You are on page 1of 15

1

‫مقوم من ّ‬‫اللباس في كونه واحدا من أبرز التعابير الثقافية أو الحضارية‪ ،‬فهو ّ‬ ‫ّ‬
‫مقومات شخصية الفرد ورمز من رموز‬ ‫تكمن أهمية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪1‬‬
‫انتمائه وهويته الجماعية‪ ،‬لذا تتعدد أشكاله وتتنوع‪ ،‬حاملة لدالالت مختلفة قد تقترن بمهنة أو مذهب أو عقيدة أو فكرة‪ .‬ويتجلى هذا‬
‫بشكل الفت لالنتباه في الظاهرة الدينية‪ ،‬فمن يذكر البوذية مثال‪ ،‬ترد إلى ذهنه مباشرة صورة ز ّي معتنقيها وألوانه املخصوصة‪ ،‬ومن‬
‫اليهودية‪ّ ،‬‬
‫ألن جميع ألاديان‬ ‫ّ‬ ‫يستحضر املسيحية ال يمكن أن يغفل عن لباس الرهبان ذكورا كانوا أو إناثا‪ ،‬وكذلك الشأن ملن ّ‬
‫يتحدث عن‬
‫معين في اختيارهم ألشكال من الثياب‬‫وتوسعت فيه فوضعت شروطا له‪ ،‬وسار أصحابها على اتباع تقليد ّ‬ ‫تعرضت إلى موضوع اللباس‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫تتناسب مع معتقداتهم وتحقق لهم التميز والتفرد‪ .‬ومن ينظر في هذه ألاشكال الحاصلة ويبحث في خلفياتها؛ فسوف يقف على ما في‬
‫ّ‬ ‫ظاهرة اللباس من مخزون ثقافي وأبعاد رمزية‪ّ ،‬‬
‫ألن اختيارها لم يكن اعتباطيا‪ ،‬وإنما كان مدروسا وهادفا‪ ،‬وهذا من ألاسباب التي دفعتنا‬
‫ّ‬ ‫إلى الاهتمام بالز ّي الصوفي أو اللباس عند الصوفية عموما‪ ،‬خاصة ّ‬
‫أن املسألة لم تكن موضع اتفاق حقيقي بينهم‪ ،‬إنما حملت الكثير‬
‫حد التضارب أحيانا‪ ،‬ودعا عددا منهم إلى تخصيص باب أو فصل أو‬ ‫مما وصل إلى ّ‬‫من الاختالف والتباين سواء في الاختيار أو التعليل‪ّ ،‬‬
‫حتى كتاب في تصانيفه ملعالجة هذه الظاهرة وتوضيحها‪ ،‬من قبيل‪ ":‬باب في ذكر آدابهم في اللباس "ألبي نصر السراج الطوس ي في كتابه‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫"اللمع"‪ 2‬وكذلك "باب في لبس البدلة من الثياب"‪ 3‬و"باب في اتخاذ املرقعة ولبسها"‪ 4‬ألبي عبد الرحمن السلمي في كتابه " كتاب ألاربعين‬
‫سماه ّ‬
‫ألاول‬ ‫كل من أبي معمر ألاصفهاني وأبي الحسن الهجويري من تأليف كتاب مفرد للموضوع ّ‬ ‫في التصوف"‪ ،‬وأيضا ما أقدم عليه ّ‬
‫‪6‬‬
‫"كتاب في إشارات املرقعة"‪ّ 5‬أما الثاني فاتخذ له عنوانا هو " أسرار الخرق وامللونات"‪.‬‬
‫مما يكشف القيمة التي اكتسبها هذا املوضوع في الفكر الصوفي‪.‬‬ ‫ويكاد ال يخلو كتاب في التصوف من الحديث عن لباس الصوفية‪ّ ،‬‬
‫تطور ظاهرة اللباس عند الصوفية في مراحل تاريخية مختلفة للتصوف إلاسالمي‪.‬‬ ‫وسنكتفي في هذا املبحث برصد جانب من ّ‬

‫‪ 1‬يقول أندري لوروا قوران (‪:)André Leroi-Gourhan‬‬


‫‪L’appartenance au groupe est d’abord sanctionnée par le décor vestimentaire", (Leroi-Gourhan, le geste et la parole, tome II, La mémoire et les rythmes. Paris : Albin Michel,‬‬
‫)‪1964, p118‬‬
‫وقدم له ّ‬‫مع‪،‬حققه ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 2‬الطوس ي (أبو نصر ّ‬
‫وخرج أحاديثه د‪.‬عبد الحليم محمود‪ /‬طه عبد الباقي سرور‪ .‬مصر‪ :‬دار الكتب الحديثة ‪ /‬بغداد‪ :‬مكتبة املثنى‪1380 .‬هـ‪1960/‬م‪،‬‬ ‫السراج)‪ ،‬كتاب الل‬
‫صص ‪.249-248‬‬
‫ّ‬
‫العثمانية‪1369 ،‬هـ ‪1950 /‬م‪ ،‬ص ‪.8‬‬ ‫صوف‪ ،‬طبعة أولى‪ ،‬حيدر أباد الدكن‪ -‬الهند‪ :‬مطبعة مجلس دائرة املعارف‬ ‫السلمي (أبو عبد الرحمان)‪،‬كتاب ألاربعين في ّ‬
‫الت ّ‬ ‫‪ّ 3‬‬
‫‪ 4‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ 5‬انظر‪ :‬الهجويري (أبو الحسن)‪ ،‬كشف املحجوب‪ ،‬دراسة وترجمة وتعليق الدكتورة إسعاد عبد الهادي قنديل‪ ،‬مراجعة الدكتور أمين عبد املجيد بدوي‪ .‬بيروت‪ :‬دار النهضة العربية للطباعة‬
‫والنشر‪ ،1980 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.252‬‬
‫‪ 6‬املصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.253‬‬

‫‪2‬‬
‫‪.1‬‬
‫ّ‬
‫اتخذ اللباس عند الصوفية أشكاال مختلفة؛ فمنهم من لبس الصوف والخرقة واملرقعة‪ ،‬ومنهم من لبس الثوب الرفيع اللين والخشن‪.‬‬
‫ّ‬
‫وتزيا بز ّي‬
‫والقلة مبدأ؛ والثاني انتهج سبيل العادة ّ‬ ‫ويمكن أن نحصر هذه ألاشكال في سياق اتجاهين اثنين‪ّ :‬أولهما التزم الخشن والفقر‬
‫املتوفر‪ ،‬أو لبس على قدر طاقته وحسب وقته وحاجته دون أن يجعل من ذلك ّ‬ ‫ّ‬
‫هما أو شرطا‪.‬‬ ‫العامة‬

‫هين منهم للداللة على قطعه مع عالئق الدنيا‬ ‫هذا الصنف من اللباس هو ألاكثر حضورا في أخبار الصوفية‪ ،‬إذ اعتمده عدد غير ّ‬
‫عدة أطلق عليها الصوفية مصطلحات مختلفة منها‬ ‫والانتساب إلى مذهب التصوف‪ ،‬ولم يتخذ هذا الز ّي وجها واحدا‪ّ ،‬إنما ظهر في وجوه ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫التصوف بلبس‬ ‫الخرقة واملرقعة واملصبغة‪ ...‬ومعظمها ّيتخذ من الصوف‪ ،‬وهذا ما يؤكده أبو نصر السراج الطوس ي في ربطه تسمية‬
‫الصوف‪ ،‬وذلك في قوله‪" :‬إن سأل سائل فقال‪ :‬قد نسبت أصحاب الحديث إلى الحديث‪ ،‬ونسبت الفقهاء إلى الفقه‪ ،‬فلم قلت‪ :‬الصوفية‬
‫ألن الصوفية لم ينفردوا بنوع من العلم دون نوع‪ ،‬ولم يترسموا برسم من ألاحوال واملقامات‬ ‫ولم تنسبهم إلى حال وال إلى علم؟ فيقال له‪ّ :‬‬
‫ألن لبسة الصوف دأب ألانبياء عليهم السالم وشعار ألاولياء وألاصفياء‪ .‬أال ترى‬ ‫دون رسم‪ ،‬فلما لم يكن ذلك‪ ،‬نسبتهم إلى ظاهر اللبسة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الحواريون"‪ ،‬وكانوا‬ ‫عز ّ‬
‫وجل‪" :‬وإذ قال‬ ‫أن هللا تعالى ذكر طائفة من خواص أصحاب عيس ى عليه السالم‪ ،‬فنسبهم إلى ظاهر اللبسة فقال ّ‬ ‫ّ‬
‫وتصرفهم فيه‪ّ ،‬إما‬
‫ّ‬ ‫أن الغالب عند الصوفية لبس الصوف‬ ‫قوما يلبسون البياض فنسبهم هللا تعالى إلى ذلك"‪ 7،‬فهذا الكالم دليل على ّ‬
‫بالتقصير أو التمزيق أو الترقيع أو الصبغ‪ ،‬وهذا ما أنتج ألانواع التالية‪:‬‬

‫‪ 7‬الطوس ي‪ ،‬اللمع‪ ،‬صص ‪.41-40‬‬

‫‪3‬‬
‫‪8‬‬
‫املرقعة‪:‬‬

‫ّ‬ ‫يقول أبو الحسن الهجويري‪ ":‬اعلم ّ‬


‫أن لبس املرقعة شعار املتصوف"‪" 9،‬وقد أمر مشايخ هذه الطريقة املريدين بأن يتحلوا باملرقعات‬
‫أن عددا‬ ‫ويتزينوا بها وفعلوا هم أيضا ذلك"‪ 10،‬وهذا يكشف أهميتها عند الصوفية‪ .‬واملتتبع ألحاديثهم عنها وأخبارهم املتصلة بها يتبين له ّ‬
‫منهم بالغ في العناية بها‪ ،‬إلى درجة أنه وضع شروطا لها‪ ،‬وهو ما يجمله الهجويري في قوله‪ّ " :‬أما شرط املرقعات فهو أن يعملها الصوفي‬
‫وشد أجزائه‬ ‫من أجل الخفة والفراغ وحيثما يتمزق ش يء من ألاصل يوضع فوقه رقعة"‪ .11‬وتكون املرقعة ّإما بخياطة ما تمزق من الثوب ّ‬
‫بعضها إلى بعض أو بإضافة رقعة في املوضع الذي وقع فيه الخلل أو حتى بتمزيق ثوبين أو أكثر وجعلها‪" :‬خرقا‪ ...‬يلفقونها‪ ،‬فإن لبس مثل‬
‫هذه املرقعات أشهى عند خلق كثير من الديباج"‪ 12.‬ويأتي هذا في سياق تقليل الصوفية من اللباس واكتفائهم بثوب واحد يعمدون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أحيانا إلى استئجاره أو استعارته ال امتالكه وشرائه‪ ،‬من ذلك ما ورد في كتاب اللمع أنه‪" :‬كان في جامع بغداد فقير ال تكاد تجده إال في‬
‫ّ‬
‫ثوب واحد في الشتاء والصيف‪ ،‬فسئل عن ذلك فقال ‪ :‬قد كنت ولعت بكثرة لبس الثياب فرأيت ليلة فيما يرى النائم كأني دخلت الجنة‬
‫فرأيت جماعة من أصحابنا من الفقراء على مائدة فأردت أن أجلس معهم فإذا بجماعة من املالئكة أخذوا بيدي وأقاموني‪ ،‬وقالوا لي‪:‬‬
‫إال ثوبا واحدا إلى أن ألقى هللا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عز‬ ‫هؤالء أصحاب ثوب واحد‪ ،‬وأما أنت فلك قميصان فال تجلس معهم‪ ،‬فانتبهت فنذرت أال ألبس‬
‫ّ ‪13‬‬
‫وجل"‪.‬‬
‫‪14‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وكذلك ما يروى عن أبي يزيد البسطامي أنه مات "ولم يترك إال قميصه الذي كان عليه وكان عارية‪ ،‬فردوه إلى صاحبه" وكذلك الشيخ‬
‫حتى ّأنه لم يلبس على ملك نفسه شيئا"‪ 15‬لذا من الطبيعي أن ّ‬ ‫إال مستأجرا ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يلح الصوفية على‬ ‫حماد "أنه بقي زمانا ال يلبس الثوب‬
‫اصطحاب إلابرة في سياحاتهم وأسفارهم؛ فإبراهيم الخواص مثال‪ ،‬كان "ال يحمل شيئا في السفر وكان ال يفارقه إلابرة والركوة‪ّ ،‬أما إلابرة‬
‫‪16‬‬ ‫فلخياطة ثوبه إن تمزق سترا للعورة‪ّ ،‬‬
‫وأما الركوة‪ ،‬فللطهارة"‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بسد الخلل يقول ابن منظور‪" :‬ترقيع الثوب‪ :‬أن ترقعه في مواضع ّ‬ ‫‪ 8‬الترقيع في اللغة يقترن ّ‬
‫وكل ما سددت من خلة فقد رقعته ورقعته"‪ .‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬الطبعة ألاولى‪،‬‬
‫ّ‬
‫بيروت‪ -‬لبنان‪ :‬طبعة دار صادر للطباعة والنشر‪ ،1997 ،‬مج‪ ،3‬ص‪.106‬‬
‫‪ 9‬الهجويري‪ ،‬كشف املحجوب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.241‬‬
‫‪ 10‬املصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.245‬‬
‫‪ 11‬املصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.246‬‬
‫‪ 12‬ابن الجوزي (جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمان)‪ ،‬تلبيس إبليس‪ ،‬طبعة ثانية‪ ،‬دار الفكر‪ 1368،‬هـ‪ ،‬ص ‪.187‬‬
‫‪ 13‬الطوس ي‪ ،‬اللمع‪ ،‬ص ‪.248‬‬
‫ّ‬
‫‪ 14‬السهروردي (عبد القاهر)‪ ،‬عوارف املعارف‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬نشر دار الكتاب العربي‪1403 ،‬هـ‪1983 /‬م‪ ،‬ص ‪.355‬‬
‫‪ 15‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.355‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ 16‬القشيري (أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن)‪ ،‬الرسالة القشيرية في علم التصوف‪ ،‬مصر‪ :‬دار الكتب العربية الكبرى‪1330 ،‬هـ‪1911/‬م‪ ،‬ص ‪.132‬‬

‫‪4‬‬
‫كيفية وضع الرقع بين من‪ ":‬ال يشترط مراعاة نظام لحياكة الرقعة فتسحب إلابرة‪ ،‬حيثما‬ ‫ّ‬ ‫ويشير الهجويري إلى اختالف الصوفية في‬
‫تخرج أسها وال يتكلف في هذا"‪ 17‬وبين من " يشترط لحياكة الرقعة الترتيب والاستقامة ورعاية التضريب والتكلف في الاستقامة"‪ّ 18‬‬
‫حتى‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫إن بعضهم جعل إلاحاطة بكيفية خياطة الرقعة خياطة مستقيمة شرطا لصحة الفقر أو التصوف تحصينا لتجربتهم ومذهبهم وحماية‬ ‫ّ‬
‫له من تطفل املتشبهين به واملدعين له‪ .‬يقول الهجويري‪" :‬ملا تأذوا من صحبة ألاضداد‪ 19‬اتخذوا زينة ال يعرف أحد غيرهم حياكتها‬
‫إن درويشا دخل على أحد الشيوخ وكان قد جعل خطوط الرقعة‬ ‫وجعلوها عالمة ملعرفة بعضهم البعض واتخذوها شعا ا‪ ،‬حتى ليقال ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التي خاطها على ثوبه مستعرضة فهجره الشيخ"‪ 20.‬وقد نفهم من ذلك أن التصوف لم يعتن بالباطن فحسب‪ ،‬وإنما أولى اهتمامه أيضا‬
‫للظاهر لقيمته في تحديد خصوصية الفرد وتأثيره في نوع عالقته باآلخر وتركيز انتمائه لفئة أو مجموعة معينة‪.‬‬
‫جراء الرقع أو الخرق التي تنضاف‬ ‫أن املرقعة قد شهدت العديد من إلاضافات ّ‬ ‫ويبدو من خالل ما تنقله مصادر الصوفية من أخبار ّ‬
‫إليها" حتى تصير كثيفة خارجة عن الحد"‪ 21،‬فـ " كانت املرقعات تسمى ‪ ...‬الكيل"‪ 22،‬وقد نقل عن بعض الصوفية أوزان مخصوصة‬
‫ّ‬
‫ملرقعاتهم من قبيل ما يذكره الطوس ي عن ابن الكريني أستاذ الجنيد أنه مات "وعليه مرقعته فكان فرد كمه وتخاريزه عند جعفر‬
‫الخلدي فيه ثالثة عشر رطال"‪ 23،‬أو كذلك ما ينقله ابن الطواح في سبك املقال عن أبي محمد عبد العزيز املهدوي ّأنه‪ " :‬كان في ّأول‬
‫‪24‬‬ ‫إ ادته يلبس مرقعة يقال ّ‬
‫إن فيها تسعين رطال "‪.‬‬ ‫ر‬

‫الخرقة‪:‬‬

‫ألن الصوفية يعتمدونها‬‫وهي لغة "القطعة من خرق الثوب‪ ،‬والخرقة املزقة منه‪ ،‬وخرقت الثوب إذا شققته"‪ 25‬كما ترد بمعنى الرقعة‪ّ 26،‬‬
‫مرقعاتهم‪ ،‬وقد يقصد بها أيضا املرقعة ذاتها‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫ألنها مادة صنعها‪ ،‬يقول الهجويري‪" :‬رأيت في ما وراء النهر‬ ‫في ترقيع أثوابهم فهي جزء من‬
‫‪27‬‬
‫شيخا من أهل املالمة يتخذ مالبسه من الخرق التي يلتقطها من الطريق ويطهرها ويصنع منها مرقعته"‪ ،‬أو تكون مستقلة عنها مغايرة‬
‫ملجرد ستر العورة أو غطاء للرأس بدل‬‫املخرقة التي يعزف أصحابها عن ترقيعها أو القطع التي يستعملها الصوفية ّ‬ ‫ّ‬ ‫لها فتعني الثياب‬
‫ّ‬
‫العمامة‪ 28.‬وأخبار الصوفية في هذا السياق عديدة‪ ،‬من ذلك ما ينقله السلمي على لسان سمنون املحب في قوله‪" :‬كنت ببيت املقدس‬
‫جبة وكساء وأنا أجد البرد‪ ،‬والثلج يسقط‪ ،‬فإذا شاب مار في الصحن عليه خرقتان‪ ،‬فقلت‪ :‬يا حبيبي لو استترت‬ ‫وعلي ّ‬
‫وكان برد شديد ّ‬
‫ببعض هذه ألاروقة‪ّ ،‬‬
‫فيكنك من البرد‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا أخي سمنون‪:‬‬

‫‪ 17‬الهجويري‪ ،‬كشف املحجوب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.248‬‬


‫‪ 18‬املصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.248‬‬
‫‪ 19‬املقصود الدخالء على التصوف أو من يسميهم الهجويري باملستصوفين‪.‬‬
‫‪ 20‬الهجويري‪ ،‬كشف املحجوب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.248‬‬
‫‪ 21‬ابن الجوزي‪ ،‬تلبيس إبليس ‪ ،‬ص ‪191.‬‬
‫‪ 22‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪ 23‬الطوس ي‪ ،‬اللمع‪ ،‬ص ‪.249‬‬
‫‪ 24‬ابن الطواح (عبد الواحد محمد)‪ ،‬سبك املقال لفك العقال‪ ،‬تحقيق ودراسة محمد مسعود جبران‪ ،‬الطبعة ألاولى‪ ،‬دار الغرب إلاسالمي‪،1995،‬ص ‪.52‬‬
‫‪ 25‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مج‪ ،2‬ص‪.245‬‬
‫‪ 26‬املصدر ّ‬
‫السابق‪ ،‬مج‪ ،3‬ص‪.106‬‬
‫‪ 27‬الهجويري‪ ،‬كشف املحجوب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪247‬‬
‫‪ 28‬ابن الجوزي‪ ،‬تلبيس إبليس ‪ ،‬ص ‪205‬‬

‫‪5‬‬
‫كنه يجد ّ‬ ‫وهل أحد في ّ‬
‫‪29‬‬ ‫ّ ّ‬
‫القرا "‬ ‫ظني أنني في فنائه‬ ‫ويحسن‬
‫أن املقصود مرقعة أو لباس‬‫يدل على ّ‬‫فالشاب في هذا الخبر اكتفى بخرقتين‪ ،‬واتخذهما ثوبا له وسترا لعورته‪ ،‬وليس في سياق الكالم ما ّ‬
‫أن تخريق الثياب بين هذه الطائفة‬ ‫أن عددا من الصوفية اعتادوا تخريق الثياب‪ ،‬إذ يقول‪" :‬اعلم ّ‬ ‫يستر كامل الجسد‪ .‬ويذكر الهجويري ّ‬
‫ّ‬
‫أمر معتاد‪ ،‬وقد فعلوا هذا في املجامع الكبرى التي كان املشايخ الكبار ـ رض ي هللا عنهم ـ حاضرين فيها"‪ 30،‬ويؤكد ابن الجوزي كالمه‬
‫وربما أفسد الثوب الرفيع القدر‪ .‬وكان من عادة الشبلي إذا لبس شيئا خرق فيه‬ ‫بقوله‪" :‬كان في الصوفية من إذا لبس ثوبا خرق بعضه ّ‬
‫‪31‬‬
‫موضعا‪ .‬وكان مذهب أبي علي الروزباري تخريق أكمامه وتفتيق قميصه‪ ،‬فكان يخرق الثوب املثمن‪ ،‬فيرتدي بنصفه ويأتزر بنصفه"‪.‬‬
‫أن سلوك تخريق الثياب عند الصوفية قد يكون مقترنا بمناسبة الذكر والسماع (املجامع الكبرى)‪ ،‬وقد يكون‬ ‫ونالحظ من خالل القولين ّ‬
‫دأبا ساروا عليه رفضا للجديد والثمين الدنيوي ّ‬
‫وتمردا عليه‪.‬‬
‫ّ‬
‫وليس من الغريب إذاك أن نجدهم يبيحون التقاط الخرق من املزابل وارتداءها‪ ،‬يقول السهروردي‪ّ " :‬ربما كانوا يأخذون الخرق من‬
‫املزابل ويرقعون بها ثوبهم"‪ 32،‬فهم ال يهتمون – وفق هذا الاتجاه – بشكل الثوب أو مصدره أو قيمته أو نظافته بقدر ما يوجهون عنايتهم‬
‫إلى وظيفته وشرعيته (أي الستر والطهارة والحالل)‪ ،‬يقول السهروردي‪" :‬قيل لبعض الصوفية‪ :‬ثوبك ممزق‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫ولكنه من وجه حالل‪،‬‬
‫‪33‬‬ ‫وقيل له‪ :‬وهو وسخ قال‪ّ :‬‬
‫ولكنه طاهر "‪.‬‬

‫ّ‬
‫املصبغة‪:‬‬

‫يغلب عليها اللون ألازرق وقد اختاره عدد من الصوفية لكثرة أسفارهم وتنقالتهم‪ ،‬يقول الهجويري‪ّ " :‬أما معنى ّ‬
‫أن أكثر ثيابهم زرقاء‪ ،‬فمنه‬
‫أن حديث‬‫ّأنهم وضعوا أصل طريقتهم على السفر والسياحة وال يبقى الثوب ألابيض في السفر على حاله ويصعب غسله"‪ 34.‬واملالحظ‪ّ ،‬‬
‫الصوفية عن املصبغات قليل الندراجه ضمن كالمهم في املرقعات والخرق عموما‪.‬‬

‫املؤسسة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الص ّ‬‫السلمي (أبو عبد الرحمان)‪ ،‬طبقات ّ‬
‫‪ّ 29‬‬
‫السعودية‪1406 ،‬هـ‬ ‫وفية‪ ،‬تحقيق نور الدين شريبة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬مصر‪ :‬مكتبة الخانجي للطبع والنشر والتوزيع‪ ،‬مطبعة املدني‬
‫‪ 1986/‬م‪ ،‬ص‪.196‬‬
‫‪30‬الهجويري‪ ،‬كشف املحجوب‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.665‬‬
‫‪ 31‬ابن الجوزي‪ ،‬تلبيس إبليس ‪ ،‬صص ‪.203-202‬‬
‫‪ّ 32‬‬
‫السهروردي‪ ،‬عوارف املعارف‪ ،‬ص ‪.354‬‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.353‬‬‫‪ 33‬املصدر ّ‬
‫‪ 34‬الهجويري‪ ،‬كشف املحجوب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.250‬‬

‫‪6‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ال يخضع هذا الصنف من اللباس إلى اختيار مسبق من قبل الصوفية‪ ،‬إنما يرتبط باملتوفر من جهة وبحال السالك من جهة أخرى‪،‬‬
‫فاملهم عنده هو الستر ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتجنب الشهوة ولفت الانتباه‪ ،‬يقول أبو نصر‬ ‫والغالب فيه ال مباالة املتصوف وقلة اهتمامه بشكله ومادته؛‬
‫السراج الطوس ي‪" :‬آداب الفقراء في اللباس أن يكونوا مع الوقت إذا وجدوا الصوف أو اللبد أو املرقعة لبسوا‪ ،‬وإذا وجدوا غير ذلك‬
‫أحب إليه من الجديد ّ‬
‫ويتبرم بالثياب الكثيرة‬ ‫لبسوا والفقير الصادق أيش ما لبس يحسن عليه‪ ،‬وال يتكلف وال يختار‪ ،‬ويكون الخلقان ّ‬
‫ألح الصوفية ألاوائل على هذا الجانب بالتسوية بين مختلف أصناف اللباس واعتبارها أمرا ثانويا ال ينبغي للصوفي أن‬‫الجديدة"‪ 35.‬وقد ّ‬
‫السلمي على لسان شقيق‬ ‫هما أو شاغال فيحجبه عن مقصوده‪ ،‬وقد ّ‬
‫تعددت في أقوالهم إلاشارات إلى ذلك من قبيل ما ينقله ّ‬ ‫يجعله ّ‬
‫البلخي إذ يقول‪ ":‬إذا أردت أن تكون في راحة فكل ما أصبت والبس ما وجدت وارض بما قض ى هللا عليك"‪ 36،‬أو كذلك قول أبي تراب‬
‫معين من اللباس‪ ،‬وبعضهم‬ ‫النخشبي ‪ " :‬الفقير قوته ما وجد‪ ،‬ولباسه ما ستر‪ ،‬ومسكنه حيث نزل "‪ 37.‬فجميع هؤالء لم يلتزموا بصنف ّ‬
‫ّ‬ ‫عرف بالتقشف والزهد في بداية أمره ّ‬
‫ثم صار يلبس الثياب الرفيعة والنفيسة‪ ،‬إذ يروى مثال عن يحيى بن معاذ الرازي‪" :‬أنه كان يلبس‬
‫الخز واللين"‪ 38.‬وألامر نفسه حدث مع أبي حفص النيسابوري الذي "كان‬‫ثم كان في آخر عمره يلبس ّ‬ ‫الصوف والخلقان في ابتداء أمره ّ‬
‫‪39‬‬ ‫يلبس قميصا ّ‬
‫خزا وثيابا فاخرة"‪.‬‬

‫ّ‬
‫‪ 35‬الطوس ي‪ ،‬اللمع‪ ،‬ص ‪.249‬‬
‫السلمي‪ ،‬طبقات ّ‬
‫الص ّ‬
‫وفية‪ ،‬ص‪.66‬‬ ‫‪ّ 36‬‬
‫ّ‬
‫‪ 37‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫ّ‬
‫‪ 38‬الطوس ي‪ ،‬اللمع‪ ،‬ص‪.249‬‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.249‬‬ ‫‪ 39‬املصدر ّ‬

‫‪7‬‬
‫وكان أبو العباس بن عطاء "يلبس املرتفع من البز كالديبقي‪ ،‬ويسبح بسبح اللؤلؤ‪ ،‬ويؤثر ما طال من الثياب"‪ 40.‬وهذا يعني ّ‬
‫أن ظاهرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الس ّنة والشرع عموما‪.‬‬
‫تشذ عن ّ‬ ‫التصوف ما لم‬ ‫ّ‬ ‫تمس بجوهر‬‫اللباس عند عدد من الصوفية كانت تعتبر شأنا فرديا ومسألة ثانوية ال ّ‬
‫يقول الهجويري‪" :‬حين يكون الرجل عارفا بالطريقة يستوي لديه القباء والعباء"‪ 41،‬ويقول السهروردي ‪ " :‬من الناس من يتوفر حظه من‬
‫العلم فيلبس الثوب عن علم وإيمان وال يبالي بما لبسه ناعما لبس أو خشنا"‪ 42،‬وهو يقدم على ذلك العديد من ألامثلة من شيوخه‪،‬‬
‫‪43‬‬
‫فيذكر أبا نجيب السهروردي الذي كان " ال يتقيد بهيئة من امللبوس‪ ،‬بل كان يلبس ما يتفق من غير تعمد تكلف واختيار"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ولئن كان ابن عطاء يؤثر من الثياب ما طال‪ّ ،‬‬
‫فإن الغالب عند الصوفية في هذا السياق التقصير دون تكلف‪ ،‬إذ يقول أبو سليمان‬
‫‪44‬‬
‫الداراني مثال‪ " :‬في قصر الثوب ثالث خصال محمودة‪ :‬استعمال السنة‪ ،‬والنظافة وزيادة خرقة"‪.‬‬
‫ّ‬
‫انصب على ما يمتد على القسم ألابرز من بدن الصوفي‬ ‫ّ‬ ‫نالحظ من خالل هذا العرض ألشكال اللباس عند الصوفية‪ّ ،‬‬
‫أن الاهتمام قد‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ونقصد القميص أو العباءة أو ّ‬
‫الجبة أو املرقعة‪ ،‬وقلت في املقابل إلاشارات إلى غطاء الرأس أو العمامة‪ ،‬وكذلك الحذاء أو الخف لقلة‬
‫مباينتهم في هذا الجانب للمألوف عند العامة‪ ،‬من قبيل ما يذكره القشيري من سفر أبي عبد هللا الرازي "حافيا"‪ 45‬أو ما ينتقده ابن‬
‫الجوزي من استبدال العمامة بخرقة‪ 46‬عند عدد من الصوفية وهو سلوك نادر‪.‬‬
‫وال يعدم اختالف ألاشكال حضور نقاط مشتركة بينها حرص الصوفية على إبرازها وتأكيدها والتنبيه إليها‪ ،‬مثل ضرورة ّ‬
‫تجنب الشبهة‬
‫والتكلف واملغاالة والخروج عن الشرع‪ ،‬ويدل هذا على مدى وعيهم بخطورة ظاهرة اللباس وقيمتها‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يمكن أن نرصد ّ‬


‫الصوفية أو تفاعلهم مع ظاهرة اللباس خالل مرحلتين مهمتين؛ أوالهما اتخذت صبغة فردية؛ والثانية‬ ‫تطور اهتمام‬
‫كانت جماعية‪.‬‬

‫‪ 40‬ابن الجوزي‪ ،‬تلبيس إبليس‪،‬ص‪.202‬‬


‫‪ 41‬الهجويري‪ ،‬كشف املحجوب‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.245‬‬
‫‪ّ 42‬‬
‫السهروردي‪ ،‬عوارف املعارف‪ ،‬ص‪.357‬‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.356‬‬‫‪ 43‬املصدر ّ‬
‫ّ‬
‫‪ 44‬الطوس ي‪ ،‬اللمع‪ ،‬ص‪.248‬‬
‫‪ 45‬القشيري‪ ،‬الرسالة القشيرية‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪ 46‬ابن الجوزي‪ ،‬تلبيس إبليس‪،‬ص‪.205‬‬

‫‪8‬‬
‫ألاول والثاني للهجرة‬‫تقترن هذه املرحلة ببدايات التصوف‪ ،‬وتمثل امتدادا لظاهرة الزهد‪ ،‬فقد كان الغالب على الزهاد في القرنين ّ‬
‫الصوفية ألاوائل نهجهم نظرا لكون الزهد ركيزة أساسية في تجربتهم‬ ‫التقشف في اللباس والاكتفاء بالقليل البسيط منه‪ ،‬وانتهج ّ‬
‫الصوف‪ ،‬يقول أبو سليمان الداراني‪" :‬الصوف علم من أعالم الزهد"‪ .47‬ولم يكن هذا ناتجا عن‬ ‫خاصة لبس ّ‬ ‫ّ‬ ‫دية‪ ،‬وبرز لديهم‬ ‫عب ّ‬ ‫ّ‬
‫الت ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ ّ‬
‫وتصورات فردية بني بعضها على منطق املصادفة أحيانا‪ ،‬من‬ ‫وفية‪ ،‬إنما كان حصيلة تجارب‬ ‫تنسيق مقصود أو اتفاق مسبق بين الص‬
‫السلمي في قوله‪ " :‬قال إبراهيم بن أدهم‪ :‬كان أبي من ملوك خراسان وكنت شابا‪ ،‬فركبت‬ ‫ذلك ما وقع مع إبراهيم بن أدهم ونقله عنه ّ‬
‫الصيد فأثرت أرنبا أو ثعلبا فبينا أنا أطلبه إذ هتف بي هاتف ال أراه‪ ،‬فقال‪ :‬يا إبراهيم ألهذا خلقت؟ أم بهذا أمرت؟ ففزعت ووقفت‬ ‫إلى ّ‬
‫ثم عدت فركضت‪ ،‬ففعل بي مثل ذلك ثالث مرات‪ ،‬ثم هتف بي هاتف‪ :‬وهللا ما لهذا خلقت وال بهذا أمرت‪ ،‬قال‪ :‬فنزلت فصادفت راعيا‬ ‫ّ‬
‫الصوف ههنا قادت إليه‬ ‫الصوف فلبستها ودفعت إليه الفرس‪ ،‬وما كان معي وتوجهت إلى مكة"‪ 48.‬فلبس ّ‬ ‫جبته ّ‬ ‫ألبي يرعى الغنم‪ ،‬فأخذت ّ‬
‫يمس من جوهر‬ ‫وفية من اعتبر مسألة اللباس أمرا ثانو ّيا ال ّ‬ ‫أن من ّ‬
‫الص ّ‬ ‫املصادفة‪ ،‬ولم يكن بسابق تخطيط أو تدبير‪ .‬أضف إلى ذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫صوف رسوما وال علوما ّ‬ ‫النوري‪" :‬ليس ّ‬
‫الت ّ‬ ‫صوف‪ ،‬وفي هذا يقول أبو الحسن ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫ّ‬
‫ولكنه أخالق"‪ 49‬ويقول سفيان الثوري‪" :‬الزهد في الدنيا‬
‫ّ‬ ‫صوف باشتراكهما في التقليص من ّ‬ ‫قصر ألامل ليس بأكل الغليظ وال بلبس العباء"‪ 50،‬وبذلك يتقاطع الزهد ّ‬
‫والت ّ‬
‫أهمية دور اللباس وتأثيره‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جماعيا يدلي فيه ّ‬
‫كل بدلوه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إال ّ‬ ‫في ّ‬
‫جراء تضخم عدد‬ ‫أن هذه املسألة سرعان ما اتخذت منعرجا جديدا لتصبح مشغال‬ ‫السلوك‪.‬‬
‫عدة عناصر‬ ‫وتتهدده ّ‬
‫وتجمع معظمهم في صلب جماعات يحكمها نظام مخصوص يديره شيخ يصحبه فيه عدد من املريدين‪ّ ،‬‬ ‫وفية‪ّ ،‬‬‫الص ّ‬ ‫ّ‬
‫دخيلة‪.‬‬

‫التجربة الفردية إلى طور ّ‬


‫صوف‪ ،‬وبروزها وخروجها من طور ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫ن ّ‬
‫الثاني للهجرة مع انتشار ظاهرة ّ‬ ‫اقترن هذا ّ‬
‫الت ّ‬
‫التجربة‬ ‫حول بأواخر القر‬
‫ّ‬
‫تزيت بز ّي‬
‫الاجتماعية‪ ،‬إضافة إلى ظهور عناصر دخيلة ّ‬‫ّ‬ ‫جماعي‪ ،‬ونتيجة أيضا للمنزلة التي حظيت بها في ألاوساط‬ ‫ّ‬ ‫املنظمة في إطار‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وادعت الانتماء إليهم طمعا ورياء‪ ،‬فقدمت صورة مرذولة عدلت عن املقصد الحقيقي للتصوف‪ ،‬وجعلته عرضة لردود فعل‬ ‫وفية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الص ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة‪ّ ،‬‬
‫مما استدعى تدخل أعالمه لتعديل املفاهيم ودفع الشبهات وتوضيح املقاصد وتثبيت ألاصول حماية‬ ‫عنيفة من قبل الفقهاء‬
‫ّ‬ ‫أهم ّية أكبر لكونها من املنافذ ّ‬ ‫ّ‬
‫لتوجهاتهم وقيمهم‪ ،‬وهذا ما دفعهم إلى إيالء مسألة اللباس ّ‬ ‫ّ‬
‫التي ولج منها خصومهم‪ ،‬واتخذوها سبيال‬
‫ّ‬
‫السليمة في اختيار الثوب‪ ،‬منتهجين في ذلك أساليب ثالثة؛ ّأولها الاعتراض والاستهجان؛ وثانيها‬ ‫للطعن فيهم؛ فعملوا على بيان الوجوه ّ‬
‫ّ‬
‫والتشريع؛ وثالثها ّ‬ ‫ّ‬
‫التعديل وإلارشاد‪.‬‬ ‫التأصيل‬

‫الاعتراض‬

‫‪ 47‬القشيري‪ ،‬الرسالة القشيرية‪ ،‬ص‪.56‬‬


‫السلمي‪ ،‬طبقات ّ‬
‫الص ّ‬
‫وفية‪ ،‬ص‪.30‬‬ ‫‪ّ 48‬‬
‫‪ 49‬الهجويري‪ ،‬كشف املحجوب‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.237‬‬
‫ّ‬
‫القشيرية‪ ،‬ص‪.56‬‬ ‫‪ 50‬القشيري‪ ،‬الرسالة‬

‫‪9‬‬
‫ّ‬ ‫وفية في أحيان ّ‬ ‫الص ّ‬‫والغلو؛ فقد سعى ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الوسطية والاعتدال في اختيار‬ ‫عدة إلى املناداة بنوع من‬ ‫نجد هذا ألاسلوب متى تعلق ألامر باملبالغة‬
‫معطلة ملقصد املريد أو مكروهة أو ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللباس‪ ،‬فلم يشترطوا ّ‬ ‫ّ‬
‫محرمة‬ ‫الصوف وال املرقعة وال الخرقة‪ ،‬إنما أباحوا جميع أنواعه ما لم تكن‬
‫ّ‬ ‫صوف على ّأنه ّ‬ ‫للت ّ‬ ‫شرعا‪ ،‬وقد ملسنا ذلك بدءا في تعريفهم ّ‬
‫يتحرر من الرسوم وألاشكال الظاهرة ليلتصق أكثر بالباطن وبالجانب ألاخالقي‪،‬‬
‫وفية‪ ،‬يقول أحمد بن عطاء‪ّ " :‬‬ ‫الص ّ‬ ‫صوف أو ّ‬ ‫الصوف وتسمية ّ‬
‫الت ّ‬ ‫صحة الوصل بين لبس ّ‬ ‫التشكيك في ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهو ّ‬
‫فأما قول من قال‬ ‫مما دفع إلى‬
‫‪51‬‬ ‫يختصوا بلبس ّ‬
‫الصوف"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولكن القوم لم‬ ‫تقمص إذا لبس القميص فذلك وجه‪ّ ،‬‬ ‫وتصوف إذا لبس الصوف كما يقال ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصوف‬ ‫ّإنه من ّ‬
‫بالظاهر‪ ،‬يقول ّ‬ ‫ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫سجلت اعتراضات عدد من مشايخ ّ‬ ‫صوف قد ّ‬ ‫أن مصادر ّ‬
‫الت ّ‬ ‫أضف إلى ذلك ّ‬
‫الخراز‪" :‬إذا‬ ‫وفية على العناية املتكلفة‬
‫الحداد‪" :‬إذا رأيت ضوء الفقير في ثوبه فال ترج خيره"‪ 53،‬وينقل‬ ‫أن باطنه خراب"‪ 52،‬ويقول أبو حفص ّ‬ ‫الصوفي يعنى بظاهره‪ ،‬فاعلم ّ‬ ‫رأيت ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أيضا عن أبي عبد هللا الدينوري قوله لبعض أصحابه‪" :‬ال يعجبنك ما ترى من هذه اللبسة الظاهرة علـيهم‪ ،‬فما ّزينوا الظواهر إال بعد‬
‫‪54‬‬
‫خربوا البواطن"‪.‬‬ ‫أن ّ‬
‫وفية عبر إظهار لباس ّ‬ ‫للص ّ‬ ‫مشوه ّ‬ ‫تفش ى من تقليد ّ‬ ‫ّ‬
‫الصوف واملرقعات‪.‬‬ ‫وتأتي هذه الاعتراضات كما أسلفنا استجابة لضرورة اقتضاها ما‬
‫الد ّر‪ ،‬فصارت اليوم مزابل على جيف"‪ 55،‬وهو ينكر بذلك ما داخل‬ ‫النوري هذا الوضع بقوله‪ " :‬كانت املراقع غطاء على ّ‬ ‫وقد انتقد ّ‬
‫الصوف؟ فقال‪ :‬إذا باع ّ‬ ‫جبتك ّ‬ ‫للت ّ‬ ‫املدعين ّ‬
‫إن أحد ّ‬ ‫حتى ّ‬ ‫ّ‬
‫بالظاهر‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الت ّ‬
‫الص ّياد‬ ‫صوف سئل "تبيع ّ‬ ‫وتمسك‬ ‫صوف من رياء ونفاق وخداع‬
‫ّ‬ ‫اللباس شركا ّ‬ ‫ّ‬ ‫شبكته ّ‬
‫يتم توظيفه في تحصيل مصالح دنيوية عبر إلايقاع بالعامة‪ .‬ويؤكد ابن الجوزي‬ ‫فبأي ش يء يصطاد؟"‪ 56‬فقد بات‬
‫حتى يرى‬ ‫ويلوح ّ‬
‫بكمه ّ‬ ‫الثياب ّ‬ ‫ّ‬ ‫والرياء بتقديمه لصورتين مذمومتين عنده ألاولى لـ"من يلبس ّ‬ ‫والزيف ّ‬ ‫وجه في الخداع ّ‬ ‫هذا ّ‬
‫الت ّ‬
‫الصوف تحت‬
‫‪58‬‬ ‫ثم يلبس ّ‬ ‫الل ّينة على جسده ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصوف فوقها"‪.‬‬ ‫لباسه"؛‪ 57‬والثانية ملن "يلبس الثياب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حد رفض لبس ّ‬ ‫وفية ّ‬
‫الص ّ‬ ‫وقد بلغ موقف الاعتراض عند عدد من ّ‬
‫الصوف واملرقعة‪ ،‬من ذلك ما ينقل عن سفيان الثوري واعتباره لبس‬
‫ّ‬ ‫النخشبي من كالم ّ‬ ‫الصوف بدعة‪ 59،‬أو ما نسب إلى أبي تراب ّ‬ ‫ّ‬
‫توجه به إلى أصحابه ينصحهم‪ ،‬ويحذرهم من لبس املرقعة وذلك في قوله‪:‬‬
‫‪60‬‬
‫"من لبس منكم مرقعة فقد سأل"‪.‬‬

‫السابق‪ ،‬صص‪.126-125‬‬ ‫‪ 51‬املصدر ّ‬


‫‪ 52‬املصدر ّ‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.127‬‬
‫ّ‬
‫‪ 53‬الطوس ي‪ ،‬اللمع‪،‬ص‪.248‬‬
‫وفية‪ ،‬ص‪.515‬‬ ‫السلمي‪ ،‬طبقات ّ‬
‫الص ّ‬ ‫‪ّ 54‬‬
‫ّ‬
‫‪ 55‬القشيري‪ ،‬الرسالة القشيرية‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ 56‬ابن الجوزي‪ ،‬تلبيس إبليس‪ ،‬ص‪. 198‬‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.187‬‬‫‪ 57‬املصدر ّ‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.187‬‬‫‪ 58‬املصدر ّ‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.196‬‬ ‫‪ 59‬املصدر ّ‬
‫‪ 60‬القشيري‪ ،‬الرسالة القشيرية‪ ،‬ص‪.17‬‬

‫‪10‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التأصيل والتشريع‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهو ألاسلوب ألاكثر حضورا في كتابات ّ‬


‫الص ّ‬
‫وخاصة املتأخرة منها‪ ،‬إذ عمد أصحابها فيها إلى تخصيص أبواب مفردة ملوضوع‬ ‫وفية‬
‫ّ‬ ‫والتابعين وأقوال ّ‬
‫الص ّ‬ ‫الصحابة ّ‬ ‫النبوية وأخبار ّ‬ ‫اللباس‪ ،‬وحشدوا فيها من ألاحاديث ّ‬ ‫ّ‬
‫واحتجوا لها وأكسبوها‬ ‫وفية ما ّبرروا به لبستهم‪،‬‬
‫الرحمن ّ‬
‫صوف" ألبي عبد ّ‬ ‫املرقعة ولبسها" ضمن "كتاب ألاربعين في ّ‬
‫الت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السلمي‪ ،‬إذ‬ ‫شرعية‪ ،‬من ذلك ما نعثر عليه في باب "اتخاذ‬ ‫صبغة‬
‫وفية في ارتداء املرقعات‪ ،‬وهو حديث منسوب إلى ّأم الحصين‪ ،‬ومتنه‪" :‬كنت في بيت عائشة رض ي هللا عنها‪ ،‬وهي‬ ‫الص ّ‬‫يورد فيه مستند ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ترقع قميصا لها بألوان من رقاع بعضها بياض وبعضها سواد‪ ،‬وبعضها غير ذلك‪ ،‬فدخل ّ‬
‫الن ّبي ـ صلى هللا عليه وسلم ـ فقال ما هذا يا‬
‫فإنه ال جديد ملن ال خلق له"‪ 61.‬فقد ّ‬
‫عد ّ‬
‫الص ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وفية هذا‬ ‫عائشة؟ قالت قميص لي أرقعه‪ ،‬فقال أحسنت‪ ،‬ال تضعي ثوبا حت ّى ترقعيه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫شرعيا التخاذ املرقعة لباسا وتفضيل القديم على الجديد‪.‬‬ ‫الحديث منطلقا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وكذلك الشأن مع أبي الحسن الهجويري في كتابه كشف املحجوب‪ ،‬إذ جعل بابين أحدهما في لبس املرقعة وآلاخر في الخرقة‪ ،‬وحشد‬
‫الصوف‬ ‫الس ّنة‪ ،‬من ذلك نقله لحديث نبوي متنه‪" :‬عليكم بلباس ّ‬ ‫املشروعية وأدرجهما ضمن ّ‬ ‫ّ‬ ‫فيهما من ألاحاديث وألاخبار ما أكسبهما‬
‫ّ‬ ‫والتابعين في لبس املرقعات‪ ،‬إذ يروي ّ‬ ‫الصحابة ّ‬ ‫تجدون حالوة إلايمان في قلوبكم"‪ 62،‬واستعراضه لتقاليد عدد من ّ‬
‫أن عمر بن الخطاب‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫أن كال من الحسن البصري ومالك بن دينار وسفيان الثوري كانوا "أصحاب مرقعات‬ ‫"كانت له مرقعة عليها ثالثون رقعة"‪ 63‬ويثبت‬
‫ّ‬
‫ويحتج لذلك بخبر ّأم خالد‬ ‫‪65‬‬
‫الس ّنة"‪،‬‬
‫بأن "لبس الخرقة من ّ‬ ‫فيقر ّ‬
‫النهج نفسه‪ّ ،‬‬ ‫السهروردي في كتابه عوارف املعارف ّ‬ ‫صوفية"‪ 64.‬وينتهج ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫الرسول لها ثيابا "فيها خميصة سوداء صغيرة"‪ 66‬مع اعترافه باختالف هيئة الخرقة ّ‬
‫الص ّ‬ ‫بنت خالدة وإلباس ّ‬
‫وفية عن صورة اللباس في‬
‫بالس ّنة وتأصيل أخذها وتشريعه عبر املماثلة بين مبايعة املريد لشيخه لحظة ّ‬
‫تقبله‬ ‫ولكن هذا ال يمنع عنده من وصلها ّ‬ ‫الرسول‪ّ ،‬‬ ‫عهد ّ‬
‫الخرقة منه وبين مبايعة ّ‬
‫الصحابة ّ‬
‫للرسول‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اللباس ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ومادته‪ ،‬إنما تجاوزت ذلك إلى استقراء دالالته‬ ‫شرعية لتحديد هيئة‬ ‫مسوغات‬ ‫ولم تعد املسألة متوقفة على البحث عن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ومقاصده وإدراجها ضمن أهداف سلوك ألانبياء والصالحين امتدادا ملجهود أوائل الصوفية‪ ،‬أمثال الجنيد في وصله لبس الصوف‬
‫‪67‬‬ ‫ّ‬ ‫بالنبي عيس ى " ّ‬
‫ّ‬
‫ألن مالبسه كانت كلها صوفا"‪.‬‬

‫ّ‬
‫التعديل وإلارشاد‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫السلوك ّ‬
‫الصوفي‬ ‫تتمثل في توجيه ّ‬ ‫اللباس دالالت باطنة ّ‬
‫مجردة؛ والثانية‬ ‫ّيتخذ هذا ألاسلوب صورتين؛ ألاولى تقوم على تحميل‬
‫وتصحيحه ّ‬
‫بالتنبيه إلى ما يمكن أن يعترضه من مزالق‪.‬‬

‫صوف‪ ،‬ص ‪.12‬‬ ‫السلمي‪ ،‬كتاب ألاربعين في ّ‬


‫الت ّ‬ ‫‪ّ 61‬‬
‫‪ 62‬الهجويري‪ ،‬كشف املحجوب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.241‬‬
‫السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.241‬‬ ‫‪ 63‬املصدر ّ‬
‫السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.242‬‬ ‫‪ 64‬املصدر ّ‬
‫‪ 65‬السهروردي‪ ،‬عوارف املعارف‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.97‬‬ ‫‪ 66‬املصدر ّ‬
‫‪ 67‬الهجويري‪ ،‬كشف املحجوب‪،‬ج‪ ،1‬ص ‪.235‬‬

‫‪11‬‬
‫ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫نقدم عليها أمثلة من بعض أقوال ّ‬ ‫الصورة ألاولى‪ ،‬فيمكن أن ّ‬ ‫ّأما ّ‬
‫وفية يقع فيها الحديث عن اللباس موصوال بجملة من املقامات‬
‫التقوى"‪ 68،‬وكذلك كالم أبي‬ ‫التواضع والانكسار وأحسن لباس العارفين ّ‬ ‫عمار‪" :‬أحسن لباس العبد ّ‬ ‫وألاحوال‪ .‬من ذلك قول منصور بن ّ‬
‫اللقاء لألولياء ولباس ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزينة ألهل ّ‬
‫العباس القاسم السياري‪ " :‬لباس الهداية للعامة ولباس الهيبة للعارفين ولباس ّ‬ ‫ّ‬
‫التقوى‬ ‫الدنيا ولباس‬
‫ويتأكد هذا ّ‬
‫الت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وجه مع‬ ‫معنوية‪،‬‬ ‫مجازية‬ ‫الحس ّية إلى صورة‬ ‫ألهل الحضور"‪ .69‬وفي هذا تحويل لداللة اللباس وخروج عن صورته‬
‫الصبر ّ‬‫املرقعة القول بأن يكون قبها من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وكماها من‬ ‫الهجويري ضمن ما يصطلح عليه بإشارات اللباس‪ ،‬إذ يقول‪" :‬وخير إلاشارات في‬
‫صحة اليقين وسجفاها من إلاخالص‪ 70،"..‬وهو‬ ‫النفس وجيبها من ّ‬ ‫والرجاء وإبطاها من القبض والبسط ووسطها من مخالفة ّ‬ ‫الخوف ّ‬
‫الثوب ليس هدفا في ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الص ّ‬‫الربط ههنا بين ألاحوال ّ‬ ‫يحكم ّ‬
‫حد ذاته‪،‬‬ ‫وفية ونوعية اللباس تجاوزا للظاهر وارتقاء بدالالته ليبرهن على أن‬
‫وفية ينقل رؤياه‬ ‫وفي لضوابط مخصوصة‪ .‬وقد نلمس صدى لذلك في قول أحد مشايخ ّ‬
‫الص ّ‬ ‫ّإنما هو ضرورة ووسيلة يخضع فيها ّ‬
‫الص ّ‬
‫ّ‬ ‫النوم بتلك املرقعة من ّ‬ ‫للنبي عيس ى‪ ،‬فيقول‪ " :‬أيته في ّ‬ ‫ّ‬
‫كل رقعة نور فقلت ّأيها املسيح ما تلك ألانوار على الثوب؟‬ ‫الصوف وكان يتألأل من ّ‬ ‫ر‬
‫‪71‬‬
‫كل أذى أصابني منه نورا"‪.‬‬ ‫وجل ّ‬ ‫عز ّ‬ ‫فصير هللا ّ‬‫كل رقعة منها لضرورة‪ّ ،‬‬ ‫قال ّإنها أنوار اضطراري فقد خطت ّ‬
‫الت ّ‬ ‫التذكير بآداب ّ‬
‫يتم فيها ّ‬ ‫وفية ملريديهم أو أصحابهم ّ‬ ‫الثانية‪ ،‬فتظهر في بعض نصائح ّ‬
‫الص ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّأما ّ‬
‫صوف وإلالحاح على ضرورة الوفاء‬ ‫الصورة‬
‫بها ّإما بضرب املثال كما في كالم رجاء بن حيوة في تقويمه لثياب "عمر بن عبد العزيز وهو يخطب باثني عشر درهما وكان قباء وعمامة‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫وقميصا وسراويل ورداء وخفين وقلنسوة"؛‪ 72‬فمثل هذه ألاخبار يتناقلها ّ‬
‫التكلف في الثياب‪ .‬وكذلك أيضا‬ ‫وفية لتبرير فضل عدم‬
‫الداراني في قوله‪" :‬ال ينبغي أن يلبس صوفا بثالثة دراهم وفي قلبه رغبة بخمسة دراهم"‪ 73‬وفيه تأكيد لضرورة تنقية‬ ‫مقصود أبي سليمان ّ‬
‫ّ‬ ‫الدنيا‪ .‬وقد ّيتضح هذا ّ‬
‫الت ّ‬ ‫الباطن وتطهيره من عالئق ّ‬
‫وجه أكثر في اختبار بشر بن الحارث لجماعة من أصحاب املرقعات إذ قال لهم‪" :‬يا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قوم ّاتقوا هللا وال تظهروا هذا ّ‬
‫الز ّي‪ ،‬فإنكم تعرفون به وتكرمون له‪ ،‬فسكتوا كلهم‪ ،‬فقام شاب من بينهم فقال‪ :‬الحمد هلل الذي جعلنا‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫حتى يكون ّ‬ ‫ممن يعرف به ويكرم له وهللا لنظهر ّن هذا الز ّي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الدين كله لله‪ ،‬فقال بسر‪ :‬أحسنت يا غالم‪ ،‬مثلك يلبس املرقعة"‪ 74.‬وكذلك‬
‫النفاق أن تلبس لباس الفتيان وال تدخل في حمل أثقال‬ ‫السجزي عدم لبسه املرقعة‪ ،‬وذلك في قوله‪" :‬من ّ‬ ‫أيضا تبرير أبي عبد هللا ّ‬
‫ّ ‪75‬‬ ‫ّ ّ‬
‫الفتوة‪ ،‬إنما يلبس لباس الفتيان من يصبر على حمل أثقال الفتوة"‪.‬‬
‫التعامل‬ ‫كيفية ّ‬‫السليمة في ّ‬ ‫الصورة ّ‬ ‫وفية على تعديل سلوك مريديهم وتوجيههم نحو ّ‬ ‫الص ّ‬‫صان وما سبقهما‪ ،‬ترجمة عن حرص ّ‬ ‫فهذان ّ‬
‫الن ّ‬
‫ّ‬
‫مع اللباس‪ ،‬وهي تنطلق أساسا من ضرورة تصفية الباطن وتصحيحه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اللباس‪ ،‬وتخليص ّ‬
‫الت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صوف من الالتباس الذي طرأ فيه وعدل به عن مقاصده‬ ‫وبهذا تتكامل ألاساليب الثالثة في معالجة مسألة‬
‫ضده‪.‬‬‫وتسبب في إثارة انتقادات واسعة ّ‬ ‫ّ‬

‫الص ّ‬
‫وفية‪ ،‬ص ‪.136‬‬ ‫السلمي‪ ،‬طبقات ّ‬
‫‪ّ 68‬‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.446‬‬ ‫‪ 69‬املصدر ّ‬
‫‪ 70‬الهجويري‪ ،‬كشف املحجوب‪،‬ج‪ ،1‬ص ‪.252‬‬
‫‪ 71‬الهجويري‪ ،‬كشف املحجوب‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 247‬‬
‫‪ 72‬القشيري‪ ،‬الرسالة القشيرية‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪ 73‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫ّ‬
‫‪ 74‬الطوس ي‪ ،‬اللمع‪ ،‬ص‪.248‬‬
‫السلمي‪ ،‬طبقات ّ‬
‫الص ّ‬
‫وفية‪ ،‬ص ‪.255‬‬ ‫‪ّ 75‬‬

‫‪12‬‬
‫‪.3‬‬

‫والرموز ما ارتقى به من ّ‬ ‫الدالالت ّ‬ ‫جماعيا واختزن من ّ‬ ‫ّ‬ ‫فرديا فحسب‪ ،‬بل أضحى ّ‬ ‫اللباس كما رأينا شأنا ّ‬ ‫ّ‬
‫مجرد وسيلة لستر‬ ‫هما‬ ‫لم يعد‬
‫وفية من تجربة‬ ‫الص ّ‬ ‫ّ‬
‫الصالح والتف ّرد واملعرفة‪ .‬فقد استفاد ّ‬ ‫معين ليكون عالمة على ّ‬ ‫ّ‬
‫العورة أو تحقيق الانتماء إلى مجتمع محدد أو مذهب ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التكلف؛ فكانت رمزا لتقشفهم وقناعتهم وقطعهم مع‬ ‫الز ّهاد ألاوائل‪ ،‬واتخذوا أصنافا من اللباس جمع بينها طابع البساطة والبعد عن‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫بالس ّنة‪ ،‬لذا عملوا على إحكام وصلها بمقاماتهم وأحوالهم‪ ،‬وجعلوها مؤشرا‬ ‫تقيدهم ّ‬ ‫البشرية وعالمة على ّ‬ ‫ّ‬ ‫النفس‬ ‫وح ُجب ّ‬ ‫الدنيا ُ‬ ‫عالئق ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫على ترقيهم فيها‪ ،‬يقول الهجويري‪" :‬الحقيقة في تخريق الثياب هي ّأنهم حين ينتقلون من مقام إلى مقام آخر يخلعون الثوب في الحال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شكرا على وجدان هذا املقام ّ‬
‫ويعدون ثوبا آخر لباسا ملقام آخر"‪ 76‬فكان الخشن من الثياب قرين البدايات‪ ،‬وكان الل ّين واملألوف غير‬
‫ّ‬ ‫منكر في ّ‬
‫النهايات‪ .‬وأضحى اللباس عالمة على صلة املريد الوثيقة بشيخه ووالئه له واعترافه بفضله ونصحه‪ ،‬فـ" لبس الخرقة ارتباط بين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وفي باألصول ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫السهروردي‪ .‬كما ّأنه بات مقياس وفاء ّ‬ ‫حد تعبير ّ‬ ‫الشيخ وبين املريد"‪ 77‬على ّ‬
‫وتقيده بالشرع وصبره على محن الطريق‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫وبعده عن ّ‬
‫والتكلف والشهرة‪.‬‬ ‫الرياء‬
‫ّ‬ ‫وفية من واقعهم‪ ،‬وهو ما ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫عد تعبيرا عن موقف ّ‬ ‫اللباس ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫نتبينه في إجابة أحدهم على سؤال طلب منه تعليل اختياره اللون‬ ‫بل إن‬
‫السالطين ّ‬ ‫السيف‪ ،‬ظفر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السالم ثالثة أشياء ّأولها الفقر والثاني العلم والثالث ّ‬ ‫النبي عليه ّ‬ ‫ألازرق في ثيابه فقال‪" :‬لقد بقي عن ّ‬
‫بالسيف‬
‫ّ ّ‬
‫بالتعلم فقط‪ ،‬واختار الفقراء الفقر وجعلوا منه آلة للغنى‪ ،‬فلبست ألازرق على‬ ‫ولم يستعملوه في موضعه‪ ،‬واختار العلماء العلم واكتفوا‬
‫ّ‬ ‫‪79‬‬ ‫ّ ‪ّ ّ 78‬‬
‫ألن اللباس ألازرق شعار أصحاب الوفاة واملصائب‪ ،‬وهو ألناس رداء الحزن"؛ فقد حمل اللباس هنا‬ ‫مصيبة هذه الفئات الثالث" "‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫موقفا رافضا للمجتمع والواقع في ّ‬
‫ظل تردي الوضع السياس ي واملعرفي وعدول التصوف عن مقاصده‪ ،‬ويؤكد ذلك اعتراض أبي الحسين‬
‫ّ‬
‫صرارة فيها فتنة وإثارة‪ ،‬وهو ما يكشف مدى الانحالل والفساد الذي عايشه ّ‬
‫الص ّ‬ ‫النوري‪ 80‬على انتعال الغلمان في بغداد نعاال ّ‬ ‫ّ‬
‫وفية في‬
‫وفية ّإذاك رمزا ّ‬ ‫اللباس عند ّ‬
‫الص ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتكالب على ّ‬ ‫والنفاق ّ‬ ‫ّ‬
‫والطمع ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لتمردهم على واقعهم‬ ‫املادة‪ ،‬يكون‬ ‫ألانانية‬ ‫مجتمعاتهم نتيجة تفش ي قيم‬
‫ورفضهم له‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وسنوا لها ضوابط أحيانا تقيها شبهة البدعة ّ‬ ‫وفية في مختلف أشكال اللباس املعتمدة عندهم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫لقد نظر ّ‬
‫والرياء والشهرة‪ ،‬ووضعوا‬
‫ّ‬ ‫الصالح وسعي ّ‬ ‫فالصوف اقتداء بأهل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لها مقاصد ّ‬
‫للصفاء ألنه "دأب ألانبياء‪ ..‬وشعار ألاولياء‬ ‫وتشرع إقبالهم عليها؛‬ ‫تبرر اختيارها‬
‫ّ‬ ‫واملرقعة مرادها "مؤنة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حد تعبير أبي نصر ّ‬ ‫وألاصفياء"‪ 81‬على ّ‬
‫الدنيا وصدق الفقر هلل تعالى"‪ 82‬لذا ال يجوز ارتداؤها إال‬ ‫الس ّراج الطوس ي‪.‬‬
‫التأديب شرطا في‬ ‫وفية يضعون ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫البشرية‪ ،‬وهذا ما جعل ّ‬ ‫ّ‬ ‫النفس‬‫الدنيا ونداءات ّ‬ ‫وجه إلى هللا والقطع مع ّ‬ ‫الت ّ‬‫صح فيه العزم على ّ‬ ‫ملن ّ‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫إكسائها‪ ،‬ويكون ذلك "خالل سنوات ثالث على معان ثالثة‪ ،‬فإذا ّأدى ّ‬
‫إن الطريقة ال تقبله‪ ،‬فسنة منها لخدمة‬ ‫حقها فبها وإال قالوا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحق وسنة ملراعاة قلبه‪ ،‬فإذا توفرت هذه الشروط الثالثة في املريد يسلم له بلبس املرقعة على وجه‬ ‫الخلق‪ ،‬وسنة ثانية لخدمة‬
‫والرياضة سبيال إلدراك الحقائق‪.‬‬ ‫ّ‬
‫التقليد"‪ 83‬وهذا اعتراف منهم برفضهم املحاكاة والتقليد وتزكيتهم للمجاهدة ّ‬ ‫التحقيق ال ّ‬ ‫ّ‬

‫‪ 76‬الهجويري‪ ،‬كشف املحجوب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.253‬‬


‫‪ 77‬السهروردي‪ ،‬عوارف املعارف‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫‪ 78‬الهجويري‪ ،‬كشف املحجوب‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪.250‬‬
‫السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.250‬‬‫‪ 79‬املصدر ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السلمي‪ ،‬طبقات الصوفية‪ ،‬ص‪.167‬‬‫‪ّ 80‬‬
‫ّ‬
‫‪ 81‬الطوس ي‪ ،‬اللمع‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ 82‬الهجويري‪ ،‬كشف املحجوب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.247‬‬
‫السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.251‬‬ ‫‪ 83‬املصدر ّ‬

‫‪13‬‬
‫الشيخ أو في كيفية ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللباس مقترنا بالبركة‪ ،‬وهو ما يسبغ عليه طابع القداسة سواء في اشتراط ّ‬ ‫ّ‬
‫التعامل معه‬ ‫تلقيه من‬ ‫كما ّأنهم جعلوا‬
‫وترده لصاحبه ّ‬ ‫ّ‬
‫للثوب املجروح شيئان ّإما أن تخيطه الجماعة ّ‬
‫وإما أن تعطيه لدرويش آخر أو‬ ‫استنادا إلى كالم الهجويري‪" :‬يشترط‬
‫ويتبركون بها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تمزقه قطعة قطعة ويقسموه ّ‬
‫للت ّبرك"‪ 84،‬فهم ال يتخلون عن مرقعاتهم‪ ،‬بل يتوارثونها ويلتفون إلصالحها ّ‬ ‫ّ‬
‫مما يبرهن عن‬
‫قيمتها لديهم وقداستها في عرفهم‪.‬‬

‫التقديس‪ ،‬وفق ما فرضه ّ‬ ‫التهميش و ّ‬


‫تردد بين ّ‬ ‫ّ‬
‫اللباس باالختالف و ّ‬ ‫ّاتسم تعامل ّ‬
‫الص ّ‬
‫تطور تجربتهم‪ ،‬واقتضته ظروف‬ ‫وفية مع موضوع‬
‫ّ‬ ‫حد ترك لباس ّ‬ ‫متغيرات بلغت ّ‬
‫بيئتهم ومحيطهم وما طرأ فيها من ّ‬
‫الصوف‪ ،‬وهو ما ّبرره الهجويري بقوله‪ّ " :‬أما ترك عادة هذه الطائفة فال‬
‫تشعثت وألانعام انتقلت في الغارات من‬ ‫أن ألاصواف ّ‬ ‫يكون شرطا في طريقهم‪ .‬و ّقلة ارتدائهم ثياب ّ‬
‫الصوف آلان له معنيان؛ أحدهما ّ‬
‫الصوف شعا ا لهم ومخالفة شعار أهل البدع ّ‬ ‫أن طائفة من أصحاب البدع ّاتخذوا رداء ّ‬ ‫ّ‬
‫والثاني ّ‬
‫سنة ولو كان مخالفة‬ ‫ر‬ ‫مكان إلى مكان؛‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للس ّنة"‪ّ .‬‬
‫فالت ّ‬ ‫ّ‬
‫صوف لم يكن معزوال عن واقعه‪ ،‬بل كان مواكبا ملستجداته متفاعال معها متأثرا بها‪ ،‬وهذا ما دعاه إلى الحرص على بيان‬
‫ّ‬ ‫مقاصده دفاعا عن مفاهيمه وآدابه فكان ّ‬
‫التفصيل في أنواع اللباس ودواعيها وزمنها ودالالتها‪ ،‬وكان البحث عن تسييجها بحدود الشرع‬
‫لكن هذا املجهود لم يمنع من توجيه العديد من‬ ‫الت ّنوع والاختالف فيها‪ّ .‬‬‫الصالحين وإباحة ّ‬
‫والرسل و ّ‬
‫وتأصيلها ضمن سيرة ألانبياء ّ‬
‫الس ّنة من قبيل ما ورد في كتاب "تلبيس‬ ‫والرياء والعدول عن ّ‬ ‫خاصة الفقهاء‪ ،‬وبلغت ّ‬
‫حد ّاتهامهم بالبدعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫الاعتراضات عليهم‪ّ ،‬‬
‫سجلها‬
‫إبليس" البن الجوزي‪.‬‬

‫‪ 84‬املصدر ّ‬
‫السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.248‬‬

‫‪14‬‬
– 11

16501
00212 5 37 73 04 50
00212 5 37 73 04 08
info@mominoun.com
www.mominoun.com

15

You might also like