Professional Documents
Culture Documents
المقدمة
احلمد هلل رب الع املني والص الة والس الم على أش رف املرس لني س يدنا
حممد وعلى آله وأصحابه والتابعني هلم بإحسان إىل يوم الدين وبعد.
وهي كلها أنظمة اقتص ادية من اجته اد البش ر ،قابلة للتغيري والتع ديل بل
والزوال كما عليه االشرتاكية اليوم ،خبالف النظام االقتصادي اإلسالمي الذي
يس تمد أص وله ومبادئه من ال دين اإلس المي ال ذي هو العاصم الوحيد ألمتنا
عندما تتمسك به من الرتدي يف هاوية النظم االقتصادية اهلدامة ،ويضمن هلا يف
الوقت نفسه التقدم والتنمية واالستقالل االقتصادي املنشود.
وإميان اً ب واجب اإلس هام يف كشف بعض ج وانب النظ ام االقتص ادي
اإلس المي من جهة وتلبية لرغبة اجلامعة يف إع داد كت اب لطالهبا يف م ادة النظ ام
االقتص ادي اإلس المي من جهة أخ رى ،فقد ق ام املؤلف ون بالكتابة يف ه ذا
املوض وع ،م راعني يف ت أليفهم أن يك ون مناس باً ملس توى الط الب اجلامعي غري
املتخصص ،متفقاً مع توصيف مفردات املقرر.
هذا وال نزعم أن هذا العمل املتواضع ينطق بفصل اخلطاب يف موضوع
ه ام كالنظ ام االقتص ادي اإلس المي ،لكنه حماولة نأمل أن تكلل بالنج اح يف
كشف بعض ما حوته شريعتنا الغراء يف اجملال االقتصادي.
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
على أننا مل ن دخر وس عاً من أجل أن ي أيت ه ذا العمل على خري ص ورة
وأفضل وجه.
وقد مت تقسيم الكتاب إىل ثالثة فصول:
الفصل األول
المدخل إلى دراسة النظام االقتصادي اإلسالمي
ويتضمن أربعة مباحث :
المبحث األول :تعريف النظام االقتصادي اإلسالمي وبيان ومصادره .
المبحث الثاني :األصول االعتقادية لالقتصاد اإلسالمي
وهما من إعداد الدكتور /عبد هللا إبراهيم الناصر .
المبحث الثالث :األنظمة االقتصادية الوضعية .
المبحث الرابع :خصائص النظام االقتصادي اإلسالمي وأهدافه
وهما من إعداد الدكتور /عمر بن فيحان المرزوقي .
الفصل الثاني
أسس النظام االقتصادي Gاإلسالمي
ويتضمن ثالثة مباحث:
المبحث األول :الملكية العامة وملكية الدولة والملكية الخاصة .
وهو من إعداد الدكتور /محمد بن سعد المقرن .
المبحث الثاني :الحرية االقتصادية المقيدة .
المبحث الثالث :التكافل االجتماعي االقتصادي
وهما من إعداد الدكتور /أحمد بن سعد الحربي .
الفصل الثالث
التوزيع والمصارف والتأمين
ويتضمن ثالثة مباحث :
المبحث األول :التوزيع في االقتصاد اإلسالمي.
وهو من إعداد الدكتور /عمر بن فيحان المرزوقي .
المبحث الثاني :المصارف .
المبحث الثالث :التأمين .
وهما من إعداد الدكتور /عبد هللا بن محمد السعيدي .
نسأل هللا أن يجعل هذا العمل خالصا ً لوجهه وأن ينفع به
وهللا الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
المؤلفون
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
الفصل األول
المدخل إلى دراسة النظام االقتصادي اإلسالمي
المبحث األول
التعريف GوالمصادرG
المبحث الثاني
األصول االعتقادية
المبحث الثالث
األنظمة االقتصادية الوضعية
المبحث الرابع
خصائص النظام االقتصادي Gاإلسالمي وأهدافه.
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
المبحث األول
(*)
تعريف النظام االقتصادي اإلسالمي
المطلب األول
تعريف النظام االقتصادي اإلسالمي
وهذا املعىن " أي التوسط يف األشياء واالعتدال فيها " هو مضمون علم
االقتص اد وج وهره ،واهلدف ال ذي يقصد إليه ،وهو ما نصت عليه اآلي ات
القرآنية يف العديد من املواضع .كقوله تعاىل :
[ الفرق ان ]67:
وقوله تع اىل :
[ اإلسراء ، ]29 :وقوله تعاىل :
[األعراف . ]31 :
كما أن هذا املعىن هو الذي استخدمه العلماء السابقون – رمحهم اهلل –
يف تع ريفهم ملص طلح االقتص اد حيث يقص دون ب ه :التوسط واالعت دال بني
اإلسراف والتقتري .
انظر :لسان العرب 11/179والقاموس احمليط ص 396واملصباح املنري ص 504مادة () 1
قصد .
انظر :تفسري البغوي . 3/424 () 2
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
يقول اإلمام العز بن عبد السالم رمحه اهلل (ت 660ﻫ ) يف تعريفه لالقتصاد:
( االقتصاد رتبة بني رتبتني ومنزلة بني منزلتني واملنازل ثالث :التقصري
يف جلب املصاحل ،واإلسراف يف جلبها ،واالقتصاد بينهما ) (. )1
ثانيا ً :تعريف Gالنظام االقتصادي Gاإلسالمي :
تطلق كلمة ( النظ ام ) ويُقصد هبا :جمموعة القواعد واألحك ام اليت تنظم
جانب اً معين اً من جوانب احلياة اإلنسانية ويصطلح اجملتمع على وجوب احرتامها
وتنفيذها(.)2
ونظ راً ألن اجلانب االقتص ادي من احلي اة يهم مجيع ش رائح اجملتمع فقد
تولت الشرائع السماوية بيانه وتنظيمه ،كما أن اجملتمعات البشرية قد تعارفت
على بعض املف اهيم والع ادات اليت يقصد هبا حتقيق العدالة االجتماعية يف توزيع
الثروات املالية .
وملا ك انت الش ريعة اإلس المية آخر الش رائع الس ماوية فقد اعتنت هبذا
اجلانب وأق رت العديد من القواعد واألحك ام العامة والتفص يلية اليت ت بني أص ول
العالقة املالية بني األشخاص واألموال من جانب ،وبني األشخاص بعضهم مع
بعض فيما يتعلق بشؤوهنم املالية من جانب آخر .
وخيتلف تعريف النظ ام االقتص ادي اإلس المي حبسب اجلانب ال ذي نظر
املعرف فقد يعرفه بالنظر إىل أصوله اليت يقوم عليها ومن ذلك تعريفه بأنه "إليه ِّ
جمموعة األص ول االقتص ادية العامة اليت نس تخرجها من الق رآن والس نة ،والبن اء
االقتص ادي ال ذي نقيمه على أس اس تلك األص ول حبسب كل بيئة وكل عصر "
انظر امدخل لدراسة العلوم القانونية صـ 5وما بعدها . () 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
( )1وقد يُع َّرف حبسب غايته وهدفه ومن ذلك تعريفه بأن ه " :العلم ال ذي يوجه
()2
النشاط االقتصادي وينظمه وفقاً ألصول اإلسالم ومبادئه ".
عرف حبسبولعل األنسب يف تعريف النظام االقتصادي اإلسالمي أن يُ َّ
حقيقته وجوهره ونستطيع تعريفه بناءاً على هذا االجتاه بأنه :
جمموعة األحك ام والسياس ات الش رعية اليت يق وم عليها املال وتص رف
اإلنسان فيه.
شرح التعريف :
جمموعة األحك ام :احلكم الش رعي هو ما نص عليه الش ارع مما يتعلق
بأحك ام املكلفني على وجه الطلب والتخيري ( األحك ام التكليفية اخلمسة وهي
الوج وب والن دب واحلرمة والكراهة واإلباحة ) أو الوضع ( كالص حة والفس اد
أو جعل الشيء شرطاً لشيء آخر أو سبباً له أو مانعاً منه ) (. )3
والسياس ات الش رعية :السياسة الش رعية هي :ما يفعله ويل األمر أو
تس نه الدولة من نظم يقصد هبا تنظيم أح وال اجملتمع وط رق تع املهم فيما بينهم
وتك ون غري معارضة لألحك ام املنص وص عليها ومبنية على حتقيق املص احل ودرء
املفاسد(. )4
اليت يق وم عليها املال :يُقصد باملال :ما له منفعة مقص ودة مباحة وله
قيمة مادية بني الن اس( ،)5ويش مل ذلك املال النق دي :أي النق ود ،واملال العيين
:أي األعيان واألعراض كالعقارات والسيارات وسائر السلع ،واملنافع :سواء
وهو تعريف د .حممد العريب انظر موسوعة االقتصاد اإلسالمي . 1/14 () 1
وهو تعريف د .حممد الفنجري ,انظر املذهب االقتصادي يف اإلسالم صـ. 300 () 2
انظر :شرح الكوكب املنري 1/333وما بعدها .وروضة الناظر .1/90 () 3
انظر املدخل إىل السياسة الشرعية د .عبد العال عطوه ص.52 () 4
انظر :معجم املصطلحات االقتصادية يف لغة الفقهاء د .نزيه محاد ص.237 () 5
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
منفعة اإلنس ان أو منفعة املال العيين ،ول ذا ف إن املال ليس مقص وراً على املال
النق دي فقط وإمنا يش مل مجيع ه ذه األن واع وهو ما يُعرب عنه يف علم االقتص اد
باملواد اإلنتاجية .
ولكن هذا االرتباط ال يصل إىل حد االندماج حيث إن لكل علم موضوعه
املستقل عن اآلخر ،ومن الفروق بني النظام االقتصادي وفقه املعامالت ما يلي :
انظر :املدخل للفقه اإلسالمي د .عبد اهلل الدرعان ص.31 () 1
انظر يف هذا التقسيم كتب الفقه ككتاب بدائع الصنائع للكاساين وبداية اجملتهد البن () 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
( )1النظام االقتصادي اإلسالمي أعم وأمشل من فقه املعامالت املالية حيث إنه
يقوم عليه وعلى غريه من أبواب الفقه كالزكاة والنفقات والفرائض
والنظام املايل للدولة إضافة إىل اجلانب العقدي – مكانة املال والنظرة
إليه – أما فقه املعامالت فهو خاص ببحث املعامالت املالية بني األفراد
واجملتمعات والدول .
( )2أن النظام االقتصادي يدرس النظريات العامة املرتبطة باملال والعالقات
املالية كامللكية بقسميها العامة واخلاصة ،واحلرية االقتصادية وضوابط
تقييدها والتكافل املايل االجتماعي ،ومنهج اإلسالم يف اإلنتاج ،
واالستهالك والتوزيع والتداول.
أما فقه املع امالت في درس فيه األحك ام الش رعية العملية يف التعامل املايل بني
األفراد واجملتمعات البشرية على وجه التفصيل .
ب _ العالقة بين النظام االقتصادي اإلسالمي وعلم االقتصاد :
علم االقتصاد ( االقتصاد التحليلي ) هو أحد العلوم االجتماعية اليت هتتم
بدراسة الكيفية اليت يتم هبا توزيع املوارد االقتص ادية على احلاج ات والرغب ات
اإلنس انية وذلك بقصد مس اعدة األف راد واجملتمع على االختي ار بني الب دائل
املتعددة بغرض حتقيق أقصى منفعة أو عائد ممكن(. )1
وينقسم علم االقتصاد إىل فرعني رئيسيني مها :
)1االقتصاد الكلي :وهو الذي يهتم بدراسة مشاكل االقتصاد ككل ،
حيث يق وم بتحليل س لوك الوح دات االقتص ادية جمتمعة على أهنا
وح دة واح دة مكونة لالقتص اد الق ومي ،ومن مب احث ه ذا القسم :
حتديد مستوى الدخل القومي ،اإلنتاج القومي ،االستهالك القومي ،
انظر :مقدمة يف النظرية االقتصادية اجلزئية د .خالد الدخيل ص. 3 () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
متوسط مس توى األس عار ،مس توى التوظيف والتش غيل ،اإلنف اق
احلكومي .
االقتصاد الجزئي :وهو الذي يهتم بدراسة مشاكل الوحدات )2
االقتص ادية الفردية ك الفرد والعائلة واملؤسسة ..اخل .وك ذا دراسة
األش كال املختلفة للس وق وكيفية حتديد األس عار فيه ،ومن مب احث
ه ذا القسم :نظرية الع رض والطلب ،ونظرية اإلنت اج والتك اليف ،
ونظرية سلوك املستهلك ،وتوازن السوق واستقرارية التوازن(. )1
ومن أوجه الف روق بني علم االقتص اد أو ما يس مى باالقتص اد التحليلي ،
والنظام االقتصادي ما يلي :
( )1النظام االقتصادي ال يقوم على تفسري احلياة االقتصادية وأحداثها ،أما
علم االقتص اد فهو ق ائم على دراسة الظ واهر االقتص ادية وتفسري أح داثها
على أساس االستقراء واملالحظة واالستنتاج العلمي .
( )2النظ ام االقتص ادي يت أثر بعوامل غري اقتص ادية لت أثره مبفه وم العدالة
االجتماعي ة ،إذ لكل نظ ام فكرته املس تقلة عن العدالة اليت حيكم من
خالهلا على ما جيري يف احلياة .أما علم االقتصاد فال يتأثر بفكرة العدالة
ألهنا ليست فكرة قابلة للقياس باألساليب املادية(.)2
( )3النظام االقتصادي تتفاوت فيه اجملتمعات واحلضارات تبعاً ملبادئها اليت
تؤمن هبا ،أما علم االقتصاد فيوجد فيه تفاوت إال أنه أقل من التفاوت بني
األنظمة االقتص ادية ،وذلك ألنه متعلق ب الظواهر االقتص ادية ( ك العرض
والطلب والتك اليف واإلنت اج والت وازن ..اخل ) واليت ال ختتلف بني جمتمع
وآخر وإمنا ال ذي خيتلف كيفية معاجلة ه ذه الظ واهر فيما حيقق مص لحة
انظر عناصر اإلنتاج يف االقتصاد اإلسالمي _ د .صاحل العلي ص.50 () 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
األف راد واجملتمع وه ذا التف اوت يف علم االقتص اد مرتبط بالعقائد واملب ادئ
اليت ت ؤمن هبا اجملتمع ات ،إذ لكل جمتمع مبادئه اليت ي ؤمن هبا واليت قد
تتفق أو ختتلف مع اجملتمع اآلخر ،وحيث أن اإلسالم له مسلكه اخلاص يف
توجيه املوارد اإلنتاجية فإننا جند أن لالقتص اد التحليلي يف اإلس الم
اس تقاللية يف أدوات البحث واليت تتفق مع عقيدته وش ريعته ،ويطلق على
هذا العلم " االقتصاد التحليلي اإلسالمي " .
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
المطلب الثاني
مصادر النظام االقتصادي اإلسالمي
فعلى س بيل املث ال ُجل اآلي ات يف آخر س ورة البق رة مرتبطة بتنظيم املال
بدء باآلية رقم 261
ً
اآلية .وهي يف احلث على
النفقة وال رتغيب فيها مث ت أيت اآلي ات اليت بع دها يف ض رب األمثلة على أمهية
النفقة وأهنا هي املال الذي يبقى لإلنسان يف الدار اآلخرة ،مث تأيت آيات الربا
اآليات .وأخرياً تأيت آيتا املداينة
[ البقرة . ]283 –282 :
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
كما ورد يف القرآن الكرمي العديد من القصص املرتبطة باملال كقصة قوم
ش عيب ال ذين ك انوا يطفف ون الكيل وال وزن ويبخس ون الن اس حق وقهم :ق ال
تعاىل :
[ هود – – 84
، )1( ]85وقصة ق ارون ال ذي أغن اه اهلل فطغى وجترب فخسف اهلل به وب داره
األرض ( يف س ورة القصص ) ،وقصة أص حاب اجلنة ( يف س ورة ن ) وص احب
اجلنتني ( يف سورة الكهف ) وغريها من القصص .
المصدر الثاني :السنة المطهرة :
النصوص اليت وردت يف القرآن الكرمي تكون يف غالب حاالهتا – جمملة –
كاألمر بالزكاة مثالً حيث مل حتدد أنصبتها وشروطها ومقاديرها وهنا يأيت دور
السنة لتوضيح اجململ وتفصيل العام وتقييد املطلق ،فالسنة بالنسبة للقرآن الكرمي
إما أن تكون مفصلة ملا جاء فيه من أحكام عامة ،أو مؤكدة لتلك األحكام ،
أو تأيت بأحكام جديدة مل ترد يف القرآن الكرمي .
والسنة يف مجيع هذه احلاالت معتربة ألن اهلل سبحانه وتعاىل أمر نبيه بتبليغ
ما أن زل إليه فق ال :
[ املائ دة ] 67 :كما أمر س بحانه وتع اىل بطاعة رس وله × :
[ النس اء :
] 59وقد جاءت السنة املطهرة بآالف األحاديث اليت تنظم املعامالت املالية يف
مجيع حاالهتا ومن مجيع جوانبها .وقد مجع العلم اء ه ذه األح اديث وص نفوها
وفس روا معانيها وذلك يف أب واب الزك اة وال بيوع يف كتب الص حاح والس نن
وانظر اآليات من سورة األعراف 93 – 85وسورة الشعراء . 191 – 176 () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
كص حيح البخ اري وص حيح مس لم وس نن النس ائي وأيب داود والرتم ذي وابن
ماج ه ،وك ذلك بعض املؤلف ات اخلاصة اليت اعتنت جبمع األح اديث النبوية
املتعلقة باملال ككت اب " األم وال " أليب عبيد القاسم بن س الم ( 224ﻫ )
وكتاب " األموال " حلميد بن زجنويه ( 251ﻫ ) .
المصدر الثالث :اإلجماع
اإلجمGGاع هو :اتف اق اجملته دين من أمة حممد × بعد عصر النب وة على حكم
شرعي(. )1
ومن األمثلة عليه يف اجلانب االقتصادي :إمجاع الصحابة على قتال مانعي
الزكاة.
وإمجاع العلم اء املعاص رين على أن الفائ دة اليت تُعطى أو تؤخذ على ما
يسمى بالقروض الشخصية يف البنوك من الربا احملرم (.)2
المصدر الرابع :القياس
القيGGGGاس هو :إحلاق ف رع بأصل يف احلكم جلامع بينهما ،وهو من األدلة اليت
() 3
تبني األحكام بالنسبة للفروع فتلحقها بأحكام األصول اليت تتفق معها يف العلة .
ومن أمثلة القياس في الجانب االقتصادي :
قياس األوراق النقدية املتداولة اآلن -كالرياالت واجلنيهات _...على العملة
النقدية اليت ُوج دت يف وقت الرس ول وهي ال دينار ال ذهيب وال درهم الفضي
وذلك جبامع أن العلة واح دة وهي الثمينة ،ومن مث يأخذ الف رع املقيس أحك ام
األصل املقيس عليه يف وجوب الزكاة فيه ،وك ذا اش رتاط التماثل والتق ابض يف
انظر :روضة الناظر 411/ 1وتيسري الوصول ص. 200 () 1
انظر قرارات اجملامع الفقهية وهيئات كبار العلماء يف ذلك ومن ذلك قرار جممع الفقه () 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
دل الدليل الشرعي على إلغائها وعدم مصلحة ملغاة وهي اليت َّ )2
اعتبارها ،ومن ذلك حرمة امليسر " القم ار " ق ال تع اىل :
[ .
البقرة ] 219 :
وك ذا ما يكون يف الربا من مص لحة متوقعة يف جانب من اجلوانب فإهنا
ال تق ارن باملفاسد املرتتبة عليه ول ذا فإهنا ملغ اة لغلبة املفاسد على املص احل
.
مصلحة مرسلة أي مطلقة ،مل ينص الدليل الشرعي على )3
اعتبارها أو إلغائها ،وإمنا ترك األمر فيها حبسب األوضاع واألحوال
واليت قد ختتلف من زمان أو مكان إىل آخر .
ومن أمثلة هذا القسم يف اجلانب االقتصادي املعاصر :اإللزام بالتسجيل يف
الس جالت التجارية ،ونظ ام الش هر التج اري وحنو ذلك من األنظمة
واإلجراءات اليت يقصد هبا حتقيق املصاحل .
المصدر السادس :سد الذرائع
.
()1
يقصد بسد الذرائع :منع الوسائل املباحة اليت تؤدي إىل مفاسد
انظر :شرح الكوكب املنري 434 / 4وتيسري الوصول ص. 221 () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
ف إذا ك انت الوس يلة ت ؤدي إىل حمرم ش رعي أو مفس دة وك ان ه ذا
احلص ول قطعي اً أو غالب اً ف إن ه ذه الوس يلة متنع .ومن األمثلة على ذلك يف
اجلانب االقتص ادي املعاص ر :حرمة ت أجري احملالت ملن يس تخدمها يف أمر حمرم
كالربا أو القمار ،أو بيع اخلمور وحنوها ،أو بيع املعازف واألغاين .
المصدر السابع :العرف
العرف :هو كل ما تعارف عليه الناس وألفوه حىت أصبح شائعاً يف جمرى
حياهتم (. )1
فإذا كان العرف شائعاً بني أهله ومل خيالف نص اً شرعياً فإنه يكون معترباً
إال إذا صرح املتعاقدان على خالفه .
واألعراف التجارية هلا قيمة مهمة يف تفسري كثري من املعامالت املالية مما
مل ينص املتعاقدان عليها أو يفسرا كيفيتها أو املقصود هبا .
ومن األمثلة على األخذ ب العرف يف اجلانب االقتص ادي :نفقة ال زوج على
زوجته وأبنائه حيث يرجع يف حتديد مقدارها إىل العرف ،قال تعاىل :
[ . )2( البق رة :
] 233
وانظر اآليات اليت بعدها ,وانظر يف تفسريها – تفسري فتح القدير . 255 – 244 /1 () 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
المطلب الثالث
مراجع النظام االقتصادي اإلسالمي
مث ت والت املؤلف ات املتخصصة بعد ذلك يف الق رون اهلجرية الرابع
واخلامس والس ادس ،وبع دها ش هد الت أليف تراجع اً يف منهجه وأس لوبه حيث
طغى عليه أس لوب التقليد واحملاك اة ،واس تمر ه ذا الوضع إىل ال زمن احلاضر
ولكن مع تأس يس اجلامع ات اإلس المية والكلي ات الش رعية ووج ود األقس ام
املتخصصة لالقتصاد اإلسالمي بدأت حركة التأليف تزدهر من جديد وظهرت
()1
الدراسات املتخصصة يف غالب جماالت االقتصاد .
ملزيد من التوسع يف حركات التأليف انظر مناهج الباحثني يف االقتصاد اإلسالمي د .محد () 1
اجلنيدل ص . 58 -43
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
وقد بني فيه أنواع الكسب وطرقه املباحة ،وأن الكسب يكون بواسطة
العمل واإلنت اج من طريق اإلج ارة أو التج ارة أو الزراعة أو الص ناعة ،مث حكى
اخلالف يف املفاضلة بني هذه الطرق األربعة ،وبعد ذلك تعرض لنظرية اإلنفاق
وطرقه الواجبة واملستحبة ...اخل .
ويعد هذا الكتاب رداً على تيار الزهد املذموم الذي بدأ باالنتشار يف
()2
وقته ،وهو ترك اإلنتاج والعمل حبجة االعتماد على اهلل يف طلب الرزق .
)3األموال – ألبي عبيد Gالقاسم بن سالم – (ت 224ﻫ) :
يعترب كت اب األم وال أليب عبيد من أث رى الكتب يف الرواية حىت ق ال عنه
احلافظ ابن حجر رمحه اهلل (:إن كت اب األم وال أحسن ما ص نف يف الفقه
وأج وده ) .وقد مجع أبو عبيد يف كتابه األح اديث واآلث ار املتعلقة باملال وخاصة
مالية الدولة ( ، )3مما جعل العلم اء ال ذين ألف وا بع ده يف األم وال يعتم دون عليه
()4
كحميد بن زجنويه (ت 251ﻫ) يف كتابه الذي حيمل نفس االسم ( :األموال )
انظر الكتاب مطبوعاً ضمن موسوعة اخلراج – دار املعرفة – بريوت –. () 1
انظر الكتاب مع شرحه االكتساب – نشر دار الكتب العلمية – وانظر:األربعون () 2
وهو مطبوع بتحقيق د .شاكر ذيب فياض .نشر مركز امللك فيصل للبحوث () 4
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
كما حتدث عن أفضل السبل املتعلقة مبمارسة التجارة ،وكان يدعم ما يذكره
بنص وص الق رآن والس نة وأق وال احلكم اء والتج ارب اليت حص لت له ،مما جعل
() 1
للكتاب قيمة علمية متميزة .
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
انظر مثالً الباب احلادي عشر والثاين عشر والثالث عشر والثامن عشر من كتاب () 1
األحكام
السلطانية للماوردي ,والباب السادس من كتاب حترير األحكام يف تدبري أهل اإلسالم لبدر الدين
بن مجاعة .
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
المبحث الثاني
(*)
األُصول االعتقادية لالقتصاد اإلسالمي
لكل نظام اقتصادي أصوله وقواعده الفكرية اليت يؤمن هبا وينطلق منها يف
رسم أنظمته وسياساته االقتصادية .
فاإلميان ميثل املنطلق ال رئيس والرك يزة األوىل لكل ج وانب وجماالت
االقتص اد اإلس المي ،فهو يف حقيقته وج وهره ف رع من ف روع عقي دة
اإلميان ومهمته أن حيمي ه ذه العقي دة ويعمق ج ذورها وينشر نورها ،
( )1
G. ويضع الصور العملية اليت تعرب عنها وحتقق أهدافها يف واقع احلياة
ول ذا جند أن اهلل س بحانه وتع اىل يوجه اخلط اب يف كتابه الك رمي إىل
الذين آمنوا وذلك يف سائر األحكام الشرعية ومنها أحكام املعامالت .
-يقول تعاىل يف آيات الربا :
[ البقرة . ] 278 :
انظ ر :دور القيم واألخالق يف النظ ام االقتص ادي اإلس المي _ د .يوسف القرض اوي ص () 1
.37
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
فوجه اخلط اب إىل عب اده املؤم نني طالب اً منهم تق واه وذلك ب رتكهم الربا إن
كانوا مؤمنني حقاً ( ، )2ويف آخر اآليات أعاد األمر بتقواه واحلذر من عقوبته يف
الدار اآلخرة :
[ البقرة ] 281 :مما يعين أن االلتزام
يف أساسه التزام عقدي إمياين .
واملسلم حني يلتزم هبذه األوامر والنواهي من إيتاء الزكاة وبذل الصدقات
وت رك الربا والغش ...اخل فإنه إمنا يل تزم هبا ألهنا من عند اهلل عز وجل وهو
يدرك يف قرارة نفسه أهنا خري له يف عاجل أمره وآجله (. )2
انظر :يف االقتصاد اإلسالمي د .رفعت العوضي ص. 81 () 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
وقد امنت علينا سبحانه بأن خلق لنا ما يف األرض وأوجد لنا فيها النعم
: قال تع اىل.الظاهرة والباطنة
.
] 29 : [ البقرة
:وقال
] 71 : [ يس
) وإذا كان اهلل سبحانه هو خالق كل شيء فإن هذا يستتبع أنه املالك لكل2
ق ال تع اىل، ما خلق وهو كل ش يء موج ود يف ه ذا الوج ود
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
املنتخب ص 434وانظر تفسري البغوي 114 / 3وتفسري التسهيل للكليب .498 / 1 () 1
رواه مسلم كتاب الرب والصلة واآلداب – باب حترمي الظلم برقم . 4674 () 2
وانظر :اآليات ( 26من سورة الرعد ,و 30اإلسراء ,و 82القصص ,و 37الروم ,و () 3
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
وقد فاضل س بحانه بني البشر يف أرزاقهم حلكمة بينها وهي أن خيدم
ق ال تع اىل : بعض هم بعضا
()1
وإذا كان اهلل قد سخر بعضنا لبعض ،فإنه من رمحته ولطفه قد سخر لنا
أيضاً األرض مبا فيها حىت نستطيع االستفادة منها ومما فيها من اخلريات
والطيبات .قال تعاىل :
[ لقمان ] 20 :وقال :
() 4
[ امللك] 15 :
ويترتب على اإليمان بتوحيد الربوبية ما يلي :
املسلم يؤمن بأن املالك لألموال العامة واخلاصة هو اهلل سبحانه وتعاىل ، )1
فاهلل جل وعال هو خ الق كل ش يء ومالك كل ش يء :
[ الرع د ] 16 :فهو مالكنا
وما منلك من األم وال وال ثروات. وليس هن اك تع ارض بني ملكيتنا
اخلاصة لألموال وملكية اهلل هلا ألننا عباد اهلل وحنن مملوكون له وما منلك
يتبعنا يف ملكية اهلل له ق ال تع اىل :
[ الن ور ،] 33 :وق ال تع اىل :
[ البق رة] 254 :ففي ه اتني اآلي تني نسب اهلل س بحانه
وتعاىل املال إليه وأثبت ملكيته له ألنه هو اخلالق له وهو الذي رزقنا إياه
،ر َز ْقنَ ا ُكم )
،وأثبت أيضاً ملكية البشر للمال حيث نسبه إليهم (آتَا ُك ْم َ
انظر :تفسري التسهيل . 312 / 2 () 1
انظر :قواعد األحكام لإلمام العز بن عبد السالم ص. 236 () 3
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
.
وفرق بني ملكية اخلالق جل وعال لألموال وملكية البشر هلا فملكيته عامة
لكل األم وال وش املة لكل البشر وس واء ك انت األم وال مملوكة أو غري
مملوكة ،أما ملكية البشر فهي خاصة والبد أن يوجد هلا س بب معني
يؤدي إىل اكتساهبا كالزراعة أو الصناعة أو الصيد أو الشراء أو غريها .
وإذا كان اهلل قد سخر هذا الكون لإلنسان فإن هذا ال يعين حصول )2
اإلنس ان على األم وال والطيب ات من دون جهد أو عمل ،بل عليه أن
يعمل بقدر طاقته ألجل أن حيصل على الرزق الذي قسمه اهلل له ،قال
تع اىل حاث اً على الس عي يف طلب ال رزق :
[ اجلمعة] 10:وقال تعاىل :
[ امللك] 15:
جيب على املسلم أن يستفيد مما سخر اهلل يف هذه األرض من الطيبات )3
واخلريات فيأكل منها ويستخدمها فيما أباح اهلل مما حيقق عمارة األرض
قال تعاىل :
[ البقرة ] 168 :
وال جيوز أن حيرم ما أحل اهلل له ق ال تع اىل :
[األع راف] 32:وق ال :
[.النحل] 116 :
ثانيا ً :توحيد األلوهية :
إن مقتضى اإلميان بتوحيد الربوبية وأن اهلل هو اخلالق املالك الرازق توحيده
بالعب ادة فال يُس أل إال اهلل وال يُطلب ال رزق إال منه جل وعال ،وقد بني ذلك
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
س بحانه يف كتابه الكرمي حيث ضرب مثالً بأنه فضل بعض البشر على بعض يف
ال رزق فجعل رزق الس ادة أفضل من رزق ممل وكيهم ،فهل ه ؤالء الس ادة
معط وهم نصف أم واهلم ليكون وا على حد املس اواة معهم ،وإذا ك ان اجلواب ال
مع أهنم بشر مثلهم ،فكيف يرضون أن يشركوا مع اهلل غريه من خملوقاته مع أهنا
مل ترزقهم شيئاً وإمنا الذي رزقهم هو اهلل وحده .ومقتضى ذلك حتم اً أن ال يعبد
إال الذي يرزق جل وعال قال تعاىل :
[ النحل71:
() 1
].
مث بني س بحانه بعد ه ذه اآلية أن ه ؤالء املش ركني يعب دون غري اهلل من
األوث ان وهي ال متلك هلم رزق اً وأن ال رزق من اهلل س بحانه ق ال تع اىل :
.
[ النحل ] 73 :
وق ال :
[ العنكبوت . ] 17 :
فهذه اآلهلة اليت تعبدوهنا من دون اهلل ال متلك لكم رزقاً ،وإمنا الذي يرزق
()2
هو اهلل فالتمسوا الرزق منه وحده وخصوه بالعبادة والشكر على أنعمه .
ويقتضي اإليمان بتوحيد األلوهية :
االعتماد على اهلل يف طلب الرزق وااللتجاء إليه وحده دون غريه من )1
املخل وقني ق ال تع اىل :
[ الش ورى ، ] 19 :وق ال × (:من
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
أص ابته فاقة فأنزهلا بالن اس مل تسد فاقته ،ومن أنزهلا باهلل فيوشك اهلل له
()1
برزق عاجل أو آجل )
كما جيب على املس لم أن يتوكل على اهلل يف طلب ال رزق ،فمن توكل
على اهلل كفاه ويسر له أمر رزقه ،قال × (:لو أنكم تتوكلون على اهلل
حق توكله لرزقكم كما يرزق الطري تغدوا مخاصاً وتروح بطاناً ) (. )2
ص رف لل رزق ،يبعد عن اإلنس ان أن اإلميان الص ادق ب أن اهلل هو املُ َ )2
الصفات الذميمة كاحلسد والغل وخبس الناس أشياءهم .
رواه أبو داود يف كتاب الزكاة باب االستعفاف برقم , 1402والرتمذي يف كتاب () 1
الزهد ,باب ما جاء يف اهلم يف الدنيا برقم 2248وقال حديث حسن غريب وصححه األلباين –
صحيح اجلامع برقم . 6566
رواه اإلمام أمحد – مسند عمر بن اخلطاب – برقم , 200والرتمذي يف كتاب الزهد () 2
باب التوكل على اهلل برقم 2266وصححه األلباين – صحيح اجلامع برقم . 5254
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
حيث لن يضر الفقري فقره إذا، والدار اآلخرة ليست حمالً للتفاضل املايل
ً كما أن الغين لن ينفعه غن اه إذا ك ان مقص را، ك ان قد ق ام مبا أوجب اهلل عليه
: ق ال تع اىل، يف طاعة ربه
وق ال.] 11 – 5 : [ الليل
:تع اىل
.] 37 : [ سبأ
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
ومن ك انت ال دنيا مهه جعل اهلل فق ره بني عينيه وف رق عليه مشله ومل يأته
() 1
من الدنيا إال ما قُدر له ).
أن معيار الربح خيتلف عند املسلم من غري املسلم ،فغري املسلم ال ميكن )2
أن يقدم على عمل جتاري إال وقد غلب على ظنه أن له مردوداً مادي اً ،
أما املس لم فإنه قد يعمل العمل ال ذي ليس له م ردود م ادي عن رضا
وقناعة بل ويسابق اآلخرين إليه وما ذلك إال إلدراكه أن جزاءه يف الدار
اآلخرة اليت هي خري وأبقى من هذه احلياة الدنيا .
وقد رتب سبحانه وتعاىل جزاء األعمال الصاحلة من الصدقات وحنوها
يف الدار اآلخرة قال تعاىل :
[ البقرة .] 245 :وقال:
[ البقرة .] 262 – 261 :
كما أن املسلم قد ميتنع عن بعض األعمال التجارية اليت حتقق عائداً
مرتفعاً بسبب أهنا حمرمة شرعاً وذلك خشية من عذاب اهلل وعقوبته .
جيب على املسلم أن يراقب نفسه وتصرفاته فال يأخذ إال حقه وال )3
يعت دي على حق غ ريه وعليه أن يس ارع يف ب راءة ذمته من حق وق
اآلخ رين .وذلك ألنه إذا مل يؤدها يف ال دنيا فإنه س يؤديها يف ال دار
اآلخ رة .ق ال ×(:لت ؤدن احلق وق إىل أهلها ي وم القيامة حىت يق اد للش اة
اجللحاء من الشاة القرناء) .
()2
رواه الرتمذي يف كتاب صفة القيامة والرقائق برقم , 2465وابن ماجة يف كتاب الزهد () 1
باب اهلم بالدنيا برقم , 4157وصححه األلباين – صحيح اجلامع برقم . 6510
رواه مسلم كتاب الرب ولصلة باب حترمي الظلم برقم . 4679 () 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
يؤمن املسلم بعقيدة القضاء والقدر وأن اهلل سبحانه قد قدَّر كل شيء كما
قال عن نفسه [ :القمر ] 49 :
وعن عبد اهلل بن عمرو قال مسعت رسول اهلل يقول (:كتب اهلل مقادير
اخلالئق قبل أن خيلق السماوات واألرض خبمسني ألف سنة ) (.)1
وقد كتب اهلل أرزاق بين آدم كما ورد يف احلديث (:أن امللك عندما ينفخ
الروح يف اجلنني يُؤمر بأربع كلمات ،بكتابة رزقه .)2( ) .... ،
ويترتب على اإليمان بالقضاء والقدر ما يلي :
جيب على املس لم أن يطلب ال رزق من حمله ويسعى يف حتصيله ق در )1
اس تطاعته ،فكل آتيه رزقه كما ُكتب له .ج اء يف احلديث (:ال
تس تبطئوا ال رزق ،فإنه لن ميوت عبد حىت يبلغه آخر رزق هو له ،
()3
فأمجلوا يف الطلب ،أخذ احلالل وترك احلرام).
أما التواكل وعدم العمل وادعاء االعتماد على ما ُكتب لإلنسان من
رزق ف إن ه ذا غري ص حيح إذ التوكل والرضا بالق در ال يقتضي ع دم
العمل بل كما ق ال الرس ول (: اعمل وا فكل ميسر ملا ُخلق له ) (، )4
وكما ورد يف احلديث ( :لو أنكم تتوكلون على اهلل حق توكله لرزقكم
()5
كما يرزق الطري تغدوا مخاصاً وتروح بطاناً )
رواه مسلم كتاب القدر باب حجاج آدم وموسى برقم . 4797 () 1
متفق عليه رواه البخاري يف كتاب بدء اخللق باب ذكر املالئكة برقم , 3208ومسلم () 2
البيوع برقم 2134وقال صحيح على شرط الشيخني ووافقه الذهيب وصححه األلباين – صحيح
اجلامع برقم . 7323
متفق عليه :رواه البخاري يف كتاب التفسري باب قوله فأما من أعطى واتقى برقم () 4
كتاب الزهد برقم 4154وامحد برقم 200وصححه األلباين – صحيح اجلامع – برقم . 5254
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
رواه مسلم كتاب الزهد ,باب املؤمن أمره كله خري برقم . 5318 () 1
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
باإلميان به وبرس وله على الوجه األكمل ،وحث على اإلنف اق مما جعلنا
مستخلفني فيه عمن كان قبلنا ،وسيكون ملن بعدنا ،مث بني سبحانه جزاء من قام
حبق هذا االستخالف بأن هلم أجراً كبرياً يف الدار اآلخرة(. )1
ويف قوله :إشارة إىل أنه سيكون
خملف اً عنك فلعل وارثك أن يطيع اهلل فيه فيك ون أس عد مبا أنعم اهلل به عليه منك
،أو يعصى اهلل فتكون قد سعيت إىل معاونته على اإلمث والعدوان(. )2
إن هن اك فرق اً كب رياً بني إنس ان ينظر إىل املال من خالل شخصه ه و،
فهو وح ده ال ذي مجعه ،وال ذي خبربته اس تطاع تنميته ،ول ذا فإنه مبف رده هو
ال ذي يس تحق أن يس تمتع بثمراته ،وبني إنس ان ي رى نفسه مس تخلفاً يف ه ذا
املال من اهلل ،واملال يف احلقيقة م ال اهلل ،هو ال ذي أنشأ مادته ،وهو ال ذي
سخره له ،مث هو الذي وهبه قدر ًة على اكتسابه فهو أمني عليه ومستخلف فيه،
وعليه أن يرعى حق هذه األمانة وهذا االستخالف (. )3
ولقد ضرب القرآن املثل برجلني أحدمها مسلم واآلخر كافر ،أما املسلم
– وهوسليمان عليه السالم -فإنه قال :
انظر :تفسري الطربي 671 / 11والبغوي 268 / 4وروح املعاين 259 / 15وأيسر () 1
التفاسري
. 263 / 5
تفسري ابن كثري . 306 / 4 () 2
انظر :دور القيم واألخالق يف االقتصاد اإلسالمي د .يوسف القرضاوي ص. 42 () 3
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
[ النمل ، ] 40 :أما غري املسلم -وهو قارون –
فقال [ :القصص ، ] 78 :ومل
ينسب الفضل إىل اهلل فكانت عقوبته العاجلة اخلسف به وبأمواله اليت تطاول هبا
يف األرض :
[ )1( القصص :
. ] 81
المبدأ الثاني :المال وسيلة لطاعة هللا :
تتفاوت الفلسفات واألديان يف نظرهتا للمال تفاوت اً متباين اً .فحينما جند
()2
األفك ار اليت ت رفض املال ومتع ال دنيا معه وتص ور أهنا شر جيب اخلالص منه
جند يف مقابل ذلك تلك األفكار اليت تقدس املال وجتعله هو اإلله الذي جيب أن
يُعبد (. )3
وبني ه ذين االجتاهني املتناقضني يقف اإلس الم موقف الوسط ،فهو يعتد
باملال ،ويضع له قيمته ويعت ُّد مبكانته يف نفس اإلنس ان اجملب ول على حب ه :
[ العاديات ]8 :فاملال زينة احلياة الدنيا :
[ الكهف ] 46 :وبه
تقوم مصاحل الناس:
[ النساء ، ] 5 :إنه خري وصالح ملن أخذه من حله فوضعه
يف حمله ،ولكن اإلس الم ال يغ ايل يف مكانة املال لدرجة التق ديس والعب ادة ،بل
ملزيد من التفصيل عن مثرات اإلميان بقاعدة االستخالف انظر :املرجع السابق -45 () 1
. 60
وهذا موقف الربامهة يف اهلند ,والبوذيني يف الصني واملانويني يف فارس ,والرهبان يف () 2
النص رانية ,وقد ك ان هلذا االجتاه رواج وأنص ار يف احلض ارات الس ابقة ولكنه ق َل أتباعه يف العص ور
احلديثة لغلبة اجتاه تقديس املال وحب املادة .
وهذا ما عليه الدهريون يف كل زمان ومكان وعلى هذه النظرة ظهر املذهبان الرأمسايل () 3
والشيوعي ,انظر :دور القيم واألخالق يف االقتصاد اإلسالمي د .يوسف القرضاوي ص.91
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
إنه حيذر من ه ذا املس لك مبين اً أن املال فتنة وابتالء لإلنس ان ،وأن على املس لم
أن ال جيعله مهه وغايته يف ه ذه احلي اة :
[ احلشر ،]9 :ويقول
× (:تعس عبد ال دينار ،وال درهم ،والقطيفة ،واخلميصة ،إن أعطي رضي وإن
مل يعط مل يرض ) (.)1
إن اإلسالم جيعل املال وسيلة للدار اآلخرة ،فالدنيا يف حقيقتها ما هي إال
مرحلة زائلة والدار الباقية هي الدار اآلخرة ،وإذا كانت الدنيا كلها ما هي إال
وسيلة للدار اآلخرة فاملال وسيلة أيضاً للوصول إىل تلك الدار .
يق ول تع اىل مبين اً ه ذه املنزل ة :
[ القص ص ] 77:ويق ول س بحانه يف مع رض املدح :
[ البقرة ، ] 201:وكان من دعاء املصطفى × ( :اللهم أصلح يل
ديين ال ذي هو عص مة أم ري ،وأص لح يل دني اي اليت فيها معاشي ،وأص لح يل
آخ ريت اليت إليها مع ادي ،واجعل احلي اة زي ادة يل يف كل خري واجعل املوت
راحة يل من كل شر ) .
()2
فاإلنسان املؤمن باهلل ميلك املال وال ميلكه املال ،إنه جيعله يف يده ال يف قلبه ،
إنه يس عى لتحص يله واس تثماره مبا أب اح اهلل ال مبا أوحى إليه ه واه واش تهت
نفس ه .أن املال يف نظ ره وس يلة وطريق ،ذلك أن هدفه يف ه ذه احلي اة أعظم
وأجل ،إهنا طاعة اهلل اليت خلق هلا :
رواه البخاري يف كتاب اجلهاد باب احلراسة يف سبيل اهلل برقم , 2673وكتاب الرقاق () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
قوله " يف أربعة أيام " أي أن األربعة أيام كملت باليومني األوليني فخلق اهلل األرض يف () 1
يومني ,وقدر فيها أقواهتا يف يومني ,فتكون أربعة أيام ,مث خلق السماوات يف يومني فتكون ستة
أي ام ق ال تع اىل ( ولقد خلقنا الس ماوات واألرض وما بينهما يف س تة أي ام وما مس نا من لغ وب )
[ق.] 38 :
تفسري التسهيل 289 / 2وانظر تفسري الطربي . 89 / 11 () 2
ايسر التفاسري , 78/ 3وانظر :تفسري فتح القدير . 126 / 3 () 3
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
وعلى ذلك فإن االقتصاد اإلسالمي يقوم على مبدأ أن اخلريات اليت أوجدها
اهلل يف األرض ،وما سيوجده فيها سبحانه كاف حلاجات البشر ،ليس يف ذلك
ندرة مطلقة ،وال زيادة مفرطة بل كل شيء بقدر معلوم .
يق ول تع اىل :
[ الشورى " ]27 :فلو وسع اهلل الرزق جلميع عباده – كما يبتغون
– لطغوا يف األرض وظلموا " (. )1
وهنا يثار سؤال عن أسباب اجملاعات اليت تعاين منها بعض الدول ،هل هو
لع دم كفاية املوارد الطبيعية ،وهو ما ال يتفق مع ه ذا املب دأ ال ذي أثبتن اه ،أم
يرجع إىل أسباب أخرى ؟.
واجلواب على ذلك :إن الفقر ليس يف حقيقة األمر نتيجة لقلة ال ثروات
الطبيعية يف ه ذه األرض ،بل إننا جند أن بعض ال دول الفق رية اليت تع اين من
اجملاعات متثل املصدر الرئيس للمواد األولية ،وإمنا توجد أسباب أخرى كان هلا
األثر املباشر أو غري املباشر يف ظهور هذه اجملاعات ،ومن أهم هذه األسباب ما
يلي :
)1عدم استخدام اإلنسان لكامل جهوده الذهنية والبدنية .وقصوره يف
اس تغالل املوارد اليت أنعم اهلل هبا عليه ،ومن ذلك الفس اد اإلداري
وض عف التخطيط االقتص ادي وس وء التوزيع للم وارد واليت تع اين منه
كثري من الدول .
)2الكفر بنعم اهلل ،قال تعاىل :
[ النحل]112 :
املنتخب ص. 718 () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
انظر :مدخل للفكر االقتصادي يف اإلسالم د .سعيد مرطان ص. 72 () 1
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
المبحث الثالث
*
األنظمة االقتصادية الوضعية
المطلب األول
النظام االقتصادي الرأسمالي
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
اس تغرقت حنو عشرة ق رون متتالية تبدأ من سقوط اإلمرباطورية الرومانية يف الق رن اخلامس امليالدي
إىل فتح القس طنطينية يف منتصف الق رن اخلامس عشر وهي ف رتة س اد فيها اجلهل والتخلف اجملتمع
األورويب .انظر :د .صالح الدين نامق ،النظم االقتصادية املعاصرة ،ص ،52د .سعيد النجار تاريخ
الفكر االقتصادي ،ص.17
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
وهك ذا ش هدت أوربا يف ه ذه املرحلة فج راً لعهد اقتص ادي جديد خيتلف
اختالف اً ج ذرياً عما ع رف يف ظل النظ ام اإلقط اعي ،وقد س اد االعتق اد يف ه ذه
الف رتة ب أن ق وة ال دول تكمن يف مق دار ما متلكه من ال ذهب وغ ريه من املع ادن
النفيس ة ،وهلذا اهتم التج اريون اهتمام اً خاص اً بالتج ارة اخلارجي ة ،حىت أص بحت
حجر الزاوية يف النظ ام الرأمسايل اجلدي د ،ول ذلك مسيت الرأمسالية يف ه ذه الف رتة
بالرأمسالية التجاري ة ،ومن مث أك دوا على ض رورة ت دخل الدولة يف التج ارة
اخلارجي ة ،بغية حتقيق ف ائض يف ميزاهنا التج اري ،وانتهج وا سياسة االنفت اح من
ج انب واح د ،ومتثلت يف تش جيع الص ادرات ،حىت ي رد ال ذهب والفضة من
اخلارج ،وتقييد ال واردات ،لكي ال تت دفق ه ذه املع ادن إىل اخلارج .وهي السياسة
اليت تسمى بلغة االقتصاد املعاصر بسياسة إفقار اجلار.
مرحلة الرأسمالية الصناعية:ـ
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
كما أتضح من الص فحات الس ابقة فقد تط ور االقتص اد األورويب من
مرحلة االقتص اد اإلقط اعي إىل مرحلة الرأمسالية التجاري ة ،ولكن الرأمسالية مل
تقف عند ه ذا احلد بل تط ورت ومنت ،حىت وص لت يف الق رن الث امن عشر إىل
الرأمسالية الصناعية ،نتيجة الثورة الصناعية ،اليت ظهرت يف منتصف هذا القرن،
واليت أدت إىل التعجيل بنهاية الرأمسالية التجارية من جه ة ،وإىل تغيري وتط ور
الفن اإلنت اجي من جهة أخ رى حىت أصبح هن اك زي ادة هائلة يف مي ادين اإلنت اج
املختلف ة ،نتيجة إحالل اآلالت الص ناعية حمل الع دد اليدوية واألدوات البس يطة
اليت كانت مستخدمة من قبل يف اإلنتاج ،األمر الذي جعل قطاع الصناعة نتيجة
ه ذا التط ور يف الفن اإلنت اجي مغري اً لالس تثمارات ،حيث ج ذب الكثري من
رؤوس األموال إليها ،وهلذا مسيت الرأمسالية يف هذه الفرتة ـ واليت مازالت قائمة ـ
باسم الرأمسالية الصناعية.1
وقد اعتمد النظ ام الرأمسايل يف ه ذه الف رتة ـ الرأمسالية الص ناعية ـ على
احلرية االقتص ادية اليت ن ادى هبا آدم مسيث ،ال ذي ظه رت أفك اره وسط ه ذا
التط ور ،حيث دعا إىل إلغ اء كافة القي ود اليت ك انت تف رض على التج ارة
الداخلية واخلارجي ة ،وع دم ت دخل الدولة يف احلي اة االقتص ادية ،كما ك ان األمر
يف ظل الرأمسالية التجاري ة ،إال مبا يكفل األمن والعدالة ومحاية امللكية الفردية،2
غري أن هذا النظام الرأمسايل الذي يعتمد على احلرية االقتصادية املطلقة وبشكله
الكالسيكي الق دمي مل يعمر طويالً يف ال دول الرائدة يف النظام الرأمسايل يف ذلك
ال وقت ،كربيطانيا وأمريكا ـ فلم يعمر يف بريطانيا على س بيل املث ال ألك ثر من
نصف ق رن وهو النصف األخري من الق رن الث امن عشر امليالدي ـ وإمنا أدخل
عليه بعض التع ديالت والت دخالت احلكومية ملعاجلة مس اوئه ،إذ ك انت ال دول
د .لبيب شقري تاريخ الفكر االقتصادي ،ص .56 () 1
د .حممد حامد عبداهلل ،النظم االقتصادية املعاصرة ،مرجع سابق ،ص.18 () 2
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
الرأمسالية تف رض الرس وم اجلمركي ة ،ومتنح اإلعان ات وال دعم لبعض القطاع ات
االقتص ادية ،كما ك انت حتدد أس عار بعض النش اطات االقتص ادية ذات النفع
الع ام كالكهرب اء واملاء والغ از .كما أهنا م ازالت تس تخدم السياسة النقدية
واملالي ة ،ك أداة من أدوات الت دخل االقتص ادي ،وذلك للحيلولة دون ح دوث
أزم ات اقتص ادية معين ة ،إذ إهنا يف خالل ف رتات الكس اد االقتص ادي وتفشي
البطالة تس ارع إىل خفض س عر الفائ دة ،بالق در ال ذي ي ؤدي إىل زي ادة حجم
االس تثمار ،وإىل زي ادة اإلنف اق الع ام ،ومنح املس اعدات املالي ة ،والتوسع يف
املشروعات العامة ،بشكل يسهم يف النهاية يف زيادة القوة الشرائية يف اجملتمع،
فتنشط حركة االقتص اد ويرتفع مس توى الطلب الفعلي ،بينما يف حالة ف رتات
ال رواج االقتصادي وظهور ب وادر التضخم تسارع إىل كبح مجاح التض خم عن
طريق رفع سعر الفائدة ،واحلد من إنفاقها العام.1
وهبذا الت دخل من قبل الدولة الرأمسالية انتهت مرحلة احلرية التجارية
املطلق ة ،ودخل النظ ام الرأمسايل يف مرحلة أص بح فيها الت دخل االقتص ادي أم راً
مقب والً يف ال دول الرأمسالية ،ب الرغم من أنه ك ان مرفوض اً يف األصل من قبل
املنظرين هلذا النظام ،خاصة آدم مسيث وتالميذه ،إال أنه ينبغي التنبيه إىل أن هذا
التدخل ال يصل إىل درجة القضاء على جوهر النظام الرأمسايل ،وإمنا مل يعد هبذا
التدخل حيتفظ بشكله الكالسيكي القدمي املفرط يف احلرية االقتصادية املطلقة.
جـ -أسس وخصائص النظام االقتصادي الرأسمالي
تعترب احلرية االقتص ادية وامللكية الفردية وح افز ال ربح من أب رز أسس
وخصائص النظام الرأمسايل ،وفيما يلي نناقش ذلك بشيء من التفصيل-:
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
التضر ب اآلخرين ،لقوله تع اىل:
[ النح ل ،]71 :وقوله تع اىل
[ الزخ رف:
،]32إال أن االقتص اد اإلس المي وهو يقر ه ذا التف اوت وال ينك ره ،فـ
فإنه يف نفس ال وقت يس عى إىل
تضييقه ،وعدم اتساعه ،ألن هذا التفاوت وهذه الفروق إذا تركت وشأهنا دون
التخفيف من اتساعها وحدهتا أصبحت عوامل للهدم ،ووسائل للتحطيم ،كما هو
1
احلال املشاهد يف الرأمسالية.
وه ذا ما أدركه التش ريع اإلس المي منذ أربعة عشر قرن اً من الزم ان،
فعن دما اع رتف بامللكية الفردية جعل فيها وظيفة اجتماعية ،2أو مبعىن آخر ف رض
عليها التزام ات وواجب ات ،لص احل الفئة احملروم ة ،أو الفق رية يف اجملتم ع ،األمر
ال ذي يسهم يف النهاية يف التق ريب بني املتف اوتني فال يك ون هن اك غىن مطغٍ وال
فقر منسيٍ ،يف اجملتمع الذي يتبع شريعة اإلسالم.
-3حافز الربح :يعترب البحث عن أكرب ربح ممكن غاية النظام الرأمسايل ،إذ أنه
هو احملرك ال رئيس ألي نش اط اقتص ادي ،إىل درجة أن أص بح الف رد يف
ظل النظ ام الرأمسايل يتجه إىل اإلنت اج مسرتش داً باعتب ارات أكرب ربح
ممكن ،ال باعتب ارات إش باع احلاج ات األساس ية أو الض رورية للبشر،3
ألنه مل تعد حتركه س وى األمثان الس وقية واالعتب ارات االقتص ادية
البحت ة ،وإن ت رتب على ذلك إه دار للقيم الروحية أو األخالقية يف
اجملتمع ،حيث يظل حمكوم اً ومعتمداً على قرار السوق وحجم الطلب،
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
ناد للقمار مثالً فإنه يسارع يف إنشاءه ،وإذا فإذا كان هناك طلب على ٍ
ك ان هن اك طلب على اخلمر فإنه يس ارع ك ذلك إىل إنش اء الب ارات،
وتوظيف األم وال يف إنتاجه وتس ويقه .إىل درجة أن البحث عن ال ربح
بشىت الط رق واألس اليب جيعل املنتج أو املس تثمر يف ظل النظ ام الرأمسايل
ال مييز بني السلع الطيبة والسلع اخلبيثة.1
وليس معىن ذلك أن االقتص اد اإلس المي ينكر مب دأ ح افز ال ربح ،أو
يتجاهل جه از الثمن ،وإمنا ينكر اس تخدام الوس ائل الض ارة لتحقيق ه ذا
ال ربح ،كما ينكر أيض اً إنت اج الس لع الض ارة اليت ال ي رتتب عليها منفعة
حقيقية للمجتمع.
باعتب ار أن أوجه النش اط االقتص ادي يف اإلس الم حمكومة بقاع دة احلالل
واحلرام ،وهي القاع دة اليت تسد كل منافذ الش هوات ،وأن واع الس لوك
غري السوي أو الضارة اليت تبدد جانب اً مهم اً من موارد اجملتمع .2فقد قال
اىل تع
رة: [ البق
.]168
د -مساوئ النظام االقتصادي الرأسمالي
على ال رغم مما يتض منه النظ ام الرأمسايل من جمموعة من األسس
واخلص ائص واليت تب دو يف ظاهرها ص احله ومغرية للفط رة للبش رية كامللكية
الفردية واحلرية االقتصادية وحافز الربح إال أن له مساوئ عديدة أمهها ما يلي:
االحتاد الدويل للبنوك اإلسالمية ،املوسوعة العلمية والعملية للبنوك اإلسالمية ،ج ،6ص
() 1
.95
د .شوقي دنيا ،تمويل التنمية في االقتصاد اإلسالمي ،ص.94 () 2
إمهال اجلوانب األخالقية والدينية واإلنس انية يف النظ ام الرأمسايل ،إىل درجة .1
أنه يؤثر الكسب االقتصادي ولو على حساب األخالق ومقتضيات اإلميان
وحياة اإلنسان.
يؤدي إىل التفاوت الكبري يف الدخل والثروة وتركزها يف يد فئة قليلة. .2
يؤدي إىل فرض السيطرة االحتكارية يف السوق ،إىل درجة أن اإلنتاج يف .3
اجملتمع ات الرأمسالية يس يطر عليه ع دد حمدود من الش ركات االحتكارية
الكربى ،مما يعطيها القدرة على فرض األسعار واهليمنة على االقتصاد.
من االنتق ادات الرئيسة هلذا النظ ام أنه دائم التع رض للتقلب ات االقتص ادية .4
احلادة وظه ور مش كالت البطالة والتض خم واملديوني ة ،األمر ال ذي ي ؤثر
بشكل مباشر على العديد من أفراد اجملتمع خاصة أولئك الذين ال ميلكون
1
إال خدمة العمل
المطلب الثاني
النظام االقتصادي االشتراكي
أ -تعريفه:ـ
لفظ االش رتاكية يعين الكثري من املع اين املختلف ة ،فقد يطلق أحيان اً على
جمرد ت دخل الدولة يف النش اط االقتص ادي ،فتك ون االش رتاكية ب ذلك نقيض اً
لسياسة احلرية االقتص ادية ،كما يس تعمل أحيان اً للداللة على ت دخل الدولة من
أجل حتسني حالة العم ال والطبق ات الفق رية يف اجملتم ع ،وذلك بسن التش ريعات
اليت ختفف عنهم أعب اء احلي اة ،ومتنحهم بعض املزاي ا ،وهبذا املعىن تص بح
االشرتاكية ضرباً من ضروب إصالح خلل النظام الرأمسايل ،وبشكل عام ميكن
تعريف النظ ام االقتص ادي االش رتاكي بأن ه :النظ ام ال ذي يتم يز بتملك الدولة
لعوامل اإلنت اج (أي امللكية اجلماعي ة) كاألراضي واآلالت واملص انع ،وتتخذ
د .خالد املقرن األسس النظرية لالقتصاد اإلسالمي ،ص.69 () 1
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
مجيع الق رارات االقتص ادية فيه من خالل جه از التخطي ط ،ومن هنا ج اءت
تسمية هذا النظام بنظام التخطيط املركزي.1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
د .مصطفى العبداهلل ،علم االقتصادي واملذاهب االقتصادية ،ص.268 () 1
د .حممد برعي ،د .عبداهلادي السويفي ،أصول علم االقتصاد ،ص.129 () 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
االش رتاكي من حيث كمية الس لع املراد إنتاجها وأنواعها واملوارد اليت
تس تخدم يف ذلك عن طريق جه از التخطيط املرك زي ،ال ذي يعد اجلهة
الوحيدة لتحديد العرض والطلب يف ظل ذلك النظام.
د -مساوئ النظام االقتصادي االشتراكي :
إذا كان النظام االشرتاكي يزعم أنه يهدف إىل إشباع احلاجات العامة،
ورعاية مص لحة األغلبي ة ،ومعاجلة سوء توزيع الثروة إال أن له مس اوئ عدي دة،
أمهها ما يلي :
( )1تقييد حريات األفراد االقتصادية ،وقتل احلافز الفردي ،الذي له دور
أساسي يف إثارة ضروب النشاط االقتصادي.
( )2إلغاء امللكية الفردية لوسائل اإلنتاج ،األمر الذي جعله يصطدم مع الفطرة
البشرية اليت جبلت على حب التملك.
( )3حماربته لألديان السماوية ،باعتبارها يف نظره أفيون الشعوب ،ومن مث
س عيه احلثيث حنو حمو مش اعر اإلخ اء يف النف وس البش رية ،وإث ارة فك رة
الصراع الطبقي بني الفقراء واألغنياء.
( )4فتور بواعث العمل فيه عند معتنقيه لسد باب الطموحات أمامهم ،األمر
الذي يصيب اإلنتاج بالنقص الشديد ،وحيول بني املوارد االقتصادية وبني
بلوغ أقصى أهدافها ،وهلذه األسباب وغريها مل تستطع االشرتاكية املاركسية
حتقيق أه دافها ومبادئه ا ،بل فش لت يف عقر دارها بعد متجي دها وتطبيقها
ردح اً من ال زمن ،وبعد أن أكد الواقع وكش فت التج ارب املري رة أهنا غري
ص احلة للتط بيق كنظ ام اقتص ادي ق ادر على مس ايرة الفط رة البش رية وعلى
عالج املشاكل االقتصادية اليت تواجه البشرية املعاصرة.
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
المطلب الثالث
النظام االقتصادي المختلط
الواقع أن النظ ام االقتص ادي املختلط ليس له هوية ذاتية قائمة ب ذاهتا عن
هوية النظم الوضعية األخرى اليت تولد عنها ،بل هو نظام جيمع بني بعض مسات
النظ ام الرأمسايل وبعض مسات النظ ام االش رتاكي ،مع احتفاظه باخلص ائص
األساسية املميزة للنظام االقتصادي الذي انتقل منه أو حتول عنه.
فمثالً الدول الرأمسالية اليت حتولت إىل نظام رأمسايل خمتلط مازالت حتتفظ
بنظ ام الس وق وبامللكية اخلاص ة ،وال دول االش رتاكية اليت حتولت إىل نظ ام
اش رتاكي خمتلط احتفظت مبلكية الدولة لوس ائل اإلنت اج إال يف ح دود ض يقة
للغاية.
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
المبحث الرابع
(*)
خصائص النظام االقتصادي اإلسالمي وأهدافه
المطلب األول
خصائص النظام االقتصادي اإلسالمي
يتصف النظ ام االقتص ادي اإلس المي خبص ائص متيزه عن غ ريه من النظم
االقتصادية األخرى ،وهذه اخلصائص أربع نوجزها فيما يلي :
الخاصية األولى :النظام االقتصادي اإلسالمي جزء من نظام اإلسالم
إذا ك انت األنظمة االقتص ادية الوض عية قد انفص لت متام اً عن ال دين
والقيم األخالقية اإلنس انية غرابة يف ذلك طاملا أهنا أنظمة بش رية املص در ،ف إن
أهم ما مييز نظ ام االقتص اد اإلس المي هو ارتباطه الت ام ب دين اإلس الم عقي دة
وش ريعة ،األمر ال ذي جيعل للنش اط االقتص ادي يف اإلس الم – على خالف
النش اط االقتص ادي يف النظم الوض عية – طابع اً تعب دياً وه دفاً س امياً ،وجيعل
الرقابة عليه رقابة ذاتية يف املقام األول ،1وتفصيل ذلك على النحو التايل:
2
أوالً -للنشاط االقتصادي في اإلسالم طابع تعبدي وهدف سام
أكد اإلسالم كرامة العمل ،ورفع من قدره وارتقى به إىل درجة العبادة،
طاملا اقرتن بالنية الصاحلة والتزم باألحكام الشرعية ،3يؤكد ذلك حديث كعب
بن عُج رة ،ق ال مر رجل على النيب ف رأى أص حاب رس ول اهلل من جل ده
ونش اطه ،فق الوا :يا رس ول اهلل ،لو ك ان ه ذا يف س بيل اهلل ،فق ال " إذا ك ان
خ رج يس عىعلى ول ده ص غاراً فهو يف س بيل اهلل ،وإن ك ان خ رج يس عى على
إعداد الدكتور عمر املرزوقي . (*)
النظام االقتصادي يف اإلسالم ،د .أمحد عسال ،د .فتحي عبدالكرمي ص20 () 1
النشاط االقتصادي من منظور إسالمي ،د .عمر املرزوقي ص.286-257 () 2
دور القيم واألخالق يف االقتصاد اإلسالمي ،د .يوسف القرضاوي ،ص.142 () 3
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
أب ويني ش يخني كب ريين فهو يف س بيل اهلل ،وإن ك ان خ رج يس عى على نفسه
يعفها فهو يف س بيل اهلل ،وإن ك ان خ رج ري اءً ومف اخر ًة فهو يف س بيل
الشيطان".1
فاملس لم إذا خلصت نيته وحسن مقص ده يف نش اطه االقتص ادي عمالً
وإنتاج اً واس تهالكاً فهو يف عب ادة مبفهومها الع ام ،ألن العب ادة يف اإلس الم ال
تقتصر على الش عائر التعبدية املعروفة كالص الة والص يام بل تش مل "كل ما حيبه
اهلل ويرضاه من األقوال واألعمال الباطنة والظاهرة".2
وال ريب أن ه ذا الط ابع التعب دي حبد ذاته ح افز ق وي على العمل
واإلنتاج ،األمر الذي يسهم يف زيادة عرض العمل يف االقتصاد اإلسالمي ،ومن
مث زي ادة اإلنت اج من الس لع واخلدمات ،دون الت أثر وبش كل كبري بتقلب ات
األج ور املالي ة ،ما دام املس لم يعمل ابتغ اء ث واب ال دنيا –العائد املادي -وث واب
اآلخ رة ،وه ذا يس هم يف النهاية يف القض اء على البطالة االختياري ة ،ويف كبح
3
مجاح التضخم ،الذي يسود االقتصاديات املعاصرة.
بل إن تلك الص فة التعبدية جتعل العائد املادي أو احلافز االقتص ادي ليس
هو الب اعث أو اهلدف الوحيد للنش اط االقتص ادي اإلس المي ،كما هو يف
االقتصاديات الوضعية ،اليت اعتربت املعاش مقصد اإلنسان األساسي ،ولو كان
عن طريق الربا وامليسر واالحتك ار واألنانية وخبس حق الفقري واألج ري .وإمنا
هناك هدف آخر يتمثل يف كسب رضاء اهلل تعاىل الذي يبتغيه املسلم من وراء
املعجم الكبري ،الطرباين ،حتقيق محدي عبد اجمليد ،ج 19ص.282 () 1
التصخم والبطالة يف إطار التكييف اهليكلي من منظور إسالمي ،د .قاسم احلموري ص () 3
.428 ،420
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
نشاطه االقتصادي ،الذي يتميز بالبعد الزمين يف أهدافه ،اليت مل تعد تقتصر على
اجلانب املادي ،أو احلي اة ال دنيا فحس ب ،حيث مل خيلق فيها اإلنس ان فيها عبث اً،
اىل لقوله تع
[ املؤمن ون ،]115 :وإمنا ميتد إىل ما بع دها ،اليت هي غايت ه ،يف
إطاراهلدف األمسى والنهائي الذي من أجله خلق اإلنسان ،وهي عبادة اهلل تعاىل
[ ال ذاريات ]56:
[ األنع ام :
.]162
ثانيا ً :ذاتية الرقابة على ممارسة النشاط االقتصادي في اإلسالم:
س بق الق ول أن النظم االقتص ادية الوض عية قد انفص لت عن ال دين متام اً،
وأبعدته عن القي ام ب دور إجيايب يف نظامها االقتص ادي ،ونتيجة ل ذلك ف إن رقابة
النشاط االقتصادي يف ظل هذه النظم موكولة إىل السلطة العامة ،متارسها طبق اً
للق انون ،األمر ال ذي جيعلها يف النهاية ع اجزة عن حتقيق مجيع أه دافها ،لع دم
وج ود رقابة أخ رى غريه ا ،وآية ذلك ما هو مش اهد يف ظل ه ذه النظم من
هترب الكثري من التزام اهتم ومن القي ود اليت تف رض عليهم ملص لحة اجملتمع
كالضرائب ،وذلك كلما غفلت الدولة ،أو عجزت أجهزهتا عن مالحقتهم.1
أما يف ظل نظ ام االقتص اد اإلس المي فإنه يوجد إىل ج وار الرقابة الرمسية
اليت متارسها الدولة رقابة أخرى ،أشد وأكثر فاعلية ،هي رقابة الضمري املسلم،
القائمة على اإلميان باهلل وعلى احلس اب يف الي وم اآلخر ق ال تع اىل :
[ احلديد ]4 :وقال :
[ آل عمران ]5:وحني يشعر اإلنسان
النظام االقتصادي يف اإلسالم ،د .أمحد العسال ،د .فتحي عبدالكرمي ،ص.26 () 1
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
بأنه إذا ما انفلت من الرقابة البش رية فإنه ال يس تطيع اإلفالت من الرقابة اإلهلي ة،
اليت أعدت له عذاباً أليم اً يف حالة احنرافه ،يتمثل يف قوله تعاىل
[ احلاقة .]32- 30 :وه ذا يف حد ذاته فيه أكرب ض مان لس المة
النشاط االقتصادي املتصف باإلنسانية والرمحة والعدل.
الخاصية الثانية :التوازن في رعاية المصلحة االقتصادية للفرد والجماعة
لقد ج اءت مب ادئ اإلس الم االقتص ادية أك ثر رحابة واس تيعاباً لش ئون
الف رد واجلماع ة ،فهي الت ذيب الف رد يف اجلماعة على حنو ما تفعله االش رتاكية ،
حينما تنك رت للف رد وأه درت حريته ومص لحته ،ليك ون اجملتمع أو الدولة هي
املالك لكل شيء ،انطالقاً من فلسفة املذهب اجلماعي ،اليت ترى أن األصل هو
تدخل الدولة ،إىل درجة انفرادها بعناصر اإلنتاج ،وحرمان الفرد من مثرة جهده
وكدحه.
وال تغلِّب مصلحة الفرد على مصلحة اجلماعة ،كما تفعل الرأمسالية اليت
أعطت الف رد احلرية الواس عة يف إش باع رغباته وممارسة نش اطه االقتص ادي،
وبغض النظر عن ك ون ه ذه الرغبة أو ه ذا النش اط نافع اً أو ض اراً بالص حة،
وباعث اً على االحنالل والفس اد ،ك اخلمور واألفالم اهلابطة وحان ات ال رقص
والفج ور ،غري مك رتث حينئذ مبص لحة اجملتمع األخالقي ة ،طاملا حيقق له نفع اً
مادياً.
ذلك ألن االقتص اد اإلس المي له سياس ته اليت تق وم على الت وازن يف رعاية
املصلحة االقتصادية لسائر األطراف اإلنسانية ،أفراداً ومجاعات ،فالفرد واجلماعة
ليسا خص مني ال يلتقي ان ،كما ص ورهتما املذاهب الفردية واجلماعية على
السواء ،بل مها يكمالن بعضهما.
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
أما إذا كان هناك تعارض بني املصلحتني وتعذر حتقيق التوازن أو التوفيق
بينهما ف إن اإلس الم يق دم مص لحة اجلماعة على مص لحة الف رد مع مالحظة
تع ويض الف رد عما حلقه من أض رار ،وذلك ما عرب عنه العلم اء بق وهلم " يُتحمل
الضرر اخلاص لدفع الضرر العام".
ومن األمثلة على ذلك مايلي:1
( )1قوله " ال تلقوا الركبان وال يبع حاضر لباد" 2ففي النهي عن تلقي
الركب ان تق دمي ملص لحة عامة هي مص لحة أهل الس وق على مص لحة
خاصة هي مص لحة املتلقي ،ال ذي قد حيصل على الس لعة بس عر
منخفض ويعيد بيعها على مجهور املستهلكني بسعر مرتفع.
ويف النهي عن بيع احلاضر للب ادي تق دمي ملص لحة عامة هي مص لحة أهل
احلض ر ،وإن ك ان فيه تف ويت مص لحة للب ادي بتق دمي النصح له وللحاضر
إذا كان البيع بطريق الوكالة باألجر.
( )2أجاز بعض الفقهاء أخذ الطعام من يد حمتكره وبيعه على الناس بسعر
السوق ،مراع اة للمص لحة العامة اليت قد تقف يف وجهها املصلحة اخلاصة
للمحتكر.
النظ ام االقتص ادي يف اإلس الم ،د .أمحد العسال ،د .فتحي عب دالكرمي ص, 32د. () 1
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
ويعطي كالً منهما ما يس تحقه من الرعاية والعناية ،فهو ي دعو اإلنس ان
إىل العمل والكسب يف ال دنيا ،كما ي دعوه يف ال وقت نفسه إىل العمل لطلب
اآلخ رة ،ق ال تع اىل :
[ القصص. ]77 :
ويف آية أخرى قال تعاىل :
[ اجلمعة.]10 :
فاآلية الكرمية رغم ما فيها من أمر إهلي باالنتش ار يف األرض ليم ارس
املس لم ننش اطه االقتص ادي فإهنا يف ال وقت نفسه اس تهدفت حفظ الت وازن
املطلوب بني اجلانب املادي واجلانب ال روحي ،حينما م زجت العمل االقتصادي
ال دنيوي ب ذكر اهلل كث رياً ، 1حىت ال يقع اإلنس ان يف ه زال الرهبانية أو يف سعري
الشهوات املادية.
وذلك على النقيض من األنظمة االقتص ادية الوض عية اليت رك زت على
اجلانب املادي ،حىت أصبح اهلدف الوحيد للنشاط االقتصادي لإلنسان املعاصرة،
دون مراع اة أو التف ات للقيم األخالقية والروحي ة ،إذ أن الش يوعية املاركس ية
تنكر ال دين وتعت ربه أفي ون الش عوب ،وتركز على التط ور املادي للحي اة ،ومتحو
مش اعر اإلخ اء يف النف وس البش رية وت دعو إىل الص راع الطبقي بني أف راد
اجملتمع ات ،أما الرأمسالية فإهنا وإن ك انت ال تنكر ال دين واألخالق إال أهنا
التنمية االقتصادية يف اإلسالم ،د .عبدالرمحن يسري ص.28 () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
قص رهتا على نط اق الكنيسة وأبع دهتا عن القي ام ب دور إجيايب يف نظامها
االقتص ادي ،ومن مث ف إن التفاعل اإلجيايب والفع ال بني النظم الدينية والدنيوية
ليس له وجود يف اجملتمع الرأمسايل أو االشرتاكي.1
هذا وقد أنكرت السنة النبوية على من يرتك العمل ويرتهنب بنية التفرغ
للعبادة ،كما يف قصة الرجل العابد الذي قال فيه الرسول :أيكم كان يكفيه
علف ناقته وصنع طعامه؟ قالوا كلنا يا رسول اهلل ،قال :كلكم خري منه".2
االقتصاد اإلسالمي بني النظرية والتطبيق د .منان ،ترمجة د .منصور الرتكي . () 1
رواه عبدالرزاق ,املصنف ,حتقيق األعظمي ،ج 11باب خدمة الرجل صاحبه. () 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
وه ذا االق رتان بني االقتص اد واألخالق يولد يف النفس البش رية ش عوراً
باملسؤولية أمام اهلل تعاىل فيعمل املسلم على سالمة ونقاء املعامالت االقتصادية
يف اجملتمع املسلم.1
المطلب الثاني
أهداف النظام االقتصادي Gاإلسالمي
يس عى النظ ام االقتص ادي اإلس المي إىل حتقيق ع دة أه داف ميكننا إبرازها يف
النقاط التالية:
أوالً :تحقيق حد الكفاية المعيشية :
يهدف اإلسالم يف نظامه االقتصادي إىل توفري مستوى مالئم من املعيشة
لكل إنس ان ،وهو ما يع رف يف الفقه اإلس المي "بتوفري حد الكفاية " ،وهو
خيتلف عن حد الكف اف املع روف يف االقتص اد الوض عي ،وال ذي يتمثل يف توفري
ضرورات املعيشة للفرد وأسرته ،بالقدر الذي يسمح هلم بالبقاء على قيد احلياة،
وهو ما يش كل مس توى متواض عاً للرفاهة االقتص ادية .2ت ذكر قصة الفقري ال زمي
مع عمر رضي اهلل عنه ومذكورة يف اخلراج أليب يوسف .
وقد ذكر الفقيه ابن حزم يف كتابه احمللى أن الكفاية – اليت بدوهنا يصبح
اإلنس ان مع دماً – تتحقق يف طع ام وشراب مالئمني ،وكسوة للشتاء وأخرى
للصيف ،ومسكن يليق حباله ، 3أي حقوق املأكل وامللبس واملأوى.
كما ذكر املاوردي يف كتابه األحك ام الس لطانية أن الع ربة يف العط اء هو توفري
حد الكفاي ة ،ال ذي يف رتض على اجملتمع اإلس المي توف ريه لكل ف رد عجز عن
األسس النظرية للنظام االقتصاد اإلسالمي ،د .خالد املقرن ص35 () 1
تدخل الدولة يف النشاط االقتصادي يف إطار االقتصاد اإلسالمي ،د .حممد فتحي صقر () 2
ص.71
احمللى ،ج 6ص.156 () 3
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
حتقيقه لقوله " :أميا أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة اهلل
تعاىل".1
علم اً ب أن الزك اة ليست هي ،األداة الوحي دة املس ئولة عن ض مان حد
الكفاية يف االقتص اد اإلسالمي ،بل يعترب الت دخل يف سوق العمل من قبل الدولة
لتوفري ف رص العمل والكسب للع اطلني وإق رار األجر الع ادل ال ذي حيقق الكفاية
املعيش ية لألجري وتوجيه املوارد االقتص ادية وفق اً الحتياج ات اجملتمع احلقيقية من
األدوات اليت تسهم يف حتقيق حد الكفاية يف االقتصاد اإلسالمي .
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
تتحرج احلياة وال تصعب برتكها ،وبذلك يتم ختصيص املوارد االقتصادية
حبسب احلاجات احلقيقية للمجتمع وليس حبسب أسعار الطلب آلحاده.
( )3إبعاد املوارد االقتصادية عن إنتاج السلع واخلدمات اليت تتطلب إنفاقاً ذا
طبيعة إسرافية.1
ثالثاً :تخفيف التفاوت الكبير في توزيع الثروة والدخل
ينكر اإلسالم وبشدة التفاوت الصارخ يف توزيع الدخل والثروة ،وهو
التوزيع غري الع ادل ،ال ذي تس تأثر فئة ب اجلزء األكرب من ه ،مما ي ؤدي إىل هتميش
األغلبية الساحقة ،اليت ال تستطيع ضمان تغطية حاجاهتا األساسية ،وهلذا ال يقر
الغىن املطغي ،أو تس لط األقلية على مق درات اجلماع ة ،كما هو احلال يف النظم
االقتص ادية الوض عية ،كما ال يقر الفقر املع دم ،أو حرم ان أحد من وس ائل
املعيشة ،بل يقاوم ذلك كله ويأباه وال يقبله .
وهلذا فهو ينبذ اكتناز األموال واالحتكار والربا والقمار والرشوة والغش
وكل أشكال االستغالل واألنانية اليت يكون الفقري هو ضحيتها ،ويفرض الزكاة
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
والنفق ات الواجبة وحيث على الوص ايا واألوق اف والص دقات التطوعية بش كل
حيقق يف النهاية توزيعاً عادالً للدخل والثروة يف اجملتمع ويرتقي حبال الفقري.
رابعاً :تحقيق القوة المادية والدفاعية لألمة اإلسالمية
إذا ك ان النظ ام االقتص ادي يف اإلس الم يه دف إىل حتقيق حد الكفاي ة،
والتصدي للفقر والفاقة إال أن أهدافه ال تتوقف عند ذلك فحسب وإمنا تتجاوزه
إىل ه دف س ام يتمثل يف حتقيق الق وة املادية والدفاعية لألمة اإلس المية ،مبا
يكفل هلا األمن واحلماية وي درأ عنها الع دو املرتبص باس تقالهلا واملس تنزف
لطاقاهتا االقتصادية ،يقول تعاىل
[األنفال]60 :
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
الفصل الثاني
أسس النظام االقتصادي اإلسالمي
المبحث األول
الملكية في االقتصاد اإلسالمي
المبحث الثاني
الحرية االقتصادية المقيدة
المبحث الثالث
التكافل االجتماعي االقتصادي
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
الفصل الثاني
أسس النظام االقتصادي اإلسالمي
المبحث األول
()1
الملكية في االقتصاد اإلسالمي
إن التملك واالس تئثار بالش يء والرغبة يف االس تحواذ عليه أمر فط ري
جبل اهلل النفس اإلنس انية على حبه والس عي إىل حتقيقه ،ومما يـدل على ذلك
الكتاب والسنة :
فمن الكت اب قوله تع اىل :
[ آل عمران ]14 :
ومن السنة النبوية قوله " لو كان البن آدم واديان من مال البتغى وادي اً ثالث اً
()2
وال ميأل جوف ابن آدم إال الرتاب " ...احلديث
يه رم ابن آدم ويشب منه اثنت ان :احلرص على املال ، " وقوله
()3
واحلرص على العمر"
وألجل ذلك جاءت الش ريعة اإلسالمية ب إقرار التملك الف ردي لإلنس ان
وحقه يف التص رف ما دام أنه يف اإلط ار الش رعي ،رعاية ملص احله واس تجابة
للغريزة اليت أودعها اهلل تعاىل فيه ،وهذا املوقف اإلسالمي املميز خيالف موقف
أخرجه البخاري ،كتاب الرقاق ،باب ما يتقى من فتنة املال برقم ، 5956ومسلم ، () 2
.
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
املذهب الرأمسايل ال ذي يعترب امللكية اخلاصة هي األصل وما ع داها اس تثناء ،
وخيالف ك ذلك املذهب االش رتاكي ال ذي يعترب امللكية العامة هي األصل وال
يعرتف بامللكية اخلاصة إال يف أضيق األحوال .
أ -أنواع الملكية :
هي :الملكية العامة ،ملكية الدولة ،الملكية الخاصة تنقسم امللكية إىل ثالثة أقسام
الملكية العامة :ما وجد بإجياد اهلل تع اىل مما ميلكة عم وم ألمة دون اختص اص أحد
( )1
بعينه به .كاألهنار والرباري واآلبار.
فاألشياء واألموال اليت متنع أو حتول طبيعتها دون أن تكون حمالً للملكية
اخلاصة تعترب من امللكية العامة كاألهنار ،واملراعي وما إىل ذلك مما وجد بإجياد
() 2
اهلل له.
إقرار الملكية العامة:
الشريعة اإلسالمية مل هتمل حقوق اجملتمع واجلماعات باختالف أنواعهم
وحاجاهتم ،فقد أذنت لألفراد أن يتملكوا أعياناً ال يلحق متلكها إضراراً بالعامة،
ومنعت من متلك ما يف متلكه إحلاق األضرار باجملتمع عموماً ،فهي حينما أقرت
امللكية اخلاصة ،أقرت يف مقابلها امللكية العامة ،وهي أن تكون ملكاً لعموم
الناس دون النظر إىل األفراد ،فال حيق للفرد أو اجملموعة من األفراد أن حيجزوا
منافعها عن اآلخرين حبال ،بل هي مشاع بني أفراد اجملتمع عموماً على ما
تقتضيه املصلحة العامة ،كالطرق ،واألهنار ،واملراعي ،وغريها ..وقد
تضافرت األدلة على إقرار امللكية العامة ومن ذلك ما يلي :
قيود امللكية اخلاصة يف الشريعة اإلسالمية ،د .عبد اهلل املصلح ،ص ، 105امللكية يف () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
عن ابن عباس رضي اهلل عن أن النيب قال " :املسلمون شركاء يف -1
ثالث يف املاء ،والكأل ،والن ار" ( )1ففي ه ذا احلديث يق رر النيب مب دأ
امللكية العامة ،حيث جعل احلق لعموم الناس يف االنتفاع باملاء والكأل
والنار.
عن الصعب بن جثامة رضي اهلل عنه أن النيب قال" المحى إال هلل -2
ورس وله " ( )2فه ذا مما ي دل على إق رار الش ريعة اإلس المية للملكية
العامة .وقد ج اءت نص وص العلم اء رمحهم اهلل تع اىل تق رر مب دأ
امللكية العامة ،وأنه ال جيوز للف رد أو جملم وع األف راد متلك ما يتعلق به
مص احل عم وم الن اس وحاج اهتم ،بل إنه ال جيوز لإلم ام أو احلاكم أن
يقطع أحد رعيته ما يتعلق به مصاحل وحاجات عموم املسلمني كاألهنار
()3
واملراعي
خصائص الملكية العامة :يمكن القول بأن الملكية العامة تختص بما يلي:
امللكية العامة عالقتها مع مصاحل عموم املسلمني وحاجاهتم كعالقة العلة -1
باحلكم فمىت وجدت العلة وهي املصلحة العامة وجد احلكم وهو امللكية
لحة العامة زالت امللكية العامة وحتولت تلك العامة ومىت زالت املص
األش ياء إىل بيت املال يتص رف فيها احلاكم وفق املص لحة الش رعية ولو
بإعطائها لألفراد.
امللكية العامة مقررة حبكم اهلل تعاىل ورسوله ال ميلك أحد التصرف -2
فيها بل وال جيوز له ذلك ما دام أن املص لحة العامة للمس لمني متعلقة
هبا.
رواه ابن ماجة كتاب األحكام ،باب املسلمون شركاء يف ثالث وصححه األلباين يف () 1
اإلرواء 1552
أخرجه البخاري ،كتاب املساقاة ،باب ال محى إال هلل ورسوله برقم , 2197 () 2
انظر يف ذلك اخلراج أليب يوسف ،ص ،110املغين البن قدامة 8/161 () 3
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
امللكية العامة ملكية دائمة ومس تقرة ب دوام واس تقرار مص لحة عم وم -3
املسلمني
احلق يف امللكية العامة حق مستقر للجماعة باعتبارها مؤلفة من أفراد. -4
ملكية الدولة :هي امللكية اليت تك ون للدولة ،ومواردها ل بيت م ال املس لمني
( )1
يتصرف فيها ويل أمر املسلمني مبوجب ما تقتضيه املصلحة العامة .
للمزيد من املعلومات انظر امللكية يف الشريعة اإلسالمية ،العبادي 356-1/346 () 2
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
الفيء :وهو كل مال وصل إىل املسلمني من الكفار بغري قتال وال الثالث :
()1
إجياف خيل وال ركاب .قال تعاىل
[ احلشر ] 7 :
الرابع :مخس الغنائم:مخس الغنائم يؤخذ لبيت مال املسلمني فعن عبادة بن
الص امت رضي اهلل عنه أن النيب أخذ وب رة من جنب بعري فق ال" أيها
الن اس إنه ال حيل يل مما أف اء اهلل عليكم ق در ه ذه إال اخلمس واخلمس
( )2
مردود عليكم"
الخامس :اجلزية :وهي ما يض رب على األش خاص ال ذين مل ي دخلوا يف اإلس الم
()3
نظري إقرارهم على دينهم و محايتهم قال تعاىل :
[ التوبة ]29:
السادس :العشور :وهي ما يؤخذ من جتار أهل الذمة واحلربيني لقاء السماح هلم
بدخول بالد املسلمني للتجارة )4( .ويعرب عنه اليوم باجلمارك .
السابع :اللقطات وتركات املسلمني اليت ال وارث هلا أو هلا وارث ال يرد عليه
كأحد الزوجني ،وديات القتلى الذين ال أولياء هلم .
الثامن :األوقاف اخلريية :والوقف هو حتبيس األصل وتسبيل املنفعة على أوجه
الرب بشروط مبينة يف كتب الفقه .
التاسع :الضرائب املوضوعة يف األشجار والتجارات والطائرات والسفن .
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
الملكية الخاصة :وهي ما ك انت لف رد أو جملموعة من األف راد على س بيل االش رتاك،
وختول صاحبها االستئثار مبنافعها والتصرف يف حملها ،كتملك اإلنسان للمسكن
1
واملركب .. ( )
حيث أض اف اهلل س بحانه وتع اىل املال وامللك وما تولد من االكتس اب
إىل اإلنسان إضافة اختصاص ومتليك ال ينازعه فيها أحد من الناس ،وهذا صريح
بإقرار امللكية اخلاصة .
امللكية يف الشريعة اإلسالمية ،د /عبد السالم العبادي 243 /1 ،التملك يف اإلسالم ، () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
أخرجه البخاري ،كتاب العلم ،باب قول النيب رب مبلغ برقم ، 102ومسلم ، () 1
كتاب القسامة واحملاربني والقصاص والديات ،باب تغليظ حترمي الدماء واألعراض واألموال برقم
. 3179
أخرجه البخاري كتاب املزارعة ،باب إحياء أرض موات بدون رقم . () 2
أخرجه البخاري ،كتاب املظامل ،باب من قتل دون ماله برقم ، 2300ومسلم () 3
كتاب اإلميان ،باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غريه بغري حق رقم , 202
متلك األموال وتدخل الدولة يف اإلسالم د .عبد الرمحن اجلليلي ،ص 458 () 4
القيود الواردة على امللكية الفردية ،د .عبد الكرمي زيدان ،ص 13 () 5
املرجع السابق ص ، 13امللكية يف الشريعة اإلسالمية ،د.العبادي 153 /1 ، () 6
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
-5امللكية ختول صاحبها التربع مما ميلك دون حتديد أو تقييد ،مادام أنه يف
ق واه املعت ربة ش رعاً ،س واء ك ان ذلك الت ربع لألق ارب أو لغ ريهم ،وه ذا
متصور يف الوقف ،واهلبة ،والوصية ( يف حدود الثلث ) ،والعطايا عموماً .
-6من خصائص امللكية أيضاً أهنا تؤدي إىل النمو االقتصادي حيث تدفع
صاحبها إىل تنمية ملكه دون خوف أو حذر .
أهمية إقــــــــرار الملكيــــــــة الخــــاصة
أولت الش ريعة اإلس المية امللك أمهية بالغة حيث ش رعت املع امالت
مبختلف أنواعها كالبيع واإلجارة والسلم باعتبارها أدوات ناقلة للملك ووسيلة
لت داول األم وال ،كما ش رعت ما حيافظ على امللك يف يد ص احبه ،فح رمت
الس رقة والنهب والغصب وأوجدت احلدود اليت تكفل حفظها ،وش رعت
ك ذلك ما يوثق حق ص احبها وحيفظه إذا مل تكن يف ي ده كالكتابة والش هادة
وال رهن والض مان والكفالة وغري ذلك )1(.وميكن أن ن بني أمهية إق رار امللكية
اخلاصة يف األمور اآلتية :
أوالً -:تحقيق حاجة اإلنسان ،وما تتطلبه الحياة الكريمة .
إن حاجة اإلنس ان إىل الطع ام والش راب وال دواء وس ائر أم ور املعيشة
تدفعه وبش دة إىل التكسب ال ذي هو س بب امللك ،وما ذلك إال ملا يعلمه من
أن ه ذه األش ياء لن حتصل له دون مقابل ،بل البد ألجل احلص ول عليها من
دفع ما يقابلها من الثمن ،وه ذا هو منط احلي اة ال ذي ش رعه اهلل تع اىل يف ه ذه
األرض ،وألجل ذلك ج اء احلث على التكسب والعمل وت رك البطالة والكسل
،رعاية ملص احل األف راد واجملتمع ات ،وب ذل األس باب إلجياد املس توى املعيشي
والصحي والتعليمي الالئق هبم ،مجاعة وأفراداً .
ثانيا ً -:عمارة األرض واستغالل مواردها.
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
هذا ،وإن األصل يف املعامالت احلل واإلباحة ،وال حيرم منها إال ما قام
الدليل على حترميه وما عدا ذلك فيبقى على األصل وهو اإلباحة ،وهذا مما يدل
على مساحة الشريعة اإلسالمية ويسرها .
أخرجه البخاري كتاب الزكاة ،باب االستعفاف عن املسألة برقم , 1377 () 1
أخرجه البخاري ،كتاب املزارعة ،باب فضل الزرع والغرس برقم . 2152 () 2
انظر يف ذلك كتاب الكسب ،حممد الشيباين وشرحه للسيوطي ص81 () 3
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
وب النظر يف األس باب املش روعة للتملك جند أن آراء العلم اء واملؤلفني قد
تن وعت يف تقس يمها إال أنه بالتأمل يف تلك التقس يمات جند أهنا يف اجلملة ال
تكاد خترج عن األقسام اآلتية و يندرج حتت كل قسم منها فروع كثرية :
القسم األول :التملك مقابل عوض ،فيدخل فيه املعاوضات بأنواعها ،كالبيع
،واإلجارة ،والسلم ،وحنو ذلك.
القسم الثاني :التملك بغري عوض ،فيدخل فيه عقود التربعات كالوصية ،واهلبة ،
واملرياث.
القسم الثالث :التملك باالستيالء ،فيدخل فيه إحراز املباح ،وإحياء املوات ،
والصيد ،واالحتطاب .
وفيما يلي نبذة موجزة ألهم أسباب الملكية :
أوال :البيع
تعريفه :البيع لغة :مقابلة الشيء بالشيء ،يقال ألحد املتقابلني :مبيع
ولآلخر مثن ،ويقابل ال بيع الش راء ،إال أن كال اللفظني يعت ربان من األض داد ،
ومعىن ذلك أن كال منهما ي أيت مبعىن اآلخر ؛ حيث ميكن أن يس تعمل لفظ
الشراء مبعىن البيع ويستعمل البيع مبعىن الشراء ،إال أنه إذا أطلق البائع فاملتبادر
( )1
إىل الذهن يف العرف أنه باذل السلعة
( )2
والبيع شرعا :مبادلة املال باملال متليكا ومتلكا .
مشروعيته :البيع مشروع بالكتاب والسنة واإلجماع :
[ البقرة الكتاب :قال تعاىل
] 275:
()لسان العرب ،خمتار الصحاح ،القاموس احمليط :مادة " :باع " 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
السنـ ــة :وردت أح اديث كث رية عن النيب ت دل على مش روعية ال بيع
وأنه من أطيب املكاسب ومن ذلك :أن النيب " س ئل :أي الكسب أطيب ؟
()3
فقال :عمل الرجل بيده وكل بيع مربور"
مث إنه وص حابته رض وان اهلل عليهم ك انوا يتع املون ب البيع والش راء مما
ي دل على مش روعيته ،وقد أمجع العلماء رمحهم اهلل على مش روعية البيع ،كما
أن حاجة الن اس داعية إليه وال ميكن دفعها إال به ،حيث ختتلف احلاج ات ،
وتتعلق غالباً مبا يف أيدي اآلخرين والبيع طريق للحصول عليها.
( )2
شروط البيع
يشترط لصحة البيع شروط عدة :
الشGGرط األول :الرضا من المتعاقGGدين :ق ال تع اىل :
[ النساء ]29 :
وعن أيب س عيد اخلدري رضي اهلل عنه أن النيب ق ال " :إمنا ال بيع عن
ت راض" ( )3والرضا يعلم ب القول الص ريح ،أو ماي دل عليه من األفع ال اجلارية
جمرى األق وال مع القرينة الدالة على مثل ذلك كالكتابة للغ ائب كما ق رره
الفقه اء رمحهم اهلل تع اىل ،وأما اإلك راه فال يصح معه ال بيع م امل يكن حبق ،
ك أن يك ون اإلك راه ج ا ٍر لتحقيق مص لحة أو ل دفع مفس دة ،مثل أن يش رتي
احلاكم أرضا من رجل ليقيم عليها طريقا حيتاجه الناس.
رواه ابن ماجة ،كتاب التجارات ،باب بيع اخليار () 3
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
الشـرط الثاني :أن يكون العاقدان جائزي التصرف بأن يكون كل منهما
مكلف اً رش يداً .ق ال " : رفع القلم عن ثالثة :عن الن ائم حىت يس تيقظ وعن
( )1
الصغري حىت يكرب وعن اجملنون حىت يعقل"
الشرط الثالـث :أن يكون المعقود عليه ماالً مباح المنفعة من غير ضرورة.
ق ال " : إن اهلل ورس وله ح رم بيع اخلمر وامليتة واخلنـزير واألص نام ،
فقيل :يارسول اهلل أرأيت شحوم امليتة فإنه يطلى هبا السفن ،ويدهن هبا اجللود،
ويستص بح هبا الن اس ؟فق ال :ال ،هو ح رام ،مث ق ال عند ذلك :قاتل اهلل
()2
اليهود ،إن اهلل ملا حرم عليهم شحومها مجلوه مث باعوه فأكلوا مثنه "
وب ذلك خترج األعي ان النجسة واحملرمة ،فال يصح أن يك ون املبيع مخرا أو ميتة
أو دماً وحنو ذلك .
الشرط الرابع :أن يكون العاقد مالكا ً للمعقود عليه ،أو مأذونا ً له في ذلك .
()3
" لقول النيب " : ال تبع ماليس عندك
الشرط الخامس :أن يكون المعقود عليه مقدوراً على تسليمه.
أي البد أن يك ون الب ائع ق ادرا على تس ليم املش رتي العني املباعة ؛حىت
يتمكن املش رتي من االنتف اع هبا ،وه ذا هو مقص ود ال بيع ،وعلى ه ذا ال جيوز
بيع غري املقدور على تسليمه ،كاجلمل الشارد ،والسيارة الضائعة .
الشرط السادس :أن يكون المعقود عليه معلوما ً لدى المتعاقدين .
وذلك ألن النيب هنى عن بيع الغ رر ،وبيع اجمله ول فيه غ رر ؛ لع دم
معرفته وال معرفة أوصافه .
رواه الرتمذي كتاب احلدود ،باب فيمن ال جيب عليه احلد برقم ، 1343والنسائي () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
عقد على موص وف يف الذمة ،مؤجل بثمن مقب وض يف جملس تعريف السGGGGلم :
( )1
العقد .
فقوله :عقد على موصوف ،خيرج اجملهول فال يصح السلم فيه للجهالة .
السلَم يف األعيان احلاضرة إذا تعاقدا عليها .
وقوله :يف الذمة ،خيرج َ
() 2
وقوله :مؤجل ،يدل على اشرتاط األجل يف السلم ،فيخرج السلم يف احلال .
وقوله بثمن مقبوض -يدل على اشرتاط قبض رأس مال السلم يف جملس العقد
احرتازاً من بيع الدين بالدين املنهي عنه؛ ألنه من صور الربا .
مشروعية السـلم :السلم جائز بالكتاب والسنة واإلجمـاع:
يف الكت اب :قوله تع اىل :
[ البقرة ]282 :
ق ال ابن عب اس رضي اهلل عنه " :أش هد أن الس لف املض مون إىل أجل
()3
مسمى قد أحله اهلل يف كتابه وأذن فيه ،مث قرأ هذه اآلية"
السلم احلال جائز عند الشافعية ،روضة الطالبني للنووي 3/247 ، () 2
الدراية يف ختريج أحاديث اهلداية البن حجر ،2/159املغين البن قدامة 6/384 () 3
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
يف السنـة :عن ابن عباس رضي اهلل عنه عن رسول اهلل أنه قدم املدينة
والن اس يس لفون يف الثمر الس نتني والثالث ،فق ال عليه الص الة والس الم " :من
()1
أسلف يف شيء فليسلم يف كيل معلوم ووزن معلوم إىل أجل معلوم "
() 2
السلَم.
و أمجع أهل العلم على جواز َ
شروط السلم( :)3يشرتط لعقد السلم عدة شروط زائدة على شروط البيع وهي
السلَم يف جملس العقد.
الشرط األول :تسليم رأس مال َ
الشرط الثاني :ذكر وصف املسلم فيه وجنسه وقدره .
الشرط الثالث :أن يكون امل ْسلَم فيه ديناً موصوفاً يف الذمة .
الشرط الرابع :أن يكون ُامل ْسلَم فيه مما ميكن ضبط صفاته اليت خيتلف الثمن
باختالفها ُ
كثريا.
الشرط الخامس :أن يكون الُ ْم َسلم فيه مؤجالً أجالً معلوماً .
الشرط السادس :وجود امل ْسلَم فيه غالباً وقت حلول العقد.
ُ
الحكمة من مشروعية ال َسلَم :
احلكمة تقتضي مشروعية السلم ؛ وذلك ألن مصاحل الناس تتم يف السلم
فاحملت اج إىل املال تن دفع حاجته ب النقود احلاض رة ،والت اجر ينتفع بأخذ الس لعة
املسلم فيها لرخصها ،ولو مل يشرع السلم لتضرر الناس حيث يلجأ احملتاج إىل
() 4
التعامل الربوي لقلة املقرضني ،فكانت مشروعية السلم منعا للتعامل بالربا .
ثالثا ً :اإلجارة
( )5
تعريفها :هي عقد على منفعة مباحة معلومة ،بشروط معينة .
أخرجه البخاري ،كتاب السلم ،باب السلم يف وزن معلوم برقم ، 2086ومسلم ،كتاب () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
-)2ماجاء يف قصة هجرة النيب أنه استأجر هو وأبو بكر رضي اهلل عنه
() 3
رجالً من بين الديل ليدهلم الطريق.
( )4
اإلجمـاع :أمجع الفقهاء على مشروعية اإلجارة وصحتها.
شروط عقد اإلجارة )5( :يشرتط لصحة عقد اإلجارة عدة شروط:
( )1أن تكون من جائز التصرف وهو احلر البالغ الرشيد .
( )2معرفة املنفعة واألجرة .
( )3أن تكون العني املؤجرة مما ميكن االنتفاع هبا مع بقاء أصلها.
كالسيارات ،والبيوت وحنوها .
( )4أن تكون املنفعة مباحة .
أخرجه البخاري ،كتاب البيوع باب إمث من باع حرا برقم . 2075 () 2
أخرجه البخاري ،كتاب اإلجارة باب استئجار املشركني برقم 2103 () 3
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
" في السنة :عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل قال:
ما حق ام رئ مس لم ي بيت ليل تني وله ش يء يريد أن يوصي فيه إال ووص يته
() 3
مكتوبة عند رأسه "
-قصة س عد بن أيب وق اص رضي اهلل عنه حني أراد أن يوصي يف مرضه أن النيب
قال له " :الثلث والثلث كبري أو كثري" (. )4
( )5
اإلجماع :أمجع العلماء على جواز الوصية
حكمها :جترى يف الوصية األحكام اآلتية :
-1حترم على من له وارث إذا أوصى بأكثر من الثلث أو أوصى لوارث
بشيء مل جيزه الورثة .
-2و تسن بالثلث فأقل ملن ترك خرياً كثرياً.
-3وتكره لفقري ووارثه حمتاج .
املراد بالوصية يف هذا املبحث الوصية باملال ،ال الوصية العامة اليت يدخل فيها األموال
() 1
وغريها .
اإلقناع ،للحجاوي 3/129 ، () 2
أخرجه البخاري ،كتاب الوصايا برقم ، 2533ومسلم ،كتاب الوصية برقم () 3
. 3974
أخرجه البخاري كتاب الوصايا ،باب أن يرتك ورثته أغنياء برقم ، 2537ومسلم () 4
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
( )1
-4وتباح لفقري ووارثه غين .
()2
خامسا ً :إحراز المباح
املب اح :كل ماخلقه اهلل تع اىل يف ه ذه األرض مما ينتفع به الن اس على
الوجه املعتاد وال مالك له مع إمكان حيازته وملكه ،وهو يتنوع فمنه احليوانات
و النباتات واجلمادات .
وقال " : من أحيا أرضا ميتة فهي له " (. )4
سادسا ً :إحيـاء المــوات:
() 5
املوات :األرض املنفكة عن االختصاصات وملك معصوم.
إحياء املوات :إحياء األرض املوات اليت مل يُ ْس بَق إليها بزرع أو بناء.
( )6أو مشروع جتاري أو سياحي يقام عليها .
رواه أبو داود ،كتاب اخلراج ،باب إقطاع األراضني برقم 2669 () 3
أخرجه البخاري ،كتاب املزارعة ،باب إحياء أرض موات () 4
نيل املآرب ابن بسام، 275 /3كشاف القناع ،للبهويت 4/185 () 5
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
وقد أقطع النيب × بالل بن احلارث أرض اً ميتة لكن عمر اسرتدها منه لعدم إحيائها
يف مدة معينة .
اإلجمGGGاع :أمجع املس لمون على مش روعية اإلحي اء يف اجلملة ،وقد وض عت
الش ريعة اإلس المية ش روطاً حمددة إلحي اء األرض لتحقيق مقاص دها من جلب
املص احل لعم وم املس لمني ودرء املفاسد والنـزاع عنهم ،وهي مبينة يف مواض عها
من كتب الفقه ( )2منها إذن احلاكم ،لئال تبدأ مع الناس ويتخا قموا ويتنازعوا ،
وأن حيبوها يف زمن حمدد ،الكما فعل بالل بن احلارث يف قصته مع عمر .
سابعا ً :اإلقطـاع :
تعريفه :وهو جعل احلاكم بعض األراضي العامرة بالبناء أو الزراعة خمتصة ببعض
األشخاص فيكون هذا الشخص أوىل به من غريه بشروط معينة )3(.واإلقطاع
مشروع إذا كان ملصلحة.
(ع ْدو) فرسه ،ض َر َ ي دل على ذلك س نة النيب حيث أقطع الزبري ُح ْ
() 4
وأجرى الفرس حىت قام مث رمى بسوطه فقال :أقطعوه حيث بلغ السوط.
والفرق بني املوات واإلقطاع أن األخري لألرض العامرة بالزراعة أو البناء
خبالف األول .
أخرجه البخاري ،كتاب املزارعة ،باب إحياء أرض موات () 1
منتهى اإلرادات حباشية ابن قائد النجدي ،3/269حاشية الروض ،البن قاسم 5/474 () 2
رواه أبو داود ،كتاب اخلراج ،باب اقطاع األراضني برقم ،2607وأمحد يف مسنده () 4
برقم 6169
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
الربا اصGGطالحاً :هو زي ادة يف أش ياء ونسأ يف أش ياء خمتص بأش ياء ج اء الش رع
(. ) 3
بتحرميها.
أنواع الربا:ينقسم الربا إلى نوعين :
النوع األول :ربا ال َديْن وله صور :
أ -الزيادة في الدين مقابل الزيادة في األجل .
ومث ال ذلك أن يطلب املدين من ال دائن – ص احب ال دين -متديد أجل
ال دين بعد حلوله فيقبل ال دائن ذلك بش رط الزي ادة يف مق دار ال دين ،وه ذا هو
ربا اجلاهلية ؛ ألنه ك ان الغ الب على تع امالهتم ،فك ان أحدهم إذا جاءه املدين
يطلب تأجيل ال دين يق ول له ( :إما أن تقضي وإما أن ت ريب ) أي إما أن تقضي
حل عليك أو تزيد يف مقداره لقاء تأجيله .
الدين الذي ّ
ب -الزيادة المشروطة :
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
وذلك بأن حيدد الدائن للمدين موعدا معينا لسداد الدين ويشرتط عليه
يف العقد زيادة معينة إذا مل يسدد يف املوعد احملدد .
حاال أو مؤجالً.
بيع ربوي مبثله متفاضال َّ النوع الثاني :ربـا البيع :وهو ُ
ويقع يف األعي ان الربوية اليت نص عليها النيب فعن عب ادة بن الص امت
رضي اهلل عنه أن النيب قال (:الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة ،والرُب بالرُب ،
والش عري بالش عري ،والتمر ب التمر ،وامللح ب امللح مثْال مبثْل س واء بس واء ي دا بيد
فمن زاد أو اس تزاد فقد أرىب ف إن اختلفت ه ذه األش ياء ف بيعوا كيف ش ئتم إذا
كان يدا بيد ) ( ، )1ويقاس على هذه األشياء املذكورة ما يشرتك معها يف علة
الرب ا.ومث ال ذلك :بيع مخسني جرام اً ذهب اً بس بعني جرام اً ذهب اً يف احلال ،أو
بيع مخسني رياال بسبعني لاير حاال.
علة الربا :نص النيب على األص ناف الس تة املذكورة يف ح ديث عب ادة
املتقدم ويقاس عليها ما شاركها يف العلة ،والعلة فيها كما يلي :
الذهب والفضة :
العلة فيهما الثمنية فهما أمثان لألش ياء فيق اس عليهما ما ك ان مثنا
األوراق النقدية املعروفة ،حيث جيري فيها الربا لكوهنا أمثانا قياسا على ك
الذهب والفضة .
األصناف األربعة األخرى :
العلة فيها على الصحيح الطعم مع الكيل أو الوزن ،فاألطعمة اليت تكال
أو ت وزن جيري فيها الربا قياسا على األص ناف األربعة ال واردة يف ح ديث عب ادة
بن الصامت رضي اهلل عنه (الرب ،الشعري ،التمر ،امللح)
ضوابط التعامل باألجناس الربوية:
أخرجه مسلم يف صحيحه كتاب املساقاة ،باب بيع الذهب بالورق نقد برقم . 2971 () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
ودليل ذلك ما ج اء يف ح ديث عب ادة بن الص امت رضي اهلل عنه الس ابق
أن النيب قال .. ( :مثال مبثل سواء بسواء يدا بيد )..
الحالة الثانية :بيع جنس رب وي جبنس رب وي آخر ك بيع بر بتمر مثال ،فيش رتط
جلواز التعامل يف هذه احلالة التقابض يف جملس العقد وجتوز الزيادة بينهما .ودليل
ذلك ما جاء يف حديث عبادة بن الصامت رضي اهلل عنه أن النيب قال..(:فإذا
اختلفت – أي األجناس -فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد )
أدلة تحGGريم الربــا :الربا حمرم وكب رية من كب ائر ال ذنوب دل على ذلك الكت اب
والسنة واإلمجاع :
السنــة :عن ج ابر رضي اهلل عنه ق ال :لعن رس ول اهلل آكل الرب ا،
( )1
وموكله ،وكاتبه ،وشاهديه ،وقال هم سواء
أخرجه مسلم ،كتاب املساقاة ،باب بيع الذهب بالورق نقداً برقم .. 2971 () 1
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال مسعت أبا القاسم يقول " :اجتنبوا
السبع املوبقات ،قالوا :يارسول اهلل وماهن ؟قال :الشرك باهلل ،والسحر ،وقتل
النفس اليت ح رم اهلل إال ب احلق ،وأكل الربا ،وأكل م ال الي تيم ،والت ويل ي وم
()1
الزحف ،وقذف احملصنات املؤمنات الغافالت "
( )2
اإلجماع :أمجع املسلمون على حترمي الربا.
الحكمة في تحريم الربا:
من احلكم يف حترمي الربا ما يلي :
( )1االبتعاد عن الظلم وأكل أموال الناس بالباطل .
الربا من أظلم الظلم ،فمن تعامل به فقد حصل على مال أخيه املسلم
ظلماً بغري حق ،حيث مل يبذل اجلهد يف االكتساب والرزق كما هو مشروع ،
ومل يتحمـل مسؤولية اخلسارة بل ضمن الربح على حساب اآلخرين وعملهم
وجهدهم .قال سبحانه :
[ البقرة ] 279-278:
قال ابن عباس رضي اهلل عنه :يقال يوم القيامة آلكل الربا خذ سالحك
للح رب ،وق ال أيض اً رضي اهلل عنه :من ك ان مقيم اً على الربا ال ينـزع عنه
() 3
فحق على إمام املسلمني أن يستتيبه فإن تاب وإال ضرب عنقه .
أخرجه مسلم ،كتاب املساقاة لعن أكل الربا برقم . 2995 () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
وقد توعد اهلل ورسوله الظامل بالوعيد الشديد يوم القيامة ،فعن النيب
أنه ق ال ملع اذ رضي اهلل عنه ي وم أرس له إىل اليمن " :واتق دع وة املظل وم فإنه ليس
()1
بينه وبني اهلل حجاب".
وال شك أن التعامل بالربا من أشد أن واع الظلم وقد لعن النيب " آكل
()2
الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ".
( )2الربا طريق للكسل والبطالة .
ملا ك انت النفس البش رية متيل بطبعها إىل ك ثرة املال مع الراحة والدعة ،
ك ان الربا من أق وى العوامل املؤدية إىل الكسل واخلم ول وت رك البحث عن
ال رزق واالكتس اب وب ذل اجلهد يف ذلك ،وه ذا الشك أنه م ذموم يف ه ذه
الش ريعة املباركة اليت ج اءت ب احلث على العمل واالكتس اب ،وقد ك ان من
ص فات األنبي اء عليهم الص الة والس الم حب العمل واحلث عليه ،حيث اش تغل
النيب بالرعي ( )3والتجارة فأكل من كسب يده .
( )3الربا يربي اإلنسان على الجشع والطمع ،ويهدم األخالق الفاضلة.
ذلك أن املرايب يس تغل حاج ات أف راد اجملتمع بتطويق أعن اقهم بال ديون
مما جيعل املدين يف موقف يصعب عليه التخلص من ربقة الديون ،ويسد بالتايل
أب واب اخلري والتع اون على الرب والتق وى ،ويغلق ب اب الق رض احلسن ،كما
حيمله على الشح والبخل املنهي عنه ،فالربا إذاً يقضي على عوامل التكافل ،
والتعاون.
( )4الربا طريق إلى الجريمة وتوجيه األموال نحو االستثمار الضار .
أخرجه البخاري ،كتاب املغازي برقم ،4000ومسلم ،كتاب اإلميان برقم 27و () 1
. 28
أخرجه مسلم ،كتاب املساقاة ،باب لعن آكل الربا ومؤكله برقم . 2995 () 2
أخرجه البخاري ،كتاب اإلجارة ،باب الرعي على قراريط برقم . 2102 () 3
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
هلذا ج اءت ه ذه الش ريعة املباركة بتح رمي الربا والتح ذير منه ،وت رتيب
الوعيد الشديد على من تعامل به.
أخرجه البخاري ،كتاب االعتكاف ،باب زيارة املرأة زوجها يف اعتكافه برقم 1897 () 1
،ومسلم ،كتاب السالم ،باب بيان أنه يستحب ملن رئي خاليا بامرأة برقم . 4041
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
ثانيا :الميسر
امليس ر :هو أن يؤخذ م ال اإلنس ان وهو على خماطرة ال ي دري هل
حيصل له عوضه أوال حيصل ،وهو يتناول بيوع الغرر اليت هني عنها )1( ،ويتناول
أيض اً املغالب ات واملس ابقات اليت يك ون فيها ع وض من الط رفني ،وأما مس ابقة
() 2
اخليل ،واإلبل ،والسهام فإهنا مباحة .إن مل يكن فيها رهان من طرفني مع اً
ومثلها ساق السيارات والدرجات ....
وله صور منها :اللعب بالنرد ،والشطرنج ،وبعض املسابقات املعلنه يف وسائل
اإلعالم وبعض ما جيري يف مدن املالهي والرتفيه .
وقد ص رح العلم اء رمحهم اهلل تع اىل بتح رمي ال نرد والش طرنج إذا ك ان
على عوض من لدن الصحابة رضوان اهلل عليهم وعدومها من قبيل امليسر .
فقد ق ال علي ابن أيب ط الب ،وابن عب اس رضي اهلل عنهم ،وجماه د،
وحممد بن سريين ،واحلسن ،وابن املسيب ،وعطاء كل شيء فيه قمار من نرد
() 3
أو شطرنج فهو امليسر إال ما أبيح من الرهان.
تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان ،ابن سعدي ص81 () 2
جمم وع الفت اوى ،ابن تيمية ، 32/216 ،اجلامع ألحك ام الق رآن ،القرطيب ، () 3
، 3/36حترمي النرد والشطرنج واملالهي ،لآلجري ،ص53
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
: الكتاب
:قال تعاىل
] وق ال29: [النس اء
: سبحانه
:] وق ال تع اىل188 : [البق رة
]وال شك أن من أكل161: [النس اء
أموال الناس بالباطل الغرر واخلداع
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
قال القرطيب ( ")1اخلطاب يف هذه اآلية يتضمن مجيع أمة حممد واملعىن
ال يأكل بعض كم م ال بعض بغري حق ،في دخل يف ه ذا القم ار واخلداع وجحد
احلقوق وما ال تطيب به نفس مالكه ،أو حرمته الشريعة "
السنة :
-1عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال :هنى رسول اهلل " عن بيع احلصاة وعن
() 2
بيع الغرر"
-2عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما أن رس ول اهلل هنى عن بيع َحَبل
اجلَزور إىل أن تنتج
أهل)3اجلاهلية كان الرجل يبتاع َ احلَبلة ،وكان بيعا يتبايعه
َ
(
الناقة مث تنتج اليت يف بطنها"
اإلجماع :أمجع العلم اء رمحهم اهلل تع اىل على حترمي الغ رر يف اجلملة وإن
اختلف وا يف بعض جزئياته ،ق ال الن ووي ( ")4النهي عن بيع الغ رر أصل عظيم
من أصول كتاب البيوع "
أخرجه مسلم ،كتاب البيوع باب بطالن بيع احلصاة والبيع الذي فيه غرر برقم 2783 () 2
.
أخرجه البخاري ،كتاب البيوع باب بيع الغرر وحبل احلبلة برقم . 1999 () 3
الغرر وأثره يف العقود ،د .الصديق حممد األمني الضرير ص 592 () 5
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
وعليه فإنه يش رتط يف الغ رر املؤثر يف العقد أن ال ت دعو حاجة الن اس
إليه ؛ وذلك ألن العق ود كلها ش رعت حلاجة الن اس ،ومن أص ول الش ريعة
()5
قال تعاىل : اإلسالمية رفع احلرج
[ احلج] 78:ومن
أمثلة ما أبيح للحاجة مع وجود الغرر بيع السلم ،واإلجارة . ،
أخرجه البخاري ،كتاب البيوع ،باب بيع النخل قبل أن يبدو صالحها برقم ، 2045 () 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
اإلنفاق :بذل املال فيما يرضي اهلل على سبيل اإللزام أو التطوع .
أنواع اإلنفاق :ميكن تقسيم اإلنفاق إىل قسمني :
( )1
أوال :اإلنفاق الواجب :ويراد به إنفاق اإلنسان فيما افترض هللا عليه وألزمه بأدائه .
وبناء عليه فإن اإلنفاق يشمل ما يلي :
.1إنف اق اإلنس ان على نفسه و على من تلزمه نفقتهم كالزوجة ،واألوالد
،والوالدين ،واألقارب بشروط مبينة يف كتب الفقهاء .
ق ال تع اىل :
[ الطالق ]7:وقال تعاىل :
[ اإلس راء ]26:وعن أيب هري رة رضي اهلل عنه ق ال :ق ال رس ول اهلل :
" دين ار أنفقته يف س بيل اهلل ودين ار أنفقته يف رقبة ،ودين ار تص دقت به
على مسكني ،ودينار أنفقته على أهلك ،أعظمها أجرا الذي أنفقته على
()2
أهلك"
.2الزكاة اليت فرضها اهلل تعاىل على عباده ممن توافرت فيهم شروط وجوهبا
ق ال تع اىل :
[ التوبة ]103:
.3الكفارات :وهي ما جيب على املسلم بسبب احلنث يف اليمني ،والظهار
( )3
ق ال تع اىل : والقتل اخلطأ
الكسب واإلنفاق وعدالة التوزيع يف اجملتمع اإلسالمي ،حممود بابللي ص112 () 1
أخرجه مسلم ،كتاب الزكاة ،باب فضل النفقة على العيال برقم . 1661 () 2
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
ثانيا :اإلنفGGاق التطGGوعي :وهو نفق ات يؤديها املرء تربعا من تلق اء نفسه مل يوجبها
( )2
عليه الشرع
وأب واب اإلنف اق التط وعي كث رية ومتنوعة منها الص دقات العامة ،
واهلبات ،واهلدايا ،واإلنفاق على األقارب الذين ال تلزمه نفقتهم ،والقاعدة يف
() 3
اإلنفاق التطوعي أن ينفق اإلنسان مما فضل عن كفايته وكفاية أهله .
ضGGGوابط اإلنفGGGاق :من القواعد العامة يف اإلنف اق ما ذُكر يف قوله تع اىل :
[ اإلسراء ]29:و قوله تعاىل :
[ اإلسراء ] 26:وميكن أن جنمل
أهم ضوابط اإلنفاق فيما يلي :
أخرجه البخاري كتاب الزكاة ،باب صدقة الفطر صاعا من طعام برقم ، 1410 () 1
ومسلم كتاب الزكاة ،باب زكاة الفطر على املسلمني من التمر والشعري برقم . 1640
مباحث يف االقتصاد اإلسالمي ،حممد قلعه جي ص96 () 2
متلك األموال وتدخل الدولة يف اإلسالم ،عبدالرمحن اجلليلي 2/644 () 3
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
ومع األسف الشديد فإن املتأمل يف حال الناس يف هذا العصر جيد الكثري
منهم يق وم بإنف اق املال يف احملرم ات بل ويف إفس اد الن اس ،وال شك أن ه ذا
من اإلنفاق يف األوجه احملرمة املنهي عنها .
( )2البعد عن التبذير واإلسراف المنهي عنه .
اإلس راف والتب ذير ،جماوزة حد االعت دال والتوسط يف اإلنف اق ،وهو
ُمه در لل ثروة ُمض يع للم ال واجلهد وطاق ات األف راد واألمة ،وهو حمرم ش رعا
ق ال تع اىل :
[ األنع ام:
،]141وقال سبحانه :
أخرجه الرتمذي كتاب صفة القيامة والرقائق والورع باب ما جاء يف شأن احلساب () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
فالش ريعة اإلس المية راعت االعت دال
والتوسط يف اإلنفاق وغريه من شؤون احلياة ؛مراعاة ملصلحة الفرد واجملتمع .
( )3الموازنة في اإلنفاق .
لقد قسم اهلل األرزاق بني العب اد وفضل بعض هم على بعض يف ال رزق
حكمة منه قال تعاىل :
[النحل ]71:ومن هنا فإن الواجب على املسلم أن يوازن يف إنفاقه بني حاجاته
ووضعه املادي فيبدأ مبا هو ضروري مث الذي يليه ،وميكن ترتيب األوليات على
النحو اآليت :
الض روريات :املراد هبا األش ياء اليت ال تس تقيم احلي اة ب دوهنا
كاألكل والشرب .
احلاجي ات :املراد هبا األش ياء اليت تبعد احلرج واملش قة عن
اإلنسان ،أو ختفف منها.
التحسينات :املراد هبا األشياء الكمالية اليت توفر الرفاهية يف احلياة
الدنيوية .
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
المبحث الثاني
(*)
الحرية االقتصادية المقيدة
المطلب األول
مذهب الحرية االقتصادية
احلرية االقتص ادية مص طلح ارتبط اس تعماله مبدرسة الطبيع يني اليت ظه رت يف
فرنسا يف منتصف الق رن الث امن عشر امليالدي ،ومن رواد ه ذه املدرسة "
كين اي " ،وهو الط بيب اخلاص للملك ل ويس اخلامس عشر ،وقد ن ادت ه ذه
املدرسة بعدد من املبادئ ،منها :
-1خضوع اجلانب االقتصادي من احلياة لنظام طبيعي ليس من صنع أحد ،
وه ذا النظ ام الط بيعي حيقق للن اس النمو ،والرخ اء ،وعلى الدولة أالَّ
تت دخل يف النش اط االقتص ادي .فمهمة الدولة يف نظ رهم تقتصر على
توفري األمن ،والدفاع ،والنظام (القضاء).
-2اس تقالل علم االقتص اد عن ال دين واألخالق وس ائر العل وم االجتماعية .
وعن دما يق ال "ال دين" يقصد به هنا ال دين النص راين ألنه هو دين األمم
األوربية اليت نشأت فيها مدرسة الطبيعيني .
-3اعتبار املصلحة الشخصية هي الدافع الوحيد للعمل ،والكسب.
-4االعتقاد بتوافق املصلحة اخلاصة مع املصلحة العامة ،وعدم وجود تناقض
بني املصلحتني (العامة واخلاصة) .ويف بريطانيا ظهر ما مسي باملذهب
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
التقليدي ،الذي يعد " آدم مسيث " من أبرز رواده ،الذي أكد على
أمهية املنافسة احلرة ،وأهنا هي األداة لتحقيق رفاه اجملتمعات . 1و مبالحظة
أفكار الطبيعيني والتقليديني ميكن القول :انه يف تلك الفرتة بدأ يربز يف
أوربا فكر اقتصادي يقوم على االنطالق من القيود احلكومية ،ففي تلك
الفرتة برزت املناداة بعدم تدخل الدولة يف النشاط االقتصادي .ومن معامل
الفكر االقتصادي يف تلك الفرتة يف أوربا املناداة بالتخلص من قيود الدين
النصراين املفروضة على علم االقتصاد ،وعلى النشاط االقتصادي .وهذا
جزء من التمرد على الكنيسة الذي ساد أوربا يف تلك الفرتة من التاريخ .
وعندما طبقت األفكار اليت نادى هبا الطبيعيون و التقليديون بدأت يف أوربا
معامل نظام جديد يقوم على مبادئ احلرية ،أو ما مسي فيما بعد "بالنظام
الرأمسايل" ويبدو أن أفكار التحرر االقتصادي مل تأت مببادرات حمددة
ابتداءً ،فظهور هذه املبادئ كان ردة فعل .فمثالً الدعوة إىل عدم تدخل
الدولة يف النشاط االقتصادي يبدو أن من أبرز أسبابه الضرر الذي حلق
احلكام يف النشاط االقتصادي ،كالضرائب بالنشاط االقتصادي من تدخل َّ
العالية اليت فرضت على الفالحني الفرنسيني ،بل وصل األمر إىل فرض
أسعار منخفضة للقمح من أجل خفض تكلفة املعيشة .أما الدعوة إىل
استقالل علم االقتصاد عن الدين ،و األخالق ،فهي ردة فعل جتاه تسلط
َّ
احلكام ،واليت ال تسمح باآلراء املخالفة آلرائها ، الكنيسة املتحالفة مع
باإلضافة إىل أن متويل نفقات الكنيسة حتت مسميات خمتلفة جزء من
العبء املايل الذي يعاين منه النشاط االقتصادي يف أوربا يف تلك الفرتة .أما
التأكيد على أمهية املصلحة الشخصية فيبدو أنه ردة فعل جتاه سحق شخصية
انظر :مدخل للفكر االقتصادي يف اإلسالم ,سعيد سعد مرطان .ص 28-26أصول () 1
االقتصاد اإلسالمي رفيق املصري .ص, 57دراسات يف االقتصاد السياسي ,عيسى عبده ص-18
.28
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
واحلرية يف النظ ام اإلس المي ليست مقص ودة ل ذاهتا ،بل هي وس يلة
ملساعدة اإلنسان على حتقيق اهلدف الذي ُخلق من أجله ،فالوسيلة تعطى بقدر
ما حيقق اهلدف ،و هلذا فاحلرية االقتص ادية يف النظ ام اإلس المي مض بوطة
بض وابط ش رعية من أجل الوص ول إىل حتقيق ذلك اهلدف ،وه ذه الض وابط
أص يلة يف أسس النظ ام اإلس المي ،ومل ت أت ردة فعل ،وإذا ك ان النظ ام
انظر :ضوابط حرية االستثمار املايل فهد أمحد أبو حسبو ،صـ.15 () 1
انظر :مدخل للفكر االقتصادي يف اإلسالم ,مرجع سابق ,صـ.29 () 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
الرأمسايل قد أدخل بعض التع ديالت على مب ادئ احلرية قبل ح وايل ق رن ،ف إن
النظ ام االقتص ادي اإلس المي قد ج اءت مب ادئ احلرية االقتص ادية فيه مضبوطة،
وه ذه الض وابط ج زء من التش ريع وليست اص الحات اتض حت احلاجة هلا بعد
التطبيق .
الضوابط الشرعية الواردة على النشاط االقتصادي -:
يف النظ ام االقتص ادي اإلس المي ع دد من القي ود اليت تض بط النش اط
االقتصادي ،لضمان جلب املصاحل ،ودرء املفاسد للفرد واجملتمع 1و ال يقتصر
ذلك على ال دنيا ،بل يش مل ال دنيا و اآلخ رة ،وه ذه املس ألة من املس ائل اليت
يتم يز هبا املس لمون عن غ ريهم ،حيث تتصل عند املس لم حياته ال دنيا مبا بعد
موته ،فال ينصب تفك ريه ،و أس لوب حياته على ال دنيا وح دها ،بل يش مل ما
بعد رحيله من ه ذه ال دنيا ،وه ذا الربط بني املرحل تني ي ؤثر يف س لوكه
االقتص ادي ،فقد ت رد بعض القي ود على النش اط االقتص ادي لض مان مص لحة
الفرد يف اآلخرة .حىت ولو مل تكن املصلحة الدنيوية من هذا القيد واضحة لكل
الن اس .ومس ألة املص احل املتعلقة ب اآلخرة تقع خ ارج ق درات العقل البش ري ،
وهلذا فاملدارس الفكرية االقتصادية الوضعية ال تقدم للبشرية شيئاً يف هذا اجملال ،
بل تتجاهل ه ذا اجلانب ،على ال رغم من وض وحه يف األدي ان الس ماوية اليت
تعاقبت هبا الرسل ،منذ نزول أول نيب على األرض ،وهو آدم عليه السالم إىل
آخر رس الة مساوية ن زلت وهي اإلس الم ،فكل ه ذه الرس االت الس ماوية تربط
بني احلياتني :الدنيوية واألخروية ،وجتعل األوىل فرتة استعداد للحياة اآلخرة .
ولتحقيق تلك الغاية الس امية ( جلب املص احل ودرء املفاسد ) جعل
النظام االقتصادي اإلسالمي قيوداً لضبط النشاط االقتصادي ،منها :
انظر :املوافقات ,أبو إسحاق الشاطيب ،حـ ، 2ص ـ 6ضوابط املصلحة ,حممد سعيد () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
(أ) تطبيق أحكام اإلسالم في الحالل والحرام ،ولذلك صور كثيرة ،منها :
-1حترمي إنتاج واستهالك السلع واخلدمات اخلبيثة املضرة باإلنسان ،كما يف
اىل قوله تع
(األعراف .)157فحرية اإلنتاج ،واالستهالك تقع داخل دائرة احلالل
،أما الس لع و اخلدمات اخلبيثة احملرمة فهي ممنوعة .وقد تك ون الس لع
احملرمة منصوصاً عليها كاخلمر ،وحلم اخلنزير ،وقد يكون منصوص اً على
وص فها بأهنا خبيثة أو مض رة في أيت دور اجملته دين يف تع يني ما ينطبق عليه
الوصف املذموم .وه ذا التح رمي ليس من ص الحية البشر بل هو هلل ،
فال ذي خلق البشر هو ال ذي يع رف ما يض رهم و ما ينفعهم ،وقد ح ذر
اهلل من التحليل و التح رمي بغري علم فق ال تع اىل
.
(النمل . )116وتط بيق ه ذا القيد (احلالل و احلرام ) له آث ار اقتص ادية
اجيابية ،وجتاهله له ع واقب وخيمة .و أهم اآلث ار االجيابية لتط بيق قيد
(احلالل و احلرام ) :
أو ًال :احملافظة على الضروريات اليت ال تستقيم حياة اجملتمع إالَّ هبا ،وهي :حفظ
ال دين ،والنفس ،والعقل ،والنسل ،واملال فه ذه الض روريات ج اءت كل
الرساالت السماوية حلفظها.
ثانياً :زيادة رفاهية اجملتمع ،ومتتعه بالسلع و اخلدمات النافعة ،وذلك ألن
هذا القيد يوجه املوارد املتاحة لتوفري الطيبات ،ويستبعد اخلبائث املضرة ،
أما إمهال ه ذا القيد فنتيجته العكس متام اً .ف اجملتمع ال ذي يهمل ،أو
يقصر يف تط بيق قيد ( احلالل واحلرام ) يلحق الض رر بالض روريات
املذكورة ،مما يع رض اجملتمع إىل اخلطر ولو بعد حني ،ويف ال وقت نفسه
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
-2حترمي ط رق الكسب غري املش روع كالربا ،و الغ رر ،و الغش بأش كاله
املختلفة كالرش وة ،و ال تزوير ،وغري ذلك مما نص على حترميه ،أو أنه مما
يلحق الضرر باجملتمع .
(ب) االلتزام بعدد من الواجبات الشرعية االقتصادية :
فهناك قدر من حرية تصرف اإلنسان يف دخله ،وثروته ولكن يرد على
ذلك قي ود ،ومنها أنه مل زم باإلنف اق يف بعض األوجه و ال خي ار له يف ذلك
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
إذا حتققت الش روط الش رعية ،ومن ه ذه األوجه أداء الزك اة ،و نفقة
األقارب ،و نفقة الزوجة و األوالد وغريها.
(ج) الحجر على السفهاء و الصبيان و المجانين -:
يقصد ب احلجر يف اللغة املنع و التض ييق ،ويف الش رع يقصد به ( منع
1
اإلنسان من التصرف يف ماله ).
واألصل حرية اإلنس ان يف تص رفه مباله بكل أن واع التص رفات الش رعية
ك البيع ،واهلبة ،والص دقة ،وغريها ،ولكن قد يط رأ ما ي ربر احلجر عليه مبنعه
من تلك التص رفات .وه ذا من حكمة اهلل وعدله ،فاملال أحد الض روريات
اخلمس اليت جاءت الشرائع السماوية حلفظها .فحفظها من املصاحل الضرورية ،
أما احلرية الفردية فليست مقص ودة ل ذاهتا بل تتبع املص لحة ، 2ومىت تعارضت
احلرية مع املص لحة تُقيَّد احلرية ،مبا خيدم املص لحة ،ومن ذلك احلجر .وهو
قسمان :
القسم األول :فهو حجر ملصلحة الغري،كاحلجر على املفلس ملصلحة الغرماء،
فبهذا القيد الشرعي على حرية التصرف يف املال ،يتم احلجر على املفلس
الذي يعجز ماله عن الوفاء بديونه احلالة ،وذلك حفظاً ملصاحل الغرماء
حبفظ أمواهلم ،وتوزيع املوجود من أموال املدين بني غرمائه بالعدل .وحيجر
على املريض بأالَّ يتربع مبا يزيد على ثلث ماله حفظاً حلق الورثة .
القسم الثGGاني :فهو حجر على إنس ان ملص لحة نفسه ،وهو احلجر على الس فيه،
والصيب ،واجملنون .
أنظر :مقدمة يف أصول االقتصاد اإلسالمي ,حممد علي القري ،صـ. 61 () 2 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
أما الس فيه فهو "ض عيف العقل و س يء التص رف" ، 1و حُي جر عليه إذا
ظهر منه التب ذير ملاله .أما الصيب فهو من ك ان دون البل وغ .أما اجملن ون فهو
فاقد العقل .فه ؤالء الثالثة تقيد ح ريتهم فيمنع ون من التص رف يف أم واهلم
بالبيع ،وبالتربع ،وباإلجارة وحنو ذلك ،ومينعون أيض اً من التصرف يف ذممهم
،فال يتحمل ون يف ذممهم دين اً أو ض ماناً أوكفالة أو حنو ذل ك 2.ودليل احلجر
عليهم قوله تع اىل
( النساء ) 5ويتوىل أولياؤهم التصرف بدالً منهم ،حفظ اً ملصلحة هذه
األصناف الثالثة ومصاحل األمة .فمال هذه األصناف من أموال األمة ، 3كما يف
قوله تع اىل . ويف األح وال العادية يُوكل
حفظ كل مال إىل صاحبه ،و له حرية التصرف يف حدود املصلحة ،أما إذا كان
ص احب املال ع اجزاً عن حتقيق املص لحة لس فه ،أو جن ون ،أو ص غر ف ذلك
موك ول لوليه .وال يرفع عنهم احلجر ،وتع اد هلم حرية التص رف ،إالَّ ب زوال
س بب احلجر .ف ريفع عن الص غري ببلوغه ،وثب وت رش ده .ويرفع عن اجملن ون
برج وع عقل ه ،وثب وت رش ده أيض اً ،أما الس فيه ف ريفع عنه احلجر إذا اتصف
بالرشد وهو" الصالح يف املال " 4أي حسن تدبري ماله ،وعكسه السفه يف املال
بسوء تدبريه .
ويالحظ هنا ح رص اإلس الم على حفظ املال ،حيث حيجر على من ال
حيسن ت دبري ماله اخلاص ،وتقيد حريته يف التص رف مباله ،فم اذا عن ال ذين
يس يئون التص رف يف م ال األمة 5؟ الشك أن املس ئولية جتاه املال الع ام
حاشية الروض املربع عبد الرمحن القاسم ،جـ ، 5صـ181 () 1 1
انظر :امللخص الفقهي ،صاحل الفوزان جـ ، 2صـ. 96 () 2 2
الدر النقي يوسف بن عبد اهلادي ( ابن املربد ) ،ج ، 3صـ. 503 () 4
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
وه ذه األمثلة الس ابقة للقي ود الش رعية ال واردة على احلرية االقتص ادية يف
النظ ام االقتص ادي اإلس المي قي ود ثابتة ،ي رتىب عليها اإلنس ان املس لم ،ويلزمه
االلتزام هبا ،ويضاف إىل ذلك أن الدولة تضمن تطبيقها كما تضمن تطبيق بقية
ج وانب الش ريعة اإلس المية ك أداء أرك ان اإلس الم وغريها .ويض اف إىل ه ذه
القيود قيود أخرى تنتج عن تدخل الدولة يف النشاط االقتصادي ألداء وظائفها
االقتصادية .
المطلب الثالث
تدخل الدولة في النشاط االقتصادي:
مجهرة القواعد الفقهية يف املعامالت املالية علي أمحد الندوي ،جـ،1صـ163 () 1
رواه مسلم ( ,كتاب املساقاة ,باب حترمي االحتكار يف األقوات برقم . 3012 () 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
يقصد بالدولة هنا احلكومة ،أو اهليئة احلاكمة يف بلد معني ،1فاحلكومة
متثل بقية عناصر الدولة املعروفة يف العل وم السياس ية .أما عن دما يق ال "ت دخل
الدولة" فيقصد به أي نوع من أنواع تدخل احلكومة للتأثري على قوى العرض و
الطلب لتحقيق أهداف اقتصادية معينة ،مثل إجراءات خفض البطالة ،أو تشجيع
زراعة حمص ول معني ،أو رعاية فئ ات اجتماعية معينة ،إىل غري ذلك من ص ور
الت دخل ،أو الوظ ائف االقتص ادية للدول ة 2.ويف الفق رة التالية س نتعرض بإجياز
لتدخل الدولة يف كل من النظام الرأمسايل ،والنظام االقتصادي اإلسالمي .
أوالً :تدخل الدولة في النظام الرأسمالي -:
طبقت مباديء النظام الرأمسايل احلر بصورهتا املثالية حوايل نصف قرن .
ويف تلك الف رتة اليت ب دأت منذ منتصف الق رن الث امن عشر امليالدي ،مل تكن
الدولة تتدخل يف النشاط االقتصادي .وبعد ظهور بعض سلبيات احلرية املطلقة
أُعيد تدخل الدولة .أما اآلن فكل الدول يف العامل تتدخل يف النشاط االقتصادي
"فليس هناك حكومة يف أي مكان من العامل تستطيع أن ترفع يدها عن االقتصاد
" 3ولكن درجة ه ذا الت دخل ختتلف من دولة إىل أخ رى .ولعل فرنسا ،
، وبريطانيا
و الس ويد ،من ال دول اليت تت دخل حكوماهتا يف النش اط االقتص ادي بدرجة
واض حة( ، )4وت أيت الوالي ات املتح دة األمريكية يف آخر القائمة من حيث درجة
انظر :الوظائف االقتصادية للدولة يف اإلسالم أمحد الدريويش ،جـ ، 1صـ77 ()1 1
موسوعة املصطلحات االقتصادية و اإلحصائية ،عبد العزيز فهمي هيكل صـ439 ()2 2
(تدخل ).
االقتصاد ،بول سامو يلسون و وليام نورد هاوس صـ57 ()3 3
النظم االقتصادية املعاصرة ,حممد حامد عبد اهلل صـ.128-120 ()4 4
ت دخل احلكومة يف النش اط االقتص ادي ،أي أهنا األق رب من بني ال دول إىل
منوذج االقتصاد احلر(. )5
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
يف أذهاهنم اخلوف من اهلل ،ويربيهم على االلتزام بالواجبات كأداء الزكاة ،
ويغرس يف كياهنم رجاء الثواب من اهلل ،وباإلضافة إىل هذا كله يأيت دور
الدولة لتلزم الناس بالبعد عن احملرمات و أداء الواجبات الشريعة يف اجلانب
االقتصادي كغريها من اجلوانب الشرعية األخرى .وهذا الدور االقتصادي
للدولة ،واملتعلق بإلزام الناس بفعل الواجبات ،وترك احملرمات يف اجلانب
االقتصادي ال جدال حوله ،1فهو حمل اتفاق بني الذين كتبوا يف الوظائف
االقتصادية للدولة يف اإلسالم ،و واضح كل الوضوح من تاريخ الدولة يف
العصور اإلسالمية األوىل كعصر النبوة ،وعصر اخلالفة الراشدة .حيث كان
النيب × مير باألسواق فيأمر الناس بااللتزام بأحكام الشريعة يف تعاملهم ،
وينهاهم عن املعامالت احملرمة كالغش ،ويبعث من جييب الزكاة ،وتوزع يف
األوجه الشرعية هلا .وسار على هنجه اخللفاء الراشدون حيث كانوا ميرون
باألسواق فيأمرون وينهون ،بل إن أبا بكر قاتل القبائل اليت امتنعت عن دفع
الزكاة .فاألمر باملعروف و النهي املنكر يف اجلانب االقتصادي وغريه من
جوانب احلياة يعد من الوظائف املتفق عليها للحكومة اإلسالمية ،فذلك من
حفظ الدين ،واملال ومها من مقاصد التشريع .
انظر :مقدمة يف أصول االقتصاد اإلسالمي ،مرجع سابق صـ65 () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
....إىل غري ذلك من أنواع التدخل ،فهذه التدخالت احلكومية يف األصل أهنا
من املباحات ،ولكن إذا اتضح أن من املصلحة الراجحة التدخل لتحقيق مقصد
شرعي لزم هذا التدخل ،ولزم الناس االلتزام به حرص اً على املصلحة العامة ،
ولكي ال يساء استعمال هذه السلطة ال بد من وجود ضوابط شرعية ،خاصة
يف ظل التغريات اليت طرأت مثل تضخم أجهزة الدولة ،و قدرهتا على التدخل
يف النش اط االقتص ادي بدرجة مل تكن يف األزمنة اليت وض عت فيها أسس الفقه
اإلسالمي ،فويل األمر املذكور يف كتب الفقه األوىل مل يكن ميلك قدرات الدولة
()1
املعاصرة .
• حدود تدخل الدولة:
إن القدرة اهلائلة اليت اكتسبتها الدولة احلديثة ،و إمكاناهتا أصبحت متكنها من
التأثري على النشاط االقتصادي ليس فقط داخل حدود الدولة ،بل أصبح يف ظل
االتفاقات الدولية بامكان الدولة التأثري على نشاط مواطنيها حىت خارج احلدود ،
ول ذا البد من وضع ض وابط ش رعية تضع ه ذه الق درات يف مكاهنا لتك ون فعالً
وس يلة جللب املص احل ودفع املفاسد .وليس وس يلة كبت ،وتض ييق على النش اط
االقتص ادي .ويب دو أن ه ذه السياسة الش رعية املبنية على املص احل املرس لة ختضع
لضوابط املصلحة اليت ميكن إجيازها يف الضوابط اآلتية -:
( )1أن تكون املصلحة املقصودة من التدخل احلكومي مندرجة حتت مقاصد
التشريع وهي :
حفظ ال دين والنفس والعقل والنسل واملال .ف أي ت دخل حك ومي
البد أن خيدم واحداً أو أكثر من هذه املقاصد .
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
( )2أن تكون املصلحة املقصودة من التدخل غري متعارضة مع حكم ثابت
ب دليل ش رعي من الق رآن ،أو الس نة ،أو القي اس .فلو ق ال قائل :إن
مص لحة االقتص اد الس ماح بتج ارة اخلمر يف املن اطق الس ياحية لتنش يط
السياحة ،وزيادة الدخل يف املناطق السياحية ،نقول صحيح أن زيادة
ال دخل مص لحة مرغ وب فيها ،لكنها تتع ارض مع حكم ث ابت ،وهو
حترمي اخلمر ،واالجتار فيه ،ول ذا علينا البحث عن وس يلة أخ رى لزي ادة
الدخل .وكذلك لو قال قائل إن من مصلحة االقتصاد السماح بتقدمي
البن وك للق روض الربوية لتمويل الص ناعة اليت ستس اهم يف بن اء اقتص اد
ق وي .نق ول :الس ماح ب القروض الربوية وإن ك ان يب دو أنه س يمكن
البنوك من املسامهة يف التقدم الصناعي إالَّ أنه يتعارض مع حكم شرعي
ث ابت وهو حترمي الربا .إىل غري ذلك من األمثلة اليت تفيد أنه ال يعتد
باملصلحة إذا تعارضت مع حكم شرعي ثابت .
( )3أالَّ تؤدي املصلحة املقصودة من تدخل الدولة إىل تفويت مصلحة أخرى
أهم منها أو مساوية هلا .
وه ذا الش رط من أدق الش روط يف التط بيق ،فعلى ال رغم من س هولة
إدراك معن اه النظ ري ،ف إن تطبيقه على قض ايا ت دخل الدولة يف النش اط
االقتص ادي ،ليس ب األمر الس هل ،ألن املقارنة بني املص احل حتت اج إىل
معلومات دقيقة عن النشاط االقتصادي ،ملعرفة قيمة املصلحة العائدة من
التدخل ،ويف كثري من احلاالت ال يكون ذلك ميسوراً .فاالقتصاد القومي
ليس طاولة ص غرية وإمنا هو هيكل معقد من املكون ات املادية ،وغري املادية
،واي ت دخل حك ومي ال ميكن التنبؤ جبميع آث اره ،ومن مث ليس من
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
السهل اجلزم دائماً بأن أثر التدخل يف جمال معني سيحقق املصلحة املرجوة
منه دون التسبب يف فوات مصاحل أخرى أعظم و أهم .
فعلى س بيل املث ال قد تتخذ إج راءات حكومية ص ارمة لزي ادة العمالة
الوطنية يف الش ركات و املؤسس ات ،ولكن يف ه ذه احلالة علينا أن نتأكد من
آث ار ه ذا الت دخل على أرب اح رج ال األعم ال ،اليت قد ت ؤدي عند ت دنيها إىل
إغالق املصانع ،أوغريها من املنشآت ،ورمبا تؤدي إىل هروب رؤوس األموال
إىل دول أخ رى ،فلو ح دثت ه ذه النتيجة ،فمعىن ه ذا أن الت دخل لتحقيق
مص لحة وهي ختفيف البطالة أدى إىل ت دهور االقتص اد الق ومي بكامله ومن مث
ستزيد البطالة .
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
(*)
المبحث الثالث
التكافل االجتماعي االقتصادي
المطلب األول
مفهوم التكافل االجتماعي االقتصادي وأهميته
انظر :القاموس احمليط ،حممد بن يعقوب الفريوزبادي (كفل) ,خمتار الصحاح (كفل). ()1 1
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
بني مجيع أفراد اجملتمع ،وبني احلكومة و األفراد ،يف املنشط واملكره ،على
حتقيق مصلحة أو دفع مضرة " .1وعرفه آخر بأنه " أن يتساند اجملتمع أفراداً
ومجاعات حبيث ال تطغى مصلحة الفرد على مصلحة اجلماعة ،وال تذوب
مصلحة الفرد يف مصلحة اجلماعة" 2فالتكافل االجتماعي يف اجلانب االقتصادي
يدور معناه حول التعاون املادي املتبادل داخل اجملتمع املسلم ،فهو " تفاعل
مستمر يتضمن مسئولية متبادلة ....عن رعاية الرخاء العام وتنميته.3" ..ليعيش
اجلميع يف شعور دائم بالضمان واألمان املادي.
وقد جاءت أدلة شرعية كثرية تؤصل هلذا التكافل ،وتدل على أمهيته ،
كقوله تع اىل ( احلج رات )10،ف األخوة اإلميانية
مته د ،وتش عر باملس ئولية املتبادلة بني أف راد اجملتمع .ومنها قوله تع اىل :
( املائ دة ) 2 ،فه ذا أمر ب أن
يتع اون املؤمن ون على فعل أوامر اهلل ،واجتن اب نواهيه .ومنها قوله × " :ال
ب لنفسه " 4وقوله × " :إن املؤمن حيب ألخيه ما حُي ُّ
ي ؤمن أح دكم حىت َّ
يش ُّد بعضه بعض اً " . 5وإذا مت تط بيق ه ذا التكافل ينتج عنهللم ؤمن كالبني ان ُ
متاسك اجملتمع ،وينمو الش عور باالنتم اء ل ذلك اجملتمع ،وحيس األف راد
باالطمئن ان على مس تقبلهم ومس تقبل أوالدهم ،وحنصل على توزيع أفضل
لل دخل ،و ال ثروة داخل اجملتمع ،إىل غري ذلك من اآلث ار اإلجيابية للتكافل يف
النظام االقتصادي اإلسالمي ،ورمبا تزداد الصورة وضوحاَ عند إلقاء نظرة على
النظ ام الرأمسايل ،حيث أدت النزعة الفردية ،واالنغالق على ال ذات إىل
االقتصاد اإلسالمي مرجع سابق .صـ50 ()1 1
أدوات إعادة التوزيع ،عبد الرمحن الشبانات صـ ـ. 282 ()3 3
صحيح البخاري ،كتاب اإلميان ،باب :من اإلميان أن حيب ألخيه ما حيب لنفسه ()4 4
برقم . 12
صحيح البخاري ،كتاب الصالة ،باب تشبيك األصابع يف املسجد وغريه برقم . 459 ()5 5
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
إض عاف األس رة " ،تلك املؤسسة اليت ك انت عرب الت اريخ أس اس التط ور
االجتماعي السليم " 1وبتفكك األسرة افتقد العامل الغريب أخطر حلقات التكافل
يف اجملتمع ،وفقد أهم سبل االنضباط االجتماعي ،وتعاقبت الثمار السيئة اليت
يطول احلديث عنها ،ولكن يهمنا هنا أن نشري إىل أن أحد أسباب املعاناة كان
احلاجة إىل وج ود نظ ام تكافل متكامل احللق ات ،فبعد أن أُدخل على النظ ام
الرأمسايل تع ديالت متتالية ،وفَّرت بعض ج وانب التكافل ،ولكن أص بحت
الدولة يف النظ ام الرأمسايل هي املس ئولة عن توفري الرعاية للفق راء ،واملرضى ،
واملس نني ،مما يعين احلاجة إىل املزيد من املوارد احلكومية لتمويل ه ذا العبء ،
ال ذي ال ينس جم مع أص ول النظ ام االقتص ادي احلر ،ل ذلك تف اوتت ال دول
الرأمسالية يف تطبيقها هلذه التع ديالت ولعل الوالي ات املتح دة 2أقل ه ذه ال دول
تطبيقاً لوسائل التكافل .وتبقى املشكلة يف هيكل النظام الرأمسايل ،الذي يفتقر
إىل نظ ام تكافل متكامل ينس جم مع أص وله ،وليس تع ديالت تُف رض حتت
ضغط الواقع .أما النظام االقتصادي اإلسالمي فيملك شبكة واسعة ،وحلقات
مرتابطة من وسائل التكافل ،املرتبطة بعقيدة املسلم ،و اليت يدعم بعضها بعض اً
وسنرى عدداً منها يف الصفحات التالية .
المطلب الثاني
وسائل التكافل االجتماعي االقتصادي
إن التكافل االجتم اعي يف النظ ام االقتص ادي اإلس المي ليس كالم اً
نظرياً ،و إمنا هو نظام متكامل لإلنفاق املرتبط بالدافع اإلمياين .
ففي النظ ام االقتص ادي اإلس المي ع دد كبري من الوس ائل ،اليت حتقق
التكافل داخل اجملتمع املس لم ،و تعتمد ه ذه الوس ائل يف مجلتها على ال دافع
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
اإلمياين بالدرجة األوىل ،ويكمله دور الدولة يف تط بيق ه ذه الوس ائل ،أي أن
وس ائل التكافل يف النظ ام االقتص ادي اإلس المي تعترب ش بكة من األدوات اليت
يكمل بعضها بعض اً ،وال مثيل هلا يف أي نظام اقتصادي آخر ،ولكنها ال تؤيت
مثارها إالَّ بق وة ال دافع اإلمياين بالدرجة األوىل وكلما ض عف ال دافع اإلمياين يف
اجملتمع ضعف أثر هذه الوسائل ،فهي إحدى مثار الرتبية اإلسالمية .ومن هذه
الوس ائل :الزك اة ،ص دقات التط وع ،الوقف ،الق رض احلسن ،النفق ات
الواجبة لألوالد والزوجة واألق ارب ،الكف ارات ،ض مان الدولة حلد الكفاية ،
األضحية،العارية وفيما يلي سنتعرض ألبرز املسائل املتعلقة ببعض هذه الوسائل.
أوالً :الـزكــاة
وتشمل زكاة األموال وزكاة األبدان ( صدقة الفطر) .وسنقصر الكالم
على زكاة األموال .
زكGGاة األمGGوال :من تعريفاهتا أهنا " :نص يب مق در ش رعاً يف م ال معني ،
يُصرف لطائفة خمصوصة" . 1حكمها :واجبة .ومن أدلة وجوهبا :قوله تعاىل:
( املزمل . ) 20 ،
و مما متتاز به الزكاة على الضرائب أن املكلفني هبا يؤدوهنا بدافع ديين ،
إض افةً إىل ال دافع النظ امي الرمسي ،ال ذي تعتمد عليه الض رائب املعاص رة ،اليت
تع اين من هترب الن اس منها ،مىت وج دوا غفلة من ال رقيب احلك ومي .وهلذه
الزكاة آثار عديدة يهمنا منها اآلثار االقتصادية .
أهم اآلثار االقتصادية للزكاة :
أداء الزكاة عبادة ،وهلا آثار اقتصادية ،من أمهها :
الشرح املمتع على زاد املستقنع ,حممد بن صاحل العثيمني جـ ، 6ص ـ .17 () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
أهنا وس يلة من وس ائل إع ادة توزيع ال دخل ،وال ثروة يف اجملتمع : -1
فت ؤدي إىل مواس اة الفق راء .فهي وس يلة من وس ائل الع دل
االقتصادي ،الذي أصبح حمل اتفاق بني االقتصاديني مع االختالف
حول تعريفه ووسائله .
أهنا أحد الدوافع حنو االستثمار :فإخراج الزكاة ال يشجع األغنياء -2
على جتميد األرصدة النقدية عاطلة ،ألن جتميدها ،وإخراج الزكاة
منها ي ؤدي إىل تآكلها .أي أن من ميلك أرص دة نقدية البد له من
اس تثمارها حرص اً عليها من التآكل ،ومع روف أن االس تثمار يف
و حترص خمتلف املش روعات من مص لحة االقتص اد الق ومي
الدول على تشجيعه مبختلف الوسائل .
أهنا وس يلة من وس ائل األمن املش جع على توفري البيئة املناس بة -3
لالنتعاش االقتصادي ،ألن الفقر أحد أسباب اجلرمية ،وألن الزكاة
حتارب الفقر فهي وسيلة حملاربة اجلرمية بطريقة غري مباشرة .
أهنا وسيلة من وسائل حتسني أوضاع الفئات الفقرية يف اجملتمع :أي -4
إهنا تس اهم يف حتسني مس تواهم املعيشي ،والص حي ،والتعليمي ،
وه ذا يعين املس امهة يف ت أهيلهم ليص بحوا ق وة عمل مش اركة يف
التنمية االقتصادية .
متول التكافل يف اجملتمع ،فتخفف أهنا تس اهم يف توفري م وارد ِّ -5
العبء عن ميزانية الدولة .وكلما تراجع التزام الناس بأداء الزكاة ،
ذي تتحمله ميزانية الدولة لتمويل التكافل داخل زاد العبء ال
اجملتمع .وكلما ق وي ال دافع اإلمياين يف اجملتمع ،زاد ال تزام الن اس
ب أداء الزك اة وغريها من الواجب ات املالية ،مما ي ؤدي إىل ختفيف
العبء املايل ال ذي تتحمله ميزانية الدولة لإلنف اق على أص ناف من
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
انظر :حاشية ابن قاسم على الروض املربع ،مرجع سابق حـ ، 3ص ـ.168 ()2 1
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء ،حـ ، 9ص ـ. 281 ()3 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
أنه جتب عليه الزكاة فيما عنده من املال ،وال أثر للدين يف منع الثاني :
الزك اة ،ومما يُس تدل به هلذا الق ول عموم ات األدلة اآلم رة بالزك اة يف
كل م ال بلغ النص اب و أن الزك اة جتب يف املال ،وهو موج ود ،إذاً
جتب فيه الزك اة ،أما ال دين فهو يف الذمة .وممن رجح ه ذا الق ول عبد
العزيز بن باز وحممد بن صاحل بن عثيمني رمحهما اهلل .
التفص يل :فأص حاب ه ذا الق ول قس موا األم وال الزكوية إىل قس مني الثالث :
ف األموال الظ اهرة وهي احلب وب ،والثم ار ،وهبيمة األنع ام جتب فيها
الزكاة ،إذا كان ما لكها عليه دين ينقص النصاب ،أما األموال الباطنة
وهي األمثان وعروض التجارة فال جتب فيها الزكاة إذا كان مالكها عليه
( )1
دين ينقص النص اب وه ذا الق ول اختي ار الش يخ عبد ال رمحن الس عدي
رمحه اهلل.
ويبدو أن األخذ بالقول الثاين أحوط ،و أبرأ للذمة ،وفيه حث للناس
على الوفاء مبا يف ذممهم من الديون واهلل أعلم .
وبعد ه ذا س نعرض بإجياز أهم املس ائل املتعلقة بكل قسم من األم وال
الزكوية اليت سبق إمجال الكالم عليها .
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
وقوله × ( ما من ص احب ذهب وال فضة ال ي ؤدي منها حقها إالَّ إذا
صفِّحت له صفائح من نار ،فأمحي عليها يف نار جهنم فيُكوى كان يوم القيامة ُ
( )1
هبا جنبه ،وجبينه ،وظهره ...احلديث "
أما نص اب العملة الورقية فليس حمدداً مبق دار ث ابت ،بل يتغري حسب
اختالف أس عار ال ذهب أو الفضة .ومل يعد من املمكن الق ول أن العملة الورقية
تن وب عن ذهب ،أو فضة ،بل هي عملة مس تقلة ب ذاهتا ،ويُق در نص اهبا على
أساس قيمة نصاب الفضة ،عمالً باألفضل للفقراء فنظراً الرتفاع أسعار الذهب
،واخنف اض أس عار الفضة ،ف إن تق دير نص اب العملة الورقية على أس اس قيمة
نصاب الفضة يزيد من األموال اليت خترج منها الزكاة ،فهو من مصلحة الفقراء ،
رواه مسلم (,كتاب الزكاة ,باب أمث مانع الزكاة ) برقم . 1647 ()1 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
وهو مب دأ معترب يف تق دير الزك اة ،كما نص عليه بعض الفقه اء 1يف
تقدير زكاة عروض التجارة .
طريقة حساب نصاب العملة الورقية -:
نصاب العملة الورقية = مقدار نصاب الفضة باجلرام × سعر اجلرام بالريال
.
فلو ك ان س عر اجلرام ( )2لاير ،ف إن مق دار نص اب العملة الورقية = 2×595
=( )1190لاير .
ولو كان سعر جرام الفضة رياالً واحداً ،فإن النصاب (=1×595 :
)595رياال.
حاشية ابن قاسم على الروض املربع ،مرجع سابق جـ ، 3صـ.264 ()1 1
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
يرى األمام مالك وجوب الزكاة يف هبيمة األنعام اليت تعلف . ()2 2
انظر الشرح املمتع ،مرجع سابق جـ ، 6صـ.54- 53 ()3 3
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
( )2
زكاة الحبوب و الثمار:
على ال راجح من أق وال العلم اء ،أن الزك اة ال جتب يف كل احملاص يل
الزراعية ،بل جتب يف احلبوب اليت تنتجها الزروع كالقمح ،والذرة ،واألرز ،
و الش وفان و ما ش اهبها ،وجتب أيض اًَ يف الثم ار ،وهي ما خيرج من األش جار
كالتمر ،ويشرتط يف هذه احلبوب و الثمار أن تكون مما يُكال ويُدَّخر .أي أن
القاعدة يف حتديد احملاصيل الزراعية الزكوية يف أن الزكاة ختتص باحلبوب والثمار
اليت تُكال وتُدَّخر .سواء أكانت قوت اً كالقمح ،أو غري قوت كاحلبة السوداء ،
وحب الرش اد .ومعىن " تك ال " أي أن املعي ار الش رعي لتق ديرها يف زمن
الرس ول × يف املدينة هو الكيل .وال يغري من ذلك تغري الع رف يف تق ديرها .
ومعىن " تُ دَّخر" أي ميكن االحتف اظ هبا لالنتف اع هبا مس تقبالً ب الطرق العادية
ك التجفيف وليس بالتربيد .ومعىن ه ذا أنه ال زك اة يف الفواكه كالتف اح ،
انظر :الشرح املمتع ،مرجع سابق حـ ، 6صـ.71 -51 ()1 1
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
والربتق ال ،و املوز ،وال زك اة يف اخلض روات كالفجل واخلس .وبتأمل ه ذه
احملاصيل الزراعية املعفاة من الزكاة على الراجح من أقوال العلماء ،يُالحظ أهنا
كما قال الفقهاء ال تتم هبا النعمة ،فالتالف منها كثري ،فنجد أن بعضها يتلف
قبل وص وله إىل الس وق ،وبعض ها يتلف عند الباعة ،وج زء منها يتلف عند
املس تهلكني ،وكل ه ذا ي ؤثر على قيمتها االقتص ادية ،فإعفاؤها من الزك اة فيه
ع دل وتيسري وتش جيع للنش اط االقتص ادي ،بتخفيف األعب اء عنه .فنفع ه ذه
احملاص يل ال يقتصر على أص حاهبا ،بل أن إعفاءها أحد األس باب املس اعدة على
توفريها يف األسواق ،وهذا فيه مراعاة للمصلحة العامة.
شروط وجوب الزكاة في الحبوب والثمار المكيلة المدخرة -:لوجوب الزكاة فيها شرطان :
أن تبلغ النصاب ،ومقداره ثالمثائة صاع نبوي ويقدر الصاع الشرط األول :
بأنه ح وايل ( )2.04كغم أي أن النص اب ح وايل ( )612كغم
من القمح ،وهذا التقدير تقرييب نظراً لعدم وجود عالقة دقيقة
بني وزن احلبوب وحجمها.
أن تكون احملاصيل املراد تزكيتها مملوكة للمزكي وقت وجوب الشرط الثاني :
الزكاة فيها.
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
وقت إخراج زكاة احلبوب والثمار :خترج زكاة احلبوب و الثمار بعد
احلص اد ،لقوله تع اىل( األنع ام )141وال
تتكرر ،فلو بقيت عنده حىت السنة القادمة ال يزكيها مرة أخرى.
حكم زك اة ع روض التج ارة :جتب الزك اة يف ع روض التج ارة ،عند
مجه ور العلم اء .ومن أدلة وجوهبا قوله تع ايل
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
( البق رة .)267وقوله تع اىل
( التوبة )103فع روض التج ارة ت دخل يف
عموم األموال و الكسب املذكور يف اآليتني .
ويالحظ أن الش روط الس ابقة خاصة بع روض التج ارة ،ويض اف إليها
الش روط العامة لوج وب الزك اة .أما بالنس بة للح ول فال يش رتط أن حيول على
قوم التاجر ما عنده من بضاعة ،نفس البضاعة فالسلع تتجدد عند التاجر و إمنا يُ ِّ
حىت ومل ميض هلا عن ده س اعات ،ألن مثنها جتب فيه الزك اة ب دءاً من متلكه
نصاب أصلها الذي حال عليه احلول .
تقويم عGGروض التجGGارة :جتب الزك اة يف قيمة ع روض التج ارة ،وهلذا فمن
أراد إخراج زكاة عروض التجارة ،عليه أن يقدر قيمتها بعملة البلد .فينظر إىل
ما عن ده من بض اعة مع دة لل بيع ،فيقومها بس عر ي وم التق ومي ،بغض النظر عن
سعر الشراء ،وال يلتفت إىل السعر الذي يتوقع أن يبيع به يف املستقبل .و لكن
من املسائل اليت تثار هنا :هل التقومي بسعر اجلملة أو بسعر التجزئة ؟
سعر التقويم :
اختلف العلم اء يف الس عر ال ذي يتم به تق ومي البض اعة ألجل إخ راج
زكاهتا .ومن أبرز األقوال :
أن التق ومي يتم بس عر اجلملة .وممن أفىت ب ذلك اللجنة الدائمة -1
()2
للبح وث العلمية ،واإلفت اء ،يف اململكة العربية الس عودية وك ذلك
الشيخ عبد اهلل بن جربين .
-2إن كان يبيع باجلملة فباعتبار سعر اجلملة ،وإن كان يبيع بالتجزئة يقوم
() 1
بسعر التجزئة .وممن قال هبذا الشيخ حممد بن عثيمني .
ويبدو أن القول األول أقوى ،وذلك ألن التقومي وقع على اجلملة ،وألن سعر
التجزئة يكثر فيه االختالف ،وألن سعر اجلملة فيه ختفيف على التجار ،و هو أمر
معترب للمصلحة العامة .واهلل أعلم .
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
األول :غ ارم لنفسه وهو ش خص حتمل ديون اً ملص لحته ،وعجز عن
الوف اء هبا ،فهو فقري فيُعطى ما يس دد ديونه .ولكن يالحظ أن
من حتمل الديون يف املعاصي كالقمار ،أو الذي ال يصلي فهؤالء
ال نصيب هلم يف الزكاة إالَّ بعد التوبة .
الثاين :غارم إلصالح ذات البني :وهو من حتمل يف ذمته ماالً من أجل
إمخاد فتنة ،فيعُطى بق در ما ال تزم به ومل يس دده ،أما إذا دفع
ذلك من ماله فال يُعطى ،ألنه مل يعد مديناً .
-7سبيل اهلل :وه و اجلهاد ،فيعطي اجملاهدون املتطوعون بدون مرتبات من
الدولة ،أو أهنم هلم رواتب ال تكفيهم ،فيعط ون على ق در ما حتتاجه
مهمتهم يف اجله اد وقد ق رر اجملمع الفقهي برابطة الع امل اإلس المي أن
ال دعوة إىل اهلل داخلة ض من " يف س بيل اهلل " وعلى ه ذا جيوز ص رف
الزكاة للإنفاق على الدعوة إىل اهلل ،وقال الشيخ حممد بن إبراهيم :إنه
يلحق ب ذلك أيض اً اإلنف اق على كشف الش به عن ال دين فهو من
اجلهاد(.)1
-8ابن السبيل وهو :املسافر املنقطع فيعطى ما يوصله إىل بلده .
وجيوز دفع الزكاة لصنف واحد من هذه األصناف .
ثانيا ً :صدقة التطوع
وهي مس تحبة ،يف أي ص ورة :نقدية أو عينية .وقد ج اء احلث
عليها يف القرآن ،والسنة .فقال تعاىل
( البق رة . ) 245ومن ذلك قوله × " : Gسبعة يظلهم اهلل يف ظله ي وم ال
ظل إالَّ ظله " ....إىل أن ق ال " ورجل تص دق بص دقة فأخفاها حىت ال
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
تعلم مشاله ما تنفق ميينه " ( )1ومعىن يظلهم أي يس رتهم ،وذلك يش مل
الرجل و املرأة .ويالحظ أن من الفروق بني الزكاة الواجبة وصدقة التطوع
أن الزك اة الواجبة ال نص يب فيها ألبن اء الش خص ،وآبائه ،أما ص دقة
التطوع فأوىل الناس هبا هم أقرب الناس للمتصدق .ويف هذا داللة على أن
وس ائل التكافل يف النظ ام اإلس المي يتمم بعض ها بعض اً ،فمن ليس له
نصيب يف إحداها جند له نصيباً يف وسيلة أخرى .
ويالحظ أيض اً اعتم اد ص دقة التط وع على ال دافع اإلمياين وح ده .وه ذا
خالف الزكاة الواجبة اليت تدعم احلكومة تطبيقها ،باإلضافة إىل الدافع اإلمياين .
ثالثا ً :الـوقـــف
( )2
تعريفه :من تعريفات الوقف أنه " حتبيس األصل وتسبيل املنفعة
"
وص ورته أن شخص اً ميلك أحد األص ول كمزرعة أو عم ارة أو أرض ،
ويق وم ه ذا املالك جبعل ه ذا األصل الن افع موقوف اً ،أي حمبوس اً على وجه
من أوجه الرب ،اليت خيتارها الواقف نفسه .ك أن جيعل غلة مزرعته لص احل
ذريته من بع ده ،أو أن جيعل غلة عمارته لص احل دور األيت ام ،أو أن جيعل
عمارته وقفاً ليسكن فيها طالب العلم الفقراء ،فهنا جيب االلتزام بالشروط
،واألغ راض اليت ح ددها الواقف إذا مل ختالف الش رع ،ويبقى ه ذا األصل
موقوف اً وال يب اع ،إالَّ إذا تعطلت منافعه فتبيعه اجلهة املش رفة عليه ،
ويصرف مثنه يف مثله لتحقيق هدف الواقف .
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
اإلنسان انقطع عمله إالَّ من ثالثة :إالَّ من صدقة جارية ،أو علم يُنتفع به ،أو
( )1
ولد صاحل يدعو له "
لزومه :وهو عقد الزم ،ال جيوز فس خه بعد انعق اده ،عند مجه ور
العلماء(. )3
أهميته :هو من أهم وس ائل التكافل يف النظ ام االقتص ادي اإلس المي،
سواء أكان لصاحل ذرية الواقف ،أم كان يف أي وجه من وجوه العمل اخلريي ،
ومن مزاي اه ،أنه ي وفر م وارد مس تمرة ،بل ميكن تنميتها لتمويل التكافل ،
وكان له إسهام جيد يف متويل التعليم يف املاضي ،فكثري من املساجد اليت كانت
مبثابة جامعات كاحلرمني ،كانت مُت ول من األوقاف .
وكذلك اإلنفاق على األيتام ،و اللقطاء ،و الفقراء ،وغريهم كان من
أبرز مصادره األوقاف( . )2وهلذا فاحلاجة ماسة إلعادة إحياء دور األوقاف الذي
أصابه الضعف يف هذا الزمن .
رابعا ً :الـقرض الحـسـن
تعريفه :من تعريف ات الق رض يف الفقه أنه " :دفع م ال ملن ينتفع به
رد بدله " ( .)3والق رض املتفق مع الش رع هو الق رض احلسن ،أي الق رض وي ُّ
الذي بدون فائدة ربوية .وهو من عقود اإلرفاق اليت يُقصد هبا نفع املقرتض ،
وال جيوز أن يش تمل عقد الق رض على أي نفع مش روط ،أو متواطأ عليه يع ود
صحيح مسلم كتاب الوصية ( .باب ما يلحق اإلنسان من الثواب بعد وفاته برقم ()1 1
. 3084
توضيح األحكام ,مرجع سابق جـ , 4صـ. 244 ()2
انظر :إدارة وتثمري ممتلكات األوقاف ،البنك اإلسالمي للتنمية صـ.113 ()3 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
أما يف النظام اإلسالمي فاملقرض ال ينتظر رحباً عاجالً ،بل يقدم القرض
ويرجو ب ذلك الث واب يف اآلخ رة ،فهو سيحصل على منفعة ولكنها ليست يف
الدنيا ،بل يف اآلخرة ،وهذا ينسجم مع بقية أعمال املسلم اليت ال يقتصر أثرها
على الدنيا ،بل ميتد إىل ما بعد الدنيا .
حكم القرض:
الق رض ج ائز الطلب من املق رتض .ومس تحب للمق رض ،ففيه إعانة
()2
للمحت اجني ،وي دخل حتت عم وم قوله × " من نفَّس عن م ؤمن كربة من
ُك َرب ال دنيا نفَّس اهلل عنه ُك ْربة من ُك َرب ي وم القيامة " ( . )3ففي ه ذا احلديث
حث على مساعدة احملتاج بأي نوع من املساعدة .
مجهرة القواعد الفقهية يف املعامالت املالية ،مرجع سابق حـ ، 3صـ. 1291 ()1 1
صحيح مسلم ,كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار ,باب فضل االجتماع على () 3
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
الفصل الثالث
التوزيع والمصارف والتأمين
المبحث األول
التوزيع في االقتصاد اإلسالمي
المبحث الثاني
المصارف
المبحث الثالث
التأمين
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
المبحث األول
(*)
التوزيع في االقتصاد اإلسالمي
مفهوم التوزيع وإعادة التوزيع:
مييز عادة بني التوزيع الوظيفي الذي هي عملية توزيع أو قسمة عائد
النشاط االقتصادي على عناصر اإلنتاج اليت شاركت فيه ،وبني إعادة التوزيع
اليت هي عملية سحب جزء من الدخول والثروات املكتسبة عرب التوزيع الوظيفي
وإعادة دفعها إىل فئات أخرى ،حسب اعتبارات اجتماعية وإنسانية غري
وظيفية ،كاعتبار احلاجة يف حالة توزيع الزكاة ،واعتبار درجة القرابة واحلاجة
معاً يف حالة توزيع املرياث.1
وسنبني أوالً :التوزيع الوظيفي مث نبني إعادة التوزيع يف املطلب الثاين.
المطلب األول
التوزيع الوظيفي في االقتصاد اإلسالمي
الوجيز يف الفكر االقتصادي الوضعي واإلسالمي ،وضع سابقة ،د .عبداجلبار السبهاين، () 1
ص.237
عامل إسالمي بال فقر ،د .رفعت العوضي ،ص.86 () 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
حيق لعنصر العمل أن حيصل على أجر حمدود أو عائد ث ابت ،كما يف
عقد اإلج ارة .وعقد اإلج ارة عقد مش روع .حبسب ما س بق بيانه يف مبحث
أسباب امللكية .
كما له أن حيصل على نس بة من ال ربح كما يف ش ركة املض اربة ،اليت
تنعقد بني ط رفني أح دمها يق دم املال ويس مى رب املال واآلخر عليه العمل
ويسمى املضارب ،وهو الذي يتاجر باملال ،ويكون الربح بينهما حسبما يتفقان
عليه من النصف أو الثلث أو أي ج زء معل وم مش اع من ال ربح ،أما إذا حتققت
خسارة فيتحملها صاحب رأس املال من ماله ،والعامل (املضارب) خيسر جهده
وعمله بال عائد.
د .عبد احلميد الغزايل ،اإلنسان أساس املنهج اإلسالمي يف التنمية االقتصادية ،ص. 56 () 1
وتوعد اهلل مبامل يتوعد به غ ريه ،وأن ذر حبربه على من يصر على أكله يف
قوله
[البقرة]279 -278 :
جـ -عائد عنصر األرض :
حيق لألرض يف االقتصاد اإلسالمي أن حتصل على عائد يف صورة جزء
من الن اتج كما يف حالة املزارع ة ،واملزراعة هي دفع األرض إىل من يزرعها جبزء
1
معلوم مما خيرج منها.
وقد دفع النيب أرض خيرب لزراعتها بش طر ما خيرج منه ا .فقد روى
البخاري عن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال "أعطى رسول اهلل خيرب اليهود أن
يعملوها ويزرعوها وهلم شطر ما خيرج منها".2
-كما حيق هلا أن حتصل على أجر حمدد يف حالة دفعها للغري ليستغلها.
المطلب الثاني
إعادة التوزيع في االقتصاد اإلسالمي
د .إبراهيم العروان ،نظرية التوزيع دراسة فقهية اقتصادية. () 1
أخرجه البخاري يف كتاب املزارعة ،باب املزارعه مع اليهود برقم . 2163 () 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
لقد شرع اإلسالم أدوات وآليات تتوىل إعادة توزيع الدخول الثروات
املكتسبة بالتوزيع الوظيفي السالف الذكر ،لعل أبرزها ما يلي:
أوالً :الزكاة :اليت تعيد التوزيع على أساس احلاجة .
ثانيGGاً :المGGيراث ال ذي يعيد التوزيع على أس اس درجة القرابة واحلاجة مع اً .وفيما
يلي التفصيل:
1
أوالً :الزكاة
تعترب الزك اة أداة مهمة من أدوات إع ادة التوزيع ال دخل وال ثروة لص احل
الطبق ات الفق رية ،أو الفئ ات املنخفضة ال دخل ،وغين عن البي ان أن ا ٍإلس الم مل
جيعلها ص دقة مقطوعة أو إحس اناً اختياري اً ،وإمنا جعلها حق اً مفروض اً وق دراً
معلوماً يف مال الغين ،الذي متلي عليه شريعته اإلسالمية أن يشرك غريه فيما أتاه
اهلل من فض له ،وأن جيعل يف ماله متس عاً يس عف به الفقري اجلائع واحملروم الض ائع
واألرملة اليت ال عائل هلا واليتيم الذي ال مورد له ،وفق ما تقضيه تعاليم اإلسالم
اليت مل ت رتك ه ؤالء وأمث اهلم هنب اً ل ذوي األغ راض واالس تغالل وعرضة للفاقة
واحلرم ان ،بل وض عت هلم نظام اً مالي اً قومياً يعيد التوزيع لص احلهم ،ليواصل
الفقري واملس كني نش اطه وكدحه يف مي ادين العمل واإلنت اج ،وذلك من خالل
فريضة الزك اة ،وبنسب خمتلفة ختتلف ب اختالف الوع اء املزكى وتنوع ه ،فقد
تصل إىل اخلمس ( )%20كما يف الرك از ،كما تصل إىل العشر ك امالً (
)%10كما يف ال زروع والثم ار اليت س قتها الس ماء والعي ون ،وقد تنخفض إىل
نصف العشر ( )%5إذا ت وىل املالك ال ري بالكلفة والعم ل ،وقد تصل إىل ربع
العشر ( ،)%2.5كما يف ع روض التج ارة وال ذهب والفضة وس ائر األم وال
النقدية ولو عطلهما ص احبهما عن الت داول ،وقد تك ون أقل من ذلك كما يف
د .عمر املرزوقي ،اقتصاديات الغىن يف اإلسالم ،ص . 18 () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
بل إن اتس اع وع اء الزك اة الش امل مجيع األم وال النامية يعد من أب رز
أسباب جناح الزكاة كأداة من أدوات إعادة التوزيع يف اجملتمع املسلم ،فضالً عن
كوهنا تتكرر سنوياً جيعل منها أداة دائمة إلعادة توزيع الدخل والثروة.
وال غرو أن النظام اإلسالمي شرع الزكاة فهو نظام يرمي إىل املشاركة
يف الثراء والرخاء وليس املشاركة يف الفقر واحلاجة وفرض حد الكفاف ،مثلما
هو احلال يف النظ ام االش رتاكي ،وهلذا ال ج رم أن اإلس الم مل ي رتك أصل ه ذه
املشاركة يقوم فقط على فكرة اإلحسان االختياري ،كما يف الرأمسالية ،والذي
قد يرافقه املن واألذى ،وقد ال يكفي لسد حاج ات الفق راء أو يقضي على
التف اوت الس حيق يف ال ثروات بني الفئ ات املختلفة يف اجملتم ع ،وإمنا جعله حق اً
معلوم اً ومفروض اً يف األم وال املكت نزة أو الفائضة عن النفق ة ،بش كل يض من
لقمة العيش ملن مل يتيسر له املش اركة يف العملية اإلنتاجي ة ،أو ملن مل يبلغ نص يبه
يف عائد التوزيع ال وظيفي ما يش بع حاجاته ويتم كفايت ه ،وب ذلك حيقق اإلس الم
جانب اً من مبدئه العام 0
[احلشر. ]7 :
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
حيث تستهدف الزكاة نقل أو اقتطاع جزء من الثروات اليت تتكدس يف
بعض األي دي وإع ادة توزيعها ودفعها إىل األص ناف املس تحقني ،ال ذين لو مل
خيصص هلم ج زءاً منها لك انوا حرب اً على أص حاهبا ،وخط راً يه دد أمن اجملتمع
وسالمته.
والنظ ام االقتص اد اإلس المي هبذه الوس يلة ع اجل مش كلة س وء توزيع
ال دخل وال ثروات اليت تع اين منها النظم الوض عية ق دمياً وح ديثاً ،وهي وس يلة أو
فريضة ال يض جر منها الن اس وال تثري فيهم العن اد أو التح دي ،وهم يعلم ون أهنا
تسهم يف إعادة توزيع ما يف أيديهم من أموال وثروات وبطريقة شرعية وإلزامية
لص احل الفئ ات الفق رية أو احملرومة يف اجملتم ع ،ق ال ×( :ف أخربهم أن اهلل ف رض
عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم).
إذ أن إع ادة توزيع ال دخل وال ثروة من الفئة األك ثر غىن إىل األك ثر فق راً
هي ه دف مهم للزك اة ،ول ذلك مل تس مح الش ريعة بإنف اق حص يلتها يف غري
مصارفها الشرعية ،كشق الطرق أو متويل مرافق الدولة ،ألهنا ال متثل إعادة توزيع
من الغين إىل الفقري ،بل متثل استثمارات رمبا يستفيد منها الغين أكثر من الفقري.1
فالشارع احلكيم حيرص على توزيع عادل وعلى حتقيق مستوى الئق من
املعيشة لكافة ش رائح اجملتم ع ،وإن تف اوت ال دخل بينهم ،وحيصر على إقامة
ت وازن اقتص ادي واجتم اعي ،يكفل ع دم تض خم املال يف ج انب واحنس اره يف
ج انب آخ ر ،ليظل اجملتمع كالبني ان املرص وص يشد بعضه بعض اً ،خالي اً من
ش وائب الظلم واالس تغالل واجلور ،ومن أرج اس البخل وال دناءة والقس وة
واألث رة ،وغري ذلك مما هو مع روف من ش رور الرأمسالية الباغي ة ،اليت أف رزت
د .حممد القري ،مقدمة يف أصول االقتصاد اإلسالمي ،ص.9 () 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
مفاسد ومظ امل وول دت احلسد واحلقد يف نف وس احملرومني ،جتاه ال ذين يعيش ون
يف ب ذخ وت رف وس رف وجمون ين ثرون ال ذهب على موائد امليسر ويف مي ادين
السباق وأماكن اللهو.
واالقتص اد اإلس المي هبذا مل يس لك طريق النظم االقتص ادية الوض عية،
اليت مل تفلح يف حتقيق قسط كبري من العدالة االجتماعية واالقتص ادية ،بل انبثق
عنها ظلم ص ارخ وتن اقض واضح يف توزيع ال دخل وال ثروة ،إذ أن حنو %17
من جمموع سكان العامل حيتكرون نسبة %82من الثروة العاملية عام 1989م
على س بيل املث ال ،1ع اجزة تلك النظم الوض عية عن التخفيف من ح دة انع دام
العدالة يف التوزيع ،ومن مث كبح أطماع األغنياء وأرباب األعمال ،أو ما يعرف
بالطبقة الربجوازية ،2أو أن ترفع من مستوى املعيشة عند طبقة الفقراء*.
د .عبداحلميد براهيمي ،العدالة االجتماعية والتنمية يف االقتصاد اإلسالمي ،ص.133 () 1
معهد مراقبة البيئة العاملية ،الفقر والبيئة ،وثيقة ،92ترمجة د .حممد صابر ،ص.31 () 3
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
النظم االقتص ادية الوض عية بكفالة الع اجزين أو احملت اجني إال على س بيل اإلحس ان
الع ام ،وحىت ال دول اليت أخ ذت ب الفكر االش رتاكي البائد مل تع رتف أيض اً هبذا
االل تزام ،بعكس النظ ام االقتص ادي اإلس المي ال ذي ال ي ؤمن مبس اعدة الفق راء
واحملتاجني يف اجملتمع عن طريق أعمال الرب واإلحسان فحسب ،وإمنا يعترب كفالتهم
من املس ئوليات امللق اة على ع اتق الدولة واجملتمع على حد س واء ،إىل درجة أنه
يعطي كفالة ه ذه الفئة املرتبة األوىل ،إذ ج اءت آية مص ارف الزك اة تق دم يف
األولوية عند التوزيع الفقراء واملساكني ،وهم مجيعاً من شرائح اجملتمع احملتاجني .
والنظ ام االقتص ادي اإلس المي ب ذلك يتج اوز النظم الوض عية اليت ال
تسمح باستحقاق الثرورة أو الدخل املتولد يف االقتصاد إال لعناصر اإلنتاج اليت
شاركت فيه ،ألهنا تؤمن بأن قوى السوق هي املعيار الوحيد للتوزيع بني الفئات
املختلف ة ،حىت أص بحت الثم رة املرة والنك دة اليت أفرزهتا تلك النظم هي ت أجيج
ن ار الص راع الطبقي وإش اعة الكراهية والبغض اء يف النف وس املعس رة أو احملرومة
من اإلنف اق أو من س عة يف املال واليت أقع دهتا ظ روف البطالة أو الفقر عن
املشاركة يف النشاط االقتصادي ،ومن مث مل تسطع إشباع حاجاهتا الضرورية أو
أن تن ال ش يئاً مما ي وزع من خالل آلية الس وق ،اليت ال تلي إال الطلب املدعوم
بالقوة الشرائية. 1
2
ثانياً :الميراث
يعترب املرياث ال ذي ش رعه اإلس الم وس يلة هامة أيض اً لتف تيت ال ثروة
وإعادة توزيعها بالعدل واإلنصاف ،دون حماباة أو حتامل ،وذلك ،حىت تعم أكرب
عدد ممكن من األصول والفروع ،وبذلك تتسع دائرة توزيع الثروة داخل أفراد
د .شوقي دنيا ،النظرية االقتصادية من منظور إسالمي ،د .حممد اجلمال ،موسوعة ()1 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
األسرة املسلمة ،دون أن ينفرد أحدها بالرتكة دون سواه ،كما حيدث يف بعض
النظم االقتصادية الوضعية ،اليت قد تسمح بانتقال املال كله أو معظمه إىل االبن
األكرب وت دع من س واه من األبن اء والبن ات ،أو قد تطلق احلرية لإلنس ان لي وزع
ثروته ألي كائن سواء كان وارث اً أو غري وارث اً ،مما ينشأ عنه سوء توزيع الثروة
وتراكمها بيد فرد واحد على حساب إفقار أو حرمان اآلخرين.
وتتم عملية إع ادة توزيع ال ثروة يف ظل اإلرث اإلس المي ج زءاً وفق
الس هام املق درة ك الثمن والس دس والربع والثلث والنصف والثل ثني بني مجيع
الورثة املس تحقيني
[النساء.]11 :
واحلق أنه ليس يف نظام اإلسالم االقتصادي ما يدعو إىل تكديس املال أو
الثروة يف أيدي معينة ،بل فيه نظام حيد من شرور تضخم امللكية ،وجيزئها بصفة
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
دائمة ،وبنسب عادلة ،وأكرب شاهد على ذلك هو نظام املرياث 1الذي بفضله ال
تلبث الثروات الكب رية أو رؤس األم وال اليت قد يتفق مجعها يف يد ش خص معني
أثن اء حياته أن ت وزع بعد مماته وبص ورة هادئة ال عنف فيها وال اه تزاز
للمجتم ع ،على أكرب ع دد من اخللف رج االً ونس اءاً ،دون متي يز بني كبري
وص غري ،وإذا ما قدر ألحد من اخللف أن يع اود الكرة كس لفة ،وأن يركز بي ده
قسماً هام اً من اإلنتاج والثروة فإن مماته كفيل بإعادة توزيع ما مجع وتفريق ما
تك اثر على أخالف ج دد وفق اً هلذا النظ ام ،ال ذي مل يعد أث ره اإلجيايب يقتصر
على منع تض خم ال ثروة وتكديس ها يف أيد قليلة ثابت ة ،بل حيول دون الفقر
واحلرمان يف اجملتمع ،ألنه أداة توزيع ومتلييك جلميع األفراد الوارثيني. 2
مع مالحظة أن الش ارع احلكيم وهو يت وخى العدالة يف التوزيع بني
الورثة املس تحقني توزيع اً ع ادالً ال يش وبه حيف وال يعرتيه ظلم فقد أخذ يف
االعتبار مبعيار احلاجة ،وجعله أساس التفاضل يف التوزيع ،حبيث إنه كلما كانت
احلاجة إىل املال أشد ك ان النص يب أك رب ،ولعل ذلك هو السر أو الس بب يف أن
نص يب ال ذكر ض عف نص يب األن ثى ،نظ راً لطبيعة التك اليف املالية املناطة على
عاتقه واليت من أبرزها النفقة واملهر .3فالعط اء على ق در احلاجة هو الع دل ،
واملساواة عن تقاوت مقدار احلاجة هو الظلم ،على حد قول أبو زهرة. 4
وقد ورد يف مسند اإلمام أمحد وغريه أن النيب × فاوت بني املسلمني يف
العطاء لتف اوت حاجاهتم ،فعن ابن عوف أن رسول اهلل × إذا أتاه الفي قسمة
يف يومه ،ف أعطى األهل حظني وأعطى العزب ،حظ اً واح داً ،ق ال ف دعينا
النظام االجتماعي يف اإلسالم ،د .النعمان القاضي ،ص 303 () 1
محاية اإلسالم لألنفس ،د .علي عبدالواحد ،ص .59 () 2
حممد أبو زهره ،أحكام الرتكات واملواريث ،ص . 240 () 4
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
فدعيت ،فأعطاين حظني وكان يل أهل ،مث دعا بعدي عمار بن ياسر فأعطى
له خطاً واحداً. 1
وعمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه يف توزيعه للمال كان يوزع
بتفاوت ،ويقول ملن يعرتض على ذلك إن أريد إال التسوية (( فالرجل وغناؤه
يف اإلسالم والرجل وحاجته يف اإلسالم )) . 2
رواه أبو داود يف سنة كتاب اخلراج واألمارة ،باب يف قسمة ؟؟ برقم . 2564 () 1
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
المبحث الثاني
المصارف
*
المطلب األول
تاريخ البنوك وأقسامها
انظر :النقود والبنوك ،فؤاد مرسي ،مصر :دار املعارف ،ط1958 ،1م ،ص–139 )1 (
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
رف ،وتقبل الودائع من وك مزاولة عمل الص وقد ورثت عنهم البن
اجلمهور.
وظلت تق وم هبذه الوظ ائف إىل بداية الق رن الس ابع عشر امليالدي ،مث
أخذ الفكر املص ريف يف التط ور ،فص ارت املص ارف تعني احلكوم ات باملب الغ
الطائلة من ودائع اجلمه ور املعطلة ل ديها ،فتقرض ها احلكومة بفائ دة ،وبس رية
تامة ،حىت ال يشعر العمالء املودعون هبا.
وش يئاً فش يئاً أخذ العمالء املودع ون يتن ازلون لغ ريهم عن ش هادات
إي داعهم ،مما أغ رى البن وك بالتص رف هبا ،وإقراض ها ،فص ارت تقرض ها حبري ة،
وكانت تلك خطوة كبرية يف تطور االئتمان.
ثانياً:أقسام البنوك:
البن وك تنقسم أقس اماً ع دة ،العتب ارات ع دة ،فباعتب ار نش اطها -ف إن
بعض اً منها يتخصص يف نش اط معني غايته دعم التنمية في ه -وتنقسم هبذا
االعتبار إىل :بنوك صناعية ،وبنوك زراعية ،وبنوك عقارية ،وحنو ذلك.
وباعتبGGار منهجها تنقسم إلى :بن وك جتارية تق وم على الرب ا ،وبن وك إس المية
تقوم على املعامالت اإلسالمية ،وإن كانت تتفاوت يف تطبيقها.
والGGذي يهمنا هنGGا :البن وك التجاري ة ،والبن وك اإلس المية ،فس نعرف بكل
منهما ،ونبني أهم أعماهلما فيما يلي:
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
تعريف البنك التجGGGGاري :وه و( :املنش أة اليت تقبل الودائع من األف راد،
واهليئات حتت الطلب ،أو ألجل ،مث تستخدم هذه الودائع يف منح القروض)(.)1
وه ذا التعريف قد م يز البنك مبيزتني أوالمها :االق رتاض ،وثانيهم ا :االق راض،
والثانية مبنية على األوىل ،فإن التمويل الذي تقدمه البنوك يف صورة قرض غالبه
من أموال املودعني.
ووصف البنك بواحد منهما ال مييزه عن غ ريه من س ائر املقرض ني ،أو
املقرتضني ،وإمنا يتميز بضم الوصفني إىل بعضهما ،إذ ال جيتمعان إال يف املؤسسة
املصرفية.
تعريف البنك اإلسالمي :وه و( :مؤسسة مص رفية جتارية تق وم على الش ريعة
( )2
اإلسالمية).
كما وص فها بأهنا "تق وم على الش ريعة اإلس المية" ،لي دخل يف ذلك ما
مييزها عن البن وك التجاري ة ،كاجتناهبا الرب ا ،وحنو ذلك مما خيالف الش ريعة
اإلسالمية.
مذكرات يف النقود والبنوك ،إمساعيل حممد هاشم ،مصر :دار اجلامعات املصرية، ()1 1
1975م ص.43
الربا يف املعامالت املصرفية املعاصرة ،عبداهلل بن حممد السعيدي ،الرياض :دار طيبة للنشر ()2 2
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
مقارنة بني البن وك التجاري ة ،واإلس المية :تتفق البن وك التجاري ة،
واإلسالمية يف أهنا تقوم على ما تتقبله من اجلمهور من أموال ،تسميها "ودائع".
ومما تتفق فيه أن بعض املع امالت اإلس المية ،اليت ابتكرهتا البن وك
اإلسالمية ،صارت متارسها البنوك التجارية وتنافسها فيها.
كما أن بعض املع امالت اليت ابتكرهتا البن وك التجارية ص ارت متارس ها
البنوك اإلسالمية على ،حنو يوافق منهجها ،وهبذا ذابت احلدود يف العمل املصريف
التمويل :هو :التزويد بالنقود . )1 (
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
بني البن وك فص ار من العسري أن تُص نَّف كث ريٌ من األعم ال على أهنا خاصة
ب البنوك التجارية أو اإلس المية ،غري أن البن وك اإلس المية متارس ما تق وم به من
أعمال وفق منهجها اإلسالمي ،وهبذا تفرتق عن البنوك التجارية.
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
المطلب الثاني
المعامالت المصرفية
البن وك تقوم على عملني إمجاالً ،أحدهما :االق رتاض ،إذ يقرتض البنك من
اجلمه ور من خالل ما يس مى بقب ول الودائ ع ،ويف ه ذه املعاملة يك ون البنك
مقرتض اً ،ويف رتق البنك التج اري عن اإلس المي يف ه ذا من جهة أن البنك
التجاري يدفع فائدة مقابل هذه القروض ،خبالف البنك اإلسالمي.
وثانيهما :اإلق راض بفائ دة ،حيث إن البنك يق رض ه ذه األم وال اجملتمعة لديه من
اجلمهور ،مقابل فائدة ،وذلك ما يسمى بـ"االئتمان" أو "التمويل" ،وهو أساس
عمل البنوك التجارية ،وقد يقرضها بإعادة إيداعها لدى البنوك الكربى.
ومن نظر آخر تنقسم أعمال البنوك إىل قسمني" :متويل" ،و"خدمات".
أما أعم ال االئتم ان "التمويل" ،فهي ما يك ون فيها البنك مموالً
"مقرضاً".
وأما أعم ال اخلدمات فغايتها التس ويق للعمل األساسي للبن وك
"التمويل" ،فتكون تلك اخلدمات اليت يقدمها البنك لألفراد واملؤسسات طريق اً،
وم دخالً إىل متويله ا ،ومن تلك اخلدمات" :بطاقة االئتم ان"" ،االعتم اد
املستندي" ،وغريها ،وفيما يلي بيان ألهم املعامالت املصرفية:
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
انظر :الربا يف املعامالت املصرفية املعاصرة ،مرجع سابق.2/979 ، ()1 1
عمليات البنوك من الوجهة القانونية ،علي مجال الدين عوض ،مصر :دار االحتاد العريب ()2 2
ة، للطباع
1981م ،ص .30
انظر :املرجع السابق ،ص .31 ()3 3
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
( )3مث إنه تبعاً لذلك يضمن رد مثلها لصاحبها بكل حال.
وهذه اخلصائص ال تكون للوديعة ،لكنها من خصائص القرض ،وعليه:
قرض يف حقيقتها ،وإن مسيت وديعة.
فإن الوديعة املصرفية ٌ
د -حكمه ا :وإ ْذ ك انت الوديعة املص رفية قرض اً يف حقيقته ا ،فإهنا تك ون رب اً
حرام ،من كبائر الذنوب.
عند أخذ فائدة عليها ،ومعلوم أن الربا ٌ
ثانيGGاً :الق رض بفائ دة( :)1والق رض بفائ دة مش روطة يف أصل العقد من أعم ال
البنوك التجارية ،بل هو أساس عملها ،وسنتكلم عليه من خالل ما يلي-:
أ -صورته :وصورته :أن البنك وهو املقرض يتفق مع شخص هو املقرتض،
على أن يقرضه البنك مائة ألف لاير مثالً إىل أجل معني ،وليكن س نة،
بفائ دة معين ة ،مقابل ه ذا األج ل ،حسب س عر الفائ دة الس ائد وقت
العقد.
ب -أقسامه :ينقسم القرض باعتبار الفائدة إىل قسمني ،مها قسما الفائدة ،ومها:
الفائ دة املش روطة يف أصل عقد الق رض لق اء األجل
احملدد
للوفاء به.
الفائ دة اليت تس تحق الحق اً لق اء ت أخري الوف اء عن أجله
احملدد.
وباعتبار طرقه ينقسم القرض إلى قسمين :
الق رض املباش ر ،وفيه ي دخل البنك مع العميل يف عقد
القرض مباشرة .
انظر :الربا يف املعامالت املصرفية املعاصرة ،مرجع سابق.2/981 ، ()1 1
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
جـ -تخريجGه :والق رض بفائ دة ليس قرض اً يف حقيقت ه ،لكنه ربا ،فإن الق رض
()1
الش رعي يع رف بأن ه( :دفع م ال إىل الغ ري ،لينتفع ب ه ،وي رد بدل ه)
ويش رتط يف الب دل املماثل ة ،ف إن الزي ادة املش روطة يف الق رض رب اً
باإلمجاع( )2ف إذا مل ي رد مثل ه ،بل أك ثر منه مل يكن قرض اً ،وص ار هبذه
الزيادة ربا ،سواءً أكانت الزيادة مشروطة يف أصل العقد ،أم اشرتطت
عند حلول األجل ،وعجز املدين .
د -حكمه :وإ ْذ كان ربا ،فإنه حمرم ،ألن الربا من كبائر الذنوب.
ثالثاً :االعتماد البسيط :وهو( :عقد يلتزم البنك مبقتضاه أن يضع حتت تصرف
عميله مبلغ اً معين اً من النق ود ،أو أي أداة من أدوات االئتم ان ،ويك ون
للعميل حق االستفادة من ذلك دفعة واحدة ،أو على دفعات معينة)(. )3
وال يكون العميل مديناً للبنك مبجرد هذا العقد ،لكن بعد حصوله على
القرض.
اإلنصاف ،علي املرداوي ،مصر :هجر للطباعة والنشر ،ط1415 ،1هـ.12/323 ، )1 (
اإلمجاع ،بن املنذر ،قطر :رئاسة احملاكم الشرعية ،ط1407 ،2هـ ،ص ،95اإلمجاع، )2 (
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
وهذه املعاملة حيتاج إليها يف التجارة الدولية ،إذ يكون البنك وسيطاً بني
املص دِّر يف بلد أجن يب ،واملس تورد يف بلد البن ك ،ويك ون دفع البنك للمص دِّر
مشروطاً بتسليم مستندات البضاعة إىل البنك.
والبنك اإلس المي ال ميول العميل من خالل االعتم اد املس تندي على
وجه القرض بفائدة ،بل على وجه املشاركة ،أو حنوها من العقود املشروعة.
خامسGGGGاً :بطاقة االئتمGGGGان( :)1وهي من األعم ال اليت ابتكرهتا البن وك التجاري ة،
ومتارس ها البن وك اإلس المية أيض اً ،على حنو يوافق منهجه ا ،وس نتكلم
عليها من خالل اآليت:
تعريفها :وهي( :مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي ،أو اعتباري ،بناء أ-
على عقد بينهم ا ،ميكنه من س حب النق ود ،وش راء الس لع ،واخلدمات،
ممن يعتمد املس تند ،دون دفع الثمن ح االً ،لتض منه ال تزام املص در
( )2
بالدفع).
انظر :الربا يف املعامالت املصرفية املعاصرة ،مرجع سابق.1/381 ، )1 (
انظر :تعريف جممع الفقه اإلسالمي يف دورته السابعة ،لعام 1412هـ. )3 (
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
ب النظر إىل أعب اء البطاق ة ،بل كب رية ب النظر إىل ما حيص له البنك من
االئتم ان من غري ه ذه البطاق ة ،حيث ت بني من خالل دراسة أج ريت
على بطاقة االئتمان أن عائد البنك منها يصل إىل ما يقارب .%150
د -إجراءات التعامل بها:
يُعِ ُّد التاجر أمنوذجاً يتضمن قيمة البضاعة ،ونوعها ومن مث يطبع -1
عليه اسم العميل ،وبياناته .
يوقع العميل على هذا األمنوذج ،إقراراً منه بالشراء. -2
يرسل التاجر األمنوذج إىل أقرب فرع للبنك مصدر البطاقة -3
لتحصل القيمة.
الفرق بينها وبين بطاقة الصرف اآللي :هناك بطاقة أخرى تصرفها البنوك هـ-
ألص حاب احلس اب اجلاري ل ديها متنكهم من الص رف من حس اهبم،
تس ديد الفواتري منه ا ،واالس تعالم عن أرص دهتم ،وكل ذلك يتم عن
طريق مك ائن الص رف ،دون حاجة إىل مراجعة البن ك ،وختتلف ه ذه
البطاقة عن بطاقة االئتم ان من جهة أن ه ذه البطاقة ال يق رض البنك
العميل من خالهلا ،بل اس تخدامها مرتبط بوج ود رص يد يف احلس اب
اجلاري ،أما بطاقة االئتمان فإن البنك يقرض العميل يف حال استخدامها،
وقد انكشف حسابه.
حكمهGGا :ما ك ان منها يتض من عق ده بني البنك والعميل ش رط الفائ دة و-
"الزي ادة" عند ت أخري الوف اء على األجل احملدد- ،وهو الش ائع -فإنه مينع
التعامل هبا ،الش تماهلا على ش رط الرب ا ،س واءٌ أحققه حامل البطاقة يف
املعاملة أم مل حيقق ه ،بل وىَّف ما عليه قبل هناية األج ل ،كي ال حتتسب
عليه الفائدة املشروطة.
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
وقد أفىت ب املنع فض يلة الش يخ حممد بن ع ثيمني -رمحه اهلل -يف فت واه
املؤرخة يف 26/8/1414هـ ،واللجنة الدائمة للبح وث العلمية واإلفت اء
ب الفتوى رقم 17611يف 27/1/1416هـ ،وجممع الفقه اإلس المي يف
دورته الثانية عشرة املنعقدة يف الرياض بتاريخ 25/6/1421هـ.
أما التعامل اإلس المي بالبطاق ة ،حبيث ال يتض من الربا س واء أك ان
مشروطاً يف العقد ،أم مل يكن مشروطاً فيه ،فال مانع منه.
سادساً :حسم األوراق التجارية :وهو من أعمال البنوك التجارية اليت متارس من
خالله االئتمان ،وسنتكلم عليه من خالل اآليت:
أ -املقص ود بالورقة التجاري ة :وهي( :ص كوك حمررة وفق أش كال
معينة ،قابلة للتداول ،بالطرق التجارية ،ومتثل حق اً ،مببلغ معني من
النقود ،يستحق الوفاء لدى اإلطالع ،أو بعد أجل قصري ،وجرى
العرف بقبوهلا كأداة للوفاء)(.)1
واألوراق التجارية هي :الشيك ،الكمبيالة ،السند اإلذين "ألمر"
ب -املقص ود ب التظهري :واملقص ود ب التظهري ه و :أن يكتب املس تفيد من
(2
الورقة التجارية على ظهرها ما يفيد نقل حقه فيها إىل طرف آخر.
)
جـ -تعريف احلسم "اخلصم" :وهو( :تظهري الورقة التجارية اليت مل حيل
ال للملكي ة ،يف مقابل أن يعجلأجلها بعد إىل املص رف ،تظه رياً ن اق ً
األوراق التجارية يف النظام التجاري السعودي ،إلياس حداد ،الرياض :مطابع معهد )1 (
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
ظهر" هي :أنه د -فائ دة احلس م :وفائ دة احلسم بالنس بة إىل العميل "امل ِّ
التجارية ل ه ،يفمينحه قرض اً من خالل تعجيل البنك قيمة الورقة ُ
حني أهنا يف األصل ال تستحق إال بعد أجل.
خيرج على أنه قرض ،فإن هـ -ختريج احلسم "اخلصم" :واحلسم َّ
املص رف يعجل حلامل الكمبيالة نق داً ،ويأخذ عوض اً عنه نق داً
مؤجالً أكثر منه ،هو مبلغ الكمبيالة املستحق عند حلول أجلها.
وهذه الزيادة يتحول هبا القرض إىل ربا ،النعدام املماثلة (.)1
و -حكم احلسم :وإذ كان ربا ،فإنه حمرم شرعاً ،ألن الربا من كبائر
الذنوب.
ويأخذ حكم احلسم كل دين مؤجل يبيعه مس تحقه على ط رف ث الث
بثمن معجل أقل منه-سواء كان مثبتاً بسند ميكن تظهريه أو ال. -
سابعاً :تداول األسهم( :)2وهو من املعامالت اليت متارسها البنوك جتارية كانت أو
إس المية ،فهي متارس ها على وجه السمس رة ،والوس اطة ،بني املت داولني،
وتأخذ مقابل ذلك عمولة.
وهي متارس ها على وجه التج ارة ،إذ متتلك البن وك ج زء من أس هم
الشركات ،وفق ما يسمح به النظام.
وسنتكلم عن هذه المعاملة من خالل ما يلي:
العقود ،وعمليات البنوك التجارية ،على البارودي ،األسكندرية :منشأة املعارف ،ص )3 (
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
أ -تعريف الس هم :وه و( :صك ميثل حصة يف رأس م ال الش ركة
املسامهة)(.)3
ب -ختريج الس هم( :)4الس هم ميثل ج زءاً ش ائعاً يف الش ركة املس امهة ،فمن
امتلكه فقد امتلك جزءاً منها ،فكان بذلك شريكاً.
جـ -حكم ت داول األس هم( :)1وحكم ت داول أس هم الش ركات املس امهة مبين
على ما تق وم به الش ركة من عم ل ،وهي هبذا االعتب ار تنقسم إىل ثالثة
أقسام :األول :شركات عملها مباح ،فيجوز تداول أسهمها.
الثاين :ش ركات عملها حرام ،كاليت تتاجر بالربا ،وكاليت تتجار ب اخلمر مثالً،
فهذه ال جيوز تداول أسهمها.
الث الث :ش ركات أصل عملها مب اح ،ك اليت متارس التج ارة ،أو الزراع ة ،أو
الصناعة املشروعة ،لكنها جبانب ذلك متارس الربا ،فهي تودع ما يفيض
عندها من سيولة لدى البنوك بفائدة ،وتقرتض من البنوك بفائدة.
ومنهم من مل جيز ت داول أس همها ،وه ذا الق ول أق وى ،ف إن الربا معل وم
حترميه بنصوص الكتاب والسنة ،فإذا كانت الشركة متارسه ،فقد مارست عمالً
حمرماً ال جيوز اإلقدام عليه ،وإذا كانت أمواهلا ،وأعماهلا خمتلطة ،حبيث ال يتميز
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
الربا عن غ ريه – كما عليه واقع الش ركات املس امهة -فإنه ال جيوز ت داول
أسهمها ،ملا فيها من الربا املمنوع.
ثامناً :المرابحة لآلمر بالشراء( :)2وهي من طرق التمويل اليت ابتكرهتا البنوك
اإلس المية ،ومع انتش ارها ،وتزايد اإلقب ال عليها مارس تها البن وك
التجارية ،من باب املنافسة ،وسنتكلم عليها من خالل العناصر اآلتية:
تعريفها :وهي( :أن يتق دم العميل إىل البنك طالب اً منه ش راء س لعة معين ة، أ-
باملواص فات اليت حيددها ،على أس اس الوعد منه بش راء تلك الس لعة
مراحبة ،بالنسبة اليت يتفق عليها ،ويدفع الثمن مقسطاً)(.)3
ب -غرضها :وغرض هذه املعاملة –يف الغالب -حتصيل السيولة ،من جهة أن
كث ريين ممن يش رتون س لعاً هبذه الطريق ة ،ه دفهم بيعها للحص ول على
السيولة.
وقد يك ون غرض ها احلص ول على مهلة يف دفع الثمن ،من جهة أن ال بيع
هبذه الطريقة يكون الثمن فيه مؤجالً على أقساط ،فيستفيد العميل هذه
امليزة ،ويتجه ألجلها إىل ه ذه املعامل ة ،إذ إن كث رياً من املس تهلكني
يعوزهم دفع كامل الثمن نقداً.
جـ -حكمها :وهذه املعاملة أصلها جائز ،لكنها يف التطبيق قد تنطوي على
خمالف ات تنقلها إىل املنع –وذلك خمتلف ب اختالف البن وك -ومن ه ذه
املخالفات:
.1عدم امتالك البنك للسلعة ،حيث إنه يقع يف التطبيق أن بعض البنوك ال
تش رتي الس لعة من مالكه ا ،وال متتلكه ا ،وكل ما تفعله ه و :أهنا ت دفع
مثن السلعة لبائعها ،مث تطالب العميل هبذا الثمن ،مضافاً إليه زيادة.
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
أحدهما :التأثر بالفلسفة الربوية ،فال تكون التجارة مقصودة ،لكن املقصود هو
التمويل ،وتبعاً هلذا حتاذر البنوك اقناء السلع ،والبضائع ،وذلك خمالف
هلدي الكسب يف اإلس الم ال ذي تك ون التج ارة مقص وده ،فتُش رتى
السلع ،وحُت از ،قبل حتديد مشرتيها.
وثانيهمGGا :أن إل زام العميل بش راء الس لعة بعد أن ميتلكها البنك ال خيلو من أحد
حالني:
األوىل :أن يُ رغم العمي ُل على عقد ال بيع ،وه ذا من اف للرتاضي املش روط يف
التج ارة لقوله تع اىل :
( .) 1
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
الثانية :أن حُي كم بتملك العميل للسلعة ،استناداً إىل االتفاق األول ،السابق على
امتالك البنك هلا ،فهذا يؤول إىل بيع ماال ميلك ،وهو ممنوع لقوله ( ال تبع
ما ليس عندك)(.)2
أن البنك قد يشرتي السلعة من التاجر ،ويبقيها لديه ،ليستلمها العميل .3
"املش رتي" من ه ،مث إن العميل يق وم ببيعها ثانية على بائعها األول ،ال ذي
اشرتاها البنك منه ،وأبقاها عنده ،فالبائع األول عادت إليه عني سلعته،
وهذا من قبيل العينة عند بعض الفقهاء( ،)3وهي ممنوعة.
التساهل يف القبض ،فال يقبض البنك السلعة اليت اشرتاها ،ال قبضاً .4
حقيقي اً ،ك أن خيرجها من حمل الب ائع ،وينقلها إىل ملك ه ،وال قبض اً
حكمي اً ،كاس تالم وثيقتها الرمسية ،وحتويلها بامسه ،وقد ج اء النهي عن
بيع املبيع قبل قبضه يف احلديث([:من ابتاع طعام فال يبعه حىت يستوفيه)
قال ابن عباس" :وأحسب كل شيء مثله"](.)4
فمن أراد التعامل باملراحبة لآلمر بالش راء ،فعليه أن حيذر ه ذه املخالف ات
لتستقيم معاملته.
رواه أبو داود يف كتاب البيوع ،باب يف الرجل بيع ما ليس عنده برقم ، 3040 )1 (
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
التGGGGورق المصGGGGرفي المنظم( :)1وهو معاملة حديثة –نس بياً -فقد ك ان
ظهورها يف ح دود ع ام 2000م ،ومتارس ها بعض البن وك اإلس المية ،كما
متارسها الفروع ،والنوافذ اإلسالمية للبنوك التجارية ،وهلا أمساء ختتلف من بنك
آلخر ،فبعض البنوك تسميها "تيسري" ،وبعضها تسميها "تورق اخلري" ،وبعضها
تسميها "التورق املبارك" ،وبعضها تسميها "دينار" ،وبعضها تسميها "مال"،
وهكذا ،وسنتكلم عليها من خالل العناصر اآلتية:
أ -الغاية منها :والغاية منها حتصيل السيولة النقدية لألفراد واملؤسسات.
ب -تعريفها ،وهي( :حتصيل النقد بشراء سلعة من البنك ،وتوكيله يف بيعها،
وقيد مثنها يف حساب املشرتي).
جـ -الفرق بينها وبين المرابحة لآلمر بالشراء :وختتلف عن املراحبة لآلمر بالشراء
من جهة أن قصد العميل يف التورق احلصول على النقد ،أما املراحبة فقد
يكون قصده النقد ،وقد يكون قصده شراء السلعة بالتقسيط.
ومن جهة أن الت ورق –كما عليه واقع املعامل ة -يتض من توكيل العميل
للبنك يف بيع السلعة نيابة عنه ،أما املراحبة ،فال تتضمن التوكيل غالباً.
ومن جهة أن الت ورق يق وم على بيع مع ادن يف الس وق الدولية مث ل:
املغنيس يوم ،والبالدي وم ،والبالتني ،واألملوني وم ،وحنوها على العمي ل ،أما املراحبة
فتقوم على بيع بضائع حملية ،كالسيارات ،واألثاث ،وحنوها.
انظر :التورق املصريف املنظم ،عبداهلل بن حممد السعيدي ،رابطة العامل اإلسالمي ،اجملمع )1 (
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
ومن جهة أن التورق تكون فيه السلعة موجودة لدى البنك ،قبل أن يطلبها
العميل –كما تق ول البن وك ،-أما املراحبة فال يش رتي البنك الس لعة إال بعد أن
يطلبها منه العميل غالباً.
تخريجهGGGGا :الت ورق املنظم يتم يف الس وق الدولي ة ،ويكتنفه الكثري من د-
الغم وض يف التط بيق ،فقد توجد الس لعة "املع دن" ،وقد ال توج د ،وقد
تب اع على من اش رتيت من ه ،وقد تب اع على ط رف آخ ر ،هلذا ال ميكن
اخلل وص إىل ختريج حمدد هلا ،لكنها حتتمل أن تك ون تورق اً ،وحتتمل أن
تكون عينة.
حكمها :ونظراً ملا يف هذه املعاملة من غموض ،حيث تتم يف السوق هـ -
الدولية ،بعيداً عن الرقابة ،وملا فيها من االحتيال ،ومن مظاهره:
اإلخالل يف القبض الش رعي من جهة البن ك ،الب ائع ،فإنه ال يس تلم
اإليصال األصلي للسلعة ،الذي يع ّد قبض اً حكمي اً ،وإمنا يستلم ورقة من
الش ركة البائعة اليت يش رتي منه ا ،واملتع ارف عليه عند ذوي الش أن من
البنوك ،والشركات العاملية أن عدم احلصول على اإليصال األصلي يعين
()1
عدم وجود السلعة.
واإلخالل ب القبض من جهة العميل حيث إنه يش رتي وح دة من املع دن
صغرية ،غري معينة ،وغري حمددة ،إذ إهنا جزء من كمية كبرية من املعدن
غري جمزأة ،فكيف يش رتي ش يئاً غري معني ،إال إذا مل يكن قص ده منه إال
االحتيال به على حتصيل نقد بنقد ،كما هو الشأن يف العينة.
العينة والتورق والتورق املصريف ،علي السالوس ،رابطة العامل اإلسالمي ،اجملمع الفقهي، )1 (
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
بل ولو كان ما اشرتاه العميل معين اً ،فإنه ال ميكنه قبضه ،ال حقيقة ،وال
حكماً ،فإنه ال يتم استالم السلعة إال باإليصال األصلي ،وكل إيصال ميثل مخسة
وعش رين طن اً ،وال ميكن جتزئته( ،)2()1وال يس تطيع أحد أن يس تلم الس لع مبوجب
()3()2
إيصاهلا األصلي إال إذا كان من املسموح هلم بالتعامل مع البورصة
وبه يتبني أن العميل يشرتي سلعة ال ميكنه أن يستلمها ،فيكون البيع حيلة
غري مقصود.
وملا فيها من هتجري األم وال للخ ارج ،ف إن بعض البن وك ختصص يومي اً
مخسة ماليني دوالر ،وبعض ها عش رة ماليني دوالر للمت اجرة يف ه ذه املعاملة يف
السوق الدولية.
وهلذا كل ه ،فالظ اهر منعها –واهلل أعلم -وقد أفىت مبنعها جممع الفقه
اإلس المي ،لرابطة الع امل اإلس المي ،يف دورته الس ابعة عش رة ،بت اريخ
19/10/1424هـ يف مكة املكرمة.
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
المبحث الثالث
*
التأمين
المطلب األول
تاريخ التأمين وأقسامه
أوالً :في بيان تاريخ التأمين( :)1التأمني مما شاع بني الناس اليوم ،مصطلحاً،
ومعاملة وأول ما ظهر ك ان يطلق على الت أمني التج اري ،ال ذي ب دأ بالت أمني
البحري يف أواخر القرن الرابع عشر يف أوروبا ،على البضائع اليت تنقلها السفن
بني مدن إيطاليا ،وبلدان حوض البحر األبيض املتوسط.
مث تاله بعد زمن طويل الت أمني ال ربي يف إجنل رتا ،يف أواخر الق رن الس ابع
عش ر ،يف ص ورة الت أمني من احلري ق ،عقب حريق هائل نشب يف لن دن س نة
1666م ،ألتهم أكثر من ثالثة عشر ألف منزل ،وحنو مائة كنيسة.
مث انتشر التأمني من احلريق بعد ذلك يف أملانيا ،وفرنسا ،وأمريكا ،خالل
القرن الثامن عشر امليالدي.
مث أخ ذت تتق اطر ص ور الت أمني األخ رى ،وك ان مما ظهر من ص وره:
"الت أمني التع اوين" ،بص وره املختلف ة ،وقد ظهر يف ص ورته املنظمة يف وقت
قريب جداً ،ليكون بديالً عن التأمني التجاري.
وهبذا ص ار مص طلح الت أمني عند إطالقه يش مل ص وراً ش ىت ،ختتلف يف
حقيقتها ،وحكمها.
إعداد :د .عبداهلل بن حممد السعيدي. *
انظر :الوسيط يف شرح القانون املدين ،عبدالرزاق السنهوري ،القاهرة :دار النهضة )1 (
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
ثانيGاً :في بيGGان أقسGGام التGGأمين( :)2وينقسم الت أمني أقس اماً ع دة ،العتب ارات
عدة:
فباعتبار المكان الذي يقع فيه الحدث ينقسم التأمين إلى:
يؤمن عنه".
-1التأمني الربي :ويشمل حوادث الرب "ما حيدث يف الرب ،مما َّ
ؤمن
-2الت أمني البح ري :ويش مل ح وادث البحر "ما حيدث يف البح ر ،مما ي َّ
عنه".
يؤمن عنه". -3التأمني اجلوي :ويشمل حوادث اجلو " ما حيدث يف اجلو ،مما َّ
وباعتبار محله ينقسم التأمين إلى:
-1الت أمني على األش خاص :وحمله ش خص اإلنس ان ،أو ما يتعلق بشخصه
وينقسم إىل أقسام منها:
-1أ -التأمني على احلياة :وفيها يُ دفع للمستفيد "املؤمن له" مبلغ التأمني
على حنو معلق حبياته ،وجوداً ،أو عدماً.
-1ب -التأمني على الصحة :وهو التأمني على صحة املؤمن له ،فيتحمل
املؤمن ما جيب على املؤمن له من تك اليف العالج ،وال دواء،
وحنوها.
-1جـ -الت أمني على الذمة "املس ؤولية" :وهو الت أمني لذمة املؤمن ل ه،
املؤمن ما جيب على املؤمن له جتاه الغري من مس ؤولية، فيتحمل ِّ
املؤمن
كالت أمني للمس ؤولية عن ح وادث الس ري ،وفيه يتحمل ِّ
املؤمن له.
تعويض الغري عما أصابه من ضرر من قبل َّ
انظ ر :املرجع السابق/7 ،مج ،1156 /2التأمني االجتماعي يف ضوء الش ريعة )1 (
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
التأمني على األشياء "املمتلكات" :وهو التأمني على ما ميلكه املؤمن له، -2
سواء أكان معين اً :كاملنزل ،واملصنع ،أم كان غري معني :كالتأمني على
املخازن ،واملتاجر ،فإن حمتوياهتا غري معينة.
وباعتبار غرضه ،ينقسم إلى:
-1التأمني التجاري :وهو ما يكون مقصوده الربح ،سواء أقام به األفراد ،أم
الشركات ،واجلمعيات.
-2الت أمني غري التج اري :وهو ما ال يقصد به ال ربح ،وإمنا التع اون يف حتقيق
املصلحة ،ودفع املفسدة ،ومن أقسامه" :التأمني التعاوين" ،وفيما يلي بيان
كل منهما:
المطلب الثاني
التGGأمين التجGGاري :وهو األصل يف الت أمني معامل ة ،ومص طلحاً ،وش ركاته تص نف
على أهنا من ش ركات األم وال فإهنا تش به -إىل ح د -البن وك ،من جهة أن كالً
منهما وع اء جتتمع فيه األم وال ،وتوظف يف الق روض( .)1وس نتكلم عليه من
خالل العناصر اآلتية:
تعريفه :لغGGة :الت أمني مص در ،مش تق من املادة " َّأمن" بتش ديد امليم ،وهي أ.
يف معىن ضد اخليانة ،لكن املعاصرين يرون أن التأمني من األمان مبعىن
()2
الق اموس احملي ط ،الط اهر أمحد ال زاوي ،ب ريوت :دار الكتب العلمي ة1399 ،هـ ،م ادة "أمن"،
.1/182
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
مالك رفع املخ اوف كله ا ،إ ْذ ب َق َدره ،وقدرته إنزاهلا ،وبق دره ،وقدرته
رفعه ا .وأم ان خ اص ،يص در من ك ِّل حبس به ،فال ذي ميلك س فك ال دم
ميكنه أن يعطي األمان منه ،والذي ميكنه استحالل املال ،ميكنه أن يعطي
األمان منه.
ِ
املستأمن على نفسه ،أو ماله بكف واألمان يف هذا وذاك هو رفع خوف
املؤمن -من يعطي األمان -عن سببه الذي يقدر عليه.
ِّ
املؤمن ال ميلك منع تلف م ال املس تأمن ،إذ قد يتلف من طريق ال
كما أن ِّ
يقدر عليه.
وعلى هذا :فإن األمان يرفع املكروه من وجه دون وجه ،ويرفع اخلوف
من وجه دون وجه وال يقوى على رفع ذلك مطلقاً.
ؤمن منه
وب النظر إىل الت أمني فإنه ال يرفع املك روه ،ف احلريق مك روه ي َّ
ؤمن من ه ،لكن الت أمني ال يرفع احلريق وال الس رقة ،ولو من
والس رقة مك روه ي َّ
وج ه ،فهو هبذا ال يرفع اخلوف منهم ا ،وال يرفع كل أثر ي رتتب عليهم ا ،وكل
املؤمن بعد حدوث املكروه هو تعويض املستأمن ،وهذا أقرب ما ميكن أن يفعله ِّ
إىل مفه وم الض مان منه إىل األم ان ،ف إن الض مان ال مينع وق وع املك روه ،لكن
يعمل على ختفيف بعض أث ره بعد وقوع ه ،والت أمني يف أحسن أحواله ال يع دو
هذا ،فكان األوىل اشتقاق امسه من الضمان ،ال من األمان.
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
املؤمن منه -اخلط ر "-قد ال يوج د ،ومع ذلك يظل عقد ف إن قيل إن " َّ
التأمني قائماً ،ملزماً للعاقدين ،ولو كان ركن اً ملا أمكن وجود العقد بدونه ،ألن
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
ال ركن ج زء من املاهي ة ،ال يتحقق وجودها إال ب ه ،فهو إذاً ش رط علق عليه
استحقاق التعويض يف عقد التأمني ،وليس ركناً.
قلت :إن تص ور العقد دون وج ود ركنه وقت العقد ممكن ،كما هو الش أن
يف عقد السلم ،فإن املعقود عليه غري موجود وقت التعاقد.
فإن قيل بالفرق بني التأمني ،والسلم من جهة أن املعقود عليه يف السلم وإن
ك ان غري موج ود وقت العقد إال أنه يوجد الحق اً عند حل ول األج ل ،وليس
املؤمن منه -اخلطر "-أبداً.
التأمني كذلك ،فقد ال يقع " َّ
قلت :ه ذا هو الغ رر ال ذي يكتنف املعق ود عليه يف الت أمني ،وبه ال يك ون
الت أمني مش روعاً ،واحتماله الغ رر ال يص رِّي ه ش رطاً ،لكنه يص رِّي العقد ممنوع اً،
الشتمال ركنه على الغرر.
املؤمن" ،و"املس تأمن
-4الص يغة :وهي اإلجياب ،والقب ول من ط ريف العق دِّ " :
-املؤمن له."-
َّ
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
أجل ق ريب من إب رام عقد الت أمني ،وقد يقع بعد أجل بعيد من إب رام عقد
التأمني.
املؤمن للم ؤمن له تعويض اً أك ثر مما أخ ذه منه من أقس اط ،وقدوقد ي دفع ِّ
يدفع له تعويضاً أقل مما أخذه منه من أقساط.
وبه يت بني أن أحد العوض ني ،وهو "املبلغ التعويضي" يكتنف الغ رر من
جه ات ثالث :من جهة أصل اس تحقاقه ،إذ هو مرتبط خبطر قد يق ع ،وقد
ال يق ع .ومن جهة مق داره ،ومن جهة أجل ه ،وهبذا يك ون الغ رر فاحش اً،
وفيه يق ول الس نهوري( :وهو من العقود االحتمالي ة ،أو عقود الغ رر ،وقد
أورده التق نني املدين ض من ه ذه العق ود بعد املق امرة ،والره ان ،واإلي راد
املرتب مدى احلياة)(.)1
املؤمن له" وهو -اجلانب الضعيف يف -3أنه من عقود اإلذعان :إذ فيه ينزل " َّ
املؤمن" وهو –اجلانب القوي يف العقد-العقد -على شروط " ِّ
د -حكم التأمين التجاري :التأمني مل يك ظاهراً يف بالد اإلسالم من مجلة معاملتهم،
وأول بداياته ك انت يف الربع األول من الق رن الرابع عشر اهلج ري
-تقريب اً ،-ل ذا فإنك ال جتد يف خاصة حكمه كتاب اً مس طوراً عن العلم اء
املتقدمني ،عدا ما ذكره ابن عابدين يف حاشيته على الدر املختار )2(،حيث
ذك ره باسم "الس وكرة" ،ومجلة ما يُ ذ َكر يف الت أمني من أق وال يف حكمه
تع ود إىل العلم اء خالل ق رن من الزم ان هو ف رتة بدايته إىل أن ص ار الي وم
ظاهرة يف بالد اإلسالم ،فاشية يف سوقها كغريها من املعامالت.
انظ ر :حاش ية ابن عاب دين ،ب ريوت :دار الكتب العلمي ة ،ط1415 ،1هـ ،6/281 ،وابن )2 (
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
وقد اختلف العلم اء –خالل ه ذه الف رتة -يف حكم الت أمني بني قائل
مبنع ه ،وقائل بإباحت ه ،على أن مجه ورهم يقول ون مبنع ه ،وفيما يلي بي ان لألق وال
بأدلتها:
القول األول :الق ول مبنع الت أمني التج اري ،حيث عُ ِرض الت أمني التج اري
للنظر يف حكمه على مؤمترات ،وهيئات علمية ،وجمامع فقهية كلها قالت مبنعه،
وهي:
-1املؤمتر العاملي األول لالقتصاد اإلسالمي ،يف مكة املكرمة ،سنة 1396هـ.
-2جملس هيئة كب ار العلم اء يف اململكة العربية الس عودية ،يف دورته العاش رة،
بالرياض ،بتاريخ 4/4/1397هـ.
-3جملس جممع الفقه اإلس المي ،لرابطة الع امل اإلس المي ،لدورته األوىل ،يف
مكة املكرمة ،بتاريخ 1/8/1398هـ.
-4جملس جممع الفقه اإلس المي ،ملنظمة املؤمتر اإلس المي ،يف ج دة ،بت اريخ -10
16/4/1406هـ.
أدلة المنع :وقد اعتمد المانعون أدلة للمنع ،من أظهرها(:)1
-1اش تمال الت أمني التج اري على الغ رر الف احش-وقد تق دم بيانه يف خص ائص
التأمني ،-فإنه يرتدد بني أمور عدة ،وحيتمل احتماالت عدة ،وهذا هو الغرر،
ف إن الغ رر يف االص طالح( :ما ت ردد بني أم رين ليس أح دمها أظه ر)( .)2وهو
حمرم لنهي النيب عن بيع الغرر(.)3
انظر :أحباث هيئة كبار العلماء يف اململكة العربية السعودية،األمانة العامة للهيئة ،الرياض: )1 (
أخرجه صحيح مسلم ،كتاب البيوع ،باب بطالن بيع احلصاة والبيع الذي فيه غرر، )3 (
.10/157برقم . 2783
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
وقد ح اول اجمليزون اس تخراج الت أمني من كونه غ رراً ،ومق امرة ،وذلك ب أن
املؤمن ،وكل مس تأمن على ح دة ،بل ال يقتصر النظر على العالقة العقدية بني ِّ
املؤمن مبجم وع املس تأمنني ،وهبذا ال يك ون عقد الت أمني عق داًب النظر إىل عالقة ِّ
املؤمن ،ألنه بالنظر إىل جمموع املستأمنني ،وتبع اً
احتمالياً ،أو مقامرة بالنسبة إىل ِّ
لق انون الك ثرة مل يكن َع َّرض نفسه الحتم ال اخلس ارة ،أو الكسب على حنو
()4
يفوق ما عليه التجارة املعتادة.
انظ ر :الوس يط ،مرجع سابق7 ،مج ،2/1140نظام التأمني ،مصطفى الزرقا ،ب ريوت: )4 (
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
ويناقش من وجوه:
املؤمن ،لكنه مل ينظر إىل
الوجه األول :أنه يف نفي املق امرة مل ينظر إال إىل ج انب ِّ
جانب املستأمن ،فإن االحتمال واملقامرة وارد يف حقه جداً ،ووجود االحتمال يف
أحد جانيب العقد يبطله.
فGGإن قيGGل :ويف ج انب املس تأمن ينتفي االحتم ال ،واملق امرة أيض اً ،فإنه بعقد
الت أمني قد حصل له األم ان( ،)1ف إذا ف ات عليه ما دفعه من أقس اط ،ومل يأخذ
مقابلها تعويضاً مالياً ،فقد حصل مبقابلها على عوض وجداين هو األمان .قلت:
هذا خيالف حقيقة عقد التأمني إذ العوضان فيه :القسط ،ومبلغ التعويض ،وهو
أمر متقرر عند الفقهاء ،والقانونيني(.)2
الوجه الثGGGاني :مث إن ه ذا التوجيه قد ص رَّي الت أمني عالقة تعاقدي ة ،تعاونية بني
جمموع املستأمنني وليس ذلك كذلك ،ملا يلي:
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
اشتمال التأمني التجاري على أكل املال بالباطل ،فإن من يدفع أقساطاً -3
نقدي ة ،ومل يُع َّوض عنها ش يئاً ،فإهنا تف وت عليه بال مقاب ل ،ويك ون من
أخذها قد أكلها بال مقابل ،وهو الباطل املنهي عنه.
()1
املؤمن مل
اشتمال التأمني التجاري على اإللزام مبا ال يلزم شرعاً ،فإن ِّ -4
حتدث منه الكارث ة ،ومل يتس بب يف ح دوثها ،فلم يكن ملزم اً بض مان
آثارها ،والتزامه بالضمان لقاء عوض يدفع له جماوزة ال يقر عليها.
القول جبواز التأمني التجاري ،ويكاد يكون فضيلة الشيخ القول الثاني:
مص طفى الزرقا -رمحه اهلل -عم دة الق ائلني جبوازه ،إذ أف اض يف
االستدالل له ،ومناقشة خمالفيه.
ومع إفاضة الش يخ الزرقا -رمحه اهلل -يف االس تدالل للج واز ،إال أن املتأمل
ألدلته جيدها:
أ -إما أن تكون قائمة على تصوير التأمني على غري حقيقته.
ب -أو أن تكون قائمة على قياس غري صحيح.
ومن أمثلة األول :ما ذك ره عيسى عب ده -رمحه اهلل -من خالل رجوعه
إىل السجالت الرمسية بدار اإلفتاء ،حيث نقل سؤاالً تقدم به "هور روسل" يف
ص فر س نة 1321هـ إىل الش يخ حممد عب ده -رمحه اهلل ،-وهو املفيت وقته ا،
ونص الس ؤال ه و( :رجل يريد أن يتعاقد مع مجاعة" ش ركة مثالً على أن ي دفع
هلم م االً من ماله اخلاص ،على أقس اط معين ة ،ليعمل وا فيها بالتج ارة ،واش رتط
عليهم أنه إذا ق ام مبا ذك ر ،أو انتهى أمد االتف اق املعني بانته اء األقس اط املعين ة،
وك انوا قد عمل وا يف ذلك املال ..وك ان حي اً ،فيأخذ ما يك ون له من املال ،مع
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
ما خيصه من األرباح ،وإذا مات يف أثناء تلك املدة فيكون لورثت ه ،أو ملن له حق
الوالية يف ماله أن يأخذوا املبلغ تعلق مورثهم مع األرباح ،فهل مثل هذا التعاقد
الذي يكون مفيداً ألربابه مبا ينتجه هلم من الربح ..جائز شرعاً؟)( )1وقد أجاب
الشيخ حممد عبده مبا يلي -وهو النص الرمسي للفتوى املشهورة:-
(لو ص در مثل ه ذا التعاقد بني ذلك الرجل وه ؤالء اجلماعة على الص فة
املذكورة كان ذلك جائزاً شرعاً.)2()...
وي ذكر عيسى عب ده -رمحه اهلل -أن ه ذه الفت وى قد راجت رواج اً
كب رياً بني ش ركات الت أمني ،إذ طبعت حبروف دقيق ة ،وأحيطت باألخت ام،
ووضعت يف إطار مثني ،صارت تقتنيه شركات التأمني ،وتشهره يف مكاتبها(.)3
وقد بين على ه ذا التص وير املخ الف حلقيقة الت أمني االس تدالل جلوازه
بعقد املضاربة ،وسيأيت مبناقشته.
ومن أمثلته أيض اً :تص وير الت أمني على أنه تع اون ق ائم بني جمم وع
املستأمنني ،وليست شركة التأمني إال وسيطاً بينهم(.)4
وبن ًاء على ه ذا التص وير اس تدلوا جلواز الت أمني بأنه ق ائم على التع اون،
وسيأيت مبناقشته.
التأمني األصيل ،والبديل ،عيسى عبده ،بريوت :دار البحوث العلمية1392 ،هـ ،ص )1 (
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
ومن أمثلة الث اين :قي اس عقد الت أمني على املض اربة ،واالس تئجار
للحراسة ،وضمان اجملهول ،وضمان خطر الطريق ،وكل ذلك قياس مع الفارق
سيأيت مبناقشته.
أنظر :نظام التأمني ،مرجع سابق ،ص ،53-45ص 57أحباث هيئة كبار العلماء ،مرجع )1 (
ابق، س
.4/180-233
الوسيط ،مرجع سابق7 ،مج ،2/1140نظام التأمني ،مرجع سابق ،ص50 ،43 ،42 )2 (
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
ال جيدون غضاضة يف وصف الت أمني بأنه عقد معاوض ة ،وره ان،
ومق امرة( ،)3وقد تق دمت مناقشة ه ذه ال دعوى عند مناقشة اس تدالل
املانعني بالغرر.
املؤمن يس تثمر أم وال
االس تدالل بقياسه على املض اربة من جهة أن ِّ -4
املس تأمنني ،وما يص رفه على الت أمني من مب الغ للمس تأمنني ميثل أرب احهم،
وما حيتفظ به لنفسه من مال ميثل نصيبه من الربح.
وه ذا االس تدالل مبين على تص وير الت أمني على خالف حقيقت ه ،كما يف
صورة الفتوى املنقولة فيما تقدم عن الشيخ حممد عبده -رمحه اهلل -وجياب عنه:
بأنه قي اس مع الف ارق ف إن ش ركة املض اربة تف رتق عن الت أمني من وج وه منه ا:
أ -أن رأس املال يف املض اربة يك ون ملك اً لص احبه ال ذي دفع ه ،ويف الت أمني ما
يدفع من مال يكون ملكاً لشركة التأمني.
ب -أن ال ربح الن اتج عن رأس املال يف املض اربة يك ون بني الش ريكني حسب
اتفاقهما ،ويف التأمني يكون الربح للشركة ،باعتبار أهنا مالك رأس املال.
-5االس تدالل بقياسه على اإلج ارة يف عمل احلراس ة ،من جهة أن احلارس
جيوز اس تئجاره للقي ام بعمل احلراس ة ،وهو بعمله حيقق األم ان،
واالطمئن ان ملن اس تأجره ،وك ذا الش أن يف الت أمني فإنه حيقق األم ان
واالطمئنان للمستأمن.
وجياب :بأن القياس مع الفارق فإن األجرة يف عقد احلراسة إمنا هي على
العمل ،ليس األمان ،وهلذا فإن احلارس عند قيامه بعمل احلراسة يستحق
األجرة ،سواء أحتققت الغاية من العقد وهي األمان ،أم مل تتحقق.
أما األقساط يف عقد التأمني فإهنا مقابل مبلغ التعويض ،فافرتقا ،ويف كال
العقدين مل يكن األمان حمالً للعقد.
انظر :التأمني األصيل والبديل ،مرجع سابق ،ص.42 )3 (
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
االستدالل بقياسه على ضمان اجملهول ،وضمان مامل جيب ،من جهة أنه -6
جيوز -على خالف بني الفقهاء -ضمان ما يكون جمهوالً ،ومامل يكن
واجب اً من احلق وق ،ف إذا ك ان ج ائزاً مع اش تماله على اجلهال ة ،فليجز
التأمني على ما فيه من جهالة ،وغرر.
وجياب :بأنه قي اس مع الف ارق ،ف إن الض مان ت ربع ،وإحس ان فتغتفر فيه
اجلهالة ،خبالف التأمني ،فهو عقد معاوضة تفسده اجلهالة ،واالحتمال.
االستدالل بقياسه على ضمان خطر الطريق ،فإن من قال آلخر :اسلك -7
ه ذا الطري ق ،فإنه آمن ،ف إن ك ان خموف اً ،وأ ُِخ َذ مالك فإنا ض امن ،فإنه
يضمن ،ووجه الشبه بني هذا والتأمني :أن يف كل منهما ضماناً للخطر
إذا وقع ،فإذا جاز ضمان خطر الطريق ،فليجز التأمني.
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
المطلب الثاني
الت أمني التع اوين :والت أمني التع اوين ج اء ليك ون ب ديالً عن الت أمني
التجاري ،بعدما ترجح منعه ،وسيكون الكالم عليه مقيداً بالعناصر اآلتية:
أ .خصائصه :ويتميز التأمني التعاوين عن التأمني التجاري خبصائص منها:
.1أن مقصوده التناصر ،والتعاون ،خبالف التجاري فإن مقصوده املعاوضة،
وما يكون فيه من تعاون ليس قصداً ،بل تبع.
املؤمن هو املس تأمن ،وجمم وعهم ميثل أعض اء مجعية الت أمني ،خبالف
.2أن ِّ
املؤمن طرف مستقل متثله شركة التأمني ،واملستأمن طرف التجاري فإن ِّ
املؤمن ،وعن باقي املستأمنني.
آخر مستقل عن ِّ
ب .أقسامه ،والتعريف بكل قسم :وينقسم إلى ثالثة أقسام:
صص منها ما يكون تربعاً حمضاً ملساعدة املنكوبني ،كأن خُي َّ -1
ص ندوق ل دعم املنك وبني ،تدعمه الدول ة ،أو احملس نون -من غري
املستفيدين منه ،-أو مها معاً .
تعريفه :ومل أقف على تعريف هلذا القسم ،وأرى أن يعرف بأنه:
(تربع ملن يصيبه ضرر من غري املتربعني)
ومنها ما يكون مقصوده التناصر ،والتعاون ،إذ التربع فيه ليس حمضاً من -2
جهة أن املس تفيدين منه هم املس همون في ه ،ك أن جيتمع أف راد ت ربطهم
رابطة القرابة ،أو الصداقة ،أو العمل يف إنشاء صندوق لدعم من يتعرض
منهم لنائبة ،إن كان ذلك مطلقاً ،أو مقيداً بنوع من احلوادث.
وه ذا القسم يس مى بـ "الت أمني التع اوين البس يط -املباش ر ،"-ويتم يز
مبحدودية أعضائه ،وأهنم القائمون بإدارته.
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
تعريف ه :ويع رف بـ(أن يش رتك مجاعة مبب الغ ختصص لتع ويض من يص يبه
( )1
الضرر منهم)
وقد تتوسع دائرة القسم الثاين ،فتجاوز حدود القرابة ،أو الصداقة، -3
فتضم مجع اً كب رياً من املس همني في ه ،حبيث يعجز أعض اؤه عن إدارت ه،
عهد بإدارته إىل ش ركة أجنبية عن املس همني في ه ،وه ذا أظهر ما يفرقه
فيُ َ
عن القسم ال ذي قبل ه ،ويس مى بـ "الت أمني التع اوين املركب -غري
املباشر."-
تعريفه :ويعرف بأنه(:عقد تأمني مجاعي يلتزم مبوجبه كل مشرتك فيه بدفع مبلغ
معني من املال على سبيل التربع ،لتعويض املتضررين منهم ،على أساس
التكاف ل ،والتض امن عند حتقق اخلطر املؤمن من ه ،ت دار فيه العملي ات
التأمينية من قبل شركة متخصصة ،على أساس الوكالة بأجر معلوم)(.)1
جـ -يف بيان حكمه :أما القسم األول :فال إشكال يف جوازه ،فإنه تربع
حمض ،وهو من اإلحسان واملعروف ،والتعاون ،على الرب والتقوى ،وهو
مأمور به.
وأما القسم الث اين :ف الراجح ج وازه ،ملا فيه من التع اون ،والتناص ر،
واإلحس ان ،وقد أفتت جبوازه هيئة كب ار العلم اء باململكة العربية الس عودية يف
قرراها رقم 51يف 4/4/1397هـ ،كما أفىت جبوازه جملس جممع الفقه
اإلس المي ،لرابطة الع امل اإلس المي ،يف دورته األوىل ،مبكة املكرم ة ،يف
1/8/1398هـ.
التأمني التعاوين اإلسالمي وتطبيقاته ،أمحد سامل ملحم ،ط1420 ،1هـ ،ص .78 )1 (
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
وميكن أن يق ال مبنع ه ،لكونه ليس تربع اً حمض اً ،ف إن املس همني فيه قص دهم
االنتفاع عند حاجتهم منه ،فيكون أدخل بسلف جر نفعاً.
وجياب :بأن هذا توسع يف تطبيق قاعدة كل سلف جر نفعاً فهو ربا(.)2
قلت :واألوىل أن يلحق حبكم العاقل ة ،وأص له ما رواه أبو هري رة رضي
اهلل عنه قال( :اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحدامها األخرى حبجر ،فقتلتها
وما يف بطنه ا ،فاختص موا إىل رس ول اهلل ،فقضى أن دية جنينها غ رة عب د ،أو
وليدة ،وقضى بدية املرأة على عاقلتها.)3()...
ووجه الداللة فيه على الت أمني التع اوين ه و :أن اإلس الم كلف العص بة
التناصر ،والتعاون فيما بينهم يف حتمل الدية عن الفرد منهم ،ومل يعترب مبا يدخل
متحمالً الي وم،
ذلك من معاوض ة ،من جهة أن الف رد من ه ذه العص بة يك ون ِّ
متحمالً عنه غداً.
َّ
فإن قيل بالفرق بينهما من جهة أن نظام العاقلة ال ترصد له أموال سلفاً
قبل وق وع الض رر ،خبالف الت أمني التع اوين ،قلت :ه ذا ف رق غري م ؤثر ف إن أي
فرد من العصبة املتناصرين ال يكون مسلفاً لآلخر مبجرد رصد املال سلفاً ،وإمنا
يكون مسلفاً له بالتحمل عنه ،فاستوى يف ذلك رصد املال سلفاً وعدمه.
وإذا ك ان ذلك ك ذلك ،واغتف رت الش ريعة ما فيه من معىن املعاوض ة،
فليكن كذلك يف التأمني التعاوين ،فإنه مثله ،لعدم تأثري الفرق كما تقدم.
انظر :أحباث هيئة كبار العلماء يف اململكة ،مرجع سابق. 4/281 ، )2 (
صحيح البخاري ،بفتح الباري ،املطبعة السلفية ،كتاب الديات ،باب جنني املرأة،.... )3 (
،12/252رقم . 6910
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
مث إن احتجاج املانعني بقاعدة "كل قرض جر نفع اً فهو ربا" ليس بأوىل
من احتجاج اجمليزين حبكم العاقلة ،بل هو أوىل بالتأمني التعاوين جبامع التعاون،
كل ،وقصدمها يف التأمني التعاوين أظهر من قصد املعاوضة. والتناصر يف ٍّ
وأما القسم الثالث" :التأمني التعاوين املركب" فاألصل جوازه ،ألن ما يفرتق
فيه عن الت أمني التع اوين البس يط غري م ؤثر ،إال إن ت رتب على ه ذه الف روق
الشكلية فروق مؤثرة ،كأن يرتتب على كثرة األعضاء وعدم تعارفهم ،وإدارته
من قبل ش ركة أجنبية عن الش ركاء خ روج به عن هدف ه ،فتحيد به الش ركة
القائمة على إدارته عن غايته التعاونية وتس تأثر بأمواله اجملتمع ة ،وتوظفها يف
اإلقراض بفائدة ،وختطو فيه خطا شركات التأمني التجاري ،فذلك أمر حمظور.
وهو يوجب التثبت مما عليه واقع تلك الشركات قبل احلكم عليها ،ألن
جمرد األمساء ال اعتب ار هلا ،فال حيكم على بنك أنه إس المي ،أو ت أمني على أنه
تعاوين جملرد امسه ،بل البد من النظر إىل حقيقته.
قائمة المراجع
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
.1االحتاد ال دويل للبن وك اإلس المي ،املوس وعة العلمية والعملية للبن وك
اإلسالمية 1402 ،هـ.
.2األحك ام الس لطانية والوالي ات الدينية – أليب احلسن على بن حممد
املاوردي – حتقيق خالد العلمي – نشر دار الكتاب العريب – بريوت –
الطبعة األوىل 1410هـ .
.3أحك ام املال احلرام وض وابط االنتف اع والتص رف به – د .عب اس الب از
دار النفائس – األردن – الطبعة الثانية 1420هـ .
.4أحكام امللكية يف الفقه اإلسالمي – دار مقارنة – حممد منصور املدخلي
– الطبعة الثانية 1419هـ -دار املعراج الدولية للنشر – الرياض .
.5إدارة وتثمري ممتلك ات األوق اف .ج دة :البنك اإلس المي للتنمية .
( وقائع احللقة الدراسية لتثمري مملتكات األوقاف 1404 ،هـ .
.6أدوات إعادة التوزيع وأثرها يف حتقيق االقتصادية يف االقتصاد اإلسالمي
.عبد ال رمحن بن إب راهيم الش باتات .رس الة دكت وراه .جامعة اإلم ام
حممد بن سعود اإلسالمية .الرياض 1422هـ .
.7إرواء الغليل يف ختريج أحاديث منار السبيل – حممد ناصر الدين األلباين
– املكتب اإلسالمي – بريوت – الطبعة الثانية 1405هـ .
.8اإلس الم والتح دي االقتص ادي .حممد عمر ش ابرا .تع ريب حممد زهري
السمهوري .عمان :املعهد العاملي للفكر اإلسالمي 1416 ،هـ .
.9اإلسالم واملذاهب االقتصادية املعاصره – يوسف كمال – الطبعة األوىل
1407هـ دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع – املنصورة – مصر .
.10أص ول االقتص اد اإلس المي – د .رفيق ي ونس املص ري الطبعة الثانية
1413هـ – دار القلم – دمشق – الدار الشامية – بريوت .
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
أصول االقتصاد اإلسالمي .د .عبد احلميد حممود البعلي الطبعة األوىل .11
1421هـ – دار الراوي – الدمام .
االقتصاد .بول سامو يسلون ،ويليام هاوس .ط . 15تعريب هشام .12
عبد اهلل ،مراجعة أسامة الدباغ ،عمان :األهلية للنشر 2001م .
االقتصاد اإلسالمي ،مبادىء وخصائص وأهداف ،حسن سري ،ط1 .13
1411 ،هـ .
اقتص ادنا يف ض وء الق رآن والس نة – د .حممد حسن أبو حيىي الطبعة .14
األوىل 1409هـ -دار عمار – عمان .
اقتصاديات الغين يف اإلسالم .د .عمر املرزوقي ،جامعة امللك سعود . .15
عمادة البحث العلمي 1423 ،هـ .
اقتص اديات ملالية العامة والنظ ام املايل يف اإلس المي .عبد احلميد حممد .16
القاضي .مصر :دار اجلامعة املصرية 1980 ،م .
اقتص اديات املرياث يف اإلس الم .د .عمر املرزوقي جامعة األزهر .جملة .17
صاحل كامل لالقتصاديات اإلسالمي 1422هـ .
اإلقناع لطالب االنتفاع – موسى احلجاوي – حتقيق عبد اهلل الرتكي – .18
دار اهلجرة – الطبعة األوىل 1418هـ ز
االكتس اب يف ال رزق املس تطاب – حملمد بن احلسن الش يباين – حتقيق .19
حممود عرنوس – مطبعة دار الكتاب العلمية – بريوت – الطبعة األوىل
1406هـ .
اإلنس ان أس اس املنهج اإلس المي يف التنمية االقتص ادية ،د .عبد احلميد .20
الغ زايل ،الناشر املص رف اإلس المي ال دويل لالس تثمار ،الق اهرة ،
1408هـ .
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
أيسر التفاسري لكالم العلي القدير – أليب بكر اجلزائري – دار السالم – .21
مصر – الطبعة الرابعة 1412هـ .
بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع – أليب بكر بن مسعود الكساين – دار .22
الكتب العلمية – بريوت – الطبعة الثانية 1406هـ .
البداية والنهائية – البن كثري القرشي – حتقيق د .عبد اهلل ال رتكي – .23
دار هجر – الطبعة األوىل 1417هـ .
ت اريخ الفكر االقتص ادي ،د .س عيد النج ار ،دار النهضة العربية للنشر .24
1973 ،م .
تاريخ الفكر االقتصادي ،د .لبيب شقري ،هنضة مصر للنشر ،القاهرة .25
.
تأصيل االقتصاد اإلسالمي د .مصلح عبد احلي النجار – الطبعة األوىل .26
1424هـ ،مكتبة الرشد – الرياض .
حترير األحك ام يف ت دبري أهل اإلس الم – لإلم ام ب در ال دين بن مجاعة .27
ؤاد عبد املنعم – مطبعة دار الثقافة – قطر – الطبعة الثالثة حتقيق ف
1408هـ .
التسهيل لعلوم التنزيل – حملمد بن جزى الكليب – دار الكتب العلمية – .28
ريوت ب
الطبعة .
تطوير الفكر االقتصادي ،د .حسني عمر ،دار الفكر العريب ، .29
القاهرة ،ج1414 ، 1هـ .
رآن العظيم – إلمساعيل بن كثري القرشي – دار اجليل – تفسري الق .30
بريوت – الطبعة الثانية 1410هـ .
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
تفسري الق رآن الك رمي -حممد بن ص احل الع ثيمني – دار ابن اجلوزي – .31
الطبعة األوىل1423 ،هـ .
متويل التنمية يف االقتصاد اإلسالمي ،د .شوقي دنيا ،مؤسسة الرسالة .32
1404 ،هـ .
تيسري الوص ول إىل علم االص ول – د .عبد ال رحيم يعق وب مكتبة .33
العبيكان – الرياض – الطبعة األوىل 1424هـ .
جامعة البي ان يف تأويل الق رآن – أليب جعفر بن جرير الط ربي – دار .34
الكتب العلمية – بريوت – الطبعة األوىل 1412هـ .
اجلامع ألحك ام الق رآن الك رمي – لإلم ام القرطيب – دار إحي اء ال رتاث .35
العريب – بريوت – 1405هـ .
حاشية الروض املربع شرح زاد املستقنع – عبد الرمحن القاسم – الطبعة .36
الثانية .
دراسات يف االقتصاد السياسي ،عيسى عبده .ط ، 1بريوت .مؤسسة .37
الرسالة 1420 .هـ .
ال رزق احلالل وحقيقة التوكل على اهلل للح ارث احملاسيب – حتقيق حممد .38
اخلشن مكتبة القرآن – القاهرة .
رح املع اين يف تفسري الق رآن العظيم والس بع املث ايل – حمم ود األلوسي – .39
دار الفكر – بريوت – 1414هـ .
روضة الط البني وعم دة املف تني – الن ووي – املكتب اإلس المي ،الطبعة .40
الثالثة 1412هـ .
روضة الن ازر وجنة املن اظر يف أص ول الفقه على م ذهب اإلم ام أمحد بن .41
حنبل – ملوفق الدين عبد اهلل بن قدامة – مكتبة املعارف – الرياض .
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
السياسة االقتص ادية والنظم املالية يف الفقه اإلس المي د .أمحد احلص ري .42
– الطبعة األوىل 1407هـ -دار الكتب العريب – بريوت .
الس رية النبوية – ابن هش ام – حتقيق مهام س عيد وحممد أبو ص عليك – .43
مكتبة املنار – ألردن – الطبعة األوىل 1409هـ .
شرح السنة – لإلمام البغوي – املكتب اإلسالمي – بريوت – الطبعة .44
األوىل 1400هـ .
شرح الكوكب املنري – البن النجار – حتقيق حممد الزحيلي ونزيه محاد .45
– مكتبة العبيكان – الرياض 1413هـ .
الش رح املمتع على زاد املس تقنع .حممد بن ص احل الع ثيمني .مجع :د . .46
سليمان أبا اخليل ود .خالد املشيقح .ط . 1الرياض :آسام 1416هـ
.
ص حيح اجلامع الص غري وزيادته – حممد ناصر ال دين األلب اين – املكتب .47
اإلسالمي – بريوت – الطبعة الثالثة 1408هـ .
ضوابط املصلحة يف الشريعة اإلسالمية .ط . 2حممد سعيد البوطي .ط .48
. 2بريوت :مؤسسة الرسالة 1397 ،هـ .
ضوابط حرية االستثمار املايل دراسة مقارنة ،فهد أمحد حسبو ،رسالة .49
ماجس تري ،املعهد الع ايل للقض اء ،جامعة اإلم ام حممد بن س عود
اإلسالمية ،الرياض 1424هـ .
ع امل إس المي بال فقر ،د .رفعت العوضي ،وزارة األوق اف ،قطر ، .50
1421هـ .
العدالة االجتماعية والتنمية يف االقتص اد اإلس المي ،د .عبد احلميد .51
براهيمي مركز دراسات الوحدة العربية 1997م .
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
علم االقتص اد واملذاهب االقتص ادية ،د .مص طفى العبد اهلل ،مطبعة االحتاد .52
بدمشق 1410هـ .
عناصر اإلنت اج يف االقتص اد اإلس المي والنظم االقتص ادية املعاص رة – .53
دراسة مقارنة – د .ص احل بن محيد العلي – الطبعة األوىل 1420هـ
دار اليمامة – دمشق .
فت اوى الزك اة .عبد اهلل بن عبد ال رمحن بن ج ربين .مجع :ابو أنس .54
علي بن حسني أبو لوز ط . 1الرياض :دار الوطن 1417 ،هـ .
فت اوى اللجنة الدائمة للبح وث العلمية واإلفت اء ،مجع وت رتيب أمحد .55
ال دويش ،ط ، 2الري اض :رئاسة إدارة البح وث العلمية وإلفت اء
1422هـ .
فتح الق دير اجلامع بني فين الرواية والدراية من علم التفسري – حممد .56
الشوكاين دار الفكر – بريوت – 1403هـ .
الفروق – لشهاب الدين القرايف – دار املعرفة – بريوت . .57
الفقه اإلس المي وأدلته – د .وهبة ال زحيلي – دار الفكر – ب ريوت – .58
الطبعة الثالثة 1404هـ .
فقه الزك اة – د .يوسف القرض اوي – الطبعة الثانية والعش رون – .59
1414هـ – مؤسسة الرسالة – بريوت .
يف االقتص اد اإلس المي – املرتك زات – التوزيع – االس تثمار – النظ ام .60
املايل – د .رفعت العوضي الطبعة األوىل 1410هـ -كت اب األمة –
قطر.
الق اموس احمليط للف ريوز آي ادي – مؤسسة الرس الة – ب ريوت – الطبعة .61
الثانية 1407هـ .
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
القض اء والق در – د .عمر االش قر – دار النف ائس – ب ريوت – الطبعة .62
الثانية 1410هـ .
قواعد األحك ام يف مص احل األن ام – العز بن عبد الس الم – مؤسسة .63
الريان – بريوت – 1410هـ .
لس ان الع رب – البن منظ ور – دار إحي اء ال رتاث الع ريب – ب ريوت – .64
الطبعة األوىل 1408هـ .
ما ال يسع الت اجر جهلة – دليل املس تثمر املس لم إىل األحك ام الش رعية .65
للمع امالت االقتص ادية يف اإلس الم – حمم ود بن إب راهيم اخلطيب –
الطبعة األوىل 1409هـ – مكتبة احلرمني – الرياض .
ملال يف الق رآن – دراية موض وعية – س ليمان بن إب راهيم احلصني – .66
الطبعة األوىل – 1415هـ – دار املعراج الدولية للنشر – الرياض .
مباحث يف االقتصاد اإلسالمي من أصوله الفقهية د .حممد رواسي قلعة .67
جي – الطبعة األوىل 1412هـ – دار النفائس – بريوت .
جمموعة فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية – مجع عبد ال رمحن القاسم وابنه .68
حممد – طبعة دار إلفتاء – اململكة العربية السعودية .
املدخل للفقه اإلس المي – د .عبد اهلل ال درعان – مكتبة التوبة – .69
الرياض – الطبعة األوىل 1413هـ .
م دخل للفكر االقتص ادي يف اإلس الم د .س عيد بن س عد مرط ان – .70
الطبعة األوىل 1409هـ -مؤسسة الرسالة – بريوت .
املصباح املنري ألمحد بن حممد الفيومي – املكتبة العلمية – بريوت . .71
املعاصره .د .عبد اهلل املصلح – و د .صالح الشاوي .الطبعة األوىل .72
1422هـ -دار املسلم للنشر والتوزيع – الرياض .
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
مع امل التنزيل – أليب حممد احلسني بن مس عود البغ وي – دار الكتب .73
العلمية – بريوت – الطبعة األوىل 1414هـ .
معجم املص طلحات االقتص ادية يف لغة الفقه اء – د .نزية محاد ،املعهد .74
الع املي للفكر اإلس المي – فريجينيا – الوالي ات املتح دة األمريكية –
الطبعة األوىل 1414هـ .
املغين – البن قدامة – حتقيق د .عبد اهلل ال رتكي و د .عبد الفت اح .75
احللو – دار عامل الكتب – الطبعة الثالثة 1417هـ .
مفتاح الرزق يف ضوء الكتاب والسنة د .فضل إهلي – مؤسسة احلريب .76
– الرياض – الطبعة السادس 1419هـ .
مقدمة يف أصول االقتصاد اإلسالمي .حممد علي الق ري .ط . 1جدة .77
:دار حافظ 1411 ،هـ .
امللخص الفقهي – د .ص احل بن ف وزان الف وزان – دار ابن اجلوزي – .78
الطبعة الرابعة 1416هـ .
من اهج الب احثني يف االقتص اد اإلس المي د .محد اجلني دل الطبعة األوىل .79
1406هـ -شركة العبيكان للطباعة والنشر – الرياض .
املنتخب يف تفسري الق رآن الك رمي – اجمللس األعلى للش ئون اإلس المية – .80
وزارة األوقاف املصرية – القاهرة – الطبعة التاسعة عشرة 1422هـ .
منتهى اإلرادات حملمد أمحد الفت وجي – حتقيق د .عبد اهلل ال رتكي – .81
مؤسسة الرسالة – الطبعة األوىل 1419هـ .
املوافقات يف أصول الشريعة – إلبراهيم الشاطيب – دار املعرفة .بريوت .82
.
النش اط االقتص ادي من منظ ور إس المي .د .عمر املرزوقي ،كلية .83
الشريعة والدراسات اإلسالمية ،جامعة الكويت 1422هـ .
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
نص يب الراية ألح اديث اهلداية – أليب حممد عبد اهلل ال زيعلي – دار .84
احلديث – القاهرة .
النظ ام االقتص ادي يف اإلس الم – مبادئه وأهدافه – د .فتحي أمحد عبد .85
الك رمي ود .حممد العس ال .الطبعة الثامنة 1413هـ -مكتة وهبة –
القاهرة .
النظام االقتصادية ،د ز رفعت احملجوب ،مكتبة النهضة املصرية ،القاهرة .86
1960 ،م .
النظ ام االقتص ادية ،د .حممد النش ار ،جامعة أس يوط ،سلس لة الكتب .87
اجلامعية رقم 1965 ، 47م .
النظ ام االقتص ادية املعاص رة ،د .ص الح ال دين ن امق ،دار املع ارف ، .88
القاهرة .
النظم االقتص ادية املعاص رة ،د .حممد حامد عبد اهلل ،جامعة امللك .89
سعود 1407 ،هـ .
الوج يز يف الفكر االقتص ادي الوش عي واإلس المي ،د .عبد اجلب ار .90
السبهاين ،دار وائل للنشر ،عمان ،ج2001 ، 1م .
الوظ ائف االقتص ادية للدولة يف اإلس الم .أمحد ال درويش .رس الة .91
دكت وراة ،كلية الش ريعة ،جامعة اإلم ام حممد بن س عود اإلس المية ،
الرياض 1409 ،هـ .
الربا يف املعامالت املصرفية املعاصرة ،د .عبد اهلل السعيدي ،دار طيبة .92
للنشر ،الرياض ،ط1420 ، 1هـ .
الوسيط يف شرح القانون املدين ،عبد الرزاق السنهوي ،القاهرة ،دار .93
النهضة العربية 1964 ،م .
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
المحتويات
الفصل األول
المدخل إلى دراسة النظام االقتصادي اإلسالمي
المبحث األول :التعريف والمصادر 9.......................................................................
المطلب األول :تعريف النظام االقتصادي اإلسالمي11..............................
أوالً :مفهوم االقتصاد يف اللغة واالصطالح الشرعي 11.............................
ثانياً :تعريف النظام االقتصادي اإلسالمي 12.......................................
ثالثاً :العالقة بني النظام االقتصادي اإلسالمي والعلوم املشاهبة14......................
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
28
النظام االقتصادي في اإلسالم
5
النظام االقتصادي في اإلسالم
املراجع 207......................................................................
احملتويات217.....................................................................
28