Professional Documents
Culture Documents
طريقة حفظ القرآن الكريم عند الشناقطة 2
طريقة حفظ القرآن الكريم عند الشناقطة 2
القـــرآن الكريم
عنــــد الشناقطة
ألول مرة :خطة الحفظ المتقن +نظام وجبات
يساعد على الحفظ
1
2
اإلهداء
لوالدي
( رب ارمحهما كما ربياين صغريا )
اللهم أسألك أن جتعل عملي هذا خالصا لوجهك الكرمي ،وأن جتعل جزاءه
ثوابا ألمي – رمحها اهلل تعاىل – وأليب – حيفظه اهلل تعاىل – وأن ترحم به
ُب وأن تسكنه به فسيح أخي املغفور له الدكتور :حممد األمني بن أ ُّ
جناتك.
3
شكر وتقدير
احلمد والشكر هلل أوال وآخرا ؛ فهو الذي نعمه ال تعد ،وفضله ال حيصى ،
وهو الذي بتفضله وكرمه أعان على إمتام هذا اجلهد ،ويسره ،فله احلمد
الدائم والشكر األبدي..
إيل نصحا مفيدا ،أو
وإن من متام شكر اهلل تعاىل أن أشكر كل من أسدى ّ
رأيا صائبا ؛ وقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( :ال يشكر اهلل من
ال يشكر الناس ) ( ، )1وأخص بذلك كال من :
ُب احلسين .الشيخ :حممد حيي بن سعيد اهلامشي. الشيخ :حممد بن أ ُّ
الشيخ :إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيدي.
الشيخ الدكتور :حممد بن سيدي بن احلبيب .الشيخ :حممد مبارك السالك
ويف احلقيقة أنه ال تأخري يف هؤالء املشايخ حفظهم اهلل ؛ وإن أخر بعضهم
يف الكتابة فللضرورة وكلهم مقدمون ،فجزاهم اهلل عين خري اجلزاء ،
وجعل جهودهم اليت أعانوين هبا على إخراج هذا العمل املبارك sيف موازين
حسناهتم ،ووفقين وإياهم لكل خري.
() رواه "أبو داود" يف سننه باب شكر املعروف 4811حديث رقم ج 4ص 255 1
و"الرتمذي" يف سننه باب ما جاء يف شكر من أحسن إليك حديث رقم 1954ج 4ص
339وقال :هذا حديث حسن صحيح .واحلديث صححه األلباين يف خترجيه لسنن أيب
داود والرتمذي.
4
حفظه اهلل . تقريظ فضيلة الشيخ الدكتور :محمد بن سيدي بن الحبيب
أما بعد : احلمد هلل رب العاملني وأصلي وأسلم على أفضل املرسلني
فقد قرأ علي إبراهيم بن حممد عبد اهلل احلسين حبثه املعنون ب ( طريقة حفظ
القرآن الكريم عند الشناقطة ) فإذا هو أجاد وأفاد حيث رتب البحث على
مراحل احلفظ ترتيبا دقيقا جيدا ذكر فيه صفات املعلم واملتعلمني وآداب
كل منهم وما ينبغي sأن يتصف به املعلم من األخالق وما هو ضروري له
من العلوم وذكر العادات اجلارية بني املعلم والتالميذ وبني املعلم وأولياء
أمور التالميذ وعلى كل حال فهذا البحث جيد جدا يظهر من خالله أن
صاحبه مارس هذه املهنة وعاصر أهلها أحسبه كذلك وال أزكي على اهلل
أحدا .
5
حفظه اهلل تقريظ فضيلة الشيخ :محمد مبارك السالك
احلمد هلل والصالة sوالسالم على سيد األنبياء واملرسلني وعلى آله وصحابته
أما بعد : أمجعني ..
فقد اطلعت على ما كتبه األخ الفاضل :إبراهيم بن أب يف طريقة حفظ
القرآن الكريم عند الشناقطة ..
وقد استمتعت sواستفدت من قراءته حيث وجدت فيه الكثري مما جيب
االهتمام به يف حفظ القرآن الكرمي يف وقتنا احلاضر ،هذا الوقت الذي
جتتاح العامل فيه دعوات تربوية تنبذ احلفظ وتسخر من الذين يهتمون به ،
جاعلة مكان ذلك احلرص على الفهم فحسب ،ومع أين ال أعرف إن كان
ذلك من قبيل احلرب على الثقافة اإلسالمية sبشموهلا وعلى القرآن الكرمي
خبصوصه ؛ فإنين أراه خطأ جسيما يف كل األحوال ؛ فالعلوم كلها ال ميكن
أن تستغين عن احلفظ ،والذاكرة املنفصلة ال تغين عن الذاكرة املتصلة دائما.
ومع ترحييب مبا هو واضح من عودة الناس إىل االهتمام بكتاب اهلل فإنين ال
أعتقد أن ما يبذل يف سبيل ذلك من الوقت واجلهد واملال كاف لتحقيق
نتائج حتتاج األمة بإحلاح إىل جنيها .
وأمتىن أن يوضع ما كتبه األخ إبراهيم بني يدي رب كل أسرة مسلمة حىت
يدرك ما عليه حال األمة يف زمن القوة واالزدهار وما حنن عليه اليوم s؛ لكي
يشمر اجلميع عن ساعد اجلد لعلهم أن يسامهوا يف إنقاذ األمة من حاهلا
الراهن املزري الذي تعيش فيه ،والذي ال ختفى معامله على ذي عينني .
6
ويف نظري أن هذا الكتاب بأصالته اللغوية واعتماده الواضح على النصوصs
األصلية من اآليات القرآنية ،واألحاديث النبوية املنسوبة إىل مصادرها
األساسية sجدير بأن يأخذ مكانه املناسب يف املكتبة sالعربية اإلسالمية. s
هذا الكتاب – أعين القرآن الكرمي -الذي غطى مساحة كبرية من الزمن
اإلسالمي الذي بدأ بدرس غاية يف األمهية ،شيخه واحد هو :جربيل عليه
السالم ،وتلميذه واحد هو :حممد صلى اهلل عليه وسلم ،هذا الدرس الذي
كان نقطة البداية sيف احللقة األخرية من حلقات الوحي اإلهلي ألهل األرض
؛ فال نيب بعد حممد صلى اهلل عليه وسلم وهو درس جتلت فيه حكمة
الضغط على املتعلم ؛ "فغطين حىت بلغ مين اجلهد" ،وهو أمر يشعر بأمهية sما
ميكن تسميته الضرب الرتبوي .
وألن الوقت ال يتسع لإلطالة فإنين أكتفي هبذه اإلشارات العابرة سائال
املوىل هلذا الكاتب sأن يوفقه ويأخذ بيده إىل الصواب sويعينه على الصرب يف
هذا الطريق الشاق ،وأوصيه بصدق النية والتوكل على اهلل .
كتبه الفقري إىل ربه :حممد مبارك السالك
حماضر سابق يف جامعة أم القرى مبكة املكرمة
7
حفظه تقريظ الشيخ :موالي بن حمين الحسني ( )1الشنقيطي
اهلل
() نسبة إىل قبيلة "إداب حلسن" وهي من قبائل الزوايا املعروفة يف موريتانيا.1
8
بسم اهلل الرمحن الرحيم
المقدمة :
إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ، sونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا ،من يهده اهلل فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،
وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،وأشهد أن حممدا عبده
ورسوله " ،يا أيها الذين آمنوا sاتقوا اهلل حق تقاته وال متوتن إال وأنتم
مسلمون"(" )1يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق
منها زوجها وبث منهما رجاال كثريا ونساء واتقوا sاهلل الذي تساءلون به
واألرحام إن اهلل كان عليكم رقيبا"(" ، )2يا أيها الذين آمنوا اتقوا sاهلل وقولوا
قوال سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع اهلل ورسوله
فقد فاز فوزا عظيما"( )3أما بعد ( :)4فإنه مما ال خيتلف فيه اثنان من
املسلمني أن العلم باهلل تعاىل هو أشرف العلوم على اإلطالق ،وأجلها
باالتفاق ،وهو غاية الصلحاء ،ومرمى النجباء ،هو طريق الفالح والنجاح
() هذه تسمى خطبة احلاجة ،وقد رواها "أبو داود" يف سننه ،باب خطبة النكاح ،4
حديث رقم 2118ج 2ص 238و"النسائي" يف سننه ،باب اخلطبة ،حديث رقم
1404ج 3ص 104
9
يف الدنيا واآلخرة ،من وفق له اهتدى ،ومن حاد عنه غوى ،ومن ارتقى
به رقي ،ومن اهتدى به هدي ..
وليس من طريق للعلم باهلل تعاىل إال مبعرفة كتابه ،وحفظ آياته ،وتدبر
معانيه والعمل مبحكمه ،واإلميان مبتشاهبه ..
ولذا فقد كان السلف الصاحل حيرصون كل احلرص على تعليم أطفاهلم
كتاب اهلل تعاىل حىت يرسخ يف أذهاهنم ،فينشؤوا على الفطرة ،وتسبق إىل
قلوهبم أنوار احلكمة.
قال العالمة املؤرخ ابن خلدون ( – )1رمحه اهلل تعاىل – يف مقدمته :
( تعليم الولدان sللقرآن شعار من شعائر الدين ،أخذ به أهل امللة ،ودرجوا
عليه يف مجيع أمصارهم ؛ ملا يسبق إىل القلوب من رسوخ اإلميان وعقائده ؛
بسبب آيات القرآن ،ومتون األحاديث ،وصار القرآن أصل التعليم الذي
()2
ينبين عليه ما حيصل من امللكات )
() هو :عبد الرمحن بن حممد بن حممد بن حممد بن احلسن بن حممد بن جابر ،اإلشبيلي 1
األصل ،التونسي ،مث القاهري ،املالكي ،املعروف بابن خلدون ،ولد يف أول رمضان
سنة 732هـ بتونس ،وحفظ القرآن ،والشاطبية ،وخمتصر ابن احلاجب ،والتسهيل يف
النحو ،وتفقه جبماعة من أهل بلده ،ومسع احلديث هنالك ،وقرأ يف كثري من الفنون ،
ومهر يف مجيع ذلك ،السيما األدب ،وفن الكتابة ،ويل القضاء مث عزل ،مث أعيد حىت
مات قاضيا يف يوم األربعاء ألربع بقني من رمضان سنة 808هـ.
انظر ترمجته يف "البدر الطالع" ج 1ص337
() انظر " :مقدمة ابن خلدون" ص 397نقال عن كتاب "أطفال املسلمني كيف رباهم 2
10
وإذا كان تعليم القرآن الكرمي لألطفال هو ديدن السلف الصاحل ،وحمل
اهتمامهم ورعايتهم ؛ فلقد كان للشناقطة حظ ال يستهان به من ذلك
االهتمام وتلك الرعاية ،فحرصوا على أن يكون sالقرآن الكرمي هو اللبنة
األوىل ،وحجر األساس يف تعليم أطفاهلم وناشئتهم ،وبذلوا كل طاقاهتم
وجهودهم للوصول إىل حفظه ؛ حفظا ال يكاد ينسى مع مشاغل احلياة
املتكاثرة ...
وسوف أذكر هنا الطريقة اليت اتبعوها للوصول هلذا اهلدف السامي ،
والوسائل اليت وضعوها لبلوغ هذه الغاية النبيلة ،مع بعض الفوائد sاملتعلقة
هبذا املوضوع ..
وحملاولة الوصول هلذا اهلدف قسمت هذه العجالة إىل مقدمة ،وتسعة
مباحث وخامتة :
املبحث األول :تعريفات مهمة.
املطلب األول :تعريف احلفظ.
املطلب الثاين :تعريف القرآن الكرمي لغة ،واصطالحا.
املبحث الثاين :بعض األدلة من الكتاب ،والسنة ،وعمل سلف األمة ،
على الرتغيب sيف حفظ القرآن الكرمي .
املطلب األول :بعض األدلة من كتاب اهلل تعاىل على الرتغيب sيف حفظه ،
وتالوتهs.
املطلب الثاين :بعض األدلة من السنة على الرتغيب يف حفظ القرآن الكرمي.
املطلب الثالث :اهتمام السلف الصاحل حبفظ كتاب اهلل تعاىل .
11
املبحث الثالث : sمن فوائد حفظ القرآن.
املبحث الرابع :أمور أساسية تعني على حفظ كتاب اهلل تعاىل.
املطلب األول :اغتنام sسن الطفولة والصغر .
املطلب الثاين :اغتنام sاألوقات املناسبة للحفظ .
املطلب الثالث :اتباع اخلطوات اليت تسهل عملية احلفظ.
املطلب الرابع :أمور تضعف الذاكرة ،وتعيق عملية احلفظ .
املبحث اخلامس :طريقة الشناقطة يف حفظ كتاب اهلل تعاىل .
املطلب األول :التعريف بالشناقطة .
املطلب الثاين :صفات الشيخ الذي يتوىل التدريس عند الشناقطة.
املطلب الثالث :الصالحيات املمنوحة لشيخ احملضرة.
املطلب الرابع :سرد طريقة الشناقطة يف حفظ كتاب اهلل تعاىل.
املطلب اخلامس :أهم القواعد املتبعة يف احملضرة .
املطلب السادس :أقرب الطرق الرتبوية sإىل طريقة الشناقطة.
املبحث السادس :مشكلة النسيان ،وكيف عاجلها الشناقطة .
املطلب األول :تعريف النسيانs
املطلب الثاين :التغليظ يف نسيان القرآن الكرمي بعد حفظه .
املطلب الثالث :عالج الشناقطة للنسيانs.
املبحث السابع :بعض املآخذ على طريقة الشناقطة يف احلفظ
املبحث الثامن :بعض األخطاء الشائعة يف تالوة القرآن الكرمي
املبحث التاسع :خطة احلفظ املتقن.
12
اخلامتــة .
13
14
المبحث األول :تعريفات مهمة
المطلب األول :تعريف الحفظ :
احلفظ :ضبط الصور املدركة ،وقيل هو تأكد املعقول واستحكامه sيف
العقل ،وقيل هو التعاهد وقلة الغفلة نقيض النسيان ، sويقال تارة هليئة
النفس اليت هبا يثبت ما يؤدي إليه التفهم ،وتارة لضبط الشيء يف النفس ،
وتارة الستعمال تلك القوة s؛ فيقال حفظت كذا حفظا ،مث استعمل يف كل
()1
تفقد ،وتعهد ورعاية.
المطلب الثاني :تعريف القرآن الكريم
أ -القرآن الكريم في اللغة :
اختلف أهل اللغة يف لفظة القرآن على فريقني :
– 1الفريق األول قال إهنا مشتقة ،وانقسموا sإىل ثالثة أقوال :
أ – أهنا مشتقة من "قرأ" اليت مبعىن اجلمع والضم ،أي ضم ومجع احلروف
بعضها إىل بعض.
ب – أهنا مشتقة من "قرأ" اليت مبعىن أظهر وبني ،ألن القارئ يظهره ويبينه.
ج – أهنا مشتقة من "قرأ" مبعىن تال ،فتكون sمصدرا على وزن فعالن ،
()2
كرجحان ،وغفران ،وحنو ذلك.
() انظر " :لسان العرب" ج 7ص 441و "التعريفات" ج 1ص 285 1
() انظر"مناهل العرفان" ج1ص 7و"مباحث يف علوم القرآن" مناع القطان ص20 2
15
– 2أما الفريق اآلخر فقال :إن لفظة القرآن غري مشتقة ،وإمنا هي علم
على كتاب اهلل املنزل على حممد صلى اهلل عليه وسلم ،فإذا أطلقت ال
()1
تنصرف إال إليه شأهنا يف ذلك شأن الزبور ،والتوراة ،واإلجنيل وغريها.
ولذلك مل جيدوا لفظا جيمعون عليه كلمة قرآن من لفظه ؛ فاستحدثوا كلمة
()2
"مصحف" ؛ لينطقوا sهبا يف صيغة اجلمع.
ويعرتض عليه بأن املصحف إمنا يقال للصحائف املدون فيها القرآن ،أما
القرآن فهو األلفاظ ذاهتا.
وقال الزرقاين تعليقا على األقوال السابقة .. ( :وأما القول بأنه وصف من
القرء مبعىن اجلمع ،أو أنه مشتق من القرائن ،أو أنه مشتق من قرنت الشيء
بالشيء ،أو أنه مرجتل أي موضوع من أول األمر علما على الكالم املعجز
املنزل ،غري مهموز ،وال جمرد من أل ؛ فكل ذلك ال يظهر له وجه وجيه ،
وال خيلو توجيه بعضه من كلفة ،وال من بعد عن قواعد االشتقاق ،وموارد
اللغة وعلى الرأي املختار ،فلفظ القرآن مهموز ،وإذا حذف مهزه فإمنا
ذلك للتخفيف وإذا دخلته أل بعد التسمية ؛ فإمنا هي للمح األصل ال
()3
للتعريف ).
16
ب -القرآن في االصطالح :
أما القرآن الكرمي يف االصطالح ؛ فقد عرف بأنه :كالم اهلل املعجز املنزل
()1
على حممد صلى اهلل عليه وسلم ،املنقول sإلينا بالتواتر املتعبد بتالوتهs.
وكل مفردة من مفردات هذا التعريف أضافت قيدا ،خيرج ما سوى القرآن
الكرمي ؛ فلفظة كالم اهلل تشمل كل كالم تكلم به سبحانه يف هذا الكتاب
الكرمي :املفرد منه ،واملركب ( )2وإضافته إىل اهلل تعاىل خُت رج كالم غريه ،
من املالئكة ،واإلنس ،واجلن ،وغريهم .
ولفظ "املنزل على حممد صلى اهلل عليه وسلم" قيد خيرج به :
()3
أ -كالم اهلل تعاىل الذي استأثر به يف علمه ،فال يسمى قرآنا.
ب -ما أُنزل على األنبياء sالسابقني قبله ،كصحف إبراهيم ،والتوراة ،
واإلجنيل ،والزبور ،وغريها.
ولفظ " املنقول إلينا بالتواتر " خيرج مجيع ما سوى القرآن من منسوخ
17
()2
التالوة ،)1(sوالقراءات غري املتواترة.
أما لفظ "املتعبد بتالوته" فإنه خيرج األحاديث القدسية املنقولة sبالتواتر ؛
ألهنا ال يتعبد بتالوهتا ،ال يف الصالة ،وال يف غريها .
وقد عرف القرآن الكرمي بتعريفات كثرية ،فيها إضافات ،واحرتازات ،
وقيود كثرية .
وأدق التعريفات يف نظري أن القرآن هو :كالم اهلل تعاىل ،املنزل على
حممد صلى اهلل عليه وسلم ،املتعبد بتالوته ، sاملنقول إلينا بالتواتر.
فهو تعريف جامع مانع – إن شاء اهلل -ومجيع الزيادات على هذا التعريف
،ال ختلو – يف نظري -من نظر ،واهلل أعلم.
() منسوخ التالوة :يطلق على اآليات اليت نسخ لفظها ،كآية الرجم ،وهي " :الشيخ ، 1
والشيخة إذا زنيا ؛ فارمجوهم البتة نكاال من اهلل ،واهلل عزيز حكيم" وكآية االدعاء لغري
األب على قول بعضهم ،وهي" :وال ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن
آبائكم".
() انظر " :مناهل العرفان" ج 1ص13 2
18
المبحث الثاني :بعض األدلة من الكتاب ،والسنة ،وعمل سلف األمة على
الترغيب في حفظ القرآن الكريم.
المطلب األول :بعض األدلة من كتاب اهلل تعالى على الترغيب في حفظه
وتالوته.
إن أمهية حفظ القرآن الكرمي ال ختفى على مسلم ،فهو املعجزة اخلالدة للنيب
صلى اهلل عليه وسلم ،وهو الذي ال تنقضي sعجائبه ،وال ميل مع كثرة
التكرار ،فيه خرب ما كان وما سيكون ،فيه تنظيم حياة الفرد واجملتمعات
،إن أراد اإلنسان sالفالح يف الدنيا واآلخرة فليعتصم به ،وإن أحب التقدم
املادي واملعنوي فلينهل من معينه ،وليستمسك هبديه ...
ومن نعم اهلل على أفراد هذه األمة أن خصهم هبذا الكتاب الكرمي ،وجعل
قلوهبم أناجيل ( )1يتلون كتابه مىت شاؤوا ،وعلى أي حال أرادوا .
قال قتادة ( ( : )2وكان من قبلكم من األمم يقرؤون كتاهبم نظرا ،فإذا
() اإلجنيل اسم كتاب اهلل تعاىل الذي أنزله على عيسى بن مرمي ،ومجعه أناجيل ،قيل إنه 1
اسم عريب ،وقيل هو عرباين ،وقيل سريياين ،وعلى القول األول ،قيل مشتق من "النجل"
وهو األصل ،يقال :هو كرمي النَّ ْـجل أَي األَصل والطَّْبع ،أو من جنلت الشيء أي أظهرته
،أو من جنله إذا استخرجه .انظر " :تاج العروس" ج 8ص 128و "لسان العرب" ج
11ص 648و "النهاية" ج 5ص 22
() هو :قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز السدوسي ،حافظ العصر ،قدوة املفسرين ، 2
واحملدثني ،أبو اخلطاب السدوسي البصري الضرير األكمه ،وسدوس هو ابن شيبان بن
ذهل بن ثعلبة من بكر بن وائل ،ولد سنة ستني ،وروى عن عبد اهلل بن سرجس ،وأنس
بن مالك ،وأيب الطفيل الكناين ،وسعيد بن املسيب ،وغريهم ،وروى عنه أئمة اإلسالم
19
رفعوه مل حيفظوا منه شيئا ،ومل يعوه ،وإن اهلل تعاىل أعطاكم من احلفظ
شيئا مل يعطه أحدا من األمم قبلكم ،خاصة خصكم اهلل هبا ،وكرامة
()1
أكرمكم اهلل هبا ).
ولعظمة هذا لكتاب الكرمي فقد امنت اهلل سبحانه على عباده بإرساله رسوال
يتلو عليهم آياته قال تعاىل ( :هو الذي بعث يف األميني رسوال منهم يتلوا
عليهم آياته ويزكيهم ،ويعلمهم الكتاب واحلكمة ،وإن كانوا من قبل لفي
()2
ضالل مبني )
:أيوب السختياين ،وابن أيب عروبة ،ومعمر بن راشد ،واألوزاعي ،قال الذهيب ( :وهو
حجة باإلمجاع إذا بني السماع ؛ فإنه مدلس معروف بذلك ،وكان يرى القدر نسأل اهلل
العفو ،ومع هذا فما توقف أحد يف صدقه ،وعدالته ،وحفظه ،ولعل اهلل يعذر أمثاله ممن
تلبس ببدعة يريد هبا تعظيم الباري ،وتنزيهه ،وبذل وسعه ،واهلل حكم عدل لطيف
بعباده ،وال يسأل عما يفعل ،مث إن الكبري من أئمة العلم إذا كثر صوابه ،وعلم حتريه
للحق ، sواتسع علمه ،وظهر ذكاؤه ،وعرف صالحه ،وورعه ،واتباعه ،نغفر له زالته
،وال نضلله ،ونطرحه ،وننسى حماسنه ،نعم ،وال نقتدي به يف بدعته ،وخطئه ،
ونرجوا له التوبة من ذلك ) قلت :ومما يدل على ورعه ،وخوفه من اهلل ،ما روي عن
أيب هالل ،قال :سألت قتادة عن مسألة ؛ فقال :ال أدري ؛ فقلت :قل فيها برأيك ،
قال :ما قلت برأيي منذ أربعني سنة ،وكان يومئذ له حنو من مخسني سنة .قال الذهيب :
فدل على أنه ما قال يف العلم شيئا برأيه ،تويف – رمحه اهلل تعاىل -سنة مثاين عشرة ومائة.
انظر ترمجته يف " :سري أعالم النبالء" ج 5ص 269و "طبقات احلنفية" ج 1ص548
() انظر " :متشابه القرآن العظيم" ص22 - 21 1
20
ورغب تعاىل يف حفظه يف آيات متعددة ،فقال جل من قائل ( :إن الذين
يتلون كتاب اهلل وأقاموا الصالة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعالنية sيرجون
()1
جتارة لن تبور ).
قال اإلمام الشوكاين ( – )2رمحه اهلل تعاىل ( : -أي يستمرون عــلى
تالوته ،ويداوموهنا ،والكتاب هو القرآن الكرمي ،وال وجه ملا قيل :إن
()3
املراد به جنس كتب اهلل ).
ومن املعلوم أن املداومة sعلى تالوته تستلزم حفظه ،وتصعب مع عدم احلفظ
،فقد يكون sاإلنسان يف مكان ال جيد فيه مصحفا ،أو هو مشغول عن فتح
املصحف والنظر فيه ،كما إذا كان يسوق السيارة وحنو ذلك ،فإذا كان
حيفظه عن ظهر قلب ،كان ذلك أدعى ملداومته على تالوته ،كما هو
ظاهر.
() هو :حممد بن علي بن حممد الشوكاين اإلمام العالمة الرباين ،حبر العلوم ومشس الفهوم 2
،ولد سنة 1173ه ـ وأخذ عن أغلب علماء زمانه خمتلف العلوم ،وبرع يف جلها ،
صنف كثريا من التصانيف املفيدة من أمهها " :نيل األوطار شرح منتقى األخبار" و "فتح
القدير" يف التفسري ،وغريمها ،ومن آخر ما ألف كتابه " :السيل اجلرار املتدفق على حدائق
األزهار" تويف يف مجادى اآلخرة سنة 1250هـ رمحه اهلل تعاىل .انظر ترمجته يف " :أجبد
العلوم" ج 3ص201
() انظر " :فتح القدير" ج 4ص 348 3
21
وقال ابن اجلوزي ( – )1رمحه اهلل تعاىل ( : -قوله تعاىل " :إن الذين يتلون
مطرف
كتاب اهلل" يعين قراء القرآن ؛ فأثىن عليهم بقراءة القرآن ،وكان ِّ
()2
يقول :هذه آية القراء ).
وكان حال النيب صلى اهلل عليه وسلم املداومة sعلى تالوة القرآن ،كما قال
تعاىل ( :إمنا أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء
()3
وأمرت أن أكون من املسلمني وأن أتلو القرآن .) ...
() هو :العالمة احلافظ املفسر شيخ اإلسالم أبو الفرج عبد الرمحن بن علي بن حممد بن 1
علي البغدادي احلنبلي الواعظ ،صاحب التصانيف ،يرجع نسبه إىل أيب بكر الصديق –
رضي اهلل تعاىل عنه وأرضاه -ولد سنة تسع أو عشر ومخسمائة ،مسع من ابن احلصني ،
واحلسني بن حممد البارع ،وعلي بن عبد الواحد الدينوري ،وطائفة ،جمموعهم يزيد على
الثمانني شيخا ،حدث عنه ولده العالمة حميي الدين يوسف ،وولده الكبري علي الناسخ ،
واحلافظ عبد الغين ،والشيخ موفق الدين ابن قدامة ،وخلق ،وصنف يف التفسري "املغين" مث
اختصره يف أربع جملدات ومساه "زاد املسري" ،وله "تذكرة األريب" يف اللغة ،و"فنون
األفنان" ،ويصل جمموع تصانيفه حنو مائتني ومخسني كتابا .مرض مخسة أيام ،وتويف ليلة
اجلمعة بني العشاءين الثالث عشر من رمضان سنة سبع وتسعني ومخسمائة.
انظر ترمجته يف " :سري أعالم النبالء" ج 21ص365
() انظر " :زاد املسري" ج 6ص 486 2
22
قال اإلمام الشوكاين – رمحه اهلل تعاىل ( : -أي أداوم تالوته ،وأواظبs
على ذلك ،قيل :وليس املراد من تالوة القرآن هنا إال تالوة الدعوة إىل
()1
اإلميان واألول أوىل )
ويف القرآن الكرمي من اآليات اليت حتث على تالوة القرآن ،وتبني فضلها
غري ما ذكرنا كثري ،وال يتسع املقام لسرده والتوسع فيه...
المطلب الثاني :بعض األدلة من السنة على الترغيب في حفظ القرآن
الكريم :
لقد بني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فضل حفظ القرآن ،وتعاهده ،
والعمل به ،يف كثري من األحاديث النبوية sالشريفة ،فعن عثمان بن عفان -
رضي اهلل تعاىل عنه -قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( :خريكم
()2
من تعلم القرآن وعلمه ).
() رواه "البخاري" يف صحيحه باب :خريكم من تعلم القرآن وعلمه حديث رقم 2
23
قال احلافظ ابن حجر ( – )1رمحه اهلل تعاىل ... ( : -والذي يعلم غريه
حيصل له النفع املتعدي ،خبالف من يعمل فقط ؛ بل إن من أشرف العمل
تعليم الغري فمعلم غريه يستلزم أن يكون sتعلمه وتعليمه لغريه عمال ،
وحتصيل نفع متعد وال يقال لو كان املعىن حصول النفع املتعدي الشرتك
كل من علم غريه علما ما يف ذلك ؛ ألنا نقول :القرآن أشرف العلوم ؛
فيكون sمن تعلمه وعلمه لغريه أشرف ممن تعلم غري القرآن ،وإن علمه ،
وال شك أن اجلامع بني تعلم القرآن وتعليمه ،مكمل لنفسه ولغريه ،جامع
بني النفع القاصر والنفع املتعدي ،وهلذا كان أفضل ،وهو من مجلة من عىن
سبحانه وتعاىل بقوله " :ومن أحسن قوال ممن دعا إىل اهلل وعمل صاحلا
وقال إنين من املسلمني" ()2والدعاء إىل اهلل يقع بأمور شىت ،من مجلتها تعليم
()3
القرآن ،وهو أشرف اجلميع ).
وعن أيب موسى األشعري ( – )4رضي اهلل تعاىل عنه -قال :قال رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم ( :مثل املؤمن الذي يقرأ القرآن مثل األترجة ،رحيها
() هو :أمحد بن على بن حممد ،املعروف بابن حجر نسبة إىل بعض أجداده ،الكناين 1
العسقالين ،مث املصري ،أبو الفضل sشهاب الدين الشافعي املذهب ،ولد سنة 773هـ
واشتهر بالتصانيف الكثرية املفيدة ومن أشهرها ( :فتح الباري شرح صحيح البخاري ) و
( هتذيب التهذيب ) و( اإلصابة يف متييز الصحابة) وغريها تويف سنة 852هـ .
انظر ترمجته يف " :حسن احملاضرة" ج 1ص 311و "هدية العارفني" ج 1ص 128
() فصلت sاآلية 33 2
24
طيب ، sوطعمها طيب sومثل املؤمن الذي ال يقرأ القرآن مثل التمرة ،ال
ريح هلا ،وطعمها حلو ومثل املنافق الذي يقرأ القرآن مثل الرحيانة ،رحيها
طيب sوطعمها مر ،ومثل املنافق الذي ال يقرأ القرآن كمثل احلنظلة ،ال
()1
ريح هلا وطعمها مر ).
فانظر كيف جعله ميزانا ومعيارا ؛ يرتفع املرء ويسمو حبسب كثرة قراءته له
وينتكس sويتقهقر حبسب بعده عن تالوته ،والعمل به.
وقال وهو الصادق املصدوق صلوات اهلل وسالمه عليه ( :إن اهلل يرفع هبذا
()2
الكتاب أقواما ،ويضع به آخرين ).
4
() هو :عبد اهلل بن قيس بن سليم بن حضار أبو موسى األشعري ،قدم املدينة بعد فتح
خيرب ،واستعمله النيب صلى اهلل عليه وسلم على بعض اليمن ،كان أحد احلكمني بصفني ،
مث اعتزل الفريقني ،روى عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ،واخللفاء األربعة ،ومعاذ ،
وغريهم ،وعنه أوالده :موسى ،وإبراهيم ،وأبو بردة ،وأبو بكر ،وامرأته أم عبد اهلل ،
ومن الصحابة :أبو سعيد ،وأنس ،وطارق ،وقال له النيب صلى اهلل عليه وسلم :لقد
أوتيت مزمارا من مزامري آل داود ،عاش ثالثا وستني سنة ،ومات – رضي اهلل عنه
وأرضاه – يف سنة مخسني .انظر ترمجته يف " :اإلصابة يف متييز الصحابة" ج 4ص 211و
"الطبقات الكربى" ج 4ص 105و "سري أعالم النبالء" ج 2ص380
() رواه "البخاري" يف صحيحه ،باب ذكر الطعام ،حديث رقم 5111ج 5ص 1
2070و "مسلم" يف صحيحه باب فضيلة حافظ القرآن حديث رقم 797ج 1ص
549
() رواه "مسلم" يف صحيحه ،باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه ،حديث رقم 817ج 2
1ص 559
25
وقال ( :إن هلل أهلني من الناس قالوا :من هم يا رسول اهلل ؟ قال :أهل
()2
القرآن هم أهل اهلل وخاصته ) )1( .ومعىن أهل اهلل أي أولياؤه sوأنصاره
قال القرطيب ( – )3رمحه اهلل تعاىل ( : -فقرأة القرآن محلة سر اهلل املكنون
،وحفظة علمه املخزون ،وخلفاء أنبيائه وأمناؤه ، sوهم أهله وخاصته ،
()4
وخريته وأصفياؤه ).
() رواه "احلاكم" يف مستدركه ،باب أخبار يف فضائل القرآن مجلة ،حديث رقم 2046 1
ج 1ص 743وقال ( :وقد روي هذا احلديث من ثالثة أوجه عن أنس ،هذا أمثلها ).
() انظر " :كيف حتفظ القرآن" ص 13حممد بن علي العرفج. 2
() حممد بن أمحد بن أيب بكر بن فرح ،الشيخ اإلمام أبو عبد اهلل األنصاري األندلسي 3
القرطيب ،صاحب التفسري ،كان من عباد اهلل الصاحلني ،والعلماء العارفني الورعني
الزاهدين ،حدث عن أيب علي احلسن بن حممد ،وحممد البكري ،وغريمها ،صنف كتبا
كثرية مفيدة من أمهها :تفسريه املشهور بتفسري القرطيب وكتاب األسىن يف أمساء اهلل احلسىن
،وكتاب التذكرة ،وكان مستقرا sمبنية بين خصيب ،وتويف هبا ،ودفن يف شوال من سنة
إحدى وسبعني وستمائة .
انظر ترمجته يف " :الوايف بالوفيات" ج 2ص 87و"الديباج املذهب" ج 1ص317
() انظر " :تفسري القرطيب" ج 1ص 1 4
26
وعن أيب أمامة الباهلي ( – )1رضي اهلل تعاىل عنه -قال :قال رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم ( :اقرؤوا القرآن ،فإنه يأيت يوم القيامة شفيعا
ألصحابه ،اقرؤوا الزهراوين ( )2البقرة ،وسورة آل عمران ؛ فإهنما تأتيانs
يوم القيامة sكأهنما غمامتان ،أو كأهنما غيايتان ( )3أوكأهنما فرقان من طري
1
() هو ُ :
ص َدى – بالتصغري -بن عجالن بن احلارث بن عريب بن وهب بن رياح بن
احلارث بن معن بن مالك بن أعصر الباهلي أبو أمامة ،مشهور بكنيته ،روى عن النيب
صلى اهلل عليه وسلم ،وعن عمر وعثمان ،وعلي ،وروى عنه :أبو سالم األسود ،
وحممد بن زياد ،وشرحبيل بن مسلم . sمات سنة ست ومثانني ،وله مائة وست سنني ؛
فقد صح عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم مات حينما كان عمره ثالثا وثالثني سنة .
انظر ترمجته يف " :اإلصابة يف متييز الصحابة" ج 3ص 420و "الوايف بالوفيات" ج 16ص
177
() قال القرطيب ( :للعلماء sيف تسمية البقرة وآل عمران بالزهراوين ثالثة أقوال ،األول : 2
أهنما النريتان مأخوذ من الزهر والزهرة ؛ فإما هلدايتهما قارئهما مبا يزهر له من أنوارمها أي
:من معانيهما ،وإما ملا يرتتب على قراءهتما من النور التام يوم القيامة ،وهو القول الثاين
،الثالث :مسيتا بذلك ألهنما اشرتكتا فيما تضمنه اسم اهلل األعظم ،كما ذكره أبو داود ،
وغريه ،عن أمساء بنت يزيد أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ( :إن اسم اهلل األعظم
يف هاتني اآليتني " :وإهلكم إله واحد ال إله إال هو الرمحن الرحيم" ،واليت يف آل عمران :
"اهلل ال إله إال هو احلي القيوم" ) انظر " :تفسري القرطيب" ج 4ص3
() الغمام السحاب امللتف ،وهو الغياية إذا كانت قريبا من الرأس ،وهي الظلة أيضا ، 3
27
صواف ،حتاجان عن أصحاهبما ،اقرؤوا سورة البقرة ؛ فإن أخذها بركة ،
()2
وتركها حسرة ،وال تستطيعها البطلة(.) )1
وعن عائشة ( – )3رضي اهلل تعاىل عنها – قالت :قال رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم ( :املاهر بالقرآن مع السفرة الكرام الربرة ،والذي يقرأ القرآن
()4
،ويتتعتع فيه ،وهو عليه شاق :له أجران ).
() رواه "مسلم" يف صحيحه ،باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة ،حديث رقم 804 2
ج 1ص 553
3
() هي :عائشة بنت أيب بكر الصديق عبد اهلل بن عثمان رضي اهلل عنهم ،وأمها :أم
رومان بنت عامر الكنانية ،ولدت بعد املبعث بأربع سنني أو مخس ،تكىن أم عبد اهلل ،
قالت عائشة :فضلت sبعشر فذكرت جميء جربيل بصورهتا ،قالت :ومل ينكح بكرا غريي
،وال امرأة أبواها مهاجران غريي ،وأنزل اهلل براءيت من السماء ،وكان ينزل عليه الوحي
وهو معي ،وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد ،وكان يصلي وأنا معرتضة بني يديه ،
وقبض بني سحري وحنري ،يف بييت ،ويف ليليت ،ودفن يف بييت ،روت عائشة عن النيب
صلى اهلل عليه وسلم الكثري من األحاديث ،وروت أيضا عن أبيها ،وعن عمر ،وفاطمة
رضي اهلل عن اجلميع ،وروى عنها عدد من الصحابة منهم :عمر ،وابنه عبد اهلل ،وأبو
هريرة ،رضي اهلل عنهم ،ماتت سنة مثان ومخسني يف ليلة الثالثاء لسبع عشرة خلت من
رمضان ،وقيل سنة سبع ،ودفنت بالبقيع رضي اهلل عنها وأرضاها .انظر ترمجتها يف :
"اإلصابة يف متييز الصحابة" ج 8ص 16و"الوايف بالوفيات" ج 1ص77
() رواه "مسلم" يف صحيحه ،باب فضل املاهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه ،حديث رقم 4
28
قال النووي ( – )5رمحه اهلل تعاىل ... ( : -واملاهر :احلاذق الكامل احلفظ
() هو :اإلمام الفقيه احلافظ األوحد القدوة شيخ اإلسالم ،علم األولياء ،حمىي الدين ،
5
أبو زكريا حيىي بن شرف بن مري احلزامي احلوراين الشافعي ،ولد يف احملرم سنة إحدى
وثالثني وستمائة ،وقدم دمشق sسنة تسع وأربعني ،وحج مرتني ،ومسع من الرضي ابن
الربهان ،والنعمان بن أيب اليسر ،وغريمها ،وصنف التصانيف النافعة يف احلديث ،والفقه
،وغريمها ،ومن كتبه النافعة القيمة :شرح مسلم ،والروضة ،وشرح املهذب ،واألذكار
،وغريها ،ومل يتزوج ،وويل مشيخة دار احلديث األشرفية بعد أيب شامة ؛ فلم يتناول
منها درمها .مات – رمحه اهلل تعاىل -يف رابع عشر رجب سنة ست وسبعني وستمائة.
انظر ترمجته يف " :طبقات احلفاظ" ج 1ص 513و "املعني يف طبقات احملدثني" ج 1ص
215
29
الذي ال يتوقف ،وال تشق عليه القراءة ؛ جبودة حفظه ،وإتقانه ،قال
القاضي :حيتمل أن يكون sمعىن كونه مع املالئكة أن له يف اآلخرة منازل
يكون sفيها رفيقا للمالئكة السفرة ؛ التصافه بصفتهم من محل كتاب اهلل
تعاىل ،قال :وحيتمل أن يراد أنه عامل بعملهم ،وسالك مسلكهم ،وأما
الذي يتتعتع sفيه ؛ فهو :الذي يرتدد يف تالوته ؛ لضعف حفظه ؛ فله أجران
،أجر بالقراءة ،وأجر بتتعتعه يف تالوته ومشقته ،قال القاضي ،وغريه من
العلماء :وليس معناه الذي يتتعتع عليه له من األجر أكثر من املاهر به ؛ بل
املاهر أفضل ،وأكثر أجرا ؛ ألنه مع السفرة ،وله أجور كثرية ،ومل يذكر
هذه املنزلة لغريه ،وكيف يلحق به من مل يعنت بكتاب اهلل تعاىل ،وحفظه ،
()1
وإتقانه ، sوكثرة تالوته ،وروايته كاعتنائه s؛ حىت مهر فيه.واهلل أعلم ).
وقال القرطيب – رمحه اهلل تعاىل ( : -التتعتع :الرتدد يف الكالمِ sعيَّا
وصعوبة ،وإمنا كان له أجران من حيث التالوة ،ومن حيث املشقة ،
ودرجات املاهر فوق ذلك كله ؛ ألنه قد كان القرآن متعتعا sعليه ،مث ترقى
()2
عن ذلك إىل أن شبه باملالئكة ).
() انظر " :شرح النووي على صحيح مسلم" ج 6ص 84 1
30
وعن عبد اهلل بن مسعود ( – )1رضي اهلل تعاىل عنه -قال :قال رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( :من قرأ حرفا من كتاب اهلل فله به حسنة ،
واحلسنة بعشر أمثاهلا ،ال أقول امل حرف ،ولكن ألف حرف ،والم حرف
()2
وميم حرف ).
() هو :عبد اهلل بن مسعود بن غافل بن حبيب بن فار بن مشخ بن خمزوم بن صاهلة بن 1
كاهل بن احلارث بن متيم بن سعد بن هذيل بن مدركة ،يكىن أبا عبد الرمحن ،مهاجر
هجرتني ،بدري ،وهو من النقباء النجباء ،حدث عن النيب صلى اهلل عليه وسلم بالكثري
،وعن عمر وسعد بن معاذ ،وروى عنه ابناه :عبد الرمحن ،وأبو عبيدة ،وابن أخيه :
عبد اهلل بن عتبة ،وغريهم .تويف باملدينة سنة اثنتني وثالثني ،وصلى عليه عثمان بن عفان
رضي اهلل عنه ،ودفن بالبقيع ،وهو ابن بضع وستني سنة.
انظر ترمجته يف " :اإلصابة يف متييز الصحابة" ج 4ص 233و"اآلحاد واملثاين" ج 1ص
186
() رواه "الرتمذي" يف سننه ،باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ما له من األجر ، 2
حديث رقم 2910ج 5ص 175وقال ( :ويروى هذا احلديث من غري هذا الوجه
عن ابن مسعود ،ورواه :أبو األحوص عن ابن مسعود ،رفعه بعضهم ،ووقفه بعضهم
على ابن مسعود ،قال أبو عيسى :هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ).
قلت :الذي يظهر أنه ال يضر يف مثل هذا الوقف ؛ ألن مثله ال يقال بالرأي ،فله حكم
الرفع كما هو معروف .واهلل أعلم.
31
وعن أيب هريرة ( – )1رضي اهلل تعاىل عنه -قال :قال رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم ( :من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس اهلل عنه
كربة من كرب يوم القيامة ،ومن يسر على معسر يسر اهلل عليه يف الدنيا
واآلخرة ،ومن سرت مسلما سرته اهلل يف الدنيا واآلخرة ،واهلل يف عون العبد
ما كان العبد يف عون أخيه ،ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما ؛ سهل اهلل
له طريقا إىل اجلنة ،وما اجتمع قوم في بيت من بيوت اهلل ،يتلون كتاب
اهلل ،ويتدارسونه بينهم ،إال نزلت عليهم السكينة ،وغشيتهم الرحمة ،
وحفتهم المالئكة ،وذكرهم اهلل فيمن عنده ،ومن أبطأ به عمله مل
()2
يسرع به نسبه ).
وتكثر األحاديث يف هذا املعىن ،ويصعب sحصرها ،واإلحاطة هبا ،وفيما
ذكرنا كفاية يف الرتغيب يف تالوة القرآن الكرمي وحفظه ،وتدبر معانيه ،
واالنشغال به عن كل شاغل ...
1
() هو :اإلمام الفقيه اجملتهد احلافظ صاحب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أبو هريرة
عبد الرمحن بن صخر الدوسي ،سيد احلفاظ األثبات ،محل عن النيب صلى اهلل عليه وسلم
علما كثريا طيبا مباركا فيه ؛مل يلحق يف كثرته ،صحب أربع سنني ،حدث عنه خلق
كثري ،قال أبو صاحل :كان أبو هريرة أحفظ أصحاب حممد صلى اهلل عليه وسلم ،تويف
-رضي اهلل عنه وأرضاه -سنة 57هـ وقيل سنة 60هـ .انظر ترمجته يف " :اإلصابة يف
متييز الصحابة" ج 7ص 425و "سري أعالم النبالء" ج 2ص578
() رواه "مسلم" يف صحيحه ،باب فضل االجتماع على تالوة القرآن وعلى الذكر ، 2
32
فنسأل اهلل العلي القدير أن يشغلنا به ال عنه ،ويرزقنا حفظه ،وتالوته ،
والعمل به إنه مسيع جميب الدعوات .
المطلب الثالث :اهتمام السلف الصالح بحفظ كتاب اهلل تعالى
لقد اهتم السلف الصاحل برتبية sأبناء املسلمني تربية سليمة ،هدفها نشر العلم
يف صفوفهم ،وتزكية نفوسهم هبدي القرآن الكرمي ،والسنة النبوية الشريفة
فكان من ضروريات ذلك وأولوياته ، sغرس القرآن الكرمي يف عقول
األطفال منذ بداية حياهتم ،واالهتمام حبفظهم له ،وتعليمهم معانيه ،
وتعويدهم على تدبره ( )1واالتعاظ مبواعظه ،والعمل بأوامره ، sواالنتهاء عن
نواهيهs.
وهكذا كان ديدن السلف الصاحل ؛ فقد حرص الصحابة – رضوان sاهلل
تعاىل عليهم -على حفظ القرآن الكرمي ؛ فكلما نزلت آية ،أو آيات ،أو
سور بادروا إىل حفظ ما نزل ،حىت مجع بعضهم القرآن الكرمي كامال يف
صدره موازنا بني احلفظ ،والعمل مبا حفظ ..
ومن الذين حفظوا القرآن على عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم األربعة
الذين ذكرهم أنس بن مالك – رضي اهلل تعاىل عنه وأرضاه .. -
() تدبر القرآن ،وتفهم معانيه ،خيتلف عن القول يف القرآن بالرأي ،كما قد يتبادر 1
ألذهان البعض ؛ فنحن مطالبون بتدبر معانيه ،وحماولة فهمها ،وسؤال أهل العلم عنها ،
أما القول يف القرآن بالرأي فهو مما هنينا عنه ،وفيه من اخلطر على الدين ما فيه ،أقصد
الرأي املذموم ،وهو الناشئ عن هوى ،أو جهل.
33
فعن قتادة – رمحه اهلل تعاىل -عن أنس – رضي اهلل تعاىل عنه -قال :
مجع القرآن على عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أربعة ؛ كلهم من
األنصار :أيب بن كعب ،ومعاذ بن جبل ،وزيد بن ثابت ،وأبو زيد ،
()1
قلت :من أبو زيد ؟ قال :أحد عموميت.
وال شك أن الذين حفظوا القرآن من الصحابة على عهد رسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم أكثر بكثري من األربعة املذكورين يف حديث أنس .
قال النووي – رمحه اهلل تعاىل ( : -قال املازري :هذا احلديث مما تعلق به
بعض املالحدة يف تواتر القرآن ،وجوابه من وجهني ،أحدمها :أنه ليس فيه
تصريح بأن sغري األربعة مل جيمعه ؛ فقد يكون sمراده الذين علمهم من
األنصار أربعة ،وأما غريهم من املهاجرين واألنصار الذين ال يعلمهم فلم
ينفهم ،ولو نفاهم كان املراد نفي علمه ،ومع هذا فقد روى غري مسلم
حفظ مجاعات من الصحابة يف عهد النيب صلى اهلل عليه وسلم ،وذكر منهم
املازري مخسة عشر صحابيا ،وثبت sيف الصحيح أنه قتل يوم اليمامة سبعونs
ممن مجع القرآن ،وكانت اليمامة قريبا من وفاة النيب صلى اهلل عليه وسلم ؛
فهؤالء الذين قتلوا من جامعيه يومئذ ؛ فكيف الظن مبن مل يقتل ممن حضرها
،ومن مل حيضرها وبقي باملدينة ،أو مبكة ،أو غريمها ،ومل يذكر يف هؤالء
األربعة أبو بكر ،وعمر ،وعثمان ،وعلي ،وحنوهم من كبار الصحابة
() رواه "البخاري" يف صحيحه ،باب مناقب زيد بن ثابت – رضي اهلل عنه – ،حديث
1
34
الذين يبعد كل البعد أهنم مل جيمعوه ؛ مع كثرة رغبتهم يف اخلري ،وحرصهم
على ما دون ذلك من الطاعات ،وكيف نظن هذا هبم ،وحنن نرى أهل
عصرنا حفظه منهم يف كل بلدة ألوف؟ مع بعد رغبتهم يف اخلري عن درجة
الصحابة ،مع أن الصحابة مل يكن هلم أحكام مقررة يعتمدوهنا يف سفرهم
وحضرهم إال القرآن ،وما مسعوه من النيب صلى اهلل عليه وسلم ؛ فكيف
نظن هبم إمهاله ؟ فكل هذا وشبهه يدل على أنه ال يصح أن يكون معىن
احلديث أنه مل يكن يف نفس األمر أحد جيمع القرآن إال األربعة املذكورون، s
واجلواب الثاين :أنه لو ثبت أنه مل جيمعه إال األربعة مل يقدح يف تواتره ؛
فإن أجزاءه حفظ كل جزء منها خالئق ال حيصون ؛ حيصل التواتر ببعضهم
،وليس من شرط التواتر أن ينقل مجيعهم مجيعه ؛ بل إذا نقل كل جزء عدد
التواتر صارت اجلملة متواترة بال شك ،ومل خيالف يف هذا مسلم وال
()1
ملحد).
مث أقرأ الصحابة التابعني ؛ فكانوا sأهل حرص على حفظ كتاب اهلل تعاىل ،
وتدبر معانيه ،وسؤال الراسخني يف العلم عما أشكل عليهم من ذلك..
() انظر " :شرح النووي على صحيح مسلم" ج 16ص 20 – 19وراجع :فتح 1
الباري" ج 9ص 52فقد ذكر فيه ابن حجر إجابة أيب بكر الباقالين ،وغريه من العلماء
عن هذا احلديث من مثانية وجوه .
35
فحفظه من التابعني خلق كثري ،منهم علقمة بن قيس ،وأبو متيم اجليشاين ،
وأبو األسود الدؤيل ،وسليم بن عرت ،واحلارث األعور ،وثابت البناين ،
()2
وخالئق ال حيصون .
مث تواىل حفظ القرآن الكرمي ،واالعتناء به ،تدقيقا يف قراءته ،وتفسرياs
ملعانيه ، sوبيانا ملشكله ،وتوضيحا لبقية علومه إىل اليوم ، sواحلمد هلل تعاىل
على ذلك .
المبحث الثالث :من فوائد حفظ القرآن الكريم :
إن الفوائد sاليت جينيها حافظ القرآن العظيم أكثر من أن حتصى ؛ فإذا كان
جملرد تالوته جيد بكل حرف حسنة ،واحلسنة بعشر أمثاهلا كما تقدم ،
أفليس ذلك يكفي sمن الفوائد واألرباح ؟ وإذا كانت منزلته مع السفرة
الكرام الربرة ؛ أفال يكفيه ذلك علوا وشرفا ؟
ال شك أن ذلك هو منتهى ما حيلم به كل مسلم ،ولكن فضل اهلل أكثر ،
ونعمته أمشل ،ورمحته أوسع ،وقد خص حافظ القرآن الكرمي بكثري من
فضله ،وحنله مجا من رمحته ،وهو – سبحانه وتعاىل – يرزق من يشاء ،
وخيلق ما يشاء وخيتار ،وخيص من أراد من خلقه مبا أراد ..
وقد خص حامل كتابه خبصائص كثرية منها :
– 1أنه من أهل اهلل وخاصته ،وكفى بذلك شرفا ،وفضال ،وقد تقدم
احلديث الدال على ذلك .
36
– 2أنه موصوف بأنه من الذين أوتوا العلم ،قال تعاىل .. ( :بل هو
()1
آيات بينات يف صدور الذين أوتوا sالعلم )..
قال اإلمام الشوكاين – رمحه اهلل تعاىل " ( : -بل هو آيات بينات" يعين
القرآن "يف صدور الذين أوتوا العلم" يعين املؤمنني الذين حفظوا القرآن على
()2
عهده صلى اهلل عليه وآله وسلم ،وحفظوه بعده ).
– 3أنه موعود برفع درجته في الجنة :فعن عبد اهلل بن عمرو بن
العاص( -)3رضي اهلل تعاىل عنهما -قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم ( :يقال لصاحب القرآن اقرأ ،وارق ،ورتل ،كما كنت ترتل يف
()4
الدنيا ،فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ).
() انظر " :فتح القدير" ج 4ص 207وراجع " :تفسري القرطيب" ج 13ص354 2
() هو :عبد اهلل بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن 3
هصيص بن كعب بن لؤي ،روى عن النيب صلى اهلل عليه وسلم كثريا ،وعن عمر ،وأيب
الدرداء ،ومعاذ ،وحدث عنه من الصحابة :ابن عمر ،وأبو أمامة ،واملسور ،وغريهم ،
ومن التابعني خالئق ،وكان قد أسلم قبل أبيه ،ويقال مل يكن بني مولدمها إال اثنتا عشرة
سنة ،مات بالشام سنة مخس وستني ،وهو يومئذ ابن اثنتني وسبعني سنة .انظر ترمجته يف
"اإلصابة يف متييز الصحابة" ج 4ص192
() رواه "أبو داود" يف سننه ،باب استحباب الرتتيل يف القراءة ،حديث رقم 1464ج 4
37
– 4أنه موعود بأن القرآن سيشفع له :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم (:أبشروا وأبشروا ! أليس تشهدون أن ال إله إال اهلل ،وأين رسول اهلل
؟ قالوا :نعم ،قال :فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد اهلل ،وطرفه بأيديكم
()1
؛ فتمسكوا به ؛ فإنكم لن تضلوا ولن هتلكوا بعده أبدا ).
وقد تقدم حديث شفاعة القرآن لصاحبه ولفظه ( :اقرأوا القرآن ؛ فإنه يأيت
يوم القيامة sشفيعاً ألصحابه ).
– 5وهو موعود كذلك بوضع تاج الكرامة على رأسه ،ويكسى
والداه حلتين :يقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ...( :وإن القرآن
يلقى صاحبه يوم القيامة – حني ينشق عنه قربه – كالرجل الشاحب ،
فيقول له :هل تعرفين ؟ فيقول :ما أعرفك .فيقول له :هل تعرفين ؟
فيقول :ما أعرفك .فيقول :أنا صاحبك القرآن ،الذي أظمأتك يف
اهلواجر ،وأسهرت ليلك ،وإن كل تاجر من وراء جتارته ،وإنك اليوم sمن
وراء كل جتارة .فيعطى امللك بيمينه ،واخللد بشماله ،ويوضع على رأسه
تاج الوقار ،ويكسى والداه حلتني ال يقوم هلما أهل الدنيا ،فيقوالن :مب
كسينا هذه ؟ فيقال :بأخذ ولدكما القرآن .مث يقال له :اقرأ ،واصعد يف
() رواه "ابن حبان" يف صحيحه ،باب ذكر نفي الضالل عن األخذ بالقرآن ،حديث
1
رقم 122ج 1ص 329و"ابن أيب شيبة" يف مصنفه ،باب يف التمسك بالقرآن ،
حديث رقم 30006ج 6ص 125
38
درجة اجلنة ،وغرفها ،فهو يف صعود ما دام يقرأ ،هذا كان ،أو ترتيال ).
()1
() رواه "أمحد" يف مسنده ،حديث رقم 23000ج 5ص 348و"ابن أيب شيبة" يف 1
مصنفه ،باب من قال يشفع القرآن لصاحبه ،حديث رقم 30045ج 6ص 129
() هو :الشيخ اإلمام العامل العامل القدوة سيد القراء ،أبو حممد ،القاسم بن فريه بن
2
خلف بن أمحد الرعيين األندلسي الشاطيب الضرير ،ناظم الشاطبية ،والرائية ،ولد سنة
مثان وثالثني ومخسمائة ،وتال ببلده بالسبع على أيب عبد اهلل بن أيب العاص النفري ،ورحل
إىل بلنسية فقرأ القراءات sعلى أيب احلسن بن هذيل ،وعرض عليه التيسري ،وبعض الكتب
،ومسع أيضا من أيب احلسن ابن النعمة ،وأيب عبد اهلل ابن سعادة ،وآخرون ،حدث عنه :
أبو احلسن sبن خرية ،وحممد بن حيىي اجلنجايل ،وأبو بكر بن وضاح ،وخلق ،وقيل :إنه
كان حيفظ وقر بعري من العلوم .
تويف – رمحه اهلل تعاىل -مبصر يف الثامن والعشرين من مجادى اآلخرة سنة تسعني
ومخسمائة .انظر ترمجته يف " :سري أعالم النبالء" ج 21ص261
39
وسلم ( :ال حسد( )1إال يف اثنتني :رجل علمه اهلل القرآن ؛ فهو يتلوه آناء
الليل ،وآناء النهار ؛ فسمعه جار له ؛ فقال :ليتين أوتيت مثل ما أويت
فالن فعملت مثل ما يعمل ،ورجل آتاه اهلل ماال ؛ فهو يهلكه يف احلق ؛
()2
فقال رجل :ليتين أوتيت sمثل ما أويت فالن ؛ فعملت مثل ما يعمل ).
() الـحسد : sأن تتمىن النعمة اليت أنعم اهلل هبا على احملسود علـى أن تتـحول عنه ،وتصبح
1
لك ،وهو من أعظم الذنوب ،وال يكون إال يف األراذل من الناس – أعين ما كان منه
مزمنا – وإال فإنه قل من ينجو منه ،ولكن املؤمن إذا رأى نعمة اهلل على أخيه دعا له
بالربكة ،وسأل اهلل أن يرزقه هو مثل ما رزق فالنا من العلم ،أو املال ،وهذا ما يسمى
بالغبطة بالكسر ،وهي :أن تتمىن مثل حال املغبوط من غري أن تريد زواهلا عنه ،وليس
حبسد ،واملقصود باحلديث هو الغبطة ،وليس احلسد املذموم شرعا ،وعقال .
راجع " :لسان العرب" ج 7ص 359و "القاموس احمليط" ج 1ص877
() رواه "البخاري" يف صحيحه ،باب اغتباط صاحب القرآن ،حديث رقم 4738ج 2
4ص 1919و"مسلم" يف صحيحه ،باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه ،حديث رقم
815ج 1ص 558
40
كما أن من فوائد حفظ القرآن الكريم أن صاحبه يقدم على غيره في مواطن
كثيرة من أهمها :
أوال :إمامة الصالة :فعن أيب مسعود البدري ( )1رضي اهلل تعاىل عنه أن
()2
النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ( :يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اهلل تعاىل ).
قال العالمة الصنعاين ( – )3رمحه اهلل تعاىل ( : -الظاهر أن املراد أكثرهم له
() هو :عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسرية بن عسرية وقيل يسرية بن عسرية بضمهما بن 1
عطية بن خدارة بن عوف بن احلارث بن اخلزرج ،مل يشهد بدرا على الصحيح ،وإمنا
نزل ماء ببدر ؛ فشهر بذلك ،شهد بيعة العقبة ،وكان شابا من أقران جابر يف السن ،
روى أحاديث كثرية ،وهو معدود يف علماء الصحابة .حدث عنه :ولده بشري ،وعلقمة
،وأبو وائل ،وقيس بن أيب حازم ،وربعي بن حراش ،وغريهم .
مات أبو مسعود قبل األربعني ،وقال ابن قانع سنة تسع وثالثني ،وقال املدائين وغريه :
سنة أربعني.انظر ترمجته يف " :سري أعالم النبالء" ج 2ص494
() رواه "مسلم" يف صحيحه ،باب من أحق الناس باإلمامة ،حديث رقم 673ج 1ص 2
465
() هو :حممد بن إمساعيل بن صالح بن حممد بن على بن حفظ الكحالىن ،مث الصنعاىن 3
املعروف باألمري اإلمام الكبري ،ولد :ليلة اجلمعة نصف مجادى اآلخرة سنة 1099هـ
وأخذ عن العالمة زيد بن حممد بن احلسن ،وصالح بن احلسني األخفش وعبد اهلل بن على
الوزير البدر ،وأخذ عنه :العالمة عبد القادر بن أمحد ،والقاضى أمحد بن حممد قاطن ،
والقاضى أمحد بن صاحل بن أىب الرجال ،صنف التصانيف املفيدة ،ومنها "سبل السالم" و
"منحة الغفار" وتويف -رمحه اهلل -سنة 1182هـ يف يوم الثالثاء ثالث شهر شعبان .
انظر ترمجته يف " :البدر الطالع" ج 2ص ، 133ومقدمة سبل السالم .
41
()4
حفظا ،وقيل أعلمهم بأحكامه ).
()2
وحمل الداللة منه أنه حديث صحيح صريح يف تقدمي القارئ يف اإلمامة
بل إن القارئ مقدم في اإلمامة ،ولو كان صبيا مميزا ( )3مع رجال
كبار إذا كان أقرأ منهم ؛ فعن عمرو بن سلمة ( - )4رضي اهلل تعاىل عنه -
قال .. ( :فلما كانت وقعة الفتح ،بادر كل قوم بإسالمهم ،وبادر أيب
() اختلف العلماء يف األوىل باإلمامة ،فقال مالك ،والشافعي :يؤم القوم أفقههم ،ال
2
أقرؤهم ،وقال أبو حنيفة ،والثوري ،وأمحد ،وبعض الشافعية :يؤم القوم أقرؤهم ،
وذهب ابن حزم إىل تقدمي القارئ مطلقا ،على سبيل الندب ،إال إذا كان حبضرة السلطان
،أو أمريه على الصالة ،أو صاحب املنزل ،فيجب عندئذ تقدمي هؤالء ،فإن أم أحد بغري
إذهنم مل جتزئ .انظر " :احمللى" ج 4ص 207و "بداية اجملتهد" ج 1ص 104و"شرح
النووي على صحيح مسلم" ج 5ص172
() اختلف أهل العلم يف إمامة الصيب إذا كان هو األقرأ ؛ فذهب احلسن sالبصري ، 3
والشافعي ،إىل صحتها ،وكرهها مالك ،والثوري ،والشعيب ،واألوزاعي ،وعن أيب
حنيفة ،وأمحد روايتان ،واملشهور عنهما اإلجزاء يف النوافل دون الفرائض .انظر " :فتح
الباري" ج 2ص 186و"نيل األوطار" ج 3ص203
() هو :عمرو بن سلمة بكسر الالم اجلرمي ،يكىن أبا يزيد ،واختلف يف ضبطه ،روى 4
عن أبيه قصة إسالمه وعوده إىل قومه احلديث ،وقيل إن له رؤية ،حدث عنه :أبو قالبة
اجلرمي ،وأبو الزبري املكي ،وعاصم األحول ،وأيوب السختياين ،وغريهم ،وله رواية يف
صحيح البخاري ،ويف سنن النسائي ،وكان قد نزل البصرة ،وقد أرخ اإلمام أمحد موته
يف سنة مخس ومثانني .انظر ترمجته يف " :اإلصابة يف متييز الصحابة" ج 4ص 643و"سري
أعالم النبالء" ج 3ص524
42
قومه بإسالمهم ،فلما قدم قال :جئتكم من عند النيب صلى اهلل عليه وسلم
حقا :فقال :صلوا صالة كذا يف حني كذا ،وصالة كذا يف حني كذا ؛
فإذا حضرت الصالة ؛ فليؤذن أحدكم ،وليؤمكم أكثركم قرآنا ؛ فنظروا ؛
فلم يكن أحد أكثر قرآنا مين ؛ فقدموين بني أيديهم ،وأنا ابن ست أو سبع
سنني ،وكانت علي بردة ،كنت إذا سجدت تقلصت عين ؛ فقالت امرأة
من احلي :أال تغطون عنا است قارئكم ؟ فاشرتوا ؛ فقطعوا يل قميصا ؛
()1
فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص ).
ثانيا :المشورة والرأي :فقد كان السلف الصاحل يستعينون حبفظة
كتاب اهلل تعاىل يف املسائل اليت تشكل عليهم ،ويستشريوهنم يف النوازل اليت
تنزل هبم تكرميا للقرآن احملفوظ يف صدورهم ،واستفادة sمما ينتجه حفظه من
صفاء يف الذاكرة ،وإصابة يف الرأي ،وموازنة بني األمور ،وعدل يف
األحكام ..
فعن ابن عباس -رضي اهلل تعاىل عنهما -قال .. ( :وكان القراء
()2
أصحاب جملس عمر ومشاورته ،كهوال كانوا أو شبانا ).
ثالثا :اإلمارة :
() رواه "البخاري" يف صحيحه ،باب من شهد الفتح ،حديث رقم 4051ج 4ص 1
1564
() رواه "البخاري" يف صحيحه ،باب خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن اجلاهلني ،2
43
فالقارئ مقدم على غريه يف اإلمارة والرئاسة ؛ فعن أيب هريرة -رضي اهلل
تعاىل عنه -قال ( :بعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بعثا ؛ ،فاستقرأ
كل واحد منهم – ما معه من القرآن – فأتى على رجل من أحدثهم سنا ،
فقال :ما معك يا فالن ؟ قال :معي كذا وكذا ،وسورة البقرة ،فقال :
()1
أمعك سورة البقرة ؟ قال نعم ،قال :اذهب ؛ فأنت أمريهم .) ...
رابعا :الدفن :
وذلك أن تقدمي حافظ القرآن ليس خاصا بأمور احلياة ،ومتطلباهتا ،من
إمامة للصالة ،ومشورة ورأي ،وحنو ذلك ؛ بل إنه مقدم حىت بعد مماته ،
ومفارقة روحه لبدنه ؛ فعن جابر ( - )2رضي اهلل تعاىل عنه ( : -أن النيب
() رواه "الرتمذي" يف سننه ،باب فضل سورة البقرة ،حديث رقم 2876ج 5ص 1
44
صلى اهلل عليه وسلم كان جيمع بني الرجلني من قتلى أحد ،مث يقول :
()3
أيهما أكثر أخذا للقرآن ،فإن أشري إىل أحدمها قدمه يف اللحد ).
وفوائد حفظ القرآن ال حتصى ،ومزاياه ال تعد ،؛ فعلى املسلم أن جيعل من
تالوته ديدنه ،ومن حفظه مطلبه ورغبته ،وأن ال يقنط من احلفظ عند أول
إخفاق أو تعثر يف احملاولة ؛ بل يعاود احملاولة من جديد ،فحفظ القرآن
الكرمي جدير بأن sيبذل فيه من اجلهد ما ال يبذل يف غريه ،وأن جيتهد يف
حتصيله أكثر مما جيتهد يف حتصيل غريه ..
ولقد أحسن اإلمام الشاطيب – رمحه اهلل تعاىل – حني قال :
فجاهد به حبل العدا متحبـال وبعد فحبل اهلل فينا كتابــه
جديدا مواليه على اجلد مقبال وأخلق به إذ ليس خيلق جـدة
كاألترج حاليه مرحيا وموكال وقارئه املرضي قر مثال ــه
وميمه ظل الرزانة قنقــال هو املرتضى أما إذا كان أمـة
له بتحريه إىل أن تنب ــال هو احلر إن كان احلري حواريا
وأغىن غناء واهبا sمتفضـال وإن كتاب اهلل أوثق شافــع
وترداده يزداد فيه جتمـال وخري جليس ال ميل حديثــه
من القرب يلقاه سنا متهلـال وحيث الفىت يرتاع يف ظلماتـه
إىل آخر ما قال رمحه اهلل تعاىل وغفر له وجزاه عنا خري اجلزاء .
المبحث الرابع :أمور أساسية تعين على حفظ كتاب اهلل تعالى
() رواه "البخاري" يف صحيحه ،باب الصالة على الشهيد ،حديث رقم 1278ج 1 3
ص 450
45
إن حفظ كتاب اهلل تعاىل ليس باألمر الصعب sجدا ،كما قد يظنه كثري من
الناس ،ولكنه -أيضا – ليس باألمر السهل حبيث ال حيتاج إىل بذل جهد
،وطول نظر ،ومداومة تكرار ...
إن حتصيل أي علم حيتاج إىل جهد ،وحفظ كتاب اهلل يستحق ما يبذل فيه
من اجلهود ،كما أن له خصوصياته اليت منها تسهيل اهلل حلفظه وتالوته ،
ومنها أنه ال بد فيه من شيخ ؛ ألنه ليس من العلوم اليت حتصل باملطالعة ،
واالعتماد على النفس ..
وحري بطالب حفظه -بل وطالب العلم مطلقا -أن يتمتع باملؤهالت sاليت
قررها اإلمام الشافعي – رمحه اهلل تعاىل -حني قال :
أخي لن تنال العلم إال بستة
سأنبيك عن تفصيلها ببيانs
ذكاء ،وحرص ،واجتهاد ،وبلغة
وصحبة أستاذ ،وطول زمان.
فالذين يريدون حفظ القرآن الكرمي بني يوم وليلة ؛ ال شك أهنم يف أحالم
اليقظة ،ويعيشون حالة من األماين ال تنفعهم ،وال يستفيدون sمنها إال
فوات الزمن ،وانصرام أيام العمر دون استفادة منها والعياذ باهلل..
46
المطلب األول :اغتنام سن الصغر والطفولة :
الشك أن مرحلة الطفولة هي أحسن مراحل العمر للحفظ بشكل عام ،
وخاصة حفظ كتاب اهلل تعاىل ،فالذاكرة فيها تكون sصافية ال مشوش هلا ،
واجلسم يف كامل صحته ،وليست للطفل انشغاالت تشغله عن احلفظ.
وفرتة الطفولة الذهبية sهذه تبدأ من سن اخلامسة حىت بلوغ الثالثة والعشرين
()1
تقريبا ..
فالواجب على األهل أن ال يفوتوا sعلى أوالدهم فرتة الصفاء هذه ،فالعلم
فيها أرسخ يف الذاكرة ،وأبعد عن النسيان ، sوأدعى للفهم ،فيجب الرتكيز
على حفظ العلوم فيها ؛ قبل أن تنقضي sأيامها ،وتنصرم لياليها ..
فعن يزيد بن معمر قال مسعت احلسن يقول ( :احلفظ يف الصغر كالنقش يف
()2
احلجر ).
() انظر " :الوسيط يف تراجم أدباء شنقيط" ص 517وراجع " :كيف حتفظ القرآن 1
الكرمي" ص 28حممد بن علي العرفج .ومن املعتاد عند الشناقطة أن يبدؤوا بتعليم الطفلs
احلروف وقصار السور وهو ابن ثالث سنني أو أربع.
() حسن ،رواه البيهقي يف "املدخل" رقم 640و ابن عبد الرب يف جامع بيان العلم 2
47
وقال الشاعر :
وما العلم إال بالتعلم يف الصغــر ما احللم إال بالتحلم يف الكبـر
أللفيت فيه العلم كالنقش يف احلجر. ولو ثقب القلب املعلم يف الصبا
واحلفظ يف الصغر من املسائل اليت ال حتتاج إىل استدالل ؛ ألهنا جمربة ،
والناس متفقون عليها ؛ فيجب اغتنامها ،وعدم تفويتها ...
المطلب الثاني :اغتنام األوقات المناسبة للحفظ :
إن أكثر األوقات مناسبة للحفظ هو من وقت السحر إىل الفجر ،مث من
بعد صالة الفجر إىل وقت الضحى ( ،)1وأكثر األوقات مناسبة للمراجعة هو
من املغرب إىل العشاء ،وكذا قبيل النوم sبقليل ...
المطلب الثالث :اتباع الخطوات التي تسهل عملية الحفظ :
اعلم أوال أنه لوال تيسري اهلل عز وجل هذا القرآن للحفظ ؛ ملا استطاعت
القلوب أن حتفظه ،ولوال تقوية اهلل لقلوب املؤمنني ؛ النفطرت عند أول
مساعها له ،ولكن نعم اهلل على هذه األمة أكثر من أن حتصى أو تستقصىs.
قال العالمة القرطيب – رمحه اهلل تعاىل ( : -ولوال أنه سبحانه جعل يف
قلوب عباده من القوة على محله ما جعله ؛ ليتدبروه ،وليعتربوا sبه ،
وليتذكروا ما فيه من طاعته وعبادته ،وأداء حقوقه ،وفرائضه ، sلضعفت
والندكت بثقله ،أو لتضعضعت له ،وأىن تطيقه ،وهو يقول تعاىل جده
وقوله احلق " :لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من
() انظر " :كيف حتفظ القرآن الكرمي" حممد بن علي العرفج ص 301
48
خشية اهلل" ( )1فأين قوة القلوب من قوة اجلبال ؟ ولكن اهلل تعاىل رزق
()2
عباده من القوة على محله ما شاء أن يرزقهم فضال منه ورمحة ).
وقد يسر اهلل تعاىل حفظه ،وأعان عليه من شاء من خلقه ،فقد قال تعاىل:
()3
( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ).
ومعىن اآلية أن اهلل سهل لفظه ،وتالوته sعلى األلسن ،ويسر معناه ،وهون
قراءته ملن أراده ؛ ليتذكر الناس .
قال ابن عباس – رضي اهلل تعاىل عنهما " : -لوال أن اهلل يسره على لسان
اآلدميني ما استطاع أحد من اخللق أن يتكلم بكالم sاهلل عز وجل"
فهل من متذكر هبذا القرآن الذي قد يسر اهلل حفظه ومعناه ؟ وهل من
()4
طالب حلفظه ،وما حواه من العلم ؛ فيعان عليه ؟.
أما اخلطوات ( )5اليت تعني بعد توفيق اهلل تعاىل على حفظه ؛ فمن أمهها :
() انظر " :تفسري ابن كثري" ج 4ص 265و"زاد املسري" ج 8ص 94 4
() اعتمدت يف بعض هذه اخلطوات على طريقة الشناقطة يف حفظ كتاب اهلل يف حماضرهم 5
،وراجع " :كيف حتفظ القرآن" ص 23حممد بن علي العرفج و "طرق تدريس القرآن
الكرمي" ص 113د /.حممد السيد الزعبالوي.
49
– 1إخالص النية هلل تعالى ،حبفظ كتابه ،والعمل به ،وتدبر معانيه ،
وتعليمه للناس ،ودعوهتم حلفظه ،والعمل مبا فيه ،فإمنا حياسب املرء على
()1
نيته ،وقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( :إمنا األعمال بالنية )
فمن حفظه لوجه اهلل تعاىل ؛ فهو – إن شاء اهلل – من الفائزين الراحبني ،
ومن حفظه ليقال حافظ ،أو لغرض من الدنيا ،فهو آمث حبفظه ،مسحوب
على وجهه يف النار يوم القيامة ،والعياذ باهلل ...
قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( :أول الناس يقضى فيه يوم القيامة
ثالثة ،وذكر منهم .. :ورجل تعلم العلم وعلمه ،وقرأ القرآن ؛ فأيت به ؛
فعرفه نعمه ؛ فعرفها ،قال :فما عملت فيها ؟ قال :تعلمت العلم وعلمته
،وقرأت فيك القرآن ،قال :كذبت ،ولكنك تعلمت العلم ليقال :عامل
،وقرأت القرآن ليقال :هو قارئ ؛ فقد قيل ،مث أمر به ؛ فسحب على
()2
وجهه ،حىت ألقي يف النار ).
– 2تسميع المقرر اليومي للشيخ حىت يتأكد من نطقه سليما .
– 3عدم مجاوزة المقرر يوميا للحفظ حىت يتم إتقانه والتأكد من
حفظه.
() رواه "البخاري" يف صحيحه ،باب النية يف اإلميان ،حديث رقم 6311ج 6ص 1
2461و"مسلم" يف صحيحه ،باب قوله صلى اهلل عليه وسلم إمنا األعمال بالنية ،حديث
رقم 1907ج 3ص 1515
() رواه "مسلم" يف صحيحه ،باب من قاتل رياء ومسعة استحق النار ،حديث رقم
2
50
– 4كثرة التكرار ،وهذه أهم هذه اخلطوات على اإلطالق ،فعلى
طالب حفظ القرآن أن يكثر التكرار ،وال ميل منه ،حىت ولو تأكد من
احلفظ ،فليكرر ،ويكرر ،مث يكرر ...
– 5كتابة الدرس اليومي باليد :فإن استطاع أن يكتب بيده درسه
اليومي ، sفيبدأ بكتابة sالكلمة األوىل ،ويظل يكررها حىت ينتهي sمن كتابتها
،مث يبدأ بكتابة sالكلمة الثانية ، sويكررها مع اليت سبقت ، sوهكذا حىت
ينهي sدرسه اليومي ، sمث يكرر اجلميع كوحدة واحدة ؛ فذلك أفضل ،
وأدعى للحفظ .
– 6ربط آخر درسه في األمس بأول درسه اليوم ..
– 7كثرة التسميع على الشيخ ،وعلى طالب سبقوه باحلفظ ،ويساعد
الذين دونه يف احلفظ باالستماع هلم ؛ فتكون مراجعة له ...
– 8أن ال يخلط مع القرآن الكريم غيره من املواد اليت يراد حفظها ؛
بل يتفرغ حلفظ كتاب اهلل تعاىل أوال ،فإذا أتقنه ،وثبت حفظه ؛ انتقل
بعد ذلك إىل غريه ،وهكذا ،أما الذين خيلطون بني كثري من املواد ،
ويرغبون sيف حفظ اجلميع ؛ فإن هنايتهم يف الغالب تكون sبعدم حفظ أي
منها ...
51
- 9يجب أن يهتم باآليات المتشابهة ( )1يف األلفاظ ،وهناك sكتب
ألفت يف املتشابه ،من أكثرها إحاطة ،وال أعلم كتابا أحاط باملتشابه مثله
،كتاب "البحر احمليط" للعالمة :حممد ولد انبوجا التشييت الشنقيطي– s
رمحه اهلل تعاىل -وهو مطبوع طباعة sليست باجليدة ()2؛ فلعل اهلل أن ييسر
من يطبعه طباعة متقنة ، sيستفيد منها طالب العلم ..
وهناك sأيضا كتاب السخاوي – رمحه اهلل تعاىل -وهو مطبوع طباعةs
جيدة ،ومتوفر يف املكتبات وهناك sكتب أخرى كثرية..
– 10هناك مطعومات قد تساعد على الحفظ ،وتنشط الذاكرة ،
ومن أمهها :
() جاء يف كتاب "متشابه القرآن العظيم" ص ( : 58إن املتشابه كائن يف أشياء :فمنها 1
متشابه إعراب حروف القرآن ،ومنها متشابه غريب حروف القرآن ومعانيه ..ومنها
متشابه تأويل القرآن ،ويف ذلك كتب عن أهل التأويل كمجاهد ،وقتادة ،وأيب العالية ،
وسعيد بن جبري ،وعطاء بن يسار ،وعطية ،والسدي ،وأيب صاحل ،وغريهم ،ومنتهى
أكثر ذلك إىل ابن عباس رضي اهلل عنهما ،ويدخل يف ذلك متشابه ناسخ القرآن ومنسوخه
،وتقدميه وتأخريه ،وخصوصه وعمومه ،وأكثر من مسينا قبل هلم كتب يف ذلك ).
واملقصود باآليات املتشاهبة هنا أي اليت تتشابه ألفاظها ،وتتقارب ،فال بد من االعتناء هبا
،حىت تتميز كل آية عن األخرى.
() ذلك أنه ال ميكن أن يستفاد منها ؛ فهي طبعة قدمية غري مقروءة ،وعندي منها نسخة 2
بشرح حممد أمحد األسود الشنقيطي ،ومل يطبع غريها حسب علمي إىل اآلن ...
52
أ – العسل :وهو نافع يف الصحة عامة ،وجمرب يف تقوية احلفظ ؛ خاصة
إذا كان على الريق ،وفيه شفاء من كثري من األمراض ،قال تعاىل :
()1
( خيرج من بطوهنا شراب خمتلف ألوانه sفيه شفاء للناس ).
ب – شرب ماء زمزم :فإن من شربه بنية احلفظ حفظ – إن شاء اهلل –
()2
فقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( :ماء زمزم ملا شرب له )
() رواه "ابن ماجه" يف سننه ،باب الشرب sمن زمزم ،حديث رقم 3062ج 2ص 2
1018ورواه أيضا أمحد ،وابن أيب شيبة ،والبيهقي ،وقال :تفرد به عبد اهلل وهو
ضعيف ،واعرتض عليه ابن امللقن بأنه توبع ،ومل أجده ذكر املتابعات اليت اعرتض هبا.
ورواه العقيلي sمن حديث ابن املؤمل ،وقال :ال يتابع عليه ،واعرتض عليه ابن امللقن –
أيضا -بأنه توبع ،ومل أجده ذكر املتابعات اليت اعرتض هبا أيضا ،وأعله ابن القطان
بعلتني :األوىل :بابن املؤمل ،والثانية :بعنعنة أيب الزبري ،قال ابن حجر :لكن الثانية
مردودة ،ففي رواية ابن ماجة التصريح بالسماع .
ورواه البيهقي يف شعب اإلميان ،واخلطيب يف تاريخ بغداد من حديث سويد بن سعيد عن
ابن املبارك عن ابن أيب املوال عن حممد بن املنكدر عن جابر ،قال البيهقي :غريب تفرد به
سويد .قال ابن حجر ( :وهو ضعيف جدا ،وإن كان مسلم قد أخرج له يف املتابعات ،
وأيضا كان أخذه عنه قبل أن يعمى ويفسد حديثه ،وكذلك أمر أمحد بن حنبل ابنه
باألخذ عنه كان قبل عماه ،وملا أن عمي صار يلقن فيتلقن ؛ حىت قال حيىي بن معني :لو
كان يل فرس ورمح لغزوت سويدا من شدة ما كان يذكر له عنه من املناكري ).
وقال احلافظ شرف الدين الدمياطي -رمحه اهلل ( : -هذا حديث على رسم الصحيح فإن
عبد الرمحن بن أيب املوال انفرد به البخاري ،وسويد بن سعيد انفرد به مسلم. ) s
53
قال اإلمام الشوكاين – رمحه اهلل تعاىل ( : -قوله " :ماء زمزم ملا شرب له"
فيه دليل على أن ماء زمزم ينفع الشارب ألي أمر شربه ألجله ،سواء كان
من أمور الدنيا ،أو اآلخرة ؛ ألن ما يف قوله " :ملا شرب له" من صيغ
()2
العموم (.) )1
وهكذا كان عمل السلف الصاحل ؛ فإذا هم أحدهم حباجة شرب من ماء
زمزم ،ودعا اهلل أن ييسرها له ؛ ومن األمثلة على ذلك :
الخطيب البغدادي – رمحه اهلل تعاىل : -فإنه ملا حج شرب من ماء زمزم
ثالث شربات ،وسأل اهلل ثالث حاجات :أن حيدث بتاريخ بغداد هبا ،
وأن ميلي احلديث جبامع املنصور ،وأن يدفن عند بشر احلايف ؛ فقضيت له
()3
الثالث .
وشرب اإلمام الحاكم – رمحه اهلل تعاىل -ماء زمزم بنية التصنيف ،
()4
واجلمع ؛ فرزق حسن التصنيف والتأليف.
واعرتض عليه ابن حجر :بأن مسلما إمنا أخرج لسويد ما توبع عليه ؛ ال ما انفرد به ،
فضال عما خولف فيه .انظر " :تلخيص احلبري" ج 2ص 268و "حتفة احملتاج" ج 2ص
189و"خالصة البدر املنري" ج 2ص26
() ذلك أن لفظة :ما ،ومن ،وأي ،تعم مطلقا ،سواء كانت للشرط ،أم موصولة ،أم 1
54
وشربه أمري املؤمنني يف احلديث العالمة ابن حجر – رمحه اهلل تعاىل -ليصل
()1
إىل مرتبة الذهيب – رمحه اهلل تعاىل -يف احلفظ ؛ فبلغها وزاد عليها.
وغري هؤالء كثري ،واملقام sال يتسع للتطويل .
ج – الحبة السوداء :فهي شفاء من كل داء ،قالت عائشة – رضي اهلل
تعاىل عنها وأرضاها – مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ( :إن
هذه احلبة السوداء شفاء من كل داء إال من السام ،قلت :وما السام ؟ قال
()2
:املوت ).
وليس املقصود أهنا تستعمل دائما صرفا ؛ بل تارة تستعمل مفردة ،وتارة
خملوطة مع غريها ،كالعسل وحنوه ،حسب احلاجة .
د – التمر :وهو جمرب يف تقوية احلفظ ،وخاصة ما صار منه مترا ،ومل
يعد رطبا ،وكان حمببا إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وعامة العرب
؛ بل إنه كان سببا يف موت بعض العلماء من شدة حرصهم على احلفظ ،
وعدم النسيان ،فقد روي أنه كان هو سبب موت اإلمام مسلم صاحب
الصحيح رمحه اهلل تعاىل .
() رواه "البخاري" يف صحيحه ،باب احلبة السوداء ،حديث رقم 5363ج 5ص 2
2153و"مسلم" يف صحيحه ،باب التداوي باحلبة السوداء ،حديث رقم 2215ج 4
ص ، 1735ولفظه ( :إن يف احلبة السوداء شفاء من كل داء إال السام ،والسام املوت ،
واحلبة السوداء :الشونيز ).
55
قال اإلمام الذهيب – رمحه اهلل تعاىل ( : -قال أمحد بن سلمة .. :وعقد
ملسلم جملس املذاكرة ؛ فذكر له حديث مل يعرفه ؛ فانصرف إىل منزله ،
وأوقد السراج ،وقال ملن يف الدار :ال يدخل أحد منكم ؛ فقيل له :
أهديت لنا سلة متر ؛ فقال قدموها ؛ فقدموها إليه ؛ فكان يطلب احلديث
ويأخذ مترة مترة فأصبح وقد فين التمر ،ووجد احلديث..
()1
رواها أبو عبد اهلل احلاكم مث قال زادين الثقة من أصحابنا أنه منها مات )
هـ -ابتالع أحداق عيون المعز والضأن ،دون مضغ :وهو أمر معتاد
عند الشناقطة ؛ حيث يأخذون حدق العيون من الرؤوس املطبوخة
ويضعوهنا يف فم الطفل ،مث يتبعوهنا باملاء حىت تبتلع دون مضغ ،وقد جربوا
ذلك يف احلفظ ،فأعطى مفعوال جيدا ..
وحدثين األخ الفاضل :حممد حيىي ولد سعيد ( )2أن الشيخ احلافظ امللقب
عندنا بالنووي( )3حدثه أنه كان يبتلع كثريا من حداق العيون sيف الصغر ،
() هو الشيخ العامل الفاضل حممد سيديا بن سليمان ،يرجع نسبه إىل جعفر بن أيب طالب 3
رضي اهلل تعاىل عنه وأرضاه ،ولد يف حدود سنة 1958م وأمه هي العاملة الزاهدة خدجية
بنت حممد سيديا ابنة عم والده ،وهي اليت لقبته بالنووي ،تفاؤال منها أن يصري مثل اإلمام
النووي يف العلم ،والزهد يف الدنيا ،فاشتهر هبذا اللقب ،حىت صار علما عليه ،فإذا ذكر
لقب :النووي يف غالب مناطق شنقيط ،فإنه ال ينصرف إال إليه ،توجه إىل حمضرة العالمة
ناصر السنة وقامع البدعة الشيخ عبد اهلل بن داداه – رمحه اهلل تعاىل وغفر له – فحفظ
56
وقد قابلته – أي الشيخ النووي -بنفسي يف مكة املكرمة مرات عديدة ،
وجالسته وحاورته يف مسائل متعددة ،من احلديث واألصول والفقه ،
وعلمت أن اهلل أعطاه من احلفظ ،والعلم باحلديث ،وحسن اخللق ،
والتواضع لطلبة العلم ما أعطاه ؛ فأسأل اهلل العلي القدير أن حيفظه ،وينفع
به اإلسالم واملسلمني.
كما أن الشناقطة ينصحون طالب احلفظ – أيضا – بتجنب كل ما يزيد
محوضة املعدة ،كالفلفل احلار وحنوه.
مث إن بعض الباحثني يضيف على تلك املطعومات :الزبيب ،وألبان البقر ،
والسمك الطازج ،والرمان ،وغريها .
القرآن ،وأجازه الشيخ حيىي بن اباه يف قراءة نافع من رواييت ورش وقالون ،ودرس عليه
كثريا من علوم احلديث وغريها ،مث تفرغ بعد ذلك للمطالعة وتدريس طلبة العلم ،وبرع
يف علوم كثرية ،مث تعرض حملن بسبب الصدع باحلق ؛ فسجن sوعذب يف فرتة حكومة
معاوية ولد سيد أمحد الطايع ،وقبل سقوط احلكومة املذكورة اعتقلته مع جمموعة من طلبة
العلم منهم الشيخ الشاعر وغريه ،فزجت هبم يف السجن وال زالوا فيه ،نسأل اهلل عز وجل
أن يعاقب من شارك يف سجنه وسجن طلبة العلم الذين سجنوا معه مبا يستحق وأن يفرج
عنهم عاجال غري آجل .
57
المطلب الرابع :أمور تضعف الذاكرة ،وتعيق عملية الحفظ :
– 1المعاصي :فهي تضعف الذاكرة ،ومتيت القلب ،وال جيتمع اإلكثار
من املعاصي sمع حفظ العلم الشرعي ،وخاصة كتاب اهلل تعاىل ،وقد قال
جل من قائل ( :واتقوا اهلل ويعلمكم اهلل ) ( )1فإن حاولت حفظ العلم ،
وبذلت جهدا ،ومل تالحظ حتسنا ؛ فاعلم أنك متلبس بذنب حجبك عن
احلفظ والفهم ؛ فتب إىل اهلل تعاىل منه ،وعاود احملاولة.
ويف هذا املعىن يقول اإلمام الشافعي رمحه اهلل :
فأرشدين إىل ترك املعاصيs شكوت إىل وكيع ( )2سوء حفظي
() هو :وكيع بن اجلراح بن مليح بن عدي بن فرس بن مججمة بن سفيان بن احلارث بن 2
عمرو بن عبيد بن رؤاس ،اإلمام ،احلافظ ،حمدث العراق ،أبو سفيان الرؤاسي الكويف ،
أحد األعالم ،ولد سنة تسع وعشرين ومائة ،ومسع من هشام بن عروة ،وسليمان
األعمش ،واألوزاعي ،وجعفر بن برقان وخلق .حدث عنه :سفيان الثوري أحد شيوخه
،وعبد اهلل بن املبارك ،والفضل بن موسى السيناين ومها أكرب منه ،وحيىي بن آدم ،وعبد
الرمحن بن مهدي ،واحلميدي ،ومسدد ،وأمحد بن حنبل ،وابن معني وغريهم .
قال حيىي بن معني :وكيع يف زمانه كاألوزاعي يف زمانه ،وقال أمحد بن حنبل :ما رأيت
أحدا أوعى للعلم sوال أحفظ من وكيع ،وقال عبد الرزاق :رأيت الثوري ،وابن عيينه ،
ومعمرا ،ومالكا ،ورأيت ،ورأيت ؛ فما رأت عيناي قط مثل وكيع .
قال أمحد بن حنبل :حج وكيع سنة ست وتسعني ومائة ،ومات بفيد رمحه اهلل تعاىل
وغفر له ،قال الذهيب :عاش مثانا وستني سنة سوى شهر أو شهرين.
انظر ترمجته يف " :سري أعالم النبالء" ج 9ص 140و "طبقات احلنفية" ج 1ص540
58
وأخـربين بــأن العلم نــور ونـور اهلل ال يعطى لعاص.
– 2االنشغال بأمور الدنيا ، :وعدم التفرغ حلفظ كتاب اهلل :فعن عبد
الرمحن بن األسود عن أبيه قال :أصبت أنا وعلقمة صحيفة ،فانطلقنا هبا
إىل عبد اهلل بن مسعود – رضي اهلل تعاىل عنه وأرضاه – فذكر قصة قال
()1
فيها :إن هذه القلوب أوعية sفاشغلوها بالقرآن وال تشغلوها بغريه .
وناهيك به خبريا هبذا الشأن ؛ فقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :
(خذوا القرآن من أربعة من ابن أم عبد ؛ فبدأ به ،ومعاذ بن جبل ،وأيب
()2
بن كعب وسامل موىل أيب حذيفة ).
وهو الذي قال عن نفسه – رضي اهلل تعاىل عنه وأرضاه ( : -واهلل الذي
ال إله غريه ما أنزلت سورة من كتاب اهلل إال أنا أعلم أين أنزلت ،وال
أنزلت آية من كتاب اهلل إال أنا أعلم فيم أنزلت ،ولو أعلم أحدا أعلم مين
()3
بكتاب اهلل تبلغه اإلبل لركبت إليه ).
() انظر القصة كاملة يف "جامع بيان فضل العلم" البن عبد الرب ج 1ص 66وراجع : 1
59
وعن شقيق ( )4عن عبد اهلل بن مسعود – رضي اهلل تعاىل عنه -قال :قال
اهلل تعاىل " :ومن يغلل يأت مبا غل يوم القيامة"( )5مث قال على قراءة من
تأمروين أن أقرأ ؟ فلقد قرأت على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بضعا
وسبعني سورة ،ولقد علم أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أين
أعلمهم بكتاب اهلل ،ولو أعلم أن أحدا أعلم مين لرحلت إليه ،قال شقيق
فجلست يف حلق أصحاب حممد صلى اهلل عليه وسلم فما مسعت أحدا يرد
()6
ذلك عليه ،وال يعيبه.
قلت :ولو كان ما قال غري صحيح لردوه عليه ،وليس يف ذلك سوء أدب
؛ ألن املقام مقام إحقاق حق متعلق بكتاب اهلل ،وبتعليمه للناس ،ولكنه ما
كان ليكذب رضي اهلل عنه وأرضاه أصال ؛ فكيف بشيء متعلق حببل اهلل
املتني ،وصراطه املستقيم ،فرضي اهلل عنه ،وعن مجيع الصحابة ،وجزاهم
عنا خري اجلزاء ...
() هو :شقيق بن سلمة ،اإلمام الكبري ،شيخ الكوفة ،أبو وائل األسدي أسد خزمية ، 4
الكويف ،خمضرم أردك النيب صلى اهلل عليه وسلم وما رآه ،حدث عن عمر ،وعثمان ،
وعلي ،وعمار ،ومعاذ ،وابن مسعود ،وغريهم ،وحدث عنه :عمرو بن مرة ،وحبيب
بن أيب ثابت ،واحلكم بن عتيبة ،مات سنة اثنتني ومثانني .انظر ترمجته يف " :سري أعالم
النبالء" ج 4ص161
() آل عمران اآلية 161 5
() رواه "مسلم" يف صحيحه ،باب من فضائل عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه ،حديث 6
60
- 3عدم المراجعة الدائمة :فالقرآن أشد تفلتا من اإلبل ،قال النيب
صلى اهلل عليه وسلم ( :تعاهدوا القرآن ؛ فو الذي نفسي بيده هلو أشد
()2
تفصيا()1من اإلبل من عقلها )
وهو تعبري ،وتشبيه من أبلغ ما يكون ، sفالقرآن ال بد له من التكرار ،
واملراجعة الدائمة أكثر من أي مادة حمفوظة أخرى ...
وميكن أن تأخذ املراجعة أي شكل يناسب احلافظ ،كأن يفرض على نفسه
مراجعة جزء كل يوم ،أو أكثر ،حسب ظروفه ومشاغله ،ولكن أفضل
طريقة ملراجعة القرآن الكرمي بعد حفظه املتقن ؛ تكون sبالصالة به يف الليل ،
قال تعاىل ( :ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما
()3
حممودا ).
قال اإلمام الشوكاين – رمحه اهلل " ( : -ومن الليل فتهجد به نافلة لك"
من للتبعيض ، sوانتصابه sعلى الظرفية مبضمر ،أي قم بعض الليل ؛ فتهجد
()4
به ،والضمري اجملرور راجع إىل القرآن ).
– 4الحفظ الزائد :فعلى طالب العلم أن ال حيفظ إال ما يستطيع ،
ومبشورة الشيخ ،فبخربته يستطيع أن حيدد له مقدار احلفظ اخلاص به ...
() أَي أَش ّد َت َفلُّتَاً وخروجاً .انظر " :لسان العرب" ج 15ص 1561
() رواه "البخاري" يف صحيحه ،باب استذكار القرآن وتعاهده ،حديث رقم 4746ج 2
4ص 1921
() اإلسراء اآلية 79 3
61
– 5البطنة :فإن كثرة األكل ،واملبالغة يف ملء البطن مذمومة شرعا ،
وأضرارها ليست على عملية احلفظ وحدها ؛ بل على صحة اجلسم بالكامل
،ولذا فقد حذر منها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فقال :
( ما مأل آدمي وعاء شرا من بطن ؛ حبسب ابن آدم أكالت يقمن صلبه ؛
()1
فإن كان ال حمالة فثلث لطعامه ،وثلث لشرابه ،وثلث لنفسه ).
قال القرطيب – رمحه اهلل تعاىل .. ( : -مث قيل يف قلة األكل منافع كثرية ،
منها :أن يكون sالرجل أصح جسما ،وأجود حفظا ،وأزكى فهما ،وأقل
نوما ،وأخف نفسا ،ويف كثرة األكل كظ املعدة وننت التخمة ،وتتولد
منه األمراض املختلفة ؛ فيحتاج من العالج أكثر مما حيتاج إليه القليل األكل
()2
،وقال بعض احلكماء :أكرب الدواء تقدير الغذاء ).
وقد كان السلف الصاحل حيذرون من البطنة فمن األمثال املتداولة عندهم :
البطنة تذهب الفطنة .
وقال ابن مجاعة – رمحه اهلل تعاىل ( : -كثرة األكل جالبة لكثرة الشرب ،
وكثرته جالبة للنوم ،والبالدة ،وقصور الذهن ،وفتور احلواس ،وكسل
()3
اجلسم ،هذا مع ما فيه من الكراهة sالشرعية .) ..
() رواه "الرتمذي" يف سننه ،باب ما جاء يف كراهية كثرة األكل ،حديث رقم 2380 1
ج 4ص 590و"ابن ماجه" يف سننه ،باب االقتصاد يف األكل وكراهة الشبع ،حديث
رقم 3349ج 2ص 1111
() انظر " :تفسري القرطيب" ج 7ص 192 2
() انظر " :كيف حتفظ القرآن الكرمي" د /حيىي بن عبد الرزاق الغوثاين ص 148
3
62
وليس ذم كثرة األكل قاصرا على الشرع ؛ فإن العرب كانوا يذمون بكثرته
،وميدحون بقلته كما قال قائلهم :
تكفيه sفلذة كبد إن أمل هبا من الشواء ويروي شربه الغمر
وقال حامت الطائي :
فإنك إن أعطيت بطنك سؤله وفرجك ناال منتهى الذم أمجعا.
- 6كثرة النظر في التلفزيون ،والكومبيوتر ،وخاصة إطالة العكوف
على اإلنرتنت ، sفذلك يضعف الذاكرة ،ويتعب sأعصاب الدماغ ،ويصعبs
عملية احلفظ كثريا ...
63
المبحث الخامس :طريقة الشناقطة في حفظ كتاب اهلل تعالى
المطلب األول :التعريف بالشناقطة :
ال بد أن نلقي نظرة تعريفية على هذا املسمى -أعين الشناقطة -حىت
يكون sالقارئ على بصرية من املوضوع sالذي نعاجله .
كلمة شنقيط تكتب بالقاف واجليم ،وقد اقتصر املؤرخون يف العصور
األول على كتابتها باجليم ،ووجد ذلك يف الصكوك sالقدمية ،وكتبها
بعضهم بالكاف وهو خطأ ...
وقد اختلف يف معناها ،والذي قرره العالمة الشيخ سيدي عبد اهلل بن
احلاج إبراهيم العلوي( – )1رمحه اهلل تعاىل -أهنا تطلق على عيون sاخليل ،
وهي
اآلن مدينة من مدن "آدرار"( )2واقعة فوق جبل يف غرب الصحراء الكربى ،
() هو الشيخ العالمة األصويل الفقيه احملدث عبد اهلل بن احلاج إبراهيم بن اإلمام حمنض
1
أمحد العلوي ،نسبة إىل قبيلة "إدوعل" اليت يرجع نسبها إىل علي بن أيب طالب – رضي اهلل
عنه – ،ولد بعد منتصف القرن الثاين عشر اهلجري ،ألف تآليف مفيدة ،ونظم أنظاما
عديدة منها :كتابه "مراقي السعود" وشرحه "نشر البنود" وهو من أفضل sما يقرأ يف علم
األصول ،وله كتاب "طلعة األنوار" يف مصطلح احلديث ،وشرحها هدى األبرار ،وغري
انظر ترمجته يف " :مذكرة أصول الفقه" ص 57
() "آدرار" قال صاحب الوسيط ( :سألت بعض أهل اللغة الشلحية ،فقال يل :معناه 2
عندهم اجلبل ،وهو عبارة عن جبال شاهقة ،يعاينها الصاعد ،مقدار أربع ساعات ،وهي
كالدائرة حملقة يف السماء ،حىت إذا انتهى إليها الصاعد ،وجد أرضا مستوية ،فوقها
جبال شاخمة ،ومدن ،وأودية خنل ،وكثبان رملية ،كأنه يف أرض أخرى ،وهي اليت
64
مث صارت تطلق على مجيع القطر املعروف حاليا ب " :موريتانيا"( )1وهو
()2
من باب تسمية الشيء باسم بعضه .
وهذا القطر املعروف قدميا باسم شنقيط ،وحاليا باسم موريتانيا sيسكنه
كثري من القبائل العربية ( )3اليت ينتهي نسب أغلبها إىل احلسنني ابين علي
رضي اهلل عنهم -وجعفر بن أيب طالب -رضي اهلل عنه ، -وبعضها إىل
تسمى "اظهر" يسري فيها الراكب مقدار ستة أيام طوال ،وأقل من ذلك عرضا ،وقد
توجهت إليه من جهة أرض القبلة ،فرأيته مما يزيد على يوم ،وظننه سحائب سوداء ).
انظر "الوسيط يف تراجم أدباء شنقيط" ص 428
() هذه التسمية استحدثها املستعمرون ،واالسم الذي كان يطلق على هذه البالد يف كل 1
مكان من العامل هو :شنقيط ،وما زال هذا االسم هو املعروف إىل اآلن يف كثري من البالد
،وخاصة يف اجلزيرة العربية فإهنم ال يعرفون – يف الغالب – موريتانيا ،وإمنا يعرفون
شنقيط.
() انظر " :الوسيط يف تراجم أدباء شنقيط" ص 422وما بعدها . 2
() أنبه هنا على نقطتني مهمتني ،األولى :أن القبائل العربية اليت تسكن يف الصحراء 3
الغربية ،واليت يقع غالبها اآلن حتت السيطرة املغربية تنتمي للشناقطة بكل املقاييس ،فلغة
اجلميع هي اللغة العربية ،وهلجة اجلميع هي احلسانية ،واللباس متحد ،والتاريخ مشرتك ؛
بل إنك جتد القبيلة الواحدة منقسمة قسمني ،قسم يف أرض شنقيط ،واآلخر يف الصحراء
الغربية ..
والنقطة الثانية :أن كثريا من األعاجم من دولة مايل يدعي أنه من الشناقطة وليست
حقيقية ؛ فهم ال يتكلمون اللهجة احلسانية ،واملالبس ختتلف ،والعادات خمتلفة ،بل وال
قواسم مشرتكة إال يف القليل sالنادر ،وال نعين بذلك بعض القبائل العربية اليت نزحت من
أرض شنقيط إىل دولة مايل ،فهم شناقطة حقيقيون ولكنهم قلة قليلة ..
65
األنصار ،وقبائل معدودة إىل محري وهناك sنسبة قليلة من الزنوج ،قدرت يف
بعض اإلحصائيات بنسبة % 4ورمبا زادت يف الفرتة sاألخرية بسبب عوامل
()1
متعددة.
أما اللغة السائدة فهي اللغة العربية ،مع استعمال عريض ملا يسمى باللهجة
احلسانية ،وهي قريبة من اللغة العربية إىل حد كبري ؛ بل هي أقرب
() من هذه العوامل :قلة تعدد الزوجات بني العرب ،فقد غرس االستعمار الفرنسي 1
أفكاره اخلبيثة يف اجملتمع ،ومن ضمنها تشويهه لتعدد الزوجات ،ونعته بأنه ظلم للمرأة ،
يف حني فتحت حكومة معاوية ولد سيد أمحد الطايع -واليت سقطت حبمد اهلل قبل سنة
ونصف تقريبا -كل وسائل تعدد الزوجات للزنوج حىت تضمن هلم تفوقا عدديا يف
املستقبل على حساب العرب .
ومع أين ال أومن مبفهوم القوميات ،وصراعها ،والذي أدين اهلل به هو اإلسالم الذي
يستوي فيه األسود واألبيض ،والعريب ،والزجني ،إال أين أنبه على أن احلرب على تلك
القبائل العربية ليست حربا قومية وإمنا املقصود منها هو حصر املد اإلسالمي ،فكل مسلمs
موضوعي سواء كان زجنيا ،أو عربيا يعلم أن اإلسالم ما كان لينتشر لوال فضل اهلل أوال ،
مث جهود تلك القبائل العربية العريقة ،فاحلرب عليها إذن حرب على اإلسالم ،فضال عن
أنه استحداث لصراع ،وعداء غري موجود أصال ؛ فلقد sتعايشت تلك القبائل العربية مع
الزنوج على أساس اإلسالم منذ قرون عديدة ،تعايشا سلميا ملؤه الثقة بني اجلميع ،
والتعاون يف السراء والضراء ،شأهنم يف ذلك شأن كل البالد اإلسالمية ،فما عرف
املسلمون يوما التفرقة على أساس اللون ،أو اجلنس ،وإمنا كان ميزاهنم ،ومعيارهم ( :إن
أكرمكم عند اهلل أتقاكم ).
66
اللهجات العربية إىل الفصحى ،كما أن هناك ثالث هلجات زجنية مستعملة
عند الزنوج فقط (...)1
وبعد هذه النبذة sاملوجزة عن بالد شنقيط ؛ جيدر بنا أن نعرج على املقصود
،وهو طريقة حفظ كتاب اهلل تعاىل عند هذا الشعب الذي اشتهر بقوة
()2
الذاكرة ،ومتانة احلفظ ،وسرعته أيضا..
() وتسمى هذه اللهجات :البوالرية ،والسننكية ،والولفية ،ورمبا وجدت هلجة تسمى 1
من حيفظ ما يعادل جملدات sكثرية ،وحيكى عن أحدهم :أنه جاء إىل مكتبة ؛ ليشرتي
القاموس احمليط للفريوزآبادي ،فأعطاه صاحب املكتبة القاموس يف جملد واحد ؛ لينظر يف
الطبعة وجودهتا ،وبعد تصفحه للكتاب أرجعه لصاحب املكتبة ؛ ألنه مل يعد حباجة إليه ؛
فقد حفظه ،فليحذر أصحاب املكتبات من مثله .
وقد يكون يف هذا مبالغة ،ولكن املقصود منه هو التعبري عن سرعة احلفظ ومتانته عند هذا
الشعب.
67
المطلب الثاني :صفات الشيخ ( )1الذي يتولى التدريس عند
الشناقطة :
إن التعليم هو الوسيلة اليت تتبعها sاألمة لتعريف أبنائها sبعقيدهتم ،وتراث
أمتهم وتبصريهم مبتطلبات احلياة ،وتسليحهم مبهارات متكنهم من املساعدة
يف تقدمها ورقيها ..
وأهم علم يساعد على حتقيق هذه الغايات النبيلة هو العلم بكتاب اهلل تعاىل
،وسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم ،ولكن املعلم الذي يضطلع بإيصال
تلك الرسالة إىل الطالب ؛ ال بد أن يكون sمستوعبا لقدر املسؤولية sامللقاة
على عاتقه ،فهو مصلح ،واملصلحون ينبغي sأن يكونوا sقد حققوا الصالح
يف أنفسهم أوال ،كما أنه من املهم أن يكونوا sقد حصلوا وسائل توصيل
هذا الصالح إىل غريهم ،حىت ال يكون صالحهم قاصرا عليهم ال
يستطيعون sجتاوز ذواهتم ،وال يقدرون على جعل تلك املعارف اليت حصلوا
عليها مثارا يأكل منها اجلياع الذين ضمرت عقوهلم من قلة الوجبات املقدمة
هلم يف هذا اجملال ...
ولذا فإن اختيار الشيخ املناسب يعترب أهم لبنة يف البناء التعليمي ،وأهم
ركن يقوم عليه بناؤه ،وقد درج السلف الصاحل على االهتمام باختياره ،
والعناية sبأمره ،وكرسوا صفحات من كتبهم لذلك ...
() املقصود هو الشيخ الذي تكون عنده حمضرة لتدريس العلوم الشرعية ،ومنها القرآن 1
الكرمي ،وال أقصد احملفظني الذين ال يتولون إال حتفيظ األطفال فقط.
68
قال املاوردي ( – )1رمحه اهلل تعاىل ( : -جيب أن جيتهد يف اختيار املعلم
واملؤدب ،االجتهاد يف اختيار الوالدة والظئر ؛ بل أشد منه ؛ فإن الولد
يأخذ من مؤدبه من األخالق ،والشمائل ،واآلداب ،والعادات ؛ أكثر مما
يأخذ من والده ؛ ألن جمالسته له أكثر ،ومدارسته معه أطول ،والولد قد
أمر حيث سلم إىل املدرس باالقتداء به مجلة ،واالئتمار له دفعة ،وإذا كان
هكذا ؛ فيجب أال يقتصر من املعلم واملؤدب على أن يكون قارئا للقرآن ،
حافظا للغة ،أو راويا للشعر ،حىت يكون sتقيا ،ورعا ،عفيفا ،دينا ،
()2
فاضل األخالق ،أديب النفس ،نقي اجليب .) ..
وقد وعى الشناقطة هذه األمور ،واهتموا sهبا حق االهتمام ؛ فلم يعطوا
ألحد احلق يف تدريس كتاب اهلل إال إذا كانت عنده مؤهالت تسمح له
بذلك ،ومن أمهها :
() هو اإلمام :علي بن حممد بن حبيب املاوردي البصري الشافعي ،ولد سنة 364هـ 1
69
– 1حصوله على سند بقراءة القرآن الكريم من شيخ موثوق به ،
فالقرآن ليس كغريه من العلوم اليت ميكن حتصيلها باملطالعة ،فال بد فيه من
السماع إىل شيخ خبري مبخارج احلروف ،وأحكام التجويد ،يعرف مقدار
الغنة ،واملد وأنواعه ، sإىل غري ذلك من األحكام ،اليت ال بد يف تعلمها من
اجللوس إىل املشايخ (..)1
– 2معرفته بطرق تدريس القرآن الكريم ،ويعرفون ذلك من خالل
التجربة ؛ فقلما جيلس شيخ لإلقراء إال لوحظ مدى انتفاع sالطالب به من
عدمه ،ولذا جتد بعضهم يذهب بابنه مسافات بعيدة ؛ ألنه مسع بشيخ
يتمتع بأهلية التدريس ،يف حني يتجاوز حماضر عدة بسبب قصور مدرسيها
يف اجملال الرتبوي ؛ رغم حصوهلم على إجازات من قراء معروفني .
() لقد كثرت األغالط يف هذا الزمن – ولألسف الشديد – يف التجويد ،حىت يف بعض 1
القراء هداهم اهلل ،فإنك قد جتد بعضهم يسرع يف القراءة حىت ال يعطي أي مد حقه ،وال
يعطي للغنه حقها ،وال يقلقل املقلقل ،وال يفخم املفخم ،وال يرقق املرقق ،إىل غري ذلك
،والبعض منهم يبالغ يف ذلك حىت يزيد يف املد وجيعله عشر حركات ؛ بل وحىت عشرين
حركة أحيانا ،ويزيد الغنة إىل ست أو سبع حركات ،وحنو ذلك ،قال محزة الزيات
القارئ ملن مسعه يبالغ يف حتقيق احلروف عن املطلوب ( :أما علمت أن ما كان فوق
اجلعودة فهو قطط ،وما كان فوق البياض فهو برص وما كان فوق القراءة فليس بقراءة ).
قلت :وال عيب إن وقع هذا من غري خبري هبذا الشأن ،ولكن املشكلة أن تصدر مثل هذه
األخطاء عن قراء مشهورين ،هلم أسانيدهم ،وإجازاهتم ..
ويف رأيي أن أهم سبب لذلك هو االهتمام الزائد بتحسني الصوت ،حىت خيرج عن
املطلوب شرعا .واهلل تعاىل أعلم.
70
– 3غزارة المادة العلمية :ففي أغلب األحيان يكون الشيخ الذي يتوىل
التدريس واسع اإلطالع ، sوخاصة يف العلوم الشرعية من فقه ،ولغة ،وغري
ذلك ،مما يثري املادة العلمية عنده ؛ ليشبع هنم األطفال املتزايد من األسئلة
،ويكون sعندهم بالتايل جمموعة ال يستهان هبا من املعارف ،من خالل
إجابته على تلك األسئلة اليت يثري النص القرآين نسبة كبرية منها.
– 4حسن األخالق :من أهم مواصفات الشيخ أن يكون sزكي السرية ،
حسن األخالق ،متواضعا ،مستقيما ،حىت يفيد الطالب يف هذه الناحية
اليت هي من أهم مثار تعلم العلم عامة ،وخاصة كتاب اهلل تعاىل ،الذي
يدعو إىل كل خلق محيد ،وينهى عن كل خلق ذميم .
فإذا كان الشيخ متأدبا بآداب القرآن والسنة ،كان أهال لرتبية األجيال حىت
يتأثروا sبه ،ويقتدوا )1( sبأفعاله وأقواله ..
ذكر ابن اجلوزي – رمحه اهلل تعاىل -عن نفسه أن تأثره ببكاء بعض
()2
شيوخه كان أكثر من تأثره بعلمهم .
وقال عتبة بن أيب سفيان – )3( sرمحه اهلل تعاىل -ملؤدب ولده ( :ليكن أول
() ال ُقدوة :بالكسر والضم االقتداء بالغري ومتابعته والتأسي به .قال الشاعر :
1
() هو :عتبة بن أيب سفيان بن حرب بن أمية األموي ،أخو معاوية ألبويه ،قال ابن 3
منده :ولد يف عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وحج بالناس سنة إحدى وأربعني
71
إصالحك لولدي إصالحك لنفسك ،فإن عيوهنم معقودة بك ،فاحلسن
عندهم ما صنعت ،والقبيح عندهم ما تركت ،وعلمهم كتاب اهلل ،وال
تكرههم عليه فيملوه ،وال ترتكهم منه فيهجروه ،مث روهم من الشعر أعفه
،ومن احلديث أشرفه ،وال خترجهم من علم إىل غريه حىت حيكموه ،فإن
()1
ازدحام الكالم يف السمع مضلة للفهم )..
وقال عبد امللك بن مروان( – )2رمحه اهلل تعاىل -ملؤدب ولده ( :علم
وبعدها ،مث ويل مبصر على اجلند بعد عزل عبد اهلل بن عمرو بن العاص – رضي اهلل تعاىل
عنهما -فمات باإلسكندرية .انظر ترمجته يف " :اإلصابة يف متييز الصحابة" ج 5ص60
() انظر " :البيان والتبيني" ص 249 1
() هو :عبد امللك بن مروان بن احلكم بن أيب العاص بن أمية بن عبد مشس بن عبد مناف 2
األموي ،أمري املؤمنني ،بويع بعهد من أبيه يف خالفة ابن الزبري ،وكان عابدا ناسكا ،
شهد يوم الدار مع أبيه وهو ابن عشر سنني ،قال ابن سعد :واستعمله معاوية على املدينة
وهو ابن ست عشرة سنة ،ومسع عثمان ،وأبا هريرة ،وأبا سعيد ،وأم سلمة ،وابن عمر
،ومعاوية ،رضي اهلل عن اجلميع ،وهو أول من مسى عبد امللك يف اإلسالم ،قال أبو
الزناد :فقهاء املدينة :سعيد بن املسيب ،وعبد امللك بن مروان ،وعروة بن الزبري ،
وقبيصة بن ذؤيب .ولد له سبعة عشر ولدا ،ومات يف شوال سنة ست ومثانني للهجرة.
انظر ترمجته يف " :فوات الوفيات" ج 2ص24
72
أوالدي الصدق كما تعلمهم القرآن ،وعلمهم الشعر( ، )1وجنبهم السفه ،
()2
وجالس هبم علية القوم يناطقوهم بالكالم )
ويستلزم كل ذلك أن يكون الشيخ نفسه يتمتع بأخالق عالية ،فهو قدوهتم
األول ،وتأثري أفعاله ،وأقواله على سلوكهم أعلى من أي تأثري آخر ،
فينبغي sأن يكون علمه يف ذاكرته ،ومنعكسا sعلى جوارحه على حد سواء.
قال اخلطيب البغدادي .. ( :ويكون sقد وسم نفسه بآداب العلم ،من
استعمال للصرب ،واحللم ،والتواضع للطالبني ،والرفق باملتعلمني ،ولني
اجلانب ،ومداراة الصاحب ...وغري ذلك من األوصاف احلسنة ،والنعوت
()3
اجلميلة ).
أما الشيخ الذي يفيد غريه من علمه دون أن ينتفع هو به ،ودون أن
ينعكس sعلى هديه ،وأخالقه ،وتعامله مع اآلخرين ،فإنه يكون sكالكتاب
() ال ينبغي اإلطالق هكذا ،فتعلم الشعر ليس مباحا يف الشريعة بصفة مطلقة ،فكم من 1
القصائد يذم جمرد االستماع هلا شرعا ،فضال عن تعلمها أو حفظها ،ولكن مقصود عبد
امللك -فيما يظهر واهلل أعلم -هو تعلم الشعر املباح ،أو املندوب إليه ،كأشعار العرب
احملتج هبم لالستشهاد هبا يف معاين القرآن الكرمي وإعرابه وكالشواهد املعروفة يف علم النحو
،وكاملديح املباح غري الزائد عن املأذون فيه شرعا ،وحنو ذلك ،أما اهلجاء ،والغزل
الفاحش ،فهذا النوع من الشعر تأباه املروءة ؛ فضال عن الدين ،فال ينبغي تعلمه ،وال
إضاعة الوقت فيه .واهلل أعلم.
() انظر " :املعلم املثايل" ص 11 2
73
يفيد غريه باحلكمة ،وهو يفتقدها ،وكالشمعة حترتق ؛ لتضيء لآلخرين
..
وآخر األحوال هلؤالء هي حال من استفاد علما ،ومل ينتفع هو به ،وال
نفع غريه .
()1
عن محله كف جان وهو منتهب كالنخل يشرع أشواكا يذود هبا
– 5الرأفة بالتالميذ :على املعلم أن ينزل تالمذته منزلة أوالده ،فقد قال
النيب صلى اهلل عليه وسلم ،وهو معلم البشرية كلها ( :إمنا أنا لكم مثل
()2
الوالد أعلمكم ) ...
وال شك أن العلماء هم الوارثون هلذه املهنة النبوية اليت هي تعليم الناس اخلري
،وحتذيرهم من الشر ،فعليهم أن يشفقوا sعلى تالمذهتم ،ويعاملوهم باللني
والرمحة ،وأن ال يلجؤوا إىل العقاب إال حينما يكون sضروريا ..
– 6عزة النفس :من صفات الشيخ كذلك أن يكون sعزيز النفس ،
زاهدا يف الدنيا ،مقدرا ملا أعطاه اهلل من العلم ،وأن ال يتخذه وسيلة جلمع
املال ،ومطية لتحصيل املكاسب sاملادية ،وأن ال يذل نفسه عند املتعلمني
() انظر " :الذريعة إىل مكارم األخالق" ص 116نقال عن كتاب "مدارس الرتبية يف
1
احلضارة اإلسالمية" ص . 266د /حسان حممد حسان و د /نادية مجال الدين .
() قطعة من حديث طويل رواه "ابن ماجه" يف سننه ،باب االستنجاء باحلجارة والنهي
2
عن الروث والرمة ،حديث رقم 313ج 1ص 114و "النسائي" يف سننه ،باب النهي
عن االستطابة بالروث ،حديث رقم 40ج 1ص 38
74
بالطمع فيما يف أيديهم ؛ فإن من رزقه اهلل حفظ كتابه ؛ حري به أن يكونs
عزيز النفس يف غري كرب ،متواضعا من غري ذل ..
ومن هذا املنطلق كان مقر الطالب الشناقطة عند الشيخ ،واستقرارهم يف
حمضرته ،ويرحتلون إليه من أماكن بعيدة ؛ ومل يكن لريحتل هو إليهم ؛
()1
مهما كان مستوى أسرهم املادي ،أو املعنوي ..
وقد توجد بعض االستثناءات – يف القليل النادر جدا ، -فقد يستقدم
بعض أمراء القبائل ،مقرئني ليؤدبوا هلم أوالدهم وخواصهم ،وهم قلة جدا
،سواء بالنسبة حلال سلف األمة ،أو بالنسبة للشناقطة أيضا ؛ ألن األصل
أن العلم يؤتى sوال يأيت ،ومن أراد استفادة ولده أكثر ؛ فعليه أن يؤدبه
بأدب العلم ،ومنه أن يأيت إىل الشيخ ،إال إذا كانت هناك ضرورة من
خوف قتل عليه ،وحنو ذلك ،وعلى هذا درج كثري من السلف الصاحل ،
فلم يكونوا sيستقدمون العلماء – مع قدرة كثري منهم على ذلك – إال
لضرورة .واهلل أعلم.
()2
قال الزهري ( :هوان بالعلم أن حيمله العامل إىل بيت املتعلم ).
قلت :وينبغي أن يستثىن من ذلك ما كان لضرورة ،أو مصلحة راجحة ،
ما مل يكن فيه تعال للمتعلم على العامل ،أو االستهانة sمبا علمه اهلل من كتابه
،أو سنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم ...
() املقصود هو شيخ العلم ،أما جمرد احملفظ لألطفال ؛ فقد كان يستقدم لكن مع اإلجالل 1
75
ومن أحسن ما قيل يف هذا املعىن قول أيب شجاع اجلرجاين حني قال :
ومل أبتذل يف خدمة العلم مهجيت ألخدم من ال قيت لكن ألخدما
أأشقى sبه غرسا وأجنيه ذلــة إذن فاتباع اجلهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صاهنم ولو عظموه يف النفوس لعظمـا
المطلب الثالث :الصالحيات الممنوحة لشيخ المحضرة :
أ -الخدمة :
ففي غالب احملاضر عند الشناقطة يكون التالميذ sحتت تصرف الشيخ ،
يرعون له ماشيته ،ويطبخون له الطعام إذا مل يكن عنده إماء للخدمة ،
ويغسلون له املالبس ، sإىل غري ذلك من أنواع اخلدمة الكثرية s؛ بل إن خدمة
الشيخ عندهم مقدمة على خدمة األهل ،ومهامه الثانوية تسبق حوائج
األهل الضرورية ..
76
ب -العقاب :
أوال :تعريف العقاب :
يعرف علماء الرتبية العقاب بأنه "الوسيلة الرتبوية sاليت يهدف منها إىل وقف
،أو ضبط ،أو تعديل السلوكيات غري املرغوب فيها" ويضيف علماء الرتبية
اإلسالمية هلذا اهلدف أمرين مهمني ،أوهلما :محاية اآلخرين من نتائج
األفعال السيئة اليت قد تلحق هبم الضرر ،والثاين :الرتبية الوقائية sلألفراد ؛
وذلك ألن من مسع ،أو شاهد عقاب املخطئ ،فإنه سريدعه ذلك عن
()1
ارتكاب اخلطأ حىت ال يتعرض للعقاب مثله.
ثانيا :شروط العقاب :
وقد وضع العلماء شروطا هلذا العقاب ،حىت يعطي مثاره املرجوة منه ،ومن
أهم هذه الشروط :
– 1أن جيرب املريب كافة وسائل التقومي من النصح ،واحلوار ،واإلرشاد
قبل اللجوء إىل العقاب .
– 2عدم املبالغة sيف العقاب حىت ال يتعود عليه الطفل ويسمرئه.
– 3عدم التهديد بعقاب ال يقبل التنفيذ مثل :سأقتلك إن مل تفعل كذا.
– 4تنفيذ العقاب يف مرحلة الذنب األوىل ؛ حبيث ال تطول املدة بني
ارتكاب الذنب وبني العقاب.
77
– 5إذا كان العقاب بالضرب ؛ فعلى املريب أن يقدر عدد الضربات ؛
حبسب حال املعاقَب sاجلسمية والعقلية ،ومبراعاة sسنه ،وحنو ذلك.
– 6أن يفرق الضرب ،وجيعله خفيفا ،فاهلدف منه التأديب ،وليس
االنتقام sأو التشفي. s
– 7أن يتقي sأماكن اجلسم اليت تشكل إصابتها خطرا ،كالرأس ،والصدر
،والبطن ،والفرج ،واملفاصل ،ويتجنب ضرب الوجه للنهي عن ذلك يف
()1
احلديث الصحيح.
– 8عدم الغضب sحال ضرب الطفل ،حىت ال يقع الظلم واإلجحاف ،
وخيرج العقاب بالتايل عن اهلدف منه .
– 9أن ينتقي sما يضرب به ،وأفضله أن يكون سوطا معتدل احلجم
والرطوبةs.
– 10أن ال يويل أحد الصبيان – sوخباصة أقرانه – ضربه ،بل يباشره
()2
املريب بنفسه .
ثالثا :العقاب عند الشناقطة :
() هنى النيب صلى اهلل عليه وسلم عن ذلك ففي صحيح البخاري ج 2ص 902 1
عن أيب هريرة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ( :إذا قاتل أحدكم ؛ فليجتنب
الوجه ) .واملقصود منه تأديب الغالم .ويف صحيح مسلم ج 3ص 1673عن جابر رضي
اهلل تعاىل عنه قال هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن الضرب يف الوجه وعن الوسم يف
الوجه.
() انظر " :جملة البيان" العدد 220ص 28 2
78
إن نظرة على غالب احملاضر الشنقيطية يتبني منها أن للشيخ كامل احلرية يف
أن يعاقب بالضرب أو احلبس ،أو غريمها من يشاء ،دون أي تدخل من
األهل واألقارب ولو أدى ذلك إىل كسر عضو ،وحنوه ( )1؛ بل ولو أدى
– كما يف حاالت نادرة – إىل موت الطالب ؛ بسبب اهلروب من احملضرة
،واملوت عطشا يف الفيايف ،والصحارى الواسعة...)2( s
ولكن الشيخ ال يبدأ بالضرب – يف أغلب األحيان – بل إنه يعاتب sبرفق
بأن sيعرض عن التلميذ ،وال يلتفت إليه ،حىت ينتبه sالتلميذ نفسه خلطئه ،
وقد ينبه على طريقة التعميم ،فقد حكي عن حممذن فال بن أمحد فال
التندغي )3( sأنه كان إذا أخطأ أحد تالمذته سواء من قبيلته ،أو من غريهم
؛ فإنه يقول للطالب مجيعا :
لتندغ ،وال لغري تندغ وقول ما ال ينبغي ، sال ينبغي
() ال يقع هذا إال يف النادر جدا ،ولكن املقصود أنه حىت لو وقع ،فإن الشيخ آمن من 1
ردة فعل األهل ،ألن الكالم يف مثل هذا يعترب عيبا عند اجملتمع ؛ فالشيخ مل يكن ليقصد
فعل ذلك قطعا -وهو الذي قدمنا مواصفاته اليت منها احللم ،وحسن اخللق - sوإمنا كان
هدفه هو التأديب ،واملصلحة ،وال أحد يستطيع أن مينع القدر ...
() قد يسري املرء مئات الكيلومرتات يف تلك الصحاري دون أن جيد بئرا يشرب منها ، 2
فضال عن ماء جار وحنوه ،مما يسبب موت كثري من املسافرين بسبب العطش ،وال زالت
هذه املشكلة مطروحة حىت اليوم ..
() نسبة إىل قبيلة "تندغ" وهي من قبائل الزوايا املعروفة باالهتمام بالعلم ،وقد برز منها
3
79
هذا إذا كان خطأ الطالب قوال ،أما إذا كان جرمه فعال ،فإنه يقول هلم:
()1
لتندغ ،وال لغري تندغ وفعل ما ال ينبغي ، sال ينبغي
وال شك أن التعريض sوعدم تعيني املذنب أسلوب تربوي نبوي فقد كان
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول :ما بال أقوام يفعلون كذا أو يقولون
()2
كذا.
() املقصود من البيتني :أن قول وفعل ما ال ينبغي قوله أو فعله ال يصلح وال ينبغي ألي 1
أحد كائنا من كان ،سواء كان من أفراد قبيلة العامل ،أو من قبيلة أخرى ،وهو نوع من
التعميم السائغ نوعا ما .
() كان صلى اهلل عليه وسلم يكثر توجيه الناس هبذه الطريقة ،وال يكاد يصرح بالفاعل ، 2
فقد قال صلى اهلل عليه وسلم ( :ما بال أقوام يشرتطون شروطا ليست يف كتاب اهلل ؟ من
اشرتط شرطا ليس يف كتاب اهلل فليس له ،وإن اشرتط مائة مرة ) انظر " :صحيح
البخاري" ج 1ص 174وعن أنس بن مالك رضي اهلل تعاىل عنه قال :قال النيب صلى
اهلل عليه وسلم ( :ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إىل السماء يف صالهتم ؟ فاشتد قوله يف
ذلك حىت قال لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم ) انظر " :صحيح البخاري" ج 1ص
261وعن عائشة رضي اهلل تعاىل عنها و أرضاها قالت :صنع النيب صلى اهلل عليه وسلم
شيئا ؛ فرخص فيه ؛ فتنزه عنه قوم ؛ فبلغ ذلك النيب صلى اهلل عليه وسلم ،فخطب ،
فحمد اهلل ،مث قال ( :ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فو اهلل إين ألعلمهم باهلل ،
وأشدهم له خشية ) انظر " :صحيح البخاري" ج 5ص 2263وعن أنس بن مالك أن
نفرا من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم سألوا أزواج النيب صلى اهلل عليه وسلم عن
عمله يف السر فقال بعضهم :ال أتزوج النساء ،وقال بعضهم :ال آكل اللحم ،وقال
بعضهم :ال أنام على فراش ،فحمد اهلل ،وأثىن عليه ،وقال ( :ما بال أقوام قالوا :كذا
وكذا ،لكين أصلي ،وأنام ،وأصوم ،وأفطر وأتزوج النساء ؛ فمن رغب عن سنيت فليس
80
ولكن التلميذ إذا مل يرتدع بالكالم ،واإلشارة ( )3فإن الشيخ يلجأ إىل
الضرب ال رغبة فيه ،ولكن حفاظا على املصلحة العامة للطالب نفسه ،
وللمحضرة أيضا.
ومع ما قد يظهر للمرء من خطورة منح مثل هذه الصالحيات للشيخ ،إال
أن احلقيقة sأن الطبيعة الصحراوية هلذا البلد ،وانعكاسها sعلى سلوكيات
أهله من حيث حرارة الطبع ،وصعوبة املراس ؛ يفرض هذا السلوك الرتبوي
الذي قد يراه البعض sخاطئا ،ويعتربه sآخرون شائنا ...
إن نوعية sالعقاب – يف نظري – جيب أن تراعى فيها طبيعة السكان، s
وظروفهم البيئية ،وسلوكياهتم االجتماعية ،أما أن نأخذ نظريات تربوية
متت جتربتها يف صحراء "سبرييا" ،ونطبقها حبذافريها على سكان الصحراء
الكربى ،أو اجلزيرة العربية ؛ دون نظر يف اخلصوصيات اجلغرافية ،والثقافية
لتلك البالد ،فإن ذلك لن يعطي النتائج املرجوة منه.
ولعل هذا من أهم أسباب التعثر الرتبوي الذي تعيشه األمة اإلسالمية sاليوم ،
ذلك أن انبهار كثري منا بالتقدم التقين للغرب ؛ جعله يأخذ كل ما لفظته
احلضارة الغربية – إن جازت تلك التسمية – مث يطبقه كما هو على جمتمعه
الذي خيتلف متام االختالف عن اجملتمع الغريب ؛ فإذا كانت النظريات
مين ) انظر " :صحيح مسلم" ج 2ص 1020إىل غري ذلك من األحاديث يف مثل هذا .
() وعند الشناقطة مثل مشهور يف هذا اجملال وهو " :احلاذق بقمز والفاسد بدبز" ومعناه 3
أن احلاذق العاقل تكفيه اإلشارة ،ويرتدع هبا ،أما الفاسد ،فال بد له من الضرب الشديد
،حىت يرجع عن اخللق sالذميم .
81
الرتبوية sاملبنية sعلى دراسات نفسية ،واجتماعية للمجتمع الفرنسي – مثال-
تصلح للمجتمع السويسري ؛ الشرتاكه مع الفرنسيني يف كثري من
اخلصوصيات ؛ فإن ذلك ال يعين بالضرورة صالحية تلك النظريات
للمجتمع السوداين ،أو الشنقيطي ، sنتيجة لالختالف التام مع تلك
اجملتمعات اليت كانت ميدان جتربة لتلك النظريات...
وهذا ما وعاه الشناقطة ؛ فأوجدوا نظرياهتم اخلاصة هبم ،واليت تناسب
الطبيعة sاجلغرافية ،والسكانية sهلم ،فضال عن مناسبتها sللمواد املقروءة
عندهم ،واليت تعتمد – يف غالبها – على احلفظ ..
وعملية احلفظ عملية معقدة ،ومتعبة ، sميلها املرء عند احملاولة مرتني ،أو
ثالثا ؛ فاستلزم ذلك أن تكون للشيخ الذي أسندت له مهمة حتفيظ األجيال
،وغرس هذه العلوم يف عقوهلم ،صالحية العقاب ،حىت يؤدي مهمته على
أكمل وجه ..ولذا فقد منح الشناقطة الشيخ كامل احلرية يف العقاب ،فنتج
عن ذلك سيل من حفاظ كتاب اهلل تعاىل ،وحبر تتالطم أمواجه من العلماء
يف كل الفنون sاملتوفرة عندهم ،مع ضعف اإلمكانات املتاحة هلم ؛ سواء
من الناحية املادية ،أو حىت من ناحية توفر املراجع ،والكتب ، sوغري ذلك
..
إن كثريا من البالد اإلسالمية sاليوم تصرف ماليني الدوالرات على املدرسني
،والطالب من أجل حفظ القرآن الكرمي ،ومع ذلك جتد فيهم أعداد
احلفاظ أقل من القليل ،ومستوى إتقان sاحلفظ عندهم ضعيفا كذلك ،فما
السبب sيا ترى ؟
82
إن نظرة عاجلة ،ودراسة مقارنة تبني أن من أهم أسباب تناقص احلفاظ يف
تلك البالد مع ما يصرف من أجل زيادة أعدادهم ،هو يف عدم منح القراء
،واملشايخ الصالحيات الضرورية لتوصيل املادة العلمية للطالب ،فإذا كان
الطالب ينظر إىل الشيخ نظرة دونية بسبب مستواه املادي ،أو العتبارات
أخرى ،أيا كانت ،فكيف يستفيد منه ،وحيفظ على يديه !؟
لقد أرسل اهلل األنبياء sإىل خمتلف األمم ؛ ليعلموهم اخلري ،فهم أول املعلمني
،ومنحهم من الصالحيات ما حيتاج له كل معلم ،فكان يبعثهم من بيوتات
حسب ونسب ،وأوجب على أممهم حمبتهم ،وتعظيمهم ،وتوقريهم ؛ ألن
ذلك كله من ضروريات توصيل رسالة العلم اليت كلفوا هبا ..
ولنا فيهم قدوة حسنة ،فال بد لطالب العلم أن حيب شيخه ،ويعظمه
ويتأدب معه ،ال من أجل ذاته ،بل من أجل العلم الذي أعطاه اهلل ،
والذي حنن حباجة إليه ،حىت لو كانت به حاجة مادية من فقر وحنوه ،
فمىت تساوى فقر املال ،وفقر العلم ؟ ومىت تساوى غىن املال وغىن العلم؟
فاحلاصل أن الشناقطة رخصوا للشيخ بالعقاب مبا يراه مناسبا ،ويعاقب
الطفل واملراهق على حد سواء ،وليس عند التالميذ إال حتسني سلوكهم ،
والصرب على ضرب الشيخ ،أو تعنيفه ، sولسان حال والديهم يقول هلم:
اصرب لدائك إن جفوت طبيبه sواصرب جلهلك إن جفوت معلما
83
ج – وجوب طاعة الشيخ :
إن طاعة الشيخ – عند الشناقطة – ال تقف عند حد ،ما مل يأمر مبعصية ؛
وأسلوب العقاب الذي تقدم جيعل الطالب مطيعا للشيخ رغم أنفه ،فضال
عما يلقى على التلميذ من نصائح تؤكد على أمهية طاعة الشيخ ،وضرورهتا
،وكالم السلف يف ذلك ؛ فيصبح الطالب أمام الشيخ وكأنه آلة ،وهلذا
من الفوائد sما فيه ،وهو من أهم ما ركز عليه السلف الصاحل عند كالمهم
على حقوق الشيخ ..
قال الغزايل ... ( :ومهما أشار عليه شيخه بطريقة يف التعليم ؛ فليقلده ،
وليدع رأيه ؛ فخطأ مرشده أنفع له من صوابه يف نفسه ،وقد نبه تعاىل على
ذلك يف قصة موسى واخلضر عليهما الصالة sوالسالم( )1بقوله " :إنك لن
تستطيع معي صربا " ..هذا مع علو قدر موسى الكليم يف الرسالة والعلم ،
() لقد ركز كثري من املتصوفة على هذه القصة ،وفهموها فهما خاطئا ،وحاولوا من 1
خالهلا أن يربهنوا على كثري من ترهاهتم اليت ختالف نص القرآن الكرمي ؛ فضال عن خمالفتها
ألسس عقيدة املسلمني ؛ فمن ذلك تصريح بعضهم بأن اخلضر أعلم من موسى ،أو أنه
أفضل sمنه ،وأنه حي إىل اآلن ،وكذا استدالل بعضهم بأن أولياءهم ميكن أن يكون هلم
شرع خاص هبم ؛ ألهنم لصفاء قلوهبم ومشاهدهتا للحقائق ، sصاروا يف غىن عن شريعة
حممد صلى اهلل عليه وسلم ،كما كان اخلضر يف غىن عن شريعة موسى عليه الصالة
والسالم ،وكل هذه األباطيل ردها العلماء ،وبينوا أن أدلتها أوهى من بيت العنكبوت ،
ونصوا على أن اعتقاد بعضها كفر أكرب ،يقتل صاحبه وال يستتاب عند بعض العلماء ،
وبعضهم يستتاب عنده .واهلل أعلم.
84
حىت شرط عليه السكوت فقال " :فال تسألين عن شيء حىت أحدث لك
()1
منه ذكرا ").
المطلب الرابع :سرد طريقة الشناقطة في حفظ كتاب اهلل تعالى :
لقد اهتم الشناقطة حبفظ كتاب اهلل تعاىل ،وتعليمه للصغار يف سن مبكرة ،
ووضعوا احلوافز املادية واملعنوية للحفاظ ،وفتحوا احملاضر والكتاتيب لتعليم
كتاب اهلل تعاىل أوال ،مث كتب اللغة ،واألصول ،واحلديث ،وغريها ،
فقلما جتد قبيلة إال وفيها من احلفاظ العدد الكثري ،وخاصة يف قبائل الزوايا
اليت اهتمت sهبذا اجملال ،وجعلته ميدانا يتنافس فيه املتنافسون.
وقد اختاروا للوصول إىل هدف حفظ كتاب اهلل تعاىل طريقة اتبعت على
مر العصور يف غالب مناطق شنقيط ،وميكن تلخيصها يف املراحل التالية: s
أوال :مرحلة الطفولة المبكرة ،وتعليم الحروف لألطفال :وتبدأ هذه
املرحلة عندما يبلغ الطفل سن اخلامسة – يف الغالب – فريسله أهله إىل من
يعلمه احلروف األجبدية ،وتتوىل النساء هذه املهمة غالبا ( )2؛ فتقوم امرأة
مشهورة هبذه املهنة بتعليم الطفل مجيع احلروف األجبدية ،مث تعلمه حركاهتا
،حىت إذا أتقن ذلك سردا وبدون تردد ،وصار يقرأ أي حرف كتب له
مفردا ،أو مع حركته ،فعند ذلك تستحق ما هو متعارف عليه يف تلك
85
املنطقة ، sفيعطيها أهل الطفل جذعة من اإلبل أو البقر ،هذا فضال عن
املعونات sاليت كانوا يقدموهنا للمعلمة أثناء دراسة الطفل عليها (...)1
ثانيا :الشيخ يكتب والطفل يكرر :
يف هذه املرحلة يتعلم الطفل الكتابة sتدرجييا ؛ فيضع الشيخ الدواة ،واللوح
،
والقلم )2(،وجيلس الطفل جبانبه ،فيبدأ الشيخ كتابة الكلمة حرفا حرفا ،
وينطق باحلرف حمركا حبركته ،مث ينطق به التلميذ بعد الشيخ مباشرة ،
وهكذا إىل أن تنتهي sالكلمة ،مث يقرؤها الشيخ كلمة تامة ،ويعيدها التلميذ
بعده ،وهكذا حىت تنتهي آية أو آيتان ؛ حسب قدرات الطفل واستعداده ،
فيحفظ الطفل يف هذه املرحلة السور القصار ،حىت يكمل اجلزء الثالثني
وأحيانا يزيد حفظه يف هذه املرحلة على مخسة أجزاء ،أو أكثر ،ويتعلم يف
آخرها كتابة بعض الكلمات واآليات ببطء ،مث بسرعة ،مع مترينه دوما
() يقدم أهل الطفل sمساعدات sللمرأة اليت تعلم الطفل احلروف يف يومني من األسبوع ، 1
مها يوم االثنني ،ويوم األربعاء ،وختتلف هذه املساعدات ،فبعضهم يرسل طعاما ،
وآخرون يرسلون نقودا ،والبعض اآلخر يرسل مالبس وحنو ذلك ،هذا فضال عن اللنب
الذي تقدم فيه املدرسة كل ليلة على غريها ،وإن كان احلليب يف الغالب يستوي فيه
اجلميع ،إال أنه إن قل فإهنم يؤثروهنا حىت على أنفسهم .
() هذه األدوات هي املتعارف عليها عند البدو الشناقطة ؛ فاللوح يكون من اخلشب ، 2
والقلم من اجلريد أو الثمام ،أما الدواة فإهنا تكون من احلجارة ،أو النحاس ،واملداد
يصنعونه من الصمغ العريب والفحم .
86
من قبل الشيخ ،مث من قبل بعض الطالب الذين يسبقونه sمبراحل ،كما
يشارك األهل بدورهم يف هذه املرحلة – أيضا – وخاصة األم
واألخوات...
ثالثا :التلميذ يكتب والشيخ يملي :
من خالل املرحلة السابقة ويف آخرها يكون sالتلميذ قد تعود على الكتابة s؛
فيبدأ يف هذه املرحلة باالعتماد على نفسه ،وكتابة درسه من إمالء الشيخ ،
أو بعض من ينيبه من كبار التالميذ ، sويظل هكذا حيفظ كل يوم حسب
املستطاع ،ويرتاوح مقدار احلفظ -غالبا -يف هذه املرحلة بني ما يناهز
نصف الصفحة والصفحة إىل أن حيفظ قرابة نصف القرآن ؛ فيزيد الدرس
اليومي sإىل حدود الصفحتني ،ويستمر يف هذه املرحلة إىل أن يكمل القرآن
الكرمي كامال ،ويسمع على الشيخ يف كل يوم عندما ينهي الكتابة ، sوقبل
أن يكرر للحفظ ،ويركز الشيخ – يف هذه املرحلة – على نطق الطالب
للحروف نطقا سليما مع مراعاة حركاهتا ؛ فيمنع إبدال حركة بأخرى ،أو
إبدال حمرك بساكن ،أو تسكني احلرف احملرك يف حال الوصل ،وغري ذلك
،حىت إذا اطمأن sالشيخ لنطقه بالكلمات نطقا صحيحا أعطاه اإلذن
لينصرف ،وجيلس جانبا ،مث يبدأ بالتكرار ،ويكرر درسه يف الصباح قرابة
مائة مرة ،مث يأيت ليسمعها على الشيخ نظرا ،وتبدأ فرتة االسرتاحة من
ارتفاع النهار ( الساعة 10تقريبا ) إىل صالة الظهر ،مث يعاود التكرار من
جديد حىت حيفظ درسه غيبا ،وبدون تردد مث يسمع على الشيخ غيبا ،فإذا
اطمأن sحلفظه لدرس اليوم sأمره بتكرار درس اليوم املاضي ،ويسمى عندهم
87
"الدرس" ( ، )1مث يأيت ليسمعه على الشيخ غيبا ،فإذا أهنى تسميع وجهي
لوحه ،أمره بتسميع األحزاب اخلمسة احملفوظة أخريا ( ،)2مث إن بقي من
الوقت شيء أعطاه تالميذ آخرين دون مستواه sيقرؤون عليه دروسهم
اليومية ، sوهلذه اخلطوة دور هام يف ترسيخ احلفظ وتقويته ،كما أهنا تدفع
بنفسية sالطالب ،وتعوده على الثقة بالنفس ،ألنه يصبح هبا وكأنه شيخ
يقرئ الطالب.
مث إنه ال بد من التسميع على الشيخ ثالث مرات يف اليوم – على األقل -
فتكون sاألوىل يف الصباح بعد احلفظ نظرا ،مث يرتاح التلميذ حىت يصلى
الظهر ،فيبدأ التكرار من جديد ،مث يأيت إىل الشيخ ويسمع عليه غيبا ،مث
يرتاح ،ويف املساء يعاود التكرار من جديد ،مث يسمع على الشيخ غيبا
()3
أيضا.
ف عل َّـي حفظه ،أو من درس الثوب دروسا ،إذا بلي أَي ذللته بكثرة القراءة حتـى َخ َّ
س الناقة يَ ْد ُر ُسها َد ْرساً :مبعىن راضها .انظر " :لسان العرب" ج 6ص وأخلق ،أو من َد َر َ
80و"النهاية يف غريب األثر" ج 2ص113
() وهذه األحزاب اخلمسة مستمرة ،تتقدم بتقدم احلفظ ؛ حبيث يضاف هلا كل يوم مثن 2
أو مثنان حفظا من جديد ،وحيذف منها أول مثنني يف احلفظ ،وهكذا حىت يكمل حفظ
القرآن الكرمي ،واحلزب عندهم نصف اجلزء ،والثمن هو مثن احلزب .
() إن تفريق جلسات احلفظ ،ووجود اسرتاحة بينها ،عامل مساعد على تثبيت احلفظ ، 3
وترسيخة ،وقد أثبتت ذلك جتربة قام هبا "هو فالند" عام 1940م على " "22طالبا
جامعيا .انظر "طرق تدريس القرآن الكرمي" ص 118وراجع "مبادئ علم النفس
88
وال ننسى أن لكل طالب – يف هذه املرحلة – ورد من القرآن الكرمي
يراجعه كل يوم ،وأقله مخسة أجزاء ،أو أكثر ،حسب نظام كل شيخ يف
حمضرته ،وورد املراجعة هذا يسمعه التلميذ على نفسه غيبا ،ولكن الشيخ
ينادي بني الفينة sواألخرى أحد الطالب لرياجع له كل ما حفظ ،فإذا وجد
حفظ بعض األجزاء غري جيد علم أن الطالب كان يغش ،ومن مث يقرتح
الشيخ العقاب املناسب ، sوينفذه مباشرة ،وعندها فإنه لن يعود طالب
للغش يف املراجعة مرة أخرى ،وهكذا ،فبالرعاية من الشيخ ومداومة رقابته
على ما حفظ الطالب يرسخ احلفظ يف هذه املرحلة ويثبت.. s
وقراءة الطالب يف احملضرة تكون جهرية حبيث يسمعها الشيخ والطالب ،
وال يسمح لطالب باإلسرار بالقراءة ،ولهذه القراءة الجهرية فوائد في
عملية الحفظ من أمهها :
– 1كوهنا تعني الشيخ على مساع بعض األخطاء احملتملة للطالب ،فيبادر
إىل إصالحها قبل أن ترسخ يف ذاكرة التلميذ...
– 2تنمي ثقة التلميذ بنفسه ،وجتعله جريئا على التالوة sجهرا أمام احلفاظ
والعلماء ،وعلى اإلمامة يف الصلوات اجلهرية ،وخاصة صالة الرتاويح sيف
رمضان .
التعليمي" ص 147
89
– 3منع سريان اللهجات العامية يف قراءة الطالب ،وذلك أن بعض
األطفال قد يقرأ بعض احلروف يف القرآن الكرمي حسب ما ينطقها بالعامية.
()1
فإذا أكمل الطالب القرآن الكرمي بالطريقة اليت تقدمت مسعه من بدايته إىل
هنايته على الشيخ نفسه مرات عديدة ،وال يسمح الشيخ ألحد التالميذ sأن
ينوب عنه يف هذه اخلطوة ؛ ملا هلا من األمهية ،كما ال يسمح للتلميذ
بالوقف الذي ال يبني أصل احلركة ؛ بل يظهر حركة كل كلمة ؛ فإذا تأكد
من جودة حفظه ،وإتقانه ملا حفظ ؛ فإنه يأمره بقراءة القرآن الكرمي كامال
على اثنني من احلفاظ ،كل على انفراد ،حىت يتأكد أهله من أن الشيخ قام
مبهمته أحسن قيام ،وإمنا يفعل املشايخ ذلك إبراء للذمة ،وإبعادا ألنفسهم
() انظر " :طرق تدريس القرآن الكرمي" ص 114د .حممد السيد الزعبالوي1
90
عن التهم ( ،)2وحمافظة على صفاء األجواء بني املشايخ وأولياء التالميذ، s
وتواضعا منهم ،وإن كانوا غري ملزمني بذلك على سبيل الشرط.
رابعا :التلميذ يتعلم الرسم العثماني :
بعد تسميع القرآن الكرمي كامال على الشيخ وعلى احلفاظ كما ذكرنا آنفا
يبدأ الطالب بتعلم الرسم العثماين وأشهر الكتب اليت يقرؤوهنا يف هذا اجملال
كتاب رسم الطالب عبد اهلل اجلكين الشنقيطي رمحه اهلل تعاىل ( )1وهو كتاب
() ومن السنة أن ينأى اإلنسان بنفسه عن حمل التهم ،وال يساعد الشيطان على إخوانه ؛ 2
ليقذف يف قلوهبم االحتماالت املمكنة ،وغري املمكنة ؛ فقد أخرج البخاري يف صحيحه ،
حديث رقم 1930ج 2ص 715عن صفية زوج النيب صلى اهلل عليه وسلم أهنا جاءت
إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم تزوره يف اعتكافه يف املسجد يف العشر األواخر من
رمضان ؛ فتحدثت عنده ساعة ،مث قامت تنقلب ؛ فقام النيب صلى اهلل عليه وسلم معها
يقلبها ،حىت إذا بلغت باب املسجد عند باب أم سلمة ،مر رجالن من األنصار ؛ فسلما
على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ؛ فقال هلما النيب صلى اهلل عليه وسلم :على رسلكما
إمنا هي صفية بنت حيي ،فقاال :سبحان اهلل يا رسول اهلل ،وكرب عليهما ؛ فقال النيب
صلى اهلل عليه وسلم :إن الشيطان يبلغ من اإلنسان مبلغ الدم ،وإين خشيت أن يقذف يف
قلوبكما شيئا .
فإذا كان الطاهر املطهر صلوات اهلل وسالمه عليه يعتذر عن مثل هذا ؛ فحري جبميع
املسلمني أن يقتدوا به ،وأن يسريوا على هنجه ،وال يرتكوا جماال للشيطان ينتهزه لتفريقهم
،وإذكاء نار العداوات بينهم .
() وهو اآلن مطبوع طباعة جيدة ،ومشروح شرحا وافيا ،ومتوفر يف األسواق ،أما قدميا 1
فكانوا يعتمدون يف تدريسه على حفظ الشيخ له ،ورمبا وجدت بعض النسخ املكتوبة باليد
تعني الطالب على االستذكار نادرا ،ألن الطريقة املتبعة عند الشناقطة هي االعتماد على
91
قيم ،حاول مؤلفه أن حييط بطريقة كتابة كل الكلمات القرآنية بالرسم
العثماين ،وضبط التابعني ،وقد جنح يف مسعاه إىل حد كبري ؛ فرمحه اهلل
تعاىل رمحة واسعة وجزاه عنا خري اجلزاء .
احلفظ ،ويف حال النسيان يعتمد على الشيخ أو أحد الطالب ،وحيذرون من املذاكرة عن
طريق النظر إىل املصحف .
92
خامسا :كتابة القرآن الكريم مع مراعاة قواعد الرسم العثماني :
مث يبدأ الطالب بإعادة كتابة القرآن الكرمي مع مراعاة قواعد الرسم اليت قرأ ،
ويكتب sيف هذه املرحلة ما يقارب ثالث صفحات ،من حفظه دون إمالء
من الشيخ ،أو نظر يف املصحف ،مث يعطي اللوح للشيخ لينظر يف األخطاء
احملتملة يف الكتابة ، sويبدأ يف التكرار مع النظر للكتابة ،حىت ترسخ يف
الذهن ألفاظ الكلمات ،وطريقة كتابتها ،كل ذلك مع تسميعه للطالب
الذين دونه يف املستوى ، sوهذه اخلطوة ترسخ احلفظ إىل حد يصعب بعده
النسيان... s
فإذا استطاع الطالب أن يكتب مخسة أجزاء ،أو أكثر – حسب نظام كل
شيخ -بدون أي أخطاء يف الرسم العثماين ؛ فإن الشيخ يأمره بكتابة "ابن
بري" وهو كتاب قيم يف قراءة نافع من رواييت ورش وقالون ،ومها
الروايتان sاملقروء هبما يف تلك البالد ،ويواصل مع حفظ هذا الكتاب
مراجعة نص القرآن الكرمي ،والتسميع للطالب ،ومساعدة الشيخ يف كثري
من شؤون الطالب.
مث يضبط برواية ورش قرابة عشرة أجزاء ،مث يضبط نفس العدد برواية
قالون.
ويتفاوت املشايخ يف التشدد يف كتابة القرآن الكرمي بالرسم العثماين ،
فبعضهم يفرض على الطالب أن يكتب مجيع القرآن الكرمي بالرسم العثماين
وضبط التابعني ويكون أكثره برواية ورش ،وباقيه برواية قالون ،ويتشدد
93
بعضهم فيفرض كتابته مرتني ،مرة بورش ،وأخرى بقالون ، sولكن األكثر
انتشارا هو ما قدمنا من كتابة ما يقارب العشرة أجزاء بكل واحدة من
الروايتني ..
وأكد يل الشيخ :حممد بن أب السيدوي احلسين( – )1حفظه اهلل تعاىل –
أن املعيار احلقيقي sيف ذلك ليس يف الكمية اليت يكتبها الطالب ،وإمنا يف
اطمئنان sالشيخ إلتقان الطالب للرسم والضبط.
وبعد ذلك يأمره الشيخ برتك الكتابة ؛ إشعارا له بأنه دخل يف مرحلة
اإلجازة.
ومن اجلدير بالذكر أن التلميذ يف هذه املرحلة يكتب sالقرآن يف لوحه أمام
الطالب ،حىت يبعد عن نفسه هتمة النظر يف املصحف ،والغش يف طريقة
كتابة الكلمات ،وحنو ذلك ،فإن عثر على أن أحد الطالب اختلس كتابة
كلمة على تلميذ مثله ،أو على املصحف ،فإن ذلك يعترب معرة ،وفضيحة
كربى ،فرمبا يسمى بتلك الكلمة ذلك التلميذ بني الطالب ؛ فتصبح علما
عليه ،وقد يبلغ به الضغط النفسي sبسببها إىل اهلروب من احملضرة يف بعض
األحيان .
94
سادسا :مرحلة الحصول على اإلجازة :
بعد املراحل السابقة يكون التلميذ مهيئا لإلجازة ؛ فيجلسه الشيخ ،ويأمره
()1
بتسميع القرآن الكرمي كامال من بدايته إىل هنايته دون أي خطأ أو تردد
مث يكتب له الشيخ اإلجازة خبطه ،وفيها سنده يف قراءة نافع ،ويأمره فيها
بتقوى اهلل عز وجل ،واحملافظة على القرآن الكرمي تالوة ،وتدبرا ،
وتعليما.
المطلب الخامس :أهم القواعد المتبعة في المحضرة :
ومن اجلدير بالذكر أن كل مراحل احلفظ هذه تقطع مع مراعاة قواعد
احملاضر يف تلك البالد ،ومن أهم تلك القواعد :
أ – في ليلة األربعاء – عادة – جيلس الشيخ والطالب من حوله ،فيجري
هلم اختبارا أسبوعيا يف احلفظ ؛ فينادي الواحد منهم ،ويأمره بأن يسمع
الثمن الفالين من حفظه ،فإن غلط فيه ضحك منه الطالب ،وعابوه sعلى
ذلك اخلطأ ،مث ينادي آخر ،وهكذا ...
وهلذه اخلطوة دور مهم يف إذكاء روح املنافسة بني الطالب ،وتشجيع
أصحاب الذكاء منهم ،مما يدفع هبم إىل املثابرة ، sوالسعي يف حتصيل العلم.
وجدير بالذكر أن مساء األربعاء هو آخر الفرتة sالدراسية يف األسبوع s؛ ألن
الطالب يسرتحيون يومي اخلميس واجلمعة .
() يتفاوت املشايخ هنا يف التشدد ،فبعضهم ال يسمح بأبسط غلط ،وبعضهم يسامح يف 1
األغالط البسيطة ،مع أن احتمال الغلط شبه مستحيل يف هذه املرحلة ..
95
ب – غالب طالب المحضرة يفارقون أهلهم ،ويتفاوت بعدهم من
ذويهم حسب بعد احملضرة وقرهبا ،وقد يتوىل الشيخ معاشهم ،وقد يأتون
به هم حسب حالة الشيخ املادية ،ومستوى أسر الطالب املادي كذلك ،
فبعضهم يأيت ببقرة حلوب والبعض sيأيت ببقرتني ،أو مثل ذلك من اإلبل ،
أو الغنم.
ويتناوبون على رعي تلك الماشية ،كل بيومه ،فيأخذ لوحه يف الصباح ،
ويكتب sدرسه ،مث يذهب بلوحه ،ويظل يف حمل الرعي يكرر ،حىت
املساء.
أما أكلهم ؛ فهو قليل جدا ؛ فال يأكلون حىت يستبد هبم اجلوع ،وإن
أكلوا فإهنم ال يشبعون ؛ ألنه ال يوضع هلم من الطعام – أصال – ما
يشبعهم ؛ بل يطبخون أو يطبخ هلم بأمر من الشيخ ،وبتقدير منه ،وهلذا
دور هام يف جناح عملية احلفظ ،وقد قدمنا أضرار البطنة ،واألكل الزائد.
وقال ابن حجر ... ( :واختلف يف حد اجلوع على رأيني -ذكرمها يف
اإلحياء -أحدمها :أن يشتهي sاخلبز وحده ؛ فمىت طلب األدم فليس جبائع ،
ثانيهما :أنه إذا وقع ريقه على األرض مل يقع عليه الذباب ،وذكر أن
مراتب الشبع تنحصر يف سبعة ،األول :ما تقوم به احلياة ،الثاين :أن يزيد
حىت يصوم ويصلي عن قيام ،وهذان واجبان ،الثالث :أن يزيد حىت يقوي
على أداء النوافل ،الرابع :أن يزيد حىت يقدر على التكسب ، sوهذان
مستحبان ،اخلامس :أن ميأل الثلث ،وهذا جائز ،السادس :أن يزيد على
96
ذلك وبه يثقل البدن ويكثر النوم ،وهذا مكروه ،السابع :أن يزيد حىت
يتضرر ،وهي البطنة املنهي sعنها ،وهذا حرام ،وميكن دخول الثالث sيف
()1
الرابع ،واألول يف الثاين ).
أما ما يسكن فيه طالب المحاضر فهو أمكنة يصدق عليها حقيقة قول
بعضهم :
هلم مهم قصوى أجل من الدهر تالميذ شىت ألف الدهر بينهم
()3
وال من سرير غري أرمدة ( )2غرب يبيتون ال كن لديهم سوى اهلوى
ومن األعمال الشاقة التي يقوم بها طالب المحاضر يف بالد شنقيط –
غري ما ذكرنا -أهنم جيمعون احلطب هنارا ،ألجل أن يوقدوه ليال ،
فيقرؤوا عليه دروسهم ؛ فال إنارة يف البادية غري ما حيصل من إيقاد احلطب
،وهذا من جدهم واجتهادهم يف حفظ القرآن الكرمي .
وال شك أن طالب احملضرة هؤالء قد ضحوا بكل وسائل الراحة املتوفرةs
عند أهلهم ،وذويهم من أجل حفظ كتاب اهلل تعاىل ؛ ليجعلوه رأس ماهلم
،ومنطلقهم إىل حفظ بقية العلوم األخرى ،وقد عرفوا أن هذه طريق
() انظر " :فتح الباري" ج 9ص 528وهذا التقسيم غري مسلم مع ما فيه من نفس 1
صويف ،ولكن هديف من إيراده هو ذم البطنة ال غري ،فاألوىل ما تضمنته اآلية الكرمية من
الوسطية والعدل يف ذلك كله ،قال تعاىل ... ( :وكلوا واشربوا وال تسرفوا .)..
() الرماد :دقاق الفحم من حراقة النار ،والطائفة منه رمادة ،واجلمع أرمدة ،وأرمداء
2
وأما رماد أرمد ،ورمديد ؛ فهو الكثري الدقيق جدا .انظر " :لسان العرب" ج 3ص185
() راجع " :الوسيط يف تراجم أدباء شنقبط" ص 521 3
97
املعايل ،وأهنا شاقة ومكلفة ؛ فشمروا عن ساعد اجلد ،وتأهبوا ملعركة
طلب العلم ،ولسان حال كل واحد منهم يقول لنفسه :
تريدين إدراك املعايل رخيصة وال بد دون الشهد من إبر النحل
ويقول لنفسه :
()1
ال تبلغ اجملد حىت تلعق الصرباs ال حتسب اجملد مترا أنت آكله
ج – طالب المحضرة ال يجالس – يف غالب وقته – إال الطالب ،وال
يسمح له يف وقت فراغه بالتجوال ،واألحاديث مع العوام ، sبل يوظف
وقت الفراغ – عادة – يف األحاديث املفيدة ، sوالنكت sاليت ال ختدش احلياء
،وال تذهب هيبة العلم وطالبه ،وكأهنم يف ذلك يعملون بوصية لقمان
البنه ...
قال شهر بن حوشب :بلغين أن لقمان احلكيم قال البنه :يا بين ال تتعلم
العلم لتباهي sبه العلماء ،أو لتماري به السفهاء ،أو لرتائي sبه يف اجملالس ،
وال ترتك العلم زهدا فيه ،ورغبة يف اجلهالة ،يا بين :اخرت اجملالس على
عينك ،وإذا رأيت قوما يذكرون اهلل فاجلس معهم ؛ فإنك إن تكن عاملا
ينفعهم علمك ،أو تكن جاهال علموك ،ولعل اهلل أن يطلع عليهم برمحته
فيصيبك sهبا معهم ،وإذا رأيت قوما ال يذكرون اهلل فال جتلس معهم ؛ فإنك
() الصرب -بكسر الباء : -عصارة شجر مر ،ورقها كقرب السكاكني طوال غالظ ، 1
يف خضرهتا غربة وكمدة مقشعرة املنظر ،خيرج من وسطها ساق عليه نور أصفر ،ويصنع
منها دواء مر ،وال يسكن الصرب إال يف ضرورة الشعر .انظر " :لسان العرب" ج 4ص
442و"خمتار الصحاح" ج 1ص 149
98
إن تكن عاملا مل ينفعك علمك ،وإن تكن جاهال زادوك غيا ،ولعل اهلل أن
()1
يطلع عليهم بعذاب فيصيبك sمعهم.
وحيذر الشناقطة طالب العلم من جمالسة أراذل الناس ،وجهاهلم ؛ بل
ويعريون sهبا أحيانا ،شأهنم يف ذلك شأن السلف الصاحل مجيعا ؛ فقد حذروا
من جمالسة من ال يزيدك علمه ،وال تنتفع مبصاحبته ،كما قال الشاعر :
فال تصحب أخا اجلهل وإياك وإي ــاه
فكم من جاهل أردى حليما حني واخاه
يقاس املرء باملــرء إذا ما هو ماشـاه
د -إذا أكمل الطالب احلفظ األويل ؛ فإنه يصنع وجبة للطالب مجيعا ،
وكذا إذا أخذ اإلجازة ،فإنه مع صناعة الوجبة توضع احلناء على يده اليمىن
؛ متييزا له عن غريه من الطالب ،وإكراما له ،كما يقوم بوضع ختمات
ملونة على اللوح اخلشيب .
هذه أهم املراحل يف حفظ القرآن الكرمي عند الشناقطة ،وأهم قواعد
احملاضر عندهم ،أوردهتا موجزة قدر اإلمكان s؛ ألن املقام sال يسمح بكثري
() انظر " :أطفال املسلمني كيف رباهم النيب األمني" ص 174
1
99
()1
من التفاصيل اليت ال يقع حتتها كبري فائدة ...
المطلب السادس :أقرب الطرق التربوية إلى طريقة الشناقطة :
وبالنظر إىل الطريقة اليت سلكها الشناقطة حلفظ القرآن الكرمي ،يتبني أن
أقرب الطرق الرتبوية sإليها هو :الطريقة الجزئية ،اليت قال عنها أحد
() وقد اعتمدت يف سرد طريقة الشناقطة يف حفظ كتاب اهلل تعاىل على جتربيت الشخصية 1
،مث على املعلومات القيمة اليت أفادين هبا أخي وشيخي :حممد بن حممد عبد اهلل بن أمحد
حممود بن حممد حبيب اهلل السيدوي احلسين ،من أشراف يسمون "أهل اباه" يرجع نسبهم
إىل احلسن sبن علي – رضي اهلل تعاىل عنهما – حفظ القرآن وهو صغري ،وحصل على
إجازة بقراءة نافع من رواييت ورش وقالون ،وإجازة برواية حفص عن عاصم ،وله
إجازات يف الصحيحني ،وسنن أيب داود ،ونيل األوطار ،وفتح القدير إىل مؤلفيها ،وله
إجازات غري ما ذكرت ،وهو من العلماء املتواضعني ،الذين بذلوا جهدهم يف نشر السنة
،وحماربة البدعة ،بأسلوب هادئ رزين ،حنسبه كذلك واهلل حسيبه وال نزكي على اهلل
أحدا ،وقد استفدت من مكتبته اليت حتوي كثريا من كتب السنة يف فرتة كان انتشارها يف
موريتانيا قليال ،وقد اشرتى أغلبها باألمثان الغالية مع قلة ماله ،كما استفدت من نصائحه
،وهنجه يف احلياة ،فجزاه اهلل عين خري اجلزاء ..
وهو اآلن يسكن يف العاصمة املوريتانية "انواكشوط" أسأل اهلل العلي القدير أن يطيل عمره
،وينفع به اإلسالم واملسلمني.
كما اعتمدت – أيضا – على املعلومات القيمة اليت أفادين هبا الشيخ حممد حيىي بن أمحد بن
سعيد ،وهو من حفاظ كتاب اهلل تعاىل ،ولد سنة 1952م وحفظ القرآن صغريا ،
وتنقل بني عدة مشايخ تعلم منهم كثريا من العلوم املتداولة عند الشناقطة كالعربية ،وبعض
كتب الفقه املالكي ،وغري ذلك ،وهو من احملبني للسنة ،احملاربني للبدعة ،حنسبه كذلك
واهلل حسيبه ،وال نزكي على اهلل أحدا ..
100
الباحثني ..( :وحنن نعول على هذه الطريقة اليت درج عليها عامة احلفاظ
واملقرئني ،حىت نكاد نقول :إنه ال حيفظ القرآن إال هبذه الطريقة ؛
لألسباب التالية: s
– 1ما روي عن أيب العالية قال :تعلموا القرآن مخس آيات ،مخس آيات
؛ فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم كان يأخذه من جربيل مخسا ،مخسا ،
ويف رواية :من أخذه مخسا مخسا مل ينسه .
– 2كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يتبع هذه الطريقة يف إقراء الصحابة ،
وكذلك سار عليها قراء الصحابة يف إقراء من بعدهم .
وقد أثبتت sالدراسات اليت قام هبا علماء الرتبية sأن هذه الطريقة ناجحة
ومناسبة s؛ حيث تبني أن توزيع التعليم ،أو التدريب على فرتات متباعدة– s
نسبيا – تتخللها فرتات راحة ،يساعد على سرعة التعلم ،وتثبيته يف
الذاكرة ،وأن التعلم الذي حيدث باستخدام طريقة التوزيع أفضل كثريا من
أما نسبه فهو من فخذ "إدبعمر" يعين أبناء اعمر من قبيلة "أوالد أبياري" إحدى قبائل
الشناقطة اليت ينتشر فيها حفظ كتاب اهلل تعاىل ؛ فال تكاد جتد فردا منها إال وهو حافظ
للقرآن ،وقد أجنبت هذه القبيلة كثريا من العلماء ،وأكرمين اهلل خبؤولة منها ؛ فجد أيب
ألمه هو العالمة :حممود ولد ابن عمر – رمحه اهلل تعاىل وغفر له – أحد العلماء األفذاذ
من هذه القبيلة العريقة ،بل من نفس الفخذ املذكور ،وينتهي نسب هذه القبيلة إىل جعفر
بن أيب طالب رضي اهلل تعاىل عنه وأرضاه.
وقد أفادين الشيخ حممد حيىي بتلك املعلومات يف مقابلة أجريتها معه يف منزله مبكة املكرمة
يف 1427 – 3 – 16هـ فجزاه اهلل خريا.
101
التعلم الذي حيدث باستخدام طريقة الرتكيز ،وهو التعلم الذي يتم يف فرتة
زمنية متصلة ،دون أن تتخللها راحة ..
وقد طبقت sهذه الطريقة يف القرآن الكرمي ؛ إذ أنه نزل على فرتات متباعدةs
()1
يف مدة ثالث وعشرين سنة ،مما ساعد على تعلمه ،وفهمه وحفظه ).
أما عيوب هذه الطريقة ،وسلبياهتا اليت ذكرها املربون ،فقد تغلب عليها
الشناقطة ،ومل يرتكوا جماال لتأثريها على احلفظ ...
أما سلبيتها ( )2األوىل وهي عدم قدرة الطالب املتعلمني عن طريقها على
ربط األجزاء احملفوظة بعضها ببعض ، sفقد تغلبوا عليها بتكرار املقطع األخري
من الدرس املاضي مع الدرس اجلديد ،واملقطع األخري من الدرس اجلديد مع
الدرس القادم وهكذا ؛ فكونوا بذلك حلقات ربط قوية يصعب sحلها ...
وأما سلبيتها الثانية ،وهي احتمال حصول تفاوت يف درجات احلفظ بني
األجزاء احملفوظة ،فقد تغلبوا عليه بتوزيع التكرار بصفة شبه متساوية بني
الدروس ،حىت يتقارب حفظها ،حبيث ال ينسي قوي احلفظ منها ضعيفه.
() انظر " :مهارات التدريس يف احللقات sالقرآنية" ص ( 184بتصرف يسري جدا ) 1
102
المبحث السادس :مشكلة النسيان وكيف عالجها الشناقطة :
المطلب األول :تعريف النسيان :
النِ ْسيا ُsن بكسر النون sوسكون السني :ضد الذكر واحلفظ ،ورجل نَسيان
بفتح النون كثري النِسيان للشيء ،وقد نسي الشيء بالكسر نسيانا ،وأنساه
اهلل الشيء ،وتناساه : sرأى من نفسه أنه ِ
نسيه ...
ِّسيَا ُن أيضا :الرتك ،قال اهلل تعاىل ( :نسوا اهلل فنسيهم ) (، )1
والن ْ
()2
وقال ( :وال تنسوا sالفضل بينكم )
فهو إذن :ترك اإلنسان sضبط ما استودع ،إما لضعف قلبه ،وإما عن غفلة
()3
،أو عن قصد حىت ينحذف عن القلب ذكره .
ويعرفه علماء النفس بأنه :فقدان كلي أو جزئي ،مؤقت أو دائم ،ملا مت
حفظه سابقا .
وبالتايل فهو ينقسم إىل قسمني :نسيان كلي ،ونسيان sجزئي .
فالنسيان اجلزئي يعين :فقدان بعض جزئيات املادة اليت مت حفظها .
()4
والنسيان الكلي :هو فقدان املادة احملفوظة بالكامل .
() انظر " :خمتار الصحاح" ج 1ص 284و "التعاريف" ج 1ص 698 3
() انظر " :طرق تدريس القرآن الكرمي" ص 134د .حممد السيد الزعبالوي. 4
103
المطلب الثاني :التغليظ في نسيان القرآن الكريم بعد حفظه :
عن أنس بن مالك ( – )1رضي اهلل تعاىل عنه -قال :قال رسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم ( :عرضت علي أجور أميت ،حىت القذاة ،أو البعرة خيرجها
اإلنسان sمن املسجد ،وعرضت علي ذنوب أميت ،فلم أر ذنبا أكرب من آية
()2
أو سورة أوتيها رجل ؛ فنسيها ).
() هو :أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم 1
بن عدي بن النجار ،اإلمام ،املفيت ،املقرئ ،احملدث ،راوية اإلسالم ،أبو محزة
األنصاري ،اخلزرجي ،البخاري ،املدين ،خادم رسول اهلل صلى اهلل علي وسلم ،
وتلميذه ،وتبعه ،ولد قبل اهلجرة بعشر سنني ،صحب النيب صلى اهلل عليه وسلم أمت
الصحبة ،والزمه أكمل املالزمة منذ هاجر إىل أن مات ،وغزا معه غري مرة ،وبايع حتت
الشجرة ،روى عن النيب صلى اهلل عليه وسلم علما مجا ،وعن أيب بكر ،وعمر ،وعثمان
،ومعاذ ،وروى عنه خلق عظيم ،منهم :احلسن ،وابن سريين ،والشعيب ،وأبو قالبة ،
ومكحول ،وعمر بن عبد العزيز ،وغريهم .مات – رضي اهلل عنه -سنة إحدى
وتسعني .انظر ترمجته يف " :سري أعالم النبالء" ج 3ص395
() رواه "أبو داود" يف سننه ،باب يف كنس املسجد ،حديث رقم 461ج 1ص 126 2
104
وعن سعد بن عبادة ( –)1رضي اهلل تعاىل عنه – قال :مسعت رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم يقول ( :ما من رجل قرأ القرآن ،مث نسيه ،إال لقي
()2
اهلل عز وجل يوم القيامة أجذم )
() هو :سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أيب خزمية بن ثعلبة بن طريف بن اخلزرج بن 1
ساعدة بن كعب بن اخلزرج ،السيد ،الكبري ،الشريف ،أبو قيس ،األنصاري ،
اخلزرجي ،الساعدي ،املدين ،النقيب ،سيد احلزرج ،قال البخاري يف تارخيه :إنه شهد
بدرا ،وتبعه ابن مندة ،له أحاديث يسرية ،وهي عشرون باملكرر ،وذلك ألنه مات قبل
أوان الرواية ،أرسل عنه احلسن ،وعيسى بن فائد ،وممن روى عنه أوالده :قيس ،
وسعيد ،وإسحاق ،ومن الصحابة :ابن عباس ،وأيب أمامة بن سهل ،وعن ابن عباس
قال :ملا نزلت "والذين يرمون احملصنات" (النور )14قال سعد سيد األنصار هكذا أنزلت
يا رسول اهلل ؟ فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم " :يا معشر األنصار أال تسمعون إىل ما
يقول سيدكم" قالوا :ال تلمه ؛ فإنه غيور ،واهلل ما تزوج امرأة قط إال بكرا ،وال طلق
امرأة قط فاجرتأ أحد يتزوجها ،فقال سعد :يا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :واهلل
ألعلم أهنا حق وأهنا من اهلل ...احلديث .مات – رضي اهلل عنه وأرضاه -سنة أربع
عشرة حبوران .انظر ترمجته يف " :اإلصابة يف متييز الصحابة" ج 3ص 66و "سري أعالم
النبالء" ج 1ص270
() رواه "أبو داود" يف سننه ،باب التشديد فيمن حفظ القرآن مث نسيه ،حديث رقم 2
105
قال العالمة أبو احلسني أمحد بن جعفر بن أيب داود املنادي ( – )1رمحه اهلل
تعاىل ( : -فأما ظاهر حديث سعد ،فهو تغليظ ،ألنه أراد باجلذم انقطاع
احلجة ،وكأنه قال :أي داخل يف حفظ القرآن برغبة لزمه القيام sحبفظ
حروفه ،والعمل مبا فيه ،فلما تشاغل عن ذلك ،ورد يوم القيامة بال حجة
()2
؛ إذ التارك ملا يرغب فيه حميد ،يوصف بالرغبة عنه ).
ومل يزل السلف الصاحل خيافون نسيان القرآن الكرمي بعد حفظه ،ويعتربونs
ذلك نقصا ال يعوض ،ومصيبة ال يصرب عليها ،ويكثرون الصالة sبه ،
وتالوته sخوفا من ذلك الوعيد ،وطمعا يف ذلك األجر املوعود به للماهرين
بالقرآن العظيم..
() هو :أمحد بن جعفر بن حممد بن عبيد اهلل بن أيب داود املنادي البغدادي احلافظ ،ولد 1
سنة سبع ومخسني ومائتني تقريبا ،ومسع من جده ،ومن حممد بن عبد امللك الدقيقي ،
وحممد بن إسحاق الصاغاين ،وأيب داود السجستاين ،وحدث عنه :أبو عمر بن حيويه ،
وأمحد بن نصر الشذائي املقرئ ،وحممد بن فارس الغوري ومجاعة ،قال اخلطيب :كان
صلب الدين شرس األخالق ،وقال الداين :مقرئ جليل غاية يف اإلتقان ،فصيح اللسان ،
عامل باآلثار ،هناية يف علم العربية ،صاحب سنة ،ثقة مأمون.تويف سنة ست وثالثني
وثالمثائة .
انظر ترمجته يف " :سري أعالم النبالء" ج 15ص 361و "الوايف بالوفيات" ج 6ص179
() انظر " :متشابه القرآن العظيم" ص 49 2
106
فعن الضحاك بن مزاحم ( – )1رمحه اهلل تعاىل -قال ( :ما نعلم أحدا
حفظ القرآن مث نسيه ،إال بذنب ،مث قرأ " :وما أصابكم من مصيبة sفبما
()3
كسبت أيديكم " ( )2مث قال :وأي مصيبة sأعظم من نسيان القرآن؟).
وسئل سفيان بن عيينة – )4( sرمحه اهلل تعاىل -عن الذي ينسى القرآن بعد
() هو :الضحاك بن مزاحم اهلاليل ،أبو حممد ،وقيل :أبو القاسم ،صاحب التفسري ، 1
كان من أوعية العلم ،وليس باجملود حلديثه ،وهو صدوق يف نفسه ،حدث عن ابن عباس
،وأيب سعيد اخلدري ،وابن عمر ،وأنس بن مالك ،وغريهم ،وحدث عنه عمارة بن أيب
حفصة ،وأبو سعد البقال ،وجويرب بن سعيد ،وغريهم ،وثقه أمحد بن حنبل ،وحيىي بن
معني ،وغريمها ،تويف – رمحه اهلل تعاىل -سنة اثنتني ومائة .
انظر ترمجته يف " :سري أعالم النبالء" ج 4ص599
() الشورى اآلية 30 2
() هو :سفيان بن عيينة بن أيب عمران ميمون موىل حممد بن مزاحم أخي الضحاك بن 4
مزاحم ،اإلمام الكبري ،حافظ العصر ،شيخ اإلسالم ،أبو حممد اهلاليل ،الكويف ،مث
املكي ،ولد بالكوفة سنة سبع ومائة وطلب احلديث ،وهو حدث ؛ بل غالم ،ولقي
الكبار ،ومحل عنهم علما مجا ،وأتقن ،وجود ،ومجع وصنف ،وعمر دهرا ،وازدحم
اخللق sعليه ،وانتهى إليه علو اإلسناد ،ورحل إليه من البالد ،وأحلق األحفاد باألجداد ؛
فسمع من عمرو بن دينار وأكثر عنه ،ومن زياد بن عالقة ،واألسود بن قيس ،وعبيد اهلل
بن أيب يزيد ،وابن شهاب الزهري ،وعاصم بن أيب النجود ،وخالئق ،حدث عنه :
األعمش ،وابن جريج ،وشعبة ،وهؤالء من شيوخه ،ومهام بن حيىي ،واحلسن بن حي ،
وزهري بن معاوية ،ومحاد بن زيد ،وخالئق.قال الشافعي :وجدت أحاديث األحكام
كلها عند ابن عيينة سوى ستة أحاديث ،ووجدهتا كلها عند مالك سوى ثالثني حديثا ،
107
أن قرأه وحفظه ،أنه جياء به يوم القيامة sوقد سقط حلم وجهه ؟ فقال:
( إمنا ذلك ملن نسيه نسيان ترك له ؛ فأما املوصي به ،املشتهي sحلفظه ،غري
أنه يتفلت منه ؛ فليس ذلك بناس له ،وكيف وهو يتلوه حق تالوته ،حيل
حالله وحيرم حرامه ،ويعمل مبا فيه ،إمنا النسيان كقوله " :إنا نسيناكم
()3
"اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا"(.) )2 ()1
"
واملقصود بكل ذلك من استطاع حفظه ،مث انشغل عنه حىت نسيه ،ومل
يرجع إليه ،ومل يهتم بإعادة حفظه .
أما الذين حياولون حفظه ومل يستطيعوه ؛ فليسوا من املقصودين هبذا الوعيد
املذكور يف هذه اآلثار ،فهم وإن مل يكونوا مبنزلة احلفاظ تالوة ،وعمال ،
فهم يف درجاهتم ،مبحاولتهم حفظه ،وبذهلم اجلهد يف ذلك ،وال يكلف
اهلل نفسا إال وسعها .
108
المطلب الثالث :عالج الشناقطة للنسيان :
سأذكر هنا أهم أسباب النسيان sعند علماء الرتبية ،وكيف عاجلها الشناقطة
يف طريقة احلفظ عندهم :
- 1الترك ( :)1وذلك أن املادة احملفوظة sإذا تركت ،ومل تراجع لفرتة
طويلة فإهنا تنسى ،وخاصة إذا كانت مثل القرآن العظيم الذي تقدم تشبيه
النيب صلى اهلل عليه وسلم له باإلبل املطلقة من عقلها ،ولكن سرعة النسيانs
نسبية ،تعتمد على مستوى احلفظ ،وقوة الذاكرة احلافظة ...
ولذا فقد عاجل الشناقطة هذه النقطة ،بإتقان sاحلفظ ،وتقويته sحىت ال
يتعرض للنسيان sإال بعد فرتة ترك طويلة ،قلما يسمح املسلم لنفسه هبجر
القرآن يف مثلها ،واعتمدوا sيف ذلك على كثرة التكرار اليت قدمنا ،والتفرغ
التام للقرآن الكرمي حىت يتم ترسيخه يف الذاكرة قبل أي كتاب آخر ،بل إن
بعضهم من قوة حفظه وكثرة تكراره ،قد يرتك القرآن سنوات ؛ فإذا رجع
إليه كان كمن حفظه لتوه.
– 2التداخل ( : )2وهو من أسباب النسيان sاليت تكثر يف هذا الزمن ،ذلك
أن الطالب يف املدرسة ،أو يف حلقات التحفيظ ،يكلف حبفظ مواد متنوعةs
،وخمتلفة ؛ بل ومتباينة sأحيانا ،فيحصل تداخل املعلومات يف الذاكرة ؛
فتتفاعل ،وينسى sأقواها حفظا أضعفها ...
() انظر " :علم النفس الرتبوي" ص 500د .أمحد زكي صاحل .
2
109
وقد عاجل الشناقطة هذا الداء بالتفرغ التام لكتاب معني ،فإذا كان الطالب
يكتب sالقرآن الكرمي ؛ فإنه متفرغ له متام التفرغ ،وال يقرأ معه أي شيء
آخر ،وهكذا يف بقية املتون ،والكتب األخرى ،ال يسمح للطالب –
()1
غالبا -بكتابة متنني ،وال باالنتقال من منت حىت يتقن الذي قبله .
- 3عدم الراحة أو النوم :وهو من أسباب النسيان sاملهمة ؛ فقد أثبتت
التجارب أن الراحة أو النوم بعد حفظ مادة ما تؤدي إىل تثبيت sاحلفظ ،
()2
وتقلل النسيان... s
وقد عاجل الشناقطة سبب النسيان sهذا جبعل وقت احلفظ بعد نوم وقبل نوم
؛ فهم حيفظون عادة يف الصباح بعد االستيقاظ من نوم الليل ،ويستمر
التكرار من أجل ترسيخ احلفظ حىت يرتفع النهار ،مث ينامون sقبل الظهر
() ترتيب حفظ املتون عند الشناقطة خيتلف من منطقة إىل أخرى ،مع إمجاعهم على تقدمي 1
110
()3نوما خفيفا ،مث يبدؤون يف التكرار من جديد ،وهبذا يساعدون الذاكرة
على الراحة بعد احلفظ ،لرتسخ فيها املادة احملفوظة. s
المبحث السابع :بعض المآخذ على طريقة الشناقطة في الحفظ :
أوال :المبالغة في العقاب بالضرب :
إن العقاب الرتبوي الفعال ال بد أن تراعى فيه موازين الشرع ووسطيته بعدم
اإلفراط أو التفريط ،وقد قدمنا بعض الشروط اليت وضعها علماء الرتبيةs
للعقاب حىت يكون sفعاال ،ومفيدا يف حتصيل الغرض املرجو منه..
ورغم أن العقاب ضروري – يف نظري – يف العملية التعليمية بصفة عامة
وخاصة يف حتفيظ القرآن الكرمي لألطفال إال أن مبالغة بعض مشايخ احملاضر
الشنقيطية sيف استخدامه خيرجه عن اهلدف منه ،وجيعل بعض الطالب
ينفرون من القرآن الكرمي نفورا جزئيا أو كليا ،حسب حالتهم النفسية ،
ومستوى نضجهم العقلي ...
إن املوازنة sبني حالة الطفل السلوكية واالجتماعية ،ومستوى إدراكه ألمهية
حفظ القرآن الكرمي ،هي اليت من خالهلا جيب أن حيدد املدرس مقدار
العقاب لكل طفل ،ولذا فإن التسوية sبني مجيع الطالب يف العقاب ،وعدم
مراعاة الفروق واملميزات الشخصية بينهم سيعطي يف النهاية sمفعوال عكسيا
() وال يصلى الظهر يف غالب مناطق شنقيط إال يف حدود الساعة الثانية والنصف بعد 3
الزوال ،ولعل السبب يف ذلك عدم توفر تقومي معتمد من هيئة شرعية ،فكان اعتماد الناس
على مراقبة الظل ،واالحتياط يف زيادته حىت يتأكدوا من دخول الوقت مبا ال يدع جماال
للشك . sواهلل أعلم.
111
وسيكون عقدة نفسية يف نفوس التالميذ من القرآن الكرمي ،فيصبح ِّ ،
مربوطا يف أذهان كثريين منهم بالعقاب والضرب واإلهانة ،ويف هذا من
اخلطر على العملية التعليمية ما هو ظاهر َبنِّي ..
إن تقرير ذلك – يف نظري – ال يتناىف مع التأكيد على أمهية العقاب ،
ولكن باعتدال وتوسط ،فيجب أن يكون sاهلدف املبدئي هو احرتام التالميذ
للشيخ ،وتوقريهم له ؛ بل وإعجاهبم بسلوكه ،ومهنته ،فإن حصل ذلك
دون ضرب أو عقاب فبها ونعمت ،وإن مل حيصل إال بالعقاب والضرب ،
فيجب أن يكون بغري إفراط ،ودون مبالغة تشم منها رائحة العداوةs
والتشفي ، sبدل عالقة الرمحة واحملبة اليت ينبغي sأن تكون هي أساس العالقة
بني الشيخ وطالبه.واهلل تعاىل أعلم.
ثانيا :عدم االعتناء بالتجويد :
لقد ارتكب sكثري من الشناقطة خطأ كبريا حني غرسوا يف أذهان أطفاهلم أن
مهمتهم الكربى هي حفظ القرآن الكرمي فقط ،ولو بدون مراعاة لقواعد
التجويد ،فأصبح هم الطالب الوحيد هو تكرار درسه اليومي بسرعة فائقة
حىت يصل تكراره حلد ترسخ فيه الدرس يف الذاكرة رسوخا قويا ،ما كان
ليحصل لو كررها بإعطاء احلروف حقها من خمرج وصفة وما إىل ذلك ..
إن هذا اخلطأ انتشر يف كثري من مناطق شنقيط ،فصار بعضهم يقرأ قراءة ال
تليق بكتاب اهلل تعاىل ،وال جيوز أن يقرأ هبا ،مع العلم أن أحكام التجويد
112
مقررة عندهم يف احملاضر ،ولكن الطالب ال يدرسها إال بعد أن يرسخ
القرآن الكرمي يف ذهنه ،وحيفظه حفظا قويا مل يراع فيه أحكام التجويد .
لقد كان من املفروض أن يلقن الطالب القرآن الكرمي جمودا ،وأن حيفظه
أول ما حيفظه بتطبيق أحكام التجويد ،حىت يرسخ حفظه بطريقة سليمة.
()1
أما اعتذار كثري من الناس عن سرعة القراءة هذه بأن sالقراءة باحلدر
مذهب بعض أئمة القراءة ؛ فغري وارد ؛ ألن احلدر عند األئمة هو اإلسراع
يف القراءة مع احملافظة على أحكام التجويد من إظهار ،وإدغام ،وقصر ،
ومد ،ووقف ،ووصل ،وغنة ،وحنو ذلك ،وهذا احلدر هو مذهب
القائلني بقصر املنفصل ،وليس من قراءة هؤالء يف شيء ،والفرق بينهما
كما بني الثرى والثريا..
قال ابن اجلزري ( :وأما احلدر فهو مصدر من حدر بالفتح حيدر بالضم إذا
أسرع ؛ فهو من احلدور الذي هو اهلبوط ....إىل أن قال :فاحلدر يكون
لتكثري احلسنات يف القراءة ،وحوز فضيلة التالوة ، sوليحترز فيه عن بتر
حروف المد ،وذهاب صوت الغنة ،واختالس أكثر الحركات ،وعن
التفريط إلى غاية ال تصح بها القراءة ،وال توصف بها التالوة ،وال
يخرج عن حد الترتيل ،ففي صحيح البخاري أن رجال جاء إىل ابن
() للقراءة أربع مراتب هي :التحقيق ،والرتتيل ،واحلدر ،والتدوير .وأفضلها الرتتيل ،
1
واملراتب األخرى جائزة لكن مبراعاة أحكامها ،من غري إفراط وال تفريط .انظر " :النشر
يف القراءات sالعشر" ج 1ص 207
113
مسعود – رضي اهلل تعاىل عنه – فقال :قرأت املفصل الليلة يف ركعة فقال
()2
:هذا كهذ الشعر ()...)1
فاتضح مما سبق أن الذين يهذون القرآن الكرمي هذا دون مراعاة ألحكام
التجويد ليسوا على مذهب أحد من األئمة يف القراءة ،ومل يقل جبواز
قراءهتم أحد ،بل هي تالعب بكتاب اهلل تعاىل ؛ فيجب على املسلم أن
يتوب إىل اهلل تعاىل منها ،وأن يقرأ القرآن الكرمي برتتيل وتدبر ملعانيه s؛
فيدعو عند األمر بالدعاء ،ويستعيذ عند املرور بآية وعيد ،ويراعي خمتلف
أحكام التالوة .واهلل تعاىل أعلم.
ثالثا :عدم إجازة المرأة :
إن من أعظم األخطاء أن يفرق مسلم عامي بني رجل وامرأة بغري مستند
شرعي ،أما إن كان من املنتسبني للعلم فإن األمر يكون sسيئا لدرجة
تتهاوى عندها كل األعذار ،إذ كيف متنع املرأة – جملرد أهنا امرأة – من
حق حفظه هلا الكتاب الكرمي ،والسنة النبوية الشريفة ،ودرج عليه علماء
سلف األمة ؟
أمل تكن املرأة تقرأ خمتلف العلوم ،وجتاز فيها ،وتقرئ غريها من الرجال
والنساء وجتيزهم ؟
() رواه "البخاري" يف صحيحه ،باب اجلمع بني السورتني يف ركعة ،حديث رقم 7421
ج 1ص 269و"مسلم" يف صحيحه باب ترتيل القراءة واجتناب اهلذ وهو اإلفراط يف
السرعة ،حديث رقم 822ج 1ص 563
() انظر " :النشر يف القراءات sالعشر" ج 1ص 207
2
114
أليس كثري من علماء سلف األمة قد درسوا على نساء ،وأجازوهم يف
القرآن واحلديث وغري ذلك ؟
وبعملية حسابية بسيطة لو طرحنا علم عائشة وحدها -رضي اهلل عنها
وأرضاها – ومروياهتا من احلديث والتفسري وغري ذلك ؛ فمن يستطيع أن
يتوقع حاصل تلك العملية احلسابية ؟
إذن فاألمر واضح ال لبس فيه ؛ فمن حق املرأة أن تدرس مجيع العلوم
الشرعية كالرجل على حد سواء ،ومن حقها أن حتصل على اإلجازة
كالرجل وال فرق ،ومن واجبها كذلك أن تقوم بالعملية التعليمية لألجيال
،وتسهم يف ذلك ،ولكن بالضوابط sالشرعية من غري تربج ،وال سفور ،
وال اختالط ..
ومبا أن املثال يوضح املقال ؛ فإين سأبني بعض األمثلة من النساء اللوايت
حفظن القرآن الكرمي ،واحلديث النبوي الشريف ،وحصلن على إجازات ،
ودرسن وأجزن علماء مشهورين.
ومن األمثلة على ذلك :أم ورقة بنت عبد اهلل بن احلارث األنصارية sوكانت
()1
قد مجعت القرآن وقد أمرها النيب صلى اهلل عليه وسلم أن تؤم أهل دارها
() لقد اختلف العلماء يف إمامة املرأة للرجال إذا كانوا من أهل دارها ،فذهب أبو ثور 1
واملزين والطربي إىل إجازهتا ،وخالفهم مجهور العلماء ،فمنعوا إمامة املرأة للرجال مطلقا ؛
بل وحكى بعضهم اإلمجاع على ذلك ..
قلت :وظاهر حديث أم ورقة يدل على جوازها خالفا لقول مجهور العلماء ؛ ألن فيه أنه
صلى اهلل عليه وسلم جعل هلا مؤذنا ،ويف بعض الروايات التصريح بأنه شيخ كبري ،وكان
115
()1
وكان هلا مؤذن ،وكانت تؤم أهل دارها.
وهجيمة بنت حيي األوصابية احلمريية ( ،)2أم الدرداء الصغرى ،فقد
اشتهرت حبفظ القرآن الكرمي ،ومعرفة القراءة رمحها اهلل تعاىل .
وحفصة بنت سريين ( – )3رمحها اهلل تعاىل -حفظت القرآن الكرمي وهي
بنت ثنيت عشرة سنة ،وكان أخوها حممد بن سريين إذا أشكل عليه شيء
هلا غالم وجارية دبرهتما .واهلل أعلم .وانظر " :نيل األوطار" ج 3ص201
وذهب بعض احلنابلة إىل جواز إمامتها للرجال يف الرتاويح خاصة وتكون وراءهم .
انظر ":املغين"ج 2ص16
وأما إمامتها للنساء ،فقد اختلفوا فيها – أيضا -فذهب مجهور العلماء ،منهم عطاء
وجماهد واحلسن وقتادة واألوزاعي والثوري وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة والشافعي وأمحد
وداود الظاهري وابن حزم وغريهم إىل جوازها ،أطلق بعضهم ،وقيد البعض بالنفل دون
الفرض ،وأهنا تقف وسطهن ،وذهب مالك – رمحه اهلل تعاىل – وبعض العلماء إىل أهنا ال
تؤم مطلقا ال يف الفرض وال يف النفل ،ومن صلى هبا أعاد عند املالكية أبدا ،وأدلتهم
مرجوحة بأحاديث عن عائشة ،وابن عباس ،وأم سلمة – رضي اهلل عن اجلميع – وهي
صرحية يف حمل النزاع ،وال يعلم هلم من الصحابة خمالف .وانظر " :املدونة الكربى" ج1
ص 84و"احمللى" ج 3ص 128و"املغين" ج 2ص16و"عون املعبود" ج 2ص 212و
"اجملموع" ج 4ص 172و"كفاية الطالب" ج 1ص377
() رواه "أبو داود" يف سننه ،باب إمامة النساء ،حديث رقم 529ج 1ص 161 1
واحلديث فيه عبد الرمحن بن خالد ،قال ابن حجر :فيه جهالة .انظر " :تلخيص احلبري"
ج 2ص 27و"صفة الصفوة" ج 2ص ، 72وقال الزيلعي ( :قال ابن القطان يف كتابه :
"الوليد بن مجيع ،وعبد الرمحن بن خالد ال يعرف حاهلما" قلت – sالقائل هو الزيلعي -
ذكرمها ابن حبان يف الثقات ) .انظر " :نصب الراية" ج 2ص31
116
()4
من القرآن قال :اذهبوا فاسألوا حفصة كيف تقرأ .
وسلمى بنت حممد بن اجلزري أم اخلري – رحم اهلل اجلميع -يقول عنها
والدها شيخ اإلقراء .. ( :ابنيت نفع اهلل هبا ،ووفقها ملا فيه صالحها دنيا
وأخرى ،شرعت يف حفظ القرآن سنة 813هـ ،وحفظت مقدمة التجويد
وعرضتها ،ومقدمة النحو ،مث حفظت طيبة sالنشر األلفية ، sوحفظت
القرآن وعرضته حفظا بالقراءات العشر ،وأكملته يف الثاين عشر من ربيع
() هي هجيمة ،وقيل جهيمة بنت حيي األوصابية احلمريية ،أم الدرداء الصغرى ،زوجة 2
أيب الدرداء – رضي اهلل تعاىل عنه – روت عن زوجها ،وعن كعب بن عاصم األشعري
-رضي اهلل تعاىل عنهما -وأخذ عنها مجاعة من العلماء منهم :ابراهيم بن أيب عبلة ،
وعطية بن قيس ،ويونس بن هبرية ،وطلحة بن عبيد اهلل بن كريز ،وغريهم ،ماتت بعد
سنة إحدى ومثانني وكانت من العابدات .انظر ترمجتها يف " :األنساب" ج 1ص229
و"صفة الصفوة" ج 4ص 295و "غاية النهاية يف طبقات القراء" ج 1ص 310
() حفصة بنت سريين أم اهلذيل الفقيهة األنصارية ،روت عن أم عطية ،وأم الرائح ، 3
وروى عنها أخوها حممد ،وقتادة ،وأيوب ،وخالد احلذاء ،وابن عون ،وهشام بن
حسان ..
روي عن إياس بن معاوية قال :ما أدركت أحدا أفضله عليها ،وقال :قرأت القرآن ،
وهي بنت ثنيت عشرة سنة ،وعاشت سبعني سنة ؛ فذكروا له احلسن ،وابن سريين ؛ فقال
:أما أنا فما أفضل عليها أحدا.
وقال مهدي بن ميمون :مكثت حفصة بنت سريين ثالثني سنة ال خترج من مصالها إال
لقائلة ،أو قضاء حاجة .قال الذهيب :توفيت بعد املائة .
انظر ترمجتها يف " :سري أعالم النبالء" ج 4ص 507و"صفة الصفوة" ج 4ص25
() انظر " :صفة الصفوة" ج 4ص25 4
117
األول سنة 832هـ ،قراءة صحيحة ،جمودة ،مشتملة على مجيع وجوه
القراءات ،حبيث وصلت يف االستحضار إىل غاية ال يشاركها فيها أحد يف
وقتها ،وتعلمت العروض ،والعربية ...وقرأت بنفسها احلديث ،ومسعت
()1
مين ،وعلي كثريا حبيث صار هلا فيه أهلية وافرة ).
() انظر " :غاية النهاية يف طبقات القراء" البن اجلزري ج 1ص 310
1
118
َجزن يف احلديث الشريف : ِ
ومن اللوايت أُجزن ،وأ َ
مؤمنة بنت عبد اهلل بن حيىي الفاسي ، sأجازت لعبد اهلل بن عمر بن العز بن
()1
مجاعة وغريه .
ومجال النساء بنت أيب بكر أمحد بن أيب سعيد ،أجازت للفخر إمساعيل بن
عساكر ،وفاطمة بنت سليمان ،وتقي الدين سليمان ،وأيب بكر بن عبد
()2
الدائم وابن سعد ،وغريهم .
وعائشة بنت إمساعيل بن إبراهيم بن اخلباز مسع منها العراقي وغريه ،
()3
وأجازت لكثريين ،وآخر من أجازت له عبد الرمحن بن عمر القباين.
وزينب بنت أمحد كمال الدين بن عبد الرحيم ،أجاز هلا إبراهيم بن اخلري
()4
وخلق من بغداد ،وأجازت لصالح الدين الصفدي وغريه.
واألمثلة على ذلك كثرية ،فال أطيل بسردها لعدم اتساع املقام لذلك ،
ومن أراد االستزادة من األمثلة فعليه بكتب sالرتاجم والطبقات ،فسريى
العجب العجاب مما مل يكن يتوقعه كثريون sمن تصدر النساء يف العلم
()5
واحلفظ.واهلل تعاىل أعلم.
() انظر " :الدرر الكامنة يف أعيان املائة الثامنة" ج 6ص 150 1
() انظر " :الدرر الكامنة يف أعيان املائة الثامنة" ج 3ص 2 3
() وقد ألفت رسائل جامعية متخصصة يف موضوع النساء اللوايت حفظن واللوايت روين 5
احلديث وحنو ذلك ومن تلك الرسائل والبحوث " :تراجم احملدثات من التابعيات
119
المبحث الثامن :بعض األخطاء الشائعة في تالوة القرآن الكريم :
هناك بعض األخطاء الشائعة يف تالوة القرآن الكرمي أحببت التنبيه sعليها
حىت يتجنبها طالب احلفظ ،ويبتعد عن الوقوع فيها ،ومن أمهها :
– 1عدم االعتناء بدراسة التجويد دراسة متقنة :
إن أمهية علم التجويد بالنسبة ملن يرغب يف حفظ القرآن الكرمي ال ختفى ؛
فبمعرفته مييز الطالب بني أنواع sاملد ،وحكم كل نوع ،ومقداره ،ويعرف
الغنة ،ومراتبها ،ومقدارها ،ويتقن أحكاما مهمة كرتقيق املرقق ،وتفخيم
املفخم ،وخمارج احلروف وصفاهتا ،وحنو ذلك مما يلزم لقراءة القرآن
الكرمي ،فعلى طالب احلفظ أن يهتم بالتجويد النظري والتطبيقي ،وأن
يتقنهما حق اإلتقان ..
ومروياهتن يف الكتب الستة" رسالة ماجستري للطالبة عالية بنت عبد اهلل بالطو و
"الصحابيات األنصاريات يف مسند اإلمام أمحد" للطالبة مرمي ياسني فطاين وغريمها كثري.
120
– 2تسهيل الهمزة بين بين :
إن أحكام اهلمزة تعترب من أهم أبواب القراءة ومعرفتها وإتقاهنا أمر يف غاية
األمهية وخاصة ما يسميه القراء التسهيل ،أو التليني وهو عند اإلطالق
ينصرف إىل معنيني ،األول منهما :أنه يعين مطلق التغيري ؛ فيشمل التسهيل
بني بني واإلبدال واحلذف ،والثاين :أنه يعين التسهيل بني بني وال يدخل
فيه احلذف واإلبدال ،وتعريفه أنه النطق باهلمزة بني مهزة وحرف مد ،أي
جعل حرف خمرجه بني خمرج اهلمزة احملققة sوخمرج حرف املد اجملانس
حلركتها ؛ فتنطق باملفتوحة بني اهلمزة احملققة sواأللف ،وجتعل املكسورة بني
اهلمزة والياء املدية ،واملضمومة sبني اهلمزة والواو املدية ،وهذا املعىن الثاين
هو الذي نعين هنا من أن الغلط فيه منتشر ،واألخطاء فيه شائعة ؛ فال بد
من االعتناء sبه والرتكيز عليه ،وقد رأيت من القراء من جيعل اهلمزة املسهلة
بني بني هاء خالصة ؛ بل أغرب من ذلك أن شارح كتاب "الدرر اللوامع"
نص يف شرحه املسمى "إرشاد القارئ والسامع" على أن العمل عندهم على
نطقها هاء خالصة ،وعزى ذلك لشيخ أشياخه الطالب عبد اهلل بن احلاج
الرقيق الذي قال :
()1
يقرأ هاء خالصا ويقبل وما به العمل ذا املسهل
ورغم حبثي عن مستند ذلك يف كتب القراءة املعتمدة فإين مل أعثر على أحد
() انظر " :إرشاد القارئ والسامع لكتاب الدرر اللوامع يف مقرأ اإلمام نافع" ص 40
1
121
قال هبذا القول ( ،)1وفيه من الشناعة sما هو واضح بني ،فتغيري حرف من
كتاب اهلل تعاىل بغري مستند من رواية أو لغة هو أمر ال ختفى خطورته ،
فعلى الذين يتعنتون sويصرون على النطق باهلمزة املسهلة هاء خالصة
معتمدين على هذه الرواية اليت ال يوجد هلا سند وال مستند ؛ أن يأتواs
بربهاهنم على تغيري هذا احلرف من كتاب اهلل تعاىل ،وإال فعليهم أن
يراجعوا أنفسهم ويعلموا أن الدين ال يؤخذ باآلراء واألهواء ،بل بالنقل
والعلم ،وخاصة ما كان متعلقا بكتاب اهلل تعاىل ،فكيف نعتمد يف كتاب
ربنا على رواية أقوى ما عند أصحاهبا من األدلة عليها ما يلي :
أ -أن أمحد بن الطالب اعمر إدوعيشي – رمحه اهلل تعاىل – قال إن العمل
عليها عند أهل منطقته وزمانه ،وهذا ال خيفى ضعف االستدالل به ألنه
يفتقر إىل التواتر وموافقة sالرسم العثماين وموافقة وجه من أوجه اللغة
العربية.
ب – أنه نقلها عن شيخ أشياخه الطالب عبد اهلل بن احلاج الرقيق – رمحه
اهلل تعاىل – وهذا – أيضا ال خيفى سقوطه .
ج – أن تلميذ هذا األخري أخرب األول أنه طالع شرح األخري على نظمه
الذي قدمنا منه البيت املتقدم s؛ فوجده نسب إبداهلا هاء خالصة ال بن
القاضي ،وهذا أضعف من سابقيه ؛ ألنه رواية عن مطالعة تلميذ لشرح
شيخه الذي عزاها ال بن القاضي وهو انقطاع ظاهر بني ،وال يؤخذ يف
() راجع مثال " :التلخيص يف القراءات الثمان" ص 56و "اإلستربق يف رواية اإلمام ورش
1
122
كتاب اهلل تعاىل مبثل هذه األقاويل والروايات ،وما أظن نسبتها تصح إىل
هؤالء العلماء األفذاذ ،وغالب ظين أهنا إمنا وجدت يف املتأخرين عنهم واهلل
تعاىل أعلم.
- 3حرف الضاد :
من أهم األخطاء الشائعة عند كثري من الناس ؛ بل حىت عند بعض القراء
الكبار :عدم إخراج حرف الضاد من خمرجه ،وعدم إعطائه صفاته ،
فبعضهم جيعله داال ،والبعض sخيرجه الما مفخمة ،وآخرون ينطقونه ظاء
خالصة ،وكل ذلك ال جيوز ؛ بل الواجب تدريب الطالب على نطق الضاد
كما هو ،وال بد من التمرن على ذلك ؛ فإن حرف الضاد هو أصعب
احلروف على اللسان كما نص على ذلك أئمة القراءة ،ولذلك فإين سأنبه
هنا على نقاط مهمة :
أ – أن الضاد حرف عسري يصعب النطق به إال بالتمرن والتدريب املستمر ،
وقد نص على ذلك علماء القراءة ..
قال ابن اجلزري ( ... ( :)1والضاد انفرد باالستطالة ،وليس يف احلروف ما
() هو :حممد بن حممد بن حممد بن علي بن يوسف الشمس أبو اخلري ،ولد بعد صالة 1
الرتاويح من ليلة السبت 15رمضان سنة 751هـ بدمشق ،حفظ القرآن وأكمله سنة
أربع وستني ،وصلى به يف اليت بعدها ،وحفظ التنبيه وغريه ،وأخذ القراءات sإفرادا عن
عبد الوهاب بن السالر ،ومجعا على أيب املعايل بن اللبان ،وحج يف سنة مثان ؛ فقرأها
على أيب عبد اهلل حممد بن صلح خطيب طيبة وإمامها ،ودخل يف اليت تليها القاهرة ؛
فأخذها عن أيب عبد اهلل بن الصائغ تتلمذ عليه خالئق ،ألف النشر يف القراءات العشر مل
123
()2
يعسر على اللسان مثله ).
فدل ذلك على أن الضاد العربية ليست هذه اليت ينطق هبا كثري من الناس
اليوم s؛ ألن الضاد املتداولة سهلة ينطقها العريب والعجمي بسهولة ويسر ،
وال حتتاج إىل مترن ،وليس يف نطقها مشقة على اللسان .
ب -أن حرف الضاد ليس هو حرف الظاء ،فيجب عدم اخللط بينهما ؛
ألن لكل واحد منهما خمرجه املختلف عن خمرج اآلخر ،ولكل منهما
صفاته فإن الضاد وإن احتد مع الظاء يف صفاته اخلمس إال أنه يزيد عليه
بصفة االستطالة ،وكفى هبا متييزا له يف الصفات عن الظاء ،مث إن لكل
منهما شكله الذي يكتب sبه والذي مييزه عن اآلخر ،فحصل بذلك أهنما
متغايران sكليا ،وأن التسوية بينهما ال جتوز ..
ج – أن أقرب احلروف إىل الظاء هو الضاد ،وذلك الشرتاكهما يف مخس
صفات ،وأكرب دليل على تقارهبما حتذير القراء من اخللط بينهما ،فال تكاد
جتد كتابا يف التجويد إال وحيذر من جعل الضاد ظاء ،يف حني أنه ال حيذر
من جعله كافا أو راء وحنو ذلك ،فدل ذلك على أننا إذا نطقنا بالضاد
بطريقة صحيحة فإنه سيحصل عندنا حرف يشبه الظاء جدا ،ولكنه يف
نفس الوقت خمتلف عنه متام االختالف.
يصنف مثله ،وله أشياء أخر ،وختاريج يف احلديث ،وعمل جيد ،مات سنة ثالث
وثالثني ومثامنائة
انظر ترمجته يف " :ذيل طبقات احلفاظ" ج 1ص 377و "الضوء الالمع" ج 9ص255
() انظر " :النشر يف القراءات sالعشر" ج 1ص 219 2
124
وهذه النقطة األخرية هي اليت غلط فيها كثري من القراء اليوم ، sفلما رأى
كرباء القراء حيذرون من جعل الضاد ظاء ،ظن أن ذلك لتباعدمها ،
فحرصوا عند نطقهم بالضاد على عدم النطق مبا يشبه الظاء ،حذرا من
الوقوع فيما حذر منه األئمة من جعله ظاء ،فوقعوا يف خطأ فادح ؛ ألهنم
مل يفهموا أن حتذير القراء من ذلك إمنا بنوه sعلى أساس معرفتهم بأن الضاد
ال ميكن أن يشتبه مع أي حرف سوى الظاء ،فحذروا من جعلهما حرفا
واحدا ،فدل ذلك حبد ذاته على تقارهبما جدا حبيث يصعب sالفصل بينهما
إال ملاهر فصيح متمرن.
وهلذا السبب حصر ابن اجلزري – رمحه اهلل تعاىل – الفرق بني الظاء
والضاد يف نقطتني مها :صفة االستطالة اليت انفرد هبا الضاد من بني سائر
احلروف ،واملخرج الذي ال يشتبه مع خمرج الظاء .
قال ابن اجلزري :والضاد باستطالة وخمرج ميز من الظاء ...
أي أنه لوال هذين الفرقني لكان الضاد ظاء خالصة.
125
ولقد أحسن الشيخ باب ولد الشيخ سيدي الشنقيطي –)1( sرمحه اهلل تعاىل
-حني قال :
ال الدال يشبه يف لفظ وال الطاء الضــاد حرف عسري يشبه الظاء
حلــن فشا منذ أزمان قد اتبعـت أبناؤها sفيه أجدادا وآب ــاء
إلف العوائد فيه خبط عشـواء من غري مستند أصال وغايته ــم
واحلق أبلج ال خيفى على فطــن إن استضاء مبا يف الكتب sقد جاء
هذا هو احلق نصا ال مرد ل ــه من شاء باحلق فليؤمن ومن شـاء
واهلل تعاىل أعلم.
() هو العالمة حمي السنة وقامع البدعة سيدي باب بن سيدي حممد بن الشيخ سيدي ، 1
ولد سنة 1277هـ ،وحفظ القرآن صغريا ،مث أخذ خمتلف العلوم على كثري من مشايخ
بلده منهم :الشيخ أمحد بن ازوين ،والشيخ أمحد بن سليمان الدمياين ،والشيخ حممد بن
السامل البوحسين والشيخ حممد بن حنبل البوحسين ،وغريهم ،وأخذ عنه العلم طالب
كثريون منهم :حممد املهابة بن سيدي حممد اجلملي وحممد بن أبو مدين وعبد الودود بن
عبد امللك ،وغريهم ،ورغم أن أباه وجده كانا متصوفني فإن ذلك مل مينعه من حماربة
التصوف ،فكان من أكثر العلماء اشتهارا بذلك ،ونظم فيه أشعارا كثرية .
ألف كتبا مفيدة منها :إرشاد املقلدين عند اختالف اجملتهدين ،وغريه ،تويف – رمحه اهلل
تعاىل – سنة 1342هـ.انظر ترمجته يف "السلفية وأعالمها يف موريتانيا" ص282
126
– 3اإلمالة :
كثري من طالب حفظ القرآن الكرمي خيطئ يف اإلمالة ،وال يأيت هبا على
الوجه الصحيح ،فال بد من دراسة اإلمالة ،ومعرفة كيفية أدائها على
الوجه الصحيح وتتوقف معرفتها على القراءة اليت يقرأ هبا الطالب ،فحفص
مثال ال مييل إال كلمة واحدة وهي كلمة ( :جمريها ) من قوله تعاىل :
( وقال اركبوا sفيها باسم اهلل جمريها ( ))1يف سورة هود ،أما بالنسبة لورش
فله أحكام أخرى يف اإلمالة ليس هذا حمل بسطها ،وهكذا بقية القراء لكل
منهم أحكام يف اإلمالة ؛ فال بد لطالب احلفظ من معرفة إمالة القراءة اليت
يقرأ هبا ،والفرق بني اإلمالة الكربى والصغرى ،ومساع ذلك من شيخ
خبري هبذا الشأن .واهلل تعاىل أعلم.
المبحث التاسع :خطة الحفظ المتقن :
أوال :جدول الحفظ المقترح :
التكرار لمدة ساعة التكرار لمدة
التكرار لمدة
قبل النوم بنصف من المغرب ونصف من بعد 30د ربع ساعة
ساعة ونصف من
ساعة إلى العشاء. العصر إلى قبل الظهر وربع
بعد صالة الفجر.
المغرب. ساعة بعده .
مراجعة ما
الدرس اليومي الدرس اليومي مراجعة ما حفظ الدرس اليومي
حفظ
127
؛ فإنه مطالب بتكراره مرات عديدة يف هذين اليومني ،وإن وجد حافظا
يسمعه عليه فحسن جدا.
– 2جيب أن يستخدم الطالب مصحفا واحدا للحفظ ،وإذا مل جيد نفس
الطبعة يف وقت احلفظ فإين أنصحه مبراجعة ما حفظ قبل ذلك ،وأن ال
يأخذ طبعة أخرى ختتلف عن املعتمدة عنده يف احلفظ ؛ ليحفظ منها درسا
جديدا.
– 3على الطالب أن يقرأ درسه اليومي على شيخ قبل أن يبدأ بتكراره ..
– 4مقدار ما يستطيع الطالب أن حيفظ حيدده شيخه ،فبخربته وجتربته مع
الطالب يستطيع أن حيدد له مقدار احلفظ ،وجيب على الطالب أن يلتزم به.
– 5جيب أن يستفيد الطالب من األوقات الضائعة sكوقته يف السيارة ،
وحنو ذلك فرياجع فيها على نفسه.
- 6بعد حفظ ربع القرآن الكرمي بواسطة استخدام طريقة هذا اجلدول ،
فإين أنصح الطالب بالتفرغ ملدة شهر ملراجعة ما حفظ ،وبنفس الطريقة
املذكورة أعاله sأي املراجعة عن طريق التسميع للحفاظ واملشايخ ،وليس
باستخدام املصحف ،وإذا حفظ نصف القرآن كذلك ،وهكذا حىت ينهيs
القرآن الكرمي كامال ،مث يتفرغ ملراجعته ملدة سنة على األقل قبل أن يبدأ يف
حفظ أي منت آخر ،وتكون املراجعة بنفس الطريقة املذكورة.واهلل أعلم.
128
الحفظ : ثانيا :نظام الوجبات المقترحة على طالب
العشاء الغداء الفطور الوقت
يشرب المقدار التالي قبل بداية
يأكل عشرة إلى
التكرار
عشرين تمرة واألفضل
قبل النوم :نصف ( 3ملعقة شاي كبيرة من العسل
أن يكون من العجوة
لتر من حليب اإلبل الصيفي الطبيعي +كأس شراب اليوم األول
أو السكري ويكون
الطازج ماء بارد ) × 3يشرب هذا على
لحم الغنم من مكونات
الريق أي قبل أن يأكل أي شيء
وجبة الغداء.
،ثم يبدأ التكرار.
يأكل قبل النوم قرابة نصف ملعقة شاي صغيرة من
العشرين تمرة ثم يكون السمك من الحبة السوداء +نصف لتر من
اليوم الثاني
يشرب عليها ماء مكونات وجبة الغداء. أي حليب طازج 2 +ملعقة
متوسط البرودة. كبيرة من السكر
يأكل قبل النوم 5مالعق كبيرة من الزبيب +
بعض الحلويات ، يكون لحم اإلبل من نصف لتر من الماء البارد.
اليوم الثالث
ثم يشرب حليبا مكونات وجبة الغداء. واألفضل أن يصنع منه نقوعا في
طازجا. الليل ثم يشربه صباحا.
129
- 3يظل هذا اجلدول دوريا ،فعند انتهاء اليوم sالثالث يرجع إىل اليومs
األول ،وذلك ملدة أسبوعني على األقل ،مث يرتكه ملدة أسبوع ،مث يعاوده
ملدة أسبوعني وهكذا .
– 4على الطالب أن يشرب بني الفينة واألخرى من ماء زمزم بنية احلفظ ،
وحياول أن خيلص النية ، sوأن يتضلع منه .
– 5جيب أن يبتعد الطالب عن احلوامض ،واألمالح ،وحنو ذلك.
– 6على الطالب أن يكثر من دعاء اهلل تعاىل أن ييسر عليه حفظ كتابه ،
والعمل به.
واهلل أعلم وأحكم.
وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثريا .
130
الخاتمة :
احلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات ،والصالة sوالسالم على نيب الرمحة
الذي بشفاعته sتقال العثرات ،وترفع الدرجات ،وعلى آله وصحبه من
أناروا بالقرآن دجى الظلمات ،وأداموا تالوة السور منه واآليات ،ومن
تبعهم بإحسان إىل يوم الدين وسلم تسليما كثريا ..أما بعد :
فإنه ملا كان حفظ القرآن الكرمي وتالوته من أجل القربات ،وأفضل
الطاعات ،وملا كان تعلمه وتعليمه من أبرز أسباب اخلريية يف هذه األمة ،
أحببت أن أتعرض لفضل اهلل ،وأمد يدي لرمحته ؛ وأبسط ردائي لفضله ،
ومل ألتفت sإىل كثرة ذنويب ؛ ألن فضله أكثر ،ومل أنظر إىل تقصريي ؛ ألن
رمحته أوسع ...
وما كان هديف من هذه األسطر والصفحات القليلة أن أحيط باملوضوع ،
وال أن أشبعه حقه من البحث والتدقيق ،ولكن مرادي كان منحصرا يف
إطالع sاملسلمني عامة ،وطلبة العلم خاصة على بعض األمور املهمة املتعلقةs
حبفظ كتاب اهلل تعاىل ،وأن أبرز طريقة احلفظ عند جمتمع سال منه سيل
من احلفاظ ؛ فغمرت مياهه سكان املرتفع والقاع ،وسقت من عذهبا كثريا
من البقاع ، sفأحببت أن يستفيد اجلميع من طريقتهم يف احلفظ ،مث يهذهبا
من أراد حسب الوسائل املتوفرة sعنده ،ومتطلبات احلياة يف عصره ،على
أن يبقي sجوهرها الذي أثبت الواقع حسن مفعوله ،وبرهن احلفاظ على
إيتائه أكله ..
131
وأرجو أن أكون قد وفقت ملقصودي ،ولكن اإلنسان مهما حاول فهو حمل
النقص sوالعثرات ،وخاصة إذا كانت بضاعته مزجاة ،فمن وجد صوابا
فهو من اهلل ،ومن وجد غري ذلك فهو من نفسي والشيطان .
وإين أحببت وأنا أكتب هذه اخلامتة أن أبكي sعهد احملاضر ودور العلم
الشرعي الصحيح مع الشاعر الشنقيطي sالكبري أمحد ولد عبد القادر حني
قال يف قصيدته املشهورة :
غض األزاهر والزمان شبــاب آه على عهد احملاضر واهلوى
ولكل عطر يف نداه هبـ ــاب ولكل واد ظله ومروجــه
وجالهلا جبماهلا منس ـ ــاب وتالوة sالقرآن تصعد للسمـا
وكأمنا أقالمها األخن ـ ــاب وكأمنا األلواح ظمأى بالضحى
يف هالة حيلو هبا الرتحـ ــاب واألصبحي مرابط ومبجــل
تنتابه الراحات واألتعـ ــاب ال يرجتي نقدا وال عونـا وال
لألصمعي وما انتقى األعــراب. وتثار ألف قصيدة وحكايـة
هذا واهلل أعلم وأحكم.
وصلى اهلل على نبينا حممد ،وعلى آله وصحبه ،ومن تبعهم بإحسان إىل
يوم الدين ،وسلم تسليما كثريا .
كتبه الفقري إىل اهلل تعاىل ،الغين به :
إبراهيم بن أب احلسين الشنقيطي -غفر اهلل تعاىل له ولوالديه – وقد أهنيت
كتابته يف 1427 - 3 – 17هـ يف مكة املكرمة حرسها اهلل تعاىل .
132
املراجع :
133
مسند اإلمام أمحد. .18
مصنف ابن أيب شيبة. .19
فتح الباري. .20
تلخيص احلبري. .21
حتفة احملتاج. .22
خالصة البدر املنري. .23
ذيل تذكرة احلفاظ. .24
نصب الراية. .25
شرح النووي على صحيح مسلم. .26
املدونة الكربى. .27
احمللى. .28
املغين. .29
اجملموع. .30
بداية اجملتهد. .31
كفاية الطالب. .32
نيل األوطار. .33
سبل السالم. .34
احلاوي . .35
عون املعبود. .36
مذكرة أصول الفقه. .37
134
أطفال املسلمني كيف رباهم النيب األمني. .38
املعلم املثايل. .39
طرق تدريس القرآن الكرمي . .40
متشابه القرآن العظيم. .41
مهارات التدريس يف احللقات القرآنية. .42
مدارس الرتبية sيف احلضارة اإلسالمية. .43
كيف حتفظ القرآن .حممد بن علي العرفج . .44
كيف حتفظ القرآن الكرمي .حيىي بن عبد .45
الرزاق الغوثاين.
صيد اخلاطر . .46
البيان sوالتبيني. .47
جملة البيانs. .48
اإلصابة يف متييز الصحابة. .49
سري أعالم النبالء. .50
طبقات احلنفية. s .51
هدية العارفني . .52
الطبقات الكربى. .53
الوايف بالوفيات. .54
الديباج املذهب. .55
طبقات احلفاظ . .56
135
املعني يف طبقات احملدثني . .57
اآلحاد واملثاين. .58
صفة الصفوة . .59
البدر الطالع . .60
طبقات الشافعية. .61
الوسيط يف تراجم أدباء شنقيط. .62
األنساب. .63
لسان العرب. .64
القاموس احمليط. .65
التعاريف .66
التعريفات . .67
تاج العروس . .68
النهاية sيف غريب األثر. .69
خمتار الصحاح . .70
الفقيه sواملتفقهs .71
تذكرة السامع. .72
فهرست الموضوعات
الموضوع
الصفحة
136
املقدمة 9 ..........................................................
خطة الكتاب 11 ....................................................
املبحث األول :تعريفات مهمة 15 ...................................
املبحث الثاين :األدلة من الكتاب والسنة وعمل سلف األمة على الرتغيبs
يف حفظ القرآن الكرمي 19 ...........................................
املبحث الثالث : sمن فوائد حفظ القرآن الكرمي 35 .....................
املبحث الرابع :أمور أساسية تعني على حفظ كتاب اهلل تعاىل 45 .......
اخلطوات اليت تعني على احلفظ 47 ....................................
املطعومات اليت تساعد على احلفظ 51 .................................
أمور تضعف الذاكرة وتعيق عملية احلفظ 57 ...........................
املبحث اخلامس :التعريف بالشناقطة 63 ...............................
صفات الشيخ الذي يتوىل التدريس عند الشناقطة ....................
67
الصالحيات املمنوحة لشيخ احملضرة 75 ................................
شروط العقاب 76 ...................................................
العقاب عند الشناقطة 78 .............................................
سرد طريقة الشناقطة يف حفظ القرآن العظيم 84 .......................
فوائد القراءة اجلهرية 88 .............................................
أهم القواعد املتبعة يف احملضرة 93 .....................................
أقرب الطرق الرتبوية sإىل طريقة الشناقطة 99 ..........................
137
مشكلة النسيان وكيف عاجلها الشناقطة ...........................
101
التغليظ يف نسيان القرآن بعد حفظه ...............................
102
بعض املآخذ على طريقة الشناقطة 109 ...............................
القول يف إجازة املرأة 112 ...........................................
بعض األخطاء الشائعة يف تالوة القرآن العظيم 118 ....................
املبحث التاسع :خطة احلفظ املتقن 125 ..............................
نظام الوجبات املقرتحة على طالب احلفظ 127 ........................
اخلامتة 129 .........................................................
املراجع 131 ...................................................... :
138