Professional Documents
Culture Documents
الهجر الجميل
الهجر الجميل
الإنسان كائن إجتماعي بطبعه ،لا ينفك عن عائلة و أصحاب و أحباب .منهم من يتعامل معهم يوميا ومنهم من لا يراه إلا
كل حين و حين .والناس ليسوا على طبع واحد ،فاهلل سبحانه خلقهم من تراب الأرض :منهم السهل ومنهم الصعب ،
منهم قاسي القلب ومنهم لين الطبع ...لا بد وأن كلا منا قابل كثيرا من هؤلاء و هؤلاء خلال دورة حياتنا "القصيرة مهما
طالت" ..قد نعجز أحيانا عن التعامل مع فئات منهم ..
صعب المراس /بيئة العائلة و العمل خصوصا تكتظ بأمثالهم من تلك النوعية الصعبة جدا في التعامل :تراه متجهم
الوجه ،مقطب الجبين ،سليط اللسان ،كثير التذمر ..قد تشعر نحوه بالأسى والحزن أحيانا لشدة ما ترى من معاناته مع
نفسه !! كيف تتعامل معه؟ الهجر الجميل هو سيد الحلول لمثل هذه النوعيات من البشر ..
السكوت و التجاهل وعدم الرد مطلقا .فلا تدافع عن نفسك ولا تنطق بحرف ولا تمعر وجهك ولا تكدر صفوك ..اتركه يزبد
و يرعد ..تخيل أن معه شيطانا يحرضه ،و أنت معك ملك يدافع عنك طالما أنك ساكت ...
روى أبو هريرة رضي هللا عنه أن رجلا شتم أبا بكر رضي هللا عنه والنبي صلى هللا عليه وسلم جالس ..فجعل النبي صلى
هللا عليه وسلم يعجب ويتبسم ،فلما أكثر الرجل رد عليه أبو بكر ،فغضب النبي صلى هللا عليه وسلم وقام من مجلسه،
فلحقه أبو بكر فقال( :يا رسول هللا ،كان يشتمني وأنت جالس ،فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت؟) فقال له ( إنه
كان معك ملك يرد عنك ،فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان ،فلم أكن لأقعد مع الشيطان )
مما يغفل عنه الكثير منا :تذكر ذنب وقع فيه أحدنا ،فكان هذا الشخص عقوبة على ذلك الذنب ..فاحمد هللا أن عقوبتك
ُعجلت في الدنيا ..و بالمقابل فإن من يعتدي عليك ،هو في الحقيقة يعتدي ع نفسه
(ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه) فلا ُتحمل قوله أكثر من مجرد ثرثرة لا تستحق حتى الغضب منها بل الحزن
على صاحبها ..الخرو ج من الغرفة المشحونة ناجع ،و اللجوء إلى الوضوء و ذكر هللا يذهبان عنك الحنق ..لا تبرر و لا تقدم
أعذارا ولا تشر ح ظروفك لمن لا يريد أن يسمع لك أو يعذرك
تذكر قوله ﷺ لمن سأله ( يا رسول هللا لي قرابة أصلهم و يقطعونني ،و أحسن إليهم و يسيؤون إلي ،و أحلم عنهم و
يجهلون علي ) فرد عليه ( إن كنت كما قلت ،فكأنما ُتسفهم المل " الرماد الحار من جهنم" و لا يزال معك عليهم من هللا
حافظ ما دمت على ذلك )
و صنف آخر من البشر يصيبك بالحيرة من أمره و الريبة في مودته ..فلا تستشعر محبته رغم ذوبانك فيه ،ولا رغبة لديه
في لقائك والجلوس معك رغم حاجتك و عدم انشغاله ..هنا لا يصح البتة أن تستجدي عطفه و اهتمامه ..اشغل نفسك
في النافع والمفيد .لن تصيبه سهام حبك إذا كنت تلاحقه بالعتاب و تطالبه بالصراخ واللوم !!! ما العمل إذا ؟ ببساطة
دعه في حاله ..اترك له باب قلبك مفتوحا ليخرج مادام يريد الخروج ..اسأل نفسك ماذا تخسر إن أراد الرحيل ؟ جنة
عرضها السماوات والأرض ؟ رضا ملك الملوك ؟ بالطبع لا ..إنما هو مجرد شخص من عشرات الأشخاص الذين تكتظ بهم
تفاصيل حياتك .فإن اختار البقاء على عتباب الباب ،فتعامل معه باحترام ومودة وصدق وابتسامة ،فقط لا غير ..لكن لا
تتعلق به من دون هللا فتعذب نفسك و تعذبه معك !
الهجر الجميل لا يكون بقطيعة الأرحام و النأي عن الخلان ..الهجر الجميل يكون بالتغافل عن الزلات و الإعراض عن الإساءة
لا لعجزك وإنما لقوة يقينك بأن الحقوق عنده سبحانه محفوظة والكرام الكاتبون يسجلون ..الهجر الجميل لا يصاحبه سوء
ظن ولا حقد على الطرف الآخر ،بل ترفع عن الأذى و إكرام للنفس عن الابتذال
و أخيرا تذكر أن الدعاء هو الملجأ الآمن ،و الاستغاثة برب الأرباب و مسبب الأسباب تفتح لك القلوب المغلقة و الأبواب
الموصدة ..دمت ومحبيك بود ومحبة و انسجام