Professional Documents
Culture Documents
المبحث الثالث
المبحث الثالث
نحاول دراسة األفعال الكالمية الواردة في الخطاب القرآني من جهة نظر التداولية وتنقسم إلى قسمين:
مباشرة وغير مباشرة:
إن جهود "أوستن" و"سيرل" في مجال األفعال الكالمية مهمة وفعالة ،ولعل المبحث األساسي ألعمالهما
التحليلية هو األفعال اإلنشائية المتعلقة بالصيغة المباشرة ،وشروط استعمالها في سياقات الحديث
المختلفة ،كالسؤال والتقرير واستعمال مختلف الوسائل التي يتوفر عليها المتحدثون لكي يتواصلو
ويبلغو فعل الكالم إلى المتلقي ،يستعمل المخاطب الفعل الكالمي المباشر عندما يولي عناية لتبليغ
قصده ،وتحقيق هدفه الخطابي ورغبته في أن يكلف المتلقي بعمل ما ،أو يوجهه لمصلحته من جهة
وابعاده عن الضرر من جهة أخرى ،أو توجيهه لفعل مستقبلي معين ،ويفترض أن يتجه المخاطب
بخطابه إلى التكثير من فائدة المتلقي ،فيستعمل هذه اإلستراتيجيات في شكلها األكثر مباشرة للداللة على
قصده ،كاألمر والنهي الصريحين.
صفحة 2-1
فقد رأت الفتاة من موسى القوة واألمانة ،فأشارت على أببيها باستئجاره لرعى الغنم ،لقد تكلمت
الفتاة بخطاب يستلزم أنها معجبة بهذا الرجل ،وقد فهم أبوها أنها تقصد شيئا آخر وحدثته من باب
1
سورة البقرة ،اآلية .21
2
سورة يس ،اآلية .82
3
أحمد محمد فارس ،النداء في اللغة والقرآن ،دار الفكر اللناني للطباعة والنشر ،بيروت ،لبنان ،ط ،1989 ،1ص.135
4
ينظر ،خوسيه ايفانوكس ،نظرية اللغة األدبية ،ترجمة حامد أبو حمد ،مكتبة مصر ،دت ،ص.88
آخر ،فلما منعها الحياء من التصريح لجأت إألى التلميح بالتعريض عوضا عنه ،وبما أنه ال يربط
بين لفظ التعريض وقصد المتكلم أي روابط لغوية ،فقد فهم األب قصد ابنته ،فعرض على موسى
تزويجه إحدى ابنتيه ،وقد تيسر التعامل الخطابي بين األطراف المتحاورة ذلك أن المتكلم يستعمل
التعريض في خطابه متى كان واثقا أن المتلقي يفهم قصده ،زفي حالة ما إذا لم يفهم قصده فسوف
يضطر إلى التصريح به لفظا ،أو باستعمال عالمات غير لغوية ،حتى يتفطن المتلقي إبى قصد
المتكلم.
-4خطاب التهكم:
يستعمل المتكلم خطاب التهكم باعتبارها احدى اإلستراتيجيات غير المباشرة ،وهي تستلزم قصدا
غير ما يدل عليه الخطاب بمعناه الحرفي ،وتعني عند علماء البيان إخراج الكالم على ضد
مقتضى الحال استهزاءا بالمخاطب ،1وقد أشار الزركشي في كتاب البرهان في علوم القرآن إلى
آليه التهكم كخطاب يحفل به النص القرآني ،وعرفه بقوله هو" :هو اإلستهزاء بالمخاطب مأخوذ
من "تهكم البئر" إذا تهدمت" ،2ومن ألفاظ التهكم التي يشتهر بها القرآن الكريم ،استخدامه لكلمة
"نزل" في غير موضعها ،كقوله تعالى":وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية
جحيم".3
فقد تواترت لفظة "نزل" في آيات عدة من القرآن الكريم ،وجاءت غالبا مقترنة بمأوى الكفار يوم
اآلخرة تحمل تهكما وسخرية مريرة ذلك أن :النزل لغة :هو الذي يقدم للنازل تكرمة له قبل
حضور الضيافة".4
ففي هذه اآليات موضع تهكمي يتمثل في جعل نار جهنم مأوى ونزال للكافرين وإ ن قصد المتكلم
واضح بالنسبة للمتلقي رغم كونه غير مباشر ،ذلك أن موضع الكفار في نار جهنم يتنافى مع ما
يقدم للنازل من حسن الضيافة ،فجاءت اآليات بطريقة ساخرة مرة استعملت بقصد مضاد لمعناها
تماما.
لقد تجاوزت األفعال الكالمية في القرآن المريم صيغتها المباشرة إلى المعنى غير مباشر وذلك في
سياق اإلشارة إلى إمكانية مخالفة ظاهر اللفظ لمراد المتكلم ،فتتحول األفعال الكالمية بوجود جملة
1يحيى بن حمزة العلوي ،كتاب الطراز ،مراجعة وضبط وتدقيق ،محمد عبد السالم شاهين ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط1415 ،1هـ/
1995م ،ص .476
2بدر الدين بن محمد بن عبد هللا الزركشي ،البرهان في علوم القرآن ،تحقيق أبو الفضل إبراهيم ،المكتبة العصرية ،صيدا ،بيروت ،ج ،2ط،2
1391هـ ،1972/ص .231
3سورة الواقعة ،اآليات .94 ،93 ،92
4الزركشي ،البرهان في علوم القرآن ،ج ،2ص.232
من القرائن المقالية والمقامية يختارها المرسل لتحقيق قصد معين .وقد ارتبط الوضع بالقصد في
أسلوب القرآن الكريم ،مما أدى إلى كثرة تلك األفعال التي تخرج من حقيقتها ووتجاوز ظاهرها
إلى مقاصد أخرى يرمي القرآن الكريم إألى تحقيقها.