You are on page 1of 31

‫‪35 /138‬‬

‫املنهج التكاملي لدراسة التاريخ‪:‬‬


‫الرؤي واألطروحات‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻠﻲ ﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ‪ :‬ﺍﻟﺮؤﻯ ﻭﺍﻷﻃﺮﻭﺣﺎﺕ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬
‫أمحد إبراهيم أبو شوك‬
‫ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻜﻮﻳﺖ ‪ -‬ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪:‬‬
‫ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢكلية اآلداب والعلوم‪ ،‬جامعة قطر‪ ،‬قطر‬
‫اإلنسانية‪،‬‬
‫ﺃﺣﻤﺪ‬‫العلوم‬
‫ﺷﻮﻙ‪،‬‬ ‫أستاذ‪ ،‬ﺃﺑﻮقسم‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬
‫ﻣﺞ‪ ,35‬ﻉ‪138‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪ :‬امللخص‬
‫ﻧﻌﻢ البحث إىل تقدمي قراءة حتليلية للمنهج التكاملي لدراسة التاريخ‪ ،‬مركزا‬
‫يهدف هذا‬ ‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬
‫‪2017‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬
‫على بعده املرجعي املرتبط بتوظيف مناهج العلوم االجتماعية واإلنسانية األخرى لفهم‬
‫ﺭﺑﻴﻊ‬ ‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‪:‬‬
‫وإعادة‪11‬تركيبها يف نسق اترخيي‪ ،‬تقف حدوده الدنيا عند االستقراء والوصف‪،‬‬
‫‪- 39‬‬
‫املاضي‬ ‫أحداث‬ ‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬‬
‫التفسري واالستنباط اهلادف لرسم قواعد معيارية لقراءة حركة التاريخ‬ ‫ﺭﻗﻢ ‪ :MD‬ومتتد سقوفه العليا إىل‬
‫‪808970‬‬
‫حقيقة‪ ،‬مفادها أن ابن خلدون (ت‪ 1406 .‬م) هو أول من‬ ‫ﺑﺤﻮﺙ إىل‬
‫ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬ ‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪ :‬العام‪ .‬وتستند الدراسة‬
‫‪ Arabic‬مقدمته الشهرية‪ ،‬وأن عملية التطبيق والتطوير متت حتت مظلة جملة‬
‫أشار إىل هذا املنهج يف‬ ‫ﺍﻟﻠﻐﺔ‪:‬‬

‫‪HumanIndex‬أبدبيات الدعوة إىل "التاريخ اجلديد"‪ .‬ويقودان هذا االستنتاج‬


‫ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬وليات الفرنسية اليت أتثرت‬
‫احل‬ ‫ﻗﻮﺍﻋﺪ‬
‫ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻢ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﻣﻨﺎﻫﺞ ﺍﻟﺒﺤﺚ‬ ‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫لطرح مجلة من األسئلة املتعلقة مبشكلة هذا البحث‪ :‬ما املسوغات اليت استندت إليها مدرسة‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/808970‬‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬
‫احلوليات الفرنسية؟ وما طبيعة اإلسهام الذي قدمته لعلم التاريخ وعالقته ابلعلوم األخرى؟‬
‫وما السمات العامة للمنهج التكاملي الذي ارتكزت إليه‪ ،‬ومازت به نفسها عن املدارس‬
‫التارخيية األخرى؟ وما أوجه الشبه واالختالف بني احلوليات والدعوات املتفرعة عنها؟ وهل‬
‫تعين العودة إىل مصطلح " التاريخ اجلديد " أو" التاريخ املعاصر " أن مناهج احلوليات قد‬
‫أضحت غري قادرة على استيعاب قضااي الواقع املعاصرة؟ أو أن هذا الدعوة يف جوهرها متثل‬
‫امتدادا طبيعيا ملناهج احلوليات؟ نسبق اإلجابة عن هذه األسئلة إبشارة إىل مفهوم املعرفة‬
‫التارخيية‪ ،‬ووضعية علم التاريخ من الناحية اإلبستمولوجية يف الغرب األورويب‪ ،‬وكيفية انتقاله‬
‫من إطاره الوصفي ‪-‬الوضعاين إىل دائرة استنباط القواعد العامة‪ ،‬القائمة على أسس النظرايت‬
‫الفلسفية التأملية‪.‬‬

‫© ‪ 2021‬ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬


‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬
‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫املنهج التكاملي لدراسة التاريخ‪:‬‬


‫الرؤي واألطروحات‬
‫أمحد إبراهيم أبو شوك‬
‫أستاذ‪ ،‬قسم العلوم اإلنسانية‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم‪ ،‬جامعة قطر‪ ،‬قطر‬
‫امللخص‬
‫يهدف هذا البحث إىل تقدمي قراءة حتليلية للمنهج التكاملي لدراسة التاريخ‪ ،‬مركزا‬
‫على بعده املرجعي املرتبط بتوظيف مناهج العلوم االجتماعية واإلنسانية األخرى لفهم‬
‫أحداث املاضي وإعادة تركيبها يف نسق اترخيي‪ ،‬تقف حدوده الدنيا عند االستقراء والوصف‪،‬‬
‫ومتتد سقوفه العليا إىل التفسري واالستنباط اهلادف لرسم قواعد معيارية لقراءة حركة التاريخ‬
‫العام‪ .‬وتستند الدراسة إىل حقيقة‪ ،‬مفادها أن ابن خلدون (ت‪ 1406 .‬م) هو أول من‬
‫أشار إىل هذا املنهج يف مقدمته الشهرية‪ ،‬وأن عملية التطبيق والتطوير متت حتت مظلة جملة‬
‫احلوليات الفرنسية اليت أتثرت أبدبيات الدعوة إىل "التاريخ اجلديد"‪ .‬ويقودان هذا االستنتاج‬
‫لطرح مجلة من األسئلة املتعلقة مبشكلة هذا البحث‪ :‬ما املسوغات اليت استندت إليها مدرسة‬
‫احلوليات الفرنسية؟ وما طبيعة اإلسهام الذي قدمته لعلم التاريخ وعالقته ابلعلوم األخرى؟‬
‫وما السمات العامة للمنهج التكاملي الذي ارتكزت إليه‪ ،‬ومازت به نفسها عن املدارس‬
‫التارخيية األخرى؟ وما أوجه الشبه واالختالف بني احلوليات والدعوات املتفرعة عنها؟ وهل‬
‫تعين العودة إىل مصطلح " التاريخ اجلديد " أو" التاريخ املعاصر " أن مناهج احلوليات قد‬
‫أضحت غري قادرة على استيعاب قضااي الواقع املعاصرة؟ أو أن هذا الدعوة يف جوهرها متثل‬
‫امتدادا طبيعيا ملناهج احلوليات؟ نسبق اإلجابة عن هذه األسئلة إبشارة إىل مفهوم املعرفة‬
‫التارخيية‪ ،‬ووضعية علم التاريخ من الناحية اإلبستمولوجية يف الغرب األورويب‪ ،‬وكيفية انتقاله‬
‫من إطاره الوصفي ‪-‬الوضعاين إىل دائرة استنباط القواعد العامة‪ ،‬القائمة على أسس النظرايت‬
‫الفلسفية التأملية‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫مقدمة‬
‫تستند املعرفة التارخيية إىل مصادر املاضي وأاثره اليت يعاد تركيبها وفق منهج حبثي‬
‫يقوم على االستقراء‪ ،‬والتحقيق‪ ،‬والنقد‪ ،‬والتحليل الذي يتناول املؤثرات الداخلية واخلارجية‬
‫اليت أحاطت ابملشكلة التارخيية موضوع البحث‪ ،‬وأسهمت يف تشكيلها‪ .‬لكن حجم‬
‫املصادر‪ ،‬ودقة االستقراء‪ ،‬وخمرجات التحقيق‪ ،‬ومهنية النقد‪ ،‬وجرأة التحليل ال تفي وحدها‬
‫إلعادة تركيب املاضي؛ ألن عملية التحليل واإلعادة حتتاج إىل منهج قادر على استيعاب‬
‫ديناميات احلياة السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬الناظمة ملفردات احلدث‬
‫التارخيي‪ .‬بيد أن أدبيات املدرسة الوضعية التجريبية يف أورواب حتاشت هذه التعقيدات يف‬
‫القرن التاسع عشر امليالدي‪ ،‬وأثرت استقالل العلوم االجتماعية واإلنسانية عن بعضها‪،‬‬
‫مستندة يف ذلك إىل جمموعة من النظرايت الفلسفية التأملية اليت ميكن أن تضع إطارا نظراي‬
‫لقراءة أحداث املاضي وتفاسريها؛ إال أن الفعل التارخيي املركب‪ ،‬وارتباط بعض أصوله‬
‫وسوابقه وخلفياته ابحلاضر قد خلق نوعا من التحدي؛ األمر الذي دفع خنبة من املؤرخني‬
‫احملدثني إىل البحث عن منهج تكاملي؛ لتفسري أحداث املاضي من خالل مناهج وفرضيات‬
‫طبقت على واقع معاصر‪ ،‬ولذلك برزت فكرة التكامل )‪ (integration‬أو التداخل‬
‫(‪ )interdisciplinarity‬التخصصي بني علم التاريخ والعلوم االجتماعية واإلنسانية‬
‫األخرى ملعاجلة املشكالت البحثية املعقدة‪ ،‬ذات الديناميات السياسية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية والثقافية والتواصل العضوي بني املاضي‪ ،‬واحلاضر‪ ،‬واملستقبل‪.‬‬
‫هذا هو أس املشكل املرتبط ابملنهج التكاملي لدراسة التاريخ الذي أشار إليه ابن‬
‫خلدون (ت ‪1406‬م)‪ ،‬عندما أوضح أن علم التاريخ " حمتاج إىل مآخذ متعددة‪ ،‬ومعارف‬
‫متنوعة‪ ،‬وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إىل احلق‪ ،‬وينكبان به عن املزالت واملغالط؛‬
‫ألن األخبار إذا اعتمد فيها على جمرد النقل‪ ،‬ومل حتكم أصول العادة‪ ،‬وقواعد السياسة‪،‬‬
‫وطبيعة العمران‪ ،‬واألحوال يف االجتماع اإلنساين‪ ،‬وال قيس الغائب منها ابلشاهد‪ ،‬واحلاضر‬
‫ابلذاهب‪ ،‬فرمبا مل يؤمن فيها من العثور‪ ،‬ومزلة القدم‪ ،‬واحليد عن جادة الصدق" (‪ .)1‬ال‬
‫جدال يف أن املعارف املتنوعة اليت قصدها ابن خلدون‪ ،‬تتجسد يف عالقة علم التاريخ ابلعلوم‬
‫األخرى‪ ،‬وكيفية توظيف مناهج تلك العلوم خلدمة التاريخ‪ ،‬ليكون علما قادرا على إعادة‬

‫‪12‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫تركيب أحداث املاضي بطريقة موضوعية؛ إال أن عملية هتذيب وتشذيب وتطوير املنهج‬
‫التكاملي تبلورت يف أدبيات مدرسة احلوليات الفرنسية‪ .‬ومتهيدا لذلك‪ ،‬نستهل عرضنا يف‬
‫هذا اجلانب مبدخل عن علم التاريخ ومشكلة انتسابه املعريف (اإلبستمولوجي)‪ ،‬وكيفية انتقاله‬
‫من الفلسفات التجريبية إىل الفلسفة النقدية اليت مهدت الطريق لنشأة مدرسة احلوليات‬
‫الفرنسية‪ ،‬وشكلت مفردات منهجها اجلديد يف التاريخ‪.‬‬
‫علم التاريخ ومشكلة االنتساب املعريف (اإلبستمولوجي)‬
‫يف عصر النهضة األوروبية شجع فرانسيس بيكون)‪ (2) (Francis Bacon‬النظرة‬
‫الوضعية للتاريخ‪ ،‬متعلال أبن التاريخ يرتبط مبلكة الذاكرة عند اإلنسان‪ ،‬والشعر مبلكة اخليال‪،‬‬
‫والفلسفة مبلكة اإلدراك‪ ،‬ولذلك فإن " مهمة التاريخ اجلوهرية تكمن يف استذكار املاضي‪،‬‬
‫وتسجيله تسجيال يصور األحداث حبقيقتها وواقعها"(‪ .)3‬إال أن ديكات (ت‪ 1650 .‬م)‬
‫شكك يف هذه النظرة الوضعية‪ ،‬قائال‪ " :‬التواريخ ابلرغم من صدقها‪ ،‬وعدم مبالغتها‪ ،‬أو‬
‫تغريها لقيمة األشياء‪ ،‬تعمد إىل حذف بعض االعتبارات الوضيعة؛ لتكون جاذبة النتباه‬
‫القارئ‪ ،‬ولذلك جند أن األحداث اليت تصفها تلك التواريخ‪ ،‬مل حتدث ابلشكل الذي‬
‫وصفت به؛ والذين حياولون توصيفها‪ ،‬مسكنون بزهو الفرسان اخلياليني‪ ،‬وتصويرهم لألعمال‬
‫غري الواقعية "(‪ .)4‬ولذلك يرى ديكارت أن التاريخ يشد املؤرخ جتاه ماضي مزيف‪ ،‬يبعده عن‬
‫احلاضر الذي جيب أن ينفتح عليه‪ ،‬وعلى األفكار الفلسفية املعاصرة اليت جتعله ينظر إىل‬
‫املاضي بطريقة متوازنة‪ ،‬يفاد من عربها يف ربط احلاضر ابملستقبل (‪ .)5‬استند الفالسفة‬
‫الطبيعيون إىل موقف ديكارت‪ ،‬رافضني إطالق مصطلح علم على التاريخ‪ ،‬متعللني أبن مادته‬
‫ختتلف عن مادة العلوم الطبيعية؛ ألهنا ال توصف ابلثبات‪ ،‬وأن الوقائع التارخيية ال ميكن‬
‫معاينتها مباشرة‪ ،‬وإخضاعها لالختبار والتجربة‪ ،‬وال ميكن أن تقودك تلك الوقائع إىل‬
‫استنباط نظرايت عامة أو قوانني علمية‪ ،‬وأن املؤرخني أنفسهم ال يتفقون على تفسري واحد‬
‫للحدث التارخيي‪ .‬وبناء على ذلك توصل بعضهم إىل نتيجة‪ ،‬مفادها أن كل " جمهود يرمي‬
‫إىل إقامة التاريخ على أسس علمية يعد جمهودا ضائعا‪ ،‬بل وداعيا إىل السخرية‬
‫واالستهزاء"(‪ .)6‬بيد أن هذا الربط املعيب بني منهج علم التاريخ ومناهج العلوم الطبيعية قد‬
‫جتاوزه الزمن‪ ،‬علما أبن األحباث األكادميية أثبتت أن علم التاريخ‪ ،‬يعتمد على حزمة من‬

‫‪13‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫املسائل اإلجرائية‪ ،‬املرتبطة جبمع املصادر التارخيية‪ ،‬ونقدها وحتليلها يف إطار واقعها السياسي‬
‫واالجتماعي واالقتصادي والثقايف‪ ،‬مث إعادة تركيبها لرسم صورة أقرب إىل احلقيقة‪ .‬واحلقيقة‬
‫يف حد ذاهتا نسبية يف جمال العلوم اإلنسانية؛ لكن حتقيق النسيب نفسه يقتضي وجود منهجية‬
‫اترخيية معينة‪ .‬وعليه ماز ج‪ .‬هرنشو التاريخ عن العلوم التطبيقية األخرى‪ ،‬ووصفه أبنه "نقد‬
‫وحتقيق " (‪ .)7‬لذلك دعا فولتري (ت‪1778 .‬م) الستخدام منطق الفلسفة العقالين لدراسة‬
‫التاريخ وتنقيته من الرواايت‪ ،‬واألخبار‪ ،‬واخلرافات‪ ،‬واألساطري اليت ال تستقيم مع العقل‬
‫والواقع‪ .‬وبذلك برزت النزعة التارخيانية اليت سادت عصر التنوير (أو األنوار)‪ ،‬وأخضعت‬
‫األخبار التارخيية الواردة يف التوراة واإلجنيل إىل نقد مؤسس‪ ،‬جردها من قدسيتها الدينية؛‬
‫وأضفى عليها نزعة إنسانية‪ ،‬جعلت أفعال اإلنسان متثل حمور األحداث التارخيية‪ ،‬اليت جيب‬
‫أن ال يتأثر تدوينها ابلقيم الدينية واالعتبارات الغيبية‪.‬‬
‫ويبدو أنه هذه النزعة التارخيانية استندت إىل املالحظة اليت افرتعها أرسطو‪ ،‬عندما‬
‫وصف الشعر أبنه أكثر فلسفة وجدية؛ ألنه خياطب احلقيقة العمومية‪ ،‬والتاريخ يعتين ابحلقيقة‬
‫اخلصوصية (‪ .")8‬أو مبعىن أخر أن أرسطو أراد أن يربط التاريخ ابألحداث اجلزئية اليت ميكن‬
‫التثبت من صدقيتها عن طريق اإلدراك احلسي‪ ،‬دون العموميات اليت تستند إىل استنباط‬
‫القوانني من االستقراء اجلزئي للحقائق‪ .‬وقد أضحى هذا الواقع موطن اهتمام الفالسفة‬
‫الوضعيني؛ لنقل التاريخ من دائرة التثبت من احلقائق إىل دائرة صناعة القوانني‪ ،‬حتقيقا‬
‫لصورته العلمية‪ .‬ومن أهم املبادرات املنهجية اليت طرحت يف هذا الشأن مبادرة أوغست‬
‫كونت)‪ ، (9) (Auguste Comte‬الذي اقرتح إجياد عالقة ثنائية بني علم التاريخ وعلم‬
‫االجتماع‪ ،‬حمتجا أبن مهمة التاريخ ترتبط ابملعرفة التارخيية‪ ،‬اليت ميكن لعلم االجتماع أن‬
‫يربطها ابحلاضر واملستقبل؛ ألنه يهتم بفحص العالقة السببية بني الوقائع التارخيية‪ ،‬وكيفية‬
‫توظيفها ملعرفة القوانني العامة اليت حتكم حركة التاريخ اإلنساين بصفة شاملة (‪ .")10‬ولربط‬
‫الوقائع اجلزئية ابلنظرة الكلية لألحداث التارخيية والقوانني الناظمة حلركتها‪ ،‬وبناء على ذلك‬
‫ظهر توجه فلسفي ذو صبغة أتملية يف كتاابت فردريك هيغل (‪،)11( (Friedrich Hegel‬‬
‫وكارل ماركس )‪ )12( )Karl Marx‬وأرنولد توينيب (‪ ")13( (Arnold Toynbee‬على‬
‫سبيل املثال‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫أرجع الباحثون جذور املدرسة املثالية اليت تشكلت حول رؤية هيغل الفلسفية إىل‬
‫الفيلسوف اليوانين أفالطون )‪ 347-427‬ق‪.‬م) الذي يقر أن العقل اإلنساين مصدر الوجود‬
‫احلقيقي‪ ،‬وأن احملسوسات جمرد انعكاس للوجود احلقيقي نفسه‪ .‬وبناء على ذلك يعتقد هيغل‬
‫أن التاريخ اإلنساين يبدأ بظهور الوعي البشري‪ ،‬الذي جيعل اإلنسان قادرا على االستقالل‬
‫من هيمنة الطبيعة‪ ،‬وفاعال يف توجيه حركتها وفق إرادة النواميس الكونية اليت تنظم تفاعالهتا‬
‫الداخلية‪ .‬إذا‪ ،‬العالقة بني العقل (الروح) والطبيعة (املادة) عالقة جدلية‪ ،‬حمكومة حركتها‬
‫بفعل التناقضات اليت حتدث بني طرفيها‪ ،‬مولدة واقعا اترخييا جديدا‪ .‬وهبذه الكيفية يتقدم‬
‫الوعي الذايت اإلنساين عند هيغل ‪-‬خبطى جدلية جتاه احلرية والتكامل الفكري‪ ،‬مث يواصل‬
‫سريه صوب الوجود املطلق الذي ختتفي عنده التناقضات‪ ،‬ويضحي التعايش مسة أبدية بني‬
‫العقل واملادة‪ .‬ولذلك يرى هيغل أن التاريخ البشري جتليات للفكر اإلنساين صوب " الكامل‬
‫"‪ ،‬الذي حيدث نتيجة للجدل القائم بني األفكار ونقائضها يف سبيل االرتقاء إىل " الوجود‬
‫املطلق "‪ ،‬الذي ينتفي عنده الصراع‪ ،‬وتسقط أقنعة النقائض نفسها(‪.)14‬‬
‫إال أن كارل ماركس (‪ 1883- 1818‬م) وفردريك إجنلز (‪1895- 1820‬م)‬
‫رفضا هذه الرؤية املثالية لقراءة التارخيية‪ ،‬متعللني أبن منط احلياة املادية هو الذي حيكم مسار‬
‫احلياة االجتماعية‪ ،‬بفضل الصراع القائم بني وسائل اإلنتاج‪ ،‬والقوى املنتجة‪ ،‬وعالقات‬
‫اإلنتاج‪ .‬لذلك يرى ماركس أن أسلوب الدايلكتيك املادي "ليس جمرد أسلوب خمالف‬
‫ألسلوب املثالية‪ ،‬إمنا هو عكسه متاما؛ ألن عملية التفكري عند هيغل هي مصدر العامل‬
‫احلقيقي‪ ،‬والعامل احلقيقي ليس إال الشكل اخلارجي الذي تتخذه الفكرة‪ ،‬أما أان فأرى أن‬
‫الفكرة ما هي إال العامل املادي بعد أن يعكسه ذهن اإلنسان‪ ،‬ويصوغه يف شكل أفكار"(‪.)15‬‬
‫فالتاريخ البشري‪ ،‬من وجهة نظر املاركسيني‪ ،‬يرتبط ارتباطا عضواي ابلظروف املادية‬
‫االقتصادية‪ ،‬اليت تشكل معيارا كميا ونوعيا؛ لقياس درجة احلضارة‪ ،‬وحتديد منط احلياة‬
‫االجتماعية والسياسة والفكرية‪ .‬وأسلوب اإلنتاج هو عمدهتم يف ضبط القيم االجتماعية اليت‬
‫حتكم التطور التارخيي الناتج من صراع الطبقات االجتماعية‪ .‬والصراع الطبقي نفسه يتحرك‬
‫يف إطار منظومة ثالثية‪ ،‬تتكون من وسائل اإلنتاج‪ ،‬والقوى املنتجة‪ ،‬وعالقات اإلنتاج‪.‬‬
‫وبذلك يتم رفض العوامل الغيبية والفكرية يف حتديد البناء الفوقي للمجتمع‪ .‬ويبدأ تطور‬

‫‪15‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫اجملتمع‪ ،‬عند املاركسيني‪ ،‬بنظام املشايعة البدائية‪ ،‬مث نظام الطبقات الناتج عن انقسام اجملتمع‬
‫البدائي إىل سادة وعبيد‪ ،‬ويعقبه نظام اإلقطاع الذي يسود فيه اإلقطاعيون على حساب‬
‫األقنان؛ مث النظام الرأمسايل‪ ،‬الذي يقسم اجملتمع إىل رأمساليني وأجراء‪ .‬وهبذه الكيفية تسري‬
‫عجلة املادية اجلدلية يف صراع حتمي إىل أن تبلغ هدفها األمسى بقيام الشيوعية املطلقة‪ ،‬اليت‬
‫مبوجبها تزول املصاحل االقتصادية املتعارضة‪ ،‬ويسود التعايش األبدي بني وسائل اإلنتاج‪،‬‬
‫وعالقاته والطبقة العاملة املنتجة (‪.)16‬‬
‫بيد أن املادية التارخيية واجهت نقدا حادا من علماء احلداثة وما بعدها‪ ،‬ونذكر‬
‫منهم أرنولد توينيب (‪ 1886-1975‬م) الذي شكك يف صالحية املاركسية أساسا لقراءة‬
‫التاريخ‪ ،‬وتبىن طرحا يؤمن ابلقوى الغيبية‪ ،‬ودور األفراد املبدعني‪ ،‬ومفهوم التحدي‬
‫واالستجابة (‪ )17‬يف دفع حركة التاريخ البشري‪ .‬ولذلك رفض التنظري أبن سلوكيات األفراد‬
‫إفراز طبيعي لثمرة اإلبداع الفكري اجملرد‪ ،‬أو انعكاس للصراع بني مفردات املادة اإلنتاجية‪.‬‬
‫ويرى توينيب أن نشوء احلضارات يتحقق عندما حيدث التقدم الذايت لإلنسان‪ ،‬وتكون‬
‫استجابة اجملتمع قوية يف جمال العلوم والفنون والعقائد‪ .‬ويفرتض أن هذا التقدمي الذايت جيب‬
‫أن يكون مدعوما بصفوة من األفراد املبدعني الذين اختذهم السواد األعظم قدوة له‪ .‬وهبذه‬
‫الكيفية تنشأ احلضارة يف ثوب مثايل‪ ،‬وفق قيم املؤسس اليت التف األتباع حوهلا‪ .‬مث أتيت بعد‬
‫ذلك مرحلة التفكك واالحنالل عندما ينشأ التناقض يف سلوكيات ورثة املبدعني الذين فقدوا‬
‫جاذبية اجليل املؤسس‪ ،‬وانفضت األكثرية من حوهلم‪ .‬ويف ظل هذا الصراع والشقاق الداخلي‬
‫تفقد احلضارة رونقها‪ ،‬وتواصل االحندار صوب التفكك واالحنالل (‪.)18‬‬
‫إال أن أطروحات توينيب القائمة على اعتبار احلضارة وحدة لتحليل الوقائع التارخيية‬
‫يف ضوء جدلية التحدي واالستجابة مل حتظ بقبول معظم املؤرخني‪ ،‬الذين وصفوها أبهنا‬
‫"تركيب معماري ضخم" قائم على "أسس نظرية ضعيفة"‪ ،‬ال تصلح أن تكون إطارا نظراي‬
‫لفهم أحداث العامل وإعادة تركيبها‪ .‬ولذلك رفضها ابراكلو مع الفلسفات التأملية األخرى‬
‫لقراءة التاريخ‪ ،‬ودعا املؤرخني الختاذ خطوتني مهمتني قبل التفكري يف كتابة التاريخ‪ .‬تتمثل‬
‫اخلطوة األوىل يف استثمار مناهج العلوم االجتماعية لدراسة األحداث التارخيية‪ ،‬والثانية يف‬
‫اإلملام بتاريخ الشعوب غري األوروبية؛ لتكون هناك نظرة متكاملة عن اتريخ العامل (‪.)19‬‬

‫‪16‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫ولذلك نلحظ أن نقد الفلسفات التأملية قد مهد الطريق لظهور الفلسفة النقدية للتاريخ‪،‬‬
‫اليت يعتقد املالح أهنا " تنطوي على إمكانيات واسعة يف جمال تطوير األسس املعرفية هلذا‬
‫العلم‪ ،‬وتوفري الشروط املساعدة النطالقة جديدة لفلسفة التاريخ " (‪ .)20‬يكون قوامها املنطق‬
‫العقالين لدراسة الوقائع التارخيية؛ واملنهج التكاملي املستمد من علم التاريخ والعلوم‬
‫االجتماعية واإلنسانية األخرى‪ ،‬واملستأنس إبجنازات املنهج التجرييب دون االنشغال إبعداد‬
‫قوالب فلسفية مصطنعة‪ ،‬وغري مؤسسة على وقائع اترخيية دقيقة لقراءة أحداث املاضي‪،‬‬
‫وتنميطها بطريقة تعسفية (‪.)21‬‬
‫بدأت بوادر هذا املنهج التكاملي يف أملانيا‪ ،‬عندما تبىن كارل المربتش ( ‪Karl‬‬
‫‪ )Lamprecht‬مصطلح التاريخ الثقايف؛ لدراسة أحداث املاضي وفق منهج يزاوج بني‬
‫مناهج علم االجتماع‪ ،‬وعلم اإلانسة‪ ،‬واتريخ الفن)‪ (22‬؛ إال أن هذه اخلطوة انتقدها بعض‬
‫املؤرخني األملان‪ ،‬متعللني أبن التاريخ جيب أن يكون له منهجه اخلاص الذي مييزه عن مناهج‬
‫العلوم االجتماعية واإلنسانية األخرى‪ .‬لكن يف املقابل وجدت أطروحة التاريخ الثقايف رواجا‬
‫يف أوساط رهط من املؤرخني األمريكيني‪ ،‬أمثال جيمس هاريف روبنسون ‪(James‬‬
‫)‪ ،Harvey Robinson‬الذي اسنت مصطلح التاريخ اجلديد‪ ،‬حمتجا أبن العلوم اإلنسانية‬
‫واالجتماعية ال ميكن أن تقف مستقلة بعضها عن بعض‪ ،‬بل ينبغي أن تتكامل من حيث‬
‫املناهج؛ لتعطي رؤية كلية لقراءة أحداث املاضي اإلنساين‪ .‬ومن هنا دعا إىل جتسري قنوات‬
‫التواصل بني علم التاريخ والعلوم اإلنسانية األخرى (‪ .)23‬يف فرنسا برز اسم املؤرخ هينري بر‬
‫)‪ ،(Henri Berr‬الذي أدخل مفهوم التحليل التارخيي املركب‪ ،‬القائم على العالقة الثالثية‬
‫املتبادلة بني الفلسفة وعلم االجتماع والتاريخ (‪ .)24‬هبذه الكيفية استطاعت هذه احملاوالت‬
‫األولية السابقة ملدرسة احلوليات الفرنسية أن تتجاوز إخفاقات تيار الوضعانية الذي شجع‬
‫على استقاللية العلوم االجتماعية واإلنسانية بعضها عن بعض‪ ،‬مع االلتزام ابملعرفة "التارخيية‬
‫املوغلة يف التخصص‪ ...‬واملمعنة يف التدقيق والنظر يف ضبط النصوص الواثئقية‪ ،‬واستخراج‬
‫احلقائق املفردة منها"‪ ،‬دون عناية ابلسياق " التارخيي الذي حيمل معطيات اجتماعية‪،‬‬
‫واقتصادية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬ودميغرافية‪ ،‬ونفسية " (‪.)25‬‬

‫‪17‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫مدرسة احلوليات الفرنسية‪ :‬الرؤي واألطروحات‬


‫يفرتض بعض املؤرخني أن الدعوة إىل "التاريخ اجلديد"‪ ،‬اليت ظهرت يف سبعينيات‬
‫القرن العشرين مرحلة الحقة ملدرسة احلوليات الفرنسية؛ ألهنا متثل خروجا معرفيا على أدبيات‬
‫احلوليات من حيث املنهج‪ ،‬واملوضوعات التارخيية‪ ،‬وكيفية تناوهلا؛ إال أن هذا االفرتاض فيه‬
‫خلل؛ ألن منظري التاريخ اجلديد الذين كانوا أعضاء يف مدرسة احلوليات‪ ،‬يرون أن احلوليات‬
‫نفسها قد أسست على مفهوم التاريخ اجلديد الذي نشأ يف أمريكا‪ .‬ومبعىن أخر إن احلوليات‬
‫كانت متثل وعاء معرفيا لتوطني أفكار رواد التاريخ اجلديد‪ ،‬ومل تكن الرائد الوحيد يف هذا‬
‫املضمار‪ .‬والشاهد يف ذلك أن جاك لوغوف )‪ (26) (Jacques Le Goff‬يرجع أصول‬
‫التاريخ اجلديد إىل القرن الثامن عشر امليالدي‪ ،‬عندما أصدر فولتري مؤلفا بعنوان‪ " :‬أتمالت‬
‫جديدة حول التاريخ "‪ ،‬مؤكدا أن األحداث التارخيية املرتاكمة تقوم على أبعاد اقتصادية‪،‬‬
‫ودميغرافية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬وعسكرية‪ ،‬ودبلوماسية‪ ،‬فضال عن عادات الناس وتقاليدهم وحرفهم‪،‬‬
‫وبذلك وضع املعرفة التارخيية يف نسق إشكايل‪ ،‬يتهم ابلتطورات والتغريات بني كل طبقات‬
‫اجملتمع‪ ،‬مث يفسرها وحيللها دون أن يسردها سردا وصفيا ساكنا‪ .‬ولذلك يرى شارتوبراين‬
‫)‪ (Chateaubriand‬أن الكتاابت التارخيية الفرنسية حتتاج إىل إعادة نظر ومواكبة؛ ألن‬
‫اضمحالل اجملتمعات القدمية أفضى إىل قيام جمتمعات جديدة هلا قوانينها‪ ،‬وطبائعها‪،‬‬
‫وأعرافها‪ ،‬وعاداهتا‪ ،‬ومواقفها‪ ،‬ومبادئها‪ .‬وتعين املواكبة ابلنسبة له املنهج املوسوعي الذي‬
‫يوظف فيه كل شيء " من علم الفلك إىل الكيمياء‪ ،‬ومن الفنون املالية إىل التقنيات‬
‫الصناعية‪ ،‬ومن معرفة الفنان والنحات واملهندس املعماري إىل التقنيات الصناعية‪ ،‬ومن دراسة‬
‫القوانني الكنسية واملدنية واجلنائية إىل القوانني السياسية ")‪ . (27‬وهبذه الكيفية يرى استقامة‬
‫املنهج الكلي "للتاريخ احلديث"‪ ،‬الذي يصفه لوغوف أبنه مصطلح مطابق ملصطلح "التاريخ‬
‫اجلديد"‪ .‬وعلى النسق ذاته جاءت مسامهات جول ميشيله)‪ )Jules Michelet‬يف تقدميه‬
‫لتاريخ فرنسا سنة ‪1869‬م‪ ،‬وكذلك فرنسوا سيميان )‪ (Francois Simiand‬الذي نبذ‬
‫عبادة أصنام التاريخ الثالثة‪ ،‬املتمثلة يف التاريخ السياسي‪ ،‬والتاريخ الفردي ‪-‬البطويل‪،‬‬
‫والتارخيي الوقائعي الذي يستمد روحه من الواثئق وأصول األحداث اجملردة‪ .‬والدعوة لالبتعاد‬
‫عن التاريخ السياسي بشكله النمطي‪ ،‬شكلت مرتكزا مهما ملدرسة احلوليات‪ ،‬اليت مالت إىل‬

‫‪18‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫التاريخ اإلشكايل يف إطار النظرة الكلية لألحداث التارخيية اليت تشكلت يف حيز جغرايف‬
‫معني؛ واملنهج التكاملي القائم على االستئناس مبناهج العلوم اإلنسانية واالجتماعية يف حتليل‬
‫األحداث التارخيية‪ ،‬واألزمنة التارخيية املتعاقبة‪ ،‬ودورها يف تقصي أبعاد احلدث التارخيي جبوانبه‬
‫املختلفة‪ .‬وهذه النظرة الثالثية تبناها منظرو التاريخ اجلديد من حيث املنهج وتنوع‬
‫املوضوعات‪.‬‬
‫ويف إطار هذا التسلسل التارخيي يرى جاك لوغوف أن حركة التاريخ اجلديد بدأت‬
‫انطالقتها األوىل يف القرن العشرين للميالد من الوالايت املتحدة األمريكية‪ ،‬حيث نشر ه‪ .‬أ‪.‬‬
‫ابرنس (‪ )H.E. Barnes‬يف عام ‪1919‬م مؤلفا بعنوان "علم النفس والتاريخ "‪ ،‬ويف عام‬
‫‪1925‬م مؤلفا أخر بعنوان " التاريخ اجلديد والعلوم االجتماعية "(‪ .)28‬ويربط لوغوف هذه‬
‫احلركة التجديدية بظهور علوم جديدة‪ ،‬مثل علم اإلنثروبولوجيا‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬وعلم‬
‫السيميولوجيا (األعراض)‪ ،‬وعلم استشراف املستقبل؛ وجتديد بعض العلوم التقليدية اليت‬
‫أضحت توصف ابحلداثة أو اجلدة‪ ،‬مثل األلسنية اجلديدة‪ ،‬والتاريخ االقتصادي اجلديد؛‬
‫فضال عن التداخل التخصصي بني هذه العلوم‪ ،‬وطبيعة التسميات املشرتكة اليت أنتجتها‪،‬‬
‫مثل التاريخ االجتماعي‪ ،‬والدميغرافيا التارخيية‪ ،‬واإلنثروبوجليا التارخيية‪ .‬وجتسدت حصيلة ذلك‬
‫يف نشوء علوم تتجاوز احلدود التقليدية الومهية اليت رمسها منظرو املدرسة الوضعية التجريبية‬
‫(‪ .)29‬وإىل جانب ذلك‪ ،‬برز أتثري علماء اجلغرافيا‪ ،‬أمثال بول فيدال دو البالش )‪BIache‬‬
‫‪ ،(Paul Vidal de la‬وجان بروهنس (‪ ،)Jean Brunhes‬وألبري دمنجون ‪Albert‬‬
‫)‪ ،)Demangeon‬الذين اندوا بضرورة التحالف بني التاريخ اجلديد واجلغرافيا البشرية‪.‬‬
‫ويف ظل هذا احلراك الفكري أسس مارك بلوخ (‪ )30( (Marc Bloch‬ولوسيان‬
‫فيفر )‪ )31( (Lucien Febvre‬جملة "حوليات التاريخ االقتصادي واالجتماعي" عام‬
‫‪1929‬م؛ لتكون حضانة للتاريخ اجلديد‪ ،‬ونشر أدبيات املنتمني إليه (‪ ،)32‬وفق منهج‬
‫تكاملي‪ ،‬يركز على الدراسات ذات الصبغة االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬بعيدا عن أصنام التاريخ‬
‫الثالثة‪ :‬السياسي‪ ،‬والفردي (البطويل‪ /‬البيوغرايف)‪ ،‬والتسلسل التارخيي (الوقائعي) القائم على‬
‫األصول (الواثئق)‪ .‬فكان القصد من وضع "التاريخ االقتصادي واالجتماعي" عنواان للمجلة‪،‬‬
‫دفع البحث التارخيي صوب جمال يكاد يكون مغيبا كليا من أدبيات التاريخ التقليدية آنذاك‪،‬‬

‫‪19‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫فضال عن أن الوضع االقتصادي الذي أعقب احلرب العاملية قد شغل الباحثني املهتمني‬
‫إبفرازاته اإلشكالية (‪ .)33‬ومن زاوية أخرى أفسح احلوليون اجملال لعلم االجتماع وعالقته‬
‫ابلعلوم األخرى‪ ،‬استنادا إلسهامات أميل دوركهامي )‪ (É mile Durkheim‬يف جملة‬
‫"احلولية السوسيولوجية" اليت أسسها عام ‪ 1897‬م‪ .‬وجاءت أيضا حماوالت ماكس فيرب‬
‫)‪(Max Weber‬؛ لربط الدراسات االجتماعية ابلتاريخ‪ ،‬والقانون‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬والسياسة‪،‬‬
‫بغية تكوين منهج تكاملي لقراءة الواقع اإلنساين يف إطار اجملتمع الواسع‪ .‬أما بول فيدال دي‬
‫ال بالش‪ ) (Paul Vidal De La Blache‬فقد أسهم يف ربط اجلغرافية ابلتاريخ لفهم‬
‫العالقة بني اإلنسان واألرض (‪ .)34‬وامتد هذا التواصل املعريف إىل علم النفس ودوره يف حتديد‬
‫مسار الظواهر االجتماعية والسلوك العاطفي يف مناقشة القضااي التارخيية‪ .‬ويؤكد جممل هذه‬
‫التفاعالت أن مدرسة احلوليات الفرنسية قد نشأت يف واقع فكري متجدد‪ ،‬يدعو لقيام‬
‫منهج تكاملي بني العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ .‬وأخريا تبلورت مالمح هذا التكاملي‬
‫املنهجي بني العلوم اإلنسانية واالجتماعية يف إصدارات جملة احلوليات‪ ،‬اليت ضمت إىل‬
‫جانب مؤسسيها بلوخ وفيفر‪ ،‬خنبة من الكتاب األكادمييني‪ ،‬الذين اهتموا ابملنهج التكاملي‪،‬‬
‫املعضد مبناهج اجلغرافيا‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والسياسة‪ ،‬وعلم النفس‪،‬‬
‫واللغوايت يف دراسة القضااي التارخيية (‪ .)35‬ومبوجب ذلك تطور املنهج التكاملي‪ ،‬وتنوعت‬
‫حقول املوضوعات التارخيية‪ ،‬املرتبطة ابألنشطة اإلنسانية عرب الزمان واملكان‪ ،‬وتعاظمت‬
‫درجة أتثريها يف وأتثرها ابلبيئات االقتصادية‪ ،‬واالجتماعية والثقافية احمليطة‪.‬‬
‫وبعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬خطت جملة احلوليات خطوة أكثر انفتاحا من حيث‬
‫املنهج واملوضوعات؛ حيث عدلت امسها إىل "حوليات‪ .‬اقتصادايت‪ .‬جمتمعات‪ .‬حضارات"‬
‫(‪ .)Annales: Economies-Sociétés-Civilisations‬وهبذه الصيغة التجريدية‪،‬‬
‫عمدت رائسة حتريرها إىل توثيق الفعل اإلنساين مبكوانته االقتصادية‪ ،‬واجملتمعية‪ ،‬واحلضارية‪.‬‬
‫ومصطلح احلضارات كان مصطلحا مفضال عند مؤسسيها (بلوخ وفيفر)؛ وذلك التساع‬
‫مدلوله ومشوله ابلنسبة للبعدين املادي والروحي (‪ .)36‬وبرز يف تلك الفرتة أيضا دور لوسيان‬
‫فيفر (‪ 1956- 1944‬م)‪ ،‬رئيس حتريرها‪ ،‬الذي مال إىل متجيد كتابة التاريخ اإلشكايل‬
‫بدال من التاريخ اآليل‪ ،‬وذلك وفق منهج تكاملي‪ ،‬يربط بني املاضي واحلاضر يف نسق‬

‫‪20‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫ارتدادي (‪ .)37‬وعمق هذه النظرة التكاملية‪ ،‬فرانند بروديل (‪ ،)38( (1969 – 1902‬رئيس‬
‫حتريرها‪ ،‬الذي أدخل مفهوم األزمان الثالثة يف كتابة التاريخ‪ ،‬وترسيخ مفهوم األمد الطويل يف‬
‫تناول األحداث التارخيية يف حيز جغرايف معني‪ ،‬وفوق هذا وذاك جذب إليها خنبة من‬
‫املؤرخني الفرنسيني‪ ،‬أمثال جاك لوغوف‪ ،‬ولوروري الدوري‪ ،‬الذين أسهموا يف ترويج مناهجها‬
‫وأدبياهتا خارج نطاق أورواب القدمية (‪.)39‬‬
‫وبناء على هذه التطورات املنهجية تبلورت إسهامات مدرسة احلوليات الفرنسية يف‬
‫النقاط اآلتية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إن مؤسسي مدرسة احلوليات الفرنسية اعتربوا أن علم التاريخ ال يرتبط فقط‬
‫ابملاضي؛ ألن بعض السلوكيات اإلنسانية وأمناط احلياة االجتماعية هلا القدرة على االستمرار‬
‫يف فضاء احلاضر‪ ،‬والتأثري يف املستقبل‪ .‬وتؤكد هذه النظرة التطورية أن األحداث التارخيية‬
‫انعكاسات للسلوك اإلنساين يف إطار حركة الزمن املتجددة دوما‪ .‬ولذلك قسم فرانند بروديل‬
‫الزمن التارخيي إىل ثالثة مستوايت‪ ،‬تتمثل يف الزمن شبه الثابت الذي يعكس عالقة اإلنسان‬
‫ابحمليط اجلغرايف الذي يعيش فيه؛ والزمن البطيء املرتبط حبركة االجتماع اإلنساين واألنشطة‬
‫االقتصادية والعمرانية املصاحبة له؛ والزمن احلدثي أو التقليدي الذي يتجسد يف احلراك‬
‫السياسي والنتائج املرتبة عليه‪ ،‬فهو أكثر سرعة من سابقيه‪ .‬ويؤكد هذا البعد التطوري حلركة‬
‫التاريخ ضرورة تبين منهج تكاملي لتفسري أحداث املاضي اإلنساين‪ ،‬جبوانبها املختلفة‪،‬‬
‫وحركتها الزمانية واملكانية ذات املستوايت املتعددة (‪.)40‬‬
‫اثنيا‪ :‬عدم االكتفاء ابستثمار الوثيقة التارخيية من خالل النقد اخلارجي (الظاهري)‬
‫والداخلي (الباطين) فقط)‪ (41‬بل جيب أن يستخدم املؤرخ مناهج العلوم اإلنسانية‬
‫واالجتماعية األخرى استخداما تكامليا‪ ،‬يتجاوز مبدأ املساعدة‪ ،‬إىل رحاب التحليل‬
‫املوضوعي حملتوايت الوثيقة يف إطار الظروف النفسية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‬
‫اليت أسهمت يف صوغها وتكوينها‪ .‬وبناء على ذلك يرى بلوخ أن الوثيقة جيب أن ال تكون‬
‫املصدر التارخيي الوحيد‪ ،‬وأن مفهومها جيب يتجاوز النص املكتوب؛ ليشمل الرسومات‪،‬‬
‫والتماثيل‪ ،‬وشواهد القبور‪ ،‬والنيميات‪ ،‬والرنوك‪ .‬ولذلك يقول لوسيان فيفر‪ :‬جيب أن حيرر‬
‫التاريخ "‪ ...‬نفسه من الواثئق‪ ،‬وما تفرضه من حتديدات‪ ،‬وإن عليه أن يستعمل كافة ما‬

‫‪21‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫يستعمله اإلنسان‪ :‬اللغة‪ ،‬والعالمات‪ ،‬وأدلة الريف‪ ،‬ونظم احلقول‪ ،‬واألساور‪ ،‬والقالئد‪ ،‬وكل‬
‫مصدر أخر ميكن احلصول عليه‪ ،‬وابالختصار‪ :‬فإن عليه أن يكون منفتحا لكل املكتشفات‪،‬‬
‫وطرق العلوم األخرى‪ ،‬كاجلغرافيا‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬عليه أن ال‬
‫ينجرف يف النزعات اليت برزت يف العشرينيات والثالثينيات (من القرن العشرين) يف تقسيم‬
‫نفسه إىل عدد من التخصصات (التاريخ االقتصادي‪ ،‬اتريخ األفكار‪ ...‬إخل) اليت يسري كل‬
‫منها يف طريقه اخلاص‪ .‬ففصل التاريخ عن مضماره االجتماعي هو أسوأ من عبث‪ ،‬ومن‬
‫املؤكد أنه كان مضلال‪ .‬وعلى أي حال‪ ،‬فإن البحوث املتخصصة يف التاريخ االجتماعي أو‬
‫االقتصادي‪ ،‬قيمتها ابلدرجة األوىل يف قدرهتا على كشف واجبات جديدة‪ ،‬وسبل جديدة يف‬
‫معاجلة التاريخ ككل " (‪.)42‬‬
‫اثلثا‪ :‬ضرورة انتقال التاريخ من احلقل السياسي التقليدي القائم على القراءات‬
‫النمطية ملكوانت الدولة إىل دراسة اتريخ السلطة وأتثرياهتا‪ ،‬مع النظر يف القضااي الذهنية‪،‬‬
‫واالنثربولوجيا التارخيية‪ ،‬واتريخ اهلامشيني يف اجملتمع‪ ،‬كما يسميه جان كلود مشيت (‪Jean-‬‬
‫‪ .)Claude Schmitt‬وبذلك تصبح النظرة الكلية حلركة التاريخ أكثر مشوال؛ ألن اتريخ‬
‫السلطة ال يعين اتريخ الدولة؛ ألن السلطة تتجسد يف شكل عالقات أفقية بني القطاعات‬
‫الفاعلة فيها‪ ،‬وعالقات رأسية بني احلاكم واحملكومني من طرف‪ ،‬وبني الرئيس واملرؤوسني يف‬
‫طرف أخر‪ .‬وهنا يربز مفهوما القوة واالستالب‪ ،‬وقضية الراعي والتابع‪ ،‬والتأييد واملقاومة‪،‬‬
‫واستخدام األيديولوجيات املرتبطة بطريف السلطة وصراعاهتما‪ .‬ومن مث يكون البحث التارخيي‬
‫إشكاليا بدال من أن يكون آليا‪ ،‬كما يرى فرانند بروديل (‪ .)43‬هكذا ظل التاريخ ‪-‬املشكل‬
‫ميثل بعدا مهما يف إسهامات مدرسة احلوليات‪ ،‬دون أن يذعن املؤرخ إىل اإلمالء الواثئقي‪،‬‬
‫بل يولد من الواثئق قضااي إشكالية‪ ،‬تربط احلقب التارخيية بعضها ببعض بعيدا عن هيمنة‬
‫الفواصل الومهية (‪.)44‬‬
‫رابعا‪ :‬يرى مؤسسو مدرسة احلوليات ضرورة ترتيب للعلوم اإلنسانية واالجتماعية يف‬
‫وضع حلزوين‪ ،‬يقر تداخل بعضها مع بعض‪ ،‬كما أكد ذلك جان بياجه )‪(Jean Piaget‬‬
‫عندما استشهد ابلعلوم التارخيية؛ أي العلوم ذات الصلة بعلم التاريخ‪ ،‬اليت متكن املؤرخ من‬
‫وضع احلدث التارخيي يف إطار مشويل‪ ،‬يستوعب كل ضروبه املرتبطة ابلفعل اإلنساين‬

‫‪22‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫والظروف احمليطة به‪ ،‬وفق مناهج ختصصية متعددة ومتكاملة يف استقرائها ملفردات احلدث‬
‫التارخيي‪ ،‬وإعادة تركيبه بصورة أقرب إىل الواقع (‪.)45‬‬
‫نلحظ أن هذه املرتكزات اليت استندت إليها مدرسة احلوليات الفرنسية تشبه يف‬
‫كلياهتا منطلقات التاريخ اجلديد‪ ،‬اليت أشران إليها‪ .‬ويقودان هذا التشابه إىل طرح أسئلة‬
‫منهجية‪ :‬ما أوجه الشبه واالختالف بني مدرسة احلوليات والتاريخ اجلديد؟ وإذا مل يكن هناك‬
‫اختالف جوهري‪ ،‬فما مربرات الدعوة للتاريخ اجلديد؟ وهل هذه الدعوة تعين أن مدرسة‬
‫احلوليات قد أدت رسالتها‪ ،‬وجيب أن تفسح اجملال للتاريخ اجلديد؟ حناول أن جنيب عن هذه‬
‫األسئلة ومثيالهتا يف الفقرة القادمة‪.‬‬
‫أشران إىل أن منظري التاريخ اجلديد يرون أن مدرسة احلوليات كانت حضانة للتاريخ‬
‫اجلديد‪ ،‬ألهنا تستند إىل مرتكزات التاريخ اجلديد من حيث املنهج وتنوع املوضوعات‪،‬‬
‫ولكنها بدأت تنحرف تدرجييا عن مسارها األول يف سبعينيات القرن العشرين‪ ،‬متبنية النظرية‬
‫البنيوية والتاريخ السياسي يف طرحها ومناقشتها لألحداث التارخيية‪ ،‬وبذلك " أصبحت اجمللة‬
‫ينادي بنقيض ما كان ينادي به مؤسساها بلوخ وفيفر‪ ،‬اللذان كاان يعرفان التاريخ أبنه علم‬
‫التغيري الدائم "‪ .‬ويف ظل تلك الظروف امللتبسة أصدرت جمموعة من املؤرخني‪ ،‬عمال مجاعيا‬
‫موسوعيا بعنوان " التاريخ اجلديد"(‪ )46‬عام ‪1978‬م‪ .‬أشرف عليه وقدم له أحد مؤرخي‬
‫مدرسة احلوليات‪ ،‬جاك لوغوف‪ .‬حيتوي املؤلف اجلماعي على عشر مقاالت أساسية‪ ،‬تتناول‬
‫حقول التاريخ اجلديد‪ ،‬ومفاهيمه‪ ،‬واجتاهاته البحثية‪ ،‬واملراحل اليت قطعها‪ .‬وجاء ترتيب تلك‬
‫املقاالت على النحو اآليت‪ :‬جاك لوغوف "التاريخ اجلديد"؛ وميشل فوفيل " التاريخ واألمد‬
‫الطويل "‪ ،‬وكريزيستوف بوميان " اتريخ البىن "؛ وإندريه بوغيار " األنثربولوجيا التارخيية "؛‬
‫وفيليب أرايس " اتريخ الذهنيات "؛ وجان ‪-‬مري بيساز " اتريخ الثقافة املادية "؛ وجان‬
‫الكوتور " التاريخ اآلين "؛ وغي بوا " املاركسية والتاريخ اجلديد"؛ وجان كلود مشيث " اتريخ‬
‫اهلامشيني"؛ وإفلني ابتالجني " اتريخ املتخيل "‪ .‬ويقول لوغوف يف الفصل االفتتاحي‪ " :‬إن‬
‫التاريخ احلي‪ ،‬وخاصة التاريخ اجلديد‪ ،‬ال يشكل كتلة واحدة‪ ،‬ولكن جمموعة (سدمي أو‬
‫سحابة من الكتل)‪ ،‬حمورها األساسي هو مدرسة احلوليات اليت مل تتوقف‪ ،‬وال جيب أن‬

‫‪23‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫تتوقف عن الطموح إىل بلوغ اتريخ مشويل‪ ،‬يبحث يف تطور اجملتمعات وفقا لنماذج جامعة"‬
‫(‪.)47‬‬
‫يلحظ القارئ املتمعن يف مقاالت هذا الكتاب أن األطروحات اليت عرضت فيه ال‬
‫خترج خروجا صرحيا على مرتكزات مدرسة احلوليات الفرنسية من حيث الكيف؛ لكنها‬
‫وسعت بعض املفاهيم املرتبطة ابملنهج التكاملي‪ ،‬وجددت آليات استثمار املصادر التارخيية‪،‬‬
‫وأضافت حقوال جديدة للبحث التارخيي يف إطار أكثر مشولية‪ .‬ولذلك يصف وجيه كوثراين‬
‫الدعوة للتاريخ اجلديد‪ ،‬أبهنا نوع " من النزوع املذهيب ‪-‬املدرسي داخل فرنسا آنذاك‪ .‬وكان‬
‫رد فعل على رأي شاع‪ ،‬مفاده أن مدرسة احلوليات متر أبزمة‪ ،‬ومن مظاهر هذه األزمة‪ :‬حتول‬
‫توارخيها من الطابع التوليفي )‪ (travaux de synthese‬إىل حال من التفتت )‪." (48‬‬
‫وبغض النظر عن خلفيات األزمة اليت قد تكون عاشتها مدرسة احلوليات؛ فإن‬
‫أدبيات التاريخ اجلديد قد أسهمت يف توسيع نطاق مناهج اإلنسانيات واالجتماعيات‬
‫املتداخلة واملتكاملة على مستوى العامل‪ ،‬وتنىب العديد من الباحثني هذا املنهج‪ ،‬وحاولوا‬
‫تطويره حبسب أجندهتم العلمية‪ .‬وعند هذا املنعطف نشأ جدل أخر عن مفهوم التاريخ‬
‫الشامل‪ ،‬الذي وصفه بعض الناقدين أبنه " حيمل املؤرخ وزرا ثقيال جدا‪ ،‬وجيعله يتخصص يف‬
‫العديد من امليادين (اتريخ‪ ،‬اقتصاد‪ ،‬أنثربولوجيا‪ ،‬علم اجتماع‪ ،")...‬ولذلك فضلوا أن حيصر‬
‫املؤرخ نفسه يف دراسات دقيقة عن قضااي حمددة زماان ومكاان؛ ألن الشمول يف التناول‬
‫التارخيي خيرجه عن ختصصه الدقيق (‪ .)49‬ويبدو أن هذا الشعور قد تسرب إىل جملة احلوليات‬
‫نفسها؛ ألهنا غريت امسها عام ‪ 1993‬إىل " جملة التاريخ والعلوم االجتماعية "‪ ،‬وواضح أن‬
‫كلمة اتريخ ضمنت يف عنواهنا لتؤكد " هوية علم التاريخ "‪ ،‬كما يرى التيمومي‪ ،‬وحتافظ عليه‬
‫من " الضياع حتت ركام العلوم االجتماعية واإلنسانية األخرى " (‪.)50‬‬
‫املنهج التكاملي والرأي األخر‬
‫واجهت مدرسة احلوليات منذ نشأهتا عام ‪ 1929‬م انتقادات متعددة من بعض‬
‫املؤرخني وعلماء العلوم االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬ونذكر منهم فرانسوا دوس ‪Francois‬‬
‫)‪ )Dosse‬الذي وصف املنهج التكاملي أبنه "جتربة انتحارية مزدوجة"‪ ،‬تعين من طرف‬
‫ذوابن علم التاريخ يف العلوم االجتماعية واإلنسانية اآلخرى؛ ومن طرف اثن الرتاجع حنو‬

‫‪24‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫التاريخ الوضعي القدمي الذي شهده القرن العشرين (‪ .)52‬ورأى دوس هذا يرتبط حتديدا‬
‫مبرحلة الدعوة املعاصرة إىل التاريخ اجلديد‪ ،‬اليت عمدت يف نظره إىل خطاب اترخيي يناقض‬
‫خطاب بلوخ وفيفر‪ ،‬ويقضي ابلتخلص من األرضية التارخيية اليت حافظا عليها؛ ألن‬
‫االنصهار غري "التوليفي " يف حقل العلوم االجتماعية يطعن يف هوية علم التاريخ (‪.)53‬‬
‫ويتهم فرانسوا دوس اجليل الثالث من مؤرخي احلوليات بعدم السعي إىل كشف‬
‫القوانني واملعايري الناظمة لسري األحداث والوقائع التارخيية؛ ألن نزعتهم التجريبية دفعتهم إىل‬
‫الرتكيز على األسئلة الكيفية (كيف) أكثر من السببية (ملاذا)‪ ،‬ولذلك ابتعدوا عن " مفهوم‬
‫التاريخ ‪-‬املشكل " الذي اندى به بلوخ وفيفر‪ ،‬ومالوا إىل التوظيف املفرط ملناهج العلوم‬
‫االجتماعية‪ ،‬الذي ميكن أن يفضي إىل تذويب هوية علم التاريخ‪ ،‬وتفتيت موضوعاته (‪.)54‬‬
‫ويف هذا يقول دون‪:‬‬
‫" غري أن التاريخ الذي مت تطعيمه ابلعلوم االجتماعية ينتهي ابلتخلي عن هويته‪،‬‬
‫ويتعرض خلطر كبري‪ ،‬أبن جيد نفسه معرضا للضياع يف االنفجار‪ ،‬والتحول إىل شظااي‪ ،‬وتعدد‬
‫مواضيعه املختلفة‪ ،‬اليت ال توجد بينها عالقات‪ .‬وهو يوشك أن ينتهي مثل علم احليوان‬
‫ابألمس‪ ،‬أو يعرف أزمة وهتميشا كاللذين عرفتهما اجلغرافيا‪ ،‬فإذا كان هذا التطور قد مت على‬
‫ثالث مراحل‪ ،‬ميكن أن نبني حركتني كبريتني وشكلني خمتلفني لعلوم اإلنسان اليت اندرج فيها‬
‫اتريخ احلوليات‪ ،‬مثل التوجه اإلنسانوي الشمويل‪ ،‬توجيه اجليل األول والثاين‪ ،‬وهو جيل‬
‫مؤسسي حوليات التاريخ االقتصادي واالجتماعي اليت أسست عام‪ 1929‬من قبل مارك‬
‫بلوخ ولوسيان فيفر‪ ،‬وكذلك فرانند بروديل‪ .‬إهنا حماولة بناء سوق مشرتكة لعلوم اإلنسان‬
‫املوحدة حول التاريخ‪ ،‬والتوليف بينها يف كتابة مشولية قد تؤدي إىل ميالد علم مشرتك كان‬
‫فرانند بروديل يتمناه من أعماقه‪ .‬وتغري املشهد يف الستينيات‪ ،‬ختلى املؤرخون احلولياتيون عن‬
‫توجههم التوليفي من أجل الصمود أمام اهلجوم اجلديد للعلوم االجتماعية‪ ،‬وألقوا بسالحهم‬
‫وأصبحوا يفكرون يف تقسيم مؤقت لالختصاصات من خالل املمارسات املختلفة‪ ،‬وخمتلف‬
‫مواضيع التاريخ‪ ،‬فوجد اإلنسان نفسه خارج املركز خالل هذا التوجه الذي وقع فيه تفكيك‬
‫التاريخ إىل ممارسات جزئية‪ ،‬وختلى عن كل الطموحات الشمولية (‪ .)....‬لقد أدت عملية‬
‫التفكيك اليت قامت هبا حوليات اجليل األخري إىل بروز كتابة أكثر وصفية مما هي تفسريية‪،‬‬

‫‪25‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫وكثر وضعانية وجتريبية مما هي علمية‪ .‬ويف هذا الشكل اجلديد حلقل العلوم االجتماعية فقد‬
‫املؤرخ عصاه‪ ،‬كرئيس للجوقة؛ ليصبح عامال من العمال يف أعماق املناجم‪ ،‬أييت ابملواد‬
‫املطلوب درسها للعلوم االجتماعية األخرى‪ ،‬كما يراه إميانويل لوروا الدوري‪ ،‬فهو متسكع‬
‫على طريقة ميشال دو سريتو‪ ،‬واختصاصي يف اهلوامش واملنحرفني واالختالل‪ .‬إنه يتخلى عن‬
‫دوره االجتماعي ليدخل بشكل أفضل يف حقل اإلعالم " (‪.)55‬‬
‫لكن الشيء الذي يؤخذ على انتقادات فرانسوا دوس‪ ،‬أهنا مل تراع أن املنهج‬
‫التكاملي لدراسة التاريخ يف جزئياته منهج متغري‪ ،‬حبسب املشكالت املطروحة واملعطيات‬
‫اجلديدة‪ ،‬بدليل أن املشكالت االقتصادية طغت يف أدبيات فرتة ما بني احلربني‪ ،‬وقل‬
‫االهتمام ابلتاريخ الثقايف‪ ،‬ودراسة الذهنيات‪ ،‬وعلم النفس التارخيي‪ .‬فالثورة التكنولوجية اهلائلة‬
‫اليت نعيشها اليوم قد أفرزت معطى جديدا‪ ،‬يقضي بضرورة إعادة توجيه اخلطاب التارخيي‬
‫ليتالءم مع الوعي اجلديد للزمن التارخيي وأدواته اإلعالمية‪ .‬وملواكبة هذه التحوالت شهد‬
‫املنهج التكاملي نقلة مكانية من إطاره الوطين الضيق إىل رحاب العاملية‪ ،‬ونقلة منهجية يف‬
‫االستئناس مبناهج العلوم اإلنسانية واالجتماعية األخرى؛ لذلك نلحظ أن جاك لوغوف‬
‫كانت مدركا لالحتماالت املرتبطة ابحتواء التاريخ للعلوم االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬بدليل أنه‬
‫حصر احتماالت االحتواء املتوقعة ثالثة احتماالت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أتسيس علم اتريخ شامل يبتلع كل العلوم اإلنسانية‪ ،‬ويوحدها يف إطار دراسة‬
‫اإلنسان يف الزمن مقابل ذوابنه وفقدانه هلويته‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬االلتحام بني العلوم اإلنسانية الثالثة املتقاربة (التاريخ‪ ،‬واألنثروبولوجيا‪،‬‬
‫واالجتماع)‪ ،‬وتسمية العلم الناتج من هذا التالحم ب " التاريخ السوسيولوجي "‪ ،‬كما يرى‬
‫بول فاين‪ ،‬أو "األنثروبولوجيا التارخيية"‪ ،‬كما يفضل جاك لوغوف‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬االنكفاء داخل احلدود التقليدية لعلم التاريخ‪ ،‬وبذلك جتمد عملية التواصل‬
‫مع العلوم اإلنسانية األخرى‪ ،‬وحتدث قطيعة إبستمولوجية‪ ،‬تفضي إىل ارتداد علم التاريخ إىل‬
‫حميطه الوضعي (التارخيانية)(‪.)56‬‬
‫ال شك أن هذه االستنتاجات شكلت حتداي للمؤرخني‪ ،‬الذين محلوا فرتة " ما بعد‬
‫احلداثة " وزر ما يسمى ب " فوضى الكتابة التارخيية " اليت ابتعدت يف منهجيتها عن‬

‫‪26‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫األصول احلرفية‪ ،‬حبسب وجهة نظرهم‪ .‬ونلحظ هذا الرفض جمسدا على سبيل التمثيل يف‬
‫كتاابت جيفري إلتون‪ " : (Geoffrey Elton‬العودة إىل اجلوهر " (‪ ،)57‬ورتشارد إيفانس‬
‫)‪ " :(R. Evans‬دفاعا عن التاريخ " (‪ )58‬اليت اندت ابلتمسك بثوابت التاريخ الصحيح‬
‫)‪ (proper history‬القائم على املصادر والقرائن التارخيية يف أساسه دون االعتماد على‬
‫التنظري املستأنس من مناهج العلوم االجتماعية واإلنسانية األخرى‪ ،‬أو السرد التارخيي غري‬
‫املقيد مبعايري البحث التارخيي املتعارف عليها‪ .‬وبناء على ذلك قدم إلتون نصيحتني مهمتني‬
‫للمؤرخني احملرتفني‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الفصل الكامل بني األسئلة اليت يطرحها املؤرخون واإلجاابت املتوقعة عنها؛‬
‫مبعىن أن تكون إجاابهتم أو تفسرياهتم مستقاة من املصادر التارخيية والقرائن املصاحبة هلا‪،‬‬
‫وليست من وحي توقعاهتم املسبقة‪ ،‬وبذلك يستطيع املؤرخ التعامل مع مصادره مبوضوعية‪،‬‬
‫بعيدا عن التصورات اخليالة‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬جيب أن يدرس املؤرخ احملرتف املاضي من خالل مفاهيمه‪ ،‬وقيمه‪ ،‬ومعايريه‬
‫املستقاة من واقع أحداثه‪ ،‬كما تربزها املصادر املتاحة‪ ،‬دون أن يعتمد على قيم ومعايري‬
‫مستعارة من أحداث احلاضر املقيسة على أشباهها ونظائرة يف املاضي‪ .‬وهنا إشارة لعدم‬
‫االستئناس مبناهج العلوم االجتماعية واإلنسانية األخرى‪ ،‬حبجة أهنا متأثرة ابلواقع التجرييب‬
‫املعاصر(‪.)59‬‬
‫وتقودان هااتن النصيحتان إىل احلديث مرة أخرى عن سلطة املصادر التارخيية العليا‪،‬‬
‫واجلدل القدمي املستحدث بني النظرة الواقعية والنظرة النسبية للمعرفة التارخيية‪ ،‬الذي أسلفنا‬
‫اإلشارة إليه يف صدر هذا البحث‪ ،‬لكن الشيء اجلديد الذي طرحه ريتشارد إيفانس هو‬
‫جتاوز إطار السؤال التقليدي‪ ،‬الذي جعله إدوارد كار )‪ (Edward Carr‬عنواان لكتابه "ما‬
‫هو التاريخ "(‪ ،)60‬إىل سؤال جوهري‪ ،‬مفاده‪" :‬هل ميكن يف عصر ما بعد احلداثة كتابة اتريخ‬
‫حريف يعتمد على املصادر التارخيية وحدها؟" وهنا تتجلى مرافعة املؤرختني إليزابيث فوكس‪-‬‬
‫جينوفيز (‪ )Elizabeth Fox-Genovese‬وإليزابيث الش ‪-‬كوين ‪(Elisabeth‬‬
‫)‪ Lasch Quinn‬يف كتاهبما " إعادة بناء التاريخ (‪ ،)61‬ويف كتاب أخر بعنوان " قول‬
‫احلقيقة عن التاريخ (‪ ،)62‬حيث تقر مؤلفتا هذا الكتاب األخري بنسبية املعرفة التارخيية يف‬

‫‪27‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫إطار مفهوم جديد‪ ،‬خيتلف عن املفهوم الذي تبناه رانكي؛ حيث أطلقتا عليه اسم الواقعية‬
‫العلمية )‪ .(Practical Realism‬وبناء على ذلك انتقدت مؤلفتا " قول احلقيقة عن‬
‫التاريخ " فرضيات ما بعد احلداثة القائمة على مفهوم النسبية املطلقة لعلم التاريخ‪ ،‬اليت‬
‫أعادت تصنيفه ضمن الفنون األدبية؛ أي مبعىن أخر أهنما تنتقدان ادعاء منظري ما بعد‬
‫احلداثة أبن املعرفة التارخيية تقوم على سرد املؤرخ الذي ال ميثل املاضي‪ ،‬بل يستند إىل تصور‬
‫وقائعه حبسب توافق متطلبات املزاج الثقايف املسيطرة على روح احلوارات التارخيية‪ .‬ولذلك‬
‫تعتربان املعرفية التارخيية‪ ،‬على الرغم من نسبيتها‪ ،‬ختتلف عما توصل إليه منظرو ما بعد‬
‫احلداثة؛ ألن خمرجاهتا تعتمد على املصادر التارخيية والقرائن املستنبطة منها‪ ،‬اليت متكن املؤرخ‬
‫من إعادة تركيب أحداث املاضي‪ ،‬وسردها بصورة أقرب إىل الواقع‪.‬‬
‫وهنا تطرأ ثالثة أسئلة عن عملية سرد املؤرخ لألحداث التارخيية‪ :‬أهي سابقة لفرتة ما‬
‫بعد احلداثة أم الحقة هلا؟ وهل ينسب أتويل سجالت املاضي يف نسق لغوي وتركييب إىل‬
‫املؤرخ وحده دون اصطحاب وقائع املاضي بصفة موضوعية؟ وكيف ميكن جتسري اهلوة بني‬
‫سجالت املاضي وأحداثه من طرف وسرد املؤرخ يف طرف اثن؟ طرحت هذه األسئلة يف‬
‫سياق انتقادات منظري ما بعد احلداثة إىل سرد املؤرخ الذي يصفونه ابلروح البالغية اليت ال‬
‫عالقة هلا ابلواقع‪ ،‬وأدبيات املؤرخني الذين يقرون التطابق النسيب بني سردية املؤرخ والواقع‬
‫التارخيي‪ ،‬ألن املؤرخ‪ ،‬يف عرفهم‪ ،‬يعتمد على املصادر التارخيية والقرائن املصاحبة هلا‪ ،‬مع‬
‫االلتزام بتوظيفها وفق أدوات البحث التارخيي املتعارف عليها يف استقراء األحداث التارخيية‪،‬‬
‫والتثبت من صحتها‪ ،‬وإعادة تركيبها يف سردية اترخيية‪ ،‬تصف مفردات املاضي بدقة ومهنية‬
‫عالية‪ ،‬دون االنشغال بشكليات السرد اللغوي (‪ .)63‬وجتاوزا هلذا االختالف بني منظري ما‬
‫بعد احلداثة واملؤرخني احملرتفني‪ ،‬حاول توكر )‪ (Tucker‬أن مييز بني الكتابة التارخيية املرتبطة‬
‫بسرد الوقائع التارخيية املتفق عليها‪ ،‬والكتابة التارخيية املتعلقة بتحليل الوقائع التارخيية‪ ،‬وكيفية‬
‫حدوثها‪ ،‬واألسباب اليت أفضت إىل تشكيلها‪ .‬وهبذه الكيفية يقر توكر بصدقية الواقعية‬
‫التارخيية من طرف‪ ،‬وذلك إثباات لعملية السرد التارخيي‪ ،‬ومن طرف أخر يعطى مساحة‬
‫إلجهادات السرد التارخيي‪ ،‬القائم على حتليل األسباب أو القرائن املرتبطة أبحداث املاضي‪،‬‬

‫‪28‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫حبجة أهنا ال تقدح يف علمية التاريخ‪ ،‬إذا كانت مرتبطة جبملة من املعايري الناظمة حلركة‬
‫البحث التارخيي (‪.)64‬‬
‫ويف إطار السرد التارخيي القائم على القراءات التحليلية للمؤرخ واجهت مدرسة‬
‫احلوليات الفرنسية ومنهجها التكاملي حتداي أخر‪ ،‬متثل يف نقد لورنس ستون ‪(Lawrence‬‬
‫)‪ Stone‬وآخرين إلسهامات احلوليات يف جمال التاريخ االقتصادي والتاريخ االجتماعي‪،‬‬
‫حمتجني أبن مؤرخي احلوليات األوائل مالوا إىل التاريخ االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬واالعتماد‬
‫على مناهج العلوم االقتصادية واالجتماعية؛ لتعينهم يف حتليل الوقائع التارخيية‪ ،‬واستنباط‬
‫بعض القوانني واملعايري العامة اليت حتكم حركة التاريخ من طرف‪ ،‬وثبت من طرف أخر أن‬
‫علم التاريخ علم قادر على توليد القواعد والنظرايت العامة‪ .‬ويرى ستون أن االعتماد على‬
‫احلتميات االقتصادية والبنيوية االجتماعية قد أبعد املعرفية التارخيية عن مصادرها التقليدية‪،‬‬
‫وأفسح اجملال إىل السرد التارخيي القائم على االفرتاضات العامة اليت تبعد املؤرخ عن وظيفته‬
‫األساسية‪ ،‬وجتعل علم التاريخ علما فرعيا خادما للعلوم االجتماعية واإلنسانية األخرى‪ .‬وعند‬
‫هذا املنعطف برز منط سرد اترخيي أخر‪ ،‬يقوم على تنظم املادة التارخيية تنظيما متتابعا‬
‫ومتسلسال زمنيا‪ ،‬يدور حول قصة متجانسة‪ ،‬تذخر ابلوصف على حساب التحليل‪ ،‬وهتتم‬
‫)‪(65‬‬
‫ابلناس دون الظروف اجملردة‪ ،‬وتعاجل اخلاص أكثر من معاجلتها للجماعي أو اإلحصائي‬
‫"‪ .‬ويف إطار هذا النمط السردي التارخيي مت رفض املنهج التكاملي‪ ،‬وتفضيل االعتناء ابملنهج‬
‫السردي املرتبط ابلقضااي الثقافية‪ ،‬وتفسريها من واقع مصادرها األولية والثانوية والقرائن‬
‫التارخيية املصاحبة هلا‪ .‬وهبذه الكيفية أضحى النمط السردي الثقايف (أو التاريخ الثقايف‬
‫اجلديد) أكثر ضروب الكتابة التارخيية رواجا يف القرن احلادي والعشرين‪ ،‬فضال عن جاذبيته‬
‫يف توصيف املفردات الثقافية‪ ،‬بعيدا عن النظرايت البنيوية واحلتميات االقتصادية‪ ،‬املرتبطة‬
‫مبناهج العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬اليت هتدف إىل حتليل القرائن التارخيية للوصول إىل‬
‫بعض القواعد العامة اليت حتكم حركة التاريخ‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫خامتة‬
‫ترتبط قضية االنتقال من احلوليات إىل التاريخ اجلديد ببعدين متالزمني‪ ،‬مها املنهج‬
‫التكاملي واملوضوعات التارخيية املتنوعة‪ ،‬والصلة بني االثنني تشكل ما يعرف ابملعرفية التارخيية‬
‫اليت ال تعيد مفردات املاضي كما كانت عليه‪ ،‬بل تقوم على استقراء األحداث التارخيية‪،‬‬
‫والتثبت من صدقيتها‪ ،‬ونقدها وحتليلها‪ ،‬مث إعادة تركيبها يف منط سردي؛ لتكون أقرب إىل‬
‫الواقع‪ ،‬وأكثر قدرة على توثيق خمرجات العالقة اجلامعة بني املاضي واحلاضر وفق حركة‬
‫ارتدادية‪ .‬وكما أشران يف صدر هذا البحث أن ابن خلدون هو أول من أشار إىل املنهج‬
‫التكاملي يف كلياته‪ ،‬وتكررت اإلشارة يف أدبيات فولتري وشارتوبلوين‪ ،‬مث تبلورت عملية‬
‫االنتقال من التنظري إىل التطبيق يف أدبيات جملة احلوليات الفرنسية‪ ،‬اليت رفضت االلتزام‬
‫ابألصنام الثالثة (التاريخ البيوغرايف‪ ،‬والتاريخ السياسي‪ ،‬والتاريخ الوقائعي)‪ ،‬مؤثرة البحث يف‬
‫التاريخ اإلشكايل من حيث املوضوعات املختارة‪ ،‬اليت ميكن أن تعاجل وفق منهج تكاملي‪،‬‬
‫يستمد ثوابته من تقاليد البحث التارخيي املتعارف عليها‪ ،‬وحيتوي مناهج العلوم االجتماعية‬
‫واإلنسانية األخرى‪ ،‬املفسرة لألفعال التارخيية‪ .‬وبدأت عملية االحتواء هذه؛ كما أشران من‬
‫قبل‪ ،‬بعد أتسيس جملة احلوليات‪ ،‬حيث عمد مؤسساها (بلوخ وفيفر) إىل احتواء اجلغرافية‬
‫الفيدالية(‪ ،)66‬وعلم االجتماعي الدوركهاميي(‪ ،)67‬وعلم النفس التارخيي؛ ويف اخلمسينيات مت‬
‫اصطحاب علمي اإلحصاء‪ ،‬والدميغرافية‪ ،‬ويف الستينيات والسبعينيات تضاعف االهتمام‬
‫بعلمي اإلثنولوجيا‪ ،‬واألنثروبولوجيا‪ .‬وعرب هذه املراحل الثالث استطاعت جملة احلوليات أن‬
‫توسع منهجها التكاملي‪ ،‬وتنوع موضوعاهتا يف إطار مفهوم املدى الطويل الذي وضعه فرانند‬
‫بروديل‪ ،‬لدراسة التحوالت الكربى يف التاريخ‪ ،‬ومعرفة عناصر االستمرارية يف تعاقبها‪،‬‬
‫وحلظات القطيعة اليت ترافق صريورهتا(‪.)68‬‬
‫وعلى الرغم من موضوعية احلوليني فإن املنهج التكاملي واجه مجلة من التحدايت‬
‫واالنتقادات اليت ارتبطت يف كلياهتا ابجلدل الدائر حول صدقية املعرفة التارخيية ونسبيتها‪،‬‬
‫وبني توصيف الوقائع التارخيية وحتليلها وفق نظرايت وفرضيات مستمدة من العلوم اإلنسانية‬
‫واالجتماعية األخرى‪ ،‬تستطيع أن تربط بني معقولية اجملرد والواقع‪ ،‬وتوظف الواقع وقرائنه‬
‫التارخيية لبناء شبكة من القوانني واملعايري الضابطة حلركة التاريخ العام‪ .‬وال شك أن مدرسة‬

‫‪30‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫احلوليات قد حققت نقلة نوعية يف الكتابة التارخيية؛ ألهنا أضافت بعدا مهما للمعرفية‬
‫التارخيية يف جانبها الوصفي‪ ،‬وبعدا منهجيا تكامليا‪ ،‬مرتبطا ابحتواء العلوم االجتماعية‬
‫واإلنسانية‪ ،‬وتوظيفها يف قراءة النصوص التارخيية‪ ،‬قراءة متجاوزة حملتوايت النص الظاهرة؛‬
‫ورابطة إايه ابلظروف السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والثقافية احمليطة‪ .‬بيد أن خصوم‬
‫مدرسة احلوليات شككوا يف صدقية سردها التارخيي‪ ،‬دون متييز بني بعديه الوصفي‬
‫واالستنباطي‪ ،‬ولذلك عمد بعضهم إىل أتسيس منهج اترخيي أخر‪ ،‬يبعدهم عن دائرة القضااي‬
‫البنيوية االجتماعية واحلتميات االقتصادية‪ ،‬وجيعلهم أكثر ميال إىل مفهوم السرد الثقايف (أو‬
‫التاريخ الثقايف اجلديد) القائم على املصادر الشفوية واملكتوبة‪ ،‬وبقية خملفات اإلنسان‬
‫احلضارية (‪ ،)69‬وجينبهم مشكالت التحليل واالستنباط الناتج من الفلسفات التأملية‪ ،‬أو‬
‫مناهج العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ .‬وبناء على ذلك أضحى املنهج السردي اجلديد (أو‬
‫التاريخ الثقايف) يشكل حركة ارتدادية جتاه املفهوم الواقعي أو الوضعاين للتاريخ‪ ،‬ويعيد إىل‬
‫األذهان حوارا إبستمولوجيا قدميا يتعلق مباهية علم التاريخ‪ :‬أهو علم أم أدب؟‬
‫اهلوامش واملراجع‬
‫ابن خلدون‪ ،‬عبد الرمحن‪ :‬مقدمة ابن خلدون‪ :‬اجلزء األول من كتاب العرب وديوان‬ ‫‪.1‬‬
‫املبتدأ واخلرب يف أايم العرب والعجم والرببر ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكرب‪،‬‬
‫بريوت‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬د‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.9- 10:‬‬
‫هو فرانسيس بيكون (‪ 1561-1626‬م)‪ ،‬فيلسوف وكاتب ورسام إجنليزي‪ ،‬ولد يف‬ ‫‪.2‬‬
‫لندن‪ ،‬ودرس جبامعة كمربدج‪ ،‬ومنها رحل إىل ابريس‪ ،‬حيث اشتغل يف السفارة‬
‫اإلجنليزية‪ ،‬مث عاد إىل وطنه األم‪ ،‬وعمل مستشارا للملكة إليزابيث‪ .‬وكان من‬
‫الفالسفة البارزين يف قيادة الثورة العلمية اليت قامت على املالحظة والتجربة يف حل‬
‫املشكالت النظرية والتطبيقية‪ .‬ورأي أنه جيب أن تكون لإلنسان عقلية عملية‬
‫جديدة‪ ،‬سبيلها يف التفكري املنهج االستقرائي الذي يكون اهلدف منه ليس احلكمة‬
‫أو القضااي النظرية بل العمل‪ ،‬واالستفادة من إدراك احلقائق والنظرايت يف هنوض‬
‫احلياة اإلنسانية‪ ،‬وقد عثر عن ذلك بقوله‪ " :‬املعرفة هي القوة "‪ .‬ومن أهم كتاابته‬
‫الفلسفية " التقدم يف التعليم "‪ .‬انظر‪:‬‬

‫‪31‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫‪The New Encyclopaedia Britannica, 15th ed , vol. 1, London:‬‬


‫‪1992, pp. 776-777.‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫‪.3‬‬
‫‪Collingwood, Robin George: The Idea of History, Oxford:‬‬
‫‪Oxford University Press, Reprinted, 1978.‬‬
‫‪4.‬‬ ‫‪The Idea of History, P. 59.‬‬
‫‪5.‬‬ ‫‪The Idea of History, p 59.‬‬
‫هرنشو‪ ،‬ج‪ :.‬علم التاريخ‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد احلميد العبادي‪ ،‬ط ‪ ،2‬بريوت‪ :‬دار‬ ‫‪.6‬‬
‫احلداثة للطباعة والنشر والتوزيع‪ 1982 ،‬م‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫علم التاريخ‪ ،‬ص ‪.8‬‬ ‫‪.7‬‬
‫نقال عن‪ :‬إدوارد كار‪ ،‬ما هو التاريخ؟‪ :‬ترمجة‪ :‬ماهر كيايل وبيار عقل‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫‪.8‬‬
‫بريوت‪ :‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪1976 ،‬ص ‪.57‬‬
‫هو أوغست كونت (‪1857 -1798‬م)‪ ،‬عامل اجتماع فرنسي‪ ،‬وضع لبنات علم‬ ‫‪.9‬‬
‫االجتماع احلديث‪ ،‬وأتثر أبستاذه سان سيمون‪ ،‬الفيلسوف الفرنسي‪ ،‬وكانت‬
‫كتاابته إىل جانب عظيم من التأمل الفلسفي‪ ،‬ويعترب املؤسس الشرعي للفلسفة‬
‫الوضعية‪ ،‬من أهم مؤلفاته‪ :‬حماضرات يف الفلسفة الوضعية ونظام يف السياسة‬
‫الوضعية‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪.The New Encyclopaedia Britannica, vol. 3, pp –510-11.‬‬
‫‪ .10‬التيمومي‪ ،‬اهلادي‪ :‬املدارس التارخيية احلديثة‪ ،‬بريوت‪ :‬التنوير للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬تونس‪ :‬دار حممد علي احلامي للنشر‪2013 ،‬م‪ ،‬ص ‪.97-83‬‬
‫‪ .11‬جورج ويلهلم فريدريك هيغل (‪1831-1770‬م)‪ ،‬مفكر أملاين‪ ،‬وأحد مؤسسي‬
‫الفلسفة املثالية يف أوائل القرن التاسع عشر امليالدي‪ .‬ولد يف العام نفسه الذي ولد‬
‫فيه املوسيقار األملاين بيتهوفن‪ .‬ينحدر هيغل من أسرة منساوية بروستانتية‪ ،‬عاش يف‬
‫جمتمع إقطاعي‪ ،‬تسوده رجعية النبالء ورجال الدين‪ ،‬وعاصر الثورة الفرنسية وأتثر‬
‫هبا‪ .‬درس كتاب األخالق ألرسطو قبل دخول اجلامعة‪ ،‬وأتثر بروسو ومؤلفه العقد‬
‫االجتماعي يف املرحلة اجلامعية‪ .‬ويف عهد سادت الفلسفة العقالنية الفرنسية‬
‫لديكارت )‪ ،(Descartes‬والفلسفة التجريبية اإلنكليزية هليوم )‪،(Hume‬‬

‫‪32‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫والفلسفة األملانية لكانت ‪ (Kant).‬درس علم الالهوت يف املرحلة اجلامعية‪ ،‬ولكنه‬


‫مل يعمل قسيسا‪ ،‬بل فضل العمل يف مهنة التدريس اليت كانت تدر له عائدا ماداي‬
‫بسيطا من الطلبة املواظبني على حضور حماضراته‪ ،‬وبعد أن أكمل نظرية الفلسفة‬
‫املثالية حصل على وظيفة أكادميية يف قسم الفلسفة جبامعة جينا‪ ،‬مث أصبح مديرا‬
‫جلامعة برلني‪ .‬وبعد إعدام لويس السادس عشر‪ ،‬نشر كتابه إسهامات يف الثورة‬
‫الفرنسية‪ ،‬وأكمل كتابه ظاهرايت الروح عندما سقطت مدينة جينا يف يد انبليون‬
‫بوانبرت‪ .‬يعد هيغل أول من نظر يف العالقة اجلدلية بني الطبيعة والروح‪ ،‬مث ربط‬
‫حركتها وتطورها يف نسق فلسفي‪ ،‬تبلورت معامله يف فلسفته املثالية‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪-The New Encyclopaedia Britannica, vol. 5, pp –798-99.‬‬
‫‪ .12‬هو كارل هانريك ماركس (‪1883 -1818‬م)‪ ،‬فيلسوف أملاين‪ ،‬واقتصادي‪ ،‬وعامل‬
‫اجتماع‪ ،‬ومؤرخ‪ ،‬وصحفي واشرتاكي ثوري‪ .‬أسهمت أفكاره املرتبطة ابملادية اجلدلية‬
‫يف أتسيس علم االجتماع‪ ،‬ويف تطوير احلركات االشرتاكية‪ .‬ويعد من أعظم‬
‫االقتصاديني يف عصره‪ .‬ترك العديد من املؤلفات‪ ،‬أمهها بيان احلزب الشيوعي‬
‫)‪ (1848‬وكتاب رأس املال )‪ (1894-1867‬الذي ألفه مع صديقه فريدرك أجنلو‪.‬‬
‫انظر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪The New Encyclopaedia Britannica, vol. 7, p–896.‬‬
‫هو أرنولد توينيب (‪ 1889-1975‬م)‪ ،‬ولد يف لندن‪ ،‬ودرس اليواننية والالتينية يف‬ ‫‪.13‬‬
‫أكسفورد‪ ،‬وتقلد العديد من املناصب األكادميية‪ ،‬منها‪ :‬أستاذ الدراسات اليواننية‬
‫والبيزنطية يف جامعة لندن‪ ،‬ومدير دائرة الدراسات يف وزارة اخلارجية الربيطانية‪.‬‬
‫ويعترب من أهم املؤرخني الذين حبثوا يف مسألة احلضارات بشكل مفصل وشامل‪.‬‬
‫ويف دراسته للحضارات يفرق بني اجملتمعات البدائية واحلضارية؛ ويرى أن اجملتمعات‬
‫البدائية تبلغ واحدا وعشرين جمتمعا‪ ،‬اندثر معظمها‪ ،‬واحلضارات مل يبق منها غري‬
‫ست حضارات يف مرحلة االحنالل؛ وهي‪ :‬احلضارة األرثوذكسية املسيحية البيزنطية‪،‬‬
‫واألرثوذكسية الروسية‪ ،‬واإلسالمية‪ ،‬واهلندوكية‪ ،‬والصينية‪ ،‬والكورية – الياابنية؛ أما‬
‫السابعة فهي احلضارة الغربية اليت يصفها ابلقدرة على االستمرارية والبقاء‪ .‬ويرى‬
‫توينيب أن عملية نشوء احلضارات ترتبط جبدلية التحدي واالستجابة‪ ،‬وسقوطها ينتج‬

‫‪33‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫من األسباب األتية‪ :‬ضعف القوة اخلالقة يف األقفية املوجهة وانقالهبا إىل سلطة‬
‫تعسفية؛ وختلي األكثرية عن مواالة األقلية اجلديدة املسيطرة وكفها عن حماكاهتا؛‬
‫واالنشقاق وضياع الوحدة يف كيان اجملتمع‪ .‬ومن أهم مؤلفاته العلمية‪ :‬قصة‬
‫احلضارة‪ ،‬مبجلداته املتعددة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪The New Encyclopaedia Britannica, vol. 11, p -880.‬‬
‫‪ .14‬ملزيد من التفصيل انظر‪ :‬إمام‪ ،‬إمام عبد الفتاح‪ :‬تطور اجلدل بعد هيغل‪ :‬الكتاب‬
‫األول‪ :‬جدل الفكر‪ ،‬بريوت‪ :‬دار التنوير للطباعة والنشر‪1984 ،‬م‪ ،‬ص‪.47-41‬‬
‫‪Heqel, G. W. H.: Philosophy of History, trans.: J. Sibree, New‬‬
‫‪York: Dover Publication INC., 1956, pp 1-110.‬‬
‫‪ .15‬ورد هذا النص يف املقدمة الثانية يف كتاب رأس املال‪ ،‬لندن‪ .1873/1/24 ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Marx, Karl: Capital, ed.: F. Engels, 2nd Edition, Great Book of‬‬
‫‪the Western World, the University of Chicago, 1990, p.11.‬‬
‫ملزيد من التفصيل انظر‪:‬‬ ‫‪.16‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Fredern, Karl: The Materialist Conception of History, 2nd‬‬
‫‪Edition, Connecticut: Green. World Press, 1971، pp 1-‬‬
‫‪6,200-217.‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫‪.17‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Toynbee, Arnold J.: A Study of History (Abridgement of‬‬
‫‪volumes, 1-7 by D. C -Somervell), 2nd edition, New York.‬‬
‫‪Oxford: Oxford University Press، pp.60-67.‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫‪.18‬‬
‫‪Toynbee, Arnold J.: A Study of History, vol. iii, 6th impression,‬‬
‫‪London: Oxford University Press, 1955, pp 112-217,236-‬‬
‫‪278.‬‬
‫‪ .19‬االجتاهات العامة‪ ،‬ص ‪.285-281‬‬
‫‪ .20‬املالح‪ ،‬هاشم حيىي‪ :‬املفصل يف فلسفة التاريخ التأملية والنقدية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ 1971 ،‬م‪ ،‬ص‪. 421‬‬
‫‪ .21‬كوثراين‪ ،‬وجيه‪ :‬اتريخ التأريخ‪ :‬اجتاهات ‪-‬مدارس ‪-‬مناهج‪ ،‬الدوحة‪ :‬املركز العريب‬
‫لألحباث ودراسة السياسات‪ 2012 ،‬م‪ ،‬ص ‪.388‬‬

‫‪34‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫انظر‪:‬‬ ‫‪.22‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Brush, Kathryn: “The Cultural Historian Karl Lamprecht:‬‬
‫‪Practitioner and Progenitor of Art History”, Central‬‬
‫‪European History, Vol. 26, No. 2 , 1993, 139-164.‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫‪.23‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Whelan, Michael: “James Harvey Robinson, the New‬‬
‫‪History, and the 1916 Social Studies Report”, The History‬‬
‫‪Teacher, Vol. 24, No. 2, Feb., 1991, 193.‬‬
‫انظر‬ ‫‪.24‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Cole, Matthew D.: “The Idea of Historical Synthesis,‬‬
‫‪Henri Berr and the Relationship between History and‬‬
‫‪Sociology in France at the Beginning of the Twentieth‬‬
‫‪Century”,‬‬ ‫‪Sheffield‬‬ ‫‪University,‬‬ ‫‪Department‬‬ ‫‪of‬‬
‫‪Sociological Studies, ShOP Issue 8, March 2005.‬‬
‫‪ .25‬اتريخ التأريخ‪ ،‬ص‪. 388‬‬
‫هو جاك لوغوف )‪ 1914 -1924‬م)‪ ،‬مؤرخ فرنسي مرموق‪ ،‬بدأ حياته العملية‬ ‫‪.26‬‬
‫أستاذا للتاريخ يف معهد الدراسات العليا للعلوم االجتماعية بباريس‪ ،‬مث توىل رائسة‬
‫املعهد لعدة سنوات‪ .‬يعد من مؤرخي العصور الوسطى البارزين‪ ،‬ومن كتاب جملة‬
‫احلوليات الفرنسية الناشطني الذين أسهموا يف تطوير منهجها التكاملي لدراسة‬
‫التاريخ‪ .‬من أهم أعماله األكادميية‪ :‬حضارة الغرب القرووسطية‪ ،‬والقاموس املشروح‬
‫للغرب القرووسطي‪ ،‬وأبطال العصر الوسيط وعجائبه‪ ،‬يف عام ‪1978‬م حرر كتاب‬
‫التاريخ اجلديد مع جمموعة من املؤرخني‪ .‬جاك لوغوف (حترير)‪ ،‬التاريخ اجلديد‪،‬‬
‫‪.75‬‬
‫اتريخ التأريخ‪ ،‬ص‪388.‬‬ ‫‪.27‬‬
‫التاريخ اجلديد‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫‪.28‬‬
‫التاريخ اجلديد‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫‪.29‬‬
‫هو مارك بلوخ )‪ 1944 -1886‬م)‪ ،‬مؤرخ فرنسي‪ ،‬متخصص يف اتريخ العصور‬ ‫‪.30‬‬
‫الوسطى‪ ،‬من أهم مؤلفاته" اتريخ الريف الفرنسي واجملتمع اإلقطاعي "‪ ،‬شغل رائسة‬
‫حترير جملة احلوليات الفرنسية منذ اتريخ أتسيسها عام ‪ 1929‬م حىت اتريخ إعدامه‬

‫‪35‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫عام ‪1944‬م بوساطة القوات األملانية‪ ،‬نتيجة جلهوده يف املقاومة الفرنسية‪ .‬عمل‬
‫أستاذا جبامعة سرتاسبورغ )‪ 1936-1919‬م)‪ ،‬وبعدها انتقل إىل جامعة السربون‪،‬‬
‫اليت أاتحت له الفرصة يف توسيع دائرة أنشطته األكادميية‪ ،‬ومواصلة نشاطه البحثي‬
‫يف جملة احلوليات الفرنسية‪ ،‬والرتويج لرسالتها العلمية ومنهجها التكاملي يف أورواب‪.‬‬
‫انظر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪The New Encyclopaedia Britannica, vol –2, p.286.‬‬
‫هو لوسيان فيفر (ت‪ 1956 .‬م)‪ ،‬مؤرخ فرنسي‪ ،‬درس ابملدرسة العليا بباريس‪ ،‬مث‬ ‫‪.31‬‬
‫جامعة السربون‪ .‬عمل ابلتدريس قبل اندالع احلرب العاملية األوىل‪ ،‬وبعد اندالعها‬
‫انضم إىل اجليش الفرنسي‪ ،‬وعمل به ملدة أربع سنوات‪ .‬عاد للعمل اجلامعي بعد‬
‫اسرتداد جامعة سرتاسبورغ من األملان عام‪ 1919‬م‪ ،‬وتعرف هناك مارك بلوخ‪ ،‬وبدأ‬
‫التقارب بينهما يف اجلوانب الفكرية والفلسفية‪ .‬وأسسا معا جملة احلوليات الفرنسية‬
‫عام ‪ 1929‬م‪ .‬وبعد تعيني فيفر يف " الكوليج دي فرانس " عام ‪ 1933‬م‪ ،‬مث‬
‫تعيني‪ ،‬مارك بلوخ ب ـ "السربون" عام ‪ 1936‬م‪ ،‬انتقل مقر جملة احلوليات من‬
‫سرتاسبورغ إىل ابريس؛ حيث تضاعف عدد قرائها وذاعت شهرهتا‪ .‬وبعد وفاة بلوخ‬
‫عام ‪ 1944‬م‪ ،‬توىل فيفر رائسة حترير اجمللة إىل أن وافته املنية عام ‪ 1956‬م‪.‬‬
‫راجع‪ :‬حممود‪ ،‬حممود الواحد‪ :‬مدرسة احلوليات الفرنسية يف جتديد كتابة التاريخ‪:‬‬
‫حماولة للتأصيل يف الفهم العراقي‪ ،‬بغداد‪ :‬دار ومكتبة عدانن‪ 2013 ،‬م‪ ،‬ص‪. 24‬‬
‫إىل جانب املؤسسني بلوخ وفيفر‪ ،‬تشكلت هيئة حترير جملة احلوليات من ابحثني‬ ‫‪.32‬‬
‫أخرين ينتمون إىل ختصصات خمتلفة من العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬نذكر منهم‬
‫ألبري دومنجون (اجلغرافيا)‪ ،‬وموريس هالبواكس (االجتماع)‪ ،‬وشارل ريست‬
‫(االقتصاد)‪ ،‬وأندريه سيغفريد (السياسة)‪ ،‬وأندريه بيغانيول (التاريخ القدمي)‪ ،‬وجورج‬
‫إسبيناس (التاريخ الوسيط)‪ ،‬وهنري هاوزر (التاريخ احلديث‪ .‬ملزيد من التفصل انظر‪،‬‬
‫دوس‪ ،‬فرانسوا‪ :‬التاريخ املتفتت من احلوليات إىل التاريخ اجلديد‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد‬
‫الطاهر املنصوري‪ ،‬بريوت‪ :‬املنظمة العربية للرتمجة‪ 2009 ،‬م‪ ،‬ص‪. 81‬‬
‫التاريخ اجلديد‪ ،‬ص‪. 85‬‬ ‫‪.33‬‬
‫املدارس التارخيية احلديثة‪ ،‬ص‪. 181-182‬‬ ‫‪.34‬‬

‫‪36‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫اتريخ التأريخ‪ ،‬ص ‪.204-207‬‬ ‫‪.35‬‬


‫التاريخ اجلديد‪ ،‬ص‪84-98.‬‬ ‫‪.36‬‬
‫التاريخ اجلديد‪ ،‬ص‪.84- 98‬‬ ‫‪.37‬‬
‫هو فرانند بروديل ‪ 1969-1902( Fernand Braudel‬م)‪ ،‬مؤرخ فرنسي‬ ‫‪.38‬‬
‫ابرز‪ ،‬يعد من املؤرخني الذين أكدوا أمهية العوامل االقتصادية واالجتماعية يف دراسة‬
‫التحوالت الكربى يف اتريخ العامل‪ ،‬ومعرفة عناصر االستمرارية يف املدى الطويل‬
‫وحلظات االنقطاع يف حركة التاريخ العام‪ .‬من أهم إصدارته اتريخ البحر املتوسط يف‬
‫عهد فليب الثاين (‪ 1966-1923‬م)‪ ،‬واحلضارة والرأمسالية (‪ 1979-1955‬م)‪.‬‬
‫شغل رائسة حترير جملة احلوليات الفرنسية (‪ 1969- 1956‬م) بعد وفاة فيفر عام‬
‫‪ 1956‬م‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪The New Encyclopaedia Britannica, vol -2,483.‬‬
‫‪39. The New Encyclopaedia Britannica 93.‬‬
‫ملزيد من التفصيل انظر النص املرتجم من كتاب فرانند بروديل ‪(La‬‬ ‫‪.40‬‬
‫‪méditerranéen à l’époque de philippe II, Méditerranée et le‬‬
‫)‪ Paris: Colin, 1979‬إىل اللغة العربية يف‪ :‬املدارس التارخيية‪ ،‬ص‪. 191-189‬‬
‫االستثمار الداخلي واخلارجي للواثئق يقوم على أربع مراحل‪ :‬تتمثل املرحلة األوىل‬ ‫‪.41‬‬
‫يف مجع الواثئق وتصنيفها‪ ،‬والثانية يف نقدها الداخلي‪ ،‬والثالثة يف ربط األحداث‬
‫بعضها ببعض‪ ،‬والرابعة يف تنظيم األحداث ضمن بناء سردي منطقي‪ .‬وال شك أن‬
‫هذه املراحل األربع حتصر دور املؤرخ يف نطاق املرئي واملعطي‪ ،‬وجتعله أسري الوثيقة‬
‫املكتوبة‪ ،‬دون أن يفكر يف معاجلة الظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية‬
‫والثقافية والنفسية الواقعة خارج نطاق النص املكتوب‪ ،‬اليت أسهمت بصورة مباشرة‬
‫أو غري مباشرة يف صوغه ابلكيفية اليت هو عليها‪.‬‬
‫االجتاهات العامة‪ ،‬ص ‪.65-64‬‬ ‫‪.42‬‬
‫لوغوف‪ ،‬جاك‪ :‬التاريخ اجلديد‪ ،‬ترمجة وتقدمي‪ :‬حممد الطاهر املنصوري‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫‪.43‬‬
‫بريوت‪ :‬املنظمة العربية للرتمجة‪ 2007 ،‬م‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫التاريخ اجلديد‪ ،‬ص ‪.92‬‬ ‫‪.44‬‬

‫‪37‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


‫‪35 /138‬‬

‫جاك‪ ،‬جان‪ :‬وضع علوم اإلنسان يف منظور العلوم‪ ،‬يف‪ :‬اإلجتاهات الرئيسية‬ ‫‪.45‬‬
‫للبحث يف العلوم االجتماعية واإلنسانية‪ :‬القسم األول ‪-‬العلوم االجتماعية‪،‬‬
‫دمشق‪ :‬مطبعة جامعة دمشق‪1976 ،‬م‪ ،‬ص‪147- 155‬؛ التاريخ املفتت‪ ،‬ص‬
‫‪.118‬‬
‫التاريخ اجلديد‪ ،‬ص ‪.98-84‬‬ ‫‪.46‬‬
‫التاريخ املفتت‪ ،‬ص‪. 14‬‬ ‫‪.47‬‬
‫اتريخ التاريخ‪ ،‬ص ‪.399‬‬ ‫‪.48‬‬
‫املدارس التارخيية‪ ،‬ص‪. 187‬‬ ‫‪.49‬‬
‫املدارس التارخيية‪ ،‬ص‪187.‬‬ ‫‪.50‬‬
‫هو فرانسوا دوس‪ ،‬مؤرخ فرنسي‪ ،‬متخصص يف اتريخ العصور الوسطى‪ .‬ويعد من‬ ‫‪.51‬‬
‫مؤرخي مدرسة احلوليات البارزين‪ ،‬من أهم كتاابته التاريخ املفتت‪ :‬من احلوليات إىل‬
‫التاريخ اجلديد‪1978 ،‬م‪ .‬ويعترب هذا الكتاب سجال مهما يف اتريخ مدرسة‬
‫احلوليات وتطورها‪.‬‬
‫التاريخ املفتت‪ ،‬ص ‪.30‬‬ ‫‪.52‬‬
‫التاريخ املفتت‪ ،‬ص‪. 15‬‬ ‫‪.53‬‬
‫التاريخ اجلديد‪ ،‬ص‪98-84.‬‬ ‫‪.54‬‬
‫التاريخ املفتت‪ ،‬ص ‪.368-369‬‬ ‫‪.55‬‬
‫التاريخ اجلديد‪ ،‬ص‪. 134-133‬‬ ‫‪.56‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫‪.57‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Elton, Geoffrey: Return to Essentials: Some Reflections on‬‬
‫‪the Present State of, Historical Study, Cambridge. New‬‬
‫‪York: Cambridge University Press, 1991.‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫‪.58‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Evans Richard J.: In Defence of History, London: Granta‬‬
‫‪Books.1997‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫‪.59‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Return to Essentials, pp 6-69.‬‬

‫‪38‬‬ ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية ‪2017‬‬


35 /138

:‫انظر‬ .60
- Carr, E. H.: What is History?, edited by: R. W. Davies,
2nd edition, London: MacMillan Press,1986.
:‫انظر‬ .61
- Fox- Genovese, Elizabeth and Elisabeth Lasch- Quinn:
eds., Reconstructing History: The Emergence of A New
Historical Society, New York: Routledqe, 1999.
:‫انظر‬ .62
- What is History?
:‫انظر‬ .63
- Appleby, Joyce, Lynn Hunt and Margaret Jacob: Telling
the Truth about History, pp.207-237
:‫ملزيد من التفصيل انظر‬ .64
- Tucker, Aviezer: Our Knowledge of the Past: A
Philosophy of Historiography Cambridge: Cambridge
University Press, 2004.
:‫ملزيد من التفصيل انظر‬ .65
- Stone, Lawrence: "Revival of Narrative: Reflections on
New Old History", Past and.Present, no. 85, November
1979, pp 3-4.
، )Paul Vidal de la Blache( ‫ الفيدالية نسبة إىل بول فيدال دو البالش‬.66
‫ ابعتبار أن اجلغرافيا هي املسرح‬،‫الذي اهتم مبنهج علم اجلغرافيا يف دراسة التاريخ‬
.‫الذي متثل فيه مفردات احلدث التاريخ‬
Emile ‫ الدوركهاميي نسبة إىل عامل األملاين االجتماع أميل دوركهامي‬.67
!)Durkheim)
.368: ‫ ص‬،‫ التاريخ املفتت‬.68
:‫ ملزيد من التفصيل عن التاريخ الثقايف اجلديد انظر‬.69
- Hunt, Lynn: ed. The New Cultural History, Los Angeles.
University of California Press, 1984: Frederic Jameson,
The Cultural Turn: Selected Writings on the Postmodern.
New York: Verso, 1988, 1983,1998.

39 2017 ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية‬


35 /138

The Integrative Approach to the Study


of History: Visions and Theses
Ahmed Abushouk

This article aims to provide an analytical reading of the


integrative approach to the study of History. It focuses on the
approach’s referential dimension, that is related to other social
and human sciences approaches, so as to understand the events of
the past and their reconstruction in historical narration. This
historical narration is based on induction and description, as well
as interpretation and deduction with the aim of establishing rules
that govern the movement of history. The study relies on the fact
that Ibn Khaldun (d. 1406) was the first to mention this
integrative approach in his famous introduction (mu-qaddimah);
and that the application and development of this approach took
place under the umbrella of the French Annals Journal that had
been pleading for a shift to ’’New History.” In light of all this,
we are led to ask a number of questions related to the problem of
this study: What is the rationale relied upon by the French Annals
School? What is the nature of the Annals’ contribution to the
development of the study of History in terms of its relationship
with other social science disciplines? What are the features of the
integrative approach that distinguish it from other historical
approaches? What are the differences and similarities between
the Annals School and other pleas that emerged from it? Does the
plea for return to the concept of ’’New History” or
’’Contemporary History” mean that the Annals School has lost
its ability to address contemporary issues or is this plea a natural
development of the Annals’ approaches? Before answering these
questions, the present study will examine the concept of
historical knowledge, the status of History from the point of view
of Western European epistemology and historiography, and how
History had shifted from its descriptive-positivist framework to a
level where its general rules were drawn from philosophical
theories.

40 2017 ‫اجمللة العربية للعلوم اإلنسانية‬

Powered by TCPDF (www.tcpdf.org)

You might also like