You are on page 1of 19

‫مجلة الموقف األدبي ‪ -‬مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق ‪ -‬العدد ‪ 319‬تشرين الثاني "رجب"‬

‫‪1997‬‬
‫فهرس الدوريات‬ ‫فهرس العدد‬
‫اللص والكالب(‪ ) 1‬أو الصراع بين الفرد و المجتمع ـــ د‪.‬محمد البصير‬

‫‪1-‬‬

‫الصراع الدائر بين الفرد والمجتمع‪ ،‬وأبرز ما يعانيه‬


‫في رواية "اللص والكالب" ركز نجيب محفوظ على ّ‬
‫هذا الفرد من أزمات حادة وما يقاسيه من عذاب التمزق والضياع‪ ،‬فأحس بمرارة الهزيمة والمهانة إزاء‬
‫الظروف االجتماعية القاسية التي تفرضها القوى االنتهازية التي يحركها الجشع والطمع واألنانية المقيتة‬
‫التي ال ترى في الحياة مثالً أعلى غير االنتهازية والتسلق والسعي الحثيث وراء المصالح الشخصية دون‬
‫اهتمام بالمصلحة العامة‪ .‬هذه اآلفات االجتماعية التي يعاني منها الفرد ويضيق بها ويسخط عليها أشد‬
‫تحول إلى غابة يأكل فيها القوي‬
‫حولت حياته إلى جحيم ال يطاق‪ .‬وبدا له أن المجتمع ّ‬
‫السخط إ ْذ أنها ّ‬
‫الضعيف‪ ،‬إن هذه األسباب مجتمعة جعلت من الفرد شخصاً ساخطاً حانقاً أشد الحنق على هذه األوضاع‬
‫الشر والفساد‬
‫االجتماعية الظالمة‪ .‬لذلك لم يجد بداً من التمرد على هذا المجتمع الظالم الذي تحركه قوى ّ‬
‫السيئة واألغراض الخبيثة التي عاثت في األرض فساداً‪ .‬وفي وسط هذه األوضاع البالغة‬
‫من ذوي النوايا ّ‬
‫القسوة ضاعت القيم السامية وتالشت اآلمال واألحالم وح ّل محلّها اليأس والضياع فكثرت زفرات‬
‫المضطهدين وصرخات المظلومين وأنات الفقراء والمعوزين!!‬

‫"وكما جاءت "اللص والكالب" مباشرة بعد "أوالد حارتنا"‪ ،‬كان اللص سعيد مهران أحد أبناء الحارة‬
‫الضالين‪ ،‬الذين يعيشون في وحدة وفراغ‪ ،‬وفقدان اتجاه‪ ،‬تطلع إلى الخالص‪ ،‬إلى رؤية بشرية عامة‪،‬‬
‫فظنها في الفتوة الفردية‪ ،‬في الرفض الفردي للمجتمع‪ ،‬والخروج فردياً على شريعته‪ ،‬دون بديل آخر دون‬
‫بناء آخر‪ ،‬دون ارتباط بشيء‪.‬‬

‫ظن الخالص بالهدم الفوضوي‪ ،‬لم يجمع بين الكتاب والعواطف‪ ،‬بل جمع بين الكتاب والمسدس‪ ،‬لم يجمع‬
‫بين الكتاب واآلخرين بل كان هو وحده البطل المتفرد الذي ظن أنه بسرقة األغنياء يمحق الظلم والفساد‪.‬‬
‫وهكذا فقد االتجاه وانحرف عن جادة الطريق‪ ،‬وتعرض لخيانة أقرب الناس إليه‪ .‬أما زوجته فأسلمته هي‬
‫وعشيقها إلى السجن‪ ،‬وجعلت ابنته تتنكر له‪ ،‬ثم تعرض لخيانة أستاذه الذي أخذ بيده إلى طريق التمرد‬
‫وتمرغ في نعيم اإلنتهازية"(‪.)3‬‬
‫الفردي‪ ،‬ثم تخلى عنه‪ّ ،‬‬

‫إن " اللص والكالب" التي تجيء ثاني رواية في المرحلة الفلسفية من مراحل السير لدى نجيب محفوظ‪،‬‬
‫وهي تتخذ البطل الواحد مداراً لها ولما كانت تدور حول لص ظنها بعض الدارسين رواية بوليسية تتناول‬
‫مغامرات لص شريف‪ ،‬ولكن هذا الرأي سريع بل متسرع‪.‬‬

‫"اللص والكالب" رواية بطل واحد وهذا صحيح ولكنها ليست بوليسية‪ .‬إنما هي صراع بين إرادتين‪ ،‬إرادة‬
‫الفرد الذي فقد اتجاهه ولم يعد يهتدي إلى خط سير الحركة االجتماعية الصاعدة فأحس أنه محشور في‬
‫الزاوية‪ ،‬تتعاوى عليه الكالب وتتخاطفه األنياب‪ ،‬وهو هائج ثائر صائح يضرب باليمين وبالشمال على غير‬
‫هدى‪ .‬وفي يأس لم يعد معه يؤمن بالقدرة على النجاة!"(‪.)4‬‬

‫لقد تكالبت قوى الشر والعدوان على سعيد مهران فسلبته حريته وأدخلته السجن ونهبت أمواله واستولت‬
‫على زوجته وابنته وحرمته من نعمة الهدوء واالستقرار وراحة البال‪ ،‬وأغرقته في بحر ال قرار له من‬
‫والضياع‪ .‬فحاول التخلص من أعدائه واالنتقام منهم ولكن محاولته باءت بالفشل الذريع!!‬
‫ّ‬ ‫القلق واليأس‬

‫وكان سعيد مهران يحمل آالمه المكبوتة في نفسه المضطربة التي تنطوي عليها حياته المتجهمة التي لم‬
‫تعرف طعماً للراحة واالستقرار بسبب تكالب األعداء والخصوم ضده لذلك لم يجد مفراً من اللجوء إلى‬
‫الدين له القداسة األولى واالحترام الكلي في نفوس الجماهير‬
‫الدين لعله يجد فيه األمن والطمأنينة‪ .‬ألن ّ‬
‫ّ‬
‫الشعبية‪.‬‬

‫"ويخرج سعيد مهران من السجن وكأنه يولد من جديد‪ ،‬خرج ليواجه قدره ويواجه الحياة بكل ما فيها من‬
‫خير وشر‪ .‬وكان أول شيء يواجه سعيد هو إنكار ابنته سناء له فهي ال تتعرف عليه‬

‫أبوته‪ .‬وقد وضع المؤلف إنكار االبنة داللة رمزية على اإلنكار األشمل الذي‬
‫وترفض التجاوب مع مشاعر ّ‬
‫سيواجهه سعيد من المجتمع كافة‪ .‬وفكرة اإلنكار قدمها نجيب محفوظ في غير رواية‪ ،‬وهذه القضية تبرز‬
‫عن حركات التغيير في المجتمع‪ ،‬إذ يسقط أفراد في دورتها بينما يعلو معها آخرون نتيجة لمواكبتها‪.‬‬
‫ونالحظ أن المؤلف قد عرض لفكرة اإلنكار في غير رواية له في المرحلة الروائية التي أعقبت ثورة يوليو‬
‫‪ ،1952‬فقد شهد حركة التغيير التي نجم عنها موقف السقوط التي لحقت بعضاً‪ .‬فنجد هذه القضية في‬
‫"السمان والخريف" حيث إنكار نعمات ألبيها عيسى الدباغ الذي كان داللة على سقوطه في حركة التغيير‬
‫ونحته عن دائرة الحكم‪ .‬وكذلك قدم هذه القضية في رواية ميرامار إذ نجد الوفدي‬
‫التي أطاحت بحزبه ّ‬
‫القديم عامر وجدي يعاني مرارة اإلنزواء بعد أن فقد دوره في الحياة العامة‪ .‬وإ نكار االبنة لسعيد مهران‪،‬‬
‫امتد إلى المستوى اآلخر حين وجد سعيد تعاطف المخبر حسب اللّه مع عليش سدرة وتهجمه عليه‪ ،‬وقد‬
‫تبعه الباقون الذين كانوا أعواناً لسعيد فهم المستفيدون من تملقها‪ ،‬ولهذا كان موقفهم من سعيد يتسم‬
‫باإلنكار والجحود"(‪.)5‬‬

‫وهذا اإلحساس العارم بالضياع الذي يغمر سعيد مهران إنما يتسع كلما اتسعت رقعة األحداث والمواقف‬
‫والوقائع في الرواية‪ ،‬يتسع اإلحساس بالخيانة العامة خيانة الزوجة‪ ،‬وخيانة التابع والصديق‪ ،‬وخيانة‬
‫األستاذ وتنكر االبنة‪ ،‬ثم تنتقل الخيانة لتشمل المجتمع كله‪.‬‬

‫"ويحاول سعيد مهران كلما ارتكب خطيئة أن يبحث عن االطمئنان يهرب من توتر اإلثم إلى الدين في‬
‫رحاب الشيخ الجنيدي‪ ،‬وهو غير مؤمن إيماناً كامالً إنما هي ظالل من االعتقاد تخلفت في نفسه تسوقه‬
‫من الالوعي إلى ذلك الشيخ"‪.)6(.‬‬

‫والحق أن سعيد مهران يحاول العمل بال إيمان صادق وبال عقيدة راسخة متجذرة ذات بعد عميق من‬
‫الناحية األخالقية والدينية والروحية التي سوف تعيد إليه األمن والطمأنينة والثقة بالنفس واإلعتماد عليها‬
‫ليبلغ الغاية المرجوة التي كان يسعى لتحقيقها‪ ،‬غير أن سعيد مهران ال يهتم اهتماماً كبيراً بالدين وال‬
‫يؤمن إيماناً راسخاً بالعقيدة اإلسالمية التي تهدف إلى نشر الخير بين الناس وتعينهم على أعباء الحياة‬
‫اليومية ثم تدفع بهم إلى النشاط اإليجابي الفعال الذي يعود عليهم بالفائدة والنفع العميم‪ .‬لكنا رأينا سعيد‬
‫مهران تدفعه رغبة جامحة مجنونة في اإلنتقام من أعدائه في أقصى سرعة ممكنة مهما كانت النتائج‬
‫المترتبة على ذلك ومهما كان الثمن غالياً‪.‬‬

‫فاإليمان العميق بالدين هو بالضبط ما كان يفتقر إليه سعيد مهران في رحلته الشاقة‪ .‬فالدين إذن هو‬
‫الخالص الوحيد إنه األمل األخير وبدونه يخيم اليأس والقنوط‪ .‬فالعقيدة في حياة اإلنسان صمام األمن في‬
‫عالم يمتلئ باهتزاز والقلق واالعتالل النفسي‪.‬‬

‫على أننا إذا قلّبنا المشكلة من جميع وجوهها ربما التمسنا بعض العذر لـ سعيد مهران الذي كان يعيش‬
‫شددت عليه الخناق فحاول المقاومة قدر استطاعته لكنه فشل وسقط قتيالً برصاص‬
‫أزمة حادة خانقة ّ‬
‫البوليس!!‬

‫وهذا الضياع الذي يعانيه سعيد مهران ضياع مركب فهو ضياع ديني واجتماعي وفكري ونفسي‪ ،‬والقدر‬
‫من ورائه يدفعه بقوة إلى مصيره كما يدفع غيره من الناس‪ ،‬وقد يعاند قدره ولكنه في النهاية مسوق‬
‫إليه‪ ،‬والقدر يدفعه وهو مجرم في عرف الناس ويدفع غيره وهم أبرياء كذلك في عرفهم‪.‬‬

‫‪-2-‬‬

‫الرواية‪ ،‬البد أن نقف وقفة قصيرة نتحدث فيها عن البعد االجتماعي‬


‫وقبل أن نشرع في تحليل شخصيات ّ‬
‫الرواية الذي لعب دوراً هاماً وبارزاً في حياة الشخصيات وتغيير مسارها ومصائرها تأثراً وتأثيراً‬
‫في ّ‬
‫الرواية والمصير المؤلم الذي آلت إليه‪ ،‬ذلك أن طبيعة‬
‫خاصة فيما يتعلق بالشخصية الرئيسية في ّ‬
‫الرواية على‬
‫الشخصية من الداخل والظروف االجتماعية الظالمة من الخارج هي التي أجبرت بطل ّ‬
‫اإلنحراف والخروج عن المواصفات االجتماعية‪ .‬لقد كانت الظروف االجتماعية الفاسدة التي أحاطت بالبطل‬
‫هي التي خلقت منه سارقاً ثم مجرماً قاتالً‪ .‬وكان المتسبب الرئيسي في انحرافه هو المجتمع‪.‬‬

‫فالمؤلف من خالل روايته "اللص والكالب" يشير بإصبع اإلتهام إلى المجتمع وعيوبه ومفاسده وشروره ‪.‬‬
‫هذا المجتمع الذي تسوده الفوضى واالضطراب وبكل ما يعج فيه من صراعات‬

‫والحق أن النهاية المأساوية التي دمرت سعيد مهران إنما هي الظروف االجتماعية الفاسدة المتعفنة‬
‫قضاء مبرماً في‬
‫ً‬ ‫والقوة الغاشمة للعالقات المحددة التي وقع هذا اإلنسان في شباكها والتي قضت عليه‬
‫نهاية األمر‪ .‬وقد أشار إلى هذه الفكرة أحد الدارسين حين كتب قائالً‪" :‬يحرص المؤلف على أن يشير‬
‫بأصبع االتهام إلى المجتمع‪ ،‬إذ أن المجتمع في نظره مسؤول عن جريمة سعيد مهران وهو العامل‬
‫األساسي الذي دفعه إلى التهور والجنون وارتكاب الحماقة وراء األخرى‪ ،‬فالمجرم عند نجيب محفوظ لم‬
‫يخلق مجرماً بل يفرض عليه المجتمع أن يسلك هذا الطريق الوعر المحفوف باآلالم والرعب والمخاطر"(‬
‫‪.)11‬‬

‫والمؤلف يهدف من وراء مأساة سعيد مهران إلى بيان غربة اإلنسان المعاصر وعزلته وضياعه وسط‬
‫مجتمع الغدر والخيانة واألنانية المقيتة التي داست على كل المبادئ والمثل والقيم اإلنسانية بال وازع ديني‬
‫وال ضمير أخالقي وال موقف إنساني‪.‬‬

‫" ‪-3-‬‬

‫تشتمل رواية "اللص والكالب" على شخصيات اختلفت اتجاهاتها ومواقفها وميولها‪ ،‬وتناقضت تناقضاً‬
‫الصدام واالقتتال‪ ،‬وسقطت ضحايا‬
‫الصراع الحاد القوي فيما بينها حتى وصل إلى درجة ّ‬
‫شديداً حتى ليشتد ّ‬
‫أبرياء ونجا األشرار!!‬

‫وكان سعيد مهران هو الشخصية الرئيسية في الرواية بال منازع‪ ،‬وهو الثائر المتمرد على الظلم والفساد‬
‫والغدر والخيانة‪ .‬فقد "كان حتى وهو خادم صغير يميل إلى التفكير‪ ،‬ويطمع في القيام بعمل كبير‪ ،‬وحين‬
‫لصاً عادياً‪ ،‬بل كان زعيماً وقائد عصابة‪ ،‬وكان شخصاً مرهوب‬
‫احترف السرقة لم يكن بين اللصوص ّ‬
‫السرقة إالّ ومعه فكرة تبرر له هذه السرقة وتفسرها تفسيراً‬
‫حد بعيد‪ .‬وهو أيضاً لم يحترف ّ‬
‫الجانب إلى ّ‬
‫كامالً‪ ،‬لقد أخذ الفكرة عن أستاذه الصحفي رؤوف علوان‪ ،‬وهذه الفكرة خالصتها‪" :‬إن السرقة من‬
‫اللصوص هي العدالة بعينها‪ .‬وهو يسرق من اللصوص الشرعيين‪ ،‬الذين كنا نسميهم في مجتمعنا القديم‬
‫باألغنياء‪ .‬إنه يسرق ويرى في ذلك احتجاجاً طبيعياً على مجتمع ظالم‪ ،‬يسمح للبعض أن يأكل حتى يكتظ‪،‬‬
‫ويحرم اآلخرين من أبسط مظاهر الحياة‪ ،‬وأبسط ألوان الطعام‪ .‬إنه يفلسف السرقة ويجعل منها عمالً عادياً‬
‫سليماً واحتجاجاً طبيعياً على مجتمع ظالم‪.‬‬

‫السرقة‪ .‬إنه على العكس واحد‬


‫هذه الشخصية إذن ليست شخصية إنسان عادي‪ ،‬انحرفت به الظروف إلى ّ‬
‫من ذوي العقول المريضة بالتفكير العنيف‪ ،‬وهو من أصحاب القلق الغاضب الذي يكره ويتمرد ويثور‪.‬‬

‫وهو عندما يدخل السجن يشعر أنه وقع في المأساة‪ .‬ويخرج من السجن ال ليلتمس الهدوء واإلستقرار‬
‫والبعد عن المشاكل‪ ،‬بل ليجد نفسه يزداد تمرداً‪ ،‬إن فكرة رهيبة تتحكم فيه هي االنتقام‪ ،‬واالنتقام من‬
‫ثرياً ال يهمه العدل وال يفكر في‬
‫الصحفي الذي قاده يوماً إلى فكرة العدالة ثم خان مبادئه‪ ،‬وأصبح رجالً ّ‬
‫ذلك الحلم القديم‪ ،‬واالنتقام من زوجته التي خانته وتزوجت من أقرب أصدقائه وأتباعه‪ ،‬وذلك عندما كان‬
‫يقضي مدة العقوبة في السجن‪.‬‬

‫كان سعيد مهران مثقفاً يعطي للثقافة العلمية المكانة األولى إلى جانب الحركة العملية‪ ،‬وهو ما لخصه له‬
‫أستاذه رؤوف علوان في قوله‪" :‬المسدس يتكفل بالماضي والكتاب للمستقبل‪ .‬تدرب واقرأ"(ص‪.)67‬‬

‫وهكذا فإن نجيب محفوظ "يستخدم ما يمكن تسميته بالرمز العفوي في اإلشارة إلى التفاعل العميق الذي‬
‫حدث بين رؤوف وسعيد سواء من خالل فكرة السرقة من األغنياء أو من خالل الكتب التي كان يعيرها‬
‫الرمز العفوي في تجاهل سعيد ألزمته الشخصية‬
‫الصحراء‪ .‬يتضح هذا ّ‬ ‫إياه أو التدريبات المسلحة في قلب ّ‬
‫مع نبوية وعليش‪ ،‬واتجاهه رأساً إلى الفيالّ التي يسكنها رؤوف‪ .‬ففي فترة السجن الذي سيق إليه سعيد‬
‫على إثر خيانة زوجته وصديقه‪ ،‬في هذه الفترة كان رؤوف المثقف الثائر قد مارس خيانة أكثر بشاعة هي‬
‫تحوله إلى جانب الطبقات التي حاربها من قبل‪ .‬كان رؤوف إذن هو القيمة الجديدة التي اكتشفها سعيد في‬
‫بواكير حياته‪ .‬وكانت هذه القيمة تتمرغ في الطين وهو يولي ظهره أبواب السجن‪ .‬لقد أحس أنه ‪-‬من‬
‫جديد‪ -‬يدخل سجناً من نوع آخر‪ ،‬ذلك أن القيمة الوحيدة التي كان يحقق من خاللها ذاته وحريته‪ .‬كانت‬
‫تتحول إلى قضبان حديدية لسجن كبير يقوم رؤوف بحراسة أحد جدرانه"(‪.)18‬‬

‫من خالل تتبعنا لهذه العالقات األساسية في تكوين شخصية سعيد مهران نالحظ بضع حقائق هامة‪ ،‬أوالها‬
‫لصاً عادياً أو مجرماً خطيراً‪ ،‬فأين هذا اللص الذي يسرق بنظرية ويقرأ الكتب ويناقش اآلراء‬
‫أنه ليس ّ‬
‫ويفلسفها ؟!‬

‫"وهو إذا كان قد بدأ ثائراً على الخيانة الشخصية متمثلة في نبوية وعليش‪ ،‬فإن ثورته ما لبثت بفضل‬
‫خيانة رؤوف علوان لمبادئه أن تحولت إلى ثورة عامة ذات طابع اجتماعي‪ ،‬ثورة على‬

‫الخيانة بشكل عام وعلى الفساد في كل صوره‪ ،‬وعلى المجتمع الذي يسمح بقيام مثل هذه الخيانات‬
‫ويحميها‪.‬‬

‫وإ حساس سعيد مهران القوي المتأزم ببشاعة الخيانة وسخطه الحاد عليها يؤكد أنه إنسان شريف في‬
‫أعماقه‪ ،‬فهو كما يستبشع الخيانة ال يطيق الكذب‪ ،‬وإ ذا كان قد سرق فهو لم يسرق إالّ األثرياء"(‪.)19‬‬

‫"وأثناء انهماك سعيد مهران في السطو والسرقة على األغنياء غدر به عليش سدرة أحد أتباعه فأخبر‬
‫الشرطة عن مكانه فقبض عليه وحوكم وزج به في السجن ليمكث فيه أربعة أعوام كاملة يتزوج خاللها‬
‫عليش من نبوية‪.‬‬

‫إن سعيد مهران عاش حياة فقر مدقع تجرع خاللها مرارة البؤس والذل والحرمان والشقاء طيلة حياته‪،‬‬
‫وهذا ما جعله يحس إحساساً مفرطاً بواقع حياته البائسة وقسوة مجتمعه الظالم‪ .‬فحاول أن يثور على تلك‬
‫ش ّر والظلم‬
‫األوضاع االجتماعية المتعفنة مفرداً‪ ،‬ولكن محاولته وجدت قوى أعتى منها هي قوى ال ّ‬
‫والعدوان‪ ،‬فدمرته ولم يبق من ثورته وتمرده غير صوت ضعيف لم يلبث أن تبدد صداه‪ ،‬وخاب أمله في‬
‫مبتغاه‪ .‬ورغم تكالب القوى الغاشمة ضد سعيد وتآمرها عليه إالّ أنه لم يستسلم ولم يضعف بل قاوم بعزم‬
‫وثبات ورباطة جأش حتى النهاية‪.‬‬

‫"ومن الطبيعي إذن أن ينتقل من العدائية السلبية إلى الهجوم والسطو في البداية ثم الهجوم المسلح‪ .‬ألن‬
‫أصر على محاربتها بعد خروجه منه‪ ،‬هي في الواقع‬
‫الطبقة التي كان يحاربها قبل دخوله للسجن والتي ّ‬
‫ليست نفس الطبقة وإ نما خليفتها‪ ،‬فالموظف البيروقراطي االنتهازي رؤوف علوان هو وريث لالقطاعي‬
‫فاضل باشا حسنين‪.)22(" .‬‬

‫هذا وقد "جعل نجيب محفوظ من سعيد مهران شخصاً متوافقاً ومتصالحاً مع القراء عبر تجسيده أخطاء‬
‫إن ميالً واضحاً لالنتصار للبطل كان قائماً في نفس نجيب محفوظ الذي طرحه كنموذج "نظيف"‬
‫اآلخرين‪ّ ،‬‬
‫متجرد من المصلحة لكنه بسيط وقع عرضة لتربية فكرية خاطئة‪ ،‬ودفع إلى ممارسات خاطئة‪ .‬إنه وحيد‪،‬‬
‫وحيد أمام الخيانة والغدر‪.)23 .‬‬

‫لقد اجتاحت سعيد مهران أزمة نفسية متعددة الوجوه شديدة الخطورة بعيدة األثر تركت في قلبه آثاراً ال‬
‫تمحى وجراحاً ال تندمل ودمرت في نفسه كل أمل ورجاء في الحياة‪ .‬وظ ّل خالل فترة محاربته الغدر‬
‫والخيانة يتحمل شقاء فوق طاقة البشر‪ .‬وهذا ما جعل إحساسه يتعمق بحدة األزمة الخانقة التي كان‬
‫يعانيها ولم يجد منها مخرجاً رغم قسوتها ومرارتها فشعر بالغربة والتمزق واليأس والضياع‪ ،‬شعر بعمق‬
‫هول المأساة المدمرة!!‬

‫"ومن هنا يتحول سعيد مهران إلى بطل تراجيدي يحمل كل بذور المأساة‪ ،‬فهو يحارب الخيانة بمفرده ولكن‬
‫ضرباته تطيش وال تصيب إالّ األبرياء وتتحول حياته إلى جحيم متصل وتنقلب أيامه إلى كابوس ثقيل يقلق‬
‫راحته أثناء النهار ويزوره في الليل زيارة الضيف الثقيل‪ .‬وبذلك يثير تعاطف القارئ على مصيره‪ .‬إذ أنه‬
‫ثار على الخونة والخيانة ‪ ،‬بل إن ذلك كان مجرد عاصفة هوجاء كنتيجة لطبيعته المندفعة العمياء التي‬
‫ترى الهدف أمامها فقط وال ترسم الخطط المحكمة للوصول إليه وينتج عن ذلك أن يصاب بخيبة األمل‬
‫عندما يظن أنه على وشك افتراس عدوه ويتكرر هذا في كل هجمة من هجماته بسبب روح االنتقام التي‬
‫مألت عليه حياته وحولتها إلى جنون مستعر"(‪.)24‬‬

‫ومن خالل كل ذلك ندرك أن سعيد مهران عاش فترة توتر واضطراب اختلت فيها العالقة بين الفرد‬
‫والمجتمع الذي يعيش فيه‪ .‬وقد أصبح محصوراً في دائرة ضيقة تتعاوى عليه الكالب من كل جهة ومكان‪،‬‬
‫إنه إنسان محاصر بال نصير وال معين في خضم األمواج المعادية‪ .‬وفي مواجهة عالم لم يعد احتماله ممكناً‬
‫وال اإلفالت منه متاحاً‪ .‬لذلك صمم على إزالة الظلم الذي لحقه من أعدائه وخصومه بأية وسيلة‪ ،‬ألنه كانت‬
‫تحدوه الرغبة الجامحة في االنتقام من المجتمع الظالم الذي يحمي المجرمين الحقيقيين‪ ،‬يريد أن يقضي‬
‫على هؤالء الخونة المرتدين مهما كلفه ذلك من تضحيات جسام‪ ،‬المهم أن ينتقم من أولئك الذين سلبوه‬
‫نعمة الحرية وما أعظمها من نعمة!!‬

‫"والحق أن نجيب محفوظ يستخدم منهجاً تعبيرياً معقداً في "اللص والكالب"‪ ،‬فهو يصوغ سعيد مهران في‬
‫حالة تمرده‪ ،‬بينما التمرد ليس إالّ مظهراً سطحياً لحالة االنتماء المأزوم الذي يمثله رؤوف من ناحية‪،‬‬
‫وفردية سعيد من ناحية أخرى‪ .‬والتحول والفردية هما عنصران متكامالن في شخصية واحدة‪ ،‬يمثالن‬
‫الصراع الدرامي داخل البطل التراجيدي تحقيقاً فنياً على‬
‫وحدة الذات والموضوع في إطار جدلي يحقّق ّ‬
‫الصعيد الجمالي‪ ،‬وتحقيقاً فكرياً على المستوى النظري‪ .‬سعيد مهران ليس بطالً ملحمياً‪ ،‬وإ نما هو بطل‪،‬‬
‫بطل تراجيدي يتضمن في تكوينه مقومات التناقض والتمزق‪ ،‬ويحمل في أعماقه كافة العناصر المؤدية إلى‬
‫المأساة"(‪.)27‬‬

‫كلية‪،‬‬
‫حاول سعيد مهران مراراً وتكراراً أن ينتقم من أعدائه الذين غدروا به وتآمروا عليه ودمروا حياته ّ‬
‫لكن محاولته فشلت ولم يستطع تحقيق ما كان يصبو إليه عن طريق مسدسه‪ ،‬ألن أعداءه كانوا متسلحين‬
‫بأسلحة أكثر فتكاً ودماراً من سالحه‪ ،‬وهي أسلحة الغدر والخيانة والزيف والردة والنفاق‪ .‬لذلك باءت كل‬
‫محاوالته بالفشل الذريع‪ ،‬ذلك ألن فرداً واحداً ال يستطيع أن يحارب مجتمعاً فاسداً بأكمله‪ .‬ولعل مأساة‬
‫سعيد مهران إنما تعود بالدرجة األولى إلى ذلك الركام الهائل من الزيف والخداع والنفاق الذي ساد الحالة‬
‫االجتماعية المتعفنة‬

‫لصان بالمعنى المعقد‪ ،‬قد‬


‫لصاً بالمعنى العادي المباشر فإن عليش سدرة ونبوية ّ‬
‫و"إذا كان سعيد مهران ّ‬
‫حسي حضوراً بديهياً‪ .‬ويسلط نجيب‬
‫ّ‬ ‫سرقا شيئاً ال يرى بالعين وال يلمس باليد‪ ،‬ولكنه حاضر في كل ضمير‬
‫السرقة الكبرى التي يبدو أن يد القانون ال‬
‫محفوظ الضوء باهراً‪ ،‬بحيث ال يخطئه صاحب نظر‪ ،‬على هذه ّ‬
‫وحول‬
‫لص بالمعنى الكلّي لهذه الكلمة‪ ،‬سرق مجتمعاً بأسره‪ّ ،‬‬
‫تصل إليها‪ .‬وماذا عن رؤوف علوان؟‪ .‬إ ّنه ّ‬
‫معينة‪ ،‬وسلك ضدها على طول الخط ليرتع أخيراً في النعيم المادي الذي‬
‫مسيرته‪ ،‬وذلك حين رفع شعارات ّ‬
‫كان للذين نادى بفسادهم‪ ،‬ووجوب تقويضهم‪ .‬ولقد ضمن لنفسه موقعاً ال تمتد إليه يد القانون فحسب‪ .‬بل‬
‫إ ّنه أصبح يتكلم باسم القانون‪ ،‬وقدم نفسه على أنه من حماته‪ ،‬الذين يرتبط وجوده بوجودهم‪.‬ـ والنتيجة أنه‬
‫أخذ القانون في يديه مثل سعيد مهران على طريقته الخاصة‪.‬‬

‫"وألن سعيد مهران كان وحيداً لم ينجح في إقامة جسر بينه وبين الجماهير العاطفة عليه‪ ،‬وألنه لم يستطع‬
‫أن ينظم ثورته على الفساد ويخطط لها فقد كان مصيرها الفشل وكان مصيره السقوط قتيالً!! إن هذا‬
‫الباحث عن االنتقام ينتكس وتطيش رصاصاته وتخيب كل مساعيه‪ ،‬ولكنه يظل حتى آخر لحظة شجاعاً‬
‫مقداماً يخلف في النفس ‪-‬رغم جرائمه الفاشلة‪ -‬إحساساً عميقاً باإلعجاب ببطولته ومقاومته للخونة‬
‫واالنتهازيين حتى لكأني به ‪-‬وهو اللّص القاتل‪ -‬يموت ميتة الشهداء"(‪.)30‬‬

‫حد سواء‪ .‬ذلك أنهم‬‫إن مأساة سعيد مهران مأساة رهيبة حقاً وقد استرعت انتباه القراء والنقاد على ّ‬
‫أعجبوا بشجاعة سعيد وبطولته حيناً‪ ،‬وتعاطفوا معه ألنه مهضوم الحقوق قد تآمر عليه أعداؤه أحياناً‬
‫أخرى‪.‬‬

‫"والقارئ يتعاطف معه ألنه يدافع عن شرفه المسلوب ويخاف من مصيره ألنه ال يحكم عقله‪ ،‬ولذلك كان‬
‫كل رصاصه يستقر في صدور األبرياء مما كان يزيد في جنونه واندفاعه‪ .‬فهو لم يملك القدرة على أن‬
‫يتفادى عاصفة الحقد واالنتقام التي أجبرته على أن يسير في اتجاهها إلى مصيره المحتوم الذي لم يستطع‬
‫له دفعاً‪ .‬إالّ أننا كلما عرفنا نفسية البطل وضميره ازداد اقترابنا منه وتعاطفنا معه‪ .‬إنه وحيد حيال الجميع‬
‫يدافع عن شرفه المسلوب ولكن ال رجاء له"(‪.)32‬‬
‫"إن سعيد مهران قد ولد (أو أخرج من السجن!) عمالقاً‪ ،‬تتضاءل إلى جواره كل الشخصيات التي يتعامل‬
‫معها‪ ،‬ومن تكون شخصية عليش‪ ،‬أو نبوية‪ ،‬أو طرزان‪ ،‬أو رؤوف‪ ،‬أو نور‪ ،‬إذا قورنت بشخصيته؟ وهو‬
‫يحس بهذا التميز‪ ،‬وهو تميز فيه الحنان والرقة‪ ،‬والمودة والعطف على محبيه‪ ،‬وفيه البغضاء‬
‫نفسه ّ‬
‫والحقد والنار على خائنيه‪" :‬وهو بين الناس يتضخم كالعمالق ويمارس المودة والرياسة والبطولة وبغير‬
‫ذلك ال يجد للحياة مذاقاً"(‪.)34‬‬

‫وبهذه الكيفية نما شعوره بنفسه على حساب الشعور باالنتماء إلى مجموعة يشترك وإ ياها في المصير‬
‫وأهم‪ .‬ومن الشواهد‬
‫ّ‬ ‫نفسه والغايات ذاتها‪ .‬وبدأ ينفصل عن اآلخرين ويتسامى عليهم ليتخذ أبعاداً أوسع‬
‫على ذلك رأيه في عليش سدرة صديقه ومعينه في السرقة‪ .‬يقول‪" :‬أنا الفتى الذي يخافه الجن األحمر‪.‬‬
‫كنت البطل وكان عابد البطل"‪(.‬ص‪.)117‬‬

‫تتحدد نظرته إلى نفسه‪ .‬فهو البطل ال يعترف باآلخرين إالّ على قدر إعجابهم به وعبادتهم‬
‫وفي هذا الرأي ّ‬
‫له"(‪.)35‬‬

‫يصور أبطاالً أقوياء‪ ،‬نفوسهم متفتحة للتفكير العنيف‬


‫"وهكذا نجد نجيب محفوظ في مرحلته الجديدة ّ‬
‫والمشاعر العنيفة‪ ،‬وهم يتحركون بدوافع نفسية ال بدوافع مادية محدودة‪ .‬ومما يزيد هذه النقطة وضوحاً‬
‫أن هؤالء يرفضون الحلول الميسورة في حياتهم‪ .‬ولو كانوا أشخاصاً عاديين لما رفضوا هذه الحلول على‬
‫اإلطالق‪ .‬ولكنهم أشخاص غير عاديين يملؤهم الطموح الروحي والسعي إلى هدف فريد بعيد‪.‬‬

‫فسعيد مهران يرفض حلوالً كثيرة الحت له‪ ،‬يرفض الحل الذي وضعته أمامه نور الفتاة التي أحبته وتمنت‬
‫أن تعيش له ومن أجله‪ ،‬وهو أن يبقى في البيت على أن تتحمل نور مسؤوليته حتى يلوح لهما حل آخر‪،‬‬
‫وهو يرفض التصوف‪ ،‬وال يجد فيه حالً ألزمته‪ ،‬وهو يرفض أن يعمل عمالً مادياً يأكل منه ويتالءم فيه ‪-‬‬
‫من جديد‪ -‬مع الدنيا والناس"(‪.)36‬‬

‫ومما ال شك فيه أن سعيد مهران كان صلب العود قوي الشكيمة صادق اإلرادة شجاعاً ال يخاف أحداً‪.‬‬
‫حاول التغيير عن طريق الرفض واالحتجاج والتمرد الفردي بكل عزم وإ صرار وثبات‪ ،‬لم يتسرب اليأس‬
‫إلى نفسه اعتقاداً منه أن تحدي الظروف يساوي االنتصار عليها!!‬

‫انبت نهائياً عن الهيئة االجتماعية والزمن الحاضر الذي يحويها والمكان‬


‫الجلي أن سعيد مهران قد ّ‬
‫ّ‬ ‫"ومن‬
‫الحق ومنتهى الحرية"(‪.)38‬‬
‫ّ‬ ‫الذي يحملها‪ .‬وأفلت من قوانين الحياة ليرتفع إلى حيث كمال البطولة ومطلق‬

‫يصور بأسلوبه الشعري شخصي ًة واقعية‪ ،‬فيها عنصر الخير والشر‪،‬‬ ‫وهكذا "لقد استطاع نجيب محفوظ أن ّ‬
‫وعنصر الحب والبغض‪ ،‬وعنصر الرغبة في االستقرار والتطلع القلق إلى المجهول‪ .‬وقد فتح له كثيراً من‬
‫األبواب التي تساعده على تحقيق العناصر اإليجابية في شخصيته؛ حب القراءة‪ ،‬وحب سناء‪ ،‬وحب الشيخ‬
‫الجنيدي‪ ،‬وحب شهامة إخوانه الذين يساعدونه على تنفيذ مغامراته‪ ،‬وحب نور الذي بدأ يولد في نفسه‬
‫أخيراً‪ .‬وفي الوقت نفسه أغلق في وجهه أبواباً عاقت الطاقات السابقة‪ ،‬ومنعتها من تحقيق ذاتها بخلق‬
‫خيرة بالفعل‪ ،‬أغلق في وجهه باب الوفاء فخانه أقرب الناس إليه‪ ،‬وأغلق في وجهه باب العدل‬‫شخصية ّ‬
‫فعاش يعاني إحساساً فادحاً بوقوع الظلم عليه‪.‬‬

‫وواقعية هذه الشخصية ال تنفي أبعادها الرمزية‪ ،‬وفي األدب العالمي تظهر كثيراً هذه الشخصية التي أسيء‬
‫فهمها‪ ،‬فهي ظالمة مظلومة‪ ،‬مسيئة ومساء إليها في الوقت نفسه‪ .‬إنها رمز اإلنسان في رحلته األبدية‬
‫الهادفة إلى تحقيق العدل‪ ،‬والتي كثيراً ما تنتهي بنوع من خيبة األمل الذي قد يتجلّى في الوقوع تحت‬
‫طائلة القانون باسم العدل نفسه"(‪.)39‬‬

‫وهكذا تنتهي حياة سعيد مهران نهاية مأساوية مؤلمة دفع دمه هدراً احتجاجاً على األوضاع المتعفنة‬
‫وتمرداً على قوى الغدر والخيانة التي تصدر عن وحوش المجتمع المفترسة وأرواحه الشريرة ونفوسه‬
‫المريضة وضمائره الميتة‪" ..‬إن سعيد مهران هو رمز لقيمة أصيلة في مجتمع متغير ومتدهور‪ .‬ولئن فشل‬
‫في قلب عجلة الزمن فقد أهدر دمه احتجاجاً على هذا الحاضر الذي فقد فيه كل قيمة أصيلة‪ .‬قيمة األبوة‬
‫والصدق والحرية"(‪.)40‬‬
‫ّ‬ ‫والحب‬

‫وال نختم دراستنا وتحليلنا لشخصية سعيد مهران وما تنطوي عليه من رموز وأبعاد دون أن نشير إلى‬
‫ذلك التساؤل الكبير الذي طرحه أحد الدارسين حول رواية "اللص والكالب" عامة ومشكلة بطلها الرئيسي‬
‫سعيد مهران خاصة وهو تساؤل أجاب عنه المؤلف ولم يتركه معلقاً‪ .‬ما هي القضية التي تطرحها رواية‬
‫"اللص والكالب" بين أيدينا؟ هل تريد أن تطرح رواج الرفض الفردي للمجتمع هذا الرفض الذي يهدر أبعاد‬
‫ويبددها ويوجهها في غير طريقها‪ ،‬بحيث تستنزف كل جهود الفرد وتشلّه‪ ،‬وتصيبه بالتخبط حتى‬
‫الطاقات ّ‬
‫يقع فريسة تخبطه ويستسلم إلى الموت؟!‬

‫المتفجر‪ ،‬المتش ّنج الحاقد‪ ،‬الذي ال ينقذ أبداً من جنون الوحدة‪ .‬وال يمأل على‬
‫ّ‬ ‫هل هي فضح لهذا األسلوب‬
‫صاحبه فراغاً‪ ،‬وال يرده إلى االتجاه الصحيح؟‪ .‬أغلب الظن أنها سهم يشير إلى عقم هذا المنهج"(‪.)42‬‬

‫نحن نعلم من خالل السياق الروائي أن رؤوف علوان من العناصر المرتدة التي دفعتها االنتهازية والنفعية‬
‫واألنانية إلى احتالل المناصب العليا في أشهر كبريات الصحف الحكومية‪ .‬وعن طريق هذه االنتهازية صعد‬
‫رؤوف علوان فوق قمة المجد والشهرة والثروة وانضم إلى صفوف األغنياء الذين كان باألمس يهاجمهم‬
‫زين له هذه السرقة‬
‫بمقاالته الصحفية ويدفع بـ سعيد مهران إلى سرقتهم والسطو على ممتلكاتهم‪ .‬حيث ّ‬
‫عدها عمالً مشروعاً!!‬
‫ودفعه إليها دفعاً بل ّ‬

‫لقد لعب رؤوف علوان دوراً هاماً في حياة سعيد مهران منذ مرحلة مبكرة فهو الذي سعى كي يحل هو‬
‫مرة‪ .‬وقبل ذلك كان هو‬
‫وأمه مكان أبيه المتوفى في العمل ببيت الطلبة‪ ،‬وهو الذي أنقذه حينما سرق ألول ّ‬
‫الذي أقنع أباه بإلحاقه بالمدرسة‪ .‬وهو الذي برر له السرقة وجعلها شرعية في نظره "ولواله لكان من‬
‫الممكن‪ ،‬بل كان من المرجح أن يقلع سعيد عن السرقة بعد الضرب الذي ناله‬

‫من الطالب الريفي عند ّأول سرقة‪ .‬لقد زرع التمرد في نفسه‪ ،‬وضمه إلى منظمة سرية كان أفرادها‬
‫يتدربون على القتال في صحراء العباسية ورؤوف على رأسهم‪ .‬لذلك لم يكن غريباً أن يقول سعيد‪" :‬إن‬
‫حياته ما هي إالّ امتداد ألفكار هذا الرجل"‪ .‬وأن يؤمن بكلماته‪ ،‬ويتأثر بفلسفته أكثر من تأثره بالشيخ علي‬
‫الجنيدي الذي زرع أبوه في نفسه اإليمان به"(‪.)44‬‬

‫وحين خرج سعيد مهران من السجن ذهب إلى قصر رؤوف علوان ملتمساً منه يد العون وطلب المساعدة‪،‬‬
‫لكنه تلقاه ببرودة وجفاء وأمطره بنصائح جوفاء وإ غراءات فارغة ومسوغات ومبررات ال طائل من‬
‫المرة‪ .‬ونشب بينهما خالف تحول‬
‫مرة‪ .‬لكن سعيد لم ينخدع هذه ّ‬
‫ورائها‪ .‬محاوالً أن يخدعه كما خدعه ّأول ّ‬
‫دبرها سعيد لخصمه الذي كان أكثر منه مكراً‪ ،‬وقد عاقبه بقسوة وعنف‬
‫إلى صدام‪ ،‬ومحاولة اغتيال فاشلة ّ‬
‫كبيرين‪.‬‬

‫إن نجيب محفوظ في رواية "اللص والكالب" يفضح الطبقة المتسلقة التي غيرت جلدها وداست على‬
‫مبادئها وقيمها وأخالقها وانضمت إلى الطبقة الراقية عن طريق الغدر والخيانة‪ ،‬فاستأثرت بمصالح‬
‫وامتيازات متعددة بحكم احتاللها لمناصب هامة‪ .‬وكان رؤوف علوان يرمز إلى هذه الطبقة المتسلقة التي‬
‫حصلت على الكسب المادي السريع والمكانة المرموقة دون جهد أو تعب‪.‬‬

‫وفي هذا المعنى نذكر ما أشار إليه أحد النقاد إذ كتب يقول‪" :‬تحولت قيمة الحرية عند رؤوف إلى عبودية‬
‫مذلة تتستر خلف قصر براق وسيارة فاخرة ومكتب فخم بإحدى دور الصحف الكبرى‪ .‬تحول رؤوف إلى‬
‫قيد للحرية بعد أن كان قيمة تحقق الحرية في نظر سعيد‪ .‬وال يدع الفنان رموزه متعلقة في الفضاء‪،‬‬
‫فسرعان ما يصبح سعيد مطارداً من جانب السلطة‪ ،‬ويصبح رؤوف أحد مطارديه!"(‪.)46‬‬

‫وفعالً فقد نجا رؤوف المجرم من انتقام سعيد "ونجاة المجرمين ما هي إالّ داللة على قوة وسائلهم لحماية‬
‫أنفسهم وحماية مكاسبهم‪ .‬وهي في الوقت نفسه دليل على ضعف وسائل أمثال سعيد أمام هذه القوى‬
‫الغاشمة"(‪.)50‬‬

‫هذا وقد لعبت شخصية نور دوراً بارزاً في حياة سعيد مهران فرغم أنها مختلفة إالّ أنها في الوقت نفسه‬
‫كانت الحبيبة الوافية والصديقة المخلصة لـ سعيد مهران في حين خانته زوجته نبوية وباعته بثمن بخس‬
‫ألرذل الناس بينما غدر به تابعه وأحد أعوانه عليش سدرة ووشى به لدى البوليس ليستولي بعد ذلك على‬
‫أما رؤوف فقد خان مبادئه وتنكر لثورته وعاقب سعيد معاقبة قاسية؟!‬
‫ماله وزوجته وابنته‪ّ .‬‬

‫صحيح أن نور أخالقها غير مهذبة تحت ضغط ظروف المجتمع القاسية‪ ،‬وتحت وطأة الفقر والحرمان‪.‬‬

‫وقد أكد نجيب محفوظ على أن نور أفضل من أولئك الخونة أكد ذلك في حوار له قائالً‪" :‬ففي "اللص‬
‫سيدة محترمة‪ ،‬وهناك رفيقته ‪ ،‬وهناك رؤوف‬ ‫والكالب" مثالً هناك زوجة سعيد مهران‪ ،‬والمفروض أنها ّ‬
‫علوان وهو مثقف المفروض فيه أنه كان شريفاً وملتزماً لكن انظر مدى إخالص ك ّل من هؤالء الثالثة أو‬
‫خيانته لقد كانت أكثر إخالصاً من الزوجة ومن رؤوف علوان معاً‪ .‬إن نور تدخل رواياتي لكي تشتم‬
‫شخصاً محترماً تقول له أنت السيء وليس أنا"(‪.)51‬‬

‫ونور هي األخرى تحس بالقلق والمطاردة والغربة النفسية وافتقاد األمان كما أحسها سعيد مهران من قبل‬
‫فكالهما ضحية من ضحايا األوضاع االجتماعية الفاسدة ‪.‬‬

‫الرعاية والعناية والدفء والحنان والود‬


‫وقد كانت نور سنداً قوياً وحصناً منيعاً لـ سعيد مهران فقد منحته ّ‬
‫واإلخالص وحين اختفت اختفى معها كل أمل ورجاء واستقرار في حياة سعيد مهران وحينئذ أحس بهول‬
‫الكارثة ووقع المأساة "فخنقه اليأس ودهمه الحزن ‪.‬‬

‫وشخصية نور غنية بالرموز والمعاني والدالالتـ الموحية سنتناول ذلك كله ونوضحه عند حديثنا عن‬
‫رموز الشخصيات‪.‬‬

‫‪-4-‬‬

‫لقد اشتملت رواية "اللص والكالب" على رموز كثيرة متعددة ومتنوعة وعميقة تدور كلّها حول األحداث‬
‫الصراع القائم بين‬
‫الرواية‪ ،‬وعبر ّ‬
‫والمواقف واألفكار والمشاعر التي تصطخب وتحتدم داخل شخصيات ّ‬
‫هذه الشخصيات وبين نوازعهم الداخلية وتصرفاتهم الخارجية والظروف المحيطة بهم وبين حياتهم‬
‫الحافلة بالصراعات والتناقضات الحادة‪ .‬ومن خالل ذلك تتضح لنا األبعاد اإليحائية العميقة لهذه الشخصيات‬
‫التي ترمز إلى شرائح عريضة من المجتمع المصري وفئاته الشعبية على اختالف مشاربهم ونزعاتهم‬
‫الروح وتتحرك بقوة وفعالية ونشاط‪ ،‬وهو‬
‫وميولهم‪ .‬وهي حقاً شخصيات تنبض فيها الحياة وتسري فيها ّ‬
‫ما يعطي لهذه الرواية معنى مترابطاً ومغزى ذا قيمة‬

‫اجتماعية وإ نسانية يمنح الرواية ثراء رمزياً مليئاً بالدالالت واإليحاءات العميقة‪" .‬ومن هنا فإن نجيب‬
‫محفوظ بأبعاده الفنية الجديدة صاحب موقف من التركيب االجتماعي الحديث‪ .‬وله دوره في إقامة هذا‬
‫التركيب‪ ،‬وتلويثه وتطويره بل وتغييره بهذه الوسائل الفنية ذات األعماق البعيدة‪ .‬ومن هنا كان فنه ف ّناً‬
‫جماعياً‪ .‬ثمرة لحركة المجتمع‪ ،‬ونتيجة لسلوك األنماط اإلنسانية في هذه الحركة االجتماعية"(‪.)55‬‬

‫وقد ركز المؤلف في روايته "اللص والكالب" على بعض القضايا الفكرية والسياسية والعقائدية معبراً عن‬
‫هذه المعاني السامية تعبيراً فنياً رائعاً يجمع بين التفكير الفلسفي واإلبداع الفني مؤثراً الميل إلى التجريد‬
‫والرمز وإ رسال الفكرة المعنوية ذات المغزى العميق‪ ،‬لما انطوت عليه الرواية من رموز غامضة وفلسفة‬
‫عميقة ذات أعماق وأبعاد وإ يحاءات بعيدة الغور‪ .‬وبذلك ارتفعت هذه الرواية بمستواها الفني ومضمونها‬
‫الفكري وبعدها االجتماعي وموقفها اإلنساني إلى مستوى رفيع جداً يجعلها ترتفع إلى مصاف روائع الفن‬
‫الروائي العالمي‪.‬‬

‫هذا " وقد ترك لنا نجيب محفوظ حرية التفسير والتبرير لسلوك شخصياته وحرية الحكم عليها كأنماط‬
‫بشرية تعيش في مجتمعنا أو كرموز إيحائية لمشكالت يعرفها المجتمع‪.‬‬

‫والواقع أن الرمز في "اللص والكالب" ال يقتصر على الشخصيات والمواقف فحسب وإ نما هو رمز كلي عام‬
‫وشامل يجمع كل رموز الشخصيات واألحداث والمواقف واألسماء واألماكن واللغة واألسلوب مجتمعة‬
‫وبصفة عامة‪.‬‬

‫ويأتي في مقدمة رموز الشخصيات‪ ،‬شخصية سعيد مهران البطل الرئيسي في الرواية اسمه سعيد وهو‬
‫غير سعيد إطالقاً ذلك أنه لم يذق طعماً للراحة واالستقرار فضالً عن الرفاهية والسعادة‪ .‬فهو تعيس عاش‬
‫حياة التشرد والغبن والسجن والمطاردة من بداية حياته إلى نهايتها‪ .‬وكانت الخيانة‬

‫تطارده باستمرار‪ ،‬وتالحقه كظله وتشككه في كل من حوله‪ .‬وقد أجهض الغدر كل أفراحه ومطامحه‬
‫وأحالمه وآماله وح ّل محلها اليأس واإلحباط واالنكسار ولم يفت ذلك كله في عضده فواجه أعداءه بصالبة‬
‫وعزيمة وثبات فو إذن رمز للماليين "إن من يقتلني إنما يقتل الماليين واحكموا ما شئتم"‪( .‬ص‪.)180‬‬

‫أما رؤوف علوان فليس رؤوفاً وال عالياً بل إنه رمز الغدر والخيانة واالنتهازية والتسلق "رمز الخيانة‬
‫التي ينطوي تحتها عليش ونبوية وجميع الخونة في األرض"‪(.‬ص‪.)163‬‬

‫بيناً في رمزيتها فنظر إليها كل من وجهة نظره الخاصة وموقفه‬


‫أماشخصية نور فقد اختلف النقاد اختالفاً ّ‬
‫واتجاهه العقائدي‪ .‬فـ أنور المعداوي مثالً يرى أنها رمز لمفارقات الحياة الضخمة حين تتحول المفارقة في‬
‫حياتنا إلى مشكلة‪ ،‬كما سبق أن أشرنا آنفاً‪ .‬ويرى الدكتور لويس عوض أن نور هي رمز أشبه ما يكون‬
‫إلى نور الخير وسط غابة ظلماء ال مكان فيها إالّ للصوص والكالب نور هي النور الوحيد في حياة سعيد‬
‫مهران"(‪.)58‬‬

‫ويكرر يوسف الشاروني من جهته نفس الرأي فيؤكد على أن "نور ترمز ‪-‬كما يدل على ذلك اسمها‪ -‬إلى‬
‫جانب النور في حياة سعيد مهران"(‪.)59‬‬

‫فالصحراء التي يعيش سعيد‬


‫ّ‬ ‫وقد كان "لألمكنة ‪-‬كما لألشخاص واألشياء‪ -‬دورها الظاهر في هذا الرمز‪.‬‬
‫مهران على حافّتها أيامه القلقة مطارداً ومطارداً لصاً وكلباً‪ ،‬مكان صالح لالختفاء بقدر ما هي رمز كل‬
‫صراع ونهايته"(‪.)61‬‬

‫ويرى أحد النقاد أن شقة نور ترمز إلى حالة سعيد ونفسيته المتدهورة "يقع هذا الملجأ على حافة المدينة‪،‬‬
‫وفي مواجهة المقابر‪ .‬وهذا الموقع الذي يختاره نجيب محفوظ له ال يخلو من مغزى‪ .‬إنه يقع على حافة‬
‫المدينة‪ ،‬وكذلك الحال مع سعيد مهران الذي يهيم على حافة المجتمع موتوراً مطارداً‪ .‬وهو يقع في‬
‫مواجهة المقابر‪ ،‬وعلى بعد خطوات منها‪ ،‬ومن الممكن أن يرمز ذلك إلى تقابل جديد بين الموت والحياة‪،‬‬
‫مشيراً إلى أن المجتمع الذي لفظ سعيد مهران إلى حافته يوشك أن يلفظه إلى األبد‪ ،‬هذا األبد الماثل على‬
‫قيد خطوات في المقابر رمز الفناء"(‪.)62‬‬

‫ولعل هذا الرأي األخير أقرب اآلراء إلى حقيقة رمز المقبرة فقد ترمز هذه األخيرة إلى القاهرة أو "األرض‬
‫الخراب" أو ترمز إلى غابة موحشة يتصارع فيها وحوشها حيث يأكل فيها القوي الضعيف‪ .‬وقد ترمز إلى‬
‫الروحية والمعنوية وتحوله إلى آلة صماء ال قلب‬
‫الحضارة المادية المعاصرة التي تخنق في اإلنسان القيم ّ‬
‫لها وال روح وال ضمير‪ .‬وهي مقبرة حقاً تقبر آمال اإلنسان ومطامحه حيث يشعر بقسوة الواقع وجهامته‪،‬‬
‫وحيث يعاني مرارة الظلم والقهر والعزلة واالنفراد حتى تدوسه آلة المجتمع الجهنمية التي ال ترحم‪.‬‬

‫ومن هنا أيضاً لم تتشابك األحداث فيها‪ ،‬بل كانت واضحة‪ ،‬جلية‪ ،‬مركزة تركيزاً بالغاً تكاد تخدم الرموز‬
‫التي استوعبتها األحداث نفسها‪ ،‬سواء أكانت هذه الرموز تشتمل على األبعاد الزمانية أم األبعاد المكانية‪.‬‬

‫فَ َع ْطفة الصيرفي‪ ،‬وبيت نور‪ ،‬وقصر رؤوف علوان كلّها امتداد للسجن‪ ،‬بصورة أو بأخرى‪ ،‬وكلها ملتقى‬
‫التضاد والتناقض‪ ،‬ولكها تحمل بذور الخير والشر‪ ،‬وكلّها رموز تحتوي على قدر من جوانب شخصية‬
‫البطل!‬

‫إن البطل ال يقوى على التكيف مع هذه األبعاد المكانية‪ ،‬إنه يحس بأنها منطلقات فساد‪ .‬ومنعطفات شر‪،‬‬
‫وهو يريدها أن تتحول‪ ،‬يريدها أن تتغير‪ ،‬ولكنه كمن يريد أن يغرف البحر بطاقيته كما يقولون‪.‬‬

‫الضياء في كيانه المحترق‪ ،‬الذي‬


‫بث ّ‬‫وكذلك سناء ونور رموز خير في حياته المظلمة‪ ،‬لكنها ال تقوى على ّ‬
‫تحول إلى فحمة ودخان وظلمة!! ألنه اتخذ منها طاقة احتراق‪ ،‬ولم يتخذ منها طاقة ضوء!"(‪.)65‬‬

‫أما عنوان الرواية "اللص والكالب" فهو عنوان رمزي عميق الداللة فاللص مثالً يرمز إلى سعيد مهران‬
‫الثائر المتمرد على األوضاع االجتماعية المتعفنة‪ ،‬والكالب ترمز إلى الخونة( فكر في العنوان)‬

‫الرواية في وضح النهار وانتهت عند نزول الظالم وكأنما‬ ‫الرواية وداللة مضمونها فـ"لقد بدأت ّ‬
‫أما رمز ّ‬
‫دامت يوماً واحداً‪ ،‬زيادة على رمزيته من الوجهة الميتافيزيقية باعتبار أن هذه المدة هي اختزال للحياة‬
‫البشرية بأكملها‪ .‬فتكون بدايتها الخروج إلى نور الحياة‪ ،‬ونهايتها الولوج إلى ظلمات الموت‪ .‬فـ سعيد‬
‫مهران قد انزوى في بيت نور ال يغادره إالّ في الظالم حيث يستطيع التنقل وتنفيذ ما يخطط دون أن ينتبه‬
‫إليه أحد‪ .‬فيكون الظالم هنا رمزاً للحصار الذي يعيشه‪ ،‬ولكن معناه الحقيقي يكمن في داللته الميتافيزيقية‪،‬‬
‫فالحياة ظالم متواصل بكل ما في الظالم من وحدة وسهاد ووحشة وضيق وقلق"(‪.)66‬‬

‫أما الحوار فقد "جاء في الرواية مشبعاً بهذا الجو‪ ،‬متسقاً مع هذا البناء الرمزي المكثف‪ ،‬فيأتي موحياً‬
‫بأجزاء الصورة كلّها حسب طبيعة الموقف والشخصية وهذا الجو قد يكون مرتبطاً بشخصية معينة فيأتي‬
‫مجسداً ألعماق العالقة بينهما وبين سعيد وبواسطتها يكتسب هذا الحوار أبعاده المميزة"(‪.)68‬‬

‫والبد من اإلشارة هنا إلى أن أسلوب رواية "اللص والكالب" قد ارتفع فيه المؤلف إلى لغة الشعر العالي‬
‫الرفيع‪ ،‬أسلوب مليء باإلشارات والدالالت العميقة مما جعل الرواية زاخرة بالخصب والتنوع والعمق‬
‫واالتساع الفني والفكري‪ ،‬أسلوب يقطر رقة وعذوبة وشاعرية فيبعث في الرواية الحياة والحيوية والحركة‬
‫والحرارة‪ .‬وفي هذه الرواية "ستجد أن كل لحظة وكل حركة وإ شارة‬

‫ومعنى موظفة إلبراز أو تجسيد نقطة وتسليط الضوء على جانب من القضية المطروحة‪ ،‬فمن أول سطر‬
‫في الرواية ينفذ إلينا بقوة جو الرواية العام من خالل كلمة الوصف العاديـ الذي كان يقدم لنا اإلطار العام‬
‫إليهامنا بالواقع أو ليرسم أمامنا مواقع التحرك لشخصيات الرواية‪ ،‬سنجد هذا الوصف يتغير هنا تبعاً لتغير‬
‫وظيفته‪ ،‬فهو أكثر دخوالً في القضية‪ .‬وكما أننا الحظنا كيف أن الكلمة في "الشحاذ" قد تعني معنيين في‬
‫آن واحد دون محاولة أي تفسير أو تأويل‪ ،‬فإن هذا المنحى يتكرر مرة أخرى‪ ،‬فتبدأ الرواية‪ :‬مرة أخرى‬
‫يتنفس نسمة الحرية ولكن في الجو غبار خانق وحر ال يطاق‪ .‬إن معاني هذه الكلمات الخفية تشي بالكثير‬
‫وكرست الرواية كلها‬
‫إن لم نقل أن جو الطبيعة هو نفسه جو الناس الذي لم يستطع سعيد أن يتحمله ّ‬
‫لتأكيد نسمة الحرية بالقضاء على الغبار الخانق فيها"(‪.)69‬‬

‫والمالحظ أن هذه الرواية قد اشتملت على كلمات عذبة وعبارات جميلة ومعان مركزة تركيزاً مكثفاً‪ .‬وقد‬
‫امتازت لغة الرواية بدقة التصوير وبراعة التعبير وسالمة األسلوب‪ ،‬وغنى الرموز‪ ،‬فكانت حقاً لغة غنية‬
‫صو رت شتى األفكار والعواطف والمشاعر واألحاسيس واالنفعاالت والرغبات تصويراً ف ّن ّياً‬
‫باإليحاءات ّ‬
‫جميالً رائعاً‪" .‬في اعتقادي أن دراسة "اللص والكالب" ال تتم إالّ بدراسة دقيقة للغتها تكشف عن اللعب‬
‫المقصود بدالالت األلفاظ وفي مقدمتها كلمتا "اللص" و"الكالب" اللتان تتحوالن فيما يبدو لي من النظرة‬
‫صورت األساطير "إيزيس" و"بروميثيوس" سارقين‪،‬‬‫األولى إلى رمزين لجانبين من الطبيعة البشرية‪ .‬وقد ّ‬
‫صورت مئات من الحكايات الشعبية مسخ الناس كالباً"(‪.)70‬‬
‫كما ّ‬

‫عبر تعبيراً صادقاً وموضوعياً عن األبعاد‬ ‫والحق أن نجيب محفوظ في روايته "اللص والكالب" قد ّ‬
‫االجتماعية والمؤثرات السياسية‪ ،‬واألعماق النفسية والقضايا الدينية والعقائدية والقيم اإلنسانية والمثل‬
‫األخالقية التي اشتملت عليها روايته الرائعة التي أبرز فيها بجالء ووضوح خصائصها ومميزاتها الفكرية‬
‫والفنية والجمالية والرمزية "ومن هنا استطاع نجيب محفوظ أن يبلغ باألبعاد الفنية ذروة عالية‪ ،‬واستطاع‬
‫أن يجعل هذا البعد الفني يأتي في أعماق األبعاد األخرى‪ .‬بل في نهاية المطاف من سائر األبعاد‪ .‬بحيث‬
‫ينفذ إليه من خالل األبعاد الثقافية‪ ،‬والفلسفية‪ ،‬والفكرية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والسياسية واالقتصادية‪ ،‬والخبرات‬
‫العلمية‪ ،‬فتتصافى صفوات تلك األبعاد‪ ،‬وخالصاتها المركزة‪ .‬وتنفذ جميعاً من خالل مصفاة إنسانية دقيقة‬
‫حتى تصل بحيرة الفن لك ّل أبعاده العميقة‪ .‬وهناك تتالقى وتتفاعل وتتمازج‪ ،‬وإ ذا هي تركيب جديد‪ .‬فيه‬
‫والسمات الجمالية‪ ،‬والعواطف اإلنسانية‪ ،‬والتجارب االجتماعية‪ ،‬ثم تخرج بعد ذلك في بعد‬‫ّ‬ ‫المالمح الذاتية‪،‬‬
‫جديد لتؤثر في التركيب االجتماعي بمقدار ما تأثرت به"(‪.)71‬‬

‫وهكذا نختم تحليلنا النقدي لهذه الرواية الممتازة التي عبرت تعبيراً صادقاً وعميقاً فنياً وفكرياً عن مأساة‬
‫اإلنسان المعاصر وعذابه بشكل عام‪ .‬ورواية "اللص والكالب" لـ نجيب محفوظ تقف بال شك موقف الند للند‬
‫الرواية العالمية المعاصرة شكالً ومضموناً‪.‬‬
‫لروائع ّ‬

‫المصادر والمراجع ‪:‬‬

‫(‪ )1‬نجيب محفوظ‪ " ،‬اللص والكالب"‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1973 ،1‬‬

‫( ‪ )2‬جورج سالم‪ ،‬المغامرة الروائية‪ ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق ‪ 1973‬ص‪.153‬‬

‫(‪ )3‬محمود أمين العالم‪ ،‬نجيب محفوظ‪ ،‬بين "أوالد حارتنا" و"الشحاذ"‪ ،‬مجلة الهالل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬يوليو‬
‫‪ ،1965‬ص‪.72‬‬

‫(‪ )4‬د‪ .‬عبد الرحمن ياغي‪ ،‬في الجهود الروائية ما بين سليم البستاني ونجيب محفوظ‪ ،‬المؤسسة العربية‬
‫للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1981 ،2‬ص‪.182‬‬

‫(‪ )5‬فاطمة الزهراء محمد سعيد‪ ،‬الرمزية في أدب نجيب محفوظ‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ ،1981 ،1‬ص‪.159‬‬

‫(‪ )6‬د‪ .‬محمد زغلول سالم‪ ،‬دراسات في القصة العربية الحديثة‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪،1987 ،‬‬
‫ص‪.159‬‬

‫(‪ )7‬فؤاد دوارة‪ ،‬نجيب محفوظ من القومية إلى العالمية‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪،1989 ،‬‬
‫ص‪.66‬‬

‫حب اللّه‪ ،‬دار الحداثة‪ ،‬بيروت‪ ،1965 ،‬ص‪.191‬‬


‫(‪ )8‬وليم جيمس‪ ،‬العقل والدين‪ ،‬ترجمة د‪ .‬محمود ّ‬

‫الص مد زايد‪ ،‬مفهوم الزمن وداللته في الرواية العربية المعاصرة‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬طرابلس‪،‬‬
‫(‪ )9‬عبد ّ‬
‫تونس‪ ،1988 ،‬ص‪.146‬‬

‫(‪ )10‬مصطفى التواتي‪ ،‬دراسة في روايات نجيب محفوظ الذهنية‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪،1986 ،‬‬
‫ص‪.87‬‬

‫شكل الفني عند نجيب محفوظ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫(‪ )11‬د‪ .‬نبيل راغب‪ ،‬قضية ال ّ‬
‫‪ ،1988‬ص‪.251 ،250‬‬

‫(‪ )12‬جوستاف النسون‪ ،‬تاريخ األدب الفرنسي‪ ،‬ترجمة د‪ .‬محمود قاسم‪ ،‬المؤسسة العربية الحديثة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،1962 ،‬جـ‪ ،2‬ص‪.138‬‬
‫(‪ )13‬صبري حافظ‪ ،‬اإلتجاه الروائي الجديد عند نجيب محفوظ‪ ،‬مجلة اآلداب‪ ،‬عدد ‪ ،1963 ،11‬ص‪.48‬‬

‫(‪ )14‬مصطفى التواتي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.58‬‬

‫الصمد زايد‪ ،‬مرجع‪ ،‬ص‪.170‬‬


‫(‪ )15‬عبد ّ‬

‫(‪ )16‬رجاء النقاش‪ ،‬أدباء معاصرون‪ ،‬وزارة اإلعالم العراقية‪ ،‬بغداد‪ ،1972 ،‬ص‪.149 ،148‬‬

‫(‪ )17‬ستيفن سبندر‪ ،‬الحياة والشاعر‪ ،‬ترجمة‪ ،‬د‪ .‬مصطفى بدوي‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫سلسلة األلف كتاب‪ ،‬عدد ‪ ،258‬ص‪.44‬‬

‫(‪ )18‬د‪ .‬غالي شكري‪ ،‬المنتمي‪ ،‬دراسة في أدب نجيب محفوظ‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1982 ،3‬‬
‫ص‪.275 ،274‬‬

‫(‪ )19‬فؤاد دوارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.78 ،77‬‬

‫الصمد زايد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.167‬‬


‫(‪ )20‬عبد ّ‬

‫(‪ )21‬مصطفى التواتي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.58‬‬

‫(‪ )22‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.92‬‬

‫(‪ )23‬محسن جاسم الموسوي‪ ،‬الموقف الثوري في الرواية العربية المعاصرة‪ ،‬دار الحرية‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫‪ ،1975‬ص‪.48‬‬

‫(‪ )24‬د‪ .‬نبيل راغب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.245‬‬

‫الصمد زايد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.177‬‬


‫(‪ )25‬عبد ّ‬

‫(‪ )26‬د‪ .‬غالي شكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.281‬‬

‫(‪ )27‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.273‬‬

‫الصمد زايد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.145‬‬


‫(‪ )28‬عبد ّ‬

‫(‪ )29‬د‪ .‬محمود الربيعي‪ ،‬قراءة الرواية‪ ،‬دار المعارف بمصر‪ ،‬القاهرة‪ ،1974 ،‬ص‪.27 ،26‬‬

‫(‪ )30‬فؤاد دوارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.42 ،41‬‬


‫(‪ )31‬رجاء النقاش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.165 ،164‬‬

‫(‪ )32‬د‪ .‬نبيل راغب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.247 ،246‬‬

‫(‪ )33‬نجيب محفوظ‪ :‬أتحدث إليكم‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1971 ،1‬ص‪.156‬‬

‫(‪ )34‬د‪ .‬محمود الربيعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.30 ،29‬‬

‫الصمد زايد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.168‬‬


‫(‪ )35‬عبد ّ‬

‫(‪ )36‬رجاء النقاش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.150‬‬

‫(‪ )37‬فؤاد دوارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.189‬‬

‫الصمد زايد‪ ،‬مرجع سابق‪.169 ،168 ،‬‬


‫(‪ )38‬عبد ّ‬

‫(‪ )39‬د‪ .‬محمود الربيعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.33 ،32‬‬

‫(‪ )40‬مصطفى التواتي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.61‬‬

‫الصمد زايد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.177 ،176‬‬


‫(‪ )41‬عبد ّ‬

‫(‪ )42‬د‪ .‬عبد الرحمن ياغي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.189 ،188‬‬

‫الصمد زايد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.162‬‬


‫(‪ )43‬عبد ّ‬

‫(‪ )44‬فؤاد دوارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.73 ،72‬‬

‫(‪ )45‬فاطمة الزهراء محمد سعيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.161‬‬

‫(‪ )46‬د‪ .‬غالي شكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.275‬‬

‫(‪ )47‬مصطفى التواتي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.43 ،42‬‬

‫الصمد زايد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.183‬‬


‫(‪ )48‬عبد ّ‬

‫(‪ )49‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.176‬‬

‫(‪ )50‬فاطمة الزهراء محمد سعيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.163 ،162‬‬


‫(‪ )51‬نجيب محفوظ‪ ،‬أتحدث إليكم‪ ،‬ص‪.102‬‬

‫(‪ )52‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.172‬‬

‫(‪ )53‬مصطفى التواتي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.94‬‬

‫(‪ )54‬د‪ .‬سليمان الشطي‪ ،‬الرمز والرمزية في أدب نجيب محفوظ‪ ،‬المطبعة العصرية ‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،1976‬ص‪.293‬‬

‫(‪ )55‬د‪ .‬عبد الرحمن ياغي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.204‬‬

‫المعداوي‪ ،‬كلمات في األدب‪ ،‬ص‪.123‬‬


‫ّ‬ ‫(‪ )56‬أنور‬

‫(‪ )57‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.124‬‬

‫(‪ )58‬د‪ .‬لويس عوض‪ ،‬دراسات في النقد واألدب‪ ،‬منشورات المكتب التجاري للطبع والنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪ ،1963‬ص‪.351‬‬

‫(‪ )59‬يوسف الشاروني‪ ،‬الفن الروائي في "اللص والكالب" مجلة اآلداب‪ ،‬بيروت‪ ،‬عدد ‪ ،1962 ،6‬ص‬
‫‪.11‬‬

‫(‪ )60‬رجاء النقاش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.157‬‬

‫(‪ )61‬د‪ .‬شكري عياد‪ ،‬تجارب في األدب والنقد‪ ،‬دار الكاتب العربي‪ ،‬القاهرة‪ ، 1967 ،‬ص‪.245‬‬

‫(‪ )62‬د‪ .‬محمود الربيعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.23‬‬

‫(‪ )63‬د‪ .‬شفيع السيد‪ ،‬اتجاهات الرواية المصرية‪ ،‬دار المعارف بمصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1978 ،2‬ص‪.261‬‬

‫(‪ )64‬د‪ .‬لويس عوض‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.352‬‬

‫(‪ )65‬د‪ .‬عبد الرحمن ياغي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.190 ،189‬‬

‫(‪ )66‬مصطفى التواتي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.113‬‬

‫(‪ )67‬فاطمة الزهراء محمد سعيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.165‬‬

‫(‪ )68‬د‪ .‬سليمان الشطي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.298‬‬


‫(‪ )69‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.301‬‬

‫(‪ )70‬د‪ .‬شكري عياد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.245‬‬

‫(‪ )71‬د‪ .‬عبد الرحمن ياغي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.204‬‬

You might also like