You are on page 1of 20

‫فــــــؤاد ســـــزكين‬

‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا‬


‫في تاريخ الجغرافيا‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 1‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 2 3/11/15 2:27 AM
‫يف يومنا هذا الذي تطورت فيه العلوم والتقنية تطورا ً عظيامً إىل درجة أن البرش أخذوا يصلون إىل املوجودات فيام وراء النظام‬
‫الشميس‪ ،‬ال نعرف تاريخ املايض الذي يختفي ما يقرب من ألف سنة وراء هذا التطور‪ .‬إن الذين وضعوا لبنات سلم تاريخ العلوم مل‬
‫يأخذوا ببالهم نصيبهم يف هذا العمل ودرجة اهتاممنا مبعرفته‪ ،‬وتركونا إما مقترصين عىل تخميناتنا وتخيالتنا الشخصية أو عىل مقدرة‬
‫مؤرخ العلوم الذي ال يكون دامئا دقيقاً كام ينبغي ويكتب ما متيل عليه تخيالته الذاتية‪.‬‬
‫قبل القرون الوسطى لعبت يف حوض البحر املتوسط يف الرشق األدىن ثالث بيئات كربى أدوارا ً كبرية يف تطور العلوم والتكنولوجيا وهي‪:‬‬
‫البابليون واملرصيون واإلغريق‪ .‬أما يف التعريف ووصف مواريثهم الكبرية فال يظهر مؤرخ العلوم دامئا منصفاً حقاً‪.‬‬
‫إنه ليس من السهل جدا ً أن يتتبع املرؤ مراحل تطور العلوم والتكنولوجيا التي قد تحققت قبل اإلغريق‪ .‬إنهم‪ ،‬أي اإلغريق‪ ،‬ال يعطون‬
‫أسنادا ً ملواقف أسالفهم فيام لهم نفسهم من املكانة الجبارة فيام مىض مام يقرب من مثامنائة سنة‪ .‬فيظهر أن اعتياد اإلشارة إىل املصادر‬
‫مل يكن قوياً عندهم‪.‬‬

‫إن التصور املألوف السائد منذ ثالثة قرون يف تاريخ العلوم الحديث بأن مكانة اإلغريق الهامة كانت هي البداية مل يتغريكثريا ً بعد‪،‬‬
‫بالرغم من مجهودات علم اآلثار املتعلقة بحضارات السومريني والبابليني واآلشوريني والكنعانيني واملرصيني وبالرغم من اآلراء الجديدة‬
‫الناجمة عن فك حروف الكتابات املحفورة‪ .‬كذلك مل يُلتفت كثريا ً إىل النظرية التي جاء بها العامل النمساوي يف تاريخ العلوم أوتو‬
‫نويْ َجباور بأن اإلغريق مل يكونوا يف بداية طريق التطور بل يف منتصفه‪ ،‬أى أنه ينبغي أن نضيف إىل السنوات األلفني والخمسامئة التي‬
‫انقضت منذ أن تولوا دور القيادة يف تاريخ العلوم مرحلة سابقة ألسالفهم املمهدين لهم استمرت كذلك ألفني وخمسامئة سنة أخرى‪.‬‬

‫أما تقديم التصور البعيد عن الحقيقة ملرحلة تاريخ العلوم بعد اإلغريق فقد اعتربه نويْ َجباور خارج مسؤوليته أو تركه لزمالئه‬
‫املشتغلني بالعلوم العربية‪ .‬فال شك أنه كان مدركاً لجهود املسترشقني الذين كانوا قد انقطعوا منذ ثالمثائة سنة لفهم العلوم العربية‬
‫اإلسالمية وقطعوا مسافة كبرية يف سريهم خطوة خطوة نحو هذا الهدف‪.‬‬
‫إنه يتبني اآلن بهذه الخطوات التي كانت بطيئة أحياناً ورسيعة أحياناً أن للعلوم العربية اإلسالمية مكانة هامة يف تاريخ العلوم العام‪.‬‬
‫وأن هذه املكانة يجب أن تق ّيم كمكانة خالقة استمرت ما يقرب من مثامنائة سنة‪ ،‬وأنه ابتدئ برتجمة الكتب العربية إىل الالتينية‬
‫وإىل لغات أوربية أخرى يف القرن الرابع الهجري أي العارش امليالدي‪ ،‬واستمر ذلك إىل القرن التاسع الهجري أي الخامس عرش امليالدي‪،‬‬
‫وأث ّر يف أوربا‪.‬‬

‫أيها املستمعون الكرام‪،‬‬


‫إنني أظن أن هذه األفكار التي ألقيتها عليكم بكل اختصار تقود يف أذهان بعضكم إىل التساؤل ملاذا مل تؤد الحقائق التي تبينت بفضل‬
‫مساعي املستعربني واملسترشقني إىل التفكري بأن العلوم العربية قد أثرت يف أوربا وملاذا مل يتسع هذا التفكري عند املثقفني كام بنبغي‬
‫وملاذا مل يصل إىل الكتب املدرسية يف العامل اإلسالمي ويف أوربا؟‬

‫‪3‬‬ ‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 3‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫إن هذا الواقع ميكن أن يُرجع إىل سبنب‪ ،‬أولهام أنه ققد ظهر يف زمن مبكر مثل القرن الرابع عرش امليالدي والخامس عرش امليالدي‬
‫تيار معاداة للعربية يف أوربا واستمر عىل مدى قرون عدة‪ .‬والسبب الثاين املحتمل هو ظهور تصور ملا يسمى بعرص “النهضة” مبعنى‬
‫البعث الجديد الذي أخذ يظهر يف القرن الثالث عرش امليالدي والرابع عرش امليالدي واشتد يف القرن الخامس عرش امليالدي والسادس‬
‫عرش امليالدي أكرث من ذي قبل وكان هذا سبب سيطرة فكرة ربط النهضة املشاهدة يف أوربا برتجمة الكتب اإلغريقية إىل الالتينية‪ .‬إن‬
‫هذا املصطلح الذي تركز حسب تخميننا يف القرن الثامن عرش امليالدي ال يعرف واضعه وال وقت وضعه‪ .‬ومن الغريب أن هذا النري‬
‫الذي تسلط عىل أعناق الناس يف أوربا ما لبث أن انترش تسلطه عل البرش يف العامل اإلسالمي كله‪.‬‬

‫إنني ال أعرف هل استطاع أي مؤلف ألي كتاب يف تاريخ العلوم أن ينقذ نفسه من مثل هذا الرأي العنيد‪ .‬فمعرفتنا اليوم أن العامل‬
‫اإلسالمي قد أسهم يف تاريخ العلوم بشئ أو بأشياء كثرية ندين بها لجهود املسترشقني‪.‬‬

‫هناك واقع أن مساعي املسترشقني التزال غري متطورة مبا يكفي للتوصل إىل جواب صحيح أو إىل تأجيل الجواب عن السؤال ما هي‬
‫املكانة الحقيقية للعلوم اإلسالمية أو لفرع من فروعها يف تاريخ العلوم العام‪ .‬إنني مل أتجنب عن إبداء هذه الجرأة‪ .‬فاآلن سأحاول‬
‫أن أبني مكانة املسلمني العظيمة يف تاريخ الجغرافيا والتي غابت عن األنظار عامة‪.‬‬

‫أيها املستمعون الكرام‪،‬‬


‫إن علم الجغرافيا مجال قد اشتغل فيه املسترشقون جيدا ً جدا ً‪ .‬ولقد جمعنا أعاملهم يف معهدنا يف فرانكفورت من دراسات وتحقيقات‬
‫وترجامت ونرشناها يف ‪ ٣٢٨‬مجلدا ً ‪ .‬إن دراساتهم مكنت من نشأة عملني جبارين يف القرن العرشين‪ .‬فاملسترشق الرويس إجناس‬
‫كراتشوفسيك ألف كتابه الهائل يف تراث الجغرافيا العربية الذي نُرش سنة ‪١٩٥٧‬م‪ .‬والثاين هو الجغرفيا البرشية للعامل اإلسالمي إىل‬
‫أواسط القرن الحادي عرش امليالدي يف أربعة مجلدات للعامل الفرنساوي آندره ميكل الذي تربطني به صداقة قوية‪ .‬قد تم طبع الكتاب‬
‫سنة ‪١٩٨٠‬م‪.‬‬
‫إن هذين الكتابني يوقفاننا أمام تصورين عظيمني للجغرافيني املسلمني‪ ،‬وإنني شاهدت يف كليهام إعجاباً عظيام بعمل الجغرافيني‬
‫املسلمني الذين أخذا عىل عاتقهام دراستهم‪ .‬فهذا ال يختفي وال يف أي صفحة يف كتابيهام‪ .‬كان املجال الذي درساه هو الجغرافيا‬
‫البرشية إال أن كراتشوفسيك يذكر شيئا ما عن درجات األطوال والعروض من حني إىل حني‪ .‬فنتيجة لذلك تج ّنبا تحمل املسؤولية عن‬
‫وضع السؤال وجوابه‪ :‬ما هي مكانة الجغرافيا اإلسالمية يف تاريخ العلوم العام يف العامل‪.‬‬

‫إنني قد ابتدأت بتأليف فرع الجغرافيا كاملجلد العارش من كتايب “تاريخ الرتاث العريب” (باألملانية) سنة ‪١٩٨٤‬م‪ .‬لقد كان متوفرا ً يل‬
‫كمصادر الكتابان املذكوران لكراتشوفسيك وميكل ودراسات أخرى للمسترشقني كررنا طبعها يف معهدنا وعدة مئات من ميكروفيلامت‬
‫مخطوطات من مكتبات العامل‪.‬‬

‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬ ‫‪4‬‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 4‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫لقد كان حظاً كبريا ً ملرشوعي أن تيرس يل يف سنة ‪١٩٨٤‬م‪ ،‬أي يف السنة‬
‫التي ابتدأت فيها بتأليف فرع الجغرافيا‪ ،‬العثور يف موسوعة ابن فضل‬
‫االله العمري “مسالك األبصار يف ماملك األمصار” عىل خريطة العامل‬
‫التي صنعها مجموعة كبرية من الجغرافيني والفلكيني للخليفة املأمون‬
‫العبايس يف أوائل القرن الثالث الهجري‪ .‬لقد كان من املعروف أن مثل‬
‫هذه الخريطة صنعت ولكنها كانت تعترب مفقودة منذ عهد قديم‪ .‬إن‬
‫النسخة التي وصلت إلينا مؤرخة يف سنة ‪٧٤١‬هـ أي ‪١٣٤٠‬م فإنها من‬
‫حصيلة املستنسخات املتعددة (شكل ‪ .)١‬ومن حسن الحظ كذلك أنه‬
‫شكل ‪١‬‬ ‫قد وصل إلينا كتاب أليب عبد االله الخوارزمي يف وصف نفس الخريطة‬
‫مع جداول ملا يقرب من ثالثة آالف من درجات األطوال والعروض‬
‫املأخوذة من الخريطة فيتمكن املرؤ من إعادة رسمها إن شاء‪ .‬أما مؤلف‬
‫كتاب الخوارزمي فقد كان أحد العلامء الذين كانوا قد أسهموا يف إعداد‬
‫الخريطة‪ .‬فهذا الكتاب ميكننا من إعادة صنع الخريطة كاملة (شكل ‪.)٢‬‬
‫ينبغي أن أشري إىل واقع أن املسلمني مل يبتدأوا يف صنع تلك الخريطة‬
‫من نقطة الصفر‪ .‬إن البابليني واملرصيني القدماء صنعوا خريطة للعامل‪.‬‬
‫وكان املسلمون يعرفون كتاب بطلميوس يف صنع الخرائط برتجمته‬
‫العريية‪ ،‬وهم كانوا يعرفون خريطة صورة األرض ملارينوس اإلغريقي‬
‫الذي عاش نحو ‪ ٥٠‬سنة قبل بطلميوس‪ .‬ففي اعتقاد كثري من العلامء‬
‫شكل ‪2‬‬ ‫مل يكن لبطلميوس خريطة وإنني أشاركهم هذا الرأي‪ .‬فهو كام يشري يف‬
‫كتابه الذي وصل إلينا يف األصل اإلغريقي قام بتصغري درجات األطوال‬
‫ملارينوس التي كانت تحتوي عىل مبالغات‪ .‬ولعيل أذكر هنا أن تغيريات‬
‫بطلميوس كانت ال تستند إىل قياسات فلكية بل عىل تخمينات كام يذكر‬
‫هو يف كتابه‪ .‬إن القياس الفليك الوحيد لدرجات األطوال يف كتابه قد‬
‫جرى قبله‪ ،‬وكان يتعلق بفرق الطول بني قرطاجنة (تونس) وبني أربيل‪،‬‬
‫وقد كان فيه خطأ مقداره ‪. ْ ١١‬‬
‫أما الخريطة التي تنسب إىل بطلميوس فقد صنعها القسيس ماكسيموس‬
‫بالنودس يف القرن الثالث عرش امليالدي بناء عىل كتاب بطلميوس‪ .‬ففي‬
‫شكل ‪3‬‬ ‫تخميني أنهه ملهم يف عمله بخريطة الخليفة املأمون (شكل ‪.)٣‬‬

‫‪5‬‬ ‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 5‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫بعض خصائص هامة لخريطة املأمون‪:‬‬
‫‪ )١‬هذه الخريطة تستند عىل منحنيات درجات األطوال ودوائر العروض املتوازية‪.‬‬
‫‪ ) ٢‬ت ُقصرّ طول البحر األبيض املتوسط من ْ‪( ٦٣‬كام عند بطلميوس) إىل ْ‪.٥٢‬‬
‫‪ )٣‬إن البحر املحيط يحيط فيها بالقارات وال تحيط القارات بالبحر‪ .‬فبالنتيجة ال يبقى األقيانوس األطليس واألقيانوس الهندي‬
‫كبحريتني كبريتني مثلام كان عند بطلميوس‪.‬‬
‫‪ )٤‬الطريق إىل آسيا باإلبحار حول جنوب إفريقيا‪.‬‬

‫إن السعي وراء قياس درجات األطوال والعروض للربع املسكون من األرض‬
‫كان ينترش انتشارا ً هائالً بعد إكامل خريطة املأمون‪ .‬وكان املسلمون‬
‫يحسبون درجات األطوال مثل اإلغريق مبتدئني بجزر السعادات يف‬
‫الغرب يف األقيانوس األطليس‪ .‬إن الرسعة الهائلة يف استخراج درجات‬
‫األطوال والعروض قادتهم إىل تصحيح طول البحر األبيض املتوسط إىل ‪٤٤‬‬
‫شكل ‪4‬‬ ‫أو ‪ ٤٥‬درجة‪ ،‬واضطرتهم إىل أن ينقلوا مبدأ درجات األطوال إىل ْ‪ ١٧‬و َ‪٣٠‬‬
‫إىل الغرب يف األقيانوس األطليس‪ ،‬وبحسب حسابهم عىل أساس ْ‪ ٢٨‬و َ‪٣٠‬‬
‫لطول طليطلة من املبدأ (شكل ‪ .)٤‬لقد كان من النتائج الهامة يف تصحيح خريطة العامل أنه نشأت يف القرن السابع الهجري أي الثالث‬
‫عرش امليالدي خرائط جديدة للبحر املتوسط ال يختلف شكلها عن شكل الخرائط الحديثة كثريا ً‪( .‬شكل ‪٤‬أ‪٤ ،‬ب)‬

‫شكل ‪4‬ب‬ ‫شكل ‪4‬أ‬

‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬ ‫‪6‬‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 6‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫لقد وصلت هذه الخرائط بعد مدة قصرية إىل أوربا فقلدوها وسيطر يف تاريخ الجغر افيا الزعم بأن العرب أخذوها من األوروبيني‪.‬‬
‫وهناك واقع آخر وهو أن البحر املتوسط قد أصبح يف القرن الثالث والرابع الهجريني أي التاسع والعارش امليالديني تقريباً بحرية عربية‬
‫سياسياً‪ .‬لقد بني كل من الجغرايف البولندي ت‪ .‬لويجيك مستندا ً إىل مصادر عربية‪ ،‬واألملاين أكهارد أيكهوف استنادا ً إىل مصادر التينية‬
‫هذا الواقع بكل وضوح‪ .‬فأكتفي هنا مبثالني‪:‬‬
‫إن سواحل جنوب فرنسا من مارسيليه إىل نيس كانت‬
‫منذ سنة ‪٨٩١‬م إىل ‪٩٧٣‬م تحت حكم العرب‪ .‬إنهم‬
‫هاجموا روما واحتلوا الفاتيكان سنة ‪٨٤٦‬م وأخذوا بعد‬
‫ذلك مدناً أخرى ثم تركوا إيطاليا بعد مدة (تاريخ الرتاث‬
‫العريب‪ ،‬األصل األملاين‪ ،‬ج‪ ،١١‬ص ‪.)١١ ،٨‬‬
‫بحسب رواية اليعقويب املؤرخ والجغرايف يف القرن الثالث‬
‫الهجري كان العرب يركبون البحر يف مدينة ماسة عىل‬
‫ساحل املغرب يف املراكب الخيطية التي كانت تصنع‬
‫باألبلة (قرب البرصة) ويسافرون إىل الصني‪ .‬إن هذا‬
‫الخرب هو ليس الوحيد حول إبحار السفن حول جنوب‬
‫شكل ‪5‬‬
‫إفريقيا‪( .‬شكل ‪.)٥‬‬

‫إن السعي يف توسعة املعرفة عن درجات األطوال والعروض يف وسط العامل اإلسالمي ورشقه اشتد اشتدادا ً عظيامً‪ ،‬وكانوا يحاولون‬
‫االستعانة باستعامل املثلثات الكروية يف هذا األمر‪ .‬إن ثالثة من أساتذة البريوين وهم أبو الوفاء البوزجاين وأبو جامد الخجندي وأبو‬
‫نرص بن عراق قد أعلنوا يف نفس الوقت تقريبا أنهم اكتشفوا حساب املثلث الكروي‪ .‬وقد استطاع البريوين استنادا ً عىل اكتشافات‬
‫أساتذته املذكورين أن يؤسس حساب املثلثات الكروية‬
‫كفرع علمي مستقل (انظر تاريخ الرتاث العريب‪ ،‬األصل‬
‫األملاين‪ ،‬ج‪ ،١٠‬ص ‪.)١٥٢‬‬

‫حتى ذلك الوقت كان استخراج درجات األطوال يتم‬


‫عىل أساس ثبت فرق الزمن الذي يكون يف رصد خسوف‬
‫القمر يف مكانني يف نفس اآلن (شكل ‪ .)٦‬إن هذه‬
‫الطريقة التي كان منشأها عند اإلغريق والهنود والفرس‬
‫كانت تتسبب يف أغالط كثرية‪ .‬فقد استعمل البريوين يف‬
‫شكل ‪6‬‬ ‫حساب درجات األطوال ما يقرب من ‪ ٤٠‬مكاناً بني غزنة‬
‫‪7‬‬ ‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 7‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫وبغداد‪ .‬فقام مع مساعديه باستخدام آالته ونصف كرة صنعها‬
‫بنفسه لضبط نتائج أرصاده عليها‪ ،‬وهذا كله يف مسافة يبلغ‬
‫طولها أكرث من أربعة آالف كيلومرت ذهاباً وإياباً (شكل ‪ .)٧‬لقد‬
‫استغرق هذا العمل سنتني كاملتني‪ .‬رمبا يجوز أن نقدر أن هذا‬
‫العمل هو من أهم املحاوالت القدمية يف طريق الوصول إىل‬
‫معرفة صورة األرض‪ .‬فإن قارنّا قياسات درجات األطوال التي‬
‫توصل إليها البريوين بتلك املعروفة يف أيامنا الحالية ال نجد‬
‫اختالفاً إال ببعض دقائق ال تصل إىل درجة واحدة‪.‬‬

‫يروي لنا البريوين بهذه املناسبة شيئاً مهامً ولطيفاً وهو أن زرين‬
‫بنت األمري شمس املعايل طلبت من ابن سينا أن يقيس لها الفرق‬
‫بني درجتي الطول لجرجان ولبغداد‪ .‬فبناء عىل أن ابن سينا كان‬
‫ال يتوقع خسوف القمر قريباً حسب الفرق املطلوب عىل أساس‬
‫شكل ‪7‬‬ ‫ارتفاع القمر يف دائرة نصف النهار فوجد الفرق بني املكانني‬
‫مثاين درجات‪ .‬ويجد البريوين أن طريق ابن سينا صحيحاً مبدئياً‬
‫ولكنه ليس حذرا ً‪ .‬أما البريوين فقد استعمل يف استخراج درجات‬
‫األطوال بني بلدين منهجاً جديدا ً‪ ،‬حيث كان يقيس درجة ارتفاع‬
‫البلدين بأحد املناهج الفلكية العديدة وميسح املسافة بينهام‪،‬‬
‫ثم يحسب بقواعد املثلثات الكروية الفكلية العديدة فرق‬
‫الزاوية التي بينهام فهذا كان هو املطلوب‪( .‬شكل ‪)٨‬‬
‫لقد وجد املسلمون منهجني آخرين لحساب درجة األطوال يف‬
‫القرون التالية‪ .‬لقد كان عدد أنواع القياسات لدرجات العروض‬
‫يزيد عىل عرشة يف القرن الرابع الهجري‪.‬‬
‫إن كتاب البريوين الذي ألفه يف هذا املوضوع «تحديد نهايات‬
‫األماكن لتصحيح مسافات املساكن» يُظهره يف تاريخ العلوم‬
‫شكل ‪8‬‬
‫كمؤسس الجغرافيا الرياضية‪.‬‬

‫لقد ذكرت فيام قبل أن املسلمني قد وصلوا يف القسم الغريب من العامل اإلسالمي إىل تصحيح عظيم بخصوص حساب درجات األطوال‬
‫واضطروا أن ينقلوا مبدأ درجات األطوال إىل ْ‪ ١٧‬و َ‪ ٣٠‬إىل الغرب يف األقيانوس األطليس‪ ،‬وقد نشأت بذلك خطورة وجود نوعني مختلفني‬
‫من الخرائط يف أيادي الناس‪ .‬ويف مدينة مراغة يف غرب آسيا التي أسس فيها هوالكو خان حفيد جنكيز خان مبساعدة الفلكيني‬
‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬ ‫‪8‬‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 8‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫املسلمني دار الرصد الكبرية برئاسة نصري الدين الطويس حواىل سنة ‪١٢٦٥‬م‪ ،‬كان من بني أهم القضايا ألولئك الفلكيني أن يوسعوا عمل‬
‫البريوين املتعلق بدرجات األطوال والعروض الذي قام به البريوين قبلهم بأكرث من مئتي عام‪ .‬ومن هنا رأوا من واجبهم أن يوحدوا ما‬
‫وصل إليه أسالفهم من درجات األطوال يف غرب العامل اإلسالمي مع ما يف رشق العامل اإلسالمي‪ ،‬ونتيجة لهذا التوحيد أصبح مثالً طول‬
‫استانبول كان سابقاً َ‪ ٤٩ْ ٣٠‬أصبح َ‪ ،٥٩ْ ٣٠‬طول القاهرة سابقاً َ‪ ٥٩ْ ٤٠‬أصبح َ‪ ٦٣ْ ٢٠‬وطول مكة سابقاً َ‪ ٦٧ْ ٠٠‬أصبح َ‪،٧٧ْ ١٣‬‬
‫وطول بغداد سابقاً َ‪ ٧٠ْ ٠٠‬أصبح َ‪.٨٠ْ ٠٠‬‬

‫إن هذا التصحيح اتسع يف األناضول يف القرن الرابع عرش امليالدي قبل فتح استانبول‪ ،‬ويف إيران ويف بعض البلدان العربية‪ .‬ومل يجد‬
‫القبول يف استانبول وسواحل البحر األسود الجنوبية بعد أن فتحها العثامنيون‪.‬‬
‫يف قضية توسع الجغرافيا الرياضية يف آسيا ال يسعني إال أن أذكر بعض الحقائق الهامة‪ ،‬منها وصول معرفة الجغرافيا الرياضية‬
‫والخرائط اإلسالمية إىل الصني التي كان علم الجغرافيا فيها من أضعف العلوم عامة‪ .‬وكان هذا حال علم الجغرافيا إىل أن حكم‬
‫قوبالي خان حفيد جنكيز خان يف منغوليا‪ .‬فأُرسل إىل قوبالي خان ستة آالت فلكية وكرة لألرض مع جغرايف اسمه عبد الرحمن كام‬
‫يذكر مؤرخ معروف يف الصني يف عهدهام‪ .‬ويذكر أسامء اآلالت الفلكية باللغة العربية ويصف كرة األرض بأنها مصنوعة من الخشب‬
‫واألقسام السبعة فيها تدل عىل البحار فأما القسم الذي يظهر القارات مع البحريات واألنهار فهو بلون فاتح‪ ،‬واملربعات (يقصد‬
‫املنحنيات التي تقطع بعضها بعضاً لتشكل مربعات) تفيد لحساب أطوال األنهار ومساحات البلدان‪ .‬أما عبد الرحمن الذي حمل معه‬
‫اآلالت إىل قوبالي خان فقد ألف له جغرافيا الصني (تاريخ الرتاث العريب‪ ،‬األصل األملاين‪ ،‬ج‪ ،١٠‬ص ‪.)٣١٢‬‬

‫فمن الحقائق التاريخية أنه نشأ يف الصني منذ ‪١٣١١‬م و ‪١٣٢٠‬م‬


‫نوع جديد من الخرائط مستندا ً إىل الكرة األرضية سالفة الذكر‪.‬‬
‫هناك خريطة وصلت إلينا يف يومنا هذا من سنة ‪١٥٤١‬م ذات‬
‫أهمية بالغة مع أنها مل تستنتج أصولها صحيحة كام يجب (شكل‬
‫‪ .)٩‬وهي تحتوي تصوير إفريقيا عىل شكل مثلث وأيضاً تصوير‬
‫أوربا‪ .‬إن العاملني املختصني بالصني َوالْرت فوكس األملاين و جوزف‬
‫نيدهام اإلنكليزي قد وصال يف دراسة الخريطة إىل أن إفريقيا‬
‫تحتوي فيها عىل مائة اسم مدينة بتسمياتها العربية وأروبا عىل‬
‫خمس وثالثني مدينة بتسمياتها العربية كذلك‪ .‬لقد وصل األستاذ‬
‫فوكس املذكور بعد دراسته لهذه الخريطة إىل حكم عام مهم‬
‫جدا ً بخصوص الخرائط العربية فقال‪“ :‬لقد حصل عندي يقني‬
‫ليس فقط بأن مرياث العرب الخرائطي مل يُنقَل إلينا كام ينبغي‪،‬‬
‫شكل ‪9‬‬ ‫بل إن نتائجهم مل تنعكس عندنا” (نفس املصدر‪ ،‬ص ‪.)٣٢٤‬‬

‫‪9‬‬ ‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 9‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫مبناسبة الكالم حول آسيا أود أن أتحدث عن‬
‫خريطتني مهمتني آلسيا عالجتهام يف كتايب بكل‬
‫تفصيل‪ .‬إنهام تصوران شامل ووسط آسيا‪،‬‬
‫إحداهام ترجع إىل وضع شامل ووسط آسيا‬
‫يف زمن استيالء املغول عليه يف القرن السابع‬
‫الهجري أي الثالث عرش امليالدي‪ ،‬وثانيتهام‬
‫ترجع إىل القرن العارش الهجري أي السادس‬
‫عرش امليالدي (شكل ‪.)١١ ،١٠‬‬
‫إن هاتني الخريطتني كانتا محفوظتني يف كتاب‬
‫“شجرة األتراك” للمؤرخ أيب الغازي بهادر خان‬
‫(تويف ‪١٠٧٤‬هـ)‪ .‬وصل الكتاب مع الخريطتني‬
‫من أوزبكستان إىل مدينة توبولسك يف شامل‬
‫شكل ‪10‬‬
‫سيربيا إىل أحد رجال الدين املسلمني هناك‪.‬‬
‫اكتشف هذا الكتاب أحد الضباط السويدين‬
‫واسمه ف‪ .‬يوهان سرتال ْنبريج‪ ،‬الذي أَسرَ ه الروس‬
‫سنة ‪١٧١٠‬م وأُرسل إىل السجن يف مدينة‬
‫توبولسك‪ .‬لقد وجد الكتاب مع الخريطتني‬
‫هناك فرتجمها مع آخرين إىل األملانية وترجمها‬
‫أحد األرسى اآلخرين إىل الفرنسية‪ .‬فطبعت يف‬
‫مدينة اليْدن يف هوالندا سنة ‪١٧٢٦‬م‪ .‬لقد بقيت‬
‫هذه الحقيقة بعيدة عن أنظار مؤرخي الخرائط‪.‬‬

‫فسأعرض عليكم بعض النقاط املهمة من دراستي‬


‫التي استغرقت زمناً غري قصري (انظر تاريخ الرتاث‬
‫العريب‪ ،‬األصل األملاين‪ ،‬ج‪ ،١٠‬ص ‪.)٣٩٦-٣٧٦‬‬
‫شكل ‪11‬‬
‫إن الخريطتني تقومان عىل أساس مبدأ الطول املار بجزر السعادات مثل خريطة الخليفة املأمون‪ .‬فعىل هذا األساس تكون درجة طول‬
‫بغداد مثلام يف خريطة املأمون أي ‪ ٧٠‬درجة‪ .‬وهناك عدة أسامء بلغة األتراك القدمية‪ ،‬مثال ًيسمى البحر املحيط الشاميل والرشقي‬
‫آزوخ زنكيز‪ ،‬مبعنى البحر الخطري‪ ،‬فلم يستطع املرتجمون أن يفهموها‪.‬‬

‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬ ‫‪10‬‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 10‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫اليشء الذي يحريين خاصة هو أن درجات األطوال والعروض ملصبات األنهر األربعة آلسيا الشاملية يف البحر املحيط الشاميل تنطبق إىل‬
‫حد بعيد مع القيم املعروفة يف وقتنا هذا (انظر تاريخ الرتاث العريب‪ ،‬األصل األملاين‪ ،‬ج‪ ،١٠‬ص ‪.)٣٩٢‬‬

‫بالنسبة لبحر الخزر وللبحر األسود والبحريات املصورة يف الخريطتني فال تبعد تصاوير أشكالها ومواصفاتها الكرتوغرافية‪ ،‬أي درجات‬
‫أطوالها وعروضها‪ ،‬عن الخرائط الحديثة بعدا ً كبريا ً وال تختلف عنها إال قليالً‪.‬‬

‫من أهم ما رأيته يف الخريطتني خريطة لليابان‪ .‬وهي ليست تصويرا ً ممتازا لكنها تعطي انطباعاً أن شكل هذا البلد ووضعه العام كان‬
‫معروفاً للخرائطيني املسلمني قبل القرن الثامن الهجري أي الرابع عرش امليالدي‪ .‬يف الحقيقة كان الجغرافيون يذكرون اليابان حتى يف‬
‫القرن الثالث والرابع الهجري وبعده‪ ،‬أما شكلها الخرائطي فكان غري معروف وال يظهر قبل هاتني الخريطتني‪ .‬فبكل إجامل إن هاتني‬
‫الخريطتني تبينان لنا خصوصاً أن جغرافيا آسيا الشاملية قد وصلت قبل نهاية القرن الثامن الهجري أي الرابع عرش امليالدي إىل مستوى‬
‫عال جدا ً يف إطار الجغرافيا اإلسالمية‪.‬‬

‫فأما ما يتعلق بجنوب آسيا الذي مل يكن موضوع الخريطتني املذكورتني فأقول هنا دون التعرض للتفاصيل بـأن تصاوير سواحل وجزر‬
‫األقيانوس الهندي كانت تقرتب من الصحة بدرجة عالية جدا ً‪ .‬إن معرفة البحر واإلبحار التي أخذت تتطور منذ القرن الثاين الهجري أي‬
‫الثامن امليالدي قد وصلت يف القرن الخامس عرش امليالدي إىل مستوى رفيع جدا ً‪ .‬إن املعارف واملناهج التي طورها املسلمون كانت تدهش‬
‫البحارين الربتغاليني وغريهم حينام وصلوا يف القرن السادس عرش امليالدي إىل األقيانوس الهندي‪ .‬أذكر هنا مثاالً واحدا ً وهو أن منهجهم‬
‫الذي طوروه يف حساب املسافات يف األقيانوس‪ ،‬مثالً بني سواحل إفريقا الرشقية وسومطره كان ميكنهم من الوصول إىل نتائج بأغالط بعض‬
‫كيلومرتات محدودة‪ .‬إن مثل هذا الحساب مل يكن ممكنا عند األوربيني إال يف النصف األول من القرن العرشين‪( .‬شكل ‪. )١2‬‬

‫شكل ‪12‬‬

‫‪11‬‬ ‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 11‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫إن الجغرايف اإليطايل ليفيو سانوتو كان يكتب يف كتابه سنة ‪ ١٥٨٨‬أن العرب كانوا يبحرون من زنجبار ويتجاوزون رأس الرجاء الصالح‬
‫ويتجهون إىل القارة الجنوبية (تاريخ الرتاث العريب‪ ،‬األصل األملاين‪ ،‬ج‪ ،١١‬ص ‪ .)١٨٤‬أضيف يف هذا الخصوص أن بعض العلامء األوربيني‬
‫قد وصلوا إىل االعتقاد بأن العرب كانوا يعرفون أسرتاليا (تاريخ الرتاث العريب‪ ،‬األصل األملاين‪ ،‬ج‪ ،١١‬ص ‪. )٤٩٠ ،٢٢٣‬‬

‫إنه واقع معروف أن املسلمني أخذوا منذ النصف األول من القرن‬


‫الرابع الهجري أي العارش امليالدي يحاولون أن يصلوا إىل رشق آسيا‬
‫بواسطة املحيط األطليس من موانئ الربتغال‪ ،‬وكرروا هذه املحاوالت‬
‫مرارا ً وحاولوا أيضاً أن يبحروا منذ القرن الثاين عرشو الثالث عرش‬
‫امليالديني من سواحل إفريقيا ومن املحيط الهندي‪ .‬لكننا ال نعرف‬
‫هل استطاعوا أن يرجعوا أو كم مرة رجعوا‪ .‬أما الواقع أنهم نجحوا‬
‫يف الوصول إىل القارة التي سميت فيام بعد أمريكا وبقوا هناك مدة‬
‫وكرروا إبحارهم إىل هناك فال شك عندي فيه‪ .‬إن سبب حكمي‬
‫هذا هو وجود بعض الخرائط التي وصلت إلينا‪ .‬هذه الخرائط هي‬
‫خريطة بريي رئيس البحار العثامين (شكل ‪ ،)١٣‬والخريطة الجاوئية‬
‫(شكل ‪ )١٤‬وخريطة ماجالن (شكل ‪ .)١٥‬إنني عالجت هذا املوضوع‬
‫شكل ‪13‬‬ ‫يف املجلد الثالث عرش من كتايب “تاريخ الرتاث العريب” وقد نرشت‬
‫هذا البحث يف كتيب خاص‪.‬‬

‫شكل ‪15‬‬ ‫شكل ‪14‬‬

‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬ ‫‪12‬‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 12‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫أكرر هنا فقط الرأي أنه برصف النظر عن أدلة أخرى فإن وضع الخريطتني األوىل والثانية مام أرشت إليه اآلن يدل أنه عمل بيئة‬
‫كانت قادرة عىل استخراج درجات األطوال الصحيحة يف القرون الوسطى وما يليها لفرتة ما‪ .‬إن البيئة الوحيدة التي كانت متتلك هذه‬
‫املقدرة هي العامل اإلسالمي‪.‬‬

‫فأما موضوع وصول الجغرافيا الرياضية وعلم الخرائط اللذين تطورا يف العامل اإلسالمي تطورا ً مستمرا ً إىل أوربا فقد عالجته يف‬
‫املجلدات ‪ ١٣ ،١٢ ،١١‬من كتايب “تاريخ الرتاث العريب” بصورة مفصلة‪ .‬إننى سأقدم إليكم يف اإلطار الضيق ملحارضيت هذه بعض النقاط‬
‫التي أعتربها مهمة‪:‬‬

‫منذ القرن الرابع أي الهجري أي العارش امليالدي ا ُب ِتدئ برتجمة الكتب العربية يف علم الرياضيات والفلك والطب والفيزياء والكيمياء‬
‫وغريها‪ ،‬والتي كانت تتطور منذ ما يقرب من قرنني يف العامل األسالمي إىل الالتينية‪ .‬لقد استمرت عملية األخذ والتمثل ما يقرب من‬
‫خمسائة عام‪ .‬فمن الغرائب أنه تأخر االعتناء برتجمة كتب الجغرافيا حتى القرن السادس عرش امليالدي وهذه العملية اقترصت‬
‫كذلك عىل بعض كتب قليلة‪ .‬أما ترجامت جداول درجات األطوال والعروض إىل الالتنينية ونقول الخرائط فقد ابتدأت يف القرن الثاين‬
‫والثالث عرش امليالدي‪.‬‬
‫إنه تيرس يل أن أدرس ما يقرب من ‪ ٨٠‬جدوالً لدرجات األطوال بالالتينية محفوظة يف مكتبات العامل‪ ،‬وبينت خصائصها يف املجلد‬
‫العارش من كتايب (تاريخ الرتاث العريب‪ ،‬األصل األملاين‪،‬ج ‪ ،١٠‬ص ‪ .)٢٦٩ ،٢٠٥‬لقد ثبت أن عدة جداول هي ترجامت ألصول عربية‬
‫وأن جداول أخرى مركبة من أصول عربية غري متجانسة‪ .‬فبرصف النظر عن الواقع أنه من غري املمكن أن تعمل أي خريطة بناء عىل‬
‫تلك الجداول‪ ،‬فلم يعمل فعالً أية خريطة هامة يف أوربا استنادا ً إىل درجات األطوال والعروض كحصيلة قياسات صحيحة إىل القرن‬
‫الثامن عرش امليالدي‪ .‬حينام كان األوروبيون يعملون جداول كثرية مستندين إىل ما وصل إليهم من جداول عربية أحرض جيوم بوستل‬
‫الفرنيس (‪ )Guillaume Postel‬نسخة من كتاب تقويم البلدان للجغرايف العريب أيب الفداء (تويف ‪٧٣٢‬هـ‪١٣٣١/‬م) من استانبول‪ .‬وكان‬
‫بوستل قد أرسل ليعمل مبرشا ً إىل بعض البلدان العربية‪ .‬إن هذا الكتاب الضخم يجمع عددا ً كبريا ً من الجداول العربية‪ ،‬وكان مفيدا ً‬
‫جدا ً حيث إنه كان فهرساً مقارناً لعدة جداول وميكننا من مشاهدة تطور الجداول الجغرافية قبل القرن السابع الهجري لكنه ينقصه‬
‫نتائج التصححيات التي تحققت بواسطة األرصاد التي أجريت يف غرب العامل اإلسالمي وأدت إىل نقل مبدأ درجات األطوال إىل ْ‪١٧‬‬
‫و َ‪ ٣٠‬إىل الغرب يف األقيانوس األطليس كام سبق ذكره‪ .‬فبتعبري آخر فإن هذا الكتاب يحتوى درجات األطوال التي ضاعت مرجعيتها‬
‫يف العامل األسالمي‪ .‬فلألسف كان األوربيون ال يعرفون هذا بالرغم من أن الرتجمة الالتينية للصحيفة الزرقالية أليب إسحاق الزرقايل‬
‫(يف القرن الخامس الهجري) تذكره ويذكره أيضاً العامل الشهري روجر باكون (القرن ‪١٣‬م)‪ .‬إن الجغرايف اإلنكليزي جون دي كان يصف‬
‫مجئ هذا الكتاب إىل أوربا بأنه «إرشاق إلهي يف زماننا»‪ .‬وهناك عامل إنكليزي آخر أرسل بعض الناس إىل سوريا ليحرضوا له نسخة‬
‫الكتاب هناك أو من العراق أو من إيران‪ .‬يف ذلك الزمن كان يجري يف لندن نقاش حول السؤال هل ميكن الوصول إىل الصني بواسطة‬
‫اإلبحار من شامل أوربا وآسيا‪ .‬لقد أدهش الناس البيان اإليجايب الواضح يف هذا األمر يف كتاب أيب الفداء (تاريخ الرتاث العريب‪ ،‬األصل‬
‫األملاين‪ ،‬ج‪ ،١١‬ص ‪.)٨٠‬‬

‫‪13‬‬ ‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 13‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫إن جغرافياً وفلكياً أملانياً هو ڤلهلم ِشكارد (‪ ،Wilhelm Schickard‬تويف سنة ‪١٦٣٤‬م) كان يشغله التفكري أن يصمم خريطة مستندة‬
‫إىل درجات األطوال والعروض الصحيح لقسم كبري من سطح األرض‪ .‬فكتاب أيب الفداء قوى أمل ِشكارد‪ .‬بعد محاوالت عديدة وانتظار‬
‫طويل تيرس له استعارة نسخة أرسلت له من فيينا‪ .‬لقد استطاع ِشكارد أن يرتجم قسامً كبريا ً من الكتاب وأن يرشحه‪ ،‬ولكنه تويف بالوباء‬
‫املتنترش عام ‪١٦٣٤‬م فلم يكمل عمله يف الكتاب‪.‬‬
‫إنني أذكر صباح كل يوم هذا العامل حينام أرى صورته التي علقتها عىل جانب درج املعهد‪ ،‬وأفكر يف واقع أن درجات األطوال‬
‫والعروض يف كتاب أيب الفلداء مل تكن صالحة وال كافية لصنع الخريطة التي كان يتخيلها ِشكارد‪.‬‬

‫سأتكلم االن بكل اختصار عن الخرائط‪:‬‬


‫بعد مدة قصرية من معرفة جغرافيا الخليفة املـأمون يف األندلس زار العامل الرشيف اإلدرييس ملك صقلية النورماين روجر الثاين سنة ‪١١٣٨‬م‪.‬‬
‫لقد رجاه امللك أن يكتب جغرافيا للعامل مع خرائط‪ .‬لقد أنجز اإلدرييس هذا العمل بكتاب ضخم يف جغرافيا العامل وخريطة للعامل عىل طاولة‬
‫فضية كبرية مستديرة مع سبعني خريطة فرعية‪ .‬لقد احتفظ بالكتاب كأحسن جغرافيا أوربا طوال قرون‪ .‬أما خريطة اإلدرييس فاستندت إىل‬
‫حد بعيد إىل خريطة املأمون وتحتوى عىل عنارص جديدة بالنسبة آلسيا‪( .‬شكل ‪)١٦‬‬
‫إن أحسن تقليد لخريطة الخليفة املأمون يحمل اسم برونَتّو التيني (‪ )Brunetto Latini‬الذي كان حياً يف القرن الثالث عرش امليالدي‪/‬‬
‫السابع الهجري (شكل ‪ .)١٧‬يف أواخر نفس القرن وأوائل القرن الذي يليه اخذت تقاليد خرائط البحر املتوسط والبحر األسود تنترش يف أوربا‪.‬‬

‫شكل ‪17‬‬ ‫شكل ‪16‬‬

‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬ ‫‪14‬‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 14‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫وحينام كانت تصل الخرائط التي كانت تعمل يف العامل اإلسالمي يف القرنني الرابع عرش والخامس عرش إىل أوربا ترجمت الخرائط‬
‫التي كانت تحمل اسم بطلميوس يف الربع األول من القرن الخامس عرش إىل الالتينية وطبعت سنة ‪١٤٧٧‬م‪ ،‬وانترشت تلك الخرائط‬
‫مندمجاً فيها أغالط وتغيريات فاحشة‪.‬‬
‫فمن الغرائب أن خرائطياً مثل اإليطايل جاكومو َج ْستَلدي (‪ )Giacomo Gastaldi‬الذي كان قد كرس نفسه سنني طويلة لنرش الخرائط‬
‫البطلميوسية قدم سنة ‪١٥٦٠‬م نوعاً جديدا ً من خرائط آسيا مختلفاً متاماً عام كان يحمل اسم بطلميوس‪ .‬لعل نرش هذه الخريطة قد‬
‫أصبح سبباً لتحيرّ زمالء َج ْستَلدي‪ ،‬حيث إن زميله الشهري أورتِيليوس ( ‪ )Ortelius‬نرش خريطة جديدة آلسيا مستندا ً إىل ما صنعه‬
‫َج ْستَلدي‪ .‬فسجل املالحظة التالية يف الهامش السفيل من خريطته‪« :‬بهذا نقدم للقارئ املهتم عرضاً جديدا ً لشكل آسيا كان ياكوبوس‬
‫جستلدوس ( َج ْستَلدي) ذو األفضال الكبرية يف الجغرافيا قد صنعها تبعاً لتقليد العامل املوسوعي العريب أيب الفداء“ (شكل ‪ .)١٨‬لقد‬
‫علقت تلك الخريطة بعدما يقرب من أربع سنني عىل حائط الرشف للربملان يف ونديك‪.‬‬

‫شكل ‪18‬‬

‫‪15‬‬ ‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 15‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫إن بعض مؤرخي الخرائط الذين ال يعرفون تاريخ الخرائط اعتقدوا فعال أن َج ْستَلدي أخذ خريطة من أيب الفداء‪ .‬أما يف الحقيقية فإن‬
‫أبا الفداء مل يعمل خريطة ومل تكن درجات األطوال والعروض التي يقدمها تكفي لصناعة أي خريطة‪.‬‬
‫إنني أبرز بصورة خاصة أن مرحلة خلط وتشويش الخرائط التي كانت قد ابتدأت بطبع الرتجمة الالتينية لبطلميوس قد كانت سلكت‬
‫طريقاً كان ال ب ّد أن يُرتك بعد ظهور خريطة آسيا سنة ‪١٥٦٠‬م‪ .‬لقد سلك الخرائطيون املشهورون مثل أبراهام أورتِيليوس (‪)Ortelius‬‬
‫ومركاتور (‪ )Mercator‬يف طريقه‪ .‬فقد أصبح ال يُخفى منذ القرن السابع عرش أنهم يأخذون الخرائط من العامل اإلسالمي وكان ال‬
‫يخفون عامة أنها ترجامت من العربية‪ .‬إنني أذكر يف هذا الصدد خريطة إيران ورشق األناضول التي جاء بها األملاين أولياريوس‬
‫(‪ )Olearius‬بعد رجوعه من إيران سنة ‪١٦٣٧‬م (شكل )‪ ،‬وبعض خرائط معارصه الجغرايف الفرنيس نِكوالس سانسون (‪Nicolas‬‬
‫‪( )Sanson‬شكل ‪.)١٩‬‬

‫شكل ‪19‬‬

‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬ ‫‪16‬‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 16‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫لقد تحدثت إىل هنا عن الجغرافيا الرياضية وأنتقل اآلن إىل ذكر الجغرافيا البرشية‪.‬‬

‫إن املسلمني ألفوا كتبهم يف هذا املجال منذ أوائل القرن الثالث الهجري‪/‬التاسع امليالدي‪ .‬والظاهر أنهم مل يستفيدوا من اإلغريق يف‬
‫هذا املجال‪ .‬فمن التطورات الغريبة لتاريخ الجغرافيا أن املسليمن شعروا بامليل املبكر يف النصف الثاين من القرن الثالث الهجري‬
‫إىل التعرف عىل البلدان خارج حدود العامل اإلسالمي‪ .‬فمن املمكن أن هذا التطور الرسيع يرجع إىل تأثري جغرافيا تطورت إىل حد ما‬
‫يف إيران قبيل اإلسالم‪ .‬إن الرسعة املكتسبة يف مجال الجغرافيا وازدياد عدد املشتغلني بالجغرافيا ودعم املجاالت األخرى للعلوم يف‬
‫مستوى عال قد مكنت يف القرن الرابع الهجري‪/‬العارش امليالدي من ظهور شخصيتني من أكرب الشخصيات التي يعرفها تاريخ الجغرافيا‬
‫عىل اإلطالق‪ .‬أحدى هاتني الشخصيتني كان الـ َمقْديس الذي اشتهر يف القرنني األخريين خطأ بالـ ُم َق ّديس‪ .‬عاش من سنة ‪٩٤٦‬م و ‪١٠٠٠‬م‬
‫تقريباً‪ .‬كتب كتابه العظيم الذي كان مثرة رحالته التي بدأها وهو يف سن العرشين ليسجل مشاهداته الخاصة واستمر بها عرشين‬
‫سنة‪ .‬لقد اكتشف املسترشق األملاين آلويس شربنجر ‪ Alois Sprenger‬نسخة خطية من كتاب املقديس يف إحدى مكتبات الهند يف‬
‫أواسط القرن التاسع عرش‪ .‬بعد قرائته للكتاب أخذ يكتب إىل بعض الجغرافيني األملان من الهند ويعرب عن تقديره الكبري للكتاب‪.‬‬
‫فهو يقول يف كتابه ”طرق الربيد والسياحة يف الرشق” سنة ‪١٨٦٤‬م “إن املقديس أعظم جغرافيي العامل‪ .‬فلعله مل يكن شخص آخر مثله‬
‫ارتحل وسجل مشاهداته بنظر حاد كام فعل‪ ،‬واستطاع يف ذات الوقت أن يعالج ما جمعه بشكل منتظم” (تاريخ الرتاث العريب‪ ،‬األصل‬
‫األملاين‪،‬ج ‪ ،١٤‬ص ‪ .)٢٣٧‬وكان مؤرخ الجغرافيا أندريه ميكل ‪ A. Miquel‬الذي درسه دراسة طويلة عميقة وترجم قسامً كبريا ً من‬
‫كتابه إلىى اللغة الفرنسية يرى أن املقديس مؤسس جغرافيا برشية شاملة جديدة (تاريخ الرتاث العريب‪ ،‬األصل األملاين‪،‬ج ‪ ،١٤‬ص ‪.)٢٤٤‬‬

‫إن جغرافياً كبريا ً آخر هو أبو الريحان البريوين‪ ،‬باإلضافة إىل كونه مؤسس الجغرافيا الرياضية يظهر أمامنا بكتابه حول حضارة الهند‬
‫“تحقيق ما للهند” كمؤرخ للعلوم والحضارة منقطع النظري‪ .‬استطاع أن يكتب حول دين وعادات ومعارف بيئة أجنبية مبشاهداته‬
‫الشخصية مبوضوعية يجوز أن تعترب مثالً يف كل العهود البرشية‪ .‬إنه يقول “وليس الكتاب كتاب ِحجاج وجدل حتى استعمل فيه بايراد‬
‫حجج الخصوم ومناقضة الزائغ منهم عن الحق وإمنا هو كتاب حكاية‪ ،‬فأُورِد كالم الهند عىل وجهه وأضيف إليه ما لليونانيني من مثله‬
‫لتعريف املقارنة بينهم‪( ”...‬تحقيق ما للهند‪ ،‬نرش زاخاو‪ ،‬ص ‪.)٤‬‬

‫إنه من غري املمكن أن أحاول هنا أن أبني مكانة املسلمني يف تاريخ الجغرافيا البرشية‪ ،‬فلقد حاولت أن أسجل ما وصلت إليه يف‬
‫املوضوع يف املجلدين الرابع عرش والخامس عرش من كتايب “تاريخ الرتاث العريب”‪ .‬فأضيف هنا بعض كلامت عن ثالثة جغرافيني‬
‫عثامنيني أولهم بريي رئيس‪ ،‬وأبو بكر بن بهرام الدمشقي وأوليا جلبي‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 17‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫إن بريي رئيس الجغرايف العثامين عاش يف القرن الخامس عرش والربع األول من القرن السادس عرش امليالدي وهو مؤلف أحسن وأوسع‬
‫كتاب يف جغرافيا البحر املتوسط‪ .‬إن املسلمني كانوا يعرفون البحر املتوسط منذ القرن األول للهجرة وقد استطاعوا أن يرسموا خرائط‬
‫سواحله وجزره بصورة ممتازة قبل القرن السابع الهجري‪/‬الثالث عرش امليالدي‪ .‬لقد استطاع العثامنيون ومنهم بريي رئيس أن يطوروا‬
‫عمل أسالفهم‪ .‬وإن إحدى ميزات كتاب بريي رئيس أنه اهتم بناحية علم اآلثار البحري‪ .‬أما الخريطة األطلنطية التي وصلت إلينا‬
‫بواسطته فقد كانت خريطة عربية يف األصل وقعت يف أيادي العثامنيني بواسطة اإلسبان برتجمتها اإليطالية‪.‬‬

‫أما أبو بكر بهرام الدمشقي فهو إىل جانب أوليا جلبي‪ ،‬بحسب انطباعي‪ ،‬أحسن جغرايف يعطي لنا أحسن تعريف جغرايف‪-‬برشي‬
‫لألناضول وللجزيرة العربية وإيران‪.‬‬

‫فمعارصه أوليا جلبي يقدم لنا يف كتابه يف عرش مجلدات مواد الجغرافيا البرشية التي جمعها مبشاهداته الخاصة ودراساته يف‬
‫املكتبات أثناء رحالته التي استغرقت أربعني سنة يف آسيا وأروبا وإفريقيا‪.‬‬

‫إن الجغرايف األملاين املعارص هانو باك (‪.)Hanno Beck‬كان يقول يف نقده الذي كتبه سنة‪١٩٥٤‬م لكتاب تحت عنوان تاريخ الجغرافيا‬
‫ألوسكار بَشل‪ :‬إنه كتب مثل آخرين غريه كتاباً يف “تاريخ علم ال يزال ال وجود له”‪ .‬فمن املؤسف أن باك كان ال يعرف كزمالئه‬
‫الكثريين قبله وبعده عن وجود علم الجغرافيا العظيم الذي نشأ يف العامل اإلسالمي وتطور خالل ما يزيد عىل ألف سنة قبله‪.‬‬

‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬ ‫‪18‬‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 18‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


‫‪19‬‬ ‫إسهام المسلمين الجبار غير المعروف إلى يومنا هذا في تاريخ الجغرافيا‬

‫‪KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 19‬‬ ‫‪3/11/15 2:27 AM‬‬


KFL-Mishkat 19X21 Book.indd 20 3/11/15 2:27 AM

You might also like