You are on page 1of 88

‫جامعة محمد خيضر بسكرة‬

‫كلية اآلداب و اللغات‬

‫قسم اآلداب واللغة العربية‬

‫مذكرة ماستر‬
‫تخصص ‪ :‬أدب عربي حديث ومعاصر‬

‫إعداد الطلبة‪:‬‬

‫فتح هللا مهني‬


‫عجال سلمى‬

‫تجليات المكان في روايتي عبد الرحمن‬


‫مجيد الربيعي‬
‫"الوشم‪-‬القمر واألسوار"‬
‫‪:‬لجنة المناقشة‬

‫لحسن عزوز‬ ‫أستاذ مساعد أ‬ ‫جامعة محمد خيضر بسكرة‬ ‫رئيسا‬


‫رحماني علي‬ ‫أستاذ محاضر أ‬ ‫جامعة محمد خيضر بسكرة‬ ‫مشرفا ومقررا‬
‫كلفالي سمحية‬ ‫أستاذ محاضر‬ ‫جامعة محمد خيضر بسكرة‬ ‫مناقشا‬
‫ب‬

‫السنة الجامعية‪2019/2020 :‬‬


‫شكر وعرفان‬
‫إهداء‬
‫مقدمة‬
‫مقدمة‬

‫مقدمة‬
‫حاج ة اإلنس ان إىل رواي ة األح داث ال يت تق ع ل ه و دف ع اآلخ رين إىل مش اركتها ونق ل جتارب ه و‬
‫أحاسيس ه إليهم تع د من احلاج ات الفطري ة ل ه ل ذلك احتلت الرواي ة مكان ة واهتمام ا داخ ل حق ل‬
‫اإلب داع األديب والف ين و الثقاف ة العربي ة املعاص رة بوج ه ع ام فمن د النش أة األوىل للرواي ة والس يما‬
‫احلديثة منها و حنن جندها األقرب إىل الواقع والبيئة اليت تصدر عنها‪ ،‬فالرواية تشكيل للحياة‪.‬‬

‫و ميكن أن نش ري إىل أن الرواي ة العراقي ة ارتبطت على اختالف مراحله ا و أجياهلا بالبيئ ة و الواق ع‬
‫الذي صدرت عنه‪ ،‬و كأننا دائما مع كل رواية منها أمام وثيقة تارخيية و اجتماعية ودراسة غري‬
‫مر هبا‪.‬‬
‫مباشرة للمجتمع العراقي على اختالف طبقاهتا أو املراحل الظرفية اليت ّ‬
‫وبطبيع ة احلال ف إن الرواي ة يرتك ز بناءه ا الف ين واملتكام ل على احلدث من خالل تص ويره ملختل ف‬
‫الشخصيات الروائية و تفاعلها مع احلدث داخل املكان الذي تدور فيه األحداث بوصفه العمود‬
‫الفقري الذي يربط أجزاء العمل بعضها ببعض فهو مكون جوهري من مكوناهتا‪.‬‬

‫ونتيجة لألمهية اليت يشكلها املكان يف العمل الروائي‪،‬فقد قمنا بدراسته يف ضوء ارتباطه و تفاعله‬
‫م ع أبني ة النص‪ ،‬والبحث عن تش كيالته وأمناط ه و أدوات بنائ ه‪ ،‬و من مث كيفي ة ارتباط ه و عالقت ه‬
‫بالعناصر السردية األخرى اليت يتألف معها ليشكل البنية الكلية للرواية‪.‬‬

‫وقد اخرتنا لبحثنا هذا نصوصا روائية للقاص و الروائي العراقي عبد الرمحن جميد الربيعي‪ ،‬و سبب‬
‫يت ال ربيعي يع ود‪،‬أوال‪ :‬الهتمامن ا بالش كل ال روائي الع راقي ال ذي أثبت رغم حداثت ه‬‫اختيارن ا لرواي ّ‬
‫كفاءت ه و أمهيت ه يف س ياق تط ور األدب الع ريب‪ ،‬و ثاني ا‪:‬البن اء املم يز لرواي ات ال ربيعي‪،‬إذ ختلص ت‬
‫رواياته من النظام السردي املألوف‪ ،‬مما يفتح أمام الباحث و الدارس آفاقا واسعة للتعامل نقديا مع‬
‫مكونات نصوصه الروائية و أبنيتها‪ ،‬ومن اجلدير بالذكر أن الدراسات املتعلقة بدراسة املكان تعد‬
‫رواييت عبد الرمحن جميد الربيعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حديثة العهد‪ ،‬ومن هذا كله نبعت احلاجة لدراسة املكان يف‬

‫ومن هن ا ينطل ق البحث من إث ارة إش كالية املك ان ودالالت ه يف رواي يت الوش م والقم ر‬
‫واألسوار‪،‬ويهدف إىل اإلجابة عن التساؤالت اآلتية‪:‬‬

‫ما هو املكان؟ و هل خيتلف مفهومه باختالف الدارسني و ما هي مستوياته‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫جتليات هذا العنصر يف النص الروائي؟‬

‫و كيف مت توظيفه بنائيا و مجاليا؟‬

‫هل املكان لدى الروائي جمرد؟ أم ذو محوالت نفسية و اجتماعية و تارخيية؟‬

‫عالقة املكان باألبنية السردية األبنية السردية األخرى‪.‬‬

‫وقد استدعت طبيع ة البحث أن ينظم يف فصلني مسبوقني مبدخل و تليهما خامتة أوجزنا فيها أهم‬
‫النتائج اليت متخض عنها حبثنا‪ ،‬مث اتبعناها مبلحق عرفنا فيه بالراوي عبد الرمحن جميد الربيعي مث قراءة‬
‫وملخص للروايتني دون إغفال قائمة املصادر واملراجع اليت كانت يف هناية البحث ‪.‬وجاءت اخلطة‬
‫كاآليت‪:‬‬

‫مقدمة‬
‫المدخل‪ :‬ماهية المكان‬
‫‪-1‬املكان‬
‫أ‪ -‬لغة‬
‫ب‪-‬اصطالحا‬
‫‪-2‬مفهوم املكان الروائي‪ :‬الفضاء‬
‫أ‪-‬الفضاء الروائي‬
‫ب‪ -‬احليز الروائي‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫الفصل األول ‪ :‬أنماط المكان وأهميته في‬
‫متهيد‬
‫‪ -1‬ثنائية املكان املفتوح واملغلق‬
‫أ‪ -‬املكان املفتوح‬
‫ب‪ -‬األماكن املغلقة‬
‫‪ -2‬أمهية املكان‬
‫الفصل الثاني‪ :‬عالقة المكان بمكونات السرد‬
‫متهيد‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‬

‫‪-1‬عالقة املكان بالزمان‬


‫‪-2‬عالقة املكان بالشخصية‬
‫‪-3‬عالقة املكان باألحداث‬
‫اخلامتة‬
‫واعتمدنا يف هذا البحث على عدة مراجع من بينها ‪:‬‬

‫رواية القمر واألسوار لعبد الرمحن جميد الربيعي‬ ‫‪-‬‬


‫رواية الوشم لعبد الرمحن جميد الربيعي‬ ‫‪-‬‬
‫كتاب شعرية الفضاء السردي حلسن جنمي‬ ‫‪-‬‬
‫كتاب بنية النص السردي حلميد محيداين‬ ‫‪-‬‬
‫كتاب مجاليات املكان لغاستون باشالر‬ ‫‪-‬‬

‫وغريه ا من املراج ع ال يت أن ارت لن ا الس بل خالل اجناز املوض وع ‪ ،‬ولع ل من أهم الص عوبات ال يت‬
‫واجهتن ا يف اجناز حبثن ا تش عب موض وع املك ان وص عوبة اإلملام ب ه‪ ،‬وك ذلك حتدي د وف رز العناص ر‬
‫املتعلقة مبوضوع البحث اليت وقفت حاجزا يف طريقنا‪.‬‬

‫ويف األخري نتقدم جبزيل الشكر والتقدير ألستاذنا "علي رمحاين" الذي تفضل بقبول اإلشراف على‬
‫البحث وأحاطه بالعناية واالهتمام وكذا جهده وصربه معنا‪ ،‬بفضل نصائحه وتوجيه مت إجناز هذا‬
‫البحث املتواضع‪ ،‬كما نتقدم بالشكر إىل كل من ساعدنا يف اجنازه وخنص بالذكر األستاذ احملرتم‬
‫"مب اركي مجال" ال ذي س اعدنا مبجموع ة من املراج ع ‪ ،‬كم ا ال ننس ى عم ال املكتب ة على خمتل ف‬
‫التس هيالت‪ ،‬ورجاءن ا أن تن ال هات ه الدراس ة بعض الرض ا والقب ول ‪ ،‬ونرج وا من اهلل التوفي ق‬
‫والسداد‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫المدخل‬
‫ماهية المكان‬
‫‪-1‬المكان‬

‫أ‪ -‬لغة‬

‫ب‪-‬اصطالحا‬

‫‪-2‬مفهوم المكان الروائي‪ :‬الفضاء‬

‫أ‪-‬الفضاء الروائي‬

‫ب‪ -‬الحيز الروائي‬


‫ماهية المكان‬ ‫المدخل‬

‫‪-1‬المكان‬

‫أ‪-‬لغ ة‪ :‬ال ب د لن ا يف ب دء ح ديثنا عن مفه وم املك ان وداللت ه من أن نق ف على داللت ه اللغوي ة‬


‫واالصطالحية‪ ،‬إذ ال يتم تأسيس أي مفهوم أديب أو ثقايف إال عرب اللغة‪.‬‬
‫وعند وقوفنا على مفهوم املكان لغويا يف القرآن الكرمي جندها حتمل دالالت ومعاين خمتلفة‪.‬‬

‫اب َم ْريَ َم إِ ِذ ا ْنتَبَ َذ ْ‬


‫ت‬ ‫فمنها ما يأيت مبعىن املوضع أو احملل كقوله تعاىل ‪ ﴿:‬واذْ ُكر فِي ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫‪1‬‬
‫ِم ْن أ َْهلِ َها َم َكانًا َش ْرقِيًّا‪﴾ ‬‬

‫الض اللَ ِة‬


‫أي موض عا وحمال ومنه ا م ا ج اء مبع ىن "املنزل ة" كم ا يف قول ه تع اىل ‪ ﴿:‬قُ ْل َم ْن َك ا َن فِي َّ‬
‫س َي ْعلَ ُمو َن َم ْن ُه َو‬
‫اعةَ فَ َ‬ ‫اب َوإِ َّما َّ‬
‫الس َ‬ ‫وع ُدو َن إِ َّما ال َْع َذ َ‬
‫الر ْح َم ُن َم ًّدا َحتَّى إِذَا َرأ َْوا َم ا يُ َ‬
‫َفلْيَ ْم ُد ْد لَ هُ َّ‬
‫ف ُج ْن ًدا﴾‪ 2‬وتعين شر مكانا أي منزلة‪.‬‬ ‫َش ٌّر َم َكانًا َوأَ ْ‬
‫ض َع ُ‬
‫يز إِ َّن لَ هُ أَبًا َش ْي ًخا‬
‫بينما وردت يف مواضع أخرى مبعىن بدل مثل قوله تعاىل ‪ ﴿:‬قَالُوا يَا أ َُّي َها ال َْع ِز ُ‬
‫ين‪ 3﴾ ‬هنا املكان تعين بال منه‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫َكبِيرا فَ ُخ ْذ أَح َدنَا م َكانَه إِنَّا َنر َ ِ‬
‫اك م َن ال ُْم ْحسن َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫ً‬
‫وقال أيضا‪َ  ﴿ ":‬وإِ َذا بَ َّدلْنَا آيَةً َم َكا َن آيٍَة َواللَّهُ أَ ْعلَ ُم بِ َم ا ُيَن ِّز ُل قَ الُوا إِنَّ َم ا أَنْ َ‬
‫ت ُم ْفتَ ٍر بَ ْل أَ ْك َث ُر ُه ْم‬
‫اَل َي ْعلَ ُمو َن‪.4﴾ ‬‬

‫وللمكان مرادفات تستعمل يف اللغة للداللة عليه‪ ،‬ومنها احملل واملوضع واحليز واملأل واألين‬
‫واخلأل‪ ،‬ومن املالح ظ أن املعجم ات اللغوي ة مل تبحث يف ه ذه املف ردات إال بق در تعلقه ا باللغ ة‬
‫واشتقاقاهتا املتعددة‪.‬‬

‫أورد ابن املنظور لغة "مكان حتت اجلذر لكون من الكون (احلدث) وأعاد احليث عنه حتت‬
‫اجلذر(مكن) فقال واملكان املوضع واجلمع أمكنة‪ ،‬كقذال وأقذلة‪ ،‬وأماكن مجع اجلمع قال ثعلب‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة مرمي اآلية ‪16‬‬


‫‪ - 2‬سورة مرمي اآلية ‪75‬‬
‫‪ - 3‬سورة يوسف اآلية ‪78‬‬
‫‪ - 4‬سورة النحل اآلية ‪106‬‬

‫‪4‬‬
‫ماهية المكان‬ ‫المدخل‬

‫يبط ل أن يك ون مك ان فعالن ألن الع رب تق ول كن مكان ك وقم مكان ك واقع د مكان ك فق د دل‬
‫‪1‬‬
‫هذا على أنه مصدر مكان أو موضع منه ‪.‬‬

‫ويذهب ابن سيده إىل أن املكان»مجع أمكنة فعاملوا امليم الزائدة معاملة أصلية‪ ،‬ألن العرب‬
‫تش به احلرف ب احلرف‪ ،‬كم ا ق الوا من ارة‪ ،‬ومن ائر‪ ،‬فش بهوها بفعال ة‪ ،‬وهي مفعل ة من الن ور وك ان‬
‫حكمه مناور‪«2 .‬‬

‫ويرى الليث أن املكان هو" اشتقاقه من كان يكون ولكنه ملا كثر يف الكالم صارت امليم‬
‫‪3‬‬
‫كأهنا أصلية "‬

‫ويذهب ابن بري إىل أن ‪":‬مكني فعيل‪ ،‬مكان فعال‪ ،‬ومكانة فعالة ليس بشيء منهما‬

‫من الك ون‪ ،‬فه ذا س هو وأمكن ة‪ ،‬أفعل ة‪ ،‬وم ا متكن فه و تفع ل كمت درع مش تق من املدرع ة‬
‫فع َل على اشتقاقه ال متّ َّكن ‪،‬و متكن وزنه ت َف ّع َل وهذا كلـه‬
‫بزيادة‪ ،‬فعلى قياسه‪،‬جيب يف متكن ألنه تَ ّ‬
‫سهو وموضعه فصل امليم من باب النون‪.« 4‬‬

‫ويف قاموس حميط احمليط جاء تعريف املكان كاأليت‪ :‬املكان املوضع أو هو مفعل من الكون‬
‫مجع أمكنة وأماكن وأمكن قليال ويقال هذا مكان هذا أي يدله‪ ،‬وكان من العلم والعقل مبكان أي‬
‫‪5‬‬
‫رتبة ومنزلة املكان‬

‫إذن من خالل ما سبق نستنتج أن املكان ل دى اللغويني وكما ورد يف كتابه العزيز ‪ :‬هو املوضع‬
‫املشغول والذي يدل املنزلة واملكانة‪.‬‬

‫‪- 1‬أبو الفاضل مجال الدين حممد بن مكرم اإلفريقي ابن منظور لسان العرب‪ ،‬اجمللد ‪ ،6‬دار صادر للطباعة و النشر والتوزيع ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان ط‬
‫‪ 1997 ، 1‬ص‪.83‬‬
‫‪ -2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪83‬‬
‫‪ -33‬الس يد حمم د مرتض ي الزبي دي‪ ،‬ت اج الع روس من ج واهر الق اموس ‪ ،‬اجملل د ‪ ،18‬دار الفك ر للطباع ة و النش رو التوزي ع ‪ ،‬ب ريوت لبن ان ‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1994‬ص‪488 -487‬‬
‫‪ - 4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪488‬‬
‫‪-55‬املعلم بطرس البستاين حميط احمليط ‪ ،‬قاموس مطول لللغة العربية‪ ،‬مكتبة لبنان ساحة رياض الصلخ بريوت‪ ،‬ط‪ ،1991‬ص‪.109‬‬

‫‪5‬‬
‫ماهية المكان‬ ‫المدخل‬

‫ب‪-‬اصطالحا‪:‬‬

‫مر املكان بنحو عام بسلسلة من املراحل التطورية متثل حبد ذاهتا متغريات تارخيية يف جتربة‬‫ّ‬
‫اإلنس ان وتعامل ه م ع الطبيع ة‪،‬فالطبيع ة بتضاريس ها ش ّكلت املك ان األول ال ذي أحس ب ه اإلنس ان‬
‫وألفه‪.‬‬

‫فقد تناول الفكر اإلنساين الظاهرة املكانية قدميا وحديثا وأدرك اإلنسان أثر املكان يف حياته‬
‫ألن » إدراك اإلنسان للمكان مباشر وحسي‪ ،‬وصراعه معه ما هو إال تأكيد لذاته وتأصيل هلويته‪،‬‬
‫فبق در إحس اس اإلنس ان باملك ان تكمن أمهيت ه ووج وده (‪ )...‬ألن وج وده يف املك ان يس تمر مع ه‬
‫طوال عمره فال تكتسب الذات أمهيتها إال من خالل تفاعلها مع املكان املوجودة فيه«‪.1‬‬

‫جاء يف املعجم الفلسفي ما يلي‪»:‬املكان هندسيا وسط غري حمدود يشتمل على األشياء وهو‬
‫متص ل ومتج انس ال متيز بني أجزائ ه وذو أبع اد ثالث ة هي الط ول والع رض واالرتف اع وميكن بن اء‬
‫أشكال متشاهبة فيه «‪.2‬‬

‫اذن فق ط ج اء املك ان يف املع اجم الفلس فية مبع ىن املوض وع ال ذي حيت وي س طح اجلس م‬
‫ويشغله‪.‬‬

‫بعد ظهور الفلسفة أخد املكان يتسم بشيء من التحديد والوضوح ويعد أفالطون أول من‬
‫وضع مفهوما اصطالحيا للمكان يف الفلسفة فعده»حاويا وقابال للشيء‪«3.‬‬

‫أي أن املك ان حيوي األش ياء وال يس تقل عنه ا ويقبله ا‪ ،‬ويتش كل ويتح دد هبا ومن خالهلا‬
‫وه و ب ذالك»ال يقب ل الفس اد وي وفر مقام ا لك ل الكائن ات ذات الص ريورة واحلدوث«‪ 4‬وه و ليس‬
‫بالقدمي بل حادث‪»:‬اقتضته ضرورة وجود العامل كالزمان ‪.......‬وهو باق ببقاء الزمان والسماء‬
‫‪5‬‬
‫ومصريه مرتبط مبصريها دواما وزواال«‪.‬‬

‫‪-1‬صبيحة عودة زعرب‪ ،‬غسان كنفاين مجاليات السرد يف اخلطاب الروائي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار جمد الوى‪ ،‬عمان ‪ ،2006‬ص‪95‬‬
‫‪-2‬جممع اللغة‪ ،‬اجملمع الفلسفي‪ ،‬اهليئة العامة لشؤون املطابع األمريية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دط‪ ،1983 ،‬ص‪191‬‬
‫‪-3‬ينظر‪:‬حسن جميد العبيدي‪ ،‬نظرية املكان يف فلسفة ابن سينا‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬وزارة الثقافة واالعالم‪ ،‬يغداد‪ ،‬العراق ط‪،1987 ،1‬‬
‫ص‪.28.27‬‬
‫‪-4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص نفسها‬
‫‪-5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص نفسها‬

‫‪6‬‬
‫ماهية المكان‬ ‫المدخل‬

‫و يلخص عب د ال رمحن ب دوي يف »موس وعة الفلس فة« فك رة املك ان ل دى أرس طو يف أن ه‬


‫احلاوي األول وه و ليس ج زء من الش يء ألن ه مس او للش يء احملوي وفي ه األعلى واألس فل وهن اك‬
‫املكان اخلاص والذي حيويك ال أكثر منك واملكان املشرتك الذي يكون حيز جلسمني أو أكثر‪.1‬‬

‫نفهم من هذا القول أن أرسطو قسم املكان إىل قسمني مكان مشرتك أو عام ويوجد فيه‬
‫أكثر من جسم واحد‪ ،‬ومكان خاص يوجد فيه كل جسم على حدة‪. .‬‬

‫وق د أخ ذ الفالس فة الع رب مبوق ف أرس طو ط اليس ط اليس من املك ان‪،‬فق د تابع ه ك ل من‬
‫الكن دي والف ارايب‪ ،‬فيم ا وق ف أب و بك ر ال رازي واحلس ن بن اهليثم موقف ا مض ادمن موق ف أرس طو‬
‫للمكان‪.2‬‬
‫ومن مث احتل املكان دورا متميزا من حيث عناية الفالسفة والدارسني به‪ ،‬وإن اختلفوا يف‬
‫حتديدهم له‪.‬‬

‫وإذا حبثن ا عن نص يب عنص ر املك ان من الدراس ة والبحث يف احلق ل النق دي فال ب ّد من‬
‫االشارة إىل قصور النقد األديب العريب والغريب يف دراسته للمكان إذاقيس بالزمان‪ ،‬فقد ظل» دور‬
‫‪3‬‬
‫املكان ثانويا فيما أعطيت األولوية للزمان«‪.‬‬

‫ولعل عزوف النقد عن تناول عنصر املكان على حنو موسع ناتج عن ضمور هذا العنصر يف النتاج‬
‫األديب وال سيما يف الرواية التقليدية (الكالسيكية)‪.‬‬
‫وأساس هذه الرؤية قائم على كون الرواية آن ذاك زمانية ال مكانية‪ ،‬والروائي كان يعتين‬
‫بالزمن وصورة توايل األحداث أكثر من عنايته باملكان وما يتصل به من أحداث‪ ،‬وكانت الرواية‬
‫هتتم بوقع األحداث على وفق التسلسل الزمين (ماضي‪ ،‬حاضر‪ ،‬مستقبل) من دون مراعاهتا ملكان‬
‫األحداث أو مراعاة لطبيعة الشخصية‪.‬‬

‫ومن الدارسني الذين تبنوا هذا املصطلح جند غاستونباشالر الذي يعد املكان أكثر اتساعا‬
‫من احليز ويعت ربه»كون ا حقيقي ا بك ل م ا للكلم ة من معىن«‪ ،4‬ولتحدي د م دى الرتاب ط م ع املك ان‬

‫‪-1‬عبد الرمحن بدوي ‪ ،‬موسوعة الفلسفة ‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات و النشر ‪ ،‬ط‪ ، 1984 ، 1‬ج‪ ، 11‬ص ‪461‬‬
‫‪-2‬جميد العبيدي‪ ،‬نظرية املكان يف فلسفة ابن سينا‪ ،‬ص‪33‬‬
‫‪- 3‬عبد امللك مرتاض‪ ،‬يف نظرية الرواية حبث يف تقنيات السرد‪ ،‬دار الغرب للنشر و التوزيع ‪ ،‬وهران‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪ ،2005‬ص‪146‬‬
‫‪-4‬غاستونباشالر‪ ،‬مجاليات املكان‪ ،‬تر‪ ،‬غالب هلسا‪ ،‬املؤسسة اجلامعية لدراسات و النشر و التوزيع‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،‬ط‪ ،1984 ،2‬ص‪.36‬‬

‫‪7‬‬
‫ماهية المكان‬ ‫المدخل‬

‫ي ذهب باش الرإىل أن »املك ان ال ذي ينج ذب حنوه اخلي ال ميكن أن يبقى مكان ا المجالي ا ذا أبع اد‬
‫هندسية وحسب‪،‬فهو مكان قد عاش فيه بشر ليس بشكل موضوعي فقط بلما يف اخليال من حتيز‪،‬‬
‫إننا ننجذب حنوه ألنه يكشف الوجود يف حدود تتسم باحلماية«‪ ،1‬فاملكان يف نظر باشالرال ميثل‬
‫األماكن املادية احملدودة فحسب بل يتسع ليشمل األماكن اخليالية أيضا على مستوى الرواية‪.‬‬

‫أم ا ي وري لومتان فق د درس املك ان دراس ة فني ة عميق ة‪ ،‬وق ام بتط بيق دراس ته على بعض‬
‫النصوص الشعرية من خالل مقال له بعنوان «مشكلة املكان الفين«‪.‬‬

‫وميكننا تلخيص رأيه يف املكان بشكل عام من خالل قوله‪«:‬املكان هو جمموعة من األشياء‬
‫املتجانس ة (من الظ واهر أو احلاالت أو الوظ ائف أو األش كال املتغ رية)تق وم بينه ا عالق ة ش بيهة‬
‫بالعالقات املكانية املألوفة العادية (مثل االتصال املسافة‪.....‬اخل) وجيب أن نضيف إىل هذا التعريف‬
‫ملحوظ ة هام ة ه و أنن ا إذا نظرن ا إىل جمموع ة األش ياء املعط اة على أهنا مك ان جيب أن جترد ه ذه‬
‫‪2‬‬
‫األشياء من مجيع خصائصها‪ ،‬ماعدا تلك اليت حتددها العالقات ذات الطابع املكاين«‪.‬‬

‫من هذا التعريف نفهم أن املكان الفين لدى لومتان خيتلف من حيث املميزات عن األماكن‬
‫العادية املألوفة ألنه حيمل تيهات متنوعة حسب مقصدية الشاعر أو الكاتب‪.‬‬

‫ويف ه ذا الص دد نش ري إىل «غرمياس» ال ذي حبث يف مفه وم املك ان من خالل أعمال ه ال يت‬
‫تصب يف اجملال السردي ‪،‬ويربط غرمياس مفهوم املكان باخلطاطة السردية‪ ،‬وبذلك يتوسع املكان‬
‫كسلسلة من احملطات اليت ال وظيفة هلا إال من بتفاعلها مع رحلة البطل‪...‬‬

‫ويبقى لكل مكان يرتدد عليه أبطال الرواية دالالت خاصة وبالتايل خيرج املكان من كونه‬
‫‪3‬‬
‫جمرد كلمات تتضمنها الرواية إىل مكان أوسع متصل مع العامل اخلارجي‪.‬‬

‫وجيدر بنا اإلشارة إىل ياسني النصري الذي اعترب املكان هو الكيان االجتماعي الذي حيوي‬
‫على خالص ة التفاع ل بني اإلنس ان وجمتمع ه‪ ،‬ومن ذ الق دم وح ىت ال وقت احلاض ر ك ان املك ان ه و«‬
‫القرط اس املرئي الق ريب ال ذي س ّجل اإلنس ان علي ه ثقافت ه وفنون ه وفك ره فاإلنس ان ابن بيئت ه يتأثر‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪31‬‬


‫‪ -2‬لومتان يوري‪ ،‬مشكلة املكان الفين(املكان و الداللة)‪ ،‬تر‪:‬سيزا قاسم‪ ،‬جملة ألف‪ ،‬العدد‪ ، 1986 ،6‬ص‪.89‬‬
‫‪ -3‬مدقن كلثوم‪ ،‬داللة املكان يف رواية موسم اهلجرة إىل الشمال ضمن جملة األثر جامعة ورقلة عدد‪ ،4‬ماي ‪2005‬ص‪142‬‬

‫‪8‬‬
‫ماهية المكان‬ ‫المدخل‬

‫ويؤثر فيها‪ ،‬وهو جزء ال يتجزأ من حياته‪ ،‬إذ يعترب املكان حاضره وماضيه الذي يسجل فيه ثقافته‬
‫وتفك ريه وك ل ذكرياته«‪1‬وعلي ه ف إن ياس ني النص ري ي رى أن مفه وم املك ان كيان ا اجتماعي ا أي أن ه‬
‫وسط يتفاعل فيه اإلنسان مع غريه‪ ،‬حيث ينقل خمتلف التعامالت اليت تنظم العالقات البشرية‪.‬‬

‫ويؤك د الناق د محي د حلمي داين أن املك ان‪«:‬ميكن أن يك ون فق ط متعلق ا مبج ال ج زئي من‬
‫جماالت الفضاء الروائي‪ ،‬وهناك أسئلة أساسية تنبغي إضافتها ‪ ،‬وهي أن احلديث عن مكان حمدد يف‬
‫‪2‬‬
‫الرواية يفرتض دائما توقفا زمنيا لصريورة احلدث‪«.‬‬

‫واملكان عنصر من عناصر املشكلة والعمل الروائي‪«:‬لذا تعد دراسة املكان كعنصر بنائي‬
‫يس اهم يف تش ييد الرواي ة ض رورة لكش ف ومعرف ة خص ائص ه ذا الفن وم ا مييزه ا من روائي إىل‬
‫‪3‬‬
‫آخر«‪.‬‬

‫ويف عنصر آخر يؤكد الشريف حبيلة أن املكان عنصر أساسي يف العمل الروائي‪«:‬املكان مل‬
‫يعد عنصرا ثانويا يف الرواية فقد صار عنصرا أساسيا للعمل الروائي يتخذ أشكاال وحيل دالالت‬
‫خمتلفة يكشفها التحليل والدراسة وفق تصورها خيضع ملبدأ القطبية القائمة على ثنائية التضاد تتقابل‬
‫معربة عن العالقات اليت تربط الشخصيات مبكان حتركها أو عيشها تبعا للثقافة والعادات واألفكار‬
‫‪4‬‬
‫والسلوكيات السائدة فيه«‪.‬‬

‫ومن املالحظ أن املكان مل يعد حيزا جغرافيا له حدود وأبعاد فقد أصبح للمكان خباياه‬
‫وأسراره ومجالياته‪ ،‬وحيمل أبعاد نفسية وروحية واجتماعية‪.‬‬

‫فقد أورد اجلرجاين تعريفني مها‪«:‬املكان املبهم واملكان املعني«‪ 5‬واملكان املبهم عنده «عبارة‬
‫عن مكان له اسم نسميه به بسبب أمر غري داخل يف مسماه كاخللق‪......‬واملكان املعني هو عبارة‬

‫‪- –1‬ياسني النصري‪ ،‬الرواية و املكان‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة ‪ ،‬بغداد‪( ،‬د‪ ،‬ط)‪ 1980‬ص‪17‬‬
‫‪-2‬محيد حلميداين‪ ،‬بنية النص السردي"من منظور النقد األديب"‪ ،‬املركز الثقايف العريب للطباعة و النشر و التوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫املغرب‪ .‬ط‪ .2000 .3‬ص‪.63‬‬
‫‪-3‬الشريف حبيلة‪ :‬بنية اخلطاب الروائي ‪ ،‬دراسة يف روايات جنيب الكيالين‪ ،‬عامل الكتب احلديث اربد‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص‪. 189‬‬
‫‪ -4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪8‬‬
‫‪-5‬ينظر‪ :‬اجلرجاين علي بن حممد‪ ،‬التعريفات‪ ،‬حتقيق‪:‬ابراهيم األنباري ‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1998 ،4‬ص ‪.293-192‬‬

‫‪9‬‬
‫ماهية المكان‬ ‫المدخل‬

‫عن مكان له اسم مُس ي به بسبب أمر داخل يف ُمسماه كالدار فإن تسميته بسبب احلائط والسقف‬
‫وغريمها وكلها داخلة يف ُمسماه «‪.1‬‬

‫وق د وج د اجلرج اين أن املتكلمني عرف وا املك ان بأن ه«الف راغ املت وهم ال ذي يش غله اجلس م‬
‫وتنفذ فيه أبعاده»‪2‬حيث حبث يف مفهومه للمكان ودالالته‪.‬‬

‫يعرف الناقد اجلزائري عبد املالك مرتاض املكان بقوله ‪« :‬هو كل ما عىن حيزا جغرافيا‬
‫حقيقيا‪،‬من حيث نطلق على احليز يف حد ذاته فضاء جغرايف أو أسطوري أو كل ما يند عن املكان‬
‫احملسوس كاخلطوط واألبعاد‪،‬واألحجام واألثقال‪ ،‬واألشياء اجملسمة ‪.....‬مثل األشجار واألهنار وما‬
‫يعرتي هذه الظاهرة احليزية من حركة أو تغيري»‪.3‬‬

‫ومنه فعبد املالك مرتاض قد ربط املكان باحليز واعتربه كل جغرايف فيقول‪:‬‬

‫«لقد خضنا يف أمر هذا املفهوم‪ ،‬وأطلقنا عليه مصطلح احليز مقابال للمصطلحني يف كتاباتنا‬
‫‪4‬‬
‫األخرية‪space)-(espace‬الفرنسي واإلجنليزي»‪.‬‬

‫‪-2‬مفهوم المكان الروائي‪ :‬الفضاء‬

‫يعترب الفضاء مجالية الكتابة الروائية‪ ،‬فهو يوصف بكونه جماال للحدث الروائي‪ ،‬وجيز تتحرك‬
‫ضمنه شخصيات الرواية من حيث تفاعلها مع الفضاء الّذي تعيش فيه حيث ينتج رؤية خاصة به‪،‬‬
‫والفض اء من املص طلحات النقدي ة ال يت دخلت ع امل الدراس ات والبح وث ح ديثا وفرض ت نفسها‬
‫بقوة بعد أن أمهلت سابقا‪ ،‬والفضاء عنصر من عناصر النص الروائي‪" ،‬ولقد أواله قلة من الباحثني‬
‫اهتماما الئقا‪ ،‬ألنه ميثل إىل جانب الشخصية والزمن الروائي واحلدث األسس الفنية واجلمالية اليت‬
‫ينص عليها املنت الروائي"‪.5‬‬

‫وق د ش غل مفه وم الفض اء ح يزا كب ريا من تفك ري بعض الفالس فة واملفك رين ع رب الت اريخ‬
‫وذلك كون الفضاء واملكان واحليز مفاهيم أساسية ‪ ،‬كما أبرزت الدراسات النقدية أمهيته‪ ،‬وقد‬
‫‪-1‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪292‬‬
‫‪-2‬املصدر نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‬
‫‪ -3‬عبد املالك مرتاض‪:‬حتليل اخلطاب السردي‪ ،‬معاجلة تفكيكية سيميائية مركبة لزقاق املدن‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية ‪ ،‬اجلزائر ‪ ،1995‬ص‪.245‬‬
‫‪-4‬عبد املالك مرتاض‪:‬يف نظرية الرواية"حبث يف تقنيات السرد"‪ ،‬ص‪121‬‬
‫‪ - 5‬فيصل األمحر‪ ،‬معجم السينماىيات‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬اجلزاىر‪ ،‬ط‪ ،2001 ،1‬ص‪.123‬‬

‫‪10‬‬
‫ماهية المكان‬ ‫المدخل‬

‫عرف الفضاء الناقد "حسن جنمي" يف كتابه شعرية الفضاء «على أنه فضاء تنتظيم فيه الكائنات‬
‫واألشياء واألفعال‪ ،‬معيار لقياس الوعي والعالئق والترتيبات الوجودية واالجتماعية والثقافية‬
‫ومن ثم تلك التقاطبات التي انتهت إليها الدراسات األنثروبولوجية في وعي وسلوك األفراد‬
‫والجماعات»‪.1‬‬

‫يقول جرار جنيت «ان استعمال الفضاء يتعدى بكثسر مجرد االشارة إلى المكان أو‬
‫من األمكنة‪ ،‬ان الفضلء يخلف نظاما داخل النص مهم بدأ في الغالب كأنه انعكاسي صادق‬
‫لخارج عن النص يدعي تصويره»‪.2‬‬

‫مبعىن "أن الفضاء أمشل وأوسع من املكان واملكان هو مكون الفضاء ومادامت األمكنة يف‬
‫الرواية غالبا ما تكون متعددة وترد متفاوتة‪ ،‬فان فضاء الرواية جيمعها هلا‪ ،‬فهو العامل الواسع الّذي‬
‫يشمل جمموع األحداث الروائية‪ ،‬فالساحة أو املقهى أو املنزل كل منها يعترب مكان حمددا‪ ،‬ولكن‬
‫إذا كانت الرواية تشمل هذه األماكن كلها فان مجيعها يشكل فضاء الرواية"‪. 3‬‬

‫كم ا أن الك اتب "ميش ال بوت ور" ي رى «أن الفض اء ال روائي يتحكم في ه فض اء‬
‫الق راءة حيث أن مجم وع العالئ ق الفض ائية القائم ة بين الشخصيات والمغ امرات ال تي تحكي‬
‫لي ال تس تطيع أن تص ل إلي بواس طة مس افة اتخ ذها بالنس بة للمك ان الّ ذي يحي ط بي عن دما‬
‫أقرى غرفة في رواية معينة فان األثاث الموجود أمام عيني وبدون أن أنظر إليه يتناسى أمام‬
‫األثاث الّذي ينجس أو يرشح من العالقات المرسومة على الصفحة»‪. 4‬‬

‫أ‪-‬الفضاء الروائي‪:‬‬

‫‪ - 1‬حسن جنمي‪ ،‬الشعرية الفضاء السردي‪ ،‬املتخيل واهلوية يف الرواية العربية‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬دط‪ ،2000 ،‬ص‪.05‬‬
‫‪ - 2‬جرار جنيت وآخرون‪ ،‬الفضاء الروائي‪ ،‬تر‪ :‬عبد الرحيم حزل‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪ ،2002 ،1‬ص‪.20‬‬
‫‪ - 3‬كلثوم مدقن‪ ،‬داللة املك ان يف الرواية موس م اجملرة إىل الشمال للطبيب صاحل‪ ،‬جملة األدب واللغات ‪ ،‬جامعة ورقل ة ‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬العدد ‪ ،4‬ماي‬
‫‪ ،2005‬ص‪.140‬‬
‫‪ - 4‬حسن جنمي‪ ،‬الشعرية الفضاء السردي‪ ،‬املتخيل واهلوية يف الرواية العربية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.80‬‬

‫‪11‬‬
‫ماهية المكان‬ ‫المدخل‬

‫تشكل بنية املكان الروائي بعدا جوهريا يف الدراسات السردية عموما أو الروائية خصوصا‪،‬‬
‫نظ را ألن املك ان يس هم يف تط وير اإلبداع ال روائي‪ ،‬فال األح داث وال الشخص يات ميكن أن تلعب‬
‫أدوار هامة يف الفراغ ودون املكان‪ ،‬ومن هنا تأيت أمهية املكان ال بوصفه خلفية لألحداث فحسب‬
‫بل بوصفه عنصرا حكائيا قائما بذاته إىل جانب العناصر األخرى املكونة للرواية وقد بىن "محيد‬
‫احلميداين" تصوره للمكان‪ ،‬يطلق عليه عادة الفضاء اجلغرايف‪.1‬‬

‫يعترب الفضاء أعمق من مصطلح املكان وهذا ما أثبتته بعض النقاد من بينهم الناقد "سعيد‬
‫يقطني" حيث جند أنه تبىن مصطلح الفضاء‪ ،‬ويظهر هذا يف قوله " أن الفضاء أهم من المكان ألنه‬
‫يشير إلى ما هو أبعد وأعمق من التحديد الجغرافي‪ ،‬وان كان أساسا‪ ،‬أنه يسمح لنا بالبحث‬
‫من فضاءات تتعدى المحدود والمجسد بمعانقة التخيلي والذهني ومختلف الصور التي تتسع‬
‫لها مقولة الفضاء"‪.2‬‬

‫من خالل م ا س بق يتض ح لن ا أن مص طلح الفض اء أوس ع وأمشل من مص طلح املك ان فيص ف فض اء‬
‫الرواية بأنه يسمح بالتحديد اجلغرايف‪.‬‬

‫جند أن الفض اء هن ا مع ادل ملفه وم املك ان يف الرواي ة‪ ،‬وال يقص د ب ه ب الطبع املك ان الّ ذي‬
‫تش غله األح رف الطباعي ة‪ ،‬ال يت كتبت هبا الرواي ة‪ ،‬ولكن ذل ك املك ان الّ ذي تص وره قص تها‬
‫املتخيلة"‪.3‬‬

‫وهن اك من يش ك أن الفض اء اجلغ رايف ميكن أن ي درس بك ل حري ة وه ذا م ا يوض حه محي د‬


‫احلمي داين « هن اك من يعتق د أن الفض اء الجغ رافي في الرواي ة يمكن أن ي درس في اس تقالل‬
‫كامل عن المضمون تماما‪ ،‬مثل ما يفعل االختصاصيون في دراسة الفضاء الحضري‪ ،‬فهؤالء‬

‫‪ - 1‬أمحد حمم ود ف رح‪ ،‬البني ة الس ردية يف النص العج ائيب‪ ،‬دراس ة يف القص الع ريب ح ىت هناي ة الق رن الس ابع (معاجلة فني ة حتليلي ة )‪ ،‬مؤسس ة حوس‬
‫الدولية للنشر‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬مصر‪ ،2016 ،‬ص‪.279‬‬
‫‪ - 2‬سعيد يقطني‪ ،‬قال الرواي ‪ ،‬البنيات احلكائية يف السرية الشعبية ‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،1997 ،1‬ص‪.240‬‬
‫‪ - 3‬محيد احلميداين‪ ،‬بنية النص السردي من منظور النقد األديب‪ ،‬املركز الثقايف العريب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،2000 ،3‬ص‬
‫‪.54‬‬

‫‪12‬‬
‫ماهية المكان‬ ‫المدخل‬

‫ال يهمهم من سيس كن ه ذه البين ات‪ ،‬ومن سيس ير في ه ذه الط رق‪ ،‬وال م ا س يحدث فيه ا‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ولكن يهمهم فقط أن يدرسوا بنية الفضاء الخالص»‬

‫ب‪ -‬الحيز الروائي‪:‬‬

‫يعترب احليز مكون أساسيا يف بناء الرواية‪ ،‬فاحليز األديب عامل دون حدود وحبر دون ساحل‬
‫وليل دون صباح وهنار بال مساء‪ ،‬انه امتداد مستمر مفتوح على مجيع االجتاهات ويف كل اآلفاق‪.2‬‬

‫فمن احليز تس ري الشخص يات وتنطل ق األح داث‪ ،‬واحليز ليس عنص را زائ د يف الرواي ة فه و‬
‫يتخذ أشكاال ومعاين عديدة بل ويكون يف بعض األحيان هو اهلدف من وجود العمل كله‪.3‬‬

‫يعد تناول الناقد اجلزائري "عبد املالك مرتاض" يف دراساته املختلفة للحيز‪ ،‬اليت مل جيد عنها طول‬
‫مس ريته النقدي ة‪ ،‬نظ ري مص طلح احليز الّ ذي يك اد ميث ل حمور دراس اته ال يت ألفه ا على امت داد مخس‬
‫وثالثني س نة (‪ ،)....‬حبيث أن ه ال خيل و أي كت اب نق دي يض طلع في ه بتحلي ل رواي ة أو حكاي ة أو‬
‫أسطورة أو قصيدة أو مثل من مبحث احليز‪ ،‬فقد وجدنا هذا املبحث حاضر على مستويي النظرية‬
‫واملمارسة يف معظم تلك الدراسات‪.4‬‬

‫س اعيا من خالل دراس ته هات ه تبي ان أمهي ة اس تعمال مص طلح احليز ب دال من املص طلحات‬
‫األخرى – الفضاء‪ -‬املكان يف مقابل استخدام املصطلح األجنيب (‪ )space – espace‬الفرنسي‬
‫– االجنليزي‪ ،‬حبيث جند أن مصطلح احليز فيما معناه لغة‪ :‬هو ما احناز إىل البيت ويقصد به انظم‬
‫إلي ه والتح ق ب ه ويف األص ل جند أن ه من احلوز ب الواو‪ ،‬مث أطل ق على ك ل ناحي ة ح يز‪ ،‬مث ص ارت‬
‫الناحية يف منظورنا‪ -‬عبد املالك مرتاض على األقل تعين كل فراغ أرضي أو مساوي أو عمودي أو‬
‫حجمي أو خطي (الطول‪ -‬الع رض) أو وزين أو ك ل ما ي دل على مكان ي دل مك ان غري جغرايف‬

‫‪ - 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.54‬‬


‫‪ - 2‬عبد املالك مرتاض‪ ،‬يف نظرية الرواية‪ ،‬حبث يف تقنيات السرد‪ ،‬دار الغرب للنشر والتوزيع‪ ،‬دت‪ ،‬دب‪ ،‬ص‪.207‬‬
‫‪ - 3‬حسن حبراوي ‪ ،‬بنية الشكل الروائي (الفضاء ‪ ،‬الزمن‪ ،‬الشخصية)‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1990 ،1‬ص‪.33‬‬
‫‪ - 4‬سيدي حممد بن مالك‪ ،‬السرد واملصطلح‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ميم للنشر‪ ،‬اجلزائر ‪ ،2015‬ص‪.124‬‬

‫‪13‬‬
‫ماهية المكان‬ ‫المدخل‬

‫كأحي از األعم ال الس ردية ال يت ينش ئها الس اردون يف ع واملهم اخليالي ة‪ ،‬ح ىت منيز احليز اإلب داعي من‬
‫املك ان اجلغ رايف‪ ،1‬ألن الفض اء يع ين األج واء العلي ا وان املك ان يع ين اجلغرافي ا مما يك ون يف متن اول‬
‫الطريان وحتت سيادة ذلك الوطن وسلطته‪.‬‬

‫أم ا مص طلح احليز فان ه ق ادر على أن يش مل ك ل ذل ك حبيث يك ون اجتاه ا وبع دا وفض اء‬
‫وجوا وفراغ وجماال وامتالء – وخطأ يف أي شكل من أشكاله اهلندسية الكثرية التنوع‪ ،‬حبيث يعترب‬
‫كل اجتاه أو فراغ أو حركة أو طول أو عرض أو حجم‪.2‬‬
‫لكن مهما ينشأ عن متثالت اخليال‪ ،‬فهو الّذي ينشئه القاص فيخادع القارئ به‪ ،‬بادعاء أنه مكان‬
‫جغرايف فعال وحقا‪ ،‬حبيث أنه جمرد هيئة مكونة من املكونات السردية األخرى‪ ،3‬فالروائي يشكل‬
‫حياة ويصورها تبعا ألمهيتها التارخيية – النفسية – االجتماعية فيكون قلمه مبثابة العدسة الدقيقة‬
‫تنق ل ك ل ش يء بتفاص يله جمس دا اهلوي ة املكاني ة ال يت تس تقطب م ا حوهلا وتش ع على م ا حيي ط هبا‪،‬‬
‫فتك ون م ادة ال راوي األولي ة هي اللغ ة ال يت يس تعملها املب دع‪ ،‬وف ق نظامه ا القواع دي النح وي‬
‫والبالغي يف رص الكلمات بعضها إىل البعض‪ ،‬ليؤسس حيزه كيفما شاء‪ ،‬عن طريق التحديد أو‬
‫الوص ف فتتخ ذ ه ذه األحي از أمهي ة ك ربى‪ ،‬ومتتلئ بش عور ه ذا أو ذاك كأهنا تش حن‪ ،4‬ب دالالت‬
‫وأبعاد هلا أمهيتها مبكان يف جتسيد رؤية الكاتب من خالل هذه األحياز املوظفة يف عمله اإلبداعي‪.‬‬
‫يعد احليز ذو أمهية كبرية ال تقل عن أمهية الزمن يف بناء اهليكل الروائي‪ ،‬فإذ كانت الرواية‬
‫يف املقام األول‪ ،‬فنا زمنيا يضاهي املوسيقى يف بعض تكويناته وخيضع ملقاييس‪ ،‬مثل درجة السرعة‬
‫واالرتف اع‪ ،‬فإهنا من ج انب آخ ر تش به الفن ون التش كيلية من حنت ورس م يف تش كيلها للمك ان‪،5‬‬
‫حيث يعترب الرسم فنا فضائيا ليس ما جند فيه من تشخيص للمساحة بل ألن هذا التشخيص نفسه‬
‫يتم ض من املس احة‪ ،‬املس احة األخ رى هي مس احة فن الرس م املم يزة ل ه‪ ،‬واهلندس ة هي فن الفض اء‬

‫‪ - 1‬عب د املال ك مرت اض‪ ،‬ش عرية القص وس يميائية النص ‪ ،‬حتلي ل جمه ري جملموع ة تفاح ة ال دخول اىل احلب ة‪ ،‬دط‪ ،‬البص ائر للنش ر والتوزي ع ‪ ،‬دت‪،‬‬
‫وهران‪ ،‬ص‪.147‬‬
‫‪ - 2‬عبد املالك مرتاض ‪ ،‬الف – باء حتليل مركب القصيدة " ابن ليالي‪ ،‬حملمد العيد"‪ ،‬دط‪ ،‬دار الغريب للنشر‪ ،2004 ،‬ص‪.176‬‬
‫‪ - 3‬عبد املالك مرتاض‪ ،‬شعرية القص وسيميائية النص ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.150‬‬
‫‪ - 4‬أمحد طالب‪ ،‬مجاليات املكان يف الفصة القصرية اجلزائرية‪ ،‬دط‪ ،‬دار الغرب للنشر والتوزيع‪ ،‬وهران‪ ،‬دت‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ - 5‬سيزا قاسم‪ ،‬بناء الرواية دراسة مقارنة يف ثالثية جنيب حمفوظ‪ ،‬دط‪ ،‬مكتبة األسرى‪ ،2004 ،‬ص‪.103‬‬

‫‪14‬‬
‫ماهية المكان‬ ‫المدخل‬

‫ب إطالق إال أن اهلندس ة ال تتح دث عن الفض اء‪ ،‬ب ل نق ول جتع ل الفض اء يتح دث من أن نق ول أن‬
‫الفض اء ه و الّ ذي يتح دث من خالهلا حبكم أن لك ل فن من الفن ون يس عى إىل خل ق تشخيص ه‬
‫اخلاص‪ ،1‬فكل فنان أو مبدع يعرب عن خميلته وفق رؤيته وخميلته اليت تكون تبعا خللفياته وجيسده‬
‫بأداته الفنية اليت يعرب هبا سواء كانت شعرا أو رمسا أو قصة أو هندسة أو رواية ‪.‬‬
‫مل يكن احليز مقتصرا على األدب فقط حيث مظهر ميثل لكل الذين يتعاملون معه بالفكر‬
‫والصورة والقلم والريشة مجيعا‪ ،2‬فاحليز مسري ألي كان باستعماله يف أداته الفنية للتعبري عن جتربته‬
‫وجتسيد رؤيته والوصول إىل غايته إال أن األدب يبقى األصل يف التفكري ويف التصوير ويف اخليال‬
‫ويف كثري من مظاهر اإلبداع األخرى وقد يكون هو املكان الّذي يتمكن فيه احليز بامتياز‪ ،‬فاألدب‬
‫يبقى ه و اجملال األوس ع واألداة األك ثر مالئم ة يف التعام ل م ع احليز‪ ،‬ك ون األدب ه و األص ل يف‬
‫التصوير واخليال والتفكري‪.‬‬
‫يعت رب األدب ب دون س رديات أدب ا ناقص ا‪ ،‬يف أي لغ ة من اللغ ات ف ان الس رد دون ح يز ال‬
‫ميكن أن يتم له هذه املواصفة وال يستطيع أن يكونه ولو أراد‪ ،3‬حبيث أن السرد مكون أساسي يف‬
‫األعمال السردية بل هو العمود الفقري هلا حيث تناوله النقاد العرب باختالف إذ أهنم مل يستقروا‬
‫على مقابل واحد للمصطلح األجنيب فاضطروا إىل ترمجة (‪ )space – espace‬بعكس الغربيني‬
‫الذين ثبتوا على (‪ )space – espace‬للداللة على املكان يف النص السردي‪.4‬‬
‫ك ون أن احليز األديب ه و ك ل م ا ميكن أن يك ون حجم ا أو وزن ا أو امت داد أو متجه ا أو‬
‫حركة يف سلوك الشخصيات‪ ،‬أو يف متثيل النص الّذي يتعامل مع هذا احليز "كون أن احليز شديد‬
‫التسلط على كل الكائنات احلية واجلامدة املضطرة يف أي عمل سردي‪.5‬‬

‫أي أن احليز يؤثر ويتأثر مبكونات السرد األخرى وهو عنصر مهم من عناصر تكوين النص‬
‫األديب‪.‬‬

‫‪ - 1‬جريار جنيت وآخرون‪ ،‬الفضاء الروائي ‪ ،‬تر‪ :‬عبد الرحيم حزل‪ ،‬دط‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬بريوت‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2002 ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ - 2‬عبد املالك مرتاض‪ ،‬يف نظرية الرواية‪ ،‬حبيث يف تقنيات السرد‪ ،‬دط‪ ،‬دار العرب للنشر والتوزيع‪ ،‬دت‪ ،‬وهران‪ ،‬ص‪. 205‬‬
‫‪ - 3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.203‬‬
‫‪ - 4‬أمحد رحيم كرمي اخلفاجي‪ ،‬املصطلح السردي يف النقد األديب العريب احلديث‪ ،‬ط‪ ،1‬دار صفاء للنشر والتوزيع‪ ،2005 ،‬ص‪.429‬‬
‫‪ - 5‬عبد املالك مرتاض‪ ،‬شعرية القص وسيميائية النص‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.152‬‬

‫‪15‬‬
‫الفصل األول‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫في‬ ‫وأهميته‬ ‫المكان‬ ‫أنماط‬
‫تمهيد‬

‫‪-1‬أنماط المكان‬

‫‪ -2‬ثنائية المكان المفتوح والمغلق‬

‫أ‪ -‬المكان المفتوح‪:‬‬

‫ب‪ -‬األماكن المغلقة‪:‬‬

‫‪ -3‬أهمية المكان‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫تمهيد‬

‫الب ّد لنا من اإلشارة إىل أن تقسيم املكان إىل عدة أنواع ما هو إال ضرورة لتسيري عملية البحث‬
‫والدراسة‪،‬إذ ال توجد حدود صارمة يتسم هبا كل نوع من أنواع األمكنة ‪ ،‬فاألمكنة يف الرواية‬
‫تتداخل وال تتسم بالثبات املطلق‪،‬إذ أن اخلصائص اليت يتسم هبا كل نوع مكاين قد جتمع كلها أو‬
‫بعضها يف نوع واحد‪.‬‬

‫وامت ازت رواي ات عب د ال رمحن جمي د ال ربيعي ببع د تركي يب يف عرض ها ألمناط خمتلف ة من األمكن ة ‪،‬‬
‫يتوالد عنها عددا من الثنائيات املكانية على حنو تقاطبات* ‪،‬حبيث ال تعرف قيمة أي نوع مكاين‬
‫بصورة منفردة من دون القياس واملقارنة بالنوع اآلخر‪.‬‬

‫والتقاطبات الثنائية من أبرز ما ميكن أن تقع عليه عني الناقد عند املقايسة بني نوعني من املكان‪.‬‬

‫الس مة تالزم معظم األعم ال الروائي ة لل ربيعي واخرتن ا دراس ة ثنائي ة املك ان املفت وح‬
‫ووج دنا ه ذه ّ‬
‫واملغل ق ملا ل ه من أمهي ة على جمري ات األح داث والشخص يات ‪ ،‬وباعتباره ا أك ثر الثنائي ات املكاني ة‬
‫رواييت الوشم والقمر واألسوار خاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هيمنة يف دراسة النماذج الروائية عامة ويف‬

‫** التقاطب‪:‬مصطلح يدل على التقابل بني متضادين‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫‪-1‬أنماط المكان‬

‫اختلف النقاد و الباحثون يف حتديدهم ألمناط األمكنة يف الرواية‪ ،‬كما اختلفوا أيضا يف حتديدهم‬
‫ملسميات هذه األمناط و املنطلقات اليت يصدرون عنها‪.‬‬

‫ويع د تص نيف ب روب لألمنك ة يف دراس ته للقص ص الش عبية من أش هر التص نيفات‪ ،‬إذ قس م املك ان‬
‫على ثالثة أشكال و أمناط عامة هي‪:1‬‬

‫"املكان األصل‪ :‬وهو عادة مسقط الرأس وحمل العائلة و األنس‪.‬‬

‫املكان الذي حيدث فيه االختبار الرتشيحي‪ :‬وهو مكان عرضي ووقيت‬

‫املكان الذي يقع فيه االجناز‪ :‬وهو االختبار الرئيسي‬

‫إال أن ه ذا التص نيف املك اين ال ذي اس تنبطه فالدميري ب روب‪ ،‬وأمعن غرمياس يف دراس ته فيم ا بع د‪،‬‬
‫مرتب ط ب التطور الوظ ائفي ‪،‬ألن ه يقتص ر على منط قصص ي معني وعلى منهج نق دي خ اص(التحلي ل‬
‫الوظائفي)‪،‬بالتايل فال ب ّد لنظرية القصة من أن تقوم على شكلنة أوسع و أمشل للبنية املكانية وقد‬
‫الحظن ا قل ة البح وث يف ه ذا املي دان فعالوة على األص ناف املكاني ة العام ة ال يت تالزم األمناط‬
‫القصص ية(كاملك ان األس طوري يف احلكاي ة الش عبية‪ ،‬واملك ان ال واقعي يف القص ص امللتزم ة أو‬
‫‪2‬‬
‫الواقعية ‪،‬و املكان الطبيعي يف القصة الغزلية‪)........‬‬

‫وبعد دراسة بروب برزت دراسات للمكان من وجهات نظر أخرى‪،‬منها دراسة املكان يف ضوء‬
‫عالقته بالشخصية‪ ،‬وهذا مذهب الدراسات الفلسفية احلديثة اليت درست املكان والسيما دراسة‬
‫غاس تون باش الر مجالي ات املك ان‪ ،‬ومن الط بيعي أن يك ون املك ان مرتبط ا بطبيع ة الشخص ية ال يت‬
‫تصف املكان و تعيش فيه‪،‬إذ أن املكان يستمد مسته من وعي الشخصية به ف ‪" :‬التجربة املكانية‬
‫هي اليت حتدد املكان ‪ ،‬وهنا يوجد نوعان للتجربة املكانية‪:‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪:‬مسري رزوقي ومجيل شاكر‪،‬مدخل إىل نظرية القصة حتليال وتطبيقا‪،‬دط‪،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬دت‪،‬ص‬
‫‪59-58‬‬
‫‪ 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪60‬‬

‫‪18‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫األول‪ :‬أن يك ون اإلنس ان داخ ل املك ان أي أن ه ج زء من ه من األبع اد ذاهتا أو ب األحرى أن يق ف‬


‫عليه ا و عن دها‪،‬ول ذالك فه و يع اين إحساس ا داخلي ا ومركزي ا ول ذا يص عب علي ه أن حيدد األبع اد‬
‫الكاملة للمكان ‪.‬‬

‫الث اين‪ :‬ه و أن يق ف املرء على حاف ة املك ان أو إىل جانب ه‪ ،‬هن ا حيص ل اإلنس ان على القابلي ة على‬
‫استطالع املكان و من مث التعرف على أبعاده كلها"‪.1‬‬

‫‪ -2‬ثنائية المكان المفتوح والمغلق‪:‬‬

‫تتش ّكل ه ذه الثّنائي ة من طبيع ة املك ان الّ ذي حت ّده أوال حت ّده احلدود واحلواجز والقي ود ال يت تش ّكل‬
‫عائقا حلرية حركات اإلنسان وفعالياته وانتقاله من مكان إىل آخر ‪ ،‬وحتدد من جهة أخرى طبيعة‬
‫العالقة مع اآلخرين وانفتاح هذه العالقات أو انغالقها على قوانني وضوابط ‪ ،‬وشروط مسموح هبا‬
‫أو غري مسموح بتجاوزها‪ .‬مبعىن أنه‪:‬‬

‫الش كل اهلندس ي والتنظيم املعم اري للمك ان قيّم ا تنب ع من داخ ل‬


‫يف أح ايني كث رية حيم ل ّ‬
‫الش كل اهلندسي للمكان‪،‬‬ ‫الشكل نفسه‪ ،‬ضيقا أو اتساعا‪ ،‬وفضال عن هذا التعارض الّذي يفرضه ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن هناك تعارضا بني املكان املفتوح واملكان املغلق ناجتا عن الطّريقة اليت يدرك هبا اإلنسان املكان‬
‫ومرتبطا بنوع السلوك وخربة الشخصية به‪ ،‬فقد يرتبط املكان املغلق باأللفة واحلماية اليت حنسها‬
‫والش كل املكاين املفتوح من املمكن‬
‫داخل البيت أو بالضجر واجلربية اليت تفرضها غرفة السجن‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬
‫الضيق"‬
‫أن يوفر نوعا من احلرية النسبية وقد يولد امتداده شعورا "باالختناق أكثر من املكان ّ‬
‫وتبقى املس ألة متعلق ة برؤي ة الشخص ية للمك ان "فلك ل ك ائن حي قيم ة الّ ذي ميث ل مرك ز‬
‫إشعاع بالنسبة إليه يتعارض مع العامل اخلارجي الشاسع"‪،3‬‬

‫فض ال عن أس لوب الك اتب ال روائي وقدرت ه على توظي ف املك ان روائي ا‪ ،‬وعالق ة ذل ك م ع‬
‫جمريات األحداث ومكونات البناء السردي األخرى‪.‬‬

‫‪ - 1‬سعيد مؤيد ‪.‬املكان كمصطلح تارخيي فين يف فنون العراق القدمية ‪،‬جملة آفاق عربية‪ ،‬العدد‪ ،1‬السنة األوىل ‪، 1989،‬ص ‪79‬‬
‫‪ - 2‬غاستون باشالر‪ ،‬مجاليات املكان‪ ،‬تر‪ ،‬غالب هلسا‪ ،‬املؤسسة اجلامعية لدراسات و النشر و التوزيع‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،‬ط‪ ،1984 ،2‬ص‪.198‬‬
‫‪ - 3‬يوري لومتان‪ ،‬مشكلة املكان الفين‪ ،‬ص‪83‬‬

‫‪19‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫وس ندرس يف ه ذا العنص ر أش كاال حمدودة من األم اكن وج دناها أهنا األم اكن األساس ية‬
‫ألح داث الرواي ة‪،‬و ارتبطت أكثر بالشخص يات وانف ردت باهتمام الروائي‪ ،‬والغاي ة من اختياره ا‬
‫أهنا قادرة على‪" :‬تزويد الرواية بطاقة فنية خيالية توتر الفعل الروائي ‪.‬‬
‫مث إهنا رموز تكشف توجهات الرواية العامة واألهم من ذلك تسعى إىل تكوين خصائص‬
‫متنح اخلطاب خصوصية‪.‬‬
‫يت ال ربيعي رص دنا أمكن ة ع دة وج دنا أهنا متث ل أمكن ة مفتوح ة هي ‪( :‬املدين ة ‪،‬الش ارع‪،‬‬
‫ففي رواي ّ‬
‫املقهى‪ ،‬الش اطئ والبح ر‪ ،‬املب اغي‪ ،‬احلان ات)‪،‬ويف مقاب ل ذال ك وج دنا مثة أمكن ة تق ف على نقيض‬
‫منها‪،‬هي األماكن املغلقة وميثلها ‪ (:‬البيت‪،‬الغرف‪ ،‬املعتقل واملكاتب)‪.‬‬

‫يت‬
‫ومن املالحظ ات املهم ة ال يت جيب اإلش ارة إليه ا هن ا بص دد تقس يمات املك ان املفت وح يف رواي ّ‬
‫أدرجناها ضمن نطاق أمناط املكان املفتوح ‪ .‬فإننا‬
‫الربيعي والسيما املقهى واملباغي واحلانات اليت ّ‬
‫وجدنا فيها أمكنة تنفي عنها مسّة ال ّذاتية وتتميز بكوهنا أمكنة عامة ومشاعة للجميع‪،‬فشخصيات‬
‫رواييت الربيعي تتعامل مع هذه األمكنة على وفق هذه الداللة فهي تعدها امتدادا للشارع‪.‬‬
‫ّ‬
‫وبطبيع ة احلال إن تقس يم ه ذه األمكن ة ووض عها حتت عن وان املك ان املفت وح‪،‬ينطل ق من كوهنا‬
‫يت ال ربيعي وعالقت ه باألح داث الروائي ة‬
‫تقس يمات وتص نيفات خاص ة بتش كيل املك ان يف رواي ّ‬
‫والشخصيات واملنظور وسائر تقنيات الرواية األخرى‪.‬كما سنبني ذالك يف حتليالتنا هلذا النمط من‬ ‫ّ‬
‫األمكن ة‪ ،‬م ع اإلش ارة إىل ع دم وج ود أمناط ثابت ة للمك ان ‪،‬فاألمكن ة تت داخل فيم ا بينه ا يف النص‬
‫الروائي وعالقة بنية املكان بأبنية الرواية األخرى هي الفيصل يف‬ ‫الروائي‪ ،‬وتبقى خصوصيّة النّص ّ‬
‫ذالك‪.‬‬

‫أ‪ -‬المكان المفتوح‪:‬‬

‫الشخص ية‬
‫ليس مثة ف وارق جوهري ة يف فع ل مك ان م ا عن اآلخ ر س وى تل ك الف روق ال يت حتددها ّ‬
‫الروائية باالنتعاش والطّمأنينة واألنس واأللفة ‪.‬‬

‫فاملكان املفتوح "حيّ ز مكاين خارجي ال حت ّده ضيقة يش ّكل فضاءا رحبا ‪ ،‬وغالبا ما يكون‬
‫‪1‬‬
‫لوحة طبيعية يف اهلواء الطلق "‬

‫‪ - 1‬أوريدة عبود‪ ،‬املكان يف القصة القصرية اجلزائرية الثورية "دراسة بنيوية لنفوس ثائرة‪ ،‬دار األمل للطباعة و النشر و التوزيع ‪.2009‬‬

‫‪20‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫وتكتس ي األم اكن املفتوح ة أمهي ة بالغ ة يف الرواي ة‪ ،‬إذ أهنا تس اعد على" اإلمس اك مبا ه و‬
‫‪1‬‬
‫جوهري فيها‪ ،‬أي جمموع القيم والدالالت املتصلة هبا‪" .‬‬

‫واملك ان املفت وح ه و الّ ذي ‪":‬ي رتدد علي ه الف رد من دون قي د أو ش رط م ع ع دم اإلخالل‬


‫كالس رقة والعدوانية‪ ،‬وهو عنصر‬
‫بالعرف االجتماعي‪ ،‬أي ممارسة سلوك غري سوي يرفضه اجملتمع ّ‬
‫الشخصيات الروائي ة‪ ،‬فض الً عن ِ‬
‫كونه عضيد الزمن الّ ذي يتعامل معه‬ ‫أساسي يتحرك من خالله ّ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫الكاتب‪".‬‬

‫المدينة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يت‬
‫تع د املدين ة واح دة من أب رز مع امل املك ان املفت وح‪ ،‬وهي قيم ة مكانيّ ة تتك رر يف رواي ّ‬
‫الربيعي‪ ،‬ما بني مدن حمليّة وعربيّة عامليّة فاعلة ومتفاعلة أليفة ومعادية‪ ،‬مشاركة يف احلدث وشاهدة‬
‫علي ه‪،‬ومتت از املدين ة يف رواي ات ال ربيعي بواقعيته ا وإىل ج انب ذال ك محّله ا ال ربيعي بع دا رمزي ا‬
‫فحملت دالل ة املدين ة العربيّ ة‪ ،‬فم ا حيدث يف مدين ة من م دن الع راق يف تل ك احلقب ة العص يبة من‬
‫الس تينات ه و م ا حيدث يف أرج اء ال وطن الع ريب مجيع ا‪ ،‬ف أراد ب ذالك أن خيرج باملدين ة من احملليّ ة‬
‫ّ‬
‫الضيقة إىل مناخ قومي واسع‪.‬‬
‫ّ‬
‫واملدين ة ال حتم ل أيّ ة خصوص يّة من املمكن أن يعكس ها التش كيل املادي هلا ل دي ال ربيعي‬
‫‪3‬‬
‫وإمّن ا تتبع خصوصيّتها يف ضوء عالقة الشخصية هبا‪.‬‬

‫واملدينة (الناصرية) يف رواية الوشم متثل حمطّة استقرار "لكرمي الناصري"‪ ،‬وعندما يرحل من‬
‫مدينته مير بسلسلة من املدن اليت ال تش ّكل إال حمطّات عابرة بالنسبة إليه‪ ،‬واملدينة ال تفرض تأثريها‬
‫على ك رمي الناص ري الختالفه ا مادي ا عن املدن األخ رى‪ ،‬وإمنا تبقى اخلصوص ية رهين ة باالنطب اع‬
‫الّذي حتمله الشخصية عن املكان‪ ،‬كما يف هذا املقطع الّذي يتحدث فيه كرمي الناصري عن مدينة‬
‫الناصرية ‪« :‬الناصرية مدينتنا الصغيرة الهادئة‪ ،‬التي قصدها آبائنا يوما بعد أن رموا مناجلهم‬

‫‪ - 1‬فهد حسني‪ :‬املكان يف الرواية البحرينية (دراسة يف ثالث روايات‪ :‬اجلذوة – احلصار‪ -‬أغنية املاء و النار)‪ ،‬فراديس للنشر والتوزيع‪ ،‬البحرين‪،‬‬
‫ط‪ ، 2003 ، 1‬ص ‪.80‬‬
‫‪ - 2‬فهد حسني‪ :‬املكان يف الرواية البحرينية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫‪- 3‬رواية الوشم ‪.‬ص‪13‬‬

‫‪21‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫وفؤوس هم بحث ا عن عم ل جدي د يلقي في أف واه أبن ائهم الجائع ة لقم ة لم تع د األرض تمنحه ا‬
‫‪1‬‬
‫لهم»‪.‬‬

‫وبعيدا عن مدينته مير الناصري باملدن األخرى على شكل إشارات مكانية ال تنطوي على‬
‫أي تفصيالت‪ ":‬هربت من الناصريّة إلى بغداد‪ ،‬وسأهرب من بغداد إلى الكويت وربما من‬
‫هماك إلى ابي ظبي أو أنقرة"‪.‬‬

‫ويبدو أن اهلرب هو هاجس كرمي الناصري أكثر من املكان نفسه‪ ،‬فاملدينة بالنسبة إليه حمطة‬
‫انتقال مفتوحة‪.‬‬

‫أما رواية القمر واألسوار فتطالعنا منذ بدايتها على مدينة الناصرية اليت تدور فيها أحداث‬
‫الرواية اليت كانت "منذ عشرين عاما إال ثكنة كبرية ومسجدا بنامها ناصر األشقر جلنوده وأتباعه‬
‫‪2‬‬
‫لصد غزوات العشائر املنددة‪".‬‬

‫حيث تقف هذه املدينة مكانا إطاريا عاما‪ ،‬فتمر مبرحلة تطور ومنو عمرانيني بل إن العمل‬
‫الروائي يقوم يف جممله على أساس حركتني متساويتني‪ ،‬متثل "املدينة" احلركة األوىل عرب مجلة من‬
‫التغيريات والتطورات اليت تطرأ على الزقاق يف مدينة الناصرية‪.‬‬

‫ّأم ا احلركة الثانية فتمثلت يف نقالت متّت على مستوى الزمان(احلدث) والشخصية‪ ،‬فهناك‬
‫تزامن وتفاعل بني التّطورات اليت حتصل يف املدينة وبني أحوال ومواقف أهل املدينة‪ ،‬فضال عن هذا‬
‫فإ ّن هذه التّطورات تشري إىل تقادم الزمن واستمراريته‪ ،‬فوصول الكهرباء إىل املدينة يرتك انطباعا‬
‫اجيابيا لدى سكاهنا‪:‬‬

‫" أحدث الزقاق فورة جديدة‪ ،‬فوجد البشر‬

‫طريقه للوجوه الكدودة‪ ،‬ومل ميسك بعض النسوة أنفسهن من الزغردة والدعاء للمتصرف‬
‫ورئيس البلدية بطول العمر‪ ،‬كل هذا حدث ألن أعمدة الكهرباء بدأت تنتصب الواحد بعد اآلخر‬
‫‪3‬‬
‫وعلى امتداد الزقاق الّذي أكلته العتمة طويال‪".‬‬

‫‪- 1‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪100‬‬


‫‪- 2‬رواية القمر و األسوار‪ ،‬ص‪15‬‬
‫‪- 3‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪240‬‬

‫‪22‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫وهذه التّطورات املكانية للمدينة قد ترتك أثرا سلبيا على سكاهنا‪.‬‬

‫الزقاق‪ ،‬عندما تصل جماري املاء إىل‬


‫الش اطئ إىل أهايل ّ‬
‫فزكية تفقد عملها يف نقل املاء من ّ‬
‫الزق اق وجب ار يفق د عمل ه يف اجلس ر اخلش يب الق دمي عن دما تش رع احلكوم ة ببن اء جس ر حدي دي‬
‫‪1‬‬
‫جديد‪.‬‬

‫يبدو أن املدينة يف رواية القمر واألسوار مدينة مفتوحة غري منعزلة ‪،‬اذ تتأثر مبا يدور حوهلا‬
‫من أح داث تبع دها من أن تك ون حبيس ة يف ح دودها اجلغرافي ة‪ ،‬فعن دما تت أجج ال روح الثوري ة يف‬
‫الق اهرة إلس قاط النّظ ام امللكي هن اك يعم الف رح أه ل مدين ة الناص رية ش أهنا ش أن املدن العراقي ة‬
‫األخرى‪ ".‬مشلت املدينة موجة من الفرح هبتت أمامها كل املصائب واألحزان القدمية عندما انتفض‬
‫قلب الق اهرة الع ريب وأس قط النظ ام امللكي هن اك وب دأ املواطن ون بإظه ار ف رحهم متح دين الس لطة‬
‫‪2‬‬
‫وأجهزهتا وخمربيها وقاموا بتوزيع احللوى واملربدات‪".‬‬

‫شارع‪:‬‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫الش ارع مكانا بارزا يف الرواية العربية‪ ،‬وكانت له مجالياته املختلفة باعتباره مسارا‬
‫احتل ّ‬
‫يص ب فيه اللّيل والنّهار أشغاهلما وجتلياهتما فهو‬
‫وشريانا للمدينة‪ ،‬ويف الوقت نفسه املصب الّ ذي ّ‬
‫‪3‬‬
‫املسار واملصب يف آن واحد‪.‬‬

‫فالش ارع حس ب ياس ني النص ري‪":‬ه و ص حراء املدين ة وجزؤه ا الزم ين‪ ،‬وحياهتا الدائب ة‬ ‫ّ‬
‫اري‪ ،‬المت داده على م ّد اخلي ال ولس اكنيه حري ة الفع ل وامكاني ة‬
‫واملتحرك ة‪،‬و ل ولب بع دها احلض ّ‬
‫التنقل وسعة االطالع والبدل"‪. 4‬‬

‫فالش ارع من األماكن املفتوحة اليت ال يستطيع الكاتب تغاضيه أو هتميشه وأيضا ال ميكننا‬ ‫ّ‬
‫فالش ارع‪":‬من أماكن االنتقال اليت متر‬
‫الشارع هو الواصل بني األماكن املختلفة ّ‬ ‫إلغاءه‪ ،‬وذالك ألن ّ‬
‫الشخص ية من مك ان ذهاهبا وإياهبا من وإىل ال بيت ومك ان العم ل فه و حلق ة الوص ل بني‬ ‫عربه ا ّ‬
‫األم اكن املختلف ة‪،‬وه ذا ال يع ين أن ه مك ان ع ابر ال يس تحق ال ّدراس ة‪ ،‬ألن ه يع د مكان ا مهم ا يف‬

‫‪- 1‬ينظر‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.41-57‬‬


‫‪ - 2‬القمر و األسوار ‪ ،‬ص‪.265‬‬
‫‪- 3‬شاكر النابلسي‪ :‬مجاليات املكان يف الرواية العربية‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات و النشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنـان‪ ،‬ط ‪ ،1994 ، 1‬ص‪.65‬‬
‫‪- 4‬ياسني النصري‪ ،‬املكان و الرواية ‪ ،‬ص‪.144‬‬

‫‪23‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫احلياة‪،‬ويف العمل الروائي أيضا‪ ،‬إذ يصل بني أماكن متعددة وقد يكون له دور فعال يف الرواية ألنه‬
‫‪1‬‬
‫يشهد حوادث مهمة"‪.‬‬
‫ويف احلقيقة فهو واحد من رموز املدينة املشرعة واملفتوحة النّابضة باحلياة‪.‬‬
‫فهو أكثر من جغرافية مكانية ألنه اخليط الفاصل بني عاملني‪ :‬عامل السر وعامل اجلهر‪ ....‬إذ‬
‫عن د ال بيوت واملن ازل ينتهي ع امل الن اس الس ري ويب دأ الش ارع وحني تنكش ف األس رار وتعلن‬
‫‪2‬‬
‫األعماق عن خفاياها‪.......‬إنه الشارع النابض باحلياة‪".‬‬
‫والشارع يف روايات الربيعي ذات خلفية سياسية ظل صعبا وشرسا وهو معادل موضوعي‬
‫للحدث‪ ،‬وميثل الق راءة الثانية لألفكار وأداة توصيل بارعة وحرة‪ ،‬ففيه تتوح د اإلرادات وترفض‬
‫وتعلن‪ ،‬وتفصح فيه الشخصيات عن مبادئها‪ ،‬فكان قضية وشاهدا‪ ،‬رمزا وواقعا‪.‬‬
‫والش ارع يف رواي ة الوش م ميت از بانفتاح ه وعموميت ه‪ ،‬وميث ل التع ويض عن أزم ة نفس ية‬
‫واجتماعية‪ ،‬فهو احلرية املبتغاة وأول مكان يلجأ إليه كرمي الناصري بعد خروجه من املعتقل الّذي‬
‫ميثل الضيق املكاين والنفسي بالنسبة إليه ‪":‬تنفس كرمي الناصري هواء الشارع بعد اختناق عريض‬
‫‪3‬‬
‫سبعة شهور جائرة طوقته بدقائقها ورعبها‪ ،‬وهرست منه الدم والعظم واألعصاب‪".‬‬

‫وبذالك حتول التسكع يف الشارع إىل هواية عند كرمي الناصري ليتساوى الشارع الرمز بانفتاحه‬
‫وعموميته مع حالة التشرد والضياع اليت يستشعرها بعد خروجه من املعتقل‪........‬وأخذ نثيث‬
‫املطر يغسل وجع بغداد مبنائرها وباصاهتا ونسائها املعطرات ورجاهلا الالهثني‪ ،‬وشجع هذا النثيث‬
‫‪4‬‬
‫كرمي الناصري على ممارسة هوايته القدمية يف التسكع على أرصفة الشوارع الطويلة"‪.‬‬

‫يف رواية القمر واألسوار امتازت الشوارع مبساحتها الواسعة وانفتاحها"ميتد شارع اهلواء‬
‫عريضا ومستقيما من شرقي املدينة حىت غرهبا تتوسطه حدائق مستطيلة زرعت أرضها بالدغل‪....‬‬
‫‪5‬‬
‫"‬

‫‪ - 1‬الصفدي عالية أنور‪ :‬شعرية األمكنة يف روايات حيىي خيلف‪ ،‬املعتز للنشر و التوزيع‪ ،‬األردن ‪ ،‬ط‪ ،2008 ،1‬ص‪.72‬‬
‫‪ - 2‬جوادي هنية‪" ،‬صورة املكان و دااللته يف روايات واسيين األعرج"‪ ،‬رسالة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه‪ ،‬كلية األدب واللغات ‪ ،‬قسم األدب‬
‫واللغة العربية‪ ،‬جامعة حممد خيضر بسكرة‪ ،2013 ،‬ص‪111‬‬
‫‪- 3‬رواية الوشم‪ ،‬ص‪7‬‬
‫‪ - 4‬رواية الوشم‪ ،‬ص ‪36‬‬
‫‪- 5‬القمر و األسوار‪ ،‬ص ‪103‬‬

‫‪24‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫يب دأ الوص ف املك اين ل دار محي د من اخلارج(الش ارع) باجتاه ال داخل‪ ،‬والش ارع ه و اخلط‬
‫املفتوح املمتد الّذي تشيد البيوت على جانبيه‪":‬تقع دار محيد يف زقاق يتفرع من الشارع العريض‬
‫املمت د بني املستش فى ومنطق ة ال روف حيث املق ابر وض ريح اجملاهي ل‪ 1"...‬فالزق اق ش ارع مفت وح‬
‫تدب فيه احلياة كل صباح‪.‬‬

‫"دبت احلي اة يف الزق اق من ذ س اعات الص باح األوىل وخ رج األطف ال والنس اء من ال بيوت‬
‫‪2‬‬
‫ليتأملوا العمال وهم حيفرون ويشقون جمرى يف منتصف الزقاق‪".‬‬

‫ففيه جيتمع النساء أمام أبواب بيوهتن كل مساء ليتبادلوا ‪.‬‬

‫وإذا ك انت رواي ة القم ر واألس وار ب دأت من اخلارج (الش ارع) باجتاه ال داخل‪ ،‬فإهنا تنتهي‬
‫من ال داخل باجتاه اخلارج (الش ارع)‪،‬فيفص ح ه ذا االنفت اح املك اين املتج ه ص وب الش ارع عن بع د‬
‫رم زي ينم عن اش راق ومس تقبل أفض ل‪ ،‬وقض ية مل يتم احلس م هلا‪ ،‬وه ذه االمت دادات املس تقبلية‬
‫للح دث كله ا امت داد للش ارع املفت وح واش ارة إىل أن القم ر ق د جتاوز األس وار يف رواي ة القم ر‬
‫واألسوار ‪.‬‬

‫وهذه الرموز تعكسها حركة (كامل) املتجه من الداخل باجتاه الشارع‪" :‬وخطا خارجا من‬
‫الغرفة ‪،‬مث من البيت وبعده من الزقاق‪ ،‬حىت ارمتى يف الشارع العريض‪ ،‬كان اإلصرار قد صحا يف‬
‫‪3‬‬
‫قلبه‪ ،‬وأورق كبريا ومتفائال يف هذا احلقل الواسع العامر باحلقد والتحدي والكربياء"‬

‫‪ ‬المقهى‪:‬‬

‫يعد املقهى من األماكن املغلقة ‪ ،‬ولكنه تبعا لكونه مكانا مشرتكا ترتدد عليه أعداد كبرية‬
‫من الناس‪ ،‬ومن فئات خمتلفة ‪ ،‬يقرتب من املكان املفتوح‪ ،‬فإذا كان البيت مكانا مغلقا وخاصا‪،‬‬
‫والش ارع مكان ا مفتوح ا وأك ثر عمومي ة من األمكن ة األخ رى ‪ ،‬ف ان املقهى جيم ع بني االنغالق‬

‫‪- 1‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪10‬‬


‫‪- 2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪55‬‬

‫‪- 3‬القمر و األسوار‪ ،‬ص‪.334‬‬

‫‪25‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫واالنفتاح فهو مكان اجتماعي يلتقي فيه ش خوص خمتلفون لتزجية أوقات الف راغ" وإمداد الفرد‬
‫‪1‬‬
‫مبزيد من قوة االحتمال ملواجهة رتابة احلياة اليومية‪"......‬‬
‫فهذه البؤرة االجتماعية هلا دالالهتا اخلاصة يف الرواية العربية ‪،‬اليت وجدت يف هذا املكان"‬
‫‪2‬‬
‫عالمة دالة على االنفتاح االجتماعي والثقايف ‪ ،‬أمنوذجا مصغرا لعاملنا ‪".‬‬
‫فه و بيت األلف ة الع ام ال ذي‪":‬يس توعب اجلمي ع‪ ،‬وحيمي اجلمي ع دون ش روط مس بقة ودون‬
‫‪3‬‬
‫مواعيد مسبقة‪".‬‬
‫يف رواية الوشم يتحول املقهى إىل مكان ميثل تعويضا عن أزمة كرمي الناصري وتشرده بعد‬
‫خروج ه من املعتق ل‪ ،‬ففي زمحة املقهى أراد الناص ري أن جيد نفس ه ويتخلص من ماض يه امللطخ‬
‫‪4‬‬
‫باهلزمية واالنكسار‪ ،‬بعد أن" أحس شيئا يف داخله قد نسف"‪.‬‬

‫واملقهى بوصفه تشكيال مكانيا ال يأخذ حيزا كبريا يف رواية القمر واألسوار‪ ،‬فشخصيات‬
‫الرواية ال تعاين من أزمات نفسية جتعلهم يبتعدون عن البيت‪ ،‬كما تعانيه شخصيات الوشم وكان‬
‫املقهى بالنسبة جلبار بداية حلياته‪ ،‬فقد "باع نصف بيته إىل هادي الفراش واشرتى جبار بالثمن‬
‫‪5‬‬
‫مقهى صغريا يف الصفاة قريبا من دكان الشيخ علي"‪.‬‬

‫واملقهى يف رواي ة القم ر واألس وار مك ان لتبدي د ال وقت وق راءة الكتب الثقافي ة وتب ادل‬
‫املوضوعات العامة بني عزيز وصديقه عبد اهلل ليس إال "هذا املقهى أصبح حمورا لنا ‪،‬اننا ندور مث‬
‫‪6‬‬
‫نعود اليه"‬

‫فاملك ان "املقهى" هن ا أح ادي الوظيف ة وتقلي دي‪ ،‬إذ ال يش كل حض وره يف رواي ة القم ر‬
‫واألسواء تأثريا كبريا على األحداث والشخصيات‪.‬‬

‫‪ ‬الشاطئ والبحر‪:‬‬

‫‪- 1‬حسن حبراوي‪ ،‬بنية الشكل الروائي‪ ،‬ص‪93‬‬


‫‪- 2‬شاكر النابلسي‪ ،‬مجاليات املكان يف الرواية العربية‪ ،‬ص‪195-194‬‬
‫‪- 3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪195‬‬
‫‪- 4‬ينظر‪ :‬رواية الوشم‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪- 5‬ينظر‪ ،‬القمر و األسوار‪ ،‬ص‪119‬‬
‫‪- 6‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪260‬‬

‫‪26‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫كان البحر دائما مصدر اهلام لكثري من الكتاب فقد شغل اهتمام الشعراء واألدباء ملا له من‬
‫سحر ومجال وعظمة‪ ،‬فالبحر رمز املطلق وهو مكان ال متناهي واتساع هائل الّذي حتن الذات إىل‬
‫العودة إليه والذوبان في ه ومن مث انشدادها إليه‪ ،‬ورحيلها الرم زي يف عوامله واإلصغاء العميق إليه‬
‫لعله مينحها سر من أسراره‪.‬‬

‫وتتعدد وجوه توظيف البحر يف املتخيل الروائي‪ ،‬وعلى حد قول الكاتبة" رفقة" اليت ترى‬
‫أن‪":‬إن اتس اع البح ر الالحمدود‪ ،‬بألوان ه وحركت ه ‪،‬و س قوط الش مس واألش عة علي ه وه و بني م د‬
‫وج زر‪ ،‬واملدن من حول ه من بعي د تب دو مرتفع ة املب اين كاألش رعة ‪ ،‬وه دا كل ه ي دخل اإلنس ان ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وهو يف مواجهة البحر يف حالة من الغموض‪"....‬‬

‫فالبحر مبنظره يؤثر على الذات اإلنسان ية‪.‬‬

‫يف رواية الوشم تتحول هذه األمكنة بانفتاحها على الفضاء الواسع إىل معادل موضوعي‬
‫للحرية املسلبة اليت حيياها كرمي الناصري يف املكان املغلق املعتقل حىت تبدو إليه هذه األمكنة حلما‬
‫حلولي ا نابع ا من ال ذاكرة‪ ،‬وه ذا االس رتجاع املك اين للش اطئ‪ ،‬تغيب في ه مالمح املك ان التفص يلية‬
‫وتغلب عليه االنطباعية والذاتية للشخصية املسرتجعة‪.‬‬

‫"وش عرت برغب ة في مالمس ة ي د أس يل عم ران والت نزه معه ا على ش اطئ الف رات في‬
‫غرب المدينة‪ ،‬رغبة عميقة في إحياء واحدة من تلك األماسي الدفينة التي اغتالها االعتقال‬
‫وترتس م أم امي واح دة من تل ك المقابالت الرابضة في ال دم على ال دوام‪.‬ك ان الفرات راق دا‬
‫أم ام عيونن ا ك أفعى ض خمة قتيل ة‪......‬ك انت ال زوارق الرياض ية تنطل ق مرح ة من المس بح‬
‫‪2‬‬
‫الطالبي فأتمنى لو كنت واحدا منها أشق صدر الفرات النائم"‬

‫ّأم ا يف رواية القمر واألسوار فيظهر املكان (الشاطئ) كلقطة سينمائية واسعة عرب عيين عزيز‬
‫اللتني ميدها اجتاه الشاطئ ويطلق العنان لتفكريه أن يسرح فيه‪ ،‬وتشرتك أكثر من حاسة يف رسم‬
‫مالمح املك ان ‪ ،‬ويتوح د املك ان م ع إحساس ات الشخص ية الداخلي ة على حنو يب دو املتنفس الّ ذي‬
‫يفرغ فيه عزيز وحدته واحتجاجاته ويفصح عما يف خلجات نفسه "بعد أن غادر عزيز المقهى‬

‫‪- 1‬رفقة حممد دودين‪ ،‬خطاب الرواية النسوية العربية املعاصرة ‪ ،‬منشورات أمانة عمان الكربى‪ ،‬عمان ‪( ،‬دط)‪ ،2007 ،‬ص‪.341‬‬
‫‪- 2‬روية الوشم‪ ،‬ص‪30‬‬

‫‪27‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫مشى باتجاه النهر ‪ ،‬وجلس بعض الوقت على أحد المساطب ‪،‬وراقب من بعيد العمال الذين‬
‫يواص لون تش ييد الجس ر الجدي د‪ ،‬كم ا أنص ت إلى أغ اني الص يادين البعي دة وهم يس حبون‬
‫‪1‬‬
‫شباكهم الكبيرة إلى الشاطئ‪.‬تنفس ملء صدره فأحس براحة عميقة"‬

‫ومكان الشاطئ يف الرواية ميثل املكان الّذي يشيد فيه األغنياء بيوهتم فهو يشري للنفس الطمأنينة‬
‫واهلدوء "وعلى امت داد ش اطئ بين الجس ر ومحل ه الص ائبة تق ع بي وت األغني اء من المس لمين‬
‫‪2‬‬
‫وبعض اليهود‪" ..‬‬

‫المباغي ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يف رواي ة الوش م أراد ك رمي الناص ري من املرأة اجلنس واملرأة احلب أن تك ون تعويض ا عن‬
‫اخليبة السياسية فلم تفلحا‪.‬‬

‫الس لمان ب ذالك‪ ":‬إ ّن أهم مايش غلني اآلن ‪ :‬ه ل باإلمك ان أن‬
‫حس ون ّ‬
‫إذ يعلن لص ديقه ّ‬
‫تكون المرأة تعويضا كامال عن الخيبة السياسية؟ وهل تكفي ألن تكون ضمادا لكل الجراح؟‬
‫‪3‬‬
‫ولكن أي امرأة تقدم ذالك؟"‬

‫أي وصف مكاين واضح‪ ،‬ويبقى يف‬ ‫وال ينطوي املبغى الّذي ذهب إليه كرمي الناصري على ّ‬
‫حدود اإلشارة ‪،‬و لكن نلمح إليه برمز‪ ،‬فالوشم يف جسد إحدى البغايا هو املاضي نفسه املوشوم‬
‫باخليانة واالنكسار الّذي طبعت به شخصية كرمي الناصري بعد إحساسه باخليانة نتيجة اعرتافه على‬
‫بعض رفاقه يف العمل السياسي ليكون مثن إطالقه من املعتقل‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫فاملبغى ميثل رمزا يضاهي ما هو عليه "تاريخ كريم الناصري الموشوم"‪.‬‬

‫ومن املعادل الرمزي نفسه استنبط الربيعي اسم روايته الوشم‪.‬‬

‫‪- 1‬رواية القمر و األسوار‪ ،‬ص‪216‬‬


‫‪- 2‬القمر و األسوار‪ ،‬ص‪217‬‬
‫‪- 3‬رواية الوشم‪ ،‬ص‪16‬‬
‫‪ - 4‬ينظر‪:‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪39‬‬

‫‪28‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫ويف رواية القمر واألسوار ‪ ،‬تشكل املباغي أمرا مرفوضا من أهل الزقاق ‪ ،‬كما هي احلال‬
‫عند غريهم‪ ،‬فهم ولدوا وترعرعوا يف بيئة نظيفة وحمافظة‪ ،‬فذالك ال يتناسب مع التقاليد االجتماعية‬
‫ألهل الزقاق‪.‬‬

‫فاملب اغي ت أول إىل ال زوال ب أمر منهم‪ ،‬فته دم بي وت الع اهرات ال يت تتوس ط املدين ة‪ ،‬وه ذا‬
‫التغيري املكاين يصاحبه تغيريات يف جمرى األحداث‪.‬‬

‫"انتش ر في الزق اق خ بر مف اده أن بي وت الع اهرات ال تي تحت ل ج زءا كب يرا من وس ط‬


‫المدينة ستهدم وسيبنى مكانها مسجد ومدرسة وملعب لكرة القدم‪ ،‬واستبشر السكان لهذا‬
‫‪1‬‬
‫الخبر‪"....‬‬

‫فقد كان السكان يتجنبون املرور من ذالك املكان املدنس ويفضلون قطع مسافات مضاعفة‬
‫للذهاب إىل السوق بدل املرور من هناك ‪ ،‬فقد حترر الشباب واملدينة من الفساد الّذي طغى عليها‬
‫نتيجة هذه البيوت والفضل يعود إىل الشيخ حسن ‪ ":‬عندما رأى الشيخ حسن هذه البيوت قال‬
‫أين ذهب اإلس الم ثم كتب عريض ة إلى المتص رف ووقعها ك ل التجار والم وظفين واألهالي‬
‫‪2‬‬
‫وطالب بتهديم هذه البيوت"‬

‫ب‪ -‬األماكن المغلقة‪:‬‬

‫بعد االنتهاء من دراسة األماكن املفتوحة الواردة يف الروايتني ‪،‬سنتوجه اآلن إىل دراسة األماكن‬
‫املغلقة قبل ذالك جيب أن نعرف أن املكان ‪:‬‬

‫"يكتسب وجودا من خالل أبعاده اهلندسية والوظيفية اليت يقوم هبا ‪ ،‬فإذا كانت الفضاءات‬
‫املفتوحة امتدادات للفضاء الكوين الطبيعي مع تغيري حاجة اإلنسان املرتبطة بعصره ‪ ،‬فإن احلاجة‬
‫ذاهتا تربط اإلنسان بفضاءات أخرى يسكن بعضها ويستخدم بعضها يف مآرب متنوعة ‪،‬فالبيت‬
‫مسكنه حيميه من الطبيعة واملستشفى مكان العالج ‪ ،‬السجن قيد يسلبه حريته ‪ ،‬واملسجد فضاء‬
‫ألداء العب ادة ‪ ،‬ه ذه األمكن ة يتنق ل بينه ا اإلنس ان ويش كلها حس ب أفك اره ‪ ،‬والش كل اهلندس ي‬
‫الّ ذي يروقه ويناسب تطور عصره ‪ ،‬وينهض الفضاء املغلق كنقيض للفضاء املفتوح ‪ ،‬وقد تلقف‬

‫‪- 1‬القمر و األسوار‪ ،‬ص‪67‬‬


‫‪- 2‬ينظر‪ :‬القمر و األسوار‪ ،‬ص‪68-67‬‬

‫‪29‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫الروائي ون ه ذه األمكن ة وجعل وا منه ا إط ارا ألح داث قصص هم ‪ ،‬ومتح رك شخص ياهتم واختذت‬
‫‪1‬‬
‫خصوصيات خمتلفة باختالف تصورات الكتاب "‬

‫وهكذا فإن املكان بوصفه عنصرا فعاال يف بناء وتشكيل العمل الفين فهو يعمل على تطوير‬
‫أحداث الرواية والتفاعل مع شخصياهتا‪ ،‬ولقد تعددت أنواعه بتعدد نظرات الدارسني له وبتعدد‬
‫أبعاد وأشكال وأنواع العمل الروائي وهكذا تتعدد دالالته ووظائفه‪.‬‬

‫فاملك ان املغل ق ه و" املك ان احملص ور من خالل خلج ات النفس وجتلياهتا‪ ،‬وم ا حيي ط هبا من‬
‫‪2‬‬
‫أحداث ووقائع"‬

‫يت ال ربيعي "الوش م" " و"القم ر‬


‫فق د ي ؤدي ه ذا الن وع من األم اكن دورا مهم ا يف رواي ّ‬
‫واألسوار" ‪:‬وذلك لعالقته الوثيقة بتشكيل الشخصية الروائية فيجعلها ملئية باألفكار والذكريات‬
‫واآلمال والرتقب‪ ،‬وحىت اخلوف والضيق‪ ،‬إذ "أ ّن األماكن املغلقة تولد املشاعر املتناقضة واملتضاربة‬
‫يف النفس ‪ ،‬وختلق لدى الشخصيات صراعا داخليا بني الرغبات وبني الواقع نفسه توحي بالراحة‬
‫واألم ان‪ ،‬فيبقى مع ىن االنغالق دائم ا منحص را يف خصوص ية املك ان واحتض انه لن وع معني من‬
‫‪3‬‬
‫العالقات البشرية" ‪.‬‬

‫البيت‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫ه و واح د من أهم العوام ل ال يت ت دمج أفك ار وذكري ات وأحالم اإلنس ان ي ة ‪ ،‬ومب دأ ه ذا‬
‫الدمج وأساسه مها أحالم اليقظة ‪ ،‬حيث" مينح املاضي واحلاضر واملستقبل هلذا يشكل البيت دينامية‬
‫خمتلفة كثريا ما تتداخل أو تتعارض هلذا بدونه يصبح اإلنسان مفتتا وكئيبا ألنه فضاء مكاين هام‬
‫‪4‬‬
‫يف حياته"‪.‬‬

‫لذلك ميثل " البيت " مكانا مهما يف الرواية ملا له من عالقة باإلنسان الّذي يسكنه إذ انه ميثل عامله‬
‫وموطنه األول ‪ ،‬وهو مملكته الّ ذي ميارس فيها حياته ووجوده وبوصفه مكانا مغلقا فإنه يعين يف‬
‫الغ الب مزي دا من األم ان والطمأنين ة واحلري ة وه ذا م ا أكدت ه أيض ا " حفيظ ة امحد " بقوهلا‪" :‬أن‬
‫‪ -1‬الشريف حبيلة ‪ ،‬بنية اخلطاب الروائي‪ ،‬ص‪244‬‬
‫‪ - 2‬شاكر النابلسي‪ ،‬مجاليات املكان يف الرواية العربية‪ ، ،‬ص‪.16‬‬
‫‪ - 3‬ينظر ‪ :‬عبد احلميد بورايو ‪ ،‬منطق السرد ‪ ،‬دراسة يف القصة اجلزائرية احلديثة ‪ ،‬منشورات السهل ‪ ،‬اجلزائر العاصمة ‪ . 2009 ،‬ص ‪. 80:‬‬
‫‪ - 4‬ينظر ‪ :‬الشريف حبيلة ‪ ،‬بنية اخلطاب الروائي‪ ،‬ص ‪204‬‬

‫‪30‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫اإلنسان ميارس حريته كيفما يشاء وأىن شاء حيث يتصرف على سجيته دون تكلف أو خوف أو‬
‫‪1‬‬
‫حرج‪" .‬‬

‫تك اد رواي ة الوش م ختل و من ص ورة ال بيت‪ ،‬فحي اة ك رمي الناص ري بط ل الرواي ة‪ ،‬يتش اطرها‬
‫منطني من األمناط‪ ،‬مها املك ان املع ادي املعتق ل يف حني متث ل األمكن ة املفتوح ة والعام ة (املق اهي‪،‬‬
‫احلانات‪ ،‬الشوارع ) النمط الثاين ‪ ،‬وهذه الثنائية على حنو عام هي املاثلة يف حياة كرمي الناصري‬
‫واملك ان املس تعاد من خالل ال ذاكرة حيد من فعالي ة حض ور املك ان مفص ال وخيض عه النفع االت‬
‫الشخصية وخياالهتا‪ ،‬فكرمي الناصري الشخصية املستحضرة ال يقدم لنا وصفا تفصيليا مستقصيا‬
‫ملعامل املكان البيت ‪ ،‬بل يكتفي بإمجال بعض مظاهره بصورة وصفية تلتحم بالسرد‪ ،‬كما يتبني لنا‬
‫البيت عرب ذاكرة كرمي الناصري عند لقائه بأسيل عمران متذكرا ذالك اللقاء وهو داخل املعتقل‪.‬‬

‫"كانت تلك أول مرة اجتمع فيها مع أسيل بني جدران أربعة يف غرفة موصدة الباب على‬
‫‪2‬‬
‫جدراهنا لوحات زيتيّة متثل مشاهد من احلياة يف اجلنوب"‬

‫ّأم ا يف رواي ة القم ر واألس وار ف إن ال ربيعي أعطي لل بيت إحساس ا مكثف ا بض يق املك ان‬
‫وانغالقه عرب حتديد املساحة اهلندسية املادية له‪.‬إذ تضم دار محيد غرفة واحدة ينام فيها أفراد العائلة‬
‫مجيعا‪ ،‬ومييل الوصف إىل االستقصاء والتفصيل يف حمتويات البيت‪ ،‬ليلعب الوصف دورا تفسرييا‬
‫يكش ف عن احلال ة االجتماعي ة لس اكنيه "يف دار محي د غرف ة واح دة‪ ،‬ج دراهنا الطيني ة غطيت من‬
‫األسفل حبصران من حوض النخيل حىت متنع الرتاب من التساقط‪.........‬و يستقر يف كل ركن‬
‫من الغرفة سريرين من جريد النخل النخل األول لألب واألم أما الثاين فلعباس وكامل‪ ،‬وتنام جنية‬
‫‪3‬‬
‫يف وسط الغرفة إذ ال مكان لسرير ثالث فيها"‬

‫الغرف‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫إ ّن الغرف ة هي املك ان األك ثر احت واء لإلنس ان واألك ثر خصوص ية‪ ،‬وبالق در الّ ذي ت وفره‬
‫الغرف ة من محاي ة وش عور بال دفء واألم ان هنال ك غ رف أخ رى ال نش عر اجتاهه ا ب أي ن وع من‬
‫األلفة‪،‬بل تصبح بتشكيلتها املنغلقة أماكن للعقوبة وتصبح اإلقامة فيها إجبارية كما عرفها ياسني‬
‫‪-- 1‬امحد حفیظة ‪ ،‬بنیة اخلطاب يف الرواية النسائية الفلسطينية ‪ ،‬دراسة نقدية ‪ ،‬مركز أوغاريت الثقايف ‪ ،‬فلسطني ‪ ،‬ط‪ ، 2007 ، 1‬ص ‪.119‬‬
‫‪- 2‬رواية الوشم‪ ،‬ص‪57‬‬
‫‪- 3‬رواية القمر و األسوار‪ ،‬ص‪.........12‬‬

‫‪31‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫النصري بقوله ‪ ....":‬يدخلها اإلنسان فيخلع جزءا من ما لبسه ويدخلها لريتدي جزءا آخر‪ ،‬وعندما‬
‫يألفها يتحرك حبرية أكثر‪ ،‬اذا ما واطمأن متاسكها وبدأ بالتعري فيها‪ ،‬التعري اجلسدي والفكري‬
‫لكنه عندما خيرج منها يعيد متاسكه‪ ،‬ويبدو كما لو انه خرج من حتت غطاء خاص‬

‫ومن أمثلة هذه الغرف‪ :‬غرف السجون واملعتقالت ‪.‬‬

‫ففي رواي ة الوش م أعطى ش كل املك ان املعتق ل انطباع ا س لبيا نامجا عن حتجيم حرك ة‬
‫الشخص ية في ه ض من أبع اد مكاني ة ض يقة وحمدودة مما جع ل ش كل املك ان الض يق يس هم يف تعمي ق‬
‫‪1‬‬
‫سلبية املكان (املعتقل)‪.‬‬

‫والضيق املكاين للمعتقل توحد مع الضيق النفسي لكرمي الناصري‪ ،‬لذا فهو بعد أن أطلق‬
‫سراحه من املعتقل يقصد نوع من األمكنة املفتوحة والعامة (مقاهي‪ ،‬حانات شوارع) لتبديد ما‬
‫اعرتى نفسه من إحساس باهلزمية واالنكسار‪.‬‬

‫ّأم ا يف القم ر واألس وار فتتح ول الغرف ة إىل حاض ر هنل ة والض يق الس ليب ي وازي فش ل أحالمه ا‬
‫وطموحاهتا وانكس اراهتا املتتالي ة‪ ،‬يف حني يتمث ل الع امل الواس ع املنفتح املاض ي مبثاب ة أحالم هلا‬
‫بالدراسة والتخرج والوظيفة‪.‬‬

‫و اآلن فهي حتس أن هذه الغرفة كل ما متلكه بعد أن ضاعت أحالمها وأمانيها مجيعا‪":‬هذه الغرفة‬
‫هي كل عالمها اليوم‪ ،‬في يوم مضى كانت لها أحالم أخرى في الدراسة والتخرج والوظيفة‬
‫وعباس ولكن كل شيء قد ضاع"‪.2‬‬

‫المعتقل‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫إذا كان اإلنسان يقيم يف البيت مبحض إرادته فهناك مكان اخر يقيم فيه جمربا وهو السجن‬
‫الذي" يشكل عاملا مناقضا لعامل احلرية الّذي تنتقل إليه الشخصية مكرهة تاركة بذلك عامل اخلارج‬

‫‪- 1‬ينظر‪:‬رواية الوشم‪ ،‬ص‪17‬‬


‫‪ -3‬ياسني النصري‪ ،‬الرواية واملكان‪ ،‬ص ‪78‬‬
‫‪- 2‬رواية القمر و األسوار‪ ،‬ص‪319‬‬

‫‪32‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫إىل عامل الداخل ‪ ،‬فتنطوي على نفسها بعدما كانت منفتحة على اجملتمع والوجود حيث تكشف‬
‫‪1‬‬
‫فيه حياة جديدة هلا قيمها املختلفة عن تلك اليت ألفتها"‪.‬‬

‫يعت رب الس جن مك ان ع دائي ض د الشخص ية من خالل انغالق ه وض يقه وظلمت ه‪ ،‬فه و فض اء‬
‫للتعذيب واإلهانة باستخدام وسائل شديدة القسوة‪،‬ويشكل السجن حسب "حسن حبراوي"‪" :‬‬
‫نقط ة انطالق من اخلارج إىل ال داخل ومن الع امل إىل ال ذات بالنس بة للنزي ل‪ ،‬مبا يتض منه ذال ك‬
‫‪2‬‬
‫االنتقال من حتول يف القيم والعادات ‪ ،‬وراء عامل احلرية"‪.‬‬

‫فالسجن مكان إجب اري ‪ ،‬جيرد اإلنسان من أبسط حقوقه‪ ،‬ويقتل قيم الراحة والطمأنينة‬
‫وحيل حملها الشعور باخلوف والضياع والعجز فهو يعرب عن الظلم والقهر واالستبداد‪.‬‬

‫فالربيعي سلط الضوء على القمع السياسي الّذي تعرضت له فئة من اجملتمع بسبب تبنيهم‬
‫موقف طرف ما يف اجلدال السياسي أو معارضتهم لسياسة احلكم االستعماري ضمن هذا الواقع‬
‫والردة السياسية بصفة عامة يف‬
‫الس جن ّ‬
‫املرتدي يستوقفنا اهتمام الربيعي يف كلتا روايتيه مبوضوع ّ‬
‫إطار املعاجة األدبية ملسألة االنتماء السياسي وعالقة املناضل السياسي بالسلطة فموضوع رواية‬
‫الس جن يف جتربة البطل املثقف املناظل السياسي‪ ،‬الّذي قضى سبعة شهور من الظلم يف‬
‫الوشم هو ّ‬
‫املعتق ل" تنفس ك ريم الناص ري ه واء الش ارع بع د اختن اق ع ريض س بعة ش هور ج ائرة طوقت ه‬
‫‪3‬‬
‫بدقائقها ورعبها‪ ،‬وهرست منه الدم والعظم واألعصاب"‪.‬‬

‫حيث تدور أكثر من نصف أحداثها يف املعتقل ولكن على الرغم من هذه اهليمنة ‪ ،‬إال أننا‬
‫ال جند مالمح املكان املادية ماثلة بشكل واضح فيها‪،‬فال يوجد وصف مستقل للمكان ‪،‬إذ يظهر‬
‫املك ان يف ثناي ا الص ورة الس ردية بإش ارات وص فية إمجالي ة ‪،‬فرتك يز ال ربيعي ج اء على الشخص ية‬
‫باجلو العام للمعتقل‬
‫وانفعاالهتا النفسية ‪ ،‬وما ينتاهبا من احساسات داخل املكان (املعتقل)‪،‬فهو يعين ّ‬
‫وانعكاساته على كرمي الناصري مما جيعل املتلقي يدرك املكان ذهنيا ‪ ،‬مع غياب الوصف التفصيلي‬
‫ملعامل املعتقل املادية‪.‬‬

‫‪- 1‬ينظر ‪ :‬الشريف حبيلة ‪ ،‬بنية اخلطاب الروائي ‪ ،‬ص ‪222‬‬


‫‪- 2‬حسن حبراوي‪ ،‬بنية الشكل الروائي‪ ،‬ص‪55‬‬
‫‪- 3‬رواية الوشم‪ ،‬ص‪7‬‬

‫‪33‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫الس رد ووص ف‬
‫كم ا يظه ر املعتق ل من منظ ور ك رمي الناص ري الّ ذي يق وم مبهم ة ّ‬
‫املكان‪":‬جسدي ممدد اآلن في هذا المعتقل المحتشد مع هؤالء الرجال الذين ال يتجانسون‬
‫مطلق ا في ثرث رتهم وش جاراتهم اليومي ة التافه ة ‪ ،‬ولس ت أدري كي ف انض ووا تحت الفت ة‬
‫سياس ة واح دة‪ ! ‬الج و خ انق تف وح من ه رائح ة األنف اس وع رق األجس اد ال تي لم تع رف‬
‫اإلستحمام منذ شهور‪ ،‬األرض مليئة بالفضالت والبصاق‪،‬و دخان السجائر ال يجد فجوة ينفذ‬
‫‪1‬‬
‫منها"‪.‬‬

‫فما خلّفه املعتقل لدى الناصري أحدث نسفا يف حياته وتدمريا ال يرمم كما يتضح يف هذا‬
‫النص‪":‬خ رج ك ريم الناص ري س الما‪،‬ط ويال ومبتس ما‪ ،‬يتفق د األص دقاء وي رد التحي ة على‬
‫اآلخرين ويستقبل تهنئتهم بمناسبة اطالق السراح‪.‬ولكن في داخله كان شيئا قد نسف‪.‬وهذا‬
‫‪2‬‬
‫االطار االعتيادي الوقور ما هو إال قناع إلخفاء البقايا وتغطية التدمير الّذي ال يرمم"‪.‬‬
‫لذا فإن كرمي الناصري يعلن ارحتاله عن مدينته" ليجد له سبيال للخروج من أزمته النفسية‬
‫‪3‬‬
‫التي خلفتها مدة اعتقاله"‪.‬‬

‫بي د أن س طوة املك ان املنغل ق مل تنتهي بارحتال ك رمي الناص ري عن مدينت ه‪ ،‬بع د أن أطل ق‬
‫راحه‪،‬فالس جن حتول إىل رم ز وب دا الع امل كلّ ه زنزان ة ض يقة أو س جنا بالنس بة للبط ل‪،‬ل ذا ف إن‬
‫ّ‬ ‫س‬
‫االنتق ال من مك ان إىل آخ ر مل ينق ذه من س طوته‪،‬كم ا يعلن ه و ذال ك"ه ربت من الناص رية إلى‬
‫بغ داد‪،‬و س أهرب من بغ داد إلى الك ويت‪،‬وربم ا من هن اك إلى أبي ظ بي أو أنق رة‪ ،‬وس أكون‬
‫مطاردا على الدوام‪".‬‬

‫الس جن تراجعا من حيث حضوره على‬ ‫ّأما يف رواية القمر واألسوار فيشكل املكان املنغلق ّ‬
‫املساحة النصية الىت حوت أحداث الرواية‪ ،‬ويعود السبب إىل أن الرواية تؤرخ للمدة املمتدة من‬
‫ع ام ‪ 1948‬وح ىت بداي ة اخلمس ينيات ‪ ،‬وهي م دة ش هدت نش وء األح زاب السياس ية وبداي ة‬
‫تبلوره ا‪ ،‬إذ متث ل خط وة باجتاه خط وات الحق ة يف ت اريخ الع راق السياس ي ه ذا من ج انب‪،‬ومن‬

‫‪- 1‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪17‬‬


‫‪- 2‬ينظر‪:‬رواية الوشم‪ ،‬ص‪7‬‬
‫‪- 3‬ينظر‪:‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص‪9 ،8‬‬

‫‪34‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫جانب آخر فان بناء احلدث الروائي جاء منصبا على رقعة مكانية حمددة وهي الزقاق وتتبع تطورها‬
‫عرب الزمن ‪.‬‬

‫فاملكان (املعتقل) الّذي مت رصده ال نلمحه إال عرب تقنية زمانية مستعادة ‪ ،‬مبعىن أن املكان‬
‫ينفصل عن حاضر الشخصية ويظهر بوصفه ماضيا مندثرا عاشت فيه الشخصية ‪،‬فالسرد وبناء‬
‫املك ان يتم إذن خ ارج زمن احلدث ويف ه ذه األثن اء يتم بن اؤه عن طري ق احلوار الّ ذي ي ؤدي إىل‬
‫غياب الكثري من معامل املكان املادية‪ ،‬كما يف النص الّذي دار بني "الشيخ علي"و" حمسن احلالق"‪،‬‬
‫فج اء دور احلوار يف بن اء املك ان مض طلعا مبهم ة أخب ار ت نزع من الوص ف دوره يف اإلفص اح عن‬
‫معامل املكان املغلق على حنو واضح‪.‬‬

‫"‪-‬واهلل مل أع رف أهنم أطلق وا س راحك إال قب ل ي ومني ‪ ،‬وال واجب ك ان أن أزورك يف‬
‫السجن‪.‬‬

‫‪-‬اهلل حيفظك يا شيخ علي أنت صديق خملص‪.‬‬

‫‪-‬مل أهتم للس جن‪ ،‬ولكن األوالد مل يغيب وا عن ب ايل حلظ ة واح دة ‪ ،‬واهلواجس ال تنقط ع‬
‫بشأهنم ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪-‬على أي حال السجن أهون من املوت‪".‬‬

‫المكاتب‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يعد من األمكنة املغلقة‪ ،‬وهو عبارة عن غرفة يعمل فيها املوظفني‪،‬ولكنه أيضا قد يدل على وظيفة‬
‫ما داخل مؤسسة ما ذات مهام حمددة اجتاه كل إدارة من اإلدارات‬

‫يف رواية الوشم يرتدد هذا النمط من األمكنة املغلقة يف الشركة اليت يعمل هبا كرمي الناصري وال‬
‫نع ثر على وص ف ملع امل املك ان املع زول عن الشخص ية‪ ،‬فمس ئول املك ان مق رتن بوج ود الشخص ية‬
‫(كرمي الناصري)و املوظفة مرمي عبد اهلل‪ ،‬إذ يظهر املكتب الّذي يعمالن فيه‪ ،‬ويضم جممل أطراف‬

‫‪- 1‬رواية القمر و األسوار‪ ،‬ص‪151‬‬

‫‪35‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫احلدث ويش كل إط ارا ل ه‪ ،‬يس تحوذ على نص يب واف ر من الوص ف على حس اب مع امل املك ان‬
‫‪1‬‬
‫(الشركة) اليت تتالشى نسبيا ليؤدي وصف املكاتب دورا ايهاميا بواقعية املكان‪.‬‬

‫ويتضح عرب ثنائية املكان املفتوح واملكان املغلق أو الداخل واخلارج‪ ،‬إن روايايتّ الربيعي يف‬
‫ّ‬
‫الغ الب متي ل إىل النم ط املك اين املفت وح وذال ك مالح ظ ع رب حترك ات شخص ياهتا واألم اكن ال يت‬
‫حتوي احلدث ممّا يفضي إىل أن سبب رجحاهنا ناتج عن طبيعة األحداث وموضوعاهتا اليت تناولتها‬
‫يت ال ربيعي‪ ،‬إذ تص ور الرواي تني معان اة جي ل أو ع دة أجي ال ممّن عاش وا الواق ع املري ر لع راق‬
‫رواي ّ‬
‫الس تينيات وم ا قبله ا‪ ،‬األم ر الّ ذي تطلب منهم أن خيوض وا غم ار املعرك ة يف الش ارع متظ اهرين‬
‫وحمتجني أو مشردين عن بيوهتم ومدهنم وأوطاهنم‪ ،‬فقضية الربيعي هي قضية مجاعية وإحداثية ذات‬
‫سعة مجاعية عامة‪ ،‬ممّا تطلب فضاء واسعا حيتوي هذه األحداث ويواكبها‪.‬‬

‫‪ -3‬أهمية المكان‬

‫يعد املكان عنصر مهم من عناصر السرد وذلك ألن املكان يف كل أبعاده احلقيقية واملتخيلة‪،‬‬
‫ويرتبط املكان ارتباط وثيقا بالنص وبكل ما حيويه من شخصيات وأزمنة وحوادث ومبا أن املكان‬
‫يتم يز خبصوص يته وبتع دد وظائف ه‪ ،‬فه و الّ ذي يتحكم يف تك وين إط ار احلدث‪ ،‬كم ا أن ه يس اعد‬
‫القارئ على ختيل األمكنة اليت يستخدمها الروائي‪ ،‬سواء كانت أمكنة مفتوحة أو مغلقة‪.‬‬

‫وهبذا فان للمكان الروائي دور هام يف تكوين العمل األديب والفين " فهو مسرح األحداث‬
‫واهلواجس اليت تصنعها الذاكرة التارخيية"‪ ،2‬فبفضل املكان ميكن قراءة وفهم كل حدث وتفاعالت‬
‫الشخصية وذلك من خالل حركيتهم مع املكان‪.‬‬

‫أهمية المكان في البناء الروائي‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يلعب املك ان دورا هام ا يف تك وين حي اة اإلنس ان وترس يخ كيان ه وتث بيت هويت ه‪ ،‬وت أطري‬
‫طبائعه‪ ،‬أي حتديد توجيهاته وتصرفاته وإدراكه لألشياء‪ ،‬وهذا لكونه التصاقا حبياة اإلنسان وأكثر‬
‫تغلغال يف كيان ه‪ ،‬وذل ك ألن املك ان ي درك إدراك ا حس يا يب دأ خبربة اإلنس ان جبس ده‪ ،‬ه ذا‬
‫‪ - 1‬ينظر‪:‬رواية الوشم ‪ ،‬ص‪95-9‬‬
‫‪ - 2‬أمحد طالب‪ ،‬مجاليات املكان يف القصة القصرية اجلزائرية‪ ،‬دار العرب للنشر والتوزيع‪ ،‬وهران‪ ،‬دط‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.50‬‬

‫‪36‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫اجلسد'املكان' هو مكمن القوى النفسية والعقلية والعاطفية واحليوية للكائن احلي"‪ ،1‬ليتعداه بعدها‬
‫إىل احليز الّ ذي حيتوي ه‪ ،‬مث إىل ال بيت مث إىل أمكن ة غ ريه‪ ،‬وللمك ان ق درة تأثريي ة على الشخص ية‬
‫فيؤثر يف طبيعة اللغة واللهجات اليت نستعملها وكذا إىل اختالف سلوكها وانطباعها بطبعه‪.‬‬

‫إن احلديث عن أمهية املك ان ال ميكن حصره يف مكان دون آخر‪ ،‬وذلك ألن دور األمكنة‬
‫جديدة متخيلة متثل األمكنة احلقيقية وذلك بتسارعها لذهن القارئ لتقنعه حبقيقة وجودها‪ ،‬وعليه "‬
‫فان األماكن مهما صغرت ومهما كربت أو مهما اتسعت أو ضاقت مهما قلت أو كثرت‪ ،‬تظل‬
‫‪2‬‬
‫يف الرواية اجليدة جمموعة من املفاتيح الصغرية اليت تساعد على فك جو كبري مغاليق النص‬

‫يع د املك ان مس رح لألح داث والشخص يات‪ ،‬إذ كلم ا أتقن بن اؤه أدت مكون ات الرواي ة‬
‫دورها بشكل أفضل وبذلك يتحول املكان " من جمرد إطار وأرضية إىل عنصر مشارك يف العمل‬
‫األديب بل وإىل واحد من أبطاله‪ ،‬وقد يصبح البطل األول أو األساسي"‪.3‬‬

‫ميد املكان اإلنسان بتصوراته ومفاهيمه ويكون دعامة أساسية لكل تصور إنساين فترتتب‬
‫أمهيته اليت حتتوي اإلنسان لشدة أو ضعف عالقة اإلنسان به‪ ،‬ولعل ما يفسر أمهية املكان أكثر‬
‫ويعكس ش دة تغلغل ه يف كي ان البش ر ه و أن ه املنطل ق لتفس ري ك ل تص رف‪ ،‬فيحكم على س لوك‬
‫اإلنس ان من خالل تواج ده يف املك ان فض ال عن تعب ري ك ل مف اهيم اإلنس ان األخالقي ة والنفس ية‬
‫والسلوكية(‪ ،)....‬بتعبري مكاين كأعلى وأمسى وواسع الصدر أو ضيقه‪.4‬‬

‫‪ - 1‬حمبوبة حممدي ابادي‪ ،‬مجاليات املكان يف قصص سعيد حوارنية‪ ،‬دراسات يف األدب العريب‪ ،‬منشورات السورية للكتاب‪ ،‬وزارة الثقافة‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬ط‪.92 ،1‬‬
‫‪ - 2‬شاكر نابلسي‪ ،‬مجاليات املكان يف الرواية العربية‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪ ،1994 ،1‬ص‪. 276‬‬
‫‪ - 3‬حممد جربيل‪ ،‬مصدر املكان دراسة يف القصة والرواية‪ ،‬اهليئة العامة لشؤون املطابع األمريية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،2000 ،2‬ص‪.7‬‬
‫‪ - 4‬حمبوبة حممدي‪ ،‬حممد أبادي‪ ،‬مجاليات املكان يف قصص سعيد حوارنية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.92‬‬

‫‪37‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫أنماط المكان وأهميته في‬ ‫الفصل األول‬

‫‪38‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬
‫تمهيد‬

‫‪-1‬عالقة المكان بالزمان‪:‬‬

‫‪-2‬عالقة المكان بالشخصية‪:‬‬

‫‪-3‬عالقة المكان باألحداث‪:‬‬


‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫تمهيد‬
‫إن للمك ان أمهي ة كب رية داخ ل املنت احلك ائي وذل ك راج ع جملموع ة العالق ات بين ه وبني املكون ات‬
‫السردية األخرى‪ ،‬فاملكان يقوم على جمموعة عالقات تساعد يف بناءه داخل النص السردي‪ ،‬وهذا‬
‫م ا يوض حه حس ن بح راوي يف قول ه « إن بن اء المك ان ال روائي يب دو مرتبط ا بخطي ة األح داث‬
‫السردية‪ ،‬وبالتالي يمكن القول بأنه هو المسار الّذي يتبعه اتجاه السرد»‪.1‬‬
‫وتعيني املكان يف الرواية هو البؤرة الضرورية اليت تدعم احلكي كون أن املكان يرتبط مع املكونات‬
‫الس ردية األخ رى‪ ،‬يق ول حس ن بح راوي «يرتب ط الفض اء ال روائي ب زمن القص ة‪ ،‬ويقيم ص الت‬
‫وثيق ة م ع ب اقي المكون ات الحكائي ة في النص وت أتي في مق دمتها عالقت ه بالح دث ال روائي‬
‫‪2‬‬
‫والشخصيات الخيلية»‬
‫أي أن املكان يرتبط ويتشابك مبختلف مكونات الرواية ويؤدي املكان أدوار مهمة على املوستويني‬
‫البنائي واحلكائي‪.‬‬
‫جند أن عناصر السرد تتداخل فيما بينها لتشكل عمل حكائي يقول سعيد يقطين « هذه العناصر‬
‫مجتمع ة تت داخل وت تراكب في مج رى العم ل الحك ائي مش كلة حكائيت ه‪ :‬انتم اءه إلى جنس‬
‫السرد أو الخبر»‪.3‬‬
‫واملك ان ال يع ين أب دا املك ان اجلغ رايف احملدد احملدود الص امت الث ابت ب ل ه و يش مل البيئ ة بزماهنا‬
‫وأحداثها وشخوصها ومهومها وعاداهتا وتقاليدها‪ ،‬يؤثر ويتأثر ويتفاعل مع الشخصيات وأفكارها‬
‫وطموحاهتا‪ ،‬كما يتفاعل مع الكاتب الروائي فهو متحرك حيوي‪.4‬‬
‫فاملكان هو اخللفية اليت تقع عليها أحداث الرواية وتتفاعل يف إطاره الشخصيات واألفكار‪ ،‬فهناك‬
‫عالقة متينة جتمع بني املكان وبقية املكونات السردية شبهها حميد لحميداني بالخلية « فان كان‬
‫ال زمن والشخص يات واألح داث يمثل ون الن واة داخ ل ه ذه الخلفي ة ف ان المك ان يمث ل‬
‫‪5‬‬
‫السيتوبالزم الّذي تسبح فيه تلك النواة »‬
‫ال ميكننا فهم أبعاد النص وداللته إال ضمن هذه العالقات اليت تأثر وتتأثر ببعضها البعض فتنتج لنا‬
‫نص متكامل‪ ،‬ومن بني هاته العالقات جند‪:‬‬

‫‪ 1‬حسن حبراوي‪ ،‬بنية الشكل الروائي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪29‬‬


‫‪ - 2‬املرجع نفسه ص‪.29‬‬
‫‪ - 3‬سعيد يقطني‪ ،‬قال الرواي البنيات احلكائية يف السرية الشعبية‪ ،‬املركز الثقايف العريب للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1997 ،1‬ص ‪.20‬‬
‫‪ -4‬محيد محداين ‪ ،‬بنية النص السدري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪81‬‬
‫‪ -5‬املاضي شكري‪ ،‬فنون النثر العريب احلديث‪ ،‬منشورات جامعة القدس املفتوحة‪ ،‬عمان ‪ ،‬األردن‪ ،‬د‪-‬ط‪ ،1996 ،‬ص‪39‬‬

‫‪40‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪-1‬عالقة المكان بالزمان‪:‬‬

‫ارتكزت روايات عبد الرمحن جميد الربيعي يف بناء مسارها على الربط بني كل من الفضاء والزمن‬
‫والشخصية‪ ،‬وهذه العناص ر السردية ش ديدة االرتباط ببعضها البعض‪ ،‬وبالتايل تصبح العالقة اليت‬
‫جتمع هذه العناصر هي عالقة تكامل وترابط يستحيل الفصل بينهما وهذا ما سنوضحه من خالل‬
‫رواييت [ الوشم‪ -‬القمر واألسوار]‪.‬‬
‫ّ‬ ‫دراسة‬

‫إن املكان وال زمن جتم ع بينهما عالقة تواص ل وال ميكن أن نس تغين على أح دمها‪ ،‬فال مكان ب دون‬
‫زمانه‪ ،‬كما أسلفنا يف نفس الوقت الّذي تدمره الصور الشعرية العالقة املنطقية بني املاضي واحلاضر‬
‫واملس تقبل وتتح ول إىل "زمكاني ة" وجودي ة خاص ة بتكوينه ا وهي ق ادرة على حتول الزم ان إىل‬
‫املكان‪ ،‬واملكان إىل زمان بفضل ما تتميز به من قدرة على ختطي حواجز الزمان واملكان وإبداهلما‬
‫يف وجود جديد‪.1‬‬

‫‪-‬عندما حتدثنا عن املكان فإننا نتحدث عن زمانه ألن الزمان أحد أبعاد املكان وهذا ما يوضحه‬
‫مه دي عبي دي حيث نج ده يق ول « يتض من المك ان ال زمن بش كل أو ب آخر فالمك ان تجرب ة‬
‫حياتية يحدد وجودها واستمرارها اإلنسان في تشكيل المكان وإبداعه‪ ،‬وعندما نتحدث عن‬
‫المك ان فانن ا نتح دث عن زمان ه ول ذلك يع د الزم ان أح د أبع اد المك ان‪ ،‬ويع د مفه وم ال زمن‬
‫الروائي مكونا أساسيا في بنية النص السردي والروائي»‪.2‬‬

‫إن م ا ينطب ق على الشخص ية من حيث عالقته ا باملك ان ينطب ق على الزم ان أيض ا‪ ،‬فم ا توض حه‬
‫الرواية الكالسيكية بأهنا تعد رواية زمانية ال يعين أنه العنصر الوحيد الّذي شكل بنية الرواية‪ ،‬وإمنا‬
‫عنت به العنصر السائد واملهيمن على البناء الروائي آنذاك‪.‬‬

‫‪ -‬فالرواية بوصفها فنا زمانيا ومكانيا يف آن واحد‪ ،‬ال ميكن أن ينفصل فيها الزمان عن املكان‪ ،‬وهذا‬
‫ما أكدته الدراسات احلديثة فريى باختين استحالة فصلهما متاما‪ ،‬وال ميكن تصور أحدمها مبعزل‬
‫عن اآلخر من أجل تأكيده على هذه النقطة (أي دجمهما معا) يتوصل إىل صياغة مصطلح اجرائي‬

‫‪ - 1‬سيزا قاسم‪ ،‬يوري لومتان وآخرون‪ ،‬مجاليات املكان عيون املقالت باندونغ للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،1988 ،2‬ص ‪.22‬‬
‫‪ - 2‬مهدي عبيدي‪ ،‬مجاليات املكان يف ثالثية نظامية ‪ ،‬منشورات اهليئة العامة السورية للكتاب‪ ،‬دمشق‪ ،‬دط‪ ،2011 ،‬ص‪.225‬‬

‫‪41‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫مساه ( الكرونطب) وهو ما ميكن أن نطلق عليه‪ (:‬الزمكان)‪ ،‬يقول باختين «أن الكرونطب يعين‬
‫الوحدة الفنية للعمل األدبي في عالقته مع الحقيقة» ‪.1‬‬

‫أم ا بالنس بة لل زمن ال روائي فان ه ميث ل حمور الرواي ة وعموده ا األساس ي مثلم ا ه و حمو احلي اة يق ول‬
‫عثم ان ب دور « اذا ك ان األدب يعت بر فن ا زمني ا اذ ص نفنا الفن ون إلى زماني ة ومكاني ة ‪ ،‬ف ان‬
‫القص هو أكثر األنواع األدبية التصاقا بالزمن »‪.2‬‬

‫فاملك ان والزمان ت وائم ال ينفصل أح دمها عن األخر وه ذا م ا تؤكده التص ورات الفلس فية احلديثة‬
‫واملعاص رة ‪ ،‬وال زمن ي دخل يف عالق ات متنوع ة م ع عناص ر الس رد‪ ،‬األخ رى يق ول أحم د حم د‬
‫النعيمي «ال زمن ال يعيش منع زال عن ب اقي عناص ر الس رد‪ ،‬فالشخص يات ال تي تت أثر بمك ان م ا‬
‫فانه ال تتأثر به إال من خالل فعل الزمن في ذلك المكان»‪.3‬‬

‫يوضح حسن نجمي بأن احلركة السردية انتاج مشرتك لكل من املكان والزمن حيث جنده يقول «‬
‫الكتاب ة الروائي ة نتاج ا لمج رى ال زمن الحك ائي والس ردي فق ط‪ ،‬ب ل هي نت اج مش ترك له ذين‬
‫العنص ريين الس ياميين‪ :‬ال زمن والفض اء‪ ،‬نت اج لتظافرهم ا‪ ،‬لتص ارعهما لتقاربهم ا‪ ،‬لتباع دهما‬
‫ولكل حركتهما الشاملة»‪.4‬‬

‫‪ ‬إن احلديث عن املكان والزمان قد الح يف األفق منذ أزل بعيد فكل اإلنسان على وجه املعمورة‬
‫يكون والبد قد عاش يف زمان ما وقطن يف مكان ما شاء أم أىب فلذلك أمسى هبما البقاء واحملدثون‬
‫على مر العصور ملا لعالقتهما الوثيقة يف جمال العلم واملعرفة‪.‬‬
‫‪ ‬ومن األلوان األدبية اليت حتدث عنهما العمل الروائي الّ ذي يعد قصة طويلة جدا تروي أحداثا ال‬
‫ختلو من مكان وزمان معني‪.‬‬

‫ولرواي يت (الوش م – القم ر واألس وار) لعب د ال رحمن مجي د ال ربيعي حض ورا قوي ا وب ارزا هلذين‬
‫العنصريني " املكان والزمان" فنجد أن هناك اتساقا وانسجاما تاما ووثيقا فيظهر يف مستهل رواية‬

‫‪ - 1‬منيب حممد البورميي‪ ،‬الفضاء الروائي يف الغربة‪ ( ،‬اإلطار والداللة)‪ ،‬ص‪.23‬‬


‫‪ - 2‬عثمان بدري‪ ،‬بناء الشخصية الرئيسية يف روايات جنيب حمفوظ‪ ،‬دار احلداثة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪.115‬‬
‫‪ - 3‬أمحد محد النعيمي‪ ،‬إيقاع الزمن يف الرواية العربية املعاصرة‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2004 ،1‬ص‪.78‬‬
‫‪ - 4‬حسن جنمي‪ ،‬شعرية الفضاء السردي املتخيل واهلوية يف الرواية العربية‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪ ،2000 ،1‬ص ‪.65‬‬

‫‪42‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الوشم إذ يقول الربيعي « تنفس كريم الناصري هواء الشارع بعد اختناق عريض مسببة شهور‬
‫جائرة طوقته بدقائقها ورعبها وغرست فيه الدم والعظم واألعصاب»‪.1‬‬

‫‪ -‬أبرزت الرواية زمان ومكان يف مستهلها‪ ،‬حيث ارتبط مبكان معني "الشارع" وزمان اختناق دام "‬
‫سبعة شهور‪.‬‬
‫‪ -‬ملا لقيت ه ذه الشخص ية وذاقت ويالت ال رعب واالختن اق وص ل ح د البع د النفس ي والف رار من‬
‫الواقع املرير الّذي أوصله إىل منتهى جمهول وأثر على صحته وعافيته‪.‬‬

‫جند ارتب اط دميومي ا بني عنص ري الزم ان واملك ان فهن اك متازج بينهم ا يف مس تهل رواي ة القم ر‬
‫واألس وار جند أن ال راوي يق ول « ك انت حس نة س مراء وناعم ة ج ف لحمه ا ولم يبقى من‬
‫جسدها غير هيكل صغير شاحب حيث حدث لها ذلك بعد أن أصيبت مؤلمة صدرية منذ‬
‫‪2‬‬
‫سنوات وكانت في رحلة إلى قريتها أبو هارون الواقعة في منتصف بين الشطرة والرافعي »‬
‫هنا يظهر ارتباط املكان بالزمان حيث ارتبطت الرحلة إىل قرية أبو مازن مبرض حسنة نزلة صدرية‬
‫قب ل س نوات فالرحل ة إىل القري ة متث ل ذك رى وواق ع أليم فبس بب الرحل ة مرض ت حس نة وفق دت‬
‫صحتها حىت هزلت وجف حلمها‪.3‬‬

‫‪ ‬يستمر التمازج بني املكان والزمان ففي رواية الوشم جند أهنما مرتبطني ببعض هما البعض ويظهر‬
‫ه ذا يف ح ديث "ك ريم الناص ري" م ع ص ديقه حس ون‪ ،‬ي بني خس ارته ملدينت ه ووض يفته وآمال ه‬
‫ويصرح بوضعه املزري‪ ،‬واملبلغ الضئيل الّ ذي تسعفه به عائلته يف هناية كل شهر‪ ،‬ويظهر ارتباط‬
‫الزمان باملكان من خالل قوله « وفي أواخر الليل يستقبلني فندق رخيص يقع في نهاية زقاق‬
‫يتفرغ في شارع رشيد»‪.4‬‬
‫‪ -‬أبرز قول الناصري ارتباط الزمان باملكان‪ ،‬فقد ارتبط الزمان" آخر الليل" باملكان الّ ذي يستقبل‬
‫الناصري وهو" فندق رخيص" الّذي يقع يف هناية الشارع الرشيد‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد الرمحن جميد الربيعي‪ ،‬رواية الوشم‪ ، .‬دار العربية للكتاب‪ ،‬ليبيا‪-‬تونس‪ ،‬د‪-‬ط‪ ،1977 ،‬ص‪7‬‬
‫‪ 2‬عبد الرمحن جميد الربيعي‪ ،‬القمر االسوار ‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،1986 ،‬ص ‪10‬‬
‫‪ - 3‬القمر واألسوار‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪ - 4‬رواية الوشم‪ .‬ص‪8‬‬

‫‪43‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ ‬كذلك جند يف رواية القمر األسوار تالصقا ومتازج بني عنصري الزمان واملكان ويظهر هذا يف قول‬
‫ال راوي« وق د مكثت في المستش قى المدين ة ثالثة أس ابيع خ رجت بع دها وق د ان تزع الم رض‬
‫منها كل عالمات الشباب والبهاء»‪. 1‬‬
‫‪ ‬هنا ارتبط املكان مستشفى بالزمان وهو مكون شخصية باملستشفى يف مدة ثالثة أسابيع‪.‬‬
‫‪ ‬يتواصل متازج الزمان باملكان يف رواية الوشم عندما حكى الراوي "جميد الربيعي" عندما أرسل له‬
‫صديقه "جميد عمران" خرب سفره إىل حج بيت اهلل‪ ،‬حيث جند الراوي قاصا ومعربا «أزف اليك‬
‫نبأ سفري إلى حج بيت اهلل الحرام في الشهر القادم أللبي دعوة اهلل وأتبرك في بيته»‪.2‬‬
‫‪ ‬يظهر من هذا القول االرتباط الوثيق بني الزمان واملكان فنجد أنه قد وصف الزمان وهو "الشهر‬
‫القادم" ذو احلجة‪ ،‬وارتباطه املكان وهو " زيارة بيت اهلل" الكعبة الشرقية‪.‬‬

‫كذلك جند االرتباط الدميومي هلذين العنصريني ويتضح هذا يف رواية القمر واألسوار‪ ،‬عند ما قال‬
‫حميد لزوجت ه « س أنام بعض ال وقت قب ل أن يع ود عب اس وكم ال من المدرس ة »‪ 3‬هن ا ارتب اط‬
‫الزمان باملكان ويظهر ذلك يف حماولة محيد للنوم "بعض الوقت " لكي يكسب راحته بغفوة قليلة‬
‫باملك ان وه و " املدرس ة" ال يت ي درس هبا أوالده فه و يري د أن ين ام قليال قب ل خ روج أوالده من‬
‫املدرسة‪.‬‬
‫ويف موضع أخر من رواية "الوشم " جند تشابك الزمان باملكان ويظهر هذا من خالل قول الراوي‪:‬‬
‫« رغم اعتدال الجو وانحسار البرودة عنه‪ ،‬بقي المطر متمردا على قانون الفصول ولم يرضى‬
‫اإلذع ان ألي ام الص يف ال تي ب دأت ب الزحف وأخ ذ ن ثيث المط ر يغس ل وج ه بغ داد بمأثره ا‬
‫وباصاتها ونساءها المعطرات ورجالها الالهثين»‪.4‬‬
‫هناك عارض زمين يف هذا القول لوجود رذاذ املطر يف فصل الصيف والذي يف أصله يكون هتاطل‬
‫املطر شتاءا والذي غسل بدوره وجه بغداد يف عز الصيف‪.‬‬

‫‪ - 1‬رواية القمر واألسوار‪ ،‬ص‪.10‬‬


‫‪ - 2‬رواية الوشم‪ .‬ص‪26‬‬
‫‪ 3‬القمر واألسوار‪ ،‬ص‪13‬‬
‫‪ - 4‬رواية الوشم‪.‬ص‪.36‬‬

‫‪44‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ويف رواية القمر واألسوار يف موضع أخر جند متازج الزمان باملكان حيكي قائال «حملها حميد من‬
‫القرية وجاء بها إلى الناصرية لينتقل بين المهن الصغيرة حتى انتهى به المطاف حارسا ليليا‬
‫يجوب أزقة المدينة وشوارعها المظلمة ليطرد عنها اللصوص الزاحفين من القرى القريبة»‪.1‬‬
‫يرتبط الثنائي الزمان واملكان وتتغلغل يف كل املواضيع هاته العالقة الوطيدة بينهما ففي رواية الوشم‬
‫جند أن الراوي يقول « هل أستطيع البقاء هنا لو لم تكن مريم معي؟»‪ .2‬أي دفئ أجده بني هذه‬
‫اجلدران املوحش ة كآث ار ال يت كن ا منض ي إليه ا يف رحالت مدرس ية فنج دها متوح دة رابط ة وس ط‬
‫صحراء بكماء ال مير فيها إال قطار ليلي متباطئ؟‪.‬‬

‫هن ا جند عالق ة املك ان بالزم ان حيث أن هن اك املك ان املتخي ل " وس ط ص حراء بكم اء " وارتباط ه‬
‫بالزمان متخيل يوضح طول الوقت يف قطار متباطئ " قطار ليلي متباطي" ‪.‬‬

‫‪ -‬ويف رواية القمر واألسوار جند الراوي يقول « توقف في رأس الجسر قرب مظلة شرطي المرور‬
‫فاسحا المجال لقطيع من األغنام ورعاته ليعبر قبله موصال رحلة العودة من الصحراء بعد أن‬
‫‪3‬‬
‫مكث فيها طيلة أيام الشتاء»‬
‫‪ -‬هن ا يظه ر التالزم والتالص ق املس تمر لعنص ري الزم ان فنج د أن عزي ز اس تيقظ من تأمالت ه وتوق ف‬
‫بع دها يف " رأس الجسر" مث مواص لته لرحل ة الع ودة من الص حراء بع د أن مكث فيه ا طيل ة "أي ام‬
‫الشتاء"‬
‫‪ -‬ويف النص الس ردي املوس وم ب "الوشم" يتواص ل متازج وارتب اط الزم ان باملك ان وه ذا م ا يوض ح‬
‫العالقة املتينة بني هاذين العنصريني‪ ،‬ويظهر هذا يف قول الراوي يف هناية رواية الوشم «إنني مسافر‬
‫غ دا إلى الك ويت‪ ،‬لق د اس تقلت من الجري دة والش ركة وس أبدأ حي اتي هن اك من جدي د» ‪.4‬‬
‫ارتبط هنا الزمان باملكان عندما أخرب كرمي النصريي مرمي بأنه "غدا" سيسافر إىل "الكويت"‪.‬‬

‫‪ - 1‬رواية القمر واألسوار‪ ،‬ص‪.14‬‬


‫‪ - 2‬رواية الوشم‪.‬ص‪.94‬‬
‫‪ 3‬القمر واألسوار‪ ،‬ص‪.176‬‬
‫‪ - 4‬الوشم ‪ ،‬ص ‪.106‬‬

‫‪45‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -‬جند كذلك يف هناية رواية القمر واألسوار تداخل الزمان باملكان حيث يقول الراوي عندما أخرب‬
‫كام ل عمت ه مبا توص ل إلي ه حيث جنده يق ول « انن ا في معرك ة معهم وعلين ا أن نخوض ها إلى‬
‫النهاية‪ ،‬هذا ما توصلت إليه في هذه األيام األربعة التي أمضيتها في سجنهم»‪.1‬‬
‫‪ -‬من هذا القول جند وجود فضاء واقعي وهو" السجن" فالسجن مكان يوحي إىل الضيق والعزلة‬
‫واملعيشة املريرة وارتباطه مبدة زمنية معينة وهي مدة "أربعة أيام"‪.‬‬

‫ان احلديث عن الزم ان واملك ان ق د الح يف األف ق من ذ أزل بعي د فك ل إنس ان على وج ه املعم ورة‪،‬‬
‫يكون الب ّد قد عاش يف زمان ما وقطن يف مكان ما شاء أم أىب‪ ،‬فلذلك اهتم هبما النقاد واحملدثون‬
‫على مر العصور ملا لعالقتهما الوثيقة يف جمال العلم واملعرفة‪.‬‬

‫ومن األلوان األدبية اليت حتدثت عنهما " العمل الروائي" الّذي يعد قصة طويلة جدا تروي أحداث‬
‫ال ختلو من مكان وزمان معينني‪.‬‬

‫ولرواي يت " الوش م – القم ر واألس وار" لعب د ال رحمن مجي د ال ربيعي حض ورا قويا وب ارز هلذين‬
‫العنصرين " املكان الزمان" فنجد أن هناك اتساقا وانسجاما تاما ووثيقا‪ ،‬فيظهر يف مستهل رواية‬
‫الوشم اذ يقول الربيعي «تنفس كريم الناصري هواء الشارع بعد اختناق عريض سبعة شهور‬
‫‪2‬‬
‫جائرة طوقته بدقائقها ورعبها وهرست منه الدم والعظم واألعصاب»‬

‫‪-2‬عالقة المكان بالشخصية‪:‬‬

‫مل يقتص ر دور املك ان يف نظ ر الب احثني على البع د اجلغ رايف فق ط‪ ،‬ب ل تع داه إىل أك ثر من ذل ك‬
‫فاملكان له عالقة مبكونات السرد األخرى ومن بني هذه املكونات جند الشخصية‪ ،‬فللمكان عالقة‬
‫باإلنسان وهذا ما أكده "غاستون باشالر" عندما حتدث عن املكان وعالقته باإلنسان يف قوله «‬
‫إن المكان الّذي ينجذب نحو الخيال ال يمكن أن يبقى ال مباليا ذا أبعاد هندسية وحسب فهو‬
‫قد عاش فيه بشر ليس بشكل موضوعي فقط بل كل في الخيال من تمييز»‪.3‬‬

‫‪ - 1‬القمر واألسوار‪ ،‬ص‪.333‬‬


‫‪ - 2‬رواية الوشم‪ ،‬ص‪7‬‬
‫‪ - 3‬غاستون باشالر‪ ،‬مجاليات املكان‪ ،‬تر‪ :‬غالبا هلسا‪ ،‬ط‪ ،1994 ،1‬ص ‪.31‬‬

‫‪46‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫من قول باشالر تظهر العالقة الوطيدة بني املكان والشخصية فاملكان «كائنا حيا يمارس حركية‬
‫في الخطاب يؤثر بباقي المكونات الروائية خاصة الشخصية»‪. 1‬‬

‫‪ -‬إن لك ل شخص ية وظيفته ا اخلاص ة والب د من أن تك ون وظيف ة الشخص ية يف مك ان م ا ل ذا ف إن‬


‫للمكان والشخصية عالقة متالزمة وهذا ما يؤكد عليه سعيد حوارنية « للمكان حضور فاعل‬
‫في حي اة ك ل شخص ية فه و الّ ذي يث ير فيه ا إحساس ا م ا بالمواطن ة‪ ،‬وإحساس ا آخ ر ب الزمن‬
‫وبالمحلية حتى لتحسبه الكيان الّذي ال يحدث شئ بدونه‪ ،‬فكان واقعا رمزا‪ ،‬تاريخا قديما‬
‫وآخر معاصرا شرائح وقطاعات ومدن وقرى حقيقية‪ ،‬وأخرى مبنية من الخيال كيان تتلمسه‬
‫‪2‬‬
‫وتراه وكونا مهجورا غرفته سديمات ال نهاية لها»‬

‫ومن خالل ذلك فان الشخصيات تقوم بالعديد من األدوار داخل العمل الروائي ويف هذا الصدد‬
‫يقول حميد الحميداني‪« :‬ما هو أساسي فيه‪ ،‬هو األدوار التي تقوم بها الشخصيات‪ ،‬فعن هذه‬
‫األدوار ينش أ المع نى الكلي للنص‪ ،‬وه ذا ه و س بب تح ول الش كالنيين والبن ائين مع ا إلى‬
‫االهتم ام بالشخص ية الحكائي ة من حيث األعم ال ال تي تق وم به ا‪ ،‬أك ثر من االهتم ام بص فتها‬
‫ومظاهرها الخارجية»‪.3‬‬

‫الب د أن ت ؤدي الشخص يات أدواره ا يف أم اكن حمددة‪ ،‬وه ذا ي بني أن للمك ان دور يف حي اة‬
‫الشخصيات‪.‬‬

‫مل تعد للشخصية تلك األمهية والقداسة بعد تطور املناهج النقدية املعاصرة فرتاجعت مكانتها بني‬
‫املكونات السردية األخرى ( املكان الزمان‪ ،‬احلدث)‪ ،‬لذلك جند بعض الروائيني مل يكلفوا أنفسهم‬
‫عن اء اعط اء اس م هلا وه ذا م ا توض حه ن اتلي س اروت يف قوهلا « الشخص ية لم تع د الي وم س وى‬
‫ظالله ا‪ ،‬وال روائي يمنحه ا من وراء قلب ه ك ل م ا يمكن أن يريحه ا بس هولة ش كل جس دي‪،‬‬
‫حرك ات‪ ،‬أفع ال‪ ،‬أحاس يس‪ ،‬مش اعر فياض ة‪ ،‬وكله ا أش ياء مدروس ة ومعروف ة من ذ زمن بعي د‪،‬‬

‫‪ - 1‬الشريف حبيلة‪ ،‬بنية اخلطاب الروائي‪ ،‬دراسة يف روايات جنيب الكيالين‪ ،‬عامل الكتاب احلديث‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪ ،2010 ،1‬ص‪.191‬‬
‫‪ - 2‬سعيد حوارنية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪ - 3‬محيد احلميداين‪ ،‬بنية النص السردي من منظور النقد األديب‪ ،‬ص ‪.52‬‬

‫‪47‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫تساعد على إعطاءه بشكل جيد مظهر الحياة‪ ،‬وتمنح للقارئ قناعة مريحة‪ ،‬حتى االسم الّذي‬
‫يحتاج إليه كضرورة‪ ،‬يعد لباسا غربيا بالنسبة للشخصية»‪.1‬‬

‫يتضح ابتعاد الروائيني عن االهتمام بالشخصية ‪ ،‬وأن األمساء هلذه الشخصيات غرضه التمييز بينها‪،‬‬
‫وأن الروائيني إذا اهتموا بالشخصية فذلك يسكون من باب الضرورة الفنية‪.‬‬

‫وهكذا تتضح العالقة الوطيدة بني املكان والشخصية الروائية يف رواية الربيع حيث تنوع األمكنة‬
‫وتعددت ومن بني هذه األمكنة جند‪:‬‬

‫المدينة‬ ‫‪‬‬

‫إذا نظرن ا يف رواي ة الوش م س نجد متاث ل يف توظي ف املك ان حيث تن وعت األم اكن وتع ددت وفق ا‬
‫لألحداث املسرودة حيث جند مدينه العراق حاضرة بكل صورها يف رواية الوشم يقول الراوي‪:‬‬
‫«عندما وضع جسده في القطار الصاعد إلى بغداد قال له حسون لسلمان أتمنى أن تصحو يا‬
‫كريم وان تعود إلي بأقرب وقت» ‪.2‬‬

‫نالح ظ تغ ري املك ان يف خي ال شخص ية بط ل الرواي ة‪ ،‬فتخلي ه حلي اة جدي دة يف بغ داد دفع ه للس فر‬
‫وركوب القطار‬

‫تظهر العالقة بني الشخصية واملكان جليا يف هذا املقطع‪ ،‬فبغداد متثل راحة النفسية وحياة أحسن‬
‫بالنس بة لشخص ية "ك رمي الناص ري" فهي ك انت مبثاب ة ال وكر قص دها ك رمي الناص ري لالختب اء يف‬
‫زمحة شوارعها‪ ،‬فبغداد رمز لألمان إبان احلقبة العصبية من التاريخ السياسي للعراق‪.‬‬

‫فالقطار معرب وجسر يتيح تغري األجواء واالنتقال من مكان "الناصرية" إىل آخر "بغداد" حبثا عن‬
‫الراحة والطمأنينة واالستقرار النفسي‪.‬‬

‫جند ك ذلك حض ور املدين ة يف رواي ة "القم ر واألس وار" وذل ك عن دما حتدث ال راوي عن انتف اض‬
‫قلب الق اهرة يق ول «ش ملت المدين ة موج ة من الف رح بهتت أمامه ا ك ل المص ائب واألح زان‬

‫‪ - 1‬ساروت ناتلي‪ ،‬عصر الشك‪ ،‬تر‪ :‬فتحي العشري‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،2002 ،1‬ص‪.43‬‬
‫‪ 2‬الوشم ‪ ،‬ص‪07‬‬

‫‪48‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫القديم ة عن دما انتفض قلب الق اهرة الع ربي وأس قط النظ ام الملكي‪ ،‬هن اك وب دأ المواطن ون‬
‫بإظهار فرحهم متحدين السلطة وأجهزتها ومخابريها وقاموا بتوزيع الحلوى والمبردات»‪.1‬‬

‫من خالل هذا القول جند أن مدينه القاهرة كانت متثل حالة حزن بالنسبة لشخصيات هذه املدينة‬
‫وذلك بسبب النظام احلاكم‪ ،‬وبعد االنتفاضة حتول قلب املدينة إىل مكان للسعادة والفرح حيث‬
‫مت توزيع احللوى وعمت الفرحة جلميع الشخصيات‪.‬‬

‫اندملت اجلراح يف مصر بعد سقوط النظام امللكي فاملكان والشخصيات هلا من األواصر والروابط‬
‫م ا ال يس تهان ب ه والعالق ة هن ا عالق ة أمن نفس ي داخلي فس قوط ه و مبثاب ة ميالدي جدي د وهتيئ ه‬
‫جديدة ‪.‬‬

‫‪ ‬الشاطئ ‪:‬‬

‫وهو من األماكن املفتوحة اليت وردت يف الرواية فالشاطئ مكان يقصده الناس للسباحة وللتسلية‬
‫والراح ة وص فاء ال ذهن ونلمح ه ذا يف رواي ة الوش م فق د ع اد املك ان باالجياب على الشخص ية‬
‫الرئيسية حيث كان يقصد كل من "كرمي الناصري" و"أسيل عمران" بغرض التنزه فتذكر "كرمي"‬
‫الشاطئ جاء بعد ضيق صدره وتذكره للمكان غري من مزاجه «وشعرت برغبة في مالمستي يد‬
‫ي أس يل عم ران‪ ....‬وك انت ال زوارق الرياض ية تنطل ق مرح ه من المس بح الطل بي ف أتمنى ل و‬
‫‪2‬‬
‫كنت واحده من اشق صدر الفرات النائم» ‪.‬‬

‫كان شاطئ الفرات املرجع األساسي ألنست كرمي الناصري فيظهر جليا أن هلذا املكان تأثريا كبريا‬
‫على شخصية كرمي يف الرواية‪ ،‬أما الوظيفة السردية هلذا املكان يف رواية الوشم فتكمن يف كونه‬
‫املوقع األساس لصفاء الذهن والراحة النفسية‪ ،‬وذلك ملا توفره طبيعة هذا املكان من راحة‪ ،‬فعاد‬
‫باإلجياب على شخصية الكرمي الناصري وتذكره أدى به للوصول إىل األفضل‪.‬‬

‫ويظهر شاطئ يف رواية القمر واألسوار يف قول الراوي «بعد أن غادر عزيز المقهى ماشى باتجاه‬
‫النه ر‪ ،‬وجلس بعض ال وقت على اح د المس اطب‪ ،‬وراقب من بعي د العم ال ال ذين يواص لون‬

‫‪ 1‬القمر واألسوار ‪ ،‬ص ‪256‬‬


‫‪ 2‬الوشم‪ ،‬ص‪30‬‬

‫‪49‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫تشيد الجسر الجديد‪،‬كما أنصت إلى أغاني الصيادين البعيدة وهم يسحبون شباكهم الكبيرة‬
‫إلى الشاطئ‪ ،‬تنفس ملئ صدره فأحس براحه عميقة»‪.1‬‬

‫يظهر جليا من هذا املقطع أن الشاطئ متنفس لشخصية "عزيز" ففي الشاطئ يفرغ وحدته ويتأمل‪،‬‬
‫وه ذا دفع ه إىل اإلحس اس براح ه عميق ة‪ ،‬فالش اطئ ل ه ت أثري على نفس ية "عزي ز" متثلت يف ش عوره‬
‫بالراحة‪.‬‬

‫‪ ‬المقهى ‪:‬‬

‫املقهى فضاء اللقاءات العفوية واملخطط هلا مما جيعله الفضاء األكثر قدرة على احتواء الشخصيات‬
‫واألحداث واألفكار‪ ،‬فهو املكان األكثر شعبية واكتظاظ‪ ،‬على مدار اليوم فهو حيمل بعدا مجاليا‬
‫وداللي ا‪ ،‬باإلض افة إىل كون ه ج زء من تركيب ة املدين ة‪ ،‬ي وحي يف كث ري من األحي ان‬
‫باهلروب‪/‬العبور‪/‬التأمل وهو شاهد عيان على أوضاع شرحية كبرية من اجملتمع تلجأ إليه حبثا عن‬
‫اهلدوء ‪/‬االنزواء‪ /‬تبادل األفكار وأخريا إضاعة الوقت بني الدردشة واالستماع أو التسلية مبمارسة‬
‫لعبة من األلعاب‪.2‬‬

‫رواييت عبد الرمحن جميد الربيعي جند يف رواية" القمر واألسوار" حضور املقهى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وقد جتلى املقهى يف‬
‫يقول الرواي‪ « :‬شعرت بالقرف فجأة لم أرى على الشاطئ وجه إمرأة واحدة ماعدا عجوز‬
‫تستجدي ‪ -‬هذا المقهى أصبح محور لنا إننا ندور ثم نعود»‪. 3‬‬

‫فاملقهى هنا هو مكان لتمديد الوقت وتبادل املوضوعات بني "عزيز" وصديقه "عبد اهلل" فاملقهى‬
‫حمور أساسي لكل من عزيز وعبد اهلل ‪.‬‬

‫نالحظ تنافر شخصية عزيز من املقهى‪ ،‬فهنا املقهى مكانا للتأمل[الشاطئ]فهو مبثابة برج املراقبة‬
‫هلاتني الشخصيتني فاملقهى مكان جلأ إليه "عزيز" للهروب من الواقع وحماولة االحتماء‬

‫‪ 1‬القمر واألسوار‪ ،‬ص ‪217-216‬‬


‫‪ 2‬هدية مزرق‪ ،‬مجاليات القصة القصرية بني النظرية والتطبيق‪ ،‬دار هباتايا للنشر‪ ،‬د ب ‪ ،‬ط‪ ،2013 ،1‬ص ‪267‬‬
‫‪ 3‬القمر واألسوار ‪ ،‬ص‪26‬‬

‫‪50‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫عالق ة الشخص ية ب املقهى متثلت يف وص ف اجلانب النفس ي والت ذمر لشخص ية "عزي ز" فك انت‬
‫ف األول عالق ة تالزمي ة بني الشخص ية عزي ز واملقهى مث أص بحت عالق ة تن افر بع د ت ذمر عزي ز‬
‫وشعوره بالقرف‪.‬‬

‫املقهى يف رواية الوشم ظهر جليا عندما جلأ إليه الناصري حبثا عن اهلدوء واألمان حماوال التخلص‬
‫من املاض ي امللطخ باهلزمية وحماوال البحث عن ذات ه‪ ،‬يق ول ال راوي ففي «زحم ة المقهى أراد‬
‫الناصري أن يجد نفسه ويتخلص من ماضيه الملطخ بالهزيمة واالنكسار‪ ،‬بعد أن أحس شيئا‬
‫في داخله قد نسف»‪.1‬‬

‫فاملقهى هنا مل يستخدم للهو وال لتضييع الوقت بل الذهاب إليه كان من أجل االن زواء وحماولة‬
‫البحث عن ال ذات‪ ،‬ف الربيعي نظ ر للمقهى بعني سيس يولوجية ف املقهى هن ا مبثاب ة امللج أ جلأ إلي ه‬
‫الناصري عندما أحس بضيق صدره‪.‬‬

‫نالحظ هنا أن املقهى مكان لنسيان اهلزمية واالنكسار ‪،‬كما أنه مكان جلأ إليه الناصري حبثا عن‬
‫الطاقة االجيابية يف نفسيته ‪.‬‬

‫البيت‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫البيت مملكة اإلنسان اليت ميارس فيها حياته ووجوده‪ ،‬ويشعر بذاته فيه وضمن تركيبة البيت املكانية‬
‫تتجسد تركيبة املشاعر وتركيبة األفعال‪.2‬‬

‫ظه ر يف ه ذه الرواي ة اس تخدام ال بيت حيث أعلن العري ف "مظه ر" مبغ ادرة ال بيت ويق رر بيع ه‪،‬‬
‫«سأبيع بيتي قبل أيام دفعوا لي مئتي دينار‪ ،‬سأشتري قطعه أرض في الجهة األخرى من النهر‬
‫أب ني فيها بيتا ص غيرا وبم ا يتبقى أب ني دكانا‪....... .‬ولما العجلة ‪.........‬أرى المرح وم في‬
‫كل مكان من البيت‪ ،‬وأمه كذلك إنها كالمجنونة وتصرخ أبعدني عن هذا المكان»‪.3‬‬

‫يعد البيت بؤرة إشعاع قائمة على تشكل اجلانب النفسي لإلنسان بآماله وطموحاته وتفرده عن‬
‫اآلخر وهكذا يصبح البيت أهم مكان تتجلى فيه األلفة بني أفراد العائلة ‪ ،‬كما أن البيت يوفر لنا‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬الوشم‪ ،‬ص ‪07‬‬


‫‪2‬ياسني النصري‪ ،‬إشكالية املكان يف النص األديب‪ ،‬دار الشؤون الثقافية‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط‪ ،1986 ، 1‬ص ‪71‬‬
‫‪ 3‬القمر واألسوار‪ ،‬ص ‪166‬‬

‫‪51‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫احلماي ة ألحالمن ا وأه دافنا‪ ،‬وه ذا م ا مل جنده يف رواي ة "القم ر واألس وار"‪ ،‬ف البيت مل يص بح مبعث‬
‫للطمأنينة والراحة للساكنني بل باعثا للرعب والذعر‪ ،‬جراءه وفاة ابن العريف ونظرا ملا حييط هبذا‬
‫املكان من ظروف وأجواء مأساوية‪ ،‬قرر العريف بيعه ومغادرته‪.‬‬

‫نالحظ عالقة تنافر وهروب قائمة بني املكان وساكنيه أي البيت الّذي فيه ذكريات املرحوم‪ ،‬هذا‬
‫األمر الّذي دفع سكانه إىل هجرته وبيعه‪.‬‬

‫كما أسلفنا سابقا أن البيت مملكة اإلنسان الّذي ميارس فيها وجوده وحياته ‪ ،‬ويشعر بذاته ففي‬
‫رواي ة الوش م ج اء ال بيت هبذا االنطب اع حني ت ذكر "الناص ري" دخول ه لل بيت م ع أس يل عم ران‬
‫فتذكره للبيت كان نتيجة الغربة واالضطرابات النفسية اليت حيسها داخل املعتقل‪ ،‬يقول الراوي‪:‬‬
‫«ك انت تل ك أول م رة اجتم ع فيه ا م ع أس يل بين ج دران أربع ة في غرف ة موص دة الب اب‬
‫‪....‬فارتسم في رأسي ذلك األمان البيتي الفقيد»‪. 1‬‬

‫نالح ظ عالق ة تن افر وه روب من الواق ع املع اش [املعتق ل] واهلروب إىل مك ان األم ان [ال بيت] يف‬
‫ذاك ره "ك رمي الناص ري" ف البيت في ه ذكري ات حل وة وأمن وه ذا م ا دف ع "ك رمي" لت ذكره فبت ذكره‬
‫البيت شعر باألمان‪.‬‬

‫يظهر حنني شخصية "هاتف" ملنزله ومسقط رأسه ومنبت الطفولة‪.‬‬

‫مل تكن ه ذه األمني ة تس كنه وحي دا ب ل هي يف الواق ع أمني ة وال ده أيض ا‪ ،‬فاملك ان ل ه ارتب اط كب ري‬
‫باإلنسان إذ أنه يعد منوذجا هلويته وأصالته فاملكان والشخصيات هلا من األواصر والروابط ما ال‬
‫يستهان ب ه‪ ،‬فالعالق ة بينهم ا هي عالق ة الول د بأم ه‪ ،‬وال يس تطيع الول د أن ميضي يق دما م ا مل يكن‬
‫هناك اتصال قوي (روحاين‪-‬واقع) فال ميكن ألي شخصية التفريط يف مكاهنا‪.‬‬

‫العالق ة الثاني ة عالق ة أمن النفس ي داخلي ف العودة إىل "الس ماوة" ه و مبثاب ة بعث جدي د وهتيئ ة‬
‫جديدة‪ ،‬ويف الرواية نلمس ذلك اخليط الرفيع يف حنني شخصية "هاتف" وحنني والده ويظهر هذا‬
‫يف الرواية «أفكر في العودة إلى السماوة من جديد إنها مسقط رأسي وكان والدي يحلم بأن‬
‫يعود إليها»‪ ، 2‬فالرجوع إليها كان متخيال فقط ‪ ،‬ومنه ميكن إدراج املخطط التايل‪:‬‬

‫‪ 1‬الوشم‪ ،‬ص ‪58-57‬‬


‫‪ 2‬القمر واألسوار‪ ،‬ص‪277‬‬

‫‪52‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫حياة‬ ‫رجوع غري حقيقي‬

‫موت‬ ‫استقرار يف الغربة‬

‫ومن خالل ه ذا املخط ط نس تنتج أن املوتى الف يزيولوجي مل يتم بينم ا املوت املعن وي ق د مت‪،‬‬
‫والرجوع مل يتم ولكن يف املتخيل قد مت‪ ،‬فعالقة الشخص باملكان عالقة موت وحياة‪.‬‬

‫‪-3‬عالقة المكان باألحداث‪:‬‬

‫مفهوم الحدث‪ :‬يعد احلدث أساس الرواية فهو مبثابة العمود الفقري اجململ للعناصر السردية يف‬
‫اخلطاب األديب ( الزمان – املكان – الشخصيات) « هو عبارة عن مجموعة أفعال ووقائع مرتبة‬
‫ترتيبا سببيا‪ ،‬تدور حول موضوع وتصور الشخصية وتكشف عن أبعادها‪ ،‬وعملها له معني‪،‬‬
‫كما تكشف األحداث عن صراع الشخصيات األخرى وهي المحور األساسي الّذي ترتبط به‬
‫باقي عناصر القصة ارتباطا وثيقا»‪ ،1‬فاحلدث ميثل الركيزة األساسية يف الرواية أو القصة‪ ،‬واحلدث‬
‫هو ترتيب جمموعة من األفعال والوقائع وفق تسلسل زمين أي ارتباط فعل بزمن كما‪ ،‬كما يقتضي‬
‫احلدث وجود إطار مكاين معني‪.‬‬

‫ويع د احلدث أهم عنص ر يف العم ل الس ردي ففي ه تنم و املواق ف وتتح رك الشخص يات " واحلدث‬
‫ال روائي ليس كاحلدث ال واقعي متام ا يف احلي اة اليومي ة"‪ ،‬وان انطل ق أساس ا من الواق ع ذل ك ألن‬
‫الروائي حني يكتب رواتيبة خيتار من األحداث احليائية ما يراه مناسبا لكتابة روايته‪ ،‬كما أنه حيذف‬
‫ويضيف وينتقي من خياله الفين وخمزونه الثقايف‪ ،‬ما جيعل احلدث الروائي شيئا آخر‪ ،‬ال جند له يف‬
‫واقعنا املعاش صورة طبق األصل‪.2)...‬‬

‫ان املك ان يف الرواي ة وع اء لك ل م ا يتعل ق بالشخص يات من أفع ال وحرك ات وه و ب ذلك جماال‬
‫للعالقات بينها‪ ،‬فاملكان يف الرواية يأثر تأثري كبري يف شخصياهتا يقول ياسين النصير « المكان في‬
‫العم ل الف ني شخص ية متماس كة‪ ،‬ومس افة مقاس ة بالكلم ات‪ ،‬ورواي ة ألم ور غ ائرة في ال ذات‬

‫‪ - 1‬صبيحة عودة زغرب‪ ،‬غسان كنفاين ( مجالية السرد يف اخلطاب الروائي)‪ ،‬دار جمدالوي‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪ ،1996 ،1‬ص ‪.37‬‬
‫‪ -2‬آمنة يوسف‪ ،‬تقنيات السرد يف النظرية والتطبيق‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،2015 ،2‬ص ‪.37‬‬

‫‪53‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫االجتماعية‪ ،‬ولذا ال يصبح غطاء خارجيا أو شيئا ثانويا‪ ،‬بل هو الوعاء الّذي تزداد قيمته كلما‬
‫كان متداخال بالعمل الفني»‪.1‬‬

‫ويرتبط اإلنسان ارتباط وثيقا باملكان‪ ،‬فأقصى عقبات لإلنسان وأشده هو الطرد من املكان الّذي‬
‫حتقق فيه إىل مكان آخر مل يألفه وال يعرفه يقول خضر محجز « إن إدراك اإلنسان للمكان هو‬
‫ادارك حس ي مباش ر ط ول الحي اة‪ ،‬فوج ود اإلنس ان للمك ان ال يتحق ق إال من خالل عالقت ه‬
‫بالمكان‪ ،‬وعلى قدر إحساسه بهذه العالقة يكون إحساسه بذاته»‪.2‬‬

‫يتضح أن إحساس اإلنسان بذاته ال يتحقق إال من خالل وجود املكان الّذي ينتمي إليه‪.‬‬

‫إذن جند أن احلث أهم عنص ر يف العم ل الس ردي وأن احلدث ال روائي ليس كاحلدث ال واقعي‪ ،‬وان‬
‫انطلق أساسا من الواقع فالروائي يتصرف يف حبك أحداث الرواية ويف تسلسلها الزمين‪ ،‬كسرده‬
‫لألحداث بشكل خطي ( الطريقة التقليدية‪ ،‬أو تقنية السرد احلديثة الفالش باك)‬

‫ونستطيع القول أن عنصر احلدث ال يقل أمهية عن غريه فهو الرابط األساسي بني عناصر السرد‪ ،‬إذ‬
‫ال قيم ة للزم ان واملك ان والشخص يات من دون ه‪ ،‬فبعب ارة أبس ط ه و الش ريان الّ ذي يض خ حبي اة‬
‫العناصر األخرى‪ ،‬كما أنه حيافظ داخل الرواية على ترتيب حبكة الرواية ويتحكم يف أدوار العناصر‬
‫األخرى ويبني أمهيتها‪.‬‬

‫ف أي إب داع س واء ك ان قصص ي أم روائي أو أي فن من الفن ون س واء الس ينمائية أو املس رحية ال‬
‫تستغين عن هذا السكون اجلوهري فهو يشكل صرحا فسيحا يسمح للشخصيات بالدرجة األوىل‬
‫وباقي العناصر بدرجات متفاوتة أن تتحرك بداخله‪ ،‬وكما قالت أمساء شاهني يف كتاهبا "مجاليات‬
‫املكان يف رواية جريار إبراهيم جرار" تقول " حيتاج إىل مكان للدور وتتحرك فيه الشخصيات وال‬
‫يهم إذا كان املكان حقيقيا أو خياليا"‪ ،3‬وكما أن هذا الصرح كما قلنا وصرحنا سابقا جيب أن‬
‫نعرف أين جيري هذا العنصر أي علينا الكشف أين تكمن مجاليته ووظيفته املنوطة؟‬

‫حىت ال نغوص كثريا يف حبار التعريفات وننته إىل الوجهة املنشودة‪.‬‬


‫‪ - 1‬ياسني النصرية‪ ،‬الرواية واملكان‪ ،‬سلسلة املوسوعة الصغرية‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،1986 ،‬ص‪.17‬‬
‫‪ - 2‬خضر حمجرة‪ ،‬تقنيات السرد الروائي‪ ،‬حمتوى الشكل وأمناط الراوي يف ثالثية السرد عبد الرمحن منيف أرض عطية للنش ر والتوزيع‪ ،‬غ زة ‪،‬‬
‫فلسطني‪ ،‬ط‪ ،2014 ،1‬ص‪.203‬‬
‫‪ - 3‬أمساء شاهني‪ ،‬مجاليات املكان يف رواية حربا ابراهيم جربا‪ ،‬دار الفرارس‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪ ،2001 ،1‬ص‪.11‬‬

‫‪54‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫جيب التقييد أو الرتكيز على عالقة املكان باحلدث ذات طبيعتني أوالمها هي الوظيفة اليت تربطهما‬
‫معا‪ ،‬أو باألحرى هي عالقة الفعل باملفعول عليه‪ ،‬فاملكان بالنسبة للحدث ميثل األرضية أو امليدان‬
‫الّ ذي يق ع علي ه احلدث وكم ا أش ارت قبال ال دكتورة أمساء ش اهني " عن ال أمهي ة ك ون املك ان‬
‫حقيقي أم مستحيل‪.‬‬

‫أم ا الطبيع ة الثاني ة ال يت تربطهم ا فهي الش عرية مبا أن احلدث ليس ل ه اس تقاللية عن املك ان وظيفي ا‪،‬‬
‫فجماليا أيضا ال يستغين عنه‪ ،‬فهو مبثابة شجرة تنبت يف أرضية عنصر املكان تعطي مثارها (وظيفيا)‬
‫ومتتع البصر (مجاليا )‪.‬‬

‫وكما أشار عليهما سلفا الدكتور حسن بحراوي حني قال « ان بناء املكان الروائي يبدو مرتبطا‬
‫خبطية األحداث‪.1»....‬‬

‫من املس لم ب ه أن أي عم ل روائي أو ب األحرى أي عم ل س ردي يب ىن على فع ل أو جمموع ة من‬


‫األح داث (األفع ال ال يت تش كل العم ل ال روائي ) واحلدث ي ؤدي إىل تغي ري أم ر أو خل ق حرك ة أو‬
‫إنتاج شئ حيث جند زيتوني لطيف «يعرف الحدث بقوله "يمكن تحديد الحدث في الرواية‬
‫بأن ه لعب ة ق وى متواجه ة‪ ،‬أو متحالف ة‪ ،‬تنط وي على أج زاء تش كل ب دورها ح االت محالف ة أو‬
‫مواجهة بين الشخصيات»‪.2‬‬

‫واألح داث يف الرواي ة هي الرواي ة هي جمموع ة من األفع ال ال يت تق وم هبا الشخص يات وه ذا م ا‬


‫رواييت "الوشم – القمر واألسوار" لعبد الرحمن مجيد الربيعي ويف‬
‫ّ‬ ‫سنوضحه من خالل دراسة‬
‫الروايتني استخرجنا العالقة ب املكان والزمان‪ ،‬فاألمر نفسه بالنسبة لثنائية املكان واألحداث‪ ،‬ألن‬
‫أي حدث يرتبط بالضرورة مبكان يقع فيه سواء كان هذا املكان اختياري أو إجباري أو حىت من‬
‫قب ل املص ادفة ويف الرواي تني جند العدي د من األمثل ة منه ا‪ :‬ق ول ال راوي يف مس تهل رواي ة "القم ر‬
‫واألس وار" «ب دأ حمي د بفتح حزام ه الجل دي الع ريض ذا الخنج ر المفض ض‪ ،‬ثم ألق اه على‬
‫س ريره المص نوع من جري د النخ ل‪ ،‬ورف ع العق ال والبش ماع من ف وق رأس ه ورماهم ا على‬
‫السرير أيضا»‪.3‬‬

‫‪ - 1‬حسن حبراوي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.29‬‬


‫‪ - 2‬زيتوين لطيف‪ ،‬معجم مصطلحات نقد الرواية‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬لبنان ناشرون‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،2002 ،‬ص‪.74‬‬
‫‪ - 3‬القمر واألسوار‪ ،‬ص‪.09‬‬

‫‪55‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يف استهالل الرواية ويف هذا املقطع بالتحديد وقعت عدة أحداث لشخصية‬

‫واحدة داخل مكان واحد وهو الغرفة‪ ،‬فهنا وككل ما وجدناه داخل الرواية‪ ،‬قاسم مشرتك وهو‬
‫التعدد يف األحداث مع أحادية املكان‪ ،‬وهذا راجع لدقة املؤلف وميله للتفصيل‪ ،‬وأيضا براعته يف‬
‫احلف اظ على التسلس ل املنطقي لألح داث وتوزيعه ا يف املك ان املخص ص‪ ،‬وه و م ا جس د العالق ة‬
‫املتالزمة بني األحداث ومكان وقوعها‪ ،‬ففي هذا املقطع " املس تهل"‪ ،‬وقعت التفاصيل وفق تتابع‬
‫حقيقي معقول‪ ،‬من دخول شخصية محيد إىل الغرفة وما قام به من أحداث‪ ،‬فالغرفة هي املكان‬
‫املالئم لطبيعة ما قام به محيد‪ ،‬ففتح احلزام اجللدي‪ ،‬محل اخلنجر ورميه على السرير هو إحياء وتأكيد‬
‫على وج ود عالق ة راح ة واس رتخاء‪ ،‬بني الشخص ية واملك ان وطبيع ة املك ان بالض رورة هي من‬
‫حتكمت يف األحداث‪ ،‬فاملكان هذا مكان حقيقي وما وقع من أحداث حقيقية غري متخيلة‪ ،‬وطبيعة‬
‫املكان هادئة وأليفة‪ ،‬إذن الغرفة هنا هي مالذ الشخصية وتعترب ملجأ‪ ،‬فاألحداث اليت وقعت فيها‬
‫هي ال يت أثبتت وأك دت العالق ة وميكن الق ول أن البس اطة يف املك ان هلا دور يف ه دوء األح داث‬
‫فالس رير املصنوع من اجلري د ه و بس اطه ون زع العق ال والبيش ماغ‪ ،‬ورمي ه على الس رير ه و حدث‬
‫هادئ‪ ،‬فطبيعة األحداث واملكان كون لنا صورة على العالقة بينهما وتتسم هذه العالقة يف طليعتها‬
‫على اهلدوء واالستقرار‪.‬‬

‫والعالق ة الثاني ة ال يت تربطهم ا هي عالق ة البس اطة‪ ،‬وميكن من خالل ه ذه الطبيع ة القائم ة بني‬
‫األح داث واملك ان نكتش ف منط حي اة الشخص ية فهي عالق ة بره ان ب الرتاجع كم ا ج اء يف‬
‫الرياض يات‪ ،‬فاهلوي ة العربي ة ظه رت جلي ا من خالل اللب اس وبس اطة أث اث الغرف ة وه داوة ورزان ة‬
‫الطباع عند الشخصية العربية وهو ما نادى به أصحاب اجتاه النقد الثقايف أمثال املفكر العريب عبد‬
‫اهلل محمد الغذامي ‪.‬‬

‫‪ -‬إذن من خالل ه ذا املقط ع ال روائي ميكن الكش ف عن العالق ة املتحكم ة يف األح داث من خالل‬
‫املكان‪.‬‬

‫ويف طليع ة رواي ة "الوشم " «هن اك ت داخل مف اهيمي حيث تتش ابك العالق ة بين المك ان‬
‫واألحداث ويظهر في قول الراوي "تنفس كريم الناصري هواء الشارع بعد اختناق عريض‪،‬‬
‫سبعة شهور جائرة طوقته بدقائقها ورعبها وهرست منه الدم والعظم واألعصاب‪ ،‬خرج كريم‬

‫‪56‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الناصري سالما طويال ومبتسما يتفقد األصدقاء ويرد التحية على اآلخرين ويستقبل تهنئتهم‬
‫بمناسبة إطالق السراح»‪. 1‬‬

‫يف هذا املقطع أيضا ال يوجد خرق لألنظمة املنطقية بل حافظ املؤلف هاهنا على التسلسل املنطقي‬
‫هنا على التسلسل املنطقي بل واعتمده كآلية كالسيكية مل حياول فيها لفت االنتباه ألنه صب جل‬
‫اهتمام ه واألوص اف وكيفي ة إيص اهلا ال باحملاول ة يف التم يز اإلب داعي وهي نقط ة حتتس ب للمؤل ف‪،‬‬
‫ودلي ل ذلك أن ه جعل التبئ ري للمكان واألح داث على حساب الشخص ية‪ ،‬فاحلدث جاء متسلسال‬
‫بداية من خروج الشخصية " كرمي" من السجن وهو احليز املظلم املوحش إىل مشس احلرية خارج‬
‫القض بان وهن ا ميكن أن نقس م األح داث إىل قس مني‪ ،‬القس م األول احلج ز‪ ،‬الالحري ة‪ ،‬املعان ات‪،‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬اإلفراج‪ ،‬احلرية‪ ،‬السعادة‬

‫هذه الثنائيات الضدية هي من كشفت لنا عالقة املكان باألحداث فالقسم األول كان فيه الفضاء‬
‫مغلقا‪ ،‬واألحداث جلها مبنية على ثرثرة املساجني وطول املدة الزمنية سبعة أشهر ولدت أحداث‬
‫عنائية وشجارات بني املساجني‪ ،‬ومادام املكان كذلك فلنا أن نتخيل طبيعة األحداث داخل هذا‬
‫املكان املوحش‪.‬‬

‫ويف الطرف الثاين وهو خروجه وحترره جند تغيري األحداث وفق تغري املكان فقد حتولت املعانات‬
‫إىل س عادة وتغ ري األش خاص فبع د م ا ك ان وحي دا يف الزنزان ة وس ط املس اجني‪ ،‬فق د حتولت إىل‬
‫ابتسامات موزعة يف الشارع وسط األصدقاء واملهنئني‪.‬‬

‫فالعالقة بني املكان واألحداث حتكمها طبيعة متغرية حسب مكان التواجد إذن فالعالقة بني املكان‬
‫واألح داث هي عالق ة "ديناميكي ة وه دوء" (حري ة وحج ز)‪( ،‬ص مت وكالم) ‪( ،‬ابتس امة‬
‫واختناق)‪ ....‬فهذه الثنائيات الضدية هي من وطدت العالقة بني عناصر الرواية وهي من زادت يف‬
‫شعرية ومجالية النسج احلقيقي للمكان واحلدث‪.‬‬

‫وجند ك ذلك يف رواي ة " القم ر واألس وار" تالزم وتناص ق املك ان مبجموع ة من األح داث‪ ،‬حيث‬
‫نالح ظ وج ود جمموع ة من األح داث وقعت يف م نزل الش يخ علي حيث يت بني يف الرواي ة العالق ة‬
‫األس رية والتك اتف االجتماعي وتظه ر جمموع ة من األح داث املتمثل ة يف ضحك احلضور وسعاهلم‬

‫‪ - 1‬الوشم ‪ ،‬ص‪.31‬‬

‫‪57‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وأصوات ارتشاف القهوة وكذلك مهسات األوىل يف الباحة األخرى من البيت حيث يقول الراوي‬
‫«تجم ع الرج ال في باح ة م نزل الش يخ علي‪ ،‬يض ئ مجلس هم ف انوس تغطي مبع دة منهم ف وق‬
‫ص فيحة فارغ ة ‪ ....‬وك ان المجلس يعج بالض حك والس عال وأص وات ارتش اف في الجه ة‬
‫األخرى من باحة البيت تجمع األوالد وهم يتحدثون بهمس»‪.1‬‬

‫يف هذه الفقرة سلسلة من األحداث اليت وقعت يف مكان حمدد ( باحة األب األكرب) مشكلة التناغم‬
‫يف بناء هذه الفقرة من الرواية فهذا املكان املفتوح حسيا ومعنويا وروحيا مسح بأن تكون األحداث‬
‫ذات طبيع ة ودي ة بني أط راف ه ذه العائل ة‪ ،‬وق د وف ق ال راوي يف توزيعه ا املنطقي بني األط راف‬
‫املتسامرة‪ ،‬فتظه ر لن ا من خالل رؤية املؤلف هداوة األوالد يف مك اهنم األلي ف وطبيعة مواضيعهم‬
‫ال يت تعت رب أح داث عن اطمئن اهنم ففي موض وعهم املط روح وه و ال زواج والطالق عن شخص ية‬
‫(العريف) واحتسائهم للقهوة هو إحياء حقيقي لطمئنينهم يف مكاهنم الّذي جيمع مشلهم‪ ،‬فاملكان هنا‬
‫ك ان يبعث الراح ة يف نف وس احلاض رين إذن‪ :‬نستنتج أن طبيعة ه ذا احليز سامهت بدرج ة عالية يف‬
‫التحكم يف طبيع ة األح داث مثال ل و ك ان املك ان غ ري ه ادئ تش وبه املش اكل أس رية لرأين ا ب دل‬
‫ارتشاف القهوة كالم فادحا وأصوات متعالية ويدل اهلدوء يف تلك اجللسة لوجدنا أن البعض حيمل‬
‫عصا إليذاء اآلخر‪.‬‬

‫جند أن هناك اتساقا وانسجاما وثيقا وتاما بني عنصري املكان واألحداث ‪ ،‬حيث حافظ املؤلف يف‬
‫الرواية " القمر واألسوار" على التسلسل املنطقي‪ ،‬حيث نالحظ وقوع سلسلة من األحداث داخل‬
‫مكان واحد وهو اجلامع‪ ،‬وتنوعت هاته األحداث وهذا ما يربهن العالقة املتالزمة بني األحداث‬
‫واملكان وقوعها‪ ،‬وهذا ما جنده يف الرواية «‪ ...‬وكلنا آنذاك يثرثرون وهما يجلسان على مبعدة‬
‫من رواد الجامع اآلخرين‪ ،‬وقد أديا صالة الغروب‪ ،‬فمنحهما ذلك االطمئنان والرضى‪....‬‬
‫تصور حتى عباس كأنه حدس هذا الموت‪ ،‬والبارحة ارتمى على صدرها باكيا وهو يصرخ ال‬
‫‪2‬‬
‫تموتي مثل ياسر يا أمي»‬

‫نالحظ سري األحداث يف املكان املناسب فاجلامع هو املكان املالئم لتأديت الصالة والصالة تبث‬
‫الراحة النفسية وهذا ما شعر به حميد والشيخ حيث جند الراوي معربا وقد أديا صالة الغروب‪،‬‬

‫‪ - 1‬القمر واألسوار‪ ،‬ص صر‪94 ،93 ،92‬‬


‫‪ - 2‬القمر واألسوار‪ ،‬ص‪.203‬‬

‫‪58‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فمنحهما ذلك االطمئنان والرضى‪ ،‬مث جند مغادرة املصلني للجامع فاملكان هنا حقيقي وما وقع من‬
‫أح داث حقيقي وغ ري متخي ل ونالح ظ أالم وح زن شخص ية محي د وختوف ه من م وت زوجت ه‪،‬‬
‫ومساندة الشيخ له وطمأنينته له‪ ،‬مث مغادرة كل من الشيخ ومحيد للجامع‪ ،‬فاملكان يف القسم األول‬
‫مغلق واألحداث فيها مجيلة فأداء الصالة بث يف نفسهما االطمئنان والرضى ويف القسم الثاين وهو‬
‫مغادرهتم للجامع جند تغيري يف األحداث وفق تغري املكان‪ ،‬فقد حتول االطمئنان والرضى إىل ختوف‬
‫واختناق واألمل وانكسار‪.1‬‬

‫نس تطيع أن حنكم على نوعي ة احلدث من خالل التواج د داخ ل املك ان‪ ،‬فالق ارئ ميكن ه أن يس تنتج‬
‫األفق قبل وقوعه ألن املؤلف مل يعتمد تقنية كسر الطابوهات ( التوقعات) بل وحافظ على األفق‬
‫كما هو متعارف عليه عند شرائح اجملتمع وهذا ما جنده جمسدا يف رواية "القمر واألسوار" فيمكننا‬
‫توقع الطبخ بعد إشعال النار وميكننا معرفة أن الشخصية اجتهت لسقيفة الدار من أجل‪ ،‬اجناز عمل‬
‫ما وهو "قلي البيضة" حيث جند يف الرواية «وسحبت حسنة جسدها الصغير وخرجت متجهة‬
‫إلى السقيفة الواقعة في زاوية الدار‪ ،‬حيث يخزن الحطب المكون من سعف النخل وفضالت‬
‫الحيوانات واستخرجت الطباخ النفطي وأشعلته ثم بدأت تقلي البيضة»‪.2‬‬

‫براع ة املؤل ف يف وص فه لألح داث حيث يتض ح لن ا حي اة الفق ر من خالل نوعي ة احلطب وك ذلك‬
‫وصفه لسقيفة الدار‪ ،‬ومن خالل هذا املقطع يتبني لنا العالقة الالزمة بني األحداث واملكان فطبيعة‬
‫املكان هي من حتكمت يف األحداث‪.‬‬

‫يتواص ل االتص ال ال دميومي للمك ان ب األح داث يف رواي ة الوش م حيث وقعت جمموع ة من‬
‫األحداث الشخصية واحدة " كريم الناصري" يف مكان واحد وهو (المعتقل) وهذا املكان أجرب‬
‫على البقاء فيه وهذا ما يوضح ذكاء املؤلف وإبداعه حيث جند تسلسل منطقي وواقعي ( طبيعي)‬
‫لألح داث وتوزيعه ا يف مك ان خ اص هبا وه ذا م ا جس د العالق ة املتش ابكة بني األح داث ومك ان‬
‫وقوعها‪ ،‬وقد ورد يف الرواية « جسدي ممدد اآلن في هذا المعتقل المحتشد مع هؤالء الرجال‬

‫‪ - 1‬القمر واألسوار‪ ،‬ص‪.204‬‬


‫‪ - 2‬القمر واألسوار‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪59‬‬
‫عالقة المكان بمكونات السرد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ال ذين ال يتجانس ون مطلق ا في ثرث رتهم وش جارتهم الس ومية التافه ة‪ ،‬ولس ت أدرى كي ف‬
‫أنضوي تحت يافضة سياسية واحدة»‪.1‬‬

‫نالحظ وقوع سلسلة من األحداث يف فضاء مظلم وموحش كما نالحظ معانات الشخصية داخل‬
‫هذا احليز املغلق إال وهو "المعتقل" فهاته األحداث أزعجت بطل الرواية‪.‬‬

‫اختذ الربيعي من خطابه السردي منط حواري يتفاعل مع بنية النص وأحداثه ويظهر هذا يف رواية‬
‫الوشم عندما حاورا بطل الرواية جابر وأخربه أنه يريد البحث عن بدايات جديدة ويظهر هذا جليا‬
‫« كلما تأزمت األمور وتعقدت نهرب منها بحثا عن بدايات جديدة هربت من الناصرية إلى‬
‫بغ داد وس أهرب من بغ داد إلى الك ويت‪ ،‬وربم ا من هن اك إلى أبي ظ بي إلى أنق رة م ادمت‬
‫مطارد على الدوام»‪.‬‬

‫يف ه ذا املقط ع نالح ظ الواق ع املري ر الّ ذي عاش ه بط ل الرواي ة ألن ه مط ارد على ال دوام وهروب ه من‬
‫مكان إىل آخر حبثا عن االستقرار فقد هرب من الناصرية إىل بغداد‪ ،‬مث بدأت بتخيل الوجهات‬
‫اليت سيهرب إليها (من بغداد إلى الكويت – ومن الكويت إلى أبو ضبي أو أنقرة) جند تعدد‬
‫يف األماكن فمنحها املكان الّذي هرب اليه يف احلقيقة وهو االنتقال من الناصرية إىل بغداد ومنها‬
‫األم اكن ال يت ختي ل وق رر اهلروب اليه ا وهي الك ويت‪ ،‬أب و ظ يب أنق رة‪ ،‬احلدث واح د وه و ف رار‬
‫الشخصية من املطاردات املستمرة وهروبه من الواقع املرير‪ ،‬بسبب تأزم األمور‪.2‬‬

‫‪ - 1‬الوشم ‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪ - 2‬الوشم‪ ،‬ص ص ‪.115 -114‬‬

‫‪60‬‬
‫الخاتمة‬
‫الخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتمة‬
‫الخاتمة‬

‫‪-‬الرواية العراقية احلديثة قد تعرضت يف بعض مناذجها بكثافة شديدة ووعي متفاوت لظاهرة التغيري‬
‫املن وه ب ه‪ ،‬فرك زت اهتمامه ا اخلاص على بواعث ه التارخيي ة‪ ،‬مس تخدمة لتحقي ق ذل ك األس لوب‬
‫التحليلي يف تفسري التناقضات املتفجرة واملشكالت اليومية قبل الثورة وبعدها‬

‫‪--‬ميثل إنتاج الربيعي مرآة تعكس صورة العراق يف الستينيات فكانت روايتيه مبثابة مشهد معرب‬
‫عن حقبة حساسة مرت هبا‬

‫‪-‬رواييت الربيعي صرخة تسمع الكون صوهتا لواقع مرير‪،‬إهنا تصرخ بأن اإلنسان موجود على هذه‬
‫األرض وه و يع اين من الع دم‪ ،‬فهم ا من الرواي ات اخلال دة ال يت عرفه ا ت اريخ ‪ ،‬وتع رف الق ارئ من‬
‫خالهلا إىل شخصيات أبطال كثرية‪ ،‬كانت متثل حياة وعوامل وحاالت ومواقف شكلت جزءا هاما‬
‫من الذاكرة الثقافية والوجدانية للقارئ‪ ،‬أثرت على نفسه وروحه‪ ،‬وأضاءت عليه جوانب واسعة‬
‫من الواق ع وال ذات اإلنس انية يف ض عفها وقوهتا‪ ،‬تش تتها وتوح دها يف مواجه ة ش رطها الوج ودي‬
‫واالجتماعي والسياسي والروحي‪ ،‬يف إطار وعيها لذاهتا وللعامل من حوهلا‪.‬‬

‫شخصيات الربيعي يف روايتيه تلك معربة بوعي تارخيي صادق ومستوى فين مقبول يف كثري من‬
‫األحيان عن ظاهرة املزاوجة احلياتية بني عامل املدينة وعامل القرية الّذي بدا متقاربا شيئا فشيئا ‪ ،‬ومبا‬
‫يكثف من مظاهر احلياة االجيابية اخلرية واحنسار املظاهر السلبية املتخلفة ‪ ،‬كما بدا ذلك واضحا‬
‫باس تلهامه ال رتاث يف جانب ه اخلري ‪ ،‬لتعمي ق لوحات ه الفني ة ‪ ،‬وال س يما م ا يتص ل بتوظي ف الطق وس‬
‫الدينية‪.‬‬

‫يت‬
‫و بع د رحل ة البحث س نقف على أهم النق اط ال يت مت رص دها يف ض وء دراس ة املك ان يف رواي ّ‬
‫الربيعي‪:‬‬

‫‪-‬يعترب املكان عنصر مهم يف العمل األديب‪ ،‬إذ ال ميكن االستغناء عنه‪ ،‬فال وجود للرواية من دون‬
‫املكان‪ ،‬وال مكان من دون وجود الرواية‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫الخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتمة‬
‫‪ -‬يشكل املكان البنية الصغرى احملدودة‪،‬يف حني ميثل الفضاء البنية الكربى اليت حتوي مجيع األمكنة‬
‫املتخيلة واملرجعية واملبثوثة على امتداد ما‬

‫يت ال ربيعي الّ ذي اختذ فيه ا املك ان موق ع الص دارة وذل ك من خالل عرض نا‬
‫‪-‬دراس تنا ح ول رواي ّ‬
‫الثنائيات الضدية حبيث تعرب عن العالقات بني القيم املتعارضة فنجد(أماكن مفتوحة وأخرى مغلقة)‬
‫فاستنادها هلذه العناصر أكسب املكان أبعادا داللية ومجالية ورمزية‪ ،‬فرغبة املبدع يف إقناع املتلقي‬
‫يرجع إىل مدى استعانته بإسرتاتيجية املكان‪ ،‬ليدعم املضمونة‬

‫رواييت الربيعي متيل إىل هذا النمط من األمكنة اليت‬


‫ّ‬ ‫‪-‬كانت اهليمنة لألمكنة املفتوحة فشخصيات‬
‫تتسم بانفتاح الشكل اهلندسي للمكان وعموميته‪ ،‬وكذالك بسبب من طبيعة الشخصيات اهلاربة‬
‫من بيوهتا وم دهنا وواق ع القم ع الّ ذي فرض ه الواق ع الس تيين للع راق‪،‬مما جعله ا ترت اد ه ذا النم ط‬
‫للتنفيس عما تشعر به من ضيق واحنباس‬

‫‪-‬ميت از املك ان بأمهي ة كب رية يف بن اء الرواي ة‪ ،‬ألن ه العم ود الفق ري والرك يزة األساس ية يف العم ل‬
‫الروائي‪.‬‬
‫‪ -‬أن تالحم وانسجام عناصر السرد يتحقق بفضل املكان‪ ،‬فاملكان عنصر جوهري وليس ديكور‬
‫لألحداث فقط‪.‬‬
‫‪-‬البناء اجليد للمكان ساهم يف خدمة مكونات الرواية خصوصا الشخصية ‪ ،‬مما ساعد على إنتاج‬
‫أمكنة مشرتكة بفعل داللة املكان وتفاعل الشخصية ‪.‬‬
‫‪-‬تنشئ عالقة متوالية بني املكان والزمان عرب أحداث الرواية‪ ،‬فالزمان يتأسس مع املكان‪ ،‬واملكان‬
‫ينمو يف أحضان الزمان ‪،‬لذلك ال جند عمال سرديا خاليا من أحدمها‪.‬‬
‫‪-‬أن احلدث ميث ل حمور املوض وع الرئيس ي يف مجل ة املواق ف ال يت جتس دها الشخص يات‪ ،‬وف ق إط ار‬
‫زماين ومكاين حمدد‪.‬‬
‫أما ختامنا‪ ،‬فنتمىن أن يكون حبثنا هذا قد أحاط ما سطرنا‪ ،‬وبطبيعة احلال ليس كامال‪ ،‬فالدراسة ال‬
‫ميكن أن تكون هلا هناية‪ ،‬مهما طالت يد الباحث‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫المالحق‬
‫المالحق‬
‫المالحق‬
‫‪-1‬التعريف بالروائي "عبد الرحمن مجيد الربيعي"‪:‬‬
‫ولد عبد الرمحن جميد الربيعي عام (‪ )1939‬مبدينة الناصرية‪ ،‬إحدى مدن جنوب العراق‪ ،‬درس‬
‫الفن يف معهد الفنون اجلميلة يف بغداد‪ ،‬وخترج فيه حاص الً على دبلوم بالفن سنة (‪ ، )1958‬عاد‬
‫‪1‬‬
‫إىل اجلنوب ومارس مهنة التدريس لعدة سنوات‬

‫انتقل مرة أخرى إىل بغداد عام (‪ )1962‬ليكمل دراسته يف أكادميية الفنون اجلميلة ‪-‬قسم الرسم‪،‬‬
‫تفرغ للعمل الصحفي بدءاً من العام (‪ ،)1968‬فأشرف على حترير عدد من الصفحات الثقافية يف‬
‫الصحف العراقية‪ ،‬من بينها صحيفة األنباء اجلديدة‪ ،‬والفجر اجلديد‪ ،‬وساهم لعدة سنوات يف كتابة‬
‫ال ربامج الثقافي ة لإلذاع ة‪ ،‬كم ا أش رف على جمل ة (األقالم) ال يت تص درها وزارة الثقاف ة واإلعالم‬
‫العراقية‬

‫س افر إىل الق اهرة أواس ط الس بعينات‪ ،‬والتح ق باملعه د الع ايل للت ذوق الف ين إلع داد رس الة بعن وان‬
‫"جواد سليم ومدرسة بغداد للفن احلديث"‪ ،‬ولكن له صديقاً له وهو الناقد الدكتور عبد املنعم‬
‫تليم ة الّ ذي ك ان حياض ر يف ذل ك املعه د أفش ل مش روعه ‪-‬كم ا يق ول ال ربيعي‪ -‬ق ائالً ل ه‪" :‬م ا‬
‫حاجتك للماجستري والدكتوراه يا عبد الرمحن‪ ،‬دع اآلخرين يكتبون عنك وامحل أغراضك وعد‬
‫إىل بغداد وواصل الكتابة"(‪ ،)5‬ورمبا تكون هذه النصيحة هي املفصل الّذي ش ّكل انعطافا ًهام اً يف‬
‫مسرية الربيعي األدبية‪ ،‬فقد أصغى هلذه النصيحة واضعاً حداً لطموحه األكادميي‪ ،‬وملقي اً بفرشاة‬
‫الرسم جانب اً‪ ،‬ليتفرغ متام اً إىل الكتابة اليت أجاد فيها‪ ،‬وهذا ما نلحظه فيما بعد من خالل مؤلفاته‬
‫الكثرية يف القصة والرواية والنقد‪ ،‬كما حتققت نبوءة صديقه الدكتور عبد املنعم –على حد قول‬
‫الربيعي‪ -‬بقوله‪" :‬ووجدت أعمايل القصصية والروائية (هوى)‪.2‬‬

‫‪ 1‬مربوك موسى احلمادين الروائي ناقداً "عبد الرمحن جميد الربيعي منوذجاً"‪ ،‬رسـالة مقـدمة استكماالً ملتطلبات احلصول على درجة الدكتوراه‪ ،‬فـي‬
‫األدب العريب‪ ،‬قسـم اللغة العربية وآدابه ‪ ،‬جامعة مؤتة ‪ ،‬األردن‪ ،2011 ،‬ص‪05‬‬
‫‪ 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪06‬‬

‫‪65‬‬
‫المالحق‬

‫‪-2‬أهم مؤلفاته الروائية‬

‫‪ )1‬الوشم‪ ،‬ط‪ ،5‬دار املعارف‪ ،‬سوسة(تونس)‪1996 ،‬‬


‫‪ )2‬األهنار ط‪ ،4‬دار األقواس ‪ ،‬تونس‪1991 ،‬‬
‫‪ )3‬القمر واألسوار ‪ ،‬ط‪ ،4‬منشورات دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪1986 ،‬‬
‫‪ )4‬خطوط الطول‪ ....‬خطوط العرض‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار املعارف‪ ،‬سوسة(تونس)‪1993 ،‬‬
‫‪ )5‬الوكر‪ ،‬ط‪ ،2‬دار املعارف‪ ،‬سوسة (تونس)‪1994 ،‬‬
‫‪ )6‬عيون يف احللم‪ ،‬ط‪ ،1‬الرواية مستقلة يف كتاب بعد أن صدرت مع جمموعة قصصية بنفس العنوان‪،‬‬
‫منشورات دار سحر‪ ،‬تونس ‪19961 ،‬‬
‫‪ )7‬حنيب الراف دين‪ ،‬ص درت ع ام (‪ ،)2009‬عن دار األدب اللباني ة‪ ،‬وك ان امسها األول املق رتح ه و‬
‫"كالم الليل"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ )8‬فج الرياح‪(،‬معدة للطباع)‪.‬‬

‫‪-3‬عالقة المكان بالعنوان في رواية الوشم‬


‫تصور الرواية حياة املثقف السياسي املتأزم نفسيا و املطارد من قبل السلطة‪،‬يوم كان العراق يعج‬
‫باالنتفاض ات و الث ورات يف الس تينات من ه ذا الق رن ‪ ،‬و يت ابع ال ربيعي تل ك األح داث يف رواي ة‬
‫الوشم عرب تناول حياة بطلها كرمي الناصري ووقع تلك األحداث على نفسيته بعد خروجه من‬
‫املعتقل ويف أثناء اعتقاله؛ ليخرج الربيعي ببطله وهو غارق يف أزمته بعد أن أحس كرمي الناصري‬
‫ح ال إطالق س راحه من املعتق ل بوق ع اهلزمية و زي ف االدع اءات ال يت روج هلا‪ ،‬ليخ رج بالنتيج ة‬
‫موشوما باخليبة السياسية و يبقى مطاردا على الدوام إلحساسه بأن شيئا يف داخله قد نسفف ‪.3‬‬
‫مس وغا رحيل ه عن مدينت ه‪،‬بع د إطالق س راحه من املعتق ل و اهنزام ه يف قول ه لص ديقه حس ون‬
‫السلمان‪" :‬وملاذا أعود‪ :‬كيف نطيق إظهار وجوهنا الصفيقة للناس‪".‬‬

‫‪ 1‬الوشم ‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪132‬‬


‫‪ 2‬عبد الرمحن جميد الربيعي‪ ،‬اخلروج من بيت الطاعة‪ ،‬وكالة الصدفة العربية‪ ،‬ناشرون‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،‬ط‪ ،2010 ،2‬ص‪406‬‬
‫‪ 3‬رواية الوشم‪ ،‬ص‪7‬‬

‫‪66‬‬
‫المالحق‬
‫وبالفعل يرحل الناصري بسبب من طبيعته الربجوازية و االهنزامية ‪ ،‬ويسقط يف اجلولة األوىل من‬
‫املنازلة برباءة اعرتاف كانت مثنا إلطالق سراحه من املعتقل‪ ،‬اعرتف فيها على كل من كان معه يف‬
‫العمل السياسي بغية اخلالص من املعتقل‪.1‬‬
‫ولكن أي خالص تنش ده تل ك الشخص ية الغامض ة ال يت خ رجت موش ومة ب اخلزي و‬
‫الع ار و االنكس ار‪ ،‬بع د أن أحس الناص ري أن ه خ ائن ملبادئ ه خ ائن ملدينت ه فم ا ك انت بغ داد‬
‫اليت قصدها إال سجنا أكرب‪".‬هل سيأيت يوم أت رحم فيه على أيام االعتقال و أعتربها أكثر أيامي‬
‫هدوءا؟" ‪2‬لفشله يف إذابة عذابه يف زمحة مقاهيها و شوارعها و نسائها‪.‬‬
‫أما املعتقل فهو أحد الوسائل اإلرهابية اليت مارستها السلطة يف خصم الصراعات السياسية آنذاك‬
‫ال يت تابع ه ال ربيعي ال بتفص يالته املادي ة ب ل ع رب وقع ه على الشخص ية "ك رمي الناص ري" فخ رجت‬
‫موشومة‪...‬حمطمة‪...‬تلوه بثقل جراحاهتا و عذاباهتا‪.‬‬
‫ورواية الوشم تستقي عنواهنا من ذالك كله من املكان "املعتقل"‪ ،‬الذي أصبح معتقال تقليديا يهدد‬
‫اإلنس ان يف تل ك احلقبة العصيبة‪ ،‬ليجيب ال ربيعي يف روايت ه عن أسئلة عدة‪ :‬أوهلا وقع ه ذا ال ردع‬
‫املكاين على الشخصية؟ متابعا الشخصية داخل املعتقل و خارجه‪،‬و لكن اخلارج مل يظل خارجيا‬
‫بل هو حمكوم بفعل الداخل و أثره "املعتقل"‪،‬فكان ذالك الوشم الذي شوه صورة الناصري حىت‬
‫بعد خروجه من السجن‪ ،‬ليعلن بعد ذلك إىل الكويت‪" :‬إنين مسافر غدا إىل الكويت" ال لشيئ بل‬
‫لغسل أدران اجلسد والروح من ذالك الوشم‪.‬‬
‫وجند أن الربيعي عندما اختار هذا األمنوذج من الشخصية‪-‬شخصية املثقف السياسي‪ -‬جاء لكوهنا‬
‫من أكثر الشخصيات استجابة و تفاعال و انفعاال مع األحداث السياسية اليت كانت املعتقالت هي‬
‫الر ادع لطموحاهتم و الكاحبة لثوريتهم يف األعم الغالب‪.‬‬
‫فجاء العنوان"الوشم" موحيا بطبيعة الشخصية و نفسيتها لسبب بسيط هو أن الربيعي مل يصور‬
‫الشخصية الثورية اليت انتصرت و فلحت يف مسعاها أو حاولت أن تفلح‪.‬‬

‫‪ 1‬رواية الوشم‪ ،‬ص‪84‬‬


‫‪ 2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪106‬‬

‫‪67‬‬
‫المالحق‬
‫فق د خ رج بطل ه موش وما ين وء بأمحال الش هور الس بعة ال يت قض اها يف املعتق ل‪ ،‬و ل و أن ه جس د‬
‫شخصية البطل الثوري لكان املعتقل ضريبة متوقعة و تضحية البد منها بوصفها جزءا من متطلبات‬
‫العمل النضايل و تسليما هبذا االفرتاض فال وشم يف رواية الوشم‪.‬‬
‫ولكن الربيعي اختار أمنوذجا ميثل البطل السليب الذي مل تكتمل يف داخله مؤهالت الثوري املناضل‬
‫فهو حيسب النتائج مبنطق الفردية والذاتية اليت تتناىف و شخصية الثوري‪ "1‬نادبا حظه ألول جتربة‬
‫اعتقال خاضها‪.‬‬
‫وحاولت رواية الوشم على الرغم من الذاتية اليت تغلقها أن تكشف عن عدد من الوجوه املوشومة‬
‫يف تل ك احلقب ة‪ ،‬وم ا الناص ري ال ذي تناول ه ال ربيعي يف رواي ة الوش م إال واح د من تل ك الوج وه‬
‫الكث رية ال يت دنس ها املعتق ل وومشها‪ ،‬وج اءت رواي ة الوش م العن وان و املض مون لتك ون ش اهدا و‬
‫ضحية على دالك التاريخ الساخن‪.‬‬
‫والعنوان يرتبط بالبنية املكانية بصورة تأويلية‪ ،‬أي يف ضوء ارتباط املكان بالعنوان أو قراءة العنوان‬
‫قراءة مكانية‪ ،‬و عالقته مبضمون الرواية و صورة البطل ‪ ،‬و فضال عن هدا جند أن للعنوان عالقة‬
‫باملكان الذي شكل جزءا من أمكنة الرواية و هو املبغى‪ ،‬إذ ميثل احملور الثاين املنصوص عليه الذي‬
‫يرتاده الناصري بعد خروجه من املعتقل للتعويض عن اخليبة السياسية اليت مين هبا بيد أن املكان‬
‫"املبغى" مل يكن املك ان الب ديل أو التعويض ي ‪ ،‬كم ا أعلن دال ك ك رمي الناص ري لص ديقه حس ون‬
‫السلمان‪":‬هل بإمكان أنتكون املرأة تعويضا كامال عن اخليبة السياسية؟‪ ....‬و لكن أيه امرأة تقدم‬
‫‪2‬‬
‫دالك؟"‬
‫لينقلب دالك الوشم الذي طرزت به تلك العاهرة جسدها إىل مدعاة للرتف يؤدي بالنتيجة إىل‬
‫هرب الناصري و مبارحته املكان ‪ ،‬ليشكل اهنزامه هدا اهنزاما آخر متاثل مع اهنزامه و انكساره‬
‫السياسي فتزامن بدلك العهر الواقع مع العهر الرمز الذي حلق بكرمي الناصري بعد فشل طموحه‬
‫السياس ي يف أول منازل ة حقيقي ة م ع الس لطة ال يت زجت ب ه يف املعتق ل ال ذي وش م حي اة ك رمي‬
‫الناصري بوشم كهذا الوشم يف جسد العاهرة‪.‬‬
‫ينظر‪:‬عبد الرمحن جميد الربيعي و البطل السليب يف القصة و الرواية العربية املعاصرة‪ ،‬أفنان قاسم ‪،‬ص‪358‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواية الوشم ‪ ،‬ص ‪16‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪68‬‬
‫المالحق‬
‫ونس تخلص من االس تنتاجني أن للعن وان ارتباط ا باملك ان بص ورتني ‪ ،‬األوىل غ ري مباش رة متثلت يف‬
‫املعتق ل وه و م ا اس تنبطناه من الفك رة العام ة للرواي ة و داللته ا‪ ،‬أم ا الص ورة الثاني ة فهي الص ورة‬
‫املباش رة ال يت ترتب ط باملك ان "املبغى"‪ ،‬إذ تنص الرواي ة على عالقت ه ب العنوان كم ا يف ه دا‬
‫النص‪":‬وعندما طرق الباب فتحه عجوز منتشحة بالسواد وقالت‪:‬‬
‫ليست عندنا إال واحدة و دخل ‪.‬‬
‫و بع د قلي ل جاءت ه الواح دة‪ ،‬ك انت بدين ة كبق رة ‪ ،‬يت دىل على ظهره ا ش عر طوي ل منق ع ب زيت‬
‫رخيس وعلى عنقها املكتنز قافلة من الوشم‪...‬وجلست جبانبه كاشفة عن فحدين مطرزين بالوشم‬
‫أيض ا مها س الح اإلغ راء ل ديها‪...‬وملا دىن منه ا ش عر بغثي ان فظي ع فهب واقف ا مث بص ق و انص رف‬
‫لتستقبله الشوارع اجلائعة ثانية"‪.1‬‬
‫‪-4‬عالقة المكان بالعنوان في رواية القمر واألسوار‬
‫أم ا عن ارتب اط البني ة املكاني ة ب العنوان‪ ،‬ف الربيعي يتخ ذ من املك ان الزق اق ال ذي يع اين من‬
‫الفقر واجلهل رمزا يكشف فيه عن سيطرة السلطة الرجعية على أهل الزقاق هلا‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫اإلص الحات والتط ورات ال يت حص لت في ه فإهنا ال تش ري مطلق ا إىل وعي أه ل الزق اق هلا‪ ،‬ب ان‬
‫االصطالحات جاءت من احلكومة‪" :‬اهلل يطيل عمر احلكومة‪ ،‬قتلنا ماء النهر‪ ،‬كله وساخة ودود‬
‫‪2‬‬
‫وطني‪".‬‬

‫والعن وان ي ومئ إىل موض وع الرواي ة وفكرهتا من جه ة ويرتب ط باملك ان من جه ة أخ رى‪،‬‬
‫فاألسوار اليت وردت يف العنوان ترمز إىل املكان الزقاق وما يعانيه من مشكالت‪.‬‬

‫وق د ك انت ه ذه األس وار عائق ا أم ام بل ورة وعي حقيقي أله ل الزق اق نتيج ة لتخبطهم‬
‫وهلاثهم وراء تأمني ما يكفي ملعيشتهم‪ ،‬ونالحظ حالة من االقرتان بني تطور أحوال الزقاق املادية‬
‫وارتباطها بالشخصيات وتصاعد الوعي القومي والوطين فبعد أن شيدت املدرسة أثريت جمموعة‬
‫‪3‬‬
‫من األسئلة حول القصية الفلسطينية‪.‬‬

‫‪ 1‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪40-39‬‬


‫‪ -2‬رواية القمر واألسوار‪،‬ص‪.55‬‬
‫‪-3‬ينظر‪ :‬القمر واألسوار‪،‬ص‪.86‬‬

‫‪69‬‬
‫المالحق‬
‫فضال عن بناء املسجد ووصول الكهرباء اليت أدخلت معها األجهزة اإلذاعية وأسهمت يف‬
‫تعمي ق ال وعي الق ومي والوط ين وأخ ذ ه ذا ال وعي ميت د إىل نس اء الزق اق الاليت أخ ذن يتح دثن عن‬
‫‪1‬‬
‫القضية الفلسطينية والعدوان الثالثي على مصر‪.‬‬

‫ف إذا ك ان القم ر يتجس د يف ه ذا ال وعي الص اعد‪ ،‬فاألس وار تتمث ل يف افتق ار الزق اق للخ دمات‬
‫االقتص ادية ال يت ش كلت ب دورها معيق ات حجمت من دور أه ايل الزق اق يف بل ورة وعيهم جتاه‬
‫قض اياهم والس يما ل دى أبن اء اجلي ل األول من أه ايل الزق اق‪-‬كم ا أش رنا‪ -‬ق د أخ ذ ه ذا ال وعي‬
‫يتص اعد مس ايرا التط ورات ال يت حص لت يف الزق اق‪ ،‬وب اتت اش راقة القم ر وش يكة حماوال جتاوز‬
‫األسوار‪ ،‬وحتقق هذا واقعيا مع تقادم الزمن وبفعل التطور املادي للزقاق‪-‬والسيما بناء املدرسة‪.2‬‬

‫كما حصل يف بناء اجلسر ووصول املاء والكهرباء"‪ ،3‬فبدأ رضوخ أهل الزقاق هلذا الوضع‬
‫املزري املتمث ل يف التخل ف العم راين للزق اق واح دا من األس وار ال يت حتجم دورهم وتعي ق انطالق ة‬
‫القمر يف رواية القمر واألسوار‪.‬‬

‫‪-5‬قراءة وملخص رواية الوشم "عبد الرحمن مجيد الربيعي"‬


‫تنحصر أحداث هذه الرواية بني عامي ‪ 1967- 1958‬عند قيام الثورة واالنقالب على احلكم ‪،‬‬
‫الشخص ية الرئيس ة للرواي ة "ك رمي الناص ري" مثلت ه ذه الرواي ة الواق ع املري ر واالحنص ار ال داخلي‬
‫لشخص ية البط ل هلذا مسيت بالوش م‪ ،‬وميث ل ك رمي منوذج البط ل الس ليب الّ ذي مل تكتك ل يف داخل ه‬
‫م ؤهالت الث وي املناض ل ‪ ،‬فه و حيس ب النت ائج مبنط ق الذاتي ة والفردي ة نادب ا حظ ه على أول جترب ة‬
‫اتعقال خاضها وحاولت رواية الوشم أن تكشف عن عدد من الوجوه املوشومة يف تلك احلقبة ‪،‬‬
‫والناص ري الّ ذي تناول ه ال ربيعي واح د من تل ك الوج وه ال يت دنس ها املعتق ل وومشها ‪ ،‬واس تعمل‬
‫الوشم يف هاته الرواية باعتباره إضارة أشد مميزاهتا أنه واقع ال ميحى وأنه ثابت على الدوام وحيمل‬
‫دالالت على أنه وصمة ورمز لفعل شنيع وسقوط وعمل ال يغتفر‪ ،‬فاهنيار الناصري واهنزامه حتت‬
‫ضغط السلطة احلاكمة ‪ ،‬واعرتافه بضلوعه وتورطه يف نظام سري مناهض للحكومة ‪ ،‬مث كشف‬
‫عن هوية أصدقاءه املتآمرين كل هذه األشياء ترقى إىل وشم جمازي غري قابل للمحو‪.‬‬

‫‪- 1‬ينظر‪ ،‬نفس املصدر‪،‬ص‪223‬‬


‫‪ - 2‬ينظر‪ :‬املصدر نفسه‪،‬ص‪.271-189-52‬‬
‫‪ - 3‬ينظر نفس املصدر‪،‬ص‪.271-189-52‬‬

‫‪70‬‬
‫المالحق‬
‫فقد غادر كرمي السجن دون ضرر بدين ولكن منكسرا ومنهزما ‪ ،‬وكان السجن اختبار فشل فيه‬
‫بش كل ب ائس ‪ ،‬حيث اس تمر ش بح هزميت ه يط ارده على خالف رفقائ ه ال ذين جنح وا يف ت ربير‬
‫اهنزاميتهم ‪ ،‬مث يس افر ك رمي لبغ داد حماوال إتب اع س بل تعوض ه عن فش له السياس ي ‪ ،‬فس ع لرب ط‬
‫عالق ات بالنس اء ‪ ،‬ومل يلبث إىل أن أص بح على عالق ة مبرمي وهي ام رأة تزامل ه يف العم ل ومتزوج ة‬
‫فك ان ميي ل إىل تنزيه ا وك ان يأم ل أن عالقت ه مبرمي ميكن ه أن تطه ره من ال رجس "تط ريه من خيانت ه‬
‫للقضية والرفاق" سرعان ما تتحول صداقته إل عداء وكراهية عندما استسلمت له ‪ ،‬فإن سلوك‬
‫اخليانة لدى مرمي "بالنسبة لزوجها" يعكس خيانته للحزب الّذي ينتمي إليه ‪ ،‬وليست مرمي وحدها‬
‫ال يت من ت ذكر ك رمي مباض يه املل وث ب ل هن اك شخص ية أخ رى وهي يس رى توفي ق ه ذه الشخص ية‬
‫أوض حت اهنزامي ة ك رمي ‪ ،‬ألن ه ك ان يطارده ا ويع رض عنه ا ال زواج ‪ ،‬فرفض ته يف البداي ة وبع دما‬
‫اس تجابت إلغراءات ه ودعت ه لطلب ي دها من أهله ا ‪ ،‬تراج ع وزعم أن ه ال يري دها أن ترب ط حياهتا‬
‫بش ريد مثل ه ‪ ،‬غ ري أن ه ذا التش رد من فعل ه ه و شخص يا وه ذا يوض ح موقف ه االهنزامي وميل ه من‬
‫اهلروب من املواجهة وحاملا يقطع عالقته بيسرى يقرر مغارة العراق والذهاب إىل الكويت ‪.‬‬
‫‪ -‬وهن اك شخص يات حموري ة فهن اك حس ون الس لمان ص ديقه‪ ،‬فحس ون ه و تل ك النفس الط اهرة‬
‫املؤمنة اليت كان يلجأ إليها كلما اشتدت غيبته وهنا شخصية علوان احلالق ذو الصوت اجلميل‬
‫الّذي كان يشكل األمل العاطفي‬
‫وتش كل الرواي ة خالص ة معان اة ال ربيعي كمعانات ه م ع املرأة كتع ويض عن السياس ة‪ ،‬مث اهلروب من‬
‫املكان كتعويض آخر ‪ ،‬فالرواية تلخص حياة الشخص احملبط املنكسر‪.‬‬
‫‪-6‬قراءة وملخص رواية القمر واألسوار"عبد الرحمن مجيد الربيعي"‬
‫رواية القمر واألسوار رواية سردية تؤرخ للحقبة اليت تشهد بداية نشوء األحزاب الوطنية‬
‫والقومية يف العراق قبيل ثورة ‪ ،1958‬أو باألحرى الواقع اجملتمعي املعدم واملقمع الذي متخض عنه‬
‫نش ئ يص ارع م ا بني مبادئ ه وحقوق ه وبني الغ زو الفك ري وسياس ة التقمي ع ‪،‬كم ا ه و ح ال معظم‬
‫الدول العربية يف ذلك الوقت‪.‬‬
‫حيث أخ ذنا ال ربيعي بأس لوب س ردي م تني يف رحل ة من األح داث الواقعي ة وبشخص يات‬
‫مع ربة عن تل ك احلقيق ة‪ ،‬وب وعي ت ارخيي ص ادق‪ ،‬اس تطاع الق اص أن مينح ه ألبطال ه عن طري ق‬
‫املزاوجة الفنية بني عامل املدينة وعامل القرية‪ ،‬الذي أخذ بالتقارب شيئا فشيئا‪ .‬فالربيعي يف روايته‬
‫(القمر واألسوار) حاول أن يكون عند مستوى مسؤولياته الفنية والتارخيية يف آن واحد‪ ،‬فقد عاجل‬

‫‪71‬‬
‫المالحق‬
‫فيه ا – بأس لوب ف ين حتليلي – مش كلة ع دد من العوائ ل الفالحي ة النازح ة من قري ة (أب و ه اون)‬
‫منهم الفالح (محي د) و(الش يخ علي)هروب ا من ج و اإلقط اع إىل مدين ة الناص رية‪ .‬رغب ة يف العيش‬
‫حتت ظ روف أفض ل – وهي تواج ه ع امل املدين ة املتط ور وطبيع ة تفاعله ا م ع ه ذا التط ور‪ ،‬حيث‬
‫سكنوا األكواخ وبيوت الطني والقصب‪ ،‬فتصور الرواية انعكاسات هذا الوعي على أبناء مدينة من‬
‫م دن الع راق وبال ذات على زق اق من أزقته ا‪ ،‬وع رب تق ادم ال زمن يش هد اجلي ل الث اين من أبن اء ه ذا‬
‫الزقاق وعيا سياسيا ملحوظا متمثال يف مشاركة أبنائه يف كتابة الالفتات املناوئة للسلطة واملشاركة‬
‫يف التظ اهرات ولص ق املنش ورات‪ ،‬فبع د أن ك ان أبن اء ه ذا الزق اق مكبلني بقي ود اخلوف واجله ل‬
‫وحماطني مبجموعة من (األسوار) املتمثلة يف التخلف السياسي‪ ،‬واالقتصادي‪ ،‬واالجتماعي‪ ،‬أخذ‬
‫اجلي ل الث اين (عزي ز وكام ل ‪،‬عب اس وه اتف) يش هد بداي ة ميالد وعي حقيقي والتبش ري مبيالد قم ر‬
‫جديد حياول أن يتجاوز األسوار يف رواية القمر واألسوار‪ ،‬فكان اجليل الثاين أكثر وعيا وحتررا‪،‬‬
‫فهذا (عزيز) ال جيد يف موت زوجة خاله (حسنة) بسبب مرضه الذي محلته معها من الريف إىل‬
‫املدينة صورة كافية إلدانة الواقع يف الريف‪ .‬بل يعتربها (شهيدة) للظلم واالستغالل الطبقي عامة‪،‬‬
‫حيث يتج اوز ذل ك إىل املدين ة ال يت وج دت يف ص در حس نة أهال الس تقبال دائه ا األك رب بس بب‬
‫اإلرهاق وسوء التغذية والقلق الكبري‪ ،‬فماتت ومل تسعد بتحقيق حلمها بتخرج ولديها والعيش يف‬
‫بيت من الط ابوق‪ ،‬مما دفع ه ذل ك أن أكم ل دراس ته اإلعدادي ة يف مدينت ه وي ذهب إىل بغ داد إلمتام‬
‫الكلية‪ ،‬وهناك يشارك يف التظاهرات وينتمي إىل أحد األحزاب الوطنية ويشق له طريقا واضحا‬
‫من أجل النضال‪ ،‬وهذه االنتقاالت من مكان إىل آخر أعانته يف أن يبلور له منهجا عقائديا ثابتا‬
‫وتوحي بتجاوز القمر لألسوار خبطى مكانية‪ ،‬وكامل أيضا مير بسلسلة من االنتقاالت املكانية اليت‬
‫متثل حركة من الداخل باجتاه اخلارج بعيدا عن األسوار واحلصار‪.‬‬
‫وهنا تكمن براعة القاص الفنية‪ ،‬فهو يعرض الواقع منطلقا من متثله لظروف املرحلة التارخيية‬
‫باختياره ألحداث بذاهتا‪ ،‬مستثمرا مالءمة الزمان واملكان فضال عن معطيات البيئة االخرى‪ ،‬غري‬
‫أنن ا ال جند ص عوبة يف اكتش اف موق ف الق اص املنح از من خالل احلوارات القوي ة ال يت اخت ارت‬
‫التغيري حنو األفضل‪ ،‬وعلى أية حال فقد عربت الرواية بتأكيدها على الس رد القصصي التقليدي‪،‬‬
‫وعلى الوص ف املتني املتماس ك للشخصيات القصص ية‪ ،‬مث الرص د االجتماعي ال ذي ال يستهان ب ه‬
‫عن الشيء الكثري من مزاج العصر‪ .‬وسعت إىل أن تكون معنية بشخصيات ذات أحاسيس متميزة‬

‫‪72‬‬
‫المالحق‬
‫وع ادات شخص ية متفاوت ة‪ ،‬حققت جانب ا كب ريا من أبعاده ا الفكري ة ض من اإلط ار الف ين الع ام‬
‫واملقبول الذي اختاره الروائي سلفا‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫المصادر‬ ‫‪‬‬
‫‪ -1‬القرآن الكرمي‬
‫‪ -2‬عبد الرمحن جميد الربيعي‪ ،‬الوشم ‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة ‪ ،‬منشورات الزمن‪ ،‬الدار البيضاء ‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬د‪-‬ط‪2002 ،‬‬
‫‪ -3‬عبد الرمحن جميد الربيعي‪ ،‬القمر األسوار ‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪1986 ،‬‬
‫‪ ‬المعاجم والقواميس‬
‫‪ .1‬أب و الفاض ل مجال ال دين حمم د بن مك رم اإلف ريقي ابن منظ ور لس ان الع رب‪ ،‬اجملل د ‪ ،6‬دار ص ادر‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع ‪،‬بريوت ‪،‬لبنان ط ‪. 1997 ، 1‬‬
‫‪ .2‬السيد حممد مرتضي الزبيدي‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس ‪ ،‬اجمللد ‪ ،18‬دار الفكر للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع ‪،‬بريوت لبنان ‪،‬ط‪1994 ،1‬‬
‫‪ .3‬املعلم بطرس البستاين حميط احمليط ‪،‬قاموس مطول للغة العربية‪،‬مكتبة لبنان ساحة رياض الصلخ‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪1991‬‬
‫‪ .4‬زيت وين لطي ف‪ ،‬معجم مص طلحات نق د الرواي ة‪ ،‬دار النه ار للنش ر‪ ،‬لبن ان ناش رون‪ ،‬ط‪ ،1‬ب ريوت‪،‬‬
‫لبنان‪2002 ،‬‬
‫‪ .5‬فيصل األمحر‪ ،‬معجم السينماىيات‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط‪2001 ،1‬‬
‫المراجع‬ ‫‪‬‬
‫امحد حفیظة ‪ ،‬بنیة اخلطاب يف الرواية النسائية الفلسطينية ‪ ،‬دراسة نقدية ‪ ،‬مركز أو غاريت‬ ‫‪.1‬‬
‫الثقايف ‪ ،‬فلسطني ‪ ،‬ط‪. 2007 ، 1‬‬
‫أمحد محد النعيمي‪ ،‬إيقاع الزمن يف الرواية العربية املعاصرة‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.2004 ،1‬‬
‫أمحد رحيم كرمي اخلفاجي‪ ،‬املصطلح السردي يف النقد األديب العريب احلديث‪ ،‬ط‪ ،1‬دار صفاء‬ ‫‪.3‬‬
‫للنشر والتوزيع‪.2005 ،‬‬
‫أمحد طالب‪ ،‬مجاليات املكان يف القصة القصرية اجلزائرية‪ ،‬د‪-‬ط‪ ،‬دار الغرب للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫وهران‪ ،‬دت‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫أمحد حممود فرح‪ ،‬البنية السردية يف النص العجائيب‪ ،‬دراسة يف القص العريب حىت هناية القرن‬ ‫‪.5‬‬
‫السابع (معاجلة فنية حتليلية )‪ ،‬مؤسسة حوس الدولية للنشر‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬مصر‪2016 ،‬‬
‫أمساء ش اهني‪ ،‬مجالي ات املك ان يف رواي ة ح ربا إب راهيم ج ربا‪ ،‬دار الف رارس‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪.6‬‬
‫‪2001‬‬
‫آمنة يوسف‪ ،‬تقنيات السرد يف النظرية والتطبيق‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪.7‬‬
‫ط‪2015 ،2‬‬
‫أوريدة عبود‪ ،‬املكان يف القصة القصرية اجلزائرية الثورية "دراسة بنيوية لنفوس ثائرة‪ ،‬دار األمل‬ ‫‪.8‬‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع ‪.2009‬‬
‫اجلرجاين علي بن حممد‪ ،‬التعريفات حتقيق‪ :‬إبراهيم األنباري ‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‬ ‫‪.9‬‬
‫‪1998 ،4‬‬
‫حسن حبراوي ‪ ،‬بنية الشكل الروائي (الفضاء ‪ ،‬الزمن‪ ،‬الشخصية)‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار‬ ‫‪.10‬‬
‫البيضاء‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1990 ،1‬ص‪.33‬‬
‫حسن جميد العبيدي‪ ،‬نظرية املكان يف فلسفة ابن سينا‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬وزارة الثقافة‬ ‫‪.11‬‬
‫واالعالم‪ ،‬يغداد‪ ،‬العراق‪ ،‬ط‪1987 ،1‬‬
‫حسن جنمي‪ ،‬الشعرية الفضاء السردي‪ ،‬املتخيل واهلوية يف الرواية العربية‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪،‬‬ ‫‪.12‬‬
‫د‪-‬ط‪2000 ،‬‬
‫محي د عب د الوه اب الب دراين‪ ،‬الشخص ية اإلش كالية مقارب ة سوس يو ثقافي ة يف خط اب أحالم‬ ‫‪.13‬‬
‫مستغامني الروائي دار جمدالوي للنشر والتوزيع ‪ ،‬بريوت‪2013 ،‬‬
‫محيد حلميداين‪،‬بنية النص السردي"من منظور النقد األديب"‪،‬املركز الثقايف العريب للطباعة والنشر‬ ‫‪.14‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬الدار البيضاء‪،‬املغرب‪ .‬ط‪.2000 .3‬‬
‫خضر حمجرة‪ ،‬تقنيات السرد الروائي‪ ،‬حمتوى الشكل وأمناط الراوي يف ثالثية السرد عبد الرمحن‬ ‫‪.15‬‬
‫منيف أرض عطية للنشر والتوزيع‪ ،‬غزة ‪ ،‬فلسطني‪ ،‬ط‪2014 ،1‬‬
‫رفقة حممد دودين‪،‬خطاب الرواية النسوية العربية املعاصرة ‪ ،‬منشورات أمانة عمان الكربى‪،‬‬ ‫‪.16‬‬
‫عمان ‪(،‬د‪-‬ط)‪2007،‬‬
‫سعيد يقطني‪ ،‬قال الرواي البنيات احلكائية يف السرية الشعبية‪ ،‬املركز الثقايف العريب للنشر‪ ،‬الدار‬ ‫‪.17‬‬
‫البيضاء‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1997 ،1‬‬

‫‪76‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫مسري رزوقي ومجي ل ش اكر‪،‬م دخل إىل نظري ة القص ة حتليال وتطبيق ا‪،‬دط‪،‬دي وان املطبوع ات‬ ‫‪.18‬‬
‫اجلامعية‪،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬دت‪،‬‬
‫سيدي حممد بن مالك‪ ،‬السرد واملصطلح‪،‬ط‪ ،1‬دار ميم للنشر‪ ،‬اجلزائر‪2015 ،‬‬ ‫‪.19‬‬
‫سيزا قاسم‪ ،‬بناء الرواية دراسة مقارنة يف ثالثية جنيب حمفوظ‪ ،‬د‪-‬ط‪ ،‬مكتبة األسرى‪2004 ،‬‬ ‫‪.20‬‬
‫س يزا قاس م‪ ،‬ي وري لومتان وآخ رون‪ ،‬مجالي ات املك ان عي ون املقالت بان دونغ للنش ر‪ ،‬ال دار‬ ‫‪.21‬‬
‫البيضاء‪ ،‬ط‪1988 ،2‬‬
‫شاكر النابلسي‪ :‬مجاليات املكان يف الرواية العربية‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪.22‬‬
‫لبنـان‪ ،‬ط ‪1994، 1‬‬
‫الشريف حبيلة‪ ،‬بنية اخلطاب الروائي‪ ،‬دراسة يف روايات جنيب الكيالين‪ ،‬عامل الكتاب احلديث‪،‬‬ ‫‪.23‬‬
‫األردن‪ ،‬ط‪2010 ،1‬‬
‫صبيحة عودة زعرب‪ ،‬غسان كنفاين مجاليات السرد يف اخلطاب الروائي‪،‬ط‪ ،1‬دار جمدالوى‪،‬‬ ‫‪.24‬‬
‫عمان ‪2006‬‬
‫الصفدي عالية أنور‪ :‬شعرية األمكنة يف روايات حيىي خيلف‪ ،‬املعتز للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن ‪،‬ط‬ ‫‪.25‬‬
‫‪2008 ،1‬‬
‫عب د ال رمحن جميد ال ربيعي‪ ،‬اخلروج من بيت الطاع ة‪ ،‬وكال ة الص دفة العربي ة‪ ،‬ناش رون‪ ،‬ب ريوت‬ ‫‪.26‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪2010 ،2‬‬
‫عبد الرمحن جميد الربيعي و البطل السليب يف القصة و الرواية العربية املعاصرة‪ ،‬أفنان قاسم‬ ‫‪.27‬‬
‫‪ .28‬عبد املالك مرتاض ‪ ،‬الف – باء حتليل مركب القصيدة " ابن ليالي‪ ،‬حملمد العيد"‪ ،‬د‪-‬ط‪ ،‬دار‬
‫الغريب للنشر‪2004،‬‬
‫‪ .29‬عب د املال ك مرت اض‪ :‬حتلي ل اخلط اب الس ردي‪ ،‬معاجلة تفكيكي ة س يميائية مركب ة لزق اق املدن‪،‬‬
‫ديوان املطبوعات اجلامعية ‪،‬اجلزائر ‪1995‬‬
‫‪ .30‬عب د املال ك مرت اض‪ :‬يف نظري ة الرواي ة"حبث يف تقني ات الس رد"‪،‬سلس لة كتب ثقافي ة ش هرية‬
‫يصدرها اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب الكويت‪،‬ديسمرب‪1998‬‬
‫‪ .31‬عبد املالك مرتاض‪ ،‬شعرية القص وسيميائية النص ‪ ،‬حتليل جمهري جملموعة تفاحة الدخول إىل‬
‫احلبة‪ ،‬د‪-‬ط‪ ،‬البصائر للنشر والتوزيع ‪ ،‬دت‪ ،‬وهران‬

‫‪77‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫‪ .32‬عثم ان ب دري‪ ،‬بن اء الشخص ية الرئيس ية يف روي ات جنيب حمف وظ‪ ،‬دار احلداث ة للطباع ة والنش ر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ .33‬فه د حس ني‪ :‬املك ان يف الرواي ة البحرينية (دراس ة يف ثالث رواي ات‪ :‬اجلذوة – احلص ار‪ -‬أغنية‬
‫املاء والنار)‪،‬فراديس للنشر والتوزيع‪ ،‬البحرين‪ ،‬ط‪2003، 1‬‬
‫جممع اللغة‪ ،‬اجملمع الفلسفي‪ ،‬اهليئة العامة لشؤون املطابع األمريية ‪،‬القاهرة ‪ ،‬دط‪1983 ،‬‬ ‫‪.34‬‬
‫حمبوبة حممدي أب ادي‪ ،‬مجاليات املكان يف قصص سعيد حوارنية‪ ،‬دراس ات يف األدب العريب‪،‬‬ ‫‪.35‬‬
‫منشورات السورية للكتاب‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1‬‬
‫حممد جربي ل‪ ،‬مص در املك ان دراس ة يف القص ة والرواي ة‪ ،‬اهليئ ة العام ة لش ؤون املط ابع األمريي ة‪،‬‬ ‫‪.36‬‬
‫مصر‪ ،‬ط‪2000 ،2‬‬
‫مه دي عبي دي‪ ،‬مجالي ات املك ان يف ثالثي ة نظامي ة ‪ ،‬منش ورات اهليئ ة العام ة الس ورية للكت اب‪،‬‬ ‫‪.37‬‬
‫دمشق‪ ،‬دط‪2011 ،‬‬
‫ياسني النصري‪،‬الرواية واملكان‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة ‪ ،‬بغداد‪(،‬د‪،‬ط)‪1980 ،‬‬ ‫‪.38‬‬
‫‪ .39‬ياسني النصرية‪ ،‬الرواية واملكان‪ ،‬سلسلة املوسوعة الصغرية‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫‪1986‬‬
‫‪ .40‬عب د احلمي د بوراي و ‪ ،‬منط ق الس رد ‪ ،‬دراس ة يف القص ة اجلزائري ة احلديث ة ‪ ،‬منش ورات الس هل ‪،‬‬
‫اجلزائر العاصمة ‪. 2009 ،‬‬
‫‪ ‬المراجع المترجمة‬
‫‪ -1‬ج رار ج نيت واخ رون‪ ،‬الفض اء ال رواىي‪ ،‬ت ر‪ :‬عب د ال رحيم ح زل‪ ،‬أفريقي ا الش رق‪ ،‬ال دار البيض اء‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬ط‪2002 ،1‬‬
‫‪ -2‬س اروت ن اتلي‪ ،‬عص ر الش ك‪ ،‬ت ر‪ :‬فتحي العش ري‪،‬اجمللس األعلى للثقاف ة‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬مص ر‪،‬ط‪،1‬‬
‫‪2002‬‬
‫‪ -3‬غاستون باشالر‪ ،‬مجاليات املكان‪ ،‬تر‪ :‬غالب هلسا‪ ،‬املؤسسة اجلامعية لدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بريوت لبنان‪،‬ط‪1984 ،2‬‬

‫‪78‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫‪ ‬المجالت‬
‫‪ .1‬مدقن كلثوم‪ ،‬داللة املكان يف رواية موسم اهلجرة إىل الشمال ‪ ،‬جملة األثر‪ ،‬جامعة ورقلة‪ ،‬عدد‪،4‬‬
‫ماي ‪2005‬‬
‫‪ .2‬كلث وم م دقن‪ ،‬دالل ة املك ان يف الرواي ة موس م اجملرة إىل الش مال للط بيب ص احل‪ ،‬جمل ة األدب‬
‫واللغات ‪ ،‬جامعة ورقلة ‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬العدد‪ ،4‬ماي ‪2005‬‬
‫‪ .3‬لومتانيوري‪ ،‬مشكلة املكان الفين(املكان والداللة)‪ ،‬تر‪:‬سيزا قاسم‪ ،‬جملة ألف‪ ،‬العدد‪1986 ،6‬‬
‫‪ ‬مذكرات التخرج‬
‫‪ .4‬ج وادي هني ة‪" ،‬ص ورة املك ان وداللت ه يف رواي ات واس يين األع رج"‪ ،‬رس الة مقدم ة لني ل شهادة‬
‫ال دكتوراه‪ ،‬كلي ة األدب واللغ ات ‪ ،‬قس م األدب واللغ ة العربي ة‪ ،‬جامع ة حمم د خيض ر بس كرة‪،‬‬
‫‪2013‬‬

‫‪ .5‬م ربوك موس ى احلم ادين ال روائي ناق داً "عب د ال رمحن جمي د ال ربيعي منوذج اً"‪ ،‬رسـالة مقـدمة‬
‫استكماالً ملتطلبات احلصول على درجة الدكتوراه‪ ،‬فـي األدب العريب‪ ،‬قسـم اللغة العربية وآدابه‪،‬‬
‫جامعة مؤتة ‪ ،‬األردن‪2011 ،‬‬

‫‪79‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪80‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫فهرس الموضوعات‬
‫إهداء‬
‫شكر‬
‫مقدمة‪..............................................................................‬أ‪-‬ج‬
‫المدخل‪ :‬ماهية المكان‬
‫‪- 1‬املكان‪4...........................................................................‬‬
‫أ‪ -‬لغة‪4..............................................................................‬‬
‫ب‪-‬اصطالحا‪6.......................................................................‬‬
‫‪-2‬مفهوم املكان الروائي‪ :‬الفضاء‪10.....................................................‬‬
‫أ‪-‬الفضاء الروائي‪12....................................................................‬‬
‫ب‪ -‬احليز الروائي‪13...................................................................‬‬
‫روايتي الربيعي‬
‫ّ‬ ‫الفصل األول ‪ :‬أنماط المكان وأهميته في‬
‫متهيد‪17..............................................................................‬‬
‫‪- 1‬أمناط املكان ‪18...................................................................‬‬
‫‪ -2‬ثنائية املكان املفتوح واملغلق‪19......................................................‬‬
‫أ‪ -‬املكان املفتوح‪20...................................................................‬‬
‫ب‪ -‬األماكن املغلقة ‪29..............................................................‬‬
‫‪ - 3‬أمهية املكان‪36...................................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬عالقة المكان بمكونات السرد‬
‫متهيد‪39.............................................................................‬‬
‫‪- 1‬عالقة املكان بالزمان‪40............................................................‬‬
‫‪- 2‬عالقة املكان بالشخصية‪45........................................................‬‬
‫‪- 3‬عالقة املكان باألحداث‪52........................................................‬‬
‫اخلامتة‪61............................................................................‬‬
‫املالحق‪64...........................................................................‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع‪74..............................................................‬‬
‫فهرس املوضوعات‬
‫ملخص‬

‫ملخص‬
‫ فعبد الرمحن جميد الربيعي شكل انسجام‬،‫واكبت النماذج الروائية املختارة الواقع بامتياز‬
‫ ذلك أن‬،‫ ومن عمق املعاناة سرد لنا أحداثها‬،‫عامله السردي من صلب التفكك الذي عايشه العراق‬
‫اجملتمع العراقي شهد حتوال ظاهرا يف واقعه االقتصادي اثر التحوالت السياسية املتالحقة وهذا ما‬
‫ وسعينا يف دراستنا هذه إىل الكشف عن عماد من‬.‫حتمله الروايتني بني طياهتا وتلخص مشاهدها‬
‫ وألن املك ان يف‬، ‫األعم دة الس ردية وإب راز أمهيت ه يف إقام ة دع ائم الرواي ة والوق وف على مجاليات ه‬
‫ فهو املساهم يف إعطاء روح هلا فال‬، ‫النص الروائي يتجاوز كونه خلفية تقع عليها أحداث الرواية‬
‫رواية دون أمكنة تتنوع وتتغري بني املفتوح واملغلق من أجل إضفاء عنصر احلركة فيها والتجدد يف‬
‫ فتتالحم ه ذه العناص ر الس ردية وخترج لن ا عمله ا الف ين يف أمجل إطالل ة‬،‫األزمن ة وأح داث الرواي ة‬
.‫وأهبى حلة‬
Abstract

The selected narrative models expressed reality in an excellence. Abd al-


Rahman Majeed al-Rubaie his harmony of his narrative world was formed from
the core of the disintegration that Iraq lived through, and from the depth of
suffering he told the story, because Iraqi society witnessed an apparent shift in
its economic as a result of the successive political transformations and this is
what the two novels carry in their folds.
In our study, we try to uncover a mainstay of the narrative and highlight its
importance in establishing the mainstays of the novel and its aesthetics, and
because the place in the narrative text goes beyond being a background of which
the events of the novel take place, that gives the novel a soul . and the element
of movement and scene of time, so that these narratives produce an artistic work
in the most beautiful way

You might also like