You are on page 1of 7

‫‪:‬العنوان في رواية الوشم‬

‫تصور الرواية حياة المثقف السياسي المتأزم نفسيا و المطارد من قبل‬


‫السلطة‪،‬يوم كان العراق يعج باالنتفاضات‪ #‬و الثورات في الستينات من هذا‬
‫القرن ‪ ،‬و يتابع الربيعي تلك األحداث في رواية الوشم عبر تناول حياة‬
‫بطلها كريم الناصري ووقع تلك األحداث على نفسيته بعد خروجه من‬
‫المعتقل وفي أثناء اعتقاله؛ ليخرج الربيعي ببطله وهو غارق في أزمته بعد‬
‫أن أحس كريم الناصري حال اطالق سراحه من المعتقل بوقع الهزيمة و‬
‫زيف االداعاءات‪ #‬التي روج لها‪ ،‬ليخرج بالنتيجة موشوما بالخيبة السياسية‬
‫و يبقى مطاردا على الدوام الحساسه بأن شيئا في داخله قد نسفف‪1‬‬

‫مسوغا رحيله عن مدينته‪،‬بعد اطالق سراحه من المعتقل و انهزامه في‬


‫قوله لصديقه حسون السلمان‪":‬ولماذا أعود‪:‬كيف نطيق اظهار وجوهنا‬
‫الصفيقة للناس‪2".‬‬

‫وبالفعل يرحل الناصري بسبب من طبيعته البرجوازية و االنهزامية ‪ ،‬و‬


‫يسقط في الجولة األولى من المنازلة ببراءة اعتراف كانت ثمنا إلطالق‬
‫سراحه من المعتقل‪ ،‬اعترف فيها على كل من كان معه في العمل‬
‫السياسي بغية الخالص من المعتقل‪3‬‬

‫ولكن أي خالص تنشده تلك الشخصية الغامضة التي خرجت موشومة‬


‫بالخزي و العار و اإلنكسار‪،‬بعد أن أحس الناصري أنه خائن لمبادئه‬
‫‪.‬خائن لمدينته ‪ ،‬فما كانت بغداد التي قصدها إال سجنا أكبر‬
‫هل سيأتي يوم أترحم فيه على أيام اإلعتقال و أعتبرها أكثر أيامي "‬
‫هدوءا؟" ‪4‬‬

‫ينظر‪:‬رواية الوشم ‪1-7‬‬

‫نفس المصدر السابق‪2-‬‬

‫ينظر‪:‬نفس المصدر ص‪3-104- 103‬‬

‫نفس المصدر ص‪4-48‬‬

‫‪.‬لفشله في اذابة عذابه في زحمة مقاهيها و شوارعها و نسائها‬

‫أما المعتقل فهو أحد الوسائل االرهابية التي مارستها السلطة في خصم‬
‫الصراعات السياسية آنذاك التي تابعه الربيعي ال بتفصيالته المادية بل‬
‫عبر وقعه على الشخصية ‪/‬كريم الناصري‪ /‬فخرجت‬
‫موشومة‪...‬محطمة‪...‬تلوه بثقل جراحاتها و عذاباتها‪.‬ورواية الوشم‬
‫تستقي عنوانها من ذالك كله من المكان ‪/‬المعتقل‪ ،/‬الذي أصبح معتقال‬
‫تقليديا يهدد اإلنسان في تلك الحقبة العصيبة‪ ،‬ليجيب الربيعي في روايته‬
‫‪ P‬ا وقع هذا الردع المكاني على الشخصية؟ متابعا‬
‫عن أسئلة عدة‪:‬أولها‬
‫الشخصية داخل المعتقل و خارجه‪،‬و لكن الخارج لم يظل خارجيا بل هو‬
‫محكوم بفعل الداخل و أثره ‪/‬المعتقل‪،/‬فكان ذالك الوشم الذي شوه‬
‫صورة الناصري حتى بعد خروجه من السجن‪ ،‬ليعلن بعد ذالك إلى‬
‫الكويت‪":‬إنني مسافر غدا إلى الكويت"‪ 1‬ال لشيئ بل لغسل أدران الجسد‬
‫‪.‬والروح من ذالك الوشم‬

‫ونجد أن الربيعي عندما اختار هذا األنموذج من الشخصية‪-‬شخصية‬


‫المثقف السياسي‪ -‬جاء لكونها من أكثر الشخصيات استجابة و تفاعال و‬
‫انفعاال مع األحداث السياسية التي كانت المعتقالت هي الرادع‬
‫‪ .‬لطموحاتهم و الكابحة لثوريتهم في األعم الغالب‬

‫فجاء العنوان‪/‬الوشم‪ /‬موحيا بطبيعة الشخصية و نفسيتها لسبب بسيط‬


‫هو أن الربيعي لم يصور الشخصية الثورية التي انتصرت و فلحت في‬
‫مسعاها أو حاولت أن تفلح‪ .‬فقد خرج بطله موشوما ينوء بأحمال‬
‫الشهور السبعة التي قضاها في المعتقل‪ ،‬و لو أنه جسد شخصية البطل‬
‫الثوري لكان المعتقل ضريبة متوقعة و تضحية البد منها بوصفها جزءا‬
‫من متطلبات العمل النضالي و تسليما بهدا االفتراض فال وشم في رواية‬
‫الوشم‪.‬ولكن الربيعي اختار أنمودجا يمثل البطل السلبي الدي لم تكتمل‬
‫في داخله مؤهالت الثوري المناضل فهو يحسب النتائج بمنطق الفردية‬
‫و الداتية التي تتنافى و شخصية الثوري"‪2‬‬

‫‪.‬نادبا حظه ألول تجربة اعتقال خاضها‬


‫وحاولت رواية الوشم على الرغم من الداتية التي تغلقها أن تكشف عن‬
‫عدد من الوجوه الموشومة في تلك الحقبة‪،‬وما الناصري الدي تناوله‬

‫‪.‬رواية الوشم ص‪1-106‬‬

‫ينظر‪:‬عبد الرحمن مجيد الربيعي و البطل السلبي في القصة و ‪2-‬‬


‫الرواية العربية المعاصرة‪،‬أفنان قاسم ‪،‬ص‪358‬‬
‫الربيعي في رواية الوشم إال واحد من تلك الوجوه الكثيرة التي دنسها‬
‫المعتقل ووشمها‪ ،‬وجاءت رواية الوشم العنوان و المضمون لتكون‬

‫‪.‬شاهدا و ضحية على دالك التاريخ الساخن‬

‫والعنوان يرتبط بالبنية المكانية بصورة تأويلية‪ ،‬أي في ضوء ارتباط‬


‫المكان بالعنوان أو قراءة العنوان قراءة مكانية‪ ،‬و عالقته بمضمون‬
‫الرواية و صورة البطل ‪ ،‬و فضال عن هدا نجد أن للعنوان عالقة‬
‫بالمكان الدي شكل جزءا من أمكنة الرواية و هو المبغى‪ ،‬إد يمثل‬
‫المحور الثاني المنصوص عليه الدي يرتاده الناصري بعد خروجه من‬
‫المعتقل للتعويض عن الخيبة السياسية التي مني بها بيد أن المكان‬
‫‪/‬المبغى‪ /‬لم يكن المكان البديل أو التعويضي ‪ ،‬كما أعلن دالك كريم‬
‫الناصري لصديقه حسون السلمان‪":‬هل بإمكان أن تكون المرأة تعويضا‬
‫كامال عن الخيبة السياسية؟‪ ....‬و لكن أيه امرأة تقدم دالك؟" ‪1‬‬
‫لينقلب دالك الوشم الدي طرزت به تلك العاهرة جسدها إلى مدعاة‬
‫للترف يؤدي بالنتيجة إلى هرب الناصري و مبارحته المكان ‪ ،‬ليشكل‬
‫انهزامه هدا انهزاما آخر تماثل مع انهزامه و انكساره السياسي فتزامن‬
‫بدلك العهر الواقع مع العهر الرمز الدي لحق بكريم الناصري بعد فشل‬
‫طموحه السياسي في أول منازلة حقيقية مع السلطة التي زجت به في‬
‫المعتقل الدي وشم حياة كريم الناصري بوشم كهدا الوشم في جسد‬
‫‪.‬العاهرة‬

‫و نخلص من االستنتاجين أن للعنوان ارتباطا بالمكان بصورتين ‪،‬‬


‫األولى غير مباشرة تمثلت في المعتقل وهو ما استنبطناه من الفكرة‬
‫العامة للرواية و داللتها‪ ،‬أما الصورة الثانية فهي الصورة المباشرة‬
‫التي ترتبط بالمكان ‪/‬المبغى‪ ،/‬إد تنص الرواية على عالقته بالعنوان كما‬
‫في هدا النص‪":‬وعندما طرق الباب فتحه عجوز منتشحة بالسواد‬
‫‪:‬وقالت‬

‫‪ .‬ليست عندنا إال واحدة و دخل‬

‫و بعد قليل جاءته الواحدة‪ ،‬كانت بدينة كبقرة ‪ ،‬يتدلى على ظهرها شعر‬
‫طويل منقع بزيت رخيس و على عنقها المكتنز قافلة من‬
‫الوشم‪...‬وجلست بجانبه كاشفة عن فحدين مطرزين بالوشم أيضا هما‬
‫سالح اإلغراء لديها‪...‬ولما دنى منها شعر بغثيان فظيع فهب واقفا ثم‬
‫بصق و انصرف لتستقبله الشوارع الجائعة ثانية"‪2‬‬

‫رواية الوشم‪،‬ص‪1-16‬‬
‫نفس المصدر ص‪2-40-39‬‬

You might also like