ون‪ ،‬وقد تنخفض إىل‬
‫نصف العشر (‪ )%5‬إذا ت وىل املالك ال ري بالكلفة والعم ل‪ ،‬وقد تصل إىل ربع‬
‫العشر (‪ ،)%2.5‬كما يف ع روض التج ارة وال ذهب والفضة وس ائر األم وال‬
‫النقدية ولو عطلهما ص احبهما عن الت داول‪ ،‬وقد تك ون أقل من ذلك كما يف‬

‫د‪ .‬عمر املرزوقي‪ ،‬اقتصاديات الغىن يف اإلسالم ‪ ،‬ص ‪. 18‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫زك اة الس ائمة يف هبيمة األنع ام ‪ ،‬حبسب ما س بق بيانه يف مبحث التكافل‬


‫االجتماعي ‪.‬‬

‫وقد وازن الش ارع احلكيم يف ه ذا الق در ال ذي أوجبه من الزك اة بني‬


‫ج انب األغني اء ومص لحة الفق راء‪ ،‬حيث ف رض الق در ال ذي يرفع من مس توى‬
‫دخول الفقراء ويعيد التوزيع لصاحلهم وال يرهق يف الوقت نفسه كاهل األغنياء‬
‫أو يلغي جانباً كبرياً من كدهم وكدحهم وثروهتم‪.‬‬

‫بل إن اتس اع وع اء الزك اة الش امل مجيع األم وال النامية يعد من أب رز‬
‫أسباب جناح الزكاة كأداة من أدوات إعادة التوزيع يف اجملتمع املسلم‪ ،‬فضالً عن‬
‫كوهنا تتكرر سنوياً جيعل منها أداة دائمة إلعادة توزيع الدخل والثروة‪.‬‬

‫وال غرو أن النظام اإلسالمي شرع الزكاة فهو نظام يرمي إىل املشاركة‬
‫يف الثراء والرخاء وليس املشاركة يف الفقر واحلاجة وفرض حد الكفاف‪ ،‬مثلما‬
‫هو احلال يف النظ ام االش رتاكي‪ ،‬وهلذا ال ج رم أن اإلس الم مل ي رتك أصل ه ذه‬
‫املشاركة يقوم فقط على فكرة اإلحسان االختياري‪ ،‬كما يف الرأمسالية‪ ،‬والذي‬
‫قد يرافقه املن واألذى‪ ،‬وقد ال يكفي لسد حاج ات الفق راء أو يقضي على‬
‫التف اوت الس حيق يف ال ثروات بني الفئ ات املختلفة يف اجملتم ع‪ ،‬وإمنا جعله حق اً‬
‫معلوم اً ومفروض اً يف األم وال املكت نزة أو الفائضة عن النفق ة‪ ،‬بش كل يض من‬
‫لقمة العيش ملن مل يتيسر له املش اركة يف العملية اإلنتاجي ة‪ ،‬أو ملن مل يبلغ نص يبه‬
‫يف عائد التوزيع ال وظيفي ما يش بع حاجاته ويتم كفايت ه‪ ،‬وب ذلك حيقق اإلس الم‬
‫جانب اً من مبدئه العام ‪0         ‬‬
‫[احلشر‪. ]7 :‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫حيث تستهدف الزكاة نقل أو اقتطاع جزء من الثروات اليت تتكدس يف‬
‫بعض األي دي وإع ادة توزيعها ودفعها إىل األص ناف املس تحقني‪ ،‬ال ذين لو مل‬
‫خيصص هلم ج زءاً منها لك انوا حرب اً على أص حاهبا‪ ،‬وخط راً يه دد أمن اجملتمع‬
‫وسالمته‪.‬‬

‫والنظ ام االقتص اد اإلس المي هبذه الوس يلة ع اجل مش كلة س وء توزيع‬
‫ال دخل وال ثروات اليت تع اين منها النظم الوض عية ق دمياً وح ديثاً‪ ،‬وهي وس يلة أو‬
‫فريضة ال يض جر منها الن اس وال تثري فيهم العن اد أو التح دي‪ ،‬وهم يعلم ون أهنا‬
‫تسهم يف إعادة توزيع ما يف أيديهم من أموال وثروات وبطريقة شرعية وإلزامية‬
‫لص احل الفئ ات الفق رية أو احملرومة يف اجملتم ع‪ ،‬ق ال ×‪( :‬ف أخربهم أن اهلل ف رض‬
‫عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)‪.‬‬

‫إذ أن إع ادة توزيع ال دخل وال ثروة من الفئة األك ثر غىن إىل األك ثر فق راً‬
‫هي ه دف مهم للزك اة‪ ،‬ول ذلك مل تس مح الش ريعة بإنف اق حص يلتها يف غري‬
‫مصارفها الشرعية‪ ،‬كشق الطرق أو متويل مرافق الدولة‪ ،‬ألهنا ال متثل إعادة توزيع‬
‫من الغين إىل الفقري‪ ،‬بل متثل استثمارات رمبا يستفيد منها الغين أكثر من الفقري‪.1‬‬

‫فالشارع احلكيم حيرص على توزيع عادل وعلى حتقيق مستوى الئق من‬
‫املعيشة لكافة ش رائح اجملتم ع‪ ،‬وإن تف اوت ال دخل بينهم ‪ ،‬وحيصر على إقامة‬
‫ت وازن اقتص ادي واجتم اعي‪ ،‬يكفل ع دم تض خم املال يف ج انب واحنس اره يف‬
‫ج انب آخ ر‪ ،‬ليظل اجملتمع كالبني ان املرص وص يشد بعضه بعض اً‪ ،‬خالي اً من‬
‫ش وائب الظلم واالس تغالل واجلور‪ ،‬ومن أرج اس البخل وال دناءة والقس وة‬
‫واألث رة‪ ،‬وغري ذلك مما هو مع روف من ش رور الرأمسالية الباغي ة‪ ،‬اليت أف رزت‬

‫د‪ .‬حممد القري‪ ،‬مقدمة يف أصول االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫مفاسد ومظ امل وول دت احلسد واحلقد يف نف وس احملرومني‪ ،‬جتاه ال ذين يعيش ون‬
‫يف ب ذخ وت رف وس رف وجمون ين ثرون ال ذهب على موائد امليسر ويف مي ادين‬
‫السباق وأماكن اللهو‪.‬‬

‫واالقتص اد اإلس المي هبذا مل يس لك طريق النظم االقتص ادية الوض عية‪،‬‬
‫اليت مل تفلح يف حتقيق قسط كبري من العدالة االجتماعية واالقتص ادية‪ ،‬بل انبثق‬
‫عنها ظلم ص ارخ وتن اقض واضح يف توزيع ال دخل وال ثروة‪ ،‬إذ أن حنو ‪%17‬‬
‫من جمموع سكان العامل حيتكرون نسبة ‪ %82‬من الثروة العاملية عام ‪1989‬م‬
‫على س بيل املث ال‪ ،1‬ع اجزة تلك النظم الوض عية عن التخفيف من ح دة انع دام‬
‫العدالة يف التوزيع‪ ،‬ومن مث كبح أطماع األغنياء وأرباب األعمال‪ ،‬أو ما يعرف‬
‫بالطبقة الربجوازية‪ ،2‬أو أن ترفع من مستوى املعيشة عند طبقة الفقراء*‪.‬‬

‫إذ أن حنو اث نني وثالثني مليون اً من س كان الوالي ات املتح دة األمريكية‬


‫مثالً يعيشون يف فقر مدقع‪ ،‬معظمهم من األقليات واألسرة اليت تعوهلا امرأة‪.3‬‬
‫وه ذا خلل حتمي ال مفر منه يف توزيع ال ثروة بني البشر طبق اً لنظ ام‬
‫الرأمسالية وق وى الس وق‪ ،‬وعلى ال رغم من كل ما جلأت إليه الرأمسالية من ف رض‬
‫الض رائب التص اعدية أو زيادهتا بغية أن تص نع ش يئاً للتخفيف من ح دة انع دام‬
‫العدالة التوزيعية يف اقتص ادياهتا فما زال النظ ام الرأمسايل طريق اً للتمي يز بني‬
‫الطبق ات‪ ،‬ووس يلة لطغي ان فئة من البشر على فئة أخ رى‪ ،‬حىت أص بح اجلائع‬
‫والفقري منب وذاً وكم اً ض ائعاً يت ربأ منه اجملتمع إال على س بيل التفضل واإلحس ان‬
‫الض يق‪ ،‬ال ذي تع رتف به الرأمسالية‪ ،‬وليس من ب اب اإلل زام‪ ،‬حيث ال تع رتف‬

‫د‪ .‬عبداحلميد براهيمي‪ ،‬العدالة االجتماعية والتنمية يف االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬ص‪.133‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫د‪ .‬حممد األشرم‪ ،‬حماضرات يف االقتصاد العام ‪ ،‬ص‪.25‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫أو ما يعرف بالربوليتاريا‬ ‫*‬

‫معهد مراقبة البيئة العاملية‪ ،‬الفقر والبيئة‪ ،‬وثيقة ‪ ،92‬ترمجة د‪ .‬حممد صابر ‪ ،‬ص‪.31‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫النظم االقتص ادية الوض عية بكفالة الع اجزين أو احملت اجني إال على س بيل اإلحس ان‬
‫الع ام‪ ،‬وحىت ال دول اليت أخ ذت ب الفكر االش رتاكي البائد مل تع رتف أيض اً هبذا‬
‫االل تزام‪ ،‬بعكس النظ ام االقتص ادي اإلس المي ال ذي ال ي ؤمن مبس اعدة الفق راء‬
‫واحملتاجني يف اجملتمع عن طريق أعمال الرب واإلحسان فحسب‪ ،‬وإمنا يعترب كفالتهم‬
‫من املس ئوليات امللق اة على ع اتق الدولة واجملتمع على حد س واء‪ ،‬إىل درجة أنه‬
‫يعطي كفالة ه ذه الفئة املرتبة األوىل‪ ،‬إذ ج اءت آية مص ارف الزك اة تق دم يف‬
‫األولوية عند التوزيع الفقراء واملساكني‪ ،‬وهم مجيعاً من شرائح اجملتمع احملتاجني ‪.‬‬

‫والنظ ام االقتص ادي اإلس المي ب ذلك يتج اوز النظم الوض عية اليت ال‬
‫تسمح باستحقاق الثرورة أو الدخل املتولد يف االقتصاد إال لعناصر اإلنتاج اليت‬
‫شاركت فيه‪ ،‬ألهنا تؤمن بأن قوى السوق هي املعيار الوحيد للتوزيع بني الفئات‬
‫املختلف ة‪ ،‬حىت أص بحت الثم رة املرة والنك دة اليت أفرزهتا تلك النظم هي ت أجيج‬
‫ن ار الص راع الطبقي وإش اعة الكراهية والبغض اء يف النف وس املعس رة أو احملرومة‬
‫من اإلنف اق أو من س عة يف املال واليت أقع دهتا ظ روف البطالة أو الفقر عن‬
‫املشاركة يف النشاط االقتصادي‪ ،‬ومن مث مل تسطع إشباع حاجاهتا الضرورية أو‬
‫أن تن ال ش يئاً مما ي وزع من خالل آلية الس وق‪ ،‬اليت ال تلي إال الطلب املدعوم‬
‫بالقوة الشرائية‪. 1‬‬
‫‪2‬‬
‫ثانياً‪ :‬الميراث‬
‫يعترب املرياث ال ذي ش رعه اإلس الم وس يلة هامة أيض اً لتف تيت ال ثروة‬
‫وإعادة توزيعها بالعدل واإلنصاف‪ ،‬دون حماباة أو حتامل‪ ،‬وذلك‪ ،‬حىت تعم أكرب‬
‫عدد ممكن من األصول والفروع‪ ،‬وبذلك تتسع دائرة توزيع الثروة داخل أفراد‬
‫د ‪ .‬شوقي دنيا ‪ ،‬النظرية االقتصادية من منظور إسالمي ‪ ،‬د ‪ .‬حممد اجلمال ‪ ،‬موسوعة‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫االقتصاد اإلسالمي ‪ ،‬ص ‪. 67‬‬


‫د‪ .‬عمر املرزوقي‪ ،‬اقتصاديات املرياث يف اإلسالم‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫األسرة املسلمة‪ ،‬دون أن ينفرد أحدها بالرتكة دون سواه‪ ،‬كما حيدث يف بعض‬
‫النظم االقتصادية الوضعية‪ ،‬اليت قد تسمح بانتقال املال كله أو معظمه إىل االبن‬
‫األكرب وت دع من س واه من األبن اء والبن ات‪ ،‬أو قد تطلق احلرية لإلنس ان لي وزع‬
‫ثروته ألي كائن سواء كان وارث اً أو غري وارث اً‪ ،‬مما ينشأ عنه سوء توزيع الثروة‬
‫وتراكمها بيد فرد واحد على حساب إفقار أو حرمان اآلخرين‪.‬‬

‫وتتم عملية إع ادة توزيع ال ثروة يف ظل اإلرث اإلس المي ج زءاً وفق‬
‫الس هام املق درة ك الثمن والس دس والربع والثلث والنصف والثل ثني بني مجيع‬
‫الورثة املس تحقيني ‪          ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪             ‬‬
‫[النساء‪.]11 :‬‬ ‫‪          ‬‬

‫بل إن الش ارع احلكيم قد ش دد على إعط اء كل ذي حق حقه حبسب‬


‫احلصص واألنصبه املبينة يف القرآن الكرمي لتحقيق العدالة يف التوزيع‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪[   ‬النساء‪ ،]7 :‬وحظر كل تصرف يؤدي إىل اإلخالل بنظام‬
‫‪  ‬‬ ‫املرياث أو ينتج عنه مترد على قواعد التوزيع أو القس مة يف الرتكة‬
‫‪           ‬‬
‫‪          ‬‬
‫[النس اء‪:‬‬ ‫‪         ‬‬
‫‪ ]14-13‬واإلس الم ب ذلك يقضي على الرأمسالية الكب رية القائمة على التس لط‬
‫واجلور والظلم واليت هي شر ما تبتلى به اجملتمعات قدمياً وحديثاً‪.‬‬

‫واحلق أنه ليس يف نظام اإلسالم االقتصادي ما يدعو إىل تكديس املال أو‬
‫الثروة يف أيدي معينة‪ ،‬بل فيه نظام حيد من شرور تضخم امللكية‪ ،‬وجيزئها بصفة‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫دائمة‪ ،‬وبنسب عادلة‪ ،‬وأكرب شاهد على ذلك هو نظام املرياث‪ 1‬الذي بفضله ال‬
‫تلبث الثروات الكب رية أو رؤس األم وال اليت قد يتفق مجعها يف يد ش خص معني‬
‫أثن اء حياته أن ت وزع بعد مماته وبص ورة هادئة ال عنف فيها وال اه تزاز‬
‫للمجتم ع‪ ،‬على أكرب ع دد من اخللف رج االً ونس اءاً‪ ،‬دون متي يز بني كبري‬
‫وص غري‪ ،‬وإذا ما قدر ألحد من اخللف أن يع اود الكرة كس لفة‪ ،‬وأن يركز بي ده‬
‫قسماً هام اً من اإلنتاج والثروة فإن مماته كفيل بإعادة توزيع ما مجع وتفريق ما‬
‫تك اثر على أخالف ج دد وفق اً هلذا النظ ام‪ ،‬ال ذي مل يعد أث ره اإلجيايب يقتصر‬
‫على منع تض خم ال ثروة وتكديس ها يف أيد قليلة ثابت ة‪ ،‬بل حيول دون الفقر‬
‫واحلرمان يف اجملتمع‪ ،‬ألنه أداة توزيع ومتلييك جلميع األفراد الوارثيني‪. 2‬‬

‫مع مالحظة أن الش ارع احلكيم وهو يت وخى العدالة يف التوزيع بني‬
‫الورثة املس تحقني توزيع اً ع ادالً ال يش وبه حيف وال يعرتيه ظلم فقد أخذ يف‬
‫االعتبار مبعيار احلاجة‪ ،‬وجعله أساس التفاضل يف التوزيع‪ ،‬حبيث إنه كلما كانت‬
‫احلاجة إىل املال أشد ك ان النص يب أك رب‪ ،‬ولعل ذلك هو السر أو الس بب يف أن‬
‫نص يب ال ذكر ض عف نص يب األن ثى‪ ،‬نظ راً لطبيعة التك اليف املالية املناطة على‬
‫عاتقه واليت من أبرزها النفقة واملهر‪ .3‬فالعط اء على ق در احلاجة هو الع دل ‪،‬‬
‫واملساواة عن تقاوت مقدار احلاجة هو الظلم ‪ ،‬على حد قول أبو زهرة‪. 4‬‬

‫وقد ورد يف مسند اإلمام أمحد وغريه أن النيب × فاوت بني املسلمني يف‬
‫العطاء لتف اوت حاجاهتم ‪ ،‬فعن ابن عوف أن رسول اهلل × إذا أتاه الفي قسمة‬
‫يف يومه ‪ ،‬ف أعطى األهل حظني وأعطى العزب ‪ ،‬حظ اً واح داً ‪ ،‬ق ال ف دعينا‬

‫النظام االجتماعي يف اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬النعمان القاضي‪ ،‬ص ‪303‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫محاية اإلسالم لألنفس‪ ،‬د‪ .‬علي عبدالواحد‪ ،‬ص ‪.59‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫انظر‪ :‬اقتصاديات املرياث يف اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬عمر املرزوقي‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫حممد أبو زهره ‪ ،‬أحكام الرتكات واملواريث ‪ ،‬ص ‪. 240‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫فدعيت ‪ ،‬فأعطاين حظني وكان يل أهل ‪ ،‬مث دعا بعدي عمار بن ياسر فأعطى‬
‫له خطاً واحداً‪. 1‬‬
‫وعمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه يف توزيعه للمال كان يوزع‬
‫بتفاوت‪ ،‬ويقول ملن يعرتض على ذلك إن أريد إال التسوية (( فالرجل وغناؤه‬
‫يف اإلسالم والرجل وحاجته يف اإلسالم )) ‪. 2‬‬

‫رواه أبو داود يف سنة كتاب اخلراج واألمارة ‪ ،‬باب يف قسمة ؟؟ برقم ‪. 2564‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫أبو يوسف ‪ ،‬اخلراج ‪ ،‬حتقيق حممد ‪ ،‬ص ‪. 106‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المبحث الثاني‬
‫المصارف‬
‫*‬

‫المطلب األول‬
‫تاريخ البنوك وأقسامها‬

‫أوالً‪ :‬تاريخ البنوك(‪:)1‬‬


‫مرت البنوك التجارية بتدرج تارخيي انطلقت فيه من أصل هو‪ :‬جمموعة‬
‫من النظم البدائية‪ ،‬اليت كانت تتوىل عمليات اإليداع واالئتمان(‪ )2‬يف السابق‪ ،‬يف‬
‫أوروبا وتتمثل يف‪:‬‬
‫أ‪ -‬كبار التجار‪ :‬ال ذين ك انوا يس اعدون يف تنش يط التج ارة‪ ،‬ومن مث تع ارف‬
‫الن اس على إي داع نق ودهم ل ديهم‪ ،‬وحيص لون على ش هادة تثبت ه ذا‬
‫اإلي داع‪ .‬ويف ه ذه املرحلة يتعهد الت اجر حبراسة النق ود نظري عمولة‬
‫صلها‪.‬‬
‫حُي ِّ‬
‫وقد ورثت البنوك عن هذا األصل مبدأ قبول الودائع من اجلمهور‪.‬‬
‫ب‪ -‬المراب‪GG‬ون‪ :‬ال ذين ك انوا يقرض ون أم واهلم مبقابل عمولة ك انت كب رية يف‬
‫البداية‪ .‬وقد ورثت البنوك عن هذا األصل مبدأ اإلقراض بفائدة‪.‬‬
‫جـ‪ -‬الصاغة‪ :‬الذين كانوا يشتغلون بتجارة احللي‪ ،‬واملعادن‪ ،‬فاكتسبوا بذلك‬
‫خ ربة بعي ار املع ادن‪ ،‬وأس عارها‪ ،‬فك ان الن اس يقص دوهنم للكشف عن‬
‫عيار النقود املعدنية‪.‬‬
‫مث ص اروا يت اجرون بص رف العمل ة‪.‬مث ط وروا عملهم أيض اً‪ ،‬فص اروا‬
‫يتقبلون الودائع من اجلمهور‪ ،‬ومينحون شهادات تثبت هذا اإليداع‪.‬‬

‫إعداد‪ :‬د‪ .‬عبداهلل بن حممد السعيدي‪.‬‬ ‫*‬

‫انظر‪ :‬النقود والبنوك‪ ،‬فؤاد مرسي‪ ،‬مصر‪ :‬دار املعارف‪ ،‬ط‪1958 ،1‬م‪ ،‬ص‪–139‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫‪ ،142‬النقود واالئتمان‪ ،‬حسني عمر‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬ط‪ ،2‬ص‪.55‬‬


‫االئتمان هو‪ :‬أن يقدم البنك للعميل نقوداً‪ ،‬أو وعوداً يف وفاء التزاماته‪.‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫رف‪ ،‬وتقبل الودائع من‬ ‫وك مزاولة عمل الص‬ ‫وقد ورثت عنهم البن‬
‫اجلمهور‪.‬‬

‫وقد ت درجت البن وك يف ه ذا املرياث‪ ،‬ف أول ما ب دأت ك انت وظيفتها‬


‫الصرف‪ ،‬واالحتفاظ بأموال الناس يف صورة ودائع‪،‬كما كانت عليه البنوك يف‬
‫القرنني الثاين عشر والرابع عشر يف إيطاليا‪ ،‬ومشايل أوروبا‪.‬‬

‫وظلت تق وم هبذه الوظ ائف إىل بداية الق رن الس ابع عشر امليالدي‪ ،‬مث‬
‫أخذ الفكر املص ريف يف التط ور‪ ،‬فص ارت املص ارف تعني احلكوم ات باملب الغ‬
‫الطائلة من ودائع اجلمه ور املعطلة ل ديها‪ ،‬فتقرض ها احلكومة بفائ دة‪ ،‬وبس رية‬
‫تامة‪ ،‬حىت ال يشعر العمالء املودعون هبا‪.‬‬

‫وش يئاً فش يئاً أخذ العمالء املودع ون يتن ازلون لغ ريهم عن ش هادات‬
‫إي داعهم‪ ،‬مما أغ رى البن وك بالتص رف هبا‪ ،‬وإقراض ها‪ ،‬فص ارت تقرض ها حبري ة‪،‬‬
‫وكانت تلك خطوة كبرية يف تطور االئتمان‪.‬‬
‫ثانياً‪:‬أقسام البنوك‪:‬‬
‫البن وك تنقسم أقس اماً ع دة‪ ،‬العتب ارات ع دة‪ ،‬فباعتب ار نش اطها ‪-‬ف إن‬
‫بعض اً منها يتخصص يف نش اط معني غايته دعم التنمية في ه‪ -‬وتنقسم هبذا‬
‫االعتبار إىل‪ :‬بنوك صناعية‪ ،‬وبنوك زراعية‪ ،‬وبنوك عقارية‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫وباعتب‪GG‬ار منهجها تنقسم إلى‪ :‬بن وك جتارية تق وم على الرب ا‪ ،‬وبن وك إس المية‬
‫تقوم على املعامالت اإلسالمية‪ ،‬وإن كانت تتفاوت يف تطبيقها‪.‬‬

‫وال‪GG‬ذي يهمنا هن‪GG‬ا‪ :‬البن وك التجاري ة‪ ،‬والبن وك اإلس المية‪ ،‬فس نعرف بكل‬
‫منهما‪ ،‬ونبني أهم أعماهلما فيما يلي‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫تعريف البنك التج‪GGGG‬اري‪ :‬وه و‪( :‬املنش أة اليت تقبل الودائع من األف راد‪،‬‬
‫واهليئات حتت الطلب‪ ،‬أو ألجل‪ ،‬مث تستخدم هذه الودائع يف منح القروض)(‪.)1‬‬
‫وه ذا التعريف قد م يز البنك مبيزتني أوالمها‪ :‬االق رتاض‪ ،‬وثانيهم ا‪ :‬االق راض‪،‬‬
‫والثانية مبنية على األوىل‪ ،‬فإن التمويل الذي تقدمه البنوك يف صورة قرض غالبه‬
‫من أموال املودعني‪.‬‬

‫ووصف البنك بواحد منهما ال مييزه عن غ ريه من س ائر املقرض ني‪ ،‬أو‬
‫املقرتضني‪ ،‬وإمنا يتميز بضم الوصفني إىل بعضهما‪ ،‬إذ ال جيتمعان إال يف املؤسسة‬
‫املصرفية‪.‬‬

‫تعريف البنك اإلسالمي‪ :‬وه و‪( :‬مؤسسة مص رفية جتارية تق وم على الش ريعة‬
‫( ‪)2‬‬
‫اإلسالمية‪).‬‬

‫وه ذا التعريف قد م يز املؤسسة بأهنا "مص رفية" لي دخل يف ذلك ما‬


‫ميارسه البنك اإلس المي من األعم ال اليت ال تك ون إال للمص ارف‪ ،‬كقب ول‬
‫الودائع‪ ،‬وتقدمي اخلدمات املصرفية‪.‬‬
‫كما وصفها بأهنا "جتارية" ليدخل يف ذلك ما يتميز به البنك اإلسالمي‪،‬‬
‫من استثمار يف التجارة‪ ،‬على حنو يتميز به عن البنوك التجارية‪.‬‬

‫كما وص فها بأهنا "تق وم على الش ريعة اإلس المية"‪ ،‬لي دخل يف ذلك ما‬
‫مييزها عن البن وك التجاري ة‪ ،‬كاجتناهبا الرب ا‪ ،‬وحنو ذلك مما خيالف الش ريعة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫مذكرات يف النقود والبنوك‪ ،‬إمساعيل حممد هاشم‪ ،‬مصر‪ :‬دار اجلامعات املصرية‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1975‬م ص‪.43‬‬
‫الربا يف املعامالت املصرفية املعاصرة‪ ،‬عبداهلل بن حممد السعيدي‪ ،‬الرياض‪ :‬دار طيبة للنشر‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪2‬‬

‫والتوزيع‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‪.2/1021 ،‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫مقارنة بني البن وك التجاري ة‪ ،‬واإلس المية‪ :‬تتفق البن وك التجاري ة‪،‬‬
‫واإلسالمية يف أهنا تقوم على ما تتقبله من اجلمهور من أموال‪ ،‬تسميها "ودائع"‪.‬‬

‫وتف رتق من جهة أن البن وك التجارية تعطي ص احب الوديعة املؤجلة‬


‫فائ دة‪ ،‬أما البن وك اإلس المية‪ ،‬فال تعطي مقابل الوديعة فائ دة‪ ،‬لكن الوديعة إذا‬
‫ك انت اس تثمارية‪ ،‬ف إن البنك اإلس المي يس تثمرها على وجه مش روع لص احل‬
‫صاحب الوديعة‪ ،‬فإن حصل ربح اشرتك فيه البنك –مبوجب عمله‪ -‬وصاحب‬
‫املال –مبوجب ماله‪ -‬واقتسما الربح حسب اتفاقهما‪.‬‬

‫وإن حص لت خس ارة ض اع على ص احب املال ما يض يع عليه من مال ه‪،‬‬


‫وضاع على البنك ما يضيع عليه من جهده‪.‬‬

‫وال يف التمويل(‪- )1‬يعين يف تلبية‬ ‫ذه األم‬ ‫وتتفق يف أهنا توظف ه‬


‫احتياجات الناس إىل املال‪. -‬‬
‫وتف رتق يف طريقة التموي ل‪ ،‬إذ إن التمويل يف البن وك التجارية يك ون يف‬
‫صورة القرض بفائدة "الربا" أما يف البنوك اإلسالمية فيكون يف صورة عقد من‬
‫عقود البيع‪ ،‬أو املشاركة‪ ،‬أو حنو ذلك‪.‬‬

‫ومما تتفق فيه أن بعض املع امالت اإلس المية‪ ،‬اليت ابتكرهتا البن وك‬
‫اإلسالمية‪ ،‬صارت متارسها البنوك التجارية وتنافسها فيها‪.‬‬

‫كما أن بعض املع امالت اليت ابتكرهتا البن وك التجارية ص ارت متارس ها‬
‫البنوك اإلسالمية على‪ ،‬حنو يوافق منهجها‪ ،‬وهبذا ذابت احلدود يف العمل املصريف‬
‫التمويل‪ :‬هو‪ :‬التزويد بالنقود ‪.‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫بني البن وك فص ار من العسري أن تُص نَّف كث ريٌ من األعم ال على أهنا خاصة‬
‫ب البنوك التجارية أو اإلس المية‪ ،‬غري أن البن وك اإلس المية متارس ما تق وم به من‬
‫أعمال وفق منهجها اإلسالمي‪ ،‬وهبذا تفرتق عن البنوك التجارية‪.‬‬

‫ل ذا سأض رب ص فحاً عن تص نيف األعم ال املص رفية –فيما س يأيت‪-‬‬


‫وأكتفي بإيرادها منبه اً على ما هو من ابتك ار البن وك التجاري ة‪ ،‬أو خاص اً هبا‪،‬‬
‫وما هو من ابتكار البنوك اإلسالمية‪ ،‬وبيان ذلك يف املطلب اآليت‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المطلب الثاني‬
‫المعامالت المصرفية‬

‫البن وك تقوم على عملني إمجاالً‪ ،‬أحدهما‪ :‬االق رتاض‪ ،‬إذ يقرتض البنك من‬
‫اجلمه ور من خالل ما يس مى بقب ول الودائ ع‪ ،‬ويف ه ذه املعاملة يك ون البنك‬
‫مقرتض اً‪ ،‬ويف رتق البنك التج اري عن اإلس المي يف ه ذا من جهة أن البنك‬
‫التجاري يدفع فائدة مقابل هذه القروض‪ ،‬خبالف البنك اإلسالمي‪.‬‬

‫وثانيهما‪ :‬اإلق راض بفائ دة‪ ،‬حيث إن البنك يق رض ه ذه األم وال اجملتمعة لديه من‬
‫اجلمهور‪ ،‬مقابل فائدة‪ ،‬وذلك ما يسمى بـ"االئتمان" أو "التمويل"‪ ،‬وهو أساس‬
‫عمل البنوك التجارية‪ ،‬وقد يقرضها بإعادة إيداعها لدى البنوك الكربى‪.‬‬

‫والبن وك اإلس المية أس اس عملها التمويل أيض اً ال ذي يق وم على ودائع‬


‫اجلمه ور‪ ،‬لكن التمويل ل دى البن وك اإلس المية‪ ،‬ال يك ون ب القرض بفائ دة‪ ،‬بل‬
‫بالبيع‪ ،‬أو املشاركة‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬

‫ومن نظر آخر تنقسم أعمال البنوك إىل قسمني‪" :‬متويل"‪ ،‬و"خدمات"‪.‬‬
‫أما أعم ال االئتم ان "التمويل"‪ ،‬فهي ما يك ون فيها البنك مموالً‬
‫"مقرضاً"‪.‬‬
‫وأما أعم ال اخلدمات فغايتها التس ويق للعمل األساسي للبن وك‬
‫"التمويل"‪ ،‬فتكون تلك اخلدمات اليت يقدمها البنك لألفراد واملؤسسات طريق اً‪،‬‬
‫وم دخالً إىل متويله ا‪ ،‬ومن تلك اخلدمات‪" :‬بطاقة االئتم ان"‪" ،‬االعتم اد‬
‫املستندي"‪ ،‬وغريها‪ ،‬وفيما يلي بيان ألهم املعامالت املصرفية‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫أوالً‪ :‬الوديعة المصرفية(‪:)1‬ـ‬


‫وهي معاملة تق وم عليها البن وك جتاري ةً ك انت‪ ،‬أو إس المية‪ ،‬طرفاه ا‪:‬‬
‫البن ك‪ ،‬والعمي ل‪ ،‬وفيها يق وم البنك بتقبل ما يقدمه العمالء باسم الوديع ة‪،‬‬
‫وسنتكلم عليها من خالل العناصر اآلتية‪:‬‬
‫(أ) تعريفها‪:‬‬
‫وقد ع رفت الوديعة املص رفية بأهنا‪( :‬النق ود اليت يعهد هبا األف راد‪ ،‬أو‬
‫اهليئ ات إىل البن ك‪ ،‬على أن يتعهد األخري برده ا‪ ،‬أو ب رد مبل ٍغ مس ا ٍو هلا إىل‬
‫شخص آخر معني‪ ،‬لدى الطلب‪ ،‬أو بالشروط املتفق عليها)(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫املودع‪ ،‬أو إىل‬
‫(ب) أقسامها‪ :‬وتنقسم الوديعة المصرفية إلى قسمين‪:‬‬
‫األول‪ :‬وديعة جارية "حتت الطلب"‪ ،‬وفيها ميتلك البنك املب الغ املودع ة‪ ،‬ويك ون‬
‫للم ودع أن يطلب اس رتدادها يف أي وقت‪ ،‬وال يأخذ ص احبها عوض اً‬
‫"فائدة" من البنك مقابلها(‪.)3‬‬
‫اتفاق بني البنك‪ ،‬وصاحبها بأن ال يسرتدها‪،‬‬ ‫الثاين‪ :‬وديعة ألجل‪ ،‬وهذه جيرى ٌ‬
‫أو ش يئاً منها إال بعد أج ٍل معني‪ ،‬ومقابل ذلك يعطي البنك ص احبها‬
‫عوضاً "فائدة" يناسب أجلها(‪.)4‬‬
‫ج ‪ -‬تخريجها "تكييفها"‪ :‬الوديعة المصرفية بنوعيها تتميز باآلتي‪:‬‬
‫(‪ )1‬أن املصرف ميتلكها‪.‬‬
‫(‪ )2‬مث إنه تبعاً لذلك يتصرف فيها‪.‬‬

‫انظر‪ :‬الربا يف املعامالت املصرفية املعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪.2/979 ،‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪ ،‬علي مجال الدين عوض‪ ،‬مصر‪ :‬دار االحتاد العريب‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪2‬‬

‫ة‪،‬‬ ‫للطباع‬
‫‪1981‬م‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫انظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫(‪ )3‬مث إنه تبعاً لذلك يضمن رد مثلها لصاحبها بكل حال‪.‬‬
‫وهذه اخلصائص ال تكون للوديعة‪ ،‬لكنها من خصائص القرض‪ ،‬وعليه‪:‬‬
‫قرض يف حقيقتها‪ ،‬وإن مسيت وديعة‪.‬‬
‫فإن الوديعة املصرفية ٌ‬

‫د‪ -‬حكمه ا‪ :‬وإ ْذ ك انت الوديعة املص رفية قرض اً يف حقيقته ا‪ ،‬فإهنا تك ون رب اً‬
‫حرام‪ ،‬من كبائر الذنوب‪.‬‬
‫عند أخذ فائدة عليها‪ ،‬ومعلوم أن الربا ٌ‬

‫ثاني‪GG‬اً‪ :‬الق رض بفائ دة(‪ :)1‬والق رض بفائ دة مش روطة يف أصل العقد من أعم ال‬
‫البنوك التجارية‪ ،‬بل هو أساس عملها‪ ،‬وسنتكلم عليه من خالل ما يلي‪-:‬‬
‫أ‪ -‬صورته‪ :‬وصورته‪ :‬أن البنك وهو املقرض يتفق مع شخص هو املقرتض‪،‬‬
‫على أن يقرضه البنك مائة ألف لاير مثالً إىل أجل معني‪ ،‬وليكن س نة‪،‬‬
‫بفائ دة معين ة‪ ،‬مقابل ه ذا األج ل‪ ،‬حسب س عر الفائ دة الس ائد وقت‬
‫العقد‪.‬‬
‫ب‪ -‬أقسامه‪ :‬ينقسم القرض باعتبار الفائدة إىل قسمني‪ ،‬مها قسما الفائدة‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫الفائ دة املش روطة يف أصل عقد الق رض لق اء األجل‬ ‫‪‬‬
‫احملدد‬
‫للوفاء به‪.‬‬
‫الفائ دة اليت تس تحق الحق اً لق اء ت أخري الوف اء عن أجله‬ ‫‪‬‬
‫احملدد‪.‬‬
‫وباعتبار طرقه ينقسم القرض إلى قسمين ‪:‬‬
‫الق رض املباش ر‪ ،‬وفيه ي دخل البنك مع العميل يف عقد‬ ‫‪‬‬
‫القرض مباشرة ‪.‬‬

‫انظر‪ :‬الربا يف املعامالت املصرفية املعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪.2/981 ،‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الق رض غري املباش ر‪ ،‬وفيه ال ي دخل البنك مع العميل يف‬ ‫‪‬‬


‫عقد القرض مباشرة‪ ،‬بل يكون ذلك بعد دخوله يف معاملة أو‬
‫تعهد سابق عليه‪ ،‬يكون طريقاً إليه‪ ،‬مثل‪" :‬االعتماد البسيط"‬
‫‪ ،‬و "االعتم اد املس تندي"‪ ،‬و"بطاقة االئتم ان"‪ ،‬وغريها من‬
‫أعم ال اخلدمات اليت غايتها التس ويق لالئتم ان‪ ،‬وال يك ون‬
‫البنك مقرض اً مبج رد ه ذه اخلدمات‪ ،‬وإمنا يك ون مقرض اً‬
‫للعميل بإبرام عقد القرض ‪.‬‬

‫جـ‪ -‬تخريج‪G‬ه‪ :‬والق رض بفائ دة ليس قرض اً يف حقيقت ه‪ ،‬لكنه ربا‪ ،‬فإن الق رض‬
‫(‪)1‬‬
‫الش رعي يع رف بأن ه‪( :‬دفع م ال إىل الغ ري‪ ،‬لينتفع ب ه‪ ،‬وي رد بدل ه)‬
‫ويش رتط يف الب دل املماثل ة‪ ،‬ف إن الزي ادة املش روطة يف الق رض رب اً‬
‫باإلمجاع(‪ )2‬ف إذا مل ي رد مثل ه‪ ،‬بل أك ثر منه مل يكن قرض اً‪ ،‬وص ار هبذه‬
‫الزيادة ربا‪ ،‬سواءً أكانت الزيادة مشروطة يف أصل العقد‪ ،‬أم اشرتطت‬
‫عند حلول األجل‪ ،‬وعجز املدين ‪.‬‬

‫د‪ -‬حكمه‪ :‬وإ ْذ كان ربا‪ ،‬فإنه حمرم‪ ،‬ألن الربا من كبائر الذنوب‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬االعتماد البسيط‪ :‬وهو‪( :‬عقد يلتزم البنك مبقتضاه أن يضع حتت تصرف‬
‫عميله مبلغ اً معين اً من النق ود‪ ،‬أو أي أداة من أدوات االئتم ان‪ ،‬ويك ون‬
‫للعميل حق االستفادة من ذلك دفعة واحدة‪ ،‬أو على دفعات معينة)(‪. )3‬‬
‫وال يكون العميل مديناً للبنك مبجرد هذا العقد‪ ،‬لكن بعد حصوله على‬
‫القرض‪.‬‬
‫اإلنصاف‪ ،‬علي املرداوي‪ ،‬مصر‪ :‬هجر للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ‪.12/323 ،‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫اإلمجاع‪ ،‬بن املنذر‪ ،‬قطر‪ :‬رئاسة احملاكم الشرعية‪ ،‬ط‪1407 ،2‬هـ‪ ،‬ص‪ ،95‬اإلمجاع‪،‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫ابن عبدالرب‪ ،‬الرياض‪ :‬دار القاسم‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪ ،‬ص‪.217‬‬


‫انظر‪ :‬الوجيز يف القانون التجاري‪ ،‬مصطفى كمال‪ ،‬مطبعة دار العامل العريب‪.2/511 ،‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫(‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫االعتماد المستندي(‪ :)4‬وهو‪( :‬تعهد صادر من البنك بالدفع عن العميل‬ ‫رابعاً‪:‬‬


‫لصاحل طرف ثالث‪ ،‬بشروط معينة‪ ،‬مبينة يف التعهد)‪.‬‬

‫وهذه املعاملة حيتاج إليها يف التجارة الدولية‪ ،‬إذ يكون البنك وسيطاً بني‬
‫املص دِّر يف بلد أجن يب‪ ،‬واملس تورد يف بلد البن ك‪ ،‬ويك ون دفع البنك للمص دِّر‬
‫مشروطاً بتسليم مستندات البضاعة إىل البنك‪.‬‬

‫وال يك ون البنك مقرض اً للعميل مبج رد ه ذا التعه د‪ ،‬لكن بدفعه املبلغ‬


‫للمصدر ‪.‬‬

‫والبنك اإلس المي ال ميول العميل من خالل االعتم اد املس تندي على‬
‫وجه القرض بفائدة‪ ،‬بل على وجه املشاركة‪ ،‬أو حنوها من العقود املشروعة‪.‬‬

‫خامس‪GGGG‬اً‪ :‬بطاقة االئتم‪GGGG‬ان(‪ :)1‬وهي من األعم ال اليت ابتكرهتا البن وك التجاري ة‪،‬‬
‫ومتارس ها البن وك اإلس المية أيض اً‪ ،‬على حنو يوافق منهجه ا‪ ،‬وس نتكلم‬
‫عليها من خالل اآليت‪:‬‬
‫تعريفها‪ :‬وهي‪( :‬مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي‪ ،‬أو اعتباري‪ ،‬بناء‬ ‫أ‪-‬‬
‫على عقد بينهم ا‪ ،‬ميكنه من س حب النق ود‪ ،‬وش راء الس لع‪ ،‬واخلدمات‪،‬‬
‫ممن يعتمد املس تند‪ ،‬دون دفع الثمن ح االً‪ ،‬لتض منه ال تزام املص در‬
‫( ‪)2‬‬
‫بالدفع)‪.‬‬

‫انظر‪ :‬الربا يف املعامالت املصرفية املعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪.1/381 ،‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫انظر‪ :‬املرجع السابق ‪ ،1/281‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫انظر‪ :‬تعريف جممع الفقه اإلسالمي يف دورته السابعة‪ ،‬لعام ‪1412‬هـ‪.‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫(‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ب‪ -‬فائدتها لحاملها "العميل"‪:‬‬


‫‪ -1‬أنه يستحق مبوجبها قرضاً من البنك إما على هيئة الوفاء مبا عليه من‬
‫حق وق "دي ون" ناجتة عن تعاملة هبذه البطاق ة‪ ،‬أو على هيئة نقد‬
‫حيصل عليه العميل يف حال سحبه على املكشوف بواسطتها‪.‬‬
‫وه ذا الق رض ال حتتسب البن وك عليه فوائد إذا وف اه العميل خالل‬
‫املهلة املتفق عليها يف العقد وهي ختتلف م دهتا ب اختالف البن وك‪،‬‬
‫وباختالف البطاقات‪ ،‬لكنها ما بني ‪ 55-25‬يوماً‪.‬‬
‫فإن جتاوز العميل هذه املهلة دون وفاء احتسب البنك عليه فائدة‪.‬‬
‫‪ -2‬وهناك فوائد أخرى لبطاقة االئتمان تشرتك معها فيها يف بطاقة الصرف‬
‫اآليل‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫سهولة التعامل هبا‪ ،‬واالستغناء هبا عن محل النقود‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫إمك ان الس حب النق دي هبا‪ ،‬وه ذه اخلدمة تكلف عن‬ ‫‪‬‬
‫طريق بطاقة االئتم ان أض عاف ما تكلفه عن طريق بطاقة‬
‫الصرف اآليل‪.‬‬
‫إمكان تسديد الفواتري هبا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫جـ‪ -‬فائدتها للمصرف "البنك"‪ :‬ويستفيد منها المصرف "مصدرها" فوائد منها‪:‬‬
‫توظيف املصرف أمواله من خالهلا باالئتمان‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫كسب عدد كبري من العمالء حاملي بطاقته الصادرة عنه‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫فتح املتع املني هبا –إن ك انوا حامليه ا‪ ،‬أو التج ار ال ذين يقبل ون‬ ‫‪.3‬‬
‫التعامل هبا‪ -‬حساباً جارياً لدى املصرف "مصدرها" لتسوية ما يتم‬
‫بواسطتها من معاملة‪.‬‬
‫ما حيص له البنك "مص درها" من عوائد من خالهلا على هيئة رس وم‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫وعمولة‪ ،‬وفوائد‪ ،‬وفرق يف سعر الصرف‪ ،‬وهذه العوائد كبرية جداً‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ب النظر إىل أعب اء البطاق ة‪ ،‬بل كب رية ب النظر إىل ما حيص له البنك من‬
‫االئتم ان من غري ه ذه البطاق ة‪ ،‬حيث ت بني من خالل دراسة أج ريت‬
‫على بطاقة االئتمان أن عائد البنك منها يصل إىل ما يقارب ‪.%150‬‬
‫د‪ -‬إجراءات التعامل بها‪:‬‬
‫يُعِ ُّد التاجر أمنوذجاً يتضمن قيمة البضاعة‪ ،‬ونوعها ومن مث يطبع‬ ‫‪-1‬‬
‫عليه اسم العميل‪ ،‬وبياناته ‪.‬‬
‫يوقع العميل على هذا األمنوذج‪ ،‬إقراراً منه بالشراء‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫يرسل التاجر األمنوذج إىل أقرب فرع للبنك مصدر البطاقة‬ ‫‪-3‬‬
‫لتحصل القيمة‪.‬‬

‫الفرق بينها وبين بطاقة الصرف اآللي‪ :‬هناك بطاقة أخرى تصرفها البنوك‬ ‫هـ‪-‬‬
‫ألص حاب احلس اب اجلاري ل ديها متنكهم من الص رف من حس اهبم‪،‬‬
‫تس ديد الفواتري منه ا‪ ،‬واالس تعالم عن أرص دهتم‪ ،‬وكل ذلك يتم عن‬
‫طريق مك ائن الص رف‪ ،‬دون حاجة إىل مراجعة البن ك‪ ،‬وختتلف ه ذه‬
‫البطاقة عن بطاقة االئتم ان من جهة أن ه ذه البطاقة ال يق رض البنك‬
‫العميل من خالهلا‪ ،‬بل اس تخدامها مرتبط بوج ود رص يد يف احلس اب‬
‫اجلاري‪ ،‬أما بطاقة االئتمان فإن البنك يقرض العميل يف حال استخدامها‪،‬‬
‫وقد انكشف حسابه‪.‬‬

‫حكمه‪GG‬ا‪ :‬ما ك ان منها يتض من عق ده بني البنك والعميل ش رط الفائ دة‬ ‫و‪-‬‬
‫"الزي ادة" عند ت أخري الوف اء على األجل احملدد‪- ،‬وهو الش ائع‪ -‬فإنه مينع‬
‫التعامل هبا‪ ،‬الش تماهلا على ش رط الرب ا‪ ،‬س واءٌ أحققه حامل البطاقة يف‬
‫املعاملة أم مل حيقق ه‪ ،‬بل وىَّف ما عليه قبل هناية األج ل‪ ،‬كي ال حتتسب‬
‫عليه الفائدة املشروطة‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫وقد أفىت ب املنع فض يلة الش يخ حممد بن ع ثيمني ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف فت واه‬
‫املؤرخة يف ‪26/8/1414‬هـ‪ ،‬واللجنة الدائمة للبح وث العلمية واإلفت اء‬
‫ب الفتوى رقم ‪ 17611‬يف ‪27/1/1416‬هـ‪ ،‬وجممع الفقه اإلس المي يف‬
‫دورته الثانية عشرة املنعقدة يف الرياض بتاريخ ‪25/6/1421‬هـ‪.‬‬
‫أما التعامل اإلس المي بالبطاق ة‪ ،‬حبيث ال يتض من الربا س واء أك ان‬
‫مشروطاً يف العقد‪ ،‬أم مل يكن مشروطاً فيه‪ ،‬فال مانع منه‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬حسم األوراق التجارية‪ :‬وهو من أعمال البنوك التجارية اليت متارس من‬
‫خالله االئتمان‪ ،‬وسنتكلم عليه من خالل اآليت‪:‬‬
‫أ‪ -‬املقص ود بالورقة التجاري ة‪ :‬وهي‪( :‬ص كوك حمررة وفق أش كال‬
‫معينة‪ ،‬قابلة للتداول‪ ،‬بالطرق التجارية‪ ،‬ومتثل حق اً‪ ،‬مببلغ معني من‬
‫النقود‪ ،‬يستحق الوفاء لدى اإلطالع‪ ،‬أو بعد أجل قصري‪ ،‬وجرى‬
‫العرف بقبوهلا كأداة للوفاء)(‪.)1‬‬
‫واألوراق التجارية هي‪ :‬الشيك‪ ،‬الكمبيالة‪ ،‬السند اإلذين "ألمر"‬
‫ب‪ -‬املقص ود ب التظهري‪ :‬واملقص ود ب التظهري ه و‪ :‬أن يكتب املس تفيد من‬
‫(‪2‬‬
‫الورقة التجارية على ظهرها ما يفيد نقل حقه فيها إىل طرف آخر‪.‬‬
‫)‬

‫جـ‪ -‬تعريف احلسم "اخلصم"‪ :‬وهو‪( :‬تظهري الورقة التجارية اليت مل حيل‬
‫ال للملكي ة‪ ،‬يف مقابل أن يعجل‬‫أجلها بعد إىل املص رف‪ ،‬تظه رياً ن اق ً‬

‫األوراق التجارية يف النظام التجاري السعودي‪ ،‬إلياس حداد‪ ،‬الرياض‪ :‬مطابع معهد‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫اإلدارة العامة‪ ،‬ص‪.9‬‬


‫انظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.131‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ظهر‪ ،‬بعد أن خيصم منها مبلغاً يتناسب مع األجل‬ ‫للم ِّ‬


‫املصرف قيمتها ُ‬
‫الذي حيل عنده موعد استحقاقها) ‪.‬‬
‫( ‪)3‬‬

‫ظهر" هي‪ :‬أنه‬ ‫د‪ -‬فائ دة احلس م‪ :‬وفائ دة احلسم بالنس بة إىل العميل "امل ِّ‬
‫التجارية ل ه‪ ،‬يف‬‫مينحه قرض اً من خالل تعجيل البنك قيمة الورقة ُ‬
‫حني أهنا يف األصل ال تستحق إال بعد أجل‪.‬‬
‫خيرج على أنه قرض‪ ،‬فإن‬ ‫هـ‪ -‬ختريج احلسم "اخلصم"‪ :‬واحلسم َّ‬
‫املص رف يعجل حلامل الكمبيالة نق داً‪ ،‬ويأخذ عوض اً عنه نق داً‬
‫مؤجالً أكثر منه‪ ،‬هو مبلغ الكمبيالة املستحق عند حلول أجلها‪.‬‬
‫وهذه الزيادة يتحول هبا القرض إىل ربا‪ ،‬النعدام املماثلة (‪.)1‬‬
‫و‪ -‬حكم احلسم‪ :‬وإذ كان ربا‪ ،‬فإنه حمرم شرعاً‪ ،‬ألن الربا من كبائر‬
‫الذنوب‪.‬‬
‫ويأخذ حكم احلسم كل دين مؤجل يبيعه مس تحقه على ط رف ث الث‬
‫بثمن معجل أقل منه‪-‬سواء كان مثبتاً بسند ميكن تظهريه أو ال‪. -‬‬

‫سابعاً‪ :‬تداول األسهم(‪ :)2‬وهو من املعامالت اليت متارسها البنوك جتارية كانت أو‬
‫إس المية‪ ،‬فهي متارس ها على وجه السمس رة‪ ،‬والوس اطة‪ ،‬بني املت داولني‪،‬‬
‫وتأخذ مقابل ذلك عمولة‪.‬‬
‫وهي متارس ها على وجه التج ارة‪ ،‬إذ متتلك البن وك ج زء من أس هم‬
‫الشركات‪ ،‬وفق ما يسمح به النظام‪.‬‬
‫وسنتكلم عن هذه المعاملة من خالل ما يلي‪:‬‬

‫العقود‪ ،‬وعمليات البنوك التجارية‪ ،‬على البارودي‪ ،‬األسكندرية‪ :‬منشأة املعارف‪ ،‬ص‬ ‫‪)3‬‬ ‫(‬

‫‪ ،397‬وانظر‪ :‬عمليات البنوك من الوجهة القانونية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.583‬‬


‫الربا يف املعامالت املصرفية املعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪.1/639 ،‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫انظر‪ :‬املرجع السابق‪.1/699 ،‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫أ‪ -‬تعريف الس هم‪ :‬وه و‪( :‬صك ميثل حصة يف رأس م ال الش ركة‬
‫املسامهة)(‪.)3‬‬
‫ب‪ -‬ختريج الس هم(‪ :)4‬الس هم ميثل ج زءاً ش ائعاً يف الش ركة املس امهة‪ ،‬فمن‬
‫امتلكه فقد امتلك جزءاً منها‪ ،‬فكان بذلك شريكاً‪.‬‬
‫جـ‪ -‬حكم ت داول األس هم(‪ :)1‬وحكم ت داول أس هم الش ركات املس امهة مبين‬
‫على ما تق وم به الش ركة من عم ل‪ ،‬وهي هبذا االعتب ار تنقسم إىل ثالثة‬
‫أقسام‪ :‬األول‪ :‬شركات عملها مباح‪ ،‬فيجوز تداول أسهمها‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬ش ركات عملها حرام‪ ،‬كاليت تتاجر بالربا‪ ،‬وكاليت تتجار ب اخلمر مثالً‪،‬‬
‫فهذه ال جيوز تداول أسهمها‪.‬‬

‫الث الث‪ :‬ش ركات أصل عملها مب اح‪ ،‬ك اليت متارس التج ارة‪ ،‬أو الزراع ة‪ ،‬أو‬
‫الصناعة املشروعة‪ ،‬لكنها جبانب ذلك متارس الربا‪ ،‬فهي تودع ما يفيض‬
‫عندها من سيولة لدى البنوك بفائدة‪ ،‬وتقرتض من البنوك بفائدة‪.‬‬

‫وهذه اختلف العلماء املعاصرون فيها‪ ،‬فمنهم من أجاز تداول أسهمها‪،‬‬


‫بشرط إخراج مقدار الفائدة الربوية‪.‬‬

‫ومنهم من مل جيز ت داول أس همها‪ ،‬وه ذا الق ول أق وى‪ ،‬ف إن الربا معل وم‬
‫حترميه بنصوص الكتاب والسنة‪ ،‬فإذا كانت الشركة متارسه‪ ،‬فقد مارست عمالً‬
‫حمرماً ال جيوز اإلقدام عليه‪ ،‬وإذا كانت أمواهلا‪ ،‬وأعماهلا خمتلطة‪ ،‬حبيث ال يتميز‬

‫الوجيز يف القانون التجاري‪ ،‬مرجع سابق‪.1/300 ،‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫(‬

‫الربا يف املعامالت املصرفية املعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪.1/703 ،‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫انظر‪ :‬املرجع السابق‪ 1/720 ،‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الربا عن غ ريه – كما عليه واقع الش ركات املس امهة‪ -‬فإنه ال جيوز ت داول‬
‫أسهمها‪ ،‬ملا فيها من الربا املمنوع‪.‬‬
‫ثامناً‪ :‬المرابحة لآلمر بالشراء(‪ :)2‬وهي من طرق التمويل اليت ابتكرهتا البنوك‬
‫اإلس المية‪ ،‬ومع انتش ارها‪ ،‬وتزايد اإلقب ال عليها مارس تها البن وك‬
‫التجارية‪ ،‬من باب املنافسة‪ ،‬وسنتكلم عليها من خالل العناصر اآلتية‪:‬‬
‫تعريفها‪ :‬وهي‪( :‬أن يتق دم العميل إىل البنك طالب اً منه ش راء س لعة معين ة‪،‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫باملواص فات اليت حيددها‪ ،‬على أس اس الوعد منه بش راء تلك الس لعة‬
‫مراحبة‪ ،‬بالنسبة اليت يتفق عليها‪ ،‬ويدفع الثمن مقسطاً)(‪.)3‬‬
‫ب‪ -‬غرضها‪ :‬وغرض هذه املعاملة –يف الغالب‪ -‬حتصيل السيولة‪ ،‬من جهة أن‬
‫كث ريين ممن يش رتون س لعاً هبذه الطريق ة‪ ،‬ه دفهم بيعها للحص ول على‬
‫السيولة‪.‬‬
‫وقد يك ون غرض ها احلص ول على مهلة يف دفع الثمن‪ ،‬من جهة أن ال بيع‬
‫هبذه الطريقة يكون الثمن فيه مؤجالً على أقساط‪ ،‬فيستفيد العميل هذه‬
‫امليزة‪ ،‬ويتجه ألجلها إىل ه ذه املعامل ة‪ ،‬إذ إن كث رياً من املس تهلكني‬
‫يعوزهم دفع كامل الثمن نقداً‪.‬‬
‫جـ‪ -‬حكمها‪ :‬وهذه املعاملة أصلها جائز‪ ،‬لكنها يف التطبيق قد تنطوي على‬
‫خمالف ات تنقلها إىل املنع –وذلك خمتلف ب اختالف البن وك‪ -‬ومن ه ذه‬
‫املخالفات‪:‬‬
‫‪ .1‬عدم امتالك البنك للسلعة‪ ،‬حيث إنه يقع يف التطبيق أن بعض البنوك ال‬
‫تش رتي الس لعة من مالكه ا‪ ،‬وال متتلكه ا‪ ،‬وكل ما تفعله ه و‪ :‬أهنا ت دفع‬
‫مثن السلعة لبائعها‪ ،‬مث تطالب العميل هبذا الثمن‪ ،‬مضافاً إليه زيادة‪.‬‬

‫انظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،2/981 ،‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫انظر‪ :‬املوسوعة العلمية والعملية للبنوك اإلسالمية‪.1/29 ،‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫(‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫وهي هبذه الص ورة متويل رب وي ِص ْر ف‪ ،‬ف إن البنك قد دفع الثمن‬


‫عن العمي ل‪ ،‬فص ار هبذا مقرض اً ل ه‪ ،‬مث اس رتد منه الق رض‪ ،‬مض افاً‬
‫إليه زيادة عليه هي الربا‪.‬‬
‫إل زام العميل بشراء السلعة من البنك‪ ،‬وهذا اإللزام ثابت باتفاق س ابق‬ ‫‪.2‬‬
‫على امتالك البنك للسلعة‪ ،‬حيث إنه قبل أن ميتلك البنك السلعة املطلوبة‬
‫منه‪ ،‬يتفق مع العميل على الثمن الذي سيبيع به السلعة عليه‪ ،‬وعلى عدد‬
‫األقساط‪ ،‬وقدر القسط‪ ،‬ويف هذا االتفاق يشرتط البنك على العميل أن‬
‫يلتزم بشراء السلعة بعدما ميتلكها البنك‪ ،‬وهذا اإللزام يتضمن أمرين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬التأثر بالفلسفة الربوية‪ ،‬فال تكون التجارة مقصودة‪ ،‬لكن املقصود هو‬
‫التمويل‪ ،‬وتبعاً هلذا حتاذر البنوك اقناء السلع‪ ،‬والبضائع‪ ،‬وذلك خمالف‬
‫هلدي الكسب يف اإلس الم ال ذي تك ون التج ارة مقص وده‪ ،‬فتُش رتى‬
‫السلع‪ ،‬وحُت از‪ ،‬قبل حتديد مشرتيها‪.‬‬

‫وثانيهم‪GG‬ا‪ :‬أن إل زام العميل بش راء الس لعة بعد أن ميتلكها البنك ال خيلو من أحد‬
‫حالني‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬أن يُ رغم العمي ُل على عقد ال بيع‪ ،‬وه ذا من اف للرتاضي املش روط يف‬
‫التج ارة لقوله تع اىل ‪      :‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪           ‬‬
‫( ‪.) 1‬‬

‫سورة النساء ‪ :‬آية ‪.29‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الثانية‪ :‬أن حُي كم بتملك العميل للسلعة‪ ،‬استناداً إىل االتفاق األول‪ ،‬السابق على‬
‫امتالك البنك هلا‪ ،‬فهذا يؤول إىل بيع ماال ميلك‪ ،‬وهو ممنوع لقوله ‪( ‬ال تبع‬
‫ما ليس عندك)(‪.)2‬‬

‫أن البنك قد يشرتي السلعة من التاجر‪ ،‬ويبقيها لديه‪ ،‬ليستلمها العميل‬ ‫‪.3‬‬
‫"املش رتي" من ه‪ ،‬مث إن العميل يق وم ببيعها ثانية على بائعها األول‪ ،‬ال ذي‬
‫اشرتاها البنك منه‪ ،‬وأبقاها عنده‪ ،‬فالبائع األول عادت إليه عني سلعته‪،‬‬
‫وهذا من قبيل العينة عند بعض الفقهاء(‪ ،)3‬وهي ممنوعة‪.‬‬

‫التساهل يف القبض‪ ،‬فال يقبض البنك السلعة اليت اشرتاها‪ ،‬ال قبضاً‬ ‫‪.4‬‬
‫حقيقي اً‪ ،‬ك أن خيرجها من حمل الب ائع‪ ،‬وينقلها إىل ملك ه‪ ،‬وال قبض اً‬
‫حكمي اً‪ ،‬كاس تالم وثيقتها الرمسية‪ ،‬وحتويلها بامسه‪ ،‬وقد ج اء النهي عن‬
‫بيع املبيع قبل قبضه يف احلديث‪([:‬من ابتاع طعام فال يبعه حىت يستوفيه)‬
‫قال ابن عباس‪" :‬وأحسب كل شيء مثله"](‪.)4‬‬

‫فمن أراد التعامل باملراحبة لآلمر بالش راء‪ ،‬فعليه أن حيذر ه ذه املخالف ات‬
‫لتستقيم معاملته‪.‬‬

‫رواه أبو داود يف كتاب البيوع ‪ ،‬باب يف الرجل بيع ما ليس عنده برقم ‪، 3040‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫والرتمذي يف كتاب البيوع برقم ‪. 1153‬‬


‫انظر‪ :‬مواهب اجلليل‪ ،‬احلطاب ‪ ،‬مطابع دار الكتاب اللبناين‪ ،4/404 ،‬الفتاوى‪ ،‬ابن‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫تيمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطابع إدارة املساحة العسكرية‪.441 ،29/430 ،‬‬


‫أخرجه مسلم كتاب البيوع‪ ،‬باب بطالن بيع املبيع قبل القبض‪ ،‬برقم ‪. 2810‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫(‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫الت‪GGGG‬ورق المص‪GGGG‬رفي المنظم(‪ :)1‬وهو معاملة حديثة –نس بياً‪ -‬فقد ك ان‬
‫ظهورها يف ح دود ع ام ‪2000‬م‪ ،‬ومتارس ها بعض البن وك اإلس المية‪ ،‬كما‬
‫متارسها الفروع‪ ،‬والنوافذ اإلسالمية للبنوك التجارية‪ ،‬وهلا أمساء ختتلف من بنك‬
‫آلخر‪ ،‬فبعض البنوك تسميها "تيسري"‪ ،‬وبعضها تسميها "تورق اخلري"‪ ،‬وبعضها‬
‫تسميها "التورق املبارك"‪ ،‬وبعضها تسميها "دينار"‪ ،‬وبعضها تسميها "مال"‪،‬‬
‫وهكذا‪ ،‬وسنتكلم عليها من خالل العناصر اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬الغاية منها‪ :‬والغاية منها حتصيل السيولة النقدية لألفراد واملؤسسات‪.‬‬
‫ب‪ -‬تعريفها‪ ،‬وهي‪( :‬حتصيل النقد بشراء سلعة من البنك‪ ،‬وتوكيله يف بيعها‪،‬‬
‫وقيد مثنها يف حساب املشرتي)‪.‬‬
‫جـ‪ -‬الفرق بينها وبين المرابحة لآلمر بالشراء‪ :‬وختتلف عن املراحبة لآلمر بالشراء‬
‫من جهة أن قصد العميل يف التورق احلصول على النقد‪ ،‬أما املراحبة فقد‬
‫يكون قصده النقد‪ ،‬وقد يكون قصده شراء السلعة بالتقسيط‪.‬‬

‫ومن جهة أن الت ورق –كما عليه واقع املعامل ة‪ -‬يتض من توكيل العميل‬
‫للبنك يف بيع السلعة نيابة عنه‪ ،‬أما املراحبة‪ ،‬فال تتضمن التوكيل غالباً‪.‬‬

‫ومن جهة أن الت ورق يق وم على بيع مع ادن يف الس وق الدولية مث ل‪:‬‬
‫املغنيس يوم‪ ،‬والبالدي وم‪ ،‬والبالتني‪ ،‬واألملوني وم‪ ،‬وحنوها على العمي ل‪ ،‬أما املراحبة‬
‫فتقوم على بيع بضائع حملية‪ ،‬كالسيارات‪ ،‬واألثاث‪ ،‬وحنوها‪.‬‬

‫انظر‪ :‬التورق املصريف املنظم‪ ،‬عبداهلل بن حممد السعيدي‪ ،‬رابطة العامل اإلسالمي‪ ،‬اجملمع‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫الفقهي‪ ،‬الدورة السابعة عشرة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ومن جهة أن التورق تكون فيه السلعة موجودة لدى البنك‪ ،‬قبل أن يطلبها‬
‫العميل –كما تق ول البن وك‪ ،-‬أما املراحبة فال يش رتي البنك الس لعة إال بعد أن‬
‫يطلبها منه العميل غالباً‪.‬‬

‫تخريجه‪GGGG‬ا‪ :‬الت ورق املنظم يتم يف الس وق الدولي ة‪ ،‬ويكتنفه الكثري من‬ ‫د‪-‬‬
‫الغم وض يف التط بيق‪ ،‬فقد توجد الس لعة "املع دن"‪ ،‬وقد ال توج د‪ ،‬وقد‬
‫تب اع على من اش رتيت من ه‪ ،‬وقد تب اع على ط رف آخ ر‪ ،‬هلذا ال ميكن‬
‫اخلل وص إىل ختريج حمدد هلا‪ ،‬لكنها حتتمل أن تك ون تورق اً‪ ،‬وحتتمل أن‬
‫تكون عينة‪.‬‬

‫حكمها‪ :‬ونظراً ملا يف هذه املعاملة من غموض‪ ،‬حيث تتم يف السوق‬ ‫هـ ‪-‬‬
‫الدولية‪ ،‬بعيداً عن الرقابة‪ ،‬وملا فيها من االحتيال‪ ،‬ومن مظاهره‪:‬‬
‫اإلخالل يف القبض الش رعي من جهة البن ك‪ ،‬الب ائع‪ ،‬فإنه ال يس تلم‬ ‫‪‬‬
‫اإليصال األصلي للسلعة‪ ،‬الذي يع ّد قبض اً حكمي اً‪ ،‬وإمنا يستلم ورقة من‬
‫الش ركة البائعة اليت يش رتي منه ا‪ ،‬واملتع ارف عليه عند ذوي الش أن من‬
‫البنوك‪ ،‬والشركات العاملية أن عدم احلصول على اإليصال األصلي يعين‬
‫(‪)1‬‬
‫عدم وجود السلعة‪.‬‬
‫واإلخالل ب القبض من جهة العميل حيث إنه يش رتي وح دة من املع دن‬ ‫‪‬‬
‫صغرية‪ ،‬غري معينة‪ ،‬وغري حمددة‪ ،‬إذ إهنا جزء من كمية كبرية من املعدن‬
‫غري جمزأة‪ ،‬فكيف يش رتي ش يئاً غري معني‪ ،‬إال إذا مل يكن قص ده منه إال‬
‫االحتيال به على حتصيل نقد بنقد‪ ،‬كما هو الشأن يف العينة‪.‬‬

‫العينة والتورق والتورق املصريف‪ ،‬علي السالوس‪ ،‬رابطة العامل اإلسالمي‪ ،‬اجملمع الفقهي‪،‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫الدورة السابعة عشرة‪ ،‬ص‪.59‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫بل ولو كان ما اشرتاه العميل معين اً‪ ،‬فإنه ال ميكنه قبضه‪ ،‬ال حقيقة‪ ،‬وال‬
‫حكماً‪ ،‬فإنه ال يتم استالم السلعة إال باإليصال األصلي‪ ،‬وكل إيصال ميثل مخسة‬
‫وعش رين طن اً‪ ،‬وال ميكن جتزئته(‪ ،)2()1‬وال يس تطيع أحد أن يس تلم الس لع مبوجب‬
‫(‪)3()2‬‬
‫إيصاهلا األصلي إال إذا كان من املسموح هلم بالتعامل مع البورصة‬

‫وبه يتبني أن العميل يشرتي سلعة ال ميكنه أن يستلمها‪ ،‬فيكون البيع حيلة‬
‫غري مقصود‪.‬‬

‫وملا فيها من هتجري األم وال للخ ارج‪ ،‬ف إن بعض البن وك ختصص يومي اً‬
‫مخسة ماليني دوالر‪ ،‬وبعض ها عش رة ماليني دوالر للمت اجرة يف ه ذه املعاملة يف‬
‫السوق الدولية‪.‬‬

‫وهلذا كل ه‪ ،‬فالظ اهر منعها –واهلل أعلم‪ -‬وقد أفىت مبنعها جممع الفقه‬
‫اإلس المي‪ ،‬لرابطة الع امل اإلس المي‪ ،‬يف دورته الس ابعة عش رة‪ ،‬بت اريخ‬
‫‪19/10/1424‬هـ يف مكة املكرمة‪.‬‬

‫املرجع السابق‪.‬‬ ‫‪)2( ، )1‬‬ ‫(‬


‫(‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المبحث الثالث‬
‫*‬
‫التأمين‬
‫المطلب األول‬
‫تاريخ التأمين وأقسامه‬

‫أوالً ‪ :‬في بيان تاريخ التأمين(‪ :)1‬التأمني مما شاع بني الناس اليوم‪ ،‬مصطلحاً‪،‬‬
‫ومعاملة وأول ما ظهر ك ان يطلق على الت أمني التج اري‪ ،‬ال ذي ب دأ بالت أمني‬
‫البحري يف أواخر القرن الرابع عشر يف أوروبا‪ ،‬على البضائع اليت تنقلها السفن‬
‫بني مدن إيطاليا‪ ،‬وبلدان حوض البحر األبيض املتوسط‪.‬‬

‫مث تاله بعد زمن طويل الت أمني ال ربي يف إجنل رتا‪ ،‬يف أواخر الق رن الس ابع‬
‫عش ر‪ ،‬يف ص ورة الت أمني من احلري ق‪ ،‬عقب حريق هائل نشب يف لن دن س نة‬
‫‪1666‬م‪ ،‬ألتهم أكثر من ثالثة عشر ألف منزل‪ ،‬وحنو مائة كنيسة‪.‬‬

‫مث انتشر التأمني من احلريق بعد ذلك يف أملانيا‪ ،‬وفرنسا‪ ،‬وأمريكا‪ ،‬خالل‬
‫القرن الثامن عشر امليالدي‪.‬‬

‫مث أخ ذت تتق اطر ص ور الت أمني األخ رى‪ ،‬وك ان مما ظهر من ص وره‪:‬‬
‫"الت أمني التع اوين"‪ ،‬بص وره املختلف ة‪ ،‬وقد ظهر يف ص ورته املنظمة يف وقت‬
‫قريب جداً‪ ،‬ليكون بديالً عن التأمني التجاري‪.‬‬
‫وهبذا ص ار مص طلح الت أمني عند إطالقه يش مل ص وراً ش ىت‪ ،‬ختتلف يف‬
‫حقيقتها‪ ،‬وحكمها‪.‬‬
‫إعداد‪ :‬د‪ .‬عبداهلل بن حممد السعيدي‪.‬‬ ‫*‬

‫انظر‪ :‬الوسيط يف شرح القانون املدين‪ ،‬عبدالرزاق السنهوري‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار النهضة‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫ة‪1964 ،‬م‪،‬‬ ‫العربي‬


‫‪/7‬مج ‪.1096 /2‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ثاني‪G‬اً‪ :‬في بي‪GG‬ان أقس‪GG‬ام الت‪GG‬أمين(‪ :)2‬وينقسم الت أمني أقس اماً ع دة‪ ،‬العتب ارات‬
‫عدة‪:‬‬
‫فباعتبار المكان الذي يقع فيه الحدث ينقسم التأمين إلى‪:‬‬
‫يؤمن عنه"‪.‬‬
‫‪ -1‬التأمني الربي‪ :‬ويشمل حوادث الرب "ما حيدث يف الرب‪ ،‬مما َّ‬
‫ؤمن‬
‫‪ -2‬الت أمني البح ري‪ :‬ويش مل ح وادث البحر "ما حيدث يف البح ر‪ ،‬مما ي َّ‬
‫عنه"‪.‬‬
‫يؤمن عنه"‪.‬‬‫‪ -3‬التأمني اجلوي‪ :‬ويشمل حوادث اجلو " ما حيدث يف اجلو‪ ،‬مما َّ‬
‫وباعتبار محله ينقسم التأمين إلى‪:‬‬
‫‪ -1‬الت أمني على األش خاص‪ :‬وحمله ش خص اإلنس ان‪ ،‬أو ما يتعلق بشخصه‬
‫وينقسم إىل أقسام منها‪:‬‬
‫‪-1‬أ‪ -‬التأمني على احلياة‪ :‬وفيها يُ دفع للمستفيد "املؤمن له" مبلغ التأمني‬
‫على حنو معلق حبياته‪ ،‬وجوداً‪ ،‬أو عدماً‪.‬‬
‫‪-1‬ب‪ -‬التأمني على الصحة‪ :‬وهو التأمني على صحة املؤمن له‪ ،‬فيتحمل‬
‫املؤمن ما جيب على املؤمن له من تك اليف العالج‪ ،‬وال دواء‪،‬‬
‫وحنوها‪.‬‬
‫‪-1‬جـ‪ -‬الت أمني على الذمة "املس ؤولية"‪ :‬وهو الت أمني لذمة املؤمن ل ه‪،‬‬
‫املؤمن ما جيب على املؤمن له جتاه الغري من مس ؤولية‪،‬‬ ‫فيتحمل ِّ‬
‫املؤمن‬
‫كالت أمني للمس ؤولية عن ح وادث الس ري‪ ،‬وفيه يتحمل ِّ‬
‫املؤمن له‪.‬‬
‫تعويض الغري عما أصابه من ضرر من قبل َّ‬

‫انظ ر‪ :‬املرجع السابق‪/7 ،‬مج ‪ ،1156 /2‬التأمني االجتماعي يف ضوء الش ريعة‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫داللطيف‬ ‫المية‪ ،‬عب‬ ‫اإلس‬


‫آل حممود‪ ،‬بريوت‪ :‬دار النفائس‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هــ‪ ،‬ص‪.45 ،43 ،39‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫التأمني على األشياء "املمتلكات"‪ :‬وهو التأمني على ما ميلكه املؤمن له‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫سواء أكان معين اً‪ :‬كاملنزل‪ ،‬واملصنع‪ ،‬أم كان غري معني‪ :‬كالتأمني على‬
‫املخازن‪ ،‬واملتاجر‪ ،‬فإن حمتوياهتا غري معينة‪.‬‬
‫وباعتبار غرضه‪ ،‬ينقسم إلى‪:‬‬
‫‪ -1‬التأمني التجاري‪ :‬وهو ما يكون مقصوده الربح‪ ،‬سواء أقام به األفراد‪ ،‬أم‬
‫الشركات‪ ،‬واجلمعيات‪.‬‬
‫‪ -2‬الت أمني غري التج اري‪ :‬وهو ما ال يقصد به ال ربح‪ ،‬وإمنا التع اون يف حتقيق‬
‫املصلحة‪ ،‬ودفع املفسدة‪ ،‬ومن أقسامه‪" :‬التأمني التعاوين"‪ ،‬وفيما يلي بيان‬
‫كل منهما‪:‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫الت‪GG‬أمين التج‪GG‬اري‪ :‬وهو األصل يف الت أمني معامل ة‪ ،‬ومص طلحاً‪ ،‬وش ركاته تص نف‬
‫على أهنا من ش ركات األم وال فإهنا تش به ‪-‬إىل ح د‪ -‬البن وك‪ ،‬من جهة أن كالً‬
‫منهما وع اء جتتمع فيه األم وال‪ ،‬وتوظف يف الق روض(‪ .)1‬وس نتكلم عليه من‬
‫خالل العناصر اآلتية‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬لغ‪GG‬ة‪ :‬الت أمني مص در‪ ،‬مش تق من املادة " َّأمن" بتش ديد امليم‪ ،‬وهي‬ ‫أ‪.‬‬
‫يف معىن ضد اخليانة ‪ ،‬لكن املعاصرين يرون أن التأمني من األمان مبعىن‬
‫(‪)2‬‬

‫املؤمن للمس تأمن‬


‫رفع اخلوف‪ ،‬ويعت ربون رفع اخلوف منفعة يق دمها ِّ‬
‫املؤمن‪ ،‬وتلك مبالغ ة‪ ،‬ف إن‬
‫"املؤمن له"‪ ،‬ويس تحق مبقابلها عوض اً من ِّ‬
‫األمان قسمان‪ :‬أمان عام‪ ،‬وهذا ال ميلكه سوى اهلل تعاىل‪ ،‬إذ هو سبحانه‬
‫انظر‪ :‬الوسيط‪ ،‬مرجع سابق‪7 ،‬مج‪ ،2/1096‬إدارة املنشآت املالية‪ ،‬منري هندي‪،‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫األسكندرية‪ :‬منشأة املعارف‪1994 ،‬م‪ ،‬ص‪.397‬‬


‫لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬بريوت‪ :‬دار صادر‪ ،‬مادة "أمن"‪ ،22 ،13/21 ،‬ترتيب‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫الق اموس احملي ط‪ ،‬الط اهر أمحد ال زاوي‪ ،‬ب ريوت‪ :‬دار الكتب العلمي ة‪1399 ،‬هـ‪ ،‬م ادة "أمن"‪،‬‬
‫‪.1/182‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫مالك رفع املخ اوف كله ا‪ ،‬إ ْذ ب َق َدره‪ ،‬وقدرته إنزاهلا‪ ،‬وبق دره‪ ،‬وقدرته‬
‫رفعه ا‪ .‬وأم ان خ اص‪ ،‬يص در من ك ِّل حبس به‪ ،‬فال ذي ميلك س فك ال دم‬
‫ميكنه أن يعطي األمان منه‪ ،‬والذي ميكنه استحالل املال‪ ،‬ميكنه أن يعطي‬
‫األمان منه‪.‬‬

‫ِ‬
‫املستأمن على نفسه‪ ،‬أو ماله بكف‬ ‫واألمان يف هذا وذاك هو رفع خوف‬
‫املؤمن ‪-‬من يعطي األمان‪ -‬عن سببه الذي يقدر عليه‪.‬‬
‫ِّ‬

‫املؤمن ال ميلك منع س فك دم‬


‫وهو أم ان من وجه دون وج ه‪ ،‬ذلكم أن ِّ‬
‫املستأمن مطلقاً‪ ،‬فقد يسفك من طريق ال يقدر عليه‪.‬‬

‫املؤمن ال ميلك منع تلف م ال املس تأمن‪ ،‬إذ قد يتلف من طريق ال‬
‫كما أن ِّ‬
‫يقدر عليه‪.‬‬

‫وعلى هذا‪ :‬فإن األمان يرفع املكروه من وجه دون وجه‪ ،‬ويرفع اخلوف‬
‫من وجه دون وجه وال يقوى على رفع ذلك مطلقاً‪.‬‬

‫ؤمن منه‬
‫وب النظر إىل الت أمني فإنه ال يرفع املك روه‪ ،‬ف احلريق مك روه ي َّ‬
‫ؤمن من ه‪ ،‬لكن الت أمني ال يرفع احلريق وال الس رقة‪ ،‬ولو من‬
‫والس رقة مك روه ي َّ‬
‫وج ه‪ ،‬فهو هبذا ال يرفع اخلوف منهم ا‪ ،‬وال يرفع كل أثر ي رتتب عليهم ا‪ ،‬وكل‬
‫املؤمن بعد حدوث املكروه هو تعويض املستأمن‪ ،‬وهذا أقرب‬ ‫ما ميكن أن يفعله ِّ‬
‫إىل مفه وم الض مان منه إىل األم ان‪ ،‬ف إن الض مان ال مينع وق وع املك روه‪ ،‬لكن‬
‫يعمل على ختفيف بعض أث ره بعد وقوع ه‪ ،‬والت أمني يف أحسن أحواله ال يع دو‬
‫هذا‪ ،‬فكان األوىل اشتقاق امسه من الضمان‪ ،‬ال من األمان‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫واص‪GG‬طالحاً‪ :‬أرى أن يع رف بأن ه‪( :‬عقد يل تزم مبقتض اه ط رف يس مى‬


‫املؤمن له‪ ،‬أو األداء له عند وقوع‬
‫املؤمن‪ ،‬بالتحمل املايل عن طرف آخر‪ ،‬يسمى َّ‬
‫ِّ‬
‫املؤمن له سلفاً)‪.‬‬
‫حادث معني‪ ،‬مقابل أقساط مالية‪ ،‬يدفعها َّ‬
‫ب‪ -‬أركانه‪ :‬إذا نظر يف عقد التأمني نظراً فقهياً فإن أركانه هي‪:‬‬
‫‪-‬املؤمن له‪."-‬‬
‫َّ‬ ‫املؤمن"‪" ،‬واملستأمن‬
‫‪ -1‬العاقدان‪ :‬ومها‪ِّ " :‬‬
‫‪ -2‬العوض ان‪ :‬ومها‪" :‬القسط املدفوع من قبل املس تأمن"‪ ،‬و"مبلغ الت أمني‬
‫املؤمن"‪.‬‬
‫‪-‬التعويض‪ -‬الذي يدفعه ِّ‬
‫املؤمن منه "اخلطر"‪ :‬فإنه ركن يف عقد الت أمني‪ ،‬إذ هو اجلانب األق وى‬‫َّ‬ ‫‪-3‬‬
‫فيه‬
‫عند أرباب التأمني‪ ،‬وفيه يقول السنهوري‪( :‬اخلطر هو احملل الرئيسي يف‬
‫املؤمن‬
‫عقد التأمني)(‪ ،)1‬ويقول‪( :‬العنصر اجلوهري يف التأمني هو‪ :‬اخلطر َّ‬
‫من ه)(‪ ،)2‬ويق ول أيض اً‪( :‬وليس هو التزام اً معلق اً على ش رط واقف هو‬
‫املؤمن منه‪ ،‬ألن حتقق اخلطر ركن قانوين يف االلتزام‪ ،‬وليس‬‫حتقق اخلطر َّ‬
‫جمرد شرط عارض)(‪.)3‬‬
‫املؤمن منه "اخلطر" ركن يف الت أمني‪ :‬أن الت أمني عملية‬‫ومما يوضح أن َّ‬
‫املؤمن منه ‪-‬اخلطر‪ ،"-‬وال‬
‫املؤمن له"‪َّ " ،‬‬
‫املؤمن"‪َّ " ،‬‬
‫تقوم على أقطاب ثالثة هي‪ِّ " :‬‬
‫يتصور قيام التأمني إال بوجود هذه األقطاب‪.‬‬

‫املؤمن منه ‪-‬اخلط ر‪ "-‬قد ال يوج د‪ ،‬ومع ذلك يظل عقد‬ ‫ف إن قيل إن " َّ‬
‫التأمني قائماً‪ ،‬ملزماً للعاقدين‪ ،‬ولو كان ركن اً ملا أمكن وجود العقد بدونه‪ ،‬ألن‬

‫الوسيط‪ ،‬مرجع سابق‪7 ،‬مج‪.2/1217‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪.1144‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪.1139‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫(‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ال ركن ج زء من املاهي ة‪ ،‬ال يتحقق وجودها إال ب ه‪ ،‬فهو إذاً ش رط علق عليه‬
‫استحقاق التعويض يف عقد التأمني‪ ،‬وليس ركناً‪.‬‬

‫قلت‪ :‬إن تص ور العقد دون وج ود ركنه وقت العقد ممكن‪ ،‬كما هو الش أن‬
‫يف عقد السلم‪ ،‬فإن املعقود عليه غري موجود وقت التعاقد‪.‬‬

‫فإن قيل بالفرق بني التأمني‪ ،‬والسلم من جهة أن املعقود عليه يف السلم وإن‬
‫ك ان غري موج ود وقت العقد إال أنه يوجد الحق اً عند حل ول األج ل‪ ،‬وليس‬
‫املؤمن منه ‪-‬اخلطر‪ "-‬أبداً‪.‬‬
‫التأمني كذلك‪ ،‬فقد ال يقع " َّ‬
‫قلت ‪ :‬ه ذا هو الغ رر ال ذي يكتنف املعق ود عليه يف الت أمني‪ ،‬وبه ال يك ون‬
‫الت أمني مش روعاً‪ ،‬واحتماله الغ رر ال يص رِّي ه ش رطاً‪ ،‬لكنه يص رِّي العقد ممنوع اً‪،‬‬
‫الشتمال ركنه على الغرر‪.‬‬
‫املؤمن"‪ ،‬و"املس تأمن‬
‫‪ -4‬الص يغة‪ :‬وهي اإلجياب‪ ،‬والقب ول من ط ريف العق د‪ِّ " :‬‬
‫‪-‬املؤمن له‪."-‬‬
‫َّ‬

‫جـ‪ -‬خصائصه(‪ :)1‬وللتأمني التجاري خصائص متيزه‪ ،‬من أمهها‪:‬‬


‫‪ -1‬أنه عقد معاوض ة‪ ،‬والعوض ان فيه مها‪" :‬أقس اط الت أمني اليت ي دفعها املؤمن‬
‫ؤمن له عند‬‫املؤمن للم َّ‬
‫له" و"مبلغ الت أمني‪ ،‬وهو التع ويض ال ذي يدفعه ِّ‬
‫وقوع الكارثة"‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه من عق ود الغ رر‪ ،‬ف إن اخلطر املؤمن منه قد يقع فيس تحق املؤمن له‬
‫الع وض‪ ،‬وقد ال يق ع‪ ،‬فت ذهب أقس اطه عليه ه دراً‪ ،‬وقد يقع اخلطر بعد‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪.1141 – 1139‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫أجل ق ريب من إب رام عقد الت أمني‪ ،‬وقد يقع بعد أجل بعيد من إب رام عقد‬
‫التأمني‪.‬‬
‫املؤمن للم ؤمن له تعويض اً أك ثر مما أخ ذه منه من أقس اط‪ ،‬وقد‬‫وقد ي دفع ِّ‬
‫يدفع له تعويضاً أقل مما أخذه منه من أقساط‪.‬‬
‫وبه يت بني أن أحد العوض ني‪ ،‬وهو "املبلغ التعويضي" يكتنف الغ رر من‬
‫جه ات ثالث‪ :‬من جهة أصل اس تحقاقه‪ ،‬إذ هو مرتبط خبطر قد يق ع‪ ،‬وقد‬
‫ال يق ع‪ .‬ومن جهة مق داره‪ ،‬ومن جهة أجل ه‪ ،‬وهبذا يك ون الغ رر فاحش اً‪،‬‬
‫وفيه يق ول الس نهوري‪( :‬وهو من العقود االحتمالي ة‪ ،‬أو عقود الغ رر‪ ،‬وقد‬
‫أورده التق نني املدين ض من ه ذه العق ود بعد املق امرة‪ ،‬والره ان‪ ،‬واإلي راد‬
‫املرتب مدى احلياة)(‪.)1‬‬
‫املؤمن له" وهو ‪-‬اجلانب الضعيف يف‬ ‫‪ -3‬أنه من عقود اإلذعان‪ :‬إذ فيه ينزل " َّ‬
‫املؤمن" وهو –اجلانب القوي يف العقد‪-‬‬‫العقد‪ -‬على شروط " ِّ‬
‫د‪ -‬حكم التأمين التجاري‪ :‬التأمني مل يك ظاهراً يف بالد اإلسالم من مجلة معاملتهم‪،‬‬
‫وأول بداياته ك انت يف الربع األول من الق رن الرابع عشر اهلج ري‬
‫‪-‬تقريب اً‪ ،-‬ل ذا فإنك ال جتد يف خاصة حكمه كتاب اً مس طوراً عن العلم اء‬
‫املتقدمني‪ ،‬عدا ما ذكره ابن عابدين يف حاشيته على الدر املختار‪ )2(،‬حيث‬
‫ذك ره باسم "الس وكرة"‪ ،‬ومجلة ما يُ ذ َكر يف الت أمني من أق وال يف حكمه‬
‫تع ود إىل العلم اء خالل ق رن من الزم ان هو ف رتة بدايته إىل أن ص ار الي وم‬
‫ظاهرة يف بالد اإلسالم‪ ،‬فاشية يف سوقها كغريها من املعامالت‪.‬‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪.1140‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫انظ ر‪ :‬حاش ية ابن عاب دين‪ ،‬ب ريوت‪ :‬دار الكتب العلمي ة‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ‪ ،6/281 ،‬وابن‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫عابدين تويف سنة ‪1252‬هـ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫وقد اختلف العلم اء –خالل ه ذه الف رتة‪ -‬يف حكم الت أمني بني قائل‬
‫مبنع ه‪ ،‬وقائل بإباحت ه‪ ،‬على أن مجه ورهم يقول ون مبنع ه‪ ،‬وفيما يلي بي ان لألق وال‬
‫بأدلتها‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬الق ول مبنع الت أمني التج اري‪ ،‬حيث عُ ِرض الت أمني التج اري‬
‫للنظر يف حكمه على مؤمترات‪ ،‬وهيئات علمية‪ ،‬وجمامع فقهية كلها قالت مبنعه‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬املؤمتر العاملي األول لالقتصاد اإلسالمي‪ ،‬يف مكة املكرمة‪ ،‬سنة ‪1396‬هـ‪.‬‬
‫‪ -2‬جملس هيئة كب ار العلم اء يف اململكة العربية الس عودية‪ ،‬يف دورته العاش رة‪،‬‬
‫بالرياض‪ ،‬بتاريخ ‪4/4/1397‬هـ‪.‬‬
‫‪ -3‬جملس جممع الفقه اإلس المي‪ ،‬لرابطة الع امل اإلس المي‪ ،‬لدورته األوىل‪ ،‬يف‬
‫مكة املكرمة‪ ،‬بتاريخ ‪1/8/1398‬هـ‪.‬‬
‫‪ -4‬جملس جممع الفقه اإلس المي‪ ،‬ملنظمة املؤمتر اإلس المي‪ ،‬يف ج دة‪ ،‬بت اريخ ‪-10‬‬
‫‪16/4/1406‬هـ‪.‬‬
‫أدلة المنع‪ :‬وقد اعتمد المانعون أدلة للمنع‪ ،‬من أظهرها(‪:)1‬‬
‫‪ -1‬اش تمال الت أمني التج اري على الغ رر الف احش‪-‬وقد تق دم بيانه يف خص ائص‬
‫التأمني‪ ،-‬فإنه يرتدد بني أمور عدة‪ ،‬وحيتمل احتماالت عدة‪ ،‬وهذا هو الغرر‪،‬‬
‫ف إن الغ رر يف االص طالح‪( :‬ما ت ردد بني أم رين ليس أح دمها أظه ر)(‪ .)2‬وهو‬
‫حمرم لنهي النيب ‪ ‬عن بيع الغرر(‪.)3‬‬

‫انظر‪ :‬أحباث هيئة كبار العلماء يف اململكة العربية السعودية‪،‬األمانة العامة للهيئة‪ ،‬الرياض‪:‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫م‪،‬‬ ‫دار القاس‬


‫ط‪1421 ،1‬هـ‪.142-4/93 ،‬‬
‫شرح منتهى اإلرادات‪2/145 ،‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫أخرجه صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب بطالن بيع احلصاة والبيع الذي فيه غرر‪،‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫(‬

‫‪ .10/157‬برقم ‪. 2783‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ويدخل يف الغرر‪ :‬الرهان‪ ،‬واملقامرة "القمار" فإهنما من أنواعه‪ ،‬وفيهما يرتدد‬


‫اإلنسان بني أن يكون غامناً‪ ،‬أو أن يكون غارماً‪ ،‬ومها مما يشتملهما التأمني‪.‬‬

‫وقد ح اول اجمليزون اس تخراج الت أمني من كونه غ رراً‪ ،‬ومق امرة‪ ،‬وذلك ب أن‬
‫املؤمن‪ ،‬وكل مس تأمن على ح دة‪ ،‬بل‬ ‫ال يقتصر النظر على العالقة العقدية بني ِّ‬
‫املؤمن مبجم وع املس تأمنني‪ ،‬وهبذا ال يك ون عقد الت أمني عق داً‬‫ب النظر إىل عالقة ِّ‬
‫املؤمن‪ ،‬ألنه بالنظر إىل جمموع املستأمنني‪ ،‬وتبع اً‬
‫احتمالياً‪ ،‬أو مقامرة بالنسبة إىل ِّ‬
‫لق انون الك ثرة مل يكن َع َّرض نفسه الحتم ال اخلس ارة‪ ،‬أو الكسب على حنو‬
‫(‪)4‬‬
‫يفوق ما عليه التجارة املعتادة‪.‬‬

‫انظ ر‪ :‬الوس يط ‪ ،‬مرجع سابق‪7 ،‬مج‪ ،2/1140‬نظام التأمني‪ ،‬مصطفى الزرقا‪ ،‬ب ريوت‪:‬‬ ‫‪)4‬‬ ‫(‬

‫دار الرسالة‪ ،‬ط‪1404 ،1‬هـ‪ ،‬ص‪50 ،43 ، 42‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ويناقش من وجوه‪:‬‬
‫املؤمن‪ ،‬لكنه مل ينظر إىل‬
‫الوجه األول‪ :‬أنه يف نفي املق امرة مل ينظر إال إىل ج انب ِّ‬
‫جانب املستأمن‪ ،‬فإن االحتمال واملقامرة وارد يف حقه جداً‪ ،‬ووجود االحتمال يف‬
‫أحد جانيب العقد يبطله‪.‬‬

‫ف‪GG‬إن قي‪GG‬ل‪ :‬ويف ج انب املس تأمن ينتفي االحتم ال‪ ،‬واملق امرة أيض اً‪ ،‬فإنه بعقد‬
‫الت أمني قد حصل له األم ان(‪ ،)1‬ف إذا ف ات عليه ما دفعه من أقس اط‪ ،‬ومل يأخذ‬
‫مقابلها تعويضاً مالياً‪ ،‬فقد حصل مبقابلها على عوض وجداين هو األمان‪ .‬قلت‪:‬‬
‫هذا خيالف حقيقة عقد التأمني إذ العوضان فيه‪ :‬القسط‪ ،‬ومبلغ التعويض‪ ،‬وهو‬
‫أمر متقرر عند الفقهاء‪ ،‬والقانونيني(‪.)2‬‬

‫ومن جهة أخ رى ف إن األم ان ليس س لعة تب اع وتش رتى‪ ،‬إذ مل ميلكه‬


‫املؤمن ما هو إال ض مان ال أم ان‬‫البش ر‪ ،‬فإنه منحة من رب البش ر‪ ،‬وما يقدمه ِّ‬
‫املؤمن مبا ال تزم به من ض مان بعض‬‫فإنه بعد ارتف اع األم ان بوق وع اخلطر يق وم ِّ‬
‫آثار اخلطر‪ ،‬وما خلفه من كارثة‪ ،‬وهذا الضمان ال يتحقق به األمان مطلق اً‪ ،‬وال‬
‫يتم به تعويض النقص مطلقاً‪ ،‬كيف واإلنسان قد يرزأ بنفسه فال يؤمنه من ذلك‬
‫عقد الت أمني‪ ،‬وال يعوضه عن ذلك عقد الت أمني‪ ،‬وقد ي رزأ حببيب ه‪ ،‬وقريب ه‪ ،‬فال‬
‫يؤمنه من ذلك عقد التأمني‪ ،‬وال يعوضه عنه‪ ،‬عقد التأمني‪.‬‬

‫الوجه الث‪GGG‬اني‪ :‬مث إن ه ذا التوجيه قد ص رَّي الت أمني عالقة تعاقدي ة‪ ،‬تعاونية بني‬
‫جمموع املستأمنني وليس ذلك كذلك‪ ،‬ملا يلي‪:‬‬

‫انظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.51 ،50‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫انظر‪ :‬الوسيط‪ ،‬مرجع سابق‪7 ،‬مج‪1148 ،1144/ 2‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫املؤمن‪ ،‬واملستأمن(‪ ،)3‬وليس مثة رابطة تعاقدية‬


‫أن التأمني عقد ثنائي طرفاه ِّ‬ ‫أ‪-‬‬
‫بني جمم وع املس تأمنني‪ ،‬واحلكم على العقد ينبغي أن يك ون ب النظر إىل‬
‫املؤمن‪ ،‬واملستأمن‪ ،‬أما النظر إىل جمموع املستأمنني الذين ال‬
‫طرفيه‪ ،‬ومها‪ِّ :‬‬
‫ي ربطهم عق د‪ ،‬ف ذلك جماوزة ألحك ام العق د‪ ،‬ملا فيها من تفريق بني ما‬
‫اجتم ع‪ ،‬ومجع بني ما اف رتق‪ ،‬إذ مجع بني عم وم املس تأمنني‪ ،‬وعق ودهم‬
‫املؤمن‪ ،‬واملستأمن‪ ،‬فال ينظر‬
‫وفرق بني طريف العقد ِّ‬ ‫متفرقة ال رابطة بينها‪َّ ،‬‬
‫إليهما باعتبارمها ط ريف العق د‪ ،‬وإمنا ينظر إىل كل منهما باعتب اره طرف اً‬
‫يقابله طرف آخر هم عموم املستأمنني‪ ،‬وهذا تفريق ال أساس له‪ ،‬ومجع ال‬
‫أساس له‪ ،‬ومن مث فإن ما بناه على ذلك من حكم ال أساس له‪ ،‬إذ العقود‬
‫املختلفة ال حيتج ببعض ها على بعض‪ ،‬وال ي ؤثر بعض ها يف بعض‪ ،‬إذا مل‬
‫جتتمع يف عقد واحد‪ ،‬أو كانت مشروطة يف عقد واحد‪.‬‬
‫وببطالن النظر إىل جمم وع املس تأمنني يف رابطة تعاقدية تعاوني ة‪ ،‬تبطل‬ ‫ب‪-‬‬
‫دع وى التع اون‪ ،‬فيبقى الت أمني على أص له عقد معاوض ة‪ ،‬كما هو معل وم‬
‫عند أرباب ه‪ ،‬وعند الق انونيني ش ارحي أحكام ه‪ ،‬وقد تق دم يف بي ان‬
‫خصائصه‪.‬‬
‫وببطالن النظر إىل جمموع املستأمنني يبقى التأمني على أصله عقداً ثنائياً‬ ‫جـ‪-‬‬
‫املؤمن‪ ،‬واملس تأمن‪ ،‬كما هو معل وم عند أربابه وعند ش ارحي‬ ‫بني طرفي ه‪ِّ :‬‬
‫أحكامه من القانونيني‪.‬‬
‫اش تمال الت أمني التج اري على الربا بنوعيه‪" :‬الفضل‪ ،‬والنسيئة" ‪ ،‬ف إن‬ ‫‪-2‬‬
‫املؤمن إن دفع للمس تأمن أك ثر مما أخذ منه من النق ود ‪ ،‬فهو ربا فضل‬ ‫ِّ‬
‫ونسيئة‪ ،‬الجتماع الزيادة‪ ،‬والتأخري‪.‬‬
‫وإن دفع للمستأمن مثلما دفع‪ ،‬أو أقل‪ ،‬فهو ربا نسيئة‪ ،‬وكالمها حمرم‪.‬‬

‫انظر‪ :‬مرجع سابق‪7 ،‬مج‪.2/1165‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫(‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫اشتمال التأمني التجاري على أكل املال بالباطل‪ ،‬فإن من يدفع أقساطاً‬ ‫‪-3‬‬
‫نقدي ة‪ ،‬ومل يُع َّوض عنها ش يئاً‪ ،‬فإهنا تف وت عليه بال مقاب ل‪ ،‬ويك ون من‬
‫أخذها قد أكلها بال مقابل‪ ،‬وهو الباطل املنهي عنه‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫املؤمن مل‬
‫اشتمال التأمني التجاري على اإللزام مبا ال يلزم شرعاً ‪ ،‬فإن ِّ‬ ‫‪-4‬‬
‫حتدث منه الكارث ة‪ ،‬ومل يتس بب يف ح دوثها‪ ،‬فلم يكن ملزم اً بض مان‬
‫آثارها‪ ،‬والتزامه بالضمان لقاء عوض يدفع له جماوزة ال يقر عليها‪.‬‬

‫القول جبواز التأمني التجاري‪ ،‬ويكاد يكون فضيلة الشيخ‬ ‫القول الثاني‪:‬‬
‫مص طفى الزرقا ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عم دة الق ائلني جبوازه‪ ،‬إذ أف اض يف‬
‫االستدالل له‪ ،‬ومناقشة خمالفيه‪.‬‬

‫ومع إفاضة الش يخ الزرقا ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف االس تدالل للج واز‪ ،‬إال أن املتأمل‬
‫ألدلته جيدها‪:‬‬
‫أ‪ -‬إما أن تكون قائمة على تصوير التأمني على غري حقيقته‪.‬‬
‫ب‪ -‬أو أن تكون قائمة على قياس غري صحيح‪.‬‬

‫ومن أمثلة األول‪ :‬ما ذك ره عيسى عب ده ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬من خالل رجوعه‬
‫إىل السجالت الرمسية بدار اإلفتاء‪ ،‬حيث نقل سؤاالً تقدم به "هور روسل" يف‬
‫ص فر س نة ‪1321‬هـ إىل الش يخ حممد عب ده ‪-‬رمحه اهلل‪ ،-‬وهو املفيت وقته ا‪،‬‬
‫ونص الس ؤال ه و‪( :‬رجل يريد أن يتعاقد مع مجاعة" ش ركة مثالً على أن ي دفع‬
‫هلم م االً من ماله اخلاص‪ ،‬على أقس اط معين ة‪ ،‬ليعمل وا فيها بالتج ارة‪ ،‬واش رتط‬
‫عليهم أنه إذا ق ام مبا ذك ر‪ ،‬أو انتهى أمد االتف اق املعني بانته اء األقس اط املعين ة‪،‬‬
‫وك انوا قد عمل وا يف ذلك املال‪ ..‬وك ان حي اً‪ ،‬فيأخذ ما يك ون له من املال‪ ،‬مع‬

‫انظر‪ :‬حاشية ابن عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪6/281 ،‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ما خيصه من األرباح‪ ،‬وإذا مات يف أثناء تلك املدة فيكون لورثت ه‪ ،‬أو ملن له حق‬
‫الوالية يف ماله أن يأخذوا املبلغ تعلق مورثهم مع األرباح‪ ،‬فهل مثل هذا التعاقد‬
‫الذي يكون مفيداً ألربابه مبا ينتجه هلم من الربح‪ ..‬جائز شرعاً؟)(‪ )1‬وقد أجاب‬
‫الشيخ حممد عبده مبا يلي ‪-‬وهو النص الرمسي للفتوى املشهورة‪:-‬‬

‫(لو ص در مثل ه ذا التعاقد بني ذلك الرجل وه ؤالء اجلماعة على الص فة‬
‫املذكورة كان ذلك جائزاً شرعاً‪.)2()...‬‬

‫وي ذكر عيسى عب ده ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أن ه ذه الفت وى قد راجت رواج اً‬
‫كب رياً بني ش ركات الت أمني‪ ،‬إذ طبعت حبروف دقيق ة‪ ،‬وأحيطت باألخت ام‪،‬‬
‫ووضعت يف إطار مثني‪ ،‬صارت تقتنيه شركات التأمني‪ ،‬وتشهره يف مكاتبها(‪.)3‬‬

‫وقد بين على ه ذا التص وير املخ الف حلقيقة الت أمني االس تدالل جلوازه‬
‫بعقد املضاربة‪ ،‬وسيأيت مبناقشته‪.‬‬

‫ومن أمثلته أيض اً‪ :‬تص وير الت أمني على أنه تع اون ق ائم بني جمم وع‬
‫املستأمنني‪ ،‬وليست شركة التأمني إال وسيطاً بينهم(‪.)4‬‬
‫وبن ًاء على ه ذا التص وير اس تدلوا جلواز الت أمني بأنه ق ائم على التع اون‪،‬‬
‫وسيأيت مبناقشته‪.‬‬

‫التأمني األصيل‪ ،‬والبديل‪ ،‬عيسى عبده‪ ،‬بريوت‪ :‬دار البحوث العلمية‪1392 ،‬هـ‪ ،‬ص‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫‪ ،28 ،25‬وقد نقل هذه الفتوى السنهوري يف الوسيط‪7،‬مج‪2/1087‬‬


‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،29‬وقد اكتفيت مبا يفيد الغرض من الفتوى‪ ،‬لالختصار‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫انظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.25‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫(‬

‫انظر‪ :‬الوسيط مرجع سابق‪7 ،‬مج‪.1140 ،2/1092‬‬ ‫‪)4‬‬ ‫(‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ومن أمثلة الث اين‪ :‬قي اس عقد الت أمني على املض اربة‪ ،‬واالس تئجار‬
‫للحراسة‪ ،‬وضمان اجملهول‪ ،‬وضمان خطر الطريق‪ ،‬وكل ذلك قياس مع الفارق‬
‫سيأيت مبناقشته‪.‬‬

‫في بيان أدلة الجواز‪ ،‬ومناقشتها(‪:)1‬‬


‫‪ -1‬االس تدالل باإلباحة األص لية على ج واز الت أمني‪ ،‬ف إن األصل يف األش ياء‬
‫اإلباحة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬العقود‪ ،‬والشروط‪.‬‬
‫وجياب عن ه‪ :‬ب أن االعتب ار باإلباحة األص لية مش روط بانتف اء املوانع‬
‫الش رعية‪ ،‬والت أمني قد اش تمل على موانع ش رعية‪ ،‬كالرب ا‪ ،‬والغ رر‪ ،‬وأكل‬
‫املال بالباط ل‪ ،‬فتخرجه من عم وم قاع دة اإلباحة األص لية‪ ،‬وتقضي‬
‫بتحرميه‪.‬‬
‫‪ -2‬االس تدالل باالستصالح على ج واز الت أمني‪ ،‬ف إن الت أمني فيه مص لحة‪ ،‬إذ‬
‫به يطمئن الناس على أمواهلم‪ ،‬وجتارهتم‪ ،‬وصناعتهم‪.‬‬
‫وجياب‪ :‬ب أن املص لحة يف الت أمني ملغ اة الش تماله على ما ج اءت الش ريعة‬
‫بإلغائه ومنعه‪ ،‬كالربا والغرر‪ ،‬وأكل املال بالباطل‪.‬‬
‫االس تدالل بالتع اون على ج واز الت أمني‪ ،‬ب النظر إىل جمم وع‬ ‫‪-3‬‬
‫(‪)2‬‬
‫املستأمنني‪ ،‬إذ يتعاونون فيما بينهم على حتمل ما يصيبهم من ضرر ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا االستدالل مبين على تصوير التأمني على خالف حقيقته كما‬
‫تقدم‪ ،‬وقد ذكر عيسى عبده ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أن دعوى التعاون هذه‪ ،‬ال تثار‬
‫إال يف بالد املس لمني‪ ،‬لت ربير الت أمني‪ ،‬أما يف بالد الغ رب‪ ،‬فش راح الق انون‬

‫أنظر‪ :‬نظام التأمني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،53-45‬ص‪ 57‬أحباث هيئة كبار العلماء‪ ،‬مرجع‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫ابق‪،‬‬ ‫س‬
‫‪.4/180-233‬‬
‫الوسيط‪ ،‬مرجع سابق‪7 ،‬مج‪ ،2/1140‬نظام التأمني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪50 ،43 ،42‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫ال جيدون غضاضة يف وصف الت أمني بأنه عقد معاوض ة‪ ،‬وره ان‪،‬‬
‫ومق امرة(‪ ،)3‬وقد تق دمت مناقشة ه ذه ال دعوى عند مناقشة اس تدالل‬
‫املانعني بالغرر‪.‬‬
‫املؤمن يس تثمر أم وال‬
‫االس تدالل بقياسه على املض اربة من جهة أن ِّ‬ ‫‪-4‬‬
‫املس تأمنني‪ ،‬وما يص رفه على الت أمني من مب الغ للمس تأمنني ميثل أرب احهم‪،‬‬
‫وما حيتفظ به لنفسه من مال ميثل نصيبه من الربح‪.‬‬

‫وه ذا االس تدالل مبين على تص وير الت أمني على خالف حقيقت ه‪ ،‬كما يف‬
‫صورة الفتوى املنقولة فيما تقدم عن الشيخ حممد عبده ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬وجياب عنه‪:‬‬
‫بأنه قي اس مع الف ارق ف إن ش ركة املض اربة تف رتق عن الت أمني من وج وه منه ا‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن رأس املال يف املض اربة يك ون ملك اً لص احبه ال ذي دفع ه‪ ،‬ويف الت أمني ما‬
‫يدفع من مال يكون ملكاً لشركة التأمني‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن ال ربح الن اتج عن رأس املال يف املض اربة يك ون بني الش ريكني حسب‬
‫اتفاقهما‪ ،‬ويف التأمني يكون الربح للشركة‪ ،‬باعتبار أهنا مالك رأس املال‪.‬‬
‫‪ -5‬االس تدالل بقياسه على اإلج ارة يف عمل احلراس ة‪ ،‬من جهة أن احلارس‬
‫جيوز اس تئجاره للقي ام بعمل احلراس ة‪ ،‬وهو بعمله حيقق األم ان‪،‬‬
‫واالطمئن ان ملن اس تأجره‪ ،‬وك ذا الش أن يف الت أمني فإنه حيقق األم ان‬
‫واالطمئنان للمستأمن‪.‬‬
‫وجياب‪ :‬بأن القياس مع الفارق فإن األجرة يف عقد احلراسة إمنا هي على‬
‫العمل‪ ،‬ليس األمان‪ ،‬وهلذا فإن احلارس عند قيامه بعمل احلراسة يستحق‬
‫األجرة‪ ،‬سواء أحتققت الغاية من العقد وهي األمان‪ ،‬أم مل تتحقق‪.‬‬
‫أما األقساط يف عقد التأمني فإهنا مقابل مبلغ التعويض‪ ،‬فافرتقا‪ ،‬ويف كال‬
‫العقدين مل يكن األمان حمالً للعقد‪.‬‬
‫انظر‪ :‬التأمني األصيل والبديل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.42‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫(‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫االستدالل بقياسه على ضمان اجملهول‪ ،‬وضمان مامل جيب‪ ،‬من جهة أنه‬ ‫‪-6‬‬
‫جيوز ‪-‬على خالف بني الفقهاء‪ -‬ضمان ما يكون جمهوالً‪ ،‬ومامل يكن‬
‫واجب اً من احلق وق‪ ،‬ف إذا ك ان ج ائزاً مع اش تماله على اجلهال ة‪ ،‬فليجز‬
‫التأمني على ما فيه من جهالة‪ ،‬وغرر‪.‬‬
‫وجياب‪ :‬بأنه قي اس مع الف ارق‪ ،‬ف إن الض مان ت ربع‪ ،‬وإحس ان فتغتفر فيه‬
‫اجلهالة‪ ،‬خبالف التأمني‪ ،‬فهو عقد معاوضة تفسده اجلهالة‪ ،‬واالحتمال‪.‬‬
‫االستدالل بقياسه على ضمان خطر الطريق‪ ،‬فإن من قال آلخر‪ :‬اسلك‬ ‫‪-7‬‬
‫ه ذا الطري ق‪ ،‬فإنه آمن‪ ،‬ف إن ك ان خموف اً‪ ،‬وأ ُِخ َذ مالك فإنا ض امن‪ ،‬فإنه‬
‫يضمن‪ ،‬ووجه الشبه بني هذا والتأمني‪ :‬أن يف كل منهما ضماناً للخطر‬
‫إذا وقع‪ ،‬فإذا جاز ضمان خطر الطريق‪ ،‬فليجز التأمني‪.‬‬

‫وجياب‪ :‬بأنه قياس مع الفارق ملا يلي‪:‬‬


‫أ ‪ -‬أن ضمان خطر الطريق تربع وإحسان‪ ،‬أما التأمني فمعاوضة‪ ،‬فافرتقا‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن سبب ضمان خطر الطريق هو تغرير الضامن للمضمون له وهلذا صار‬
‫الض امن س بباً فيما حصل للمض مون ل ه‪ ،‬فلزمه الض مان‪ ،‬أما الت أمني فال‬
‫تغرير فيه من قبل ش ركة الت أمني للمس تأمن يس تحق بس ببه املس تأمن‬
‫الضمان‪ ،‬فافرتقا‪.‬‬

‫ال رتجيح‪ :‬ومما س بق من ع رض لق ول اجمليزين بأدلت ه‪ ،‬ومناقش ته‪ ،‬وع رض‬


‫لقول املانعني بأدلته ومناقشته‪ ،‬يتبني رجحان القول باملنع‪ ،‬لقوة أدلته‪ ،‬وظهور‬
‫داللتها‪ ،‬يف حني أن القول باجلواز أدلته متكلفة يف مجلتها‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المطلب الثاني‬

‫الت أمني التع اوين‪ :‬والت أمني التع اوين ج اء ليك ون ب ديالً عن الت أمني‬
‫التجاري‪ ،‬بعدما ترجح منعه‪ ،‬وسيكون الكالم عليه مقيداً بالعناصر اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ .‬خصائصه‪ :‬ويتميز التأمني التعاوين عن التأمني التجاري خبصائص منها‪:‬‬
‫‪ .1‬أن مقصوده التناصر‪ ،‬والتعاون‪ ،‬خبالف التجاري فإن مقصوده املعاوضة‪،‬‬
‫وما يكون فيه من تعاون ليس قصداً‪ ،‬بل تبع‪.‬‬
‫املؤمن هو املس تأمن‪ ،‬وجمم وعهم ميثل أعض اء مجعية الت أمني‪ ،‬خبالف‬
‫‪ .2‬أن ِّ‬
‫املؤمن طرف مستقل متثله شركة التأمني‪ ،‬واملستأمن طرف‬ ‫التجاري فإن ِّ‬
‫املؤمن‪ ،‬وعن باقي املستأمنني‪.‬‬
‫آخر مستقل عن ِّ‬
‫ب‪ .‬أقسامه‪ ،‬والتعريف بكل قسم‪ :‬وينقسم إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫صص‬ ‫منها ما يكون تربعاً حمضاً ملساعدة املنكوبني‪ ،‬كأن خُي َّ‬ ‫‪-1‬‬
‫ص ندوق ل دعم املنك وبني‪ ،‬تدعمه الدول ة‪ ،‬أو احملس نون ‪-‬من غري‬
‫املستفيدين منه‪ ،-‬أو مها معاً ‪.‬‬
‫تعريفه‪ :‬ومل أقف على تعريف هلذا القسم‪ ،‬وأرى أن يعرف بأنه‪:‬‬
‫(تربع ملن يصيبه ضرر من غري املتربعني)‬
‫ومنها ما يكون مقصوده التناصر‪ ،‬والتعاون‪ ،‬إذ التربع فيه ليس حمضاً من‬ ‫‪-2‬‬
‫جهة أن املس تفيدين منه هم املس همون في ه‪ ،‬ك أن جيتمع أف راد ت ربطهم‬
‫رابطة القرابة‪ ،‬أو الصداقة‪ ،‬أو العمل يف إنشاء صندوق لدعم من يتعرض‬
‫منهم لنائبة‪ ،‬إن كان ذلك مطلقاً‪ ،‬أو مقيداً بنوع من احلوادث‪.‬‬
‫وه ذا القسم يس مى بـ "الت أمني التع اوين البس يط ‪-‬املباش ر‪ ،"-‬ويتم يز‬
‫مبحدودية أعضائه‪ ،‬وأهنم القائمون بإدارته‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫تعريف ه‪ :‬ويع رف بـ(أن يش رتك مجاعة مبب الغ ختصص لتع ويض من يص يبه‬
‫( ‪)1‬‬
‫الضرر منهم)‬
‫وقد تتوسع دائرة القسم الثاين‪ ،‬فتجاوز حدود القرابة‪ ،‬أو الصداقة‪،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫فتضم مجع اً كب رياً من املس همني في ه‪ ،‬حبيث يعجز أعض اؤه عن إدارت ه‪،‬‬
‫عهد بإدارته إىل ش ركة أجنبية عن املس همني في ه‪ ،‬وه ذا أظهر ما يفرقه‬
‫فيُ َ‬
‫عن القسم ال ذي قبل ه‪ ،‬ويس مى بـ "الت أمني التع اوين املركب ‪-‬غري‬
‫املباشر‪."-‬‬

‫تعريفه‪ :‬ويعرف بأنه‪(:‬عقد تأمني مجاعي يلتزم مبوجبه كل مشرتك فيه بدفع مبلغ‬
‫معني من املال على سبيل التربع‪ ،‬لتعويض املتضررين منهم‪ ،‬على أساس‬
‫التكاف ل‪ ،‬والتض امن عند حتقق اخلطر املؤمن من ه‪ ،‬ت دار فيه العملي ات‬
‫التأمينية من قبل شركة متخصصة‪ ،‬على أساس الوكالة بأجر معلوم)(‪.)1‬‬

‫جـ‪ -‬يف بيان حكمه‪ :‬أما القسم األول‪ :‬فال إشكال يف جوازه‪ ،‬فإنه تربع‬
‫حمض‪ ،‬وهو من اإلحسان واملعروف‪ ،‬والتعاون‪ ،‬على الرب والتقوى‪ ،‬وهو‬
‫مأمور به‪.‬‬

‫وأما القسم الث اين‪ :‬ف الراجح ج وازه‪ ،‬ملا فيه من التع اون‪ ،‬والتناص ر‪،‬‬
‫واإلحس ان‪ ،‬وقد أفتت جبوازه هيئة كب ار العلم اء باململكة العربية الس عودية يف‬
‫قرراها رقم ‪ 51‬يف ‪4/4/1397‬هـ‪ ،‬كما أفىت جبوازه جملس جممع الفقه‬
‫اإلس المي‪ ،‬لرابطة الع امل اإلس المي‪ ،‬يف دورته األوىل‪ ،‬مبكة املكرم ة‪ ،‬يف‬
‫‪1/8/1398‬هـ‪.‬‬

‫أحباث هيئة كبار العلماء يف اململكة‪ ،‬مرجع سابق‪4/72،‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫التأمني التعاوين اإلسالمي وتطبيقاته‪ ،‬أمحد سامل ملحم‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫‪)1‬‬ ‫(‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫وميكن أن يق ال مبنع ه‪ ،‬لكونه ليس تربع اً حمض اً‪ ،‬ف إن املس همني فيه قص دهم‬
‫االنتفاع عند حاجتهم منه‪ ،‬فيكون أدخل بسلف جر نفعاً‪.‬‬

‫وجياب‪ :‬بأن هذا توسع يف تطبيق قاعدة كل سلف جر نفعاً فهو ربا(‪.)2‬‬
‫قلت‪ :‬واألوىل أن يلحق حبكم العاقل ة‪ ،‬وأص له ما رواه أبو هري رة رضي‬
‫اهلل عنه قال‪( :‬اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحدامها األخرى حبجر‪ ،‬فقتلتها‬
‫وما يف بطنه ا‪ ،‬فاختص موا إىل رس ول اهلل ‪ ،‬فقضى أن دية جنينها غ رة عب د‪ ،‬أو‬
‫وليدة‪ ،‬وقضى بدية املرأة على عاقلتها‪.)3()...‬‬

‫ووجه الداللة فيه على الت أمني التع اوين ه و‪ :‬أن اإلس الم كلف العص بة‬
‫التناصر‪ ،‬والتعاون فيما بينهم يف حتمل الدية عن الفرد منهم‪ ،‬ومل يعترب مبا يدخل‬
‫متحمالً الي وم‪،‬‬
‫ذلك من معاوض ة‪ ،‬من جهة أن الف رد من ه ذه العص بة يك ون ِّ‬
‫متحمالً عنه غداً‪.‬‬
‫َّ‬

‫فإن قيل بالفرق بينهما من جهة أن نظام العاقلة ال ترصد له أموال سلفاً‬
‫قبل وق وع الض رر‪ ،‬خبالف الت أمني التع اوين‪ ،‬قلت‪ :‬ه ذا ف رق غري م ؤثر ف إن أي‬
‫فرد من العصبة املتناصرين ال يكون مسلفاً لآلخر مبجرد رصد املال سلفاً‪ ،‬وإمنا‬
‫يكون مسلفاً له بالتحمل عنه‪ ،‬فاستوى يف ذلك رصد املال سلفاً وعدمه‪.‬‬

‫وإذا ك ان ذلك ك ذلك‪ ،‬واغتف رت الش ريعة ما فيه من معىن املعاوض ة‪،‬‬
‫فليكن كذلك يف التأمني التعاوين‪ ،‬فإنه مثله‪ ،‬لعدم تأثري الفرق كما تقدم‪.‬‬

‫انظر‪ :‬أحباث هيئة كبار العلماء يف اململكة‪ ،‬مرجع سابق‪. 4/281 ،‬‬ ‫‪)2‬‬ ‫(‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬بفتح الباري‪ ،‬املطبعة السلفية‪ ،‬كتاب الديات‪ ،‬باب جنني املرأة‪،....‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫(‬

‫‪ ،12/252‬رقم ‪. 6910‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫مث إن احتجاج املانعني بقاعدة "كل قرض جر نفع اً فهو ربا" ليس بأوىل‬
‫من احتجاج اجمليزين حبكم العاقلة‪ ،‬بل هو أوىل بالتأمني التعاوين جبامع التعاون‪،‬‬
‫كل‪ ،‬وقصدمها يف التأمني التعاوين أظهر من قصد املعاوضة‪.‬‬ ‫والتناصر يف ٍّ‬
‫وأما القسم الثالث‪" :‬التأمني التعاوين املركب" فاألصل جوازه‪ ،‬ألن ما يفرتق‬
‫فيه عن الت أمني التع اوين البس يط غري م ؤثر‪ ،‬إال إن ت رتب على ه ذه الف روق‬
‫الشكلية فروق مؤثرة ‪ ،‬كأن يرتتب على كثرة األعضاء وعدم تعارفهم‪ ،‬وإدارته‬
‫من قبل ش ركة أجنبية عن الش ركاء خ روج به عن هدف ه‪ ،‬فتحيد به الش ركة‬
‫القائمة على إدارته عن غايته التعاونية وتس تأثر بأمواله اجملتمع ة‪ ،‬وتوظفها يف‬
‫اإلقراض بفائدة‪ ،‬وختطو فيه خطا شركات التأمني التجاري‪ ،‬فذلك أمر حمظور‪.‬‬

‫وهو يوجب التثبت مما عليه واقع تلك الشركات قبل احلكم عليها‪ ،‬ألن‬
‫جمرد األمساء ال اعتب ار هلا‪ ،‬فال حيكم على بنك أنه إس المي‪ ،‬أو ت أمني على أنه‬
‫تعاوين جملرد امسه‪ ،‬بل البد من النظر إىل حقيقته‪.‬‬

‫قائمة المراجع‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪ .1‬االحتاد ال دويل للبن وك اإلس المي ‪ ،‬املوس وعة العلمية والعملية للبن وك‬
‫اإلسالمية ‪1402 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .2‬األحك ام الس لطانية والوالي ات الدينية – أليب احلسن على بن حممد‬
‫املاوردي – حتقيق خالد العلمي – نشر دار الكتاب العريب – بريوت –‬
‫الطبعة األوىل ‪1410‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .3‬أحك ام املال احلرام وض وابط االنتف اع والتص رف به – د ‪ .‬عب اس الب از‬
‫دار النفائس – األردن – الطبعة الثانية ‪1420‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .4‬أحكام امللكية يف الفقه اإلسالمي – دار مقارنة – حممد منصور املدخلي‬
‫– الطبعة الثانية ‪1419‬هـ ‪ -‬دار املعراج الدولية للنشر – الرياض ‪.‬‬
‫‪ .5‬إدارة وتثمري ممتلك ات األوق اف ‪ .‬ج دة ‪ :‬البنك اإلس المي للتنمية ‪.‬‬
‫( وقائع احللقة الدراسية لتثمري مملتكات األوقاف ‪1404 ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .6‬أدوات إعادة التوزيع وأثرها يف حتقيق االقتصادية يف االقتصاد اإلسالمي‬
‫‪ .‬عبد ال رمحن بن إب راهيم الش باتات ‪ .‬رس الة دكت وراه ‪ .‬جامعة اإلم ام‬
‫حممد بن سعود اإلسالمية ‪ .‬الرياض ‪1422‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .7‬إرواء الغليل يف ختريج أحاديث منار السبيل – حممد ناصر الدين األلباين‬
‫– املكتب اإلسالمي – بريوت – الطبعة الثانية ‪1405‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .8‬اإلس الم والتح دي االقتص ادي ‪ .‬حممد عمر ش ابرا ‪.‬تع ريب حممد زهري‬
‫السمهوري ‪ .‬عمان‪ :‬املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ‪1416 ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .9‬اإلسالم واملذاهب االقتصادية املعاصره – يوسف كمال – الطبعة األوىل‬
‫‪1407‬هـ دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع – املنصورة – مصر ‪.‬‬
‫‪ .10‬أص ول االقتص اد اإلس المي – د‪ .‬رفيق ي ونس املص ري الطبعة الثانية‬
‫‪1413‬هـ – دار القلم – دمشق – الدار الشامية – بريوت ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫أصول االقتصاد اإلسالمي ‪ .‬د ‪ .‬عبد احلميد حممود البعلي الطبعة األوىل‬ ‫‪.11‬‬
‫‪1421‬هـ – دار الراوي – الدمام ‪.‬‬
‫االقتصاد ‪ .‬بول سامو يسلون ‪ ،‬ويليام هاوس ‪ .‬ط ‪ . 15‬تعريب هشام‬ ‫‪.12‬‬
‫عبد اهلل ‪ ،‬مراجعة أسامة الدباغ ‪ ،‬عمان ‪ :‬األهلية للنشر ‪2001‬م ‪.‬‬
‫االقتصاد اإلسالمي ‪ ،‬مبادىء وخصائص وأهداف ‪ ،‬حسن سري ‪ ،‬ط‪1‬‬ ‫‪.13‬‬
‫‪1411 ،‬هـ ‪.‬‬
‫اقتص ادنا يف ض وء الق رآن والس نة – د ‪ .‬حممد حسن أبو حيىي الطبعة‬ ‫‪.14‬‬
‫األوىل ‪1409‬هـ ‪ -‬دار عمار – عمان ‪.‬‬
‫اقتصاديات الغين يف اإلسالم ‪ .‬د ‪ .‬عمر املرزوقي ‪ ،‬جامعة امللك سعود ‪.‬‬ ‫‪.15‬‬
‫عمادة البحث العلمي ‪1423 ،‬هـ ‪.‬‬
‫اقتص اديات ملالية العامة والنظ ام املايل يف اإلس المي ‪ .‬عبد احلميد حممد‬ ‫‪.16‬‬
‫القاضي ‪ .‬مصر ‪ :‬دار اجلامعة املصرية ‪1980 ،‬م ‪.‬‬
‫اقتص اديات املرياث يف اإلس الم ‪ .‬د ‪ .‬عمر املرزوقي جامعة األزهر ‪.‬جملة‬ ‫‪.17‬‬
‫صاحل كامل لالقتصاديات اإلسالمي ‪1422‬هـ ‪.‬‬
‫اإلقناع لطالب االنتفاع – موسى احلجاوي – حتقيق عبد اهلل الرتكي –‬ ‫‪.18‬‬
‫دار اهلجرة – الطبعة األوىل ‪1418‬هـ ز‬
‫االكتس اب يف ال رزق املس تطاب – حملمد بن احلسن الش يباين – حتقيق‬ ‫‪.19‬‬
‫حممود عرنوس – مطبعة دار الكتاب العلمية – بريوت – الطبعة األوىل‬
‫‪1406‬هـ ‪.‬‬
‫اإلنس ان أس اس املنهج اإلس المي يف التنمية االقتص ادية ‪ ،‬د ‪ .‬عبد احلميد‬ ‫‪.20‬‬
‫الغ زايل ‪ ،‬الناشر املص رف اإلس المي ال دويل لالس تثمار ‪ ،‬الق اهرة ‪،‬‬
‫‪1408‬هـ ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫أيسر التفاسري لكالم العلي القدير – أليب بكر اجلزائري – دار السالم –‬ ‫‪.21‬‬
‫مصر – الطبعة الرابعة ‪1412‬هـ ‪.‬‬
‫بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع – أليب بكر بن مسعود الكساين – دار‬ ‫‪.22‬‬
‫الكتب العلمية – بريوت – الطبعة الثانية ‪1406‬هـ ‪.‬‬
‫البداية والنهائية – البن كثري القرشي – حتقيق د‪ .‬عبد اهلل ال رتكي –‬ ‫‪.23‬‬
‫دار هجر – الطبعة األوىل ‪1417‬هـ ‪.‬‬
‫ت اريخ الفكر االقتص ادي ‪ ،‬د ‪ .‬س عيد النج ار ‪ ،‬دار النهضة العربية للنشر‬ ‫‪.24‬‬
‫‪1973 ،‬م ‪.‬‬
‫تاريخ الفكر االقتصادي ‪ ،‬د ‪ .‬لبيب شقري ‪ ،‬هنضة مصر للنشر ‪ ،‬القاهرة‬ ‫‪.25‬‬
‫‪.‬‬
‫تأصيل االقتصاد اإلسالمي د ‪ .‬مصلح عبد احلي النجار – الطبعة األوىل‬ ‫‪.26‬‬
‫‪1424‬هـ ‪ ،‬مكتبة الرشد – الرياض ‪.‬‬
‫حترير األحك ام يف ت دبري أهل اإلس الم – لإلم ام ب در ال دين بن مجاعة‬ ‫‪.27‬‬
‫ؤاد عبد املنعم – مطبعة دار الثقافة – قطر – الطبعة الثالثة‬ ‫حتقيق ف‬
‫‪1408‬هـ ‪.‬‬
‫التسهيل لعلوم التنزيل – حملمد بن جزى الكليب – دار الكتب العلمية –‬ ‫‪.28‬‬
‫ريوت‬ ‫ب‬
‫الطبعة ‪.‬‬
‫تطوير الفكر االقتصادي ‪ ،‬د ‪ .‬حسني عمر ‪ ،‬دار الفكر العريب ‪،‬‬ ‫‪.29‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ج‪1414 ، 1‬هـ ‪.‬‬
‫رآن العظيم – إلمساعيل بن كثري القرشي – دار اجليل –‬ ‫تفسري الق‬ ‫‪.30‬‬
‫بريوت – الطبعة الثانية ‪1410‬هـ ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫تفسري الق رآن الك رمي‪ -‬حممد بن ص احل الع ثيمني – دار ابن اجلوزي –‬ ‫‪.31‬‬
‫الطبعة األوىل‪1423 ،‬هـ ‪.‬‬
‫متويل التنمية يف االقتصاد اإلسالمي ‪ ،‬د ‪ .‬شوقي دنيا ‪ ،‬مؤسسة الرسالة‬ ‫‪.32‬‬
‫‪1404 ،‬هـ ‪.‬‬
‫تيسري الوص ول إىل علم االص ول – د ‪ .‬عبد ال رحيم يعق وب مكتبة‬ ‫‪.33‬‬
‫العبيكان – الرياض – الطبعة األوىل ‪1424‬هـ ‪.‬‬
‫جامعة البي ان يف تأويل الق رآن – أليب جعفر بن جرير الط ربي – دار‬ ‫‪.34‬‬
‫الكتب العلمية – بريوت – الطبعة األوىل ‪1412‬هـ ‪.‬‬
‫اجلامع ألحك ام الق رآن الك رمي – لإلم ام القرطيب – دار إحي اء ال رتاث‬ ‫‪.35‬‬
‫العريب – بريوت – ‪1405‬هـ ‪.‬‬
‫حاشية الروض املربع شرح زاد املستقنع – عبد الرمحن القاسم – الطبعة‬ ‫‪.36‬‬
‫الثانية ‪.‬‬
‫دراسات يف االقتصاد السياسي ‪ ،‬عيسى عبده ‪ .‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ .‬مؤسسة‬ ‫‪.37‬‬
‫الرسالة ‪1420 .‬هـ ‪.‬‬
‫ال رزق احلالل وحقيقة التوكل على اهلل للح ارث احملاسيب – حتقيق حممد‬ ‫‪.38‬‬
‫اخلشن مكتبة القرآن – القاهرة ‪.‬‬
‫رح املع اين يف تفسري الق رآن العظيم والس بع املث ايل – حمم ود األلوسي –‬ ‫‪.39‬‬
‫دار الفكر – بريوت – ‪1414‬هـ ‪.‬‬
‫روضة الط البني وعم دة املف تني – الن ووي – املكتب اإلس المي ‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪.40‬‬
‫الثالثة ‪1412‬هـ ‪.‬‬
‫روضة الن ازر وجنة املن اظر يف أص ول الفقه على م ذهب اإلم ام أمحد بن‬ ‫‪.41‬‬
‫حنبل – ملوفق الدين عبد اهلل بن قدامة – مكتبة املعارف – الرياض ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫السياسة االقتص ادية والنظم املالية يف الفقه اإلس المي د ‪ .‬أمحد احلص ري‬ ‫‪.42‬‬
‫– الطبعة األوىل ‪1407‬هـ ‪ -‬دار الكتب العريب – بريوت ‪.‬‬
‫الس رية النبوية – ابن هش ام – حتقيق مهام س عيد وحممد أبو ص عليك –‬ ‫‪.43‬‬
‫مكتبة املنار – ألردن – الطبعة األوىل ‪1409‬هـ ‪.‬‬
‫شرح السنة – لإلمام البغوي – املكتب اإلسالمي – بريوت – الطبعة‬ ‫‪.44‬‬
‫األوىل ‪1400‬هـ ‪.‬‬
‫شرح الكوكب املنري – البن النجار – حتقيق حممد الزحيلي ونزيه محاد‬ ‫‪.45‬‬
‫– مكتبة العبيكان – الرياض ‪1413‬هـ ‪.‬‬
‫الش رح املمتع على زاد املس تقنع ‪ .‬حممد بن ص احل الع ثيمني ‪ .‬مجع ‪ :‬د ‪.‬‬ ‫‪.46‬‬
‫سليمان أبا اخليل ود ‪ .‬خالد املشيقح ‪ .‬ط‪ . 1‬الرياض ‪ :‬آسام ‪1416‬هـ‬
‫‪.‬‬
‫ص حيح اجلامع الص غري وزيادته – حممد ناصر ال دين األلب اين – املكتب‬ ‫‪.47‬‬
‫اإلسالمي – بريوت – الطبعة الثالثة ‪1408‬هـ ‪.‬‬
‫ضوابط املصلحة يف الشريعة اإلسالمية ‪ .‬ط‪ . 2‬حممد سعيد البوطي ‪ .‬ط‬ ‫‪.48‬‬
‫‪ . 2‬بريوت ‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪1397 ،‬هـ ‪.‬‬
‫ضوابط حرية االستثمار املايل دراسة مقارنة ‪ ،‬فهد أمحد حسبو ‪ ،‬رسالة‬ ‫‪.49‬‬
‫ماجس تري ‪ ،‬املعهد الع ايل للقض اء ‪ ،‬جامعة اإلم ام حممد بن س عود‬
‫اإلسالمية ‪ ،‬الرياض ‪1424‬هـ ‪.‬‬
‫ع امل إس المي بال فقر ‪ ،‬د ‪ .‬رفعت العوضي ‪ ،‬وزارة األوق اف ‪ ،‬قطر ‪،‬‬ ‫‪.50‬‬
‫‪1421‬هـ ‪.‬‬
‫العدالة االجتماعية والتنمية يف االقتص اد اإلس المي ‪ ،‬د ‪ .‬عبد احلميد‬ ‫‪.51‬‬
‫براهيمي مركز دراسات الوحدة العربية ‪1997‬م ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫علم االقتص اد واملذاهب االقتص ادية ‪ ،‬د ‪ .‬مص طفى العبد اهلل ‪ ،‬مطبعة االحتاد‬ ‫‪.52‬‬
‫بدمشق ‪1410‬هـ ‪.‬‬
‫عناصر اإلنت اج يف االقتص اد اإلس المي والنظم االقتص ادية املعاص رة –‬ ‫‪.53‬‬
‫دراسة مقارنة – د ‪ .‬ص احل بن محيد العلي – الطبعة األوىل ‪1420‬هـ‬
‫دار اليمامة – دمشق ‪.‬‬
‫فت اوى الزك اة ‪ .‬عبد اهلل بن عبد ال رمحن بن ج ربين ‪ .‬مجع ‪ :‬ابو أنس‬ ‫‪.54‬‬
‫علي بن حسني أبو لوز ط‪ . 1‬الرياض ‪ :‬دار الوطن ‪1417 ،‬هـ ‪.‬‬
‫فت اوى اللجنة الدائمة للبح وث العلمية واإلفت اء ‪ ،‬مجع وت رتيب أمحد‬ ‫‪.55‬‬
‫ال دويش ‪ ،‬ط‪ ، 2‬الري اض ‪ :‬رئاسة إدارة البح وث العلمية وإلفت اء‬
‫‪1422‬هـ ‪.‬‬
‫فتح الق دير اجلامع بني فين الرواية والدراية من علم التفسري – حممد‬ ‫‪.56‬‬
‫الشوكاين دار الفكر – بريوت – ‪1403‬هـ ‪.‬‬
‫الفروق – لشهاب الدين القرايف – دار املعرفة – بريوت ‪.‬‬ ‫‪.57‬‬
‫الفقه اإلس المي وأدلته – د ‪ .‬وهبة ال زحيلي – دار الفكر – ب ريوت –‬ ‫‪.58‬‬
‫الطبعة الثالثة ‪1404‬هـ ‪.‬‬
‫فقه الزك اة – د ‪ .‬يوسف القرض اوي – الطبعة الثانية والعش رون –‬ ‫‪.59‬‬
‫‪1414‬هـ – مؤسسة الرسالة – بريوت ‪.‬‬
‫يف االقتص اد اإلس المي – املرتك زات – التوزيع – االس تثمار – النظ ام‬ ‫‪.60‬‬
‫املايل – د ‪ .‬رفعت العوضي الطبعة األوىل ‪1410‬هـ ‪ -‬كت اب األمة –‬
‫قطر‪.‬‬
‫الق اموس احمليط للف ريوز آي ادي – مؤسسة الرس الة – ب ريوت – الطبعة‬ ‫‪.61‬‬
‫الثانية ‪1407‬هـ ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫القض اء والق در – د ‪ .‬عمر االش قر – دار النف ائس – ب ريوت – الطبعة‬ ‫‪.62‬‬
‫الثانية ‪1410‬هـ ‪.‬‬
‫قواعد األحك ام يف مص احل األن ام – العز بن عبد الس الم – مؤسسة‬ ‫‪.63‬‬
‫الريان – بريوت – ‪1410‬هـ ‪.‬‬
‫لس ان الع رب – البن منظ ور – دار إحي اء ال رتاث الع ريب – ب ريوت –‬ ‫‪.64‬‬
‫الطبعة األوىل ‪1408‬هـ ‪.‬‬
‫ما ال يسع الت اجر جهلة – دليل املس تثمر املس لم إىل األحك ام الش رعية‬ ‫‪.65‬‬
‫للمع امالت االقتص ادية يف اإلس الم – حمم ود بن إب راهيم اخلطيب –‬
‫الطبعة األوىل ‪1409‬هـ – مكتبة احلرمني – الرياض ‪.‬‬
‫ملال يف الق رآن – دراية موض وعية – س ليمان بن إب راهيم احلصني –‬ ‫‪.66‬‬
‫الطبعة األوىل – ‪1415‬هـ – دار املعراج الدولية للنشر – الرياض ‪.‬‬
‫مباحث يف االقتصاد اإلسالمي من أصوله الفقهية د ‪ .‬حممد رواسي قلعة‬ ‫‪.67‬‬
‫جي – الطبعة األوىل ‪1412‬هـ – دار النفائس – بريوت ‪.‬‬
‫جمموعة فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية – مجع عبد ال رمحن القاسم وابنه‬ ‫‪.68‬‬
‫حممد – طبعة دار إلفتاء – اململكة العربية السعودية ‪.‬‬
‫املدخل للفقه اإلس المي – د ‪ .‬عبد اهلل ال درعان – مكتبة التوبة –‬ ‫‪.69‬‬
‫الرياض – الطبعة األوىل ‪1413‬هـ ‪.‬‬
‫م دخل للفكر االقتص ادي يف اإلس الم د ‪ .‬س عيد بن س عد مرط ان –‬ ‫‪.70‬‬
‫الطبعة األوىل ‪1409‬هـ ‪ -‬مؤسسة الرسالة – بريوت ‪.‬‬
‫املصباح املنري ألمحد بن حممد الفيومي – املكتبة العلمية – بريوت ‪.‬‬ ‫‪.71‬‬
‫املعاصره ‪ .‬د ‪ .‬عبد اهلل املصلح – و د ‪ .‬صالح الشاوي ‪ .‬الطبعة األوىل‬ ‫‪.72‬‬
‫‪1422‬هـ ‪ -‬دار املسلم للنشر والتوزيع – الرياض ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫مع امل التنزيل – أليب حممد احلسني بن مس عود البغ وي – دار الكتب‬ ‫‪.73‬‬
‫العلمية – بريوت – الطبعة األوىل ‪1414‬هـ ‪.‬‬
‫معجم املص طلحات االقتص ادية يف لغة الفقه اء – د ‪ .‬نزية محاد ‪ ،‬املعهد‬ ‫‪.74‬‬
‫الع املي للفكر اإلس المي – فريجينيا – الوالي ات املتح دة األمريكية –‬
‫الطبعة األوىل ‪1414‬هـ ‪.‬‬
‫املغين – البن قدامة – حتقيق د ‪ .‬عبد اهلل ال رتكي و د ‪ .‬عبد الفت اح‬ ‫‪.75‬‬
‫احللو – دار عامل الكتب – الطبعة الثالثة ‪1417‬هـ ‪.‬‬
‫مفتاح الرزق يف ضوء الكتاب والسنة د ‪ .‬فضل إهلي – مؤسسة احلريب‬ ‫‪.76‬‬
‫– الرياض – الطبعة السادس ‪1419‬هـ ‪.‬‬
‫مقدمة يف أصول االقتصاد اإلسالمي ‪ .‬حممد علي الق ري ‪ .‬ط‪ . 1‬جدة‬ ‫‪.77‬‬
‫‪ :‬دار حافظ ‪1411 ،‬هـ ‪.‬‬
‫امللخص الفقهي – د ‪ .‬ص احل بن ف وزان الف وزان – دار ابن اجلوزي –‬ ‫‪.78‬‬
‫الطبعة الرابعة ‪1416‬هـ ‪.‬‬
‫من اهج الب احثني يف االقتص اد اإلس المي د ‪ .‬محد اجلني دل الطبعة األوىل‬ ‫‪.79‬‬
‫‪1406‬هـ ‪ -‬شركة العبيكان للطباعة والنشر – الرياض ‪.‬‬
‫املنتخب يف تفسري الق رآن الك رمي – اجمللس األعلى للش ئون اإلس المية –‬ ‫‪.80‬‬
‫وزارة األوقاف املصرية – القاهرة – الطبعة التاسعة عشرة ‪1422‬هـ ‪.‬‬
‫منتهى اإلرادات حملمد أمحد الفت وجي – حتقيق د ‪ .‬عبد اهلل ال رتكي –‬ ‫‪.81‬‬
‫مؤسسة الرسالة – الطبعة األوىل ‪1419‬هـ ‪.‬‬
‫املوافقات يف أصول الشريعة – إلبراهيم الشاطيب – دار املعرفة ‪ .‬بريوت‬ ‫‪.82‬‬
‫‪.‬‬
‫النش اط االقتص ادي من منظ ور إس المي ‪ .‬د ‪ .‬عمر املرزوقي ‪ ،‬كلية‬ ‫‪.83‬‬
‫الشريعة والدراسات اإلسالمية ‪ ،‬جامعة الكويت ‪1422‬هـ ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫نص يب الراية ألح اديث اهلداية – أليب حممد عبد اهلل ال زيعلي – دار‬ ‫‪.84‬‬
‫احلديث – القاهرة ‪.‬‬
‫النظ ام االقتص ادي يف اإلس الم – مبادئه وأهدافه – د ‪ .‬فتحي أمحد عبد‬ ‫‪.85‬‬
‫الك رمي ود ‪ .‬حممد العس ال ‪ .‬الطبعة الثامنة ‪1413‬هـ ‪ -‬مكتة وهبة –‬
‫القاهرة ‪.‬‬
‫النظام االقتصادية ‪ ،‬د ز رفعت احملجوب ‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية ‪ ،‬القاهرة‬ ‫‪.86‬‬
‫‪1960 ،‬م ‪.‬‬
‫النظ ام االقتص ادية ‪ ،‬د ‪ .‬حممد النش ار ‪ ،‬جامعة أس يوط ‪ ،‬سلس لة الكتب‬ ‫‪.87‬‬
‫اجلامعية رقم ‪1965 ، 47‬م ‪.‬‬
‫النظ ام االقتص ادية املعاص رة ‪ ،‬د ‪ .‬ص الح ال دين ن امق ‪ ،‬دار املع ارف ‪،‬‬ ‫‪.88‬‬
‫القاهرة ‪.‬‬
‫النظم االقتص ادية املعاص رة ‪ ،‬د ‪ .‬حممد حامد عبد اهلل ‪ ،‬جامعة امللك‬ ‫‪.89‬‬
‫سعود ‪1407 ،‬هـ ‪.‬‬
‫الوج يز يف الفكر االقتص ادي الوش عي واإلس المي ‪ ،‬د ‪ .‬عبد اجلب ار‬ ‫‪.90‬‬
‫السبهاين ‪ ،‬دار وائل للنشر ‪ ،‬عمان ‪ ،‬ج‪2001 ، 1‬م ‪.‬‬
‫الوظ ائف االقتص ادية للدولة يف اإلس الم ‪ .‬أمحد ال درويش ‪ .‬رس الة‬ ‫‪.91‬‬
‫دكت وراة ‪ ،‬كلية الش ريعة ‪ ،‬جامعة اإلم ام حممد بن س عود اإلس المية ‪،‬‬
‫الرياض ‪1409 ،‬هـ ‪.‬‬
‫الربا يف املعامالت املصرفية املعاصرة ‪ ،‬د ‪ .‬عبد اهلل السعيدي ‪ ،‬دار طيبة‬ ‫‪.92‬‬
‫للنشر‪ ،‬الرياض ‪ ،‬ط‪1420 ، 1‬هـ ‪.‬‬
‫الوسيط يف شرح القانون املدين ‪ ،‬عبد الرزاق السنهوي ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار‬ ‫‪.93‬‬
‫النهضة العربية ‪1964 ،‬م ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المحتويات‬
‫الفصل األول‬
‫المدخل إلى دراسة النظام االقتصادي اإلسالمي‬
‫المبحث األول ‪ :‬التعريف والمصادر ‪9.......................................................................‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬تعريف النظام االقتصادي اإلسالمي‪11..............................‬‬
‫أوالً ‪ :‬مفهوم االقتصاد يف اللغة واالصطالح الشرعي ‪11.............................‬‬
‫ثانياً ‪ :‬تعريف النظام االقتصادي اإلسالمي ‪12.......................................‬‬
‫ثالثاً‪ :‬العالقة بني النظام االقتصادي اإلسالمي والعلوم املشاهبة‪14......................‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬مصادر النظام االقتصادي اإلسالمي‪18.............................‬‬


‫المطلب الثالث ‪ :‬مراجع النظام االقتصادي اإلسالمي‪23..............................‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬األصول االعتقادية ‪27.................................................‬‬


‫األصل األول ‪ :‬اإلميان باهلل ‪28................................................... :‬‬
‫األصل الثاني ‪ :‬اإلميان باليوم اآلخر ‪35........................................... :‬‬
‫األصل الثالث ‪ :‬اإلميان بالقدر خريه وشره ‪37..................................... :‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬األنظمة االقتصادية الوضعية ‪47........................................‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬النظام االقتصادي الرأمسايل ‪47.....................................‬‬
‫أ‪ -‬تعريفه‪47......................................................................‬‬
‫ب‪ -‬نشأته ‪47....................................................................‬‬
‫جـ‪ -‬أسس وخصائص النظام االقتصادي الرأمسايل‪51.................................‬‬
‫د‪ -‬مساوئ النظام االقتصادي الرأمسايل ‪54.........................................‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬النظام االقتصادي االشرتاكي ‪55...................................‬‬


‫أ – تعريفه‪55.....................................................................‬‬
‫ب ‪ -‬نشأته ‪56...................................................................‬‬
‫جـ‪ -‬أسس وخصائص النظام االقتصادي االشرتاكي‪57...............................‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫د‪ -‬مساوئ النظام االقتصادي االشرتاكي ‪58.......................................‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬النظام االقتصادي املختلط ‪59......................................‬‬

‫المبحث الرابع ‪ :‬خصائص النظام االقتصادي اإلسالمي وأهدافه‪61..........................‬‬


‫المطلب األول ‪ :‬خصائص النظام االقتصادي اإلسالمي‪61...........................‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬أهداف النظام االقتصادي اإلسالمي ‪68.............................‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫أسس النظام االقتصادي اإلسالمي‬
‫المبحث األول ‪ :‬الملكية في االقتصادي اإلسالمي ‪75......................................‬‬
‫أ ‪ :‬أنواع امللكية ‪76...............................................................‬‬
‫امللكية العامة‪76...................................................................‬‬
‫ملكية الدولة‪78...................................................................‬‬
‫امللكية اخلاصة‪80..................................................................‬‬
‫أدلة إقرار امللكة خلاصة ‪81.........................................................‬‬
‫خصائص امللكة اخلاصة ‪81.........................................................‬‬
‫أمهية إقرار امللكية اخلاصة‪82........................................................‬‬

‫ب ‪ :‬أسباب امللكية اخلاصة ‪84....................................................‬‬


‫األسباب احملرمة يف كسب امللكية ‪85...............................................‬‬

‫ج ‪ :‬اإلنفاق وضوابطة ‪106........................................................‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬الحرية االقتصادية المقيدة‪111..........................................‬‬


‫المطلب األول ‪ :‬مذهب احلرية االقتصادية‪111......................................‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬احلرية االقتصادية املقيدة يف النظام االقتصادي اإلسالمي ‪113.......:‬‬
‫الضوابط الشرعية الواردة على النشاط االقتصادي ‪114..............................‬‬

‫‪28‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬تدخل الدولة يف النشاط االقتصادي‪120...........................‬‬


‫أوالً ‪ :‬تدخل الدولة يف النظام الرأمسايل‪120.........................................‬‬
‫ثانياً ‪ :‬تدخل الدولة يف النظام االقتصادي اإلسالمي ‪121........................... :‬‬
‫• حدود تدخل الدولة‪124....................................................... :‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬التكافل االجتماعي االقتصادي‪129......................................‬‬


‫المطلب األول ‪ :‬مفهوم التكافل االجتماعي االقتصادي وأمهيته‪129...................‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬وسائل التكافل االجتماعي االقتصادي‪131.........................‬‬
‫أوالً ‪ :‬الـزكــاة ‪132................................................................‬‬
‫ثانياً ‪ :‬صدقة التطوع ‪147.........................................................‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬الـوق ــف‪148................................................................‬‬
‫رابعاً ‪ :‬القرض احلسن‪149.........................................................‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫التوزيع والمصارف والتأمين‬
‫املبحث األول ‪ :‬التوزيع يف االقتصاد اإلسالمي‪153..................................‬‬
‫مفهوم التوزيع وإعادة التوزيع‪153..................................................‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬التوزيع الوظيفي يف االقتصاد اإلسالمي‪153.........................‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬إعادة التوزيع يف االقتصاد اإلسالمي‪155...........................‬‬

‫املبحث الثاين ‪ :‬املصارف‪165......................................................‬‬


‫المطلب األول ‪ :‬تاريخ البنوك وأقسامها‪165........................................‬‬
‫أوالً ‪ :‬تاريخ البنوك‪165...........................................................‬‬
‫ثانياً ‪ :‬أقسام البنوك‪166...........................................................‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬املعامالت املصرفية‪170............................................‬‬

‫املبحث الثالث ‪ :‬التأمني‪187.......................................................‬‬

‫‪5‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫المطلب األول ‪ :‬تاريخ التأمني وأقسامه‪189.........................................‬‬


‫المطلب الثاني ‪ :‬التأمني التجاري‪189..............................................‬‬
‫أ ‪ :‬تعريفه ‪189...................................................................‬‬
‫ب ‪ :‬أركانه‪191..................................................................‬‬
‫ج ‪ :‬خصائصه ‪193...............................................................‬‬

‫املراجع ‪207......................................................................‬‬
‫احملتويات‪217.....................................................................‬‬

‫‪28‬‬

You might also like