You are on page 1of 12

‫الحمد هلل‬

‫وع َو َن ْق ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬


‫ص م َِن‬ ‫يقول هللا تعالى في سورة البقرة ‪َ ( :‬و َل َن ْبل َو َّن ُك ْم ِب َشيْ ٍء م َِن ال َخ ْوفِ َوال ُج ِ‬
‫ِين إِ َذا أَ َ‬
‫صا َب ْت ُه ْم مُصِ ي َب ٌة َق الُوا إِ َّنا هَّلِل ِ‬ ‫س َو َّ‬ ‫َ‬ ‫اأْل َم َْو ِ‬
‫ين * الَّذ َ‬ ‫ت َو َب ِّش ِر الص ِ‬
‫َّاب ِر َ‬ ‫الث َم َرا ِ‬ ‫ال َواأْل ْنفُ ِ‬
‫ون )‬ ‫ك ُه ُم ْال ُم ْه َت ُد َ‬ ‫ات ِمنْ َرب ِِّه ْم َو َرحْ َم ٌة َوأُو َل ِئ َ‬
‫ص َل َو ٌ‬ ‫ك َع َلي ِْه ْم َ‬ ‫ُون * أُو َل ِئ َ‬
‫َوإِ َّنا إِ َل ْي ِه َرا ِجع َ‬
‫البقرة‪157 – 155 /‬‬

‫فيخ بر س بحانه أن ه ال ب د أن يبتلي عب اده ب المحن ‪ ،‬ليت بين الص ادق من الك اذب ‪،‬‬
‫والجازع من الصابر ‪ ،‬وهذه سنته تعالى في عباده ‪ ،‬كما ق ال س بحانه ‪َ ( :‬و َل َن ْبلُ َو َّن ُك ْم‬
‫ار ُك ْم ) محمد‪ ، 31 /‬وقال عز وج ل‬ ‫ين َو َن ْبلُ َو أَ ْخ َب َ‬ ‫ِين ِم ْن ُك ْم َوالص ِ‬
‫َّاب ِر َ‬ ‫َح َّتى َنعْ َل َم ْالم َُجا ِهد َ‬
‫ت َو ْال َح َيا َة لِ َي ْبلُ َو ُك ْم أَ ُّي ُك ْم أَحْ َسنُ َع َماًل ) [الملك‪2 /‬‬
‫‪ ( :‬الَّذِي َخ َل َق ْال َم ْو َ‬
‫فتارة بالسراء ‪ ،‬وتارة بالضراء من خوف وجوع ؛ فإن الج ائع والخ ائف ك ل منهم ا‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫يظهر ذلك عليه ‪ ،‬قال تعالى ‪ِ ( :‬ب َشيْ ٍء م َِن ال َخ ْوفِ َوال ُج ِ‬
‫وع ) أي ‪ :‬بقلي ل من ذل ك ؛‬
‫ألنه لو ابتالهم بالخوف كله ‪ ،‬أو الجوع ‪ ،‬لهلكوا ‪ ،‬والمحن تمحص ال تهلك ‪.‬‬
‫( َو َن ْق ٍ‬
‫ص م َِن األمْ َو ِ‬
‫ال ) أي ‪ :‬ويبتليهم أيض ا ب ذهاب بعض أم والهم ‪ ،‬وه ذا يش مل‬
‫جمي ع النقص المع تري لألم وال من ج وائح س ماوية ‪ ،‬وغ رق ‪ ،‬وض ياع ‪ ،‬وأخ ذ‬
‫الظلمة لألموال من الملوك الظلمة ‪ ،‬وقطاع الطريق وغير ذلك ‪.‬‬
‫س ) أي ‪ :‬ذه اب األحب اب من األوالد ‪ ،‬واألق ارب ‪ ،‬واألص حاب ‪ ،‬ومن‬ ‫( َواأل ْن ُف ِ‬
‫ت ) أي ‪ :‬الحب وب‬ ‫أن واع األم راض في ب دن العب د ‪ ،‬أو ب دن من يحب ه ‪َ ( ،‬و َّ‬
‫الث َم َرا ِ‬
‫وثمار النخيل واألشجار كلها والخضر ‪ ،‬ببرد ‪ ،‬أو حرق ‪ ،‬أو آفة س ماوية من ج راد‬
‫ونحوه ‪.‬‬
‫فهذه األمور‪ ،‬ال بد أن تقع ‪ ،‬ألن العليم الخب ير أخ بر به ا ‪ ،‬ف إذا وقعت انقس م الن اس‬
‫قسمين ‪ :‬جازعين وصابرين ‪ ،‬فالجازع ‪ ،‬حصلت ل ه المص يبتان ‪ ،‬ف وات المحب وب‬
‫بحصول هذه المصيبة ‪ ،‬وف وات م ا ه و أعظم منه ا ‪ ،‬وه و األج ر بامتث ال أم ر هللا‬
‫بالصبر ‪ ،‬فرجع بالخسارة والحرمان ‪ ،‬ونقص م ا مع ه من اإليم ان ‪ ،‬وفات ه الص بر‬
‫والرضا والشكران ‪ ،‬وحصل له السخط الدال على شدة النقصان ‪.‬‬
‫وأما من وفقه هللا للصبر عند وجود هذه المصائب ‪ ،‬فحبس نفس ه عن التس خط ق وال‬
‫وفعال ‪ ،‬واحتسب أجرها عند هللا ‪ ،‬وعلم أن م ا يدرك ه من األج ر بص بره أعظم من‬
‫المصيبة ال تي حص لت ل ه ‪ ،‬فه ذا ق د ص ارت المص يبة نعم ة في حق ه ‪ ،‬فله ذا ق ال‬
‫ين ) أي ‪ :‬بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب ‪.‬‬ ‫تعالى ‪َ ( :‬و َب ِّش ِر الص ِ‬
‫َّاب ِر َ‬
‫ُص ي َب ٌة ) وهي ك ل م ا ي ؤلم‬ ‫ِين إِ َذا أَ َ‬
‫ص ا َب ْت ُه ْم م ِ‬ ‫ثم وص ف هللا الص ابرين بقول ه ‪ ( :‬الَّذ َ‬
‫القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره ‪.‬‬
‫( َق الُوا إِ َّنا هَّلِل ِ ) أي ‪ :‬مملوك ون هلل ‪ ،‬م دبرون تحت أم ره وتص ريفه ‪ ،‬فليس لن ا من‬
‫أنفسنا وأموالنا شيء ‪ ،‬فإذا ابتالنا بشيء منها فقد تص رف أرحم ال راحمين بمماليك ه‬
‫وأموالهم ‪ ،‬فال اعتراض عليه ‪ ،‬بل من كمال عبودية العبد علمه بأن وقوع البلي ة من‬
‫المالك الحكيم ‪ ،‬الذي هو أرحم بعب ده من نفس ه ‪ ،‬في وجب ل ه ذل ك الرض ا عن هللا ‪،‬‬
‫والشكر له على تدبيره ‪ ،‬لما هو خير لعبده ‪ ،‬وإن لم يشعر بذلك ‪.‬‬
‫ومع أننا مملوكون هلل ‪ :‬فإنا إليه راجعون يوم المعاد ‪ ،‬ليجازي كل عامل بعمله ‪ ،‬فإن‬
‫صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عن ده ‪ ،‬وإن جزعن ا وس خطنا ‪ ،‬لم يكن حظن ا‬
‫إال السخط وفوات األجر ‪ ،‬فكون العبد هلل ‪ ،‬وراجع إليه ‪ ،‬من أقوى أسباب الصبر ‪.‬‬
‫ص َل َو ٌ‬
‫ات ِمنْ َرب ِِّه ْم ) أي ‪ :‬ثن اء‬ ‫ك ) الموص وفون بالص بر الم ذكور ( َع َلي ِْه ْم َ‬ ‫( أُو َل ِئ َ‬
‫وتنوي ه بح الهم ( َو َرحْ َم ٌة ) عظيم ة ‪ ،‬ومن رحمت ه إي اهم ‪ ،‬أن وفقهم للص بر ال ذي‬
‫ينالون به كمال األجر ‪،‬‬

‫( َوأُو َل ِئ َ‬
‫ك ُه ُم ْال ُم ْه َت ُد َ‬
‫ون ) ال ذين عرف وا الح ق ‪ :‬وه و في ه ذا الموض ع علمهم ب أنهم‬
‫هلل ‪ ،‬وأنهم إليه راجعون ‪ ،‬وعملوا به ‪ :‬وهو هنا صبرهم هلل ‪.‬‬
‫ودلت ه ذه اآلي ة على أن من لم يص بر فل ه ض د م ا لهم ‪ ،‬فحص ل ل ه ال ذم من هللا‬
‫والعقوبة والضالل والخسار ‪ ،‬فما أعظم الفرق بين الفريقين وما أقل تعب الصابرين‬
‫‪ ،‬وأعظم عن اء الج ازعين ‪ ،‬فق د اش تملت هات ان اآليت ان على ت وطين النف وس على‬
‫المصائب قبل وقوعها ‪ ،‬لتخ ف وتس هل إذا وقعت ‪ ،‬وبي ان م ا تقاب ل ب ه إذا وقعت ‪،‬‬
‫وهو الصبر ‪ ،‬وبيان ما يعين على الصبر ‪ ،‬وما للصابر من األجر ‪ ،‬ويعلم حال غير‬
‫الصابر بضد حال الصابر ‪.‬‬
‫وأن هذا االبتالء واالمتحان سنة هللا التي قد خلت ‪ ،‬ولن تجد لسنة هللا تبديال ‪.‬‬
‫وقد هون هللا على عب اده ش أن المص ائب ‪ ،‬بم ا وع د من البش ارة الص الحة والوع د‬
‫ُون أَجْ َر ُه ْم ِب َغ ْي ِر ح َِس ا ٍ‬
‫ب [الزم ر‪ ، ]10 :‬ق ال‬ ‫الحسن في قوله ‪ ( :‬إِ َّن َما ي َُو َّفى الص ِ‬
‫َّابر َ‬
‫األوزاعي ‪ :‬ليس يوزن لهم وال يكال ‪ ،‬إنما يغرف لهم غرفا ‪" .‬تفسير ابن كث ير" (‪7‬‬
‫‪)89/‬‬
‫هذا في اآلخرة ‪ ،‬وفي الدنيا ‪ :‬فروى مسلم (‪َ )918‬عنْ أ ُ ِّم َس َل َم َة رضي هللا عنها أَ َّن َه ا‬
‫ُص ي َب ٌة‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َسلَّ َم َيقُ و ُل ‪َ ( :‬م ا ِمنْ م ُْس ل ٍِم ُت ِ‬
‫ص ي ُب ُه م ِ‬ ‫ت َرسُو َل هَّللا ِ َ‬ ‫َقا َل ْ‬
‫ت َس ِمعْ ُ‬
‫ف لِي‬ ‫ون اللَّ ُه َّم ْأ ُج رْ نِي فِي م ِ‬
‫ُص ي َبتِي َوأَ ْخلِ ْ‬ ‫َف َيقُو ُل َما أَ َم َرهُ هَّللا ُ ‪ :‬إِ َّنا هَّلِل ِ َوإِ َّنا إِ َل ْي ِه َرا ِج ُع َ‬
‫ف هَّللا ُ َل ُه َخيْرً ا ِم ْن َها )‬ ‫َخيْرً ا ِم ْن َها إِاَّل أَ ْخ َل َ‬
‫ب ِمنْ‬ ‫ض َواَل فِي أَ ْن ُف ِس ُك ْم إِاَّل فِي ِك َت ا ٍ‬ ‫ُص ي َب ٍة فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫اب ِمنْ م ِ‬ ‫ص َ‬ ‫وقال تعالى ‪َ ( :‬م ا أَ َ‬
‫ك َع َلى هَّللا ِ َي ِس ي ٌر * لِ َك ْياَل َتأْ َس ْوا َع َلى َم ا َف ا َت ُك ْم َواَل َت ْف َر ُح وا ِب َم ا‬ ‫َقب ِْل أَنْ َنب َْرأَ َها إِنَّ َذلِ َ‬
‫ور) الحديد‪23 ،22 /‬‬ ‫ال َف ُخ ٍ‬ ‫آ َتا ُك ْم َوهَّللا ُ اَل ُيحِبُّ ُك َّل م ُْخ َت ٍ‬
‫وهذا من أعظم السلوى ؛ فإن العبد إذا علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ‪ ،‬وما أخطأه‬
‫لم يكن ليصيبه ‪ ،‬وأنه لو قدر شيء لكان ‪ ،‬استكانت نفسه ‪.‬‬
‫وق ال عكرم ة ‪ " :‬ليس أح د إال وه و يف رح ويح زن ‪ ،‬ولكن اجعل وا ال َف َرح ش كرً ا‬
‫والحزن صبرً ا "‬
‫انتهى من"تفسير ابن كثير" (‪)27/ 8‬‬
‫وراجع ‪:‬‬
‫"تفسير الطبري" (‪" – )]219/ 3‬الجامع ألحكام القرآن" (‪" – )174/ 2‬تفسير ابن‬
‫كثير" (‪" – )467/ 1‬تفسير السعدي" (ص ‪)75‬‬
‫وهللا أعلم ‪.‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫إذا وقعت مصيبة على مسلم ‪ ،‬يتساءل الناس ‪ ،‬ب ل ح تى من وقعت علي ه ‪ :‬ه ل ه ذا‬
‫ابتالء ؛ إليمانه ؟ أو هو عقوبة له على ذنوب قد ال نعلمها ؟‬
‫رأيت كالمًا متعل ًقا بهذا التساؤل في‬
‫ُ‬ ‫يتردد هذا كثيرً ا في األذهان عند المصائب ‪ .‬وقد‬
‫رسالة قيّمة ‪ -‬لم ُتطبع بعد ‪-‬للدكتور حسن الحميد ‪ -‬وفق ه هللا ‪ : -‬عنوانه ا " ُس نن هللا‬
‫في األمم من خالل آيات القرآن " قال فيها ( ص ‪: ) 388-386‬‬

‫( هل يُعد ك ل ابتالء مص يبة ج زاء على تقص ير؟ وبالت الي فه ل ك ل بالء ومص يبة‬
‫عقوبة؟‬
‫وتلك مسألة قد ُتشكل على بعض الناس‪ .‬ومنش أ اإلش كال فيم ا أرى ‪ :‬ه و االختالف‬
‫في فهم النصوص المتعلقة بهذه المسألة‪ ،‬وكيف يكون الجزاء على األعمال‪.‬‬
‫فعلى حين يرد التصريح في بعضها بأن كل مصيبة تقع فهي بسبب م ا كس به العب د‪،‬‬
‫كقول ه تب ارك وتع الى‪ ( :‬وم ا أص ابكم من مص يبة فبم ا كس بت أي ديكم ويعف و عن‬
‫كثير) ‪.‬‬
‫نجد نصوصا ً أخ ر تص رح ب أن (أش د الن اس بالء األنبي اء ثم الص الحون ثم األمث ل‬
‫فاألمثل)‪ .‬كما جاء ذلك في الحديث الصحيح‪.‬‬
‫وبأن البالء يقع –فيما يقع ل ه‪ -‬على المؤم نين ليكش ف عن مع دنهم ويخت بر ص دقهم‬
‫(ولنبلونكم حتى نعلم الجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم)‪.‬‬
‫فلو كان كل بالء يقع يكون جزاء على تقصير ؛ لك ان القي اس أن يك ون أش د الن اس‬
‫بالء الكفرة والمشركين والمنافقين‪ ،‬ب دليل اآلي ة الس ابقة ( وم ا أص ابكم من مص يبة‬
‫فبما كسبت أيديكم‪.! )...‬‬
‫والذي يزول به هذا اإلشكال بإذن هللا تعالى‪ ،‬هو أن ننظر إلى هذه المس ألة من ثالث‬
‫جهات‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن نفرق بين حال المؤمنين وحال الكفار في هذه الدنيا‪.‬‬
‫فالمؤمنون البد لهم من االبتالء في هذه الدنيا‪ ،‬ألنهم مؤمن ون‪ ،‬قب ل أن يكون وا ش يئا ً‬
‫آخر‪ ،‬فهذا خاص بهم‪ ،‬وليس الكفار كذلك‪ ( .‬ألـم أحسب الناس أن ي تركوا أن يقول وا‬
‫آمنا وهم ال يفتنون ) ‪.‬‬
‫الجهة الثانية‪ :‬أنه ال انفصال بين الجزاء في الدنيا والجزاء في اآلخرة‪.‬‬
‫فما يقع على المؤم نين من البالء والمص ائب في ال دنيا‪ ،‬فه و بم ا كس بت أي ديهم من‬
‫جهة‪ ،‬وبحسب منازلهم عند هللا في الدار اآلخرة من جهة ثانية‪.‬‬
‫فمنهم من يجزى بكل ما اكتسب من الذنوب في هذه الدنيا‪ ،‬حتى يلقى هللا يوم القيام ة‬
‫وليس عليه خطيئة‪ .‬وه ذا أرف ع منـزلة ممن يلقى هللا بذنوب ه وخطاي اه‪ ،‬وله ذا اش تد‬
‫البالء على األنبياء فالصالحين فاألمثل فاألمثل؛ ألنهم أكرم على هللا من غيرهم‪.‬‬
‫ومن كان دون ذلك فجزاؤه بما كسبت يداه في هذه الدنيا بحسب حاله‪.‬‬
‫وليس الكف ار ك ذلك؛ ف إنهم ( ليس لهم في اآلخ رة إال الن ار) ‪ ،‬فليس هن اك أج ور‬
‫تضاعف وال درجات ترفع‪ ،‬وال سيئات ُتك ّفر‪ .‬ومقتضى الحكمة أال ي ّدخر هللا لهم في‬
‫اآلخ رة عمالً ص الحاً‪ ،‬ب ل م ا ك ان لهم من عم ل خ ير‪ ،‬وم ا ق ّدموا من نف ع للخل ق‬
‫يجزون ويكافئون به في الدنيا‪ ،‬بأن يخفف عنهم من ألوائه ا وأمراض ها‪ .‬وبالت الي ال‬
‫يمن عليهم وال يبتليهم بهذا النوع من المصائب واالبتالءات‪.‬‬
‫فما يصيب المؤمنين ليس قدراً زائ داً على م ا كس بته أي ديهم‪ ،‬ب ل ه و م ا كس بوه أو‬
‫بعضه‪ ،‬عُجل لهم‪ ،‬لما لهم من القدر والمنـزلة عندهللا‪.‬‬
‫وهذه يوضحها النظر في الجهة الثالثة وهي‪:‬‬
‫أن نعلم علم اليقين أن أي عمل نافع تقوم به الجماعة أو األمة المسلمة‪ ،‬فإنها الب د أن‬
‫تلقى جزاءه في الدنيا‪ ،‬كما يلقى ذلك غيرها‪ ،‬بل أفضل مما يلقاه غيرها‪ .‬وه ذا ش يء‬
‫اقتضته حكمة هللا‪ ،‬وجرت به سنته‪ .‬كما سبق بيانه في أكثر من موضع‪.‬‬
‫ولهذا صح من حديث أنس بن مالك –رضي هللا عنه‪ -‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫أنه قال‪( :‬إن هللا ال يظلم مؤمنا ً حسنة‪ .‬يُعطى بها في ال دنيا ويُج زى به ا في اآلخ رة‪.‬‬
‫وأما الكافر فيُطعم بحسنات ما عمل بها هلل في الدنيا‪ ،‬حتى إذا أفض ى إلى اآلخ رة لم‬
‫تكن له حسنة يُجزى بها)‪.‬‬
‫والخالصة ‪:‬‬
‫أنه ال يكون بالء ومصيبة إال بسبب ذنب‪.‬‬
‫وأن المؤمنين يجزون بحسناتهم في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ويُزاد في بالئهم في الدنيا ليكف ر‬
‫هللا عنهم من خطاياهم التي يجترحونها‪ ،‬فال يُع اقبون عليه ا هن اك‪ ،‬وح تى تس لم لهم‬
‫حسناتهم في اآلخرة‪.‬‬
‫وأما الكفار فيُجزون بحسناتهم كلها في الدنيا‪ ،‬فيكون ما يس تمتعون ب ه في دني اهم –‬
‫مما يُرى أنه قدر زائد على ما أعْ طيه المؤمنون‪ -‬يكون ه ذا في مقابل ة م ا يك ون لهم‬
‫من حسنات‪ .‬وليس لهم في اآلخرة من خالق‪ .‬وهللا أعلم ) ‪.‬‬
‫الحمد هلل‬
‫للمصائب واالبتالءات في الكتاب والسنة سببان اثنان مباش ران – إلى ج انب حكم ة‬
‫هللا تعالى في قضائه وقدره ‪: -‬‬
‫الس بب األول ‪ :‬ال ذنوب والمعاص ي ال تي يرتكبه ا اإلنس ان ‪ ،‬س واء ك انت كف را أو‬
‫معصية مجردة أو كبيرة من الكبائر ‪ ،‬فيبتلي هللا عز وجل بسببها صاحبها بالمص يبة‬
‫على وجه المجازاة والعقوبة العاجلة ‪.‬‬
‫ك ) النس اء‪ ، 79 /‬ق ال‬ ‫ك ِمنْ َس ِّي َئ ٍة َف ِمنْ َن ْف ِس َ‬ ‫يق ول هللا ع ز وج ل ‪َ ( :‬و َم ا أَ َ‬
‫ص ا َب َ‬
‫ُص ي َب ٍة َف ِب َم ا َك َس َب ْ‬
‫ت‬ ‫المفس رون ‪ :‬أي ب ذنبك ‪ .‬ويق ول س بحانه ‪َ ( :‬و َم ا أَ َ‬
‫ص ا َب ُك ْم ِمنْ م ِ‬
‫ِير ) الشورى‪ ، 30/‬انظر "تفسير القرآن العظيم" (‪. )2/363‬‬ ‫أَ ْيدِي ُك ْم َو َيعْ فُو َعنْ َكث ٍ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َسلَّ َم ‪:‬‬ ‫و َعنْ أَ َن ٍ‬
‫س رضي هللا عنه َقا َل ‪َ :‬قا َل َرسُو ُل هَّللا ِ َ‬
‫( إِ َذا أَ َرادَ هَّللا ُ ِب َع ْب ِد ِه ْال َخي َْر َعجَّ َل َل ُه ْال ُعقُو َب َة فِي ال ُّد ْن َيا ‪َ ،‬وإِ َذا أَ َرا َد هَّللا ُ ِب َع ْب ِد ِه ال َّشرَّ أَمْ َس َ‬
‫ك‬
‫َع ْن ُه ِب َذ ْن ِب ِه َح َّتى ي َُواف َِي ِب ِه َي ْو َم ْالقِ َيا َم ِة ) ‪.‬‬
‫رواه الترمذي (‪ )2396‬وحسنه ‪ ،‬وصححه األلباني في "صحيح الترمذي " ‪.‬‬
‫السبب الثاني ‪ :‬إرادة هللا تع الى رفع ة درج ات الم ؤمن الص ابر ‪ ،‬فيبتلي ه بالمص يبة‬
‫ليرضى ويصبر فيُو َّفى أجر الص ابرين في اآلخ رة ‪ ،‬ويكتب عن د هللا من الف ائزين ‪،‬‬
‫وقد رافق البالء األنبياء والصالحين فلم يغادرهم ‪ ،‬جعله هللا تعالى مكرمة لهم ينالون‬
‫به الدرجة العالية في الجنة ‪ ،‬وله ذا ج اء في الح ديث الص حيح عن الن بي ص لى هللا‬
‫ت َل ُه ِمنْ هَّللا ِ َم ْن ِز َل ٌة َل ْم َي ْبلُ ْغ َها ِب َع َملِ ِه ا ْب َتاَل هُ هَّللا ُ فِي َج َس ِد ِه‬
‫عليه وسلم ‪ ( :‬إِنَّ ْال َعبْدَ إِ َذا َس َب َق ْ‬
‫أَ ْو فِي َمالِ ِه أَ ْو فِي َو َل ِد ِه )‬
‫رواه أبو داود (‪ ، )3090‬وصححه األلباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم‪)2599/‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي هللا عنه أنه النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫الج َزا ِء َم َع عِ َظ ِم ال َبالَ ِء ‪َ ،‬وإِنَّ هَّللا َ إِ َذا أَ َحبَّ َق ْومًا ا ْب َتالَ ُه ْم ‪َ ،‬ف َمنْ‬‫( َق ا َل ‪ :‬إِنَّ عِ َظ َم َ‬
‫ط)‪.‬‬ ‫ِط َف َل ُه الس ََّخ ُ‬
‫ضا ‪َ ،‬و َمنْ َسخ َ‬ ‫َرضِ َي َف َل ُه الرِّ َ‬
‫رواه الترمذي (‪ )2396‬وحسنه ‪ ،‬وصححه الشيخ األلباني في "السلس لة الص حيحة"‬
‫(رقم‪)146/‬‬
‫وقد جُمع السببان في حديث عائشة رضي هللا عنها ‪ ،‬أن النبي ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫قال ‪:‬‬
‫( َما يُصِ يبُ ْالم ُْؤم َِن ِمنْ َش ْو َك ٍة َف َما َف ْو َق َها إِاَّل َر َف َع ُه هَّللا ُ ِب َه ا د ََر َج ًة ‪ ،‬أَ ْو َح َّط َع ْن ُه ِب َه ا‬
‫َخطِ ي َئ ًة )‬
‫رواه البخاري (‪ ، )5641‬ومسلم (‪. )2573‬‬
‫ثم إن التداخل واالشتراك بين هذين السببين أعظم من الصور التي ينف رد ك ل منهم ا‬
‫به ‪:‬‬
‫أال ترى أن من ابتاله هللا بمصيبة بسبب ذنبه فصبر وشكر غفر هللا تعالى ل ه ذنب ه ‪،‬‬
‫ورفع درجته في الجنة ‪ ،‬ووفاه أجر الصابرين المحتسبين ‪.‬‬
‫كما أن من بتاله هللا بالمصيبة ليبلغ المنزلة الرفيعة ال تي كتبه ا ل ه في الجن ة ‪ ،‬تكف ر‬
‫عنه ذنوبه السالفة ‪ ،‬وتعتبر جزاء له عليها في الدنيا ‪ ،‬فال تك رر علي ه في اآلخ رة ‪،‬‬
‫كما وقع لبعض الرسل واألنبياء ‪ :‬ك آدم علي ه الس الم ‪ ،‬وي ونس علي ه الس الم ‪ ،‬حين‬
‫ابتلى هللا سبحانه وتعالى آدم باإلخراج من الجنة ‪ ،‬وابتلى يونس بن متى ب الغرق في‬
‫بطن الحوت ‪ ،‬فرفعهما هللا بهذا البالء لصبرهما واحتسابهما الثواب عن ده س بحانه ‪،‬‬
‫وكانت كفارة للمخالفة التي وقعت من كل منهما عليهما الصالة والسالم ‪.‬‬
‫ويدلك على ذلك أن الجزاء الدنيوي ال ينفص ل عن الج زاء األخ روي ‪ ،‬وأن اق تران‬
‫ذكر هذين السببين جاء في كثير من األحاديث النبوية الصحيحة ‪ ،‬منها ما رواه سعد‬
‫اس أَ َش ُّد َبالَ ًء ؟‬ ‫هللا ! أَيُّ ال َّن ِ‬
‫ت ‪َ :‬ي ا َر ُس و َل ِ‬ ‫بن أبي وقاص رضي هللا عن ه ق ال ‪ ( :‬قُ ْل ُ‬
‫ان دِي ُن ُه‬‫ب دِي ِن ِه ‪َ ،‬ف إِنْ َك َ‬ ‫َقا َل ‪ :‬األَ ْن ِب َيا ُء ‪ُ ،‬ث َّم األَمْ َث ُل َفاألَمْ َث ُل ‪َ ،‬ف ُي ْب َت َلى الرَّ ُج ُل َع َلى َح َس ِ‬
‫ب دِي ِن ِه ‪َ ،‬ف َم ا َي ْب َر ُح ال َبالَ ُء‬‫ان فِي دِي ِن ِه ِر َّق ٌة ا ْب ُتل َِي َع َلى َح َس ِ‬‫ص ُْلبًا ا ْش َت َّد َبالَؤُ هُ ‪َ ،‬وإِنْ َك َ‬
‫ض َما َع َل ْي ِه َخطِ ي َئ ٌة ) ‪.‬‬ ‫الع ْب ِد َح َّتى َي ْت ُر َك ُه َي ْمشِ ي َع َلى األَرْ ِ‬ ‫ِب َ‬
‫رواه الترمذي (‪ )2398‬وقال ‪ :‬حسن صحيح ‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد يكون أحد هذين السببين أظهر في بعض صور البالء من السبب اآلخر‬
‫‪ ،‬ويمكن فهم ذلك من خالل قرائن الحال التي تتعلق بتلك المصيبة ‪:‬‬
‫فإذا كان المبتلى ك افرا ‪ :‬فال يمكن أن يك ون بالؤه لرفع ة درجت ه ‪ ،‬فالك افر ليس ل ه‬
‫عند هللا وزن يوم القيامة ‪ ،‬لكن قد يكون في ذلك عبرة وعظة لغيره ‪ ،‬أال يفع ل مث ل‬
‫فعله ‪ ،‬وقد يكون من ذلك من عاجل عقاب هللا له في الدنيا‪ ،‬زيادة على ما ادخ ره ل ه‬
‫ت َو َج َعلُ وا هَّلِل ِ‬
‫س ِب َم ا َك َس َب ْ‬‫في اآلخرة ‪ .‬قال هللا تع الى ‪ ( :‬أَ َف َمنْ ُه َو َق ا ِئ ٌم َع َلى ُك ِّل َن ْف ٍ‬
‫ض أَ ْم ِب َظ اه ٍِر م َِن ْال َق ْو ِل َب ْل ُزي َِّن‬ ‫ش َر َكا َء قُ ْل َس مُّو ُه ْم أَ ْم ُت َن ِّب ُئو َن ُه ِب َم ا ال َيعْ َل ُم فِي األرْ ِ‬ ‫ُ‬
‫يل َو َمنْ يُضْ ل ِِل هَّللا ُ َف َما َل ُه ِمنْ َه ا ٍد * َل ُه ْم َع َذابٌ‬ ‫ص ُّدوا َع ِن الس َِّب ِ‬ ‫ِين َك َفرُوا َم ْك ُر ُه ْم َو ُ‬ ‫لِلَّذ َ‬
‫اق ) الرعد ‪34-33/‬‬ ‫فِي ْال َح َيا ِة ال ُّد ْن َيا َو َل َع َذابُ اآلخ َِر ِة أَ َش ُّق َو َما َل ُه ْم م َِن هَّللا ِ ِمنْ َو ٍ‬
‫وأما إذا كان المبتلى مسلما عاصيا مجاهرا ‪ ،‬أو فاسقا ظاهر الفسق ‪ :‬فق د يغلب على‬
‫الظن وج ه المج ازاة والعقوب ة به ذا االبتالء ‪ ،‬ألن تكف ير الس يئات أس بق من رف ع‬
‫الدرجات ‪ ،‬والعاصي أحوج إلى تكفير سيئاته من رفع درجاته ‪.‬‬
‫وفي المقابل إذا ك ان المس لم عاب دا طائع ا ص الحا ‪ ،‬ليس بين ه وبين هللا إال العبودي ة‬
‫الحقة ‪ ،‬والشكر والحمد واإلنابة واإلخب ات إلي ه س بحانه ‪ :‬فه ذا يغلب على الظن في‬
‫ابتالئه وجه المكرمة ورفع الدرجات ‪ ،‬والعباد ش هداء هللا في األرض ‪ ،‬ف إذا عرف وا‬
‫فيه الصالح كان لهم أن يبشروه برفعة ال درجات عن د هللا تع الى إن ه و ص بر على‬
‫بالئه ‪.‬‬

‫وأما إذا أبدى المبتلى السخط والجزع ‪ ،‬فال يظن أن يكون ابتالؤه مكرم ة من هللا ل ه‬
‫لرفع درجاته ‪ ،‬وقد علم سبحانه منه عدم الصبر والرضا ‪ ،‬فاألقرب في ه ذه القرين ة‬
‫وجه المجازاة والعقوب ة ‪ ،‬وق د ق ال بعض الص الحين ‪ " :‬عالم ة االبتالء على وج ه‬
‫العقوبة والمقابلة ‪ :‬عدم الصبر عند وجود البالء ‪ ،‬والجزع والشكوى إلى الخلق ‪.‬‬
‫وعالم ة االبتالء تكف يراً وتمحيص ا ً للخطيئ ات ‪ :‬وج ود الص بر الجمي ل من غ ير‬
‫شكوى ‪ ،‬وال جزع وال ضجر ‪ ،‬وال ثقل في أداء األوامر والطاعات ‪.‬‬
‫وعالمة االبتالء الرتف اع ال درجات ‪ :‬وج ود الرض ا والموافق ة ‪ ،‬وطمأنين ة النفس ‪،‬‬
‫والسكون لألقدار حتى تنكشف " انتهى‪.‬‬
‫وهكذا ‪ ،‬ما هي إال قرائن ظنية يمكن للعبد أن يتأمل فيها ليعرف ش يئا من حكم ة هللا‬
‫تعالى في المصائب والمحن ‪ ،‬ال ليجزم في الحكم به ا على نفس ه ‪ ،‬أو على عب اد هللا‬
‫المبتلين ‪.‬‬
‫ولعل األهم من هذا التفصيل كله أن يقال ‪:‬‬
‫إن الفائدة العملية التي ينبغي للعبد التأمل فيها هي أن كل مصيبة وابتالء هي له خير‬
‫وأجر إن هو صبر واحتسب ‪ ،‬وأن كل ابتالء ومصيبة هي ل ه س وء وش ر إن ج زع‬
‫وطن نفس ه على تحم ل المص ائب ‪ ،‬والرض ى عن هللا بقض ائه ‪ ،‬فال‬ ‫وتسخط ‪ ،‬ف إن َّ‬
‫يضره بعد ذلك إن علم سبب البالء أو لم يعلم ه ‪ ،‬ب ل األَ ْولى ب ه دائم ا أن ي َّت ِهم نفس ه‬
‫بالذنب والتقصير ‪ ،‬ويفتش فيها عن خلل أو زلل ‪ ،‬فكلن ا ذوو خط أ ‪ ،‬وأين ا لم يف رط‬
‫في جنب هللا تعالى ‪ ،‬وإذا كان هللا سبحانه وتعالى قد أصاب المسلمين يوم أحد بمقتلة‬
‫عظيم ة ‪ ،‬وهم أص حاب الن بي ص لى هللا علي ه وس لم ‪ ،‬وخ ير البش ر بع د الرس ل‬
‫أمر النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فكيف يظن المرء بعد ذلك‬ ‫واألنبياء ‪ ،‬بسبب مخالف ِة ِ‬
‫في نفسه اس تحقاق رفع ة ال درجات في ك ل م ا يص يبه ‪ ،‬وق د ك ان إب راهيم بن أدهم‬
‫رحمه هللا – إذا رأى اشتداد الريح وتقلب السماء – يق ول ‪ :‬ه ذا بس بب ذن وبي ‪ ،‬ل و‬
‫خرجت من بينكم ما أصابكم ‪.‬‬
‫فكيف بحالنا نحن المقصرين المذنبين‪.‬‬
‫ثم أولى من ذلك كله وأهم ‪ ،‬أن يحسن العبد الظن بربه دائما ‪ ،‬وعلى كل ح ال ؛ فاهلل‬
‫سبحانه وتعالى هو أولى بالجميل ‪ ،‬وهو أهل التقوى وأهل المغفرة ‪.‬‬
‫نسأل هللا تعالى أن يرحمنا ويغفر لنا ‪ ،‬وأن يعلمنا ما ينفعنا ‪ ،‬ويأجرن ا في مص ائبنا ‪،‬‬
‫إنه سميع مجيب الدعوات ‪.‬‬
‫وانظر جواب السؤال رقم ‪)13205( :‬‬
‫وهللا أعلم ‪.‬‬
‫تفسير‪( :‬ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع)‬

‫َ‬ ‫ص م َِن اأْل َ ْم َو ِ‬


‫ال َواأْل ْن ُف ِ‬
‫س‬ ‫وع َو َن ْق ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫♦ اآلي ة‪َ ﴿ :‬و َل َن ْبل َو َّن ُك ْم ِب َش يْ ٍء م َِن ال َخ ْوفِ َوال ُج ِ‬
‫ين ﴾‪.‬‬ ‫ت َو َب ِّش ِر الص ِ‬
‫َّاب ِر َ‬ ‫َو َّ‬
‫الث َم َرا ِ‬

‫♦ السورة ورقم اآلية‪ :‬سورة البقرة (‪.)155‬‬

‫♦ الوج يز في تفس ير الكت اب العزي ز للواح دي‪ ﴿ :‬ولنبل ونكم ﴾ ولنع امل َّنكم مُعامل ة‬
‫ص‬ ‫المبتلي ﴿ بشيء من الخوف ﴾ يعني‪ :‬خوف العدوِّ ﴿ والجوع ﴾ يعني‪ :‬القح ط ﴿ َو َن ْق ٍ‬
‫ال ﴾ يع ني‪ :‬الخس ران وال ُّنقص ان فِي الم ال وهالك المواش ي ﴿ واألنفس ﴾‬ ‫م َِن األَمْ َو ِ‬
‫والش يب ﴿ والثم رات ﴾ يع ني‪ :‬الج وائح‬ ‫َّ‬ ‫يعني‪ :‬الم وت والقت ل في الجه اد والم رض‬
‫الثواب و َمنْ لم يص بر لم يس تحق‬ ‫استحق َّ‬
‫َّ‬ ‫وموت األوالد ف َمنْ صبر على هذه األشياء‬
‫يد ُّل على هذا قوله تعالى‪ ﴿ :‬وبشر الصابرين ﴾‪.‬‬

‫♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل"‪َ :‬ق ْولُ ُه َت َعا َلى‪َ ﴿ :‬و َل َن ْبلُ َو َّن ُك ْم ﴾‪ ،‬أَيْ ‪َ :‬و َل َن ْخ َت ِب َر َّن ُك ْم َي ا أ ُ َّم َة‬
‫ب القس م المح ذوف‪َ ،‬ت ْق دِي ُرهُ‪َ :‬وهَّللا ِ لِ َن ْبلُ َو َّن ُك ْم‪َ ،‬وااِل ْب ِتاَل ُء م َِن هَّللا ِ‬ ‫م َُح َّمدٍ‪َ ،‬والاَّل ُم‪ :‬ل َِج َوا ِ‬
‫يع م َِن ْال َعاصِ ي‪ ،‬اَل لِ َيعْ َل َم َش ْي ًئا َل ْم َي ُكنْ عالما به‪ِ ﴿ ،‬ب َش يْ ٍء م َِن ْال َخ ْوفِ ﴾‪،‬‬ ‫إِل ِ ْظ َه ِ ْ‬
‫ار المُطِ ِ‬
‫ص م َِن اأْل َ ِ‬
‫مْوال‬ ‫ُوع ﴾‪َ ،‬يعْ نِي‪ْ :‬ال َقحْ َط‪َ ﴿ ،‬و َن ْق ٍ‬ ‫ْ‬
‫ف ال َع ُدوِّ ‪َ ﴿ ،‬والج ِ‬
‫َّاس‪َ :‬يعْ نِي َخ ْو َ ْ‬ ‫َقا َل ابْنُ َعب ٍ‬
‫س ﴾‪َ ،‬يعْ نِي‪ِ :‬ب ْال َق ْت ِل َو ْال َم ْوتِ‪َ ،‬وقِي َل‪ِ :‬ب ْال َم َر ِ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫ان َو ْال َهاَل كِ ‪َ ﴿ ،‬واأْل ْنفُ ِ‬
‫﴾‪ِ :‬ب ْال ُخ ْس َر ِ‬
‫الش افِعِيِّ أَ َّن ُه َق ا َل‪:‬‬ ‫ِي َع ِن َّ‬ ‫ار‪َ ،‬و ُحك َ‬ ‫ِّ‬
‫ت ﴾‪َ ،‬يعْ نِي‪ :‬ب الجوائح فِي الث َم ِ‬ ‫الث َم را ِ‬ ‫الش ْيبِ‪َ ﴿ ،‬و َّ‬ ‫َو َّ‬
‫الز َك ا ِة‬ ‫ال أَدَا ُء َّ‬ ‫ان‪َ ،‬و َن ْقصٌ م َِن اأْل َ ْم َو ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ص َيا ُم َر َم َ‬ ‫ْال َخ ْوفُ َخ ْوفُ هَّللا ِ تعالى‪ ،‬والج وع ِ‬
‫ت اأْل َ ْواَل دِ‪ ،‬أِل َنَّ َو َل ُد الرَّ ج ُِل َث َم َرةُ َق ْل ِب هِ‪،‬‬ ‫ات َم ْو ُ‬ ‫الث َم َر ُ‬‫َوالصَّدَ َقاتِ‪َ ،‬واأْل َ ْنفُسُ اأْل َم َْراضُ ‪َ ،‬و َّ‬
‫ان‪،‬‬ ‫مْع َ‬ ‫ْن َس َ‬ ‫ُور م َُح َّم ُد بْنُ م َُح َّم ِد ب ِ‬ ‫أَ ْخ َب َر َنا َع ْب ُد ْال َوا ِح ِد بْنُ أَحْ َمدَ ْال َملِيحِيُّ أَ ْخ َب َر َنا أَبُو َم ْنص ٍ‬
‫َّار الرَّ يَّانِيُّ أَ ْخ َب َر َن ا ُح َم ْي ُد بْنُ َز ْنج َُو ْي هِ‪،‬‬ ‫ْن َع ْب ِد ْال َجب ِ‬ ‫أَ ْخ َب َر َنا أَبُو َجعْ َف ٍر م َُح َّم ُد بْنُ أَحْ َم دَ ب ِ‬
‫ت ا ْبنِي سِ َنا ًنا‬ ‫ان َقا َل‪َ :‬د َف ْن ُ‬‫ُوسى أَ ْخ َب َر َنا َحمَّا ُد بْنُ َس َل َم َة‪َ ،‬عنْ أَ ِبي سِ َن ٍ‬ ‫أَ ْخ َب َر َنا ْال َح َسنُ بْنُ م َ‬
‫ُوج أَ َخ َذ ِب َيدِي َفأ َ ْخ َر َجنِي َف َقا َل‪:‬‬ ‫ت ْال ُخر َ‬ ‫ِير ْال َقب ِْر‪َ ،‬ف َلمَّا أَ َر ْد ُ‬
‫َوأبُو َط ْل َح َة ْال َخ ْواَل نِيُّ َع َلى َشف ِ‬
‫َ‬
‫ُوس ى اأْل َ ْش َع ِريِّ‬ ‫ب َعنْ أَ ِبي م َ‬ ‫أَاَل أبشرك؟ حدثني الضحاك بن عبد ال رحمن بن َع رْ َز ٍ‬
‫ات ول د العب د ق ال هللا لِ َماَل ِئ َك ِت هِ‪:‬‬ ‫ص لَّى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َس لَّ َم‪« :‬إِ َذا َم َ‬ ‫َقا َل‪َ :‬قا َل َر ُس و ُل هَّللا ِ َ‬
‫أَ َق َبضْ ُت ْم َو َلدَ َع ْبدِي؟ َقالُوا‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬قا َل‪ :‬أَ َق َبضْ ُت ْم َث َم َر َة فُ َؤا ِدهِ؟ َق الُوا‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ق ا َل‪َ :‬ف َم ا َذا َق ا َل‬
‫ْت ْال َح ْم دِ»‪،‬‬ ‫ك‪َ ،‬ق ا َل‪ :‬ا ْب ُن وا َل ُه َبيْتًا فِي ْال َج َّن ِة َو َس مُّوهُ َبي َ‬ ‫َع ْبدِي؟ َقالُوا‪ :‬اسْ َترْ َج َع َو َحمِدَ َ‬
‫ِين إِذا أَص ا َب ْت ُه ْم‬ ‫ص َف ُه ْم َف َق ا َل‪ :‬الَّذ َ‬ ‫ين ﴾‪َ :‬ع َلى ْال َباَل َي ا َوالرَّ َزا َي ا‪ُ ،‬ث َّم َو َ‬ ‫الص ِاب ِر َ‬‫﴿ َو َب ِّش ِر َّ‬
‫ُون‪ :‬فِي اآْل خ َِرةِ‪ ،‬أَ ْخ َب َر َنا َع ْب ُد ْال َوا ِح ِد‬ ‫مُصِ ي َب ٌة قالُوا إِ َّنا هَّلِل ِ‪َ :‬ع ِبي ًدا َوم ِْل ًكا‪َ ،‬وإِ َّنا إِ َل ْي ِه را ِجع َ‬
‫ان‪ ،‬أَ ْخ َب َر َنا أَ ُب و َجعْ َف ٍر‬ ‫ْن َس ْم َع َ‬‫ُور م َُح َّم ُد بْنُ م َُح َّم ِد ب ِ‬ ‫بْنُ أَحْ َمدَ ْال َملِيحِيُّ ‪ ،‬أَ ْخ َب َر َنا أَبُو َم ْنص ٍ‬
‫الرَّ يَّانِيُّ أَ ْخ َب َر َنا ُح َم ْي ُد بْنُ َز ْنج َُو ْيهِ‪ ،‬أَ ْخ َب َر َنا م َُحاضِ ُر بْنُ المورّ ع أخبرنا س عد بن س عيد‬
‫ص لَّى هَّللا ُ‬ ‫ْن أَ ْف َل َح أَ ْخ َب َر َنا َم ْو َلى أ ُ ِّم َس َل َم َة َعنْ أ ُ ِّم َس َل َم َة َز ْو ِج ال َّن ِبيِّ َ‬ ‫ِير ب ِ‬ ‫ْن َكث ِ‬ ‫عن ُع َم َر ب ِ‬
‫ُص ي َب ٍة‬ ‫صلَّى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َسلَّ َم َيقُولُ‪َ « :‬م ا ِمنْ م ِ‬ ‫ت َرسُو َل هَّللا ِ َ‬ ‫ت‪َ :‬س ِمعْ ُ‬ ‫َع َل ْي ِه َو َسلَّ َم أَ َّن َها َقا َل ْ‬
‫ف لِي‬ ‫اخلُ ْ‬
‫ُص ي َبتِي َو َ‬ ‫ون‪ ،‬اللَّ ُه َّم أَ ِج رنِي فِي م ِ‬ ‫ُتصِ يبُ َع ْب ًدا َف َيقُولُ‪ :‬إِ َّنا هَّلِل ِ َوإِ َّنا إِ َل ْي ِه َرا ِج ُع َ‬
‫ف َل ُه َخيْرً ا منه ا»‪ ،‬ق الت‪ :‬فلم ا ُت وُ ِّف َي أَ ُب و‬ ‫آج َرهُ هَّللا ُ فِي مُصِ ي َب ِتهِ‪َ ،‬وأَ ْخ َل َ‬ ‫َخيْرً ا ِم ْن َها إِاَّل َ‬
‫اخلُ فْ لِي َخ ْي رً ا ِم ْن َه ا‪ ،‬ق الت‪:‬‬ ‫ُص ي َبتِي َو َ‬ ‫ت‪ :‬اللَّ ُه َّم أَ ِج رْ نِي فِي م ِ‬ ‫َس َل َم َة َع َز َم هَّللا ُ لِي َفقُ ْل ُ‬
‫صلَّى هَّللا ُ َع َل ْي ِه َو َسلَّ َم‪َ ،‬و َقا َل َسعِي ُد بْنُ ُج َب ْي ٍر‪َ :‬م ا أُعْ طِ َي أَ َح ٌد‬ ‫ف هَّللا ُ لِي َرسُو َل هَّللا ِ َ‬ ‫َفأ َ ْخ َل َ‬
‫اع‪َ ،‬و َل ْو أُعْ طِ َي َه ا أَ َح ٌد أَل ُعْ طِ َي َه ا‬ ‫ُص ي َب ِة َم ا أُعْ طِ َي َه ِذ ِه اأْل ُ َّم ُة‪َ ،‬يعْ نِي‪ :‬ااِل ْس ِترْ َج َ‬ ‫فِي ْالم ِ‬
‫الس اَل ُم‪َ ﴿ :‬ي ا‬ ‫ف َع َل ْي ِه َّ‬ ‫ُوس َ‬ ‫ِص ِة ي ُ‬ ‫َيعْ قُوبُ َع َل ْي ِه السالم‪ ،‬أال تسمع إلى قول ه َت َع ا َلى فِي ق َّ‬
‫ُف ﴾ [يوسف‪.]84 :‬‬ ‫أَ َسفى َعلى يُوس َ‬
‫ماهو الفرق بين البالء واألبتالء‬

‫كثير من الناس اليُفرقون بين البالء واألبتالء ‪ ..‬فما هو الفرق يا ُترى ؟‬


‫ان هناك فرق بين البالء واألبتالء في المعنى والنتيجة ‪.‬‬

‫وإليك التفاصيل ‪:‬‬


‫حين تكلمت عن البالء او االبتالء في مك ان آخ ر بطريق تي ق د تك ون مُبهم ة بعض‬
‫الشيء لدي بعض الناس لسبب بسيط وه و أختالف المدرس ة ال تي تلقى منه ا وفيه ا‬
‫كل من ا علم ه او اس لوبه في الكتاب ة او الح ديث ‪ ..‬او ه و قص ور في الفهم من قب ل‬
‫المتلقي ‪.‬‬

‫وكوني مؤمن والحمدهلل فأني لم اخ الف اح د ال رأي في البالء وطريق ة وقوع ه على‬
‫الخلق ‪ ..‬ولكن ماخالفت فيه من خالفني هو توزيع او تقسيم البالء ‪ .‬وطريقته قبل ان‬
‫يقع وبعد ان يقع ‪.‬‬

‫ولهذا حين قلت ان الم رض او العقم او الغ رق وغيره ا ليس ت بالء وأنم ا ابتالء او‬
‫عقاب ‪ .‬لم يتمعن في المعنى إال قليالً ممن ناقشني ‪.‬‬

‫ان البالء موج ود في خ زائن الغيب ويُق در وقوع ه وقوت ه ومدت ه المل ك الجب ار‬
‫والغفار ‪ .‬وحين يقع على او يُرسل ألنسان او أم ة او جماع ة مؤمن ة يُس مى أبتالء ‪.‬‬
‫والعكس صحيح‬

‫فمثالً ( الطاعون او األيدز او ال زالزل او غيره ا ) هي ان واع من البالء موج ودة ‪.‬‬
‫ولكنها لم ُترسل او تقع ‪ .‬وحين تقع ُتسمى أبتالء ‪ .‬او عقاب‬

‫عندك مثالً الرقية الشرعية ‪ :‬فالقرأن واحد وهو كتاب هللا سبحانه الذي العوج في ه ‪.‬‬
‫وحين نقرأ على ممس وس ‪ .‬يك ون ت أثير الق رأن مُختل ف في وقوع ه على المتلبس ‪.‬‬
‫فهو يقع على الجن المسلم بشكل ويقع على الكافر بشكل آخ ر ‪ .‬وه و ق رأن واح د ‪..‬‬
‫وهم جميعهم جن ‪ ..‬والقاريء واحد ‪ ..‬والمكان واحد ‪ .....‬هل س ألت نفس ك لم اذا ‪.‬‬
‫وكيف ؟‬

‫ولو كان البالء فقط ه و االبتالء لم ا وق ع على الك افر والف اجر ألن الك افر والف اجر‬
‫اليُسمى مايقع عليهم أبتالء وانما يُسمى عقاب ‪ .‬اذن ( البالء ) له ش قين او ف رعين ‪.‬‬
‫هم ا االبتالء والعق اب ‪ .‬وه و في ح ق الم ؤمن ابتالء ( أختب ار‪ -‬موعظ ة – رف ع‬
‫للدرجات وتكفير للسيئات وهكذا ) وفي حق الفاجر عقاب ( بطش – انتق ام – ج زاء‬
‫– وهك ذا ) ‪ .‬وكالهم ا بالء بمع نى ل ه وجهين ولك ل منهم ا نتيج ة تختل ف عن‬
‫األخرى ‪.‬‬

‫وبمعنى آخر ان البالء واالبتالء كالق در والقض اء ‪ ..‬فالقض اء ه و نفس ه الق در حين‬
‫يكون في الخزائن للغيب وقب ل ان يق ع ‪ .‬ف اذا وق ع او اُرس ل او ن زل فعن دها يك ون‬
‫قضاء وليس قدر ‪ .‬او يكون قضاء بعد قدر ‪ .‬او يكون قضاء تنفيذاً لقدر وهكذا ‪ .‬هذا‬
‫فهمي للبالء قبل ان يقع وبعد وقوعه ‪.‬‬

You might also like