You are on page 1of 245

‫كن أنت‬

‫رحلة البحث عن ذاتك الكونية‬


‫تأليف إيهاب حمارنة‬
‫تحويل وتنسيق‬
‫د‪ /‬حازم مسعود‬
‫ال َعهْدُ‬
‫أخطه أنا‪ ،‬وأنت بهدف تيسير الطريق‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫واضح‬
‫ٍ‬ ‫هي رغبة ال ِكتاب أن يبدأ بعه ٍد‬
‫تخطها مع شركة االتصاالت عند‬ ‫ّ‬ ‫وتحقيق ال ُمبتغى‪ .‬وليس هذا العهد اتفاقيّة تقليديّة‬
‫تجديد اشتراك الهاتف‪ ،‬بل هو عهد صادق نحاكي به ذواتنا األصليّة‪ ،‬ونتعهد فيه‬
‫أن يكون الكتاب الوسيلة‪ ،‬والطريق لمنهج حياة جديد‪ ،‬يرتقي بك وباإلنسانيّة عامة‬
‫إلى آفاق الحياة العليا‪.‬‬
‫فلنبدأ العهد بالتذكير بمبتغى الكتاب وهو‪« :‬كن أنت»‪ ،‬نعم‪ ،‬هو بهذه البساطة‪ :‬كن‬
‫أنت‪ ،‬ففي رحم هذا المسعى تتجلّى أنصع أشكال الصدق؛ الصدق المصفّى من أنواع‬
‫التزوير كافة‪ ،‬والمجامالت الكذابة‪ .‬فسترى في رحلة الكتاب انفضاحا ألركان‬
‫الحقيقة كما هي‪ ،‬وإن كان في كلمة «االنفضاح» شيء من القسوة‪ ،‬فهي تلك القسوة‬
‫ي‪ .‬وسأكون أول من ارتضى أن‬ ‫الحنونة التي يلبّي بها الكتاب ت َْوق الحقيقة فيك وف ّ‬
‫التعري يكون تذكيرا بحقيقتك الكاملة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يفضح نفسه ألقدّمها لك عارية‪ ،‬ع ّل هذا‬
‫وانجالء ِل َوهم األقنعة التي س ّم َمت جسد البشرية على مدار قرون‪ .‬وبهذا لن تراني‬
‫ليعريني‪،‬‬
‫أحاول أن أستر نفسي ألدّعي المثالية‪ ،‬بل سأعطي الكتاب الحريّة الكاملة ّ‬
‫ويعري أفكاري الداخليّة كلمة وراء كلمة‪ ،‬لتسطع لك رحلة اكتشاف الذات كما هي‬ ‫ّ‬
‫بك ّل جوانبها‪ ،‬وأركانها‪ .‬فع ّل منظوري‪ ،‬وخبرتي الشخصيّة يضيفان إليك جزءا من‬
‫صلة‪ ،‬وكيف للكتاب‬ ‫ت للواقع ِب ِ‬‫ي لهذه الرحلة ال يَ ُم ّ‬ ‫الحقيقة الصادقة‪ ،‬بال وصف َو ْر ِد ٍّ‬
‫أن يحقّق مبتغاه إن لم يكن الكاتب صادقا؟!‬
‫طلَقة الذي يخيف كياني‪ ،‬وترتجف له أضلعي‪،‬‬ ‫بهذا المستوى من الصراحة ال ُم ْ‬
‫سيحقق الكتاب مبتغاه كوسيلة اتصال صادقة‪ ،‬يحاكي بها أعماق ذاتك ومستوراتها‪.‬‬
‫ُحضر لك الكتاب‪ ،‬وبأسلوبه الخاص التعاليم‪ ،‬والحجج والبراهين‪ ،‬لتساعدك‬ ‫لهذا سي ِ‬
‫في رحلة اكتشاف الذات‪ ،‬ومن ث ّم التعبير الكامل‪ ،‬والخالص عنها‪.‬‬
‫ال يسعى الكتاب أن يكون جرعة حماس آنيّة قد يزول أثرها عند انتهاء المفعول‪،‬‬
‫وال هو كتاب آخر في تطوير الذات‪ ،‬أو تدعيم الشخصيّة‪ ،‬بل هو تعاليم عميقة في‬
‫صلب اكتشاف الذات‪ ،‬وفي هذا تج ٍّل ألعلى مستويات الوحدة والتمكين‪ ،‬ليصحبك‬ ‫ُ‬
‫قوة ال ُمغيّر‪ ،‬ورسالته الفريدة‪.‬‬‫قوتك الكونيّة‪ّ ،‬‬ ‫قوتك األصليّة‪ّ ،‬‬ ‫الكتاب مباشرة إلى ّ‬
‫القوة تقبع في داخلك اآلن منتظرة ِلحبّات الساعة الرمليّة أن تفرغ‪ ،‬وها هي‬ ‫وهذه ّ‬
‫القوة قد حان‪.‬‬
‫قد فرغت اآلن ‪ ،‬وها هو زمن ّ‬
‫كبير من الكتاب‪ ،‬وربَّما الجزء األكبر‪ ،‬يكمن في أن يضع رحلة حياتي بين‬ ‫ٌ‬ ‫جز ٌء‬
‫يديك‪ ،‬لترى ما تخلَّل هذه الرحلة من تحدّيات وحتى اآلالم‪ ،‬فأنا كما قلت ال أنوي‬
‫أن أرسم لك صورة ورديّة لهذه الرحلة‪ ،‬ومن المؤكد أني ال أنوي أن أظهر نفسي‬
‫بمظهر الضليع بدهاليز الطريق‪ .‬فالحقيقة أني ما زلت أ ْكذِب‪ ،‬وأَلبَس األقنعة الرثّة‪،‬‬
‫وأغطي نفسي بدراية أو دون دراية‪ ،‬ولكن ما أستطيع أن أتع ّهدك به هو أن عشقي‬ ‫ّ‬
‫للحقيقة‪ ،‬والتعبير الصادق عن الذات فاق كل المقاييس‪ ،‬ورمى بكل أولويّاتي إلى‬
‫ح ِيّز ثانوي مقارنة بهذا العشق األزلي‪ .‬بمنهج هذا العشق سنبتعد عن المثاليّة‬
‫والتملّق‪ ،‬ليكون هذا الكتاب شافيا لي قبل أن يكون شافيا لك‪ ،‬فال تعتقد أني أجلس‬
‫ي بكلمات فخمة في مظهرها‬ ‫برج عاج ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫هنا مكان ال ُمعلّم المتعجرف‪ ،‬أرمي من‬
‫رخيصة في مضمونها‪ ،‬فأنا أتع ّهد أن أمشي معك رحلة الكتاب خطوة بخطوة‪ ،‬فكما‬
‫قلت‪ ،‬هو شافٍ لي قبل أن يكون شافيا لك‪.‬‬
‫شجاع‬ ‫الحق ليس ذلك ال َع ِ ّريف الضّليع بأسرار الحياة‪ ،‬بل هو الر ّحالة ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫فال ُمعلّم‬
‫وال ُمخ ِلص في طلب ال ِعلم‪ ،‬ال ُمعلّم الحق هو من ارتضى على نفسه أن يسافر في‬
‫غير‬
‫ق ِ‬ ‫أبعاد الذات الداخليّة‪ ،‬ويقتحم كهوف الخوف اإلنسانيّة‪ ،‬مندفعا إلى أعما ٍ‬
‫يفضّل الشخص التقليدي الموت على أن يغطس فيها‪ ،‬عارفا أن هذا‬ ‫مسبوقة‪ ،‬قد ِ‬
‫الترحال تدفعه نيّة المشاركة والتغيير‪ .‬وال ُمعلّم هو أيضا ذلك الطالب المجتهد الذي‬
‫ليتحول بذلك إلى مذ ِ ّكر لما كان أصيال فيك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التزم بالتساؤل والتم ّحص المستمر‪،‬‬
‫ومرشدا ل ُمرشدك الداخلي‪ .‬بهذا الوصف‪ ،‬أ ُ ْقدِر أن أقول لك إني أُمثّل دور المعلم‬
‫سل ْكت‪ ،‬وسأسلك‬ ‫خير تمثيل ‪ ،‬ليس من ِكبْر‪ ،‬وإنما من اإلقرار الصادق للطريق الذي َ‬
‫ع ْهد أخذته على نفسي قبل‬ ‫حتى الممات‪ .‬فَدَ ْور ال ُمعلّم‪ -‬أو باألحرى المذ ّكر‪ -‬هو َ‬
‫الوالدة‪ ،‬حتى إن لم أعِ بذلك‪ ،‬ولكن في النهاية‪ ،‬أنت وحدك القادر أن ت َ ْسلُك رحلة‬
‫اكتشاف الذات‪ ،‬فرحلتك أصيلة وذاتك أصيلة‪ ،‬وكيف ال؟ فالكون ال يُ ِعيد الخ َْلق‬
‫مرتَيْن‪ ،‬فكلمة «منسوخ» ليست موجودة في فهرس المعاجم الكونيّة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫المثْل! ودَ ْعنِي أوضّح ماذا أعني‬ ‫واآلن وفي هذا العهد الصادق‪ ،‬سأطلب منك ِ‬
‫بالمثْل‪.‬‬‫ِ‬
‫صدق‪ ،‬ليرشدك إلى ذاتك األصليّة الموجودة فيك منذ‬ ‫هذا الكتاب أتى من َر ِحم ال ّ‬
‫األزل‪ ،‬وأ َ َمل الكتاب المت ّ ِقد هو أن َيراك واضحا مع نفسك‪ ،‬وصارخا لحقيقتك الكاملة‬
‫صدُقَ مع نفسك ليحقّق الكتاب هذا المبتغى‪.‬‬ ‫في أُذُن الحياة؛ ولذلك ال بُدّ أن ت َ ْ‬
‫صدق جليّة لك عند القراءة‪.‬‬ ‫وستظهر معاني هذا ال ّ‬
‫صدق هو البادئ والخاتم‪ ،‬وإن‬ ‫ط هذا العهد بيني وبينك‪ ،‬ليكون ال ّ‬ ‫ضلتُ أن أ َ ُخ ّ‬‫لقد ف ّ‬
‫ي‬ ‫صدق‪ ،‬فهذا يُحترم‪ ،‬ومن دون أ ِّ‬ ‫لم تكن قادرا على مجاراة هذا المستوى من ال ّ‬
‫ب ال ُم ِحبّ أن تترك الكتاب‪ ،‬وع ّل ما ت ّم صرفه على‬ ‫شعور باألسى سأطلُب منك بِقل ِ‬
‫تبرعا كريما من حضرتك لمسعى هذا الكتاب‪ ،‬وهو االرتقاء‬ ‫شراء الكتاب يعتبر ُّ‬
‫ت جاهزا لهذا التح ِدّي‪ ،‬وأنا أكاد‬ ‫إن ُك ْن َ‬ ‫بالبشرية إلى روحها األصليّة‪ .‬وبالمقابل‪ْ ،‬‬
‫(وإال لما جذبك الكتاب)‪ ،‬أ ِعدُك أن جميع كلمات الكتاب‪ ،‬وما بعد‬ ‫ّ‬ ‫أجزم أنك كذلك‬
‫كلماته‪ ،‬ستعمل لخدمتك‪.‬‬
‫حارا ّأال تقرأ هذا الكتاب من مكان تحليلي‬ ‫أر ُج َك رجاء ًّ‬ ‫كي نكمل العهد بيننا‪ ،‬دعْني ْ‬
‫َبحْ ت‪ ،‬بل اقرأه كما هو بسكون واستمتاع‪ ،‬فالكتاب ال ينوي أن يحاكي عقلك التحليلي‬
‫عمق‬ ‫الالواعي‪ ،‬وما بعد ذلك إلى ُ‬ ‫فقط‪ ،‬بل يذهب إلى بُعدَيْن آخرين‪ ،‬وهما العقل ّ‬
‫الروح‪ .‬ولتحقيق هذا الخطاب المتكامل‪ ،‬فسيتع ّمد الكتاب استعمال لغة شموليّة‪،‬‬
‫َي ْم ِزج فيها بين الكلمات الشعريّة والعمليّة‪ ،‬بين األرض والخيال‪ ،‬بين التحليل الذهني‬
‫سك الظاهريّة والباطنيّة‪ ،‬ويقودُك إلى رسال ٍة واحدةٍ‬ ‫والروحي‪ ،‬علّه َيفت َ ُح بذلك حوا ّ‬
‫أن «ال شيء أه ّم من أن تكون أنت»‪.‬‬ ‫مفادها ّ‬
‫فال تس َع أن تف ِ ّك َر في الكلمات‪ ،‬وتحلّلها كثيرا‪ ،‬وإنما دعها تعمل كنوع من التأمل‬
‫طن في التحليل‪ ،‬والمنطق البَحْ ت (وال حتى بكلمات‬ ‫ساحر‪ ،‬فما تبحث عنه ال يَ ْق ُ‬ ‫ال ّ‬
‫الكتاب يرشدك إلى هذا السكون‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الكتاب!) وإنما في السكون المخبّأ خلفها‪ .‬فَدَعِ‬
‫واقرأه كما تستمتع بالموسيقى‪ :‬بقليل من التحليل‪ ،‬وكثير من األحاسيس الرقيقة‪ ،‬ففي‬
‫لبوابات المعارف العظمى‪.‬‬ ‫ي ّ‬ ‫ِرقَّ ِة هذه األحاسيس يَ ْك ُم ُن المفتاح األصل ّ‬
‫وسترى من خالل كلمات الكتاب أن العديد من المفاهيم قد يبدو فيها شي ٌء من‬
‫التكرار‪ ،‬أرجو منك َّأال تخلط بين األسلوب الممنهج للكتاب والتكرار‪ ،‬فالكتاب يعمل‬
‫بدوائر مغلقة‪ ،‬كلّها ترجع إلى نقطة التوحيد‪ ،‬وهي التوضيح األعمق لألهمية المطلقة‬
‫بأن تكون أنت‪ .‬هذا األسلوب قد يبدو للذهن السطحي كنوع من التكرار‪ ،‬ولكنه في‬
‫وكأن الكتاب يزرع‬ ‫ّ‬ ‫إبراز لمفاهيم معيّنة‪ ،‬ومن ث َّم الغوص في أعماقها‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الواقع هو‬
‫أكثر‪ ،‬وأكثر لت ْنضج إلى ثمرة‬ ‫َ‬ ‫فكرة معينة في ت ُ ْربَتك الذهنية‪ ،‬ومن ث َّم يسقيها‬
‫المعرفة‪ .‬فال تعتقد أن في «التكرار» محاولة لتعبئة الصفحات‪ ،‬بل هي معرفة‬
‫ع ْمقا سيتجلَّى لك ثناياه من خالل الصفحات‪ ،‬لتسطع‬ ‫أن في ك ِّل «تكرار» ُ‬ ‫ضمنيّة َّ‬
‫أمامك األهميّة الكاملة ألن تكون أنت‪.‬‬
‫وأخيرا‪ ،‬و ِلحرصي عليك‪ ،‬سأطلب منك أن تقرأ الكتاب كما هو من البداية حتى‬
‫س ليأخذك في رحل ٍة ممنهجة‪ ،‬وما طعم‬ ‫النهاية ومن دون ق ْفز؛ ألن الكتاب ُمهندَ ٌ‬
‫صدُقَ معك‪ .‬وسترى من خالل‬ ‫الرحلة إن قفزت إلى منتصفها‪ ،‬فكن صادقا معه ليَ ْ‬
‫وكأن هذه الرحلة هي رحلة‬‫ّ‬ ‫أن رحلة حياتي ساكنة في ك ِّل الكلمات‪،‬‬ ‫صفحات الكتاب َّ‬
‫من أعماق قلبي‪ ،‬لتدخل في النّهاية إلى قلبك أنت‪ ،‬وفي الحقيقة‪ ،‬ليس هناك َّإال قلب‬
‫واحد‪ ،‬قلب الحياة الواحد‪ ،‬وإن كانت تعابيره فريدة‪.‬‬
‫أن ما يضيء في سماء نفسك‬ ‫وإن بدأ الكتاب بفتح ألغازه لك‪ ،‬فال تعتقد للحظة َّ‬
‫دخيل عليك من كلمات الكتاب ذاته‪ ،‬بل على العكس تماما‪ ،‬فهذه واحدة من الخرافات‬
‫التي يسعى الكتاب لتبديدها‪ ،‬فالحكمة ال يمكن أن تأتي من الخارج؛ ألن بيتها كان‬
‫لديك أصال‪ ،‬وما على الكتاب َّإال‬
‫َ‬ ‫معروف‬
‫ٌ‬ ‫سيُ ْفت َح في نفسك‬
‫وما زال باطنيًّا‪ ،‬فك ُّل ما َ‬
‫وشرف لي أن تكون كلمات الكتاب ت َذكارا لما تعرفه م ْنذ أصل الزمان‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫أن يذ ّكرك به‪،‬‬
‫فلتضع َيدَ َك بيدي‪ ،‬ولنبدأ الرحلة سويًّا… رحلة التعبير الكامل عن الذات‪ ،‬أو‬ ‫ْ‬
‫باألحرى ثورة التعبير الكامل عن الذات‪.‬‬
‫صحْ وة من الزيف إلى الصدق‪.‬‬ ‫هي ثورة ال َّ‬
‫صة‬
‫بدايةُالق ّ‬
‫تتحول إلى وسيل ِة تغيير بالعالم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ي شخص قبل عام ‪« :٢٠١٢‬سوف‬ ‫لو قال لي أ ُّ‬
‫قوتهم األصليّة‪ ،‬وستش ِ ّكل رسالة ثوريّة بعنوان‪( :‬رسالة‬ ‫وتساعدُ الكثيرين في إيقاظ ّ‬
‫كن أنت)‪ ،‬وهدفها تجسيد الذات الحقيقية على األرض لحظة بلحظةٍ‪ ،‬وفي ك ّل نواحي‬
‫ض ِح ْكتُ‬‫الحياة‪ ،‬لتخلق جسورا بين الحضارات‪ ،‬وتُذَ ّكر الناس بوحدتهم في الصميم‪ ،‬لَ َ‬
‫ت‪ ،‬ليس فقط لبُ ْع ِد هذا الوصف عني آنذاك‪ ،‬بل باألحرى لخوفي العميق‬ ‫حتى دَ َمعَ ْ‬
‫سرا كبيرا‬ ‫سه في أعماقي هو الحقيقة‪ ،‬وهو أن الحياة تخبّئ لي ًّ‬ ‫من أن ما كنت أح ّ‬
‫في المستقبل‪ .‬قد يكون هذا الضّحك نوعا من الحماية لهذا الخوف الدفين‪ ،‬الذي‬
‫سيأتي عليه يوم لينجلي فيه من زيفه‪ ،‬مثْبتا لي أن ما يدور في قلب الخيال هو أقرب‬
‫إلى الحقيقة‪ ،‬وللتوضيح‪ ،‬الحقيقة التي أعنيها هنا هي ليست َّإال حقيقتك الشخصيّة‪،‬‬
‫ذلك الجزء األصيل فيك‪.‬‬
‫ومن المؤ ّكد أنّك اختبرت هذه األفكار الصادقة في السابق‪ ،‬ربَّما اختبرتها في‬
‫أعظم م ّما‬
‫َ‬ ‫تقص عليك بصوتها الواثق‪ :‬أنت هنا لشيءٍ‬ ‫ُّ‬ ‫معزوفة صمتك الساكنة‪،‬‬
‫طلَق عليه ال ُمجْ ت َمع‬ ‫تتخيل‪ ،‬أنت هنا للتغيير‪ ،‬أنت هنا للقيادة‪ ،‬ولكن الخوف الذي أ َ ْ‬
‫ض بمخالبه‪ ،‬وأسنأنه محاوال‬ ‫مس ّمى‪ :‬رجاحة العقل والتحليل الناضج‪ ،‬سرعان ما َي ْنقَ ُّ‬
‫أن يقتل هذا الصوت الغامض‪ ،‬ولكن هيهات أن يفعل‪ ،‬فالمكان الذي انبثق منه هذا‬
‫الصوت خالد‪ ،‬وال يمكن لقوى الحياة كافة أن ت ُ ْس ِكت َه‪.‬‬
‫الصوت الساكن الذي ينادي في الخلفيّة إلى‬ ‫َ‬ ‫فأنا‪ ،‬وأنت نَ ْعرف ّ‬
‫حق المعرفة هذا‬
‫رحلتك الفريدة‪ ،‬ينادي إلى طريق المغامرة والمجهول‪ ،‬ومهما حاولت التخلص منه‪،‬‬
‫سد‬ ‫تجده راسخا خلف ضجيج األفكار‪ .‬وكثير من القصص واألفالم حاولت أن تج ِ ّ‬
‫لنا صوت النداء الداخلي بطريقتها الخاصة‪ ،‬بفيلم «المصفوفة ‪ »Matrix‬مثال‪ ،‬نرى‬
‫الهاتف يَ ِر ُّن طوال الوقت والبطل (نِيو) يَ ُمر بجانبه غير مكترث‪ ،‬ولكن هذا الفضول‬
‫الوجودي ال يزول‪ ،‬والرنين يستمر حتى يُلَبّي البطل النداء‪ .‬هذه كانت حالي‪ ،‬فهذا‬
‫الرنين ينادي وينادي‪ ،‬ولكن ضجيج المجتمع بداخلي يصرخ ويقول‪ :‬خلّيك‬
‫«واقعي» وما تحلم‪.‬‬
‫الرنين‪ ،‬حتى إنّني كنت أ َ ُحوم في غرفة‬ ‫في بداية المراهقة‪ ،‬كنت أسافر مع هذا َّ‬
‫ي اسم «سرحانة»‬ ‫الطالب أطلقوا عل َّ‬ ‫ّ‬ ‫أن‬‫الصف بتأ ُّمالت كونيّة لم أعِ وزنها‪ ،‬لدرجة ّ‬
‫تحول ترحالي الداخلي‬ ‫كنوعٍ من التهكم‪ ،‬مشيرين النفصالي عن «الواقع»‪ ،‬وبهذا َّ‬
‫لت عالقتي مع الرنين المر ِش ِد‬ ‫وتحو ْ‬‫ّ‬ ‫لنوعٍ من العار الذي وجب التخلص منه‪،‬‬
‫ضتُ عليك شيئا من قصتي‪ ،‬فهي لتعمل َك ُمل ِهم ورابط بيننا؛ كي‬ ‫ع َر ْ‬
‫للعداونيّة‪ .‬وإن َ‬
‫ال يكون الكاتب بعيدا عنك والكتاب باردا في طرحه‪ ،‬وترى أننا نتشارك في‬
‫اإلنسانيّة‪ ،‬وفي القيود المجتمعيّة‪ ،‬وفي المعاناة‪ ،‬وفي األحالم‪ ،‬وإن اختلفت طرق‬
‫التعبير عنها‪.‬‬
‫فاسمح لي أن أسافر بك في رحلتي الخاصة‪.‬‬
‫ولدت في إحدى بقاع الكرة األرضية ‪،‬في مدينة صغيرة يعرف الغالبية َبعضهم‬
‫البعض‪ ،‬وكأي شخص طبيعي‪ ،‬تجد هناك‪ ،‬القوانين والمكبّالت الذهنيّة التي عليك‬
‫التقيّد بها‪ .‬فهذه القوانين تُحْ قَن في َو ِريد نفسك على أنها قوانين كونيّة‪ ،‬لتُحدّد بشكل‬
‫قاطع ما يجوز‪ ،‬أو ال يجوز ِف ْعلُه على مدار الحياة‪ ،‬وربما هذه المعاناة هي نفسها‬
‫ط ِلق‬‫التي ي ُم ّر بها الكثيرون في البالد القبلية من كثرة المقبول‪ ،‬وغير المقبول‪ .‬وقد نُ ْ‬
‫على هذه الحالة بـ «ثقافة العيب»‪ ،‬فال َعيْب هو ما تقترفه‪ ،‬أو حتى تفكر باقترافه‪،‬‬
‫ي‪.‬‬
‫بالمعزل عن الموروث االجتماع ّ‬
‫تطغى ثقافة العيب على أشكال الحياة كافّة هناك‪ ،‬فالتصرف له طريقة معينة‪،‬‬
‫والكالم له طريقة معينة‪ ،‬والتعامل مع األكبر سنًّا له طريقة معينة‪ ،‬كما أن لك ٍّل من‬
‫الرجل والمرأة أدوارا محدَّدة‪ ،‬وحريّات محدّدة‪ ،‬ناهيك عن الخطوط الحمراء التي‬
‫ال تُخترق‪ ،‬كالتعبير الجنسي‪ ،‬واألعراف العقائدية‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وكسر هذه القوانين‬
‫المبرمجة قد ال يكون مدعاة فقط إلى العار‪ ،‬بل حتى إلى التعنيف‪ ،‬أو القتل!‬
‫أنا ال أريد هنا أن أرسم لك صورة فظيعة عن مسقط رأسي‪ ،‬وكأنّي كنت أعيش‬
‫الالمحدود من‬ ‫بغابة من الوحوش‪ ،‬فطيبة القلب هي السائدة هناك أيضا‪ ،‬والكرم ّ‬
‫ي مجتمع قَبَ ِلي الت ّ َو ّجه‪ ،‬هناك الكثير من القوانين‬ ‫ال ّ‬
‫شيَ ِم األصليّة‪ ،‬ولكن حالها حال أ ّ‬
‫التي تحكمه‪ ،‬والتي نس ّميها هناك بالعادات والتقاليد‪ .‬وغرضي من إظهار الخبرة‬
‫ألفجر‬
‫ي تعدّيها‪ّ ِ ،‬‬ ‫التي عشتها‪ ،‬ألريك بصدق كامل نوعية القيود الشرسة التي كان عل َّ‬
‫المثْل‪ ،‬وهي رحلة مستمرة‪.‬‬ ‫من داخلي رسالة كن أنت‪ ،‬وأساعد اآلخرين في ِ‬
‫ي طفل هناك‪ ،‬فمنذ الصغر بدأت أُصدّق‬ ‫فلنعد إلى القصة‪ :‬كان حالي كحال أ ّ‬
‫برمجيات العادات والتقاليد‪ ،‬حتى انطفأ بريق الحياة مني‪ ،‬وأصبحت كالروبوت‬
‫ال ُم َو ّجه ببرامج الصحيح والخاطئ‪ .‬والمشكلة أن هذه البرامج لم تقتصر على تكبيل‬
‫الحياة‪ ،‬وخنق التعبير الصادق‪ ،‬بل كانت تصل إلى منحى شديد الخطورة‪ ،‬بتجذيرها‬
‫للكراهية بين الناس باسم الهوية العائلية‪ ،‬أو الدينية‪.‬‬
‫عري كالمي من المجامالت‬ ‫وبما أننا عهدنا الصراحة في هذا الكتاب‪ ،‬وعهدتك أن أ ُ ّ‬
‫صة الدين‪،‬‬ ‫الكذابة‪ ،‬فدعني أوضح لك الصورة الكاملة‪ ،‬من ذكريات طفولتي هي ح ّ‬
‫حرض على رفض اآلخر‪ ،‬وت ُ َ‬
‫ص ّور لنا‬ ‫التي كانت في كثير من الوقت تعمل ك ُم ّ‬
‫صة الدين ‪ -‬وبحسن نيّة‪-‬‬ ‫عدُ ّو لَدود‪ .‬فكان المعلمون في ح ّ‬ ‫األديان األخرى على أنها َ‬
‫يكررون على مسامعنا المضمون ذاته‪ :‬أتباع الديانات األخرى مخطئون‪ ،‬وسوف‬ ‫ِّ‬
‫يذهبون إلى جهنّم‪ ،‬ونحن أتباع الدين الصحيح‪ ،‬ولم يتوقف التحريض العنصري‬
‫عند هذا الحدّ‪ ،‬فقد كان ينتشر بين من يتشاركون الدين نفسه‪ ،‬ولكن من طائفة أخرى‪،‬‬
‫بوصفهم مق ِلّدين‪ ،‬أو خونة للدين األصلي‪ ،‬وهو ما ينافي الرسالة األساسية لك ّل‬
‫األديان‪ ،‬أال وهي الحب والوحدة‪.‬‬
‫استمرت رحلة الكراهية‪ ،‬والرفض لآلخر خالل حياتي‪ ،‬متنبنّيا أفكار االنفصال‬
‫صل ألعلى‬ ‫أن من يعلّمنا في المدارس‪ ،‬والمجتمع قد َو َ‬ ‫واحدة تِ َلو األخرى‪ ،‬معتقدا ّ‬
‫مراتب النضج والدراية‪ ،‬فكيف لي أنا الصغير الجاهل أن أرفضها؟‬
‫صة الدين وحسب‪ ،‬وإنّما است َشرت في‬ ‫ولم تتوقف ثقافة الكراهية المكررة عند ح ّ‬
‫جميع أركان الحياة‪ ،‬وبذلك‪ ،‬لم تقتصر العداوة على األديان األخرى‪ ،‬بل طالت‬
‫العائالت األخرى كذلك‪ .‬ففي أي بلد عشائري التوجه‪ ،‬ترى فيه العائلة رمز للفخر‪،‬‬
‫ويسري االعتقاد الظاهر‪ ،‬أو الباطن أن األشخاص من العائالت األخرى هم‬
‫المخطئون‪ ،‬ونحن على حق‪ ،‬وكما قلت‪ ،‬فإن المقصد هنا ليس إظهار مسقط رأسي‬
‫على أنها غابة من الوحوش‪ ،‬فهناك الكثير من الجوانب الجميلة للحياة هناك‪ ،‬ولكن‬
‫الغرض هو إضفاء نوع من الوعي على المقيّدات الموجودة فيها‪.‬‬
‫ي لك ِّل هذه األنظمة الفكرية‪ ،‬بدأتُ فقدان االتصال بذاتي األصليّة‪ ،‬وغدا‬ ‫ومع تبن َّ‬
‫إحساسي بالخوف‪ ،‬والضعف كالعنوان السائد في حياتي‪ .‬وم َّما يدعو للغرابة أننا‬
‫نطلق كلمة «ضعيف» على صاحب الجسم النّحيل‪ ،‬وبما أن جسمي نحيل‪ ،‬كانت‬
‫الجملة التي تتكرر على مسامعي يوميًّا‪« :‬إيهاب‪ ،‬صاير ضعيف»‪ ،‬لتم ّكن بذلك من‬
‫صورة االستضعاف التي أحملها أصال‪ ،‬ليس تمكينا إيجابِيًّا‪ ،‬بل تمكينا للضعف‬
‫الداخلي‪ ،‬حتى انغرست صورة الضعيف في وجداني‪ .‬ومن هذا اإلحساس بالضعف‪،‬‬
‫بدأت سلسلة أخرى من المعاناة‪ ،‬وهي قصتي مع التن ُّمر‪.‬‬
‫ففي حوالي عمر الحادية عشرة‪ ،‬بدأ التن ُّمر يقتحم حياتي‪ ،‬وبالرغم من محاوالتي‬
‫أن سؤال «ليه بصير معي‬ ‫لفهم سبب وقوعه‪ّ ،‬إال أنه كان يزداد يوما بعد يوم‪ ،‬حتى ّ‬
‫ت معروفا ِب َكوني الشاب اللطيف‪،‬‬ ‫هيك؟» أصبح يتكرر في رأسي كالشريط‪ ،‬و ِب ُّ‬
‫ولكنه الفريسة األسهل للتعليقات‪ .‬كنت أتمنى أن ينتهى هذا الحلم المزعج‪ ،‬وكان‬
‫اشتهائي لالحترام الخارجي‪ ،‬كعطش الظمآن للماء‪ ،‬لكن لم يكن ِل َوا َح ِة الماء أن‬
‫تظهر… ليس بعد!‬
‫أذكر أنّه في يوم من األيام‪ ،‬كنت أشارك بمبارة كرة القدم ضمن دوري المدرسة‪،‬‬
‫وكعادتي كنت أحلم بهذه اللحظة ألسابيع عدّة‪ ،‬فاالنطالق إلى الملعب يوازي أعلى‬
‫درجات الحريّة عندي آنذاك‪ .‬عندما بدأت المبارة بدأت الركض بك ِّل طاقتي ألخدم‬
‫فريقي للفوز‪ ،‬كنت كالصقر الذي يُحلّق في الملعب‪ ،‬حتى أصابني سهم في الرأس!‬
‫ما حدث أنه في نصف المبارة بدأ طالب المدرسة‪ ،‬وحتى بعض األساتذة‪ ،‬يغنون‬
‫باسمي‪ ،‬ال تخطئ هذا الغناء بالتحميس‪ ،‬فهو كان النقيض من ذلك؛ ألنه كان‬
‫لالستهزاء طبعا‪ ،‬ولك أن تتخيل شعور طف ٍل في قمة َوه َِج ِه‪ ،‬يواجه جموعا كاملة‬ ‫ِ‬
‫تستهزئ منه‪.‬‬
‫الخ ْزيِ‪ ،‬والغضب يُغلّف ضلوعي‪.‬‬ ‫عدت ذلك اليوم إلى البيت مسرعا‪ ،‬وإحساس ِ‬
‫أدر ماذا أفعل حينها‪ ،‬فقمت برسم صور األشخاص الذين أكثروا االستهزاء منّي‬ ‫لم ِ‬
‫طلق على صورهم الرصاص من بندقيّة الصيد الصغيرة‬ ‫في المبارة‪ ،‬وبدأتُ أ ُ ْ‬
‫يشف هذا وجعي‪ ،‬وكان إحساس الخوف من الناس يتزايد يوما‬ ‫ِ‬ ‫خاصتي‪ .‬طبعا لم‬
‫بعد يوم‪ ،‬وإحساسي معه بالقيمة يتهاوى‪ ،‬حتى انعدم تقريبا‪ ،‬أ ّما القيمة الوحيدة التي‬
‫بقيتُ متش ِبّثا بها‪ ،‬فهي إحساسي بأني ابن القاضي‪ ،‬فأبي كان قاضيا معروفا في‬
‫المنطقة‪.‬‬
‫مع أن القصة قد تبدو مليئة بالدراما‪ ،‬تذ ّكر أن الغرض ليس الظهور بمظهر‬
‫مر بمعاناته الخاصة التي تتفق مع‬ ‫الضحيّة‪ ،‬وإنما تعميق المعرفة‪ ،‬فك ٌّل فينا قد ّ‬
‫رسالته الفريدة‪ .‬وأنا أرى اآلن بوضوح كيف أن هذه األحداث‪ ،‬وإحساس الضعف‪،‬‬
‫ت منه رسالتي العليا التي‬ ‫هما النعم الكبرى في حياتي؛ ألنهما ألم المخاض الذي ُولدَ ْ‬
‫تتمثل بالتمكين في صميمها‪.‬‬
‫فلنكمل…‬
‫كبرت وأنا أحاول أن أخفي هذه المعاناة عن نفسي والناس‪ ،‬بوضع األقنعة الزائفة‬
‫صدُقُ َك القول‪ ،‬فقد ارتقت قدرتي‬ ‫ي في الحياة‪ .‬وكي أ َ ْ‬ ‫ض ِّ‬
‫تلو األخرى‪ ،‬كاستراتيجية لل ُم ِ‬
‫أن الحاجة الجارفة لكسب االحترام‬ ‫على التعامل مع التن ُّمر‪ ،‬وخفّت ِحدَّتُهُ كثيرا‪ّ ،‬إال ّ‬
‫لم تهدأ البتَّة؛ لذلك اخترت أن أدرس ما يعتبر في ذهن الناس بالوظيفة المحترمة‪،‬‬
‫وهو إ ّما الطب‪ ،‬أو الصيدلة‪ ،‬أو الهندسة‪ ،‬وأنا درست الهندسة‪.‬‬
‫ي اهتمام حينها بالهندسة‪ ،‬أو حتى بالحياة بشكل عام‪ ،‬وأذكر أنني‬ ‫لم يكن عندي أ ّ‬
‫عندما كنت أذهب إلى المحاضرات‪ ،‬كنت أركض إلى الد ُّْرج الخلفي وأنام‪ ،‬وحتى‬
‫تخرجتُ في‬ ‫صور وأنا نائم في المحاضرات! وعندما ّ‬ ‫اآلن ما زال لدي الكثير من ال ّ‬
‫ف‬ ‫أن حتى لقب المهندس لم يَ ْش ِ‬‫الجامعة‪ ،‬عادت الصدمة من جديد‪ ،‬عندما أدركتُ ّ‬
‫إحساس الضَّعف‪ ،‬وقلَّة االحترام في داخلي‪.‬‬
‫في خالل سنوات العمل بالهندسة‪ ،‬بقيتُ ذلك الشاب الطيب المستكين‪ ،‬حتى إنه في‬
‫عملي األخير‪ ،‬ناداني المدير من األسبوع األول‪ ،‬وقال لي‪»:‬إيهاب‪ ،‬أنت طيب‪،‬‬
‫وهذا ال ينفع هنا‪ ،‬كما أنني ال أرى أن لديك أية قدرات لتصبح أكثر من سكرتير‪،‬‬
‫وتلك مشكلة عليك التعامل معها‪ »،‬طبعا أنا ال أقصد هنا االنتقاص من دور‬
‫وح واحدةٍ متكاملة‪ ،‬ولكن ما عناه المديرفي ذلك‬ ‫السكرتير‪ ،‬فأنا أرى الناس اآلن َك ُر ٍ‬
‫الوقت هو أنني ال أصلح لشيءٍ في مجال الهندسة‪.‬‬
‫أذكر حينها أني رجعت للبيت‪ ،‬وبدأت التأ ّمل في حائط الغرفة‪ ،‬وأنا أفكر في قرارة‬
‫لي‬
‫أن الهندسة ستجلب َ‬ ‫نفسي‪« :‬متى ستنتهي هذه المعاناة؟»‪ ،‬فقد كنت متو ّهما ّ‬
‫االحترام‪ ،‬ولكنها هي األخرى انقلبت ضدي‪ .‬هنا بدأت االستيعاب أن أسلوب‬
‫ي عن االحترام‪ ،‬والتمكين‬ ‫الضحية الذي كنت أت ّ ِبعه لم يعد ُمجديا‪ ،‬وأن البحث الخارج ّ‬
‫ي التفكير باستراتيجية جديدة‪.‬‬
‫آن أن تنتهي صالحيته‪ ،‬وبات عل ّ‬
‫ّ‬
‫الخطة القَلبيّة قد‬ ‫ص ْدق تأملي في تلك الليلة؛ وألن وقت‬ ‫وربما ‪ -‬وأقول ربما ‪ِ -‬ل ِ‬
‫حان‪ ،‬حدث التغيير المفاجئ‪.‬‬
‫لحظة التغيير…‬
‫بعد هذه الحادثة‪ ،‬أحسست بنوع من الرغبة الحدسيّة للسفر‪ ،‬مع أنني كنت أجهل‬
‫معنى ال َح ْدس في ذلك الوقت‪ ،‬فتكلَّ ْمتُ مع صديقي فَ َرح في ألمانيا‪ ،‬وقلت له‪« :‬إني‬
‫قادم للزيارة‪ ،‬فمتى الوقت المناسب؟» فقال لي‪« :‬اآلن في الصيف»‪ .‬ومن دون‬
‫تأخير سافرت إليه‪ ،‬كان السفر فرصتي الدائمة ألنسى الماضي‪ ،‬وأَغيب عن الواقع‪،‬‬
‫فهناك «في الخارج» الناس ال تعرفني‪ ،‬وأستطيع أن أكون من أشاء‪ ،‬وأفعل ما أشاء‬
‫خصوصا باالحتفال الصاخب قدر ما أشاء‪ .‬ولكن هذه المرة ولسبب غريب‪ ،‬لم أس َع‬
‫أن في ثنايا هذه الرحلة شيئا جديدا‬ ‫كأن شيئا في صدري كان على يقين ّ‬ ‫لالحتفال‪ّ ،‬‬
‫سيغيّر مسار حياتي لألبد‪ ،‬وهذا فعال ما حدث…‬
‫اضطرت فتاة‬‫ّ‬ ‫لظروف ال أصفها ّإال بالغامضة‪ ،‬ومن دون الخوض بتفاصيلها‪،‬‬
‫للنوم في بيت صديقي فرح‪ ،‬ولسبب غامض آخر‪ ،‬بدأت هذه الفتاة بالتحدث عن‬
‫تطور الوعي لديها في رحلة حياتها‪ .‬إني أذكر تفاصيل هذا اللقاء‬ ‫قصتها‪ ،‬وكيف ّ‬
‫حتى هذه اللحظة‪ ،‬فقد كانت الفتاة تجلس على كنبة جلدية سوداء تروي لنا ما عندها‬
‫من معرفة‪ ،‬وأنا وصديقي فرح نجلس على األرض نصغي إليها كالتالمذة النجباء‪.‬‬
‫مرت ثالثة أيام على هذه الحالة‪ ،‬بالكاد خرجنا فيها من الغرفة‪ ،‬وقلبي يرقص‬ ‫ّ‬
‫ويغنّي باكتشافه الجديد‪ ،‬فهناك سمعت ما لم أسمعه في حياتي‪ ،‬ولكني عرفته منذ‬
‫خالبة لم أعِ بوجودها من قبل‪.‬‬ ‫بوابة جديدة لعوالم ّ‬ ‫ماردَ الحياة فتح لي ّ‬ ‫األزل‪ ،‬وكأن ِ‬
‫حتى أنني بعد اللقاء‪ ،‬عندما كنت أسير إلى طريق المطار بقصد العودة‪ ،‬تثبَّت نظري‬
‫على شجرة راسخة في منتصف السوق‪ ،‬وكأنني أرى الشجر ألول مرة في حياتي‪،‬‬
‫إذ رأيت الجمال خ َْلف قشرة المظهر‪ .‬فنظري حينها انتقل من الظاهر إلى الباطن‬
‫ليرى الجمال الخالد في كل شيء‪.‬‬
‫ومع انتهاء هذه الرحلة الغريبة‪ ،‬عدت إلى عملي القديم في الهندسة‪ ،‬لكن هذه المرة‬
‫حامال شعلة جديدة في قلبي تناديني للبحث العميق‪ ،‬فلبَّيْتُ النداء‪ ،‬وقضيتُ ذلك‬
‫األسبوع بالبحث الجادّ عن أي شيء له عالقة بكلمة الوعي‪ ،‬غير آب ٍه بالعمل البتّة‪.‬‬
‫فكنت موجودا بجسمي هناك‪ ،‬ولكن روحي ت ُ َحلّق في مكان آخر‪.‬‬
‫كنت أدير الالبتوب باتّجاهي متظاهرا بالعمل‪ ،‬منغمسا في الواقع بالبحث عن أي‬
‫عبارات ساحرة ٌ‬‫ٌ‬ ‫ض ِ ّم البحث‪ ،‬استهوتني‬‫شيء له عالقة بما قالته الفتاة‪ ،‬وفي ِخ َ‬
‫لشخص اسمه‪« :‬إيكهارت تولي ‪ ،»Eckhart Tolle‬لم أ َ ُك ْن أدري حينها أنّه من‬ ‫ٍ‬
‫مدون لطيف‪،‬‬ ‫أ َ ْش َه ِر المع ِلّمين الروحانين في العالم‪ ،‬واعتقدت اعتقادا ساذجا أنه ّ‬
‫يخ ِبّئ في كلماته سحرا جذّابا تملَّ َك قلبي‪.‬‬
‫التطور بالتسارع الجنوني‪ ،‬لترمي يد الحياة أمامي‬ ‫ّ‬ ‫ت َوتيرة‬ ‫منذ تلك اللحظة‪ ،‬بَدَأ َ ْ‬
‫مفاتيح الصحوة في كل مكان‪.‬‬
‫أتسوق في المج ّمع التجاري‪ ،‬وإلى‬ ‫ّ‬ ‫فبعد قرابة األسبوع من البحث المستمر‪ ،‬كنت‬
‫ي‬ ‫يميني كان يوجد متجر للكتب‪ ،‬ولمعلوماتِك‪ ،‬فحتى تلك اللحظة‪ ،‬لم أكن قد قرأتُ أ َّ‬
‫كتاب خارج المناهج الدراسيّة‪ ،‬فلم تكن فكرة النظر إلى متاجر الكتب من أولوياتي‬
‫نظرتُ إلى اليمين‪ ،‬ومن بين أكوام‬ ‫بتاتا‪ .‬ولكن لسبب ما‪ ،‬سنس ّميه أيضا بالغامض‪ْ ،‬‬
‫واسم واحدٍ‪ ،‬ولك أن تحزر‬ ‫ٍ‬ ‫الكتب في المتجر‪ ،‬لم تقع عيناي َّإال على كتا ٍ‬
‫ب واحدٍ‪،‬‬
‫(قوة اآلن)‪.‬‬
‫ما هو‪ ،‬نعم! إنه اسم «إيكهارت تولي» على كتابه ّ‬
‫التسوقَ‬
‫ُّ‬ ‫أحسستُ بطاق ٍة حقيقيّ ٍة تشدُّني إليه‪ ،‬فاندفعت معها واشتريت الكتاب‪ ،‬أَنهيْتُ‬
‫ت الدموع‬ ‫ضتُ إلى البيت ال ِهثا ألقرأه‪ ،‬في منتصف القراءة َبدأ ِ‬ ‫في تلك اللحظة‪ ،‬ورك ْ‬
‫ت َ ْنهمر من عيني‪ ،‬كأني عرفت أن الرحلة بدأت‪ ،‬والشوق إلى الذات األصليّة قد‬
‫شدَّني إلى الكتاب في ذلك الوقت‪ ،‬وإن كنت غير قادر على ترجمته‬ ‫استوى‪ .‬ما َ‬
‫ف‬‫حينها‪ ،‬هو أنني لم ْستُ ما بعد أفكاري… ويا لها من حريّة! قد لمست ما يَ ْقب ُع خ َْل َ‬
‫األفكار الشخصيّة‪ ،‬وهي الوحدة مع روح الحياة‪ ،‬مع خالق الحياة‪ ،‬وهذا هو حبِّي‬
‫األزلي‪ ،‬ربما ألنّي ولدت بروح تشتهي الوحدة والتوحيد‪ ،‬وتشتهي النظر إلى أصل‬
‫األشياء‪ ،‬ال قشورها‪.‬‬
‫ت يدي على‬ ‫بعد تلك اللحظة‪ ،‬انغمستُ بك ِّل جوارحي في هذا الطريق‪ ،‬فكلما َوقَ َع ْ‬
‫مادة تساعدني في التطور‪ ،‬كنت أغوص فيها‪ .‬وبهذا انفتحت أمامي عوالم التأ ّمل‬
‫السرية‪ ،‬إلى‬ ‫ّ‬ ‫والروحانيّات‪ ،‬والخيمياء‪ ،‬والطاقة‪ ،‬والحضارات القديمة وعلومها‬
‫جانب السيكولوجيّة الحديثة‪ ،‬والقيادة‪ ،‬وق ّمة األداء والريادة‪ ،‬ولم يكن البحث لمسا‬
‫أجلس قرابة األربعين دقيقة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مستمرا؛ فعندما بدأتُ التأ ّمل‪ ،‬كنتُ‬ ‫ًّ‬ ‫سطحيًّا‪ ،‬بل غوصا‬
‫أستمتع فيها بعالم السكون‪ ،‬ومزاميره المرشدة‪.‬‬
‫صتُ أكثر‪ ،‬ابتعدت أكثر عن األجواء المحيطة‪ ،‬فأخذتُ أعتزل أصدقائي‬ ‫غ ْ‬‫وكلما ُ‬
‫تدريجيًّا‪ ،‬واعتزلت معها متابعة المباريات‪ ،‬والذهاب إلى المقاهي‪ ،‬وذلك ليس من‬
‫ألن شغف البحث استحكمني وسيّرني‪ ،‬حتى ظن أصدقائي‬ ‫باب الغرور‪ ،‬وإنما ّ‬
‫وعائلتي أني جننت! ومهما حاولت أن أشرح لهم ما أفعله بالخفاء‪ ،‬كانت محاوالتي‬
‫تبوء بالفشل‪ ،‬وكأنني أقول إنني أتدرب على عزف الموسيقي على كوكب الزهرة‪.‬‬
‫أن مصطلح‬ ‫فلم يكن هناك أي شبيه لما أفعله‪ ،‬على األقل ضمن دائرتي‪ ،‬وخصوصا ّ‬
‫التدريب والطاقة لم يكن معروفا في ذلك الوقت في األردن‪.‬‬
‫قد يبدو لك من بعيد أنها كانت رحلة قاسية من الوحدة والمعاناة‪ ،‬أو حتى الشجاعة‬
‫المفرطة منّي‪ ،‬ولكن الواقع لم يكن كذلك‪ ،‬فقد كنت منغمسا (وال أزال) في هذا‬
‫التطور‬
‫ّ‬ ‫ت عمليّة‬ ‫شغف‪ ،‬لدرجة أن الوحدة‪ ،‬وآراء الناس لم تكن تزعجني‪ .‬بعدها بدأ َ ْ‬ ‫ال َّ‬
‫بالتحول تدريجيًّا إلى نوع من التعلُّم الممنهج‪ ،‬فنضجتُ بالدراسة مع أفضل المعلمين‬ ‫ّ‬
‫ص ْقل مهارتي في التدريب‬ ‫حول العالم‪ ،‬والذين ظهروا كالمعجزة في حياتي‪ ،‬وبدأتُ بِ َ‬
‫تحول الشغف العشوائي إلى شغفٍ مر َّكز‪،‬‬ ‫والريادة وإعطاء الدورات وغيرها‪ ،‬بذلك َّ‬
‫ورسالة واضحة‪.‬‬
‫صة أخرى لوقت آخر‪،‬‬ ‫ت رسالة «كن أنت»‪ ،‬وهي ق ّ‬ ‫وفي منتصف هذه العمليّة‪ُ ،‬ولدَ ْ‬
‫ولكن إلعطائك لمحة ع ّما حدث‪ .‬كنت أتكلم مع صديقي في هولندا على اإلنترنت‪،‬‬
‫ت الكلمات تتدفّق من خاللي بطالقة‪،‬‬ ‫ض ِ ّم الحديث‪ ،‬أخذ إدراكي بالتغيّر‪ ،‬و َبدأ َ ْ‬ ‫وفي ِخ َ‬
‫حتى أَصبحْ تُ كالفاقد للوعي‪ ،‬ولكن بوعي! وكانت الكلمات تمثل نوعا من التعاليم‬
‫ي الكلمات‬ ‫الصارمة‪ ،‬ترتكز على فكرة التعبير األعلى عن الذات‪ ،‬أو كما تدفَّقَ ْ‬
‫ت عل ّ‬
‫باإلنجليزية‪:‬‬
‫(‪.)Highest Possible Expression‬‬
‫أن هذه هي الرسالة التي أَتيْت ألنشرها‬ ‫شك‪ّ ،‬‬
‫وبعد هذا الحوار‪ ،‬عرفتُ من دون أدنى ّ‬
‫سدها‪ ،‬فتصرفت سريعا ألتبع هذا اإللهام؛ ألني أعي أن التفكير الكثير قد‬ ‫وأج ِ ّ‬
‫يعترض طريق اإللهام‪ ،‬فهو يعطي الفرصة لنظام الخوف للتدخل‪ ،‬وسرقة النبض‬
‫االبتكاري‪ .‬فبدأت بصفحة صغيرة على الفيسبوك أسميتها ‪Highest Possible‬‬
‫تطورت تدريجيًّا إلى حركة تغيير بأكاديمية شمولية‪ ،‬وهو‬ ‫‪ ،Expression‬وبعدها ّ‬
‫ما كانت تسعى إليه التعاليم في األساس‪ ،‬حركة تغيير‪ ،‬تهدف لالرتقاء بالنفس‬
‫اإلنسانيّة من نظام الخوف واالنفصال‪ ،‬إلى نظام الحب والتوحيد‪ .‬فالحركة أتت‬
‫لخلق عالم يخلو من األحكام من داخل الشخص وليس خارجه؛ وذلك كي يستطيع‬
‫الدور الذي ُخ ِلقَ من‬‫كل إنسان على هذه األرض أن يُع ِبّر عن نفسه بحريّة‪ ،‬ويؤ ِدّي ْ‬
‫أجْ ِله‪.‬‬
‫فالمسعى من هذه التعاليم هو أن تكون أنت‪ ،‬وفي هذا المسعى‪ ،‬سنرى العالم سمفونيّة‬
‫متناغمة‪ ،‬يعزف ك ٌّل منا فيه أداته الفريدة باحترافية‪.‬‬
‫سده على‬ ‫أنا رأيت هذا العالم في خيالي‪ ،‬والهدف من رسالة «كن أنت» أن نج ّ‬
‫األرض كعالَ ٍم من ال َجمال والتناغم المتكامل‪ ،‬وهذه ليست بالمه ّمة المستحيلة‪ ،‬بل‬
‫على العكس تماما‪ ،‬فهي روح البساطة‪ ،‬ألنّها تخلو من التعقيدات‪ ،‬وتُرجعك إلى ما‬
‫سد األصالة‪ ،‬وتعيش هدفك‬ ‫كان أصيال فيك‪ .‬هذا العالم الجديد يبدأ بك عندما تج ّ‬
‫ورسالتك الحقيقية‪ ،‬عندها ستش ّع‪ ،‬وتتنفس هذا العالم الجميل الذي نهدف سويًّا‬
‫لتشكيله‪.‬‬
‫تذكير بما كان أصيال فيك‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫رسالة «كن أنت» ليست وسيلة لتَعَلُّم شيء جديد‪ ،‬وإنما‬
‫وإن كانت في ظاهرها نوعا من التعاليم‪ .‬رسالة «كن أنت» هي ليست قوانين جديدة‬
‫أوالتصرف‪ ،‬بل كما قلنا‪ ،‬هو تذكير بحقيقة اإلنسان األصليّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تحدّد كيفية التف ّكر‪،‬‬
‫ومعها التمكين الواضح للتعبير عن هذه الحقيقة‪.‬‬
‫سام عن روح الحياة الواحدة‪،‬‬ ‫تعبير ٍ‬
‫ٌ‬ ‫الحقيقة التي نعنيها هنا هي حقيقة روحيّة‪ ،‬فأنت‬
‫وواجبك أن تعطي المجال كي تسري هذه الروح من خاللك‪ ،‬وهنا يأتي دور التعاليم‪،‬‬
‫فهي المرشدة الحكيمة إلى فضاء السكون في داخلك‪ ،‬الفضاء الذي يَ ْنبُع منه التعبير‬
‫الكامل عن ذاتك‪.‬‬
‫ولنرجع للبساطة‪ ،‬فالغاية هي‪ :‬كن أنت…‬
‫شك في ذهني‪ ،‬هو أسمى مسعى لك وللبشرية‪ ،‬بل حتى‬ ‫هذا‪ ،‬ومن دون أدنى ّ‬
‫لعناصر الكون كافة‪.‬‬
‫األمل من هذا الكتاب‪ ،‬هو أن يق ِدّم إليك بصورة بسيطة وعمليّة كيف لك أن تكون‬
‫أنت‪ ،‬ليأخذك في رحلة تمكين خالصة‪ .‬فلن تكون أنت من دون تمكين مطلق‪ ،‬لترتقي‬
‫بهذا التمكين من فريق القطيع ال ُمقتاد‪ ،‬إلى القيادة من ذاتك‪ ،‬من قلبك‪ ،‬من حكمتك‪،‬‬
‫من نورك‪ ،‬وهو عنوان القائد المستنير‪ .‬عندها سيرتفع وجهك للسماء‪ ،‬وتعلن‬
‫بشموخ‪:‬‬
‫أنا اآلن السيد على نفسي‪.‬‬
‫ي للحب‪.‬‬ ‫وأنا الخادم الوف ُّ‬
‫أنا العنصر ال ُح ّر الذي ُو ِلد‪.‬‬
‫قوة الحياة التي ا ُ ْد ِر َك ْ‬
‫ت‪.‬‬ ‫وأنا ّ‬
‫المسرعة لهذه المه ّمة‪ .‬فمثلما كنا نبعث‬ ‫ِّ‬ ‫تعاليم «كن أنت» ستعمل كالتكنولوجيا‬
‫تطورنا لإليميل‪ ،‬ستكون التعاليم كالتكنولوجيا‬ ‫الرسائل عن طريق البريد‪ ،‬ومن ث ّم ّ‬
‫المحرك لك وللجنس اإلنساني كك ّل‪ ،‬من‬ ‫ّ‬ ‫الموفِّرة للطاقة والوقت‪ ،‬مغيّرة للنظام‬
‫القيود إلى األصالة‪ ،‬ومن الخوف إلى الحب‪ ،‬ومن التقليد إلى اإلبداع‪.‬‬
‫هي التكنولوجيا األسمى لتكون أنت…‬
‫كن أنت ليست تعبيرا مبتذال يُست َ ْعمل لإلعالن‪ ،‬فأنا رأيتُ نتائجها العمليّة بأ ّم عيني‪،‬‬
‫ويقرر أن يتسيّد نفسه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫سحر عندما يعيش الشخص من أصالته‪،‬‬ ‫رأيتُ ما يشبه ال ِ ّ‬
‫رأيت أشخاصا تتغير حياتهم في جلسات معدودة‪ ،‬منتقلين من إحساس الضحية إلى‬
‫االنفجار في قوتهم األصليّة‪ ،‬بعد قضائهم سنين طويلة في تطوير الذات والعالج‬
‫ي‪ ،‬ورأيت معاناة السنين‬ ‫زمن قيا ِس ّ‬
‫ٍ‬ ‫النفسي‪ ،‬ورأيت رياديّين تتض ّخم أعمالهم في‬
‫أن هذه ليست مبالغة‪ ،‬وإنما هي طبيعتك‬ ‫تتالشى‪ ،‬ورأيتُ ورأيتُ ورأيت… تذ ّكر َّ‬
‫القوة االبتكاريّة التي تش ّكل األكوان كافَّة‪،‬‬ ‫األصليّة‪ ،‬وكيف تكون غير ذلك‪ ،‬وفيك ّ‬
‫المرئي وغير المرئي منها؟‬
‫الفكرة واحدة‪ ،‬المسعى واحد‪ ،‬الهدف واحد‪ :‬كن أنت‪.‬‬
‫سحر‪ ،‬وأنت الساحر‪.‬‬ ‫فهذا مكان ال ِ ّ‬
‫كن أنت‪ ،‬فبقاء اإلنسانيّة يعتمد على هذه النقلة في الوعي‪.‬‬
‫نحن نعيش اآلن في زمن حرج بسبب االبتعاد ال ُم ْف ِرط عن الذات األصليّة‪ ،‬أو‬
‫نسيانها‪ ،‬واإلنسانيّة اآلن على مفترق طرق‪ ،‬إ ّما بالتذ ّكر‪ ،‬وخلق الجنّة على األرض‪،‬‬
‫ي في الطريق المعاكس الذي ال ندري إلى أين سيأخذنا‪ ،‬وقد يكون أكبر‬ ‫ض ِّ‬
‫وإ ّما ال ُم ِ‬
‫ي ُج ْرأَت َك على أ َ ْخذ طريق التذ ّكر‪ ،‬وإمساكك لهذا الكتاب اآلن؛‬ ‫الكوارث‪ .‬ودعني أ َح ِّ‬
‫ألن فيه تفعيال لَحْ ِظيًّا لعمليّة التذ ّكر؛ فطاقة التذ ّكر ُم ْش َب َعة في ك ِّل كلمات الكتاب‪.‬‬
‫وهذا ال يعني أن الطريق هيّن‪ ،‬بل على العكس تماما‪ ،‬فطريق التذ ّكر‪ ،‬وتعبير‬
‫أن رغبتك‬ ‫الروح هو أكثر الطرق تح ِدّيا‪ ،‬إذ تملؤه الكثير من العقبات والخداع‪َّ .‬إال َّ‬
‫حرق َوجْ ه الحياة‬ ‫«الصادقة» في الصدق ستكشف لك أالعيب الزيف وتح ِدّياته‪ ،‬وت ُ ِ‬
‫المخادع أمام عينيك؛ كي تذيبه بالروح التي تشتهيها‪ ،‬وتجهلها في الوقت ذاته‪ .‬حتى‬
‫القوة المحركة للحياة‪،‬‬ ‫أنا أجهل أسرار الروح وتعابيرها الخفيّة‪ ،‬وأجهل أسرار ّ‬
‫وأجهل ما سيتم توضيحه في الكتاب! ولكنني على يقين تا ّم من أنّك لو عاندت‬
‫لروح الحياة كما هي فستموت‪ ،‬وسيكون ذلك الموت البشع البطيء‪ ،‬الذي‬ ‫الرضوخ ُ‬
‫يأكل أجزاء جسدك برويّة‪ .‬وليست الغاية من هذه الصورة البشعة أن نزرع فيك‬
‫الخوف‪ ،‬بل إلظهار األهمية الكبرى لالستسالم للروح وتعابيرها الجارفة‪ ،‬وهو‬
‫تذكير لألهميّة الكبرى ألن تكون أنت‪.‬‬
‫حاولت أن تع ِقّد أو تُفَلسف القضيّة‪ ،‬فال يُ ْم ِكن الحياد عن هذا المبدأ‪ُ :‬كن أنت‬ ‫َ‬ ‫مهما‬
‫قوة الحياة؟ وكيف تركب موجة الروح‬ ‫تحيا‪ُ ،‬كن عكس ذلك تموت‪ ،‬فكيف تحيا مع ّ‬
‫الجبارة؟ وكيف تكون الخليفة على األرض؟ هذه األسئلة وغيرها سيشفيها كالم‬
‫ت الكلمات ما جاءت ألَجْ ِله‪ ،‬ستكون كالجسر الواصل إلى نبع ذاتك‪،‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬فإن حقّقَ ْ‬
‫تغذّي خالياك بمعرفة قد يقال عنها بالحديثة‪ ،‬ولكن األجدر أن توصف بالقديمة‪،‬‬
‫فهي بِ ِقدَم الحياة ذاتِها‪ .‬فَ ُج ّل هدف الكتاب هو أن يقودك إلى ذاتك الخالدة‪ ،‬لت ُ‬
‫َخر َج‬
‫صوره صفحات‬ ‫ُ‬ ‫منك لمستك الخاصة‪ ،‬حالك حال الطاهي الماهر الذي جابت‬
‫التواصل االجتماعي بحركة يده الفريدة‪ ،‬وعلَّه اشتهر بهذه الحركة؛ ألنها ذ َّك َرت‬
‫الناس بِ َجمال التعبير الفريد وقوته‪.‬‬
‫وحينها ستسطع المعرفة الضمنيّة من قلبك‪ ،‬وهي أنّنا بالرغم من فَرادَتنا‪ ،‬فنحن في‬
‫داخلنا واحد‪ .‬وهكذا ت ُ ِت ّم التعاليم رسالتها‪.‬‬
‫فاسمح لي أن أشكرك على المشاركة في خلق هذه الرسالة‪ ،‬فلو لم تكن رغبتك‬
‫بالتغيير صادقة‪ ،‬لما كان‬
‫لهذه الكلمات وجود‪ ،‬ولما كان لهذا التعاليم مكان‪ .‬هذه الكلمات أتت كاستجابة لشيء‬
‫أردت سماعه‪ ،‬حتى لو لم يدرك ذلك عقلك الواعي‪ ،‬ولكنك في أعماق نفسك أردت‪،‬‬
‫وقررت أن األوان قد حان لتعيش التعبير الخالد عن ذاتك‪.‬‬
‫وبهذا سترى وتيرة الرسالة تتصاعد مع الترحال في فصول الكتاب‪ ،‬وفي هذا تناغم‬
‫مع أسلوب الحياة نفسها‪ ،‬تبدأ خجولة لتحاكي ذاتك بهمسات رقيقة‪ ،‬حتى يشاء لها‬
‫ومن هذا الزلزال ستتدفق منك‬ ‫الوقت أن تفقد صبرها‪ ،‬فتزلزل بصوتها األركان‪ِ .‬‬
‫عصارة التغيير‪.‬‬
‫فما هذه العصارة؟‬
‫قوة التغيير القاطنة فيك التي ستغير العالم إلى األفضل‪ ،‬وكيف ال؟ والعالم‬ ‫هي ّ‬
‫انطوى فيك‪ ،‬وتجسد كامال في حقول وعيك‪ ،‬فكن أنت‪ ،‬وإال جردتك الحياة بعيون‬
‫قوتك‬‫وعرتك من أقنعتك المجتمعية‪ ،‬لتفضح ّ‬ ‫ّ‬ ‫األم الصارمة من قيودك الضعيفة‪،‬‬
‫أمام العلن في اسم الحب‪ ،‬فهل ستجيب هذا النداء؟‬
‫إن قررت أن تجيب‪ ،‬فدعنا نبدأ باألساس‪ ،‬أال وهو فهم األنظمة المحركة لذهنك‪.‬‬
‫هذا األساس يمثّل المفتاح الرئيسي ّ‬
‫لقوتك‪ ،‬وحقيقتك األصلية‪.‬‬
‫األنظمةُالمحركةُ‬
‫ّ‬
‫تكررت هذه الرسالة‪،‬‬ ‫ربما أنت من حالي‪ ،‬قيل لك في المدرسة إنّك لست بكافٍ ‪ ،‬وقد ّ‬
‫سن المعلمين واألهل واألصدقاء‪ ،‬وحتى‬ ‫بصورة مباشرة‪ ،‬أو غير مباشرة‪ ،‬على أ َ ْل ُ‬
‫أن عليك أن تجاهد‬ ‫المحوريّة ذاتها‪ ،‬وهي ّ‬ ‫ِ‬ ‫تقص الرسالة‬‫ّ‬ ‫لوحات اإلعالنات‪ ،‬فكلها‬
‫لست كافيا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫لتصبح شخصا آخر‪ ،‬شخصا مختلفا عن معدنك األصيل‪ ،‬فأنت كما أنت‬
‫بوابة االكتفاء‪ ،‬ولكن إلى متى؟ ألم‬ ‫والوعد أنّك في نهاية هذا الجهاد البائس‪ ،‬ستجد ّ‬
‫تتعب؟ أنا شخصيًّا ت َ ِعبت‪ ،‬وأرهقت من ثقل هذا الزيف‪.‬‬
‫َث هذه الرسالة‬ ‫ع ْنك غ َّ‬ ‫لذلك سيستنفر الكتاب ك ّل قُواه وأساليبه المخبَّأة‪ ،‬ليُسقط َ‬
‫اللعينة‪ ،‬حتى يراك صادقا مع ذاتك‪ ،‬وما أحاله من شعور أن ت َ ِعي في َيقَظتك‪،‬‬
‫الصدق الرجوع إلى روح الطفولة‪ ،‬فنحن‬ ‫وحلمك أنك صادق مع ذاتك! وفي هذا ِ ّ‬
‫شخص كان‪ ،‬علّهم َي َرون فينا ال ِكفاية‪ ،‬فنحن‬ ‫ٍ‬ ‫عندما نولد ال نسعى أن نقلّد أسلوب أي‬
‫ض َحك ون َْم َرح ونتقافزعلى سجيَّتنا‪ ،‬فهل من الممكن أن تكون هذه السجيَّة التي‬ ‫نَ ْ‬
‫أن هذه العبقرية ما زالت‬ ‫أهملناها هي نفسها عبقريتنا الكامنة؟ وهل من الممكن َّ‬
‫متوهجة خ َْلف إحساس «أنا لست كافيا»؟‬
‫وأنا أقول هذا من خبرتي الشخصيّة‪ ،‬فأنا أ َ ِعي تماما إحساس النقص‪ ،‬ومعاناته‬
‫ص ِدّقه حتى هذه‬ ‫صدَّقته في كل حياتي (وأجزاء منِّي ت ُ َ‬ ‫الحتمية‪ ،‬ليس فقط ألنّي َ‬
‫صل‬ ‫ي ُمق ِيّد فكري‪ِ ،‬أل َ ِ‬ ‫صدَم عندما أمشي في ِ ّ‬
‫خط أ َّ‬ ‫اللحظة)‪ ،‬ولكن أيضا ألني ُك ْنتُ أ ُ ْ‬
‫دائما إلى النتيجة ذاتها‪ :‬أن في عمق كل المق ِيّدات اإلنسانيّة‪ ،‬يعلو الصوت الصارخ‪،‬‬
‫«أنت كما أنت اآلن‬ ‫َ‬ ‫أنت غير كافٍ ‪ .‬وفي جوهر هذا الصوت فكرة تقول‪:‬‬ ‫ليقول ‪َ :‬‬
‫َير َمحْ بوب»‪ ،‬وهذا يعادل إحساس الموت في السيكولوجية اإلنسانيّة؛ لذلك يقال‬ ‫غ ُ‬
‫إن الحب يُحْ ِيي‪.‬‬
‫وإذا تع َّمقنا أكثر‪ ،‬سنجد الغضب مغ ِلّفا لهذا الصوت‪ ،‬ولكن الغضب ِم َّمن؟ إنه‬
‫الغضب من مصدر الحياة ذاتها‪ ،‬ولك أن تس ّميها ما يميل له فؤادك (هللا‪ ،‬الوجود‪،‬‬
‫القوة العليا…)‪ ،‬نلومها ك ّل دقيقة على فعلتها‬ ‫الخالق‪ ،‬المصدر‪ ،‬الحياة‪ ،‬الكون‪ّ ،‬‬
‫الشنيعة‪ ،‬فكيف لم تخلقيني كافيا؟ كيف لم تخلقيني محبوبا؟ وهل هذا نوع من الخطأ‬
‫أن إيمانك راسخ‪،‬‬ ‫يت ّ‬‫ع َ‬ ‫التكويني؟ وكيف لك أن تعذّبيني بغلطتك المريرة؟ ومهما ادّ َ‬
‫المبطنة تالزم اإلنسان منذ األزل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فتلك المالمة‬
‫وبغض النظر عن‬ ‫ِّ‬ ‫يصوره الذهن على أنه خطأ تكويني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بغض النظر ع ّما‬
‫ِّ‬ ‫ولكن‬
‫ظنّنا الواهم بأنّنا لسنا كفاية‪ ،‬فنحن االكتفاء بعينه‪ ،‬نحن الحب بذاته‪ ،‬وكافّة أشكال‬
‫الحياة قد خلقت من رحم هذا الحبّ الطاهر‪ .‬ولكن إن كانت الحال كذلك ‪-‬وهي‬
‫ليتحو َل إلى النظام المستبدّ‬
‫َّ‬ ‫ص ْوت «أنا لست كفاية» أن يُولَد ويَ ْعلو‪،‬‬ ‫كذلك!‪ -‬فكيف ِل َ‬
‫في ذهن اإلنسانيّة؟‬
‫لإلجابة على هذا السؤال‪ ،‬دعنا نأخذك إلى رحلة وجوديّة‪ ،‬علّها تكشف لك شيئا من‬
‫المستور‪ ،‬وتقدم لك التفسير الناجع لما حدث‪.‬‬
‫فتخي َّْل معي للحظة وجودا كامال من دون أي حدود‪.‬‬
‫وجودا خالدا ليس له بداية وال نهاية‪.‬‬
‫قبل البدء لم يكن َّإال هذا‪ :‬وجود خالد وغير محدود‪ ،‬وفي قلبه تقطن الرغبة بأن‬
‫يستشعر الوجود ذاته‪ ،‬وهنا بدأت عمليّة الخلق‪ ،‬كوسيلة لإلثراء ومشاركة التنوير‪،‬‬
‫فالخلق هو أرفع درجات اإلثراء‪ .‬في عمليّة الخلق انبثقت تعابيرالحياة المتنوعة‪،‬‬
‫ومنها أنت‪ ،‬فالتعبير شهوة كونيّة‪ ،‬تتجلَّى فيها روح الحياة الواحدة من خالل أشكال‪،‬‬
‫ومتضادّات كثيرة‪ ،‬تلتقي كلها في متَّسع الرحمة الحاضنة‪.‬‬
‫ولكن هنا تكمن المشكلة!‬
‫وما هي المشكلة؟!‬
‫فكي يُ َع ِبّر الوجود عن ذاته‪ ،‬يجب أن يحصل الضغط‪ ،‬فماذا نعني بذلك؟‬
‫الضغط هو أساس عمليّة التعبير‪ ،‬فإن تتبعت أصل كلمة التعبير‪ ،‬ستجدها تعني‬
‫«أن تضغط»‪ ،‬وكأن فِ ْعل التعبير‪ ،‬هو المحاولة إلخراج عصارة الشيء بالضغط‪.‬‬
‫ت فيها برتقالة‪ ،‬أو فاكهة استوائية لذيذة‪ ،‬ألم ت َحدُث‬ ‫ص ْر َ‬
‫ع َ‬ ‫وللتقريب‪ ،‬فَ ِ ّكر بآخر ّ‬
‫مرة َ‬
‫عمليّة ضغط الستخراج العصارة؟‬
‫طهُ غير‬‫وهنا ت َ ْك ُمن المعضلة الكونيّة‪ ،‬فكيف يحدث الضغط‪ ،‬إذا كان ما يراد ضغ ُ‬
‫محدود؟‬
‫صر شيء ليس له حدود أو تضاريس‪ ،‬وال حتى يوجد في‬ ‫ف ِ ّكر للحظة أنّك تريد َ‬
‫ع ْ‬
‫ي زمان! فماذا سيحدث؟ ال شيء‪ ،‬وهنا فُ ِقدَ التعبير‪.‬‬ ‫أ ِّ‬
‫ولكن هذه المعضلة انحلّت بك‪ ،‬وبأشكال الخليقة كافة‪ ،‬نعم‪ ،‬هذا دورك بالحياة‪،‬‬
‫«الالمحدود» فرصة التعبير الكامل من خاللك‪.‬‬ ‫فأنت المخلوق المحدود الذي يعطي َّ‬
‫صارته األبدية في ُروح‬ ‫ع َ‬‫الالمحدود االستمتاع بذاته‪ ،‬و َح ْقن ُ‬ ‫فلوالك ال يستطيع َّ‬
‫الزمان والمكان‪ .‬ومن هنا أتت فكرة الزمان والمكان كـ»أدوات ضغط وهمية»‬
‫يحدث فيها التعبير‪.‬‬
‫فأنت الخبرة المتجدّدة في حدود الزمان والمكان‪ ،‬وأنت ما بعد ذلك‪.‬‬
‫إن الخليقة كلها تعمل كوسائل تعبير كونيّة‪ ،‬أو متنفَّس للعصارة اإللهية لتعبِ َّرعن‬
‫ذاتها‪ ،‬وعلى الرغم من اختالف تعابير الحياة المطلقة‪َّ ،‬إال أنها جميعا تعود لتتالقى‬
‫في نقطة الوجود‪ ،‬في «اآلن»‪ .‬بمعنى أنك تعبير فريد عن الوجود‪ ،‬تعبير فريد عن‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬
‫«الواحد»‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫أنت وكل أشكال الحياة كافة‪ ،‬وسائل تعبير فريدة عن «الواحد»‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬بهذه الصورة الجميلة التي يزهو فيها اإلنسان كجزء من عصارة الرحمن‪،‬‬
‫كيف لفكرة «أنا لست كافيا» أن تظهر؟‬
‫فهذه كانت بداية حديثنا إن ُكنت تذكر…‬
‫بعد لَ ِعب اإلنسان لدوره المتناغم كمؤ ٍدّ فريد للواحد‪ ،‬بدأت فكرة خبيثة بالتسلّل‬
‫لوعي اإلنسانيّة قائلة‪« :‬ال أريد أن أكون سواسية مع باقي الخليقة‪ ،‬ال أريد أن أكون‬
‫الالمحدود‪ ،‬هذه المساواة ال تمثِّلني‪ ،‬أنا أريد أن‬ ‫جزءا صغيرا من مصدر الحياة َّ‬
‫أكون ُم َميَّزا‪ ،‬أريد أنا أكون مختلفا‪ ،‬أريد أن أكون مه ًّما»‪ ،‬وقد نسي بذلك‪ ،‬أنه في‬
‫وعي اإلنسان الذي‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وكأن‬ ‫طن كودات التميُّز‪ ،‬والفَرادة‪ ،‬واألهميّة الحقّة‪.‬‬ ‫وحدتنا ت َ ْق ُ‬
‫التطور قال لنفسه‪« :‬أنا أريد االنفصال ألكون‬ ‫ّ‬ ‫أصابه الدّاء في مرحلة معيّنة من‬
‫ض ِ ّم هذا البحث الجاهل عن الحريّة ومعرفة الذات‪ُ ،‬و ِلدَ‬ ‫حرا بذاتي‪ »،‬ولكن في ِخ َ‬ ‫ًّ‬
‫الالمحدود‪.‬‬‫«وه ُم االنفصال» عن المصدر‪ ،‬االنفصال عن َّ‬
‫ومن هنا يا صديقي ُو ِلد إحساس أنا لست كافيا‪.‬‬
‫الالمحدودة‪ ،‬بمحدوديّة الجسم الفيزيائي الذي نراه‪،‬‬ ‫وكأنّنا أخطأنا طبيعتنا األصليّة َّ‬
‫وفي هذه الهويّة الزائفة ضمنيّة النقص‪ ،‬وهكذا بدأت قصة المعاناة اإلنسانيّة‪.‬‬
‫صة السقوط‪،‬‬ ‫ت بطريقة‪ ،‬أو بأخرى من خالل ق ّ‬ ‫وقد تكون هذه الواقعة قد ُ‬
‫ط ِر َح ْ‬
‫وصل معرفة‬ ‫ي‪ ،‬و ت ُ ِ ّ‬
‫أن مهمة القصص‪ ،‬واألساطير أن تحكي غير ال َمحْ ِك ّ‬ ‫وتذ ّكر ّ‬
‫باطنية قد يعجز العقل التحليلي عن إيصالها‪.‬‬
‫فالسقوط فيه رمزية االنفصال عن وعي الوحدة‪ ،‬وبهذا التخلي عن بَ َر َك ِة الوجود‪،‬‬
‫المروع في‬‫ّ‬ ‫مقابل الهويّات المحدودة‪ ،‬وقيمتها الزائفة‪ .‬قد يبدو السقوط كالحدث‬
‫أت بدراسة تاريخ األرض القديم‪ ،‬وتأثيرات‬ ‫التاريخ‪ ،‬وقد يكون كذلك‪ ،‬لكن إن بَدَ َ‬
‫الحضارات الكونيّة على اإلنسان‪ ،‬وعلى حمضه النووي «‪ ،»DNA‬ستنضج‬
‫أن السقوط عمليّة من التدهور في وعي الوحدة‪،‬‬ ‫الصورة أكثر في ذهنك‪ ،‬لترى ّ‬
‫وقوتها األصليّة إلى وهم االنفصال‪ ،‬إلى وهم الخوف والعبودية‪.‬‬
‫وبهذا التدهور في وهم االنفصال‪ ،‬بدأ مفهوم االزدواجية بالبزوغ‪ ،‬ومن تعابير‬
‫االزدواجية‪ :‬أنا والمصدر‪ ،‬أنا وأنت‪ ،‬الخير والشر‪ ،‬النور والظالم‪ ،‬الصحيح‬
‫والخاطئ‪ .‬نحن بهذه االزدواجيّة مغيَّبون عن حكمة الوحدة‪ ،‬أو الرحمة الجامعة لك ّل‬
‫صت االحتماليات‬ ‫النقائض‪ .‬فالحقيقة الحقّة تجمع النقائض‪ ،‬وال تنقضها‪ ،‬وبذلك تقلّ ْ‬
‫تطورنا بالتحليل الجاف‪ ،‬فلن‬ ‫الالمحدود‪ ،‬إلى اثنين فقط‪ ،‬ومهما َّ‬ ‫التي نراها من َّ‬
‫نستطيع أن نتعدَّى االزدواجية‪،‬‬
‫الالمحدودة‪َّ ،‬إال عن طريق الرجوع إلى فضاء ْ‬
‫القلب؛ ألن‬ ‫وندخل عالم االحتماليات َّ‬
‫الالمحدود‪.‬‬‫القلب وحده القادر أن يستنبط وحدة َّ‬ ‫ْ‬
‫ت األجيال هذه المحدودية واحدا بعد‬ ‫توارث ِ‬
‫َ‬ ‫ولكن ِلبُعد اإلنسان عن فضاء القلب‪،‬‬
‫اآلخر‪ ،‬حتى أصبحت جزءا من المنظومة المحركة لإلنسانية‪ .‬على ما يبدو أن‬
‫يحركه هو سجيّة الوحدة‪ ،‬حتى يبدأ‬ ‫الطفل الوليد ال يتأثر بهذا ال َم ْوروث‪ ،‬بل ما ّ‬
‫بالسقوط؛ لذلك لم نسمع من قبل عن طفل عنصري‪ ،‬أو طفل يعاني من المحدّدات‬
‫وكأن وعي االنفصال يظل نائما في إدراك‬ ‫َّ‬ ‫الفكريّة‪ ،‬وإحساس النقص المن ِهك‪.‬‬
‫التطور يبدأ فيها تفعيل هذا الوعي‪ ،‬وتبدأ معها‬ ‫ّ‬ ‫الطفل‪ ،‬حتى تأتي مرحلة معيّنة من‬
‫غيبوبة االنفصال‪.‬‬
‫ومن استفاق من وسادة هذه الغيبوبة‪ ،‬وإحساسها الجهنمي بالنقص المستمر‪ ،‬ينير‬
‫ستسْري في جينات أحفاده‪ .‬ونحن نمشي اآلن سويّة‬ ‫جيال بأكمله‪ ،‬وبذور الصحوة َ‬
‫على هذا الطريق‪ ،‬لنحيي ذاكرة الوحدة فيك؛ كي تعود إلى فضاء االحتماليات‬
‫الالمحدودة‪ ،‬وصدّقني‪ ،‬فإن اللعب على هذا المستوى أحلى وأمتع‪ ،‬وفيه نَ ْشوة تأمليّة‬ ‫َّ‬
‫عظيمة‪.‬‬
‫صدَر‪ ،‬أو ت َ ْذ ُك ُر الوحدة‪ ،‬في‬
‫الكثير من التعاليم الروحيّة الوحدة مع ال َم ْ‬
‫ُ‬ ‫لذلك تضع‬
‫أعلى المراتب اإلنسانيّة‪ ،‬ولكني ال أرى االكتمال بذلك‪ ،‬بل أراه في تجلّي الوحدة‬
‫ي عن ذاتك‪ ،‬وهنا‬ ‫بالفرادة‪ .‬فَ ِمنَ الوحدة ت َ ْنبَثِق أصالة الحياة؛ ليسري التعبير النق ّ‬
‫تكتمل الرسالة اإلنسانيّة‪ ،‬ويصبح اإلنسان حقًّا خليفة على األرض‪.‬‬
‫فالوحدة واألصالة وجهان لعملة واحدة‪ ،‬نعم‪ ،‬بوحدتك تكمن أصالتك‪ ،‬وهذا ما لم‬
‫ولن يفهمه العقل التحليلي؛ لذلك وجب علينا أن نعيد األمور إلى نصابها‪ ،‬ونُرجع‬
‫التحليل إلى الدور األنسب له‪ ،‬وهو التابع‪ ،‬ونولي القلب إلى منصب القائد‪ ،‬لتنساب‬
‫الحياة من خاللك بالتناغم األرقى؛ لذلك قال آينشتاين مقولته الرائعة‪« :‬القلب‬
‫الحدسي هو الهدية الحقَّة‪ ،‬والعقل التحليلي هو الخادم المطيع‪ ،‬ولكننا أقمنا مجتمعا‬
‫يقدّس الخادم وينسى الهدية»‪.‬‬
‫دون أن نهتدي إلى ْقلب الوحدة‪ ،‬وهو بيتنا الحقيقي‪ ،‬ستستشري غيبوية النسيان‪،‬‬
‫ونبقى مصدقين أنّنا قطعة لحم تافهة تركض في ُم ْعت ََرك الحياة‪ُ ،‬محا ِولة أن تحقّق‬
‫بقوتك الخيالية‪ ،‬و ُك ْفر بأصالتك الروحيّة‪.‬‬‫أهدافا سطحيّة‪ ،‬وبهذا النسيان استهتار ّ‬
‫لهذا قلنا ونقول‪ :‬كن أنت‪ ،‬فأنت الفضاء القلبي الذي تسري منه روح الحياة الواحدة‪.‬‬
‫غيْر ذلك هو انجراف مع وعي‬ ‫كن أنت؛ ألن هذا أسمى المساعي اإلنسانيّة‪ ،‬و َ‬
‫سم‪،‬‬‫العا ّمة‪ ،‬وسأطلب منك أن تَحْ ذَر من هذا االنجراف؛ ألن وعي العا ّمة هو وعي ُمق ّ‬
‫ي بحت‪ ،‬يُختبر فيه العالم بفيزيائيّة الحواس الخمسة فقط‪ .‬وكيف‬ ‫إنه وعي ما ِدّ ٌّ‬
‫يحس بالوحدة واالكتفاء؟ وكيف له أن يستمتع‬ ‫ّ‬ ‫للمنظور الفيزيائي المحدود أن‬
‫بأعجوبة الحياة وسحرها؟ وكيف له أن يستشعر أبعاد الحياة الخالدة؟ وكيف له أن‬
‫القوة االبتكارية فيك؟ وكيف له أن َي ِجد الحلول لمشاكلك‪ ،‬ومشاكل اإلنسانيّة‬ ‫يرى ّ‬
‫المعاصرة؟ وكيف له أن يستأصل المقيّدات الفكريّة من جذورها؟‬
‫صة الكاملة‪ ،‬وإنّما صورة ٌ ظاهريّة لما نس ّميه‬ ‫فالبعد الفيزيائي الخالص ليس ال ِق ّ‬
‫بالواقع‪ ،‬وبتع ِدّي فيزيائية الحواس الخمسة إلى فضاء الذات (وهو ما نفعله اآلن‪،‬‬
‫قوتك الداخلية‪ ،‬وسترى‬ ‫وسنتع ّمق فيه أكثر من خالل صفحات الكتاب) ستسطع ّ‬
‫ست َظ َهر الحياة‬ ‫عشرات‪ ،‬وإن لم تكن مئات ال َح َواس الباطنيّة تتحرك فيك‪ ،‬وعندها َ‬
‫لك كما هي‪ :‬خبرة روحيّة كاملة‪ ،‬تُجسد نفسها بتعابير مختلفة‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬الحياة خبرة روحيّة في النهاية‪ ،‬وأنت جزء منها‪ ،‬شاهدٌ عليها وعلى خلقها‪،‬‬
‫تشوه الخبرة الروحيّة‪ ،‬بمفهوم الروحيّة الذي اعتدنا عليه‪ ،‬فلسنا نتحدث‬ ‫ورجاء ال ّ‬
‫عن مجموعة من الشعائر والطقوس المتوارثة أو ما شابه‪ ،‬وإنما نتحدث عن ذاتك‬
‫ت من المادّة الروحيّة التي ش ّكلت الحياة ذاتها‪ .‬فأنت روح‬ ‫األصليّة‪ ،‬ذاتك التي ُجبِلَ ْ‬
‫الحياة الواحدة التي تعبّر عن نَ ْفسِها من خالل تجربة إنسانية‪ ،‬وليس العكس‪ ،‬وهذا‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫ُّ‬
‫أنت روح الحياة الواحدة‪ ،‬تعبر عن نَ ْفسِها من خالل إنسان‪ ،‬وليس العكس‪.‬‬
‫األولى التي ُح ِقنَت فيها مصل هذا اإلدراك في نَ ْفسي‪ ،‬كنتُ في ُم ْعت َزَ ل‬ ‫المرة ّ‬ ‫أذ ُكر ّ‬
‫ُروحي أو «‪ »Retreat‬في مصر لمدّة أربعة أيام‪ ،‬كان المشاركون قلّة ال يتعدّون‬
‫عشرة أشخاص‪ ،‬ولذلك أصبحت العالقة مع الجميع وطيدة‪ ،‬نتشارك خبراتنا‬
‫وآرائنا‪ّ ،‬إال شخصا واحدا‪.‬‬
‫طة ترتسم على‬ ‫ص ْمت كامل‪ ،‬وابتسامة ال ِغ ْب َ‬ ‫األولى في َ‬
‫ضى ذلك الشخص األيّام ّ‬ ‫قَ َ‬
‫وجهه‪ ،‬و ِلعُمق حالة السكون التي كان فيها‪ ،‬لم يحاول أحدٌ التطفّل عليه‪ .‬في ليلة‬
‫اليوم الثالث‪ ،‬جلسنا نغنّي حول النار التي أشعلناها‪ ،‬كانت ليلة صافية‪ ،‬تتألّق النجوم‬
‫فيها بالسماء‪ ،‬والنار تلتهب في منتصف مجلسنا‪ ،‬وأحد المشتركين يعزف موسيقى‬
‫ساحرة على آلة الب ُُز ْق‪ ،‬تمتزج فيها هذه العناصر الخيميائية كافة؛ لتنسج أمسية‬
‫خالبة ليس لها مثيل‪.‬‬
‫ّ‬
‫اآلخر‪،‬إال أنا‬ ‫ي الوقت‪ ،‬بدأ المشتركون بالذهاب إلى النوم واحدا بعد‬ ‫ض ّ‬ ‫ومع ُم ِ‬
‫بالتقرب منه والتحدّث‬ ‫ّ‬ ‫وزميلي في الغرفة «هانز»‪ ،‬والرجل الصامت‪ ،‬وعندها بدأنا‬
‫معه‪ ،‬وللمفاجأة كان يخبّئ في جعبته حكمة رهيبة‪ ،‬ولكن انغماسه بالسكون أفقده‬
‫الحاجة إلى الثرثرة كثيرا‪ ،‬كما كنتُ أنا أفعل! بدأت بتجاذب أطراف الحديث معه‪،‬‬
‫وعرفنا أنّه دكتور في السيكولوجيا‪ ،‬ولكن شغفه الرئيسي يميل إلى الروحيّة‪ ،‬ووعي‬
‫الحضارات القديمة‪ ،‬فهناك تختبئ خفايا الحكمة التي نَ ِس َيتْها اإلنسانيّة‪ ،‬ومن خالل‬
‫س ْألتُه‪« :‬دكتور‪ ،‬ما هو الهدف من الحياة؟»‪.‬‬ ‫الحديث َ‬
‫ي‪ ،‬ثم إلى النار‪ ،‬ثم إلى النجوم‪ ،‬علّه يستنبط منها نوعا آخ ََر من الحكمة‪،‬‬ ‫فنظر إل َّ‬
‫ط ُر ٌق ال محدودة للتعبير عن الذات»‪ ،‬قد تبدو‬ ‫ي‪ ،‬ثم قال‪ُ « :‬‬‫ظر في عين ّ‬ ‫ورجع ليَ ْن ُ‬
‫هذه الجملة عامة وغير مفهومة‪ ،‬ولكن لوضوح الطاقة التي أتت منها الكلمات‪،‬‬
‫فهمتها‪ ،‬ولم أَحْ ت َج للسؤال أكثر؛ ألن إحساس الكالم دخل قلبي‪.‬‬
‫طرق ال محدودة للتعبير عن ذاتك‪ ،‬وأدوار ال محدودة لتلعبها‪ ،‬ولك‬ ‫ٌ‬ ‫عمقك تت َّ ِقد‬ ‫ففي ُ‬
‫الخيار‪.‬‬
‫فأنت الفضاء الكوني الذي تَحْ دُث فيها تعابير الحياة كافة‪ ،‬بل تَحْ دُث فيها الخليقة‬
‫كافّة‪ .‬وأ ّما االبتعاد عن هذا الوعي الصادق‪ ،‬فسيزيد تعلّقك بالهويات الفرعيّة‬
‫كمصدر للقيمة واألمان‪ ،‬فتراك منتقال من تعريف نفسك بمحدوديّة جسدك‪ ،‬إلى‬
‫اسمك وعائلتك وبلدك‪ ،‬وفريق الرياضة الذي تش ّجع‪ ،‬والقائمة تطول وتطول‪ ،‬باحثا‬
‫ت منه‪ .‬ال نقول هذا لنمنعك‬ ‫في هذه الهويّات الفانية عن إحساس القيمة‪ ،‬وهي قد َخلَ ْ‬
‫ولدت فيه‪ ،‬فأنا أؤمن أننا ولدنا في بل ٍد معيّن؛‬ ‫َ‬ ‫من التشجيع‪ ،‬أو لنسلبك حب البلد الذي‬
‫لكي نساعد في نهضة الحب هناك‪ ،‬ولكن ماذا نعني بأن ترى من أنت؟ أن ترى‬
‫نَ ْفسك قبل تصديق ك ّل هذه الهويات‪.‬‬
‫فبالنهاية‪ ،‬ك ّل هذه الهويات ما هي َّإال تعابير فرعيّة في وعيك‪ ،‬تولد في الزمان‬
‫وتموت بالزمان‪.‬‬
‫ولكن َمن هو «الخالد» فيك الذي ال يولد وال يموت؟‬
‫سأترك اإلجابة لك‪.‬‬
‫مرة واحدة‪ ،‬ولكن بالنظر‬ ‫وتأكد مرة أخرى أننا ال ننادي هنا بخلع الهويات الفرعيّة ّ‬
‫إليها كما هي كتعابير فرعية لتنظيم المجتمعات‪ ،‬واالستمتاع بخبرة الحياة‪ .‬حينها‬
‫ست َمن‬ ‫ستستطيع التالعب بك ّل هذه التعابير السطحية‪ ،‬من دون التقيد فيها‪ ،‬فأنت لَ َ‬
‫تظن‪ ،‬أنت فيك الخليقة بأكملها‪.‬‬
‫القوة االبتكارية التي تشكل ك َّل الخليقة ت َ ْق َبع في داخلك‬‫نقول الخليقة في داخلك؛ ألن ّ‬
‫اآلن‪.‬‬
‫فهل ستقبل الرضوخ إلى هذه الحقيقة؟‬
‫القوة بالتسليم‪ ،‬وفي هذه العمليّة‬ ‫ونستعمل كلمة الرضوخ هنا؛ ألنّه رضوخ ّ‬
‫المستمرة من التسليم‪ ،‬سيزهو فيك شموخ الذات وقوتها‪ ،‬وفيه أحلى أشكال التواضع‪،‬‬
‫وليس الغطرسة كما ُخيّل لنا‪.‬‬
‫ولكي تت َمعّن بمعنى التواضع‪ ،‬لك أن تف ّكر بأقوى المعلّمين بفنون القتال‪ ،‬أَتُراهُ‬
‫يجول الشوارع ليتحدّث عن قوته؟ ال‪ ،‬فمن يفعل ذلك هو المتغطرس‪ ،‬الذي يبحث‬
‫وقوته األصليّة‪،‬‬ ‫القوة الخارجية‪ ،‬فالمتغطرس هو من تغطرس على ذاته‪ّ ،‬‬ ‫عن ّ‬
‫طلقة‬ ‫القوة ال ُم ْ‬
‫لتسرع من يقظتهم‪ .‬الرفض لهذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫والحياة ت َ ْس َحق ِكبْر هؤالء األشخاص‪،‬‬
‫سك المتح ّجر بالهويّات الفرعيّة‪ ،‬هو المعاناة‪ ،‬والمسبّب لهذه المعاناة له اسم‬ ‫بالتم ّ‬
‫واضح‪ ،‬هل أنت جاهز لسماعه؟‬
‫صة صغيرة‪:‬‬‫أقص عليك ق ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِألُجيب عن هذا السؤال‪ ،‬دعني‬
‫ب من بيتي‪ ،‬كان المكان جميال ويَض ُّج‬ ‫مطعم قري ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مرة بفتاة لطيفة‪ ،‬في‬ ‫التقيت ّ‬
‫بالحياة‪ ،‬ناهيك عن حلوى التين الصحيّة التي يقدّمونها هناك‪ ،‬والتي أحبّها من كل‬
‫ي‬ ‫قلبي‪ .‬بدأنا باألكل والدردشة سويًّا‪ ،‬وطعم التين الشهي يداعب فمي‪ ،‬وبالمض ِّ‬
‫بالحوار‪ ،‬والتع ّمق أكثر بحياة الفتاة‪ ،‬وصلنا إلى الجزء الصادم!‬
‫قالت الفتاة إنّها أمضت أربع سنين من عمرها في التأ ّمل بكوخ صغير شمال‬
‫اسكتلندا‪ ،‬وحدها‪ ،‬نعم‪ ،‬وحدها‪ ،‬تتركه يوما واحدا في الشهر للتس ّوق‪ .‬والسبب في‬
‫أن هذا النوع من‬ ‫انطواء هذا الحوار على شيءٍ من الصدمة‪ ،‬هو أنّنا عادة ما ّ‬
‫نظن ّ‬
‫ب نحي ٍل ِب ِلحي ٍة طويلة‪ ،‬ولكن هذه الفتاة كانت‬ ‫المغامرات الروحيّة مقتصر على راه ٍ‬
‫عصريّة للغاية‪ ،‬وتستمتع بالرقص والغناء وغيرها‪ ،‬ولهذا جذبني الحديث معها‪،‬‬
‫ت إلي‪ ،‬وبك ّل معاني‬ ‫لك الطويل؟» فن َ‬
‫ظ َر ْ‬ ‫ت من خالل تأ ّم ِ‬ ‫وسألتُها حينها‪« :‬ماذا عرف ِ‬
‫الثقة قالت‪« :‬لقد عرفتُ السبب الرئيسي للمعاناة اإلنسانيّة‪ ،‬وعندها تركتُ الكوخ‪،‬‬
‫وبدأتُ عملي الخاص كمرشدة نفسيّة بغالسكو»‪ ،‬إحدى مدن اسكتلندا‪.‬‬
‫ْ‬
‫استنتجت الفتاة؟‬ ‫لديك الفضول لت ْعرف ماذا‬
‫َ‬ ‫هل‬
‫ال تقلق‪ ،‬لن أبقيك على فضولك‪ ،‬ولكن تحضّر إلجابة بسيطة‪ ،‬فالحكمة دائما بسيطة‪،‬‬
‫قالت لي‪« :‬إيهاب‪ ،‬سبب المعاناة اإلنسانيّة هو الجهل!»‪.‬‬
‫قوتك األصليّة‪ ،‬ويبقيك معلّقا بالهويّات‬ ‫نعم‪ ،‬إنّه الجهل الذي يحرمك من ّ‬
‫ي‪ ،‬وموجود في كل إنسان على األرض‪،‬‬ ‫الفرعيّة‪،‬هذا الجهل موجود فيك‪ ،‬وموجود ف ّ‬
‫ومن ينكر وجود هذا الجهل فيه‪ ،‬فهو الجاهل األكبر‪ .‬وعمليّة اكتشاف الذات‪ ،‬هي‬
‫عمليّة مستمرة من تعدّي الجهالة إلى عنصر الوحدة‪.‬‬
‫ح المعلومات‬ ‫صلة لقلّة الشهادات التي تَحْ ِملها‪ ،‬أو ُ‬
‫ش ِّ‬ ‫الجهل الذي نقصده هنا ال يمت ِب ِ‬
‫المخزنة برأسك عن التاريخ‪ ،‬أو التكنولوجيا‪ ،‬أو العلوم‪ ،‬وإنّما الجهل الحق‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬
‫االبتعاد عن ذاتك األصليّة‪ ،‬مش ّكال بذلك‪ ،‬ومن دون دراية‪ ،‬المعاناة لنفسك‬
‫ولإلنسانيّة‪.‬‬
‫إن الكتاب يعمل كمط ّهر لهذا الجهل‪ ،‬ولكي يفعل ذلك بفاعليّة‪ ،‬دعنا‬ ‫فلك أن تقول َّ‬
‫ال نقفز سريعا إلى المواضيع التالية‪ ،‬وإنّما نتروى‪ ،‬ونتوقّف برهة لنتذ ّكر أساس‬
‫الحديث‪.‬‬
‫رج ُع بها الحوار‬‫دعنا إذن نل ّخص ك ّل ما قيل من البداية حتى اآلن بفقرة واحدة‪ ،‬نُ ِ‬
‫طيْف البساطة‪.‬‬ ‫إلى أساسه‪ ،‬ونُرجعه بها إلى َ‬
‫ت وهم الزمان‬ ‫هنا روح الحياة واحدة ترنو للتعبير عن ذاتها‪ ،‬ولتفعل ذلك‪َ ،‬خلَقَ ْ‬
‫صارة الحياة الواحدة‪،‬‬ ‫ع َ‬
‫والمكان‪ ،‬ليعمل كوسيلة ضغط وهمية تنساب منها ُ‬
‫ولكن فكرة أخرى ُولدت في ذهن اآلنسان‪ ،‬مضمونها‬ ‫ّ‬ ‫وبأشكالها الفريدة‪ ،‬ومنها أنت‪.‬‬
‫صدر‬‫أنّه ال يكيفني أن أكون وسيلة تعبير فقط‪ ،‬وبهذا ُولد َو ْهم االنفصال عن َم ْ‬
‫الحياة‪ ،‬بتحريف الذات الجامعة ِألَجْ ل الهويّات الفرعيّة‪ ،‬وفيها إحساس النقص‬
‫متجذّر‪.‬‬
‫تحركان حياتك‬ ‫ضح‪ :‬هناك فكرتان ّ‬ ‫ي أكثر‪ ،‬وبِلُغة سيكولوجية أَو َ‬ ‫وفي أسلوب عمل ّ‬
‫بالكامل‪ :‬فكرة االكتفاء بالذات‪ ،‬وفكرة النقص‪ ،‬واحدة صادقة‪ ،‬واألخرى زائفة‪،‬‬
‫واحدة ُمحبّة‪ ،‬وواحدة خائفة‪ ،‬واحدة معبّرة‪ ،‬واألخرى باحثة‪ .‬وللتسهيل‪ ،‬سنطلق‬
‫المحر َكيْن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫على هاتين الفكرتين‪ُ ،‬مس ّمى النظامين‬
‫المحرك في مخيلتك كشيء ميكانيكي‪ ،‬وقد تكون صورته كآلة من‬ ‫ّ‬ ‫قد يظهرالنظام‬
‫القرن السابق‪ ،‬تتدفق من َم ْد َخنَتها سحابة الدخان‪ ،‬ولكن ليس هذا النظام الذي نتكلم‬
‫عنه‪ ،‬ألنّه ليس نظاما مكيانيكيًّا‪ ،‬بل هو نظام فكري‪ ،‬وإن كان له صفات ميكانيكية‪.‬‬
‫ألن الفكر أساس الخليقة‪ ،‬فال شيء يُخلق في العالم‬‫النظام الفكري هو سيد األنظمة؛ ّ‬
‫الفيزيائي دون األفكار‪ ،‬ال شيء البتّة؛ هذا كود كوني واليمكن تشفيره‪ ، ،‬فك ُّل شيء‬
‫يبدأ على مستوى األفكار‪.‬‬
‫ي شيء لم يبدأ على مستوى األفكار‪ ،‬حاول!‬ ‫قف وفكر بهذا لبرهة‪ ،‬وحاول أن تجد أ َّ‬
‫فالعمارة التي بالطريق بدأت كفكرة برأس ُمنشِئها‪ ،‬والكرسي الذي تجلس عليه بدأ‬
‫خالق واحد»‬ ‫بفكرة‪ ،‬وك ّل شيء بدأ بفكرة‪ ،‬حتى جسمك بدأ بفكرة! فهناك «عنصر َّ‬
‫في الكون كافة‪ ،‬وسنس ّميه الفكر‪ ،‬تخرج منه كل األفكار‪ .‬الفكر هو الجسر االبتكاري‬
‫عرج أكثر على هذه «الفكرة» في الصفحات القادمة‪.‬‬ ‫بين المستور والمنظور‪ ،‬وسنُ ّ‬
‫ولكن لغرض هذا الحوار‪ ،‬حاول أن تتذكر َّ‬
‫أن ك َّل األفكار على مستوى السيكولوجية‬
‫اإلنسانيّة‪ ،‬تأتي من مصدرين‪ :‬إ ّما من الوحدة‪ ،‬أو وهم االنفصال‪ ،‬أي من مكان‬
‫األصل أو الزيف‪ .‬األصل يَهوى التعبير عن ذاته‪ ،‬أما الزيف‪ ،‬فيركض باحثا عن‬
‫ذاته في الخارج؛ لذا نستطيع أن نقول إن كل السلوكيات البشرية ‪-‬على كثرتها‪،‬‬
‫وتعقّدها‪ -‬تمشي باتجاهين‪ :‬التعبير عن الذات‪ ،‬أو البحث عن الذات‪ ،‬وكالهما نوع‬
‫األول بالحب والثاني بالخوف‪ ،‬فالحب‬‫من التعبير‪ .‬وللتسهيل‪ ،‬سنطلق على التعبير ّ‬
‫سرنا‬
‫هو نظام الوحدة‪ ،‬والخوف هو نظام االنفصال‪ ،‬أو وهم االنفصال‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫الصغير‪.‬‬
‫ك ّل السلوكيات اإلنسانيّة تنبع من مصدرين‪ :‬إما الحب‪ ،‬أو الخوف‪.‬‬
‫لذلك تتنوع األحاسيس اإلنسانيّة من الحب إلى الخوف‪ ،‬وكل ما بينهما‪ ،‬فكيف لك‬
‫أن تستعمل هذه الحكمة البسيطة لصالحك اآلن؟ للتوضيح‪ ،‬دعنا نطرح هذا المثال‪:‬‬
‫تخيَّل أنك تمشي في الشارع‪ ،‬وفجأة بدأت معدتك باالنقباض‪ ،‬وبالمراقبة‪ ،‬استنتجت‬
‫أنّه نظام الخوف تفعّل فيك‪ ،‬وفيه إحساس النقص الضمني‪ .‬في هذه اللحظة بالذات‪،‬‬
‫قد تحاول التخلص من هذا اإلحساس‪ ،‬وقد يكون عن طريق تخدير اإلحساس وقمعه‪،‬‬
‫أو الهرب منه عن طريق فتح موبايلك لتكتشف كم «اليك» جديدة كسبت على‬
‫الفيسبوك‪.‬‬
‫القوة؟ لك الخيار‪.‬‬
‫أو قد تختار طريق ّ‬
‫القوة‪ ،‬عليك بالبداية أن تعترف بإحساس النقص الذي تختبرة اآلن لكي‬ ‫فإن اخترت ّ‬
‫تحيد شحنته العاطفية‪ ،‬وبعدها ابدأ بأخذ نَفَس عميق داخل هذا اإلحساس‪ ،‬والزفير‬
‫شحنة النقص سطوتها عليك‪،‬‬ ‫وكرر «تكنولوجيا التنفس» هذه حتى ت َ ْف ِقد ُ‬ ‫خارجه‪ّ ،‬‬
‫لتتذكر الفضاء المراقب من داخلك‪ .‬هو فضاء الذات الساكنة خلف إحساس النقص‬
‫(أو قد نس ّميه عدم األمان)‪ ،‬ونقول كلمة «خلف» كنوع من الرمزية‪.‬‬
‫كنت صادقا مع نفسك‪ ،‬ستجد أن ما تحتاجه حقًّا‪ ،‬وما يحتاج إليه ك ّل إنسان في‬ ‫وإن َ‬
‫المعمورة‪ ،‬هو ليس الشيء الخارجي الذي تظن‪ ،‬بل إنك تبحث عن الطمأنينة اآلن‪،‬‬
‫وللدقة‪ ،‬فإنك تبحث عن فضاء الذات األصليّة‪ ،‬والتي يقطن فيها األحاسيس الروحيّة‬
‫من الطمأنينة‪ ،‬والحب‪ ،‬والقيمة الخالدة‪ -‬وكل هذا أنت‪ .‬أنت فضا ُء الوعي الخالص‪،‬‬
‫عدت عنه‪ ،‬فلن تبعدَ عنه أكثر من فكرة واحدة‪ ،‬نعم‪ ،‬فكرة واحدة‪ ،‬ففضاء‬ ‫ومهما َب َ‬
‫الذات األصليّة على بُعد فكرة واحدة منك اآلن‪ ،‬أليس في هذا ق ّمة الرحمة؟‬
‫أحس به؟ فهو‬ ‫ُّ‬ ‫وقد «تفكر» اآلن‪« :‬ولكن‪ ،‬إيهاب‪ ،‬ماذا عن إحساس النقص الذي‬
‫حقيقي‪ »،‬وهذا صحيح‪ ،‬ولكن من أين يأتي هذا اإلحساس؟ من األفكار‪ ،‬فكل‬
‫أحاسيس الكون هي نتاج األفكار‪ ،‬وليس العكس‪ .‬فالح ُّل إذا‪ ،‬ليس في أن تقاوم‬
‫سه تماما‬‫ي إحساس مؤلم آخر‪ ،‬ولكن أن تسمح لنفسك أن تح َّ‬ ‫إحساس النقص‪ ،‬أو أ ّ‬
‫الالمع كارل‬ ‫كما هو‪ ،‬فإن قاومت الشيء ازدادت ِشدَّته‪ ،‬أو كما قال السيكولوجي َّ‬
‫يونغ‪« :‬إن ما تقاومه يستمر»‪.‬‬
‫وبعد أن تسمح لنفسك باختبار هذا اإلحساس‪ ،‬اسمح لنفسك أن تكتشف أن إحساس‬
‫مجرد فكرة تقول لك إنك لست كافيا‪ ،‬ولك‬ ‫ّ‬ ‫النقص ليس حقيقة ْ‬
‫مطلقة‪ ،‬وإنّما فكرة‪،‬‬
‫أن تصدّقها‪ ،‬أو ال تصدقها‪ .‬عندها‪ ،‬لن يقود هذا اإلحساس سلوكك‪ ،‬ولن يستعبد‬
‫فالقوة الحقيقية ال تكمن بمقاومة إحساس النقص‪ ،‬أو حتى إنكاره‪ ،‬وإنّما في‬ ‫حياتك‪ّ ،‬‬
‫تذكر الحقيقة‪ ،‬إن مصدر إحساس النقص هو»فكرة» مثل باقي األحاسيس‪ ،‬وفكرة‬
‫النقص ال تثبت شيئا عنك‪ ،‬أو عن قيمتك األصليّة‪ .‬فما األفكار َّإال طاقة ماضية‪،‬‬
‫ت َْظ َهر وتتبخر كالسحابة‪.‬‬
‫تذ َّكر أن اإلحساس نفسه ال يقتلك‪ ،‬وإنّما التصرف على أساس هذا اإلحساس‪ ،‬أمر‬
‫قد يؤدي إلى قتلك!‬
‫فغالبية مشاكل الناس تأتي من التصرف على أساس أن أحاسيس النقص حقيقة‪،‬‬
‫فترى الشخص عندما يشعر بأنّه ناقص وغير محبوب‪ ،‬يركض للقيام بكل السلوكيات‬
‫تتنوع هذه السلوكيات‪ ،‬وحسب الخريطة‬ ‫الساذجة للتخفيف من ألم هذا اإلحساس‪ ،‬وقد َّ‬
‫المرضيّة إلى البحث األعمى عن‬ ‫َ‬ ‫الذهنيّة للشخص‪ ،‬من المخدرات إلى العالقات‬
‫السيارات والمناصب‪ ،‬واإلنجاز‪ ،‬والثروة‪.‬‬
‫ي شيء في العالم‬ ‫سر المكتوب هنا على أنني ضد الحصول على أ ّ‬ ‫أرجو َّأال تف ّ‬
‫ي‪ ،‬بل على العكس تماما‪ ،‬فأنا مع االستمتاع الكامل بالحياة‪ ،‬وتحقيق الرغبات‪.‬‬ ‫الما ِدّ ّ‬
‫فاالستمتاع بالحياة‪ ،‬يتض َّمن االستمتاع بالثروة الروحيّة والماديّة على ح ٍدّ سواء‪،‬‬
‫حتى أنني أرى الفصل بين عالم الروح‪ ،‬والمادة مقيّدا هائال‪ ،‬ومنظورا ُمض ِعفا‬
‫ومتأخرا‪ ،‬ال يتماشى مع حقيقة الذات‪ .‬لكن المقصد هنا َّأال تبحث عن المادة كوسيلة‬ ‫ِّ‬
‫إلشباع القيمة؛ ألن هذا طريق العذاب‪.‬‬
‫كن أنت‪ ،‬ون َْل الفيراري والعالقة والمنصب‪ ،‬وعندها ستستمتع بها أكثر؛ ألنك لن‬
‫ي مصدر خارجي‪ ،‬فأنت القيمة‪ ،‬أنت األثمن‪،‬‬ ‫تعلّق إحساسك بالقيمة واألمان على أ ِّ‬
‫أنت الخالد الذي ال يضاهيه شيء‪.‬‬
‫فعندما يسكن ذهنك‪ ،‬ويلمس بيت األمان الداخلي‪ ،‬ستتوقف عن البحث في الخارج؛‬
‫ألنّك لمست المادة التي ُك ّ ِونت منها‪ ،‬وهي روح الذات‪ ،‬يمكن أن ِ ّ‬
‫نسم َيها أيضا‬
‫بالوعي الخالص‪ ،‬أو السكون‪ ،‬أو حتى الحب الخالد‪ .‬كلُّها كلمات ترشدك لما وراء‬
‫الكلمات‪.‬‬
‫السكون التدريجي إلى الذات ليس «حدثا» يحصل مرة في الحياة‪ ،‬وكأنّه صاعقة‬
‫تنزل على رأسك‪ ،‬تستفيق بها من خوف النقص إلى األبد‪ ،‬وتنتهي القصة (وإن كان‬
‫في حاالت نادرة كذلك‪ ،‬ولكنّني سأنصحك َّأال تع ّ ِول على هذه المسألة)‪ ،‬وإنّما هي‬
‫مستمرة لباقي العمر‪ ،‬يرتقي فيها وعيك تدريجيًّا من الخوف‪ ،‬إلى‬ ‫ّ‬ ‫عمليّة احتراف‬
‫الذات المطمئِنَّة في داخلك‪.‬‬
‫ففي كل مرة يتفعَّل فيها الخوف من داخلك‪ ،‬لديك الخيار‪ ،‬والقدرة على التذ ّكر أن‬
‫مصدر اإلحساس فكرة‪ ،‬وليس «العالم الخارجي»؛ ولذلك ننصح بتكنولوجيا التنفّس‬
‫لترويض نظام الخوف‪ ،‬وتسريع التذ ّكر‪ ،‬وبهذا ت َبني احترافيتك الذهنيّة‪ .‬فالمحترف‬
‫ف‬‫ستعر ُ‬
‫ِ‬ ‫ليس َمن يحارب أحاسيس عدم األمان‪ ،‬وإنّما هو َمن َوعى بوهمها‪ .‬حيث‬
‫حينها أنّكل ما تبحث عنه من األمان والقيمة المصونة‪ ،‬موجود في داخلك اآلن‪،‬‬
‫قيمتك مكتملة في هذه اللحظة‪.‬‬
‫وقد يخطر لك اآلن‪ :‬إذا كانت قيمتي كاملة ومحفوظة في داخلي‪ ،‬وال يُضاف عليها‬
‫ليحركني بعد هذا؟ وهل سيتالشى من عندي الطموح‬ ‫ّ‬ ‫وال يُنتقص منها‪ ،‬فماذا يبقى‬
‫حينها؟‬
‫هذا السؤال هو أحد األوراق التي قد يرميها لك نظام الخوف‪ ،‬ليُقنعك بص َّحة تفكيره‪،‬‬
‫فكأنّه يقول لك ببراءة مصطنعة‪« :‬لو عرفتُ أنني معجون من كمال الحياة ذاتها‪،‬‬
‫فماذا سيدفعني بعدها؟» ولكن ما ال يفهمه نظام الخوف‪ ،‬هو أن الكمال يستمتع‬
‫عصارته من خاللك‪ ،‬فالرغبة الضمنيّة للتعبير الكامل عن الذات قائمة‬ ‫بإفراغ ُ‬
‫ومستمرة لألبد‪ ،‬ألنّها الطاقة الدافعة للتكوين‪ ،‬والعطاء والتنوير‪ ،‬تماشيا مع قانون‬
‫التطور المستمر‪.‬‬
‫فلماذا تظن أن البذرة تنفجر مخرجة الساق والزهرة؟ وما بالك بالشرنقة التي ت َخنُ ُق‬
‫نفسها لتخرج الفراشة؟ هل الطبيعة تفعل ذلك لتغطي نقصا فيها؟ ال‪ ،‬وإنّما هي‬
‫الرغبة الجارفة للتعبير الكامل عن الذات‪ ،‬هذه رغبة كامنة في رحم الطبيعة‪ ،‬وأنت‬
‫تخف عندما تسترخي في َح ِي ِّز الكمال الداخلي أن تفقد الحافز‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫جزء من الطبيعة‪ .‬فال‬
‫بل على العكس‪ ،‬فإن الحافز سيرتقي إلى مستوى جديد من التعبير والشغف‬
‫تتموج فيك‪ ،‬لترسم في كمالها أجمل‬ ‫ّ‬ ‫والخدمة‪ ،‬وسترى طاقة الحياة االبتكارية‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫الصور في الحياة‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫الرغبة الكاملة للتعبير عن الذات‪ ،‬كامنةٌ في رحم الطبيعة‪ ،‬وأنت جزء من الطبيعة‪.‬‬
‫ف ِعش من الطبيعة فيك‪ ،‬وستأخذك على عجل إلى بُعد اإلبداع‪ ،‬وابدأ بترويض نظام‬
‫الخوف ونقصه التقليدي؛ كي ال يجرفك معه إلى بُ ْع ِد التقليد‪.‬‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫يحركان حياتك‪ :‬نظام الحب‪ ،‬ونظام الخوف‪.‬‬ ‫* هناك نظامان ِ ّ‬
‫* كل سلوكيات اإلنسانية تسلك منهج التعبير عن الذات‪ ،‬أو البحث عن الذات‪.‬‬
‫* ذاتك األصلية في فضاءٍ من الوعي الخالص‪ ،‬ال يضاف له‪ ،‬وال يؤخذ منه‪.‬‬
‫* النقص هو مجرد «فكرة» قد تنتهي قوتها بمراقبتك لها‪.‬‬
‫أسئلة للتفكر‪:‬‬
‫ماذا سيختلف في أسلوب حياتك‪ ،‬إن عرفت أن النقص في داخلك هو فكرة وهمية؟‬
‫كيف ستختلف خبرتك الحياتية‪ ،‬إن أيقنت أن مصدر األمان داخلي مئة بالمئة؟‬
‫كيف ستتصرف إن عرفت أن ذاتك هي وعي خالص ليس لها حدود؟‬
‫ماذا لو كان كل البشر في العمق واحد‪ ،‬من مصدر واحد‪ ،‬خلف هوياتهم الفرعية؟‬
‫بعدُاإلبداع‪ُ،‬أمُبُعدُالتقليد؟‬
‫صغر والكلمات التي تتردد على‬ ‫اإلبداع كلمة قلّما نسمعها في البالد العربية‪ ،‬فمنذ ال ّ‬
‫مسامعنا‪ :‬نحن دول عالم ثالث‪ ،‬نحن دول مسته ِلكة ومقلّدة‪ ،‬ال مبدعة‪ ،‬اإلبداع هو‬
‫«لألجانب» كما نُس ّمي البلدان األخرى‪ .‬أليس مضحكا أن يُص ِدّق المجت َمع فكرة‬
‫واحدة‪ ،‬تتحول بَعدَها إلى الكود المبرمج لوعي الجميع‪ّ ،‬إال من استفاق من هذا الحلم؟‬
‫ْي «التقليد ال َج ْمعي» يتجلّى بأشكال عديدة في البالد العربية‪ ،‬فأماكن بيع‬ ‫َوع ُ‬
‫ت عن‬ ‫األقراص المنسوخة هي ليست الدارجة فقط‪ ،‬ولكنها «الطبيعية»‪ ،‬فإذا بَحثْ َ‬
‫األصلي‪ ،‬استغرقك إيجاده وقتا طويال‪ ،‬وهذه الظاهره الغريبة‪ ،‬جعلتني أتأ ّمل كيف‬
‫استشرى وعي التقليد السرطاني على مستوى أ ُ ّمة كاملة‪.‬‬
‫وبالتأ ّمل بهذه الظاهرة‪ ،‬فَهمتُ أن بُعد التقليد‪ ،‬والنًّسخ هما نَتاج نظام الخوف‪ ،‬فكلما‬
‫ازدادت أشكال الخوف واألحكام بالمجتمع‪ ،‬ازدادت أشكال التقليد‪ ،‬وتقلّص اإلبداع‪.‬‬
‫ولكي نم ّحص في هذه الفكرة أكثر‪ ،‬دعْنا نضع أنفسنا مكان نظام الخوف‪ ،‬وأكاد‬
‫أجزم أنها ليست بالمه ّمة الصعبة؛ ألننا استُع ِب ْدنا بنظام الخوف لسنين طويلة‪ .‬فإذا‬
‫المحرك لنظام الخوف‪ ،‬وهو النقص‪ ،‬فمن المنطقي أن‬ ‫ِّ‬ ‫عمق اإلحساس‬ ‫نظرنا إلى ُ‬
‫ننطلق حينها في رحلة ش َِرهة إلسكات جوع النقص من مصدر خارجي‪ ،‬دون الت َّ َيقُّن‬
‫أن ال شيء يمأل هذا الجوع الواهم َّإال ذاته؛ لذلك نبحث عن التقبّل الخارجي طوال‬
‫الوقت كح ٍّل ألزمة النقص‪ ،‬وفي هذا البحث سنرتضي أن نغيّر ذاتنا‪ .‬وهكذا يا‬
‫صديقي يولد أول أشكال التقليد والتزوير في ذهن اإلنسانية‪ ،‬فالبحث الخارجي عن‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫التقبُّل سيستعبد ذاتك‪ ،‬ويُس ِقطك عن بُعد اإلبداع واألصالة فورا‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫البحث الخارجي عن التقبّل والحب‪ ،‬يخلق أول أشكال التزوير في ذهن اإلنسانية‪.‬‬
‫فالبحث الخارجي عن التقبّل‪ ،‬وفي عمقه البحث عن ذاتك‪ ،‬ال يبعدك فقط عن‬
‫األصالة‪ ،‬بل هو طريق الجحيم‪ ،‬فإذا ارتضيت أن تغيّر نفسك مرة كي تكسب التقبّل‬
‫من الخارج‪ ،‬فستفعلها مرة ثانية‪ ،‬وثالثة‪ ،‬حتى يصبح ذلك منهجك في الحياة‪ ،‬وستجد‬
‫سوق المفتوح‪ ،‬تبتاع قوانين األهل‪ ،‬والناس‪ ،‬والمجتمع‪ ،‬وتتبنَّاها‪ ،‬وما‬ ‫نفسك كال ّ‬
‫أكثرها من قوانين‪ ،‬وما أق ّل حكمتها! وبهذا التبنّي تُثْقل نفسك بلوازم دخيلة عليك‪،‬‬
‫في محاولة صبيانيّة منك لكسب التقبّل الخارجي‪ .‬ولكن هل تظن أنه إن أتاك التقبّل‬
‫حينها‪ ،‬فستحس فعال بأنك مقبول؟‬
‫اإلجابة ال…‬
‫فالتقبّل والحب ال يمكن أن يكونا مشروطين‪ ،‬وخصوصا إن كان الشرط أن تغيّر‬
‫نفسك‪.‬‬
‫فكيف يكون التقبّل تقبّال‪ ،‬إن خال من عنصر التقبّل األساسي‪ ،‬وهو قبول نفسك كما‬
‫هي؟!‬
‫ألن منطق األرضاء كان يستعبدني‪،‬‬ ‫َّ‬
‫اهتز كياني‪ ،‬ربما ّ‬ ‫وعند إدراكي لهذه الحقيقة‬
‫أدق سمحتُ له أن يستعبدني‪.‬‬‫أو بكلمة ّ‬
‫فقُبيْل رحلة الصحوة‪ ،‬كانت حياتي متمحورة حول تغيير نفسي لطاعة الغير‪ ،‬وكنت‬
‫أسعى بهذه الطاعة للحصول على التقبّل الخارجي‪ ،‬حتى أنّني في السنة الثالثة‬
‫برنامج للتبادل الطالبي‪،‬‬‫ٍ‬ ‫للجامعة‪ ،‬عندما كنت أُحضّر حقيبتي للسفر ألمريكا في‬
‫قمت بترتيب حقيبتي أربع مرات‪ ،‬فكلّما أتى شخص من عائلتي وأقاربي أخذ يقترح‬
‫ي ماذا أضع فيها‪ ،‬ألقوم بفتح الحقيبة وتغيير محتوياتها! فهذا يقول لي‪« :‬إيهاب‪،‬‬ ‫عل ّ‬
‫ال تأخذ الكثير من الجينزات»‪ ،‬وغيره يقول‪« :‬خذ هذا»‪ ،‬وثالث يقول‪« :‬ال تأخذ‬
‫ذاك»‪ ،‬وأنا أقول في كل مرة نعم (حاضر)‪ ،‬كي يرضى عني الجميع‪.‬‬
‫قص عليك هذه القصة ليس فقط للتسلية‪ ،‬بل ألريك كيف ِعشتُ حياتي في‬ ‫أنا أ َ ُّ‬
‫السابق كنسخة زائفة‪ ،‬ال تبحث َّإال عن إرضاء الغير‪ ،‬وهي المهمة المستحيلة‪ ،‬وع ّل‬
‫هذه المعاناة ذاتها‪ ،‬هي ما علمتني أن أعشق األصالة ببساطتها وسحرها وإبداعها‪.‬‬
‫وهذا ال يعني أن البحث الخارجي عن التقبّل انجلى تماما من نفسي‪ ،‬فهو موجود‬
‫حتى هذه اللحظة‪ ،‬ولكن بات هناك اآلن غلبة في نفسي‪ ،‬لترويض هذا ال َم ْسلَك‪،‬‬
‫وااللتزام بخيار األصالة‪.‬‬
‫تحس أنك غير كافٍ ‪ ،‬ستغير نفسك بحثا عن‬ ‫ُّ‬ ‫الموضوع إذا بغاية البساطة‪ ،‬فعندما‬
‫االكتفاء الخارجي‪ ،‬وعن التقبّل‪ ،‬والحب‪ ،‬واالحترام‪ ،‬وستفعل ذلك بوعي‪ ،‬أو دون‬
‫وعي‪ ،‬ولكن من هنا يولد التملُّق والرياء‪ ،‬وهما مخالفان لصفات الفارس فيك‪ .‬إنها‬
‫تمت للذات األصلية بصلة‪ ،‬وال تضيف لها ّإال القرف‪ ،‬ونقصد من‬ ‫صفات َمقيت َة ال ّ‬
‫هذه الصورة البشعة أن نغذّي حبَّك لألصالة‪.‬‬
‫فهل ستستفيق من هذا القرف‪ ،‬وتلتزم بدفع تذكرة األصالة‪ ،‬لدخول مسرح اإلبداع‬
‫وعروضه المثيرة؟‬
‫َعرف ماذا يتطلّب هذا االلتزام‪ ،‬وأ َ ْذ ُكر هنا ما قاله‬
‫قبل أن تجيب بنعم‪ ،‬يجب أن ت ِ‬
‫أحد المشاركين في كورس «القائد المستنير ‪ »Enlightened Leader‬الذي‬
‫أعطيه في أكاديمية كن انت‪ ،‬فقد قال‪« :‬قبل أن نُ ْقدِم على أي خيار‪ ،‬عليك أن ت َعي‬
‫رت أن تصبح مليونيرا‪ ،‬عليك أن تعي‬ ‫قر َ‬ ‫ماذا يترتب على هذا الخيار‪ ،‬فمثال‪ ،‬لو َّ‬
‫ماذا يتطلب وعي المليونير‪ ،‬من تفكير‪ ،‬وسلوكيات‪ ،‬وتضحيات‪ ،‬ومن ث َّم لك أن‬
‫تقر َر االلتزام بهذا االتِّجاه أم ال»‪.‬‬
‫ِّ‬
‫تتروى قليال قبل اختيار ثمن األصالة‪ ،‬فلو سألت الكثير من‬ ‫َّ‬ ‫لذلك طلبتُ منك أن‬
‫الناس‪ :‬هل تريد أن تعيش في بُعد األصالة؟ هل تريد أن تعيش حقيقتك‪ ،‬وتعبّر عنها‬
‫بشكل كامل؟ فالجواب المتوقع هو نعم‪ ،‬ولكن قلّة َم ْن تعي بمتطلبات هذا المستوى‬
‫المتكرر لذاتك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫من الحياة‪ .‬فعندما تختار طريق األصالة‪ ،‬عليك أن تقوم باالختيار‬
‫على حساب التقبّل الخارجي‪ ،‬وهذا من أصعب المه ّمات اإلنسانية‪.‬‬
‫المتكرر‬
‫ِّ‬ ‫هو األصعب؛ ألنك بهذا الخيار ستتحدَّى منظومتك العاطفية‪ ،‬وفيها الميْل‬
‫لنظام الخوف نحو التقبّل الخارجي‪ ،‬ولكنه في الوقت نفسه هو الخيار األبسط؛ ألنه‬
‫عندما تظهر لك ذاتك كما هي‪ ،‬ستعود الحياة إلى سِحْ ر البساطة‪ ،‬وستتبخر العُقَد من‬
‫نفسك تدريجيًّا‪ .‬فالعُقدة هي الطريق «المعقّد» للبحث عن ما فيك! وبزوال العقدة‬
‫الطاقيَّة ستتدفق الطاقة بيُس ٍْر في نفسك‪.‬‬
‫وما يحدث داخل نفسك‪ ،‬سيُس ِقط نفسه على ما حولك‪ ،‬فهذا قانون كوني اسمه قانون‬
‫سر «عالمك»‪ .‬ولك الخيار في أن‬ ‫التطابق‪ ،‬فإن كانت طاقتك متدفقة بيُسر‪ ،‬فسيَتيَ ّ‬
‫سهل المعقّد‪ ،‬أو الصعب البسيط‪.‬‬ ‫تذهب مع ال ّ‬
‫فإن اخترت الثاني‪ ،‬وهو طريق األصالة‪ ،‬وإن كان فيه تح ٍدّ عاطفي مستمر‪ ،‬فإن‬
‫احترامك لنفسك سيحلًّق لمراحل غير مسبوقة‪ ،‬وبهذا المستوى الجديد من االحترام‪،‬‬
‫سيرتقي تلقائِيًّا مقياس ما ترتضيه لنفسك‪ ،‬لترى ك ّل نواحي حياتك منتعشة بهذا‬
‫المقياس‪ .‬فتراك مندفعا بسرعة غير مسبوقة فيما هو أفضل لك في الصحة‪،‬‬
‫والعالقات‪ ،‬واألعمال‪ ،‬فكلها مرتبطة في العُمق باحترامك لنفسك‪ ،‬وفي احترام‬
‫نفسك شرط االلتزام بأصالتك‪.‬‬
‫سون بهذه األصالة‪ ،‬ففي األصالة بصمة خاصة على الهالة‬ ‫أن اآلخرين سيح ّ‬ ‫حتى َّ‬
‫الطاقيَّة للشخص‪ ،‬أو كما يس ّميها الناس باللغة الدارجة «الكاريزما»‪ ،‬أو الجاذبيّة‪.‬‬
‫فالشخص الجذَّاب المغري المثير هو نفسه األصيلة‪ ،‬وعكس ذلك هو التصنُّع‪ ،‬الذي‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫سيفقدك بريقك في سبيل الخوف‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫طاقة الكاريزما‪ ،‬ما هي َّإال طاقة األصالة‪.‬‬
‫صدَقَ فيك‪،‬‬‫وعلى المستوى العملي‪ ،‬تعني األصالة‪ :‬الخيار المتكرر ألن تُع ِبّر ع ّما َ‬
‫صدقك مخالفة‬ ‫أال تظن أنك ستحب نفسك بهذا التعبير؟ بل ستعشقها‪ .‬وإن كان في ِ‬
‫لرأي العامة‪ ،‬فهذا جزء من التحدي الطبيعي لألصالة‪ ،‬وأنا أعي صعوبة هذا‬
‫متكرر‪ ،‬حتى فيما نعتبره أسخف المواقف‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫صعب‬
‫ٌ‬ ‫خيار‬
‫ٌ‬ ‫التحدّي‪ ،‬فهو كما قلنا فيه‬
‫فقبل فترة ركبت سيارة أجرة ألذهب إلى بيت صديقي‪ ،‬وفي اللحظة التي دخلت‬
‫فيها‪ ،‬بدأ السائق بالقول‪« :‬أتعرف؟ إن جميع النساء غبيَّات‪ ،‬وال يعرفن كيف يَقُدن‬
‫وهن سبب المشاكل كلها‪ ،‬و َهلُ َّم َج ًّرا…» ‪ ،‬ولكن ألنني كنتُ في عقر‬ ‫ّ‬ ‫السيارات‪،‬‬
‫ذاتي‪ ،‬لم أنجرف مع كالمه‪ ،‬وبقيت في موقع المراقب‪.‬‬
‫فبدأتُ بمراقبة أحاسيسي الداخلية‪ ،‬وعدم األمان الذي تحرك في جسدي‪ ،‬فَ ِحوار‬
‫نظام الخوف كان في نفسي حينها‪« :‬كيف لي أن أُع ِبّر عن رأيي لو سألني السائق؟‬
‫فرأيي مختلف كل االختالف عنه‪ ،‬وهذا يضعني في مأزق‪ ،‬فماذا لو عرف أني‬
‫شخصيًّا مؤمن أن الطاقة األنثوية هي األمل لنهضة اإلنسانيّة‪ ،‬واألساس للصحوة‬
‫التي نَعيشها اآلن‪ ،‬وتمكين المرأة هو تمكين لإلنسانية ككل»‪ ،‬وأ َ َخذَ نظام الخوف‬
‫في داخلي بالتسارع للتفكير‪،‬‬
‫والتحضير لإلجابة‪ِ ،‬إ ْن و َّجه السائق الحديث لي‪.‬‬
‫أن تتخيّل الوطأة الشديدة للبحث عن التقبّل الخارجي‪ ،‬حتى في أسخف‬ ‫فلك ْ‬
‫المواقف‪ ،‬ومع األشخاص الذين ال نعرفهم!‬
‫لم أدخل حينها في الحوار مع السائق‪ ،‬وبقيتُ صامتا ومر ِ ّكزا على تكنولوجيا التنفس‬
‫ي‪ ،‬ولَ ْم ِس فضاء الوعي خ َْلفه‪ ،‬وبالرغم من أنني لم‬ ‫للتعالي على نظام الخوف ف ّ‬
‫أشارك في الحوار؛ ألنني لم أحس أن أصالتي تدفعني لذلك‪ ،‬لكني ضمنيًّا شاركت‬
‫قررتُ أن أقول رأيي كما هو‪،‬‬ ‫وبقوة‪ ،‬وأحسست باالنتصارعلى نظام الخوف؛ ألني َّ‬ ‫ّ‬
‫سئِلتُ عنه‪.‬‬
‫هذا إن ُ‬
‫«معارك فكريّةٍ» مع اآلخر‪،‬‬
‫َ‬ ‫فكما ترى‪ ،‬فإن اختيار األصالة ال يعني الدخول في‬
‫أو فقدان الذكاء االجتماعي ودماثة الحوار‪ ،‬فإن تقبُّل آراء األشخاص كما هي‪،‬‬
‫وإعطاءهم المساحة اآلمنة للتعبير واحترامهم‪ ،‬جزء من األصالة‪ .‬ولكن األصالة‬
‫كنت‬
‫َ‬ ‫تقتضي ّأال تقول ما ال تؤمن به‪ ،‬واألصالة تعني أن تتكلم بصدق ّ‬
‫وقوة‪ ،‬إن‬
‫مل َهما للكالم في هذه اللحظة‪ ،‬واألصالة تعني الصمت والمراقبة‪ ،‬إن كان هذا‬
‫المطلوب‪.‬‬
‫راقبت أحاسيسك بتمعُّن‪ ،‬سترى أنّه كلما تفعّل إحساس الخوف‪ ،‬أو ُ‬
‫عد َِم األمان‬ ‫َ‬ ‫وإن‬
‫ي باتّجاه الذات أو الزيف‪ ،‬وكأنّه مفترق‬ ‫فيك‪ ،‬تُب ِْرز لك الحياة الخيار‪ :‬إ َّما بال ُم ِ‬
‫ض ّ‬
‫طرق للذهاب بهذا الطريق أو ذاك‪ ،‬إما باتّجاه التقبّل الخارجي‪ ،‬وفيه السقوط إلى‬
‫بُعد التقليد فورا‪ ،‬أو باتّجاه األصالة وفيها االرتقاء بالذات‪ .‬وفي كل خيار تأخذه‬
‫المحر َك األقوى لحياتك‪ ،‬ولكنك‬ ‫ِّ‬ ‫ستقوى عضلة الحقيقة فيك‪ ،‬لتغدو‬ ‫ّ‬ ‫باتّجاه األصالة‪،‬‬
‫في الوقت نفسه‪ ،‬ستأخذ المجازفة األكبر للسيكولوجيّة اإلنسانية‪ ،‬وهي أن تكون‬
‫أنت‪.‬‬
‫من وجهة نظر نظام الخوف‪ ،‬أ ْك َب ُر مجازفة هي أن تكون أنت‪ ،‬ألنّك قد ت َفقد التقبّل‬
‫يحس بهذا «الموت»؟ ولكن رويًّا‬ ‫ّ‬ ‫وال ُحبُّ حينها‪ ،‬ومعها فقدان القيمة‪ ،‬و َمن يريد أن‬
‫صدَره دائم وخالد‬ ‫صدَرالتقبّل داخلي‪َ ،‬م ْ‬ ‫رويًّا سترى أنها لم ت َ ُك ْن مجازفة البتّة‪ ،‬ف َم ْ‬
‫الوجود‪ ،‬وهو أنت‪ ،‬أنت الحقيقية‪ .‬عندها سترى ميزان الحكمة َي ْر َجح في ذهنك‪،‬‬
‫وسيرجع خيار األصالة ليكون الخياراأله ّم‪ ،‬واألثمن في وجودك‪ ،‬ففي خيار‬
‫األصالة يتجلّى ُحبُّ الحياة من خاللك‪.‬‬
‫عندما أعمل مع الناس من خالل الكورسات أو التدريب الفردي‪ ،‬أبدأ عادة بترسيخ‬
‫سيب َْر ُز أمامهم‪ ،‬إ ّما لألصالة أو الزيف‪،‬‬ ‫هذا الوعي‪ ،‬وتذكيرهم بالخيار الدائم الذي ُ‬
‫«أحس أنني ال‬‫ُّ‬ ‫وعندما يبدأ المتدرب بتجديد االلتزام بخياراألصالة‪ ،‬تجده يقول‪:‬‬
‫سسني باالختناق؛‬ ‫أستطيع أن أكون شخصا آخر بعد اآلن‪ ،‬فالكذب على نفسي يح ّ‬
‫لذلك أُفضّل أن يكرهني كل الناس على ّأال أكون أنا»‪.‬‬
‫وال تخف أن يكرهك الناس؛ ألنه إن أحب ََّك الناس على تغيّر ذاتك‪ ،‬فذلك ليس‬
‫ت للوهلة‬ ‫ْب الذات‪ ،‬حتى وإن بَدَ ْ‬ ‫أن األصالة هي َكس ُ‬ ‫بالرشد‪ ،‬وتذ َّك ْر َّ‬ ‫بال ُحبُّ ‪ ،‬فت َ َح َّل ُّ‬
‫األُولى خسارة َ واهمة في الخارج‪ .‬وأ ّما تغيير الذات‪ ،‬فهو الخسارة الحقيقيّة‪ ،‬هي‬
‫عوض‪ ،‬حتى لو هلّل كل العالم لك‪ ،‬ووقفوا في صفك‪ ،‬وكما قيل‬ ‫الخسارة التي لن ت ُ َّ‬
‫في ال ُكتب‪ :‬ما فائدة أن يَ ْكسِب اإلنسان العالم‪ ،‬ويخسر ذاته؟‬
‫كن أنت‪ ،‬فهذا أفضل خيار ستأخذه حتى إن ازدراه الناس‪.‬‬
‫أن الناس إ ّما تزدري األصالة‪ ،‬أو تعشقها حتى النخاع؛ وذلك ّ‬
‫ألن‬ ‫نوضّح َّ‬‫ِ‬ ‫دعنا‬
‫المخزن في وعي العا ّمة‪ ،‬وهذا‬ ‫َّ‬ ‫تهز أركان الخوف‪ ،‬وتزلزل «أَلَ َم» التقليد‬ ‫األصالة ّ‬
‫ليس شأنّك‪ ،‬فإذا كان الشخص على قَ ْد ٍر ِمن الوعي‪ ،‬سيرى بأصالتك مذ ِ ّكرا‬
‫وإن لم يَ ُكن على هذا الوعي‪ ،‬فسيرى‬ ‫ألصالته‪ ،‬وسيتعامل مع األَلَم من داخله بحكمة‪ْ ،‬‬
‫ألن لكل شخص في الكون‬ ‫بأصالتك وحشا يؤذيه‪ .‬وكما قلت‪ ،‬فهذا ليس شأنّك‪ّ ،‬‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫صة التي يخوضها‪ ،‬وهذا ُّ‬ ‫رحلته الخا ّ‬
‫َض النظر عن ردود فعل اآلخرين‪.‬‬ ‫شأنّك الوحيد أن تكون أنت‪ِ ،‬بغ ِ ّ‬
‫وفي هذا االلتزام باألصالة‪ ،‬ستالحظ أنّك ستتخلَّى عن طبقة الوسطية‪ ،‬فلن تبقى‬
‫ذلك الشخص اللطيف الذي ي ُِحبُّه ك ُّل الناس ُحبًّا سطحيًّا‪ ،‬ولكنّهم ال يحترمونه‪ ،‬وإنّما‬
‫القوة‪ ،‬وليس من دافع الحاجة‪،‬‬ ‫سيكون لك كيانُك الخاص‪ ،‬وستكون لطيفا من دافع ّ‬
‫صة‪ ،‬ال ال َم ْوروثة‪ ،‬وسترى أن فئة‬ ‫ط ُع آراؤك الخا ّ‬ ‫وهذا اللطف الحقيقي‪ .‬عندها ست َ ْس َ‬
‫وعليك التعامل بالحياد مع االثنين‪ ،‬فهذا حا ُل‬ ‫َ‬ ‫تحبُّك‪،‬‬ ‫ستحبُّك‪ ،‬وأخرى لن ِ‬ ‫ِمنَ الناس ِ‬
‫ط َيب ثمرة د ُّراق بالعالَم‪ ،‬ستجد أشخاصا ال‬ ‫ت أَ ْ‬
‫مر على التاريخ؛ ألنه لو ُك ْن َ‬ ‫ك ِّل قائد َّ‬
‫أن المشكلة الكبرى تقع‪،‬‬ ‫الدراق‪ ،‬وهذه ليست مشكلة ما دام التقبّل داخليًّا‪ّ .‬إال َّ‬ ‫ي ُحبُّون ّ‬
‫عندما تُحاول أن تدّعي أنّك مشمش بدل ّ‬
‫الدراق!‬
‫ع َملك الريادي‪ ،‬أو الريادة‬ ‫سيُ ِش ّع َ‬‫وبهذه االنتفاضة في األصالة والتعبير الصادق‪َ ،‬‬
‫َعزم أن تفعلها‪ ،‬فالتعبير الصادق عن الذات‪ ،‬هو الفرق الرئيسي بين النجاح‬ ‫التي ت ِ‬
‫المستدام للريادي من عدمه‪ ،‬أو كما يقال في البرمجة اللغويّة العصبيّة‪ ،‬هو األ َ ْم ُر‬
‫الواحد الذي يش ّكل ك ّل الفرق‪ .‬وأقول هذه الكلمات بثقة‪ ،‬ليس فقط من خبرتي‬
‫دربتُ العديد من الرياديين على هذا منهج كن أنت‪،‬‬ ‫الشخصيّة‪ ،‬بل أيضا ألنّني َّ‬
‫سحر‪.‬‬‫والنتائج شبيهة بال ِ ّ‬
‫نت في أعمالك الريادية تحاول أن تكون شخصا زائفا لتُرضي الناس‪ ،‬فأنت‬ ‫فإذا ُك َ‬
‫ع ْم ِقك‪،‬‬ ‫الرخص في ُ‬ ‫يحس بإحساس ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُمق ِلّد‪ ،‬وال ُمقَ ِلّد رخيص‪ ،‬وستكون َّأول َمن‬
‫سيَ ْشت َ ُّم الناس ذلك من جهتهم‪ ،‬فيبدأ عملك الريادي بالتراجع؛ ألنه فقد القيمة‪ .‬وما‬ ‫و َ‬
‫الريادة الحقَّة ّإال إعطا ٌء للقيمة‪.‬‬
‫صدَر القيمة األصيل‪،‬‬ ‫فكيف لك أَن ت َخلُقَ قيمة متجدّدة‪ ،‬وأنت ت َ ْبعُدُ ك ّل لحظة عن َم ْ‬
‫وهو أنت؟‬
‫ت زائفة لجذب الناس‬ ‫سيُر ِهقُك البُ ْعدُ عن األصالة بمحاوال ٍ‬ ‫ومن ناحية التسويق‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫دأت بالتعبير الكامل عن ذاتك‪،‬‬ ‫صة بك‪ ،‬ولكن إن بَ َ‬ ‫للعالمة التجارية «‪ »Brand‬الخا ّ‬
‫الرياء‪ ،‬إلى وسيلة جميلة لنشر رسالتك‪ ،‬حتى يأتيك ما‬ ‫يتحول من ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫فسترى التسويق‬
‫ق‬‫عم ِ‬ ‫سيتحول الهوس من األرقام‪ ،‬إلى التركيز على ُ‬ ‫ّ‬ ‫يتوافق معها في الطاقة‪ .‬هنا‬
‫خوة‪ ،‬ألنّكم تلتقون على‬ ‫ب من األ ُ َّ‬ ‫ضر ٍ‬ ‫وستتحول عالقاتك مع العمالء إلى َ‬ ‫َّ‬ ‫العالقات‪،‬‬
‫أساس واحد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وليس هذا وحسْب‪ ،‬وإنّما بأصالتك ست َرى القُوى الطاقيَّة في ص ِفّك‪ ،‬فعندما تُع ِبّرعن‬
‫ص َمت َك الطاقيَّة الفريدة» في الخارج‪ ،‬وهذه البصمة‬ ‫سك كما هي‪ ،‬فأنت تضع « َب ْ‬ ‫نَ ْف َ‬
‫الريادة والحياة‪ ،‬وهي ما سيقوم برفع األثقال عنك‪.‬‬ ‫ي في ّ‬ ‫السر ّ‬
‫الطاقيَّة هي سالحك ِ ّ‬
‫ومن ال يتوافق مع هذه البصمة‪ ،‬ليس من المفترض أن يكون جزءا من حملتك‬
‫الرياديّة‪.‬‬
‫وبهذا سترى أن التميّز واإلبداع ليسا باألمر الغريب عنك‪ ،‬بل سيُصبِحان النهج‬
‫الطبيعي في أدائك‪ ،‬فاإلبداع ليس نتاج فكرة عظيمة تلتقطها يوما ما‪ ،‬وإنّما هو‬
‫تتجرأ على طلب اإلبداع‪ ،‬ولم تنضج بك‬ ‫َّ‬ ‫إظهار لحقيقتك كما هي‪ ،‬فكيف لك أن‬
‫الجرأة لتكشف حقيقتك كما هي؟‬
‫الجرأة التي نقصدها هنا‪ ،‬ليست ضربا من الغباء‪ ،‬بل هي نظام ُم َمنهج إلظهار‬
‫ألغط َية الخوف بعيدا عنها‪ ،‬وركز على كلمة‬ ‫ِ‬ ‫نَ ْفسك أكثر وأكثر‪ ،‬باإللقاء التدريجي‬
‫«تدريجيًّا» وضع تحتها مئة خط! نطلب منك هنا أن تع ِبّر عن آرائك القلبيّة في‬
‫الحياة واألعمال‪ ،‬تدريجيًّا‪ .‬بمعنى ّأال تكون مع ك ّل شخص بوجه مختلف‪ ،‬وال نقصد‬
‫هنا الذكاء االجتماعي‪ ،‬كما يعني َّأال يكون لك حسابان على الفيسبوك‪ ،‬ت َْظ َه ُرعلى‬
‫ك ٍّل منهما بشكل مختلف‪.‬‬
‫ب واحترام؛ ألنّي‬ ‫خذ قرارا للتوقف عن هذا الهراء اآلن‪ ،‬وأقول «الهراء» عن ُح ّ ٍ‬
‫ال أريدك أن تعاني‪ ،‬وال حتّى ثانية واحدة بعد اآلن‪ ،‬بالمحاولة الزائفة لتكون شخصا‬
‫آخر‪.‬‬
‫ولكن قد يخطر لك اآلن‪ :‬ولكن آرائي قد تتغيّر‪ ،‬فكيف أتعامل مع هذا التغيُّر‪ ،‬وأبقى‬
‫أصيال؟‬
‫ّ‬
‫ولكن المه َّم أن تعبّر‬ ‫مستمرة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تطور‬
‫نت تمشي في رحلة ّ‬ ‫آراؤك حتما ستتغيّر‪ِ ،‬إ ْن ُك َ‬
‫ت إلى نفسي‬ ‫تحس بأنه «الصادق» بالنسبة لك اآلن‪ .‬فأنا شخصيًّا ُكلّما تسلّلَ ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ع َّما‬
‫معرفةٌ أكثر عن ذاتي‪ ،‬أشاركها كما هي ببراءتها‪ ،‬مع حركة التغيير‪ ،‬والتدريب‬
‫التي أديرها‪.‬‬
‫مرة أكشف‬ ‫أحس بالخوف‪ ،‬ففي ك ِّل ّ‬ ‫ُّ‬ ‫أحس بالخوف من المشاركة؟ بالطبع‬ ‫ُّ‬ ‫أتظنُّني ال‬
‫فيها عن براءتي أكثر‪ ،‬يبدأ الخوف بالتسارع إلى عقلي‪ ،‬مق ِدّما ُح َج َجهُ األمينة قائال‪:‬‬
‫هكذا ستخسر الكثير من الناس من مجموعتك‪ ،‬وقد اليُق ِدّر الناس ما تقول!‬
‫وقد تبدوهذه ال ُح َج ُج دقيقة‪ّ ،‬إال أنّها تبعد ك َّل البعد عن الدقّة‪ ،‬فَنَعَم‪ ،‬عندما تعبّرعن‬
‫نفسك كما هي‪ ،‬ستخسر البعض من المتابعين‪ ،‬وبالتأكيد ستُنتقد أكثر‪ ،‬ولكن هذه‬
‫وإن َبدَت في ظاهرها كذلك‪ ،‬إنَّما هي تضحية ُممنهجة بمن ارتبط‬ ‫ليست خسارة‪ْ ،‬‬
‫ي القادم‪،‬‬‫بك بدافع غير أصيل‪ ،‬أو بذلك الذي ال يستطيع أن يجاري مسارك الطاق َّ‬
‫ستخلُق مساحة جديدة لمن يتناغم مع حقيقتك‪،‬‬ ‫ب الم ُحبّ المسامح‪ .‬وبهذا َ‬ ‫لتو ِدّعه بِقَ ْل ِ‬
‫ليأتي إليك راكضا‪.‬‬
‫صل على شيء من طبيعة‬ ‫ي اسمه «قانون التضحية»‪ ،‬فَ ِل َكي تح ُ‬ ‫قانون َك ْون ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫هذا‬
‫المحركة لهذا‬
‫ّ‬ ‫وإن نظرنا إلى الروح‬‫سفلى‪ْ ،‬‬ ‫عليا‪ ،‬عليك أن تض ّحي بشيء من طبيعة ُ‬ ‫ُ‬
‫أن الطبيعة العليا هي األصالة فيك‪ ،‬والطبيعة السفلى هي الزيف‬ ‫القانون‪ ،‬سنرى ّ‬
‫فيك‪ ،‬فاستمتع بتضحيتك المستمرة‪.‬‬
‫عمدَ إلى تنقية الناس‬ ‫أن ك َّل عمل ريادي ش ّكل فرقا أسطوريًّا في العالم‪َ ،‬‬ ‫لذلك نرى َّ‬
‫من خالل الصدق في الطرح والتعبير‪ ،‬فترى البعض يعشقه‪ ،‬والبعض اآلخر ينتقده‪،‬‬
‫وهذا ما يجب أن تكون عليه أيّة خطوة ريادية مؤثرة‪.‬‬
‫واحذر أن تخلط بين البناء على حكمة السابقين‪ ،‬وعدم األصالة‪ ،‬فهذا يُدعى‬
‫وإال فستقع في‬ ‫صدَر المادة التي اقتبست منها‪ّ ،‬‬ ‫تنوه دائما ل َم ْ‬
‫االستعانة‪ ،‬ولكن تنبَّه أن ّ‬
‫وستحس بالخداع الداخلي‪.‬‬‫ّ‬ ‫مرة أخرى‪،‬‬ ‫بُعد التقليد ّ‬
‫وأقول هذا عن خبرة؛ ألنّي في مرحلة معيّنة ُكنتُ أستعم ُل مواد من متحدثين آخرين‬
‫والغريب في األمر‪ ،‬أنّني‬
‫ُ‬ ‫ب إليهم‪ ،‬خوفا من ّأال يبقى ألصالتي مكان‪،‬‬ ‫س ِ‬ ‫من دون النَّ َ‬
‫أنسب المواد إلى أصحابها‪ ،‬بدأ أسلوبي الخاص بالظهور أكثر‪ .‬واآلن‬ ‫ُ‬ ‫عندما بدأتُ‬
‫ألن طريقتي وأسلوبي الخاص‬ ‫ال أخاف أن أ َ ْذ ُكر األشخاص الذين أستعين بتعاليمهم؛ َّ‬
‫َذت المادّة ال يُن ِقص من أصالتك شيئا‪ ،‬وإنّما يزيدها‬ ‫حاضران‪ .‬فَقَولُك من أين أَخ َ‬
‫زَ ْهوا‪ ،‬ويزيد احترامك لذاتك‪ ،‬وسيرى الناس ذلك‪ ،‬فاألصالة ال تعني أن ت ُ ْه ِمل ك ّل‬
‫والتطور في المعارف‪ ،‬وإنما أ ّ ْن تستعملها وتبني عليها‪ ،‬لتساعدك‬ ‫ّ‬ ‫الجهود اإلنسانيّة‬
‫في إيضاح أسلوبك الخاص‪.‬‬
‫وفي نهاية المطاف‪ ،‬فالتأثير ال يأتي م َّما تقول‪ ،‬بل من الطاقة التي تحملها كلماتك‪،‬‬
‫نت تتكلم لغة غير مفهومة‪ ،‬ستصل إلى قَ ْل ِ‬
‫ب‬ ‫ت من أصالتك‪ ،‬حتى لو ُك َ‬ ‫فإن تحدَّثْ َ‬
‫رس تعلَّمتُه سريعا في بداية مسيرتي‬ ‫قوتك‪ .‬هذا دَ ٌ‬ ‫المستمع الجاهز‪ ،‬وهنا تتجلَّى ّ‬
‫أحس‬
‫ُّ‬ ‫المرة األولى عندما قدَّ ْمتُ «كورس» لمدة ‪ ٣‬أيام‪ ،‬كنت‬ ‫كمرشد و ُمع ِلّم‪ ،‬ففي ّ‬
‫أن طاقةَ الغرفة تغدو واضحة كالكريستال‪ ،‬عندما أُعبِّر ع ّما في قَ ْلبي دُونَ اإلضافة‬ ‫َّ‬
‫َض النظر ع َّما ُكنتُ أقول‪ ،‬وعندما أذهب بنظريات معقَّدة تُبعد عن‬ ‫أو التلفيق‪ ،‬و ِبغ ِ ّ‬
‫تتشوش‪ ،‬وحتى التعابير على وجه الناس‬ ‫َّ‬ ‫أصالتي‪ُ ،‬كنتُ أرى الطاقة في الغرفة‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫مشوشة‪ ،‬وهذا ُّ‬ ‫تُصب ُح َّ‬
‫ي يساعد الناس على تذ ُّكر‬ ‫ضو ٌح طاق ٌّ‬ ‫سيَب ُْر ُز ِم ْن َك ُو ُ‬
‫عندما تعبّر عن ذاتك بصدق‪َ ،‬‬
‫حقيقتهم في حضورك‪.‬‬
‫وإن كان في األصالة وهج الوضوح الطاقي‪ ،‬وأساس التأثير واإلبداع‪ ،‬فل َماذا هي‬
‫إذا من أصعب الفنون التي يمكن احترافها؟‬
‫كما قُلنا من قبل‪ ،‬السبب هو التحدّي العاطفي الذي يُبرزه نظام الخوف أمامك‪،‬‬
‫ولكن للتع ّمق هنا سنرتحل من نظام الخوف الشخصي إلى نظام الخوف العام في‬
‫وعي اإلنسانيّة‪ ،‬وكالهما مرتبطان‪ .‬فاستعد أن نأخذك إلى ما خلف الستار‪.‬‬
‫أن جميع سكان األرض استفاقوا غدا‪،‬‬ ‫بداية‪ ،‬دعني أسألك هذا السؤال‪ :‬تخيّل َّ‬
‫وإحساس «أنا لست كافيا» ُم ْن َج ٍل تماما من أنفسهم‪ ،‬فماذا سيحدث؟ هل لك أن تتخيّل؟‬
‫من وجهة نظري‪ ،‬أتوقع ثورة غير مسبوقة في تاريخ اإلنسانيّة‪ ،‬فالكثير من األنظمة‬
‫واألعمال ستُدَ َّمر بلحظة‪ ،‬لتولد أنظمة إبداعية وشمولية أكثر‪ .‬ولك أن تفكر فيمن‬
‫حرص أن يُخمدها بتوجيه العا ّمة نحو الخوف‪،‬‬ ‫س َي ِ‬ ‫«لن يستفيد» من هذه الثورة‪ ،‬و َ‬
‫شبّه هذا الكود ال ُم َبر َمج‪،‬‬ ‫كي يبقى كود النقص فعّاال في وعي اإلنسانيّة‪ .‬وأ ُ ِحبُّ أن أ ُ َ‬
‫بـ»عبادة األصنام»‪.‬‬
‫في السابق كانت األصنام تماثيل يصنعها الناس‪ ،‬ويعبدونها‪ ،‬ويدافعون عنها كاآللهة‬
‫قوة عليهم‪ ،‬وقد يبدو هذا الشكل من العبادة مضحكا اآلن‪ ،‬وخصوصا بعد‬ ‫التي ت َم ِلك ّ‬
‫أن عبادة األصنام لم تنت ِه‪ ،‬بل اتّخذت شكال‬ ‫وضوح سخف هذه العادة‪ ،‬ولكن الواقع َّ‬
‫عصر النهضة التكنولوجيّة التي نَعيشها اآلن‪،‬‬ ‫أكثر‪ ،‬ذكاء يُناسب َ‬ ‫ُ‬ ‫آخر فيه ذكا ٌء‬ ‫َ‬
‫خطر أكبر‪ .‬فعندما تأخذ‬ ‫ٌ‬ ‫لتتحول عبادة األصنام من الخارج إلى الداخل‪ ،‬وفي ذلك‬ ‫ّ‬
‫ب رؤيته على العيون غير‬ ‫صعُ ُ‬ ‫العبوديّة الشكل الداخلي‪ ،‬يصبح لها ستارا جديدا‪ ،‬ت َ ْ‬
‫ف الواقع الفيزيائي‪ ،‬وهي حالة العا ّمة‪.‬‬ ‫المدربة‪ ،‬التي تخاف أن ترى خ َْل َ‬ ‫َّ‬
‫فما العبودية التي نتكلم عنها؟ هي العبودية لفكرة النَّقص‪ ،‬ومفادها أنّك لست كافيا‬
‫ق لكثير من الجهات؟‬ ‫صدَر ِرز ٍ‬ ‫كما أنت‪ ،‬وكيف ال تكون الحال كذلك‪ ،‬وهذه الرسالة َم ْ‬
‫ٌ‬
‫جهات ِعدّة‬ ‫فبالطريقة نفسها التي كان يستفيد منها ال َك َهنَة من عبادة األصنام‪ ،‬تستفيد‬
‫من َو ْه ِمك بالنقصان‪.‬‬
‫فما العقليّة االستهالكية َّإال وليدة النقص‪ ،‬والجري لتعبئة «فراغ الذات»‪ ،‬وفي هذا‬
‫ضمان لالستهالك‪ ،‬حيث إنه من هنا تولد المادية‪ ،‬والمادية ليس كما يظنها البعض‬
‫بالطموح المشروع‪ ،‬والحب الصحي للتطور‪ ،‬وبناء الثروة‪ ،‬وإنما هي تعبير عن‬
‫سد هذا النقص لغالبية الناس‬ ‫النقص‪ ،‬واالنفصال عن طبيعة النفس الروحية‪ .‬ويتج َّ‬
‫في تجميع «األغراض» لتعبئة الفراغ‪ .‬ولكن من عرف ذاته وفضائها الشاسع‪،‬‬
‫ي‬
‫تالحظ أنه يُحبّ خَلق المساحة في البيئة المحيطة به‪ ،‬بدل السعي لتعبئة «أ ّ‬
‫ي «ركن وفراغ»‪ ،‬وبالتعلق بأثاث قديم وأوراق قديمة؛ خوفا من‬ ‫غرض» في أ ّ‬
‫زوالها‪ ،‬لكشف فضاء الذات الذي لم يعت ْد عليه‪.‬‬
‫المادية هي أكبر مرض في تاريخ البشريَّة‪ ،‬وقد يكون السبب الذي سيقضي على‬
‫الجنس البشري إن لم يستيقظ‪ .‬حان الوقت لتستيقظ من هذا الموت الرحيم‪ ،‬وتستفيق‬
‫ت منه‬‫على حقيقتك الجميلة‪ :‬أنّك كامل‪ ،‬فكيف تكون غير ذلك‪ ،‬والعنصر الذي ُج ِب ْل َ‬
‫غي ُْر ذلك ستجري سنين طويلة‪ ،‬باحثا عن الدواء لداء‬ ‫هو روح الحياة الواحدة؟ َ‬
‫النقصان من الخارج‪ ،‬ولن تجد في هذا البحث ّإال اإلحباط المتواصل‪ ،‬فال السيارة‬
‫عيب النّ ْقصان‪ ،‬وال ال َع َالقة المثاليّة التي ت َب َحث عنها‪ ،‬وال‬ ‫َ‬ ‫التي ستشتريها ستستر‬
‫حتى النجاح الخارق وإن تحقّق‪.‬‬
‫غي َْر تذ ّكرك لذاتك‪،‬‬ ‫ويحررك من مخالبه القبيحة‪َ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫عيب النّ ْقصان‪،‬‬
‫َ‬ ‫فال شي َء يفضح‬
‫شش في‬ ‫القوة صنم النقص الذي ع َّ‬ ‫لتحطم بهذه ّ‬ ‫ِّ‬ ‫والتعبير الكامل عن أصالتك‪،‬‬
‫اإلنسانيّة لسنين طويلة‪.‬‬
‫غ ْي َر آ ِب ٍه برأي ال َك َهنَة والسادة؟‬
‫فهل ستكون الشجاع الذي كسر هذا الصنم‪َ ،‬‬
‫أن أصله من الماء‪ ،‬وبهذا أصبح‬ ‫فإن لم تفعل‪ ،‬ستكون كصورة الماء الذي نسي َّ‬ ‫ْ‬
‫ش َعر بالعطش‪،‬‬ ‫أن الماء نسي حقيقته‪ ،‬و َ‬ ‫فريسة لك ّل أنواع التالعب‪ .‬فتخيَّل ِل َو ْهلَة َّ‬
‫غي ِْر ذاته‪ ،‬وهذا هو البحث العقيم كما نحب ْ‬
‫أن‬ ‫فصار يبحث ع ّما يطفئ ظمأه من َ‬
‫نسميه‪.‬‬
‫صدَر الحياة الثمين‪،‬‬ ‫ي شيءٍ للحصول على َم ْ‬ ‫ُ‬
‫سيوافق الماء على فعل أ ِّ‬ ‫وبهذا البحث‪،‬‬
‫وامش خلف شروطي‪ ،‬وأنا سأعطيك‬ ‫ِ‬ ‫الز ْرنيخ‪ ،‬وقال له ات َّ ِح ْد معي‪،‬‬ ‫فحتى لو أتاه ّ‬
‫أن يوافق‪ ،‬فهو يعاني الظمأ على ك ّل حال‪،‬‬ ‫الماء الذي تشتهي‪ ،‬فما لهذا المسكين ّإال ْ‬
‫فخوف الماء من فقدان الحياة سيبعده عن قيمه األصيلة‪ ،‬ويؤرجحه يمنة ويسرة‪.‬‬
‫ولكن تخيَّل أيضا أنّه في ساعة معيّنة من الفجر‪ ،‬زارت جنيّةُ الظالم الماء‪ ،‬وأخذته‬
‫ق قلبه‪ ،‬و ُهنا َحدَث َالتذ ُّكر‪ ،‬وانجلت األوهام‪ ،‬وتذكر الماء‬ ‫معها إلى رحل ٍة في أعما ِ‬
‫ث التوافق مع الذات‪ .‬فال داعي أن‬ ‫بحث عنها‪ ،‬ف َحدَ َ‬ ‫ع ِم َل من نفس المادة التي َي ُ‬‫أنّه ُ‬
‫ِب الماء على نفسه بعد اليوم‪ ،‬أو ينصاع ألوامر دخيلة‪ ،‬فهو وجد ما يبحث عنه‪،‬‬ ‫َي ْكذ َ‬
‫وك ّل السلوكيات التي بُ ِن َيت على الحاجة المريضة‪ ،‬ستسقط عنه كالبرج الذي ينهار‬
‫في غمضة عين‪ ،‬ومهما حاول الزرنيخ بعدها أن يغريه‪ ،‬فلن يستطيع أن يحيّد الماء‬
‫صدَر الحياة‪ ،‬وال شي َء سيسلبه ذلك‪ ،‬وال حتى أنامل‬ ‫عن ذاته‪ .‬فقد تذ َّكر الماء أنَّه َم ْ‬
‫الموت تستطيع أن تسلبه هذه الحقيقة‪.‬‬
‫ي قرار‪ ،‬أن يكون ذاته‪ ،‬ويُنشر ِهبَتَهُ للعالَم‪ ،‬فيروي ظمأ‬ ‫قرر الماء‪ ،‬من دون أ ّ‬ ‫وهنا َّ‬
‫ك ّل من يأتي في طريقه‪.‬‬
‫فهل تريد أن تقول لك هذه القصة نوع من العبرة؟ سأترك الجواب ليستيقظ في‬
‫عط ِه المساحة ل َيفعل‪.‬‬ ‫داخلك‪ ،‬فأ َ ِ‬
‫وقد تُفَ ِ ّكر اآلن‪»:‬ولكن ما هذه الصورة السوداويّة التي َيرسمها الكتاب؟» من ح ِقّك‬
‫أن الكتاب عا َهدَك َعلى الصدق في الطرح‪ ،‬والغاية هنا‪،‬‬ ‫أن تف ّكر بذلك‪ ،‬ولكن تذ َّكر َّ‬
‫أن نساعدك كي ترى بوضوح التالعب الذهني الحاصل‪ ،‬وهذا ليس لنخيفك‪ ،‬بل‬
‫ق منظور متّزن‪ ،‬فطريق النّور هو ليس طريق اإليجابية العمياء‪،‬‬ ‫لنساعدك على خَل ِ‬
‫ست ََر ما فيها‪ ،‬ونور الحقيقة‬ ‫أضأت النور بالغرفة‪ ،‬ف َ‬
‫َ‬ ‫ف المستور‪ .‬فإن‬ ‫طريق َك ْش ِ‬ ‫ُ‬ ‫وإنَّما‬
‫س ُّر في البدء‪ ،‬ولكن عندما ترى‬ ‫يكشف األمور كما هي‪ ،‬وفي هذه الحقيقة ما ال َي ُ‬
‫قوة بالعالم من َك َهنَة‬ ‫قوتك الحقيقيّة‪ ،‬وعندها‪ ،‬ال ّ‬ ‫األمور كما هي‪ ،‬فسترجع لك ّ‬
‫طفيليّات الروحيّة تستطيع التغ ِذّي على ِك ْذبة «أنّك ناقص»‪ ،‬فالنقص‬ ‫التزييف‪ ،‬وال ُ‬
‫مجرد َو ْهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مجرد فكرة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫في النهاية‬
‫بقوة‪ ،‬وتواضع في‬ ‫ار‪ ،‬فجز ٌء منك يعي ذلك أصال‪ ،‬فتراه واقفا ّ‬ ‫س ّ‬
‫وهنا يأتي الخبر ال ّ‬
‫داخلك بعيدا عن األوهام كافّة‪ ،‬كاشفا طبيعته األصليّة‪ ،‬وكيف ال وهو ابن الحياة‬
‫نفسها‪ .‬فأنت تعرف في قرارة نفسك أنّك كامل‪ ،‬أنّك خالد‪ ،‬وأنّك ماء الحياة نفسها‪،‬‬
‫ت أزهارها المنسيّة‬ ‫فارقص فرحا بهذه المعرفة‪ ،‬أو باألحرى بالذاكرة التي بَدَأ َ ْ‬
‫بالتفتّح فيك‪.‬‬
‫وبهذه الذاكرة ستغدو عنصرأ ُح ًّرا في المجتمع‪ ،‬ال يُم ِكن تكبيله‪ ،‬وال إرغامه على‬
‫قبول األصنام الفكريّة‪ ،‬هو ُح ٌّر؛ ألنّه خَال ِمن االحتياج المزيف‪ ،‬هو ُح ٌّر بالتعبير‬
‫صة‪ ،‬ورغباته الصادقة‪ .‬هذه الحرية تهلهل بُنيان‬ ‫عن ذاته‪ ،‬واتِّباع قوانينه الخا ّ‬
‫ت في اإلنسانيّة‪.‬‬‫ب الطاولة على العبوديّة الفكريّة التي ا ْست َ ْش َر ْ‬ ‫االستهالكيّة‪ ،‬وت َ ْق ِل ُ‬
‫سلّمت َه بِ َوعيٍ‪ ،‬أو من دون‬ ‫َف من تَذَ ّكر ُح ِ ّريَّتِ َك‪ ،‬فهذا َحقُّك األصيل الذي َ‬ ‫فال تَخ ْ‬
‫َوعي‪.‬‬
‫ط ِبّ ْقه على‬
‫ي‪ ،‬فدعنا نُ َ‬ ‫ت تجد صعوبة في ربط هذا النقاش بالجانب ال َع َمل ّ‬ ‫وإذا ُك ْن َ‬
‫شخص ما‪ ،‬وفيك افتقار لشيءٍ يأتي‬ ‫ٍ‬ ‫نت على عالقة مع‬ ‫المواضيع النمطيّة‪ ،‬فإن ُك َ‬
‫ب أو المال‪ ،‬ماذا سيحدث؟ سترى نفسك ضعيفا‪ ،‬هذا إن لم تتعامل مع هذا‬ ‫منه كال ُح ّ ِ‬
‫االحتياج العاطفي من مكان ِغنى‪ ،‬وانفتاح وقوة‪ ،‬لتحققه لنفسك‪ ،‬وتطلبه ب ِع َّزة‪.‬‬
‫َعرف أنَّه نَتاج أفكار‪ ،‬وليس حقيقة‪ ،‬ستنتشي‬ ‫عندما تراقب إحساس االفتقار‪ ،‬وت ِ‬
‫ض عينك لدقائق‪ ،‬وت َنقُل تركيزك لهذا الجزء‪،‬‬ ‫غم ُ‬ ‫بحقيقتك‪ ،‬ولك أن تفعل ذلك عندما ت ُ ِ‬
‫أحبُّك‪ .‬حينها سترج ُع لك‬ ‫وتتنفَّس في داخله وخارجه ِب ِحنيّة‪ ،‬وتقول له بالتكرار‪ :‬أنا ِ‬
‫قوتك الكاملة بال ِدّراية أن ما تحتاج إليه هو في داخلك اآلن‪ ،‬فال ُحبُّ في‬ ‫تدريجيًّا ّ‬
‫داخلك اآلن‪ ،‬وعندها ستكون قادرا على التعبير عن حاجتك العاطفية للحب من‬
‫وقوة‬
‫ي شيءٍ ‪ ،‬فالحبُّ هو أنت‪ّ ،‬‬ ‫لست فقيرا أل ّ‬ ‫َ‬ ‫مكان قوة‪ ،‬وليس افتقارا له‪ .‬تذ َّك ْر أنك‬
‫َرج ُع‬
‫ست ِ‬ ‫الفكراالبتكارية لت َ َعلُّم المهارات لخلق المال في داخلك أيضا‪ ،‬وعندها‪َ ،‬‬
‫صافي‪ ،‬كفضاء للتعبيرعن الذات‪ ،‬ومساحة لمشاركة‬ ‫ي ال َّ‬ ‫عالقتك إلى مكانها النَّ ِق ّ‬
‫قوتك األصليّة‪ ،‬وهذا ِس ُّرنا الصغير‪.‬‬ ‫حفاظ على ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ال ُحبّ ‪ ،‬وفي هذا‬
‫أن ك ّل ما تبحث عنه‪ ،‬هو في داخلك اآلن‪.‬‬ ‫القوة الحقيقية هي أن تعرف ّ‬ ‫ّ‬
‫اسم‬
‫ب‪ ،‬أو ِ‬ ‫س ٍ‬‫نصب‪ ،‬أو ممت َلكات‪ ،‬وال من نَ َ‬ ‫قوتك على هذا المستوى ليست من َم ِ‬ ‫ّ‬
‫قوتك‬ ‫ألعاب فانِيَة‪ ،‬وستندثر مع غبار الزمان‪ ،‬ولكن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ق معيّن‪ ،‬فَ ُك ّل هذه‬ ‫عائلةٍ‪ ،‬أو ِعر ٍ‬
‫القوة الوحيدة الصادقة والمضمونة؛‬ ‫األصليّة تأتي من معرفتك بذاتك‪ ،‬وهذه هي ّ‬
‫ألنّها تأتي مع شهادة الخلود‪ ،‬فهل أنت جاهز لتستلم بفرح ضمانتك الخالدة؟ فمع هذه‬
‫الضمانة يكاد يكون من المستحيل التالعب بك‪ ،‬ولك الخيار‪ .‬لك الخيار أن ت َْخ ُر َج‬
‫ومكررة‪ ،‬ولك الخيار أن تختار لعبة‬ ‫ّ‬ ‫ت ُم ِملّة‬‫من لعبة التالعب القديمة‪ ،‬فهي أصبَ َح ْ‬
‫الال محدودة‪ ،‬ت َصعد فيها مع اإلنسانيّة إلى مرحلة‬ ‫جديدة‪ ،‬هي لعبة االحتماليات ّ‬
‫جديدة من التح ِدّيات الممتعة‪.‬‬
‫لك الخيار أن تأخذ أهم خيار في الوجود‪ ،‬وهو أن تكون أنت‪.‬‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫* نظام الخوف هو أساس التقليد‪ ،‬والزيف‪.‬‬
‫متكر ٌر تأخذه لحظة في لحظة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫خيار‬
‫ٌ‬ ‫* تجسيد أصالتك هو‬
‫سد حقيقتك أكثر‪ ،‬وأكثر ستجذب الفرص‪ ،‬واألشخاص المناسبين لك‬ ‫* عندما تج ِ ّ‬
‫أكثر‪.‬‬
‫* عندما تتعدَّى وهم عدم االكتفاء ستتعدّى طاقة االستهالكية‪ ،‬وتعود لبساطة الذات‪،‬‬
‫وثرائها‪.‬‬
‫أسئلة للتفكر‪:‬‬
‫ماذا سيتجلَّى في حياتك أنك أصبحت نسخة فريده عن ذاتك؟‬
‫ماذا تكسب من تمسكك بخيار الزيف؟‬
‫ماذا ستحس إن بدأت التعبير عن نفسك أكثر؟‬
‫ما الذي يخيفك إن كنت حقيقتك كما هي؟‬
‫ا‬
‫ُخيارُإلىُالَّلُخيار‬ ‫ا‬
‫الَّل‬
‫يتدرج الفهم اإلنساني لمفهوم الخيار إلى ثالثة مستويات‪ ،‬وك ّل مستوى يحكمه‬ ‫َّ‬
‫منطق‪ ،‬ورؤية مختلفة للواقع‪ ،‬فك ٌّل من هذه المستويات يعبّر في باطنه عن درجات‬
‫التمكين‪ ،‬والقدرة على أخذ القرار‪.‬‬
‫«الال خيار»‪ ،‬وفيه يرى المرء نفسه كد ُْمية خشبيّة‬ ‫َّ‬ ‫يتمثل المستوى األول بكلمة‬
‫وكأن كلمة الخيار لم‬ ‫َّ‬ ‫ي شيء‪،‬‬‫قوة على أ ّ‬ ‫تتقاذفها أمواج الحياة‪ ،‬فليس له حول‪ ،‬وال ّ‬
‫تصل إلى الشخص في هذه المرحلة البتة‪ .‬هنا تكون الحياة وظروفها ُمكرهٌ ليس ّإال‪،‬‬
‫ي أشكال التفكير‪.‬‬ ‫ومكررة‪ ،‬وتخلو من أ ِّ‬ ‫ّ‬ ‫وتكون ردود الفعل أوتوماتيكية‬
‫ُط ِلق عليها العا ّمة‬ ‫الال خيار على حالة ذهنيَّة من الشؤم واليأس‪ ،‬والتي ي ْ‬ ‫ينطوي َّ‬
‫تصوراتك الفكريّة‪ .‬هنا َيدبُّ الضعف‬ ‫ّ‬ ‫أن الواقع ما هو َّإال‬ ‫بالواقعية‪ ،‬غير دارين َّ‬
‫الكامل في أركان الشخص‪ ،‬فيرى نفسه كالضحيَّة‪ ،‬و َيقعُد منتظرا «أمل المعجزة»‬
‫أن يه ّل ويجلب معه حياة أفضل‪ ،‬وأقل تعقيدا‪.‬‬
‫على هذا المستوى نرى كلمة «الواجب»‪ ،‬و»الالزم» كثيرة التردُّد في معجم‬
‫الشخص‪ ،‬فالذهاب إلى العمل واجب‪ ،‬والخروج مع الناس واجب‪ ،‬والمباركة‬
‫وكأن هذه األحداث‬ ‫ّ‬ ‫واجب‪ ،‬والتعزية واجب‪ ،‬والزواج واجب‪ ،‬واإلنجاب واجب‪،‬‬
‫قوة لالختيار بينها‪ .‬أنا أعرف هذه المرحلة‬ ‫بقوة كونيّة‪ ،‬وليس للشخص أيَّة ّ‬ ‫قُ ِدّرت ّ‬
‫خير عرفان منذ طفولتي‪ ،‬حتى أننا في عائلتي اعتدنا على أن نطلق على كلمة الهديّة‬
‫بالواجب‪ ،‬فإذا أردنا أن نُهدي شخصا آخر نقول‪ :‬إننا نريد أن نشتري «واجبا»!‬
‫ال نبالغ عندما نقول إن هذه المرحلة شبيهة بالسجن‪ ،‬ولكنّه على مستوى ارتقى‬
‫وحنكة أكثر‪.‬‬ ‫قليال من السجن الحديدي‪ ،‬إلى السجن الفكري‪ ،‬وإن كان فيه خطورة ِ‬
‫في هذا السجن قَتْ ٌل لروح اإلبداع‪ ،‬فكيف للشخص أن يكون مع ِبّرا ومبدعا‪ ،‬إن كانت‬
‫ض عليك السير على خطاها‪ ،‬حتى إن لم تكن‬ ‫الحياة مجموعة من اللوازم التي فُ ِر َ‬
‫خادمة لك ولرسالتك؟‬
‫تخلو الحياة من المساحة للتأمل والتنظيم‪،‬‬ ‫هنا تكون الحدود الصحيّة شبه معدومة‪ ،‬فَ ْ‬
‫مكررا‬‫وأخذ القرار‪ ،‬فنرى الشخص مجامال للعامة‪ ،‬ومنفصال عن رغباته األصيلة‪ّ ،‬‬
‫ما يعتقده الغالبية نافعا‪ ،‬أو الزم الفعل‪ .‬فما اللّوازم ّإال رغبة شخص آخر‪ ،‬يتردَّد‬
‫صداها في ذهنك‪.‬‬
‫ي متّسع‬ ‫شش إحساس االستضعاف في أعلى صوره‪ ،‬واألحالم ال ت َِجد أ َّ‬ ‫هنا يُع ّ‬
‫ي مادّته اإلكراه‪ ،‬وحديده األوامر؟‬ ‫قفص ذهنِ ٍّ‬‫للتنفّس‪ ،‬فكيف يُح ِلّق طائر األحالم في ٍ‬
‫أن ال دخل لك‬ ‫فاألحالم إن مقتت شيئا في الحياة‪ ،‬فهي األوامر واإلحساس الخاطئ ْ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫بالواقع‪ ،‬وهذا ّ‬
‫طائر األحالم يمقت األوامر الدخيلة‪.‬‬
‫قد عشتُ ّأول أربع وعشرين سنة من عمري على هذا المنوال‪ ،‬من دون أيَّة دراية‬
‫أن الحياة كالتالي‪ :‬تدخل المدرسة لتأتي بعالمات جيّدة‪ ،‬بعدها‬ ‫بقوة الخيار‪ ،‬ظانًّا ّ‬ ‫ّ‬
‫تدرس الطب‪ ،‬أو الصيدلة‪ ،‬أو الهندسة‪ ،‬مثل الطالب النجباء في األردن‪ ،‬ثم تتزوج‪،‬‬
‫أن في هذا السيناريو‬ ‫وتتطور في عملك إلى أن تتقاعد‪ ،‬غير منتب ٍه إلى َّ‬
‫َّ‬ ‫وتؤسس بيتا‪،‬‬
‫س ْلبا لإلرادة‪ ،‬وقمعا لجوهرة االختيار‪.‬‬ ‫التقليدي َ‬
‫أن تتسلّل كلمة الخيار ِخ ْلسة لنفسه‬ ‫ُكمل المرء حياته في هذا االتّجاه‪ ،‬إلى ْ‬ ‫وعادة ي ِ‬
‫ب ما‪ ،‬فكأنّه يفيق حينها إلى بهجة الخيار‪ ،‬ليرى في هذه الكلمة نوعا من الحرية‬ ‫لسب ٍ‬
‫قوة الخيار ضربا جديدا من الحماسة في َم ِعدَتِه‪ ،‬وت ُ ِ ّ‬
‫حطم معها‬ ‫حرك ّ‬ ‫غير المعتادة‪ .‬فت ُ ِ ّ‬
‫َو ْه َم الطرق التقليدية‪ ،‬فالعمل خيار‪ ،‬والزواج خيار‪ ،‬واألكل خيار‪.‬‬
‫قد يتبادر إلى ذهنك السؤال‪ :‬لكن ليست ك ّل هذه خيارات‪ ،‬فالعمل واجب‪ ،‬واألكل‬
‫واجب‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫َفص ْله عن مفهوم النتائج‪.‬‬ ‫وهذا سؤال مشروع‪ ،‬ولكن كي نفهم معنى الخيار‪ ،‬دعنا ن ِ ّ‬
‫أن تُطرد‪ ،‬ولن تكون قادرا على إعالة‬ ‫نعم‪ ،‬إن لم تذهب إلى العمل‪ ،‬من الممكن ْ‬
‫نَفسِك وعائلتك‪ ،‬ولكن هذه نتيجة الخيار‪ ،‬وال تنتقص البتّة من كون الخيار خيارا‪،‬‬
‫وحتى المأكل ينطبق عليه المفهوم نفسه‪ ،‬فإن لم تأكل‪ ،‬فمن الجائز أن تموت‪ ،‬ولكن‬
‫هذا أيضا خيار‪.‬‬
‫أن ك ّل شيء خيار‪ ،‬وهو كذلك‪ ،‬وهنا سيرتفع‬ ‫وبهذا الوعي سترى الحياة من منظور َّ‬
‫إحساسك بالتمكين‪ ،‬وستزداد قدرتك على النظر إلى النتائج بعقالنيَّة‪ ،‬ومعها القدرة‬
‫على رؤية اللحظات التي اتَّخذت فيها خيارات خوفا من آراء الناس‪ ،‬أو بصورة‬
‫أوهمت نفسك بأنّك فاقد للخيار؛ خوفا من مواجهة آراء الناس‪ .‬فهنا سترى‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫أدق‪،‬‬
‫بوضوح أنّك إن رفضت الذهاب إلى تلك «العزومة»‪ ،‬فمن الممكن أن يقول الناس‬
‫عنك إنّك غير محترم‪ ،‬ولكن هذا ال يسلبك القدرة على الخيار‪ ،‬وإنّما سيتي ُح لك‬
‫أن مصدر االحترام‪ ،‬والتقبّل من‬ ‫مواجهة نفسك بصدق‪ ،‬وإدراك الحقيقة الكاملة ّ‬
‫داخلك‪.‬‬
‫وبفتح باب الخيار‪ ،‬ستتصاعد قوته السِحريّة لتصل بك إلى المعرفة الضمنيَّة‪ّ ،‬‬
‫بأن‬
‫قوة الخيار‬ ‫جميع أنواع الخيارات التي تقوم بها على المستوى الخارجي‪ ،‬ال ت َحكم ّ‬
‫طن على مستوى األفكار‪ ،‬أو على نوعيّة الخبرة التي تعيشها‬ ‫فقوة الخيار تقَ ْ‬‫األصيلة‪ّ ،‬‬
‫في اللحظة‪ ،‬وهي من األفكار‪ .‬فخبرة الحياة ال تُفرض عليك من الخارج‪ ،‬وإنّما هي‬
‫صة في اللحظة‪.‬‬ ‫خبرة أفكارك الخا ّ‬
‫إن األحاسيس التي ستختبرها حينها‬ ‫للتوضيح‪ ،‬تخي َّْل أنّك خسرت مبلغا من المال‪ّ ،‬‬
‫نحس أفكارنا‪ ،‬وليس‬ ‫ُّ‬ ‫هي داخلية بحتة‪ ،‬وليست من الموقف ذاته؛ ألننا بالنهاية‬
‫المواقف الخارجية‪ ،‬وهنا يبرز أمامك الخيار‪ ،‬إ ّما بالتمسك بالمعنى الذي أطلقت َه‬
‫أوتوماتيكيًّا على الموقف‪ ،‬ولنفترض هنا أنه «خسارة» ‪ -‬والخسارة فكرة ‪ -‬أو‬
‫التخلّي عن هذا المعنى‪ ،‬والسماح لمعنى جديد بأن يظهر من أعماقك‪.‬‬
‫وقد تُف ّكر اآلن‪« :‬ماذا تعني بأن الخسارة فكرة؟ فأنا قد خسرت المال بالفعل»‪.‬‬
‫ت في جزيرة صغيرة‪ ،‬لم تتعلم فيها‬ ‫لفهم المقصود‪ ،‬سأطلب منك أن تتخيَّل أنّك ُو ِل ْد َّ‬
‫ط‪ ،‬كأن هذه الكلمات ليست موجودة في معجم اللغة هناك‪،‬‬ ‫كلمة الخسارة‪ ،‬أو الربح قَ ْ‬
‫فكيف ستختبر هذا «الحدث» حينها؟‬
‫تحس بالتعاسة‪ ،‬وإنّما ستكون محايدا‪ ،‬وستتعلم‪ ،‬وتعدل‬ ‫َّ‬ ‫على األرجح أنّك لن‬
‫سر السقوط‬ ‫وتجرب‪ ،‬حالَك كحال الطفل الذي يتعلم المشي‪ .‬فلو كان الطفل يف ّ‬ ‫ّ‬
‫بالخسارة‪ ،‬فلن نرى أي شخص في العالم يمشي!‬
‫ت مع والدة فكرة الخسارة‪ ،‬أو كلمة الخسارة‪ ،‬وك ّل الكالم في بادئه‬ ‫فالخسارة ُو ِلدَ ْ‬
‫أن ك ّل‬‫تستشف ما بعدها‪ ،‬وعندها ستعرف َّ‬ ‫ّ‬ ‫أن تُصدّق فكرة الخسارة‪ ،‬أو‬ ‫أفكار‪ ،‬ولك ْ‬
‫والتطور‪ .‬هذا ال يعني أن تُنكر‬‫ّ‬ ‫موقف ‪ -‬مهما كان ‪ -‬فيه بذرة الخير المخبّأة للتعلم‬
‫َلف الخسارة‪ ،‬وإنّما هو ازدياد‬ ‫سك على رؤية ما خ َ‬ ‫ط‪ ،‬أو حتى أن تُج ِبر نَ ْف َ‬ ‫أحاسيسك قَ ْ‬
‫ط عليها المعنى‪ ،‬ما سيعطيك‬ ‫بأن المواقف ت َ ْخلُو ضمنيًّا من المعاني‪ ،‬حتى نُسقَ ْ‬ ‫الوعي ّ‬
‫الراقي مع المواقف‪.‬‬ ‫القوة‪ ،‬والسرعة للعودة إلى دائرة الخيار‪ ،‬للتعامل َّ‬ ‫ّ‬
‫وعلى هذا المستوى من الخيار‪ ،‬على مستوى األفكار‪ ،‬سيولَد ال ِلّين في التّعامل مع‬
‫الحياة‪ ،‬فالموقف الواحد يحتمل تفسيرات متعددة‪ ،‬وقد يُنظر إليه من زوايا مختلفة‪،‬‬
‫بل على األحرى من زاويا غير محدودة‪ ،‬وك ّل فكرة جديدة ترسم معها واقعا جديدا‪،‬‬
‫تفتح في ثناياه أبعادا جديدة للحياة‪ .‬وشيئا فشيئا‪ ،‬سيتحول هذا اللين إلى انفتاح ذهني‬
‫يحررك من ُم َك ِبّالت اإلجبار‪ .‬فهل يستوي الخيار واإلجبار؟‬ ‫عظيم ِ ّ‬
‫وقد تتبادر إلى ذهنك اآلن فكرة من مثل‪« :‬ولكن ما بال الذين ُز ّج بهم بالسجون‪،‬‬
‫فكيف يكون بهذا خيار؟»‪.‬‬
‫الخيار يكمن بالطريقة التي يستنبط فيها خبرة السجن‪ ،‬فالتاريخ حافل باألمثلة على‬
‫والتطور‪ ،‬واكتشاف‬ ‫ُّ‬ ‫وقرروا أن يَختبروا السجن كفرصة للتطهير‪،‬‬ ‫س ِجنوا‪ّ ،‬‬ ‫أشخاص ُ‬‫ٍ‬
‫تحول «السجن» في نفسهم إلى «مساحة للشفاء»‪.‬‬ ‫الذات‪ ،‬وعندها ّ‬
‫أترى كيف أن فكرة جديدة تُش ِ ّكل واقعا جديدا؟‬
‫فك كود الخيار بأيّة طريقة‪ ،‬فقد يقول‪:‬‬ ‫وإن كان ذهنُك شديدُ الدّقة‪ ،‬ويسعى إلى ِّ‬
‫«ولكن ماذا عن والدتي على األرض‪ ،‬فكيف بذلك خيار؟»‪.‬‬
‫وسأطلب منك هنا أن تفتح ذهنك إلى احتمالية فكريّة ربّما لم ت ََرهَا من قبل‪.‬‬
‫أن روحك لم تختر القدوم إلى األرض في هذا الزمان‪ ،‬وفي هذه‬ ‫َجزم ّ‬ ‫كيف لك أن ت ِ‬
‫الخيار الص ْقل األنقى لنفسك‪ ،‬لخدمة‬ ‫ِ‬ ‫أن في ذلك‬‫البلد والعائلة بالتحديد‪ ،‬عارفة ّ‬
‫الرسالة التي «اخترت» التعبير عنها؟‬
‫فشخصيًّا‪ ،‬لو لم أُولَد في مكان يتجلّى فيه وعي االنفصال والضعف‪ ،‬لَ َما كان لشغف‬
‫أن يجد مكانا في قلبي‪.‬‬ ‫الوحدة‪ ،‬والتمكين ْ‬
‫خيار؟‬
‫ٌ‬ ‫أن ك َّل شيءٍ‬‫أترى اآلن ّ‬
‫قوة الخيار اآلن‬ ‫وقد تفكر اآلن‪« :‬لقد بدأتُ بفهم المقصد‪ ،‬ولكن كيف لي أن أُفَعّ َل ّ‬
‫ي؟»‪.‬‬ ‫بشكل عمل ّ‬
‫هذا سؤال حكيم‪ ،‬وسيعيد النقاش كالعادة إلى واحة العمليّة‪.‬‬
‫ألن الكلمات تعكس أفكارك في تلك‬ ‫في البداية انتبه إلى اللغة التي تستعملها؛ ّ‬
‫اللحظة‪ ،‬وابدأ تدريجيًّا بتحويل الكلمات التي فيها نوع من اإلجبار‪ ،‬مثل كلمة‬
‫مرة‬ ‫«الزم»‪ ،‬إلى‪« :‬أنا أختار»‪ .‬فعندما أعمل مع المتدربين‪ ،‬عادة ما أوقفهم ك ّل ّ‬
‫سوا وقع تلك الكلمة في‬ ‫يقولون فيها «الزم»‪ ،‬أو «يجب»‪ ،‬وأطلب منهم أن يح ّ‬
‫جسدهم‪ ،‬ومن ث َّم أطلب منهم أن يستعيضوا عن كلمة الزم بـ»أنا أختار»‪ ،‬ومن ث َّم‬
‫المتدرب من‬‫ِّ‬ ‫سون الفرق الذي تُحدِثه كلمة الخيار في جسدهم‪ ،‬وعادة ما يُصعَق‬ ‫يح ّ‬
‫الفارق في اإلحساس‪.‬‬
‫تنبَّه لكميّة اللّوازم التي تعيش فيها من دون وعي‪ ،‬والجميل أنّه في اللحظة التي‬
‫قوة‬ ‫مت نفسك بشيءٍ واهما‪ ،‬تتجلّى أمامك مرة أخرى ّ‬ ‫يستوي فيها وعيك‪ ،‬بأنّك أَلزَ َ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫الخيار‪ ،‬وهذا ّ‬
‫قوة الخيار‪.‬‬ ‫أن ما ت ُ ِلزم نفسك به ُهو َو ْهم‪ ،‬ترجع لك ّ‬ ‫عندما تعي َّ‬
‫ي عمل‪ ،‬بالتذكر أنّه خيار‪ ،‬فالذهاب مع هذا الشخص خيار‪،‬‬ ‫سك قبل القيام بأ ّ‬ ‫دربْ نَ ْف َ‬ ‫ِّ‬
‫والردُّ على الهاتف خيار‪ ،‬وفت ُح صفحات التواصل االجتماعي خيار‪ ،‬وطريقةُ‬ ‫َّ‬
‫والصدق بالتعبير‪ ،‬أو الزيف خيار‪ .‬بهذا‬ ‫ُ‬ ‫التعامل الداخلية مع األحداث أيضا خيار‪،‬‬
‫ض به‪.‬‬ ‫ي لنتيجة الخيار قبل الخ َْو ِ‬‫ستتعالى قدرتك على التقييم الطاق ّ‬
‫الال خيار إلى‬ ‫الحر‪ ،‬ستنتقل ُكليًّا من ّ‬ ‫ّ‬ ‫وبالتع ُّمق أكثر بالتدريب على الخيار‪ ،‬ووعيه‬
‫الخيار‪ ،‬وبهذا انتقال أيضا من ذهنيَّة الفقر إلى ذهنيَّة الوفرة‪ ،‬فالفقر والوفرة وصفان‬
‫وبالرغم من روعة هذه النقلة في الوعي‪ّ ،‬إال أنّها ال‬ ‫َّ‬ ‫لتوفّر الخيارات من عدمه‪.‬‬
‫لقوة الخيار‪ ،‬فالمستوى الثالث يُح ِلّق فيه الخيار إلى‬ ‫تصل إلى أعلى حاالت التسخير ّ‬
‫القوة المقدسة تُعرف بالتسليم‪.‬‬ ‫القوة المطلقة‪ ،‬وهذه ّ‬
‫مرحلة جديدة‪ ،‬إلى مرحلة ّ‬
‫الال محدودة‪ ،‬ولكن من‬ ‫بقوة االختيار‪ ،‬وخيارات الحياة َّ‬ ‫نعم‪ ،‬هنا دَبَّ الوعي الكامل ّ‬
‫باب الحكمة‪ ،‬فالشخص استنار‪ ،‬واختار تسليم نفسه لروح الحياة الواحدة وخياراتها‪،‬‬
‫صلبه‬ ‫الال خيار‪ ،‬ولكن من منظور جديد‪ ،‬في ُ‬ ‫الال خيار إلى ّ‬‫وكأن العجلة تعود من ّ‬ ‫َّ‬
‫التمكين‪ ،‬وليس االستضعاف‪ ،‬فالتسليم التدريجي يأتي من موضع خيار تالالر ال‬
‫وتطورت قدراته الذهنيَّة‬ ‫َّ‬ ‫إجبار‪ .‬فقد أ َ ْد َر َك الشخص هنا أنّه مهما ازدادت حنكته‪،‬‬
‫على اتّخاذ خيارات راقية‪ ،‬فإن الخيار األفضل يبقى خيار الروح‪.‬‬
‫تحولت نشوة‬ ‫هنا نَرى هدف الشخص الدائم أن يسلّم نفسه لخيارات الروح‪ ،‬فهنا ّ‬
‫الخيار‪ ،‬إلى حالة خارقة من التسليم‪ ،‬والتناغم مع الحياة‪ ،‬فالطاقة ليست مبعثرة بين‬
‫خيارات الئحة الطعام‪ ،‬بل فيها السماح لروح الحياة لتقديم الوجبة األفضل‪ ،‬حتى لو‬
‫لم ت َبدُ كذلك ظاهريًّا‪.‬‬
‫عنوان هذه المرحلة هو الدقّة في التصويب‪ ،‬فترى الشخص غير آب ٍه بخيارات‬
‫الحياة المتنوعة‪ ،‬فاإلشباع ت َ َملّكه‪ ،‬والحكمة أرشدته لما هو أهم‪ ،‬وهو التوازي مع‬
‫خيارات الذات األصيلة‪ ،‬لترى الشخص هنا كالناي الذي تُغنّي من خالله شفاه الحياة‬
‫الواحدةِ األَغنية التي تريد‪ .‬هذا الشخص هو األداة التي يتم عبرها القرار‪ ،‬وليس‬
‫المقرر؛ لذلك قد تبدو حياته للناظرين غريبة‪ ،‬أو حتى تخلو من النضوج‪ ،‬ولكن‬
‫والقوة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ألسباب تجهلها العامة‪ ،‬فهذا النوع من الحياة فيه الكثير من البساطة‪،‬‬
‫والوفرة‪ ،‬والفاعلية‪ ،‬التي ت َْخفَى عن ذلك الذي يَلهث في البحث الخارجي‪ .‬فَ ُهنا تُصبح‬
‫الصدف الكونيّة الرفيق الدائم للذي ارتضى بتسليم أمره‪ ،‬وهذا ما يس ّميه العا ّمة‬
‫سر حياة الشخص بالبركة‪ ،‬وهو المشاهد المستمتع بها‪.‬‬ ‫وكأن الحياة تُي ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫بالحظ‪،‬‬
‫وأَذ ُكر هنا أحد أفالم « جيم كاري ‪ ،« Jim Carrey‬التي توضح المستويات الثالثة‬
‫أن حياته مجموعة من العُقَد التي «وجب» عليه‬ ‫للخيار بدقة‪ ،‬ففي البداية‪ ،‬كان يبدو ّ‬
‫القوة الكاملة‪،‬‬ ‫ض‪ .‬وفي مرحلة معيّنة التقى بالخالق الذي سلّمه ّ‬ ‫ض ْ‬ ‫أن يتقبّلها على َم َ‬
‫وهنا بدأ «بروس ‪ ،»Bruce‬وهو اسم الشخصيّة التي كان يُؤدّيها «جيم كاري»‪،‬‬
‫باالستمتاع بالحياة‪ ،‬فاآلن هو السلطان‪ ،‬ولديه الخيارات كافّة والقُدرة على تحقيق‬
‫ي شيء يرغبه‪ .‬يستمر «بروس» باالستمتاع‪ ،‬حتى يبدأ وعيه باستباحة الخيارات‪،‬‬ ‫أ ِّ‬
‫لتنهال عليه النتائج العكسية بِ ِشدَّة‪ ،‬وذلك لعدم فهمه لثوابت الحياة وقوانينها‪ ،‬وهنا‬
‫ط على ركبتيه صارخا‬ ‫يبدأ األلم والمعاناة‪ ،‬حتى يستنفد «بروس» نفسه‪ ،‬و َيسقَ ْ‬
‫للخالق‪« :‬لتكن مشيئتك هي مشيئتي»‪.‬‬
‫ت من حالة الفقر الذهني‪َ ،‬ب ْل من المعرفة الكاملة‬ ‫فكما ترى‪ ،‬خيار التسليم لم يأ ِ‬
‫بوفرة الخيارات‪.‬‬
‫التدرج بتلك المستويات الثالثة واجب؟ أفال‬ ‫ُّ‬ ‫والسؤال الذي قد تسأله اآلن هو‪« :‬هل‬
‫مررت بالمستويين األول والثاني؟»‬ ‫َ‬ ‫تستطيع الوصول إلى المستوى الثالث‪ّ ،‬إال إذا‬
‫قد يُخيّل للمنطق أن اإلجابة نعم‪ ،‬ولكن السيكولوجية اإلنسانيّة أعقد قليال من ذلك‪،‬‬
‫فَت َراها تعمل على المستويات الثالثة سويًّا‪.‬‬
‫َحس أن ال خيار لك فيه‪ ،‬وآخَر لك فيه كل‬ ‫فهل يمكنك التفكير بموضوع معيّن ت ّ‬
‫الخيارات‪ ،‬وآخَر تُس ِلّم نفسك فيه لتدفّق الحياة‪ ،‬وأنت واعٍ بخيارات الحياة َّ‬
‫الال‬
‫محدودة؟ أكاد أجزم ّ‬
‫أن اإلجابة نعم‪.‬‬
‫الوعي العام يسحبك في مختلف نواحي الحياة إلى المرحلة الثالثة‪ ،‬ال‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫س ُّر أن تد َ‬‫ال ِ ّ‬
‫بالدفع الطائش‪ ،‬بل بالتسليم التدريجي الحكيم‪ .‬فعمليّة التسليم هي عمليّة مستمرة‪،‬‬
‫أن لديك السيطرة على الحياة‪ ،‬والرجوع إلى التدفُّق‬ ‫من التخلص من الظن الواهم ّ‬
‫األصيل‪ ،‬الرجوع إلى ذاتك األصيلة‪ .‬فأنت لست السائق لحافلة الحياة‪ ،‬وإنّما الراكب‬
‫المستمتع‪.‬‬
‫عادة ما يتّقد المستوى الثالث من التسليم تلقائيًّا‪ ،‬عندما ينمو ال ُحب في قلبك ِل َما هو‬
‫أصيل فيك‪ ،‬وما هو أصيل في الحياة «وهما واحد»‪ ،‬أي عندما ينمو ُحبُّك للحقيقة‬
‫ي بشري‪ ،‬وهذا‬ ‫كما هي‪ ،‬من دون شروط أو توقعات‪ ،‬هذا أعظم ُحب سيعرفه أ ُّ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ب في الخليقة‪ ،‬هو ُحبُّ الحقيقة كما هي‪.‬‬ ‫أعظم ُح ّ ٍ‬
‫عرفك‬ ‫ولتسريع عمليّة االنتقال الشمولي إلى المرحلة الثالثة‪ ،‬مرحلة التسليم‪ ،‬دعني أ ُ ّ‬
‫على ما نس ّميه بالنيَّة السِحريّة‪.‬‬
‫عرفك على النيَّة‬ ‫أن الكتاب أراد أن يختصر نفسه في صفحة واحدة‪ ،‬لكان ّ‬ ‫لو ّ‬
‫السِحريّة للتناغم مع خيارالحكمة‪ ،‬ففي هذا الخيار يقظة لذاتك‪ ،‬وذات اإلنسانيّة كافّة‪.‬‬
‫النيَّة هي كلمةٌ أخرى لالستغالل الماهر لطاقة الخيار‪ ،‬وما بالك إن كانت هذه النيَّة‪،‬‬
‫هي أسمى‪ ،‬وأذكى النوايا التي قد يتَّخذها اإلنسان؟ ولذلك أسميناها بالنيَّة السِحريّة‪.‬‬
‫فما هي النيَّة السِحريّة؟‬
‫هي ببساطة تسليم ك ّل خياراتك إلى خيار واحد‪ ،‬وهو التعبير عن الذات الحقيقية‪،‬‬
‫المحركة لك‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وهذه رسالة كن أنت‪ ،‬هو خيار ُحبّ الذات‪ ،‬لتصبح هذه النيَّة‬
‫فكيف لك أن تُط ِبّق هذه النيَّة السِحريّة على أرض العمليّة؟‬
‫اإلجابة‪ ،‬بالتدريب المستمر لتوجيه الطاقة لنيَّة التعبير عن ُحب الذات‪ ،‬عندها‪ ،‬لن‬
‫تغدو خياراتك مبعثرة‪ ،‬أو عشوائيّة‪ ،‬أو حتى كثيرة‪ ،‬بل هي واحدة ٌ أساسية تنبثق‬
‫س ِ ّخرت ذخيرة العزيمة في‬ ‫منها كل الخيارات الفرعيّة‪ .‬فَ ُهنا قد احتدّ التركيز‪ ،‬و ُ‬
‫االتجاه األسمى‪.‬‬
‫أن هذه قد تكون أسرع طريقة للجريان في نهر الحياة‪ ،‬واالنقياد‬ ‫هل يمكنك أن تتخيَّ َل ّ‬
‫تواقا من أجلها؟ أال تُوقِن اآلن‬ ‫تيت إلى األرض ّ‬ ‫صة‪ ،‬التي أ َ َ‬‫الكامل نحو رسالتك الخا ّ‬
‫أن هذه هي الوسيلة األكثر يسرا لعيش حياة كاملة؟‬ ‫ّ‬
‫تكرر هذه النيَّة كنوعٍ من التدريب الذهني البارد‪ ،‬بل أن ت ُ ْخ ِلص‬ ‫وهذا ال يعني أن ّ‬
‫النيَّة الصادقة بهذا االتّجاه‪ .‬وهذه ليست بالمه ّمة السهلة‪ ،‬فَنِيَّة التعبير عن ُحب الذات‪،‬‬
‫عريك‪ ،‬وتكشف لك كل األماكن التي امتنعت فيها عن التعبير‬ ‫ست ُ ّ‬‫عن ذاتك األصلية‪َ ،‬‬
‫الكامل عن ذاتك‪ ،‬بسبب الخوف؛ لذلك هي رحلة مستمرة للتعبير الصادق‪ ،‬وتطهير‬
‫الخوف الموجود فيك‪.‬‬
‫وواحدة من أكثر الطرق العمليّة‪ ،‬وبساطة لتطبيق النيَّة السِحريّة‪ ،‬هي السؤال الدائم‬
‫لنفسك‪:‬‬
‫لو كان الشخص ي ُِحبّ ذاته‪ ،‬فماذا سيفعل اآلن؟‬
‫المحركة لكل سلوكياتك‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ثم َح ّ ِول هذا السؤال إلى العنوان األسمى لحياتك‪ ،‬والنيَّة‬
‫ئ البنزين بالسيارة‪ ،‬وقام أحد العاملين هناك بتنظيف زجاج‬ ‫فمثال ُّكنتُ البارحة أعبِّ ُ‬
‫السيارة من دون سؤالي‪ ،‬فتفعّل نظام الخوف بداخلي غاضبا‪ ،‬كيف يقوم هذا‬
‫الشخص بذلك الفعل من دون إذني‪.‬‬
‫رويّا رويّا تذ ّكرت الذي أُع ِلّمه‪ ،‬وت َنفَّستُ ‪ ،‬وسألتُ قلبي‪:‬‬
‫ماذا سيفعل الشخص الم ُحبّ لذاته االن؟‬
‫أن تظهر‪ ،‬وليس ما أريد أن أسمع‪ ،‬لتأتي‬ ‫وأعطيتُ المساحة لإلجابة الصادقة ْ‬
‫اإلجابة‪ :‬باإلكرام‪ ،‬فسألتُ كيف؟ فأتت بالكلمة اللطيفة‪ ،‬والمال‪ ،‬ففعلتُ ذلك‪.‬‬
‫أن خيار ُحب الذات سيكون على هذه الشاكلة دائما‪ ،‬فقد يختلف‪ ،‬حتى‬ ‫هذا ال يعني ّ‬
‫ألن تقول للشخص من مكان الم ُحب‬ ‫في نَ ْف ِس الموقف‪ ،‬قد ترى ُحب الذات يرشدك‪ْ ،‬‬
‫نظف الزجاج ألنّي لم أطلب ذلك‪ ،‬فترسم حدودا طاقيّة جديدة في‬ ‫الصارم‪ :‬رجاء ال ت ُ ِ ّ‬
‫عقلك الباطن‪ .‬أترى كيف السؤال فيه خصلة الديناميكيَّة حاضرة؟‬
‫تجار اإلجابة كل مرة‪ ،‬فالفرصة دائمة الوجود للتعديل‪ ،‬واالنصياع‬ ‫ِ‬ ‫وال تَخ ْ‬
‫َف إن لم‬
‫لسيادة ال ُحب‪.‬‬
‫على بساطة هذا السؤال‪ّ ،‬إال أنَّه ومن دون أيّة مبالغة‪ ،‬قد يكون أعظم وأسمى‬
‫التدريبات اإلنسانيّة‪ ،‬وإن أُخلص له‪ ،‬فهو طريقك المباشر للتنوير‪ ،‬ف ُحب الذات‪،‬‬
‫مرة من األيام‪ ،‬سألتُ أحد المعلمين‬ ‫ي بتعابيره اللحظيّة‪ ،‬هو التنوير ذاته‪ .‬في ّ‬ ‫ض ّ‬‫وال ُم ِ‬
‫سر التنوير‪ ،‬فقالت بك ِّل ثقة‪:‬‬
‫الذين أضافوا لي الكثير‪ ،‬واسمها «هيرا ‪ ،»Hera‬عن ِ ّ‬
‫س التنوير يا إيهاب‪ ،‬ور ِ ّكز على ُحب الذات‪ ،‬واحترام الذات‪ ،‬وتقديس الذات‪»،‬‬ ‫«ا ْن َ‬
‫هذا مع العلم أن «هيرا» راهبة أمضت غالبية حياتها في التأمل‪ ،‬للوصول إلى‬
‫التنوير!‬
‫لذلك على بساطة سؤال‪ :‬ماذا سيفعل الشخص الذي ي ُحب ذاته اآلن؟ واالنقياد‬
‫بطريق اإلجابة‪ ،‬فهو طريق التنوير‪ ،‬طريق الصراط المستقيم‪ ،‬وما أزهد الثمن الذي‬
‫تدفعه‪ ،‬مقابل نتاج هذا الطريق‪ ،‬فهو طريق الحقيقة‪ .‬الحقيقة و ُحب الذات هما وجهان‬
‫لعُمل ٍة واحدة‪ ،‬الحقيقة هي ال ُحب‪ ،‬وال ُحب هو الحقيقة‪.‬‬
‫فال ُحب الذي نعنيه هنا ليس نوعا من الرومانسيّة الخجلة‪ ،‬وإن كان هذا شكال من‬
‫أشكال ال ُحب‪ ،‬ولكن ال ُحب األصيل هو العطاء الصادق في سبيل الحياة‪ ،‬والتسخير‬
‫سلَ َك‬
‫الكامل للنفس في سبيل ال ُحب‪ ،‬وما أعظم هذا العطاء‪ ،‬وما أهيب وقعته! فمن َ‬
‫س َّخر قدراته الكاملة لخدمتها‪ ،‬لخدمة ال ُحب‪ ،‬فستكافئه الحياة‬ ‫َم ْسلَ َك النيَّة السِحريّة‪ ،‬و َ‬
‫الال محدودة‪ ،‬لتأخذه إلى عروش السماء العليا‪ .‬وأعلى‬ ‫بحالوة عيشها وإلهاماتها َّ‬
‫عروش السماء مخصصة لخادم ال ُحب‪ ،‬ورسالته الكونية‪ ،‬ذلك الخليفة على األرض‪.‬‬
‫ض ُّخ فيك فجأة‬‫ست َ ُ‬
‫وليس المقصد من هذه الصورة أن نيَّة التعبير عن ُحب الذات َ‬
‫مشاعر ورديّة فجأة‪ ،‬بل ستُحرق ِكبَ َرك‪ ،‬وتُهيمن عليك بسطوته‪.‬‬
‫وما أحلى هيمنة ال ُحب…‬
‫فإن هذه النيَّة ستأخذك إلى طريق سريع من الصحوة‪ ،‬تنكشف فيه ك ّل‬ ‫كما قلنا‪ّ ،‬‬
‫غلقت فيه صدرك أمام تعبير‬ ‫َ‬ ‫ي مكان أ َ‬
‫مخاوفك ومحاوالتك إلثبات نفسك ظاهريًّا‪ ،‬وأ َ ُّ‬
‫الحياة المتأ ّجج‪ .‬ستأخذك نيَّة التعبيرعن ُحب الذات إلى طبيعتك األصلية‪ ،‬لترقص‬
‫معها‪ ،‬وبها بصورة لم يعهدها غير النبالء‪ ،‬أولئك الجند المجهولون‪ ،‬الذين في نِيّتهم‬
‫المستورة كسبوا ِغبطة الحياة بصدقها‪ ،‬غير آبهين بكل المكاسب بعد ذلك‪ ،‬فكل‬
‫المكاسب تصبح هنا ثانوية‪ ،‬فال جاه‪ ،‬وال سلطان يعلو على الصدق مع الذات‪ ،‬وال‬
‫ارتوا َء أكبر من تعبير ال ُحب‪.‬‬
‫وسترى بهذا االلتزام حتى نوعيّة أسئلتك ‪ -‬أو تكنولوجيا السؤال ‪ -‬سترتقي لتأخذك‬
‫تتموج بين‪:‬‬
‫في هذا المنحى‪ ،‬فترى أسئلتك ّ‬
‫كيف أُع ِبّر عن ُحب الذات أكثر‪ ،‬فأكثر؟‬
‫كيف أستطيع أن أُع ِبّر عن ُحب الحياة اآلن؟‬
‫كيف أعيش بالتناغم مع تعبير الروح لحظة بلحظة؟‬
‫ما هو خيار الذات العليا اآلن؟‬
‫ما هو خيار الذات األصلية اآلن؟‬
‫كيف أستطيع أن أُعطي من كل قلبي اآلن؟‬
‫كيف أستطيع أن أُع ِبّر عن ال ُحب الصادق اآلن؟‬
‫ضج نوعيّة األسئلة إلى ما يس ّميه الصوفيون بالعشق اإللهي‪ ،‬فترى السؤال‬ ‫أو قد ت َن ُ‬
‫الذي يتردَّد في ذهنك هو‪ :‬كيف أُع ِبّر عن العشق اإللهي اآلن؟‬
‫سيَفت ُح لك ما يناسب‬ ‫مفردات‪ ،‬وتراكيب هذا النوع من األسئلة ليس لها حدود‪ ،‬و َ‬
‫صبُّ بخيار الذات الحقيقية‪،‬‬ ‫صبُّ في اتّجاه واحد‪ ،‬كلها ت َ ُ‬ ‫فكرك وذوقك‪ ،‬وكلّها ت َ ُ‬
‫ستستحق أن يُطلَق عليك لقب‬ ‫ُّ‬ ‫بخيار ُحب الذات‪ ،‬والتعبير الصادق عنه‪ ،‬وعندها‬
‫«العنصر الفعّال»‪.‬‬
‫وماذا نعني بالعنصر الفعّال؟‬
‫صة للفاعلية‪ ،‬فاإلدارة الكونيّة أيضا‬ ‫كما لعلم اإلدارة الحديثة ثوابته ومعاييره الخا ّ‬
‫دق‪ ،‬فالكون يعشق التدفّق في ذلك العنصر الذي ينبثق منه‬ ‫لها ثوابت ومعايير أ َ ّ‬
‫العطاء الرشيد‪ ،‬ويَ ْبعُد عن اإلهدار المشين‪ .‬فترى الحياة تُلهم ذلك الذي يشارك‬
‫إلهامه بكثرة‪ ،‬فهو عنصر فعّال‪ ،‬وتراها تعطي أكثر‪ ،‬وأكثر من خيراتها‪ ،‬ل َم ْن‬
‫عنصر فعّال‪ ،‬وتراها تضع‬ ‫ٌ‬ ‫يستعمل المال للخدمة القصوى‪ ،‬والتأثير الكبير‪ ،‬فهو‬
‫بقوتهم الداخليّة‪ ،‬فهذا‬ ‫قوتها‪ ،‬وتمكينها في قلب ذلك الذي ارتضى أن يُذَ ِ ّكر الناس َّ‬ ‫ّ‬
‫عنصر فعّال‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أيضا‬
‫س َّخر‬ ‫أن الحياة فاعلة بذلك الذي انتشى بخيار ال ُحب وتعبيره النقي‪ ،‬لي َ‬ ‫وماذا تعتقد ّ‬
‫حب الذات كمه َّمته الرسميّة؟‬
‫ِمن منظور الحياة‪ ،‬ذلك هو رمز الفاعليّة األسمى‪ ،‬فهذا اإلنسان فَ ِه َم قوانين اللعبة‪،‬‬
‫ونضجت فيه الحكمة لتسخير الطاقة ألعلى استعماالتها‪ ،‬فهو ناشدَ رغباته الدنويَّة‪،‬‬
‫لتتماشى مع رغبة الحياة األصيلة بالتناغم الكامل مع تعبير الروح‪ .‬فكيف لن تكرم‬
‫الحياة ذلك الذي ارتضى أن يمشي في هذا الطريق الجريء‪ ،‬فهو العنصر الفعّال‪،‬‬
‫بل أكثر العناصر فاعليّة على اإلطالق‪.‬‬
‫على هذا المستوى من الوعي يتالشى إهدار الطاقة‪ ،‬والتكرار للطرق التقليديّة‪ ،‬بل‬
‫يتحول فيه هذا العنصر إلى آلة مجنَّحة‬ ‫ّ‬ ‫على العكس تماما‪ ،‬فهنالك خ َْل ٌق فريد متج ِدّد‪،‬‬
‫خر ُج من رحمها اإلبداع‪ .‬وبالمقابل الحياة تنهمر عليه ِب ِن َعم‬ ‫ق القيمة‪ ،‬ومساحة َي ُ‬ ‫ِلخ َْل ِ‬
‫فريدة قَلَّما تراها العا َّمة‪ ،‬ال من باب التمييز‪ ،‬بل من باب اإلدارة الحكيمة البحتة‪.‬‬
‫وقد يتبادر إلى ذهنك اآلن‪« :‬أليس في هذا شي ٌء من العجرفة والغرور؟ فأين كرم‬
‫المحرك فقط؟»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المسعى‪ ،‬و ُحب المساعدة إذا كان ُحب الذات هو‬
‫سرت ُحب الذات‬ ‫ولألسف فهذا برنام ٌج آخر من البرامج الفكريّة الهزيلة‪ ،‬التي ف َّ‬
‫على أنَّه نوع من األنانيَّة‪.‬‬
‫َحمل في ثناياها نصف الحقيقة‪،‬‬ ‫ورغم زيف هذه البرمجة ّإال أنّها ‪ -‬وبجهلها ‪ -‬قد ت ِ‬
‫فنَ َعم‪ُ ،‬حب الذات فيه من األنانيَّة الكثير‪ ،‬ولكنّه ما نس ّميه هنا باألنانيَّة الفضلى‪.‬‬
‫طة التي تلتقي فيها المصلحة الشخصيّة‪ ،‬مع مصلحة‬ ‫واألنانيَّة الفضلى هي النقَ ْ‬
‫طة الخير الجامع‪ .‬هنا نرى‬ ‫األكوان كافّة‪ ،‬فهي النضوج الكامل‪ ،‬لاللتحام مع نقَ ْ‬
‫الال منتهى‪.‬‬ ‫(ربح‪ِ -‬ربح‪ِ -‬ربح) يتجلّى بأروع صوره ليصل إلى َّ‬ ‫مفهوم ِ‬
‫إن لم يشمل معه خيرك الشخصي؟ فمعاناتك ال‬ ‫فكيف للخير أن يكون جامعا‪ْ ،‬‬
‫تضيف للحياة سعادة‪ ،‬وفقر حالتك الذهنيَّة ال يزيدها تناغما وثراء‪.‬‬
‫أذكر بوضوح المرة األولى التي بدأ بها مفهوم األنانيَّة الفضلى في فتح بوابتها في‬
‫صة لتدريس نوع خاص من الرقص اسمه « بيودنزا‬ ‫نفسي‪ ،‬ف ُكنتُ وقتها في ح ّ‬
‫‪ ،« Biodanza‬وهو مزيج بين الرقص‪ ،‬واالتصال‪ ،‬والشفاء العاطفي‪ .‬في نهاية‬
‫صة‪ ،‬ذهبتُ باتِّجاه الشباك؛ كي أشرب من زجاجة الماء‪ ،‬وكان يوجد هناك لوحة‬ ‫الح ّ‬
‫صغيرة عليها جملة قالها « داالي الما ‪ ،« Dalai Lama‬إن كنتُ ال أذكرها‬
‫أن العطاء‬ ‫إن كنت ذكيًّا في أنانيتك‪ ،‬سترى َّ‬ ‫بالتفصيل‪ ،‬ولكنّها حملت المحتوى التالي‪ْ :‬‬
‫كأن في هذه الجملة‬ ‫ألن َّأول من يستمتع بهذا العطاء هو أنت‪َّ .‬‬ ‫هو ق ّمة األنانيَّة؛ َّ‬
‫ِسحرا رتَّب أفكاري المغلوطة‪ ،‬وبعثر المفهوم التقليدي لألنانيَّة‪ ،‬ليتّخذ منحى جديدا‪،‬‬
‫باتّجاه المكان الذي تتالقى فيه ق ّمة األنانيَّة بق ّمة الكرم‪.‬‬
‫وعندها أيقنت أن ال أنانيَّة أكبر من ُحب الذات وتعبيره‪ ،‬وال عطاء أكثر إخالصا‬
‫من ُحب الذات وتعبيره‪.‬‬
‫وكأن الحياة ترشدك إلى قلب الخير‪ ،‬لتريك أن ال تناقض بين رفعة النفس‪ ،‬ورفعة‬
‫البشريّة كافّة‪ ،‬وال تناقض بين ُحب الذات‪ ،‬و ُحب البشرية كافّة‪ ،‬ف ُحب الذات يشمل‬
‫وخالص لذاتك‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ُحب «الواحد»‪ ،‬ويشمل «الذكرى» أن في روحك أصال حبٌّ كام ٌل‪،‬‬
‫عرفت‪ ،‬أم ال‪.‬‬ ‫سواء َ‬
‫يتحول حب الذات من فعل تعمله‪ ،‬إلى انفتاح على تدفّق حالتك األصلية‬ ‫َّ‬ ‫فهنا‬
‫وتعابيرها‪ :‬حب الذات‪ ،‬وهنا تصبح القدرة على رؤية األماكن التي قمعت فيه حب‬
‫يغطيها أوضح‪ ،‬وأوضح‪ .‬الحب هو أنت‬ ‫الذات وتدفقه‪ ،‬لخوف في نفسك‪ ،‬وألم ِ ّ‬
‫سم‪ ،‬فال ُحب يجذب‬ ‫والكون وخالقه‪ ،‬فال ُحب بالنهاية واحد؛ ألن ال ُحب َيج َمع وال يُق َّ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫اإلدراك إلى فضاء الروح الواحد‪ ،‬وراء تقسيم األحكام الوهمية‪ ،‬وهذا ّ‬
‫سم‪.‬‬
‫ُحب الذات هو نفسه ُحب البشر‪ ،‬والحياة الواحدة؛ ألن ال ُحب واحد‪ ،‬وغير مق َّ‬
‫قت أكثر في خيار ُحب الذات‪ ،‬وحكمته الجامعة بين النقائض‪ ،‬ستدرك‬ ‫وإن تع َّم َ‬
‫أن هذه النيَّة هي الح ُّل الشافي للتردّد في القرارت‪ ،‬طبعا‪ ،‬فالتردُّد يكون بين‬ ‫أيضا َّ‬
‫ط‪ ،‬ليس من باب القلّة‪ ،‬وإنّما‬ ‫خيارين‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬وأنت هنا ليس لديك َّإال خيار واحد فقَ ْ‬
‫من باب الحكمة‪.‬‬
‫بأم عينك أن السؤال الذي ينبغى التم ُّحص فيه‪ ،‬هو ليس ماهية القرار‬ ‫وعندها سترى ِ ّ‬
‫الذي ستتخذه‪ ،‬بل هل القرار الذي ستتخذه هو من كل قلبك‪ ،‬أم من نصفه؟ فاألول‬
‫هو التعبير عن ُحب الذات‪ ،‬والثاني عكسه‪ .‬فنوعيّة القرار‪ ،‬ليست مهمة بقدر‬
‫أن القرار ليس بالصائب‪،‬‬ ‫االندفاع في القرار بك ِّل وجدانك‪ ،‬وإن َ‬
‫ظ َه َر لك فيما بعد َّ‬
‫فسستعلم بسرعة‪ ،‬وتعدّل‪ ،‬وتندفع مرة أخرى إلى القرار األصدق بكامل وجدانك‪.‬‬
‫ع ذلك يكون من ك ِّل قلبك‪ ،‬وليس نصفه‪ ،‬وعندها‬ ‫قررت عدم القرار‪ ،‬فد ْ‬ ‫وحتى إن ّ‬
‫ستستطيع تقدير نتائج القرارت بفاعلية أكثر‪ ،‬وستتمكن من تقدير المناسب منها‬
‫بسرعة‪ .‬فأنت على هذا المستوى من االندفاعيّة‪ ،‬تُلقي بروحك ك ِلّها في القرار‪،‬‬
‫قوة القرار الصادق‪.‬‬ ‫وترمي بذاتك كاملة في معترك الحياة‪ ،‬وهنا تتجلَّى ّ‬
‫فاالنفجار الكامل باتّجاه القرار‪ ،‬هو نفس الحالة الذهنيَّة في التعبير الكامل عن‬
‫الذات‪ ،‬وأ ّما الحالة األخرى‪ ،‬فهي المتردّدة‪ ،‬فتراها تتقافز بين األلعاب التحليلية‪،‬‬
‫وتدور في أحكام وتوقعات ال تنتهي؛ لذلك هي ت َْخلُو من النضج‪ ،‬الذي ال يولد ّإال‬
‫مع شجاعة الحب واندفاعه‪.‬‬
‫تدرب نفسك على أخذ قرارت سريعة‪ ،‬وحدسيّة أكثر‪ ،‬فعندما‬ ‫وسأنصحك هنا بأن ّ‬
‫يسأل أصدقاء أين تريدون الذهاب لألكل؟ اقترح المكان سريعا‪ ،‬ليس استبدادا‪ ،‬وإنّما‬
‫للتدرب على القيادة المستنيرة‪ ،‬وهكذا ستتعدَّى نظام الخوف الذي يعيش في قلق‬ ‫ّ‬
‫مستمر بين القرار الصحيح والخاطئ‪ .‬والسبب في ذلك أنه يُع ِلّق قيمته على صحة‬
‫قررنا أن نلعبها سويًّا أكبر من نظام الخوف‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ولكن اللعبة التي ّ‬ ‫القرار من عدمه‪،‬‬
‫ونقصه الواهم‪.‬‬
‫فاللعبة التي نلعبها اآلن هي لعبة المتعة واالندفاع‪ ،‬هي لعبة كن أنت‪ ،‬وفي هذه‬
‫اللعبة القيمة مضمونة‪ ،‬والخطأ غير موجود‪.‬‬
‫في لعبة القرارات القلبيّة تتسارع العجلة قُدما‪ ،‬وتظهر روح ال ُحب للعمل بوضوح‪،‬‬
‫والتي قد يُط ِلق عليها البعض مس َّمى‪ :‬اإلخالص في العمل‪ .‬ولكننا هنا سنتعدّى حتى‬
‫مفهوم «العمل» إلى اإلخالص ذاته‪ ،‬فال ُمخ ِلص هو الذي آثر تسخير قراراته‬
‫التحليليّة لهدفها األصيل‪ ،‬ليُعطي من قلبه في اللحظة‪ ،‬و َيخدم روح ال ُحب؛ لذلك كان‬
‫ص له‬ ‫ير ِدّد أبي لنا دائما‪« :‬إن سر النجاح‪ ،‬هو أن تعتبر ما تفعله اآلن قدَرك‪ ،‬وت ُ ْخ ِل َ‬
‫في لحظته‪ ،‬وهكذا سيبادلك ال ُحب والقيمة»‪.‬‬
‫نتكلم هنا عن اإلخالص هنا بصيغة «الخيار من البُعد الثالث»‪ ،‬الخيار الدائم لرفعة‬
‫النفس‪.‬‬
‫فلماذا ال تأخذ الخيار األسمى بالتعبير عن حقيقتك االن‪ ،‬وبالتدريج؟‬
‫هو خيار‪ ،‬كحال أي خيار…‬
‫بالال خيار لإليضاح‪.‬‬ ‫نعم أنت دائم التواجد في دائرة الخيار‪ ،‬حتى إن بدأنا الحديث َّ‬
‫أنت دائم الوجود في دائرة الخيار‪ ،‬وحتى إن اخترت «خيارعدم الخيار»‪ ،‬وهو‬
‫خيار الضحية‪ .‬هو الخيار الذي سيبقيك في غضب مستمر‪ ،‬وهذا التعريف الدقيق‬
‫ق على تدرج‬ ‫للشخص المغضوب عليه‪ ،‬ولكن للحفاظ على منطق ما بدأنا دعنا نُ ْب ِ‬
‫مستويات الخيار‪.‬‬
‫ي بخيار الحب‪ ،‬ستكتشف أن ما يعرقل السريان في حقيقتك هي األحكام‬ ‫ض ّ‬‫وعند ال ُم ِ‬
‫الملتصقة ضمنيًّا بنظام الخوف‪ .‬فشيطان األحكام تبعدك عن خيار الحقيقية‪ ،‬تبعدك‬
‫كل البعد عن ذاتك األصيلة؛ لذا من المهم أن تتع َّمق في ميكانيكية عمل األحكام؛‬
‫َّ‬
‫تتخطاها‪.‬‬ ‫كي تعرف كيف‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫بالالخيار‪ .‬ولكن األول من‬‫بالالخيار‪ ،‬وتنتهي َّ‬‫* هناك ‪ ٣‬مستويات للخيار‪ ،‬تبدأ َّ‬
‫ضعف‪ ،‬واألخير من التمكين‪.‬‬
‫* أرقى استخدام ل َملكة الخيار هو التركيز على خيار الحب‪ ،‬وتعبيره اللحظي‪.‬‬
‫* في حب الذات تلتقي المصلحة الشخصية والكونية من دون تضاد‪.‬‬
‫ي قرار بدل التردد في صحة‬ ‫* الذي يعيش من نظام الحب يضع ك ّل طاقته في أ ّ‬
‫القرار من عدمه‪.‬‬
‫أسئلة للتفكر‪:‬‬
‫هل يعقل أن روحي تحبني كما اآلن‪ ،‬ومن دون شروط؟‬
‫ب الذات ‪ ٪٣٠‬أكثر‬ ‫ماذا سيختلف في واقعي‪ ،‬إن بدأت أخذ خيارات متناغمة مع ح ّ ِ‬
‫من ما أفعل اآلن؟‬
‫ماذا الذي يوقف حب الذات الذي في داخلي اآلن أن يتدفق لنفسي بكل يُسْر‪ ،‬وانفتاح؟‬
‫هل أستطيع أن أتخلَّى عن هذا السبب الذي يوقفني؟‬
‫التحررُمنُقيودُاألحكام‬
‫ّ‬
‫المكرر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ق المعروف‬ ‫األحكام هي إحدى الوسائل الم ُحبَّبة لنظام الخوف‪ ،‬تُبقيك في أف ِ‬
‫الذي يُعتبر من منظور الخوف أمنا‪ ،‬ولكن لو نظرنا أعمق من «أجندة األمان‬
‫أن األحكام هي أكبر ُمكبِّل للتعبير ال ُحر‪.‬‬ ‫الزائف»‪ ،‬لرأينا ّ‬
‫لذلك بنضوج قُدرتك على ت َعدّي جرثومة األحكام‪ ،‬ستصبح أُفقا للتعبير الخالص‪،‬‬
‫تنساب منك روح الحياة كانسياب األنهار‪.‬‬
‫لتحقيق ذلك فلنبدأ إذا بفهم األحكام على مستوى الوعي‪ ،‬وليس األخالق‪ ،‬فال ِكتاب‬
‫بوابة ِلرفعة الوعي‪ ،‬لتأخذك بعيدا‬ ‫ليس نداء أخالقيًّا للتوقّف عن األحكام‪ ،‬وإنّما هو ّ‬
‫عن غرفة األحكام المظلمة‪ .‬وبتغيُّر الوعي‪ ،‬يتغيّر السلوك ضمنيًّا‪ ،‬دون الحاجة إلى‬
‫منظومة أخالقيّة متح ّجرة‪.‬‬
‫صتي مع نسيم‪:‬‬ ‫ومن القصص التي أ ُ ِحب مشاركتها للتأكيد على هذا المفهوم‪ ،‬هي ق ّ‬
‫طر‪ ،‬وكان جز ٌء من‬ ‫قبل بضع سنين كنت في زيارة لبيت أختي وزوجها نسيم في قَ َ‬
‫غرض هذه الزيارة‪ ،‬مشاركة أحدث االستراتيجيات في الريادة والقيادة مع شركة‬
‫نسيم‪ .‬كنت في ك ّل صباح أذهب مع نسيم لشركته‪ ،‬وفي الطريق للخارج‪ ،‬كنت أطلب‬
‫مرة أقوم بذلك‪،‬‬ ‫الزرين األعلى واألسفل‪ ،‬وك ّل ّ‬ ‫المصعد‪ ،‬ولكن كعادتي أضغط على ّ‬
‫يقول نسيم‪« :‬توقف عن هذا الفعل‪ »،‬فيأتي اليوم التالي‪ ،‬وأعيد الكرة‪ ،‬فيعيد نسيم‬
‫الزرين‪ ،‬قال‬
‫ف عن فعل ذلك»‪ .‬وفي أحد األيام وبعد الضغط على ّ‬ ‫التعليق ذاته‪ُ « :‬ك ّ‬
‫آخر عن المصعد‪»،‬‬ ‫ؤخر شخصا َ‬ ‫نسيم‪« :‬إيهاب‪ ،‬عندما تضغط على الزرين‪ ،‬فأنت ت ُ ِ ّ‬
‫واستمر في تفسير األمر وإحداثياته‪ .‬في تلك اللحظة أصابني الوعي الكامل بنتيجة‬ ‫َّ‬
‫سلوكي‪ ،‬ومن بعدها وحتى اليوم ال أضغط َّإال على زر واحد للمصعد‪ ،‬لألعلى أو‬
‫األسفل‪.‬‬
‫صة‪ ،‬وعلى بساطتها تُظهر لك أن السلوك يتغيّر تلقائيًّا‪ ،‬بتغيّر الوعي‪ ،‬أو‬ ‫هذه الق ّ‬
‫ثر األَحكام‬‫س ْعيُنا ِلإلنارتك بِأ َ ِ‬
‫مستوى التفكير لديك‪ ،‬وإن طبّقنا هذه القاعدة هنا‪ ،‬فَ َ‬
‫ُضاءل هذه العادة تلقائيًّا من حياتك‪.‬‬
‫سي ِ‬ ‫المدمر‪َ ،‬‬‫ِّ‬
‫هذا ما اختبرته في حياتي شخصيًّا…‬
‫فت سابقا‪ ،‬فلقد ُو ِلدتُ وترعرعتُ باألردن‪ ،‬ومستوى األحكام هناك غير‬ ‫ع َر َ‬ ‫كما َ‬
‫ف من أية‬ ‫عر َ‬ ‫أن يَ ِ‬‫مسبوق‪ ،‬فعندما ت َذ ُكر اسمك وعائلتك‪ ،‬يستطيع الشخص عادة ْ‬
‫وكأن قَو َل اسمك لوحده كافٍ‬ ‫َّ‬ ‫ِمنطقة أنت‪ ،‬وما هي خلفيَّتك العقائديّة والفكريّة‪،‬‬
‫ليحرك وعي األحكام في العقل الباطن‪ .‬هكذا شهدت مباشرة أثر األحكام المد ّمر‬ ‫ِّ‬
‫على الفرد والمجتمع والبالد‪ ،‬فعندما تستشري األحكام في المجتمع‪ ،‬تنتشر أنواع‬
‫ي للطاقة‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬فبارتفاع‬ ‫العنف كافّة‪ ،‬كنوع من تفريغ االختناق الجمع ّ‬
‫وتيرة األحكام يستشري الفقر أيضا‪ ،‬فما الفقر ّإال فقر المنظور‪ ،‬ووهم الموارد‬
‫المحدودة‪ ،‬وهذا ما تمثّله األحكام‪ ،‬وهذا ّ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬
‫كلّما ازدادت األحكام‪ ،‬ازداد الفقر‪.‬‬
‫ولكن لوال خبرة األحكام المجتمعيّة التي مررتُ بها‪ ،‬لما تفعّلت رسالتي القلبيّة‪،‬‬
‫ب خا ٍل من األحكام من داخل الشخص‪،‬‬ ‫رسالة كن أنت‪ ،‬ومن ضمنيتها خ ُ‬
‫َلق كوك ٍ‬
‫فعندما تلمس البُعد الخالي من األحكام من داخل ذهنك‪ ،‬يتط ّهر كوكبك فورا منها؛‬
‫ألن تجربة «الكوكب» داخليّة‪ .‬عندها سينساب منك ينبوع التعبير الصادق‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ي اختناق‪،‬‬ ‫ي مستمر من دون أ ِّ‬ ‫فعلى مستوى الطاقة‪ ،‬التعبير ال ُح ّر هو تدفّق طاق ّ‬
‫وأ ّما ال ُحكم‪ ،‬ف َيخلق شكال من االختناق في الطاقة‪ ،‬وأينما حدث االختناق‪ ،‬تبدأ الطاقة‬
‫بالتجلّط‪ ،‬وبهذا تجلّط لتعبيرك الحر‪ .‬فالتعبير الحر هو حالة من التدفق الطبيعي‬
‫المتجدّد‪.‬‬
‫سك‬ ‫أن ت َسلك طريق التعبير ال ُّحر أو األحكام‪ ،‬وإن اخترت األخير‪ ،‬سترى نَ ْف َ‬ ‫فإ ّما ْ‬
‫ت َتجلط يوما بعد يوم ب ُحكم جديد‪ ،‬حتى تتصلب كورق الشجر اليابس‪ ،‬وهذا ما حدث‬
‫معي‪ .‬فمن الصغر بدأتُ أتصلّب من ضيق األحكام‪ ،‬وبأشكالها وألوانها المختلفة‪،‬‬
‫كاألحكام على الطوائف الدينيَّة األخرى‪ ،‬فكلّهم ضالّون‪ ،‬ونحن على صواب‪ ،‬وقد‬
‫صدَّقتُ ذلك‪ ،‬وكذلك األحكام على الغرب‪ ،‬فهم األجانب الغرباء‪ ،‬ونحن الشرق‬
‫األصيل‪ ،‬وقد صدَّقتُ ذلك‪ ،‬واألحكام على العائالت االخرى‪ ،‬فكلّهم على خطأ‪،‬‬
‫ونحن على صواب‪ ،‬وقد صدَّقتُ ذلك‪ ،‬واألحكام النمطيّة عن الكيفيّة التي يجب أن‬
‫يتصرف بها الرجل في البالد العربية‪ ،‬باالنفصال عن حساسيّته العاطفيّة‪ ،‬وقد‬ ‫ّ‬
‫صدَّقتُ ذلك‪ .‬وصدَّقتُ أيضا األحكام عن أسلوب الحياة والعمل والمال ودور المرأة‬
‫والطاقة الجنسيّة‪ ،‬صدّقتُ ك ّل هذه األوهام الفكريّة‪ ،‬حتى فقدتُ لين ذاتي تحت ثقل‬
‫األحكام‪ ،‬وأنا متأكد أنّك مررت بهذه التجربة بطريقتك الخا ّ‬
‫صة‪.‬‬
‫وماذا تتوقع أن يحدث عندما تتراكم األحكام بوزنها الثقيل في ذهن اإلنسان؟‬
‫اإلرباك…‬
‫نعم‪ ،‬اإلرباك‪ ،‬فتارة تحاول أن تتماشى مع هذ ال ُحكم‪ ،‬وتارة أخرى تخاف أن يُحْ كم‬
‫طتها يوميًّا‬ ‫عليك‪ ،‬وست َجدُ نَ ْفسك بهذا سجينَ األحكام التي صدَّقتها‪ ،‬وغذَّيتها‪ ،‬وأسقَ ْ‬
‫على الغير‪ .‬وال تظن أني أتحدث معك بصفة الواعظ هنا‪ ،‬فأنا حتى اللحظة لست‬
‫بريئا من ُجنحة األحكام‪ ،‬فما زلتُ أحكم حتى اآلن‪.‬‬
‫ففي هذه اللحظة بالتحديد‪ ،‬أنا أحكم على األشخاص الذين بجانبي في الفندق‪ ،‬ألنّهم‬
‫أجانب وأنا عربي‪ ،‬ونحن مختلفون‪ ،‬وأحكم على أسلوب كتابتي الشعرية‪ ،‬خوفا من‬
‫المتكررة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ّأال يتوافق مع مدارس الكتابة التقليديّة‪ .‬ولكن بالرغم من هذه األحكام‬
‫طن وراءها دائما‪ ،‬وهو الوعي الذي نضج على مدار السنين‪،‬‬ ‫فالوعي الراسخ يقَ ْ‬
‫ويدفعني ألبقى في موقف المراقب لألحكام دون االنجراف معها‪ .‬ففي فضاء‬
‫شف المنظور النقي الطاهر للحياة‪ ،‬المنظور الذي ال يتنازل إلى مستوى‬ ‫المراقب يتك ّ‬
‫األحكام وتقسيمها االزدواجية‪.‬‬
‫لتخطي األحكام إذا هو ليس بقتلها‪ ،‬وإنّما بمراقبتها من مكان خال من األحكام‬ ‫ِّ‬ ‫فالسر‬
‫ي ُحكم على الحياة‪ ،‬فهذا المكان هو روح الحكمة‬ ‫في صدرك‪ ،‬مكان لم ولن َيتبع أ َّ‬
‫حرة؛ ألنّها فَ َرغَت‬
‫بحريتها الخالدة من العبوديّة‪ ،‬هي َّ‬ ‫فيك‪ ،‬وروح الحكمة تستمتع ّ‬
‫من األحكام‪ ،‬فال تقع في وهم التقسيم‪ ،‬وال تحاول أن تُبرهن‪ ،‬أو تغ ِيّر من ذاتها‪ ،‬بل‬
‫هي كما هي‪ ،‬واحدة ٌ وواثقةٌ بنفسها‪ ،‬ومع ِبّرة عن ذاتها‪.‬‬
‫ظة على األحكام؟‬ ‫فكيف ت َبل ُغ هذه المرحلة من الحكمة‪ ،‬واليَقَ َ‬
‫تبدأ ُ العمليّة كما قلنا باتساع الوعي بـ»األذى» الذي ت َخ ِلقه األحكام‪ ،‬وإن بَدَت على‬
‫السطح بالمتعة البريئة‪ ،‬ولكن األحكام بعيدة ك ّل البعد عن البراءة‪ ،‬فهي كالقاتل‬
‫الماكر الذي يَبكي في جنازة القتيل‪،‬‬
‫فعندما ت َحكم‪ ،‬أو على األقل تنجرف وراء األحكام من دون وعي‪ ،‬فأنت تغلق على‬
‫الال محدودة للحياة‪ ،‬وتعابيرها النقية‪.‬‬ ‫نَ ْفسِك االحتماليات َّ‬
‫دعنا نوضح المقصود هنا!‬
‫تخيّل للحظة أنّك تمشي في الشارع‪ ،‬والجو رائع‪ ،‬والغيوم تخيط أشكالها الساحرة‬
‫وتحس بالغبطة‪ .‬في هذه األجواء الجميلة‬ ‫ّ‬ ‫في قلب السماء‪ ،‬وأنت تمشي باستمتاع‪،‬‬
‫بالمارة‪ ،‬فهذا أحد الشوارع الرئيسيّة المخصصة‬ ‫َّ‬ ‫تنظر حولك لترى الشارع ممتلئا‬
‫للمشي‪ ،‬وهنا تلتفت إلى اليمين‪ ،‬لترى شخصا على الناصية يعزف موسيقى جميلة‪،‬‬
‫طرب لها سمعُك‪ ،‬وتتمايل لها دقات قلبك‪ .‬تبدأ الموسيقى بأخذك إلى ذكريات رقيقة‬ ‫ُ‬ ‫َي‬
‫طع فجأة‪ ،‬عندما ترى شخصا أمام‬ ‫من الماضي‪ ،‬ولكن هذه الحالة الرومانسيّة تنقَ ْ‬
‫العازف يرقص بجنون‪ ،‬فيصيبك االستياء‪ ،‬وتقول لنَ ْفسِك‪« :‬ماذا يفعل هذا المجنون؟‬
‫فهذه الموسيقى راقية‪ ،‬وال يُفترض الرقص عليها هكذا‪ ،‬وما باله ال يدري إننا في‬
‫منتصف الشارع؟ هذا المجنون ال يحترم الناس‪ ،‬وال مشاعرهم بالمرة‪ »،‬وتتسارع‬
‫األفكار فيك حتى ت َِجدَ كتفيك قد َت َشنَّجتا‪ ،‬ويديك قد تصلَّبتا‪ ،‬ولوال الحياء لركضت‬
‫عرف الصحيح من الخاطئ!‬ ‫ضربا‪ ،‬علَّهُ يتَّعظ‪ ،‬ويَ َ‬‫إلى الراقص وأبرحتهُ َ‬
‫صلَة‪،‬‬ ‫أحكام واهمة‪ ،‬ال ت َ ُم ُّ‬
‫ت للحقيقة بِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ك ّل هذه الشحنة العاطفيّة َحدَثَت بسبب‬
‫فاألحكام قد غيَّرت حالتك النفسيّة في لحظة‪ ،‬وأخذتك معها في تيّارها الخبيث‪،‬‬
‫لتجردك من إنسانيّتك‪ ،‬وتُش ِعل فيك أحاسيس العنف‪ ،‬والعدوانيَّة‪ ،‬واالنغالق‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫من الممكن أن تقول اآلن‪ « :‬ولكن هذا الشخص فعال مجنون‪ ،‬وليس به حياء‪»،‬‬
‫ولكن ليس هذا المهم‪،‬‬
‫ي كيف تجرفك األحكام إلى حاالت متدنيَّة من الوعي‪ ،‬تُبعدك عن‬ ‫بل المهم أن ت َ ِع َ‬
‫حالتك األصيلة‪ .‬وليس هذا وحسب‪ ،‬وإنّما تُبرمجك األحكام على ُمك ِبّالت فكريّة أنت‬
‫في ِغنى عنها؛ ألنّك ال تحكم على الشخص فقط‪ ،‬وإنّما على التعبير الذي يمثّله‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬
‫الشخص‪ ،‬وهذا ّ‬
‫عندما ت َحكم على أحد‪ ،‬فأنت ال تحكم على الشخص فقط‪ ،‬وإنّما على التعبير الذي‬
‫يمثّله‪.‬‬
‫ففي هذه القصة مثال‪ ،‬فالحكم هو على التلقائيّة‪ ،‬واالندفاع‪ ،‬والرقص العفوي‪ ،‬وكلّها‬
‫تعابير فيك‪ .‬وسترى أنّك بعد أسبوع‪ ،‬عندما تتطلب منك اللحظة التلقائيّة والعفويّة‪،‬‬
‫مت‬‫فستنكمش على نَ ْفسِك‪ ،‬وتحاول إيقاف طاقة التعبير المتدفّقة؛ ألنّك في عمقك َح َك َ‬
‫الال واعي‪ ،‬ومن‬ ‫عليها بأنّها خاطئة‪ ،‬أو شريرة‪ .‬هذه العمليّة ت َحدُث ِب ُر َّمتِها في العقل َّ‬
‫دون معرفتك‪ ،‬ولك أن تتخيل ك ّمية األحكام التي نُطلقها في اليوم الواحد‪ ،‬وك ّمية‬
‫الكوابل الحديديّة التي ت َلفُّها على نفسك‪ ،‬بك ّل ُحكم يستشري فيها‪.‬‬
‫أن‬ ‫وعندما ت َنظر إلى ما خلف األحكام‪ ،‬سيتَّقد وعيك بشعل ٍة من الوضوح‪ ،‬لترى َّ‬
‫الحياة فيها إتاحة ضمنيَّة لك ّل تعابيرها‪ ،‬وهذه اإلتاحة‪ ،‬أو التقبّل األصيل‪ ،‬هي ُمصانة‬
‫من روح الحياة نَ ْفسِها‪ .‬وعندما ت َستشعر الحياة من فضاء التقبّل هذا‪ ،‬سترى ك ّل‬
‫االختالفات في الكون على ما هي‪ :‬تعابير مختلفة من روح الحياة الواحدة‪ ،‬جاءت‬
‫لتزيدها إشراقا وثراء‪.‬‬
‫وعمليّة تعدّي األحكام تنطبق أيضا على ما نس ّميه باألحكام اإليجابية؛ ألن جميع‬
‫الال محدودة‪،‬‬ ‫األحكام تعطيك منظورا غير متَّزن‪ ،‬وترمي بك من عالم االحتماليات َّ‬
‫ط؛‬ ‫إلى منظور محدّد باالزدواجيّة‪ ،‬وفي االزدواجيّة تُختزل الحياة إلى هذا أو ذاك فقَ ْ‬
‫س ِيّئ‪ ،‬خير أو شر‪ ،‬وهو منظور بدائي ال‬ ‫أبيض أو أسود‪ ،‬إيجابي أو سلبي‪ ،‬جيّد أو َ‬
‫يتناغم مع زمن الصحوة التي تمر بها اإلنسانيّة اآلن‪ .‬فكن صبورا‪ ،‬وانظر خلف‬
‫الال محدودة‪ ،‬وعندها‬ ‫ازدواجيّة األحكام‪ ،‬لينكشف لك عالَم الوحدة‪ ،‬واحتماليّاته َّ‬
‫أبيض أو أسودَ‪ ،‬وإنّما مساحة رماديّة‪ ،‬وال محدودة بينهما‪،‬‬ ‫َ‬ ‫سترى أن العالم ليس‬
‫وحينها لن تُجبَر على االختيار بين هذا «أو» ذاك‪ ،‬بل لك أن تختار هذا «و» ذاك‬
‫وما بينهما‪ ،‬فك ّل شيءٍ متاح لك في هذه اللحظة‪.‬‬
‫ع ْف ِويّة‪ ،‬وتكون بنفس الوقت راقيًّا وروحانيًّا‪،‬‬ ‫بجنون و َ‬‫ٍ‬ ‫فهنا قد تختار أن ترقص‬
‫فليس عليك أن تختار بين هذا‪ ،‬أو ذاك بسبب ال ُحكم‪ ،‬وهنا تُولَد الحرية الحقّة‪.‬‬
‫وهذا الحرية ال تعني الطيش‪ ،‬بل هي النضوج األسمى للمنظور‪ ،‬الذي ال َيسطع‬
‫َّإال من الرفعة على األحكام‪ ،‬وهذا النضج سيرتقي بك وباإلنسانيّة كك ّل‪ ،‬ليعلمك ّ‬
‫أن‬
‫ت‬‫أكبر «األشرار» الموجودين في الخارج ما ُهم َّإال تعابير ظاهريّة عن مستويا ٍ‬
‫فكريّ ٍة موجودة فيك اآلن‪ ،‬ورفضك لذلك هو رفضك لنَ ْفسِك‪ .‬وفي نفس الوقت أكبر‬
‫األخيار الذين داسوا‪ ،‬أو سيدوسون األرض‪ ،‬هم أيضا تعبير عن مستويات فكرية‬
‫موجودة في داخلك اآلن‪ .‬وعندها ستتعالى على ازدواجيّة الخير والشر‪ ،‬لترى أن‬
‫الال منتهية بين االثنين‪ ،‬وهي‬ ‫هناك األفكار المتناغمة وغير المتناغمة‪ ،‬والمساحة َّ‬
‫متاحة لك لتختار منها ما شئت اآلن‪.‬‬
‫ألن العنصر االبتكاري الذي يشك ّل األفكار‪،‬‬ ‫نعم‪ ،‬ك ّل أفكار الكون متاحة لك اآلن؛ ّ‬
‫وهو الفكر‪ ،‬متاح لك اآلن‪ ،‬طبعا بشرط ّأال ترفض ذلك باألحكام الهزيلة‪ ،‬فال ُحكم‬
‫رفض للعنصر االبتكاري الذي فيك‪ ،‬وفي هذا رفض لميراثك الكوني‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫هو‬
‫ي جه ٍد تنأى عن أحاديث النميمة‬ ‫سك ومن دون أ ّ‬ ‫وبهذا المستوى من الوعي سترى نَ ْف َ‬
‫أصبحت خلوقا‪ ،‬وأ ّما الناس فال‪ ،‬بل ببساطة؛‬ ‫َ‬ ‫ومحبِّيها‪ ،‬وكما قلنا‪ ،‬فذلك ليس ألنّك‬
‫ألنّك اختبرت بنفسك أثر األحكام المد ّمر‪.‬‬
‫بالتحرر من «الخوف» من أحكام الناس أيضا‪ ،‬فما الخوف‬ ‫ّ‬ ‫وبهذا ستبدأ تدريجيًّا‬
‫طه في الخارج‪.‬‬ ‫من أحكام الناس‪َّ ،‬إال الخوف ِمن ُحكم تحمله على نَ ْفسِك‪ ،‬وتُسقَ ْ‬
‫فمثال‪ ،‬عندما تَحْ كم على شخص بالكسل‪ ،‬فلن تسمح لنَ ْفسِك أن تسترخي‪ ،‬وتأخذ‬
‫الوقت للراحة؛ ألنّك َح َكمت على فعل االسترخاء بالكسل‪ ،‬وبهذا ستخاف أن يُحْ كم‬
‫عليك بالكسل‪ ،‬فيصبح هذا ال ُحكم كالسجن لك‪ ،‬وخصوصا عندما يكون «الكسل»‬
‫ي‬ ‫هو المطلب الطاقي األهم لتجديد الطاقة‪ .‬وليس هذا فحسب‪ ،‬فعندما تَحْ كم على أ ِّ‬
‫إنسان بهويّة واحدة‪ ،‬كالكسول‪ ،‬فهذا سجن لك أيضا؛ ألنّك تُق ِلّص اإلنسان حينها إلى‬ ‫ٍ‬
‫ع َمى عن حقيقتك الروحيّة الجامعة‪.‬‬ ‫ُحكم واحد‪ ،‬وهو رو ٌح ال محدودة‪ ،‬وفي هذا َ‬
‫وقد تقول في نَ ْفسِك اآلن‪ :‬ولكن ذلك اإلنسان حقًّا كسول! أو ذلك اإلنسان حقّا كاذب‪،‬‬
‫أو ذلك اإلنسان كذا وكذا‪.‬‬
‫على مستوى معيّن من الوعي‪ ،‬ذلك صحيح‪ ،‬ولكن على مستوى أرقى هو وهم؛‬
‫ألنّه بالحقيقة السلوك شيء‪ ،‬والشخص شيء آخر‪ ،‬فإن َكذَب اإلنسان فهذا سلوك‬
‫يُ َعبّر به عن الحاجة للتفخيم‪ ،‬والتضخيم لكسب الرضا‪ ،‬وعند فصلك السلوك عن‬
‫لتحوله من‬ ‫ّ‬ ‫سه قفص ال ُحكم الواحد‪،‬‬ ‫روح اإلنسان‪ ،‬ستراه كما هو‪ ،‬ومن دون أن تُل ِب َ‬
‫ص ِغّره‬‫صغ َِر السلوك الواحد‪ ،‬وبهذا تصغير لنَ ْفسِك! فما ت ُ َ‬ ‫قلب الروح الواحدة إلى ِ‬
‫ص ِغّره بنَ ْفسِك‪ ،‬ألنّك ّأول من َيخت َبر التصغير داخل أفكارك‪.‬‬ ‫بالناس ت ُ َ‬
‫أن ال ُحكم على السلوك هو نوع من الشيطنة الخارجيّة له‪ ،‬وهذا‬ ‫ف لذلك‪ّ ،‬‬ ‫أض ْ‬
‫ِ‬
‫سيعميك عن األماكن التي تسلك فيها أنت نفس السلوك في مكان آخر‪ ،‬بدال من‬
‫كشفها للنور‪ ،‬وتطهيرها‪.‬‬
‫تروضك‬ ‫ض أحكامك قبل أن ّ‬ ‫ورو ْ‬
‫ّ‬ ‫فكن حكيما في اختيار الطريق الذي تسلكه‪،‬‬
‫وتُضعفك‪ ،‬وتصبح كالفيل الذي يأتون به إلى السيرك وهو صغير‪ ،‬ويبرمجونه على‬
‫أنه غير قادر على كسر سلسلته الصغيرة‪ ،‬وهو في األصل قادر على هدم السيرك‬
‫ُرمج َعلى نفسه‪،‬‬ ‫كم ب ِ‬ ‫س ِلبَت قوته الحقيقية ِب ُح ٍ‬ ‫بقوته الحقيقية‪ .‬فقد ُ‬
‫إن وعى ّ‬ ‫كلّه‪ْ ،‬‬
‫قوتك الحقيقة‪ ،‬ووفرة االحتماالت الفكريّة‪.‬‬ ‫فاألحكام تسلبك ّ‬
‫تروض األحكام أكثر فأكثر‪ ،‬سأقترح عليك اقتراحا‪ ،‬هو المبدأ ذاته الذي‬ ‫ولكي ّ‬
‫محرك األحكام‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫سنستعمله خالل الكتاب لترويض نظام الخوف‪ ،‬وهو‬
‫في لحظة األحكام‪ ،‬ابتعد بإدراكك عن القصة التي تَحْ كم فيها‪ ،‬واجلس مكان المراقب‬
‫وإن كان هناك إغراء للذهاب في ذلك الطريق في تلك اللحظة‪ ،‬فتذ ّك ْر‬ ‫من داخلك‪ْ ،‬‬
‫أن تعدي إغراءات األحكام هي مطلب من مطالب اكتشاف الذات‪ .‬وقد تقول جملة‬
‫ُمعيّنة في نَ ْفسِك‪ ،‬كنية واضحة لتخطي الحكم لحظة تفعيله مثل‪ :‬أطلب تبديد طاقة‬
‫الحكم االن‪ ،‬من كل مكان‪ ،‬وزمان‪ ،‬وبُعد‪ ،‬وواقع‪.‬‬
‫وإن أردت أن تأخذ التدريب على محمل الجد‪ ،‬فلك أن تلتفت إلحساسك لحظة‬
‫إحساس ال ُحكم فيه شي ٌء من التشويش‬ ‫َ‬ ‫الحكم‪ ،‬وإن كنت صادقا مع نَ ْفسِك‪ ،‬فستجد‬
‫والثقل‪ ،‬حتى لو بدا في ظاهره مريحن‪ ،‬وفيه شي ٌء من التفريغ‪.‬‬
‫عندما تنقل إدراكك من األفكار إلى نوعيّة اإلحساس‪ ،‬سيرتفع ذكاؤك الجسدي‪،‬‬
‫وسيسجل جسمك هذا اإلحساس بغير المفيد‪ ،‬كما في حال األحكام‪ ،‬ليبدأ تدريجيًّا‬ ‫ِّ‬
‫أفكار األحكام على حقيقتها‪ ،‬بدل أن‬ ‫َ‬ ‫بمساعدتك على االرتقاء منه‪ ،‬وهكذا ت َفضح‬
‫تسمح لها بأن تغ ِلّف ذاتها بالشرعيّة الزائفة لل ُحكم‪ .‬فاإلحساس هو بوصلتك األمينة‬
‫سرنا‬
‫لنوعيّة األفكار‪ ،‬حتى لو بدت في ظاهرها بالصحيحة‪ ،‬أو حتى النبيلة‪ ،‬وهذا ّ‬
‫الصغير‪.‬‬
‫اإلحساس هو بوصلتك األمينة لنوعيّة األفكار وطاقتها‪.‬‬
‫وإن أردت دليال أقوى على ذلك‪ ،‬فإن كنت في جلسة وبدأ فيها األشخاص بإطالق‬
‫األحكام والنميمة‪ ،‬فسوف أطلب منك أن تراقب ما يحصل لطاقة المكان‪ ،‬وإن تمعّنت‬
‫جيّدا‪ ،‬فسترى الطاقة تهبط إلى األسفل واألسفل واألسفل‪.‬‬
‫طهره وعنفوانه‪ ،‬وتكون‬ ‫فابدأ رحلة التطهير من األحكام اآلن ليظهر العالم لك ب ُ‬
‫العنصر المغيّر في البشريّة من مستوى األحكام الخائفة‪ ،‬إلى وحدة التقبّل األصيل‪،‬‬
‫فتحرر العالم كلّه من األحكام‪ ،‬بتخطيك ألحكامك في عالمك‪ ،‬وهذه رحلة وتدريب‬ ‫ّ‬
‫ظة‪ ، ،‬فال تُحوله إلى سعي المثالية‪.‬‬ ‫مستمر من ال َيقَ َ‬
‫ي على كل‬ ‫ي؛ ألنّها تخلق نوعا من االهتزاز الطاق ّ‬ ‫مرض كونِ ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫أن األحكام هي‬ ‫تذ َّك ْر ّ‬
‫المستويات الكونيّة‪ ،‬المرئي‪ ،‬وغير المرئي منها‪« ،‬نعم األحكام بهذه الخطورة»‪.‬‬
‫َحرر من قيد األحكام على نَ ْفسِك‪ ،‬والناس‪ ،‬والحياة‪،‬‬ ‫فخذ قرارا صارما اآلن لتَت ّ‬
‫ي قانون عن كيفيّة سير األمور‪ ،‬أو طريقة التعليم‬ ‫والكون‪ ،‬وهي واحدة‪ ،‬وال تتبع أ ّ‬
‫ارم بك ّل‬
‫أن يحصل االرتباط‪ ،‬أو‪ ،‬أو‪ ،‬أو…‪ِ ،‬‬ ‫عمر «ينبغي» ْ‬ ‫الصحيحة‪ ،‬أو في أي ُ‬
‫صة‪ ،‬القوانين المستقلّة التي تنبثق من‬ ‫هذه القوانين وراء ظهرك‪ ،‬واخلق قوانينك الخا ّ‬
‫قلبك‪ ،‬وروحك األصيلة‪ ،‬وليس قوانين األحكام‪.‬‬
‫أتمنى أنه بهذا التوضيح التفصيلي قد تبدأ عملية االرتقاء عن األحكام‪ ،‬ولكن قد‬
‫التطرف والتقييد‪ ،‬فلماذا يبقى‬ ‫ّ‬ ‫يتبادر السؤال لك اآلن‪« :‬إن كانت األحكام بهذا‬
‫ومستمرا استمرار الحياة؟»‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫تخطيها تحدّيا كبيرا‪،‬‬ ‫ّ‬
‫لتعرف اإلجابة العميقة ال السطحيّة لهذا السؤال ‪ ،‬عليك أن تتأ ّمل بالكلّمات التالية‪:‬‬
‫األحكام على اختالف أشكالها‪ ،‬وألوانها هي مخ ِفّف عن أَلَم فكرة «أنا رافض لذاتي»‪.‬‬
‫واحترام ّأال تقفز عن هذا الجملة‪ ،‬وتأ ّمل بها مرة أخرى‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ب‪،‬‬
‫سأطلب منك ب ُح ّ ٍ‬
‫األحكام على اختالف أشكالها‪ ،‬وألوانها هي م َخ ِفّف ِألَلَم فكرة فحواها‪« :‬أنا رافض‬
‫لذاتي»‪.‬‬
‫وهنا يكمن التح ِدّي العاطفي‪ ،‬فعند تفعُّل الرفض الذاتي‪ ،‬تبرز في ذهنك إبرة األحكام‬
‫سريعا كالح ّل المؤقت‪ ،‬والجرعة المخفّفة لأللم‪ ،‬وإن كان في هذه الجرعة تخفيف‬
‫أللم «رفض الذات»‪ ،‬لكنه يُدفع فيها الثمن باهظا‪ ،‬وهو اإلدمان؛ اإلدمان على‬
‫األحكام‪.‬‬
‫غ ِرزت إبرة األحكام في جسد اإلنسانيّة مرارا وتكرارا‪ ،‬حتى أخذ إدمانها شكال‬ ‫قد ُ‬
‫ب محلول األحكام في وريدك كل‬ ‫ض ْر ِ‬ ‫من العبوديّة والطغيان‪ ،‬ولكن األجدى من َ‬
‫ُّ‬
‫الحق في‬ ‫مرة‪ ،‬هو التيقّظ ِل َو ْه ِم رفض الذات‪ .‬نعم‪ ،‬هو َو ْهم؛ ّ‬
‫ألن مصدر التقبّل‬
‫ألن روح الحياة الواحدة خالدة‪ ،‬فروح الحياة ال ت َخلق‬ ‫داخلك‪ ،‬وهو خالد الوجود؛ ّ‬
‫ي مخلوق دون التقبّل الضمني له‪.‬‬ ‫أ َّ‬
‫نوجد‬
‫وقد يخطر لك اآلن‪« :‬إن كان التقبّل ُمعطى ضمنيًّا لجميع المخلوقات‪ ،‬فكيف ِ‬
‫ي سلوك؟» ولنجيب على السؤال‪ ،‬دعنا نتذ ّكر أن التقبّل شيء‪ ،‬ونتائج‬ ‫الرادع أل ّ‬
‫ق‪ ،‬و َيعتبر ك ّل فكرة وسلوك‬ ‫ي فائ ٍ‬ ‫تنظيم طاقِ ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫السلوك شيء آخر‪ ،‬فالكون يعمل في‬
‫فيه «ك ُمدخل» ولها ُمخرجاتها الطاقيّة‪ .‬فمن كان بعيدا ب ِفكره وسلوكه عن التناغم‪،‬‬
‫سيحصد النتائج الطاقية لهذا ال َم ْنحى‪ ،‬والذي يبدأ مباشرة بإحساس األلم كنوع من‬
‫سيحس ببركة العيش‪ ،‬وستعكس نتائجه‬ ‫ُّ‬ ‫التغذية الراجعة‪ ،‬ومن اقترب من التناغم‬
‫العملية هذا التدفق‪ ،‬ويبقى التقبّل خارج حسابات النتائج‪ ،‬فالخَلق ال يَحدُث من دون‬
‫ألن طاقة الخلق هي طاقة ال ُحب‪ ،‬وفيها طاقة التقبّل حاضرة‪.‬‬ ‫التقبّل التام؛ ّ‬
‫مثال إن قام شخص ما بالسرقة‪ ،‬وهذا يطبق طبعا على شراء األقراص‪ ،‬والكتب‬
‫ضاال بالنتائج السلبية لقانون التبادل‪ ،‬وبعدها سيَحصد‬ ‫ًّ‬ ‫المنسوخة‪ ،‬فهو سيوقع نفسه‬
‫نتائج هذه السرقة بطرق أخرى قد ال يعي عليها‪ ،‬مثال في حالة القرص‪ ،‬أو الكتاب‬
‫المنسوخ‪ ،‬سيعوض ثمن التبادل الذي لم يتم دفعه بانخفاض ابتكاره وطاقته الجنسية‬
‫مثال‪ ،‬كتبادل عن الطاقة التي استخدمت في خلق القيمة المسروقة‪ ،‬وهنا أيضا يبقى‬
‫التقبل خارج الحساب (أتمنى أنك ال تقرأ هذا الكتاب من نسخة غير أصلية‪ ،‬وإن‬
‫ت بالنسخة األصلية؛ ألن قمة‬ ‫كان الحال كذلك اتركه اآلن‪ ،‬واطلب الغفران‪ ،‬وأ ِ‬
‫التناقض في النفس أن تقرأ كتابا اسمه كن أنت‪ ،‬وهو منسوخ!)‪.‬‬
‫من الصعب على العقل المشبع باألحكام أن يعترف بهذه الحقيقة؛ ألنه بنى أحقيّته‬
‫كإنسان على األحكام من اآلخرين‪ ،‬سواء األشخاص أو الدول‪ ،‬وعندما يُكشف له‬
‫أن التقبّل واحد بين السارق والبار؛ ألنهما في مستوى واحد من عيون الحب الكونية‪،‬‬
‫مرة أخرى هذا ال يغير من‬ ‫فهذا يحرق أفضليّة الحكم إلى الوحدة‪ .‬ولكن كما قلنا ّ‬
‫النتائج الطاقيّة لألفكار‪ ،‬واألفعال‪.‬‬
‫بعد هذا االستيضاح‪ ،‬قد تكون أدركت اآلن أن ال ُحكم هو من عصارة رفض الذات‪،‬‬
‫يحررك تقبّل الذات من الحاجة لألحكام‪ ،‬ولكن‬ ‫عصارة نظام الخوف‪ ،‬ولذلك ضمنيًّا ّ‬
‫ما قد ال يكون واضحا‪ ،‬المعنى الحقيقي لتقبّل الذات‪.‬‬
‫تحولت لشيء‬ ‫كثيرا ما نسمع جملة‪« :‬تقبّل ذاتك»‪ ،‬فالجملة أصبحت دارجة حتى ّ‬
‫تع ما هي الذات ّأوال؟!‬ ‫من «الكليشيه»‪ ،‬ولكن كيف لك أن تتقبّل ذاتك‪ ،‬إن لم ِ‬
‫هل الذات هي اسمك‪ ،‬جنسيّتك‪ ،‬عقيدتك‪ ،‬مكان والدتك‪ ،‬عائلتك‪ ،‬إنجازاتك‪،‬‬
‫ماضيك‪ ،‬مستقبلك؟ اإلجابة هي ال ال ال‪ ،‬فك ّل هذه تعابير سطحيّة‪ ،‬تولد في الزمان‪،‬‬
‫ضة للموت‪ ،‬أو االندثار‪ ،‬وإذا‬ ‫عر َ‬‫وتموت بالزمان‪ ،‬واألصيل فيك ال يمكن أن يكون ُ‬
‫ألن السالم الصادق ال ي ُْم ِكن ْ‬
‫أن‬ ‫كان كذلك‪ ،‬فلنقرأ السالم على مفهوم السالم؛ ّ‬
‫عرضة لتهديدات التغيّر واالندثار‪.‬‬ ‫إن كان ُ‬ ‫يُستشعر‪ْ ،‬‬
‫يبقى إذا السؤال‪ :‬إن لم تكن الذات أيًّا من هذه التعابير الفرعيّة‪ ،‬فما هي؟‬
‫هذا هو السؤال التقليدي الذي بُنِ َيت عليه التعاليم الروحيّة ال َحقّة‪ ،‬فمن أراد اكتشاف‬
‫الذات بمختلف أبعادها وجاللها‪ ،‬ال يمكنه الهروب من هذا السؤال‪ ،‬بل إن هذا السؤال‬
‫ظة والنوم‪ ،‬وستغدو حياته كرحلة اكتشافية في‬ ‫سيتحول إلى تأ ّمله اليومي في اليَقَ َ‬
‫حقيقة الذات‪ ،‬وكيف ال؟ والشخص هذا قد نضج ليرى األهم في الحياة‪ .‬فمعرفة‬
‫الذات هي األهم‪ ،‬وبهذه المعرفة يصبح ت َقبّل الذات ليس بالمه ّمة التي تُجبَر على‬
‫فعلها‪ ،‬بل النتيجة التلقائيّة لهذه المعرفة‪ ،‬كالعطر الذي يفوح من زهرة اكتشاف‬
‫الذات‪.‬‬
‫وقراءتك لهذا الكتاب هي ريحان البداية في رحلة اكتشاف الذات‪ ،‬والخوض في‬
‫سؤال «من هي ذاتي؟ من أنا؟» هو الرحلة ذاتها‪.‬‬
‫بالتع ّمق في هذه الرحلة الصادقة‪ ،‬سيفضح أمامك ُزور الذات الكاذبة‪ ،‬وتخاريفها‬
‫الوهميّة‪ ،‬وفي هذه المواجهة سيتَّقد «السؤال الحارق»‪َ :‬م ْن أنا ِم ْن دون ك ّل الهويّات‬
‫التي أسميتها أنا؟ وقد يجيب خوفك الجاهل قائال‪« :‬من دونها أنا ال شيء‪ ،‬من دونها‬
‫أنا ميّت»‪.‬‬
‫ولكن كيف لك أن ت َعرف من أنت دون هذه الهويّات الفرعيّة‪ ،‬فالخوف الذي أَلصق‬
‫سمحت‬
‫َ‬ ‫الحكمة ليرى ما خلفها! ْ‬
‫فإن‬ ‫هويّته بتعابير سطحيّة مهزوزة‪ ،‬ليس لديه ِ‬
‫ضح ما في داخلك‪،‬‬ ‫س َين َ‬
‫أن تتجرد من غبار الهويّات السطحيّة وأحكامها‪َ ،‬‬ ‫لنَ ْفسِك ْ‬
‫بوابة الكتشاف الذات‪ .‬فما‬ ‫بوابة للهروب‪ ،‬إلى ّ‬ ‫ليتحول ‪»:‬الموت» في نفسك من ّ‬
‫كنت تعتقد واهما أنّه أنت‪ .‬وفي هذه المواجهة االختيارية‬ ‫الموت ّإال رمز لمواجهة ما َ‬
‫قررت‬ ‫القوة ذاتها‪ ،‬فأنت من يسلب ذاتك من زيفها‪ ،‬وأنت من ّ‬ ‫القوة‪ ،‬بل ّ‬ ‫شيء من ّ‬
‫أن تركض فرحا للموت‪ ،‬وبهذا الموت والدة لما هو أصيل فيك‪.‬‬
‫وال نعني هنا لَ ْعنَ ه ِويّاتك الفرعيّة وتمزيقها‪ ،‬ولكن رؤيتها على ما هي‪ ،‬كتعابير‬
‫فرعيّة‪ ،‬وليس ما هو أصيل فيك‪ ،‬فاألصيل فيك ثابت في وجه الزمان‪ ،‬وكيف ال‪،‬‬
‫وهو الخالد الذي ُو ِلدَ الزمان من َر ِح ِم ِه‪.‬‬
‫تهتز أركانها لصرخات الهويّات‬ ‫واألصيل فيك‪ ،‬فيه تقبّل باطني‪ ،‬وروعة خياليّة‪ ،‬ال ُّ‬
‫س الذات من داخله وهي فضاء من الوعي‬ ‫الفرعيّة‪ ،‬وأالعيبها المعروفة‪ ،‬فَ َمن لَ َم َ‬
‫عينُه خوفا من خسارة الهويّات الفرعيّة‪ ،‬فهو رأى األثمن‬ ‫الخالص المتألق‪ ،‬ال ت َأ ْ َر ُق َ‬
‫الحرة‬
‫ّ‬ ‫واألجود منها‪ ،‬بل األثمن في ك ّل الحياة‪ ،‬وهو أنت األصيلة‪ ،‬وتعابيرها‬
‫المتجدّدة‪ .‬لذلك بقي‪ ،‬وسيبقى التأ ّمل في سؤال‪َ « :‬م ْن أنا؟» أو « َم ْن ليس أنا؟» واحدا‬
‫من أقوى التأ ّمالت على اإلطالق‪ ،‬ففيه مواجهة مباشرة مع الذات‪ ،‬إن ت َ َ‬
‫شبَّ َع هذا‬
‫التأ ّمل بالرغبة الصادقة طبعا‪ .‬شخصيًّا‪ ،‬تأ ّملتُ مئات‪ ،‬ومئات الساعات في هذا‬
‫السؤال في آخر سنين‪ ،‬ليس بغرض اإلتيان بإجابة نموذجيّة‪ ،‬ولكن بغرض التخلّي‬
‫ف ما هو أصيل وحقيقي‪.‬‬ ‫ع ّما هو زائف‪ ،‬و َك ْش ِ‬
‫ولك أن تبدأ في ممارسة هذا التأ ّمل خالل يومك‪ ،‬بأخذ بضع دقائق بين الحين‬
‫واآلخر للذهاب إلى مساحتك القلبيّة‪ ،‬والتنفس هناك‪ ،‬ومن ثم سؤال نَ ْفسِك‪َ :‬م ْن أنا؟‬
‫أن‬ ‫أو حتى قد تعيش حالة تأ ُّملية مع هذا السؤال‪ ،‬وأنت تمشي في الطريق‪ .‬تذ ّكر ّ‬
‫ي‬‫ي نق ٌّ‬‫الهدف من هذا السؤال ليس اكتشاف إجابة محدّدة‪ ،‬فالذات الحقّة هي وع ٌ‬
‫خالص يتعدّى اإلجابات كلّها‪ ،‬وحتّى اللغة‪ ،‬ولكن الهدف من استعمال هذا السؤال‬
‫هو أن يوقظك ويرجعك إلى جوهر الذات‪.‬‬
‫عندما يبدأ جوهر الذات بالبزوغ أمامك‪ ،‬كوعي خالص‪ ،‬فسترى أنّك أكبر من‬
‫الجسد الفيزيائي‪ ،‬بل سترى جسدك في ك ّل تعابير الحياة‪ ،‬فالعالَم أجمع يُصبِح‬
‫ي من تعابير الحياة‬ ‫أن رفضك أل ٍّ‬ ‫جسدك‪ .‬وعلى هذا المستوى من اليقين‪ ،‬سترى ّ‬
‫بال ُحكم‪ ،‬هو رفض لجسدك‪ ،‬رفض لذاتك‪ ،‬رفض للحياة كاملة‪ ،‬وهي واحد‪ ،‬وهذا‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ي تعابير الحياة باألحكام‪ ،‬هو رفض للحياة كاملة‪.‬‬ ‫رفضك أل ّ‬
‫وأعط لنَ ْفسِك المجال للنظر ما وراء أفكار ال ُحكم الرافضة‪ ،‬وبهذه الفُسحة‬ ‫ِ‬ ‫فكن ذكيًّا‪،‬‬
‫ْت في العُمق‪ ،‬لترى الوحدة مع الحياة‪ .‬فك ّل ما ترفضه بالخارج‬ ‫ستلتقي مع ما َرفَض َّ‬
‫رفض للذات‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬أو ما يُخيَّل لك أنّه بالخارج‪ -‬هو‬
‫وفي هذا الرفض تجلُّط للطاقة‪ ،‬وانسداد لتيار الحياة‪ ،‬وهذا هو المعاكس للتعبير‬
‫الكامل عن الذات‪.‬‬
‫المرة األولى التي وصلتني فيها هذه المعرفة بالعمق‪ ،‬كنتُ على حافّة‬ ‫ّ‬ ‫وأذكر‬
‫آخر ينتظر‪ .‬عندها‬ ‫الطريق أنتظر إشارة المارة لتأذن بالسير‪ ،‬ومقابلي كان َرج ٌل ُ‬
‫بدأ ذهني بال ُحكم عليه‪ ،‬وعلى طريقة ملبسه بأنّها ليست «رجوليّة»‪ ،‬وفي ِخ َ‬
‫ض ِ ّم هذه‬
‫ظة فجأة لنفسي‪ ،‬ألرى الحياة َك َمدارات طاقيّة ال منتهية‪ ،‬تعمل‬ ‫األحكام عادت ال َيقَ َ‬
‫ي عنصر‬ ‫كشبكة واحدة من األوردة التي تسري في جسد الوجود‪ ،‬وال ُحكم على أ ِّ‬
‫من عناصر الحياة‪ ،‬هو انسداد للطاقة االمتدفّقة في ذلك الجسد‪ .‬عندها تبخر الحكم‬
‫لتتحرر الطاقة‪ ،‬وتسري من‬ ‫ّ‬ ‫من ذهني‪ ،‬والتقيتُ بما ُكنتُ أحْ كم عليه في داخلي‪،‬‬
‫جديد‪ ،‬عندها ُو ِلدَ مفهو ٌم جديدٌ للرجولة في بدني تعدّى قفص الرجولة المبرمج‪.‬‬
‫ت به ِب ُحكم على نَ ْفسِك أو اآلخَر ‪ -‬أو باألحرى وهم اآلخر‪ -‬هو قَ ْيدٌ‬ ‫فك ّل مكان زَ َججْ َ‬
‫بوابة ال ُحكم‪ ،‬فتيقن وال تكن كالعامة في األحكام‪.‬‬ ‫لك‪ ،‬وساتر ألسرار تُخ ِبّئُها وراء ّ‬
‫بوابة ال ُحكم؛ ألنّه حينها‬ ‫ف ّ‬ ‫فالشخص العادي‪ ،‬فيُفضّل العمى على أن يرى خ َْل َ‬
‫ُواجه أَلَ َم الفكرة المغلوطة التي مفادها‪« :‬أنا رافض لذاتي»‪ .‬ولكن كيف لك ْ‬
‫أن‬ ‫سي ِ‬
‫إن ل ْم تُن ِبت فيك الشجاعة‬ ‫تستقبل أسرار الحياة‪ ،‬وتُعيدَ تدفقها إلى أعضائك كافّة‪ْ ،‬‬
‫مغلوط من األفكار‪ ،‬وترى ما هو أصيل منها؟‬ ‫ٌ‬ ‫لتواجه أَلَ َم ما هو‬
‫َنق لتدفّق هذه‬ ‫أن الحياة طاقة متدفّقة في كافّة االتجاهات‪ ،‬وال ُحكم هو خ ٌ‬ ‫فتخيّل ّ‬
‫َحملُه يخبّئ خ َْلفَهُ فرصة جديدة لتحرير طاقة‬ ‫الطاقة‪ ،‬وبهذا‪ ،‬فإن ك ّل ُحكم صغير ت ِ‬
‫تعبير ُمتعثّر في وعيك‪ .‬وفي هذا التحرير‪ ،‬سترى روحا جديدة تدُبُّ فيك‪ ،‬وفيها‬
‫َص األحكام‪،‬‬ ‫غي ُْر معهودة‪ ،‬وإلهامات خفيّة‪ ،‬فكلّها تنتظرك أن تتخلَّى عن رخ ِ‬ ‫أفكار َ‬
‫ٌ‬
‫البوابة ِلما كان‪ ،‬وسيبقى أثمن‪.‬‬ ‫وتفتح ّ‬
‫وال نقصد هنا أن تحارب أحكامك أو تنكرها‪ ،‬أو حتى تحاول الت َح ّكم بها‪ ،‬فهذه‬
‫ألن نظام الخوف سيستمر بإطالقها‪ ،‬ولكن ما ننادي به هنا هو‬ ‫مه ّمة ِشبه مستحيلة؛ ّ‬
‫التدريب المستمر للتيقظ لها‪ ،‬وليس إيقافها‪ .‬التيقظ لمصدر األحكام‪ ،‬وهو نظام‬
‫ب والتقبّل‪،‬‬ ‫الخوف الرافض لذاته‪ ،‬لتح ّ ِول أحكامك حينها لفرصة لتمكين الذات بال ُح ّ ِ‬
‫وبالقول ِل َما تَحْ ُكم عليه‪ :‬أنا أ ُحبّك وأقبلك كما أنت اآلن‪ ،‬وحتى أقبل الجزء الرافض‬
‫لك‪ ،‬لتحيد بهذا التقبل المزدوج مقاومة نظام الخوف‪.‬‬
‫ظة من األحكام ستمشي في طريق الحرية‪ ،‬وهنا يتجلّى لك بوضوح مدى‬ ‫وبهذه ال َيقَ َ‬
‫صدق رغبتك في التعبير الصادق عن نفسك‪ ،‬من زيفها‪.‬‬
‫سلك هذا الطريق؟‬ ‫فهل أنت جادٌّ في َ‬
‫قبل أن تجيب بنعم أو ال‪َ ،‬و َجبَت معرفتك لمطلب هذا الطريق‪ ،‬فهل أنت جاهز‬
‫لمعرفته؟‬
‫متأكد…‬
‫أن ترى السارق واإلرهابي هما أنت‪ ،‬نعم أنت! وأيضا القدّيس‪ ،‬وأنبل النبالء‬ ‫يعني ْ‬
‫هما أنت‪ ،‬فال تستطيع أن تختار واحدا‪ ،‬وترفض اآلخر‪.‬‬
‫أن السارق ما هو َّإال تعبير‬ ‫وإن أردنا أن نوضح الصورة بطريقة أخرى‪ ،‬تذ ّكر ّ‬
‫عن وعي القلّة فيك‪ ،‬واإلرهابي هو تعبير عن وعي الخوف فيك‪ ،‬وفي أشدّ صوره‪.‬‬
‫والحكمة‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬ ‫والقدّيس والنبيل‪ ،‬ما هما َّإال تعابير عن وعي الشموليّة وال ُحب‬
‫الوعي موجودٌ فيك اآلن أيضا‪ ،‬أو كما قالها في ق ّمة الروعة الشاعر الروحي جبران‬
‫س ِم ْعت ُ ُكم تتحدثون ع َّمن يرتكب ُجرما وكأنّه ليس واحدا منكم‪،‬‬ ‫خليل ُجبران‪« :‬طالما َ‬
‫غريب عنكم ودخي ٌل ُم ْق َح ْم على دنياكم‪ ،‬ولكنّني أقول إنّه كما يعجز الصالحون‬ ‫ٌ‬ ‫بل هو‬
‫س ُم ّو ع ّما هو األسمى في ك ّل واحد منكم‪ ،‬وكذلك األشرار‪ ،‬وضعاف‬ ‫واألبرار عن ال ُّ‬
‫النفس ال يمكنهم أن ينحدروا أدنى م ّما هو األدنى فيكم»‪.‬‬
‫فكيف لك أن ترفض تعبيرا من تعابير الحياة‪ ،‬دون رفضها كاملة؟ هذا هو الرفض‬
‫أن ت َ ْقبَل العنصريّة‬
‫للذات‪ ،‬والقتل للتعبير‪ ،‬وهذا طريق الفقر بعينه‪ ،‬وال نعني هنا ْ‬
‫َنظر إليهم كما هم‪ :‬أفكار‬ ‫والسرقة واإلرهاب وكأنّها شي ٌء جميل‪ ،‬ولكن ندعو أن ت َ‬
‫بداخلك‪ ،‬وإن أردت تغييرها‪ ،‬فال تغيّرها بالخارج‪ ،‬بل غيّرها من داخلك‪ ،‬عن طريق‬
‫احتضانها إلى المكان الذي انحازت عنه‪ ،‬وهو ُحضن الحياة الحنون داخل قلبك‪،‬‬
‫فاحتضنها إلى قلبك‪.‬‬
‫ألن هذا ما يبحث عنه‪.‬‬ ‫ْط ِه ال ُحبَّ اآلن؛ ّ‬
‫نعم افتح قلبك للجزء الذي تَحْ كم عليه‪ ،‬وأع ِ‬
‫عندما تَحْ ُكم‪ ،‬انقل هذا الجزء المرفوض من داخلك إلى قلبك‪ ،‬وغ ِذّ ِه بال ُحب ليذوب‬
‫في سلطان القلب‪ ،‬ووحدته الكاملة‪ .‬وعندها ستتّسع دائرة التعاطف عندك‪ ،‬ليتّسع‬
‫أن ك ّل سلوك في الكون يأتي‬ ‫معها الفَهم العميق لمحركات السلوك البشريّة‪ ،‬وترى ّ‬
‫في أعماقه من محرك إيجابي‪ْ ،‬‬
‫وإن لم يَ ْبدُ كذلك في ظاهره‪.‬‬
‫تعبير عن ال ُحب أو البحث عنه‪« ،‬فالعنصري» وإن وصل‬ ‫ٌ‬ ‫فتذ ّكر ّ‬
‫أن ك ّل سلوك إ ّما‬
‫ولكن منظومته الفكريّة المشتَّتة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫إلى مرحلة اإلرهاب‪ ،‬فهو ليس ّإال باحثا عن ال ُحب‪،‬‬
‫إن لم تكن الذوبان في‬ ‫ص عليه بسذاجة أنّه بهذا العمل سيكسب الجنّة‪ .‬وما الجنّة‪ْ ،‬‬ ‫تَقُ ُّ‬
‫أحضان ال ُحب الواحد…‬
‫ضرب من االنصياع‪ ،‬أو يُخيَّل لك ّ‬
‫أن التقبّل‬ ‫ٌ‬ ‫وأرجوك ّأال تنظر إلى ما قيل على أنه‬
‫هو رديف الضعف والهوان‪ ،‬فالكتاب وإن سعى‪ ،‬يسعى إليقاظ شجاعتك الرهيبة‪،‬‬
‫القوة والتغيير على حقيقتهما‪ .‬فالتقبّل للذات ليس فيه االنصياع‪ ،‬أو‬ ‫َرج َم مفهوم ّ‬ ‫لتُت ِ‬
‫بأن التغيير يبدأ من الداخل‪ ،‬وبهذا الفهم‬ ‫اإليجابية العمياء‪ ،‬ولكن فيه الفهم المتج ِذّر ّ‬
‫قوة تغيير في العالم‪.‬‬ ‫بقوتك الكاملة‪ ،‬لتكون ّ‬ ‫ستزأر ّ‬
‫ولكن‪ ،‬كيف لك أن ت َف َعل ذلك وأنت قاب ٌع في جهل رفض الذات‪ ،‬وإسقاط األحكام‬
‫على الخارج؟ فما نرفضه ال نفهمه‪ ،‬وال نُدرك مكنوناته‪ ،‬وال نكشفه إلى عين النور‪،‬‬
‫سرنا‬‫يتحرك تلقائيًّا إلى األفضل‪ ،‬وهذا ّ‬
‫ّ‬ ‫فال يجري تفريغه من شحنته العاطفيّة‪ ،‬وال‬
‫الصغير‪.‬‬
‫ما نَحْ ُكم عليه ال نفهمه‪ ،‬وال نستطيع تغييره‪.‬‬
‫كنت ال تزال تش ّكك بتأثير التقبّل على التغيير‪ ،‬فتذ ّكر ما فعله غاندي‪ ،‬القائد‬ ‫َ‬ ‫وإن‬
‫عام من االنتداب البريطاني‪ ،‬ومن دون‬ ‫حررها من قرابة ‪ٍ ٢٠٠‬‬ ‫الروحي للهند الذي ّ‬
‫استعمال طلقة واحدة‪ ،‬ولماذا يلجأ للعنف؟ وهو لديه أقوى سالح في الكون‪ :‬سالح‬
‫الحب وتقبّل الذات‪.‬‬
‫محررا إيّاهم‬
‫ّ‬ ‫وبذلك قاد غاندي شعبه من وعي الضحيّة المنغرس إلى االستقاللية‪،‬‬
‫طونه‬ ‫من ُحكم «المظلوم» الذي ابتلعوه من جهة‪ ،‬و ُحكم «الظالم» الذي كانوا يسقَ ْ‬
‫على االنتداب البريطاني من جهة أخرى‪ ،‬ليترقَّى وعيهم ما بعد دائرة الظالم‬
‫والمظلوم‪ .‬وهكذا انجلت هذه األوهام من الوعي‪ ،‬ليسطع التقبّل األصيل بشك ّل الحياد‬
‫ت االستراتيجية المناسبة للتعامل مع الموقف‪ ،‬ليس من‬ ‫الطاقي‪ ،‬ومن هنا ُو ِلدَ ْ‬
‫القوة العظمى‪.‬‬
‫ألن تقبّل الذات هو ّ‬ ‫قوة كاملة؛ ّ‬ ‫ضعف‪ ،‬بل من ّ‬
‫فوحده الشجاع َم ْن يطيح باألحكام التقليديّة‪ ،‬ليرى فضاء الشموليّة خلفها‪ ،‬ويعي ّ‬
‫أن‬
‫ي على ك ّل أشكالها‪ ،‬وإن كان هذا يعني االحتالل والحروب!‬ ‫الحياة فيها تقبّ ٌل ضمن ٌّ‬
‫فإن ُوجد الشيء فهو مقبول أصال‪ ،‬ورفضك لذلك هو رفض لرغبة الحياة نفسها‪،‬‬
‫بأن الحياة تعمل للخير دائما وأبدا (نتكلم هنا عن الخير الذي‬ ‫وجهل بالحقيقة الكاملة‪ّ ،‬‬
‫يتعدى ازدواجية الخير والشر)‪ .‬فحتّى الحرب قد تكشف للذهن اإلنساني الصراعات‬
‫علّهم بهذا الكشف يسلكون منحى آخر‪ ،‬ويختارون خيارات أفضل‪.‬‬ ‫طن فيه‪َ ،‬‬ ‫التي تقَ ْ‬
‫فكن الشجاع الذي إذا ارتفعت صرخة الرفض أمامه‪ ،‬اختار أن َيصمت‪ ،‬ويسمع‬
‫طن رو ٌح‬ ‫َلف الحضارات‪ ،‬واألديان‪ ،‬واللغات‪ ،‬تقَ ْ‬ ‫ما وراءها‪ ،‬وعندها سترى أنّه خ َ‬
‫عاة‬‫واحدة ٌ تُعبّر عن نفسها بأشكال فريدة‪ ،‬لترى وبهذه االختالفات روعة‪ ،‬ال َمد َ‬
‫للرعب والتقسيم‪ .‬فهكذا يرى قلبك الحياة كما هي‪ :‬روح واحدة تُعبّر عن نفسها‬
‫بصور فريدة‪.‬‬
‫ش ّل أشكال القيود كافّة من ذهنك‪،‬‬‫وفي هذه المعرفة ستذوب األخطاء الفكريّة‪ ،‬وت ُ َ‬
‫ليتّقد منك لهيب القدرة الفتاكة على التغيير‪ ،‬فالتغيير يبدأ من داخلك اآلن‪.‬‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫* األحكام كبت التعبير الخالص عن ذاتك‪.‬‬
‫* االطريقة األمثل للتخلص من األحكام هي الفهم الشمولي لضررها في نفسك‪.‬‬
‫* خلف ك ّل حكم يتجلّى أل ُم رفض الذات‪.‬‬
‫في داخلك يسكن ك ّل مستويات الوعي وأفكارها‪ ،‬إن لم تقيّد نفسك باألحكام‪.‬‬
‫أسئلة للتفكر‪:‬‬
‫ماذا سيحدث إن تخلّيت عن أكثر ما أحكم عليه اآلن؟‬
‫ما القصة التي أرويها داخل نفسي ألبقي على هذا الحكم؟‬
‫كيف يكون العالم إن خال من األحكام؟‬
‫كيف ستكون العالقات اإلنسانية إن خلت من األحكام؟‬
‫التغييرُيبدأُمنُالداخل‬
‫َصفُه‬‫السبب الرئيسي لكل التعقيدات الذهنيَّة هو الفهم المغلوط لعملية التغيير‪ ،‬فَن ِ‬
‫بأنّه عمليّة صعبة ومعقّدة‪ ،‬وتتطلب الكثير من الجهد والتمحيص والتدبير‪ .‬ولكن هذا‬
‫ال يمثّل الصورة الحقيقية بتاتا‪ ،‬فالتغيير عمليّة بسيطة‪ ،‬وليس هذا وحسب‪ ،‬بل هي‬
‫َحرك مستمرة‪،‬‬ ‫عنصر في الكون في حالة تغير وت ُّ‬ ‫جزء من الطبيعة الكونيّة‪ ،‬فك ّل ُ‬
‫ّإال القوانين الثابتة التي تَحْ ُكم أركان الحياة وأنظمتها‪.‬‬
‫فبهذه اللحظة بالذات أفكارك تتغيّر‪ ،‬ومعها خبرتك الشخصيّة‪ ،‬وخالياك أيضا تتغيَّر‬
‫وتتجدّد‪ ،‬وحتى الكون نفسه يتغيّر‪ ،‬ويتّسع بسرعة تقارب ‪ ٦٨‬كيلومترا في الثانية‪.‬‬
‫الكون في حالة تغيُّر مستمرة‪ ،‬ونحن جزء ال يتجزأ من هذه الطاقة الديناميكيَّة‪ّ ،‬إال‬
‫صة أُخرى يرويها‪ ،‬وعادة ما تكون هذه القصة‬ ‫إذا كان لدى نظام الخوف فيك ِق ّ‬
‫المكرر‪ ،‬وال ِعنَة للتغيير‪ ،‬وك ّل من يتغير‪.‬‬
‫ّ‬ ‫متح ّجرة‪ ،‬وملتصقة بالمعروف‬
‫تنص على لعن التغيير‪ ،‬حتّى أنّه عندما كان يسافر شخص‬ ‫ُّ‬ ‫هناك برمجة جمعية‬
‫ّ‬
‫وكأن‬ ‫إلى خارج األردن ويرجع‪ ،‬كنّا نتّهمه في كثير من األحيان ِب ُجن َحة التغيير‪،‬‬
‫فيها نوعا من العار‪ ،‬وبذلك تربيتُ واهما على سلبيّة التغيير‪ ،‬وجمود الشخصيّة‪،‬‬
‫ّيت على هذا المفهوم الخاطئ أيضا‪ .‬ولكن عندما تُدرك‬ ‫وأعتقد أنّك على األرجح ترب َ‬
‫مستمرة استمرار الحياة‬ ‫ّ‬ ‫لعبة التغيير كما هي‪ ،‬وتُدرك مدخالتها‪ ،‬سترى أنّها عمليّة‬
‫ذاتها‪ ،‬وبمقاومتك لها مقاومة لروح الحياة المتجدّدة‪.‬‬
‫وكما يتَّسم التغيير ب ِس َم ِة االستمرارية‪ ،‬فهو أيضا عمليّة داخليّة مئة بالمئة‪ ،‬والسبب‬
‫في ذلك أن المكان الذي يَنبع منه التغيير هو أنت؛ ألنّك أنت مصدر الواقع الذي‬
‫سه يسطع من داخلك‪ ،‬وكيف يكون غير‬ ‫تعيشه‪ ،‬فالواقع الذي تراه‪ ،‬أو تسمعه‪ ،‬أو تح ّ‬
‫ذلك والواقع هو ُم َر َّكبك الفكري‪ .‬وفي هذه المعرفة «الواقعية» ت َك ُمن الحريّة كاملة؛‬
‫سرنا‬‫ي شيءٍ من الخارج‪ ،‬حتى يتغيّر واقعك‪ ،‬وهذا ّ‬ ‫ألنّك ال تحتاج حينها أن يتغيّر أ ّ‬
‫الصغير‪.‬‬
‫عمليّة تغيير الواقع داخلية مئة بالمئة‪.‬‬
‫وللتأكيد على هذا المبدأ‪ ،‬دعنا نطبّقه على مثال فيه تح ٍدّ كبير‪ ،‬مثال في غاية‬
‫التطرف‪ ،‬بحيث يبدو فيه تغيير الواقع من الداخل بالمه ّمة المستحيلة‪ ،‬أال وهو الحدود‬ ‫ّ‬
‫بين الدول‪.‬‬
‫كيف لك أن تغيّر «واقع» الحدود حول العالم من داخلك‪ ،‬اآلن؟‬
‫يبدأ التغيير بالتذ ّكر أن خارطة العالم‪ ،‬وأسماء البالد والقارات الحالية ُولدت مع‬
‫خطا في‬ ‫والدة «فكرة»‪ -‬فشخص ما‪ -‬بوقت سابق وأجندة خاصة‪« ،‬فَ َّكر» أن يرسم ًّ‬
‫مكان معيّن‪ ،‬ويس ّمي الجزء على يمين الخط باسم‪ ،‬والجزء على يساره باسم آخر‪.‬‬
‫ولكنّنا نسينا أن ك ّل هذه أفكار وليدة نقطة معينة في دوائر الزمان‪ ،‬وأصبحنا نراها‬
‫حقيقة ال جدال فيها‪ ،‬وس َّميْناها بعد ذلك بالواقع‪.‬‬
‫أن هذه‬ ‫وانطلقت بسرعة كبيرة إلى الفضاء‪ ،‬فسترى ّ‬ ‫َ‬ ‫ولكن إن أخذت صاروخا‪،‬‬
‫دت مع والدة أفكار التقسيم‪ ،‬ومعها ُو ِلدَ الخوف‪ ،‬والصراع‪،‬‬ ‫وو ِل ْ‬
‫الحدود وهمية‪ُ ،‬‬
‫والحروب مع «البالد األخرى»‪ ،‬وهذه األخرى وهم‪.‬‬
‫نهي ك ّل الحدود‪ ،‬والتفرقة في العالم‪ ،‬فالح ّل يبدأ منك‪ ،‬بتعدّيها من‬ ‫أردت أن ت ُ َ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫وإن‬
‫داخلك‪ ،‬الستنباط وحدة الوجود‪ .‬إن روح نفسك صافية ونيّرة‪ ،‬وتخلو من أشكال‬
‫التقسيم واألحكام كافّة؛ ألنّها لم ولن تُصدّق أفكار التقسيم‪ ،‬أو تتبنّاها‪ ،‬وليس المقصد‬
‫هنا أن تلعن البالد والحضارات‪ ،‬وال أن تُحتقّر التقسيم‪ ،‬فهو له مكانه في التنظيم‬
‫أن تستيقظ ِل َما َبعدَ أفكار التقسيم‪ ،‬فخلف أفكار التقسيم‬ ‫ولكن المطلب ْ‬ ‫ّ‬ ‫والتعايش‪،‬‬
‫تسكن روح الحياة الواحدة‪.‬‬
‫س روح الوحدة في داخله‪ ،‬ت َ ّح َّول عالَمه إلى واحد‪ ،‬وت َ َح ّول َك ْونهُ ُكلّه إلى‬ ‫من لَ َم َ‬‫ْ‬
‫واحد‪ ،‬ال بل ت َ َح َّول «المك ّ ِون» لكونه إلى واحد‪ ،‬وهذا التغيُّر الجذري يحصل فقَ ْ‬
‫ط‬
‫ي تغيير في الخارج‪ .‬فواقع الوحدة‪ ،‬والنور موجود اآلن‬ ‫من الداخل‪ ،‬ومن دون أ ِّ‬
‫فيك كاحتمالية متوفرة‪ ،‬يمكنك التعبير عنها‪،‬؛ ولهذا السبب بالذات ال أرى رسالة‬
‫كن أنت بالصعبة‪ ،‬وهي خلق واقع الوحدة والسالم على الكوكب؛ ألن ك ّل ما يتطلبه‬
‫هذا الكوكب النقي‪ ،‬هو أن يَلمس الشخص نقاء الوحدة في داخله‪ ،‬وعندها سيُنَقَّى‬
‫كوكبه من األحكام والحدود فورا‪ ،‬وينفجر بركان التعبير األعلى من روحه‪.‬‬
‫هذا ال يعني طبعا أنك ستخترق إجراءات االنفصال على ماديّة األرض‪ ،‬وال يعني‬
‫أنك ستذهب إلى دولة ينبغي فيها تحصيل الفيزا‪ ،‬وتقول لهم إني أريد الدخول اآلن‬
‫ألنّنا واحد! طبعا ستخوض اإلجراءات الروتينيّة‪ ،‬ولكن ال تجعل من األوراق‬
‫ي عليك وال قيود تحكمك‪ ،‬ولك‬ ‫الرسميّة حصنا لوعيك‪ .‬فداخل فضاء ذاتك ال وص َّ‬
‫ت التجلّيات الفيزيائيّة للوعي الجمعي‬ ‫ي تركيزك على فضاء الوحدة‪ ،‬وإن َخلَ ْ‬ ‫أن تُب ِق َ‬
‫من عالمات الوحدة‪.‬‬
‫فالتغيير على مستوى الذهن يأخذ لحظة إذن‪ ،‬وك ّل ما يتطلبه هو مستوى جديد من‬
‫الوعي‪ ،‬تولد معه نوعيّة تفكير جديدة‪ ،‬لتحمل معها واقعا جديدا‪ ،‬وهذه األفكار‬
‫الجديدة سترتقي تلقائيًّا من داخلك‪ ،‬عندما تتوقف عن التمسك بطرق التفكير القديمة‪،‬‬
‫سنّة الحياة‪ .‬وهكذا تغدو معادلة التغيير في نفسك بالبسيطة‪ ،‬بل البسيطة جدًّا‪،‬‬ ‫فهذه ُ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫وك ّل ما تتطلبه هو فكرة جديدة‪ ،‬وهذا ّ‬
‫فكرة جديدة توازي واقعا جديدا‪.‬‬
‫وبعد خبرة الواقع الجديد‪ ،‬تأتي مرحلة التجسيد‪ ،‬أي تجسيد طاقة الواقع المرغوب‬
‫فيه داخل العالم الفيزيائي‪ ،‬وهذا قد َيأخذ الوقت‪ ،‬حتّى يتأقلم جسدك مع التردّد الطاقي‬
‫الجديد للواقع المرغوب‪ ،‬وينحاز التجلّي المادي بهذا االتجاه‪ .‬وإن كان ما تريد‬
‫ي مبرمج‪ ،‬فلك أن تقود حملة تغيير بهذا‬ ‫ت َغييره في عالم المادة يقطنه وع ٌ‬
‫ي ج ْم ِع ٌ‬
‫االتجاه‪ ،‬والتي تبدأ أيضا بتجسيدك الذاتي لمستوى الوعي الجديد‪.‬‬
‫فمثال «مارتن لوثر كنج ‪ »Martin Luther King‬قائد الوحدة على التمييز‬
‫العنصري‪ ،‬بدأ الحملة بالكشف داخل نفسه أن «األبيض» و»األسود» هما ُوصوف‬
‫فكريّة خلقها الذهن المبرمج‪ ،‬فتعدَّاها من داخله‪ ،‬ثم قام بقيادة ال ُجموع لتعدّي هذا‬
‫الوهم من داخلهم أيضا‪ ،‬ليتجلّى مع هذه الحملة قوانين‪ ،‬واستراتيجيات جديدة تحفز‬
‫الوحدة بين البشر‪.‬‬
‫ومهما كان الذي تريد تغييره‪ ،‬فال تجسيد أه ّم من تجسيد واقع ال ُحب والوحدة على‬
‫سده‬ ‫سد ال ُحب والوحدة في خالياي اآلن‪ ،‬فأج ّ‬ ‫األرض؛ لهذا أسعى ك ّل لحظة أن أج ّ‬
‫بطاقتي‪ ،‬وعواطفي‪ ،‬ومنظوري‪ ،‬وإخالصي للمشاركة‪ ،‬والعطاء‪ ،‬أجسده بتع ِدّي‬
‫سده بخيارات الذات األصلية لحظة بلحظة‪ ،‬وفي كل نواحي الحياة‪،‬‬ ‫األحكام‪ ،‬أج ّ‬
‫سده بمجتمع كن أنت الذي أبنيه وأكبّره‪ .‬فإن كانت ك ّل العوالم متاحة لي اآلن‪،‬‬ ‫أج ّ‬
‫فإني أختار العالم ال ُحر‪ ،‬العالم الذي خال من األحكام‪ ،‬ليعبّر فيه الشخص عن حقيقته‬
‫الكاملة من دون خوف‪ ،‬أو زيف‪ .‬وهذا العالم ساكن في بُع ِد القلب عندي في هذه‬
‫سد هذا العالم سويًّا؟‬ ‫اللحظة‪ ،‬في بُعد «اآلن»‪ ،‬فهل سترتقي معي لهذا البُعد‪ ،‬لنج ّ‬
‫لمست شيئا من بساطة‬ ‫َ‬ ‫وقد تكون إجابتك نعم‪ ،‬وقد تحس بالحماسة اللحظيّة؛ ألنّك‬
‫التغيير وسالسته هنا‪ ،‬ولكن قد يعود ذهنك بعدها ليقول‪« :‬إن كانت معادلة التغيير‬
‫بهذه البساطة‪ ،‬فلماذا نتشبّث بالواقع؟»‪ ،‬واإلجابة حاضرة تماما بالسؤال‪ ،‬وهي‬
‫ق التفكير القديمة نفسها؛ إلثبات ص ّحة أفكارنا‪ ،‬وصحة‬ ‫التشبّث‪ .‬نعم‪ ،‬التشبّث ِبطر ِ‬
‫أن الصحة والخطأ‬ ‫النسل الذي تبنّاها قبلنا‪ .‬ولكن عندما َينضج فيك الوعي‪ ،‬سترى ّ‬
‫هما سجن‪ ،‬وستفقد بعدها قُضبانُه الحديدية جاذبيّتها بالنسبة لك‪.‬‬
‫الالمحدودة في‬ ‫وهكذا سترتقي من سجن الصحة والخطأ‪ ،‬إلى احتماليّات الحياة َّ‬
‫التفكير والتعبير‪ ،‬وعندها ستّتضح رؤيتك وتتبلور‪ ،‬لترى أن مصادر الحياة كافّة‪،‬‬
‫ألن سيد المصادر كلّها‬ ‫كانت وما زالت‪ ،‬وستبقى ال محدودة‪ ،‬ومس ّخرة لك اآلن؛ ّ‬
‫متاح لك اآلن؛ وهو المادّة المشك ِلّة لجميع األفكار في الكون‪ ،‬مادّة ال ِفكر االبتكاريّة‪.‬‬
‫خالقة ال محدودة‪ ،‬وفيها حدود التغيير ال محدودة‪ ،‬فكما قُلنا من‬ ‫هي مادّة روحيّة َّ‬
‫قبل‪ ،‬ك ّل شيء يبدأ على مستوى األفكار كالعمارة‪ ،‬والتليفون وغيرها‪.‬‬
‫عمق هذا النقاش‪َّ ،‬إال أنّه ال يلمس ّإال السطحيّة من وفرة األفكار‪ ،‬فهل أنت‬ ‫وعلى ُ‬
‫جاهز لنتعمق في هذا الحوار أكثر؟ إن كانت إجابتك بنعم‪ ،‬فتأ َّمل بالتالي‪:‬‬
‫المحرك لجميع‬
‫ِّ‬ ‫األفكار ال تختزل باألفكارالتي تسطع في رأسك‪ ،‬بل هي العنصر‬
‫أركان الكون‪ ،‬فقلبُك‬
‫تتحرك باتّجاه الشمس باألفكار‪ ،‬والنهر ينساب على‬ ‫ّ‬ ‫ينبض باألفكار‪ ،‬والنباتات‬
‫األرض باألفكار‪ .‬فلك أن تتخيّل األفكار كالمعلومات التي تسري في عروق الحياة‪.‬‬
‫نعم ك ّل شيء يعمل باألفكار‪ ،‬سواء الواعي‪ ،‬أو غير الواعي لها‪ ،‬وحتى الكلمات‬
‫التي تراها أمامك اآلن هي من محتوياتك الفكرية؛ ألن حواسك الخمسة تتفعل‬
‫باألفكار أيضا‪ .‬وحتى «أنت» بدأت كفكرة في قلب الخالق‪ ،‬وعند إدراكك لهذا السر‬
‫المكونة لكل األفكار على أنها أهم عنصر في الوجود؛‬ ‫ّ‬ ‫الدفين‪ ،‬سترى مادّة الفكر‬
‫ألنّها لغة التكوين‪ ،‬وهذا سرنا الصغير‪.‬‬
‫الفكر هو لغة التكوين‪.‬‬
‫نعم الفكر هو أه ُّم من األلماس والذهب والعاج‪ ،‬فك ّل هذه العناصر أتت من رحم‬
‫ي بعلم الخيمياء بالمادة‬ ‫س ِ ّم َ‬
‫الفكر؛ ألن الفكر هو العنصر االبتكاري األول‪ ،‬ولهذا ُ‬
‫األولى (‪ )Prima Materia‬الفكر هو الجسر بين المستور‪ ،‬والمنظور‪ ،‬وهو الروح‬
‫المشكلّة للواقع‪ ،‬الفكر هو أساس التغيير‪ ،‬وهو لغة التكوين في الحياة‪ ،‬فروح الحياة‬
‫تفكر‪ ،‬ويحصل الخلق فورا‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬من الممكن أن تتساءل اآلن‪ « :‬ما الفارق بين الفكر واألفكار؟»‪.‬‬
‫المكونة لألفكار‪ ،‬هي مادة‬ ‫ّ‬ ‫باألصل هما واحد‪ ،‬ولكن نُطلق مس ّمى الفكر على المادّة‬
‫فإن أيّة فكرة قد‬ ‫روحيّة خالصة؛ لذلك فيها صفة الوفرة‪ ،‬والخلود حاضرة‪ .‬لذلك‪ّ ،‬‬
‫ي زمان أو مكان‪ ،‬هي فكرة‬ ‫ي مخلوق في أ ّ‬ ‫ي مخلوق‪ ،‬أو سيُف ِ ّكر فيها أ ّ‬ ‫ف ّكر فيها أ ّ‬
‫ألن المادة المك ّ ِونة لألفكار متاحة لك في ك ّل لحظة‪.‬‬ ‫متاحة لك في هذه اللحظة؛ َّ‬
‫فَلَ َك أن تتخيَّل الفكر كالصلصال‪ ،‬واألفكار كاألشكال التي يتّخذها الصلصال‪.‬‬
‫فك ّل فكرة تخرج من الفكر هي تجسيد لواقع جديد…‬
‫ألن األفكار من دون‬ ‫صة الكاملة لتشكيل الواقع؛ ّ‬ ‫ولكن األفكار وحدها ليست ال ِق ّ‬
‫النور تبقى ميتة‪ ،‬وهنا يأتي دَ ْور اإلدراك‪.‬‬
‫ُحول األفكار إلى خبرة ملموسة ومحسوسة‪ ،‬ومن دونه‬ ‫اإلدراك هو النور الذي ي ّ‬
‫إن فَقَدَ الشخص اإلدراك بالغيبوبة‪،‬‬ ‫األفكار غير قادرة على التعبير عن ذاتها؛ لذلك ْ‬
‫تتحرك في مجاله الطاقي؛ ألنّه‬ ‫َّ‬ ‫فهو غير قادر على اختبار المحتويات الفكرية التي‬
‫ليس هناك إدراك‪.‬‬
‫صة الكامة للواقع‪ ،‬فال بُدّ أن‬‫ولكن حتّى تُزاوج األفكار واإلدراك معا‪ ،‬ال َينسِج الق ّ‬
‫القوة هي‬ ‫قوة كونيّة مف ِعّلة لألفكار‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬حتى توجد وتعمل‪ ،‬وهذه ّ‬ ‫تكون هناك ّ‬
‫مصدر الطاقة‪ ،‬وهي خالدة الوجود‪ :‬الوعي المطلق‪ .‬وهذه هي المبادئ الثالثة‬
‫ي مخلوق في الحياة‪ :‬الفكر‪ ،‬ونور اإلدراك‪،‬‬ ‫المسؤولة عن تشكيل خبرة «الواقع» أل ّ‬
‫والوعي‪.‬‬
‫هؤالء هم الهرم التكويني للخبرات كافّة‪ ،‬ومن هذا الهرم المقدس تخرج أشكال‬
‫والمجرات و و و…‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الخليقة كلها من البالد‪ ،‬والمجتمعات‪ ،‬والكواكب‪ ،‬والنجوم‪،‬‬
‫و ِبت َ َع ُّمق فهمك لهذا الهرم‪ ،‬سيتع َّمق فهم ذاتك‪ ،‬وذات الحياة‪ ،‬وهي واحدة‪ .‬فبالعُمق‬
‫فكر واحدٌ ال محدود‪ ،‬وإدراك واحدٌ ال محدود‪ ،‬ووعي واحدٌ ال محدود‪.‬‬ ‫هناك ٌ‬
‫وهذا الفهم ليس كالفهم الكالسيكي لمادة الرياضيات‪ ،‬أو غيرها‪ ،‬بل هو فه ٌم قلبٌّي‬
‫ي‪ ،‬وهناك ستتذكر كيفيّة تشكيل‬ ‫يتع ّمق بأحاسيس ال ُحب والسكون من فضائك القلب ّ‬
‫الواقع‪ ،‬هناك سترى أن التكوين هو خطوة واحدة من المستور إلى المنظور‪ ،‬وعندها‬
‫ستعرف أنّك المسؤول عن تشكيل واقعك‪ .‬وبهذا‪ ،‬فأنت المسؤول عن سعادتك‪ ،‬وعن‬
‫ألن واقعك من داخلك‪ ،‬أو بصورة أكثر بساطة وعمليّة‪ ،‬أنت تعيش‪،‬‬ ‫تعاستك؛ ّ‬
‫وتحس أفكارك‪ ،‬وليس العالم الخارجي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وتختبر‪،‬‬
‫ض ْمنِيّتها الخبرة اإلنسانية‪،‬‬
‫وإن أردت التع ّمق في دواخل الخبرة الكونيّة‪ ،‬وفي ِ‬
‫المكونة لها ‪ -‬وأنا أنصحك بفعل ذلك ‪ -‬فلك أن تبحث عن أحد‬ ‫ّ‬ ‫والمبادئ الثالثة‬
‫الحكمة بعمق‪ ،‬وهو «سيدني بانكس‬ ‫ت له هذه ِ‬ ‫ض َح ْ‬ ‫األشخاص‪ ،‬ذلك الذي ات ّ َ‬
‫‪ ،»Sydney Banks‬الذي شارك هذا المبادئ الثالثة مع آالف الناس في حياته؛‬
‫وألن الكثير من المعلمين حملوا هذا الفهم بعد بانكس‪ ،‬فالمبادئ الثالثة اآلن َك ُكرة‬ ‫ّ‬
‫كالقوة‬
‫ّ‬ ‫وأثر هذا الفهم على حياة الشخص الجاهز له‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الثلج في تزايد مستمر‪،‬‬
‫الصاعقة‪ .‬فلقد رأيتُ أشخاصا من مختلف الخلفيّات تنقلب حياتهم رأسا على عقب‪،‬‬
‫عندما يتذ ّكرون كيفيّة تشكيل الخبرة اإلنسانيّة‪ ،‬وأنا منهم‪.‬‬
‫في الوقت الحالي‪ ،‬وبعد تع ّمق بحثي الروحي والعلمي‪ ،‬فهمت أن المبادئ الثالثة‬
‫هي ليست باالكتشاف الجديد‪ ،‬وإنما هي ما ارتكزت عليه علوم الخيمياء قبل آالف‬
‫سيكولوجيًّا بسيطا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫السنين‪ ،‬ولكن الجميل بالمبادئ الثالثه أنها أعطت تفسيرا‬
‫ومتوافقا مع ذهنية الشخص ال ُمتمدّن اآلن‪ .‬حيث إن فهم الخيمياء‪ -‬وحتى لو على‬
‫ي متواصل ّ‬
‫لفك‬ ‫وخارج ٍّ‬
‫ِ‬ ‫ي‪،‬‬ ‫ث داخل ٍّ‬‫سطحيّتها‪ -‬يحتاج إلى عمق رهيب‪ ،‬وارشاد‪ ،‬وبح ٍ‬
‫السري‪ ،‬والذي قد يُثقل ذهن الشخص‬ ‫ّ‬ ‫رموزالخيمياء والولوج إلى تيّارات هذا العلم‬
‫ي كجزء من‬ ‫المدرب‪ .‬ولهذا السبب بالذات استحدثتُ معسكر خيمياء الروح ّ‬ ‫ّ‬ ‫غير‬
‫أكاديمية كن أنت‪ ،‬لتدريس الخيمياء بطريقة متناسبة مع غالبيّة الناس‪.‬‬
‫وبالعودة للمبادئ الثالثة‪ ،‬ولتوضيحها بطريقة عمليّة‪ ،‬تخيَّل أنّك تجلس في سينما‪،‬‬
‫ط الصورة على الشاشة هو نور اإلدراك‪ ،‬وأ ّما الشريط‬ ‫وأن جهاز العرض الذي يُسقَ ْ‬ ‫ّ‬
‫الذي يوضع في الجهاز‪ ،‬فهو األفكار (المحتويات الفكرية)‪ ،‬والكهرباء التي يعمل‬
‫عليها الجهاز هي الوعي الخالص‪ .‬تخيّل اآلن أن ما يَظهر على الشاشة هو الواقع‪،‬‬
‫أن تكون الشاشة ثنائيّة األبعاد‪ ،‬فهي في ك ّل‬ ‫صة للحياة‪ ،‬ولكن بَدَ َل ْ‬‫وهو خبرتك الخا ّ‬
‫األبعاد‪.‬‬
‫ولكن كيف سيفيدك هذا التشبيه؟‬
‫طع مخيف‪ ،‬فتُذ َّكر نَ ْف َ‬
‫سك أنّه‬ ‫هل ت َذ ُكر مشاهدتك لفيلم في صالة السينما‪ ،‬ليظ َه َر مق َ‬
‫يختف‪ ،‬ولكنّك أحسست‬ ‫ِ‬ ‫أن إحساس الخوف من جسدك لم‬ ‫مجرد فيلم؟ على األغلب ّ‬ ‫ّ‬
‫ت لنَ ْفسِك الفرصة‬ ‫مجرد فيلم؛ لذلك أَتَحْ َ‬ ‫ّ‬ ‫باألمان الراسخ في داخلك؛ ألنّك عرفت أنّه‬
‫ألن تختبر اإلحساس كما هو‪ .‬في هذا النوع من الخبرة تتجلَّى أصل اللّذّة‪ ،‬باختبار‬
‫عدم األمان في فضاء األمان الداخلي‪ ،‬هذه اللّذّة نفسها تجدها في الحياة‪ ،‬عندما‬
‫تعرف أن األحاسيس التي تس ّميها بالمخيفة‪ ،‬أو المؤلمة‪ ،‬أو السلبيّة‪ ،‬ما هي ّإال خبرة‬
‫طها اإلدراك على شاشة السينما‪ ،‬ولك أن تتلذّذ بها‪.‬‬ ‫أفكار لحظيّة‪ ،‬يُس ِق ُ‬
‫هذا هو كود الطمأنينة الكاملة التي يبحث عنها ك ّل إنسان على وجه األرض‪ ،‬أن‬
‫يعرف أنّه «تمام» مهما حدث‪ .‬فأنت لست األفكار التي تختبرها وال أحاسيسها‪،‬‬
‫وإنّما فضاء الوعي اآلمن الذي تُختبر فيه ك ّل األفكار‪ ،‬وينيرها اإلدراك؛ لذلك قال‬
‫لنا بانكس‪« :‬إذا أردت تعلُّم شيءٍ واحد في الحياة‪ ،‬فهو ّأال تخاف من خبرتك‬
‫اإلنسانيّة مهما كانت‪ ،‬هذا وحده سيغيّر العالم»‪.‬‬
‫أن أحاسيس عدم األمان هي نتاج األفكار‪ ،‬وليس العالم‬ ‫المغزى‪ ،‬أنّك عندما تعرف ّ‬
‫ف الخبرة اللحظيّة‪ ،‬وهذه هي الطمأنينة‪ ،‬وغير‬ ‫الخارجي‪ ،‬ستستريح‪ ،‬وتلمس ما خ َْل َ‬
‫أن مسبّب الرعب هو من الخارج‪ ،‬وستحاول التخلّص منه لتستريح‪.‬‬ ‫ذلك ستظن ّ‬
‫فتخيّل أنّه كلّما أصيب شخص بالخوف في السينما‪ ،‬ركض إلى الشاشة ليمزقها‪ ،‬قد‬
‫يكون هذا التشبيه غريبا‪ ،‬ولكن هذا ما تفعله البشريّة بالضبط‪ ،‬بسبب الفهم الخاطئ‬
‫للخبرة اإلنسانيّة‪.‬‬
‫وهناك ستعرف أنّك إن لم تحب الفيلم الذي تشاهده على الشاشة‪ ،‬فأنت ال تحتاج‬
‫ط شاشة‪ ،‬وإنّما قد تراقبه بفضول وحياد‪ ،‬أو لك‬ ‫إلى لعن الشاشة أو تمزيقها‪ ،‬فهي فقَ ْ‬
‫أن تغيّر شريط األفكار الذي تختاره‪ ،‬أو حتى األفضل من ذلك أن تُعطي يد الحياة‬
‫الال محدودة في‬ ‫الحكيمة‪ ،‬الفرصة الختيار الشريط المناسب من خزانة األفكار ّ‬
‫داخلك‪.‬‬
‫وبهذه المعرفة‪ ،‬سيتب ّخر َوه ُم التغيير الخارجي تدريجيًّا من نفسك‪ ،‬لتنتقل لعبة‬
‫حياتك إلى مرحلة جديدة‪ ،‬فاللعبة هنا أصبحت داخليّة‪ ،‬وقوانينها داخليّة‪ ،‬أو للدّقّة‪،‬‬
‫تستذكر أن اللعبة كانت وما زالت داخليّة‪ .‬في ذلك مذاق جديد للحريّة واالستمتاع‪،‬‬
‫وكيف ال تكون الحال كذلك‪ ،‬والحياة في أصلها لعبة روحيّة‪.‬‬
‫ت جديدةٍ في لعبة الحياة الروحية‪ ،‬وسيندمج إدراكك‬ ‫هنا ستستطيع الولوج لمستويا ٍ‬
‫بوعيك األصيل‪ ،‬لتستنير ذاتك أمامك‪ ،‬فتراها كما هي‪ :‬فضاء من الوعي الخالص‪،‬‬
‫يتغلغل فيه قوة الفكر الخالَقة‪ .‬أو بصورة‬
‫أبسط‪ ،‬أنت قوة روحية خالَقة تعيش على األرض‪ .‬بهذا ستعرف أنّك ال تحتاج أن‬
‫يتغيّر األشخاص‪ ،‬أو البلدان‪ ،‬أو الحكومات‪ ،‬حتى تتغيّر خبرتك من التعاسة إلى‬
‫السالم‪ ،‬ومن الخوف إلى ال ُحب‪ ،‬ومن الفقر إلى الوفرة‪ ،‬فالعمليّة داخليّة بحتة بينك‬
‫وبين نَ ْفسِك‪.‬‬
‫الال محدود‪ ،‬هو سبب المعاناة عند الناس‪ ،‬ليس‬ ‫والجهل بالذات األصيلة وفضائها ّ‬
‫تؤرق الكثير من العلماء‪ .‬فالكثير‬ ‫هذا فحسب‪ ،‬بل هو سبب المشكلّة الرئيسية‪ ،‬التي ّ‬
‫من العلوم التقليديّة‪ ،‬ولجهلها بالذات األصيلة‪ ،‬تبحث حتى هذه اللحظة عن مصدر‬
‫الوعي من داخل العقل‪ ،‬ولكن هذا المنحى المحدود في البحث‪ ،‬لن يُن ِتج ّإال اإلحباط؛‬
‫حمل األفكار‪.‬‬ ‫ألن العقل ليس المصدر‪ ،‬وإنّما العقل هو األداة البيولوجيّة التي ت ُ ِ‬ ‫ّ‬
‫حمل منها‬ ‫أن هناك مكتبة كونيّة واحدة‪ ،‬فيها ك ّل أفكار الكون متاحة‪ ،‬ونحن نُ ِ ّ‬ ‫فتخيّل ّ‬
‫معلومات معينة على «ذاكرة متنقلة ‪ »USB‬لنضعه في فوهة دماغنا‪ ،‬فيُس ِقط بعدها‬
‫أن الكثير من العلماء‪ ،‬وخصوصا‬ ‫الصورة للخارج لنس ّميها بالواقع‪ .‬ومن الجميل ّ‬
‫َمن عندهم اتصال روحي عميق‪ ،‬بدؤوا الصحوة لهذه المعرفة‪ ،‬وقريبا سنرى ثورة‬
‫تحرك العقل‪ ،‬ال‬‫قوة الفكر الروحيّة‪ ،‬وهي التي ِ ّ‬ ‫في العلم‪ ،‬عندما يَكتشف العلماء ّ‬
‫أن ّ‬
‫محدودة‪ ،‬ال مرئيّة‪ ،‬وخالدة‪.‬‬
‫قوة الفكر ال محدودة‪ ،‬ال مرئيّة‪ ،‬وخالدة‪ ،‬والدماغ هو الجهاز الذكي الذي‬ ‫فإن كانت ّ‬
‫يُح ّمل ما شئت من المحتويات الفكريّة‪ ،‬فالسؤال الذي يبقى عليك سؤاله‪ ،‬ليس عن‬
‫صحة األفكار التي تحملها‪ ،‬بل هل أفكارك في هذه اللحظة تخدم تطورك أم ال؟‬
‫وعلى بساطة السؤال‪ ،‬فإنّه يحتاج إلى مهارة في التمييز؛ لترى إن كانت األفكار‬
‫ألن الكثير من األفكار المد ّمرة‪ ،‬تُغلّف نفسها برداء القدسيّة‪ ،‬ومن‬
‫تخدمك أم ال‪ ،‬هذا ّ‬
‫أشهرها أفكار العادات والتقاليد‪ .‬ولنزع رداء القدسيّة عن هذه البرمجيات الفكريّة‪،‬‬
‫انظر إليها بعيون الحياد‪ ،‬وستفعل ذلك بالنظر إلى إحساس األفكار‪ ،‬وليس‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫مضمونها‪ ،‬وهذا ّ‬
‫لتمييز نوعيّة األفكار‪ ،‬انظر إلى إحساسها في جسدك وليس مضمونها‪.‬‬
‫تطورا‪ ،‬فإنه الذي‬ ‫فاإلحساس هو خادمك األمين‪ ،‬وهو أكثر التكنولوجيات الروحيّة ّ‬
‫ال يَكذِب عليك عن نوعيّة األفكار‪ ،‬فإن كان إحساسك هو الغضب‪ ،‬أو النقص‪ ،‬أو‬
‫االستضعاف‪ ،‬فاألفكار التي تشك ّل هذا اإلحساس هي أفكار غاضبة‪ُ ،‬منقصة‪،‬‬
‫ُمستض َعفَة‪.‬‬
‫فإن إحدى العادات التي تربّيت عليها في األردن‪ ،‬هي أن ت َصمت‬ ‫على سبيل المثال‪ّ :‬‬
‫نظرت إلى هذه الفكرة من منطلق الص ّحة‬‫َ‬ ‫عندما يتكلّم من هو أكبر منك سنًّا‪ .‬وإن‬
‫أو الخطأ‪ ،‬ستميل عاطفيًّا إلى ص ّحتها‪ ،‬وحتى قدسيّتها‪ ،‬ولكن إن نظرت إلى إحساس‬
‫الفكرة بصدق‪ ،‬فسترى أن هذه الفكرة فيها إحساس االستضعاف‪ ،‬وهذا يعني إنّها ال‬
‫قوتك األصيّلة‪ ،‬وتعبيرك الحر‪.‬‬ ‫تتناغم مع ّ‬
‫وبكشف نوعيّة األفكار باستعمال تكنولوجيا اإلحساس‪ ،‬ستكون قادرا على التخلّي‬
‫مجرد فكرة ال تخدمك‪ ،‬دون تغليفها‬ ‫ّ‬ ‫عنها بسرعة أكبر؛ ألنّك ستراها كما هي‪:‬‬
‫عبِدَت‬
‫بالقدسيّة‪ ،‬أو تحريمها عن السؤال‪ .‬فحتى لو كان عمر الفكرة ماليين السنين‪ ،‬و ُ‬
‫من كثير من البشر على مدى السنين‪ ،‬ومن ضمنهم ُمجتمعك وعائلتك‪ ،‬فهذا ال يعني‬
‫أن عليك تصديقها‪ .‬إحساسك هو الفيصل‪ ،‬إن كان إحساس الفكرة بعيدا عن إحساس‬ ‫ّ‬
‫القوة وال ُحب والعظمة‪ ،‬فلماذا تتشبث بها؟!‬ ‫ّ‬
‫وهذا يطبّق على كثير من المعتقدات التي نحملها في حياتنا‪ ،‬ظانّين أنّها حقائق‬
‫مجرد أفكار‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُمطلقة‪ ،‬وهي‬
‫وتحولت هذه الفكرة بعدها لطاقة‬ ‫ّ‬ ‫وكررت‪ ،‬ليس َّإال‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ص ِدّقت‬
‫فالمعتقد هو فكرة ُ‬
‫تخزن داخل جسدك لتوفير الطاقة‪ ،‬وهذه التقنيَّة مفيدة لتعلّم مهارة جديدة‬ ‫عاطفية َّ‬
‫فتحوله إلى برمجة‬‫ّ‬ ‫كقيادة السيارات وغيرها‪ ،‬ل َكي ال تعيد التفكير نفسه ك ّل مرة‪،‬‬
‫عاطفيّة‪ ،‬ولكن هذه التقنيَّة التي يستعملها الدماغ‪ ،‬ليست مفيدة عندما يأتي األمر‬
‫للمعتقدات التي ننسخها جيال بعد جيل كحقيقة ُمصنَّمة‪ .‬ك ّل األفكار هي لغرض‬
‫التجربة والتغير والتطور‪ ،‬وليست لغرض تصنيمها في رأسك‪ ،‬فاألفكار أقرب ما‬
‫تكون لطبيعة الملح‪ ،‬ولتقوم بتسخيرها ألعلى استخداماتها‪ ،‬عليك التالعب المستمر‬
‫مرة‪ ،‬بدال من تجميدها‬ ‫مرة بعد ّ‬‫بها‪ ،‬من تحطيم بلّوراتها وإذابتها‪ ،‬لخلق أشكال جديدة ّ‬
‫لتصبح كالصنم في ذهنك‪.‬‬
‫ي مبدأ أعيش له!»‪.‬‬ ‫وقد يخطر لك اآلن‪« :‬ولكن بهذه الطريقة لن يبقى أ ّ‬
‫وهذا التساؤل وإن كان منطقيًّا في ظاهره‪ ،‬فهو ليس دقيقا في باطنه؛ ّ‬
‫ألن القيم‬
‫القلبيّة أصيلة وثابتة في داخلك‪ ،‬وال تتزعزع بزعزعة األفكار‪ ،‬وأ ّما القيم والمبادئ‬
‫المجتمعيّة التي ال تتوافق مع حقيقتك‪ ،‬فنعم ستنهار بانهيار بنيان األفكار المبرمجة‪.‬‬
‫أن الحقيقي فيك‪ ،‬هو ال ُمشاهد لل َعمار‪ ،‬والتدمير من دون أن يُل َمس أو يتغير‪.‬‬ ‫تذكر ّ‬
‫وعندها سيحصل التوازن فيك بين الرصانة في قيمك القلبيّة‪ ،‬والمرونة ال ُمطلقة في‬
‫فإن المرونة هي أحد أهم المطالب األساسيّة‬ ‫هَجْ ر األفكار ال ُمبَرمجة‪ ،‬وللمعلومة‪ّ ،‬‬
‫للعصر الحالي والقادم‪ ،‬وهو عصر الصحوة الذي نعيشه من بوابة عام ‪،٢٠١٢‬‬
‫عصر الدلو‪ .‬فنحن نشهد اآلن تغيُّرا دراماتيكيًّا في األنظمة من حولنا‪ ،‬وستستمر‬
‫وتيرة التغيير بالتسارع والتسارع‪ ،‬وعدم القدرة على التماشي مع هذه السرعة‬
‫الحكمة مساحة التجديد‪ ،‬واإلرشاد المستمر‪ ،‬سيبعدك‬ ‫بإسقاط األفكار البالية‪ ،‬إلعطاء ِ‬
‫عن التو ّجه الطاقي للحياة‪.‬‬
‫ي للحياة‪ ،‬هو نحو التجديد‪ ،‬واإلبداع‪ ،‬والوفرة في االحتماليات‪ ،‬وليس‬ ‫فالتو ُّجه الطاق ّ‬
‫ضيقها‪ .‬وبهذه الوفرة ستّتضح أمامك الحلول البسيطة لك ّل المشاك ّل العالمية‪ ،‬وهذا‬
‫ال يعني أنّك تعرف الحلول لك ّل المشاك ّل العالقة التي تواجهها اإلنسانيّة‪ ،‬ولكنّك تعي‬
‫أن الحلول موجودة في قلب اإلنسانيّة اآلن‪ .‬فالح ُّل للفقر متاح اآلن‪ ،‬وهو‬ ‫في قلبك ّ‬
‫نوعيّة تفكير جديدة‪ ،‬والتكنولوجيا القادرة على تنظيف المحيطات‪ ،‬وإنهاء االحتباس‬
‫الحراري موجودة اآلن أيضا‪ ،‬فك ّل هذه التكنولوجيا في األساس أفكار‪ ،‬وهي متاحة‬
‫لإلنسانيَّة اآلن‪ ،‬ولكن السؤال هو‪ :‬هل وصلت اإلنسانيّة إلى مرحلة من االحترام‬
‫للنفس والطبيعة لتحميل هذه األفكار؟ فأفكار الحلول ال يمكن لمسها إذا كانت طاقة‬
‫الطمع‪ ،‬واألنانيَّة هي السائدة‪.‬‬
‫أردت أن تكون وسيلة إنسانيَّة للحلول والتبسيط‪ ،‬بدل المشاك ّل والتعقيد‪ ،‬فاختر‬ ‫َّ‬ ‫فإن‬
‫ي قبضة التشبّث‪ ،‬وافتح يديك للمرونة؛ كي تُعطي المساحة لنفسك بأن ترتقي‬ ‫أن ت ُ ْر ِخ َ‬
‫من التفكير المقيّد إلى ال ُحر‪ ،‬لترى العالم من خالل بؤبؤ جديد‪ ،‬بؤبؤ الوفرة واإلبداع‪.‬‬
‫ي المبرمج‪.‬‬ ‫وعندها لن تتعدّى واقعك المقيد فقَط‪ ،‬بل ستتعدّى الواقع ال َج ْم ِع ّ‬
‫مبرمج‪ ،‬هو ِنتاج‬
‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫من الجدير بالذكر أن غالبيّة الناس تعيش في «واقع» َج ْم ِع ٍّ‬
‫الظن الجاه َل «باالنفصال عن‬ ‫َّ‬ ‫سخَة‬
‫التأثيرات ال ُممنهجة من أنظمة هرمية‪ُ ،‬م َر ِ ّ‬
‫المصدر»‪ ،‬والفهم المغلوط للواقع‪ ،‬على أنّه حالة منفصلة عن ذهنك؛ لذا يص ّح القول‬
‫إن العا ّمة تختبر الحياة من داخل واقع افتراضي «الماتركس ‪ ، « Matrix‬ترى فيه‬ ‫ّ‬
‫العالم بطريقة محدّدة ومقيدة‪ ،‬ومتماشية مع األفكار المزروعة بالذهن الجمعي نحو‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫االنفصال‪ ،‬من دون وعي الشخص بأنه المشك ّل لهذا الواقع‪ ،‬وهذا ّ‬
‫سخ لوهم االنفصال‪.‬‬ ‫الواقع الجمعي هو واقع مبرمج‪ ،‬و ُم َر ّ‬
‫بوابة الوحدة‪ ،‬والحلول‪ ،‬والتغيير‬ ‫سجن الجمعي‪ ،‬ستُفتح لك ّ‬ ‫وبتحررك من هذا ال ّ‬ ‫ّ‬
‫وسيتحرر منظورك من قيود السيطرة والت َّ َح ّكم والعبوديّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫على مصراعيها‪،‬‬
‫الال محدودة‪.‬‬ ‫قوتك األصيلة‪ ،‬وتتب ّحر في عوالم األفكار َّ‬ ‫لتكتشف ّ‬
‫ألن المحرك لهذا الواقع هو وهم‬ ‫فنداؤنا هنا هو نداء للحريّة من الواقع الجمعي؛ ّ‬
‫طغاة الخوف وأتباعه‪ ،‬الذين يتغذّون طاقيًّا على وهمك‬ ‫محروس ب ُ‬
‫ٌ‬ ‫االنفصال‪،‬‬
‫وجهلك‪ .‬وإن أردت الدليل على ذلك‪ ،‬فانظر إلى األنظمة السائدة من حولك‪ ،‬من‬
‫التعليم للصحة للعمل‪ ،‬تجدها تتبع تو ّجها واحدا‪ :‬تو ّجه الخوف‪ ،‬الذي تتغذّى فيه‬
‫األنظمة على التفعيل المستمر لحالة النجاة السيكولوجيّة عند العامة‪.‬‬
‫لذلك حال العامة اآلن كالدمى الطاقيّة بِيَدَي الخوف‪ ،‬وفيه تجلي الخوف من‬
‫الخسارة‪ ،‬واإلحساس‬
‫المزري بنقص القيمة‪ ،‬والفقر في المنظور‪ ،‬وسطحيّة التأ ّمل‪ ،‬واالستضعاف‪،‬‬
‫والكراهية‪ ،‬والطمع‪ .‬ك ّل هذه تجلّيات لطاقة الخوف واالنفصال‪ ،‬ففي هذه الحالة‬
‫قوته الحقيقية‪ ،‬واتصاله الضمني بالك ّل‪ ،‬وقدراته المذهلة على‬ ‫المستبدّة‪ ،‬ينسى المرء ّ‬
‫التكوين واإلبداع وال ُحب‪ ،‬ليغدو جهازا مبرمجا‪ ،‬يجري‪ ،‬ويجري‪ ،‬ويجري لض ّخ‬
‫ض ّخ‪ ،‬أو إن كانت فيه الرفعة أو‬ ‫طاقته إلى الخارج‪ ،‬دون التساؤل عن هدف هذا ال ّ‬
‫التدمير ‪.‬‬
‫أن ك ّل ما كنت أبحث‬ ‫هذا الركض األعمى كان حالي‪ ،‬فأذكر عندما أنهيت الجامعة‪ّ ،‬‬
‫غض النظر عن ماهيته‪ .‬فبدأت التقدم لوظائف عدة‪،‬‬ ‫عنه هو الحصول على عمل‪ ،‬بِ ِ ّ‬
‫منها شركات الدخان واألطعمة الهزيلة‪ ،‬ولم يخطر ببالي للحظة‪ ،‬كيف كنت‬
‫صص ك ّل هذا القَ ْدر من طاقَ ِتي َو َو ْق ِتي وإمكانيّاتي في تلويث جسد اإلنسانيّة‪.‬‬ ‫سأخ ّ‬
‫وهذا ما تفعله طاقة الخوف‪ ،‬إذ تُبقيك في حالة من النجاة اللحظية‪ ،‬لتُغ ِيّبك عن‬
‫سك والبشريّة إلى أسفل‬ ‫شموليّة المنظور‪ ،‬وتُعزز األنا والجهل واألنانيَّة‪ ،‬فت َأ ُخذ نَ ْف َ‬
‫المراتب‪ ،‬وهل يمكن أن يكون هذا هو الشيطان بعينه‪ :‬الترجمة الخارجيّة لحالة‬
‫النجاة‪ ،‬من دون ترويض النفس إلى سكونها الداخلي‪ ،‬وشموليّة المنظور؟‬
‫واآلن ال يمكنني أن أُعيد حلقة التلويث بتاتا‪ ،‬على األقل ألفضل ما أستطيع‪ ،‬ليس‬
‫ألنّني أصبحتُ أكثر أخالقا‪ ،‬بل ألنّني أعرف أنّنا في العمق واحد‪ ،‬وتسخير ُجهدي‬
‫ألذية أي إنسان في الخليقة‪ ،‬سيؤذيني أنا‪ ،‬فكلّنا واحد‪ .‬وبسبب فقداننا االتصال بهذه‬
‫الحقيقة البسيطة‪ ،‬والتسليم األرعن لحالة النجاة اللحظيّة وطمعها‪َّ ،‬لوثنا األرض‬
‫والمحيطات‪ ،‬وس ّممنا عقولنا‪ ،‬وأجسادنا بمعلومات‪ ،‬وطعام يبعدنا ك ّل البعد عن رفعة‬
‫الوعي‪.‬‬
‫وهذه المعلومة أ ّكدها لي السيد «جافن ‪ ،»Gavin‬في المقابلة التي أجريتها معه‬
‫خالل بحث الدكتوراه‪ ،‬قال لي «جافن»‪ ،‬وهو متخصص في رفع مستويات األداء‬
‫إن أسوأ القرارات التي يتّخذها القادة في الشركات‬ ‫والتواصل القلبي في الشركات‪ّ ،‬‬
‫المروضة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عندما يكونون في حالة خوف‪ ،‬في حالة نجاة لحظيّة‪ .‬من هذه الحالة غير‬
‫يأتي القرار بِ َرمي الملوثّات في البحر‪ ،‬وتصنيع منتجات مدمرة لإلنسانيَّة بهدف‬
‫ط‪ ،‬وغيرها من القرارات المريضة‪.‬‬ ‫البيع فقَ ْ‬
‫س ْودا ِويّة‪ -‬وهذا فيه شيء من‬ ‫وقد تكون الطريقة التي وصفنا بها وعي العا ّمة بال َّ‬
‫الحقيقة‪ -‬ولكن الجميل أيضا أننا نعيش اآلن في زمن الصحوة‪ ،‬حيث يستيقظ الناس‬
‫في ك ّل لحظة‪ ،‬وفي ك ّل أرجاء العالم على وحدتهم األصيلة‪ ،‬وأنت جز ٌء من هذه‬
‫الصحوة‪ ،‬والدليل أنّك تقرأ هذه الكلّمات اآلن‪ .‬وبهذه الصحوة ستُخرج نَ ْفسك من‬
‫دوامة الخوف وقراراتها المتدنيَّة‪ ،‬لتصبح منارة ساطعة‪ ،‬ترشد بنورها السفن‬ ‫ّ‬
‫ي‬ ‫التائهة‪ ،‬وتناديهم إلى نهر قلبهم األصيل‪ .‬فنحن نحتاج صحوتك اآلن أكثر من أ ِّ‬
‫ألن اإلنسانيّة تواجه أكبر تح ٍدّ في تاريخها في هذه اللحظة‪ ،‬نعم‪ ،‬هوأكبر‬ ‫وقت آخر؛ ّ‬
‫تح ٍدّ‪ ،‬فإ ّما االنقراض أو الصحوة‪ ،‬ف ُكن جز َءا من االستمرارية والرفعة‪ ،‬ال الدمار‪.‬‬
‫وقد تتساءل اآلن‪ ،‬ولكن كيف أكون جزءا من الصحوة؟ وكيف أستيقظ من الواقع‬
‫االفتراضي المبرمج‪ ،‬وحتى هذه اللحظة لم أفهم المقصد من الواقع االفتراضي؟‬
‫دعنا نطرح مثاال بسيطا للتوضيح‪:‬‬
‫عندما تمشي في الطبيعة‪ ،‬وترى األشجار حولك‪ ،‬فكيف تختبرها؟ خذ وقتك في‬
‫التفكير‪.‬‬
‫هل ت َراها كوسيلة للترفيه‪ ،‬وتوفير األثاث؟ أم تراها مكانا ّ‬
‫للتنزه؟ أم شيئا آخر؟ فك ّل‬
‫هذه الخبرات المبرمجة‪ ،‬ت َظهر على السطح لحظة النظر إلى الشجرة‪.‬‬
‫ولكن ما عالقة هذا بالعالم االفتراضي؟‬
‫هل أنت جاهز لإلجابة؟‬
‫متأكد؟‬
‫أنت ال ترى الشجرة‪ ،‬بل ترى محتوياتك الفكريّة‪.‬‬
‫وهذا يعني أن الشجرة غير موجودة‪ ،‬هي وهم!‬
‫التسرع بال ُحكم على المعنى المقصود هنا‪ ،‬فليس المقصد ّ‬
‫أن‬ ‫ُّ‬ ‫انتظر لحظة‪ ،‬قبل‬
‫الشجرة الفيزيائيّة غير موجودة «وقد تكون كذلك»‪ ،‬ولكن كلمة «الشجرة» هي‬
‫فإن خبرة الشجرة‪ُ ،‬و ِلدَت مع والدة‬ ‫كلمة أطلقناها جميعا على هذا «الشيء»‪ .‬لذلك‪ّ ،‬‬
‫فكرة الشجرة‪ ،‬فالّلغة هي وليدة األفكار‪.‬‬
‫وهذا يُرجعنا إلى المبدأ األصيل للكتاب‪ ،‬وهو أنّك تختبر أفكارك‪ ،‬وليس العالم‬
‫ي المبرمج‪.‬‬‫الخارجي‪ ،‬وإن عرفت ذلك‪ ،‬فستتحرر تلقائيًّا من الواقع ال َج ْم ِع ّ‬
‫ي ‪ ،‬هو مجموعة من «الكودات الفكريّة المبر َمجة» لتمثيل الواقع‪،‬‬ ‫فالواقع ال َج ْم ِع ّ‬
‫تماما كألعاب الواقع االفتراضي‪ .‬ولألسف برمجة الواقع األساسية تأتي من وهم‬
‫االنفصال‪ ،‬لتبقي الغالبية في حس االنفصال عن الطبيعة والكون؛ لذلك يبقى‬
‫قوته‪ ،‬وتسخير طاقاته‬ ‫الشخص ال ُمبرمج غارقا بالخوف الممنهج‪ ،‬بهدف ترويض ّ‬
‫ألجندات خارجية‪ ،‬ولن نخوض هنا في الجهات التي برمجت هذا الواقع المنسوخ‪،‬‬
‫وتفاصيل العمليّة الممنهجة الستنزاف الطاقة على مستوى ال ‪ّ ،DNA‬‬
‫ألن هذا‬
‫يحتاج إلى كتاب آخر‪ ،‬وسيأخذنا البحث في هذا المنحى إلى قوى السيطرة في العالم‬
‫المرئي وغير المرئي‪ ،‬وتاريخ األرض المستور‪.‬‬
‫بعض من فضولك‪ ،‬سأقول لك إن قوى السيطرة ليست الشركات‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫ولكن إلشباع‬
‫الحكومات‪ ،‬وإنّما هي تحصل على بع ٍد آخر‪ ،‬بُعد ال َم ْرئي‪ ،‬يتّم فيه التالعب‬
‫يحول الشخص‬ ‫بالمنظور‪ ،‬لتبقى العا ّمة في طاقة الخوف واألحكام‪ .‬فوعي الخوف ّ‬
‫ت من هذه الغيبوبة‪،‬‬ ‫إلى قِطعة لحم طاقيّة‪ ،‬يسهل نهشها واستعبادها‪ .‬ومتى استَفَ ْق َ‬
‫واسترجعت سيادَت ََك الطاقيّة‪ ،‬انتهت لُعبة السيطرة من حياتك‪ ،‬وبدأت لعبتك‬ ‫َ‬
‫صة‪ ،‬وهي لعبة الوحدة القلبيّة‪ ،‬وفيها إمكانات مستورة‪ ،‬واحتماليّات تعبيريّة ال‬ ‫الخا ّ‬
‫محدودة‪.‬‬
‫ألن الواقع االفتراضي «يُخلَق ويُف َعل» من داخل ذهنك‪ّ ،‬‬
‫فقوته‬ ‫فالقوة بيدك؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫لذا‪،‬‬
‫هي في جهلك ليس ّإال‪ ،‬فالواقع االفتراضي يستبيح طاقة الناس‪ ،‬بسبب جهلهم‬
‫بوحدتهم‪ ،‬وبأنهم المشكلّون لواقعهم‪ ،‬وبهذا ضمنيَّة الجهل بذاتهم األصيلة‪ ،‬فالذات‬
‫تبرأت من‬‫ي خالد‪ ،‬وفيه القدرة التلقائيّة على التكوين‪ .‬فإن َّ‬ ‫األصيلة هي وعي روح ٌ‬
‫قوتك األصيلة‪ ،‬وعندها ستصبح‬ ‫الجهل‪ ،‬ستبرأ من العالم المبرمج وسيطرته‪ ،‬لتتذكر ّ‬
‫كبطل فيلم الماتركس «نيو»‪ ،‬عندما استيقظ‪ ،‬ورأى «العالم» من حوله كما هو‪،‬‬
‫ك ُمحتويات فكريّة‪ ،‬يوجه بكودات طاقيّة مبرمجة‪ ،‬وعندها فُتحت له أبواب ليست‬
‫محدودة‪ ،‬وبدأ باستعمال قوانين الميتريكس لمصلحته‪.‬‬
‫ظة من هذه العبوديّة‪ ،‬هو طريق القلب‪ ،‬فقلبك ليس مستعبدا بالعالم‬ ‫وطريق اليَقَ َ‬
‫سمة‪،‬‬‫االفتراضي‪ ،‬وإنّما يستنبط الحقيقة كما هي‪ ،‬يستنبط الحياة واحدة غير مق ّ‬
‫ويستنبط الواقع كما هو بنسخته األصليّة‪ ،‬كلعبة فكريّة قابلة للتغيير والتشكيل‪ .‬القلب‬
‫ُخزن كوداتك الروحيّة األصيلة‪ ،‬التي سترشدك‬ ‫هو المفتاح لطريق الحريّة؛ ألنّه ي ّ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫إلى التذ ّكر‪ ،‬تذ ّكر الذات األصيلة‪ ،‬وهذا ّ‬
‫القلب هو المفتاح السري‪ ،‬لنسختك األصليّة‪.‬‬
‫ستحس بالمسؤوليّة‪ ،‬والشغف لقيادة‬ ‫ّ‬ ‫وبهذا التذ ّكر ستُعلن أنّك إنسان ُحر‪ ،‬وعندها‬
‫صة‪ ،‬وتعبيرك الخاص‪ ،‬وبما‬ ‫الجنس اإلنساني إلى حريّته األصيلة‪ ،‬وبطريقتك الخا ّ‬
‫ع َرفه ك ّل قائد مستنير في التاريخ‪ ،‬فَ ْه ُم أنّك أنت‬ ‫يتناسب مع رسالتك الفريدة‪ .‬هذا ما َ‬
‫تحولت مه ّمة القائد من الخارج إلى الداخل‪ ،‬بمناجاة الناس‬ ‫المش ِ ّكل لواقعك‪ ،‬وعندها ّ‬
‫لتحرير ذهنهم من أفكار العبودية ‪ ،‬لتظهر بعدها الوسائل واالستراتيجيات الداعمة‬
‫لهذه المه ّمة‪ ،‬على األرض الفيزيائيّة‪.‬‬
‫وبهذا المنحى الداخلي من التغيير‪ ،‬سترتقي إلى أسمى‪ ،‬وأذكى استعمال للعزيمة‪،‬‬
‫فالعزيمة الحقّة ليست ُمس ّخرة للدفع والجهد الخارجي‪ ،‬بل للسقوط إلى قلب الحريّة‬
‫في داخلك‪ ،‬إلى قلب الذات األصيل‪.‬‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫* عملية التغيير داخلية مئة بالمئة‪.‬‬
‫*في األصل التغيير عملية بسيطة‪ ،‬ومستمرة إن لم تقاومها‪.‬‬
‫* مكونات الذات هي ثالثة‪ :‬الوعي‪ ،‬الفكر‪ ،‬ونور اإلدراك‪.‬‬
‫* أفضل طريقة لتبنّي األفكار من عدمها‪ ،‬إن كانت خادمة لك أم ال‪.‬‬
‫*لتتحرر من الواقع المبرمج للعامة‪ ،‬عليك العودة إلى الوحدة القابعة في القلب‪.‬‬ ‫ّ‬
‫أسئلة للتف ُّكر‪:‬‬
‫خالقة على األرض؟‬ ‫ماذا سيختلف في حياتي إن عشت كقوة روحية َّ‬
‫لماذا المرونة الفكرية مهمة في حياتي؟‬
‫ما هي الفكرة التي إن تخلّيتُ عنها‪ ،‬سأفتح عالما جديدا من داخل نفسي؟‬
‫هل أنا جاهز للحرية الفكرية‪ ،‬وبصدق؟‬
‫االستعمالُاألسمىُللعزيمةُ‬
‫العزيمة كلمة متداولة بكثرة في تطوير الذات‪ ،‬حيث تظهر وكأنّها عنصر ال‬
‫محدود‪ ،‬تستطيع أن تخترق به الجبال والبحار‪ ،‬ولكن هذا ليس دقيقا‪ ،‬فالعزيمة‬
‫قوة العزيمة‪ ،‬بل هو دعوة لتوجيهها‬ ‫اإلنسانيّة محدودة‪ .‬وهذا ليس انتقاصا من ّ‬
‫باالتجاه األسمى؛ لتسخر نعمة العزيمة لفعاليتها الكبرى‪.‬‬
‫وقبل ارتقاء العزيمة إلى أعلى درجات الفاعليّة‪ ،‬تمر عادة بمراحل من النضج‪،‬‬
‫ففي البداية‪ ،‬تُستعمل العزيمة كوسيلة للتشجيع‪ ،‬وشحذ اإلرادة وحسب‪ ،‬حيث االنتقال‬
‫من جملة «ال أستطيع»‪ ،‬إلى «أستطيع»‪ .‬ولكن أنا وأنت نعرف خير المعرفة‪ ،‬أنّه‬
‫كررت هذه العبارة‪ ،‬وحتى لو قفزت مع آالف األشخاص في محاضرة‪ ،‬لتهتفوا‬ ‫مهما ّ‬
‫سويًّا «أنا أستطيع»‪ ،‬فستفتر هذه الحماسة بعد أيام قليلة‪ ،‬لتتسلل خلسة بعدها إلى‬
‫ذهنك فكرة «أنا ال أستطيع»‪ ،‬ومعها يأتي الشك بقدراتك‪ .‬وإن كنت عازما على‬
‫التقدم‪ ،‬فستحاول إعادة ال َك ّرة‪ ،‬فتبدأ بتذكير نَ ْفسِك من جديد بأنّك تستطيع‪ ،‬لتعود‬
‫الدوامة نفسها بين «أستطيع»‪ ،‬و»ال أستطيع»‪ ،‬وتبقى عزيمتك تتالطم بين هذين‬
‫النقيضين‪.‬‬
‫وال نقصد هنا بتاتا أن ننتقص من أهمية تشجيع الذات‪ ،‬فأنا شخصيًّا أُذ ّكر نفسي‬
‫بأنّي أستطيع في كثير من األوقات‪ ،‬وأطلب من أصدقائي تذكيري بهذا لخلق شحنة‬
‫أن هذا هو االستعمال السطحي‬ ‫عاطفيّة لحظيّة‪ ،‬ألخذ فعل تقدُّمي‪ ،‬ولكنني أَعي أيضا ّ‬
‫للعزيمة؛ ألنّه ال يتعدّى بُعد االزدواجيّة‪ ،‬بين أستطيع‪ ،‬وال أستطيع‪ .‬والصراع في‬
‫حلبة االزدواجيّة ُمت ِعب للغاية‪ ،‬ويحتاج إلى المراوغة المستمرة للعزيمة‪ ،‬ناهيك عن‬
‫أن الحياة قد تُطيح بالعزيمة كلّها في لحظة واحدة‪ ،‬أمام موقف غير متوقّع كالمرض‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬سأقترح عليك أن تفتح الستارة هنا على مفهوم جديد للعزيمة‪ ،‬فالعزيمة التي‬
‫ندعو لها هي ليست المصارعة الدائمة مع مارد الحياة‪ ،‬بل هي الفطنة‪.‬‬
‫الفطنة التي نعنيها هي التيقظ ألفكارك ‪ ،‬فاألفكار مجرد أفكار‪ ،‬وال داعي‬
‫لمحاربتها‪ ،‬ففي النهاية أنت ال تريد محاربة فكرة أنا ال أستطيع‪ ،‬بل تريد عدم‬
‫تصديقها فقط‪ ،‬باستخدام الفطنة‪ ،‬وبهذا ستبقى في حالة االنسياب‪ ،‬ومن دون الحاجة‬
‫حتى إلى إضافة المزيد من «أنا أستطيع» للسيل المتدفّق‪ .‬فالطفل ال يحتاج أن ينظر‬
‫إلى المرآة‪ ،‬ويصرخ لنفسه «أنا أستطيع» كي يتعلم ويتطور؛ وذلك ألنّه على اتصال‬
‫ض ْمني بالفضاء الذي يتدفق منه التقدّم واإلمكانات‪.‬‬
‫ِ‬
‫ألن فيه التيقّظ الدائم للذهن وأفكاره الشخصيّة‪ ،‬من‬ ‫الفطنة هي خصلة المحترف؛ ّ‬
‫مارة‪،‬‬
‫دون تصديقها‪ ،‬أو الوالء لها‪ ،‬بل السماح لها باالنسياب في النفس كسحابة ّ‬
‫والسحابة إن حجبت نور الشمس‪ ،‬فهي ال تلغي وجودها؛ لذلك فإن الح ّل الشافي لك ّل‬
‫المحددات الفكريّة‪ ،‬هو عدم تصديق األفكار بالفطنة‪ ،‬فقط ال غير‪.‬‬
‫وقد يخطر لك اآلن‪« :‬ولكن إن لم أصدّق أفكاري‪ ،‬ماذا عن األفكار البنَّاءة‪ ،‬أفال‬
‫أصدقها أيضا؟»‪.‬‬
‫وسنجيب هذا السؤال بسؤال آخر‪ :‬ما هو مصدر األفكار البنّاءة؟‬
‫المكرر‪ ،‬بل هي نتاج الذكاء الكوني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫األفكار البنّاءة ليست نتاج التفكير الشخصي‬
‫فهي تلك النوعيّة من األفكار التي تظهر أمامك‪ ،‬كنوع من الومضات الفكريّة‪ ،‬لتلمع‬
‫أعمق من الحياة‪ .‬وإن كانت كلّمة‬ ‫ّ‬ ‫في نفسك بمنظور جديد‪ ،‬يرتقي به إلى بُ ْع ٍد‬
‫الومضات الفكريّة محيرة لك‪ ،‬فتذكر تلك اللحظات التي تقول فيها «آآآآآآه!»‪.‬‬
‫هذه هي األفكار التي تسعى لها‪ ،‬أو باألصح تسعى للسماح لها بالظهور‪ ،‬هي‬
‫الحكمة واإللهام‪ ،‬وفيها الهداية إلى رسالتك‬ ‫الومضات الفكريّة التي تحمل في روحها ِ‬
‫القلبيّة‪ .‬وهذه الومضات الفكريّة ستتزايد بارتقائك عن األفكار الشخصيّة المبرمجة‪،‬‬
‫الحر في فضاء الذات؛ لذا ك ّل ما عليك فعله هو السقوط خلف أفكارك‬ ‫ّ‬ ‫وسقوطك‬
‫الحكمة‪ ،‬وهذا أعلى‬ ‫الشخصيّة‪ ،‬كي توفر البيئة الكيميائية المناسبة لسطوع أفكار ِ‬
‫استعمال للعزيمة‪.‬‬
‫أنا أعيش حياتي بهذا الطريقة‪ ،‬أبقى غالب الوقت بفطنة الفضاء الداخليّة‪ ،‬وإن‬
‫انجرفت مع أفكاري المبرمجة‪ ،‬أعود سريعا إلى الفطنة‪ ،‬حيث ترتقي تدريجيًّا القدرة‬
‫الضمنيَّة على عدم تصديق األفكار‪ .‬وهذا لم يحدث في يوم أو يومين‪ ،‬وإنّما عن‬
‫طريق التدريب المستمر على االحتراف الذهني‪ ،‬واالستعمال المتكرر لتكنولوجيات‬
‫روحية فعالة‪ ،‬للبقاء في حالة الفطنة‪ .‬وسنشارك معك في الوحدات التالية بعضا من‬
‫ف عن‬ ‫ف عن تصديق أفكارك‪ُ ،‬ك َّ‬ ‫هذه التكنولوجيات‪ ،‬ولكن تذكر أن المبدأ ذاته‪ُ :‬ك َّ‬
‫التشبّث بها‪ ،‬وعندها سترى كيف ستعمل عبقرية الحياة من خاللك‪.‬‬
‫أنا أختار أن أعيش بهذه الطريقة؛ ألني أعي تماما‪ ،‬أنه مهما ارتقت قدراتي الفكريّة‬
‫صة‪ ،‬فلن أتغلب على عبقريّة الحياة؛ لذلك أختار التسليم لها‪ .‬وبالمقابل فعبقريّة‬ ‫الخا ّ‬
‫الحياة ال تخذلني‪ ،‬وتوفّر لي دائما أفكار اإللهام القلبي‪ ،‬فاإللهام مرشدي‪ ،‬وصديقي‪،‬‬
‫وسيدي‪ ،‬وفارسي‪ ،‬أرضخ ألمره‪ ،‬فيقودني إلى المرحلة القادمة‪ ،‬فحتى هذا الكتاب‬
‫الذي تقرؤه أتى من فضاء اإللهام هذا‪ .‬فضاء الذات‪.‬‬
‫فتذ ّكر أن ك ّل الكتب التي ستكتبها‪ ،‬والمحاضرات التي ستلقيها‪ ،‬واألغاني التي‬
‫ستل ّحنها‪ ،‬واالكتشافات التي ستصل إليها‪ ،‬هي موجودة اآلن في نهر إلهامك‪ ،‬في‬
‫نهر مصيرك‪ ،‬وك ّل ما عليك فعله‪ ،‬هو أن تدع سفينة الحياة تجري في النهر كما‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬
‫تشتهي‪ ،‬من دون عرقلتها بطحالب أفكارك الشخصيّة‪ ،‬وهذا ّ‬
‫االستعمال األعلى للعزيمة‪ ،‬بأن تدع نهر الحياة لقيادة سفينتك‪ ،‬دون عرقلته بأفكارك‬
‫الشخصيّة‪.‬‬
‫وطريقة أخرى للتحدث هذا الشكل من العزيمة‪ ،‬هي كما يصفها المتحدث الي‬
‫كامبيل‪َ « :‬ب ِعّد عن طريقك»‪ ،‬فهذا كان أسلوبه الخاص‪ ،‬لوصف كلمة السريان في‬
‫الحياة‪ .‬فقد أتى الوقت لتسري في نهر الحياة‪ ،‬وتدع سفينة اإللهام تقودك‪ ،‬دون‬
‫االنخطاف األعمى إلى قصص الذهن ورواياته‪ ،‬وهذا تدريب مستمر‪ :‬أن تدع ذهنك‬
‫يف ّكر‪ .‬ويف ّكر‪ .‬ويف ّكر دون أن تصدّق أفكاره‪ ،‬فاألفكار تُش َحن بتصديقك لها‪ ،‬افصل‬
‫قوة‪.‬‬
‫هذا الشاحن‪ ،‬فتصبح الفكرة كالبخار‪ ،‬من دون حو ٍل أو ّ‬
‫ت فكرة «أنا ال أستطيع» في فضائك الفكري‪ ،‬فهي ليست َّإال فكرة عابرة‬ ‫فإن َ‬
‫ظ َه َر ْ‬
‫حتى تعطيها أُذُنَك‪ ،‬وعندها سيشتدُّ عود الفكرة‪ ،‬وتبدأ بأخذِك إلى صالتها السياسية‪،‬‬
‫وحواراتها المشذّبة‪ ،‬لتُقنعك بص ّحة طرحها‪ .‬أو يمكنك أن تختار موقف المحترف‪،‬‬
‫وتبقى في فطنة المراقب‪ ،‬وال تُنصت للفكرة‪ ،‬وإن كانت مقرونة باإلحساس‪ .‬وهذا‬
‫ال يعني أن تحارب الفكرة‪ ،‬بل احترمها بقولك لها شكرا على المشاركة كما يقول‪:‬‬
‫«تي هارف إيكر ‪ ،»T. Harv Eker‬لتقوم بعدها باالستكمال في تيّارك الخاص‪،‬‬
‫واألخذ ب ُخطى تقدميّة‪.‬‬
‫وعندما تمشي في تيار الفعل التقدّمي‪ ،‬ستتالشى األفكار ال ُمعَرقِلة مع االندفاع‬
‫سحر هو التركيبة العجيبة التي تبدأ بالعمل‪ ،‬عندما‬ ‫سحر‪ ،‬فال ِ ّ‬
‫بالفعل‪ ،‬وهنا يَحدث ال ِ ّ‬
‫بغض النظر عن رأي نظام الخوف وأفكاره‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تقوم بفعل تقدّمي باتّجاه سريانك‪،‬‬
‫ولكن قد تف ّكر اآلن‪ ،‬ولكن ماذا لو كنت فعال ال أستطيع القيام بفعل تقدُّمي؟ ماذا لو‬
‫ي ّأال‬ ‫كنتُ فعال ال أستطيع أن أقف أمام عشرة آالف شخص‪ ،‬وألقي خطابا‪ ،‬فهل عل َّ‬
‫بغض النظر؟‬
‫ّ‬ ‫أصدّق هذه الفكرة‪ ،‬وأقوم بالفعل‬
‫التدرج‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫نحن ال ندعو هنا إلى القفز المبالغ فيه خارج منطقة الراحة‪ ،‬ولكن ندعو إلى‬
‫فقد ال تكون خطوتك القادمة أن تتكلّم أمام عشرة آالف شخص‪ ،‬ولكن قد تكون أن‬
‫ب على الحديث أمام شخصين‪ ،‬أو‬ ‫تتدر َ‬
‫تأخذ دورة في التحدث أمام الناس‪ ،‬أو أن َّ‬
‫تشبثت بالفكرة المحدّدة‪ ،‬وهي‬ ‫َ‬ ‫ثالثة‪ ،‬ولكنك لن تفعل هذا الفعل التقدُّمي الصغير‪ ،‬إن‬
‫مجرد فكرة‪ ،‬مجرد وهم‪ ،‬مجرد بخار‪.‬‬
‫فال تنتظر أن تنتهي األفكار المحدّدة‪ ،‬كي تلمس تدفقك األصيل‪ ،‬وتأخذ فعال تقد ِّميًّا‪،‬‬
‫بل دع األفكار الخائفة تثرثر من دون تصديقها‪ ،‬فالذهن الخائف سيبقى يثرثر؛ ألن‬
‫له أجندة واحدة‪ ،‬وهي الحماية‪ ،‬وهذا يعني البقاء في منطقة المعروف والمكرر؛‬
‫لذلك سيتف َعل الجزء الخائف فيك‪ ،‬كلّما مشيت أكثر في رحلة القلب‪ .‬فالمحترف ليس‬
‫ي‪ ،‬ليُسقط ذهنه‬ ‫ور ِق ٍّ‬ ‫روضها ٍّ‬
‫بفن ُ‬ ‫من ألغى وجود األفكارالخائفة وال ُمعرقلة‪ ،‬بل من ّ‬
‫تدريجيًّا إلى قلب الحياة‪ ،‬ويتدفق مع نهر التعبير الصادق‪.‬‬
‫الترويض الذهني ال يتم بمكاسرة يدي األفكار؛ ألنّها ستجرفك بحواراتها‪ ،‬وقيودها‬
‫«المنطقيّة»‪ ،‬ولكنّه يتم بالفن‪ ،‬فن تعدّي األفكار‪ ،‬وهذا الفن فيه نوع من األناقة‬
‫س ّل خلف األفكار المبرمجة دون محاربتها‪ ،‬وهذا يأتي‬ ‫والحدسية‪ ،‬التي تجعلك ت َ ْن َ‬
‫ع ِلقت في‬ ‫بالتدريب‪ ،‬وهذا التدريب هو أعلى استخدام للعزيمة‪ .‬وإن َ‬
‫حواراتك الذهنيَّة‪ ،‬وفقدت صفاء الفطنة‪ ،‬فليس هناك مشكلة‪ ،‬فهذا أيضا جزء من‬
‫التدريب‪ ،‬وك ّل ما عليك فعله هو االنتظار‪ ،‬حتى ينزلق ذهنك مرة أخرى إلى الصفاء‬
‫ي‪ ،‬وهذا سيحدث إن لم تضف أفكارا على األفكار‪ ،‬أو تحاول إيقاف األفكار ‪.‬‬ ‫الداخل ّ‬
‫بالتموج‪ ،‬فهل‬ ‫ّ‬ ‫فإن كانت أمامك بحيرة صافية‪ ،‬ورميت فيها حجرا‪ ،‬وبدأ السطح‬
‫سترمي حجرا آخر ليرجع الماء إلى صفائه الطبيعي‪ ،‬أم ستتركه ليسكن وحده؟‬
‫ص ّمم للعودة إلى حالته الطبيعيّة إن لم تقاومه‪ ،‬حاله حال الجسم عندما‬ ‫الذهن ُم َ‬
‫يُجرح‪ ،‬فالجسم ُمص َّمم ليُ ْشفَى‪ ،‬ويعود إلى حالته الطبيعيّة وحده‪ ،‬إذا لم تنظر إلى‬
‫الجرح ك ّل دقيقة‪ ،‬وتبدأ بخدشه‪ ،‬فهذا التد ّخل سيؤ ّخر عمليّة الشفاء‪ .‬فالس ُِّر إذا هو‬
‫في عدم التد ّخل‪ ،‬وهذا هو االحتراف الذهني‪.‬‬
‫االحتراف الذهني ال يحصل بإجبار الذهن على العودة إلى صفائه األصيل‪ ،‬بل هو‬
‫السرعة التي تنفصل بها عن ذهنك‪ ،‬لتعطيه المجال ليرجع وحده إلى طبيعته‪ ،‬وهذا‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫ّ‬
‫االحتراف الذهني هو إتاحة المجال للذهن للعودة ‪ -‬وحده ‪ -‬إلى صفائه األصيل‪.‬‬
‫قادر على البقاء في حالة‬ ‫ليس هناك أحدٌ من البشر‪ ،‬مهما ارتقت قدراته الذهنيَّة‪ٌ ،‬‬
‫الصفاء الذهني طوال الوقت‪ ،‬دون االنزياح هنا قليال‪ ،‬وقليال هناك‪ ،‬هذا ما أ ّكده لي‬
‫هاورد مارتن في المقا بلة التي أجريتها معه‪ .‬هاورد هو أحد المؤسسين لـ «هارت‬
‫ماث ‪ ، »HeartMath‬وهي من أعظم المؤسسات في العالم اآلن‪ ،‬في استعمال‬
‫إن أهم المهارات التي‬ ‫العلم والتكنولوجيا لدراسة الذكاء القلبي‪ ،‬قال لي هاورد‪ّ »:‬‬
‫يجب أن يحترفها الشخص في المرحلة القادمة هي المرونة الذهنيَّة‪ ،‬التي تسمح‬
‫معرفا الحالة األصليّة بأنّها شكل من‬‫للشخص بالعودة إلى حالته األصليّة بسرعة»‪ّ ،‬‬
‫الهدوء وصفاء الذهن‪ .‬فالحياة ستشدك يمينا وشماال‪ ،‬ومقياس االحترافيّة هو بالوقت‬
‫الذي ستستغرقه للرجوع إلى مركزك‪.‬‬
‫وإن ُكنت غير مقتنع باألهميّة غير العادية للمرونة الذهنيَّة‪ ،‬فدعني أقدّ ْم لك هذا‬
‫سك اليوم لمقابلة فيها إمكانيَّة تغيير مجرى‬ ‫السنياريو االفتراضي‪ :‬تخيّل أنّك تج ّهز نَ ْف َ‬
‫واستمتعت بوجبة‬
‫َ‬ ‫ولعبت الرياضة‪،‬‬
‫َ‬ ‫ضت منذ الصباح الباكر‪،‬‬ ‫حياتك لألبد‪ .‬فنَ َه َ‬
‫سك ذهنيًّا‪ ،‬وعاطفيًّا للمقابلة‪ ،‬وأصبحت مستعدًّا تماما ألخذ هذا‬ ‫صحيّة‪ ،‬وجهزت نَ ْف َ‬
‫دت إطارات السيارة األربعة فارغة من الهواء‪،‬‬ ‫جت‪َ ،‬و َج َّ‬‫التحدي‪ ،‬وعندما خ ََر َ‬
‫واألسوأ من ذلك أن بيتك ليس في المدينة‪ ،‬وال يوجد أيّة وسيلة نقل أخرى‪.‬‬
‫هنا ستعرف أهميّة المرونة الذهنيَّة‪ ،‬والعودة السريعة إلى حالتك الطبيعيّة!‬
‫فإن استمر ذهنك بجرفك في مسارات التوتر‪ ،‬لن يكون عندك الصفاء الكافي‬
‫حال‪ ،‬وتم ّكنت من إيجاد وسيلة‬ ‫للتروي والتفكير في الحلول البديلة‪ ،‬وإن وجدت ًّ‬
‫َحمل هذه الطاقة المتوترة المبعثرة معك على‬ ‫ست ِ‬ ‫خاصة للوصول إلى المقابلة‪َ ،‬‬
‫المقابلة‪ ،‬وسيشت َ ُّم الناس هذه الطاقة‪ ،‬فتفسد عليك ك ّل شيء‪ .‬تذ ّكر أنّنا ال ندعو هنا‬
‫تهتز إثر المواقف‪ ،‬ولكن المغزى هو في السرعة التي ستعود‬ ‫لئال تسمح لنَ ْفسِك بأن ّ‬ ‫ّ‬
‫بها لمساحة الصفاء‪.‬‬
‫ومساحة الصفاء‪ ،‬والسكون الداخلي موجودة في داخلك طوال الوقت‪ ،‬فهي «أنت»‪،‬‬
‫إن التدريب األسمى للعزيمة‪،‬‬ ‫أنت «األصيلة»‪ ،‬أنت «الخالدة»؛ لذلك يص ُّح القول ّ‬
‫هو االنفصال عن أفكارك الشخصيّة‪ ،‬وتسليم نَ ْفسِك للذات األصيلة‪ ،‬وهي فضاء من‬
‫الوعي الخالص‪ .‬وفي هذا أيضا التسليم لتدفق الحياة‪ ،‬ستصبح أنت والحياة نهرا‬
‫واحدا‪ ،‬ال ث َ ْوران يتصارعان في َحلَبَة‪.‬‬
‫وهذا التسليم لن يساعدك فقَط على العودة إلى حالة الصفاء‪ ،‬بل أيضا إلى تدفّقك‬
‫األصيل‪ ،‬وهو المكان الذي يسطع منه تعبيرك الفريد وأداؤك الراقي‪ ،‬ففي حالة‬
‫التسليم تنهار الحواجز بين الشخص والروح‪ ،‬وتختفي الحاجة إلى التملّك والسيطرة‬
‫ليبزغ تلقائيًّا من خاللك األداء الراقي‪.‬‬ ‫على تدفّق الحياة‪ُ ،‬‬
‫ق بوعيٍ‪ ،‬أو من دون‪ ،‬فعندما ُكنتُ أتحاور مع صديقي‬ ‫هذا ما عرفه ك ّل ُمؤ ٍدّ را ٍ‬
‫آدم‪ ،‬أحد العبي المنتخب الوطني االسكتلندي للرجبي عن ماهية األداء‪ ،‬قال لي‬
‫ت قلبي ُمباشرة‪ ،‬قال‪ « :‬إيهاب‪ ،‬ك ّل العب اختَبَ َر في وقت ما‬ ‫وقتها كلمات لَ َم َ‬
‫س ْ‬
‫حيث يتدفّق اللعب من غير مجهود‪ ،‬وتنساب الحركات‬ ‫ُ‬ ‫سحريّة لألداء‪،‬‬ ‫الحالة ال ِ ّ‬
‫ّ‬
‫وكأن شيئا من‬ ‫بيُسر‪ ،‬ويجد الالعب نفسه في المكان المناسب والوقت المناسب‪،‬‬
‫ُحركه دون تفكير‪ .‬وهذا ما يبدو للمتفرج الخارجي كحال ٍة ُمدهشة من‬ ‫الفطرة ي ّ‬
‫البساطة‪ ،‬فاألداء الذي َيش َهده َيخلو من التعقيدات والمجهود‪ ،‬ويمتلئ بالفاعليّة‪،‬‬
‫والجمال‪ ،‬واألسلوب الفريد»‪.‬‬
‫أن ك ّل العب يحاول الرجوع إلى هذه الحالة بكافّة‬ ‫ومن ث َّم أضاف‪« :‬المشكلة ّ‬
‫مرة‬ ‫الطرق‪ ،‬فيحاول بشدة إحكام ذهنه باإليجابيّة‪ ،‬علّه يرجع إلى حالة التدفّق ّ‬
‫أخرى‪ ،‬ولكن في هذا شيء من عدم الفهم لحالة التدفّق‪ ،‬فالتدفّق حاصل حاصل‪ ،‬إن‬
‫لم تتدخل باألفكارالخائفة‪ ،‬وتحاول مقاومتها كي تتغير»‪ ،‬وهذا ما أثبتته لنا األبحاث‬
‫أن الشخص يدخل التدفّق‬ ‫صصة بدراسة حالة التدفّق‪ ،‬لتُظهر لنا ّ‬ ‫العلمية والمتخ ّ‬
‫عندما تكون أنشطته الذهنيَّة أقل‪ ،‬وليس أكثر كما يظن المعظم‪.‬‬
‫فدع التوتّر والقلق بحاله دون مقاومته‪ ،‬فهو ليس َّإال أفكارا قلقة تحاول التح ُّكم‬
‫ُحركها‪،‬‬‫بالعمليّة االبتكاريّة‪ ،‬ولكن هيهات‪ ،‬فالعمليّة االبتكارية فيها عنصر خالد ي ّ‬
‫س ِي ُرها‪ ،‬وما التد ّخل فيه َّإال البعد عنه‪.‬‬
‫وترتيب ذكي فائق يُ َ‬
‫وقدرتك على تعدّي األفكار القلقة‪ ،‬والعودة إلى «تدفقك» ستتزايد تدريجيًّا عندما‬
‫ستعري قصصك الفكريّة‬ ‫ّ‬ ‫أن الخبرة اإلنسانيّة تحصل من داخلك؛ ألنّك عندها‬ ‫ت َعي ّ‬
‫أن القلق ال يأتي‬‫مجرد بخار‪ .‬وستعي ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجرد أفكار‪،‬‬‫ّ‬ ‫من غطائها‪ ،‬لتراها كما هي‪:‬‬
‫من الجمهور‪ ،‬أو النتائج أو غيرها‪ ،‬وإنّما من مجرد أفكار‪ ،‬وسيتّضح لك حينها‬
‫ي عنه غالب البشر‪ :‬أن التوتر والقلق وك ّل‬ ‫ع ِم َ‬
‫بوضوح الشمس المنطق البسيط الذي َ‬
‫أن تتخلص منها أو‬ ‫الخبرات المحسوسة‪ ،‬ما هي َّإال نتاج األفكار‪ ،‬وليست وظيفتك ْ‬
‫تُنهيها؛ كي يكون أداؤك يسيرا‪ ،‬وتعيش بسالم‪ ،‬وتجري مع نهر الحياة‪.‬‬
‫أن أحدهم قال لي ذلك من قبل؛ إنّه ليس علي‬ ‫وفي الختام قال لي آدم‪« :‬أتمنى لو ّ‬
‫ي فعله هو أن أذهب إلى الملعب وألعب‪،‬‬ ‫الت َخلص من أفكار القلق‪ ،‬وإنّما ك ّل ما عل َّ‬
‫ألعب فقط»‪.‬‬
‫العب رجبي‪ ،‬ولكنك العب في الحياة‪ ،‬وك ّل ما عليك فعله هو أن تلعب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫قد ال تكون‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫أو بجملة أخرى أن تكون أنت‪ ،‬فهذه روح اللعب األصيلة‪ ،‬وهذا ّ‬
‫روح اللعب هي أن تكون أنت‪.‬‬
‫كن أنت‪ ،‬والعب بك ّل عفويتك‪ ،‬فاألداء الراقي وليد العفويّة واالستمتاع‪ ،‬حيث تتدفق‬
‫الحياة من خالل قلبك بيُسْر وحرية‪ ،‬سأقولها مرة أخرى للتأكيد‪ :‬من خالل قلبك‪.‬‬
‫صة َحصلت معي قبل خمس‬ ‫ولتوضيح المغزى من كلمة القلب‪ ،‬دعني أشاركك قِ ّ‬
‫سنوات‪.‬‬
‫في ذلك الوقت كنت أرفع من قدراتي كمتحدث‪ ،‬وكنت أقوم بعدة خطابات تدريبية‬
‫صص لتدريب‬ ‫بجهة اسمها (توست ماسترز ‪ ،)Toastmasters‬وهو مكان مخ ّ‬
‫الناس على التحدّث أمام الجمهور‪ .‬كنت في غاية االستمتاع‪ ،‬وكان أول خطابين‬
‫قدمتهما رائعين‪ ،‬حتى أتى الوقت للخطاب الثالث‪.‬‬
‫قام رئيس الجلسة بالنداء على اسمي حينها‪ ،‬فقمت بثقتي المعتادة على المسرح‪،‬‬
‫ومشيت بخطى واثقة إلى المنتصف‪ .‬نظرتُ إلى عيون الحاضرين وهي تترقب ماذا‬
‫سيخرج من فمي‪ ،‬وأنا أُحس بنفس اإلحساس المعهود في صدري كدقات متسارعة‬
‫من قلبي بسرعة أكبر وأكبر‪.‬‬
‫لم أ َ ِع ْر انتباها إلى هذه النبضات؛ ألني اعتدت عليها‪ ،‬و َه َم ْمتُ بالكالم‪ ،‬وكان‬
‫الخطاب متوازنا وجميال‪ ،‬حتى أتت تلك اللحظة‪.‬‬
‫ولك أن تتنبأ ما هي هذه اللحظة؟‬
‫هي أكبر مخاوف المتحدثين…‬
‫ت لك‪ ،‬نَسيتُ ك ّل شيء‪ ،‬وانعقد لساني‪،‬‬ ‫َفس الفكرة التي َخ َ‬
‫ط َر ْ‬ ‫نعم‪ ،‬في الغالب ن ُ‬
‫ت قدمي‪.‬‬‫س ْ‬
‫وتيبّ َ‬
‫بدأت األفكار بالتسارع في رأسي‪ « :‬أين الكلمة التي بعدها؟ أرجوك احضري‪،‬‬
‫لماذا لم تحضر؟ ماذا أفعل اآلن؟ ماذا أفعل اآلن؟ وتسارع هذا الحوار في رأسي‬
‫ي‬ ‫حتى لم أعد أسمع غير رنين صداه»‪ ،‬وبالرغم من تعالي الصوت الداخلي‪ ،‬بَ ِق َ‬
‫لساني حبيس فمي‪ ،‬وما كان لي َّإال أن أضحك حينها ضحكة ساخرة من نفسي‪،‬‬
‫وأقول للجميع‪ :‬عفوا لقد نسيت كل شيء‪ .‬قمت ـومن دون إذن‪ -‬بالعودة إلى مقعدي‪،‬‬
‫عصر معدتي عصرا‪.‬‬ ‫وشعور الخزي يَ ِ‬
‫ي‬ ‫بالرغم من صعوبة الموقف لحظتها‪ ،‬وعدم قدرتي على التصرف حينها‪ ،‬بَ ِق َ‬
‫عشقي للتطور المستمر‪ ،‬وفهمي أن في كل تجربة فرصة للتطور ساكنا في داخلي‪.‬‬
‫فبدأت أُحاول أن أنتقص الخير في هذا الموقف؛ لذلك ذهبتُ في وقت االستراحة‬
‫ُ‬
‫أضمن‬ ‫إلى السيد زهير‪ -‬المسؤول عن توست ماسترز‪ -‬وسألته‪ « :‬سيد زهير‪ ،‬كيف‬
‫ي وقال بصوت واثق‪ « :‬إيهاب‪،‬‬ ‫ي خطاب أقدّمه في المستقبّل؟»‪ ،‬فنظر إل ّ‬ ‫ّأال أنسى أ ّ‬
‫إن تكلّمت من قلبك‪ ،‬فمن المستحيل أن تنسى»‪.‬‬
‫سر‬
‫أن ّ‬ ‫درك ّ‬ ‫استغرقتُ سنوات وسنوات ألفهم المعنى الحقيقي للتكلّم من القلب‪ ،‬وأ ُ ِ‬
‫الخَطابة الراقية هو أن تتحدث من قلبك‪ ،‬فأنت الخطاب‪ ،‬وقلب الحياة هو الخطيب‪،‬‬
‫حضّر ما أريد أن أقوله في الفيديوهات‪ ،‬أو‬ ‫نعم بهذا الترتيب‪ .‬لذلك فأنا اآلن ال أ ُ ِ‬
‫التدريبات الفرديّة‪ ،‬أو الجماعيّة ّإال تحضيرا سطحيًّا للتنظيم الشمولي لألفكار والنية‪،‬‬
‫وأعتمد أسلوب القلب‪ ،‬أسلوب العفويّة‪ .‬وهذا ما أُدرسه في كورس صوت الوعي‬
‫(‪ ) Authentic Speaker‬في أكاديمية كن انت‪.‬‬
‫وما النقيض لذلك؟ أن تُحاو َل التطفُّل عل تدفّق القلب‪ ،‬وعرقلته‪.‬‬
‫أن ت َعبُر من خاللنا؟‬ ‫ولكن‪ ،‬لماذا نعرقل تدفق القلب‪ ،‬ونَمن ُع تلقائيّة الحياة ْ‬
‫المكررة‪ :‬الخوف‪ .‬هو الخوف الذي يجبرك على القفز المرضي‬ ‫ّ‬ ‫نعم‪ ،‬إنها اإلجابة‬
‫َنق للتلقائيّة‪ ،‬وقَتل‬‫جب للتدفّق الطبيعي‪ ،‬وخ ٌ‬ ‫لنتائج األداء‪ ،‬وفي هذا الخوف َح ٌ‬
‫لالستمتاع‪.‬‬
‫أن الح ّل موجود‪ ،‬وهو بداخلك اآلن‪ ،‬الح ّل هو أن تنظر إلى‬ ‫ولكن الخبر الجيّد ّ‬‫ّ‬
‫بغض النظر عن النتائج‪ ،‬وأن ال شيء قادر على‬ ‫ِّ‬ ‫داخلك لترى أنّك في العُمق كامل‬
‫أن يَسلُبَ َك قيمتك‪ ،‬وال أن يضيف إليها‪.‬‬
‫ومن هنا سيتدفّق األداء بجما ٍل َو ِرقّة‪ ،‬فال خوف من الخطأ سيزلزله‪ ،‬وال الخوف‬
‫ُؤرقه‪ .‬وهكذا يتحول األداء إلى ما يفترض أن يكون عليه‪ :‬نوعٌ من‬ ‫سي ّ‬ ‫من الخسارة َ‬
‫اللعب‪ ،‬بَدَ َل أن يكون مسألة حياة أو موت‪ ،‬بالخوف من النتائج‪ ،‬أو أحكام الناس‪.‬‬
‫لتحرر ِجنّي العبقريّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السر األبدي‬
‫ّ‬ ‫هذا هو‬
‫سر العبقريّة‪ ،‬هو اللعب بعدم التد ّخل في تدفّق األداء‪ .‬وإن كان هذا‬ ‫إن ّ‬ ‫فقد نقول ّ‬
‫المبدأ بسيطا‪ّ ،‬إال أنّه ليس سهل التطبيق؛ ألنّك ستواجه حينها نظام الخوف فيك‬
‫يتروض‪ ،‬ويستسلم تدريجيًّا للذات العليا‪ ،‬وباستخدام العزيمة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مرارا وتكرارا حتى‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫* أعلى استخدام للعزيمة هي بتسخيرها للرجوع إلى فضاء الذات‪.‬‬
‫* المرونة العاطفية للعودة إلى حالتك األصلية قد تكون من أهم مهارات العصر‬
‫القادم‪.‬‬
‫* األداء الصادق ينبع من التماشي مع تدفقك الخاص‪.‬‬
‫* العبقرية في األداء هي قرينة اللعب في األداء من دون َج ِدّيَّة‪ ،‬أو تعلق بالنتائج‪.‬‬
‫أسئلة للتفَ ُّكر‪:‬‬
‫هل ستستطيع مراقبة أفكار التوتر من دون محاربتها‪ ،‬وبقولك لها شكرا؟‬
‫ماذا سيتغير حينها؟‬
‫ّرت عن نفسك من دون التعلق برأي الناس‪ ،‬أو أجندة النتائج؟‬
‫ماذا سيحدث إن عب َ‬
‫ماذا سيتغير إن أعطيت لنفسك ‪ ٪١٠‬مساحة أكثر من التلقائية‪ ،‬والعفوية؟‬
‫طريقُالمواجهةُ‬
‫الحياة لها طريقان ال ثالث لهما‪ ،‬إ ّما باتّجاه الذّات األصليّة‪ ،‬أو الهرب منها‪ ،‬وهنا‬
‫برز الحياة لنا الخيار‪ ،‬إ ّما باتّجاه الذات األصلية‪،‬‬ ‫قوة الخيار‪ ،‬ففي ك ّل لحظة ت ُ ِ‬ ‫ت َك ُمن ّ‬
‫داء الخوف‪ ،‬يَبدو أنّه اختار أن يُعيد اختيار‬ ‫أو البُعد عنها‪َ .‬و َو ْعي ِ اإلنسانيّة ال ُمصاب بِ ِ‬
‫الهروب من مواجهة نَ ْفسِك‪ ،‬فهذه المواجهة تَدُبُّ‬ ‫ُ‬ ‫الهروب‪ ،‬ولكن‪ ،‬الهروب من ماذا؟‬
‫الرعب في نظام الخوف‪ ،‬ألنّها تكشف زيفه‪ ،‬وتُجْ لي َو ْهم االنفصال الذي يُغذّيه‪.‬‬
‫فالمواجهة التي نتكلّم عنها ليست مواجهة خارجيّة‪ ،‬مع أنّها قد تعبّر عن نَ ْفسِها بهذا‬
‫عمقها هي مواجهة نظام الخوف في داخلك‪ ،‬وترويضه‪ .‬فعندما‬ ‫الشك ّل‪ ،‬لكن في ُ‬
‫يتفعّل نظام الخوف فيك‪ ،‬يبدأ فوريًّا باإلسقاطات الخارجيّة‪ ،‬معلّقا أسباب عدم األمان‬
‫على كافّة المصادر الخارجيّة‪ ،‬وهنا تتحول إلى دور الضحيّة‪ ،‬وتتحول نشوة الوجود‬
‫مستمرة من التأ ّهب والقلق واألحكام األتوماتيكيّة‪ ،‬واألحكام هي أشد‬ ‫ّ‬ ‫فيك‪ ،‬إلى حالة‬
‫استراتيجيات الخوف خطورة‪.‬‬
‫المكرر‪،‬‬‫ّ‬ ‫هنا بالتحديد تأتي الفرصة للخيار‪ ،‬فإ ّما أن تنجرف بنظام الخوف ومنهجه‬
‫صدَر الوحيد الذي‬ ‫وتبدأ َ برمي أسباب معاناتك على المصادر الخارجيّة‪ ،‬متناسيا ال َم ْ‬
‫سخ َر عزيمتك ألخذ المسؤوليّة‬ ‫تنبعث ِمنه‪ ،‬وهو أفكارك‪ ،‬أو تختار خيار الفارس‪ ،‬وت ُ ِ ّ‬
‫َبرز‬ ‫فتعري نظام الخوف من دَ ْو ِر الضحيّة الذي ي ُحبّ أن يمارسه‪ ،‬وهنا ت ُ‬ ‫ّ‬ ‫كاملة‪،‬‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫القوة الحقّة‪ ،‬وهذا ّ‬ ‫ّ‬
‫القوة الكاملة‪.‬‬
‫المسؤوليّة الكاملة‪ ،‬تعني ّ‬
‫طت باللوم على الخارج‪ ،‬واتّخذت‬ ‫ودعني أكشِف لك أيضا ِس َّر األسرار‪ :‬مهما أسقَ ْ‬
‫أسلوب الهروب كمنهج في حياتك‪ ،‬واستحضرت أسبابا غاية المنطقيّة لعدم النظر‬
‫طلَقَة‪ ،‬وهي ّ‬
‫أن‬ ‫لعدم األمان من داخلك‪ ،‬فلن تستطيع الهروب من الحقيقة الكونيّة ال ُم ْ‬
‫صدَ َر ك ّل أحاسيسك‪ ،‬ومن ضمنها عدم األمان‪ ،‬هي من داخلك‪ .‬مهما حاولت‬ ‫َم ْ‬
‫الهروب من هذه الحقيقة‪ ،‬فستالحقك هذه الحقيقة في يقظتك وحلمك‪ ،‬وسيعود عدم‬
‫األمان الذي أنّكرته في داخلك‪ ،‬ليَظهر‪ ،‬ويتجلَّى في أماكن مختلفة في حياتك‪ ،‬لترى‬
‫سك تلعب معه لعبة المطرقة كاألطفال‪ ،‬فكلّما ظهر وجهٌ بالستيكي على السطح‪،‬‬ ‫نَ ْف َ‬
‫تطرقه‪ ،‬فينزل إلى الداخل لفترة‪ ،‬ثم يعود ليظهر بشكل آخر‪.‬‬
‫ْح شكلك‪،‬‬ ‫أن َمصدَ َر عدم األمان فيك هو من قُب ِ‬ ‫تظن ّ‬‫ّ‬ ‫كنت‬
‫َ‬ ‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬لو‬
‫ألن فكرة القُبح التي‬ ‫ي كافة‪ ،‬فلن تستفيد؛ ّ‬ ‫وسعيت إلى ك ّل أنواع التجميل الخارج ّ‬ ‫َ‬
‫وذهبت لتُنهي هذا‬ ‫َ‬ ‫تُر ِعبُك هي من داخلك‪ .‬ولو كان عدم أمانك من قلة المال‪،‬‬
‫اإلحساس بجمع الماليين‪ ،‬فعدم األمان لن ينتهي‪ ،‬وسيبقى الخوف يصرخ فيك قائال‪:‬‬
‫ق ُمشينَة وسلوكيّات‬ ‫« ماذا لو فقدت المال؟» ليُعبّر هذا الخوف عن نفسه بِ ُ‬
‫ط ُر ِ‬
‫أر ْدت أن تتغلب على إحساس «أنا لست جيّدا» بالتبرع بك ّل ما تملك‬ ‫بغيضة‪ ،‬وإن َ‬
‫للجمعيات الخيريّة‪ ،‬فهذا التبرع لن يجلي خوف النقص الذي فيك‪ .‬وإن كنت تحس‬
‫صة ذاتها‪ ،‬وعدم‬ ‫بنقص ال ُحب‪ ،‬وسعيت للحصول عليه بأن تكون أكثر شهرة‪ ،‬فالق ّ‬
‫األمان لن يذهب‪ ،‬وسيالحقك من مكان إلى آخر‪ ،‬حتى تسعى إلى الح ّل الجذري‪،‬‬
‫وليس السطحي‪.‬‬
‫الح ّل الجذري يأتي في المواجهة‪ ،‬في النظر إلى داخلك‪ ،‬والمشي بصدر رحب إلى‬
‫بوابة الخوف‪ ،‬حتى ترشدك إلى ذاتك األصيلة‪ ،‬وعندها ستدرك أن ك ّل مخاوفك‬ ‫ّ‬
‫كانت أوهاما‪ ،‬فكلّها أفكار مغلوطة عن طبيعتك األصليّة‪ .‬عندها ستستمتع بتجميل‬
‫نَ ْفسِك‪ ،‬وجمع المال‪ ،‬واالستمتاع بالشهرة‪ ،‬ألنّها أصبحت ألعابا تستمتع بها‪ ،‬ال‬
‫ضمادات على الجرح‪ .‬ولألسف‪ ،‬فغالبيّة المواد المتداولة في التنمية البشريّة‬
‫والسيكولوجيّة الكالسيكيّة‪ ،‬تعمل كضمادات للخوف‪ ،‬وليس باتّجاه المواجهة الحقّة‪،‬‬
‫أو كما قد نصفها‪ ،‬كاستراتيجيّات للتعامل مع الخوف‪ ،‬وليس لمواجهته من الجذر‪.‬‬
‫صة لتضمن حصول‬ ‫ولكن حتى إن لم ترغب بالمواجهة‪ ،‬فالحياة لها طريقتها الخا ّ‬
‫ذلك‪ ،‬فكودات الروح األصيلة‪ُ ،‬مبرمجة لكشف الزيف وليس تلوينه‪ ،‬وإن امتد وقت‬
‫الزيف لفترة‪ .‬فالحياة ستكشف لك مخاوفك الدفينة عاجال أم آجال‪ ،‬وفيها ك ّل األماكن‬
‫ت فيها عن الذات‪.‬‬‫التي بَعُ ْد َ‬
‫هذا الكشف يبدأ بهمسات رقيقة‪ ،‬قد تكون على شكل عالمات صغيرة‪ ،‬و َخ ِفيّة في‬
‫وإن لم تسمع‪ ،‬ستُرغمك الحياة على‬ ‫وإن لم تسمع‪ ،‬ازدادت حدّة العالمة‪ْ ،‬‬ ‫يومك‪ْ ،‬‬
‫بقوة‪ ،‬وتشدها إلى فم الروح‪ ،‬وهذه‬ ‫ص أُذُنك ّ‬
‫صة‪ ،‬فَت َ ْق ُر ُ‬
‫اإلنصات بطريقتها الخا ّ‬
‫الصرامة جز ٌء من رحمة الحياة‪.‬‬
‫حاولت الحياد عن قانون الرحمة فلن تستطيع‪ ،‬وحتى لو احترفت‬ ‫َ‬ ‫ومهما‬
‫ألن ك ّل شيء يعمل ضمن هذا‪« ..‬قانون الرحمة»‪.‬‬ ‫استراتيجيات المراوغة والتلوي؛ ّ‬
‫فالفضاء الذي يجري فيه التكوين هو الرحمة‪ ،‬والفضاء الذي تُختزن فيه ك ّل‬
‫المعلومات الكونيّة هو الرحمة‪ ،‬والمادة التي تُعجن منه أشكال الحياة المختلفة هي‬
‫الرحمة‪ ،‬فالرحمة هي المستور‪ ،‬وهي الظاهر‪.‬‬
‫الرحمة هي الشراب الكوني المتشبّع في ذرات األكوان كافّة‪ ،‬وهي المادّة الجامعة‪،‬‬
‫التي تُبقي األرض والكواكب في مساراتها‪ ،‬وبسقوط الرحمة‪ ،‬ستتساقط ك ّل الكواكب‬
‫فإن الحياة تعمل‬ ‫خرج عن قانون الرحمة‪ ،‬أو يعلو عليه؛ ولذلك‪ّ ،‬‬ ‫باللحظة‪ .‬فال شيء يَ ُ‬
‫دائما وأبدا باتّجاه واحد‪ ،‬وهو الرحمة‪ ،‬حتّى إن لم تتوازَ الرحمة مع مفهومك عن‬
‫الرحمة‪.‬‬
‫فالرحمة قد ال تكون ما نرغب لها أن تكون؛ لذا تراها أحيانا كاأل ّم الصارمة التي‬
‫تقف أمامك‪ ،‬وال تدع لك مجاال للهروب حتى تنظر إلى داخل نَ ْفسِك‪ .‬فأ ُ ّم الرحمة‬
‫ت نظام الحياة بدقة لغاية اكتشاف الذات‪ ،‬وفي هذا مصلحتك‪،‬‬ ‫س ْ‬
‫الحنون قد هَندَ َ‬
‫ومصلحة الخليقة كافّة‪ ،‬وهذا أعلى درجات الرحمة‪.‬‬
‫فالسؤال إذا ليس ما إذا كانت الحياة رحيمة أَم ال‪ ،‬بل هل أنت متناغم مع قانون‬
‫الرحمة‪ ،‬أَم أنّك تحاول مقاومته؟‬
‫قوة‪ ،‬وغالبا‬ ‫والغالبية العظمى من الناس تقاوم الرحمة‪ ،‬وتحاربها بك ّل ما أوتيت من ّ‬
‫دون الوعي بذلك‪ .‬وطرق المقاومة للرحمة كثيرة ومتعدّدة‪ ،‬ولكن أكثر البرمجيات‬
‫للتطور السريع الذي ينشأ من قانون‬ ‫ّ‬ ‫مقاومة للرحمة‪ ،‬وبالتالي مقاومة‬ ‫َ‬ ‫الفكريّة‬
‫الرحمة‪ ،‬هي البرمجة المغلوطة للسبب وال ُمسبّب‪ ،‬أو الفهم المغلوط لهما‪.‬‬
‫ت َرى العا ّمة «السبب والمسبّب» بمراحل أربعة ( والذي ألهمني لها في البداية‬
‫مايكل نيل ‪ ،)Michael Neill‬وفي ك ّل مرحلة يَرتقي فيها التناغم مع قانون‬
‫الرحمة‪ ،‬ومعه االرتقاء بسرعة التعلّم مع الحياة‪ .‬ففي المرحلة األُولى‪ ،‬يَرى الشخص‬
‫ال ُمسبّب ألحاسيسه من الخارج دائما وأبدا‪ ،‬فهو هنا ضحيّة للعالم الخارجي‪ ،‬يعمل‬
‫كالروبوت ال ُمبَرمج على ردود الفعل األوتوماتيكيّة‪ .‬هنا يعيش الشخص في حالة‬
‫ستفزه‪ ،‬وك ّل موقف يَ ّ‬
‫ستفزه‪،‬‬ ‫َستفزه‪ ،‬وك ّل شخص يَ ّ‬ ‫من االستفزاز الدائم‪ ،‬فك ّل كلمة ت ّ‬
‫ي هذه المرحلة من السببيّة المغلوطة‬ ‫سم َ‬ ‫والسبب يَبقى من الخارج دائما وأبدا‪ .‬لنا ْ‬
‫أن نُ ِ ّ‬
‫بالضحيّة‪.‬‬
‫ث ّم تأتي المرحلة الثانية من السببيّة‪ ،‬وهي االرتقاء ما بعد الضحيّة إلى التحدي‪ ،‬فهنا‬
‫ط من عزيمتك‪،‬‬ ‫ي شخص يَ ُح ُّ‬ ‫ُمسبب اإلحساس من الخارج‪ ،‬ولكنّك لن تدع أ َّ‬
‫وستتحدى وتتحدى‪ .‬هنا يبدأ العشق للمواد الكالسيكيّة في التحميس‪ ،‬والتي ت ُنادي‬
‫خطتك وأهدافك‪،‬‬ ‫دائما بالتحدّي والصالبة‪ ،‬وتجاهل كالم الناس‪ ،‬واإلصرار على ّ‬
‫بالطبع أفضل من الضحيّة‪ ،‬لكنّك ستصطدم فيها بسقف َوهم ّ‬
‫ي َبعدَ‬ ‫ّ‬ ‫وهذه المرحلة‬
‫أن هذه الذهنيَّة لن تُجدي النفع في كافّة األوقات‪.‬‬ ‫حين‪ ،‬وخصوصا عندما تكتشف ّ‬
‫فهم أعلى للسبب وال ُمسبّب‪ ،‬ل َيصل إلى المرحلة الثالثة‪،‬‬ ‫عندها قد يرتقي وعيك إلى ٍ‬
‫وهي مرحلة المنظور‪.‬‬
‫في مرحلة المنظور يبقى ال ُمسبّب لإلحساس خارجيًّا‪ ،‬ولكن يُم ِكنُك التالعب به‪،‬‬
‫خسرت‪ ،‬وأحسست باأللم من الخسارة‪ ،‬فستغير‬ ‫َ‬ ‫قوة المنظور‪ ،‬فإن‬ ‫وتغييره باستعمال ّ‬
‫قوة المنظور‬ ‫منظورك عن الخسارة لتصبح فرصة للتعلّم‪ .‬ولكن‪ ،‬بالرغم من ّ‬
‫وفاعليّته‪ ،‬فقد يسعفك أحيانا‪ ،‬وأحيانا ال‪ ،‬فالخسارة بحدّ ذاتها هي فكرة في النهاية‪.‬‬
‫وإن ارتفع مستوى‬ ‫وعادة ما َيعمل الشخص على هذه المستويات الثالثة تباعا‪ْ ،‬‬
‫التمكين من مرحلة إلى أخرى‪ ،‬لكن ت َ ْبقى ك ّل هذه المراحل من السبب والمسبّب…‬
‫ٌ‬
‫جاهز لإلجابة؟‬ ‫هل أنت‬
‫تبقى َو ْهما…‬
‫أن مسبّب اإلحساس هو خارجي‪ ،‬متوازية‬ ‫َجزم ّ‬‫هذه المستويات الثالثة َو ْهم؛ ألنّها ت ِ‬
‫مع فرضيّة ال ُمسبّب‬
‫تنومك مغناطيسيًّا‪ ،‬عن المكان‬ ‫الخارجي للخبرة اإلنسانيّة‪ ،‬فالمراحل الثالثة األ ُولى ّ‬
‫دوامة البحث‬ ‫الذي ت َنبُع منه الخبرة اإلنسانيّة‪ ،‬وهو من الداخل‪ ،‬وتبقى بذلك عالقا في ّ‬
‫الخارجي عن الذات‪.‬‬
‫وهنا تأتي المرحلة الرابعة للسبب والمسبّب‪ ،‬أو باألحرى المرحلة الوحيدة‬
‫صدَر أحاسيسك ُكلّها من أفكارك (أو باألحرى أن نقول‬ ‫الموجودة‪ ،‬وهي الداخليّة‪ ،‬ف َم ْ‬
‫األفكار التي بُرمجت عليها لتظن أنها أفكارك!)؛ لذلك‪ ،‬فالمراحل الثالثة األولى هي‬
‫الو ْه ِم الذهني ال ُمبر َمج‪.‬‬
‫نوع من َ‬
‫ي‪ ،‬ونابع من‬ ‫وأن سبب ك ّل األحاسيس داخل ٌّ‬ ‫ولكن‪ ،‬كيف لنا أن نُث ِبت أنّها َو ْهم‪ّ ،‬‬
‫أفكارك؟‬
‫لإلثبات‪ ،‬اسمح لي بأن آخذك في جولة صغيرة‪ ،‬وهي جولة إلى زاويتي الصغيرة‬
‫من المنطق‪.‬‬
‫الو ْهم والصدق‪ ،‬هو التعامل مع الثوابت‬ ‫ط ُرق التمييز بين َ‬ ‫من أبسط وأسرع ُ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫الكونيّة‪ ،‬فالثوابت الكونيّة ال تكذب‪ ،‬وإن شئنا ذلك‪ ،‬وهذا ّ‬
‫أسرع طريقة للتمييز بين الوهم والصدق‪ ،‬هو استعمال الثوابت الكونيّة‪.‬‬
‫ي هو من يَبقى ثابتا بتغيير‬ ‫ي؟ الثابت الكون ّ‬ ‫ولكن ما هو المقصود من الثابت الكون ّ‬
‫الزمان‪ ،‬أو المكان‪ ،‬أواألشخاص‪ ،‬أو المعتقدات‪ ،‬فمثال‪ ،‬الجاذبيّة األرضيّة ثابت‬
‫ي‬ ‫بغض النظر أين كنت‪ ،‬وبأ ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ست َقع‪،‬‬
‫قفزت من سطح عمارة َ‬ ‫َ‬ ‫غير متغيّر‪ ،‬فإن‬‫كوني ُ‬
‫عصر‪ ،‬ومهما كان عمرك‪ ،‬أو معتقداتك (ونحن ال نتكلّم هنا عن القدرات الخارقة)‪.‬‬
‫أعمار وطوائف مختلفة‪ ،‬وعلى‬ ‫ٍ‬ ‫وإن قفز عشرة أشخاص من مبنى‪ ،‬وكانوا من‬ ‫ْ‬
‫أوصافٍ مختلفة‪ ،‬وفيهم السمين والنحيف‪ ،‬والعا ِلم باللغة واأل ّمي‪ ،‬فماذا سيحصل‬
‫رت هذة التجربة بعد عشر‬ ‫كر َ‬ ‫عندما يقفزون من العمارة؟ اإلجابة هي ذاتها‪ ،‬وإن ّ‬
‫َض النظر عن الفوارق الخارجيّة‪ ،‬أو حتى‬ ‫سنين‪ ،‬أو ألف سنة فسيقعون أيضا‪ .‬فبِغ ّ‬
‫إذا آمن الناس أنّهم سيقعون أم ال‪ ،‬فسيقعون‪ ،‬والسبب بسيط‪ ،‬وهو أن الجاذبيّة‬
‫األرضيّة ثابت كوني‪.‬‬
‫أن اإلنسان لم يعرف بوجودها‬ ‫ي‪ّ ،‬إال ّ‬
‫أن الجاذبيّة األرضيّة ثابت كون ّ‬ ‫وبالرغم من ّ‬
‫ّ‬
‫قوة غير مرئيّة‪ ،‬حتى لو كانت نتائجها واضحة‪ ،‬لذلك‪،‬‬ ‫َّإال منذ وقت قريب؛ ألنّها ّ‬
‫تهور البعض‪ ،‬وقفز من االرتفاعات العالية ظانّين‬ ‫فقبْل اكتشاف الجاذبيّة األرضيّة‪َّ ،‬‬
‫أن أسباب السقوط شخصيّة‪ ،‬وال تنطبق‬ ‫أنّهم يستطيعون التحليق؛ ألنّهم اعتقدوا ّ‬
‫عليهم‪ ،‬وعند اكتشاف حقيقة الجاذبيّة األرضيّة‪ ،‬انجلى هذا الوهم‪ .‬وليس هذا فحسب‪،‬‬
‫بل استطاع اإلنسان استعمال هذا الحقيقة لصالحه‪ ،‬بتطويع مهاراته الذهنية بحسب‬
‫الثابت الكوني‪ ،‬فاخترعنا المصاعد‪ ،‬وغيرها من االختراعات التي ت ُ َ‬
‫س ِ ّخ ُر الثابت‬
‫الكوني لمصلحة اإلنسان‪.‬‬
‫ي عن السبب‬ ‫قد يبدو هذا المثال غريبا‪ ،‬وليس له أيّة عالقة بالحوار األصل ّ‬
‫ي‬ ‫ٌ‬
‫ثابت كون ّ‬ ‫وال ُمسبّب‪ ،‬ولكن في الحقيقة له ك ّل العالقة‪ ،‬فالسبب وال ُمسبّب يَحْ ُك ُمهما‬
‫أيضا‪ ،‬ونحن نجهله حتى اآلن‪ ،‬وجهلنا به ال يُغيّره‪ ،‬وإنّما يُبعدنا عن ذاتنا األصليّة‪،‬‬
‫ويُبعدنا عن عطيّات الرحمة التي تتدفق تلقائيًّا من النظر باتجاه هذا الثابت‪.‬‬
‫أن ك ّل شخص في أي‬ ‫ي على المستوى الرابع من السببيّة‪ ،‬وهو ّ‬ ‫يعمل الثابت الكون ّ‬
‫فإن كان الشخص متوتّرا‪،‬‬ ‫حس أفكاره‪ ،‬سواء أكان يَعي بها أم ال‪ْ .‬‬ ‫زمان ومكان يَ ُّ‬
‫فسبب التوتّر فكرة متوتِّرة يختبرها الشخص في نفسه تلك اللحظة‪ ،‬وهذا من دون‬
‫ي‪ .‬ولو كانت القضيّة معكوسة‪ ،‬وكان سبب توتُّراتك من َمصدَر‬ ‫ٌ‬
‫ثابت كون ّ‬ ‫شك‬
‫صدَر سيسبّب اإلحساس نفسه لك ّل شخص في العالم‪ ،‬وفي ك ّل‬ ‫ي‪ّ ،‬‬
‫فإن هذا ال َم ْ‬ ‫خارج ّ‬
‫أن هذا غير صحيح‪،‬‬ ‫مكان‪ ،‬وفي ك ّل زمان‪ ،‬وعلى اختالف المعتقدات‪ ،‬ونحن نعرف ّ‬
‫ت آخر ال تتأثر‬ ‫مرة‪ ،‬وت َِجد َُك في وق ٍ‬‫تحس بالتوتر من ال َمصدَر نفسه ّ‬ ‫ّ‬ ‫فحتّى أنت قد‬
‫به‪ ،‬فهل نستطيع أن نُط ِلق على ذلك بالثابت الكون ّ‬
‫ي؟‬
‫وقد تُف ِ ّكر اآلن‪« :‬الحوار جميل حتى اآلن‪ ،‬وفيه شي ٌء من المنطق‪ ،‬ولكن أين العمليّة‬
‫في ذلك؟»‪.‬‬
‫صدَر السبب‪ ،‬وال ُمسبّب هو أساس العمليّة‪،‬‬ ‫ي ل َم ْ‬ ‫قد ال أبالغ حين أقول ّ‬
‫إن الفهم الحقيق ّ‬
‫األول‪ ،‬واألخير على ك ّل نتائج حياتك‪ .‬وقُدرتك على التجاوب مع هذا الثابث‬ ‫والمؤثّر ّ‬
‫هو تجاوب لقانون الرحمة بالتغيير السريع واليسير‪.‬‬
‫للتوضيح‪ ،‬دعنا نطرح مثاال قد يبدو فيه التغيير فيه بالصعب‪ ،‬أو البطيء جدًّا‪،‬‬
‫الرهاب أو «الفوبيا ‪.»Fobia‬‬ ‫وهذا المثال هو ُّ‬
‫الرهاب هو الخوف الشديد من شيءٍ معيَّن كالطيران‪ ،‬أو المصاعد‪ ،‬أو أنواع معيّنة‬ ‫ُّ‬
‫من الحيوانات‪ ،‬وهو من األمثلة التي أحب أحيانا أن أطبّقها مباشرة أمام الجمهور‪،‬‬
‫إن كان هناك‬ ‫إليضاح مفهوم السببيّة‪ .‬فمثال‪ ،‬في أحد الحوارات التي أدرتُها‪ ،‬سألتُ ْ‬
‫رهاب معيّن‪ ،‬ألنهيه فورا أمام الجميع‪ ،‬ودونَ أن أعرف‬ ‫ٌ‬ ‫شخص في الجمهور لديه‬ ‫ٌ‬
‫الرهاب‪ ،‬ولماذا أريد معرفته؟ فذلك‬ ‫سببه‪ ،‬وهذا هو السحر‪ ،‬فال أريدُ أن أعرف نوع ُّ‬
‫لن يُقدّم‪ ،‬أو يُؤ ّخر عمليّة الشفاء‪.‬‬
‫رفع حينها أحد األشخاص يده‪ ،‬فطلبت منه الجلوس أمام الجميع؛ ألبدأ بمعالجة‬
‫ُرهابه باستخدام بعض األساليب التي استحدثتها في العالج الخيميائي‪ ،‬وفي أق ّل من‬
‫عشر دقائق ت ّم الشفاء‪ .‬ك ّل ما فعلته حينها‪ ،‬هو أنّني أَعطيته الفرصة ليَرى ما بعد‬
‫ي‪ ،‬وحتى اآلن ال أعرف نوع‬ ‫إحساس عدم األمان‪ ،‬ليتجاوز هذا االختناق الطاق ّ‬
‫الرهاب الذي كان عنده‪ ،‬وال أهت ُّم بمعرفته‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫ي يَج َهل‬
‫مدرب‪ ،‬أو معا ِلج نفس ّ‬ ‫أن هذا الشخص نفسه ذهب إلى ّ‬ ‫لك أن تفترض ّ‬
‫إن سبب الفوبيا هي من المصاعد‪.‬‬ ‫مفهوم السببيّة على المستوى الرابع‪ ،‬وقال له‪ّ :‬‬
‫حينها سيبدآن سويًّا جلسة بعد األخرى لمعالجة الخوف من المصاعد‪ ،‬وقد يستغرق‬
‫ي للخوف من المصاعد‪ .‬ولكن‪ ،‬هذا الحل هو‬ ‫األمر سنوات‪ ،‬بالتخفيف التدريج ّ‬
‫ألن الفرضيّة مغلوطة منذ‬ ‫الطريق البطيء جدًّا‪ ،‬هذا إن وصال إلى الح ّل أصال؛ ّ‬
‫أن سبب الخوف من المصعد‪.‬‬ ‫البداية‪ ،‬وهي ّ‬
‫إنسان في أي‬
‫ٍ‬ ‫َّب المصعد الخوف لك ّل‬ ‫سب َ‬‫هي مغلوطة؛ ألنّها لو كانت ثابتا كونيًّا‪ ،‬لَ َ‬
‫أن المصعد ليس مسبّب الخوف‪ ،‬وإنّما السبب‬ ‫مكان‪ ،‬وأي زمان! وعند التيقُّن من ّ‬
‫ُعرف ّ‬
‫أن‬ ‫هو تفعيل أفكار الخوف في تلك اللحظة‪ ،‬مع اإلحساس الناتج معها‪ ،‬سي ُ‬
‫المصعد هو فقَط الزناد الذي ت َظهر فيه فكرة الخوف‪ ،‬وعندها سيختلف أسلوب‪،‬‬
‫ومنهج الشفاء تماما‪.‬‬
‫ي؛ ألنّه يعمل على‬ ‫ي‪ ،‬والتدريب التقليد ّ‬ ‫هذا هو السبب الرئيسي لبُطء العالج النفس ّ‬
‫فرضيّه ال ُمسبّب الخارجي‪ ،‬ليغوص في نظريات معقدة ِجدًّا وحوارات ذِهنيّه ال‬
‫أحس بها بالخوف من‬ ‫ّ‬ ‫تنتهي‪ ،‬قد تأخذ المتدرب إلى أولى ذكريات الطفولة‪ ،‬التي‬
‫أن مسبّب األحاسيس هو من أفكارك فقَط‬ ‫المصاعد‪ ،‬وقِس على ذلك؛ لذلك بمعرفتك ّ‬
‫شر فيها ذهنك للخارج‪ ،‬وهذا يتض ّمن الماضي‪،‬‬ ‫صة التي يُؤ ّ‬ ‫ال غير‪ ،‬وليس الق ّ‬
‫سترتفع مباشرة قدرتك على التغيير‪ ،‬أكثر من الغالبيّه العظمى من المعالجين‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫النفسيين‪ ،‬وهذا ّ‬
‫ي‪ ،‬سترتفع قدرتك‬ ‫أن أفكارك هي ال ُمسبّب ألحاسيسك‪ ،‬وليس العالم الخارج ّ‬ ‫بمعرفتك ّ‬
‫على التغيير مباشرة‪.‬‬
‫وال تظن المقصد هنا أن تُرغم نَ ْفسِك لترى أن مصدر األحاسيس من الداخل‪ ،‬فحتى‬
‫حاولت لن تستطيع‪ ،‬وال أظن أن هناك إنسانا على وجه األرض قادر على رؤية‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫ي‪ .‬حتى أنا العارف‬ ‫الخبرة اإلنسانيّة مطلقا من الداخل‪ ،‬طوال الوقت‪ ،‬وهذا طبيع ّ‬
‫بهذا الثابت‪ ،‬أرى ُمسبّب األحاسيس في كثير من األحيان من الخارج‪ ،‬سواء من‬
‫األشخاص‪ ،‬ال َج ّو‪ ،‬المال‪ ،‬المشروع الذي أعمل عليه‪ ،‬البالد‪ ،‬المرض‪ ،‬وكما قلت‬
‫ي‪.‬‬‫هذا طبيع ّ‬
‫كثير من األوقات‪ ،‬لكنّي على ٍ‬
‫يقين‬ ‫ولكن بالرغم من أنّي أرى الحياة من الخارج في ٍ‬
‫غض النظر عن كيفيّة رؤيتي لها في اللحظة‪ ،‬فالحقيقة أنّها ال تحصل ّإال‬ ‫كامل‪ ،‬أنّه ِب ِ ّ‬
‫من الداخل‪ .‬فخبرة الحياة تتجلَّى من داخل طاقتك االبتكارية‪ ،‬فأنت الخالق لخبرتك‬
‫اإلنسانية‪ .‬ولمعرفتي بهذه الحقيقة الكونيّة‪ ،‬تراني أَعود سريعا إلى التناغم مع‬
‫المستوى الرابع من السببيّة‪ ،‬وهنا ينتهي الصراع فورا‪ ،‬وأعود إلى الذات‪ ،‬أعود‬
‫إلى اللحظة‪.‬‬
‫أن أُن ِفّذ المشروع غدا‪ ،‬ولكن عندما يَرجع إل ّ‬
‫ي اليقين‪،‬‬ ‫ي ْ‬ ‫فقد أكون أُصارع؛ ألنّه عل ّ‬
‫صل االنفصال عن الفكرة‪ ،‬ليعود ذِهني‬ ‫مجرد فكرةٍ متوتِّرة تسافر بالزمن‪ ،‬يَح ُ‬ ‫ّ‬ ‫بأنّها‬
‫رويّة رويّة إلى بُعد اللحظة‪ ،‬إلى بُعد اآلن‪ ،‬وفي «اآلن» يُلمس السكون‪ ،‬والسكون‬
‫الحكمة‪ ،‬والحلول البسيطة التي تسعفك‪ ،‬أو‬ ‫هو األقرب لذاتك األصليّة‪ .‬عندها ستجد ِ‬
‫قد تكتشف أنّه منذ البداية لم يكن هناك مشكله ِلحلّها أصال! وهذا الغالب‪.‬‬
‫وعندما يتزايد فهمك لداخليّة الخبرة اإلنسانيّة‪ ،‬ستبدأ بالعودة أكثر وأكثر لبُعد‬
‫اللحظة‪ ،‬ليتّضح لك‬
‫من هذا البُ ْعد الصافي‪ ،‬ميكانيكيَّة عمل الذهن كما هي‪ ،‬من الداخل إلى الخارج‪ .‬وهذه‬
‫مرة بعد أخرى‪ ،‬حتّى‬ ‫ي سيُبر ِهن لك نفسه ّ‬ ‫الميكانيكيّه ستأخذ بالتزايد‪ ،‬فالثابت الكون ّ‬
‫ال تستطيع أنكاره‪ ،‬فقد تبدأ برؤيته بالعمل‪ ،‬ثم العالقات‪ ،‬ثم الصحة‪ ،‬وكأنها أحجار‬
‫دومينو‪ ،‬تبدأ واحدة بالسقوط‪ ،‬لت َسقُط ك ّل األحجار األخرى تِباعا‪ .‬فعلى سبيل المثال‪:‬‬
‫ت داخليّة الخبرة اإلنسانيّة بالتفتّح في نفسي‪ ،‬كنتُ أراها هنا وهناك‪ ،‬حتى‬ ‫عندما بَدَأ َ ْ‬
‫أصبحت مثل اللعبة الممتعة‪ ،‬تغريني لفتح آفاقَ جديدة في ذهني‪ ،‬متحدّية منظوري‬ ‫ْ‬
‫الكالسيكي عن طريقة عمل الذهن‪ ،‬حتى وصل التح ِدّي إلى الجو البارد في إسكتلندا‪،‬‬
‫مكان دراستي في الماجستير والدكتوراه‪ .‬كنت أمقت األجواء في إسكتلندا‪ ،‬ومهما‬
‫حاولت أن أغير منظوري عنه في السابق‪ ،‬لم أكن أجد الحل الشافي الذي يرضي‬
‫ضميري‪ .‬ثم بدأت أتالعب بمفهوم الداخليّة‪ ،‬مع خبرتي مع الجو‪ ،‬حينها بدأت أالحظ‪،‬‬
‫تحس فورا بالبرودة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫طرة‪ ،‬فالناس‬‫أنه عندما تبدأ السماء باألمطار‪ ،‬بإنزال أول قَ ْ‬
‫وكأنّه نوعٌ من البرمجه الجمعيّة للبرودة‪ ،‬وهنا بدأتُ أرى دَ ْو َر التفكير في خبرة‬
‫الجو ‪.‬‬
‫بالتالعب أكثر في هذا ال َم ْنحى الفكري‪ ،‬بدأتُ أالحظ هذا إني قادر على إحساس‬
‫ي‪ ،‬ومن دون‬ ‫البرودة بطريقة مختلفة تماما‪ ،‬باختبارها من فضاء األمان الداخل ّ‬
‫وكأن البرودة تسري في جسدي‬ ‫ّ‬ ‫فتتحول الخبرة إلى عمق غير مسبوق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مقاومة‪،‬‬
‫كشعور منعش نقي من دون أية ُمعاناة‪.‬‬
‫وأنا أعي اآلن‪ ،‬أنّه حتى أحاسيس البرودة هي معلومات فكريّة تسري في النفس‪،‬‬
‫سنا الخمسة تُفَعّل باألفكار‪ .‬نعم حتّى األجواء هي خبرة أفكارك‪ ،‬وهذا ما‬ ‫فحوا ُّ‬
‫احترفه‪ ،‬ويُعلمه «ويم هوف ‪ »Wim Hof‬الحاصل على ‪ ٢١‬رقما قياسيًّا في‬
‫موسوعة جينس لألرقام القياسيّة لتغيير حالة الطقس من داخل ذهنه‪.‬‬
‫وليس المقصد مما أقول‪ ،‬هو أني أُفضّل األجواء الباردة اآلن‪ ،‬على العكس‪ ،‬فما‬
‫أن خبرة‬ ‫فضّل األجواء المشمسة‪ ،‬فجسدي يُحبّ الشمس‪ ،‬ولكنّي أدري ّ‬ ‫زلتُ أ ُ ِ‬
‫إن كنتُ في أجواءٍ باردة‪ ،‬فال أُعاني منها‪ ،‬بل قد أستمتع‬ ‫األجواء ت َبقى داخليّة؛ لذلك ْ‬
‫ع ِلقَت في تفكيري‪ ،‬وهذا لحظي‪.‬‬ ‫بها كما هي‪ّ ،‬إال إذا َ‬
‫خالقة لخبرتك‪ ،‬وإنما أنت‪.‬‬ ‫أن حتى األجواء‪ ،‬ليست ّ‬ ‫وما أحاله من شعور أن تدري ّ‬
‫قوتك الحقيقيّة‪ ،‬ألنّك أنت ال ُمش ّكل لخبرتك اإلنسانيّة على األرض‪ ،‬أنت‬ ‫هنا تزخر ّ‬
‫أن المعاناة ال تأتي من «الواقع»‪ ،‬وإنّما من أفكارك‪،‬‬ ‫المشك ّل لواقعك‪ ،‬لتدرك ّ‬
‫ألن المقاومة تعميك عن رؤية‬ ‫وبالتحديد من المقاومة الفكريّة لما َيحدث باللحظة؛ ّ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫ال َجمال والعُمق الساكن في كل لحظة‪ ،‬وهذا ّ‬
‫ي للمعاناة‪ ،‬هي المقاومة الفكريّة لما َيحدث في اللحظة‪.‬‬ ‫السبب الرئيس ّ‬
‫مقاومة اللحظة‪ ،‬هي مقاومة لطاقة الخلق االبتكارية‪ ،‬وفيها رفض صارخ لكينونة‬
‫الحياة…‬
‫لذلك‪ ،‬التقبّل هو مفتاح االستمتاع بالحياة‪ ،‬والتقبّل ال يعني «الرضا الكاذب» بأن‬
‫«تحتمل» الظروف كما هي‪ ،‬وإن كانت ال تناسبك‪ ،‬وال تناسب احترامك لذاتك‪،‬‬
‫همل قُدرتك األصليّة على تغيير ما ال تُفضّل‪ ،‬بل على العكس‬ ‫والتقبل ال يعني أن ت ُ ِ‬
‫والتطور‪ .‬فال يُمكن أن تُغيّر ما ترفضه؛‬
‫ّ‬ ‫تماما‪ ،‬فالتقبّل هو أسرع طريقه للتغيير‬
‫خزنة في قلب الموقف الرافض له‪ ،‬وستبقى‬ ‫ألنّك بالرفض لن تتعلم الدروس ال ُم ّ‬
‫عالقا في مستوى الوعي القديم‪ .‬ففي المثال السابق عن األجواء‪ ،‬إن لم أ َ َر خبرة ّ‬
‫الجو‬
‫ألستشف دروسا عميقة عن نفسي في األجواء‬ ‫ّ‬ ‫من فضاء التقبّل والسماحيّة‪ ،‬لم أ َ ُكن‬
‫الباردة‪ ،‬فالتقبّل يُخرج الدرس من داخل أي موقف بيسر وسرعة مهما بدت شدّته‬
‫الظاهريّة‪ ،‬ليأخذك إلى عمق أكبر في اكتشاف الذات‪ ،‬حينها يفك اللغز‪ ،‬ليرتفع‬
‫الوعي تلقائيًّا للمستوى الذي بعده‪ .‬المستوى الجديد في لعبة الحياة الروحيّة‪.‬‬
‫َصلُها باإلكراه‪ ،‬وإنّما بالعمل مع القوى المتضادة‪،‬‬ ‫التقبّل هو ليست حالة ذهنيّه ت ِ‬
‫وهذه المعلومة وحدها أخذتني سنين طويلة لتنضج بذهني بالبساطة التي سأقدمها‬
‫لك اآلن‪.‬‬
‫عند محاولتك لقبول الموقف كما هو‪ ،‬فأنت تخلق مقاومة وعنادا أكبر للجزء‬
‫الرافض له أصال؛ لذلك الحل لهذه المعضلة بسيط جدًّا‪ ،‬بجمع النقائض‪ ،‬وبالقول‪:‬‬
‫ي لكذا»‪ .‬ففي حالة األجواء الباردة أنا أتقبل‬ ‫«أن أتقبل كذا‪ ،‬وأتقبل الجزء الرافض ف َّ‬
‫أحاسيس البرودة‪ ،‬وأتقبل الجزء الرافض مني ألحاسيس البرودة‪ ،‬وهكذا ستتحول‬
‫كل الصراعات إلى جسر للذات‪.‬‬
‫فالذات األصليّة هي تقبُّل كائن‪ ،‬وقائم لكل النقائض الذهنية‪ ،‬هي كينونتك‪ ،‬هي أنت‪،‬‬
‫أنت األصليّة‪ ،‬فطبيعتك األصليّة هي فضا ٌء من التقبّل والسماحية‪ .‬وهذا يتضمن‬
‫أكثر التعابير تناغما مع الذات‪ ،‬وأكثرها حيادا عن الذات‪ ،‬والمساحة بينهما ليست‬
‫ألن َمصدَ َر الحياة ليس محدود‪.‬‬ ‫محدودة؛ ّ‬
‫ي لك ّل تج ِلّياته‪ ،‬وهذا هو تعريف‬‫ألن الوجود فيه تقبّل ضمن ّ‬ ‫سر الوجود؛ ّ‬ ‫التقبّل هو ّ‬
‫ال ُحبّ غير المشروط من الحياة للحياة‪.‬‬
‫هذا التقبّل سيزداد ضمنيًّا بتع ُّمق فهمك لداخليّة الخبرة اإلنسانيّة؛ ألنّه بهذا‪ ،‬ستنتقل‬
‫ِوجهة تركيزك من الخارج إلى الداخل‪ ،‬وفي هذا التو ّجه الضمني إلى الذات‬
‫األصليّة‪ .‬لكن تيقّن أن برمجة المسبّب الخارجي‪ ،‬مزروعة بخاليا اإلنسانيّة منذ‬
‫عقو ٍد وعقود‪ ،‬و ُمت َجذّرة من رأسنا إلى أخمص قدمينا؛ لذلك نرى من الندرة أن ن َِجد‬
‫شخصا يُش ّع منه تقبّل الذات‪ ،‬ويتجلّى فيه نجم التعبير الساطع‪.‬‬
‫ي‪ ،‬هي المسؤولة بالدرجة األولى عن رفض الذات‪ ،‬وهذا‬ ‫برمجة المسبّب الخارج ّ‬
‫أساس العبودية اإلنسانية‪ ،‬بل هي روح العبوديّة؛ ألنّها ت َست َعبِد اإلنسان برفضه لذاته‪،‬‬
‫وهذا أكثر السجون طغيانا‪.‬‬
‫فمن بحث عن تقبّل الذات في الخارج‪ ،‬فهو ضمنيًّا رافض لها؛ لذا َيبقى في حالة‬
‫وحكمته‬ ‫ي عن َمصدَر تقبّله ِ‬ ‫ي مستمر‪ ،‬بالبحث الخارج ّ‬ ‫خوف‪ ،‬وأحكام‪ ،‬وإلهاء طاق ّ‬
‫مكررة‪ .‬هذا الشخص سيركض‬ ‫وقوته‪ ،‬لتراه يُقدّس جهات خارجيّة‪ ،‬و َيعبُد أفكارا ّ‬ ‫ّ‬
‫الهثا للبحث عن مفاتيح اإلجابات هنا وهناك‪ ،‬علّه يجد في شخص أو جهة ما مفاتيح‬
‫اإلجابة‪.‬‬
‫وكيف ال َيبحث عند ذلك الشخص‪ ،‬وهو يبدو عليه الجالل‪ ،‬والورع بلباسه األبيض‬
‫الناصع‪ ،‬ولحيته الطويلة الُمنسدلة‪ ،‬ومسبحته الرنَّانة‪ ،‬والتزامه بالشرائع‪ .‬أو قد‬
‫بحث عن اإلجابة في هذا الكتاب‪ ،‬أو ذاك‪ ،‬أو ذاك‪ ،‬أو ذاك‪ ،‬وفي نهاية هذا البحث‬ ‫َي ُ‬
‫لن يجد ّإال السراب؛ ألن اإلجابة دائما وأبدا من داخلك‪ ،‬فرحلتك فريدة‪ ،‬وطرقها‬
‫فريدة‪ ،‬وإجابتها فريدة‪ ،‬ولن ت َِجدَ اإلجابات ّإال في قلب قلبك‪ .‬فحتّى كلمات الكتب‬
‫الروحية ال ت َِحمل اإلجابات؛ ألنّها من داخلك‪ ،‬فالكتاب ليس بالمجيب‪ ،‬وإنّما بالمرشد‬
‫َعرف في ذاتك‪.‬‬‫والمذ ّكر بما ت ِ‬
‫ي‪ ،‬باستعمال تكنولوجيّات روحيّة‬ ‫ولهذا سيبدأ الكتاب هنا بتفتيت وهم البحث الخارج ّ‬
‫عمق الذات‪ ،‬والتعبير المتجدّد عنها‪.‬‬ ‫دائم على ُ‬
‫تركيز ٍ‬
‫ٍ‬ ‫فعّالة‪ ،‬لتُبقيك في‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫* مهما حاولت الهروب من «عدم األمان» في اإللهاء الخارجي‪ ،‬سيالحقك حتى‬
‫تواجهه من داخلك‪.‬‬
‫ّ‬
‫األدق‪.‬‬ ‫* هناك ‪ ٤‬مراحل لرؤية السبب والنتيجة فيما تُحس‪ ،‬والبُعد الرابع هو‬
‫* قانون الرحمة يعمل باتجاه اكتشاف الذات‪ ،‬سواء أحببت‪ ،‬أم لم تحب‪.‬‬
‫* تقبل الذات يختلف عن الرضا الكاذب‪ ،‬بتح ُّمل ما ال تريد‪.‬‬
‫* تقبل الخبرة اللحظية كما هي‪ ،‬هو أسرع طريقة لتعلم الدروس‪ ،‬والتطور المستمر‪.‬‬
‫أسئلة للتفكر‪:‬‬
‫ما الذي تحاول الهروب منه باإللهاء الخارجي؟‬
‫هل ستحب نفسك أكثر إن اخترت مواجهته في وقت من اختيارك؟‬
‫ماذا سيحدث لو غيَّرت تعاملك مع ما ترفض وجوده في حياتك إلى تقبّل؟‬
‫لماذا تقبُّل الخبرة اللحظية سيحدث ثورة في حياتك؟‬
‫التكنولوجياُالروحيّة‬
‫ي الذي‬ ‫الحياد عن المكان األصل ّ‬
‫التطور التكنولوجي‪ ،‬هو ِ‬ ‫ّ‬ ‫واحدة ٌ من أكبر مشكالت‬
‫تُط ِلق فيها التكنولوجيا إمكاناتها الكاملة‪ ،‬وهي التكنولوجيا الروحيّة‪ ،‬فعلى الرغم‬
‫أن مفهوم التكنولوجيا حديث الوالدة‪ ،‬ولكن التكنولوجيا الحقّة‪ ،‬هي قديمة قدم‬ ‫من ّ‬
‫عرفك على ماهية التكنولوجيا‪.‬‬ ‫الزمان‪ ،‬ولكن كيف يكون ذلك؟ للتوضيح دعنا نُ ّ‬
‫مجرد وسيلة لتسريع الوصول إلى الهدف‪ ،‬بتوفير الطاقة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أليست التكنولوجيا‬
‫ث الرسائل الخطيّة بالبريد‪ ،‬لت َظ َهر‬ ‫والوقت‪ ،‬والجهد المبذول‪ .‬فهل ت َذ ُكرعندما كنّا نَبعَ ُ‬
‫بعدها تكنولوجيا البريد اإللكتروني‪ ،‬فما الفارق بينهما‪ ،‬غير الطبعة الرومنسيّة في‬
‫الرسائل الورقيّه؟ الفارق هو التسريع الخارق لتبادل المعلومات‪.‬‬
‫فلماذا ال يكون هناك إذا تكنولوجيات روحيّة تقوم بالمثل على مستوى الذهن‬
‫الحكمه‪ ،‬وهذا موجود‪،‬‬ ‫مسرعه لرفع الوعي‪ ،‬والقدرة على تحميل ِ‬ ‫اإلنساني؟ كوسيلة ّ‬
‫وهو بالضبط ما فَ َعلَتهُ الكثير من الحضارات القديمة‪.‬‬
‫قدَّمت الحضارات القديمة عبر العصور تكنولوجيات روحيّة غايه بالتطور‪ ،‬والتي‬
‫التطور اإلنساني‪ ،‬واألهرامات في‬ ‫ّ‬ ‫بقوة في رفع الوعي الكلّي‪ ،‬وتيسير‬ ‫ساهمت ّ‬
‫ي على ذلك‪ ،‬فهي تعمل كتكنولوجيا مستنيرة‪ ،‬حالها حال الالقِط‪ ،‬الذي‬ ‫مصر مثال ح ٌّ‬
‫يلتقَط تردّدات معيّنة من األثير‪ ،‬بهدف تحميل إدراكات نجميّة مرتفعة‪ .‬فاألهرامات‬
‫ص ّممت بدقّة متناهيه‪،‬‬ ‫وغيرها الكثير من التكنولوجيا القديمة‪ ،‬قد استُحدِثت‪ ،‬و ُ‬
‫مستخدمة قوانين الهندسة المقدّسة‪ ،‬والعالقة مع األبعاد النجمية‪ ،‬لرفع الوعي‬
‫ي‪.‬‬
‫اإلنسان ّ‬
‫وقد تُف ّكر اآلن ما المغزى من هذا الكالم‪ ،‬هل تريدني أن أَبني ه ََرما؟ إن كانت هذه‬
‫سخر‬‫بأن ت ُ ِ ّ‬
‫سط من ذلك بكثير‪ْ ،‬‬ ‫ولكن المغزى أ َ ْب َ‬
‫ّ‬ ‫رغبتك الصادقة‪ ،‬فَ ِل َم ال؟!‬
‫التكنولوجيات الروحيّة الموجودة بالطبيعة اآلن‪ ،‬وبوفرة غير متناهية‪ ،‬لتسريع‬
‫ثالث تكنولوجيّات‬ ‫َ‬ ‫عمليّة اكتشاف ذاتك‪ ،‬والتعبير الصادق عنها‪ .‬وهنا سنقترح عليك‬
‫صة‪.‬‬
‫بسيطة‪ ،‬وذات فاعليّة ِسحريّه عند تفعيلها‪ ،‬وتطويرها بطريقتك الخا ّ‬
‫فلنبدأ بالتكنولوجيا األُولى‪ ،‬وهي ست َبقَى من أكثر التكنولوجيّات فاعليّة على‬
‫َشيب قدرتها‪،‬‬ ‫اإلطالق‪ ،‬ومهما تغيّر الزمان‪ ،‬فهذه التكنولوجيا لم ت َف ِقد وهجها‪ ،‬ولن ت َ‬
‫متشوق لتعرف ما هي؟‬ ‫ّ‬ ‫هل أنت‬
‫إنها التنفّس! نعم ببساطة التنفّس‪.‬‬
‫التكنولوجيا األولى‪ :‬التنفّس‪:‬‬
‫ي‪ ،‬للروح غير‬ ‫تعبير مرئ ّ‬
‫ٍ‬ ‫التنفّس هو وسيلة االتصال مع الروح‪ ،‬فالتنفّس هو أقرب‬
‫المرئيّة‪ ،‬وحتى أصل كلمة «التنفس» تعني «من الروح»؛ لذلك نرى تكنولوجيا‬
‫سرنا‬‫التنفّس‪ ،‬مستعملة في أنواع كثيره من التأ ّمل‪ ،‬واليوغا‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬وهذا ّ‬
‫الصغير‪.‬‬
‫التنفّس هو التعبير األقرب للروح‪.‬‬
‫التنفّس هو من أحدث التكنولوجيات الرافدة لعمليّة اكتشاف الذات‪ ،‬فإيّاك أن تستهين‬
‫بقوة التنفّس‪ِ ،‬لوفرته فقَط‪ ،‬فوفرة العنصرال تعني بتاتا االستغالل الكامل لقدراته‪،‬‬ ‫ّ‬
‫على العكس تماما‪ ،‬فبالكا ِد نرى العا ّمة يتنفّسون ِبعُمق‪ ،‬ويُفَ ِعّلونَ ِب َوعي ٍ تكنولوجيا‬
‫إن الدماغ ال يأخذ أكثر من ‪ ٪ ١٥‬من‬ ‫التنفّس‪ .‬لهذا نرى الكثير من األبحاث تقول ّ‬
‫الال واعي‪ .‬وكيف تتوقع لهذا الشح‬ ‫حاجته اليوميّه من األكسجين‪ ،‬بسبب التنفّس َّ‬
‫أن يُؤثّر على أدائِك‪ ،‬واتصالك الداخلي‪ ،‬وإحساس بال َيقَ َ‬
‫ظة اللحظيّة؟‬ ‫بالنَّفَس‪ْ ،‬‬
‫فالسؤال إذا‪ :‬كيف لك أن تُفَ ِعّل تكنولوجيا التنفّس ألعظم استخدماتها‪ ،‬ومن الحرص‬
‫بقوة هذه‬ ‫أن ال نقول «أعظم»؛ ألنّه مهما ارتفعنا في الوعي‪ ،‬سنبقى جاهلين ّ‬
‫التكنولوجيا‪ ،‬وقدرتها الفائقة على التمكين‪ .‬فلنبدأ باألساس‪ ،‬وبعدها تستطيع أن تُط ِلق‬
‫ق أخرى لتسخير التنفّس في ِرفعة الوعي‪.‬‬ ‫ط ُر ٍ‬‫لنَ ْفسِك العنان‪ ،‬الكتشاف ُ‬
‫األول‪ :‬هو التنفّس العميق من ال َم ِعدة‪،‬‬ ‫وسنُقدّم لك هنا نوعين فعّالين من التنفّس‪ّ ،‬‬
‫وهذا يعني تنفّسا عميقا وبطيئا‪ ،‬من خالل َم ِعدتك وخارجها‪ .‬وهذا يختلف عن‬
‫الحاجز إلى األعلى‬ ‫ِ‬ ‫الحجاب‬ ‫الطريقة التي نَتنفَّس بها من غير وعي‪ ،‬بتحريك ِ‬
‫الحاجز‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الحجاب‬
‫يحرك ال َم ِعدة لألمام والخلف‪ ،‬وليس ِ‬ ‫واألسفل‪ ،‬فالتنفّس العميق ّ‬
‫بالتمرس على تنفّس المعدة من اآلن‪ ،‬حتى يُصبح جزءا من حياتك‬ ‫ّ‬ ‫ولك أن تبدأ‬
‫َراك تمشي وتتنفّس‪ ،‬وتتّصل مع الناس وتتنفّس‪ ،‬وتشاهد األفالم وتتنفّس‪،‬‬ ‫اليوميّة‪ ،‬فَت َ‬
‫دائم لطاقتك‪.‬‬ ‫وشاحن ٍ‬
‫ٍ‬ ‫يتحول التنفّس إلى جزءٍ من طبيعتك الذاتيّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫حتى‬
‫ضج‬ ‫كنت تتنفّس بطريق ٍة صحيحة أو خاطئة‪ ،‬بل دَع التدريب يَن ُ‬ ‫وال تُف ّكر بالبداية إن َ‬
‫ي يقودك لت ُ َردّد أفضل وأفضل من التنفس‪ ،‬وك ّل ما عليك‬ ‫ع ذكاءك الجسم ّ‬ ‫بعفوية‪َ ،‬ودَ ْ‬
‫فعله هو التشبُّث ببساطة التنفّس العميق من داخل وخارج المعدة‪ ،‬مع فاص ٍل‬
‫تمرسك بالتنفّس‪ ،‬ستبدأ ُ ِفطنتك باالرتفاع‪ ،‬و َمعها قُدرتك على‬ ‫بالمنتصف‪ .‬وبازدياد ُّ‬
‫ترويض األنشطة الفكريّة ال ُمبالغ بها‪.‬‬
‫سك إلى حالة التدفّق‬ ‫َسارع أنشطتك الفكريّة‪،‬هذا هو أهم وقت للتنفّس‪ِ ،‬لتُعيد نَ ْف َ‬ ‫فعند ت ُ‬
‫واالنسياب مع الحياة‪ ،‬فالتدفّق ال يأتي كما ت َ َبر َمجنا عليه مجتمعيّا من التفكير الزائد‪،‬‬
‫بل عند تباطؤ األنشطة الفكريّة بالذهن‪ ،‬والعودة إلى الجسد؛ لذا احرص مع عمليّة‬
‫سد‬‫التنفّس‪ ،‬أن ت َنقُل تركيزك رويّا إلى مكان التنفّس داخل جسمك‪ .‬فالجسم هو المج ِ ّ‬
‫قاطن في بُعد اللحظة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ألن الجسم‬ ‫صة؛ ّ‬ ‫لقوتك الخا ّ‬
‫الفيزيائي ّ‬
‫ي‪ :‬أنّك تمشي برفقة‬ ‫أن تتخيّل هذا المثال االفتراض ّ‬ ‫ولتوضيح أهميّة التنفّس‪ ،‬لك ْ‬
‫صديقك بالشارع‪ ،‬ومن دون سابق إنذار‪ ،‬بدأ التوتّر يدبُّ فيك‪ ،‬وعندها بدأ صديقك‬
‫ت بالظهور‪ ،‬وأَكتافُ َك ارتفعت‪ ،‬وتس ّمرت إلى‬ ‫بمالحظة حالتك‪ ،‬فتجاعيد َوج ِه َك أ َ َخذَ ْ‬
‫ت إليه‪ ،‬والسؤال قادك لتفقُّ ِد ما في داخلك‪،‬‬ ‫ظ ْر َ‬ ‫األعلى‪ ،‬فسألك صديقك‪« :‬ما بك؟» فنَ َ‬
‫أن أ ُقدّم مشروعا أمام الناس‪،‬‬ ‫ي ْ‬ ‫لتجيب‪« :‬أنا متوتّر بسبب األسبوع القادم‪ ،‬ألنّه عل َّ‬
‫ب من التحدُّث أمام الناس»‪.‬‬ ‫وأنا أَرت َ ِع ُ‬
‫لوج إلى داخل جسمك‪،‬‬ ‫للو ِ‬ ‫درة ٌ ِسحريّه ُ‬ ‫أن صديقك لديه قُ َ‬ ‫وتخيّل أنّه في تلك الحظة‪ّ ،‬‬
‫ص ُل في داخلَك…‬‫ل َيرى ما َيح ُ‬
‫ي قد أطلق صافرة اإلنذار‪ ،‬وتفعَّلت فيك حالة النجاة‪،‬‬ ‫أن جهازك العصب ّ‬‫فسيرى ّ‬
‫ي باألمان‪ ،‬وهذه الحالة من النجاة هي شبيهةٌ‬ ‫ليتالشى معها اإلحساس الضمن ّ‬
‫وكأن ال َموقِف يَظ َه ُر حرفيًّا في نفسك كخيار حياةٍ أو موت؛‬ ‫ّ‬ ‫بالمواجه ِة مع الموت‪،‬‬
‫لذلك في تلك اللحظة سيكون آخر شيءٍ تُف ّك ُر فيه‪ ،‬هو االستمتاع بال َجمال من حولك‪،‬‬
‫أواالتصال العميق مع صديقك‪ ،‬وكيف ت َ ْف َع ُل ذلك‪ ،‬وأنت في حاله نجاة؟!‬
‫لذا ستتسارع طاقتك الذهنيّة إلى مشروع األسبوع القادم مع خطٍ ّ المستقبل الوهمي‪،‬‬
‫ي حلول لحظيّة‪ ،‬للتخلّص من هذا الخطرال ُمحْ دِق‪.‬‬ ‫للقدوم بأ ّ‬
‫ي في اللحظه‪ ،‬وتخيّل‬ ‫خطر حقيق ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫أن ك ّل هذا حدث داخل ذهنك‪ ،‬ومن دون‬ ‫تخيّل ّ‬
‫هنا أنّه في وسط الخوف والضوضاء الذهنيَّة التي تعيشها‪ ،‬أ َ َخذَ صديقك بالنظر إلى‬
‫عينك‪ ،‬ليقول لك‪ :‬تنفّس‪ ،‬فقَط تنفّس‪ ،‬ولكنّك لم ت َسمع ما يقول‪ ،‬لضجيج األفكار في‬
‫ت أكثر‬ ‫رأسك التي تشابه ضجيج المدينة الصاخب‪ ،‬ليُعيد على مسامعك‪ ،‬وبصو ٍ‬
‫بعض من اإلدراك‪ ،‬لتبدأ بالتنفّس العميق‪ ،‬وتعود‬ ‫ٌ‬ ‫حنيّة‪ ،‬فقَط تنفّس‪ ،‬وحينها يعود لك‬
‫صة الذهنيَّة في رأسك إلى جسدك‪ .‬بذلك تعود تدريجيًّا إلى بُعد اللحظة‬ ‫تدريجيًّا من الق ّ‬
‫أن إنذار الخطر كان وهما فقط ال غير‪ ،‬فال شيء في تلك‬ ‫الساكن‪ ،‬لت َعي حينها ّ‬
‫اللحظة يستوجب الخطر‪ّ ،‬إال إذا قفز أسد أمامك حينها! وغير ذلك ك ّل القلق كان‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫رحلة فكريّة ليس ّإال‪ ،‬وهذا ّ‬
‫القلق هو رحله فكريّة في خط الزمان‪ ،‬ليس ّإال‪.‬‬
‫أحسست فيها القلق‪ ،‬وبدل‬ ‫َ‬ ‫كررت التنفّس‪ ،‬ك ّل ّ‬
‫مرة‬ ‫فتخيّل ماذا سيَحدُث لو أنّك ّ‬
‫واستمررت‬
‫َ‬ ‫صة نظام الخوف وأحاسيسها المرعبة‪ ،‬ت َنفّ َ‬
‫ست‪،‬‬ ‫االنجراف إلى قِ ّ‬
‫أن سبب القلق‪ ،‬هو‬ ‫صة الذهنيّة‪ ،‬لتتذكر ّ‬ ‫بالتنفّس‪ ،‬حتى يرجع الفاصل بينك وبين الق ّ‬
‫أفكار ُمق ِلقة‪ ،‬وليست حقيقة فيزيائيّة في الخارج‪ ،‬فكم من الوقت والجهد ستُوفّر‬ ‫ٌ‬
‫حينها؟ وكم من ردود الفعل اللحظيّة الطائشة ستختصرعلى نَ ْفسِك؟ فواحدة ٌ من‬
‫العالمات الواضحة لت َسيُّد نظام الخوف عليك‪ ،‬هي الحاجة اللحظيّة لر ِدّ الفعل‬
‫تتصرف بطيش من حالة االنفعال اللحظي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫السريع‪ ،‬فتراك‬
‫فإن الحياة ستُدَ ّمر‪.‬‬ ‫تحس أنّك لو لم تُف ّكر بهذا الموضوع أو تحلّه اآلن‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وفورا‪ ،‬أو‬
‫وفي ذلك المكان بالذات‪ ،‬تتجلَّى أهميّة التنفّس حتى يرجع ُرشدُك‪ ،‬وتأخذ الفعل‬
‫الراجح‪ ،‬أو قد تكتشف أنّه ال يوجد فعل ألخذه أصال‪ ،‬وهذا الغالب‪.‬‬
‫وقد تُس ّمي العا ّمة هذه الصفه بالعقالنيّه‪ ،‬فال ُمتعقّل هو من َر ّوض نظام الخوف في‬
‫نفسه‪ ،‬وتمركز في ذاته‪ ،‬وحينها ال ت َفَعُّ ُل الخوف فيه يسلبه عقله‪ ،‬وال حتى االهتزاز‬
‫ي‪ ،‬يُجبره على ردّ الفعلي اللحظي‪.‬‬ ‫العاطف ّ‬
‫دركُ فيها أهميّة التعقٌل‪ ،‬عندما قرأتُ عن ِحكمة‬ ‫المرة األُولى التي بدأتُ أ ُ ِ‬ ‫وأ َ ْذ ُك ُر ّ‬
‫الحكمة السريّة في مصر‬ ‫سسين لمدارس ِ‬ ‫إخناتون‪ ،‬وهو من يُعتقد أنّه أحد المؤ ّ‬
‫القديمة‪ ،‬فإخناتون تحدّث عن التعقّل كأ َ َه ّم الصفات اإلنسانيّة الحترافها‪ .‬في ال ِبدء‪،‬‬
‫لم أفهم كيف يكون التعقّل بهذه األهميّة‪ ،‬ولكن لعشقي ألسرار الوعي‪ ،‬والخيمياء‬
‫بحكمة المدارس السريّة هناك‪،‬‬ ‫التي كشفها المصريّون القدامى‪ ،‬وإعجابي الخالص ِ‬
‫تالعبتُ بهذه الفكرة‪ ،‬حتّى تفتّحت زهرة إدراكي لألهميّة القصوى للتعقّل‪ ،‬ومعها‬
‫األهميّة القصوى للتنفّس َكرافِ ِد رئيسي للتعقّل‪.‬‬
‫فَ َمن احترف التنفس‪ ،‬وخصوصا في حالة الطوارئ الكذّابة‪ ،‬لن يحتاج لتصحيح‬
‫المتكررة من األفعال المغلوطة‪ ،‬وهي األفعال التي ت َنبُع من مكان ال َح ْي ِد‬ ‫ّ‬ ‫العثرات‬
‫ُسخر مجهوده‬ ‫عن التعقّل؛ لذلك ترى المتعقّل عميق البصيرة‪ ،‬وخارق الفعاليّة‪ ،‬ي ِ ّ‬
‫ت طفوليّة يَس ُهل تَعَدّيها‪.‬‬‫المستمر لعثرا ٍ‬
‫ّ‬ ‫للتطور والتقدّم‪ ،‬بَدَ َل التصحيح‬
‫ّ‬
‫ي‪ ،‬أو ال‬ ‫إن المتعقّل هو الشخص الذي ال يحس االهتزاز العاطف ّ‬ ‫الحظ أنّنا لم نَقُل ّ‬
‫سهُ للعودة لمركز الذات بسرعة‪ ،‬بعد‬ ‫ب نَ ْف َ‬‫يتأثّر مع الحياة أبدا‪ ،‬بل هو َم ْن دَ َّر َ‬
‫االهتزاز العاطفي‪ ،‬فالمتعقّل ليس َمن قَت َل نظام الخوف‪ ،‬وإحساس النجاة المتأصل‬
‫روضه ِب ِح َرفيَّة‪ .‬وس َيبقى التنفّس للمتعقّل‪ ،‬أداته المفضّله للترويض‪،‬‬ ‫فيه‪ ،‬بل َمن ّ‬
‫حالها حال المزمار للهندي‪ ،‬الذي ير ّ ِوض فيه أفعى الكوبرا‪ ،‬من دون القتال معها‪.‬‬
‫وأردت الخوض أكثر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ت تكنولوجيا التنفّس بإغرائك لبساطتها ّ‬
‫وقوتها‪،‬‬ ‫وإذا بَدَأ َ ْ‬
‫أعر ْفك على تقنيَّة التنفّس الثانية‪ ،‬التي‬ ‫واستغالل التنفّس بطريقة أخرى‪ ،‬فدعني ّ‬
‫مت من خالل «هارت ماث ‪ »HeartMath‬للوصول إلى حالة االتصال‬ ‫ص ّم ْ‬ ‫ُ‬
‫اطالع بأنظمة هارت ماث المختلفة؛ ألنّي‬ ‫السريع مع الذات‪ .‬أنا شخصيًّا على ّ‬
‫س ّخر عن أبحاثهم‪.‬‬ ‫تدربت معهم‪ ،‬وجز ٌء كبيرمن بحثي بالدكتواره ُ‬ ‫َّ‬
‫استنتجت هارت ماث أنّه عندما يكون الشخص في حالة اتصال مع القلب‪ ،‬أو كما‬
‫يطلقون عليها حاالت االنسجام الكامل‪ ،‬فالتواصل بين القلب والدماغ يصل ذروته‪،‬‬
‫فترى حدسك اشتدّ‪ ،‬ووضوحك لعناصر اللحظة ازداد‪ .‬ففي حالة االنسجام يقوم‬
‫القلب بإيصال رسائل فكريّة للدماغ‪ ،‬للخروج من حالة الخطر‪ ،‬والعودة إلى هدوء‬
‫اللحظة‪ ،‬فيبدأ الدماغ بتفعيل أماكن بيولوجيّة مختلفة منه‪ ،‬لتفعيل الوعي العالي‪،‬‬
‫والوضوح ال َح ْدسي‪ ،‬والتحليل األعمق للمشاكل‪ .‬وبهذا َيتِ ّم الرجوع إلى االنسجام‬
‫الكامل بين القلب‪ ،‬والدماغ‪.‬‬
‫المتطورة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫َعمل هارت ماث الكثير من التقنيّات واألنظمة‬ ‫للوصول إلى االنسجام ت َست ِ‬
‫فك اآلن على أسلوب تنفّس بسيط‪،‬‬ ‫عر َ‬ ‫قوة التنفّس‪ .‬وسنُ ّ‬ ‫عمقها على ّ‬ ‫والتي ت َعتمد في ُ‬
‫ع من هارت ماث لغاية الرجوع السريع إلى حالة االنسجام‪ ،‬والتي يكون فيه‬ ‫ابت ُ ِد َ‬
‫االتصال مع الذات األصليّة على أ َ ْو ِجه‪.‬‬
‫العمليّة بسيطة وتأخذ ‪ ٣‬خطوات‪ ،‬األُولى تبدأ ِبنَقل تركيزك لمنطقه القلب‪ .‬ولتقوم‬
‫أن تتخيّل دائرة صغيرة من الطاقة في منتصف رأسك‪ ،‬وأنت تنقلها بيُسر‬ ‫بذلك لك ْ‬
‫وسهولة إلى قلبك‪ ،‬كأنّها تتحرك في المصعد لتنزل إلى العيون‪ ،‬األنف‪ ،‬الحنجرة‪،‬‬
‫حتى الصدر‪ .‬ر ّكز هناك على نبض القلب‪ ،‬لتبدأ التناغم معه قليال قليال‪ ،‬بعدها ابدأ‬
‫وكأن قلبك الذي يتنفّس‪ ،‬دع‬ ‫ّ‬ ‫ي‪ ،‬وكأنّك تتنفَّس من داخل وخارج قلبك‪،‬‬ ‫بالتنفّس القلب ّ‬
‫التنفّس يَطول أكثر من العادة‪ ،‬ويذهب أعمق من العادة‪.‬‬
‫وفي الخطوة األخيرة قم بتفعيل إحساس ُمعيَّن في منطقة القلب‪ ،‬ودع اإلحساس‬
‫يكون رقيقا‪ ،‬ومقرونا بالقلب‪ ،‬كالرفق أواالهتمام‪ ،‬أو التعاطف‪ ،‬أو التمتّع بال َجمال‪.‬‬
‫س‬ ‫حر َك بها أحاسيسك القلبيّة‪ ،‬ولكن تنبّه ْ‬
‫أن ت َِح ّ‬ ‫قد تقوم بذلك بتفعيل ذكرى معيّنة‪ ،‬لت ُ ّ‬
‫اإلحساس اآلن‪َ ،‬بدَ َل التفكير فيه‪ .‬عندها ستبدأ العودة إلى حالة االنسجام‪ ،‬وحالة‬
‫االنسجام هي في غايه األهميّة‪ ،‬وفي غايه العمليّة‪ ،‬فهي حالة األداء األقصى‪ ،‬حيث‬
‫أردت البحث فيها أكثر‪ ،‬فلك ْ‬
‫أن تتع َّمق‬ ‫َ‬ ‫يسري تدفّق الحياة من خاللك بسهولة‪ْ .‬‬
‫وإن‬
‫في علوم هارت ماث‪ ،‬وأبحاثهم‪.‬‬
‫ي أكثر فأكثر‪ ،‬ازدادت قُدرتك على العودة له‬ ‫بت على االنسجام القلب ّ‬ ‫و ُكلّما ّ‬
‫تدر َ‬
‫بسرعة أكبر‪ ،‬وسأنصحك أن تضع وقتا معيّنا للتدريب على االنسجام‪ ،‬مثال‪ :‬قبل‬
‫وجبات طعامك‪ ،‬أو ما تراه مناسبا لضمان تَذَ ُّكر التدريب‪ .‬هو ليس بالتدريب‬
‫ال ُمضني‪ ،‬وال يأخذ أكثر من دقيقتين ك ّل مرة‪ ،‬وبالنهاية ستسطيع فِعله وأنت تمشي‪،‬‬
‫وتقوم بمها ّمك اليوميّة‪.‬‬
‫التكنولوجيا الثا ِن َية‪ :‬الخيال الموجه‪:‬‬
‫قوة الخيال الكبيرة‪ ،‬وخصوصا عندما وصفها «نابليون‬ ‫لسنين كثيرة كنتُ أسم ُع عن ّ‬
‫بالقوة غير المحدودة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫هيل ‪ »Napoleon Hill‬في كتابه «فَ ّكر وازدَ ْد ثراء»‪،‬‬
‫والذي أخذ منه أكثر من ‪ ٢٥‬سنة لكتابته‪ ،‬بعد التع ّمق بالبحث مع أكثر من ‪٥٠٠‬‬
‫شخصيّة في أمريكا‪ ،‬والذين يعدّون من أكثر األشخاص ثراء‪ ،‬وتأثيرا في العا ّمة‪.‬‬
‫أن شيئا‬‫وبالرغم من هذه التأكيدات‪ ،‬وتدريبي المتواصل على رفع سويّة الخيال‪ّ ،‬إال ّ‬
‫استمر بالقول‪ :‬إنّي لم ألمس من إمكانات الخيال ّإال شعرة بسيطة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫في داخلي‬
‫ولكن ك ّل هذا تغيّرعندما ذهبتُ لمدّة يومين إلى «مانشيستر»‪ ،‬ألتابع كورسا متقدّما‬
‫َف من معرفة المصريين القدامى عن الوعي النجمي‬ ‫في الخيمياء الطاقي‪ ،‬وال ُمستَش ّ‬
‫مكان تفوح منه رائحة المصريّين‬ ‫ٍ‬ ‫(لك أن تتأكد اآلن‪ ،‬أنّي أنجرف طاقيًّا أل ّ‬
‫ي‬
‫القدامى‪ ،‬وكأنّها ُمذ ِ ّك ٌر لما أُوقِن في باطني)‪.‬‬
‫أَذ ُكر أنّي لم أ ُ ِرد الذهاب لذلك الكورس‪ ،‬ألنّي رأيتُ مادّته ت َخلو من العمليّة‪ ،‬وتتعدّى‬
‫سس هذا النظام من الشفاء والذي يُدعى ( ِسحر النجوم)‪،‬‬ ‫حدودَ انفتاحي الذهني‪ ،‬فمؤ ّ‬
‫أو «ستار ماجيك هيلينج ‪ »Star Magic Healing‬يَغوص بالع ُمق عن وعي‬
‫ي في العالَم‪ ،‬والتالعب‬ ‫النجوم والحضارات النجمية‪ ،‬وشبكات التبادل المعلومات ّ‬
‫الحاصل فيها‪ ،‬ويتع َّمق في العوالم الداخليّة‪ ،‬ومنها األحصنة الطائرة والتنانين!‬
‫أن هذا المستوى‬ ‫وحتى مع اعتباري لالنفتاح العقلي كواحدة من قُواي الخارقة‪ّ ،‬إال ّ‬
‫من النقاش فاق مدى امتدادي‪ ،‬أو على األقل لم يكن قريبا للجزء التحليلي ِمنّي في‬
‫عارف لك ّل شيءٍ ‪ ،‬وهو في الحقيقة أكبر‬ ‫ٌ‬ ‫يظن أنّه‬
‫ّ‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬ذلك الجزء الذي‬
‫الجاهلين بسِحر الحياة وأسرارها‪ .‬لذلك قبل الذهاب للكورس أحسست بق ّمة‬
‫عطي‬ ‫فقررتُ أن أ ُ‬
‫لكن قلبي بقي ميّاال إلى هناك‪ّ ،‬‬ ‫التناقض‪ ،‬فرغم غرابة الطرح‪ّ ،‬‬
‫َ‬
‫الكورس فرصته‪ ،‬وه َم ْمتُ بالذهاب‪ ،‬أو باألحرى لشدّة فضولي القاتلة ذَ َهبْت!‬
‫في البداية كانت األحكام تتسارع في رأسي‪ ،‬فالناس هنا غريبون‪ ،‬و ُمقّدم الكورس‬
‫«جيري» غريب‪ ،‬و و و…‬
‫الكف‬
‫ّ‬ ‫فقررتُ‬ ‫المتكررة لتعدّي األحكام‪ّ ،‬إال أَنّها تملّكتني‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وبالرغم من محاولتي‬
‫وقررتُ أَن أعيش المغامرة كما هي‪ ،‬وبكافّة عناصرها‪ ،‬ومنها‬ ‫عن المقاومه‪ّ ،‬‬
‫المتكررة في أعماق ذاتي‪ ،‬بَدَأَت األحكام‬ ‫ّ‬ ‫األحكام‪ .‬بعد اليوم األول‪ ،‬والرحالت‬
‫تتالشى‪ ،‬لتتحول رويدا رويدا لشيءٍ من إثارة المجهول‪ ،‬وبعد اليوم الثاني أحسستُ‬
‫حق اليقين‪ .‬بعدها بدأتُ أَقو ُم برحالتي الداخليّة‬ ‫أنّي أُو ِق ُن ما يقول «جيري» في قلبي َّ‬
‫ص ْد َر‬
‫وكأن َ‬‫ّ‬ ‫ومعارف جديدة لم ألمسها من قبل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ص َل إلى مستويا ٍ‬ ‫صة‪ ،‬أل َ ِ‬ ‫الخا ّ‬
‫بوابة جديدة وعلى مصراعيها‪ ،‬لم أَعِ وجودها من قبل‪ ،‬وبعدها‬ ‫الحياة‪ ،‬فَت َ َح لي ّ‬
‫ض ّم لكورسات ال ُمعلّمين هناك‪.‬‬ ‫استكملتُ رحلتي مع «ستار ماجيك»‪ِ ،‬أل َ ْن َ‬
‫صة؟ وما عالقتها بتكنولوجيا الخيال؟‬ ‫ص عليك هذه الق ّ‬ ‫لماذا أقُ ّ‬
‫أن «ستار ماجيك» تعتمد على الخيال‪ ،‬وأنّي أعني هنا الخيال‬ ‫الذي لم أَقُلهُ لك ّ‬
‫الجامح‪ ،‬الخيال الذي يعيشه األطفال‪ ،‬ويذوقون به ِسحر الحياة َو ُودّها‪ ،‬ألكتشف‬
‫بعدها أن الخيال هو أساس علوم الخيمياء كافة‪ ،‬حتى أن الخيميائين يطلقون على‬
‫ي‪ ،‬أوعلوم التحويل‬ ‫الخيال بقطعة الجنة في النفس اإلنسانية؛ لذلك ك ّل العالج الخيميائ ّ‬
‫قوة الخيال المو ّجه بالنيَّة وال َح ْدس‪ .‬قد يكون هذا النوع من‬ ‫ي‪ ،‬ت َعتمدُ على ّ‬ ‫الطاق ّ‬
‫صدق ال َمسلَك لَ َعرفنا‬ ‫الخيال أقرب للواقع‪ِ ،‬ل َما يُس ّميها الراشدون بالواقع‪ ،‬وإن ابتغينا ِ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫أن الواقع هو َوليد الخيال‪ ،‬وهذا ُّ‬ ‫ّ‬
‫الواقع هو َوليد ُالخيال‬
‫فماذا لو كان العالم ِبأسره وليد العملية االبتكارية في الخيال‪ ،‬وهذا ليس تقليال من‬
‫كعنصر أصيل من الحياة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫شأن العالم‪ ،‬وإنّما إضافة له‪ .‬عندها سنرى الخيال‬
‫مجرد إضافة نوعيّة‪ ،‬كما يُتداول في الكثير من مجاالت‬ ‫ّ‬ ‫وخلودها الساحر‪ ،‬وليس‬
‫تطوير الذات‪ ،‬حيث يُستعمل فيها الخيال االبتكاري‪ ،‬كوسيلة لتخيّل األهداف‬
‫تبخيس ُمشين للخيال‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الشخصيّة‪ ،‬وبرمجتها في العقل الباطن فقط‪ .‬في هذا الطرح‬
‫وعالقته الضمنيّة مع روح الحياة األصيل‪.‬‬
‫فيك‬
‫ي مع َوحي ِ الخيال‪ ،‬سيرتقي َ‬ ‫وعندما يرى الواقع كما هو‪ ،‬بالتصاقه الضّمن ّ‬
‫الال محدودة‪ ،‬فالحياة على هذا البعد تخلو من‬ ‫إحساس السِحر‪ ،‬واحتماليّات الحياة ّ‬
‫وتتحول إلى لعبة خياليّة لت َج ِبلها وتُش ّكلها‪ .‬هذا الخيال الساحر‪ ،‬ليس‬ ‫َّ‬ ‫الجموديّة‪،‬‬
‫درك أنّي‬ ‫فإن عرفتني‪ ،‬ست ُ ِ‬ ‫منفصال عن االلتزام‪ ،‬والتقدّم‪ ،‬واإلنجاز‪ ،‬وإنّما مغ ٍذّ له‪ْ ،‬‬
‫ّس اإلنجاز‪ ،‬وأرنو دائما للعمليّة في الطرح‪ ،‬وأنّي أُقَدّس القُدرة السريعة على‬ ‫أُقَد ُ‬
‫قصير جدًّا‪ ،‬وال أريد أن‬ ‫ٌ‬ ‫أن وقتنا في هذه الرحلة األرضيّة‬ ‫تحصيل النتائج ألن أ َ ِع َ‬
‫ي ّ‬
‫أن احتراف‬ ‫ق‪ ،‬يُغيِّر وجه اإلنسانيّة لألبد؛ لذلك أرى ّ‬ ‫ث صاد ٍ‬ ‫أُضيّعه في أق ّل من ميرا ٍ‬
‫أن الرغبة باإلنجاز‪ ،‬والتقدّم ال تتنافى مع‬ ‫مهارة اإلنجاز ضرورة ٌ قصوى‪ ،‬وأرى ّ‬
‫الال محدود‪.‬‬ ‫الخيال أبدا‪ ،‬فَنَس ُْر الخيال يُح ِلّق بأجنحة اإلنجاز ّ‬
‫فماذا قد تُفيدك ك ّل هذه المقدّمة‪ ،‬قد تكون محاولة تحفيزيّة‪ ،‬ليَأخذَ الخيال َوزنا جديدا‬
‫في حياتك‪ ،‬حالك حال األطفال‪ ،‬وقد ترتفع عن ذلك لتلهمك بمزج الخيال في الحياة‪.‬‬
‫وعندها ستبدأ قنبلة الخيال بالتفعّل‪ ،‬فتكنولوجيا الخيال هي ِزنادُ القنبلة الكونيّة‪ ،‬قنبلة‬
‫س ِ ّخ َرت لهذا المسعى‪.‬‬ ‫ي‪ ،‬إن ُ‬‫ال ُحب والشفاء الروح ّ‬
‫فعند امتزاج الخيال بالنيَّة والحدس ال ُم َو ّجه‪ ،‬سيأخذك إلى مستوى أعمق من الشفاء‬
‫والتحرر من القيود اإلنسانيّة‪ ،‬والتي قد تصل سرعتها إلى اللّحظيّة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫السريع‬
‫عملي مع المتدربين‪ ،‬فَ ُهم يأتونني أحيانا بعد‬ ‫وقد رأيتُ هذا مرارا‪ ،‬وتكرارا في َ‬
‫العمل ‪ ٥‬سنين مع مرشدين صحيّين على موضوع معيّن‪ ،‬ومن خالل جلس ٍة واحدةٍ‬
‫من جلسات العالج الخيميائي التس استحدثها‪ ،‬نستعمل فيها تكنولوجيا الخيال‪ ،‬فت ُ َح ّل‬
‫صا‪ ،‬ال أحد يمتلكه‪ ،‬فكلّنا عندنا‬ ‫ي شيئا خا ًّ‬ ‫المعضلة من جذرها‪ .‬ال أقول هذا َّ‬
‫ألن ف َّ‬
‫هذا الشيء الخاص‪ ،‬ولكن ألنّي آخذهم إلى العُمق‪ ،‬وباستعمال الخيال الحدسي‪،‬‬
‫ي قيو ٍد وتشفيرها من رحم الوعي‪ ،‬ومن ُمخ َّزنات الحامض النووي‪.‬‬ ‫إلذابة أ ّ‬
‫المتكرر لتكنولوجيا الخيال‪ ،‬سيُحدث تغييرا جذريًّا في حياتك‪ ،‬وسيجعل‬ ‫ّ‬ ‫االستعمال‬
‫السِحر‪ ،‬واألعاجيب كشكل من الطبيعيّة في يومك‪ ،‬وهو ما يُفترض أن تكون الحال‬
‫ظ ُّن بهذا التحليل أنّنا قادرون‬ ‫ي هزيل‪ ،‬نَ ُ‬ ‫ي تحلي ٍل ذهن ٍّ‬ ‫عليه‪ ،‬فالحياة أقرب للسِحر من أ ِّ‬
‫ت الحياة األبديّة‪ .‬فالكارثة اإلنسانيّة تبدأ‪،‬‬ ‫الحكمة‪ ،‬ونَختِم مجهوال ِ‬ ‫أبواب ِ‬
‫َ‬ ‫أن نَصو َ‬
‫غ‬
‫أن يتركوا عالم السِحر والخيال‪ ،‬لينضجوا إلى التحليل البارد‪،‬‬ ‫عندما نُعَلّ ُم األطفال ْ‬
‫ومع هذه البرود‪ ،‬فإنّهم يفقدون َو َه َج الحياة‪ ،‬ونَشوت َها‪.‬‬
‫أَظنُّنا أسهبنا كفاية عن تكنولوجيا الخيال‪ ،‬وأتى الوقت الستعمالها‪ ،‬أتوافق معي؟‬
‫قوة الخيال في حياتك‪ ،‬ولتنفيذ ذلك‪،‬‬ ‫لتفعيل تكنولوجيا الخيال علينا ّأوال بتمكين ّ‬
‫سنتالعب بخدعة ذهنيّة بسيطة‪ ،‬هل أنت جاهز لها؟‬
‫هي خدعة بسيطة ولكن مفعولها خارق؛ والسبب في ذلك هو أنّها تتالعب بأكبر‬
‫قوة الخيال‬ ‫الالواعي وهي اإليمان‪ ،‬ولماذا ال نستغ ّل هذا المدخل لتمكين ّ‬ ‫مداخل العقل ّ‬
‫فيك؟‬
‫الخدعة هي أن تختار فعال بسيطا تنفّذه بتلقائيّة‪ ،‬ولكن قبل اإلقدام عليه‪ ،‬تخيلّه في‬
‫ق خيالك‪ ،‬لترسيخ اإليمان بطاقة االحتفال‬ ‫ذهنك‪ ،‬ومن ث ّم نفّذه‪ ،‬وبعدها احتفل بتحقُّ ِ‬
‫ونشوتها‪.‬‬
‫وقد تتساءل اآلن‪ ،‬ماذا يعني ذلك؟‬
‫يعني قبل شربك الماء‪ ،‬قد تتخيّل أنك تشرب الماء وتستمع به في ذهنك‪ ،‬وبهذا‬
‫قوي الخيال بطاقة التحقيق واإليمان‪ ،‬لتقول بينك وبين نفسك‪ :‬هل من الممكن أن‬ ‫ست ُ ّ‬
‫أن‬‫يتحقّق ما أتخيّله؟ من ث ّم قُم بشرب الماء بنفس الطريقة التي تخيلتها‪ ،‬واحتفل ّ‬
‫خيالك تحقّق‪ ،‬ونبوءة الماء قد تجلت!‬
‫بهذا التمرين البسيط‪ ،‬وبتكراره يوميًّا باألمورالمؤ ّكد تحقيقها لك‪ ،‬أنت تخترق‬
‫حرك‬ ‫قوة الخيال‪ ،‬لتستوي عظمته فيك‪ .‬ولك بعدها أن ت ُ ّ‬ ‫شكوك الذهن الفكريّة عن ّ‬
‫عالمك كامال بخيالك؛ ألن عقلك الباطن حينها سيستجيب للخيال بكامل قدراته‪.‬‬
‫بعد تمكين قوة الخيال فيك هنا‪ ،‬سنبدأ بالتوفير لك بعض التطبيقات العملية لكيفية‬
‫ي‪ ،‬وبعدها دع خيالك ونيّتك‬ ‫تمرين التجذّراألرض ّ‬ ‫ُ‬ ‫استخدام الخيال في حياتك‪ ،‬ومنها‬
‫الصافية يرقصان سويًّا ليأخذاك إلى حدود السماء‪ ،‬وحتى السماء‪ ،‬ستصبح ك ُمق ِيّد‬
‫في عالم الخيال‪.‬‬
‫دوامة‬ ‫فرط‪ ،‬في ّ‬ ‫تعيش الغالبيّة العظمى من الناس في د ّوامة ال متنهية من التفكير ال ُم ِ‬
‫من األنشطة الفكريّة ال ُمبالغ بها‪ ،‬وإن استطعنا بطريق ٍة أو بأخرى‪ ،‬أن نعرض‬
‫مكررة ‪ ،‬ومبعثرة‪ ،‬تسعى في اتّجا ٍه واحد‪ ،‬وهو‬ ‫النوعيّة الغالبة لهذه األفكار‪ ،‬سنراها ّ‬
‫النجاة من األخطار الوهمية‪ .‬هذا ليس استهالكا للطاقة فقط‪ ،‬وإنّما استعما ٌل ُمؤ ٍذ‬
‫لنعمة الخيال‪ ،‬فنرى الخيا َل يُ ْس ّخ ُر مرارا وتكرارا‪ ،‬لتخيّل سيناريوهات ُمرعبة داخل‬
‫الذهن؛ لذلك سنبدأ سويًّا بتوجيه الخيال بطريقة مفيدة لتهدئة الذهن‪ ،‬والتجذّر السريع‬
‫في سكون الذات‪ ،‬حيث ستجد في سكونك الداخلي االتصال بطاق ِة التنشئة‪ ،‬وبها‬
‫تسترجع الذاكرة الحدسيّة عن ميكانيكيّة التكوين‪.‬‬
‫ي للشخص في منطقة الرأس‪ُ ،‬منغمسا بالغيوم‬ ‫بالوضع المعتاد يكون التركيز الطاق ّ‬
‫الفكريّة من دون فاص ٍل أو منفس‪ ،‬وهذا يُبعدنا عن حالة السكون الطبيعيّة؛ لذلك‬
‫سنستعمل الخيال هنا ِلنَ ْق ِل اإلدراك إلى حالة السكون والتجذّر فيه‪ .‬هنا ستبدأ رحلتك‬
‫االحترافية لتوجيه إدراك‪ ،‬فواحدة ٌ من عالمات المحترف‪ ،‬هي القُدرة على توجيه‬
‫حيث ما يشاء‪ .‬ومن أسهل الطرق لفعل ذلك‪ ،‬هو االستناد‬ ‫ُ‬ ‫اإلدراك‪ ،‬أو التركيز‪ ،‬إلى‬
‫ض هنا قوانينَ ثابتة‬ ‫على َو ْعي ِ األرض‪ ،‬وجمودها الراسخ‪ .‬ولكن تذ ّكر أنّنا ال نَ ْع ِر ُ‬
‫عن كيفيّة استعمال الخيال‪ ،‬وإنّما نالمس َنوعا من التالعب ال َم ِرن‪ ،‬فَت َعا َم ْل َمعَهُ‬
‫بمرونة‪.‬‬
‫أن منطقة تركيز الطاقة موجودة ٌ بين عينيك‪ ،‬وقد تتخيّلها كدائرة‬ ‫في البداية تخيّل ّ‬
‫طاقيّة‪ ،‬ومنها تأخذُ تركيزك باستعمال الخيال إلى أسفل قدميك‪ .‬فتنتقل برويّة من‬
‫خالل رأسك‪َ ،‬ح ْل ِقك‪ ،‬منطقة الصدر‪ ،‬ال َم ِعدَة‪ ،‬وبين األرجل حتّى األقدام‪ ،‬وفي هذه‬
‫المسيرة ستمشي مع مداخل الطاقة السبعة األساسيّة‪ ،‬كما هو ُموضّح بالصورة في‬
‫استم ّر‪ ،‬وباستعمال النيّة‪ ،‬لتُو ّجه الطاقة للسفر من بين قدميك إلى‬ ‫ِ‬ ‫األسفل‪ .‬ومن ث َّم‬
‫عمق األرض وروحها‪ ،‬وبحركة حلزونية متماشية مع كيفية حركة الطاقة في‬ ‫ُ‬
‫الكون‪ .‬تَذَ َّكر أنّه ليس هناك «صح أو خطأ» في التمرين‪ ،‬وإنّما النيَّة الصادقة هي‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫الفيصل‪ ،‬وهذا ّ‬
‫النيَّة الصادقة هي الفيصل دائما وأبدا‪.‬‬
‫أن تكون‬ ‫ي رائدٌ للعمليّة‪ ،‬فاسمح لنَ ْفسِك ْ‬ ‫ّ‬
‫وكأن الذكاء الكون ّ‬ ‫سك يقود خيالك‪،‬‬ ‫ع َح ْد َ‬
‫دَ ْ‬
‫أن تمشي في اتّجاه معيّن‪ ،‬وإنّما ِس ْر‬ ‫مكان المراقب‪َ ،‬بدَل المت َح ِ ّكم‪ ،‬فال تُجبر الطاقة ْ‬
‫َم َعها‪ .‬وعندما تتَّصل مع َر ِح ِم األرض‪ ،‬امتزج بطاقتها هناك‪ ،‬وفيها يتجلّى ال ُحبّ‬
‫ي‬‫خر َج عامودٌ طاق ٌّ‬ ‫أن يَ ُ‬‫سك بهذه المنطقة‪ ،‬ثم اطلب وبالنية‪ ،‬اطلب ْ‬ ‫ي‪ .‬ثَبّت نَ ْف َ‬ ‫األموم ّ‬
‫ق األرض إلى أ َ ْر ُج ِلك‪ ،‬ليَ ُم ّر ِبنَ ْف ِس طريق الذهاب‪ ،‬حتّى تلتصق‬ ‫عم ِ‬ ‫من خالل ُ‬
‫ي بين أرجلك‪.‬‬ ‫مركز طاق ّ‬
‫ٍ‬ ‫بأول‬
‫الجذور ّ‬
‫سك في‬ ‫تالعبت بالطاقة‪ ،‬ونقلت َها من رأسك إلى جسدك‪ ،‬مثبّتا نَ ْف َ‬ ‫َ‬ ‫هكذا ت ُ‬
‫َكون قد‬
‫جذور أرضيّة متينة‪ ،‬وقد تدع الطاقة األرضيّة تسري بك ّل جسدك‪ ،‬من مركز الطاقة‬
‫األول‪ ،‬وبالطريقة المناسبة للّحظة‪ ،‬شخصيًّا قد أرى روح األرض تسري خالل‬ ‫ّ‬
‫والقوة إلى داخل قلبي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جسمي‪ ،‬لترسل كودات ال ُحبّ ‪،‬‬
‫أن ال تُقلّدني‪ ،‬فبهذا ست َبعُد عن أصالتك وتضعُف‪ ،‬فَدَع أصالتك كمرشدك‬ ‫المه ّم ْ‬
‫الخاص‪َ ،‬ودَع خيالك وحدسك ونيّتك أن يعملوا كالقادة لك‪ ،‬وال تجعل العمليّة معّقدة‬
‫يتحول‬ ‫ّ‬ ‫وحرفيّة‪ ،‬بل تعامل معها كاللعبة‪ ،‬تعامل معها بروح األطفال‪ .‬فال ت َرى كيف‬ ‫ِ‬
‫واستمتع‪،‬‬
‫ْ‬ ‫بالمثل‪،‬‬
‫األطفال في لحظ ٍة إلى فارس‪ ،‬وأميرة‪ ،‬وجنيّة‪ ،‬فاستعمل خيالك ِ‬
‫ستُس َجن بقيود التحليل‬ ‫ست ََر فَهمك لعالمك الخاص من الطاقة سيزداد‪ ،‬وغير ذلك َ‬ ‫و َ‬
‫والجدّية‪ ،‬وستفقد‬
‫المحركة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫تكنولوجيا الخيال سالستها‬
‫وقد تُف ّكر اآلن‪ ،‬ولكن لماذا نستعمل تكنولوجيا الخيال للتجذّر‪ ،‬فما الفائده من ذلك؟‬
‫أن القُدرة على التعبير والقيادة والتأثير‪،‬كلّها تزداد مع ازدياد تجذّرك‬ ‫أقل لك ّ‬ ‫دعني ْ‬
‫بأن لديه حضورا‬ ‫حس ذلك الشخص المتجذّر في نفسه‪ ،‬وقد ن ِ‬
‫َصفُه ّ‬ ‫في داخلك‪ ،‬فكلّنا نُ ّ‬
‫قويًّا‪ ،‬فالحضور هو التجذّر في ذاتك في اللحظة‪ ،‬وهل ت َذ ُكر ما عكس ذلك؟ هو‬
‫الشخص الذي يمشي بالشارع ك ُجثّة هامدة‪ ،‬وذهنه يُح ِلّق من مكان إلى آخر‪ُ ،‬متالطما‬
‫حاضر للحظة‪ ،‬وال هو‬ ‫ٌ‬ ‫ي‪ ،‬أو أثقال الماضي‪ ،‬فال هو‬ ‫بين ُوديان الرعب المستقبل ّ‬
‫متجذّر في ذاته‪.‬‬
‫دت‬‫دت عن التجذّر في ذاتك‪ ،‬التجذّر في جسدك اآلن وجسد األرض‪َ ،‬بعُ َ‬ ‫كلّما َبعُ َّ‬
‫دت عن السكون‪ ،‬والقُدرة على قراءة العالمات الخفيّة‬ ‫قوتك‪ ،‬وبذلك َبعُ َ‬ ‫عن مصدر ّ‬
‫تتشرب‬‫ّ‬ ‫من حولك‪ .‬واألخطر من ذلك أنّك ست َبعُد عن سيادتك الطاقيّة‪ ،‬فتراك‬
‫إسقاطات الناس المختلفة من حولك‪ ،‬بتفعيلها أتوماتيكيًّا في نفسك؛ لذلك تدريب‬
‫خيالك على التجذّر‪ ،‬هو أحد مفاتيح السيادة الطاقيّة‪ .‬وما أحلى أن تتجذَّر في سيادة‬
‫ص ْلبة كأعماق األرض‪ ،‬فيكون‬ ‫جسدك‪ ،‬عندما يكون جسدك متجذّرا في أرضيّة ُ‬
‫اهتزازه أق ّل‪ ،‬وحالته النفسيّة أهدأ‪.‬‬
‫تحس الفرق بين المتجذّر وغيره‪ ،‬تخيّل بيضة ُمثبتّة على إبرة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫أردت أن‬ ‫ْ‬
‫وإن‬
‫وبيضة أخرى راقدة مباشرة على األرض‪ ،‬لك أن تتخيّل الفرق‪ .‬شخصيًّا أعي‬
‫تطوري كنتُ بعيدا عن جسمي‪،‬‬ ‫ألن السنين األولى من ّ‬ ‫الفارق بينهما ِع ّز المعرفة؛ ّ‬
‫وقت طوي ٌل‬‫ٌ‬ ‫ي عن الجسد‪ ،‬وأخذني‬ ‫ي يتزايد بالسفر الخارج ّ‬ ‫التطور الروحان ّ‬ ‫ّ‬ ‫ظانًّا ّ‬
‫أن‬
‫ظة الروحيّة‪ ،‬أن تكونَ متجذّرا في جسدك‪ ،‬لتنق َل أبعاد الروح إلى‬ ‫أن ِس ّر اليَقَ َ‬ ‫ألرى ّ‬
‫سدا لها‪ ،‬وليس حالما بها‪ ،‬أو باألحرى‬ ‫داخل الجسد والخبرة األرضيّة‪ ،‬فتكون مج ّ‬
‫سهل‪ ،‬فنحن‬ ‫سدا ل ُحلمها‪ .‬وكأنّك ت َنقُل تعبير الروح إلى األرض‪ ،‬وهذا ليس بال ّ‬ ‫مج ّ‬
‫نختار الهرب من الجسم؛ ألنّنا نحاول الهرب من األلم الذي يحمله‪ ،‬ولكن رحلة‬
‫السيادة الداخليّة‪ ،‬ت َك ُم ُن في النظر إلى العواطف المؤلمة في داخل جسمك‪ ،‬لشفائها‬
‫دون الهرب‪ ،‬أو ال ُحكم عليها‪.‬‬
‫لك أن تتدرب على تمرين التجذّر قدر ما تشاء‪ ،‬أنا أفعله غالبيّة اليوم‪ .‬وبتكرار‬
‫أن قُدرت ََك على الخروج من الضوضاء الذهنيّة إلى‬ ‫التدريب على التجذّر‪ ،‬سترى ّ‬
‫سكون الجسد تتعالى‪ ،‬ومعها إحساسك باالحترافيّة على طاقتك‪ .‬من الممكن في بادئ‬
‫األمر أنّك لن تستطيع القيام بالتجذّر بسرعة‪ ،‬وقد تحتاج إلغماض عينيك والتركيز‬
‫سه مناسبا‪ ،‬حتى تستطيع التجذّر‬ ‫إلتمام العمليّة‪ ،‬وال ضير في ذلك‪ ،‬فافعل ما تح ّ‬
‫وأنت تقوم بأعمالك اليوميّة‪.‬‬
‫عليا‪ ،‬فقد تُضيف عليه عنصرا‬ ‫واآلن إن أردت أن تأخذَ تمرين التجذّر إلى مرحلة ُ‬
‫صغيرا‪ ،‬وهو التحميل‪.‬‬
‫بعد التجذّر باألرض‪ ،‬واستقبال الطاقة من هناك‪ ،‬انقل إدراكك باستعمال النيَّة إلى‬
‫الشمس المركزية‪ ،‬وال نعني هنا الشمس الظاهرة‪ ،‬بل رمزيّة الشمس كمصدر‬
‫ع حدسك يقود الخيال إلى هناك‪ ،‬ث ّم وباستعمال‬ ‫للحياة‪ .‬ال تفكر بالموضوع كثيرا‪َ ،‬ودَ ْ‬
‫النيَّة اطلب أن ينزل النور من الشمس المركزيّة‪ ،‬إلى أعلى رأسك‪.‬‬
‫دَعِ النور ينساب من خالل ق ّمة رأسك إلى جسدك‪ ،‬فيتّصل بالقلب أو بمكان التجذّر‬
‫بين قدميك كما في الصوره‪ ،‬فَت َراك متّصال مع نور السماء‪ ،‬وجذور األرض‪ّ .‬‬
‫األول‬
‫القوة‪ ،‬األّول طاقة كهربائيّة‪ ،‬واآلخر طاقة‬ ‫صدَ ُر ّ‬ ‫صدَ ُر المعلومات‪ ،‬والثاني َم ْ‬ ‫هو َم ْ‬
‫مغناطيسيّة‪ ،‬وكلّهم موجودون في داخلك‪ .‬تيقَّن ّأال تحاول أن تُرغم النور على‬
‫الحركة باتّجاه معيّن‪ ،‬فدعه ينهمر بسهولة وحدسيّة‪.‬‬
‫ي دقيق‪ ،‬فالنور‬ ‫النور هو ليس فقط رسمة خياليّة في رأسك‪ ،‬وإنّما تدفّ ٌق معلومات ٌّ‬
‫هو األقرب لذاتك األصليّة‪ ،‬وحامل لكوداتها الفريده؛ لذلك قبل تحميل النور من‬
‫مز َجه مع طاقات أخرى‪ ،‬وقد تكون َك ُكودات التعبير الصادق‪،‬‬ ‫أن أ َ ِ‬
‫السماء‪ ،‬أنا أحبّ ْ‬
‫أو حضارات كونيّة معيّنة‪ .‬وسأعيد التذكير هنا‪ّ ،‬أال تُق ِلّدَني‪ ،‬وتكونَ أنت في نيّتك‪،‬‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫قوتك‪ ،‬وهذا ّ‬ ‫وفي خيالك‪ ،‬وفي َح ْد ِسك‪ ،‬ففي أصالتك تكمن ّ‬
‫قوتك في أسلوبك األصيل‪.‬‬ ‫تكمن ّ‬
‫سع دائرة إدراكك‪ ،‬لتزداد حساسيّتك لعالم الخيال‬ ‫ما نحاول فعله هنا‪ ،‬هو أن نو ّ‬
‫والطاقة‪ ،‬وبهذه الحساسيّة ستزداد حساسيّتك ِل َما أنت عليه‪ ،‬وبكافّة أبعادها‪ ،‬والطاقة‬
‫هي الجزء األكبر ِم ْن «أنت»‪ .‬وباتّساع حساسيّتك لعالَم الطاقة‪ ،‬وهو حقّك الشرع ّ‬
‫ي‬
‫نسيت استعماله‪ ،‬ستزادادُ قُدرتك على رؤية األمور بالعُمق‪ ،‬ومعها‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫تكون‬ ‫الذي قد‬
‫قدرتك على التغيير‪ ،‬وح ّل المشاكل من الجذر‪ .‬وسترتقي قُدرتك على استعمالك‬
‫حوله كوسيلة فعّالة للتطور‪ ،‬والشفاء‪ ،‬وتشفير القيود‬ ‫تكنولوجيا الخيال واإلبداع به‪ ،‬لت ُ ّ‬
‫من جذرها‪.‬‬
‫والترهات‪ ،‬وقد يكون‬ ‫ّ‬ ‫ترفض ما قيل‪ ،‬ولك أن تضعه في قالب السخافات‬ ‫َ‬ ‫لك أن‬
‫َ‬
‫ألن منطقك الشخصي‬ ‫تجزم أنّها كذلك؟ هل فقط ّ‬ ‫كذلك‪ ،‬ولكن سأسالك‪ :‬كيف لك أن ِ‬
‫ي‬ ‫ٌ‬
‫انغالق عقل ّ‬ ‫يقول ذلك؟ اسمح لي أن أقول لك حينها‪ ،‬ومن مكان ُحب‪ ،‬هذا اسمه‬
‫الحكمة‪ ،‬وتعمي‬ ‫ي شيءٍ ال تعرفه‪ ،‬وهو من أكبر المقيّدات التي قد تسلبك ِ‬ ‫على أ ّ‬
‫طرق التطور‪ ،‬التي ال يمكن أن تعي وجودها حتُّى في أعمق‬ ‫بصيرتك عن أسرع ُ‬
‫تحليالتك‪.‬‬
‫فليس المطلب هنا أن تُصدّق ك ّل ما يُذكر بالكتاب‪ ،‬فهذا لن يخدمك البتّة‪ ،‬بل سيسلبك‬
‫سيادتك الطاقيّة‪ ،‬ولكن المطلب َّأال تنغلق على ما ال يناسب ذهنيّتك الحاليّة‪ ،‬ومستوى‬
‫ي واجبا أكثر‪،‬‬ ‫رغبت االرتفاع بالوعي‪ ،‬أصبح االنفتاح العقل ّ‬ ‫َ‬ ‫ي‪ .‬فكلّما‬
‫اتساعها اآل ِن ّ‬
‫فبالنهاية طبيعتك األصليّة ِسحرية‪ ،‬وأكبر بكثير م َّما يُخيَّل لك اآلن‪.‬‬
‫أنا أعني حرفيًّا «أكبر بكثير» م َّما قد يُخيَّل لك اآلن‪ ،‬فهي أكبر م َّما قيل لك من‬
‫المجتمع‪ ،‬وأكبر م َّما وصفها لك المعلمون والمعلمات‪ ،‬وأكبر م َّما َرواهُ لك أهلك‪،‬‬
‫وأكبر م َّما قاله لك أصدقاؤك‪ .‬طبيعتك األصليّة هي طبيعة كونيّة ومتعددة األبعاد‪،‬‬
‫وتلعب على حدود مختلفة من الزمان والمكان‪ ،‬وتتعالى عنهم إلى الخلود‪ ،‬فهي‬
‫تلعب على كل المستويات اإلنسانيّة‪ ،‬والنجميّة إلى غير المحدود‪ .‬وبحصر منظورك‬
‫في فيزيائيّة الحياة البحتة‪ ،‬ستحصر نفسك وتسجنها‪ ،‬لتُخفي بجهل المنطق‪ ،‬ما يخبَّأ‬
‫لك من كنوز باطنيَّة‪ ،‬هذا ما قد يصل وصفه إلى مرحلة الجريمة‪.‬‬
‫هذه الكنوز لن ت ُ َرى لمن فُ ِقدَ فيه االنفتاح والجرأة‪ ،‬للذهاب لما بعد التحليل المحدود‪،‬‬
‫وقوة الجزء األيسر من‬ ‫والسفر بعالم الخيال‪ .‬وال تعتقد أنّنا ندعو هنا لقتل التحليل‪ّ ،‬‬
‫فالقوة تحصل عندما يرتقي االتصال بين الجزء‬ ‫ّ‬ ‫الدماغ‪ ،‬بل العودة إلى التوازن‪،‬‬
‫األيسر واأليمن إلى أعلى حالته‪ .‬التوازن بين المنطق والخيال‪ ،‬بين التفكير‬
‫واإلحساس‪ ،‬بين الطاقة الذكريّة واألنثويّة‪ ،‬واألهم أن يُقاد االثنان‪ِ ،‬ب َح ْد ِس القلب‬
‫سيتحول اإلنسان إلى «السوبر إنسان»‪ ،‬وهو المفروض الطبيعي‬ ‫ّ‬ ‫وذكائه‪ ،‬وعندها‬
‫س َك كالقائد‪ ،‬ويرجع تحليلك إلى مكانته األصيلة‪،‬‬ ‫الكائن‪ .‬هو الطبيعي عندما ي َُولّى َح ْد ُ‬
‫ي ُمنفّذ‪ ،‬فالتحليل غاية بالروعة‪ ،‬إن كان مقادا بحدس‬ ‫واستعماله األمثل‪ ،‬كجند ٍّ‬
‫الحكمة‪ ،‬وغايةٌ بالحماقة‪ ،‬والتسلّط أن أُعطيه الدفّة ليقود؛ ولذلك قال أحد أكبر‬ ‫ِ‬
‫«إن الجزء الحدسي هو الهديّة‪ ،‬والجزء التحليلي هو‬ ‫العباقرة في عصرنا أنيشتاين‪َّ :‬‬
‫الخادم‪ ،‬ولألسف قد خلقنا مجتمعا يُقدّس الخادم وينسى الهديّة الحقيقيّة»‪.‬‬
‫قوة الخيال في كل أركان حياتي‪ ،‬فعالمي الفيزيائي‪ ،‬وعالم الخيال‬ ‫شخصيًّا أشهد ّ‬
‫في امتزاج كامل‪ .‬فتراني عندما أمشي بالطريق أ ُش ِ ّكل أقواس القزح أمامي‪ ،‬والنور‪،‬‬
‫واألهرامات الطائرة‪ ،‬وغيرها من الرموز‪ ،‬والكودات العُليا‪ .‬ولم ال؟ وكل الخياالت‬
‫هي تعابيرعن تردّدات طاقيّة معيّنة‪ ،‬وبحقنها في جموديّة العالم الفيزيائيّة‪ ،‬هو حقن‬
‫فكن على يقين كامل‬ ‫للحالم والشاعر‪ ،‬وال ُم ْلهم الذي فيك في داخل الزمان والمكان‪ْ .‬‬
‫أن الخيال قادر على تغيير عالمك الفيزيائي رأسا على عقب‪ ،‬وعلى توجيه طاقتك‬ ‫ّ‬
‫إلى مركز ذاتك بسرعة رهيبة‪.‬‬
‫التكنولوجيا الثالثة‪ :‬األسئلة التقدّميّة‪:‬‬
‫َيستخدم الذهن تُكنولوجيا األسئلة طيلة الوقت‪ ،‬ولكن السؤال الحق‪ :‬هل هذا‬
‫االستعمال هو خادم لتطورك أم العكس؟ فنوعيّة األسئلة التي تطرحها على نَ ْفسِك‪،‬‬
‫ي إلضعافك‪ ،‬أو تمكينك‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬لو نظرنا إلى األسئلة‬ ‫هي ال ُمحدّد الرئيس ّ‬
‫المكررة في ذهن العا ّمة‪ ،‬سنراها تترواح بين لماذا يحصل لي ذلك؟ لماذا أنا؟ لماذا‬ ‫ّ‬
‫يتكرر هذا الشيء معي ك ّل مرة؟ وماذا تتوقع أن تكون اإلجابات لهذه النوعيّة من‬ ‫ّ‬
‫أسئلة الضحية؟ ستكون‪ :‬ألنّك غبي‪ ،‬سمين‪ ،‬ضعيف!…‬
‫فك ّل سؤال له طاقةٌ تردّديةٌ معيّنة‪ ،‬وعند تفعيلها‪ ،‬تنساب اإلجابات بما يتوافق مع‬
‫ت أخرى‪ ،‬ال تستطيع أن تحصل على إجابات أفضل من‬ ‫هذه الطاقة‪ ،‬أي بكلما ٍ‬
‫مستوى أسئلتك؛ لذلك تفعيل تكنولوجيا األسئلة لالرتقاء بالنفس اإلنسانيّة‪ ،‬يتطلب‬
‫الرفع المستمر للوعي‪ ،‬للتجدد المستمر في نوعيّة األسئلة‪.‬‬
‫فسأقص عليك شيئا من حياة‬ ‫ُّ‬ ‫القوة القاطنة بتكنولوجيا األسئلة‪،‬‬ ‫ولتلحظ بنَ ْفسِك ّ‬
‫«إيلون ماسك‪ .»Elon Musk‬ماسك ومن دون شك‪ ،‬هو ِمن أنجح الرياديّين في‬
‫عصرنا الحالي‪ ،‬فمشاريعه المختلفة تحدّت‪ ،‬وتتحدَّى األنظمة السائدة‪ ،‬ورتابتها‪،‬‬
‫وت َزرعُ ببذورها آماال مستقبّلية في قلب اإلنسانيّة‪ .‬هذا يتجلّى واضحا من بدايات‬
‫ماسك‪ ،‬من خالل «باي بال ‪ »PayPal‬لتُغيّر الطريقه الكالسيكيّة لتبادل المال‪ ،‬إلى‬
‫صورة فعّالة‪ ،‬و ُمحفّزة للريادة‪ ،‬إلى سيارات «تيسال ‪ »Tesla‬التي ت َعمل بشك ٍل كام ٍل‬
‫بالكهرباء‪ ،‬متح ِدّيا بهذا شركات النفط‪ ،‬حتى «سبيس إكس ‪ »SpaceX‬للسفر إلى‬
‫لكن هذا هو‬ ‫الفضاء‪ ،‬وبِ ُكلفة منخفضة‪ ،‬لرفع اتّصال اإلنسانيّة بالعوالم المحيطة‪ّ .‬‬
‫الظاهر من نجاح ماسك‪ ،‬ولو نظرنا خ َْلف القشرة‪ ،‬لرأيناهُ ُمرت ِكزا على تكنولوجيا‬
‫األسئلة التقدّميّة‪ ،‬وهذا ليس رأيي‪ ،‬وإنّما ما قاله ماسك نفسه‪.‬‬
‫مر صغير‪ ،‬عندما َرمى بك ّل ثِقَله بِعُمر‬ ‫رحلةُ ماسك مع التع ّمق بالذات بدأت منذ ُ‬
‫ع ٍ‬
‫صل بعد أربع سنين‬ ‫الحادي عشر‪ ،‬للتم ّحص في قلب الرسالة الوجوديّة للبشر‪ ،‬ل َي ِ‬
‫إنسان على‬
‫ٍ‬ ‫«إن رسالة ك ّل‬ ‫منها إلى الخالصة‪ ،‬والتي عبّر عنها شخصيًّا بقوله‪ّ :‬‬
‫الخليقة‪ ،‬هي أن َيرفع مستوى وعيه‪ ،‬ليكون قادرا على طرح نوعيّة أفضل من‬
‫األسئلة على نفسه»‪.‬‬
‫وبوضوح تام يض ُع األسئلة على أعلى المراتب الذهنيَّة‬ ‫ٍ‬ ‫لك أن تتساءل‪ :‬لماذا ماسك؟‬
‫السر ليس باإلجابات‪ ،‬وإنّما بالقُدرة‬ ‫ُّ‬ ‫سر خلف ستار األسئلة‪.‬‬ ‫والروحيّة‪ ،‬فحتما هناك ٌّ‬
‫الضمنيَّة لألسئلة على توجيه الذهن‪ ،‬فكلّما ازدادت احترافيَّتك على طرح أسئلة أكثر‬
‫ت‬‫استنارة‪ ،‬حددت طريقا أجمل لذهنك‪ ،‬وفَت َحت قدراته السحرية على تحميل معلوما ٍ‬
‫دقيقة‪ ،‬واالتصال بمصادر معارف مختلفة‪ .‬ففي جوهر السؤال تسكن رعشةٌ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫ابتكاريّة للتجديد‪ ،‬وهذا ّ‬
‫في جوهر السؤال‪ ،‬تسكن رعشة ابتكاريّة للتجديد‪.‬‬
‫ولبدء التالعب بتكنولوجيا األسئلة‪ ،‬عليك بمراقبة األسئلة التي تطرحها أصال في‬
‫طقها في داخلك‪،‬‬ ‫يومك‪ ،‬وهذا يحتا ُج مراقبة حثيثة لذهنك‪ ،‬وماهيّة األسئلة التي ت َن ُ‬
‫من دون وعي‪ .‬للبدء خ ْذ دقائق من وقتك‪ ،‬وأجب عن هذا السؤال‪.‬‬
‫ما هي األسئلة الثالثة الرئيسيّة التي تسألُها لنَ ْفسِك غالبيّة اليوم؟‬
‫ب عادة‬ ‫كن من أركان الحياة‪ ،‬بالحقيقة‪ .‬والسبب أنّنا ن ُ‬
‫َهر ُ‬ ‫ي ُر ٍ‬ ‫التطور في أ ّ‬
‫ّ‬ ‫هكذا يبدأ‬
‫من الحقيقة؛ ألنّنا ال نريد أن نرى أين نحن بالضبط اآلن‪ ،‬ففي هذا تهديدٌ إلحساسنا‬
‫بالتقبّل الذاتي‪ ،‬وكأنّنا نقول‪ :‬إني ال أَقبَ ُل نفسي‪ّ ،‬إال إذا كنتُ على هذا المستوى من‬
‫التطور‪ ،‬وليس أق ّل؛ لذلك يُقا ِوم نظا ُم الخوف فيك الوعي الصادق‪ ،‬بالمواراة‬ ‫ّ‬
‫نتطور من دون الصدق‪ ،‬وهذا الصدق لن يجد طريقا‬ ‫ّ‬ ‫والتالعب‪ ،‬ولكن ت َذ ّكر أننا ال‬
‫لنَ ْفسِك‪ ،‬من دون التقبّل الوافي لمستوى تطورك اآلني‪.‬‬
‫ومن أكثر األماكن التي ست َكشِف لك بصدق نوعيّة أسئلتك السائدة‪ ،‬هي األماكن‬
‫والمكررة‪ .‬مثال‬
‫ّ‬ ‫ط ْو ِرك‪ ،‬فهناك تُطلَ ُق أسئلتك المبرمجة‬ ‫تستفزك‪ ،‬وتُخر ُج َك عن َ‬ ‫ّ‬ ‫التي‬
‫مرة‪ ،‬وطلبتُ من الفتاة التي بجانبي أن تساعدني بشيء‬ ‫كنتُ في مركز الرياضة ّ‬
‫ما‪ ،‬ولكنّها لم تنتبه‪ ،‬ولم ت َُرد‪ ،‬وعندها أحسست بخيبة األمل‪ ،‬وعند النظر إلى داخلي‬
‫اكتشفت أن ذهني أطلق حينها سؤاال معيّنا‪ « :‬ليه ما حد بحبني؟»‪.‬‬
‫بعد التيقّن لنوعيّة هذا السؤال األتوماتيكي الذي أطلقته من دون وعي‪ ،‬اكتشفت أنه‬
‫المحرك األساسي لذهني‪ ،‬واإلجابة كانت‬ ‫ّ‬ ‫كان ي َُو ّجهُ حياتي بكاملها‪ ،‬هذا السؤال كان‬
‫دائما تتمحور حول أنّي «ما بفهم»‪ .‬وقد يتبادر إلى ذهنك‪ ،‬ولكن من أتى ّأوال السؤال‬
‫أم اإلجابة؟ فقد تكون فكرة أنّي «ال أفهم» ُمخزنّة في ذهني‪ ،‬وهي من تُدير األسئلة‪،‬‬
‫أو العكس‪ ،‬أو قد يكون االثنان سويًّا‪ ،‬وهذه قناعتي‪.‬‬
‫كشف لك نوعيّة المعتقدات الفكريّة‬ ‫ُ‬ ‫فالسؤال واإلجابة مرتبطان‪ ،‬وكشف أحدهما‪ ،‬س َي‬
‫خزنها في ذهنك من دون وعي‪ ،‬وبإدراك السؤال‪ ،‬ست َقطع هذه الدارة الفكريّة‪،‬‬ ‫التي ت ُ ّ‬
‫ت فكريّ ٍة جديدة‪ .‬ولكنّي سأنصحك بأن ال تقف عند هذا الحدّ‪،‬‬ ‫لتفتح البوابة الحتماليا ٍ‬
‫ور ال ُمراقِب‪ ،‬وإن كان ُم ِه ًّما‪ ،‬بل أيضا خذ دور الريادة للتالعب بأسئلة تقدُّميّة‪،‬‬ ‫َكدَ ِ‬
‫وكيف يكون ذلك؟‬
‫بتوجيّه ذهنك استراتيجيًّا بأسئل ٍة تُم ّكنُك‪ ،‬وتُل ِه ُمك‪ ،‬وتَدُبّ في معدتك حرارة الفضول‪.‬‬
‫ألن أُفُقَ األسئلة ال محدود‪ ،‬ومعها اإلجابات‪ ،‬سنقترح عليك أن تضع األمور‬ ‫ولكن ّ‬
‫في نصابها‪ ،‬ولك أن ت َفعل ذلك بأن تقسم األسئلة لنوعين‪ :‬األسئلة األساسية‪ ،‬واألسئلة‬
‫الفرعية‪ ،‬إلبقاء الذهن في حالة تركيز بين ال ُم ِه ّم واألهم‪ .‬وقد تتل ّخص األسئلة‬
‫األساسية بالتالي‪:‬‬
‫وبالض ّْم ِنيّة أصل الكون‪ ،‬وخالق الكون)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫من أنا؟ (في هذا تذكر للذات‪،‬‬
‫ما هي رسالتي الفريدة على األرض؟‬
‫ما هي الرسالة الجامعة لكل البشر على األرض‪ ،‬أو لماذا نحن هنا؟‬
‫كيف يحصل التكوين؟ (في هذا تأمل دقيق في خيمياء الخلق)‪.‬‬
‫وأما األسئلة الفرعية‪ ،‬فهي ال محدودة‪ ،‬وهي لك لتتالعب بها‪ ،‬وقد تستعمل على‬
‫سبيل المثال‪:‬‬
‫ما هي أكبر الهدايا‪ ،‬والمواهب التي عندي؟‬
‫كيف أستطيع أن أخدم أكثر وأكثر؟‬
‫تطوري في المرحلة‬ ‫حملُهُ في داخلي اآلن‪ ،‬والذي ال يخدم ّ‬ ‫ي الذي أ َ ِ‬ ‫ما النمط الفكر ّ‬
‫القادمة؟‬
‫ي الذي في داخلي اآلن‪ ،‬والمسؤول عن خلق نتائج معيّنة؟‬ ‫ما النمط الفكر ّ‬
‫ما الدرس الذي قد أتعلّمه هنا؟‬
‫ت في حياتي؟‬ ‫ي وق ٍ‬‫كيف أحبّ نفسي أكثر من أ ّ‬
‫ما معنى الصداقة الصادقة بالنسبة لي؟‬
‫ما هو دافعي الحقيقي ألكون صحيًّا؟‬
‫ما هو أعلى استعمال للطاقة الجنسيّة؟‬
‫كيف أستمع لحدسي؟‬
‫ع َرفتُهُ عن نَ ْفسي‪ ،‬سيضاعف من سرعة تطوري؟‬ ‫ما هو الشيء الذي إذا َ‬
‫كيف أحس الثراء بالجسد؟‬
‫كيف أفتح مصدرا جديدا للدخل‪ ،‬وبكل يُسْر‪ ،‬واستمتاع؟‬
‫ما هو أساس التغيّر؟‬
‫إن انجلت كل األحكام من ذهني للحظات‪ ،‬فكيف ستكون خبرة الحياة؟‬
‫هل أستطيع أن أحس الخلود اآلن؟‬
‫كيف أختبر حقيقة هللا من خالل تفاصيل يومي؟‬
‫عب بها من دون حدود‪ ،‬ولكن ِمن‬ ‫كما قلنا‪ :‬فضا ُء األسئلة الفرعية ال محدود‪ ،‬فَت َال َ‬
‫بمزيج متوازن بين الفضول البحت‪ ،‬والرغبة‬ ‫ٍ‬ ‫دون التشبّث ال َمقيت باإلجابات‪ ،‬بل‬
‫الحرة لتحميل اإلجابات‪ ،‬وإن مالت كفّة التوازن ألحدهما على اآلخر ستفقد‬
‫تكنولوجيا األسئلة قُ ّوتها‪ .‬فإن كان في سؤالك اُحادية الرغبة لإلجابة فقط‪ ،‬فستفقد‬
‫فضول األطفال‪ ،‬وهو الوقود ال ُمش ِعل إلبقاء ذهنك في حالته التأ ّمليّة الممتعة‪ ،‬وإن‬
‫أن األجوبة قادمة‪ ،‬فس َيف ِقد تالعبك الفاعليّة؛ لذا‬ ‫خال فضولك من الرغبة‪ ،‬واإليمان ّ‬
‫لبوابات‬
‫كمفاتيح ّ‬
‫ٍ‬ ‫فاألسئلة هي رقصةٌ بين االثنين‪ .‬هنا ستعمل األسئلة كما ينبغي‪،‬‬
‫فكريّة لم تعهدها من قبل‪ ،‬و ُمفعّلة ألحاسيس طاقيّة جديدة‪.‬‬
‫قد تتالعب باألسئلة بمسيرك‪ ،‬أو من خالل تأ ّمالتك‪ ،‬وحتّى قد تستعملها للتأثير‬
‫احترف توجيه‬
‫َ‬ ‫فن األسئلة‪،‬‬ ‫احترف ّ‬
‫َ‬ ‫سمكة‪ ،‬فمن‬ ‫بالناس‪ ،‬فاألسئلة للمؤثر كالماء لل ّ‬
‫العامة‪ .‬وإن أمعنت النظر‪ ،‬سترى ال ُمؤثّر في الجلسة هو َم ْن ليس كثير التكلّم‪ ،‬بل‬
‫َمن لديه القدرة على توجيه المجلس باألسئلة‪ .‬فك ّل سؤا ٍل هو ُمر ِشد لعالَم جديد‪ ،‬ومن‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫أطلقه بت َمعُّن‪ ،‬ووعي استحق دور المرشد والقائد‪ ،‬وهذا ّ‬
‫المؤثّر هو َمن يقودُ الجلسة باألسئلة‪.‬‬
‫مع األسئلة المو َّجهة‪ ،‬وباقي التكنولوجيات الروحية‪ ،‬سيكون لديك التمكين الكافي‬
‫إلدارة ذهنك‪ ،‬وتحريكه إلى األه ّم في الحياة‪ :‬معرفة الذات والتعبير عنها‪ ،‬ولكن‬
‫تذكر أنه بالرغم أنّنا أوضحنا ثالثا من أهم التكنولوجيّات الروحيّة‪ ،‬فال قيمة لها من‬
‫دون نية الصدق؛ لذا يبَقى الصدق مع الذات‪ ،‬والصدق في الكالم هو سيد‬
‫التكنولوجيّات‪ ،‬وأقدسها‪.‬‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫* التنفس على بساطته يبقى من أعظم التكنولوجيات اإلنسانية‪.‬‬
‫* التنفس التلقائي خالل اليوم ال يوفر أكثر من ‪ ٪ ١٥‬من حاجات دماغك لألكسجين‪.‬‬
‫وحدس مو َّجه‪.‬‬‫ٍ‬ ‫ت ب ِنيّة واضحة‪،‬‬ ‫* الخيال قوة خارقة إن ُح ِ ّر َك ْ‬
‫* اإلجابات التي تظهر في نفسك‪ ،‬هي نتيجة للتردد الطاقي ألسئلتك‪ ،‬الواعي أو‬
‫غير الواعي لها‪.‬‬
‫* األسئلة نوعان‪ :‬األساسية‪ ،‬والفرعية‪.‬‬
‫أسئلة للتفكر‪:‬‬
‫َّ‬
‫يتجزأ من حياتك‪ ،‬كيف سيساعدك هذا‬ ‫إن أصبح التنفس العميق الواعي جزءا ال‬
‫التطور؟‬
‫ّ‬ ‫على‬
‫لماذا التنفس ُم ِه ٌّم برأيك؟‬
‫س ّم شيئا واحدا ستبدأ بعمله؟‬
‫كيف ستبدأ بتفعيل قوة خيالك اليوم؟ َ‬
‫ماذا كنت تتخيل باستمرار عندما كنت طفال‪ ،‬وكان يشبع روحك بالحماس؟‬
‫ما هو أهم سؤال تسأله لنفسك‪ ،‬وباستمرار في الوقت الحالي؟‬
‫قدسيةُالكَّلمُ‬
‫تتسرب من فم الشخص‪ ،‬وتأخذ رحلة غير‬ ‫ّ‬ ‫أثر يتعدّى االعتقاد‪ ،‬فهو طاقة‬ ‫للكالم ٌ‬‫ّ‬
‫منتهية في أرجاء الكون‪ .‬فك ّل كلمة تُطلَق من الفم‪ ،‬هي تجسيدٌ لخليقة جديدة‪ ،‬تجوب‬
‫فيها بحار الزمان والمكان‪ ،‬ليتجلّى فيها العمار‪ ،‬أو الدمار‪ ،‬الشفاء أو المرض‪،‬‬
‫التمكين أو التحقير‪.‬‬
‫ك ّل ما ذكرناه في السابق هو ُمرشدٌ لالتصال بعالَمك الداخلي‪ ،‬في عالم األفكار‬
‫واألحاسيس‪ ،‬وهنا يأتي الكالم َكرافد لهذه المقدّمة‪ ،‬و ُمك ّمل للمهمة‪ .‬فالكالم هو الحلقة‬
‫ي والخارجي‪ ،‬وكأنّه جسر االتّصال بين أفكارك وعالم‬ ‫الواصلة بين عالَ ِمك الداخل ّ‬
‫المادة‪ ،‬فإن لم يتوازَ كالمك مع حقيقتك الداخليّة‪ ،‬فقد سقَط هذا الجسر مباشرة‪،‬‬
‫مره أخرى إلى بحيرة المنسوخ‪.‬‬ ‫ووقعت ّ‬
‫ق ع َّما َيخت َ ِل ُج‬
‫كجسر َمتين لذا ِتك الحقيقيّة‪ ،‬ورسو ٍل صاد ٍ‬
‫ٍ‬ ‫تستعمل الكالم‬
‫ِ‬ ‫فكيف لك أن‬
‫أعماقك؟‬
‫عادة ما يقفز الذهن في هذا النوع من التساؤل‪ ،‬إلى البحث في فنون االتصال‪،‬‬
‫ولكن ال فن باالتصال يُجدي من دون األساس‪ ،‬واألساس واضح وبسيط‪ ،‬وهو‬
‫درتك على االتصال‪ ،‬والتعبير من عدمه‪،‬‬ ‫الصدق بالكالم‪ .‬الصدق هو الفَيْصل في قُ َ‬
‫وهو المقياس الحقيقي لقدرتك على التأثير‪.‬‬
‫ف‬‫ومن الممكن أن تقول اآلن في َخلَدِك‪ :‬ولكن هذا معروف‪ ،‬أنا أعرفه‪ ،‬أنا أع ِْر ُ‬
‫سك‬ ‫أهميّة الصدق في الكالم‪ ،‬وأثره في التعبير‪ ،‬لكن سأطلب منك َّأال تخادع نَ ْف َ‬
‫َعرف ح َّق المعرفة أنّك تعرف الشيء‪ ،‬أو ال؟ اإلجابة بسيطة‬ ‫لبساطة الحوار‪ ،‬فكيف ت ِ‬
‫عت‬‫سم َ‬ ‫عارفٍ له‪ ،‬ولكن ِ‬ ‫لست ِب ِ‬
‫َ‬ ‫نت ت َ ْع ِرفُهُ فأنت تعيشه‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فأنت‬ ‫للغاية‪ :‬إن ُك َ‬
‫دركه على مستوى سطحي‪.‬‬ ‫به‪ ،‬وت ُ ِ‬
‫هذا ليس نوعا من التقليل من شأنّك‪ ،‬ولكن لتأكيد صدقك مع ذاتك‪ ،‬فهنا تتاح لك‬
‫الفرصة الذهبيّة‪ ،‬لترى أين أنت على أرض الواقع‪ ،‬ومن دون زيف أو تالعب‪،‬‬
‫واسمح لي بأن أضيف هذا المثال للتوضيح‪:‬‬
‫عندما كنت أُعطي محاضرة في مكان معيّن‪ ،‬قامت سيّدة قبل بداية المحاضرة‬
‫بمشاركة معاناتها معي من التوتر والقلق المستمر‪ .‬وعند بدء المحاضرة‪ ،‬بدأت نفس‬
‫السيدة بالمشاركة المستمرة مرة تلو األخرى‪ ،‬وتلو األخرى‪ ،‬ولكن مع انحياز‬
‫درسه‪.‬‬ ‫الحوار كل مرة من المشاركة البنّاءة إلى محاولة إثبات «خطأ» الذي كنت أ ُ ّ‬
‫قر َرت أن تقول األمر كما‬ ‫وعند النهاية‪ ،‬ولرؤيتها عدم فعاليّة هذه االستراتيجية‪َّ ،‬‬
‫فرفعت يدها وبصوت استهزائي قالت‪« :‬إيهاب شكرا لك‪ ،‬ولكن ك ّل ما شاركته‬ ‫ْ‬ ‫هو‪،‬‬
‫مكرر‪ ،‬وقديم»!… يعني « كلّه أصال بنعرفوا»‪.‬‬ ‫نعرفه‪ ،‬فهو ليس بالجديد وإنّما كال ٌم ّ‬
‫مستقرا في ذاتي خالل المحاضرة‪ ،‬لم أهتز لهذه الكلّمات‪ ،‬وشَكرتها‬ ‫ًّ‬ ‫وألنّي كنتُ‬
‫على ُجرأتها في التعبير‪ ،‬ثم نظرتُ إلى الجمهور بهدوء‪ ،‬وقلت‪« :‬كيف لك أن تعرف‬
‫عارف لموضوعٍ معيّن أم ال؟ فما المقياس هنا؟ ومن ثم أضفتُ ‪ ،‬إن‬ ‫ٌ‬ ‫أن الشخص‬ ‫ّ‬
‫عارف كيف يحصل على مليون دوالر‪ ،‬فالطريقة الوحيدة للتأكد‬ ‫ٌ‬ ‫ع َم الشخص أنّه‬ ‫زَ َ‬
‫من ص ّحة هذه المعرفة‪ ،‬أن نرى حسابه البنكي اآلن‪ ،‬فإن كان به مليون دوالر فهو‬
‫عارف‪ ،‬وغير ذلك فهو ال يعرف‪ ،‬و ِقس على ذلك»‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫ومن الممكن أن تتخيّل ردّة فعل السيدة حينها…‬
‫كنت عارفا ألهميّة الصدق بالكالم‪ ،‬فحياتك ستعكس هذا الصدق بتطبيقه‬ ‫َ‬ ‫فإن‬
‫ألقصى طاقاتك‪ ،‬وستعكسه بإحساسك من الطمأنينة الداخليّة‪ ،‬والثقة بالنفس‪،‬‬
‫لست بعارفٍ بذلك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫والنزاهة‪ ،‬والفاعليّة العليا‪ .‬وإن كانت الحال عكس ذلك‪ ،‬فأنت‬
‫ي فقط‪.‬‬‫ولكنّك تُدركه على مستوى الجزء التحليل ّ‬
‫وصدّقني لن يتغيّر الحال‪ ،‬وتلتزم الصدق بالكالم‪ ،‬إن لم يصلك الوعي الكامل‬
‫ق‪،‬‬‫ي على قوانين أخالقيّة فقط من دون فهم عمي ٍ‬ ‫ب بُنِ َ‬
‫ي تدري ٍ‬‫بأهميّة هذا المسعى‪ ،‬فأ ّ‬
‫صلب نفسك وخبرتك الشخصيّة؛ لذلك سينهار‬ ‫ت من ُ‬ ‫فهو ركيك الحيلة؛ ألنّه لم يأ ِ‬
‫هذا االلتزام عند ّأول نقَطة ضغط؛ ألن بُنيانهُ لم يَ ُكن بالمتين أصال‪ .‬لذا دعنا نر ّكز‬
‫الحوار على أهميّة الكالم الصادق‪ ،‬بطريق ٍة عمليّة وممنهجة‪.‬‬
‫الصدق في الكالم هو الرضوخ لرغبة الحياة األساسيّة‪ ،‬وهو ليس كرضوخ الخائف‬
‫ألعراف المجتمع وقوانينه‪ ،‬وإنّما الرضوخ لقوانين الكون األساسية‪ ،‬فهو رضوخ‬
‫أن الصدق هو مفتاح الحياة‬ ‫الفرسان‪ ،‬وليس رضوخ العبيد‪ .‬فالفارس أيقن في قلبه‪ّ ،‬‬
‫وقوتها الحقيقية‪.‬‬
‫كذبت على الناس كلّها‪ ،‬فلن تستطيع الكذب على نَ ْفسِك؛ ألن كود الصدق كائن‬ ‫َ‬ ‫فإن‬
‫وأصيل فيك‪ ،‬وال يمكن اختراقه؛ ألن نظام الحياة ُه ْند َ‬
‫ِس بطريق ٍة ال يخترقها الكذب‪.‬‬
‫ففي باطنك تعي الكذبة وت ُميّزها‪ ،‬وهي تُؤ ِلمك‪ ،‬فهذا أسلوب الرحمة في هندسة‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫الحياة‪ ،‬لتبقيك متيقّظا لحقيقيك الكاملة‪ ،‬وفروسيتك النبيلة‪ ،‬وهذا ّ‬
‫ال يمكن اختراق كود الصدق‪ ،‬حتى إن أردت‪.‬‬
‫استطعت إخفاء الزيف في الخارج‪ ،‬وحتى لو احترفته لدرجة التو ّهم به‪ ،‬فلن‬ ‫َ‬ ‫مهما‬
‫تقدر على مواجهة نظام الحياة الصادق‪ ،‬فنظام الحياة انبثق من َر ِح ِم الصدق‪ ،‬وهذا‬
‫أردت إثبات‬
‫َ‬ ‫الحكمة الطاعة الكاملة له‪ .‬وإن‬ ‫ي ال تستطيع اختراقه‪ ،‬ومن ِ‬ ‫كودٌ كون ّ‬
‫لبست فيها شيئا مقلّدا‪ ،‬وبدا للناس كأنّه أصلي؟‬ ‫َ‬ ‫ذلك‪ ،‬فهل ت َذ ُكر ّ‬
‫المرة األخير التي‬
‫أحسست في نَ ْفسك‪ ،‬أنّك تلبس قَطعة أصليّة‪ ،‬بالطبع ال‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فهل تستطيع القول إنّك‬
‫ص ْون الصدق‪ ،‬وحتى في أصغر األمور‪ ،‬فكيف لك أن‬ ‫ت روح الحياة على َ‬ ‫فإن بُنِيَ ْ‬
‫تتناغم معها‪ ،‬من دون الصدق بالكالم!‬
‫لذلك ك ّل مرة تقول فيها كلمة غير حقيقية‪ ،‬فإنّك تنحاز ع َّما هو أصيل فيك‪ ،‬وتفقد‬
‫القوة األصيلة في داخلك‪ .‬وبالناحية األخرى‪،‬‬ ‫قوتك‪ ،‬أو باألحرى تبتعد عن ّ‬ ‫جزءا من ّ‬
‫قوتك الحقيقيّة‪ ،‬لتنضج فيك صفات‬ ‫ك ّل مرة تقول فيها الحقيقة‪ ،‬فإنّك تتوازى مع ّ‬
‫الفارس األصيلة‪ ،‬وما هذه الصفات؟‬
‫القوة الصارخة‪ ،‬األمانة‪ ،‬التصميم‪ ،‬القيادة‪ ،‬القدرة‬ ‫الجرأة‪ ،‬النبل‪ ،‬األناقة‪ ،‬الطهارة‪ّ ،‬‬
‫على التغيير‪ ،‬فكل هذه الصفات تتجلَّى من صدق الحديث؛ لذلك أَعت ِب ُر «الصدق في‬
‫الكالم» في ميزان الفروسية بأعلى المقامات‪ ،‬فالكالم للفارس هو الشرف الحقيقي‪،‬‬
‫ُفضّل الموت على تلفيق كلمته‪.‬‬ ‫طه مع ُروح الحياة‪ .‬فالفارس ي ِ‬ ‫صادق َي ُخ ّ‬
‫ٌ‬ ‫وهو عهدٌ‬
‫عمق ذاتك يسكن الفارس‪ ،‬وتسكن معه حقيقتك)‪.‬‬ ‫(تذكر أن هناك في ُ‬
‫ك ّل هذه الوصوف جميلة في بوتقة الفروسية‪ ،‬ولكن السؤال يبقى‪ ،‬كيف ستُط ِبّق‬
‫الصدق في الكالم من خالل حياتك العمليّة؟‬
‫فلنبدأ بأهم درجات الصدق في الكالم وهو االلتزام…‬
‫اهتزاز لوزن‬‫ٌ‬ ‫في ك ّل مرة تُطلق التزاما من فَ ِمك‪ ،‬وال يُحقّق ذلك االلتزام‪ ،‬فهو‬
‫طت قُدسيّة‬ ‫كسرت التزاماتك‪ُ ،‬كلّما سقَ ْ‬
‫َ‬ ‫وهدر لطاقته؛ لذلك سترى أنّك ُكلّما‬ ‫ٌ‬ ‫كالمك‪،‬‬
‫لت إلى الهزيل‪ ،‬وإن هَزَ َل كالمك هَزَ لت‪ ،‬فالكالم هو سالح الفارس‬ ‫وتحو َ‬ ‫ّ‬ ‫كالمك‪،‬‬
‫ضعف له‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ي‪ ،‬وضعفُه هو‬ ‫الحقيق ّ‬
‫ي حالة خاصة‪ ،‬و… ولكن دعني أوقفك هنا قبل‬ ‫فقد تُف ّكر اآلن ولكن إيهاب أنا لد ّ‬
‫أن ال تنجرف‬ ‫باحترام كامل‪ْ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫الخوض في هذه المجادلة غير المنتهية‪ ،‬وسأطلب منك‬
‫مع أفكارك‪ ،‬وال تتماشى مع ُحجج نظام الخوف فيك‪ ،‬الذي يريد أن يعطي شرعيّة‬
‫لعدم االنتصاب بالتزامك؟ فمهما كانت ال ُحجج منطقيّة‪ ،‬فلن تخترقَ نظام الحياة‬
‫الصادق‪.‬‬
‫القوة‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ق بسيط‪ ،‬وفيه الصدق يُوازي ّ‬ ‫ِس بمنط ٍ‬ ‫فنظام الحياة ُه ْند َ‬
‫قوة‬ ‫الصدق= ّ‬
‫الكذب = ضعف‬
‫ولك الخيار‪.‬‬
‫األول‪ ،‬دعنا ننظر إلى أكثر األماكن تحديا لصدق الكالم‪.‬‬ ‫ولتبدأ السير في الطريق ّ‬
‫سك بااللتزامات‪ ،‬ولكن على العكس تماما‪،‬‬ ‫َحرق نَ ْف َ‬
‫أطلب منك أن ت ِ‬
‫َ‬ ‫اإللتزامات‪ .‬لن‬
‫خفّف منها‪ ،‬نعم خفّف منها‪ .‬فقبل النطق بااللتزام‪ ،‬تريّث قليال‪ ،‬لتُف ّكر إن كنت قادرا‬
‫على تلبيته أم ال؟ فالصدق ال يعني زيادة االلتزام‪ ،‬بل الوفاء فيه‪ ،‬وال تحزن إن‬
‫سك ألنّك لم تعرف‪ ،‬ولكنّك اآلن‬ ‫كسرت هذه القاعده في السابق‪ ،‬و ُكن عطوفا مع نَ ْف َ‬
‫َ‬
‫ست ََر بتدريبك على صدق‬ ‫ور ِويّه‪ .‬و َ‬‫بدأت تعرف‪ ،‬فابدأ التدريب‪ ،‬وابدأْه بعطف َ‬ ‫َ‬
‫س َم‪ ،‬ومعه االرتقاء في كل نواحي‬ ‫أن كالمك سيرتقي تدريجيًّا إلى درجة القَ َ‬
‫الكالم‪ّ ،‬‬
‫حياتك‪.‬‬
‫الحكمة‬‫هذا الوعي وصلني في أحد تأ ُّمالتي اليوميّة‪ ،‬ف ُكنتُ مرة أتأ ّمل وأسال صوت ِ‬
‫في داخلي‪ ،‬ما هو الشيء الوحيد الذي إذا غيّرته اآلن‪ ،‬سيغيّر ك ّل حياتي؟ وأتى‬
‫سم‪ ،‬وانظر ماذا سيحدث‪.‬‬ ‫الجواب بوضوح الكريستال‪َ :‬ح ّ ِو ْل كالمك إلى نوعٍ من القَ َ‬
‫وفعال اليوم الذي بعده بدأتُ بتطبيق هذه النظريّة‪ ،‬بالنظر إلى األماكن التي صدرت‬
‫فيها التزامتي الكالمية بالرخيص‪ ،‬ألبدأ بعمليّة التطهير‪ .‬فمثال سألني حينها رفيقي‬
‫بالسكن‪ ،‬إن كنتُ قادرا على رمي القمامة ذلك اليوم‪ ،‬وكنت على وشك أن أقول‬
‫نعم‪ ،‬ب ُحكم العادة‪ ،‬ومن دون رغبة صادقة للتنفيذ‪ ،‬ولكن تذكرت حينها قسم الكالم‪،‬‬
‫وأخذت وقتي بالتفكير‪ ،‬ومن ثم قلت‪« :‬ال‪ ،‬لن أستطيع اليوم‪ ،‬وسأفعلها غدا»؛ وألن‬
‫كالمي تشبَّع حينها في روح الصدق‪ ،‬أحسست لحظتها بطاقة مختلفة للساني‪.‬‬
‫اليوم الذي بعده نهضت من التخت‪ ،‬وبعد القيام بروتيني الصباحي من التأمل‪،‬‬
‫وغيره من التمارين لشحن طاقتي‪ ،‬أردت القفز للعمل‪ ،‬ثم تذكرت القسم‪ ،‬وبقرار‬
‫قاطع قلت‪ :‬سأذهبت لرمي القمامة قبل أي شيء‪ .‬في الطريق إلى القبو‪ ،‬وأنا أحمل‬
‫القمامة في يدي‪ ،‬أحسست بشعور من النشوة؛ ألني أنفذ ما قلت‪ ،‬حتى أصل إلى‬
‫مسجال إيّاها‬
‫ِّ‬ ‫«لحظة رمي القمامة» والتي مرت بالتصوير البطيء في ذهني‪،‬‬
‫كاالنتصار التاريخي‪ ،‬وكأني ربحت كأسا من نوع ما‪ .‬قد تكون كأس الصدق‬
‫السحرية!‬
‫استمررت بعدها بالتدريب على صدق الكالم في النواحي المختلفة من حياتي‪،‬‬
‫وبدأتُ المالحظة سريعا‪ ،‬أن ك ّل مكان خال فيه كالمي من القدسيّة‪ ،‬كان يعاني من‬
‫ي غير الضروري‪ ،‬وأ ّما النواحي‬ ‫كثير من التعقيدات‪ ،‬والذنب‪ ،‬واالستنزاف الطاق ّ‬
‫التي كان فيها الكالم مقدّسا‪ ،‬كانت بسيطة‪ ،‬وسلسة‪ ،‬وتتخلّلها الفاعلية العظمى‪ .‬فابدأ‬
‫التدريب على صدق اإللتزام من اآلن‪ ،‬نعم اآلن‪ ،‬فما المكسب من إطالة معاناتك؟!‬
‫ابدأ التدريب بأصغر األشياء‪ ،‬فإن قلت لشريكك إنّك ست َجلي الصحون غدا‪ ،‬فافعل‬
‫ذلك‪ ،‬أو ال ت َ ِعد أصال‪ ،‬وإن قُلت إنّك ستبعث اإليميل اليوم‪ ،‬فَلَ ّ ِ‬
‫ب ذلك‪.‬‬
‫سك قبل اآلخر‪ ،‬باألصح االلتزام‬ ‫هذا المستوى من االلتزام في الكالم يطبَّق على نَ ْف َ‬
‫سك؟ وحتى‬ ‫تحس عندما تكسر التزامك مع نَ ْف َ‬ ‫ّ‬ ‫سك هو األهم‪ ،‬فماذا تظن أنّك‬ ‫مع نَ ْف َ‬
‫إن خدّرت ذلك اإلحساس «باأللم» مع ال ُحجج الممنهجة‪.‬‬
‫إن أردت معرفة هذا اإلحساس‪ ،‬سأسالك ماذا تحس عندما ال يفي شخص بالتزامه‬
‫معك؟‬
‫أردت اإلجابة‬ ‫َ‬ ‫تحس عن نَ ْفسك‪ ،‬وإن‬ ‫ّ‬ ‫سها في جسدك اآلن‪ ،‬هكذا تماما ما‬ ‫نعم ح ّ‬
‫واضحة صريحة فهي‪ :‬فقدان الثقة‪.‬‬
‫ألن كالمك فقد الثقة التي تأتي ضمنيًّا‬ ‫عدم الصدق مع نَ ْفسك‪ ،‬سيُفقدك الثقة بالنفس؛ ّ‬
‫مع الصدق‪.‬‬
‫فإن التزمت الصدق بكالمك مع نَ ْفسك ومع اآلخرين‪ ،‬وهي النتيجة الحاصلة إن‬
‫حدث األول‪ ،‬فسيرتفع إحساسك بالثقة الداخليّة‪ ،‬وستش ُّع هذه الثقة على الناس‪ ،‬فتراهم‬
‫سم في‬ ‫في وجودك آمنين‪ ،‬وفي كالمك مصدّقين‪ ،‬وكيف ال‪ ،‬وكالمك قد شابه القَ َ‬
‫ترديده‪ .‬هذه هي الثقة التي يبحث عليها الناس‪ ،‬في عالم افتقد لها؛ لذلك في السابق‬
‫كان أكثر التجار احتراما وثراء‪ ،‬هم من كان كالمهم كالميثاق‪ ،‬بحيث يضع الناس‬
‫عندهم األمانات لسنين عدة‪ ،‬ومن دون أي صكوك‪ ،‬فكلمتهم الصك والثقة‪ ،‬وهذا‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الصدق في الكالم هو أقوى من كل الصكوك والعقود‪.‬‬
‫أردت أن توقظ روح التاجر األمين فيك‪ ،‬فالتدريب على صدق الكالم هو‬ ‫َ‬ ‫فإن‬
‫يجن جنون نظام الخوف‪ ،‬وتشتعل عواطفه‬ ‫ّ‬ ‫األساس‪ .‬وت َنبه أنه في هذا التدريب‬
‫أن شخصا‬ ‫نعط هذا السيناريو‪ :‬تخيّل للحظة ّ‬ ‫الدفينة‪ ،‬ولكن لماذا؟ للتوضيح دعنا ِ‬
‫طلب منك الذهاب للغداء‪ ،‬وأنّك ال تريد‪ ،‬فماذا تقول عادة للتملّص؟ إذا كانت اإلجابة‬
‫أن تأتي بح ّجة كاذبة لالعتذار‪ ،‬وهذا أسلوب نظام الخوف لضمان التقبُّل الخارجي‪،‬‬
‫ألن كالمك خال من الصدق‪.‬‬ ‫فأنت ت َسقُط هنا عن قدسيّة الكالم؛ ّ‬
‫فهل ستكون قادرا أن تقول شكرا لدعوتك‪ ،‬فقط‪ ،‬ولكن ال لن أستطيع القدوم من‬
‫دون أيّة إضافات‪.‬‬
‫أكاد أتخيّل نظرة التع ّجب في وجهك اآلن‪ ،‬والسبب ألنّنا بنينا مجتمعا أصبح فيه‬
‫قول الحقيقة بالغريب‪ ،‬بل الغريب جدًّا إلى درجة الضحك‪ ،‬وهذه عالمة واضحة ّ‬
‫أن‬
‫المجتمع ليس المكان الذي تلجأ إليه‪ ،‬لتتعلُّم كيف تعيش من ذاتك الصادقة‪.‬‬
‫وقد يتسارع ذهنك اآلن العتراض آخر ليقول‪« :‬إيهاب‪ ،‬أنا أريد أن أقول الصدق‬
‫مع الناس‪ ،‬ولكن ال أستطيع؛ ألني سأجرح مشاعرهم؟»‪.‬‬
‫نحن ال ندعو هنا «بتدريب الصدق» أن تفقد تعاطفك مع الناس‪ ،‬فالصدق ال يعني‬
‫فقدان التعاطف‪ ،‬بل على العكس تماما‪ ،‬فال يكتمل الصدق من دون التعاطف؛ ألنه‬
‫ساكن في روح الصدق؛ لذلك لك أن تردّ على الدعوة كالتالي‪« :‬شكرا جزيال على‬ ‫ٌ‬
‫الدعوة‪ ،‬وعلى تفكيرك الجميل عنّي‪ ،‬ولكن سأعتذر عن التلبية»‪.‬‬
‫ولطيف القلب‪ ،‬ومن دون «الكذب»‪ ،‬أو ما نس ّميه بالمجتمع‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ستكون صادقا‬ ‫هنا‬
‫أن زيادة عدد الناس التي تجامل‪ ،‬خوفا من «جرح المشاعر» وهي‬ ‫المجاملة‪ .‬وتذ َّكر ّ‬
‫في الحقيقة خوف من عدم التقبل الذاتي‪ ،‬ال تغيّر ثوابت الكون‪ ،‬ونظامه المهندَس‬
‫للصدق‪ ،‬فدع صدقك العطوف يعلو على المجاملة‪.‬‬
‫المقرب الذي يدعوك‪ ،‬وال تدري ماذا تفعل حينها‪ ،‬فقد تقول له‬ ‫ّ‬ ‫وإن كان صديقك‬
‫الحقيقة موضّحا‪« :‬إنّي بدأتُ التدريب على قول الصدق كما هو؛ لذلك سأجعل‬
‫كالمي صادقا معك»‪ ،‬وإن لم يُق ِدّر صديقك هذا المسعى‪ ،‬فقد ال يكون الصديق الذي‬
‫تتمسك به؛ ألنّه ال يتماشى مع اتّجاهك الصادق‪ ،‬هذا إذا كان الصدق االتّجاه الذي‬
‫تختار أن تسلك‪.‬‬
‫العبرة‪ ،‬أن تصوغ عباراتك بالطريقة التي تتماشى مع الصدق‪ ،‬والتعاطف‪ ،‬والذكاء‬
‫ألن بهذا سقوطا‬ ‫المجتمعي‪ ،‬ولكن من دون أن تضيف مجامالت‪ ،‬أو حججا كاذبة؛ ّ‬
‫عن قدسيّة الكالم‪ ،‬وبه السقوط عن ذاتك األصليّة‪.‬‬
‫بالنهاية‪ ،‬المبدأ واضح وصريح‪ :‬الصدق في الكالم‪ ،‬ألقصى طاقتك‪ ،‬وبعطفٍ مع‬
‫نَ ْفسك‪.‬‬
‫بهذا التدريب المقدّس‪ ،‬ستصل إلى عالق ٍة جديدةٍ مع الكون‪ ،‬تحول فيها كالمك إلى‬
‫ت كلمة‬‫ق الكالم أنت تُثبت لك ّل أرجاء الكون‪ ،‬أنّه إن خ ََر َج ْ‬
‫ص ْد ِ‬
‫عهو ٍد طاقيّة‪ .‬فعند ِ‬
‫من فمك‪ ،‬أصبحت عهدا وواقعا‪ ،‬وهنا ستسارع قدرتك على التجلّي السحري‪،‬‬
‫أن بينك وبين تحقيق أية نتيجة‪،‬‬ ‫وتحصيل النتائج بيُسر غير مسبوق‪ ،‬فأنت تعي هنا ّ‬
‫كلمة تخرج من فمك‪ ،‬ليس ّإال‪ .‬وبهذا سترى ك ّل كلمة تطلقها كعهد جديد بينك وبين‬
‫القوة االبتكاريّة لألكوان كافّة‪ .‬حينها عندما ّ‬
‫تقرر‬ ‫الكون‪ ،‬تتوازى فيها مباشرة مع ّ‬
‫البدء في مشروع جديد‪ ،‬وعند اطالق هذه النية الصوتية‪ ،‬سترى الحياة تُطوع نفسها‪،‬‬
‫وخَلقها لصالحك فورا‪ ،‬فكالمك أصبح عهدا‪ ،‬ونُفَذ‪.‬‬
‫عارف أنّه نَفَذ‪ ،‬فقط‬
‫ٌ‬ ‫تقرر البدء في مشروع جديد‪ ،‬فأنت‬ ‫فتخيّل للحظة أنّك عندك ّ‬
‫ألنّك قلت أنّك ستبدأ؟‬
‫تظن سيحدث بعدها عندما يرتقي هذا المستوى من الصدق والتجلّي‪ ،‬إلى‬ ‫ُّ‬ ‫وماذا‬
‫مراحل أعلى‪ ،‬بحيث يكون الباطن والظاهر هو نسخة أصلية منك غير مشوشة؟ أنا‬
‫ق إلى هذه الدرجة من الصدق المستنير في الفكر‬ ‫شخصيًّا ال أعرف‪ ،‬ألني لم أرت ِ‬
‫والكالم‪ ،‬ولكن من خالل عالقتي المباشرة مع مصدر الحكمة تساءلت عن هذا‪،‬‬
‫وأتتني اإلجابة فورا‪ ،‬وقد ال تكون نفس اإلجابة التي تأتيك‪ ،‬وهي‪ :‬عندما يستوي‬
‫«كل كالمك» مع تعبير الصدق المطلق من داخلك‪ ،‬فستتحول كلماتك إلى «وعو ٍد‬
‫محقّقة في األرض والسماء»‪ ،‬وهذا هو مقام الصديق‪ .‬هذا المقام هو ال ُمحفّز ّ‬
‫األول‬
‫واألخير لي في تدريبي المتواصل على صدق الكالم‪.‬‬
‫فلماذا ال تأخذ الوقت اآلن‪ ،‬لتف ّكر بمحفّزك الشخصي؟‬
‫فحو ْل‬
‫ي ال يتوافق مع طريقتك بالتفكير‪ّ ،‬‬ ‫ي أو الكون ّ‬ ‫وإن كان هذا النقاش الروح ّ‬
‫ص ِدّق عقلك الباطن كالمك ويق ِدّره‪ ،‬فلحظة‬ ‫كلمة الكون إلى عقلك الباطن‪ .‬فعندما يُ َ‬
‫القول ستراه يحشد ك ّل قواه االبتكاريّة‪ ،‬ومصادرهُ الداخليّة لسبيل غايتك‪ ،‬بدل أن‬
‫مرة‪ ،‬من دون الرغبة‬ ‫مكرر‪ ،‬حاله حال الكالم الذي تُط ِلقه ك ّل ّ‬ ‫إن كالمك ّ‬ ‫يقول‪« :‬آه ّ‬
‫الصادقة في تنفيذه»‪.‬‬
‫فكم تعرف أشخاصا يقولون‪ .‬ويقولون‪ .‬ويقولون… فتراهم في ك ّل جلسة يقولون‬
‫إني سأفتح بيزنيس‪ ،‬وكلّنا ندري أن هذا لن يحصل‪ ،‬ويقولون‪ :‬إني سألتزم في هذه‬
‫التمارين الرياضية‪ ،‬وكلّنا ندري أن هذا لن يحصل‪ .‬فهل تعتقد أنّه بهذه المستوى‬
‫من التعامل مع الكالم‪ ،‬سيرتقي هذا الشخص إلى قُدرة التجلّي السريع‪ :‬ال! فقدرته‬
‫بالرمي الجائر لوعو ٍد غير منفّذة‪.‬‬ ‫على التجلّي‪ ،‬واإلنجاز‪ ،‬والتأثير ركدت‪ّ ،‬‬
‫أترى اآلن‪ ،‬كيف يلمس التدريب على صدق الكالم ك ّل نواحي حياتك تقريبا؟ ومنها‬
‫تمرين شمولي‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫قدرتك على اإلنجاز‪ ،‬والتعبير‪ ،‬والتمكين‪ .‬الصدق بالكالم هو‬
‫ي لمستوى‬ ‫من أكثر التمارين تح ِدّيا التي ستأخذها على عاتقك‪ ،‬ففيه االختبار الحقيق ّ‬
‫ي‪ .‬نعم‬ ‫ي‪ ،‬والروحان ّ‬ ‫ي‪ ،‬والعاطف ّ‬ ‫ي‪ .‬الذهن ّ‬ ‫ي‪ ،‬والروحان ّ‬ ‫ي‪ ،‬والعاطف ّ‬ ‫نضوجك الذهن ّ‬
‫الصدق تمرين شمولي ويالمس كل نواحي الحياة كافة‪ ،‬ولكن هذا ال يعني ابدا‪ ،‬أننا‬
‫ندعوك في تدريب الصدق أن تتغافل عن انسانية الخبرة األرضية‪ ،‬والتي ستواجه‬
‫فيها الكثير من اإلمكان التي «لن يكون» فيها الصدق الخارجي هو الخيار المناسب‬
‫على الورق‪ .‬فكن ذكيا هناك بحيث ال تخترق الدبلوماسية هناك‪ ،‬الصدق مع نفسك‪.‬‬
‫مثال قد تذهب لتنفيذ أوراق حكومية‪ ،‬ويُطلب منك أن تسجل اسمك‪ ،‬وقد يكون‬
‫اسمك الحقيقي غير المسجل في األوراق‪ ،‬طبعا لك أن تتماشى هناك مع النظام‬
‫وتعطيه ما يريد بكتابة االسم ال ُمسجل‪ ،‬حتى ان لم يكن اسمك انت‪ .‬فنعم الخبرة‬
‫الحياتية تعم بالكثير من التفاصيل الورقية‪ ،‬والتي لن يكون فيها الصدق الورقي هو‬
‫المناسب‪ ،‬وهذا طبيعي‪ ،‬ولكن تأكد ان تكون «صادق مع نفسك» حينها‪ ،‬وواضح‬
‫كل الوضوح عن نية الفعل‪ ،‬فالصدق ال يتضارب مع اللين والدبلوماسية مع األنظمة‬
‫الخارجية‪ ،‬بحيث ال تخترق ما تعتبره انت‪ ،‬الحقيقي والصادق لك انت‪ ،‬لتحافظ على‬
‫تدريبك في الصدق‪.‬‬
‫أنا متأكد إنك فهمت المغزى فال تجعل الحاالت االستثنائية كوسيلة للتالعب‬
‫ي في تدريب الكالم الصادق في‬ ‫ض ِّ‬
‫بالصدق‪ ،‬واعزم الصدق دائما وأبدا‪ ،‬وبال ُم ِ‬
‫االلتزامات‪ ،‬واألعمال‪ ،‬والعالقات‪ ،‬وك ّل نواحي الحياة األخرى‪.‬‬
‫وبكثير من األماكن كالمي لم يالمس‬ ‫ٍ‬ ‫أنا شخصيًّا ما زلتُ ِغ ًّرا في هذا التدرب‪،‬‬
‫سد للحقيقة الكاملة‪ ،‬فأنا أعي مدى التحريف الذي يُطلَ ُق من فمي‬ ‫القدسيّة بعد‪ ،‬ولم يُج َّ‬
‫كل يوم‪ ،‬أو التالعب من داخلي‪ ،‬أو رمي الوعود غير المنفذة‪ .‬ولكنّي ملتز ٌم أن آخذ‬
‫المسؤوليّة هناك‪ ،‬وأعدّل المسار بسرعة‪ ،‬ومن دون مالم ٍة لنفسي أو للناس‪ ،‬بل‬
‫بتعاطفٍ كامل مع الذات‪ .‬لذلك ان قلت لشخص اعطيني ثانية وسأرد عليك‪ ،‬التقط‬
‫نفسي‪ ،‬بتعاطف‪ ،‬وأقول له ‪»:‬ال أخطأت اعطني أربع دقائق وسأرد عليك!»‬
‫لذا المقصد ليس مالمتك‪ ،‬أو أن نثبِّط من عزيمتك بتدريب الصدق‪ ،‬بل لتحميسك‬
‫ي‪،‬‬
‫ي‪ ،‬حتى تنضج برويّة في الصدق الشمول ّ‬ ‫ي في هذا الطريق بعطفٍ ذات ّ‬ ‫للمض ّ‬
‫سدا لحقيقتك‪ ،‬فلماذا ال يكون هذا جزءا من طموحك المشروع؟‬ ‫ليُصبح كالمك مج ِ ّ‬
‫الطموح لتجسيد حقيقتك بك ّل تفاصيلها‪ ،‬وفيها الطموح لتزأر ك ّل خليّة من خالياك‬
‫صه لغاندي لترسيخ هذا الطموح فيك (قد ال تكون‬ ‫بحقيقتك كاملة‪ .‬وهنا يراودني ق ّ‬
‫هذا القصة حقيقية‪ ،‬ولكن انظر إلى المغزى)‪.‬‬
‫في مرة من المرات أتت أ ّم من قرية مجاورة لزيارة مهاتما غاندي‪ ،‬القائد الروحي‬
‫للهند حينها‪ ،‬وقامت بصحبة ابنها معها الذي يعشق غاندي‪ ،‬ويعتبره مثاله األول‪.‬‬
‫كانت غاية األم أن تساعد ابنها عن اإلقالع عن أكل السكر‪ ،‬فأخبرت غاندي بأن‬
‫ت األم‪ ،‬وأتت األسبوع‬ ‫يقنع ابنها بذلك‪ ،‬وردَّ عليها‪« :‬تعالَ ْي األسبوع القادم»‪ .‬فف َعلَ ْ‬
‫ي‪ ،‬لماذا ال تخفّف أكل السكر؟ فهو‬ ‫الذي بعده مع ابنها‪ ،‬وعندها قال غاندي‪« :‬يا بُنَ ّ‬
‫ضار لك‪.».‬‬‫ٌّ‬
‫استغربت األم من هذه الجملة‪ ،‬وسألت غاندي‪ِ »:‬ل َم لَ ْم تقل هذا األسبوع الماضي‪،‬‬
‫وأجبرتنا على السير ك ّل هذه المسافة مرتين؟!» فردّ غاندي‪« :‬ألنّي األسبوع‬
‫الماضي كنتُ أنا نفسي آ ُكل الس َّكر‪.».‬‬
‫فال تخف المسير لهذا المستوى من الصدق‪ ،‬وهو مستوى التجسيد الكامل لحقيقتك‪،‬‬
‫ودعه كالرؤية ال ُملهمة لحياتك وشخصيّتك‪ .‬وإن ُخ ِيّل لك أنّك ستفقد ك ّل الناس حينها‬
‫بهذا المستوى من صدق الكالم‪ ،‬فهذا «قد» يكون صحيحا‪ ،‬إن َبنيت صدقاتك الحالية‬
‫سك حينها‪ ،‬وستجذب‬ ‫يهز شعرة لك؛ ألنّك ستكسب نَ ْف َ‬ ‫على رداء الكذب‪ .‬ولكن هذا لن ّ‬
‫ي الصادق‪ ،‬وهنا ستذوق طعم الحياة الصادقة‪،‬‬ ‫بعدها لحياتك بعدها من توافق مع الح ّ‬
‫وما يكون هذا طعما؟ هو عسل الحريّة ‪ ،‬فالصدق والحريّه واحد‪ ،‬وهنا ستصبح‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫ك ُمشك ٍل للعالم المستنير‪ ،‬الذي تتوق إليه أنت واإلنسانيّة كافّه‪ ،‬وهذا ّ‬
‫طريق الصدق هو طريق العالم المستنير‪ ،‬الذي تتوق له أنت واإلنسانيّة كافة‪.‬‬
‫حول السير في طريق الصدق‪ ،‬لطريق المالمة‪ ،‬فدع‬ ‫وكما أكدنا‪ ،‬وسنؤكد‪ ،‬ال ت ُ ّ‬
‫رأيت كالمك‪ ،‬أو التزامك في أصعدةٍ معيّنة رخوة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫التدريب رقيقا وعطوفا‪ ،‬وإن‬
‫ي سلوك تسلكه؟‬ ‫ت المالمة أ ّ‬ ‫فأرجوك ال تنجرف في دائرة مالمة الذات‪ ،‬فهل غي َّر ْ‬
‫يب المسعى‬‫طبعا ال‪ ،‬فما المالمة إن لم تكن إحدى أساليب نظام الخوف‪ ،‬ليُظهر لك ِط ُ‬
‫المبطنة لتُبقيك على حالك‪ ،‬من‬ ‫ّ‬ ‫عمق هذا المالمة‪ ،‬حاجة الخوف‬ ‫في التغيير‪ ،‬وفي ُ‬
‫ي تغير‪.‬‬ ‫دون أ ّ‬
‫فعندما يَنكشف لك ُرخص كالمك في بعض النواحي‪ ،‬وهذا حال ك ّل البشر‪ ،‬دعها‬
‫كلحظة لإلدراك‪ ،‬والمراجعة العَطوفة‪ ،‬فبالنهاية أنت دائما ت َ ْفعَ ُل أفضل ما تعرفه‬
‫تخف أن تعتذر وتص ّحح‪ ،‬وعسى‬ ‫ْ‬ ‫سك ال تقول الصدق‪ ،‬فال‬ ‫باللحظة‪ .‬وإن الحظت نَ ْف َ‬
‫القصة التي سأقولها اآلن تكون ملهمة لك في هذا المسعى‪:‬‬
‫ففي إحدى المحاضرات التي كنتُ أُعطيها أمام أكثر من مئة شخص‪ ،‬بدأتُ بشرح‬
‫ي‪ ،‬ومن ث ّم أضفت‪« :‬إني لن أستطيع أن أوضح لكم‬ ‫ي عن التنفّس القلب ّ‬ ‫ب عمل ّ‬ ‫جان ٍ‬
‫أثر التنفّس من خالل الجهاز اإللكتروني؛ ألنّه سيأخذ وقتا كثيرا»‪ ،‬وأما الحقيقة‬
‫وقتها أنّي ذهبتُ للبيت متأخرا قبل المحاضرة‪ ،‬ونسيتُ أن آخذ الجهاز معي‪.‬‬
‫طت نَفَسي بهذه الكذبة‪ ،‬بسبب حساسيتي الجسديّة للكذب‪ ،‬وكأن شيئا في نفسي‬ ‫التقَ ُّ‬
‫اهتز‪ ،‬ولك أن تتخيّل موقفي حينها أمام مئة شخص‪ .‬ولكن قد تقول اآلن‪ ،‬ما المشكلة؟‬ ‫ّ‬
‫فهم ال يدرون ما الذي حدث أصال‪ ،‬وهذا صحيح‪ ،‬ولكن أنا أدري‪ .‬أدري أنّي لم أ َ ُكن‬
‫صادقا‪ ،‬وهنا كانت لحظةُ الخيار‪ ،‬فنظام الخوف كان يصرخ في داخلي‪ :‬ال تعترف‬
‫ولكن الجز َء ال َم ِحبّ للحقيقة‬‫ّ‬ ‫سك أمام ك ّل هؤالء األشخاص‪،‬‬ ‫بالكذبة اآلن‪ ،‬وتفضح نَ ْف َ‬
‫في داخلي لم يسمح بذلك‪ ،‬فتوقفتُ ‪ ،‬وقلت‪« :‬يا سادة أنا أعتذر منكم‪ ،‬أنا كذبت‬
‫والحقيقة كذا وكذا‪ »،‬وأكملتُ المحاضرة‪.‬‬
‫وتدري لم يكن الموضوع بهذا السوء…‬
‫للغرابة‪ ،‬بعدها بأق ّل من أسبوعين كنت أعطي «كورس القائد المستنير»‪ ،‬وأتت‬
‫إحدى المتدربات وقالت‪« :‬إيهاب السبب الرئيسي الذي ألهمني للتسجيل في‬
‫الكورس؛ ألنّي كنتُ موجودة في المحاضره التي اعترفت َبها بكذبتك‪ ،‬وهناك زاد‬
‫احترامي وثقتي فيك»‪.‬‬
‫للتدرب على الصدق حتى بعد اإلخفاق‪ ،‬وبالنضوج‬ ‫ّ‬ ‫أتمنى أن يكون هذا ِعبْرة لك‪،‬‬
‫تعيش أكثر من نور الصدق وقوته‪ ،‬وهكذا ستصبح كمنارة الحقيقة‬ ‫ُ‬ ‫والرحمة‪ ،‬لَت َ‬
‫َراك‬
‫واألمل لكافة البشرية‪.‬‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫* الصدق هو أساس القوة الذاتية‪.‬‬
‫* ابدأ التدريب بصدق الكالم‪ ،‬بالتخفيف من التزاماتك‪ ،‬وتنفيذ ما ت َ ِعدُ فيه‪.‬‬
‫* لك أن تكون صادقا وعطوفا‪ ،‬وذكيًّا اجتماعيًّا بنفس الوقت‪.‬‬
‫ض ْمنِيًّا قدرتك على تجلّي األهداف بيُس ٍْر‬ ‫* عند زيادة الصدق في الكالم‪ ،‬ستزيد ِ‬
‫ب‪.‬‬
‫رهي ٍ‬
‫أسئلة للتفكر‪:‬‬
‫لماذا تقاوم الصدق في الكالم؟ وهل السبب الذي يمنعك هو من مكان الحب‪ ،‬أم‬
‫الخوف؟‬
‫ي‪ ،‬واستمتاعٍ؟‬ ‫برقِ ٍّ‬
‫ماذا عليك أن تفعل لتذيب هذه المقاومة ُ‬
‫للتدرب على صدق الكالم؟‬ ‫ُّ‬ ‫ما هو حافزك الرئيسي‬
‫ماذا ستحس داخل نفسك إن بدأت بتنفيذ ما ت َ ِعدُ نفسك به؟‬
‫لماذا الصدق «كقيمة» ُم ِه ٌّم لك؟‬
‫األملُالمتَجذّرُ‬
‫أردت أن تقتل إنسانا‪ ،‬اسلبه األمل‪ ،‬فاألمل لرؤيا الروح بمثابة ال َم ْنفَس‪ ،‬ومن‬ ‫َّ‬ ‫إن‬
‫دونه تختنق الروح‪ ،‬وتبدأ الرؤيا بالتعفّن والنسيان‪ .‬فالمعادلة واضحة‪ »:‬ال حياة من‬
‫ت صباحا‪ ،‬وال أمل لك في أي‬ ‫ْ‬
‫استيقظ َ‬ ‫دون أمل»‪ ،‬وكيف تكون في الحياة حياة إذا‬
‫شيء؟ فهنا تكون المعاناة محتومة‪ ،‬ومصير التعاسة مكتوبا‪ ،‬أليس هذا هو الجحيم‬
‫بح ِدّ ذاته؟‬
‫المحركه لقلبك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫القوة‬
‫وماذا لو قفزنا إلى السيناريو المعاكس تماما؟ وكان األمل هو ّ‬
‫فماذا سيختلف؟‬
‫أجزم الكثير…‬
‫بوابة الرؤى واألحالم‪ ،‬وهو مفتاح اإلصرار‬ ‫المحركة‪ ،‬وهو ّ‬‫ِّ‬ ‫األمل هو طاقة الفعل‬
‫تسع وتسعين‬‫ٍ‬ ‫للمرة المئة‪ ،‬بعد‬ ‫واالجتهاد والتصميم‪ ،‬فاألمل هو ما يجعلك تحاول ّ‬
‫قوة األمل الجبّاره‪ ،‬يبقى‪ ،‬ولألسف‪ ،‬مفهمونا عن األمل‬ ‫عثرة‪ .‬لكن بالرغم من ّ‬
‫جرد صاحبها‬ ‫دروب األمنيات الورديّة‪ ،‬التي ت ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫سطحيًّا للغاية‪ ،‬ال يتعدّى في وصفه‬
‫من القدرة على مواجهة التح ِدّيات باتّزان‪.‬‬
‫نحس‬
‫ّ‬ ‫والغريب أن هذه السطحيّه في منظور األمل‪ ،‬هي ليست الطريقة ذاتها التي‬
‫فيها باألمل عند النظرإلى تتابع األيام‪ .‬فعندما تنام بالليل‪ ،‬فأنت ال ت َتمنّى أن يأتي‬
‫إيمان تبلور على شكل اليقين؛ لذلك ال تنام‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫إيمان راس ٌخ لحدوث ذلك‪،‬‬ ‫النهار‪ ،‬فهناك‬
‫وتقلق حيال بزوغ الصباح‪ ،‬فأنت عارف بهذا‪.‬‬
‫بقوة الضمانة التي يقدمها…من‬ ‫هذا النوع من األمل يجلي الهموم‪ ،‬ويذيب القلق‪ّ ،‬‬
‫ي اآلن‪ ،‬وتقول‪ :‬انتظر‪ ،‬فتتابع األيام هي ظاهرة‬ ‫الممكن أن تقاطع هذا التراود الكتاب ّ‬
‫ضامن لتكرار هذه الظاهرة غدا‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫مضمونة‪ ،‬واألمل فيها أكيد‪ .‬الحقيقة ال‪ ،‬فال شيء‬
‫ت لماليين السنين‪ ،‬ولكن األمل وحده الذي يولد هذا اليقين‪.‬‬ ‫وحتى لو َحدَث َ ْ‬
‫أن هناك أمال أقوى من تتابع األيّام‪ ،‬أمال ال يشوبه التغيّر‪ ،‬وال مفاجآت‬ ‫تخيّل اآلن ّ‬
‫قادر على زعزعته‪،‬‬ ‫الزمان النادرة‪ ،‬إنه أم ٌل موجودٌ وساكن‪ ،‬وال شي َء في الكون ٌ‬
‫قوة وطمأنينة للشخص الذي اهتدى إلى‬ ‫أو التأثير عليه‪ .‬هذا األمل يكون مصدر ّ‬
‫ِس ّره‪ ،‬هذا هو «األمل المتجذّر»‪.‬‬
‫ولألمانة‪ ،‬ولسبب ما‪ ،‬لم أفقد اتصالي قَط مع روح األمل المتجذّر‪ ،‬ففي أعماقي‬
‫ت‬‫س َر هذا األمل بكلّما ٍ‬ ‫ي دائما‪ ،‬وأبدا‪ .‬لم أستطع أن أف ِ ّ‬ ‫كنت دائم الدراية أن األمل ح ٌّ‬
‫ت شفاه األمل تحدثني وتقول «‬ ‫منطقية‪ ،‬ولكن هناك في حجرات قلبي الساكنة‪ ،‬ظلّ ْ‬
‫ك ّل شيء تمام»‪ .‬ومع رحلتي في طريق الصحوة والتطور‪ ،‬أخذ فهمي لألمل‬
‫تحو َل إحساسه الحدسي‪ ،‬لفهم ذهني أعمق‪ ،‬أقدر أن أصوغ‬ ‫بالنضوج بسرعة‪ ،‬حتى َّ‬
‫فيه درجات األمل بوضوح تام‪ ،‬لتصل إلى أسمى أشكاله‪ ،‬وهو «األمل المتجذّر»‪.‬‬
‫ي هنا‪ ،‬ونعطيه ما يريد من المراحل المتسلسلة‪،‬‬ ‫فلو أردنا أن نُحاكي العقل التحليل ّ‬
‫ف مراحل األمل الثالثة‪:‬‬ ‫َص ُ‬
‫فقد ن ِ‬
‫المرحلة األولى‪ :‬هي شك ٌل من األمنيات اللحظيّة‪ ،‬نشتهي فيها واقعا أفضل م ّما عليه‬
‫اآلن‪ .‬هذه األمنيات‪ ،‬ت َسقُط َكريش ٍة حالم ٍة على ذهن صاحبها‪ ،‬لتقطع تصلّبه الفكري‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وإلهامات جديدة‪.‬‬ ‫أفكار‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫بزغُ منها‬
‫وتأخذه ولو للحظات إلى عالم الخيال‪ ،‬والتي قد َي ُ‬
‫كائن على حاله‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أما المرحلة الثانية‪ :‬فهي وجدان المعرفة الراسخة‪ ،‬أن ال شيء‬
‫فك ّل أشكال الحياة وظروفها متغيّرةٌ‪ ،‬أو كما يقال‪« :‬حتى هذا سيُعدّي»‪ .‬هذه المرحلة‬
‫سن َِن‬ ‫ُ‬
‫المقرون ب ُ‬ ‫من األمل‪ ،‬تضيف نوعا من السالم‪ ،‬وصبرا على الشدائد‪ ،‬هو الصبر‬
‫ق على حاله لألبد‪،‬‬ ‫الطبيعه وقوانينها‪ ،‬والتي تكشف لنا‪ ،‬أن ال شيء في عالم المادّة با ٍ‬
‫فحتى أكبر المصائب «ستُعدّي»‪.‬‬
‫ي حدث‪ ،‬أو‬ ‫بعد هذا المرحلة ننتقل إلى المرحلة الثالثة‪ ،‬وفيها األمل ليس مرتبطا بأ ّ‬
‫كائن فيها بذرة‬ ‫ٌ‬ ‫إن كل خبرات الحياة‬ ‫حتى اليقين بتغيره‪ ،‬وإنّما الفهم الصادق‪ّ ،‬‬
‫ألن خبرة الحدث ال‬ ‫التطور في الوعي‪ .‬في هذا ضمنية المعرفة أن التغيير بسيط؛ َّ‬
‫تأتي من الحدث ذاته‪ ،‬ولكن من خبرتك الفكريّة باللحظة‪ ،‬فك ّل ما يتطلبه التغيير هنا‪،‬‬
‫هو مستوى جديد من الوعي‪ ،‬ليتيح لك مستوى جديدا من األفكار‪ ،‬ومعه نوعيّة‬
‫خبرة جديدة‪ ،‬وبذلك التطور لمستوى جديد في لعبة الحياة الروحية‪ .‬فاألمل هنا ال‬
‫يستوجب التغير الخارجي لألحداث لبزوغ فجر نور جديد‪ ،‬بل التغير في المنظور‬
‫الفكري‪ ،‬من التج ّمد إلى التقدم‪ ،‬من التوتر إلى السالم‪ ،‬ومن اللعنة إلى الفهم األعلى‪.‬‬
‫فاألمل على هذا المستوى راس ٌخ؛ ألنّه يضمن «بضمانة كونية» أن هناك فرصة‬
‫للتطور‪ ،‬والتغيير من أي حدث‪ ،‬ومهما كانت شدّته‪ ،‬عند االرتقاء عن إسقاطاتك‬
‫الفكريّة باللحظة‪ ،‬لكشف بذرة التطور من روح الحدث‪.‬‬
‫وربّما السؤال الذي يراودك اآلن‪ :‬كيف أصل إلى هذه المرحلة من األمل المتجذّر؟‬
‫لتلبية هذا المبتغى‪ ،‬دعنا نبدأ برمي مفهومنا الموروث عن األمل‪ ،‬والذي ال يتعدّى‬
‫شة في تحفيز النفس‪ ،‬أو الصبر الثقيل‬ ‫المرحلتين األول َييْن‪ ،‬كشكل من اإليجابيّة اله ّ‬
‫على الشدائد‪ ،‬ولنخلق سويًّا فضاء جديدا‪ ،‬ليولد فيه مفهو ٌم أنقى عن األمل‪ ،‬وهو‬
‫األمل المتجذّر‪.‬‬
‫أن الحياة تعمل في سيادة‬ ‫األمل المتجذر يولد مباشرة مع بذرة المعرفة الباطنيَّة‪ّ ،‬‬
‫أن الحياة مسخرة للتطور‬ ‫قرين اليقين‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫قانون التطور‪ ،‬فهذا المستوى من األمل هو‬
‫دائما وأبدا‪ ،‬وال يمكن أن ت َ ْسلُ َك ّإال َمسلَك التطور دائما وأبدا‪ .‬فك ّل عناصر الحياة‬
‫خادمةٌ «لتطورك» الشخصي في الوعي‪ ،‬ضمن رحلة التطور الشمولي لكل عناصر‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫سنّة‪ ،‬وهذا ّ‬ ‫ٌ‬
‫قانون و ُ‬ ‫الخليقة‪ ،‬فهذا‬
‫ك ّل عناصر الحياة وت َو ُّج ِهها‪ ،‬محكومةٌ بسيادة التطور‪.‬‬
‫أهم‪ -‬إن‬ ‫ّ‬
‫المبطن‪ ،‬هو ِم ْن ِ ّ‬ ‫عي التطور‬‫هنا سنغوص أكثر في ث َ ِنيّات هذا التطور‪ ،‬فَ َو ُ‬
‫لم يكن أَهم ّالمعارف على اإلطالق‪-‬؛ ألن فيه المعرفة الحدسيّة لرعايتك األبديّة‪،‬‬
‫رعاية الحياة لك‪ ،‬ولكافّة أوالدها‪ .‬هنا ستتجلّى حالة الطمأنينة فيك ألعلى صورها‪،‬‬
‫فتسمح لحقيقتك أن ت َبثِقَ من استرخاء «بيئتك الداخلية»‪ ،‬لتتعدّى حالة الخوف الدائم‪،‬‬
‫إلى التدفق المستمر مع تعبيرك الصادق‪ ،‬وبالمعرفة الكاملة أن الحياة ال تسلك ّإال‬
‫مسلك التطور‪.‬‬
‫فبذرة التطور المستمر هي في روح الكون‪ ،‬وستبقى الحال كذلك‪ ،‬ولذلك سنبقى‬
‫نتطور‪ ،‬شئنا أم أبينا‪ .‬ولكن قد تتساءل هنُا‪ ،‬ماذا عن ك ّل التحديات اإلنسانيّة عبر‬
‫س ّم منها‪:‬‬ ‫التاريخ‪ ،‬التي لم يحصل فيها أي شكل من أشكال التطور‪ ،‬أو التغيير‪ ،‬ولنُ َ‬
‫الحروب‪ ،‬والفقر‪ ،‬والمجاعات‪ ،‬وغيرها‪ .‬فكل هذه التح ِدّيات قائمة منذ عقود‪ .‬وعقود‪.‬‬
‫وعقود ولم يحدث فيها أي تغيير‪ ،‬فهل تطلب مني أن أنكرها؟ اإلجابة ال‪ ،‬ولكن‬
‫أن أحداث الحياة كافّة‪ ،‬هي جز ٌء من لُعبة الحياة‬ ‫نستذكر معا‪ ،‬ومن ذاكرة الروح‪ّ ،‬‬
‫الروحيّة في غاية التطور في الوعي‪.‬‬
‫فك ّل أشكال المعاناة التي ذكرناها‪ ،‬هي شك ٌل من اللعب الجاهل‪ ،‬وفيه استخدام‬
‫أفكار وتجليّات‬ ‫ٍ‬ ‫سخر هذه النعمة الكونيّة‪ ،‬في‬ ‫وسافر لنعمة الفكر االبتكاريّة‪ ،‬نُ ِ ّ‬
‫ٌ‬ ‫مغلوط‬
‫لنلوث بها أجسادنا‪ ،‬وعقولنا‪ ،‬وأنظمتنا‪،‬‬ ‫ال تتناغم مع ِحكمة الطبيعه األم‪ّ ،‬‬
‫ومجتمعاتنا‪ ،‬واألرض كك ّل‪ .‬نُ ّلوثها بسموم العُقد‪ ،‬والعار‪ ،‬والكذب العقيم‪ ،‬وبتيارات‬
‫مكررة من السبب والنتيجة‪.‬‬
‫ولكن بالرغم من أن الحال كذلك‪ ،‬وهو من صنيع أيدينا (ومن بينها يدك ويدي)‪،‬‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫والمغطى ِب ُحل ّ‬ ‫وبالرغم من أن هذه المعاناة الكلّية‪ ،‬نتيجة جهلنا الفكر ّ‬
‫ي ال ُمطلق‪،‬‬
‫يتغول هذا الجهل على دوام «البذرة الكونية‬ ‫ّ‬ ‫الشهادات العلميّة‪ ،‬فال يستطيع أن‬
‫ط ُن الخير‬ ‫للتطور»‪ ،‬فلم‪ ،‬ولن يقدر على فعل ذلك‪ .‬فهناك بعُمق كل هذه األحداث َيق ُ‬
‫ي الدائم‪ ،‬وهو‬ ‫األصيل في الحياة‪ ،‬خلف لعبة الخير والشر‪ ،‬حامال معه كنزنا الوجود ّ‬
‫بذرة التطور المستمرة من ك ِّل حدث‪ ،‬وعدم قُدرتنا على «رؤية» هذه البذرة‪ ،‬لتُز ِه َر‬
‫مرحلة التطور التي بعدها‪ ،‬ال يُلغي وجودها‪.‬‬
‫للتطور‪ ،‬هذا إن استرخى ذهن اإلنسان‬ ‫ّ‬ ‫مهما كان أو حصل هناك فرصة ذهبية‬
‫ِليَست َ ِشفَّها‪ ،‬ولذلك يقال إن مشاكل اإلنسان كافة‪ ،‬هي لعدم قدرته للجلوس بصمت في‬
‫داخل الغرفة! هناك فرصة روحية للتطور في كل األحوال‪ ،‬أو كما يقال بلغة‬
‫الخيمياء‪« :‬هناك ذهب في روح كل معدن»‪ .‬أ ّما ذهنك المحدود‪ ،‬فهو من فقد الهداية‬
‫سرا‬ ‫لهذا الذهب‪ ،‬فقد الهداية له بأحكامه االزدواجية على أحداث الحياة اليوميّة‪ُ ،‬مف ّ‬
‫ض َح‬‫إيّاها بالخير أو الشر السطحي‪ ،‬وهي َخلَت في باطنها من المعنى‪ ،‬أو كما أ َ ْو َ‬
‫خير وشر‪ ،‬وإنّما التفكير فقط َمن‬‫شكسبير‪« :‬ال يوجد ٌ‬
‫طن الخير الباطني كفرصة‬ ‫يُظهره كذلك»‪ .‬فخلف ازدواجيّة التفكير بالخير والشر‪َ ،‬يق ُ‬
‫ألن روح الحياة الواحدة ال تسير إال مسيرة واحدة‪ ،‬مسيرة التطور الشمولي‪.‬‬ ‫للتطور‪ّ ،‬‬
‫ومبطن في ك ّل شيء‪ ،‬وال يمكن أن يُسلب هذا الخير؛ ألنّه في‬ ‫ّ‬ ‫خير أصيل‬ ‫فهناك ٌ‬
‫عجينة التكوين ذاته‪ ،‬وطينة الروح الواحدة‪ ،‬فال شيء يحيد عن هذا المبدأ‪ ،‬وحتى‬
‫الشر ذاته‪ ،‬وإن أراد‪ .‬فحتى إن أراد «الشرير» أن يؤذيك‪ ،‬فهو يعمل في خَيرك‬
‫ليُطورك‪ ،‬هذا إن اخترت أن «تراه» من عين هذا الواقع‪ .‬وعند استنباطك هذه‬
‫الحقيقة الكونيّة بوجود فرصة التطور في كل األحداث‪ ،‬ومهما كان مستوى الظالم‪،‬‬
‫والحقد‪ ،‬والضغينة الذي يكسوها‪ ،‬سيولد صارخا من «رحمك» طفل األمل المتجذّر‪،‬‬
‫وفيه بذرة التمكين‪ ،‬والعزم‪ ،‬والتغيير (وهذا يطبق على الرجال!)‪.‬‬
‫وإن أردنا أن نأخذ الحوار إلى منحى العمليّة اآلن‪ ،‬فلننظر إلى خبرات حياتك‬
‫المرة األخيرة‬ ‫المبطن شخصيًّا‪ ،‬فهل تذكر ّ‬ ‫ّ‬ ‫السابقة‪ ،‬فمن المؤكد أنّك اختبرت الخير‬
‫سرتها حينها بأكبرالشرور‪ ،‬أو حتى كنوعٍ من‬ ‫التي عشت فيها تحدّيا صعبا‪ ،‬وف ّ‬
‫بطن فيه‪ :‬فقد ساعدك هذا الموقف‬ ‫العقاب الكوني؟ ولكن بعد فترة اتّضح لك الخير ال ُم ّ‬
‫للتطور‪ .‬قد يكون من نصب عليك في األعمال‪ ،‬أو تلك العالقة السابقة‪ ،‬ككاشف لك‬
‫أفكار مستورة في ذهنك‪ ،‬كانت تقيدك من التقدّم‪ ،‬ووضوح رؤيتك‪ ،‬أو عن‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬
‫أسباب الجذب الداخلية لهذه المواقف‪ ،‬وأين عليك وضع الحدود الطاقية‪ .‬وبذلك‬
‫تحول «الشر»في ذهنك‪ ،‬إلى نقطة نضوج وتطور مه ّمة في حياتك‪ ،‬وحتى من‬ ‫ّ‬
‫الممكن أنه أصبح اآلن‪ ،‬كمادّة زخمة لمقاالتك أو حواراتك‪ ،‬تلمس بها قلب السامعين‬
‫بجرعة صادق ٍة من اإللهام‪.‬‬
‫فماذا تغيّر؟‬
‫هل اختلف الحدث‪ ،‬أم اختلف منظورك عن الحدث‪ ،‬بانجالء إسقاطاتك الذهنيَّة عنه‬
‫بحكمة حينها‪،‬‬ ‫من «مفهوم» الخير والشر‪ ،‬إلى نجم الخير األصيل خلفهما؟ لتستنبط ِ‬
‫تطورك‪ .‬فاليقين الراسخ بكينونة التطور من أي حدث‪،‬‬ ‫صبُّ الحدث في خدمة ّ‬ ‫كيف ي ُ‬
‫حتى إن لم تكن قادرا على رؤيته حينها‪ ،‬هو بعينه خير الحياة الذي يبرز من حالة‬
‫األمل المتجذّر‪.‬‬
‫وال تخلط األمل المتجذّر‪ ،‬بالمحاولة البائسة لكبت المشاعر من داخل الموقف‪،‬‬
‫بأن ك ّل شيءٍ خير‪ ،‬وله فائدة لك‪ ،‬فهذه‬ ‫وإلغاء أحاسيس األسى‪ ،‬باالدّعاء الكاذب ّ‬
‫حالة مرضيّه تدعى اإلنكار‪ .‬اإلنكارهو شكل من أشكال ُكر ِه الذات‪ ،‬ترفض فيها‬
‫رفض للذات كك ّل‪ .‬فاإلنّكار هو إحدى‬ ‫ٌ‬ ‫سها باللحظة‪ ،‬وفي هذا‬‫المشاعر التي تح ّ‬
‫االستراتيجيات الدفاعيّة من نظام الخوف‪ ،‬للهروب من شعور األلم‪ ،‬ودفعه للخارج‪،‬‬
‫أما األمل المتجذّر فهو النقيض لإلنّكار‪ ،‬وفيه السماحيّة الكاملة ألحاسيس اللحظة‬
‫أن تُع ِبّر عن نفسها‪ ،‬من الخوف‪ ،‬والغضب‪ ،‬والكره‪ ،‬وغيرها‪ ،‬لترتقي بعدها تدريجيًّا‬
‫ي أن أتعلم هنا؟‬ ‫بالسؤال لنفسك‪ :‬كيف يكون هذا الموقف كخادم لتطوري؟ أو ماذا عل َّ‬
‫فعملية االرتقاء لبوابة التطور في الوعي‪ ،‬هي عملية خيميائيّة دقيقة‪ ،‬تتطلب في‬
‫خطوتها األولى مواجهة السواد الداخلي‪ ،‬للبدء بعدها في عملية التنقية واالرتقاء‪.‬‬
‫ألن ك ّل الخبرات اللحظيّة‪،‬‬ ‫المهم أن هذا كله يحصل بحضور الطمأنينة الصادقة؛ ّ‬
‫للتطور الشمولي‪ ،‬ورفعة الوعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تعمل في صلبها‬
‫فهذه الطمأنينة وحدها‪ ،‬هي التي تحفزك‪ ،‬وتشرح صدرك للفتح أكثر للخبرة الحالية‬
‫وأحاسيسها كافة‪ ،‬وإن كانت مؤلمة‪ ،‬وهي من تضيف رونق األناقه عليك‪ ،‬للتعامل‬
‫الحكيم مع أحداث الحياة وتحدياتها بسالسة الماء؛ ألنك متجذّ ٌر هنا بالمعرفة الباطنيَّة‬
‫أن في عمق ك ّل خبرات الحياة فرصة كائنة للتطور‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وقد يبقى التساؤل قائما هنا‪ :‬لكن لماذا تعمل الحياة للتطور دائما وأبدا؟‬
‫ألن هذا قانون‪ ،‬وهذا القانون هو األساس في اكتمال رسالة الخلق‪.‬‬ ‫واإلجابة؛ ّ‬
‫هتز معها سبب‬ ‫َهتز أركان الحياة ونظامها الدقيق‪ ،‬ويَ ُّ‬ ‫من دون هذا القانون‪ ،‬ست ُّ‬
‫ي منها‪.‬‬ ‫ي وغير المرئ ّ‬ ‫الخلق‪ ،‬وليس على األرض فقط‪ ،‬بل على األكوان كافّة‪ ،‬المرئ ّ‬
‫التطور في‬ ‫ّ‬ ‫فك ّل ذرة بالكون‪ ،‬تعيش رحلة تطوريّة ال منتهية‪ ،‬رحلة ال منتهية من‬
‫سار‪ ،‬وليس ُمضْجرا؛ ألنّك ستعي‬ ‫خبر ٌّ‬ ‫الوعي؛ ّ‬
‫ألن أبعاد الوعي ال منتهية‪ .‬وهذا ٌ‬
‫والحكمة التي تستطيع الوصول‬ ‫هنا‪ ،‬أنّه ليس هناك حدود لوعي ال ُحب‪ ،‬والتعاطف‪ِ ،‬‬
‫لها‪.‬‬
‫التطور المستمر‪ ،‬فيه عالقات امتزاجية مع مفهوم «اإلثراء» في الحياة‪ ،‬فإن لم‬
‫ت للثراء‪ .‬فمن دون التطور لن تجد‬ ‫يُ َه ْندَس التطور في قلب التكوين‪ ،‬فلن تجد عالما ٍ‬
‫خبرات ت َحدث‪ ،‬ولن تجد معها معارف تُبنى وتُستنبط‪ ،‬لتثري الخبرات السابقة‪،‬‬
‫وبهذا يموت «مفهوم» النهضة والعمران من معجم الحياة‪ ،‬وهذا مستحيل‪.‬‬
‫سمعنا مرارا وتكرارا‪ ،‬أن نتوقّف عن استخدام كلمة المستحيل‪ ،‬وأذكر أنّي في‬
‫وقت من حياتي‪ ،‬عاهدتُ نفسي ّأال أقول هذه الكلمة أبدا‪ ،‬فقد أحرقتُها من معجم‬
‫«الال مستحيل» مع الحياة‪ ،‬ولكن سرعان ما‬ ‫الو ْق َع الجميل إلحساس ّ‬ ‫كلماتي‪ ،‬ألحس َ‬
‫أن هناك شيئا اسمه المستحيل‪ .‬ليس المقصود هنا بالقيد الذي تضيفه إلى‬ ‫أيقنت‪ّ ،‬‬
‫قيودك الذهنيَّة‪ ،‬وتُس ّميها بالمستحيالت‪ ،‬بل المستحيل الكون ّ‬
‫ي الجميل‪.‬‬
‫ذلك المستحيل الذي ينبثق من نظام الحياة األصيل‪ ،‬وشيفرته الدقيقة‪ .‬هو المستحيل‬
‫ُحررك من المخاوف كافّة‪ ،‬ويسطع فيك األمل المتجذّر‪ ،‬ليهمس في أذنك‬ ‫الذي ي ّ‬
‫ويقول‪ :‬أن تخالف الحياة تُجاه التطور في الوعي‪ ..‬هذا مستحيل؛ ولذلك الخسارة‬
‫هي مستحيل أيضا! ألن الخسارة هي فقط لمن «ال» يدري أن هناك فرصة للتطور‬
‫من أي موقف‪.‬‬
‫التطور‬
‫ّ‬ ‫وأال يحدث‬‫أن تعمل الحياة باتّجاه يخالف الخير الشمولي هذا مستحيل‪َّ ،‬‬
‫طوال الوقت‪ ،‬وما بعد الوقت مستحيل‪ ،‬وأن تكون مفصوال عن مصدر ال ُحب‪،‬‬
‫والحكمة‪ ،‬والرخاء‪ ،‬واالبتكار‪ ،‬والطمأنينة مستحيل‪ ،‬وأن تُهدّد قيمتك بالضياع‬ ‫ِ‬
‫مستحيل‪ .‬هذا هو المستحيل الجميل‪ ،‬الذي يأتي ُمغلّفا مع ضمانة الهندسة الكونيّة‪.‬‬
‫ي سائد ومن‬ ‫التطور في قائمة المستحيالت‪ ،‬فهو قانون روح ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫لذا يبقى قانون‬
‫المستحيل تحريفه‪ ،‬وهذا سرنا الصغير‪.‬‬
‫أردت فعل ذلك‪.‬‬‫َ‬ ‫التطور‪ ،‬هو قانون سائد‪ ،‬ومن المستحيل تحريفه وإن‬ ‫ّ‬ ‫قانون‬
‫وقد تقف هنا للحظة‪ ،‬وتعود بضع خطوات للخلف لتقول‪ :‬لو عدنا لموضوع‬
‫التطور؟ وكما قلنا‪ ،‬الحرب ليست ّإال تجليا ٍ‬
‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ي شكل من‬ ‫الحرب‪ ،‬فكيف يكون فيها أ ّ‬
‫لألفكار غير المتناغمة في الوعي الكلّي‪ .‬ولكن حتى الحرب‪ ،‬على قسوتها المد ّمرة‪،‬‬
‫وعلى ما قد تخلق من بيئة طاقيّة وضيعة‪ ،‬لجذب أنظمة الخوف الجمعيّة‪ ،‬والطفيليات‬
‫س ِتر من محتويات الوعي الجمعي‪ ،‬وما قد‬ ‫الروحيّة من ك ّل مكان‪ّ ،‬إال أنّها ت ُظهر ما ُ‬
‫َيت َخللُه من الغ ّل والحقد واألحكام‪ .‬وعند بزوغ نتائج هذه المحتويات الفكرية على‬
‫السطح‪ ،‬فهو يعطي اإلنسانيّة فرصة الشفاء والتطهير‪ ،‬فهو مواجهةٌ صادقةٌ ِلما كان‬
‫فينا‪.‬‬
‫ق‬
‫وهنا يأتي السؤال‪ :‬هل سنرى هذا الخير من حدث «الحرب»‪ ،‬ونمشي بطري ِ‬
‫والتطور‪ ،‬أم نقاومه؟ لتعيد الحياة الدروس ذاتها‪ ،‬ومعها التكرار لنفس‬ ‫ّ‬ ‫الشفاء‬
‫المرحلة اآلنية من اللعبة الروحيّة‪ .‬فالحياة تُعيد تدوير الخبرة مرارا وتكرارا حتى‬
‫يبرأ النظر‪ ،‬ويُكشف المسبّب الحقيقي خلف األحداث‪ ،‬وهو نفسك أنت‪ .‬حينها لك أن‬
‫تأخذ المسؤولية الشخصية‪ ،‬وتأخذ خيارات جديدة ترفعك لمرحلة جديدة من هذه‬
‫اللعبة األبديّة‪.‬‬
‫هذه اللعبة تُلعب على مستوى الفرد والجماعة‪ ،‬وال يت ُّم التد ّخل فيها بملكة الخيار‪،‬‬
‫بل يجوز التأثير الرقيق عن طريق الرحمة الكونيّة‪ ،‬كالعالمات واإلشارات ال َخ ِفيّة‪.‬‬
‫فَ ُروح الحياة ال تتد َّخل بالخيارات؛ ألنّها هي َم ْن صانت حريّة االختيار‪ ،‬كقانون‬
‫أصيل من لعبتنا الروحيّة‪.‬‬
‫ولك هذا المثال للتوضيح…‬
‫ي بشدّة في الشرق األوسط‪ ،‬وخصوصا بعد عام ‪،٢٠١٢‬‬ ‫عند بزوغ الفكر التطرف ّ‬
‫توالت الويالت والحروب‪ ،‬وتزايدت تيّارات الخوف‪ ،‬واالنكماش‪ ،‬وتج ِلّيات األحكام‬
‫أن هذه الحالة بنفس الوقت‪ ،‬خلقت اإللهام لكثير من القلوب‬ ‫العرقيّة والعقائدية‪ّ .‬إال ّ‬
‫المستنيرة‪ ،‬ألخذ الخطى الشجاعة في الشفاء والتنوير؛ لذلك رأينا حينها‪ ،‬وبصورة‬
‫ي‪ ،‬والنهضة‬ ‫غير مسبوقة بالشرق األوسط‪ ،‬ظهور مراكز التأ ّمل والشفاء الطاق ّ‬
‫بمجال التدريب‪ ،‬ومبادرات السالم وغيرها‪ .‬فكما َخلَقَت الحروب الكوارث‬
‫ي ‪ ،‬هذا لمن اهتدت‬ ‫والتفرقة‪ ،‬فهي خلقت فُرصة صادقة للشفاء والتطور الجمع ّ‬
‫قلوبهم للنظر إلى الداخل طبعا بغاية التطهير والتغيير‪ ،‬وبأخذ المسؤولية المطلقة‬
‫من‬
‫داخل النفس‪.‬‬
‫ي من أشكال‬ ‫ال ندعو هنا أبدا‪ .‬أبدا‪ .‬أبدا إلى الحروب لرؤية الخير‪ ،‬وال ندعو إلى أ ٍّ‬
‫الدمار لتحفيز الحلول والتطور‪ ،‬فهذه احتماليّات فكريّة استنزَ فَت نفسها‪ ،‬بخوارجها‬
‫ي من‬ ‫المعروفة أصال لإلنسان‪ .‬ولكن ندعو هنا للرشد بالشدائد‪ ،‬والتنظيف الطاق ّ‬
‫ي‬‫الداخل‪ ،‬للخروج من دوائر الوعي المنخفضة‪ ،‬وخلق الفرصة للوعي ال َج ْم ِع ّ‬
‫لينهض من رماده‪ .‬هكذا يستيقظ طائر العنقاء‪ ،‬إلى حدو ٍد جديدة‪ ،‬ليُعبّر فيها عن‬
‫منظور الطبيعة األ ّم‪ ،‬وكودها األصيل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ي‪ ،‬وهذا‬‫التطور الشمول ّ‬‫ّ‬ ‫منظور‬
‫ي يفرض هيبته على الخليقة كافّة‪ ،‬وهنا‬ ‫التطور األصيل‪ ،‬هو كودٌ كون ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫لذا كود‬
‫مانديال ‪ Nelson Mandela‬رئيس جنوب أفريقيا‬ ‫ّ‬ ‫صة « نيلسون‬ ‫تراودني ق ّ‬
‫صة بلّورة ُ صارخةُ لمفهوم التطور الحقيقي‪.‬‬ ‫السابق‪ ،‬فبهذه الق ّ‬
‫ص‬‫مرة‪ ،‬وقَ ّ‬ ‫ّ‬
‫مانديال ّ‬ ‫صة من سيّدةٍ قالت إنها استضافت نيلسون‬ ‫قد سمعتُ هذه الق ّ‬
‫عليها هذه الحكاية‪ ،‬وسأعتذر هنا؛ ألنّي ال أذكر اسم هذه السيدة…‬
‫س ِجنَ في زنزاته الصغيرة في «روبن أيلند ‪Robben‬‬ ‫َّ‬
‫مانديال قد ُ‬ ‫من المعروف أن‬
‫‪ »Island‬ألول ‪ ١٨‬سنة من مجموع الـ ‪ ٢٧‬سنة التي قضاها في الحبس‪ .‬كانت‬
‫الظروف قاسية ِجدًّا داخل الزنزانة‪ ،‬التي توازي ‪ ٧‬أقدام مربّعه تقريبا‪ ،‬باإلضافة‬
‫س ّجانين‪ .‬تخيّل نفسك في هذه الزنازنة للحظة‪.‬‬ ‫للتعامل الس ِيّئ من ال َّ‬
‫مانديال يوميًّا ليبقي على رصانته الداخليّة؛ لكي ال يظهر بصورة الخائف‬ ‫ّ‬ ‫ناضل‬
‫يكررلنفسه‬‫مانديال بتقوية عزيمته يوميًّا‪ .‬فكان ّ‬ ‫َّ‬ ‫س َّجانين‪ ،‬لذا التزم‬ ‫المهزوم أمام ال َّ‬
‫يوميًّا عبارات التحفيز‪ :‬إني صامد‪ ،‬ولن أسقط‪ ،‬وهذه شدة آنيَّة وستزول‪ ،‬وال أحد‬
‫يستطيع أن يحيّدني عن قُ ّوتي‪ ،‬وفي هذا قَ ْد ٌر ُمعيّن من التمكين‪ّ ،‬إال أنّه شتّان بينه‬
‫وبين التمكين الصادق‪.‬‬
‫مانديال يصارع نفسه‬ ‫َّ‬ ‫ولنستكمل القصة‪ ،‬بعد ‪ ٣‬سنين على هذه الحالة‪ ،‬بقي‬
‫القوة الزائف‪ ،‬حتى أتت لحظة من اإللهام غيرت ك ّل هذا‪ ،‬أو كما‬ ‫والحراس وبقناع ّ‬ ‫ّ‬
‫مانديال للسيدة‪ « :‬أتتني فكرة ذات إحساس جديد‪ ،‬لم أعهده من قبل»‪ .‬هي‬ ‫ّ‬ ‫وصفها‬
‫فكرة من فضاءٍ آخر‪ ،‬أتت لتقول له‪ :‬ماذا لو لم يكن وجودك بالسجن اآلن‪ ،‬كشدة‬
‫وتزول‪ ،‬وإنّما هو أفضل مكان للتواجد فيه؟‬
‫سبُلَها بفضول‬ ‫ّ‬
‫مانديال‪ ،‬فتتبع ُ‬ ‫على ما يبدو‪َ ،‬و ْق ُع هذه الفكرة كان قويًّا على مسامع‬
‫طعما جديدا من األمل‪،‬‬ ‫بوابة أخرى‪ .‬فَت َ َحت له هذه الفكرة َ‬ ‫وشغف‪ ،‬لتأخذه معها إلى ّ‬
‫لم يكن ليذوقه من قبل‪ ،‬األمل الذي يهديك إلى طريق القلب‪ ،‬األمل المتجذّر‪ ،‬الذي‬
‫للتطور‪ ،‬والنهضة في النفس‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يح ّ ِول السجن إلى فرصة‬
‫مانديال أنه فعال هو اآلن بأفضل مكان بالعالم‪ ،‬ليتيح له الفرصة الذهبيّة‬ ‫ّ‬ ‫عندها أدرك‬
‫للنضوج الذهني والروحي والمهاري‪ ،‬إلى دور ال ُمعبّر عن رسالته القلبيّة‪ ،‬وفي‬
‫عمقها الرغبة الجارفة لقيادة عمليّة التصالح‪ ،‬وتقريب األطياف المشتّتة في جنوب‬ ‫ُ‬
‫مانديال‪ ،‬أنه ال يمكن أن يقود حملة المصالحة‬ ‫َّ‬ ‫أفريقيا‪ ،‬إلى جس ٍد واحد‪ .‬هنا اكتشف‬
‫لت الزنزانة الصغيرة في‬ ‫تحو ْ‬
‫هذه‪ ،‬وهو نفسه لم يجسد المصالحة في نفسه‪ .‬حينها ّ‬
‫ي مشتّتات خارجيّة‪« ،‬فَمادة»‬ ‫مانديال‪ ،‬إلى مساحة َرحْ َبة للتدريب‪ ،‬ومن دون أ ِّ‬ ‫َّ‬ ‫داخل‬
‫َّ‬
‫مانديال فيها‬ ‫تحولت «طاقيًّا» إلى حجرة للتدريب والشفاء‪ ،‬ليتع ّمق‬ ‫السجن الذهنيّة ّ‬
‫ي والمسامحة‪.‬‬ ‫برحلة التصالح الداخل ّ‬
‫َّ‬
‫مانديال‬ ‫التطور‪ ،‬هنا استجابت الحياة بالمثل‪ ،‬وأخذت‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫مانديال لقانون‬ ‫وعندما استجاب‬
‫ي‪ ،‬فبدأ اإللهام ينهمر عليه‪ ،‬وبدأ بكتابة رسائل المصالحة‪ ،‬كتعبير‬ ‫التطور ّ‬
‫ّ‬ ‫إلى تيّارها‬
‫َّ‬
‫مانديال من‬ ‫ُمطلق عن ذاته‪ ،‬والتي بدأت باالنتشار إلى الخارج‪ .‬وعندما خرج‬
‫السجن‪ ،‬كان جاهزا ليض ّم ك ّل االطياف إلى ال ُحكم‪ ،‬فهو نضج إلى الشخص القادر‬
‫على َحمل هذه الرسالة طا ِقيًّا‪.‬‬
‫س َّجانة احتاجا إلى التغيير لوالدة أمل جديد‪ ،‬ولكن طريقة التفكير‬ ‫فال السجن‪ ،‬وال ال َّ‬
‫من الداخل‪ .‬فعالم الوعي هو السيّد على عالم المادة‪ ،‬وليس العكس‪ ،‬وبهذا التغيير‬
‫التطوريّة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫لَ َم َع الخير الدفين في الموقف‪ ،‬والذي يعمل دائما وأبدا كخادم لرسالتك‬
‫ب للنداء؟‬ ‫فهل من ُملَ ّ ٍ‬
‫بالتطور األصيل…‬ ‫ّ‬ ‫لقوة األمل المتجذّر المقرونة‬
‫اإلبصار ّ‬
‫َ‬ ‫أكاد أجزم اآلن أنك بدأت‬
‫اآلن أريدك أن تت ّخيل‪ ،‬أن هذا ليس َّإال سطحية الحوار!‬
‫أيعقل هذا؟‬
‫التطور الكاملة‪ ،‬تعمل على مستوى يتعدَّى شخصنة الحوار‪ ،‬ولفهم‬ ‫ّ‬ ‫نعم‪ ،‬ألن حقيقة‬
‫تناس كيف يعمل قانون‬ ‫َ‬ ‫تناس للحظات كيف يخدمك قانون التطور‪ .‬أي‬ ‫َ‬ ‫المقصود‪،‬‬
‫التطور من أجلك‪ ،‬ولنس َع سويًّا إلى كونيّة الحوار‪.‬‬
‫فهل أنت جاهز للولوج إلى قانون التطور من مستوى الكونية؟…‬
‫للخوض في تفاصيل‬ ‫ْ‬ ‫التطور بمراح َل أربعة مغلقة‪ ،‬وهناك تح ٍدّ كبير‬ ‫ّ‬ ‫ي ُم ّر قانون‬
‫هذا «المربع المغلق»؛ ألنه سيأخذنا إلى كتاب آخر في صلب ميكانيكية التكوين‪.‬‬
‫َطي األساس‪.‬‬ ‫ولكن لغاية الشرح البسيط‪ ،‬سنُغ ِ ّ‬
‫الالمحدود إلى المحدود‪ ،‬كما أوضحنا في الوحدات‬ ‫تبدأ الخليقة بعملية التعبير‪ ،‬من َّ‬
‫ي من الطرق المتاحة‪ ،‬وهي ال محدودة‪ ،‬ليتحول‬ ‫األولى‪ .‬أي التعبيرعن الوجود بأ ٍّ‬
‫التعبير بعدها إلى خبرة ملموسة‪ ،‬وهذه المرحلة الثانية‪.‬‬
‫بعد هذه الخبرة «إن تم االرتقاء في الوعي»‪ ،‬سيتم استشفاء الدروس من الخبرة‪،‬‬
‫فتحصل الرفعة‪ ،‬وهذه المرحلة الثالثة‪ .‬وبعدها تأتي المرحلة الرابعة في رحلة‬
‫التطور الكونية‪ ،‬أيضا «إن تم االرتقاء في الوعي»‪ ،‬ليحدث اإلثراء‪.‬‬
‫لكي تستطيع مالمسة المقصود‪ ،‬فانظر لحياتك‪ ،‬أنت تعبير عن روح الوجود‪ ،‬وكل‬
‫لحظة تأخذ فيها خيار‪ ،‬فأنت تعبر أكثر فأكثر‪ .‬ومن هذا الخيار تتجلَّى خبرة معينة‬
‫ستتحول إلى رفعة في‬‫ّ‬ ‫َّ‬
‫استنبطت من نتائجها دروسا معينة وكاملتها‪،‬‬ ‫أمامك‪ ،‬فإن‬
‫وعيك النفسي‪ .‬وإن قمت بالتذكر بعدها إنك جزء من الكل‪ ،‬سيتحول هذا االرتقاء‬
‫من مستوى االرتقاء الشخصي إلى االرتقاء الشمولي‪ ،‬الذي تضيفه إلى شبكة‬
‫المعلومات في الوعي الجمعي‪ .‬هذا هو اإلثراء‪.‬‬
‫تطور في الوعي…‬ ‫فال إثراء من دون ُّ‬
‫اإلثراء هو نتيجة التعالي عن الدروس المستنبطة من الخبرة‪ ،‬من المستوى‬
‫الشخصي إلى الكوني‪ ،‬وكأنك تقول إن هذه الخبرة أحدَثَها الكون من خاللي‪ ،‬واآلن‬
‫َّ‬
‫مانديال قد أخذ‬ ‫له أن يأخذها في دوائر طاقية متواصلة لتبادل المعارف‪ .‬فنيلسون‬
‫هذه الرحلة الفردية‪ ،‬إلثراء الوعي الجماعي‪ ،‬بأهمية الغفران والتصالح الداخلي في‬
‫القيادة والتغيير؛ ولذلك يوجد اآلن نوع كامل من القيادة‪ ،‬يعرف باسم القيادة‬
‫بالتصالح الداخلي‪.‬‬
‫ستتحول إلى دروس‬
‫َّ‬ ‫فعندما يرتقي الوعي اإلنساني عن شخصنة الخبرة الشخصية‪،‬‬
‫في رفعة الوعي الشمولي لتضاف إلى كينونة الكون‪ ،‬فيرتقي الكون في وعيه؛ لذلك‬
‫نقول إن الرسالة الشمولية لكل الخليقة هي رفع الوعي‪ .‬فخبرتك الشخصية على‬
‫األرض فيها تطور لك‪ ،‬وكل ما في الكون‪ ،‬وفي النهاية سترى االنفصال الوهمي‬
‫بين االثنين سينجلي؛ لذلك مهما بدا الحدث أمامك معقّدا‪ ،‬وخاليا من األمل‪ ،‬فتذكر‬
‫أنه مهندس بقانون كوني؛ ليحمي «وجوب» التطور في داخله‪.‬‬
‫التطور‪ ،‬يتعدّى فهم الذهن المحدود برقعة المكان والزمان؛ لذا‬ ‫ّ‬ ‫هذا المستوى من‬
‫كالتطور مع مرور الزمان‪ ،‬لنعتبر فيه‬‫ّ‬ ‫فهو يتعدّى طريقة رؤيتنا لنظريّة التطور‪،‬‬
‫التطور في منحى الخطيّة‪ ،‬لجنس‬ ‫ّ‬ ‫كخط واح ٍد مستقيم‪ ،‬تحصل فيه عملية‬‫ّ‬ ‫الزمان‬
‫التطور‬
‫ّ‬ ‫التطور‪ .‬وأ ّما قانون‬
‫ّ‬ ‫ُمعيّن على مدار السنوات‪ ،‬هذا مفهوم القشور من‬
‫الكوني‪ ،‬فهو أسمى من ذلك بكثير‪ ،‬وأعمق من هذا بكثير‪ ،‬وفيه شموليّة رهيبة‪،‬‬
‫وتعدُّ ِديّة أكبر لألبعاد‪ ،‬وعلى مستويات الزمان والمكان كافة‪ ،‬وما بعدهما‪ ،‬واألهم‬
‫من هذا إنه يعمل ِوفق نظام الوحدة والمساوة‪.‬‬
‫فعندما يقوم شخص بقيادة اإلنسانية للتنوير‪ ،‬وشخص آخر بالسرقة‪ ،‬هما االثنان‬
‫من المنظور األعلى‪ ،‬فيهما نفس مستوى التطور واإلثراء للحياة‪ ،‬فمصدر الحياة له‬
‫القدرة السحريّة على استنباط الحكمة من كل‬
‫المواقف‪.‬‬
‫أرى اآلن عيونك تعترض فورا على ما قيل‪ ،‬وتعتبره شيئا من محاولة األذى‬
‫ي لك‪.‬‬ ‫الشخص ّ‬
‫ْ‬
‫استكمل‪.‬‬ ‫س‪ ،‬ثم‬‫استرخ‪ ،‬وتنفَّ ْ‬
‫ِ‬
‫س… ثم استكمل‪.‬‬ ‫استرخ ‪ ،‬وتنفَّ ْ‬
‫ِ‬ ‫أنا أعنيها‪،‬‬
‫ي درسا أعمق في قانون السبب والنتيجة‪ ،‬ومن قاد‬ ‫فمن سرق‪ ،‬سيُع ِلّم الوعي الجمع ّ‬
‫التنوير سيُعلم درسا في الهداية والوحدة‪ .‬وهذا ال يعني أنه ليس هناك نتائج طاقيّة‬
‫لألفعال على مستوى الشخص‪ ،‬طبعا هناك نتائج‪ ،‬ولكن لن يستطيع أي مخلوق أن‬
‫ط قبل التكوين‪ ،‬لغاية‬‫ي ُخ ّ‬‫التطور الشمولي؛ ألنه قانون روح ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫يطغى على قانون‬
‫اإلثراء‪.‬‬
‫ب المعاني الخَفيّة خلف الكالم‪.‬‬ ‫لتتشر َ‬
‫َّ‬ ‫لك أن تتنفّس اآلن مرة أخرى‪،‬‬
‫شخص في العالم هذا اإلحساس من التطور المتجذّر‪ ،‬للمس معه‬ ‫ٍ‬ ‫س ك ّل‬ ‫ولو لَ َم َ‬
‫حقيقة األمل المتجذّر‪ ،‬وعندها سنعيش بعالَم جديد‪ ،‬تختفي فيه المالمة والخوف‬
‫واالنكماش‪ ،‬ويرتقي فيه اإلبداع والسكينة والتعبير الناصع‪ ،‬عالم نرمي فيه أثقال‬
‫الماضي لنعيش في حالة تطور مستدامة‪.‬‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫* هناك ثالث مراحل لألمل‪ ،‬لتصل حالة األمل المتجذر‪.‬‬
‫لتطور الوعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ث في الكون فرصة‬ ‫* في ك ِّل حد ٍ‬
‫* ال يمكن أن يُخترق قانون التطور؛ ألنه قانون كوني سائد‪.‬‬
‫* عالم المادة‪ ،‬يتغير بتغير المحتويات الفكرية من عالم الوعي‪.‬‬
‫التطور ي ُم ّر بمراح َل أربعة لرفع الوعي‪ ،‬وبهدف اإلثراء‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫*‬
‫أسئلة للتفكر‪:‬‬
‫ث واح ٍد في حياتك اآلن‪ ،‬ال تريده‪ ،‬ماذا سيحدث إن رأيته كفرصة للتطور‬ ‫ف ِ ّك ْر بحد ٍ‬
‫وتعلم الدروس؟‬
‫ما هو الدرس الذي قد تتعلمه‪ ،‬عن نفسك‪ ،‬من هذا الحدث؟‬
‫ماذا سيحدث إن لم تتعلم هذا الدرس؟‬
‫لماذا التطور ُم ِه ٌّم في حياتك؟‬
‫َر ْميُأحْ مالُالماضي‬
‫ي األثقال التي تحملها على ظهرك‪،‬‬ ‫لت َسط َع حقيقتُك المتجددة على ما هي‪ ،‬وجب َر ْم ُ‬
‫المستمر لشريط الماضي‪،‬‬‫ّ‬ ‫ومن أكثر هذه األثقال وزنا هي الماضي‪ .‬فعند االنخطاف‬
‫وأشرطته المحروقة‪ ،‬فأنت تستهلك قدرا كبيرا من الطاقة‪ ،‬في محاولتك الخاسرة‬
‫ي بما مضى‪ ،‬إلبقاء المجهول مألوفا‪ ،‬من خالل مقارنة الحاضر‬ ‫للتشبُّث الذهن ّ‬
‫بمنشآتك الفكرية المعهودة‪ .‬تفعل ذلك إلعادة ذكريات السابق لمنظورك الحالي‪،‬‬
‫وهنا تُصاب الخبرة الحاليّة بالثّقل‪ ،‬والملل‪ ،‬والندم‪ ،‬والتج ّمد ال َمقيت‪.‬‬
‫هذا نقيض تماما لرحلة الذات األصليّة‪ ،‬وهي رحلة ت َجدّد وتلقائيّة‪ ،‬فالذات تتدفق‬
‫من فضاء اللحظة‪ ،‬خلود اللحظة‪ ،‬وليس من ذكرى الزمان‪ .‬وكيف يكون غير ذلك‪،‬‬
‫ت معقّدة‪ ،‬وال رحالت ذهنيّة في‬ ‫والتلقائيّة هي وليدة ُ اللحظة‪ ،‬وليست وليدة َ حسابا ٍ‬
‫تيار الماضي‪ ،‬نستنشق منها المقبول من غير المقبول‪ .‬فدع الماضي للمكان الذي‬
‫قوتك‬ ‫سك تتجذّر في قلب اللحظة‪ ،‬فهناك موطن ّ‬ ‫يعيش فيه‪ :‬قبر الزمان‪ ،‬ودع نَ ْف َ‬
‫األصيلة‪ ،‬وبراءتك التلقائيّة‪.‬‬
‫منهج التلقائية‪ ،‬هو مهد الذات األصلية‪ ،‬وهو يُلقي ببدعة الشخصيّة الثابتة إلى‬
‫صندوق الخرافات‪ ،‬محررة نفسك حينها من َو ْهم الثبات‪ ،‬لكي ال تَت َس ّمر كالحجر‪،‬‬
‫فتتحول إلى شك ٍل من البنيان الفكري الصلب‪ ،‬وإنّما تكون فيك تلقائيّة االنسياب‪ .‬هذه‬
‫حقيقتك األصليّة‪ ،‬وفيها تعابير الحياة ال ُمطلَقة‪ ،‬ويا إلهي ما أجمل هذه التعابير! فهي‬
‫كنسيم الهواء العليل في الصيف الرطب‪ ،‬تضيف به ارتواء للحياة‪ .‬وهذا سرنا‬
‫الصغير‪.‬‬
‫الذات األصليّة ليست شخصيّة متح ّجرة‪ ،‬وإنّما تلقائيّة التعبير في اللحظة‪.‬‬
‫الحرة‪ ،‬غير آ ِب َه ٍة‬
‫ّ‬ ‫هذه التلقائيّة هي عنفوان األطفال المتأ ّجج‪ ،‬وروح المرح‬
‫صفّى من أشكال القيود‬ ‫ي ُمتّقد‪ ،‬و ُم َ‬ ‫تعبير ثور ّ‬
‫ٌ‬ ‫«بالعيب» المبرمج‪ .‬فما األطفال ّإال‬
‫واألحكام كافّة‪ ،‬فالقيد ال يلمس روح الطفولة‪ ،‬وهي ُمنغمسةٌ في نشوة التعبير‬
‫الصادق‪.‬‬
‫نشوة اللحظة‪ ،‬وتعبيرها الصادق‪ ،‬لم ولن تسطع فيك‪ ،‬وذهنك يحدّد مسارات‬
‫َف من أن ترمي بأثقال الماضي اآلن‪ ،‬وتسمح‬ ‫ي‪ ،‬فال تَخ ْ‬ ‫الماضي كمعيار التعبير اآلنِ ّ‬
‫لعُمرانه القديم أن ينهدم بالغفران‪ ،‬فال جديد قادر على الوالدة‪ ،‬دون المساحة له‪.‬‬
‫المتكرر‬
‫ّ‬ ‫فعمليّة األصالة هي عمليّة متجدّدة‪ ،‬تنبع من َر ِحم اللحظة‪ ،‬وفيها السقوط‬
‫بنيان خدم رسالته‪ ،‬وأوفى خبرته‪ ،‬وآن الوقت لهدمه‪ .‬فعناصر‬ ‫ٌ‬ ‫ي قديم‪،‬‬
‫ُنيان فكر ّ‬
‫لب ِ‬
‫دامغ على ذلك‪ ،‬فما‬
‫ٍ‬ ‫الكون كافّة تعمل بالهدم والبنيان‪ ،‬ولك أن تنظر للطبيعه كدليل‬
‫فامش مع هذا الثابت الكوني‬ ‫ِ‬ ‫الفصول األربعه ّإال عمليّة هدم وبنيان متجدّد‪.‬‬
‫وإال أتت الحياة وأسقَطته رغما‬ ‫واحترمه‪ ،‬ودع الماضي يتساقَط ويتجدّد‪ ،‬باستمرار‪ّ ،‬‬
‫وبقوة الطبيعيّة‪.‬‬‫عنك‪ّ ،‬‬
‫ث قديمة‪ ،‬تقطن فيها هذه التفاسير في‬ ‫«تفاسير» محدودة ٌ ألحدا ٍ‬
‫ٌ‬ ‫فما هو الماضي ّإال‬
‫نقاط معينة من خطوط الزمان‪ ،‬لتُس ِقط َ ِوجهتها الفكريّة على ما هو قادم‪ .‬ووجهة‬
‫كنوز الخيارات ّ‬
‫الال‬ ‫ُ‬ ‫األفكار المقيّدة من ماضيك‪ ،‬هي من تستر كنوزك السماويّه‪،‬‬
‫محدودة‪ ،‬فحريّة االختيار‪ ،‬تقطن في فضاء اللحظة الساكن‪ ،‬التي لم يلمسها طائر‬
‫الزمان‪ .‬وكيف لطائر الزمان أن يلمس اللحظة‪ ،‬وهو الذي يُحلّق من داخل فضائها؟!‬
‫فالماضي ليس ما حدث‪ ،‬ولكن من «الفكرة» التي نُس ِقطها على ماذا حدث؛ ولذلك‬
‫أفكار تخضع‬
‫ٌ‬ ‫ث ماتت واندثرت‪،‬‬ ‫هو َو ْهم‪ ،‬نعم‪َ .‬و ْهم‪ ،‬فهذه األفكار نُسقطها على أحدا ٍ‬
‫لعوامل مختلفة قد تُخلّها من التوازن الفكري‪ .‬ومنها تحليالتك الشخصيّة‪ ،‬وآرائك‬
‫ضجك‬‫صنَة‪ ،‬وتفاسيرك لما حدث في مستوى نُ ِ‬ ‫ْ‬
‫والشخ َ‬ ‫الوقتيّة‪ ،‬وفَ ْلت َراتك الخا ّ‬
‫صة‪،‬‬
‫ع ْم ِر الخمس‪ ،‬أو الست سنوات؟‬ ‫في ذلك الوقت‪ ،‬فهل تثق بتحليالتك على ُ‬
‫ي تفسيراتك الحالية عن‬ ‫ّ‬
‫األدق أن نقول أن ت َْر ِم َ‬ ‫لذا آن األوان لترمي ماضيك… أو‬
‫الماضي‪.‬‬
‫وليس المعنى َم ْن َر َمي الماضي بالنسيان‪ ،‬أو التغافل‪ ،‬أو اإلنكار‪ ،‬فك ّل هذه ليست‬
‫بالحاالت الصحيّة‪ ،‬بل المطلوب هو التعلّم السريع من أحداث الماضي‪ ،‬واستنشاق‬
‫الحكمة منه‪ ،‬ومن ث َ ّم توديعه إلى المكان الذي ينتمي إليه‪ ،‬قبر الزمان‪ .‬فال تكن‬ ‫ِ‬
‫س َرقَت‬
‫ألن جارتها قبل أربعين سنة َ‬ ‫عمرها وهي تتّقد بالغضب؛ ّ‬ ‫َت ُ‬ ‫كجدّتي التي أفَن ْ‬
‫المتكررة إلحياء الماضي‪ ،‬قد‬‫ّ‬ ‫دجاجتها! فكميّة الطاقة المستنزفة في المحاوالت‬
‫تستعملها بفعاليّة أكبر باتّجاه اكتشاف الذات‪ ،‬وتشكيل رؤيتك المرغوب بها‪ .‬فال‬
‫اكتشاف الذات‪ ،‬وال الطاقة االبتكارية يسعون للّحاق بالماضي‪ ،‬فلماذا تفعل ذلك؟‬
‫ولكن قد تقول اآلن‪ :‬ماذا عن األلم الذي أحسسته بالماضي‪ ،‬كيف أنساه‪ ،‬أو أتركه؟‬
‫إن كنت قادرا على احتمال «حقيقة اإلجابة»‪ ،‬فسأجيب؟‬
‫واإلجابة‪ ،‬لم ال؟!‬
‫وسأكون عطوفا معك هنا وأقول‪ ،‬األلم هو ليست مسؤوليتك عند لحظة حدوثه‪،‬‬
‫ولكن حملك لمنظور األلم كل لحظة بعد انتهاء الحدث‪ ،‬هو مسؤليّتك الكاملة‪ .‬هي‬
‫مسؤليتك بالتمسك بنفس «المعنى القديم» على الحدث‪ ،‬والذي ليس له أية حقيقة في‬
‫هذه اللحظة‪ ،‬اآلن‪.‬‬
‫ولكن نظام الخوف فيك سيَتنص ُل من هذه المسؤولية بخدعته المعهودة‪ ،‬وبقوله ‪:‬‬
‫«بدّك أنسى الموقف وأسامح الشخص اللي أذاني؟!»‪.‬‬
‫إن كنت تُحب نفسك‪ ،‬فالجواب سيكون طبعا! أنت ال تسامح من أجل الشخص‪،‬‬
‫ولكن من أجلك‪ ،‬نعم من أجلك؛ ألنك تستحق أن تعيش أفضل‪ ،‬ألنك تستحق أن‬
‫تسمح أللم الماضي‪ ،‬بأن يحول نفسه إلى حكمة تمضي بك إلى مستقبل أفضل‪ .‬وهذا‬
‫ما سيحصل تلقا ِئيًّا عند التخلّي عن تعلقك بصحة «ماضيك»‪ ،‬وألمه‪.‬‬
‫وعند تركك لرحالت الماضي‪ ،‬ستذوق حريّة من نوع آخر‪ ،‬وهي حريّة الوجود‬
‫كما هو‪ ،‬غير ملوث بذكريات األسى والقيود‪ ،‬فما هو الماضي إن لم يكن غير‬
‫ذكرى؟‬
‫تأ ّمل في هذه الجملة للحظة…‬
‫ال ماضي يحيا من دون ذكرى؛ لذلك تغيير «وعي الذكرى»‪ ،‬هو تغيير للماضي‬
‫وتع ٍدّ له بالكامل‪، ،‬وبهذا هو تع ٍدّ ألحاسيس الماضي المقيّده‪ ،‬وفت ٌح ألحاسيس الروح‬
‫أحاسيس‬
‫ُ‬ ‫أحاسيس الذكريات‪ ،‬أو‬
‫ُ‬ ‫في اللحظة‪ .‬لهذا قد نقتسم األحاسيس إلى شكلين‪،‬‬
‫األول يلعب في بُعد الزمان الواهم‪ ،‬والثاني يلعب في بُعد الخلود‪.‬‬ ‫الروح‪ّ ،‬‬
‫مرة كنت في مخيّم تدريبي‪ ،‬بص ُحبة معلّم روحاني جميل اسمه «موجي‬ ‫فذات ّ‬
‫‪ ،»Mooji‬أمضينا هناك عشرة أيّام بالصمت الكامل‪ .‬في هذه األيام ال يُسمح لك‬
‫ي أنشطة فكريّة أخرى‪ ،‬فحتى النظر إلى‬ ‫بالكالم‪ ،‬الكتابة‪ ،‬التكلّم على الموبايل‪ ،‬أو أ ّ‬
‫صصة للتع ُّمق في ذاتك‬ ‫ألن هذه الفترة مخ ّ‬‫المشاركين اآلخرين غير مسموح؛ ّ‬
‫بصدق‪ .‬أذ ُكر عند اليوم السابع بدأ ذهني بالسفر إلى الماضي بقوة‪ ،‬ليُحضر إلى‬
‫تعر ْ‬
‫ضت لها في الماضي‪.‬‬ ‫السطح ك ّل أشكال المعاناة التي ّ‬
‫وفي لحظة معيّنة ارتقى مستوى الوعي عندي لمرحلة غير مسبوقة‪ ،‬ألرى أن ك ّل‬
‫ما «عانيت» به في السابق‪ ،‬هو نتيجة شخصنة هذه األحداث‪ ،‬وتصديق أفكاري‬
‫عنها‪ ،‬يعني أنا خلقت المعاناة! فليس الحدث الذي يداعبه ذهني‪ ،‬وإنّما التفاسير‬
‫الفكريّة التي أطلقتها عليه‪ ،‬فتارة أطلقت من هذه التفاسير ُحكما على نفسي بأنّي‬
‫ضعيف‪ ،‬وغير مرغوب‪ ،‬وتارة أطلقتُ بها مفهوما عن الناس‪ ،‬بأنهم ال ي ُِحبّونني‬
‫ت‬‫حولتُ تلك التفاسير إلى قرارا ٍ‬ ‫وال يحترمونني‪ ،‬وبذلك الحياة ال تحبني‪ .‬وتارة ّ‬
‫قطعيّة‪ ،‬بأنّي سأنغلق عن الناس‪ ،‬ومعها موهبتي على اإلحساس الحدسي الصادق‪،‬‬
‫المكرر‪ « :‬ليه بصير معي‬ ‫ّ‬ ‫وتارة أخرى‪ ،‬ش َّكلَت من هذه التفاسير سؤال الضحيّة‬
‫هيك»‪ ،‬أو لماذا يحدث معي ذلك؟‬
‫اللوام الداخلي‪ ،‬الذي يندب الحياة على المعاناة التي‬ ‫كان في هذا السؤال صوت َّ‬
‫ت بي ذلك؟ لماذا‬ ‫اختبرتها‪ ،‬فهو كالجريح الذي يخاطب روح الحياة قائال‪ :‬لماذا فعل ِ‬
‫ت بي ذلك؟ وفي العمق يتجلَّى عدم الرغبة الستكمال الحياة‪ .‬فحتى على حدّة‬ ‫فعل ِ‬
‫ي جز ٌء من ذهني ال ِعنا‬ ‫وتنوع التكنولوجيات الروحيّة في َجيْبي‪َ ،‬ب ِق َ‬‫ّ‬ ‫ذهني حينها‪،‬‬
‫ب في استكمال رحلة الحياة‪ ،‬وسؤال‪ « :‬ليه صار معي هيك»‬ ‫َير راغ ٍ‬ ‫لما حدث‪ ،‬وغ ُ‬
‫صة‪ .‬ومهما‬ ‫ص َمتهُ الشرسة على تجربتي الخا ّ‬ ‫بقي راقصا في الخلف بخلسة‪ ،‬طابعا َب ْ‬
‫ازدادت حنكتي الحدسيّة‪ ،‬بقي هذا السؤال صامدا‬
‫َحول هذا السؤال‬‫في الخلف‪ ،‬رافعا مناعته عن أي أساليب أستعملها للتخلص منه‪ ،‬ليت ّ‬
‫راسخ‪ ،‬وفي خلفيّته صورة الضحيّة التي أسقطتها من كيس الماضي‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫إلى ُمعت َق ٍد فكر ٍّ‬
‫إلى اللحظة‪.‬‬
‫وعندما ارتفع الوعي حينها‪ ،‬رأيت الماضي كما هو‪ :‬كأفكار محمولة في خط‬
‫األدق أن نقول دوائر الزمان؛ ألن الحركة الكونيّة لولبيّة‪ .‬ثم دَبّ الضحك‬ ‫ّ‬ ‫الزمان‪ ،‬أو‬
‫اضطر أحد‬
‫ّ‬ ‫ي‪ ،‬وليس الضحك العادي‪ ،‬بل نوعٌ من الضحك الهستيري‪ ،‬حتى‬ ‫ف َّ‬
‫المتطوعين هناك ألخذي لخيمتي؛ ألنّي لم أستطع التوقف عن الضحك ألكثر من‬
‫عشرين دقيقة‪ ،‬والمضحك أكثر‪ ،‬إني لم أكن قادرا على تفسير ما حدث من دون‬
‫منظور أعلى‪ ،‬كانت‬‫ٍ‬ ‫الكالم! فاستمررت بالضحك‪ ،‬وهو بدأ الضحك معي‪ .‬فمن‬
‫أن ك ّل هذه األحداث تخلو من وعي الضحيّة‪ ،‬وتخلو من‬ ‫هناك رؤيةٌ واضحة‪ّ ،‬‬
‫الشخصنة‪ ،‬وتخلو من التفاسير‪ ،‬وتخلو من االستنتاجات‪ ،‬وتخلو من األسئلة‪ ،‬وتخلو‬
‫من المعاني‪ّ ،‬إال التي اخترعتها بذهني الخائف حينها‪ ،‬لتصبح معتقدات راسخة‪،‬‬
‫يبني ذهني عليها أدلَّته الدامغة‪ .‬وفي هذه اللحظة بدأ الماضي باالنجالء‪ ،‬وبدأ التغيّر‬
‫بالحدوث‪.‬‬
‫إن بعد تلك التجربة‪ ،‬لم يعد للماضي وجودٌ في ذهني‪ ،‬بل‬ ‫لألمانة‪ ،‬ال أستطيع القول ّ‬
‫أن الفائدة الوحيدة للذهاب إلى الماضي‪ ،‬هو للتحرر‬ ‫بالتأكيد له‪ ،‬ولكن دبّ اليقين في ّ‬
‫الحكمة منها والتطور‪ ،‬وليس‬ ‫فقط‪ ،‬عن طريق شفاء المشاعر العالقة‪ ،‬الستخالص ِ‬
‫لغرض المالمة‪ ،‬والتكرار المقيت‪.‬‬
‫فشرعيّة المالمة لماضيك‪ ،‬أو ما تبدو عليه الشرعيّة‪ ،‬ما هي ّإال صوت المالمة‬
‫الخائف في ذهنك‪ ،‬يستر فيها مفاتيح رسالتك األصليّة‪ ،‬والتي تقبع فيما صميم ما‬
‫ظننت يوما أّنه سبب ألمك المحوري‪ ،‬لتلوم فيه الدنيا‪ ،‬البالد أو األشخاص‪ .‬أما‬
‫فالقائد الحق‪ ،‬فهو من انصاع إلصبع األلم‪ ،‬الذي ينادي عليه بِرقّة‪ ،‬ليجري هناك‬
‫وقوته الخفيّة‪،‬‬
‫أن في عمق هذا األلم‪ ،‬نداء الطبيعه لرسالته القلبيّة‪ّ ،‬‬ ‫بسرعة‪ ،‬فيكتشف ّ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬
‫وهذا ّ‬
‫وقوتك المستورة‪.‬‬
‫سبب ألمك يوما‪ ،‬ت َق َب ُع كودات رسالتك‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫في عمق ما ظننت أنّه‬
‫متدرب اآلن‪ ،‬ونكتشف مكان «عدم أمان» فيه‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫لذلك‪ ،‬عندما أعمل مع أ ّ‬
‫ي مخبَّأ فيه‪ ،‬فهنا ما نسافر عادة في بُعد الزمان‪ ،‬ونذهب إلى َمصدَر‬ ‫تر أللم فكر ّ‬‫ِس ٌ‬
‫ي عند الطفولة‪ ،‬وليس بغاية إصالح الماضي‪ ،‬فهذه المه ّمة المستحيلة؛‬ ‫األلم الفكر ّ‬
‫ألن الماضي غير موجود‪ ،‬ولكن بهدف شفاء العواطف العالقه هناك وتحريرها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫فيتحول الماضي حينها‬
‫ّ‬ ‫المتدرب الموقف الذي حدث من وعي أعلى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫هناك يستشعر‬
‫من أداةٍ لل َمال َمة المستمرة‪ ،‬إلى منطق السبب والنتيجة‪ ،‬وهذه أعلى حاالت الوعي‬
‫في رؤية الماضي‪ ،‬ليتحول فيه منظورالضعف إلى التمكين‪ ،‬وشكلية اللعنة إلى‬
‫الحكمة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سيتحول‬
‫ّ‬ ‫مكان أنقى من الشحنة العاطفيّة المكبوتة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫فعندما ترى موقف الماضي‪ ،‬من‬
‫الحكمة‪ ،‬وراف ٍد لتطور جديد في حياتك‪ ،‬وربّما لهذا قال دكتور‬ ‫الماضي لنوع من ِ‬
‫شحن ٍة عاطفيّة‪ ،‬هو‬ ‫«جو دسبينزا ‪ « :»Joe Dispenza‬إن الماضي من دون ُ‬
‫ِحكمة»‪.‬‬
‫ي‪.‬‬‫ماض ّ‬
‫شفيت المشاعر العالقة‪ ،‬تغير ِ‬ ‫وهذا شيء ألمسهُ يوميًّا‪ ،‬فكلّما ارتقى الوعي‪ ،‬و ُ‬
‫ومن الممكن أن تقول اآلن‪ :‬ولكن إيهاب ماذا تعني» بتغيير ماضيك»‪.‬‬
‫الماضي هو مساحة فارغة من األحداث‪ ،‬تضيف لها «فرشاة أفكارك» ألوانها‬
‫صة‪ ،‬وتفاسيرها المختلفة‪ ،‬لتصقل فيها نماذجك الفكريّة عن الحياة‪ ،‬وعن نَ ْفسك‪،‬‬ ‫الخا ّ‬
‫فتصبح نقاط جذب «مغناطيسية» في خطوطك الزمنية‪ ،‬حرفيًّا‪ .‬وعند ارتفاع‬
‫مستوى الوعي‪ ،‬بالتجذّر باللحظة‪ ،‬فقد ترى ماضيك بطريقة مختلفة تماما‪ ،‬ومعه‬
‫الحكمة الدفينة م َّما حدث لك في السابق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ستتحول إلى طاقة مغناطيسية‪ ،‬لتُحدّد ما تجذب في‬ ‫َّ‬ ‫تذكر أن تفاسيرك الذهنية‬
‫المستقبل‪.‬‬
‫ي في الماضي‪ ،‬على أنه‬ ‫مثال‪ ،‬في نفس المكان الذي فسرت فيه تن ُّمر الطالب عل َّ‬ ‫ّ‬
‫لت هذه الصورة إلى طاقة مغناطيسية‪ ،‬تجذب إلى نفسها‬ ‫تحو ْ‬ ‫ضعف في شخصيتي‪َّ ،‬‬
‫معايير متناغمة معها‪ .‬ولكن بعد نهوض الوعي من داخلي‪ ،‬والسماح لطاقة هذه‬
‫التفسير الجذابة بالزوال واالنهدام‪ ،‬رأيت تفسيرا مختلفا تماما‪ .‬رأيته من منطلق‬
‫القوة‪.‬‬
‫يتحول إلى الماس بسبب الضغط الشديد لصقل جوهره‪ ،‬وأنا أيضا جذبت‬ ‫َّ‬ ‫فالكربون‬
‫صغ َِري لنفسي؛ بسبب قوتي الروحية‪ ،‬التي أرادت‬ ‫كل هذه األحداث لحياتي منذ ِ‬
‫استخراج األلماس مني باكرا‪ ،‬وبإجباري للنظر إلى كل أماكن األلم المخبَّأة داخل‬
‫فضلُه‬ ‫عقلي الباطن‪ .‬هل هذه حقيقة؟ قد تكون كذلك‪ ،‬أو ال‪ ،‬ولكنه منظور تقديمي أ ُ ِ ّ‬
‫تحول النموذج الفكري عن نفسي من صورة الضعيف‬ ‫أكثر‪ ،‬وهذا يكفيني! هكذا َّ‬
‫إلى القوي‪ ،‬ومن بوابة نفس الماضي‪.‬‬
‫أن الماضي لن يُغ ِي َّر نفسه‪ ،‬ويفتح لك األسرار الدفينة عند ذاتك‪ ،‬إن‬ ‫ولكن تيقَّ ْن َّ‬
‫ي)‪ .‬بل عندما‬ ‫فعلت ذلك بقصد الشفاء العاطف ّ‬ ‫َ‬ ‫صي خلفه ( ّإال إن‬ ‫استمررت بالتق ّ‬
‫ض ذهنك من الغرق في بحار الماضي‪ ،‬لتتّضح لك الصورة األكبر في بُ ْع ِد‬ ‫ترو ُ‬
‫ّ‬
‫اللحظة‪ ،‬وترى أن ك ّل عناصر الكون‪ ،‬كانت وما زالت تعمل باتّجاه التطور‬
‫وحكمةٌ عميقة‪ ،‬وفيها‬ ‫خير عميق‪ِ ،‬‬ ‫ي‪ .‬فمهما حصل في حياتك‪ ،‬يقبع في روحه ٌ‬ ‫الشمول ّ‬
‫مت لدعم‬ ‫ص ِ ّم ْ‬
‫ت‪ ،‬و ُ‬ ‫وكأن أحداث الماضي‪ ،‬ومهما كانت‪ ،‬قد ُج ِبلَ ْ‬ ‫ّ‬ ‫مفاتيح التطور‪،‬‬
‫رسالتك األصليّة‪.‬‬
‫ومن الممكن أن تقول اآلن‪ :‬ولكن ماذا عند هذا الموقف الشنيع الذي حدث لي‪ ،‬فهل‬
‫ي ال ُمنكر‪،‬‬ ‫يجب أن أراه كخير؟ ال‪ ،‬لن نطلب منك ذلك‪ ،‬فهذا نوعٌ من التفكير اإليجاب ّ‬
‫وخصوصا عند وجود عواطف مشحونة‪ ،‬مقترنة بحدث الماضي‪ ،‬ولكن ما نريد أن‬
‫ت َفتح ثنايا ذهنك له‪ ،‬هو احتماليّة وجود الخير الدفين في باطن ك ّل حدث‪ ،‬حتى إن‬
‫لم تستطع أن تراه اآلن‪.‬‬
‫الوالدة له‪،‬‬ ‫ي‪ ،‬بل بخلق المساحة ّ‬ ‫منظور الخير الدفين لن يُفتح لك بالتفكير اإليجاب ّ‬
‫للمرور تلقائيًّا بمراحل الخيمياء الثالثة‪ :‬من سواد المشاعر‪ ،‬إلى بياضها‪ ،‬وإلى‬
‫لتحول إحساس األلم‪ ،‬إلى المنظور األعلى من‬ ‫ُّ‬ ‫ُحمرتها‪ .‬هذه األلون هي تلخيص‬
‫التمكين والحكمة‪ ،‬لينقل المنحى الذي ترى فيه موقف الماضي‪ ،‬من األلم إلى «فهم‬
‫تطورك‪ ،‬ليع ّم ذهنك بالسكينه والهدوء‪.‬‬ ‫ي»‪ ،‬يضاف به لمستوى ّ‬ ‫تقدم ّ‬
‫قوة الغفران‪ ،‬فما الغفران َّإال عملية‬ ‫ولهذا السبب بالضبط‪ ،‬يتحدث الكثير عن ّ‬
‫خيميائية دقيقة‪ ،‬لت َنجلي فيها العواطف العالقة‪ ،‬وتفتح بوابات الفهم على مصراعيها‪.‬‬
‫ُكرر ما فعله‪،‬‬ ‫الغفران ليس واجبا أخالقيًّا لتأديته‪ ،‬أو حتى نداء للشخص اآلخر لي ّ‬
‫ي مع من تريد الغفران معه‪ .‬فالغفران ال‬ ‫وهو بالتأكيد ليس إكراها للتفاعل المستقبل ّ‬
‫يعني ابدا إنك ستعيد الصداقة أو العالقة مع الشخص الذي سامحته‪ ،‬وال يعني إنك‬
‫لن ترفع عليه قضية بالمحكمة‪ .‬فالغفران ليس له أي عالقة بالخطوة التس ستخطوها‬
‫لر ْمي أثقال المنظور‬ ‫أو ال تخطوها بعده‪ ،‬وإنما هو تفريغ لمشاعر األلم والغضب‪َ ،‬‬
‫وأول من يحتاج هذا الغفران هو أنت‪.‬‬ ‫القديم‪ ،‬والفتح لمستوى فهم جديد عن ذاتك‪ّ ،‬‬
‫مكان‪ ،‬فهو أوصلك على‬ ‫ٌ‬ ‫وعند الفهم األعمق «لخير» ما حدث‪ ،‬ال يعود للغفران‬
‫ليتحول الماضي لما يجوز‬ ‫ّ‬ ‫كتفه المشدود للموقع المنشود‪ ،‬وهو الشكر على ما حدث‪،‬‬
‫كحكمة خادمة لرسالتك‪.‬‬ ‫أن يكون عليه‪ِ ،‬‬
‫أن ك ّل التنمر‪ ،‬واالستضعاف‪ ،‬والقيود المجتمعيّة التي‬ ‫فاآلن أرى بوضوح الشمس‪ّ ،‬‬
‫المحرك لرسالتي‪ ،‬والتي في روحها دعوة شموليّة‬ ‫ّ‬ ‫اختبرتها‪ ،‬هي نفسها الوقود‬
‫ولكن تفاسيري ألحداث‬ ‫َّ‬ ‫أن الماضي لم يتغيّر‪،‬‬ ‫لألصالة والوحدة التمكين‪ .‬فالجميل ّ‬
‫الماضي تغيّرت‪ ،‬هي تغيّرت من الغضب إلى الفهم‪ ،‬ومن المالمة إلى االمتنان‪.‬‬
‫لداعم لرسالتي‪ ،‬فلوال‬
‫ٍ‬ ‫تحول الماضي في ذهني من ُمعرق ٍل ضخم‪،‬‬ ‫أرأيت كيف ّ‬
‫إحساسي بألم رفض الذات‪ ،‬والمشي في رحلة الفارس لتحويله‪ ،‬لما انبثق من قلبي‬
‫ُحبّ التغيير الصادق‪ ،‬وفيه القيادة المستنيرة لشغف التعبير الصادق‪ .‬فكيف لوقود‬
‫سوا أنهم مرفوضون‪،‬‬ ‫التغيير أن يتّقد‪ ،‬بدون إحساسي العميق بالتعاطف‪ ،‬لمن أح ّ‬
‫ومستضعفون‪ ،‬كما كنت أصدّق واهما في نفسي‪.‬‬
‫وهذا ما يفعله الكتاب تلقائيًّا‪ ،‬بنقل وعيك من رفض وجودك كما هو‪ ،‬لفضاء التقبّل‬
‫عم ِقها نقلةٌ َم ِرنَة لنقطة تركيزك من الخارج إلى الداخل‪ ،‬حتى‬ ‫ّ‬
‫الال محدود‪ ،‬وفي ُ‬
‫ينهار هذان البعدان بالذوبان‪ ،‬لترى أنهم في عمقهم واحد‪ ،‬روح واحدة‪ ،‬ت َقبّل واحد‪،‬‬
‫ي هو أن يُغريك بخفّ ٍة لفضاء الذات‪،‬‬ ‫خالقة واحدة‪ .‬فمسعى الكتاب الباطن ّ‬ ‫وقوة ّ‬
‫ّ‬
‫وبواباته للحظة‪ ،‬ذلك الفضاء الذي لم ولن يشتري قصص الخوف المثقلة عن‬
‫الماضي‪ ،‬وهنا‬
‫تبدأ عمليّة شفائك الفوري‪ .‬فالشفاء الحق هو العودة إلى عمق ذاتك‪ ،‬والذي ال يحتاج‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬
‫الشفاء أصال‪ ،‬وهذا ّ‬
‫الشفاء الحق‪ ،‬هو ليست عمليّة إصالح للماضي‪ ،‬وإنّما بتذ ّكر ذاتك األصليّة‪ ،‬التي‬
‫ال تحتاج الشفاء أصال‪.‬‬
‫متدربة جديدة‪ ،‬طلبتُ منها‪ ،‬وكعادتي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المرات‪ ،‬عندما بدأت العمل مع‬‫ففي إحدى ّ‬
‫أن تُجيب على مجموعة من األسئلة التي أبعثها قبل بدأ التدريب‪ ،‬وفي أحد األسئلة‬
‫كانت إجابتها «أنها مكسورة من الماضي»‪ .‬بالطبع عندما بدأنا التدريب‪ ،‬قمتُ‬
‫أن الشفاء ليس عمليّة إصالح لكسور‬ ‫بالتركيز على هذه النقطة‪ ،‬ألساعدها أن ت َ ِعي‪ّ ،‬‬
‫الماضي‪ ،‬وإنّما العودة لذلك النقي فيك‪ ،‬الذي لم‪ ،‬ولن يُكسر‪.‬‬
‫وهنا لن نحتاج إلى مئات الجلسات‪ ،‬للتحدث عن طفولة المتدربة‪ ،‬وانكساراتها‪،‬‬
‫لنضيع سويًّا بدوائر مغلقة من التحليل الذهني‪ ،‬ما فيها ّإال التأكيد على صورة‬
‫المنكسر‪ ،‬وفي الحقيقة «أنّك مكسور»‪ ،‬وتحتاج اإلصالح‪ ،‬هي بذاتها ليست ّإال‬
‫أن في‬ ‫فإن الشفاء الحقيقي هو ليس بإصالحك‪ ،‬وإنّما التذكر ّ‬ ‫مجرد َوهم‪ .‬لذا ّ‬
‫ّ‬ ‫فكرة‪،‬‬
‫ي الكامل‪ ،‬وليس المكسور‪ ،‬وهذا ال يحتاج وقتا أكثر‪ ،‬بل نَقلة في‬ ‫ذاتك يقبع الح ّ‬
‫أن الزمن يشفي جراح الماضي‪ ،‬فليس‬ ‫تظن كما تعلّمنا من المجتمع‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫المنظور‪ .‬فال‬
‫ي الكائن فيك‪ ،‬وهو الشافي‪.‬‬ ‫الزمن بشافٍ للجراح‪ ،‬بل التغير بالمنظور‪ ،‬لت َذ ّكر النق ّ‬
‫وبهذا التوضيح‪ ،‬وبك ّل ما ذكرنا عن «الماضي» حتى اآلن‪ ،‬نأمل أن يسطع من‬
‫داخلك الوضوح‪ ،‬لترى الماضي كم هو ذكرى! الماضي ال يقطن ّإال بذهنك كذكرى‪،‬‬
‫وأما الحقيقة ال تقبع ّإال في فضاء اللحظة‪ ،‬اآلن‪ .‬في هذا الفضاء تعدّي لكلمة الماضي‬
‫المكرر‪ ،‬وفتح على أفكار جديدة‪ ،‬ومعها عوالم جديدة‪.‬‬
‫لتبَقى في هذا الفضاء المتجدّد‪ ،‬سأقترح عليك تمرينا ذهنيًّا بسيطا‪ ،‬ولكنّه غاية‬
‫مدرب أتاني‬‫بالتأثير‪ ،‬وال أقدر أن أدّعي أنّي اخترعت هذا التمرين‪ ،‬فقد تعلّمته من ّ‬
‫ي على مدار أربعة أيام‪ ،‬وهذا‬ ‫صيصا لتدريبي بشكل شخص ّ‬ ‫من هاوي السكتلندا‪ ،‬خ ّ‬
‫التمرين من أهم ما التقطتُّهُ منه‪ ،‬وهو يُدعى «حتى اآلن»‪.‬‬
‫حتى اآلن‪ ،‬هي من أفضل الطرق للتعامل مع محدّدات الماضي‪ ،‬ووهم الشخصيّة‬
‫المحدودة‪ ،‬فماذا نعني بحتى اآلن؟ سنوضّح ذلك ببعض التطبيقات العمليّة‪ ،‬مثال قد‬
‫ي صار ٌخ‪ ،‬وبالعهد ال ُمطلق‪،‬‬ ‫تقول‪ »:‬إنّي ال أذكر أسماء الناس»‪ ،‬وفي هذا إعالن أبد ٌّ‬
‫أنّك ستستكمل باقي حياتك بهذه الطريقة‪ .‬ولكن عندما تقول أنا ال أذكر أسماء الناس‪،‬‬
‫حتى اآلن‪ ،‬فأنت تفتح المجال للتغيير‪.‬‬
‫صادق بالمكان الذي أنت فيه اآلن‪ ،‬وبنفس الوقت‬ ‫ٌ‬ ‫اعتراف‬
‫ٌ‬ ‫في جملة حتى اآلن‪،‬‬
‫قلت‪ :‬أنا ال أذكر أسماء الناس‪ ،‬حتى‬ ‫فَت ُح المجال الكامل لالختيار والتغيير‪ ،‬فإن َ‬
‫اآلن‪ ،‬فأنت قادر على التغيير حينها‪ ،‬والبدء بتعلّم استراتيجيات جديدة لتذ ّكر األسماء‪.‬‬
‫وللتوضيح أكثر‪ ،‬دعنا نأخذ مثاال آخر على ذلك‪ ،‬ودعه يكون‪ :‬أنا ال أعرف أن‬
‫أدير المال‪ ،‬ولنحولها إلى‪ :‬أنا ال أعرف أن أدير المال‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬وبهذا لديك‬
‫الفرصة لتأخذ قرارا جديدا‪ ،‬للبدء بتعلّم كيفيّة إدارة المال‪ .‬كما ترى «حتى اآلن»‪،‬‬
‫المكررة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تخلق فاصال في أنماط الماضي‪ ،‬وتُحدِث إضرابا فجائيًّا باألنماط الفكريّة‬
‫لتُعطي مساحة جديدة من االختيار والتجديد‪ ،‬فحتى اآلن تذكرك أنك تعيش في لحظة‬
‫الال محدودة‪ .‬هي احتماليات «عارية» من الخوف‪ ،‬واألحكام‪.‬‬ ‫من االحتماليات ّ‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫* الماضي هو «وعي ذكرى»‪.‬‬
‫* عند ارتفاع وعيك الحالي سيتغيّر ماضيك‪.‬‬
‫ي شخص آخر‪.‬‬ ‫* الغفران هو جا ٍل للماضي‪ ،‬وهو من أجلك‪ ،‬وليس أل ِّ‬
‫ي ُمقيّد فكري تطلقه على نفسك سترجع إلى عالم‬ ‫* عند إضافة «حتى اآلن» أل ّ‬
‫االحتماليات ّ‬
‫الال محدودة‪.‬‬
‫أسئلة للتفكر‪:‬‬
‫لو تركت ك ّل مقيّدات الذهنية من الماضي لعشر دقائق فقط‪ ،‬كيف ستختبر الحياة‬
‫اآلن؟‬
‫ماذا سيحدث لو تصالحت مع ماضيك؟‬
‫ماذا لو كان الماضي الذي اختبرته ُمهندَسا لخدمة رسالتك؟‬
‫من أنت من دون ماضيك؟‬
‫قوةُالعري‬
‫ّ‬
‫ال تُالقى عادة كلمة العري بالترحاب والتهليل‪ ،‬وإن أردت الدليل على ذلك‪ ،‬تج ّرأ‬
‫ع ِ ّر نفسك‪ ،‬هذا ألن المجتمع ألبس كلمة العري «رداء العار»‪،‬‬ ‫أن تقول لشخص ما‪َ :‬‬
‫مغلّفا إيّاها بكثير من القبح واالشمئزاز‪ ،‬لتصبح كلمة العري قرينة الدعارة‪ ،‬وهي‬
‫بالحقيقة طريق االستنارة!‬
‫طريق التنوير الحق‪ ،‬هو طريق التعرية وليس اإلضافة‪ ،‬فاإلضافة بالتعريف‪ ،‬تعني‬
‫أن المضاف إليه‪ ،‬في كينونته خزي وإرباك‪ ،‬وهذا يتنافي مع عقائد الكون األصلية‪،‬‬
‫تنص على أن الخلق كامل‪ ،‬ومكتمل بذاته‪ ،‬وهذا ِس ّرنا الصغير‪.‬‬‫ُّ‬ ‫والتي‬
‫الخلق مكتمل بذاته‪.‬‬
‫صفة الكمال هي في روح الخلق والخالق؛ لذا يجب أن يكون الكمال صفة الخليقة‪،‬‬
‫وال نتكلم هنا عن مفهوم الكمال المشروط بشكل معيّن‪ ،‬أو أسلوب معيّن‪ ،‬أو منطق‬
‫معيّن‪ ،‬وإنما هو كمال الخلق كما هو‪ .‬هو كود روحي مشفّر في قلب الخليقة‪.‬‬
‫فـأنت كما أنت‪ ،‬كامل‪ ،‬نعم أنت كامل‪ ،‬و ُمبهر‪ ،‬وجميل‪ ،‬وساحر‪ ،‬وال تحتاج الغطاء‬
‫لتش ّع هذه الصفات‪ ،‬بل على العكس تماما‪ ،‬فالغطاء يبشعك ويثقلك‪ .‬وهو أيضا يغذّي‬
‫عقلك الباطن ببرمجة العار‪ ،‬والتي تقول في لغتها الملعونة‪ :‬إن وجودك كما هو‬
‫معاب‪ ،‬أو كما اعتدنا بلغة الكتاب‪ :‬أنت كما أنت لست كفاية‪ .‬هذا هو محرك نظام‬
‫الخوف الدائم‪ ،‬والذي أُبرز لنا في طرق مختلفة ومنها روايات الزمان وحكاياتها‪،‬‬
‫كما في قصة الخلق‪.‬‬
‫العار يظهر في قصة الخلق كالعاطفة األولية بعد السقوط‪ ،‬فمثال عند النظر إلى‬
‫قصة آدم وحواء‪ ،‬نلمح الحاجة إلى التغطية الفورية لحظة السقوط من الجنة‪ ،‬وفيها‬
‫رمزية السقوط من وعي الوحدة إلى االنفصال‪ ،‬بعد األكل من تفاحة المعرفة‪.‬‬
‫تفاحة المعرفة قد ترمز إلى أحقية الذهن الوهمية في «الحكم» على األمور‪ ،‬من‬
‫الصحيح والخاطئ‪ ،‬ومن معرفة بشرية محدودة‪ .‬هنا ولدت الحاجة إلى تغطية ما‬
‫كان خاطئا‪ ،‬أو معابا في تكوينه‪ ،‬كنتيجة لهذا األحكام السطحية‪ ،‬والتي ال ترى‬
‫الكمال خلف االزدواجيات‪.‬‬
‫لذا بدائية العار تحكم اإلنسان منذ قدم الزمان‪ ،‬وقد أتى اآلن الوقت الحتراقها‪،‬‬
‫طهرا وال إجالال‪ ،‬وإنما يُرهقها بلعبة االختباء‪ .‬بالعار‬ ‫فالعار ال يضيف لنفسك ُ‬
‫ستُخبئ نفسك من نفسك‪ ،‬لتسكن في ظلمات النفس‪ ،‬وهذا ما أطلق علية «كارل يونج‬
‫‪« »Carl Jung‬بالجانب المظلم ‪ .»shadow side‬هو ذلك الجزء منك الذي يقبع‬
‫في ظالل النفس‪ ،‬ال يأتيه نور‪ ،‬وال هواء‪ ،‬وال ماء‪ ،‬فأنت ال تدري أنه منك‪ ،‬ولكنه‬
‫يستعبد نفسك بسلوكيات غير مفهومة عنك‪ .‬يستعبدك بكرهك له‪.‬‬
‫الجزء المظلم منك هو الجزء الذي رفضته‪ ،‬وسلمته نيشان العار‪ ،‬فال هو انفصل‬
‫عرف فيك؛ ألنك أنكرته‪ ،‬لذلك اختر االختباء في دواخلك‪.‬‬ ‫عنك ألنه منك‪ ،‬وال هو ُ‬
‫اختبئ في سراديب النفس الداخلية‪ ،‬ومن ثم اقفل عليها بالبوابات الحديدية‪ ،‬فأصبح‬
‫«كالسجين» داخل نفسك‪ .‬هو سجين «الظلم» المهول‪ ،‬يحرسه « ُجند» الغضب‬
‫المهول‪.‬‬
‫قوة على وجه‬ ‫ولكن الحقيقة تقول إن الظلم الحقيقي هو ظلم النفس‪ ،‬وبإخفائها‪ ،‬فال ّ‬
‫الخليقة تقوى على ظلمك‪ ،‬إن لم تكن أنت ظالما لنفسك‪ ،‬وبإخفائها‪ ،‬تماما كما أنه ال‬
‫تتحول إلى‬
‫ّ‬ ‫قوة تقدر على كرهك إن لم تكن أنت كارها لنفسك‪ ،‬فقوى الظلم والكره‬ ‫ّ‬
‫المارد الخادم لمن اختار حقيقته كما هي‪ .‬بصورة أدق‪ ،‬فكل قوى الكون‪ ،‬وحتى‬
‫تتحول إلى طاقة التمكين لمن اختار حقيقته‪ ،‬خيار «كن أنت»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الحاقدة منها‪،‬‬
‫⁠« كن أنت»‪ ،‬هي ليست إظهارا لجانب معين منك‪ ،‬وإخفاء لآلخر‪ ،‬وإنما تعرية كاملة‬
‫للنفس اإلنسانية‪ ،‬وهذا هو مفهوم التزكية الحق‪ ،‬فتزكية النفس هو بتنويرها من‬
‫ظلمات ال َخ ِفيّة‪ ،‬والتعتيم واالختناق‪ ،‬فيرتقي ما كان قابعا منك في الظالم إلى طريق‬
‫الرقي والتكامل النفسي‪ ،‬ومع باقي األجزاء ‪.‬‬
‫فلك الخيار‪ ،‬إما باإلخفاء‪ ،‬أو العري التدريجي‪ ،‬واألول سيكون نتيجته العذاب‬
‫الحتمي‪ .‬هذا ألن إخفاء النفس‪ ،‬هو أشبه بإخفاء طفلك في خزانة مظلمة؛ خوفا من‬
‫الزوار عليه‪ ،‬وهو في األصل الخوف من عدم توازى عف ِويّته مع «قوانين‬ ‫ّ‬ ‫حكم‬
‫النَّبالة االجتماعية»‪.‬‬
‫وليس هذا فحسب‪ ،‬بل نسيانك لوجود هذا الطفل‪ ،‬لدرجة إنكاره‪ ،‬فال هو ينضج مع‬
‫منظور روحي‬‫ٍ‬ ‫نضوجك‪ ،‬وال يرتقي مع ارتقائك‪ ،‬بل يختنق في حجرة الخزانة‪ .‬ومن‬
‫أسمى‪ ،‬هو االختناق في حجرة الزمان والمكان‪.‬‬
‫أتظن طفلك الداخلي سيفرح بذلك؟!‬
‫وقررت فتح ما في الخزانة‪ ،‬فطبعا ستواجه غضب الطفل‬ ‫فإن أتاك نور الحكمة‪ّ ،‬‬
‫وأحزانه‪ ،‬ومعه دور المظلوم الذي يجسده‪ ،‬وواقعه ال ُمتجلي مع هذا الدور‪ ،‬من‬
‫ظالم والمستغلين‪ ،‬وأنت الخالق لكل هذا‪ .‬وستواجه أيضا طريقة الطفل‬ ‫سالسل ال ُ‬
‫الخاصة بالتعبيرعن ك ْب ِت ِه المتواصل‪ ،‬وقد تكون برفض التواصل معك‪ ،‬أو التمرد‪،‬‬
‫أو حتى معاقبة النفس لصون كبريائها‪ ،‬أو غيرها من تعابير األلم والكبت‪.‬‬
‫ومن مشى في رحلة التعرية يعرف تماما معاني هذه الحروف‪ ،‬ويعرف التحدّيات‬
‫العاطفية لعملية التعرية؛ ألنه عند التعرية يُرى المكشوف كما هو‪ ،‬والذي قد يكون‬
‫صادما لك في الوهلة األولى‪ .‬هي الصدمة‪ ،‬بأن ترى أنك بجهلك وضعت طفلك‬
‫داخل الخزانة‪ ،‬وأغلقت عليه‪ ،‬وليس هذا فحسب‪ ،‬بل ألصقت على فمه لواصق‬
‫مختلفة لمنعه من الكالم؛ خوفا من أحكام المجتمع عليه‪.‬‬
‫ومسؤوليتك‪ -‬نعم مسؤوليتك‪ -‬أن تتعامل مع هذه االختالالت النفسية حتى يرجع‬
‫التوازن لطفلك‪ ،‬ليتط ّهر أل ُمهُ بعماد التقبّل والحنان‪.‬‬
‫وهذا النضوج لن يقتصر فقط على كشف زيفك الداخلي‪ ،‬بل على زيف النفس‬
‫اإلنسانية ككل‪ ،‬وماذا فعلت‪ ،‬وأنت شريك بهذا‪.‬‬
‫فماذا فعلت النفس اإلنسانية؟‬
‫َّأت أطفالها المجروحين في خزائن حديدية في قاع المحيطات‪ ،‬وأحاطتهم‬ ‫خب ْ‬
‫بطبقات مرجانية‪.‬‬
‫هي طبقات االنفصال‪ ،‬بل َو ْهم االنفصال‪.‬‬
‫هل ما يقال هنا يثير غضبك؟‬
‫واسترخ‪ ،‬ودع لنفسك الفرصة الستقبال المعارف والشفاء‪ ،‬حتى‬ ‫ِ‬ ‫جميل… إذا تنفس‬
‫تعري نفسها من تيارات اإلنكار‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫شخصيًّا عندما اكتشفت حجم اإلنكار اإلنساني لما فعل ويفعل‪ ،‬عن طريق األحكام‬
‫صدمت‪ ،‬ولكني أيضا نضجت‪ .‬فإن أخلت الصدمة األولى‬ ‫واإلسقاطات الخارجية‪ُ ،‬‬
‫توازني‪ ،‬فهي نبهتني أيضا ألهمية «خيار العري» لنفسي وللكل‪ ،‬هو خيار التقبُّل‬
‫وحب الذات‪.‬‬
‫تذكر أن َملكة الخيار قائمة دائما وأبدا…‬
‫بعد هذه الصدمة عاهدت نفسي بالتزام طريق التعرية على اإلنكار‪ ،‬فهو طريق‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬وهو ليس بالخيار السهل‪ ،‬ولكن لروح الحكمة خيارها الوحيد‪،‬‬
‫خيارها المنطقي‪ ،‬منطق النظام الواحد‪ .‬وبأخذي هذا العهد الصارم‪ ،‬بدأت حرقة‬
‫النار بالتعالي‪ ،‬هي نار الخيمياء التي تحرق لباس الزيف‪ ،‬فتحرقه برهبة التعاطف‬
‫شنَّاها‪ ،‬وغذَّيْناها‪ ،‬وتفاخرنا بها إلى‬
‫لتحول هويات االنفصال التي د َّ‬ ‫وبراءة األطفال‪ّ ،‬‬
‫رماد مسحوق‪.‬‬
‫عرفت نفسك بالحارق استمتعت‪ ،‬وإن‬ ‫عرفت نفسك بالمحروق‪ ،‬عانيت‪ ،‬وإن َّ‬ ‫فإن َّ‬
‫عرفت نفسك «بالوعي الشاهد» للحارق والمحروق‪ ،‬وهذه حقيقتك‪ ،‬خلصت! وهذا‬ ‫َّ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬
‫أنت لست حارق الزيف‪ ،‬وال الزيف المحترق‪ ،‬وإنما الوعي المراقب لهما‪.‬‬
‫وهل انتهى االحتراق؟‬
‫ال‪ ،‬فنار التطهير المقدسة هي عملية مستمرة استمرار الحياة‪ ،‬فالعري أسلوب حياة‪،‬‬
‫وليس حدثا واحدا‪.‬‬
‫ولك ِنّي أظن أن في حياة المرء تأتي اللحظة التي يقول فيها‪ :‬كفى! كفى مجاملة‪،‬‬
‫وتملّقا‪ ،‬ووضعا لألقنعة‪ ،‬كفى‪ ،‬فقد قَرفت نفسي من نفسي‪ ،‬وحرقت القناع اآلن‪،‬‬
‫أهون علي من العيش الزائف‪.‬‬
‫وهذا ما حصل معي…‬
‫واسمح لي هنا بأن أشاركك معك اللحظة التي قلت فيها كفى‪.‬‬
‫في مرة سافرت إلى أيرلندا مع صديقي «كريس»‪ ،‬نهدف سويًّا ألخذ جلسة من‬
‫التشافي الروحي الخاص‪ ،‬باستخدام أساليب متأصلة من حضارة المعالجين‬
‫الالتينية‪ .‬ذهبنا إلى المكان وكلنا شوق وحماس‪ ،‬حتى التقينا‬ ‫األصليين في أمريكا ّ‬
‫مع المعالج‪.‬‬
‫بدأ المعالج بالتكلم معنا‪ ،‬وما علينا فعله‪ ،‬ومن دون االستطالة بالشرح قادنا إلى‬
‫مكان التشافي‪ .‬مشينا سويًّا عبر السهول الخضراء‪ ،‬وهواء أيرلندا العليل يتراقص‬
‫داخل صدورنا‪ ،‬والذي زار ريف أيرلندا يعرف نقاء الهواء فيها‪ ،‬والجمال المذهل‬
‫لسهولها‪ ،‬هي سهول سحرية متو ّهجة ترتدي رداء الخضرة على مدّ النظر‪ .‬سرنا‬
‫على هذه السهول حوالي ربع الساعة‪ ،‬قبل أن نصل إلى المنطقة المنشودة‪.‬‬
‫عند الوصول هناك‪ ،‬بدأ قلبي بالخفقان سريعا‪ ،‬فعند االقتراب من مواجهة نفسك‬
‫بعمق أكبر‪ ،‬يعرف نظام الخوف فيك ماذا سيحدث‪ ،‬وطريقته الوحيدة لتالفي ذلك‪،‬‬
‫بتفعيل منبّهات الخوف في جسدك‪.‬‬
‫تيقّنتُ لهذه المنبهات‪ ،‬وتنفّست‪ ،‬وأبعدت تركيزي عنها‪ ،‬وو ّجهته إلى النهر الريّان‬
‫ي حكايته المفضلة‪« :‬ما تفكر كثير‪ ،‬وامشي مع التيار»‪.‬‬ ‫أمامي ليقص عل َّ‬
‫أخذت نصيحة النهر‪ ،‬وقفزت إلى عملية التشافي…‬
‫هناك اختبرت مباشرة‪ ،‬رهبة العُ ْري‪.‬‬
‫عري الملبس‪ ،‬بل العري األكبر‪:‬‬
‫َ‬ ‫العُ ْري الذي أتكلّم عنه هو ليس‬
‫الموت…‬
‫نعم هناك اختبرت‪ ،‬وبحق اليقين ونوره‪ ،‬المعنى الكامل للموت واإلحياء‪ ،‬لينجلي‬
‫بعدها هذا الخوف من كياني تماما‪ ،‬فالموت لي اآلن مدعاة للفرح‪ ،‬والسرور‪،‬‬
‫واإلجالل‪ ،‬وحتى مدعاة لالحتفال!‬
‫الموت هو نهج حياة أسلكه‪ ،‬أتراقص بين حلقاته المتكررة‪ ،‬كعالمة على البدء‪،‬‬
‫والتجديد‪.‬‬
‫ض ّم رحلة الموت ستجد رحلة‬ ‫من خبرة الموت تلك وغيرها‪ ،‬عرفت أنه في ِخ َ‬
‫الخلود‪ ،‬والتي قد نس ّميها أيضا برحلة العُ ْري‪ ،‬فال سبيل لمعرفة الذات الخالدة‪ ،‬من‬
‫غير التعرية الكاملة للذات الزائفة‪ .‬أيضا هناك في هذا السهل عرفت أن اإلنسانية‬
‫ككل استحدثت كافة االستراتيجيات العبقرية للهرب من العُ ْري‪ ،‬فالعُ ْري لشيطان‬
‫عدوها اللّدود‪.‬‬
‫النفس‪ ،‬وهو نظام الخوف‪ّ ،‬‬
‫ع َّرى نفسه‬
‫ِث على أساس مغلوط‪ ،‬ووهم مبرمج‪ ،‬وإن َ‬ ‫تذكر أن نظام الخوف استُحْ د َ‬
‫ليتحول من سيد‬
‫ّ‬ ‫لنفسك ُكشفت لعبته‪ ،‬وإن ُكشفت لعبته‪ ،‬فَقَدَ ه ْي َبت َه‪ ،‬وانجلى قوامه‪،‬‬
‫نفسك إلى خادمها الودود‪.‬‬
‫لذ ا يعادي نظام الخوف فيك مسلك العري؟‬
‫وكيف ذلك؟‬
‫بعاطفة العار…‬
‫معتمدا بذلك على صديقه المخلص‪« :‬الجهل المجتمعي»‪ ،‬والذي يغذّي هذه العاطفة‬
‫بدراية‪ ،‬أو من دون‪.‬‬
‫ومن هنا يأتي السؤال‪ :‬ما هو العار؟‬
‫وهنا سأستعيض بواحدة من أقوى تعاريف العار‪ ،‬على األقل برأيي الشخصي‪،‬‬
‫وهذا التعريف أتى من أعمق الباحثين في هذا المنحى‪ ،‬وهي الدكتورة «برينيه‬
‫كرست الجزء األكبر من عملها لدراسة العار؛ كي‬ ‫براون ‪ »Brené Brown‬التي ّ‬
‫تعرفه ببساطة‪ :‬إن وجودك كما هو خاطئ‪ .‬لهذا العار هو أخطر بكثير من الذنب‬ ‫ّ‬
‫إن هناك شيئا خاطئا في تصرفاتك‪ ،‬وإنما العري‬ ‫برأي براون‪ ،‬فالذنب يقول ّ‬
‫ص ُن هذه المعادلة لي ّحول وجودك للخاطئ‪.‬‬ ‫يش َْخ ِ‬
‫ثت ألجيال وأجيال‪ ،‬وخاصة في نسيج البالد‬ ‫وور ْ‬
‫ّ‬ ‫ولألسف ثقافة العار‪ ،‬قُد ْ‬
‫ّست‪،‬‬
‫العربية‪ ،‬حتى أصبحت كلمة «عيب»‪ ،‬موازية لشهرة صباح الخير‪.‬‬
‫هذا هو التوارث األعمى للعادات والتقاليد‪ ،‬بل هو التقديس لها‪ ،‬وأخشى أن يقضي‬
‫هذا الموروث على األمة ككل‪ ،‬بل على الكرة األرضية ككل! نعم ال تستغرب هذا‪،‬‬
‫فالموروث مسؤول عن الحروب والكوارث‪ ،‬وحتى االحتباس الحراري!‬
‫كيف يكون ذلك؟‬
‫ألن الموروث يضع قيمة للستر «المرضي»‪ ،‬والتملُّق على قيمة الحقيقة‪ ،‬وإن‬
‫ستر معها حقيقة الواحد‪ ،‬كلنا واحد‪ ،‬وبهذا‬ ‫ت الحقيقة عنك‪ ،‬وعن مجتمع كامل‪ُ ،‬‬ ‫س ِت َر ْ‬
‫ُ‬
‫ستصبح الحروب والتلويث بالمستباح‪ .‬فمن منطق االنفصال كياني ال يتعدى‬
‫جسدي‪ ،‬وليحترق البقية‪.‬‬
‫وقوة الخيار‪ ،‬لك أن تقود التغيير‪ ،‬ولك‬‫ولكن لك أنت يا من استنرت بنور الوحدة‪ّ ،‬‬
‫آخر‪ :‬بتشفير العار‪.‬‬
‫أن تأخذ خيارا َ‬
‫وأنا أعني اآلن…‬
‫فلماذا ال تبدأ بتشفير العار من حياتك‪ ،‬وبالواضح البسيط‪ ،‬وهو على مستوى الكالم‪.‬‬
‫فكيف يكون ذلك؟‬
‫بحرق كلمة العار من معجمك‪ ،‬أو كما ترويها شفاه المجتمع بالـ «عيب»‪.‬‬
‫لماذا ترددت‪ ،‬أتخاف خسارة العيب؟!‬
‫تخف‪ ،‬فإن خسرت العيب‪ ،‬أنت كسبت‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ال‬
‫فهل ستكسب مثلما فعلت أختي منار؟‬
‫في إحدى المرات كنت أزور بيت العائلة‪ ،‬وكانت معنا بنت أختي منار‪ ،‬جويل‬
‫الصغيرة‪ ،‬تلعب وتركض في ساحة البيت‪ ،‬وتصرخ على أمي‪ :‬تيتههههههه‪.‬‬
‫وكالعادة بدأت أمي باللعب مع جويل‪ ،‬لتقوم جويل بطاقتها الصاروخية‪ ،‬بالقفز‬
‫ت عا ٍل‪ ،‬لتأتي أمي بعفوية «بريئة» وتقول لجويل‪« :‬عيب‬ ‫والرقص والغناء بصو ٍ‬
‫تيته»‪ .‬تخيل طفلة عمرها ‪ ٤‬سنين تبدأ بشرب طاقة العيب‪ ،‬لتدخل مرة أخرى في‬
‫«دوامات الخطيئة األصلية»‪ ،‬وما هذه الخطيئة ّإال العار‪ ،‬وهي جوهر كره الذات‪،‬‬
‫واالقتناع بنقصها!‬
‫لحسن الحظ أيقنت أختي منار لهذه الحقيقة مب ّكرا‪ ،‬لما عانت قبل من كلمة العيب‬
‫حزم وصرامة‪ ،‬واحترامها على هذا‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫كفتاة في البالد العربية‪ ،‬لتقول ألمي‪ ،‬وبك ِّل‬
‫أرجوك ال تقولي لجويل عيب؛ ألننا ال نستعمل هذه الكلمة بتًّا في منزلنا»‪.‬‬‫ِ‬ ‫«أمي‬
‫فهل لك أن تفعل مثل منار؟‬
‫قم بذلك اآلن‪ ،‬وال تقل هذه الكلمة بتاتا لنفسك أو لغيرك‪ ،‬واالثنان واحد‪ ،‬فهذه الكلمة‬
‫قر ِر اآلن َّأال تقولها‪ ،‬وسامح من قالها لك من قبل‪،‬‬ ‫ليست أساسا لعمران األرض! ِ ّ‬
‫وابدأ صفحة جديدة‪.‬‬
‫اآلن ‪ ،‬نعم اآلن…‬
‫لك أن تختار اآلن ِبقَبر العيب‪ ،‬فهو من يبقيك في أنقاض الوعي السفلية‪ ،‬وحتى‬
‫الدكتور «ديفيد هاوكنز ‪ »David Hawkins‬يوافق على ذلك‪ .‬وضع هاوكنز وهو‬
‫صاحب نظرية «مستويات الوعي» العار على أخفض درجات الوعي اإلنساني‪،‬‬
‫ي يوازي الــ ‪ ،٢٠‬مقابل التنوير الذي يوازي ‪.١٠٠٠‬‬ ‫وبتردُّ ٍد طا ِق ٍّ‬
‫فكيف لك أن تنهض بوعي التنوير الحب واالبتكار‪ ،‬إن كانت كلمة العيب على‬
‫لسانك‪ ،‬تطلقها على هذا وذاك‪ ،‬وفي كل إطالق لهذه الكلمة‪ ،‬عار آخر تبرمج به‬
‫نفسك‪ ،‬فما تعيب عليه بالخارج‪ ،‬هو سجن لك‪ ،‬وهذا ِس ُّرنا الصغير‪.‬‬
‫ما تعيب عليه بالخارج هو سجنك الداخلي‪.‬‬
‫وإن أردت الدليل على ذلك‪ ،‬سأعطيك مثاال بسيطا على سجن العيب‪ ،‬وإن تم‬
‫بطريقة غير مباشرة‪.‬‬
‫كنت مرة مع إحدى صديقاتي‪ ،‬نزور متجر فيراري في إيطاليا‪ .‬هناك تجد الكثير‬
‫من المالبس واإلكسسوارات التي تظهر جوهر السيارة‪ ،‬وسألتها حينها‪»:‬ما رأيك‬
‫بـ «فيراري ‪ ،« Ferrari‬فقالت‪« :‬إن فيها الكثير من «اإلظهار ٍ‪Show off‬‬
‫كما الحظت اآلن‪ ،‬في نفس هذا التعليق‪ ،‬شكل من العيب المبطن على أسلوب‬
‫فيراري‪.‬‬
‫قوت ََك‪ ،‬وثراءك للناس؟‬ ‫الص ِ ّحي إذا‪ ،‬أن تكون كفيراري‪ ،‬وتظهر ّ‬‫فما هو ِ ّ‬
‫ال هذا وال ذاك‪ ،‬بل االثنان سويًّا‪ ،‬وما بينهما‪ .‬نعم كما سمعت‪ :‬االثنان وما بينهما…‬
‫وهذا هو حب الذات‪.‬‬
‫بحبّ الذات‪ ،‬ستكتشف أن تعابير الحياة ال تنحصر في نطاق االزدواجية‪ ،‬فالحقيقة‬
‫تتواجد بين األقطاب‪ ،‬وما بينهما‪ ،‬وعلى أبعاد مختلفة‪ .‬وللتوضيح العملي‪ ،‬افتح يديك‬
‫اآلن‪ ،‬لتحمل القطب األول في اليد اليمنى‪ ،‬وفي هذه الحالة هو اإلظهار‪ ،‬وأما اليد‬
‫اليسرى‪ ،‬فاحمل فيها التكتُّم‪.‬‬
‫الحقيقة ليست باليد اليمنى أو اليسرى‪ ،‬وإنما بمساحة المنتصف كاملة‪.‬‬
‫لك أن تتخيَّل اآلن أن منطقة المنتصف ليست محدودة‪ ،‬ومتواجدة على أبعاد ِعدَّة‪.‬‬
‫أستشعرت اآلن عالم االحتماليات َّ‬
‫الال محدودة؟‬ ‫َ‬
‫تذكر أن من رأى الحياة بمحدودية األبيض واألسود‪ ،‬وهو لون العار‪ ،‬فقر‪ ،‬ومن‬
‫ونواح ِعدّة‪ ،‬وتداخالت ِعدّة‪ ،‬وهو لون الثراء‪ ،‬ارتقى‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫رآها كما هي بأبعاد ِعدّة‪،‬‬
‫فقد تحتاج أحيانا إلى أن تكون كالفيراري لتظهر نفسك للخارج وبافتخار‪ ،‬فتسطعها‬
‫حتى النجوم‪ ،‬وتلهم بنجاحك الناس‪ ،‬وفي تارة أخرى قد يكون التكتّم هو الحكمة‪،‬‬
‫وليس كتمان الخوف من الحسد‪ ،‬وهو وليد النقص‪ ،‬أو وهم النقص‪ ،‬وإنما كتمان‬
‫القوة والحب إن اقتضى األمر‪.‬‬ ‫ّ‬
‫فشخصيًّا تراني دائم الكشف عن رحالتي حول العالم‪ ،‬على شبكات التواصل‬
‫االجتماعي‪ ،‬ألكون بمثابة «المثال» لشخص التزم طريق األصالة‪ ،‬وجنى من متاع‬
‫األرض والروح أعالها من مغامرة‪ ،‬وحرية‪ ،‬واستمتاع‪ .‬وبنفس الوقت هناك‬
‫جوانب معينة من حياتي أختار إبقاءها لنفسي‪ ،‬وال أكشفها للعامة‪.‬‬
‫ص ِم العار على فيراري بأنهم يتفاخرون بالمظهر‪ ،‬ستسجن نفسك بهذا‬ ‫ولكن عند و ْ‬
‫الحكم‪ ،‬ليخت ّل توازنك؛ ألنه انحاز لواحد من النقائض على اآلخر‪ ،‬فتراك ال تسمح‬
‫لنفسك بالتفاخر في المساحة الحقّة لذلك‪ .‬وحتى مجالك الكهرومغناطيسي سيخت ّل‬
‫حينها؛ ألنه ابتعد عن توازن نظام الواحد‪.‬‬
‫فلماذا ال تكون كذلك؟! عاريا من أحكامك‪ ،‬ومحتضنا لكل أقطابك‪ ،‬وتعابيرها‪.‬‬
‫وإن رفضت مسلك العري‪ ،‬واخترت مسلك العار‪ ،‬وأحكامه المختلّة‪ ،‬ستفوح منك‬
‫رائحة العيب في كل مكان‪ ،‬فكل األحكام هي من إبط هذه الرائحة النتنة‪ ،‬لتملي‬
‫عليك أحكامك ومن دون وعي‪ ،‬بأن جزءا منك‪ ،‬أو أجزاء كثيرة تقبع في دائرة‬
‫اإلصالح‪ .‬ودائرة اإلصالح تعد ما في داخلها بالمكسور‪ ،‬وتعتبر وجوده خاطئا‪.‬‬
‫وإن أردت الصدق‪ ،‬هذه كذبة‪ ،‬نعم كذبة‪ ،‬فال يوجد إنسان على وجه الخليقة يحتاج‬
‫اإلصالح‪ ،‬وحتى إن كانت هذه الكذبة متوارثة في كثير من استراتيجيات العالج‬
‫النفسي‪ ،‬حتى وصلنا إلى خلق مس ّمى وظيفي كامل اسمه‪ :‬ال ُمصلح النفسي‪ ،‬وفي‬
‫هذا انتقاص من قيمة اإلنسان‪ ،‬أو على األقل على مستوى الظاهر‪.‬‬
‫طبعا هذا ال يعني الهجوم على المصلح النفسي؛ ألن النية هي الفيصل بالنهاية‪،‬‬
‫وإنما الدعوة للتذكر أن اإلصالح هو فقط لما كان خاطئا في أصله‪ ،‬وكيف تكون‬
‫كذلك‪ ،‬وأصلك من أصل التكوين‪ ،‬أصل روحي واحد‪ ،‬وفيه الكمال كود أصيل‬
‫متجذر‪.‬‬
‫بمعرفتك الباطنيّة أن أصلك كامل ومثالي‪ ،‬وليس معيبا‪ ،‬ستبدأ عملية التعرية‬
‫تلقا ِئيًّا…‬
‫عملية التعرية هي تذكير لما كان أصيال فيك‪ ،‬وبتفعيل هذه العملية‪ ،‬وأنت تفعّلها‬
‫اآلن من خالل قراءتك للكلمات‪ ،‬وما بعد الكلمات‪ ،‬ستبدأ المواجهة المباشرة مع‬
‫نفسك لما وصمته في بالعار‪ ،‬وقد تصعق باليقين بأن في عقر هذا العار يسكن كنزك‬
‫الدفين‪ ،‬وهو أقوى قدراتك الذهنية‪ ،‬وأعظم مواهبك الروحية‪ .‬وهذا سرنا الصغير‪.‬‬
‫ع ْقر ما حكمت عليه بالعار تتجلّى أعلى قدراتك الذهنية‪.‬‬ ‫في ُ‬
‫أقل لك عن نفسي‪ ،‬فك ّل ما وصمته بالعار‪ ،‬أو الخاطئ في «شخصيتي»‪،‬‬ ‫ودعْني ْ‬
‫قوة اإلرادة إلصالحه‪ ،‬أو حتى التخلص منه‪ ،‬اكتشفت بالنهاية أن في عقره‬ ‫وسخرت ّ‬
‫يسكن جمال الكون‪ ،‬وقوته الرهيبة‪ .‬فمثال في تعريف الرجل الذي ت َ َبنَّ ْيتَهُ من‬
‫ساسا‪،‬‬‫المجتمع‪ ،‬هناك «عار» على الحساسية الطاقية‪ ،‬هذا عيب‪ ،‬وكيف تكون ح ّ‬
‫تاريخيًّا بالقدرة على كبت اإلحساس‪.‬‬
‫ِ‬ ‫والرجل الشرقي يُعرف‬
‫لذا حاولت كل المحاوالت ألكون «رجال» كما باقي الرجال‪ ،‬غير عارفٍ أن في‬
‫قناع «الرجولة المبرمج» حربا مع روح الرجولة األصلية‪ ،‬وعندما رأيت قالب‬
‫الرجولة المبرمج كما هو‪ -‬كقالب فكري أعمى‪ُ -‬ج ِبل من عيون وأي ٍد عمياء‪ ،‬بدأت‬
‫تلقائيًّا نار التطهير بحرقه من داخل نفسي‪ ،‬لتنضح ِرقّة األحاسيس وجمالها‪ ،‬والتي‬
‫هي مفتاح الرجولة الحقة‪ .‬فأعلى تعابير الرجولة‪ ،‬هي في حالة األمان المطلق‬
‫الختبار األحاسيس كافة‪ ،‬وخصوصا الباطنية منها‪ ،‬هو األمان الكامل إلعطاء طاقة‬
‫والريادة‪ ،‬فترجع نفسك إلى توازنها بطاقة‬ ‫األنوثة فيك حقها في اإلحساس‪ ،‬والتعبير‪ّ ِ ،‬‬
‫الذكورة‪ ،‬واألنوثة‪ ،‬وبالتركيبة المناسبة لحقيقتك‪.‬‬
‫كل طاقات النفس والتي منها طاقة الذكورة واألنوثة‪ ،‬تتواجد في كينونتك في نسب‬
‫دقيقة‪ ،‬ومناسبة لتركيبتك الخاصة‪ ،‬لتحدث التوازن واإلشعاع الصادق لحقيقتك‪،‬‬
‫ي؛ لذا‬‫ي مكان فيك بالعار‪ ،‬فهو يُحْ دث اختالال في توازنك الطاقِ ّ‬ ‫ص ِم أ ّ‬
‫ولكن عند َو ْ‬
‫ع ْفويًّا فيك‪.‬‬
‫العري في األصل‪ ،‬هو منهج التوازن‪ ،‬للعودة إلى ما كان َ‬
‫هذه العَ ْفوية هي عملية مستمرة من التعرية‪ ،‬هي مستمرة استمرار الحياة‪ ،‬واألنجع‬
‫أن تتم بمزيج من الحكمة والشجاعة‪ ،‬وباالستراتيجية األنيقة في التحدّي أو القتال‪،‬‬
‫للتعامل مع التح ِدّيات العاطفية التي تنشأ من العري رويًّا رويًّا‪ ،‬فتنضج بهدوء وقوة‬
‫في التدريب‪.‬‬
‫وكيف يكون تدريب العري هذا؟‬
‫أعط َك مثاال واقعيًّا للتوضيح…‬ ‫بالكشف عن نفسك ومكنوناتها‪ ،‬بالتدريج‪ .‬ودعني ِ‬
‫في مرة من المرات أَنزلت صورتي على شبكة التواصل وأنا أدخن السيجار‪ ،‬وهو‬
‫شيء أفعله بالمناسبات‪ ،‬كأسلوبي الخاص في االحتفال‪ .‬طبعا هذا الصورة كانت‬
‫تحولت إلى ردّات فعل شرسة في التعليقات‪،‬‬ ‫صادمة لكثير من المتابعين‪ ،‬والتي َّ‬
‫وخصوصا لمن كان يتابعني في شغف لسنين طويلة‪.‬‬
‫ُّ‬
‫استفدت من تنزيل هذه الصورة؟‬ ‫السؤال ماذا‬
‫هذه الصورة هي جز ٌء من تدريبي على العُري‪ ،‬فالهدف منها هو كسر القالب‬
‫الذهني المعين‪ ،‬الذي يحاول أن يلصقه على المتابعين‪ ،‬والذي يضع ال ُمعلّم في خانة‬
‫تخلو من اإلنسانية‪ .‬هو قالب مبرمج يضعه الناس عليك ليعاقبوك عند الخروج منه؛‬
‫ألن هذه نفس الطريقة التي يعاملون بها أنفسهم؛ لذا وضعت هذه الصورة ألهدم هذا‬
‫دوامة «المثالية‬ ‫عار من دون ّ‬‫كإنسان ٍ‬
‫ٍ‬ ‫القالب من نفسي ونفس الناس‪ ،‬ألظهر‬
‫الوهمية»‪ .‬طبعا هذا ال يتناقض‬
‫مع دعوتي الدائمة للصحة والشراب األخضر‪ ،‬بل يضيف لها توازنا وحقيقة‪.‬‬
‫ي التعامل مع‬ ‫ألن هذه الصورة كانت جزءا من تدريبي على العُري‪ ،‬وجب عل َّ‬ ‫ّ‬
‫المشاعر التي تظهر للسطح حينها من دون إسقاط أو َمالمة‪ ،‬وهذه المشاعر كانت‬
‫قوية ِجدًّا‪ ،‬من خوف الفقدان للمتابعين‪ ،‬إلى الخوف من التشهير‪ .‬ولكن مع المراقبة‬
‫للمشاعر‪ ،‬والقيام بعملية التطهير المناسبة عن طريق التع ّمق في تقبُّل الذات‪ ،‬ارتقيت‬
‫إلى مرحلة أكبر من رحلة العُ ْري‪ .‬رحلة «كن أنت»‪.‬‬
‫ُحطم صورة المثالية عن نفسي‪ ،‬وبهذا ال أضع ثقال‬ ‫لذا تراني دائما‪ ،‬وأبدا أول من ي ّ‬
‫ي‪ ،‬وال أحاول متملقا المحافظة على صورتي المن ّمقة أينما ذهبت‪ .‬فإن‬ ‫على َكتِفَ ّ‬
‫أخذت «كورس» معي ستدري أنّي على طبيعتي‪ ،‬وأقول األمور كما هي‪ ،‬وال أضع‬
‫نفسي في خانة معينة‪ ،‬وهذا ما يصدم البعض في الوهلة األولى‪ ،‬ولكن بالنهاية‬
‫يحبونه لحقيقته‪ .‬فهو يعطيهم المجال أيضا ليكونوا حقيقيين‪.‬‬
‫لألسف الكثير من المشاهير يفقدون الهداية لهذه البساطة في التعبير‪ ،‬خصوصا مع‬
‫ازدياد شهرتهم‪ ،‬فيبدؤون بخلق الضغوط المجتمعية على أنفسهم‪ ،‬للمحافظة على‬
‫صورتهم الوهميّة‪ .‬لألسف هذا يتواجد بكثرة في البالد العربية‪ ،‬بمحاولة المشاهير‬
‫والقادة للتقيُّد بصورة تقليدية‪ ،‬والمحاوالت المكررة ل َمحْ ِو ماضيهم‪ ،‬وعدم التكلم عن‬
‫المتكررة إلخافتك من األخطاء‬
‫ّ‬ ‫أخطائهم‪ .‬هذا هو منطق العار المجتمعي‪ ،‬بالمحاولة‬
‫وعثرات الماضي‪ ،‬فتراك تخاف «الحكم» من الخطأ‪ ،‬أكثر من خوفك من الخطأ‬
‫نفسه!‬
‫قد ال يحاكي هذا الحوار واقعك الحالي‪ ،‬فقد ال تكون من المشاهير‪ ،‬ولكن تبقى‬
‫ي نفسك كما هي‪ .‬وقد يكون تدريبك ببساطة‪ ،‬أن تعبّر عن أحاسيس‬ ‫العبرة‪ ،‬أن ت ُ ِ ّ‬
‫عر َ‬
‫عبّرت عنها َّأال يرضى عنك‪ ،‬أو‬ ‫مكبوتة من داخلك لشخص معيَّن‪ ،‬ولكن تخاف إن َ‬
‫القوة الوهميّة الذي تريد إسقاطه‪ ،‬وهنا بالتحديد يأتي تدريب‬ ‫أن ال يراك بمكان ّ‬
‫التعرية‪ ،‬ومن بعدها التعامل مع المشاعر التي ستظهر للسطح‪.‬‬
‫ستتدرب على التغطية كأسلوب حياة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إن لم تتدربْ على العُ ْري كأسلوب حياة‪،‬‬
‫فأحد قوانين الكون هو التكثير‪ .‬أي أن الحياة تُكثر ما تو ّجه طاقتك الذهنية باتّجاهه‪،‬‬
‫وإن اخترت التغطية مرة بعد مرة‪ ،‬ستزيد تلقائيًّا‪ ،‬لتختنق أكثر يوم بعد يوم‪.‬‬
‫سأكرر‪ ،‬وأقول «تدريب العري»‪ ،‬أو تدريب «كن أنت»‪ ،‬ليس بالسهل‪ ،‬ولكنه‬
‫طريق الحرية‪ .‬هو ليس بالسهل؛ ألنك ستواجه فيه الكثير من المخاوف وفي عقره‪،‬‬
‫الخوف من النبذ المجتمعي؛ ألن األماكن التي ال تتوازى فيها حقيقتك الذاتية مع‬
‫«صحة» القوانين المجتمعية‪ ،‬هي مهدَّدة بالنّبْذ‪ ،‬واالزدراء‪ .‬فهناك قانون مجتمعي‬
‫ضعُف من نفسك بعنصر االنتماء‪:‬‬ ‫لما هو مقبول ومرفوض‪ ،‬وهو قانون يُهدد ما َ‬
‫يحس النبذ؟‬
‫َّ‬ ‫فإن لم تفعل ذلك‪ ،‬أنت ال تنتمي لنا‪ ،‬أنت منبوذ‪ .‬ومن يحب أن‬
‫ولكن صدقني‪ ،‬أنك من نفس خندق «النبذ الواهم»‪ ،‬سترى حضن هللا أمامك…‬
‫أنا أدري هذا حق المعرفة‪ ،‬وأدري خوف النبذ‪ ،‬وفقدان االنتماء أيضا حق المعرفة‪،‬‬
‫وأدري الوحدة الصامتة في عمقها‪ ،‬فأنا اختبرته‪ ،‬وتألمت معه‪ ،‬وما زلت إلى َح ٍدّ‬
‫ما‪ .‬ولكني لم اختراالنغالق أو االنتقام‪ ،‬أو لعب دور الضحية‪ ،‬وإن كان نظام الخوف‬
‫في راغبا في ذلك‪ .‬بل اخترت طريق الشفاء‪ ،‬والتعرية‪ ،‬واالنفتاح‪.‬‬
‫فمنذ بداية رحلتي في الوعي‪ ،‬وصوت الثورة يقودني يوما بعد يوم لتحدّي كل‬
‫المعتقدات المجتمعية في داخلي‪ ،‬إلى حضن الوحدة‪ ،‬وفي هذا وجدت نفسي ترتجف‬
‫من خوفها لرفض مدينتي‪ ،‬وأهلها لي‪ ،‬ولكن كل مرة كنت أخطو فيها لحقيقتي خطوة‬
‫واحدة‪ ،‬كنت أزيد قوة وتمكينا في هللا‪ ،‬ألدعس فيها على حنجرة االنتماء المجتمعي‪،‬‬
‫وبمواجهة ألمي من داخلي‪ ،‬وتطهيره‪ .‬هكذا كنت أجد حريّة جديدة‪ ،‬وانتماء جديد‬
‫كل يوم‪ ،‬هو انتماء يتعدَّى البالد واألعراق‪ ،‬إلى االنتماء الحقيقي‪ ،‬وهو حقيقتك‬
‫الذاتية‪ ،‬المتصلة بالواحد األحد‪.‬‬
‫مثال عندما أخذت أصعب القرارات في حياتي‪ ،‬والذي يعتبر تاريخيًّا في منطقتي‬
‫سكني األصلية كمصدر للعار لنفسي وأسرتي‪ ،‬وجدت طعم الحرية هناك‪ .‬لم تكن‬
‫العملية سهلة وسريعة‪ ،‬بسرعة السطر الذي قرأته‪ ،‬فهي أخذت سنتين من التمكين‬
‫المتواصل لنفسي‪ ،‬بالتطهير اليومي لمشاعر متعلقة بالخوف من النبذ‪ ،‬ووضع‬
‫العائلة في منطقة العار‪ ،‬وفقدان الدعم والوحدة وغيرها‪ .‬ولكن من بوابة هذا التح ِدّي‬
‫العظيم وجدت عظمتي‪ ،‬وعرفت باليقين أن الشخصية تصقل من التحدّيات‪ .‬ففي‬
‫نفس التحدّي الذي كنت ألعنه‪ ،‬وأتمنى أني لم أولد ألعيشه‪ ،‬وجدت طعم الحرية‬
‫والقوة غير العادية‪.‬‬
‫أظنك تقول اآلن‪ :‬إيهاب لقد نسيت أن تقول ما هو التح ِدّي؟ واإلجابة ال‪ ،‬فهذا واحد‬
‫من األمور التي أختار َّأال أشاركها للعلن‪ ،‬من مكان قوة‪ ،‬وخيار‪ .‬واأله ّم أن أشارك‬
‫معك العبرة من هذه الخبرة‪:‬‬
‫وسأطلب منك هنا أن تسمعني جيّدا‪:‬‬
‫تحس االنتماء الحقيقي‪ ،‬إن طلب منك هذا االنتماء بتغيير حقيقتك‪ ،‬فاالنتماء‬ ‫َّ‬ ‫لن‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫الحقيقي يبدأ من حقيقتك‪ ،‬وهذا ّ‬
‫االنتماء الحقيقي يبدأ من حقيقتك الذاتية‪.‬‬
‫ب منك المجتمع أن تنتمي له‪ ،‬بتزييف حقيقتك‪ ،‬وهو يفعل ذلك طوال الوقت‪،‬‬ ‫فإن َ‬
‫طلَ َ‬
‫فهذا انتماء زائف‪ ،‬وال ُمنتمى إليه أيضا زائف‪ ،‬فحتى إن انتمى كل المجتمع للمجتمع‬
‫على حساب الحقيقة الذاتية‪ ،‬فهو ما زال زائفا‪ ،‬والمعاناة مصيره‪ .‬فالكثرة ال تغلب‬
‫القوانين الكونيّة التي تحكم سيكولوجيا اإلنسان‪.‬‬
‫فضع انتماءك لحقيقتك فوق كل االنتماءات‪ ،‬وعندها ستجذب لنفسك من تنتمي لهم‬
‫بالحق‪.‬‬
‫ضعنا‬ ‫لذلك في عائلة «كن أنت»‪ ،‬وهو المجتمع الذي نبنيه من رسالة «كن أنت»‪َ ،‬و َ‬
‫قيمة االنتماء الصادق على أعلى المراتب؛ ألن انتماءنا الفردي‪ ،‬والجماعي يأتي‬
‫تحس في المجموعة‬ ‫ّ‬ ‫ع ْريها‪ ،‬فهو االنتماء الحق؛ لذلك الناس‬ ‫من احتفالنا بحقيقتنا و ُ‬
‫بحقيقتها الخاصة‪ ،‬وبالوحدة مع الك ّل؛ لذلك أكثر التعليقات التي يقولها األعضاء في‬
‫«كن أنت»‪ ،‬إننا أخيرا أحسسنا باالنتماء الحقيقي‪ ،‬أو وجدنا العائلة الروحية التي‬
‫افتقدناها من دون علم‪ ،‬فنحن نحتفل بحقيقتك هناك‪ ،‬وال ننبذها‪ ،‬ومهما كانت‪ ،‬وأنت‬
‫معنا اآلن‪ ،‬معنا في حقيقتك‪.‬‬
‫وإن كنت ما زالت تعاني من ثقل االنتماءات المجتمعية‪ ،‬والعشائرية‪ ،‬وقوانينها‬
‫المتوغلة في أسس النفس اإلنسانية‪ ،‬فعليك بالتع ُّمق في تقبُّل الذات‪ .‬وإن بدأت بافتكاك‬
‫الرؤى باالستيضاح‪ ،‬قد يثور الغضب من داخلك‪،‬‬ ‫نفسك من هذه القيود‪ ،‬وبدأت ُّ‬
‫ي‪ ،‬لكونك أيقنت كيف كنت مستعبدا‪ ،‬ولكن سأطلب منك َّأال تغوص بهذا‬ ‫وهذا طبيع ٌّ‬
‫الغضب طويال‪ ،‬فهو يبقيك بالعبودية‪ ،‬بل سامح وتقدّم‪ ،‬واستكمل تدريبك بتقبُّل‬
‫الذات‪ ،‬هذا مفتاح حريتك‪.‬‬
‫ف في نفسك‪ ،‬وعند تمكينك لنفسك‬ ‫ضعُ َ‬‫أن النَّ ْبذَ االجتماعي يحاربك على ما َ‬ ‫تذكر َّ‬
‫المستمر‪ ،‬ستزدهر نفسك بأجمل مكنوناتها‪ .‬وهنا سأعطيك تقنية بسيطة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بالتقبّل‬
‫صادق‪ ،‬باإلضافة لك ّل ما قلنا في السابق‪ .‬هي كما اعتدنا‬ ‫لتساعد نفسك على التقبّل ال ّ‬
‫بسيطة ولكنها فعَّالة‪ ،‬فدعنا نوضحها لك‪.‬‬
‫ك ّل ما تخبئه في نفسك‪ ،‬كخوف من الحكم المجتمعي عليها‪ ،‬هو في عمقه خوف‬
‫من رفضك الذاتي له‪ ،‬فإن قبلت ما ترفض‪ ،‬ملكته‪ ،‬وإن ملكته لن تقدر أية قوة‪ ،‬وال‬
‫حر ْرتَهُ في نفسك‪.‬‬
‫حتى أحكام المجتمع والكون كافة‪ ،‬أن تحبس ما َّ‬
‫فاختر هنا صفة ترفضها فيك‪ ،‬وقد تكون الكسل‪ ،‬أو التأجيل‪ ،‬أو النميمة‪ ،‬أو الكره‪،‬‬
‫أو التحكم غيرها‪.‬‬
‫اختر صفة…‬
‫ثم خذ ‪ ٣‬أنفس عميقة‪ ،‬واسمح لها بالخروج‪ ،‬واطلب من جسدك االسترخاء قليال‬
‫قليال…‬
‫ي جزء منّي يحكم على هذه الصفة بالخطأ‪ ،‬أو‬ ‫ثم قل لنفسك‪ :‬أنا (الصفة)‪ ،‬وأ ُّ‬
‫وواقع‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مكان‪ ،‬وبُ ْعدٍ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫الصحيح‪ ،‬ال ِغ ِه وش ِفّ ْرهُ من ك ّل‬
‫ي جزءٍ منّي يحكم على هذه الصفة‬ ‫سأعطيك مثاال هنا‪ :‬أنا أنِ ّم على الناس‪ ،‬وأ ّ‬
‫وواقع‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مكان‪ ،‬وبُ ْعدٍ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بالخطأ‪ ،‬أو الصواب‪ ..‬أل ِغي ِه وأش ِفّ ْرهُ من ك ّل‬
‫لغط ما‪ ،‬ولكن ال‪ ،‬وكل ما نفعله أننا نزيل‬ ‫أن هذا التمرين فيها ٌ‬ ‫تظن َّ‬ ‫ُّ‬ ‫في البداية قد‬
‫الحكم عن الصفة‪ ،‬فتراها بوضوح‪ .‬المضحك أنه عند إزالتك الحكم‪ ،‬سيتّضح فيك‬
‫قانون السبب والنتيجة‪ ،‬وسترى األمور على وضوح‪ ،‬وهنا سيكون التغيير تلقائِيًّا‬
‫من دون الحاجة للتغيير‪.‬‬
‫هذا التمرين له قوة سحرية‪ ،‬خصوصا عند تفعيله في األماكن التي ال ترى أصال‬
‫صفة معينة فيك! وهي نفس الصفة التي تحكم عليها في الخارج‪ ،‬وإن لم تعترف‬
‫بذلك‪.‬‬
‫إن فيك جزءا يريد التحكم في المرأة‪ ،‬فرفضت‬ ‫مثال‪ ،‬قالت لي صديقتي مرة‪ :‬إيهاب َّ‬
‫واغتظت لهذه الجملة طبعا؛ ألن هذا ليس من طبيعتي‪ .‬فأنا أحكم على َم ْن يفعل ذلك‪.‬‬
‫ي انفعال وحكم‪ ،‬يعني أن هناك شيئا َم ْخ ِفيًّا‬ ‫الر ْشد لي‪ ،‬تذكرت أن أ َّ‬ ‫ثم عندما رجع ُّ‬
‫عني‪ ،‬وهنا جلست مع نفسي‪ ،‬واسترخيت‪ ،‬وقلت‪:‬‬
‫ي جزءٍ منّي يحكم على هذه الصفة بالخطأ أو الصواب‪،‬‬ ‫أنا أتحكم في المرأة؟! وأ ُّ‬
‫وواقع‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مكان‪ ،‬وبُ ْعدٍ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫أل ِغي ِه وأش ِفّ ْرهُ من ك ّل‬
‫في البداية كانت المقاومة شديدة‪ ،‬ولكن استمررت بالتنفس‪ ،‬وتكرار هذه الجملة‪،‬‬
‫حتى بدأ الصدق مع الذات‪ ،‬وتقبُّلها يسطع للسطح‪ .‬عندها رأيت البرنامج الفكري‬
‫الذي يحاول التحكم‪ ،‬ومصدره النسلي‪ ،‬واستطعت بالفطنة والتدريب التعالي عنه‪.‬‬
‫لكن البداية كانت من الصدق في النظر‪ ،‬والتقبُّل لما هو كائن‪ ،‬بدل إخفائها والحكم‬
‫عليها في الخارج‪.‬‬
‫هذه العملية قد تكون مرهقة طا ِقيًّا في البداية‪ ،‬ولكن استمر‪ ،‬فحريتك األساس‪ ،‬وال‬
‫ستتحول إلى‬
‫َّ‬ ‫حرية من دون التعرية الكاملة‪ ،‬وإن ذقت هذه الحرية‪ ،‬وتجذَّرت فيها‪،‬‬
‫قائد الحرية‪« ،‬القائد المستنير»‪.‬‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫* الحاجة لتغطية نفسك‪ ،‬هي ليست من الحب‪ ،‬وإنما من الخوف‪ ،‬والعار‪.‬‬
‫* الجانب المظلم منك‪ ،‬هو ذلك الذي يكون فيك‪ ،‬ولكن ترفض وجوده‪ ،‬فتحكم عليه‬
‫من الخارج‪.‬‬
‫* طريق التعرية هو التدريب المتواصل للكشف االستراتيجي عن نفسك‪.‬‬
‫* االنتماء الحقيقي يبدأ من انتمائك لحقيقتك َّأوال وأخيرا‪.‬‬
‫أسئلة للتف ُّكر‪:‬‬
‫ما هو الجزء منك الذي تخفيه بالعار‪ ،‬وتخاف أن يكشف لك؟‬
‫ما هو أسوأ شيءٍ سيحدث لك إن ُكش َ‬
‫ِف؟‬
‫هل تفضل أن تواجه هذا الخوف‪ ،‬أم تبقي عليه قيد اإلخفاء؟‬
‫مالحظة‪ :‬قد يكون العار الذي تخفيه عميقا‪ ،‬مثل التحرش الجنسي‪ ،‬وفي هذه الحالة‬
‫هناك طريقة آمنة للتعامل معه‪ ،‬وهو ما ستجده في أحد فيديوهاتي على اليوتيوب‬
‫تحر ْر من العار اليوم‪.‬‬
‫بعنوان‪َّ :‬‬
‫ي‬ ‫* ماذا سيتغيَّر في حياتك إن وضعت انتماءك لحقيقتك‪ ،‬على منزل ٍة أعلى من أ ِّ‬
‫انتماءٍ آخر؟‬
‫القائد المستنير‬
‫إذا كان قطي ٌع من األغنام يمشي باتّجاه هاوية الوادي‪ ،‬فهل من التعقّل أن تكون‬
‫فإن الغالبيّة العظمى من الناس‬ ‫جزءا من هذه المسيرة؟ ورغم وضوح اإلجابة‪ّ ،‬‬
‫شر نعرفه‬ ‫تفضّل الذهاب إلى الهاوية على الطريق المجهول‪ ،‬فكما عهدنا القول‪ٌّ :‬‬
‫خير نجهله! ولهذا السبب بالذات‪ ،‬طريق األصالة تتطلَّب إيقاظ روح‬ ‫أفضل من ٍ‬
‫لتتحول‬‫ّ‬ ‫فك االرتباط مع وعي القطيع‪ ،‬والمشي في رحلتك الفريدة‪،‬‬ ‫القيادة فيك‪ِ ،‬ل ّ‬
‫بعدها إلى الراعي الحكيم‪ ،‬وال ُمرشد الواعي نحو المروج الجميلة‪.‬‬
‫وعي القطيع متجذّر في السيكولوجيّة اإلنسانيّة منذ قرون؛ لذا ترى غالبيّة الناس‬ ‫ُ‬
‫مكررة في العيش والتعبير‪ ،‬وإن أردت المثال على ذلك‪ ،‬فانظر إلى‬ ‫تسلك طرقا ّ‬
‫المو ّحدة عن كيفيّة التعامل مع‬ ‫مدينة معيّنة‪ ،‬أال تراهم يشاركون نفس الكودات َ‬
‫ي‪ ،‬وتكراره‪.‬‬ ‫الحياة‪ ،‬والتعبير عن الذات‪ّ ،‬إال من استفاق من غيبوبة الوعي الجمع ّ‬
‫ي‬
‫ض ّ‬ ‫فإن أردت أن تكون قائدا مستنيرا‪ ،‬فال تتراجع عن ا ِتّخاذ الخطوة الجريئة‪ ،‬بال ُم ِ‬
‫صة‪ ،‬حتى لو انحرفت عن مسيرة القطيع‪.‬‬ ‫قدما في رحلتك القلبيّة الخا ّ‬
‫ليست الدعوة هنا إلى الثوريّة العشوائيّة‪ ،‬لهدف المخالفة فقط‪ ،‬فهذا شك ٌل من‬
‫المعاكسة الصبيانية التي ال تتعدّى وعي القطيع‪ ،‬بل المطلب هو النظر الصادق إلى‬
‫ي قائ ٍد منذ فجر‬ ‫داخلك نفسك‪ ،‬والحزم في السير باتّجاه ذاتك األصليّة‪ .‬فال تظن ّ‬
‫أن أ ّ‬
‫تظن أنّه لم‬ ‫ّ‬ ‫التاريخ وحتى اآلن‪ ،‬قد ُو ِلدَ من دون االنفصال عن وعي القطيع‪ ،‬وال‬
‫يمر بمقاومات خارجيّة وداخلية‪ ،‬تعزم في صرخاتها أن تبقيه في منظومة المعهود‬
‫المكرر‪.‬‬
‫صة للحفاظ على وعيه الجمعي؛ لذا يمشي القطيع بتردُّد‬ ‫القطيع له ميكانيكيّته الخا ّ‬
‫ي ُمعيّن ليُبقي على أفراده في اتّجاه ثابت‪ ،‬وإن انزاح الفرد عن القطيع‪ ،‬فهذا‬ ‫طاق ّ‬
‫النظام المبرمج سيبدأ بمقاومته ليبقيه في نفس السكة‪ .‬طبعا هذا النظام مقبول في‬
‫األسراب الحيوانية؛ ألنّها تعمل بتناغم مع نبض األرض‪ ،‬ولكن عندما يأتي‬
‫الموضوع لإلنسان‪ ،‬فوعي القطيع ليس بخادم لرسالته‪.‬‬
‫وعي القطيع اإلنساني‪ ،‬وإن ارتقى عن تسيير الحركة الفيزيائيّة كما في عالم‬
‫الحيوان‪ ،‬فهو يعمل بطريقة مشابهة‪ ،‬فاإلنسان َخلَقَ أنظمة فكريّة معيَّنة كالعادات‪،‬‬
‫والتقاليد‪ ،‬وغيرها‪ ،‬لتعمل كاتّجاهات فكريّة ُمط ّ ِوعه للقطيع‪ ،‬وعند االنزياح عن هذه‬
‫ي في داخل‬ ‫االتجاهات المشتركة‪ ،‬يقوم وعي القطيع بتفعيل كود الرفض الجمع ّ‬
‫محركا أحاسيس العار‪ ،‬والذنب‪ ،‬واإلحباط‪ ،‬كشكل من التالعب العاطفي‪.‬‬ ‫الفرد‪ّ ِ ،‬‬
‫تتحرر‬
‫ّ‬ ‫ليس المقصد هنا أن ترتعب من وعي القطيع‪ ،‬أو أن تنصاع ألوامره‪ ،‬بل أن‬
‫التحرر من وعي القطيع أصال؟ ألن هذا الوعي‬ ‫ّ‬ ‫منه بفهم ميكانيكيّة عمله‪ ،‬ولكن لماذا‬
‫الحكمة؛ لذلك إن نظرت في غالبيّة المعتقدات المجتمعيّة‪ ،‬ستعرف‬ ‫لم يولد من رحم ِ‬
‫أنها ليست خادمة لعمليّة اكتشاف الذات‪ ،‬بل على العكس تماما‪ ،‬فهي تلعب في‬
‫صندوق المعاد المقلد؛ لذلك نس ّميها بالعادات والتقاليد‪ ،‬وللتوضيح خذ هذا المثال…‬
‫لوقت طويل كنت أضع الزيت والزعتر (وهي أكلة أردنية رائجة) في داخل الفرن‬
‫بدل الخزانة‪ ،‬وفي خالل فترة دراستي قامت أمي بزيارتي‪ ،‬وسألتها‪« :‬لم اعتدنا‬
‫منك أن نضع الزيت والزعتر بالفرن؟»‪ ،‬فأجابت‪ »:‬ألني تعلمت ذلك من أمي»‪،‬‬
‫وعندما سألنا جدتي عن السبب‪ ،‬وجدنا أنها كانت تفعل ذلك؛ ألنّه لم يكن عندها‬
‫متّسع في الخزانة حينها!‬
‫هذا المثال وعلى طرافته‪ ،‬يروي الكثير عن طريقة بناء األفكار المجتمعية‬
‫المتداولة‪ ،‬فإن صدقت بتم ّحصك عن األفكار المجتمعيّة‪ ،‬ستراها في غالبها أفكارا‬
‫الحكمة‪ ،‬أو السالمة النفسية‪ .‬قد تكون هذه األفكار‬ ‫موروثة‪ ،‬وليست مستندة على ِ‬
‫نمر به‪ ،‬فنحن‬‫ي الذي ّ‬ ‫التطور الجنون ّ‬
‫ّ‬ ‫مفيدة وقتها‪ ،‬ولكن في الغالب ال تتماشى مع‬
‫ي في أنظمتنا الطاقيّة‪ ،‬فعصر الصحوة‬ ‫نعيش اآلن بعصر الصحوة‪ ،‬وفيه تغيّر جذر ّ‬
‫والريادة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫يحتاج إلى فهم مختلف للحياة‪ ،‬وإلى مهارات جديدة كلّيًّا في القيادة‪،‬‬
‫والروحي‪ ،‬وهذا‬ ‫والعالقات‪ ،‬تلك التي تعتمد كثيرا على الحدس‪ ،‬والذكاء العاطفي ّ‬
‫لن يحدث باالنصياع األعمي للنظم المجتمعيّة‪.‬‬
‫سر القول رجاء على أنه دعوة عامة لشيْطنة هذه األنظمة‪ ،‬بل النظر إليها كما‬ ‫ال تف ّ‬
‫هي‪ :‬كأفكار‪ -‬فقط أفكار‪ -‬ولك أن تنتقي الخادم منها‪ ،‬وتتخلّى عن غير الخادم لك‪.‬‬
‫سرنا‬
‫ي الذي وجب قياس األفكار عليه فقط‪ ،‬وهذا ّ‬ ‫بالحقيقة هذا هو األساس الفكر ّ‬
‫الصغير‪.‬‬
‫األساس األسمى لتبنِّي األفكار‪ ،‬أو التخلّي عنها‪ ،‬هو التم ّحص الصادق إن كانت‬
‫خادمة لك أم ال‪.‬‬
‫ي عن األفكار المجتمعيّة ال يحصل بالمقاومة‪ ،‬وإنّما بالتمكين التدريجي‪ ،‬فأنت‬ ‫التخل ّ‬
‫والتطور‪ ،‬فالتمكين‬
‫ّ‬ ‫بالنهاية إنسان وله مشاعره‪ ،‬ويحتاج الوقت للنضوج‪ ،‬وال ُجرأة‪،‬‬
‫ال يعني إضرام الحروب مع النُّظم الفكريّة‪ ،‬وإنّما بالمحافظة على تركيزك في اتّجاه‬
‫تمكين الذات‪ ،‬وفي أساسه تقبّل الذات‪ .‬فغالبيّة النظم المجتمعيّة تتغذَّى على‬
‫والحكمة وال ُحب‬
‫ِ‬ ‫ضعف الذات‪ ،‬أو «الوهم» بضعف ذاتك‪ ،‬لتقتنع بأنّك فاقدٌ ّ‬
‫للقوة‬
‫والتقبل‪ ،‬وفي الحقيقة هذه الخصال قابعةٌ في روح تكوينك‪.‬‬
‫األنظمة المجتمعيّة‪ ،‬ولألسف‪ ،‬قد ُولدت بغالبها من نظام الخوف الذي يستند على‬
‫مسخرة منطقها الرئيسي على جمودية الصحيح من الخاطئ‪ .‬هذه‬ ‫ِّ‬ ‫لبنة األحكام‪،‬‬
‫ي‪ ،‬ليرى فيه الناس كفريقين‪« ،‬مع» أو‬ ‫الجمودية تعمل كنوع من السجن االزدواج ّ‬
‫ي‬
‫«العدو»‪ ،‬ولن تفلت من قبضة هذا النظام االزدواج ّ‬ ‫ّ‬ ‫«ضدّ»‪« ،‬الصديق» أو‬
‫صة‪ ،‬والتي بناها‪ ،‬وحماها‬ ‫ي له وسائله الدفاعيّة الخا ّ‬ ‫نظام فكر ّ‬‫ٍ‬ ‫بمحاربته‪ ،‬ألنّه كأ ّ‬
‫ي‬
‫على مدار العصور ليُحافظ على وجوده‪ .‬وإن ت َ َه ّورت وقمت بمحاربته‪ ،‬وأقولها من‬
‫خبرة‪ ،‬سيأخذك إلى دوائر طاقيّة ُمغلقة من الصعب الخروج منها؛ لذا وجب التعامل‬
‫التدرج في تقبّل الذات‪ ،‬واإلنصات لصوتك الداخلي‪ ،‬لترتقي‬ ‫ّ‬ ‫معه بحنكة عن طريق‬
‫بأن اإلجابات في داخلك‪ ،‬وليس في األنظمة المجتمعيّة‪ ،‬وال‬ ‫إلى اليقين الخالص ّ‬
‫ي نظام آخر!‬ ‫حتى أ ّ‬
‫ي‪ ،‬ويفقد‬ ‫أن األنظمة المجتمعيّة تسيطر عليك من خالل كود الرفض الجمع ّ‬ ‫تذ ّكر ّ‬
‫هذا الوحش الذهني سيطرته‪ ،‬عندما يسطع التقبّل الذاتي من داخلك‪ ،‬ليستذكر القائد‬
‫فيك قوته الحقيقيّة‪ ،‬وعندها ستعرف أن هذه األنظمة ليست ثوابت الخارج‪ ،‬وإنّما‬
‫لقوتك‬‫أفكار تشكل من خالل ذهنك‪ ،‬وباألحرى من خالل االستعمال األرعن ّ‬
‫الفكريّة‪ .‬فطاقة الفكراالبتكارية هي من داخلك‪ ،‬وهي المشغلة لك ّل األنظمة الفكريّة‬
‫طورت‬ ‫والقوة دائما وأبدا‪ .‬فك ّل هذه األنظمة وإن ّ‬
‫ّ‬ ‫في الكون؛ لذا أنت صاحب النفوذ‬
‫نفسها‪ ،‬وبنت وسائلها الدفاعية المعقّدة‪ ،‬فهي ليست َّإال أفكارا من داخلك‪ ،‬وال تقوى‬
‫على أن تصمد في نور الذات‪.‬‬
‫وهذا ال يعني بتاتا أن تهرب من هذه األنظمة‪ ،‬فهذا الهروب من الحياة نفسها‪،‬‬
‫وحتى الكتاب ال يدعوك لذلك‪ ،‬وإنما هو دعوة لالنصهار بقلب الحياة األرضية‪،‬‬
‫وليس الفتور عنها‪ ،‬فالقائد المستنير هو من يتداخل في األنظمة الموجودة‪ ،‬ويطور‬
‫وحكمته الروحيّة‪ ،‬فتراه يتماشى مع «قوانين» التعليم‪،‬‬ ‫فيها‪ ،‬من دون أن يفقد نفسه‪ِ ،‬‬
‫والعمل‪ ،‬والمال‪ ،‬وبنفس الوقت يخلق أسلوبه الخاص من داخل النظام‪.‬‬
‫القائد المستنير هو ليس ذلك الشخص الذي يهرب من األنظمة والمجتمع‪ ،‬ليمضي‬
‫ك ّل وقته متأ ّمال في الكهوف‪ ،‬أو اليوغا‪ ،‬أو الرقص الروحاني‪ ،‬وإنّما هو الجاذب‬
‫لحكمة التأ ّمل‪ ،‬وأبعاد الذات المختلفة‪ ،‬إلى عمق المجتمع‪ ،‬لتحديث األنظمة السائدة‬ ‫ِ‬
‫بال ُحب‪ ،‬والعمل الصادق الجادّ‪.‬‬
‫ع َّرى نفسه تدريجيًّا من جراثيم األنظمة الفكريّة في خضم‬ ‫القائد المستنير هو َم ْن َ‬
‫تواجده فيه‪ ،‬ليخلق أسلوبه المستق ّل في التعبير والريادة‪ .‬وإن بدت هذه بالمه ّمة‬
‫الصعبة‪ ،‬وهي بالتأكيد كذلك‪ ،‬فهي تبقى المطلب الرئيسي لوعي القيادة‪.‬‬
‫ض ّم الضوضاء‬ ‫فكيف تكون قائدا‪ ،‬إن لم تحافظ على استقالليتك الطاقيّة‪ ،‬في ِخ َ‬
‫الحكمة األصيلة‬ ‫ب بإيمان غير مرتجف نداء ِ‬ ‫الفكريّة؟ وكيف تكون قائدا ‪ ،‬إن لم تُلَ ّ ِ‬
‫فيك؟ فالقائد الحق هو من رمى بتدريجية‪ ،‬ور ّكز على كلمة التدريجية‪ُ ،‬مكبِّالت‬
‫ليخط لنفسه طريقا جديدا في وسط المعمعة‪ .‬وللدقة هذا الطريق‬ ‫َّ‬ ‫القطيع الفكريّة؛‬
‫ليس بالجديد‪ ،‬فهو الطريق الساكن األصيل‪ ،‬الذي تحلم فيه منذ عيون األزل‪ ،‬وتعشق‬
‫المضي فيه قبل المجيء‪ ،‬ليشع نجمك األصيل‪.‬‬
‫عندما يت َّ ِقدُ نج ُم القيادة فيك‪ ،‬سيرى البعض في ذلك اإلشعاع إغراء يكاد ال يعرف‬
‫ما هو ِس ّره‪ ،‬فيتبعه‪ ،‬وأما البعض اآلخر‪ ،‬فسيفضح اإلشعاع تعلقهم بوعي القطيع‪،‬‬
‫ليذهبوا إلى مقاومته ومحاربته‪ ،‬وهؤالء الذين يتغذّى النظام على طاقتهم باعتمادهم‬
‫عليه‪.‬‬
‫هذا ال يخيف القائد المستنير؛ ألنّه يدرك قانون النور بعمق‪ ،‬فهو على دراية أن‬
‫النور والعبقرية تفضح أركان المخاوف اإلنسانيّة‪ ،‬وتعري زيف الخوف‪ ،‬والبعض‬
‫قادر على احتمال هذه العمليّة من التطهير‪ ،‬والبعض اآلخر سيلعنها‪ ،‬ويلعن القائد‬
‫المستنير‪ ،‬ظانًّا أنه سبب آالمهم‪ .‬فال تخف من أن تدع نورك الداخلي يتَّقد أكثر‬
‫وأكثر‪ ،‬وأما ردود فعل العامة‪ ،‬فهذا ليس مسؤوليتك‪ ،‬فبالنهايه ك ّل شخص له رحلته‬
‫صة ليمضيها‪ ،‬وسعته الطاقيّة الخاصية لالحتمال في اللحظة‪.‬‬ ‫الخا ّ‬
‫اختبرت هذا بنفسي عندما كنت أمشي مرة في مدينة جالسكو بالليل‪ ،‬وبجانب‬
‫الحديقة الخلفيّة للبيت‪ .‬في نصف الطريق سطع بعيني وهج ضوء قوي من العامود‬
‫في الشارع‪ ،‬فأوتوماتيكيًّا غطيت وجهي؛ لكي ال تحترق عيني‪ ،‬هنا وبنفس اللحظة‬
‫وصلني إدراك جديد‪ ،‬فعندما يضيء النور بكامل وهجه‪ ،‬فإنه قد يزعج الشخص‬
‫الذي لم يعتد علي‪ ،‬فإما أن يتأقلم الشخص معه‪ ،‬ويفتح عينه‪ ،‬وقلبه بروية لالتحاد‬
‫بالنور‪ ،‬أو يلعنه؛ ألنّه سبب إزعاجه‪.‬‬
‫هذا ما يفعله القائد المستنير‪ ،‬يسطع بنوره كامال‪ ،‬ليُذ ّكر الناس بالنور القابع في‬
‫قلوبهم أصال‪ ،‬فإ ّما يلهمهم لالتحاد بقلبهم‪ ،‬أو االنغالق التام عنه‪ ،‬والنتيجة ليست من‬
‫صة التي يخوضها‪ ،‬وعليك أن‬ ‫شأنك‪ ،‬فكما قلنا‪ :‬ك ّل شخص لديه رحلته الخا ّ‬
‫تحترمها‪ ،‬فهي رحلة مصونة من التنظيم الكوني‪ ،‬وخادمة للك ّل‪ .‬وفي شمولية ك ّل‬
‫تطور شمولي للخير‪ ،‬أتذكر كود‬ ‫للتطور‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫هذه الرحالت‪ ،‬وإن كان فيها المقاومة‬
‫التطور الذي تكلّمنا عنه من قبل؟‬
‫لذا شأنك الوحيد أن تفتح نفسك للنور‪ ،‬ليلد القائد فيك من وهجه‪.‬‬
‫هذه العمليّة ال تحصل بلحظة‪ ،‬فوالدة القائد ليست بالضربة الواحدة‪ ،‬وإنّما تأخذ‬
‫عمليّة مخاض مستمر‪ ،‬يتم في هذا المخاض‪ ،‬التخلي التدريجي عن وعي القطيع‪،‬‬
‫قوة الحياة نفسها‪.‬‬ ‫قوتك األصليّة‪ ،‬كتعبير واضح عن ّ‬ ‫ودحر أفكاره المسيطرة‪ ،‬لتلد ّ‬
‫القوة في ك ّل إنسان‪ ،‬بل في ك ّل مخلوق‪ ،‬بل‬ ‫قوته‪ ،‬هي ذات ّ‬ ‫فالقائد المستنير يعي ّ‬
‫أن ّ‬
‫فقوته تعمل كمذ ّكر لعظمة الوجود ذاتها‪،‬‬ ‫في ك ّل حبَّة تراب في أرجاء المعمورة‪َّ ،‬‬
‫وليس للتفاخر الشخصي‪.‬‬
‫هذا القائد موجود في أحشائك اآلن‪ ،‬وبذوره متجذّرة في صميم تربتك‪ ،‬وعندما‬
‫صة‪ .‬هو القائد الساكن في تربة روحك‬ ‫يحين وقت التلقيح‪ ،‬سيزهر بطريقته الخا ّ‬
‫صة‪ .‬من هنا‬ ‫الفريدة‪ ،‬والمتجذر بجذور رسالتك األصلية‪ ،‬ليسطع بزهرة روحك الخا ّ‬
‫يفوح ريعان القائد المستنير‪ ،‬القائد اإلنسان‪ ،‬القائد الذي ال يدعي المثالية‪ ،‬القائد‬
‫الشجاع بعريه‪ ،‬والفريد بتعبيره النقي‪.‬‬
‫هذا القائد تعالى عن الصورة المجتمعية عن القيادة‪ :‬بالجوع إلى التبعيّة! فذلك النوع‬
‫من «القائد» ليس َّإال تعبير الخوف عن القيادة‪ ،‬ولألسف أشكال القيادة التي اعتدنا‬
‫طهر القيادة الحقّة‪.‬‬ ‫أن نراها‪ ،‬هي من جراثيم هذا التعبير الخائف‪ ،‬والتي تخلو من ُ‬
‫مقززه عن القياده‪ ،‬متمحورة حول الت َح ُّكم‪ ،‬والتالعب‪،‬‬ ‫فقد امتألت رؤوسنا بصور ّ‬
‫والثقة الكذّابة‪ ،‬لكن هذه القيادة هي ليست بالقيادة الحقة‪ ،‬وإنما تعبير آخر بجوع‬
‫النفس‪ ،‬وإلى أين سيقودوك الجائع‪ ،‬غير َم ِعدته الفارغة؟‬
‫سها بالقادة‪ ،‬وتُج ّمل‬ ‫تسمى نَف َ‬
‫ت فارغة ِ ّ‬ ‫وهذا ما يتبعه وعي القطيع حتى اآلن‪َ ،‬م ِعدا ٍ‬
‫نفسها ِب ِلحى طويلة‪ ،‬ومسابح فضيّة رنّانة (طبعا هذا ليس حكما على مظهر معين‪،‬‬
‫للتقصي ما خلف المظهر)‪ .‬فقد َكثُرت أشكال القادة المزيفين بالمنظر‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وإنما دعوة‬
‫موجهين العامة معهم من هاوية إلى أخرى؛ لهذا السبب بالذات نناديك إلى الفكر‬
‫المستقل والسلطة الذاتية‪ ،‬وبالنظر لإلجابات من داخلك‪ .‬فالفضاء الذي يولد منه‬
‫الفكر المستقل‪ ،‬هو فضاء صافٍ ‪ ،‬سيبعدك عن األخطاء التقليديّة من أجندات القادة‬
‫زورين‪.‬‬
‫ال ُم ّ‬
‫ليس هذا فحسب‪ ،‬فالفكر المستق ّل سيرتقي بك إلى نوع جديد من تح ِدّيات الحياة‪،‬‬
‫والتي تتعالى عن وعي القطيع‪ .‬فتح ِدّيات القطيع هي تح ِدّيات شخصيّة وتقليدية‪ ،‬ال‬
‫تتعدّى الحاجة إلى التخلص من التوتر‪ ،‬والقلق المستمر‪ ،‬أي تحدّي البقاء‪ .‬أما القائد‬
‫مستمرا لتحفيز الجنس‬‫ًّ‬ ‫المستقل‪ ،‬فتراه دائم التبصر في مسائل إنسانيَّة عالقة‪ ،‬وساعيا‬
‫سرنا‬
‫صة‪ .‬وهذا ّ‬ ‫البشري لحلول ابتكارية نادرة‪ ،‬وبما يتماشى مع رسالته الخا ّ‬
‫الصغير‪.‬‬
‫تح ِدّيات العامة ال تتعدّى الحاجة للتخلُّص من التوتر اليومي‪ ،‬مقارنة بتح ِدّيات القائد‬
‫المستنير‪ ،‬بالتبصر بمسائل إنسانيَّة عالقة‪.‬‬
‫لذلك قلنا والدة القائد ليست بالسهلة‪ ،‬فهي تتعدّى مستوى التح ِدّيات التقليديّة‪ ،‬إلى‬
‫مستوى التح ِدّيات اإلنسانيّة والعالمية‪ .‬وهذا يحتاج منك إلى إدراة أذكى للطاقة‪،‬‬
‫وفيها إدارة ذهنية‪ ،‬وعاطفية‪ ،‬وروحية حكيمة لحياتك‪ ،‬ولنوعية ال ُم ْدخالت التي‬
‫تسمح لها التراقص في ذهنك؛ لذا القائد المستنير ال يشتّت طاقته «ببرامج»‬
‫تليفزيونية عشوائيّة طوال الوقت‪ ،‬أو حتى األخبار‪ ،‬وإن فعل فهو يفعلها من حكمة‬
‫وذكاء‪ .‬هذا ألنه حريص على‬
‫فلترة المدخالت الطاقيّة التي يسمح لها بالمرور َّإال بوابته الذهنيَّة‪ ،‬عارفا أن ليس‬
‫في ذلك الجهل‪ ،‬وإنّما الذكاء الطاقي المطلق‪ ،‬لغرض الخدمة العليا ‪.‬‬
‫ألنّه باالنحياز إلى مستوى المعطيات التي يتلقاها العامة‪ ،‬من األخبار وغيرها‪،‬‬
‫ينسل المرء «إذا لم يكن مدركا‪ ،‬ومحترفا بالطاقة» إلى شؤم وغيظ من الحياة‪،‬‬
‫وتنخفض طاقته إلى مستوى السالسل الفكريّة هناك‪ ،‬ليصبح جزءا من طاقة‬
‫ض ّحي بهذه البرامح‪ ،‬ال للجهل‪ ،‬بل لعشقه‬ ‫المشاكل وليس الحلول‪ .‬فالقائد المستنير يُ َ‬
‫التأثير اإليجابي‪ ،‬فهو يدري أن ال تأثير يحصل‪ ،‬من دون شحن النفس بطاقة ال ُحب‬
‫اإليجابية‪ .‬فإن كانت األخبار تبيع أكثر بالسلبية‪ ،‬مستعملة انحياز العقل األتوماتيكي‬
‫سك بهذه األجندة؟‬ ‫لهذا االتجاه‪ ،‬فلماذا تقحم نَ ْف َ‬
‫ليس المقصد هنا أن تُنكر الدمار والكوارث التي تدور حول العالم‪ ،‬ولكن الحلول‬
‫ال تقبع في الغوص بنفس الدوائر الطاقيّة التي شكلتها‪ ،‬وإنّما باالعتراف بوجود‬
‫الظالم‪ ،‬وهو في داخل ك ّل سيكولوجية إنسانيَّة‪ ،‬والتعامل معه ال بتغذيته‪ ،‬بل بتطهيره‬
‫والتعالي عنه‪ ،‬لتقديم تردد طاقي أعلى لإلنسانيَّة‪ ،‬فترشدهم لحلول جديدة‪ .‬القائد الذي‬
‫يعمل على طاقة ال ُحب واألمل المتجذّر‪ ،‬هو أكثر فاعليّة وخدمة لإلنسانيَّة‪ ،‬من‬
‫والحكمة‪.‬‬
‫الماليين الذين يذوبون بطاقة األخبار‪ ،‬ظانيّن أن في ذلك ارتقاء بالمعرفة ِ‬
‫ولفك شفرته علينا التم ّحص‬ ‫ّ‬ ‫القائد المستنير له نه ٌج معي ٌّن في التغيير المجتمعي‪،‬‬
‫بمناهج التغيير المجتمعية كافة‪ .‬وهم يتواردون حول هذه المناهج الثالثة‪.‬‬
‫في المرحلة األولى يقطن منهج التغيير حول محاربة األمور‪ ،‬فترى من يتبعه‪،‬‬
‫دائمة المحاربة للفقر‪ ،‬أو المخدرات‪ ،‬أو األمراض‪ ،‬أو العنصرية وغيرها‪ ،‬وبهذا‬
‫المنهح يتم توجيه الطاقة لما ال نريد‪ ،‬فتزيد في إيقاعها‪ .‬أما المرحلة الثانية وهي من‬
‫منهج التركيز على ما نريد‪ ،‬فترى القائد يبني الرؤى‪ ،‬واالستراتيجيات الفعلية باتّجاه‬
‫السعادة والصحة والثراء‪ ،‬وهذا تطور ملحوظ في منهج التغيير‪ ،‬ولكن ليس هذا‬
‫ملعب القائد المستنير بعد‪.‬‬
‫عارف بقانون الفكر‪ ،‬وبأنه المشكل لواقعه؛ لذلك ال يسعى‬ ‫ٌ‬ ‫القائد المستنير هو‬
‫التغيير على مستوى االزدواجية‪ ،‬سواء من المحاربة لما يريد‪ ،‬أو دعم ما يريد في‬
‫الخارج‪ ،‬وإنما يبدأ بالنظر إلى داخله‪ ،‬وبأخذ المسؤولية المطلقة للمسبب من داخله‪،‬‬
‫ليبدأ التعالي عنه‪ .‬فتراه ينغمس في طريق الشفاء الداخلي‪ ،‬ليسمح لالستراتيجية‬
‫المناسبة أن تولد كنتيجة للشفاء الداخلي‪ .‬فطريق التغيير له‪ ،‬من الداخل إلى الخارج‪،‬‬
‫وليس العكس‪.‬‬
‫مثال لو نظرنا لموضوع العنصرية‪ ،‬فالقائد المستنير ال يبدأ بمحاربة العنصرية‪،‬‬
‫أو تمكين الوحدة في الخارج‪ ،‬وإنما يبدأ من نفسه‪ ،‬وبالنظر إلى داخله‪ ،‬لكل المناطق‬
‫التي تتالعب فيها أنماط العنصرية في داخله‪ .‬لذا هو يبدأ من األساس‪ ،‬بالصدق مع‬
‫الذات‪ ،‬وفي هذه العملية يولد الفهم من داخله ألنماط العنصرية‪ ،‬فيقاد من تيار الذات‬
‫لكيفية قيادة التغيير‪ ،‬بإلهام الناس لتطهير العنصرية‪ ،‬ومن داخلهم إلى روح الوحدة‪.‬‬
‫هنا تصبح عملية التغيير أدق‪ ،‬وأصدق وأكثر شمولية وفاعلية؛ ألنها شملت المغير‬
‫ّأوال وأخيرا‪ .‬فهو التقى مع من يؤثر عليهم بشجاعته؛ ألنه أول من دخل غابة‬
‫المجهول قبل القيادة إلى النور‪.‬‬
‫في هذه العمليّة سيواجه القائد «مقاومة» من نوع آخر‪ ،‬كاالضطهاد من التجديد‪،‬‬
‫وقمع المنهج المختلف في التغيير‪ ،‬وحتى سيواجه االتهام في الجنون‪ ،‬لوضوح‬
‫رؤيته واختالفها وبساطتها‪ ،‬فكم نعت القادة بكافّة الصفات من المجانين إلى الكفار؟‬
‫وكم منهم ز ّجوا في السجون خلف القضبان الحديدية‪ ،‬القتراحهم حلوال غير تقليدية؟‬
‫فحتى من نقدّرهم اآلن من القادة ال ُملهمين‪ ،‬قد نُ ِعنتوا بكافّة األلقاب وما زالوا‪ ،‬فقبيل‬
‫نجاح مارتن لوثر كنج الذي قاد الوحدة بين البيض والسود‪ ،‬اتهمه العامة بالمثاليّة‪،‬‬
‫سك «بال ُحب» غير العملي‪ ،‬هذا ألنه رأى بحق اليقين أن الحب هو أساس‬ ‫والتم ّ‬
‫الوحدة‪ ،‬والتطهير العرقي‪.‬‬
‫وشخصيًّا أعرف حق المعرفة هذه التح ِدّيات التي تواجه القائد الحق‪ ،‬فهذا مصير‬
‫من يُح ِلّق خارج سرب القطيع‪ ،‬والذي يكون في بادئ األمر كشكل من الوحدة‬
‫السطحيّة‪ ،‬الختالف منظوره عن دائرة المألوف‪ ،‬حتى االلتقاء بالنسور المشابهة‪.‬‬
‫فعندما مشيت بطريق أصالتي‪ ،‬نعتني غالبية أصدقائي وأهل مدينتي بالمجنون وغير‬
‫الواقعي‪ ،‬وكنت أحس حينها باأللم العميق‪ ،‬بألم الرفض الجمعي‪ ،‬وخصوصا أني‬
‫كنت أرى حلوال سلسة وبسيطة لكل المشاكل الفردية والعالمية‪ ،‬والتي تتلخص برفع‬
‫الوعي‪.‬‬
‫ولكني أعدك أنه بعمق هذا األلم والوحدة اآلنيَّة‪ ،‬ستجد أنّك تمشي إلى عمق أكثر‬
‫مع ذاتك‪ .‬فعند الوقوف وحيدا في فرادتك‪ ،‬سيحصل االتصال فيك مع روح الحياة‬
‫الواحدة‪ ،‬أو كما أبدع في وصفها عبقري األساطير البروفيسور «جوزيف كامبل‬
‫صة فينا‪ ،‬وبهذا‬ ‫لنمش في رحلة البطل الخا ّ‬ ‫ِ‬ ‫‪ »Joseph Campbell‬بقوله‪« :‬‬
‫الطريق الذي نظن أن فيه أننا سنجد العزلة‪ ،‬سنجد هللا‪ ،‬وبالطريق الذي نظن أننا‬
‫سنذهب فيه للخارج‪ ،‬سنجد مركز وجودنا‪ ،‬وبالطريق الذي نظن أننا فيه سنكون‬
‫وحيدين‪ ،‬سنجد العالم أجمعين»‪.‬‬
‫فتذكر أنّه على صعوبة رحلة القائد الذي فيك‪ّ ،‬إال أنها بسيطة‪ ،‬بل الخيار األبسط!‬
‫نعم بسيطة؛ ألنّها تقودك أكثر إلى حضن العالمين‪ ،‬فعند االنقياد مع نبضك االبتكاري‬
‫األصيل‪ ،‬والمشي برحلتك الفريدة‪ ،‬فأنت تسير مع اتجاه التيار الكوني وال عكسه‪.‬‬
‫وإن كان في هذا تحديات مرحليّة‪ ،‬بسبب سحبك الوالء من األنظمة الفكريّة البالية‪،‬‬
‫لحساب نظام الخوف‪ ،‬فصدقني القادم أجمل‪ ..‬هذه هي رحلة الهداية المنشودة‪ .‬رحلة‬
‫أسطورية لعمق الذات‪ ،‬رحلة القائد المستنير‪.‬‬
‫تخف أن تُفعّل كود القيادة فيك؛ ألننا نحتاج هذا التفعيل أكثر من أي وقت آخر‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫فال‬
‫نحتاجك ألن تستذكر ذاتك باستقالليتها‪ ،‬ونحتاجك أن تحب ذاتك‪ ،‬وتتقبّلها‪ ،‬وتعشقها‪،‬‬
‫قوة المفكرين المستقلين‪ ،‬الذي يُسلّمون‬ ‫قوتك الحقّة‪ .‬فنحن نحتاج اآلن إلى ّ‬ ‫لتستذكر ّ‬
‫والءهم إلى المكان الوحيد الذي ص ّحت الوالية له‪ ،‬وهو صوت القلب‪ .‬فالقائد‬
‫المستنير هو مفكر مستقل يقدر على االستماع إلى آراء الجميع‪ ،‬والتالعب بك ّل‬
‫الحكمة‬
‫األفكار المختلفة على أنها احتماليات فكريّة‪ ،‬من دون فقدان اتصاله بصوت ِ‬
‫من داخله‪.‬‬
‫أن أفكار العا ّمة‪ ،‬وحتى أفكاره الشخصيّة‪ ،‬ليست قوانين‪ ،‬وسننا‬ ‫القائد المستنير يعي ّ‬
‫مجرد اقتراحات‪ ،‬ودوره الرئيسي هو التمييز الثاقب‬ ‫ّ‬ ‫كونيّة‪ ،‬وإنّما اقتراحات‪ ،‬نعم‬
‫بين النافع‪ ،‬وغير النافع‪ ،‬بالعودة لحدسه‪ ،‬فحدس القائد‪ ،‬هو قائده‪.‬‬
‫ي‪ ،‬ومرشده األزلي؛ لذلك ترتقي القيادة مع ارتقاء‬ ‫الحدس هو مفتاح القائد الداخل ّ‬
‫الحدس‪ ،‬والذي يعتمد على قدرة التمييز لمصدر األفكار‪ :‬هي من صوت «الخوف»‪،‬‬
‫«الحكمة» من داخلك‪ ،‬وهذا تدريب‪ .‬فاألول ثرثار‪ ،‬ومعقّد لضعفه‪ ،‬واآلخر‬ ‫ِ‬ ‫أو‬
‫الحكمة مختلفة ك ّل االختالف عن العواطف اللحظية‬ ‫ساكن‪ ،‬وبسيط لقوته‪ .‬وتيقن أن ِ‬
‫الجياشة‪ ،‬والتي يس ّميها الناس بصوت القلب‪ ،‬فصوت القلب‪ ،‬هو نتاج السكون‪،‬‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫وليس الهيجان العاطفي‪ ،‬وهذا ّ‬
‫صوت القلب‪ ،‬هو صوت السكون‪ ،‬وليس الهيجان العاطفي‪.‬‬
‫وقد يكون السبب الرئيسي الذي يعطلك عن سماع صوت القلب‪ ،‬هو كثرة الضجيج‬
‫الداخلي‪ ،‬وهذا يحل بالعودة أكثر وأكثر لفضاء الذات‪ ،‬العودة إلى داخل قلبك‪ ،‬لسماع‬
‫الحكمة في الكون متاحة لك اآلن‪،‬‬ ‫اإلجابات من سكينة القلب‪ .‬فداخل قلبك تجد ك ّل ِ‬
‫ي مشأكل قد تواجهها في أي زمان‪ ،‬هذا ألن‬ ‫هي ِحكمة خالصة‪ ،‬ولها الحلول أل ّ‬
‫الحكمة هي معرفة روحيّة كاملة‪ ،‬تترفع على بُ ْع ِد الزمان‪ .‬ك ّل قائد أدرك هذا السر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الحكمة في داخله اآلن‪ ،‬وأن اإلجابات من داخله اآلن‪.‬‬ ‫وأدرك أن ِ‬
‫ب على سماع اإلجابات من داخلك‪ ،‬بنقل تركيزك إلى قلبك‪ ،‬والتنفّس‬ ‫تتدر َ‬
‫ولك أن َّ‬
‫في داخل‪ ،‬وخارج قلبك كما ذكرنا عن التنفس القلبي من قبل‪ ،‬حتى تجد الصفاء‬
‫خلف األفكار‪ ،‬ومن ث َّم قد تسأل ما شئت من قلبك‪ .‬في البداية قد ال تأتي اإلجابات‬
‫فورا‪ ،‬وهذا طبيعي‪ ،‬فأنت تعيد هندسة أنظمتك الطاقيّة‪ ،‬لتوجيه البحث إلى داخلك‪،‬‬
‫ومع التدريب‪ ،‬سترى اإلجابات تخاطرك بوضوح أكثر‪ ،‬وبالوقت ستزداد قدرتك‬
‫الحكمة‪ ،‬وثرثرة الجزء التحليلي منك‪ .‬ستميز بين الحدس‪،‬‬ ‫على التمييز بين إجابات ِ‬
‫والترهات الفكريّة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وبعد فترة سيصبح مرشدك الرئيسي‪ ،‬هو صوت القلب‪ ،‬والجمال أن هذا المرشد‬
‫صة‪ ،‬وإيقاعك‬‫لديه ك ّل اإلجابات التي تبحث عنها‪ ،‬اإلجابات التي تناسب رحلتك الخا ّ‬
‫الحالي‪ ،‬فهي إجابات مس َّخرة لك وليس للعامة‪،‬‬
‫إجابات فريدة‪ ،‬وتوازي فرادتك‪ .‬وعند االستماع لهذه اإلجابات‪ ،‬وتنفيذ اقتراحاتها‪،‬‬
‫الحكمة األصيلة‪،‬‬‫سك تلين أكثر وأكثر على ِ‬ ‫بحكمتك القلبيّة‪ ،‬لترى نَ ْف َ‬ ‫ستزداد ثقتك ِ‬
‫وليس آراء خارجيّة ‪.‬‬
‫الحكمة بالنسبة لي هو رفيقي الدائم الذي ال يفارقني‪ ،‬وحتى إن لم‬ ‫شخصيًّا صوت ِ‬
‫ت اإلجابات التي أرغب‪ ،‬في الوقت الذي أرغبه‪ ،‬فحتى هذا ال يخلو من والئي‬ ‫تأ ِ‬
‫ي فعلُهُ هو اإلنصات أكثر‪ ،‬والصبر أكثر‪ ،‬واإلجابة‬ ‫علَ ّ‬
‫الكامل لهذا الصوت‪ ،‬وك ّل ما َ‬
‫أو «العالمة» ستظهر بشك ٍل أو بآخر‪ ،‬أنا على يقين من ذلك‪ .‬ومن الجميل‪ ،‬أن تكون‬
‫الحكمة موجودة دائما وأبدا في داخلك‪ ،‬وجاهزة إلرشادك طوال الوقت‪.‬‬ ‫على يقين أن ِ‬
‫أعط َك مثاال واقعيًّا علّه يوضح المقصد‪ ،‬وهو عن أحد أهم الكورسات‬ ‫دعني هنا ِ‬
‫في أكاديمية «كن أنت»‪ ،‬وهو معسكر خيمياء الروح‪ .‬عند بداية تشكيل هذا الكورس‬
‫الحكمة أن ترشدني إلى مصادر المعرفة التي أحتاجها‪ ،‬لتتركب صورة‬ ‫طلبت من ِ‬
‫الكورس مع بعضها كاملة‪ ،‬هذا مع المالحظة أن هذا الكورس أتاني من إرشاد‬
‫الروح‪ ،‬وليس اختياري التحليلي‪.‬‬
‫بعدها بفترة كنت أنتظر في المطار في لندن‪ ،‬وفي جانبي كانت تقف فتاة‪ ،‬فتفعَّل‬
‫صة‪ ،‬وبمزيج من الصوت واألحاسيس‬ ‫حدسي فورا حينها‪ ،‬وأرشدني بطريقته الخا ّ‬
‫إلى أن أذهب‪ ،‬وأتكلّم معها‪ ،‬وكما اعتاد حدسي مني‪ ،‬فلبّيْتُ ‪ ،‬وذهبت إلى الفتاة‪،‬‬
‫ي التكلّم معك»‪.‬‬‫وقلت لها‪« :‬سيبدو ما أقول غريبا ِجدًّا‪ ،‬ولكن لسبب ما أحس بأني عل َّ‬
‫مدربة روحيّة‪ ،‬فتكلّمنا مع بعضنا حوالي ربع الساعة‪ ،‬ثم‬ ‫للمفاجأة اتّضح أن الفتاة ّ‬
‫ولسبب ما‪ ،‬بدأت هي بالتكلّم عن أحد المعلمين الذين تعلمت منهم‪ ،‬فأخذت هذا‬
‫كعالمة‪ ،‬وأخذت اسمه فورا‪ ،‬وذهبت للبيت ألبحث عنه‪.‬‬
‫أحسست بأن حدسي قادني للفتاة ألجد هذا المعلم‪ ،‬ومن دون أية معرفة عنه‪ ،‬وعن‬
‫أسلوبه‪ ،‬فس ّجلت في الكورس الذي كان سيعطيه بعد أسبوعين‪ .‬عندما ذهبت إلى‬
‫الكورس‪ ،‬تبين لي لماذا قادني حدسي هناك‪ ،‬فهذا المعلم لديه معرفة فريدة‪ ،‬احتجتها‬
‫بشدة للكورس‪ .‬هذا النوع من السِحر واألعاجيب‪ ،‬هو ما يحصل عندما تسمع‬
‫لحكمتك‪ ،‬وتنفذ ما تقول‪ ،‬وتذكر الشرط الثاني‪ ،‬وهواألهم‪ ،‬التنفيذ؛ ألنّه إن استمعت‬ ‫ِ‬
‫الحكمه ولم تتبعه‪ ،‬ستتالشى تدريجيًّا حساسيتك له؛ ألنّك لم تثق به‪.‬‬ ‫لصوت ِ‬
‫الحكمة أو‬‫وقد تفكر بنَ ْفسِك اآلن‪ ،‬ولكن إيهاب صدّقني إني استمعت إلى صوت ِ‬
‫حدسي من قبل‪ ،‬ومشيت خلفه‪ ،‬ولكنّه قادني إلى أسوأ األماكن! نعم‪ ،‬قد يأخذك‬
‫حدسك إلى أماكن قد تظهر على السطح بأنّها «سيئة»‪ ،‬ولكن في حقيقة الموضوع‬
‫غير ذلك‪.‬‬
‫تذكر أن الحدس يلعب لعبة كبيرة‪ ،‬وله قدرة خارقة على االتصال بمعطيات فكريّة‬
‫كثيرة‪ ،‬تتعدّى سعة الجزء التحليلي المقيّد بحدود الزمان والمكان‪ ،‬فالحدس هو‬
‫المرشد الحكيم الذي يأخذك دائما وأبدا إلى أبسط وأسرع الطرق‪ ،‬وهذا قد ال يتوازى‬
‫مع مفهومنا السطحي عن البساطة والسرعة‪ ،‬فقد يأخذك حدسك مباشرة إلى األماكن‬
‫التي تحتاج فيها للشفاء العاطفي ب ِشدّة لتحقيق هدفك‪.‬‬
‫مثال عندما تضع هدفا واضحا أمامك‪ -‬هدفا يعبر عن قلبك‪ -‬فالحدس سيكشف لك‬
‫ك ّل المقاومات‪ ،‬والجروح العاطفيّة التي تمنعك من تحقيقه‪ ،‬ليجري الشفاء هناك‪،‬‬
‫وتحصل النهضة السريعة نحو الهدف القلبي‪ .‬فقد يأخذك حدسك إلى عالقة قد تنتهي‬
‫في شهر‪ ،‬ولكنّها ضرورية لتتعلم خبرة معيّنة منها‪ ،‬وتع ّمق فهمك لذاتك‪ ،‬إليضاح‬
‫رغباتك األصليّة‪ ،‬لتجذب أصدق عالقة في حياتك‪ ،‬كما حدث معي! أو قد يأخذك‬
‫حدسك إلى «خسارة» آنية‪ ،‬لتكشف معتقدا معيّنا‪ ،‬وتبني سعتك السيكولوجية‪ ،‬وعمق‬
‫الشخصيّة الكافي‪ ،‬لتحتمل ما سيأتيك بعدها في عملك الريادي‪.‬‬
‫مثال في المرة األولى التي و ّجهني حدسي لعمل تدريب جماعي‪ ،‬كانت النتيجة‬
‫ت أحدٌ!‬
‫نجاحا كاسحا‪ ،‬إلى درجة أنه لم يأ ِ‬
‫ي باإلحباط‪ ،‬لم أق ْم ب َمال َم ِة َح ْدسي؛ ألني عرفت‪ ،‬أن‬ ‫وبالرغم من إحساسي اللحظ ّ‬
‫َّ‬
‫هناك لعبة أكبر يلعبها‪ ،‬فتعاملت مع أحاسيسي بالسماحية‪ ،‬والتقبّل وال ُحب‪ ،‬ومن‬
‫دون لعب دور الضحيّة‪ .‬عدت بعدها إلى حالة الهدوء‪ ،‬ونظرت إلى الطريقة التي‬
‫روجت لها للحدث‪ ،‬وتعلمت الدروس وعدلتها‪ ،‬ثم قمت بتجديد التدريب الجماعي‬ ‫ّ‬
‫بعدها بأسبوعين‪ ،‬وعندها أتى حوالي عشرة أشخاص‪.‬‬
‫بسبب هذا الحادث بالضبط‪ ،‬تعلمت كيف أفصل قيمتي عن عدد الناس الحاضرين‪،‬‬
‫وتعلمت أهمية اإلصرار‪ ،‬وأهمية التعلم السريع للدروس المستفادة‪ ،‬والتقييم‪،‬‬
‫والتعديل‪ ،‬وطبعا األهمية الكبيرة للتسويق‪ ،‬والتي هي من دون شك أهم خصال‬
‫النجاح المستدام‪.‬‬
‫لذا ثق بحدسك‪ ،‬وخصص الوقت الكافي لالستماع له‪ ،‬والسمع ليس محصورا على‬
‫حاسة «السمع»‪ ،‬فقد يقودك حدسك باإلحساس‪ ،‬أو الرؤى الذهنيّة‪ ،‬أو الومضات‬
‫الفكريّة الجديدة‪ ،‬أو العالمات‪ ،‬أو غيرها من الحواس الروحيّة الخفيّة‪ .‬ويبقى‬
‫السكون هو الجهاز المكبر لنداء الحدس‪ ،‬فكلّما زاد اتصالك بالسكون الداخلي‪،‬‬
‫قوتك الحدسيّة‪ ،‬ومعه قدرتك على االنصياع خلف ندائه‪ ،‬ذلك النداء الذي‬ ‫ارتقت ّ‬
‫يغرد في نفسك إلى رحلة الغموض‪.‬‬
‫أما وعي القطيع فالغموض له هي كارثة الكوارث‪ ،‬ومكان يتالعب به صوت‬
‫الخوف والندم‪ ،‬ليرجعهم بسرعة خياليّة إلى مسار القطيع‪ ،‬ثابتين فيها أكثر من‬
‫األول‪ .‬فال تكن كالشخص الذي بدأ باالنقياد خلف حدسه المستق ّل‪ ،‬وعند إصابته‬
‫بحيرة الغموض‪ ،‬رجع إلى الخلف‪ ،‬معتقدا أنه تائه بالطريق الخطأ‪ ،‬فرحلة األصالة‬
‫هي ليست رحلة معروفة المعالم مسبقا‪ -‬وإن كانت كذلك‪ -‬فهي ليست رحلتك‬
‫صة! فك ّل خطوة باتّجاه رحلتك الخاصة‪ ،‬هي خطوة لقلب الغموض‪ ،‬تتب َّخر فيها‬ ‫الخا ّ‬
‫القوانين الفكريّة المعتادة من ذهنك‪ ،‬لتتيح المساحة للتجديد‪ ،‬وفي هذه المنطقة‬
‫بالمنتصف تتجلَّى حيرة الغموض‪.‬‬
‫َج الحياة‪،‬‬
‫فاستمتع بالغموض كعالمة على التجديد‪ ،‬وعاملها كفضول األطفال في َوه ِ‬
‫فإن مات الغموض‪ ،‬مات الطفل فيك‪ ،‬ومات اإلنسان‪ ،‬ومات المفكر المستقل‪ ،‬ومات‬
‫القائد المستنير‪.‬‬
‫فالقائد المستنير هو ليس العارف لك ّل شيء‪ ،‬بل على العكس تماما‪ ،‬هو المستمتع‬
‫«الحكمة الحقيقيّة أن‬
‫ِ‬ ‫بغموض الحياة‪ ،‬والمستمتع بعدم المعرفة؛ ولذلك قال سقراط‪:‬‬
‫تعرف أنّك ال تعرف شيئا»‪ ،‬فالقائد الحق ال يخشى الغموض؛ ألن إيمانه متجذّر‬
‫بمكان أثبت‪ ،‬من الحاجة المرضية لمعرفة تفاصيل الطريق قبل السير فيه‪ ،‬أو حتى‬
‫ضمان النتائج‪ .‬فإيمان القائد متجذّر في المغامرة ذاتها‪ ،‬وهي المغامرة التي ينادي‬
‫لها صوت الخلود‪.‬‬
‫صوت الخلود هو الصوت الذي يهامس القائد بإغرائه الصامت‪ ،‬مناديا خاليا جسده‬
‫إلى مغامرته األسطورية‪ ،‬وفيه رسالته الوجودية‪ .‬في غموض هذا الصوت يتجلَّى‬
‫الال منتهية‪ ،‬وبهذا إحساس غير منت ٍه من‬ ‫الال منتهي‪ ،‬وأسرارها ّ‬ ‫عمق الحياة ّ‬
‫إحساس الدهشة الكونيّة‪ ،‬وليس كما ُخيّل لنا‬ ‫َ‬ ‫الفضول‪ .‬في نقاء هذا الفضول‪ ،‬تجد‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫بفرصة للهروب‪ْ ،‬‬
‫وجلد الذات‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫الغموض هو صدر الدهشة الكونيّة‪ ،‬وليس كما ُخيّل لنا كفرصة للهروب‪ْ ،‬‬
‫وجلد‬
‫الذات‪.‬‬
‫تخف من أن تسلك خفايا الصوت الغامض‪ ،‬فلسبب ما هو سيد العارفين‪ ،‬هو‬ ‫ْ‬ ‫فال‬
‫الصوت الذي يغني برقة‪ ،‬وتواضع في سكون ذاتك‪ ،‬مشعال في همساته الصامتة‬
‫سك‪ .‬هو ذلك الصوت‬ ‫نيران قلبك البيضاء‪ ،‬ليطهر ذهنك من شوائب الزيف عن نَ ْف َ‬
‫الذي يغني للمجهول‪ ،‬وفي رنينه أغنيَّته الوجودية‪ ،‬فأنصت لصوته‪ ،‬أو كما قالها لنا‬
‫الشاعر الصوفي العاشق جالل الدين الرومي‪»:‬أنصت إلى الناي يحكي حكايته»‪،‬‬
‫صها‪ ،‬وفي أنين ندائه رسالتك القلبيّة‪.‬‬ ‫فنغم الناي له روايته الخاصة ليق ّ‬
‫يتجزأ من اكمال مسيرة القائد فيك‪ ،‬وتعبيره الفريد‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الرسالة القلبيّة هي جزء ال‬
‫فكيف تحقق شهوة القائد الذي بداخلك‪ ،‬إن لم تحقق رسالته الفريدة؟ فالرسالة للقائد‪،‬‬
‫هي تلك المغامرة المجهولة‪ ،‬والطريق التي لم تَدُ ْسهُ قدم من قبله‪ ،‬فحرمتها مصونة‬
‫من صون أصالتك‪.‬‬
‫الرسالة هي التي تضيف لتعبيرك الفريد فرادة‪ ،‬وتضيف الرتكازك ارتكازا أعمق‪،‬‬
‫ّ‬
‫المعزز بأحادية المسعى‪.‬‬ ‫فال يكون تعبيرك المميز بالعشوائي أو المبعثر‪ ،‬بل التعبير‬
‫ليتحول‬
‫َّ‬ ‫آخر لألصالة‪ ،‬يمتزج فيه تعبيرك الفريد برسالتك الفريده‪،‬‬ ‫هنا يَ ْس َ‬
‫ط ُع بعدٌ ُ‬
‫هذا التعبير إلى شك ٍل من المه ّمة‪.‬‬
‫في هذا الطريق ترقص الذات بعيدا عن وعي القطيع‪ ،‬وتتسامى عن لعنة التقليد‪،‬‬
‫لتتتحول إلى الخادم األصيل لقلب رسالتك‪ ،‬وهنا يرتقي مفهوم االستمتاع‪ ،‬من‬ ‫َّ‬
‫االستمتاع بالنتائج فقط‪ ،‬إلى االستمتاع بالرحلة ذاتها‪ .‬فهذه الرحلة ليست كباقي‬
‫الرحالت‪ ،‬والتي يهيمن عليها مفهوم النهايات‪ ،‬فالرسالة القلبيّة تعمل على مستوى‬
‫تتموج في روح الخلود‪ ،‬فهذه الرحلة هي‬ ‫يترفَّع عن مستوى البداية والنهاية؛ ألنّها ّ‬
‫محفّز خالد للخيال والعطاء‪ ،‬واإللهام‪.‬‬
‫في األساطير‪ ،‬عندما كان يذهب الفارس للبحث عن الخلود‪ ،‬بالبحث عن «إكسير‬
‫الحياة»‪ ،‬كان يدرك في بنهاية البحث‪ ،‬أنه مشى هذا الطريق ليكتشف ذاته‪ ،‬وأن‬
‫إكسيرالحياة ليست قارورة دواء ِسحريّة‪ ،‬تحول الفاني إلى الخالد‪ ،‬بل هو التذكار‬
‫لما كان في عمقه‪ ،‬ما كان خالدا في ذاته‪ .‬وعند هذا االكتشاف‪ ،‬تتولد رغبة جديدة‬
‫في قلب الفارس‪ ،‬للعودة والتذكير والعطاء‪ ،‬فالفارس انتشى هنا بأن يكون خادما‬
‫ُعري نفسه من جراثيم‬ ‫للحياة وروحها الواحدة‪ ،‬خادما للم ُحبوبة‪ ،‬فترى الفارس ي ّ‬
‫الزيف‪ ،‬والتقبّل الخارجي‪ ،‬ليلعب بصدق دور المذكر للناس‪ .‬المذكر لما كان أصيال‬
‫فيهم‪ ،‬وقد نسوه آو تناسوه‪.‬‬
‫ولكن ال يعود الفارس هنا للعطاء كما مشى في الرحلة‪ ،‬في رحلة اإلتيان بإكسير‬
‫الحياة‪ ،‬بل عودته مختومة بمعرفة صادقة‪ ،‬تعلق كالوسام على صدره‪ ،‬هو وسام ال‬
‫القوة المختومة‬
‫يخضع لتهديدات الزمان‪ ،‬وال يتغيَّر بتغيُّر المناصب‪ ،‬فهذا وسام ّ‬
‫بِحبر اكتشاف الذات‪ .‬هو الوسام الذي ناله الفارس لقاء شجاعته‪ ،‬الشجاعة التي‬
‫روضت تنين الخوف‪ ،‬ليغدو هزيال‪ ،‬وترى ناره وأالعيبه القديمة قد فقدت وهجها‪،‬‬ ‫َّ‬
‫فوسام اكتشاف الذات‪ ،‬هو وسام الفارس الذي سلم نفسه لرسالة وجودية تتملكه‪،‬‬
‫لتفرغ عصارتها من خالله‪ ،‬فتصبح الرسالة هي الفارس‪ ،‬والمحرك‪ ،‬والقائد‪،‬‬
‫والمعلم‪.‬‬
‫وإن بدا هذا الفارس بالرمز األسطوري‪ ،‬فتذكر أنه أنت‪ ،‬وهو القائد الذي يعيش‬
‫في صلبك‪ ،‬أما الرسالة التي يحملها‪ ،‬فهي رسالتك القلبيّة التي تحول التعبير عن‬
‫الذات‪ ،‬إلى التعبير األسمى عن الذات‪ .‬فقد ارتقى التعبير هنا من المتعة اللحظية في‬
‫السريان‪ ،‬إلى سبب راسخ‪ ،‬وواضح العيان‪ ،‬وال نعني السبب هنا بالهدف السطحي‬
‫الذي تجري لتحقّقه وينتهي‪ ،‬بل نتكلّم عن السبب الوجودي المستدام‪ ،‬والقابع تحت‬
‫ك ّل األهداف‪.‬‬
‫الرسالة هي الطريق التي اخترتها قبل الوالدة‪ ،‬وكأن فيها شهوة الروح األصليّة‬
‫الال منتهي‪ ،‬بهدف رفعة اإلنسانيّة‪ ،‬والخليقة عامة‪ .‬فهذا الطريق هو‬ ‫لتسلك مسلك ّ‬
‫ويحررك من قيدك‪ ،‬هو الذي يؤلمك ويطهرك من ألمك‪ ،‬وهو نفس‬ ‫ّ‬ ‫الذي يقيدك‪،‬‬
‫الطريق الذي يعريك برحمة ال ُحب‪ .‬فهو الطريق الذي اخترت أن تسلك قبل أن‬
‫تعرف أنّك سلكت‪ ،‬ومشيت في أسفاره قبل أن تعي أنّك مشيت‪.‬‬
‫وبالرغم من جمال هذه التعابير الشعرية‪ ،‬وكثرة الرموز المحمولة في باطنها‪ ،‬فإنها‬
‫قد ال تحاكي العمليّة التي فيك مباشرة‪ ،‬فالرسالة‪ ،‬أو رحلة الفارس‪ ،‬كلّها تعابير‬
‫تسللت من عالم األساطير للواقعية‪ ،‬لتصف لك‪ ،‬أن النبض الذي يدفعك‬ ‫ْ‬ ‫مختلفة‪،‬‬
‫باتّجاه معيّن‪ ،‬وهو ليس باالتّجاه العشوائي‪ ،‬بل هو حدسك المرشد إلى رسالتك إلى‬
‫التعبير األسمى عن الذات‪ .‬وهذا النبض‪ ،‬ما هو ّإال «شغفك» كما يس ّميه العامة‪.‬‬
‫ففي مسيرتك باتّجاه شغفك‪ ،‬أنت ال تمشي للخارج‪ ،‬وإن بدا األمر كذلك‪ ،‬فما قد‬
‫تكشيف لمعدنك األصيل‪ .‬فك ّل خطوة باتجاه طريق‬ ‫ٌ‬ ‫يُخيَّل لك بالسعي الخارجي‪ ،‬هو‬
‫الشغف‪ ،‬هي اكتشاف أعمق لذاتك‪ ،‬ومواجهة صادقة أكثر مع تنين الخوف‪ ،‬الذي‬
‫يحرس طريق الشغف‪ .‬بهذه المواجهة واالنتصار المستمر‪ ،‬سترتقي شجاعتك‪،‬‬
‫ووعيك لمراحل أعلى‪ ،‬لتقترن أكثر بسببك الوجودي‪ ،‬الذي كان‪ ،‬وال يزال يحرك‬
‫ك ّل مساعيك‪ ،‬وإلهاماتها‪ .‬وكأنه بالحركة باتجاه الشغف‪ ،‬تبدأ حشوتك الداخليّة‬
‫باالنزالق من عمق الزجاجة‪ ،‬لتوضح أن ك ّل دوافعك‪ ،‬وهداياك الداخليّة‪ ،‬وحتى‬
‫«خبرة» ماضيك‪ ،‬سخرت في اتجاه واحد‪ ،‬لتحرير رسالتك المحورية من باطنك‬
‫إلى يقينك‪.‬‬
‫وفي اختيارك لالنصياع لهذا الطريق‪ ،‬سترى قوى الكون النورانية تعمل بجانبك‪،‬‬
‫وسترى الكثير من المعلمين‪ ،‬والمالئكة‪ ،‬والمرشدين األسطوريين‪ ،‬الذين تعرفهم أو‬
‫«نسيتهم» على مستوى الروح‪ ،‬واألرض ينجذبون للعمل معك‪ .‬وكيف ال؟ وأنت‬
‫أصبحت أداة للرفعة والتأثير الجميل‪ ،‬أداة خادمة لرسالة فريدة‪.‬‬
‫تذكر أن نظام الحياة قد ُهندِس لكشف الرسالة التي ترتسم في دواخلك‪ ،‬وفيها دافعك‬
‫الوجودي األصيل‪ ،‬الرسالة التي أغوت روحك المحلقة لتتجسد في تجربة الجسد‬
‫ي باتّجاه الشغف الذي‬ ‫ض ّ‬‫الفيزيائية‪ .‬وك ّل ما عليك فعله لكشف هذه الرسالة‪ ،‬هو ال ُم ِ‬
‫سه بقلبك اآلن‪ ،‬فالشغف هو الخبز الذي ترميه يد الرسالة على طريق رحلتك‪،‬‬ ‫تح ُّ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫لترشدك إلى الخطوة التي بعدها‪ ،‬وهذا ّ‬
‫طريق الرسالة هو نفسه طريق الشغف‪.‬‬
‫بأال تسعى إلى إيضاح رسالتك بالسؤال التقليدي‪:‬‬ ‫لذلك سأنصحك هنا من ك ّل قلبي ّ‬
‫سيْر خلف شغفك‪ ،‬مع التأ ّمل‬ ‫ما هي رسالتي؟ بل بااللتزام بما أوضحنا‪ ،‬وهو ال َّ‬
‫المحركة خلف هذا الشغف‪ .‬وال تفسر القول‪ ،‬بإهمال التأ ّمل في‬ ‫ِّ‬ ‫صبور في دوافعك‬ ‫ال ّ‬
‫األولَ ِويّة في حياتك‪ ،‬ولكن إن فقد‬ ‫ماهية رسالتك‪ ،‬فهذا تأ ّمل عظيم‪ ،‬وعليه أن يأخذ ْ‬
‫سيتحول إلى صداع فكري!‬ ‫ّ‬ ‫هذا التأ ّمل العمل التقديمي نحو الشغف‪،‬‬
‫فالرسالة ليست بجملة ِسحريّة تنزل عليك‪ ،‬فتح ّ ِول حياتك إلى جنة الوضوح‪،‬‬
‫وتطهر قلبك بالبرائة‪ ،‬من زيف البحث الخارجي عن الذات‪ .‬ولكن اكتشاف الرسالة‪،‬‬
‫تأتي من خالل عمليّة تكشيف مستمر أللغاز رحلتك الخاصة‪ ،‬والتع ّمق الدائم في‬
‫أركان دوافعك الذهنية‪ ،‬والعاطفية‪ ،‬والروحية‪ ،‬وهي عمليّة قد تأخذ سنين‪ ،‬بل ستأخذ‬
‫سنين‪ .‬نقول سنين‪ ،‬ليس إلحباطك‪ ،‬وإنّما لتسترخي لجمال الرحلة وغموضها‪،‬‬
‫وكأنّك بك ّل خطوة في مسيرة شغفك‪ ،‬وفي كل تع ّمق في ذاتك تكشف لك الرسالة‬
‫ضلعا من ضلوعها‪.‬‬
‫فال تضي ّْع وقتك‪ ،‬وطاقتك في «البحث الذهني» عن الرسالة‪ ،‬ولكن ابدأ الرحلة اآلن‬
‫بالسعي خلف شغفك‪.‬‬
‫وقد يُخيَّل لك اآلن‪ ،‬لكن لماذا ك ّل هذا التعقيد؟ ولماذا ال نعرف رسالتنا منذ البداية‬
‫وتنتهي المسألة؟ وقد يبدو على هذا السؤال وصمة المنطقية‪ ،‬ولكن تذكر أن جزءا‬
‫من لعبة الحياة الروحيّة على األرض هو «نسيان ذاكرة الروح»‪ ،‬وسبب قدومها‬
‫ي في المجهول‪،‬‬ ‫ض ّ‬ ‫الحكمة العليا‪ ،‬لصقل شجاعتك بال ُم ِ‬ ‫هنا‪ ،‬وفي هذا شي ٌء من ِ‬
‫سعي في اتّجاه المغامرة‪.‬‬ ‫والتعلم غير التقليدي‪ ،‬لتقديس فضولك لل ّ‬
‫وكأن الحياة تقول لك بأنين الناي‪ :‬إن أردت اكتشاف أحضاني‪ ،‬فأيقظ شجاعتك‬ ‫َّ‬
‫لتمشي بطريق الشغف‪ ،‬وإن أردت معرفة أسراري‪ ،‬فأيقظ في ِس ِ ّرك االلتزام ال ُح ّر‬
‫ي بنداء القلب‪ .‬فروحك ال ترضى أن تكشف أسبابها‪ ،‬حتى تستوي في‬ ‫ض ّ‬ ‫لل ُم ِ‬
‫لقوة التزامك‪ .‬وإن فعلت من دون تحليالت زائدة‪،‬‬ ‫شجاعتك‪ ،‬وتظهر النيَّة الصادقه ّ‬
‫ستكتشف عمقا جديدا من العطاء واإلخالص‪ ..‬عمقا يتعدّى مستوى النجاحات‪،‬‬
‫والطموح الشخصيّة‪ ،‬لتالمس فيه روحا جديدة من المجد والبساطة‪ ،‬أو باألحرى‬
‫هي كانت دائمة البساطة‪ ،‬وأنت أدركت هذا اآلن‪.‬‬
‫وهذا ال يعني بالضرورة أن تترك ك ّل شيء في حياتك‪ ،‬من عملك الحالي‪ ،‬وعالقاتك‬
‫بحكمة‪ ،‬وبإبقاء األمور كما هي‪ ،‬مع‬ ‫وغيرها‪ ،‬لتمشي وراء شغفك‪ ،‬ولكن ق ْم بذلك ِ‬
‫ي بتيّاره‪ ،‬سيقوم الشغف‬
‫ض ّ‬‫فتح مساحة صغيرة لطريق الشغف في حياتك‪ .‬وعند ال ُم ِ‬
‫بتوسعة هذا الطريق بنفسه‪ ،‬ورمي األثقال التي تحيِّده عندك‪.‬‬
‫ولكن قد يخطر لك اآلن‪ ،‬أني ال أعرف حتى ما هو شغفي‪ ،‬فكيف أمشي في طريقه!‬
‫هذا هو حوارنا القادم‪ ،‬وإليضاح شغفك‪ ،‬سنطلق على كلمة الشغف هنا وبلغة «كن‬
‫أنت»‪ :‬النبض االبتكاري‪ .‬ففي هذا المفهوم شك ٌل أكثر من العمليّة‪ ،‬لتحقيق هذا‬
‫المسعى الوجودي‪.‬‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫ي من وعي القطيع إلى وعي الذات‪.‬‬ ‫حرر التدريج ّ‬ ‫* والدة القائد تتطلّب الت ّ ّ‬
‫* أسرع وأسلس طريقة للتح ُّرر من النّظم االجتماعية هي عن طريق تقبُّل الذات‪.‬‬
‫قادر على التالعب بكافة األفكار كاحتماليّات فكريّة في فضائها‪،‬‬ ‫* القائد المستنير ٌ‬
‫ومن دون التعلق بها‪.‬‬
‫ّ‬
‫الحق‪.‬‬ ‫* الحدس هو مفتاح القوة‪ ،‬واألساس للقائد‬
‫شغف‪.‬‬‫* طريق الرسالة هو طريق ال َّ‬
‫أسئلة للتفكر‪:‬‬
‫هل توقن بأن في داخلك قائدا؟ إذا كان الجواب ال‪ ،‬ف ِل َم ال؟‬
‫ماذ يقول لك حدسك‪ ،‬وتخاف أن تسمعه؟‬
‫ماذا سيتغير في حياتك إن التزمت في صوت الحدس؟‬
‫إن أردت السعي اآلن فيما يلهمك‪ ،‬فمن أين ستبدأ؟‬
‫النبضُاالبتكاريُ‬
‫ّ‬
‫سك‪،‬‬ ‫ي‪ ،‬هو ذلك الطريق الذي يميل له قلبك‪ ،‬وتتّقد بصحبته حوا ُّ‬ ‫النبض االبتكار ّ‬
‫وابتكاراتك‪ ،‬وخياالتك‪ .‬هو حلم الروح المستور‪ ،‬والذي تمتزج فيه شواطئ أيامك‬
‫ببحار األحالم‪ ،‬ليتحول وجودك إلى حكاية حلم‪ .‬في أحضان هذا الحلم ال ُمقدّس‪ ،‬تفتح‬
‫البصيرة نوافذها ألنوار معارف جديدة‪ ،‬أو باألحرى‪ ،‬معارف من قِدَ ِم الزمان ّ‬
‫مخزنة‬
‫في روحك‪ ،‬وفي باطن األرض‪ ،‬ووهج النجوم‪ .‬معارف وإدراكات‪ ،‬غير متاحة‬
‫للشخص الذي لم يالمس طاقة الحلم‪.‬‬
‫ي‪ ،‬وحتى‬ ‫حتما قد عشت هذه الحالة من قبل‪ ،‬عندما سلّمت الدفّة لنبضك االبتكار ّ‬
‫المرة األخيرة التي ألهمت بفقرة شعرية وكتبتها‪ ،‬أو‬ ‫لو كانت لوقت قلي ٍل‪ ،‬فهل ت َ ْذ ُكر ّ‬
‫ي عن مادّة أنت شغوف بها‪ ،‬وشاركتها‪ ،‬ألم‬ ‫لوحة فنية ورسمتها‪ ،‬أو مقطع تعليم ّ‬
‫تحس في هذه اللحظات بأن الحياة بدأت تُشبه الحلم؟ ألم توقن كيف تملّكتك طاقةُ‬ ‫ّ‬
‫الحلم كالحبيب الغامض‪ ،‬الذي تسلّل إلى قيود قلبك بخلسة‪ ،‬لفك كوداته السرية؟‬
‫ولكن يبقى السؤال ‪ ،‬هل هذه حالة آنيَّة‪ ،‬وتنتهي؟ أم تستطيع أن تعيش حياتك بهذا‬
‫ي‪،‬‬‫الشكل؟ يعني هل تستطيع أن تُسلّم حياتك كاملة وبكل تفاصيلها‪ ،‬لنبضك االبتكار ّ‬
‫ليأخذك إلى رحلته المتجدّدة من االبتكارات الدائمة؟‬
‫ي على مدار الحياة‪ ،‬خاليا من‬ ‫إن كان جوابك ال‪ ،‬وبدا سعيك مع نبضك االبتكار ّ‬
‫ي منك‪ ،‬تأ ّكد بك ّل أقسام الكون الممكنة‪،‬‬ ‫المنطق والعقالنيَّة‪ ،‬وخصوصا للجزء التحليل ّ‬
‫ي هو ليس فقط بالمتاح‪ ،‬وإنما هو‬ ‫أن طريق النبض االبتكار ّ‬ ‫وعهود الحياة كافّة‪ّ ،‬‬
‫طريق التعقّل األصيل‪ ،‬هو طريق الرشد‪ .‬فميل قلبك باتّجاه معيّن لم يكن بالصدفة‪،‬‬
‫ي فيه‪ ،‬هو الموافقة الكاملة‬ ‫ض ّ‬‫فهذا الميل ُو ِلدَ من أعماق روحك‪ ،‬وموافقتك على ال ُم ِ‬
‫على تقبّل إرشاد الروح‪ ،‬وطريقها‪.‬‬
‫ولتسترحْ نفسك بالطمأنينَة‪ ،‬فإن هذا الطريق ليس بالغريب عليك‪ ،‬وإن بدا أنه‬
‫يأخذك بعيدا عن ذاتك‪ ،‬فهو سيقربها معك إلى َحدّ االتحاد‪ ،‬فال تضيِ ّْع نشوة االتحاد‬
‫الخالد‪ ،‬للمنطق الرخيص‪ ،‬الذي ال يعي قوانين الحياة األساسيّة‪ .‬فهذا المنطق إن‬
‫َصفُهُ باألخرق؛‬ ‫وصف بشيء فَ ُج ُّل ما يقال عليه‪ ،‬باألخرق‪ ،‬والمشبع باألنانيَّة‪ ،‬ون ِ‬
‫ألنّه ال يدري ماهيّة االنجذابات القلبيّة‪ ،‬ومنطقها الروحي الحكيم‪.‬‬
‫تروضها‪ ،‬وإنّما اللغة‬‫فانجذاب القلب باتجاه معين‪ ،‬هو ليس بالنزوة التي عليك أن ّ‬
‫التي يتحدثها معك قلبك في طريق الرسالة‪ ،‬فهل هناك من مجيب؟‬
‫«مرة‬
‫ّ‬ ‫ي في هذا الطريق؟ واإلجابة‬ ‫ض ّ‬
‫تظن أنه الحائل بينك وبين ال ُم ِ‬ ‫ّ‬ ‫وما الذي‬
‫أخرى»‪ :‬نظام الخوف‪ ،‬ذلك النظام الذي إن بدا عليها الرحمة‪ ،‬فهو خ ََال من الرحمة‪،‬‬
‫‪ ،‬واستشرى فيه ك ّل أنواع الطغيان‪ .‬ذلك النظام الذي يحاول سلبك رسالتك األصيلة‬
‫صة فقط‪ ،‬فتراه يرمي بك ّل األسباب التي قد تبدو بالمنطقيّة؛ لكي ال تسلك‬ ‫لراحته الخا ّ‬
‫ألن رحلة العبور فيه تبدو بالوعرة‪ ،‬وفيها البعد عن‬ ‫ي؛ ّ‬ ‫طريق النبض االبتكار ّ‬
‫منزلك المريح‪.‬‬
‫سحْ ب والئك منه‪ ،‬والتخفيف‬ ‫أن ال َح ّل مع نظام الخوف ليس بمحاربته‪ ،‬بل ِب َ‬ ‫وتذكر ّ‬
‫من اإلنصات له‪ ،‬فهذا الصوت الخائف سيبقى يُجعجع‪ ،‬ويجعجع‪ ،‬ويتعالى‬
‫بالصراخ‪ ،‬وخصوصا عند البعد عن منطقة الراحة المعتادة‪ ،‬فهو الضعيف الخائف‪،‬‬
‫ولكنّه لن يعلو عن َم ْي ِل قلبك العجيب‪.‬‬
‫فقل نعم لهذا الميل‪ ،‬وابدأ بالتدرب على السريان خلفه اآلن‪ .‬وعند أخذك القرار‬
‫المتكرر لالنسياب مع تيّاره‪ ،‬من دون أسباب واضحة‪ ،‬أو منطقيّة‪ ،‬ستفتح لك الخطوة‬ ‫ّ‬
‫ي‪ ،‬هو كإعطاء الضوء‬ ‫صة‪ ،‬فانسيابك وراء نبضك االبتكار ّ‬ ‫القادمة في رحلتك الخا ّ‬
‫األخضر للكون لفتح المرحلة القادمة من لعبتك الروحيّة‪ ،‬فامضي اآلن مع تيارك‪.‬‬
‫ومهما كان العائق الفكري الذي تواجهه من ليس لدي المهارة‪ ،‬المال‪ ،‬أو الوقت‪،‬‬
‫أو مهما كان السبب‪ ،‬أس ِْر معه اآلن‪ ،‬ومن دون االنتظار أن تكون جاهزا‪.‬‬
‫فال تظن واهما أنه يجب أن تكون جاهزا لتنساب مع انسياب قلبك‪ ،‬فالجهوزيّة ما‬
‫صها شفاة الخوف عليك قبل النوم‪ ،‬فَدَعِ الشفاه المهترئة‬ ‫صة أخرى‪ ،‬تق ّ‬ ‫هي ّإال ق ّ‬
‫امض وراءه ألنّه رسالتك‪ ،‬ومصيرك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ي اآلن‪.‬‬‫وامض مع نبضك االبتكار ّ‬ ‫ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫ثرثِر‪،‬‬
‫ومهمتك‪.‬‬
‫ي خطوة واحدة مع ذلك الذي يميل له قلبك‪ ،‬األمر بهذه‬ ‫ض ّ‬‫فم ّهمتك تتجلّى بال ُم ِ‬
‫البساطة‪.‬‬
‫صته لتيّارك‬
‫يتحول االنقياد مع هذا الميل ألسلوب حياة‪ ،‬وتصبح األذن المتن ّ‬ ‫ّ‬ ‫وعندما‬
‫القلبي‪ ،‬سترى بنفسك إن ك ّل التهديدات « المنطقيّة» التي تلقّيتها من نظام الخوف‪،‬‬
‫ما كانت ّإال تحذيرات واهمة‪ ،‬وخلفها تقبع قدرتك الحدسيّة الكاملة على اشتمام‬
‫طريق اإللهام‪ ،‬وانجذابات القلب الصادقة‪.‬‬
‫طأطأ الرأس على اقتراحات صوت‬ ‫فهنا تقف على مفترق الخيار‪ ،‬أن توافق ُم ِ‬
‫المكرر‪ ،‬أو ترضخ ألنبل القوى التي فيك‪ ،‬وتمشي بطريق‬ ‫ّ‬ ‫الخوف‪ ،‬لتعيد القديم‬
‫القلب؟ وبرضوخك البطولي لميل القلب‪ ،‬تتجلّى أ ْس َمى درجات السيادة على نفسك‪،‬‬
‫وغير ذلك ستكون كحال العبد الذي استعبدَته لنفسك «بمنطق» الخوف األعمى‪،‬‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬ ‫وهذا ّ‬
‫السيّد هو من استسلم لطريق القلب‪ ،‬والعبد هو من استعبدَتْه نفسه بمنطق الخوف‬
‫األعمى‪.‬‬
‫فكما ترى هنا إن ك ّل أجزاء الكتاب‪ ،‬تغريك باتّجاه واحد‪ ،‬هو اتّجاه النبض‬
‫ي‪ ،‬أو ميل القلب‪ ،‬أو الشغف ورحلته الفريدة‪ .‬فك ّل ما ذُكر عن احترافية‬ ‫االبتكار ّ‬
‫ي‪ ،‬والقوانين‬ ‫المحركة‪ ،‬والغوص في كودات الذات‪ ،‬والشفاء العاطف ّ‬ ‫ِّ‬ ‫الذهن‪ ،‬وأنظمته‬
‫ي‪.‬‬ ‫الكونيّة‪ ،‬هي برزت لتعمل كرديفٍ لك‪ ،‬في سعيك الصادق مع نبضك االبتكار ّ‬
‫وكيف لن َيستن ِفر الكتاب طاقاته الصاعقة إلغوائك إلى هذا الطريق‪ ،‬وهو على‬
‫يروج لها‬ ‫يقين كام ٍل‪ ،‬إنه طريق السعادة ال ُمطلقة‪ .‬وال نتحدّث هنا عن السعادة التي ّ‬ ‫ٍ‬
‫اإلعالم‪ ،‬بنوعٍ من االبتسامات البالستيكيّة‪ ،‬وأحاسيس اإلثارة المفبركة طول الوقت‪.‬‬
‫إنّما هي سعادة ٌ أنقى‪ ،‬سعادة ٌ أنبل‪ ،‬سعادة ٌ متجذّرة‪ ،‬وال تتغير مع تغيّر ظروف‬
‫الزمان‪ ،‬أو حاالتك الذهنيَّة؛ ألنّها سعادة ُمنبثقة من صدق الذات‪ ،‬وصدق النيَّة‪،‬‬
‫ي‪.‬‬‫وصدق ال َمسْعى‪ ،‬وفي جوهر هذا ال َمسْعى يتجلّى نبضك االبتكار ّ‬
‫ليس هذا فحسب‪ ،‬وإنّما في هذا ال َمسْعى‪ ،‬تتَّسم أشكال الثراء المستدام بك ّل أشكالها‪،‬‬
‫والسر‪ ،‬بكلمة «المستدام»‪ ،‬فالكثيرون انهالت عليهم الثروات الماديّة‪ ،‬ولكن لبُعدهم‬
‫الداخلي عن طاقة الثراء الحقّه‪ ،‬لم يكونوا قادرين على استدامتها‪ .‬ونرى هذا جليًّا‬
‫باألبحاث التي نُشرت عن األشخاص الذين ربحوا اليانصيب‪ ،‬وتحديدا األعلى من‬
‫مليون دوالر‪ ،‬فالغالبيّة العظمى منهم بدّدوا هذه الثروات في أق ّل من ‪ ٣‬سنين؛ ألنّها‬
‫أن الكثيرين دبّت فيهم المصيبة‬ ‫ي‪ ،‬وحتى ّ‬‫لم تتالءم مع مستوى نضوجهم السيكولوج ّ‬
‫صاحبها‪ ،‬لركاكة القاعدة؟‬ ‫ِ‬ ‫وراء األخرى‪ ،‬أَت َرى كيف أصبحت الثروة كعبءٍ على‬
‫هذا بدل أن تقوم الثروة بواجبها الرئيسي كخادم ودود لرسالتك‪ ،‬بتسريع دائرة‬
‫التأثير‪ ،‬والفاعليّة‪.‬‬
‫ألن فيها نيَّة مختلفة تماما‪ ،‬ال‬ ‫ي فقاعدتك أرسخ؛ ّ‬ ‫عند السعي مع نبضك االبتكار ّ‬
‫سيحول‬‫ّ‬ ‫ي‪ ،‬الذي‬ ‫يناشد فيه المرء نتائج لحظيّة‪ ،‬وال يحلم بصندوق الذهب الخشب ّ‬
‫تعاسته إلى سعادة بلحظة‪ ،‬وإنّما هي طريق النضوج المتجدّد مع ذاتك‪ ،‬وتحدّيات‬
‫الحياة‪ .‬في هذا المسلك تتجلّى االستدامة‪ ،‬بأحلى صورها‪ ،‬فطريق الثراء المستدام‪،‬‬
‫بر ِويَّة مع ال ُمعطيات التي‬ ‫ي‪ ،‬والنضوج َ‬ ‫هو طريق السعي في نبضك االبتكار ّ‬
‫ستواجهها في ك ّل مرحلة من اللعبة الروحيّة‪.‬‬
‫قوة ٌ تسعى للتعبير من‬ ‫قوة ابتكارية خالدة‪ ،‬وفيها ّ‬ ‫هناك في أعماق صدرك‪ ،‬تقبع ّ‬
‫تتموج‬ ‫خاللك‪ ،‬وتسعى ألن تُجنّدك لقادة الحياة الصادقين‪ ،‬في عصارة هذه ّ‬
‫القوة ّ‬
‫شهوة التكوين‪ ،‬وفي جوهر هذه الشهوة نداء «كن أنت»‪ ،‬فهل ستلبّي؟ وإن رفضت‬
‫أو تململت عن هذا النبض الساهر‪ -‬وهو أيضا خيار‪ -‬فالنتيجة هي االنكماش‪،‬‬
‫االنكماش التدريجي حتّى تصغر طاقيًّا أكثر وأكثر‪ ،‬إلى َح ِدّ النملة‪ ،‬بل إلى َح ِدّ‬
‫الخفاء‪.‬‬
‫وال نتكلّم عن االختفاء السحري الممتع بغطاء هاري بوتر‪ ،‬بل هو الخوف من‬
‫تعرية ذاتك‪ ،‬ومكنوناتها‪ .‬وفي هذا الخوف‪ ،‬انكماش عن عظمتك األصيلة‪ ،‬وطريقها‬
‫األصيل‪ ،‬االنكماش عن إظهار بريقك‪ ،‬بالطلب الجاهل لألمان الخارجي‪ ،‬وهذا‬
‫اآلخر هو وهم أيضا‪.‬‬
‫أن لديها َميْال للمشاركة‬ ‫مرة‪ ،‬اكتشفنا َّ‬
‫أدرب سيدة ّ‬ ‫فعلى سبيل المثال عندما كنت ّ‬
‫عن العالقات اإلنسانيّة‪ ،‬وعندها سألتها‪»:‬ما هي الطريقة المثلى لتبدئي التعبير عن‬
‫نفسك هناك‪ ،‬وتشاركي مواد هادفة باتّجاه هذا الميل؟» بدأت النظر إلى أعلى‪،‬‬
‫تحول هذا الشغف البريء‪ ،‬إلى‬ ‫والتفكير بتحليل أكثر‪ ،‬وبدأتُ أالحظ حينها كيف ّ‬
‫تحلي ٍل معقّد‪ ،‬وكأنّها تنحاز من َم ْي ِل القلب إلى رأسها‪ ،‬فأوق ْفتُها‪ ،‬وقلت‪ « :‬ال أريدك‬
‫ْطني‬ ‫حولين هذا الميل‪ ،‬إلى رؤية واضحة المعالم اآلن‪ ،‬بل أع ِ‬ ‫أن تفكري كيف ست ُ ّ‬
‫خطوة واحدة لتمشي مع هذا الميل»‪ ،‬فقالت‪ :‬أريد أن أشارك «كذا وكذا» بفيديو‪،‬‬
‫فحدّدنا الوقت لمشاركة الفيديو‪.‬‬
‫أتى األسبوع الذي بعده‪ ،‬ولم تقم السيّدة بمشاركة الفيديو كما اتفقنا‪ ،‬وعندما سألتها‬
‫لماذا؟ قالت لي‪ :‬إنها عندما قامت عن الكرسي لتقوم بالتصوير‪ ،‬سمعت صوتا يقول‬
‫ص هذا بمنطقيّة كاملة‪ ،‬ثم سألتُها وبك ّل هدوء‪« :‬هل‬ ‫لها اجلسي‪ ،‬فجلست‪ ،‬وكانت تقُ ّ‬
‫الحكمة الذي يرشدك إلى طريق الرسالة؟ «‬ ‫الصوت الذي سمعته حينها هو صوت ِ‬
‫فتململت للحظة‪ ،‬وقالت‪« :‬ال أظن»‪ ،‬فأصررتُ على أن تجيب‪ ،‬بنعم أو ال؟ فقالت‪:‬‬ ‫ْ‬
‫«ال»‪.‬‬
‫ت تروينها لي‪ ،‬بأنّك تريدين أن‬ ‫ثم قمت بسؤالها‪« :‬هل تذكرين األحالم التي كن ِ‬
‫تكوني ُمل ِهمة للسيدات»‪ ،‬قالت «نعم»‪ ،‬فقلت‪« :‬هنا يتجلّى ّأول ت َ َح ٍدّ‪ ،‬لتحويل طاقة‬
‫الحلم إلى أرض الفيزيائيّة‪ ،‬وهنا يتجلّى الخيار لالنسياب بتيار القلب‪ ،‬أو تيار‬
‫الخوف؟ فماذا اخترت؟»هنا جلست السيدة في صمت لبرهة‪ ،‬وقالت‪»:‬الخوف»‪،‬‬
‫ت للخوف لحظتها‪ ،‬وبصدق؟ قالت‪:‬‬ ‫ت عندما أنص ّ ِ‬‫سألتها حينها‪« :‬وماذا أحسس ِ‬
‫ت في نهاية اليوم‪ ،‬هل بالتمكين‪ ،‬أم‬ ‫«بالراحة»‪ ،‬ثم أكملت‪« :‬ماذا أحسس ِ‬
‫لتحس بما يدور في جسدها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لثوان أخرى‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫باالنكماش؟» فصمتت‬
‫وقالت‪»:‬االنكماش»‪.‬‬
‫هنا يتجلَّى خيار الرسالة‪ ،‬إ ّما بأخذك الفعل الذي يأخذك إلى التمكين أو االنكماش‪،‬‬
‫حتى إن كان خارج دائرة المريح والمعتاد‪ .‬هذا طبعا ال يعني الصراع مع الحياة‬
‫ولين‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بالعزيمة ال ُم ْف ِرطة‪ ،‬فنحن بالكثير من األحيان نحتاج للتعامل مع المقاومة ٍّ‬
‫بفن‬
‫والتي قد تكون على شكل تمكين تدريجي للنفس‪ ،‬أو تغيير المعتقدات من العقل‬
‫ي عميق‪ ،‬للتخفيف من رعب نظام‬ ‫الباطن وأسالبيه كثيرة‪ ،‬أوعمليّة شفاء عاطف ّ‬
‫ب‪ ،‬أو شافٍ لتطهير‬ ‫مدر ٍ‬ ‫الخوف‪ ،‬وتيسير الخيار باتّجاه القلب‪ ،‬أو قد نحتاج لتعيين ّ‬
‫المكرر‪ .‬لكن هذا ال يطغى على‬ ‫ّ‬ ‫األفكار ال ُمعرقِلة من العقل الباطن‪ ،‬وشحن الدعم‬
‫المبدأ األساسي وهو‪ :‬أن خيار االنسياب مع القلب يقودك للتمكين‪ ،‬أ ّما خيار الخوف‬
‫فيقودك لالنكماش‪ ،‬وإن كان فيه راحة لحظيّة‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫خيار القلب يقودك للتمكين‪ ،‬وخيار الخوف يقودك لالنكماش الطاق ّ‬
‫ت بالفرق‪ ،‬وبذلك‬ ‫س ْ‬ ‫تقلق على السيدة؛ ألنّها عادت وأخذت قرار القلب‪ ،‬وأح َّ‬ ‫وال ْ‬
‫تحررت أكثر‪ ،‬وأكثر من سجن الخوف‪ ،‬إلى نبض الحياة الساهر‪.‬‬ ‫القرار التقدُّمي ّ‬
‫في مسيرة النبض االبتكاري سترى الحدود تنهار بين عالم الخيال والواقع‪ ، ،‬حتى‬
‫يمزج الحلم بين الخيال والواقع‪ ،‬فيصبح خيالك وواقعك واحدا‪ ،‬أو كما وصفه ب ِدقَّة‬
‫صة‪،‬‬ ‫ي «وليام بليك ‪ « :»William Blake‬الخيال ليس حالة خا ّ‬ ‫الشاعر الروح ّ‬
‫قوة رهيبة‪ ،‬وليونة رهيبة‪،‬‬ ‫تتحرر منك ّ‬
‫ّ‬ ‫إن ّما هو واقعك اإلنساني ذاته»‪.‬في هذا المزج‬
‫وتحول فيزيائيّة الحياة‬ ‫ّ‬ ‫تحول جمود الواقع إلى هيام االحتماليات ّ‬
‫الال محدودة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الص ّماء‪ ،‬إلى خارطة كونيّة ال محدودة‪ ،‬فترى من داخل ذاتك القارات‪ ،‬والكواكب‪،‬‬
‫والنجوم‪ ،‬والحضارات الكونيّة كافّة‪.‬‬
‫هذا النبض الساهر هو نفسه‪ ،‬جنيَّة الروح التي تالمس قلبك بحنان في بعض‬
‫ب‬
‫تتحول إلى المارد الحازم‪ ،‬لتلطمها بشدّة في أحيان أخرى‪ .‬فاس َع بقل ِ‬ ‫ّ‬ ‫األحيان‪ ،‬أو‬
‫الحثيث الثائر أن تكون ال ُمعبِّر عن جنيَّة الروح‪ ،‬وعندها سيدبّ في أعضائك مستوى‬
‫جديد من الشغف‪ ،‬شغف يتعالى عن أحاسيس اإلثارة التي تسطع وتزول‪ ،‬إلى شغف‬
‫ي‪.‬‬
‫أصيل يولد من بوتقة التعبير الخالص‪ ،‬من بوتقة نبضك االبتكار ّ‬
‫ي فريد‪ ،‬وله بوتقته الفريدة ومرشدها الفريد‪ ،‬الذي ينقر على كتفيك‬ ‫فنبضك االبتكار ّ‬
‫لالتّجاه األبسط‪ ،‬اتجاه الصراط المستقيم‪ .‬هو نفسه الحدس في باطنك‪ ،‬الذي ينادي‬
‫ت خافتٍ‪ ،‬ليستميل قلبك‪ ،‬لتكن أنت‪ ،‬وفي بساطة «كن أنت» تتراقص أجمل‬ ‫بصو ٍ‬
‫تعابير الصدق والجمال والعبقريّة‪ .‬هي البساطة الوالدة لك ّل التعقيدات‪ ،‬والمعادالت‪،‬‬
‫والفلسفات‪ ،‬واألنظمة الفكريّة جميعها‪ .‬هي البساطة التي يسطع منها أشكال التكوين‬
‫كافّة‪ ،‬هي بساطة التعبير األعظم عن الذات‪.‬‬
‫مرة‬‫فــــأول ّ‬
‫ّ‬ ‫ي‪،‬‬ ‫أنا اذكر تماما‪ ،‬كيف بدأتُ السعي الكامل‪ ،‬باتّجاه نبضي االبتكار ّ‬
‫حضـــرتُ فيديو عن تطـــوير الذات‪ ،‬لشخــص اسمـه «نواه هاموند‬
‫‪ ،« Noah Hammond‬أحسست حينها بمي ٍل غريب في قلبي‪ ،‬ميل فيه نوع من‬
‫اإلدمان‪ .‬فكنتُ أرجع من العمل ألركض الهثا إلى غرفتي‪ ،‬وأغلق الباب‪ ،‬وأقفز‬
‫مرة كنت أراه يتحدّث‪ ،‬كان‬ ‫على التخت‪ ،‬وأفتح الالبتوب ألنصت لما يقول‪ ،‬وك ّل ّ‬
‫يتفعّل خيالي تلقائيًّا ألرى نفسي أفعل نفس الشيء‪.‬‬
‫كنت أتخيّل أني أتحدث أمام الكاميرا‪ ،‬ألُع ِبّر ع َّما يدور في خفايا قلبي عن األمل‬
‫أدر ما المحتوى الذي سأشاركه‪ .‬كنت أقضي الساعات‬ ‫والتطوير‪ ،‬وحتى إن لم ِ‬
‫والساعات وأنا أتخيّل نفسي أفعل ذلك‪ ،‬ولم يكن هذا الخيال محصورا على حاالت‬
‫الخيال التأ ّملية‪ ،‬بل كان يصاحبني في طريقي للعمل‪ ،‬والمأكل‪ ،‬ومع األصدقاء‪.‬‬
‫صص في التحدّث العلني‪ ،‬أو التدريب‬ ‫لم أ ْد ِر وقتها أن هناك مهنة محترمة‪ ،‬تتخ ّ‬
‫لكن شيئا في صدري كان يدفعني هناك بال أي نوع من المنطق‪،‬‬ ‫ي‪ّ ،‬‬ ‫ي والجماع ّ‬‫الفرد ّ‬
‫أصر على أخذي إلى‬ ‫ّ‬ ‫أو الخبرة المسبقة في هذا المجال البتّة‪ .‬إنه شي ٌء في صدري‬
‫ي المعهود‪ ،‬فطاوعت هذا النبض‪ ،‬وليس‬ ‫رحلة المجهول‪ ،‬بعيدا عن عملي الهندس ّ‬
‫كنوع المطاوعة الخاملة فقط‪ ،‬بل بسعي المناضل خلف حريّته‪ ،‬وسعي صاحب‬
‫شعر المحترق لنهر الماء أمامه‪ .‬ولم يخذلني هذا السعي أبدا‪ ،‬فكما طاوعته‪،‬‬ ‫ال َّ‬
‫طاوعتني الحياة‪ ،‬وال أعني هنا أنّي لم أواجه التح ِدّيات‪ ،‬فالتحدّيات تبقى جزءا من‬
‫لبوابة العالم اآلخر‪،‬‬ ‫جمال اللعبة الروحيّة‪ ،‬ولكن بالمطاوعة‪ ،‬ف ّككت الكود السري ّ‬
‫عالم تعالى عن التقليد والنمطيّة‪ ،‬إلى جنان الحلم الخالد‪.‬‬
‫ي‪ ،‬ومشاركة أفكاري بك ّل من استوى‬ ‫وبعدها بقرابة سنة من اللحاق بنبضي االبتكار ّ‬
‫ّمت سيدة عرضا‬ ‫فيهم النضج للسماع وفي أي منصة‪ ،‬من غرفتي إلى المراكز‪ ،‬قد ْ‬
‫تصورني باحترافية‪ ،‬بعد أن تواجدتُ «بالصدفة» بمحاضرة قدّمتُها بح ّ ٍ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لي بأن‬
‫وشغف عن األداء العالي‪ ،‬فوافقت فورا‪ .‬أذكر تلك اللحظة حتى اآلن‪ ،‬لحظة الدخول‬
‫إلى االستوديو على سطح العمارة‪.‬‬
‫مشينا سويًّا أنا والسيدة خالل أدراج العمارة وطوابقها‪ ،‬وقلبي يتراقص من الفرحة‪،‬‬
‫ق على باب االستوديو هناك والنداء‪ ،‬ليفتح‬ ‫حتى وصلنا السطح‪ ،‬ومن ث َّم قامت بالدَّ ّ ِ‬
‫المساعد من الداخل على الفور‪ .‬ولكني لم أختبر الموقف هكذا‪ ،‬بل رأيت فتح الباب‬
‫بالعرض البطيء‪ ،‬وكأنه يفتح صدره إلى عالم سحري آخر‪ ،‬ليتوقف معه الزمان‬
‫من ذهني‪.‬‬
‫بعدها سلَّم علينا المساعد‪ ،‬وطلب منا الدخول إلى الداخل‪ ،‬لتسقط عيني مباشرة‬
‫يوم‬
‫على الكاميرات واألضواء‪ .‬بالنسبة لي كان وهج اإلضاءة كوهج الشمس في ٍ‬
‫دافئ‪ ،‬هو الصيف الذي يطري بهجة وسرورا إلى النفس‪ ،‬و ُج ّل ما أقدر أن‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫صيف ٍّ‬
‫أصف هذا اإلحساس بأني وجدت بيتي حينها‪ .‬حينها عرفت أن نفس النبض‬
‫ي الذي جذبني إلى سطح العمارة‪ ،‬هو أرجعني إلى بيت قلبي‪ ،‬إلى البيت‬ ‫االبتكار ّ‬
‫الذي أمتزج فيه الحلم بالحقيقة‪.‬‬
‫ي منذ والدتي‪،‬‬ ‫تظن للحظة أني كنت شغوفا‪ ،‬وساعيا للتعبير عن نبضي االبتكار ّ‬ ‫وال ّ‬
‫بل على العكس‪ ،‬وأعني هنا العكس تماما! فقد كنت أستيقظ بمنتصف اليوم‪َّ ،‬إال إذا‬
‫ألن عندي محاضرة بالجامعة‪ ،‬وإن ذهبت هناك‪ ،‬فإني أركض‬ ‫أجبرت على القيام؛ ّ‬
‫للخلف ألضمن مكان نومي‪ ،‬بحيث ال يراني الدكتور‪ ،‬وبنفس الوقت أستطيع تسجيل‬
‫حضوري‪ ،‬وما أكثر الصور التي التقطها أصدقائي‪ ،‬وأنا نائم في المحاضرات‪.‬‬
‫أن الحماسة ليست من طبيعتي‪ ،‬ولكني لم أعِ أن الحماس المتجذّر‪،‬‬ ‫كنت مقتنعا وقتها ّ‬
‫ي؛ لذا إذا أنا سعيت مع نبضي‬ ‫س َريان مع نبضك االبتكار ّ‬ ‫هو الطبيعة اإلنسانيّة عن ال َّ‬
‫ي أيضا‪.‬‬
‫ي‪ ،‬أنت تستطيع أن تسعى مع نبضك االبتكار ّ‬ ‫االبتكار ّ‬
‫فواجبك كعاشق لألصالة والحريّة‪ ،‬واسمح لي بأن أس ّميك كذلك‪ ،‬أن تسعى مع‬
‫ي‪ ،‬أن تسعى مع هذه الطاقة الكونيّة السريعة‪ .‬وإني أعدك بأنها‬ ‫نبضك االبتكار ّ‬
‫أن هناك ذكاء كونِيًّا خالدا‪ ،‬وترتيبا يفوق‬ ‫ستفتح لك أسرار ذاتك‪ ،‬لتكتشف بنفسك‪َّ ،‬‬
‫سرنا‬‫تحليلك‪ ،‬في قلب الطاقة االبتكاريّة‪ ،‬وقلب الحياة‪ ،‬وهم واحد‪ ،‬وهذا ّ‬
‫الصغير‪.‬‬
‫ي يتجلّى قلب الحياة الواحدة‪.‬‬ ‫في قلب النبض االبتكار ّ‬
‫ي هو أهم مساعي حياتك‪ ،‬وربّما لذلك ل ّخص‬ ‫لذلك سيبقى َم ْس َعى النبض االبتكار ّ‬
‫«جوزيف كامبل ‪ »Joseph Campbell‬فلسفته بثالث كلمات إنجليزية بسيطة‪:‬‬
‫لخص ك ّل ما‬ ‫«اتبع بركتك ‪ .« Follow your Bliss‬فهو قال لنا‪ « :‬أستطيع أن أ ُ ِ ّ‬
‫درسته وأيقنته بجملة واحدة‪ ،‬اتبع َب َر َكت َك‪ ،‬وعندما تفعل ذلك سيفتح لك الكون أبوابا‬
‫في األماكن التي كان فيها حائط فقط»‪ ،‬وشخصيًّا أرى البركة‪ ،‬كاسم آخر للنبض‬
‫ي‪.‬‬
‫االبتكار ّ‬
‫وال تخطئ البَ َر َكة‪ ،‬باتجاه الشهوة اللحظيّة‪ ،‬فشتّان بين االثنين‪ ،‬وليس ل ْعنُنا بالثانيَّة‪،‬‬
‫فالشهوة اللحظيّة لها مكانها بالحياة أيضا‪ ،‬والذي يجب أن يُقّدس ويحترم‪ ،‬ولكنّها‬
‫ي هو ليس أكل الشكوالته‬ ‫ليست الطريق التي نصفه هنا‪ ،‬فطريق النبض االبتكار ّ‬
‫طول اليوم واصفا إيّاها بالبركة! وإنّما طريق الخدمة القلبيّة‪ ،‬وإن كان فيها تأخير‬
‫لشهوة النفس لحساب شهوة الروح‪ ،‬بالعطاء‪ ،‬وااللتزام‪ ،‬والصادق‪.‬‬
‫وكما أوضحنا‪ ،‬يبدأ المسعى بهذا الطريق‪ ،‬بخطوة واحدة‪ ،‬فالطريق دائما يتجلّى‬
‫بالخطوة القادمة‪ ،‬وغير هذا ستصبح الرؤية التي تدفعك بالثقيلة؛ ألنّها تبدو بعيدة‬
‫عن نضوجك السيكولوجي اآلن‪ ،‬وهناك سبب لذلك‪ ،‬فالرؤية الحقّة تتحداك للنضوج‬
‫المستمر‪ ،‬لتكون قادرا على التعبيرالكامل عنها‪ .‬فتذ ّكر عندما مشيت بهذا االتجاه لم‬
‫أن هناك شيئا يدعى بالتدريب أو التطوير‪ ،‬واليوم أصبح مجالي‪ ،‬بل ش ّكلت‬ ‫أكن أعي َّ‬
‫مجاال فريدا لنفسي‪ ،‬وهو رسالة من «كن أنت»‪ ،‬تمزج فيه حركات التغيير‬
‫المجتمعية بالوعي والفكر‪ ،‬والعمل الريادي الصادق‪ .‬فالحلم أصبح حقيقة‪ ،‬بخطوة‬
‫ي‪ ،‬وما زال هذا الحلم‪ ،‬وسيبقى في حالة‬ ‫واحدة ك ّل مرة باتّجاه النبض االبتكار ّ‬
‫ليقص أحالما جديدة على شفاه الواقع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مستمرا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫نضوج‬
‫ي‪ ،‬فال أخترع الهدف‬ ‫هكذا أعيش حياتي اآلن‪ ،‬بالسعي التام وراء النبض االبتكار ّ‬
‫ي‪ ،‬وهذا يتطلب خبرة‬ ‫القادم الذي سأنفذه من رأسي‪ ،‬بل من إلهام النبض االبتكار ّ‬
‫ي‪ ،‬والتماشى مع تيّاره‪ .‬ولتوضيح‬ ‫وتدريبا‪ ،‬لالستماع إلى تدفّق النبض االبتكار ّ‬
‫س ّر خلف اسم كورس «القائد المستنير»‪ ،‬أو‬ ‫أكشف لك ال ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫المقصد دعني‬
‫درسه‪ ،‬وهو ّأول كورس في أكاديمية كن أنت‬ ‫«‪ »Enlightened Leader‬الذي أ ُ ّ‬
‫‪ -‬من دزن»‪.‬‬
‫قد لمع هذا االسم في نفسي وأنا نائم‪ ،‬كإلهام بَ ّراق‪ ،‬فقمت ومن دون التفكير بالخطوة‬
‫ي أعرف أنّي إذا أعطيت اإللهام الوقت الكبير للتفكير‪ ،‬سيبدأ نظام‬ ‫األولى؛ ألن ّ‬
‫ؤرقة؛ لذا قمتُ مباشرة اليوم الذي بعده‬ ‫وبث شكوكه ال ُم ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخوف بالتسلل إلى ذهني‪،‬‬
‫وطلبت من المص ّممة التي أعمل معها‪ ،‬أنت تص ّمم صورة كورس القائد المستنير‪،‬‬
‫أو الذي كان يس ّمى القائد العالمي حينها‪ ،‬وأنا حتى تلك اللحظة ال أدري ماذا سيحتوي‬
‫ي تفاصيل عنه‪.‬‬
‫الكورس‪ ،‬أو أ ّ‬
‫حتى أني بدأت اإلعالن عن الكورس‪ ،‬وأنا ال أدري ماذا سيكون في الداخل؛ هذا‬
‫بأن المعلومات ستنهال عندما أعلن‬ ‫ي عالية‪ ،‬ومعها يقيني ّ‬ ‫ألن ثقتي بالنبض االبتكار ّ‬ ‫ّ‬
‫عن الكورس‪ ،‬وفعال حصل‪ .‬واليوم أصبَح كورس القائد المستنير من أعمق البرامج‬
‫ب الذات‪ ،‬والتنوير‪ ،‬والتعبير‬ ‫في القيادة‪ ،‬يُعلّم فنون القيادة من بُعد آخر‪ ،‬متجذّرا في ح ّ ِ‬
‫الصادق‪.‬‬
‫ت مع السنين‪ ،‬كأيّة‬ ‫ت بيوم أو يومين‪ ،‬بل نَ َم ْ‬ ‫ي لم تأ ِ‬
‫وهذه الثقة مع النبض االبتكار ّ‬
‫عالقة تبدؤها مع شخص آخر‪ ،‬فعندما ترى صدق هذا الشخص‪ ،‬يزداد حبك‪،‬‬
‫ي‪ ،‬فهي عالقة‬ ‫واحترامك له تلقائيًّا‪ .‬وهكذا حال العالقة بينك وبين النبض االبتكار ّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫تنضج مع األيام‪ ،‬وهي تبدأ كما أوضحنا بخطوة واحدة مع يد النبض االبتكار ّ‬
‫فك ّل ما أطلبه منك اآلن خطوة واحدة بهذا االتّجاه‪.‬‬
‫إن النبض الذي ألهمك‪ ،‬ودفعك منذ البدء التّجاه معيّن‪ ،‬لم يكن وليد‬ ‫وكما قلنا ّ‬
‫بوابة الخوف التي تخشى أن تفتحها‬ ‫عمق ذاتك‪ُ ،‬و ِلدَ من خلف ّ‬ ‫الصدفة‪ ،‬فهو ُو ِلدَ من ُ‬
‫المحرك إلحساس الشغف فيك‪ ،‬هو‬ ‫ّ‬ ‫ي‬‫في داخلك‪ .‬فنفس طريق النبض االبتكار ّ‬
‫مصدر ألمك‪ ،‬واختناقك‬ ‫َ‬ ‫طريق مواجهتك ألكبر مخاوفك‪ ،‬مواجهة ما كان في السابق‬
‫الرئيسي‪.‬‬
‫نعم الشغف يولد من عمق األلم فيك‪ ،‬جذر كل آالمك النفسية‪ ،‬هو نفس المكان الذي‬
‫لع ْنت َه‪ ،‬ظانًّا أنّه مصدر مظالمك الرئيسيّة‪ ،‬نفس المكان الذي خبّأته للعار من أن‬
‫يظهر‪ ،‬ونفس المكان الذي حبسته بأسوار القلعة الكبيرة‪ ،‬معتقدا أنّه بذلك حماية لك‪،‬‬
‫وهو معتقلك! ولكن الزمن ولّى لل َمالمة‪ ،‬ولعب دور الضحيّة‪ ،‬أو الهروب من ذلك‬
‫األلم؛ ألنّه من نفس رحم تلك األلم يُصقل ُمركب الوعي‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬والتعاطف‬
‫المحرك‬
‫ّ‬ ‫للقوة العظمى‪ ،‬والعاملة كالوقود‬ ‫الكبير‪ .‬هذه العناصر الثالثة المس َّخرة ّ‬
‫لرسالتك القلبيّة‪ ،‬وبتفاعل هذه العناصر معا‪ ،‬يولد مزيج العبقريّة للعطاء الخالص‪.‬‬
‫َعرية الذات بالهينة‬ ‫بتفعيل هذه العناصر الثالثة‪ ،‬سيدبّ فيك ُحب التغيير‪ ،‬وستغدو ت ِ‬
‫مقابل المساعدة الحقّة‪ ،‬فمن قلب ذلك األلم‪ ،‬تولد فيك الرغبة الكاملة للعطاء والتغيير‪،‬‬
‫فقوة الخوف قد‬ ‫وهناك ال يستطيع الخوف بك ّل أشكاله أن يقف عائقا في وجهك‪ّ .‬‬
‫لبت بالوعي الكامل لعظمة رسالتك الوجوديّة‪.‬‬ ‫س ْ‬ ‫ُ‬
‫فعند التقاء الساعي لرسالته بمكان األلم من داخله‪ ،‬أو ما اعتقد واهما أنه مصدر‬
‫جراء البحث المغلوط عن‬ ‫ألمه‪ ،‬ستحصل الصحوة‪ ،‬ليدرك أن هذه األلم‪ ،‬لم يكن ّإال ّ‬
‫سد رسالته‪ ،‬إن لم َي ِع طعم األلم‬ ‫«حب الذات» في الخارج‪ ،‬فكيف للساعي أن يُج ّ‬
‫صل مع أولئك الذين يعانون هناك‪ ،‬إن لم يكن هو نفسه ش َِرب‬ ‫بنفسه؟ وكيف له أن يت ّ‬
‫من نفس هذه الكأس سابقا‪ ،‬ليرى أنها ليست ّإال الكأس المغشوشة؟ وكيف لشجاعته‬
‫أن تتّقد‪ ،‬إن لم تكن فيه الرغبة الجنونيَّة لتخفيف هذه المعاناة‪ ،‬لمن يغرقون فيها؟‬
‫هناك في قلب الساعي لرسالته‪ ،‬تضيق المساحة على جرثومة الخوف من األحكام‪،‬‬
‫فهو الرأى األهم‪ ،‬وارتضى أن يضع سعيه للخدمة فوق إرضاء العا ّمة‪ ،‬فكيف لك‬
‫الحق في رسالتك‪ ،‬وأنت تحاول إرضاء العامة بنفس الوقت؟‬ ‫ّ‬ ‫أن تكون الخادم‬
‫فاالثنان يسلكان طرقا مختلفة‪ ،‬ويمشيان في تيّارات متعاكسة‪ ،‬فطريق األصالة هو‬
‫طريق تقبّل الذات‪ ،‬وإسقاط األقنعة الزائفة‪ ،‬واآلخر هو طريق حياكة المزيد من‬ ‫ُ‬
‫سيروض الحاجة إلرضاء العا ّمة‪ ،‬ويحيّد شحنتها‬ ‫ّ‬ ‫األقنعة‪ .‬فعشق العطاء لرسالتك‪،‬‬
‫تحول إلى مصدر خدمة وتكشيف‬ ‫وكأن ألمك السابق ّ‬ ‫ّ‬ ‫العاطفيّة إلى درجة االستقرار‪،‬‬
‫للذات‪ ،‬وليس إرضاء للناس‪.‬‬
‫أن هذا كالم يخلو من العمليّة‪ ،‬فكيف يكون ما آلمني يوما نفسه‬ ‫وقد تظن اآلن ّ‬
‫ي لمصدر‬ ‫صدر خدمتي وشغفي والهامي؟ وكيف يأخذني تيّار النبض االبتكار ّ‬ ‫َم ْ‬
‫األلم من السابق؟ وما ال ُم ْغ ِري بذلك المسعى؟ وكيف يكون ذلك المكان الذي‬
‫«شوهني» هو نفسه وقود رسالتي؟ شخصيًّا ال ألومك على هذه االعتراضات‪ ،‬فأنا‬ ‫ّ‬
‫أدري صعوبة الذهن لتصديق‪ ،‬بأن ما تلعنه ِس ًّرا أو عالنيَّة‪ ،‬هو نفسه طريق‬
‫رسالتك‪ ،‬وما تلوم الخالق عليه في الخفاء‪ ،‬هو مصدر شجاعتك‪.‬‬
‫ولنرم بعض الفرضيّات هنا على الطاولة‪ ،‬بغرض اللعب بها ال‬ ‫ِ‬ ‫ولكن ماذا لو…‬
‫ش ّ ِوه؟ وماذا لو كان‬
‫ش ّ ِوه لك‪ ،‬هو ليس بالم َ‬
‫أكثر‪ ،‬ماذا لو كان ذلك الذي اعتبرته الم َ‬
‫ش ّ ِوه ‪ ،‬كودات رسالتك األصيلة؟ وماذا لو كان مصدر ما اعتبرته‬ ‫في «تفسير» الم َ‬
‫القوة األصيلة فيك؟‬ ‫استضعافك يوما‪ ،‬هو نفسه مصدر ّ‬
‫ماذا لو؟؟؟‬
‫أقص عليك قصة «ليزي ‪Lizzie‬‬ ‫ّ‬ ‫والستيضاح اإلجابات لهذه اللعبة الذهنيَّة‪ ،‬دعني‬
‫« (أقبح فتاة بالعالم)‪ ،‬فقصة هذه الفتاة غاية باألهميّة‪ ،‬وفيها الوضوح المطلق‪ ،‬عن‬
‫اكتشاف مفتاح الرسالة عن طريق ألم الماضي‪ .‬فكما تروى «ليزي» قصتها‪ ،‬فهي‬
‫استفاقت يوما لترى على «اليوتيوب» فيديو بعنوان‪ :‬أقبح فتاة بالعالم‪ ،‬وعندما أمعنت‬
‫النظر رأت نفسها هناك! ولك أن تتخيّل صدمتها تلك اللحظة‪ ،‬ولك أن تحس‬
‫الشعور‪ ،‬عندما تجد نفسك كمادّة إعالنيَّة للضحك والتعليق‪ ،‬وخصوصا في موضوع‬
‫غاية الحساسيّة كهذا‪.‬‬
‫وصفت ليزي صدمتها بنوع من عدم التصديق‪ ،‬فهي ال تدري لماذا‪ ،‬أو كيف حدث‬
‫ي إنسان بالعالم لهذه الدرجة من القساوة‪ ،‬وينشر عنوانا‬ ‫هذا؟ أو كيف يتح ّجر قلب أ ّ‬
‫هكذا؟‬
‫قررت أن تخوض‬ ‫بالرغم من قساوة التجربة‪ّ ،‬إال أن ليزي‪ ،‬ومع مرور الوقت‪ّ ،‬‬
‫ي‪ ،‬لتتعدّى أحاسيس الضحيّة والمظالم‪.‬‬ ‫ي‪ ،‬والتسامح الداخل ّ‬ ‫رحلة التطهير العاطف ّ‬
‫أن الجمال يسكن في‬ ‫وبعد رحلة الشفاء‪ ،‬أيقنت ليزي ّ‬
‫ي ال يُؤخذ‪ ،‬وال يُتنقص منه‪ ،‬ويتعدّى الشكل‬ ‫داخلها‪ ،‬وهو جمال خالد‪ ،‬جمال روح ّ‬
‫الفيزيائي‪ ،‬ليش ّع من خالله ‪.‬‬
‫وبعد هذه الرحلة من الشفاء والوعي‪ ،‬بدأت ليزي بمشاركة قصتها مع الناس‪،‬‬
‫لتصبح متحدّثة ُمل ِهمة‪ ،‬برسالة ُمل ِهمة‪ ،‬تساعد الناس أن يروا جمالهم الداخلي‪.‬‬
‫أترى كيف تحول ألم «ليزي» المحوري وهو شكلها «القبيح» إلى مصدر‬
‫قوتها ورسالتها‪ .‬فهذه النقلة الخيمائيّة بالطاقة‪ ،‬كشفت‬ ‫«جمالها»‪ ،‬وهو نفسه مصدر ّ‬
‫في وعي ليزي أن المعاناة لم تكن من شكلها‪ ،‬وإنّما من األفكار المغلوطة عن ذاتها‪،‬‬
‫األفكار التي تُبعدها عن الجمال الواحد األصيل‪.‬‬
‫أصبح»عدو» ليزي اللدود‪ ،‬كأكبر نصير لها في رحلتها الروحيّة؟ فهذا‬ ‫ّ‬ ‫أترى كيف‬
‫تحول إلى كاشف لرسالتها‪ ،‬ومحفّز لحب الذات‪ .‬أترى كيف‬ ‫الشخص الذي هاجمها‪ّ ،‬‬
‫هندست الحياة نفسها لتجذب لليزي الحدث المناسب‪ ،‬لتطهير النفس من زيفها‪،‬‬
‫ت العناصر الثالثة من‬ ‫واالستيقاظ إلى رسالتها؟ أترى كيف من رحم هذا األلم‪ُ ،‬و ِلدَ ِ‬
‫الوعي بمعاناة الذين يبحثون عن الجمال من الخارج‪ ،‬ومعه التعاطف العميق معهم‪،‬‬
‫والشجاعة المطلقة للتغيُّر؟‬
‫هذه العناصر الثالثة هي ليست فقط أحاسيس محفّزة‪ ،‬وإنّما هي حاملة معها معارف‬
‫باطنيَّة للتغير العبقري‪ ،‬والوصول السريع لقلب الجماهير الجاهزة لسماعك‪،‬‬
‫وبطريقة تعبيرك الفريد عن هذه الرسالة‪ ،‬والتي قد يكون بالكالم‪ ،‬أو الكتابة‪ ،‬أو‬
‫الرقص‪ ،‬أو الغناء…‬
‫فتحويل األلم إلى الرسالة هو خيار‪ ،‬هو الخيار ما بين لعب الضحيّة‪ ،‬أو الشفاء‬
‫للتمكين والعطاء‪.‬‬
‫وللتوضيح أريدك أن تتخيّل معي هذا السيناريو‪ ،‬تخيّل أن ليزي لعبت دور الضحيّة‬
‫لذاك الحدث‪ ،‬وتخيّل أنه بعد مرور‪ ١٠‬سنين على هذه الحادثة‪ ،‬وليزي ما زالت‬
‫تلوم نفس الشخص‪ ،‬وتلوم الرجال على قسوتهم‪ ،‬وتلوم الناس‪ ،‬وتلوم المجتمع…‬
‫وعندما يسألها الناس ماذا بك‪ ،‬تعانين؟ فهي تشير إلى ذلك الحدث بالماضي‪ ،‬وكيف‬
‫أن الناس أشرار‪ ،‬وكيف وصفوها بالقبيحة‪ ،‬ماذا سيحدث حينها؟‬ ‫ّ‬
‫وتتحول إلى غضب قاتم يأكل أحشاءها‪ ،‬وحقد‬ ‫ّ‬ ‫ستذهب من انغالق إلى انغالق‪،‬‬
‫ي على الكون والخالق‪ ،‬وفي عمقها الحقد على الذات‪ ،‬وعلى أسوأ الحاالت‬ ‫سوداو ّ‬
‫قد يقودها هذا إلى االنتحار‪.‬‬
‫أترى االختالف في الطريقين‪ ،‬نفس الحدث قد يرتقي بك إلى المرحلة القادمة في‬
‫اللعبة الروحيّة‪ ،‬أو يأخذك إلى معاناة أكبر‪ ،‬هنا يأتي الخيار‪ ،‬فنحن نعيش في لعبة‬
‫فيها الخيار‪ .‬هو الخيار لتكرار األلم‪ ،‬أو تحويلها لرسالة‪ ،‬الخيار لخلق أعداء أكثر‪،‬‬
‫تظن فيه أنّك‬
‫ُّ‬ ‫أن العد ُّو الوحيد هو في داخلك‪ ،‬هو ذلك المكان الذي‬ ‫أو اإلدراك َّ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫مفصول عن الحب الواحد‪ ،‬وهذا ّ‬
‫تظن به أنّك مفصول عن مصدر‬ ‫ّ‬ ‫العد ُّو الوحيد هو في داخلك‪ ،‬في المكان الذي‬
‫الحب‪.‬‬
‫أن عليك التألم لتعيش رسالتك‪،‬‬ ‫سر المقصد من ك ّل الذي ذُ ِك َر ّ‬ ‫ولكن تريّث َّأال تف ّ‬
‫وكأن هناك نوعا‬ ‫َّ‬ ‫فهذا قطعا ليس المقصد‪ ،‬حتى أن الكتاب يدعو إلنّهاء هذه الخرافة‪،‬‬
‫تشربت‬‫من «الفخر» في التألّم‪ ،‬ولكن إن كنت «إنسانا»‪ ،‬وأظنك كذلك‪ ،‬فأنت ال بُدّ ّ‬
‫من ُم ّر األنظمة الفكريّة المغلوطة في جسدك‪ ،‬والتي أبعدتك عن حب ذاتك‪ ،‬والتعبير‬
‫مر ْرت بألم معيّن‪ ،‬وواجبك كإنسان أن‬ ‫الصادق عنها‪ .‬هنا تقطن رسالتك‪ ،‬فأنت َ‬
‫ولدت مستنيرا‪ ،‬بعائلة مستنيرة‪ ،‬ضمن مجتمع‬ ‫َ‬ ‫تساهم بتخفيفه عن غيرك‪ ،‬فلو‬
‫مستنير‪ ،‬وفي كوكب مستنير‪ ،‬ال يحتاج إلى قطرة من الشفاء‪ ،‬ويعمل على طاقة‬
‫الحب الصافي فقط‪ ،‬ال أظن أن روحك ستأتي على األرض‪ .‬وإن كانت الحال كذلك‪،‬‬
‫وأنت هنا‪ ،‬فنوع اللعبة الروحيّة التي ستلعبها ستختلف‪ ،‬ومعها قوانين الرسالة‪.‬‬
‫تذ ّكر أن الكتاب ال يدعو إلى األلم‪ ،‬وإنّما للتعامل الراقي معه…‬
‫تظن أنه أعمق‬ ‫ُّ‬ ‫وأيضا ال تفسر ما قيل من قبل‪ ،‬على إجبار نَ ْفسك الكتشاف ما‬
‫أعماق ألمك؛ لكي تجد الرسالة‪ ،‬فهذا اآلخر شكل من اإلجبار‪ ،‬وهو نتاج ال ُكره‬
‫طور في المنظور‪ ،‬والذي‬ ‫الرقّة بالت ّ ّ‬
‫ي‪ ،‬وليس حب الذات‪ .‬فالعمليّة تحتاج إلى ِ ّ‬ ‫النفس ّ‬
‫ي إلى أماكن‬ ‫ي العميق‪ ،‬بالسفر الداخل ّ‬ ‫قد َينضج بسرعة أكبر عند الشفاء العاطف ّ‬
‫الغضب التي تُسقطها على العامة‪ ،‬لتجد لك طريقا خالل طبقات هذا الغضب‪ ،‬وتصل‬
‫إلى حجرة األلم الرئيسيّة‪ ،‬وتستمتع لها‪ ،‬حتى تفتح لك المساحة لتشربها بالحب‪.‬‬
‫وبهذه العمليّة الخيميائيّة الدقيقة‪ ،‬سيسلّم الجزء المتألم منك‪ ،‬آالمه وغضبه إلى‬
‫حضن الحياة‪ ،‬فَيَ ْنقَى بحب الحياة‪ ،‬وحب الذات‪ ..‬هما واحد‪ .‬من هنا سيولد مستوى‬
‫جديد فيك من اإللهام‪ ،‬مقدّما لك الخيار لاللتزام فيه أم ال‪.‬‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫* طريق الرسالة هو طريق السعي خلف نبضك االبتكاري‪.‬‬
‫* نبضك االبتكاري هو ما يميل له قلبك برقة‪.‬‬
‫* السعي خلف النبض االبتكاري‪ ،‬هو السعي بخطوة واحدة لما ينجذب له قلبك‬
‫بصدق‪.‬‬
‫الوعْي‪ ،‬والتعاطف‪ ،‬والشجاعة‬ ‫ب َ‬‫من جذر ألمك النفسي‪ ،‬يولد ُم َر َّك ُ‬
‫أسئلة للتف ُّكر‪:‬‬
‫إن افترضت أنك تدري ما يجذب قلبك اآلن‪ ،‬فما هو؟‬
‫ي خطوة واحدة في اتّجاهك؟‬ ‫ض ّ‬ ‫ٌ‬
‫جاهز لل ُم ِ‬ ‫هل أنت‬
‫ما «الحجة» التي توقفك؟‬
‫هل أنت جاهز لتشفيرها؟‬
‫ما هو األلم الذي تخاف النظر إليه في داخلك؟‬
‫ب‪ ،‬وحكمة؟‬ ‫يتحول األلم إلى ح ّ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ماذا سيحدث عندما‬
‫موازنةُاإللهامُبااللتزامُ‬
‫بوابات مخيّلتك بلمسة من األحاسيس‬ ‫طر ُق فيه ّ‬‫ي‪ ،‬ت ُ َ‬
‫اإللهام هو صفة النبض االبتكار ّ‬
‫ي‪ ،‬ولكن اإللهام هو بداية‬ ‫الرقيقة التي يَصعُب عليك فهمها‪ ،‬أو تأويلها بالجزء التحليل ّ‬
‫الحكاية فقط‪ ،‬وليست الحكاية كاملة‪ ،‬فال تت ُّم مسيرتك في رسالتك الفريدة من دون‬
‫وصل اإللهام بااللتزام‪ .‬وكأن االلتزام هو الجسر الواصل بين وحي اإللهام‪ ،‬وعالم‬
‫شنه للحياة كتعبير عن احترامك‬ ‫الفيزيائيّة‪ ،‬بين الباطن والظاهر‪ ،‬فهو الجسر الذي تد ّ‬
‫الكامل إللهاماتها؛ لذلك مهما ارتفعت قدرتك الحدسيّة على التقاط اإللهامات‪ ،‬ال‬
‫شيء سيغنيك عن االلتزام المستمر بهذا الطريق‪.‬‬
‫ورغم أن وقع كلمة االلتزام‪ ،‬فيها شي ٌء من الجمود وسلب الحريّة‪َّ ،‬إال أنها في‬
‫الحقيقة العكس من ذلك تماما‪ ،‬فااللتزام هو طريق الحريّة الكاملة للمضي برحلة‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬
‫القلب‪ ،‬وهذا ّ‬
‫الحريّة المطلقة هي االلتزام المطلق بطريق القلب‪.‬‬
‫قد تتسارع األسئلة في نفسك اآلن لتقول‪ :‬ولكن كيف تكون الحريّة بااللتزام؟ وليس‬
‫االثنان لهما طرق متناقضة؟ فأحدهما يدعو لفعل ما تشاء‪ ،‬واآلخر يجبرك على‬
‫إن لم ترغبْ به‪.‬‬ ‫االلتصاق بشيءٍ واحد‪ ،‬حتى ْ‬
‫ولكن هذا مفهومنا المبرمج عن االلتزام‪ ،‬ودعنا نص ّحح سويًّا «أغلوطة االلتزام»‬
‫بإرجاعها إلى األساس الذي استندت عليه‪ ،‬كرافد للحريّة‪ .‬فالحريّة هي ليست‬
‫تمت بصلة للقفز‬ ‫ُّ‬ ‫ي شيءٍ ‪ ،‬وهي طبعا ال‬ ‫الجلوس على الكرسي‪ ،‬وعدم فعل أ ّ‬
‫العشوائي بين شيء وآخر‪ ،‬على هوى النزعات العاطفيّة‪ ،‬وبالتأكيد هي ليست العمل‬
‫اختناق لحريتك‪ ،‬وتقييدٌ لها‪ .‬أ َّما الحريَّة األصيلة‪ ،‬فهي‬ ‫ٌ‬ ‫على حسب المزاج‪ ،‬ففي هذا‬
‫َحق‪ ،‬وليس الحياة‬ ‫مرتبطة حشويًّا بااللتزام الصادق‪ ،‬بتشكيل الحياة التي ت ُ ْعشق وت ُ ْست ّ‬
‫التي ب ُْر ِمجْ ت عليها‪ ،‬من األنظمة الفكريّة المت َح ِ ّكمة في نفسك‪.‬‬
‫وفي جوهر الحياة التي تستحق‪ ،‬يتجلّى جوهر االلتزام الكامل بإلهاماتك والتعبير‬
‫يتماش سعيها مع مزاجك اللحظي‪ ،‬أو صعوبة المه ّمة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الصادق عنها‪ ،‬وحتى إن لم‬
‫فااللتزام بإلهامك هو روح الحريّة‪ ،‬وهوعامود الثبات لرؤيتك العظمى‪ .‬فال ُح ّر هو‬
‫تحرر بالتزامه الصادق‪ ،‬وليس َم ْن قَيَّدَ نفسه بحالته المزاجيّة‪ ،‬وال ُح ّر هو من‬ ‫من ّ‬
‫عمل بالحياة بك ّل قلبه‪ ،‬وليس من سعى لالنسحاب منها بالتقاعس والتقاعد‪ ،‬ال ُح ّر هو‬
‫من رأى االلتزام من عيون الحريّة‪ ،‬وليس القيد‪.‬‬
‫ُ‬
‫ي على مسامعنا عن مفهوم‬ ‫وربّما قد ألصق على االلتزام سمعة القيد المشينة‪ ،‬لما ت ُ ِل َ‬
‫َعرفه كنوع من اإلكراه لفعل ما ال نريد‪ ،‬ودراسة ما ال نريد‪ .‬فنرى الطفل‬ ‫االلتزام‪ ،‬لن ِ‬
‫الخاص‪ ،‬ليُقتاد إلى النظام التعليمي‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫سحر ّ‬ ‫يُسلب من تعبيره الخالص‪ ،‬وعالمه ال ِ ّ‬
‫بصورته الفارغة الحالية‪ ،‬فيُكره على «االلتزام» بالمقعد‪ ،‬وباألوامر التي ال يدري‬
‫هو و َم ْن يطبّقها ما الفائدة العظمى منها‪ ،‬سوى ما يروى لهم من تهذيب النفس‬
‫والتربية الصالحة‪ ،‬وهي في الواقع سجن للطفل‪ ،‬وغرس لبرامج الترويض في نفسه‬
‫لتعوده على دور»الموظف» المطيع عند الكبر‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ثم نكمل المسرحيّة بإكراه الطفل على دراسة مواد غير فعالة قد ال تحاكي شغفه‪،‬‬
‫ي استعمال عملي في حياته‪ ،‬سوى النجاح في داخل النظام‬ ‫صلة أل ّ‬ ‫ّ‬
‫تمت ِب ِ‬ ‫وال‬
‫ونسوق نفس هذا المنهج المغلوط‬ ‫ّ‬ ‫التعليمي المبرمج‪ ،‬ونطلق على هذا أيضا االلتزام‪.‬‬
‫على نظم التفكير المختلفة‪ ،‬فنطلق على من ُر ّ ِوض بالتقاليد المجتمعيّة‪ ،‬وغيرها من‬
‫نلطخ بها رداء االلتزام الصادق‪.‬‬ ‫السجون الفكريّة‪ ،‬بال ُملتزم‪ ،‬وهي بُقعةٌ أخرى ّ‬
‫لذلك بقلب األخ ال ُم ِحبّ ‪ ،‬سأطلب منك أن تنسف مفهوم االلتزام التقليدي من ذهنك‪،‬‬
‫لتفتح الغطاء له ليُستشف من منظور آخر‪ ،‬من منظور الحريّة الحقّة‪ ،‬فذلك الذي‬
‫استوى فيه النضوج‪ ،‬ليلتزم بطريق القلب هو ال ُح ّر‪ ،‬وليس السجين‪ ،‬وذلك الذي‬
‫ت هو ال ُم ْخ ِلص الصادق‪ ،‬وليس المتح ّجر‪،‬‬ ‫التزام ثاب ٍ‬
‫ٍ‬ ‫حول طاقة اإللهام المتوهجة إلى‬ ‫َّ‬
‫سد روح االستمرارية في عالمه‪ ،‬وإن تالشت إثارة اإللهام األوليّة‪،‬‬ ‫وذلك الذي ج ّ‬
‫المكرر‪ .‬ولقلب ذلك المحارب ترضخ الحياة‬ ‫ِّ‬ ‫الم ْعطاء‪ ،‬وليس ال ُم ِم ّل‬
‫هو المحارب ِ‬
‫قائال‪ :‬أنت يا من التزمت بحريّتك‪ ،‬سأرفدك خير الوجود ونشوته‪ ،‬فترى تيّار الثراء‬
‫يجرفه في سرعة لم يتخيَّلها من قبل‪.‬‬
‫فالطبيعة لها ذكاؤها ال ُم َه ْندَس‪ ،‬لتُثري من التقط إلهاماتها‪ ،‬والتزم بمشاركتها‬
‫ألن هذا العنصر للطبيعة مضمون الفعالية‪ ،‬فهو قد‬ ‫الصادقة‪ ،‬بإلهامات أكثر وأكثر؛ ّ‬
‫أظهر التزامه من قبل‪ ،‬وعلى غالب الحال سيُكمل بهذا االلتزام‪ .‬فعلى سبيل المثال‪،‬‬
‫بغض‬
‫ّ‬ ‫ومستمرة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عندما بدأتُ أشارك اإللهامات التي تزورني بصورة ممنهجة‬
‫النظر عن مزاجي اللحظي‪ ،‬هنا أمسى اإللهام صديقي الدائم؛ ألنّه على ثقة كاملة‬
‫إنه يزور بيتا مضمونا‪ ،‬وفيه العطاء أكيد‪ ،‬وفيه نيَّة االلتزام المشاركة راسخة‪ .‬على‬
‫عكس حال الذي تتراقص اإللهامات في خياله‪ ،‬وال تتعدّى حينها حدود الخيال حينها‬
‫لضعف التزامه‪ ،‬وفي عقر هذا الضعف‪ ،‬ضعف في تمكينه؛ لذلك تمكين الذات هو‬
‫تمكين االلتزام في اإللهام‪ ،‬وليس التقاعس عنه‪ .‬وعندما يتزاوج االلتزام برحيق‬
‫اإللهام‪ ،‬هنا يبدأ نوع آخر من السِحر بالظهور في حياتك‪.‬‬
‫األول هو التجسيد لطاقة الحياة الذكريّة‪ ،‬وتتجسد فيها صفة التقدم الواثق‬ ‫فالعنصر ّ‬
‫المستقيم‪ ،‬وغير المكترث بالقيود واألحكام‪ ،‬أ ّما العنصر الثاني وهو اإللهام‪ ،‬فهو‬
‫تتلوى فيها خياالتك الجميلة‪ ،‬وريعانها الرقيق‪ .‬وبتزاوج‬ ‫تجسيد الطاقة األنثوية‪ ،‬التي َّ‬
‫االثنين بين االلتزام واإللهام‪ ،‬يحصل االتزان‪ ،‬ويولد طفل الحريّة‪ ،‬هو ذاك الطفل‬
‫الوالد‪ ،‬إلى قيمة واضحة للعيان‪ ،‬لتنتفع فيها البشريّة‪.‬‬ ‫الذي يُح ّ ِول رحم اإللهام َّ‬
‫فتذ ّكر َّأال طاقة في الحياة تسمو على طاقة االلتزام المو َّجه بإلهاماتك القلبيّة‪ ،‬فحتى‬
‫الرسل وال ُحكماء‪ ،‬الذين المسوا أعلى درجات اإللهام‪ ،‬واالستيضاح‪ ،‬واليقين‪،‬‬
‫والتنوير‪ ،‬أدركوا أن ك ّل هذه المعارف ال قيمة لها‪ ،‬إن لم تتزاوج بااللتزام؛ لذلك‬
‫أن في التزامهم‬ ‫ترى صفة االلتزام كالنيشان في رحلة حياتهم‪ ،‬لدرجة أنهم اتهموا َّ‬
‫وقوتها‪،‬‬
‫نوعا من الصرامة المريبة‪ ،‬الصرامة التي مقتها الناس لسنين طويلة لثباتها َّ‬
‫وعدم تزعزعها مع المقاومة الخارجيّة‪ ،‬الصرامة الذي تسطع من صدرالرسالة‬
‫بقوتها العليا‪ .‬وحتى إن تسلّل الشك لصاحب الرسالة‪ ،‬فالشك‬ ‫الحقة‪ ،‬واإليمان الكامل ّ‬
‫ال ينتصر على االلتزام‪ ،‬هذا طبعا إن أمسى االلتزام صادق الوجدان‪ ،‬وخادم للرسالة‬
‫العليا‪.‬‬
‫وعندما نتكلّم عن االلتزام الصادق‪ ،‬فنحن ال نتحدث عنه بالصفة التقليديّة‪ ،‬والتي‬
‫تظهر بالكثير من المواد التحميسيّة بصورة الشاب الذي يصرخ أمام الجميع‪ :‬أنا ال‬
‫مت‪ .‬هذا ليس المقصد من االلتزام الذي نعني‪ ،‬فهذا الشكل من‬ ‫أستسلم‪ ،‬حتى وإن ُّ‬
‫محركات سلوكك‪ ،‬هي من‬ ‫ِّ‬ ‫االلتزام الحماسي قد ال يخدمك‪ ،‬وحتى قد يعميك عن‬
‫نظام الحب‪ ،‬أو الخوف‪ .‬فال تخطئ االلتزام الصادق بشكل من التعنُّت المرضي‪،‬‬
‫المحركة‪ ،‬وإرشادك الداخلي‪ ،‬وإنّما دع التزامك الصارم‬ ‫ِّ‬ ‫الذي يفقدك االتصال بِنِيّتِ َك‬
‫يلين مع انسياب إرشاداتك الحدسيّة‪ ،‬وتغيّراتها‪.‬‬
‫الحكمة ترشدك إلى التوقف عن فعل شيءٍ معيّن للتو ّجه إلى طريق‬ ‫فأحيانا قد ترى ِ‬
‫آخر‪ ،‬وهنا عليك الرضوخ؛ لذلك دع التزامك الثابت لَيِّنا في نفس الوقت‪ ،‬وهو ما‬
‫يجهل فعله الذهن االزدواجي الذي ينظر إلى أنصاف الحقائق‪ ،‬وال يقدر على جمع‬
‫النقائض في نقطة واحدة‪.‬‬
‫موجها للتمكين‬ ‫وموجها لخدمة روح الحياة دائما وأبدا‪ّ ِ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫دع التزامك صادقَ ال َم ْن َبتِ‪،‬‬
‫ي‪ ،‬ورفعة اإلنسانيّة كك ّل‪ ،‬وليس النصر الشخصي فقط‪ .‬دعه ِ ّ‬
‫موجها لإلتقان‬ ‫الشمول ّ‬
‫موجها لتعزيز‬‫ِّ‬ ‫موجها لالبتكار الجميل‪ ،‬وليس الغرور‪،‬‬‫ِّ‬ ‫المستمر‪ ،‬وليس المثاليّة‪،‬‬
‫االحترافية‪ ،‬وليس النتائج اللحظيّة‪ .‬وستبرع تلقائيًّا بهذا‪ ،‬عندما تُنقي التزامك‬
‫مستمرة من الكشف المكرر‬ ‫ّ‬ ‫باستمرار‪ ،‬ليشابه نغم الصالة في وجدانه‪ ،‬وهي عمليّة‬
‫ب‬
‫المستمرة من الشوائب‪ ،‬وفي عقر هذه الشوائب‪ ،‬الحياد عن ح ّ ِ‬ ‫ّ‬ ‫عن نيّتك‪ ،‬وتنقيتها‬
‫الذات‪.‬‬
‫محرك سلوكك‪ ،‬فاسأل نفسك بصدق‬ ‫ّ‬ ‫ولك أن تفعل ذلك‪ ،‬بالسؤال المتس ّمر عن‬
‫واستمراريّة عن نيتك‪ ،‬اسأل نفسك‪ :‬لماذا أفعل ذلك السلوك؟ وال تفلتر اإلجابات‬
‫بعقلك‪ ،‬ليسمع نظام الخوف فيك ما يهوى سماعه‪ ،‬بالقول‪ :‬إنّك تفعل ذلك؛ ألنك تريد‬
‫العطاء أو غيرها‪ ،‬بل انظر إلى حقيقة النيَّة كما هي اآلن‪ ،‬وغير ذلك ستعيش على‬
‫تبرعت‪ ،‬اسأل نفسك‪ :‬لماذا أتبرع؟ وإن كانت النيَّة لتكسب‬ ‫أوهام مض ِلّلَة‪ .‬فمثال إن ّ‬
‫رضا الناس وتقبّلها‪ ،‬فتقبّل نيتك كما هي اآلن‪ ،‬وال تقاومها‪ ،‬وبتقبّل المقاومة لها‬
‫أيضا‪ ،‬فالكشف وتقبّل المكشوف كما هو‪ ،‬وكما أنت‪ ،‬وكما هي نيّتك اآلن من دون‬
‫أحكام‪ ،‬هم بداية التغيير‪ ،‬لترقى بنيتك بعدها لما يعكس حب الذات‪ ،‬والعطاء الصادق‪.‬‬
‫مناقض تماما لنظام الخوف الذي يعشق الكذب والتلميع في النيَّة‪ ،‬لتظهر‬ ‫ٌ‬ ‫وهذا‬
‫نفسك في عين نفسك‬
‫الغاش نفسه إلى‬ ‫ّ‬ ‫غش للذات‪ ،‬وال يلقى‬
‫ٌّ‬ ‫باإلنسان الصالح‪ ،‬وفي واقع األمر هو‬
‫المغشوش بالحياة‪ ،‬فتراه يظن ك ّل ما يلمع بالخارج ذهبا‪ .‬وكيف لك أن تلوم الحياة‬
‫سنَّة كونيّة‪..‬‬
‫حينها على خداعه‪ ،‬وهو في منظور نفسه «المخادع»‪ ،‬فهذا قانون و ُ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫بأنّك تحصد نتائج الوعي الذي تختاره داخل نفسك‪ ،‬وهذا ّ‬
‫أنت تحصد نتائج الوعي الذي تختاره‪.‬‬
‫المحركة‪ ،‬ستستطيع تقييم نفسك كما هي‪ ،‬لتصعد‬ ‫ِّ‬ ‫وباالستيضاح المستمر عن نيّتك‬
‫بعدها تدريجيًّا بمستوى التزاماتك‪ ،‬وغير ذلك ستصاب بالعمى ع َّما يحركك‪ ،‬لتلتزم‬
‫برغبات ال تصدر عن حب الذات وتعابيره النقية‪ ،‬وإنّما تنبع من جروحك العاطفيّة‪.‬‬
‫فكم من األشخاص التزموا النجاح لتعبئة فكرة «أنا مش كفاية»؟ وكم من األشخاص‬
‫التزموا الشكل الخارجي األنيق‪ ،‬للخوف من أحكام الناس عليهم؟ وكم منهم التزم‬
‫الرياضة اليوميّة‪ ،‬وعلى مدار السنين؟ ليس غرضا بالصحة المستدامة‪ ،‬وإنّما لزيف‬
‫البحث الخارجي عن الجمال والثقة بالنفس‪.‬‬
‫ليتحول‬
‫َّ‬ ‫فترى االلتزام للكثيرين خاليا من عنصر حبّ الذات‪ ،‬وتعابيره الصادقة‪،‬‬
‫إلى شك ٍل من االلتزام ال َم َرضي من دون معرفتهم بذلك‪ .‬وإن كانت هذه حالك‪،‬‬
‫فاألولى حينها أن تشفي نفسك بالكشف‪ ،‬والتقبّل‪ ،‬وتطهير األلم بالحبّ ‪ ،‬ثم تعدّل‬ ‫ْ‬
‫المحركة‪ ،‬قبل التقيّد بسجن» االلتزام الواهم»‪ ،‬والذي‬‫ِّ‬ ‫التزامك‪ ،‬باالرتقاء بنيّته‬
‫سيأخذك بعيدا عن ذاتك‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬عليك أن تتساءل من داخلك‪ ،‬وباستمرار‪ ،‬عن أفضل اتجاه لتسخير نيتة‬
‫التزامك؟‬
‫مثال لك أن تسأل ما هي أفضل وأنقى نيَّة للعب الرياضة بالنسبة لي؟ وما هي‬
‫وأعط المساحة‬
‫ِ‬ ‫للتبرع بالنسبة لي؟‬
‫أفضل نيَّة للنجاح بالنسبة لي؟ وما هي أفضل نيَّة ّ‬
‫لإلجابة أن تسطع من ِحكمتك الداخليّة‪ ،‬فالمفتاح‪ّ ،‬أال تبحث عن إجابات نموذجيّة‪،‬‬
‫بل تبحث عن اليقين لما هو األنقي واألقرب لقلبك أنت‪ ،‬وليس العا ّمة‪ ،‬فنيّتك العليا‬
‫فريدة َكفَرادَتِك‪.‬‬
‫فمثال لو كنت كحالي‪ ،‬وتسعى الحترافيّة التواصل‪ ،‬وعبقريّة التحدّث العلني‪ ،‬فاسأل‬
‫نفسك‪ :‬ما هو أفضل استعمال لهذه المهارة؟ بالنسبة لي اإلجابة واضحة كالكريستال‪،‬‬
‫وهي إيصال رسالتي ألعمق مستوى ممكن للمستمع‪ ،‬وهو مستوى المجال الطاقي‬
‫وذاكرة الحمض النووي؛ لذلك أنا دائم السعي لتطوير قدراتي الحدسيّة في التواصل‪،‬‬
‫وتفعيل القدرة على اختراق أبعاد المتل ِقّي من خالل الكالم المسموع‪ ،‬وغير المسموع‬
‫بالتخاطر الفكري‪ ،‬والطاقي وراء الكلمات‪ .‬ال أقول ذلك إلبهارك‪ ،‬بل ألطلعك على‬
‫دراياتي الكاملة ِبنِيّتي العليا لصقل مهارات التواصل عندي‪ ،‬وهكذا أضمن‪،‬‬
‫وألقصى قدراتي‪َّ ،‬أال أقع في فخ نظام الخوف‪ ،‬الذي قد يستعمل المهارات الحدسيّة‬
‫المختلفة ألجنداته الخاصة‪ ،‬والتي قد تح ِيّدني عن االلتزام برسالتي‪ .‬فتذكر أن‬
‫االلتزام الذي نعني هنا‪ ،‬هو االلتزام الصادق األصيل‪ ،‬الذي يُعبِّر عن نيتك العليا‪،‬‬
‫فيو ّجهك لقبلة رسالتك‪.‬‬
‫ي‪ ،‬ومن دون‬ ‫االلتزام الصادق األصيل‪ ،‬ينبع من فوهة حب الذات وبركانه االبتكار ّ‬
‫الخوف من حرقة ناره‪ ،‬فال يأتي االلتزام الصادق ساعيا للتقبّل الخارجي‪ ،‬كحال‬
‫المنبثق من جروحك العاطفيّة‪ ،‬أو األهداف المجتمعية المرسومة وغيرها؛ لذلك اسع‬
‫لالستيضاح دائما وأبدا عن مصدر التزامك‪ ،‬ومن داخلك‪ ،‬وبصدق‪ ،‬اس َع‬
‫المحركة لك ّل سلوكياتك‪ ،‬وبصدق‪ ،‬وسنؤكد على كلمة‬ ‫ِّ‬ ‫لالستيضاح عن النيَّة‬
‫الصدق‪ ،‬ثم الصدق‪ ،‬ثم الصدق‪.‬‬
‫طى فيه الدورات‪ ،‬وإنّما هو الرغبة األصيلة فيك‬ ‫يدرس‪ ،‬وال تُع َ‬‫هذا الصدق ال ُ‬
‫لترى نفسك بعريها كما هي‪ ،‬أم ال‪ ..‬الرغبة لكشف من يصونها أو يتالعب فيها أم‬
‫ال‪.‬‬
‫سأطلب منك‪ ،‬كصديق‪ ،‬أن تكون صادقا في نيتك‪ ،‬وبذلك ترتقي عن العامة التي‬
‫تختار بوعي أو من دون أن تغمض عينا وتفتح عينا أخرى‪ ،‬لترى أنصاف الحقائق‪،‬‬
‫خوفا من عدم تقبّل الذات حينها‪.‬‬
‫تذكر أن العمى الكامل قد يكون أفضل من النصفي‪ ،‬فباإلنصاف ستوهم نفسك أنّك‬
‫«شخص صالح» وتخلو تماما من «مزيج النور والظالم» القابع في ك ّل‬
‫السيكولوجيّات اإلنسانيّة‪ .‬وهذا «الشخص الصالح» ما هو ّإال استرتيجية خبيثة‬
‫تخدع فيها نفسك‪ ،‬لتبني صورة وهمية ومثالية للخارج‪ ،‬ساعية بأجندتها المستورة‬
‫عنك‪ ،‬ألخذ الحب والتقبّل الخارجي‪ .‬ونقول خبيثة؛ ألن في عمق هذه االستراتيجية‬
‫ّ‬
‫وتقززا منها‪.‬‬ ‫رفضا لنفسك‬
‫مهرب من الصدق عن مصدر سلوكياتك‪ ،‬ومساعيك والتزاماتك‪ ،‬هذا إن‬ ‫َ‬ ‫لذا‪ ،‬ال‬
‫أردت الصحوة الكاملة‪ ،‬وإن اكتشفت أن نيَّة أحد التزاماتك تخلو من نقاء الذات‪،‬‬
‫فهذه ليست فرصة لجلد الذات‪ ،‬فأنت إنسان‪ ،‬وتفعل أفضل ما تعرف على حسب‬
‫مستوى وعيك ك ّل لحظة‪ .‬لذلك خذها كفرصة أخرى إلثراء الذات بكشف المستور‬
‫عنها‪ ،‬وتقبّلها كما هي‪ ،‬ومن ثم التغيير‪.‬‬
‫ي أية مشكلة بأن أكتشف أن نِيَّتي الحالية لكتابة هذا الكتاب قد انحازت‬ ‫فاآلن ليس لَدَ ّ‬
‫ي انحيازات أخرى‪ ،‬وإن كانت‬ ‫إلى التباهي‪ ،‬أو الشهرة‪ ،‬أو التقبُّل الخارجي‪ ،‬أو أ ّ‬
‫سفلى ‪،‬‬‫الحال كذلك سأراها وأحبها وأتقبلها‪ ،‬كتعبير عن نظام الخوف‪ ،‬وذاتك ال ُ‬
‫فمن يَدّعِ «الصالح» طوال الوقت‪ ..‬لم ولن‬ ‫وسأسعى إلى االستيضاح والتغيير‪ْ .‬‬
‫يذوق طعم الصالح والغفران؛ ألنه تعالى عنهم ب ِكب ِْر ِه‪.‬‬
‫عند الصدق في نيتك‪ ،‬ستتوازى التزاماتك رويًّا رويًّا مع نيّتك القلبيّة‪ ،‬فترى مشيئة‬
‫ع بين االثنين‪ ،‬وهذا‬ ‫الكون فيك أصبحت مشيئتك الشخصيّة‪ ،‬فال تضادّ‪ ،‬وصرا َ‬
‫القوة السِحريّة التي تجهلها العامة‪ ،‬وهي المرحلة الثالثة من مستويات الخيار‬ ‫مصدر ّ‬
‫التي تحدثنا عنها بالسابق‪ .‬فإن لمست داخلك أكثر وأكثر‪ ،‬ومعها التجذّر بأركان ح ّ ِ‬
‫ب‬
‫الذات‪ ،‬سترى استيضاح نيتك يزيد تلقائيًّا‪ ،‬ومعه نقاء التزاماتك في طريق رسالتك‪.‬‬
‫وقد تفكر اآلن‪ ،‬ولكن ماذا عن االلتزامات التي بدأتها أصال‪ ،‬ومن خالل الصدق‪،‬‬
‫واكتشفت أنها ال تعبر عن حقيقتي مطلقا‪ ،‬هل أتركها؟ وقد تكون اإلجابة نعم‪ ،‬ولكن‬
‫هذا ليس ما ننصح به بالعادة؛ ألنّك ستتعود بذلك على االنسحاب كلّما اشتدّت‬
‫األمور‪ ،‬وهذا من أخطر البرمجيَّات الذهنيَّة في حياتك‪.‬‬
‫فما الحل إذا؟‬
‫للتوضيح سأشارك معك خبرتي في فترة الدكتوراه…‬
‫ففي مرحلة معيّنة من الدكتوراه‪ ،‬أحسست أن النظام التعليمي ليس مكاني الحقيقي‬
‫والتطور‪ ،‬وخصوصا أني وقتها كنت أدرب الكثير من الناس‪ ،‬وبدأت بقيادة‬ ‫ّ‬ ‫للتعلم‬
‫رسالة « كن أنت»‪ ،‬وأكاديميّتها‪ .‬كنت أحس في معدتي الفارق بين االثنين‪ ،‬فواحدٌ‬
‫يمشي في دهاليز الجامعة التقليديّة إلشباع متطلَّباتها الباردة‪ ،‬والتي لم أعد أؤمن‬
‫بها‪ ،‬وواحدٌ أذوق فيه طعم التغيُّر الحقيقي‪ ،‬وصدق ال َمسْعى‪ ،‬وبهذا التناقض أحسست‬
‫بالصراع الداخلي‪ ،‬ومهما حاولت أن «أفبرك» قيمة في ذهني للدكتوراه‪ ،‬كان زيفها‬
‫ينجلي سريعا‪.‬‬
‫لبوابة وضوحي‬ ‫بحكمة‪ ،‬ورفق بإرشادي ّ‬ ‫فشاركت مدربي وقتها ماذا يجري‪ ،‬وقام ِ‬
‫الداخلي‪ ،‬وطلب مني حينها أن اعترف أني ال أحس قيمة للدكتوراه‪ ،‬وهو كان من‬
‫مخاوفي الكبرى! عندها أيقنت أن الحرية تكمن في الصدق بيني وبين نفسي في‬
‫نوعية التزامي‪ ،‬وأيضا عرفت أن الح َّل ليس بترك الجامعة‪ ،‬بل برفع نوعيّة‬
‫فقررت أن أستخدم الدكتوراه كرابط لرؤيتي الكبرى‪ .‬فعلت ذلك بتسخيرها‬ ‫االلتزام‪ّ ،‬‬
‫صبر‪ ،‬وتنظيم األفكار‬ ‫كتدريب صادق على االستمرارية‪ ،‬والدّقّة‪ ،‬والفعالية‪ ،‬وال ّ‬
‫ومنهجيّتها‪ ،‬وهذه نفس الصفات التي تطلبها رؤيا الروح مني للنضوج باتجاهها‪.‬‬
‫وعندها أصبحت الدكتوراه منطقية أكثر في ذهني‪ ،‬ودوافعها أيضا منطقية‪ ،‬فهي‬
‫توازت حينها مع رؤيتي واتجاهها‪ ،‬والمضحك أنّي بهذا النقلة الطاقيّة لاللتزام‪،‬‬
‫تحولت الدكتوراه إلى متعة‪ ،‬وفتحت لي أفاقا جديدة‪ ،‬ألقوم من خاللها بمقابلة أكثر‬ ‫ّ‬
‫أكثر عني‪،‬‬‫وكأن اللحظة التي أصبح التزا ٌم بالدكتوراه معبّرا َ‬ ‫َّ‬ ‫القادة ال ُم ْل ِهمين بالعالم‪.‬‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫صة‪ ،‬وهذا ّ‬ ‫وبالطريقة التي تناسب قلبي‪ ،‬قامت بفتح كنوزها الخا ّ‬
‫عندما يصبح التزامك صادقا‪ ،‬يفتح «ال ُملتزم به» كنوزه الدفينة‪.‬‬
‫ولتسيير هذا ال َم ْنحى الفكري للعمليّة‪ ،‬سأطلب منك أن تقوم بهذا التمرين الصغير‪،‬‬
‫لمساعدتك على توجيه التزاماتك باتجاه القلب‪ .‬التمرين بسيط ِجدًّا‪ ،‬وغاية بالفعالية‪،‬‬
‫ويلخص بثالثة أسئلة‪ ،‬كالتالي‪ ،‬وسأطلب منك قراءتهم‪ ،‬وقراءة التوضيح لهم في‬ ‫ِّ‬
‫األسفل ِبت ََر ّ ٍو‪:‬‬
‫ما الذي أريد ّ‬
‫فك االلتزام به اآلن‪ ،‬ولألبد؟‬
‫ما الذي أريد تجديد االلتزام به؟‬
‫ما الذي أريد بدء التزام به؟‬
‫ببساطة‪ ،‬األول يقصد ما ال تريد االستكمال في طريقه‪ ،‬والثاني قد يعني تغيير نيتك‬
‫وتجديدها‪ ،‬أو تجديد طاقة التزامك‪ ،‬كما فعلت بالدكتواره‪ .‬أما الثالث فهو لبدء‬
‫التزامات جديدة في حياتك‪ ،‬لم تأخذها على عاتقك من قبل‪.‬‬
‫هذا التمرين سيساعدك على فَ ِّك الطاقة المتج ّمدة من االلتزامات التي ال تخدم‬
‫تطورك‪ ،‬وتجديد ما يحتاج ذلك‪ ،‬والبدء بالجديد‪ .‬فك ّل التزام تأخذه على نفسك‪ ،‬هو‬ ‫ّ‬
‫ي بينك وبين الكون‪ ،‬وال ينتهي َّإال ِبفَ ِ ّك ِه‪ ،‬وعند تجديد ِنيّ ِت ِه بالنقاء سيزيد‬ ‫عقدٌ طا ِق ٌّ‬
‫تمكينه‪ ،‬وعنده تنشئة التزام جديد ستبدأ حلقةٌ طا ِقيّةٌ جديدة بينك‪ ،‬وبين الكون‪.‬‬
‫ق‪:‬‬
‫لتجيب‪ ،‬وبصد ٍ‬ ‫َ‬ ‫الوقت‬
‫َ‬ ‫س‪ ،‬و ُخ ِذ‬ ‫ولتبدأ التمرين‪ ،‬تَنَفّ ْ‬
‫اختر شيئا واحدا…‬ ‫ْ‬ ‫ي عن‪:‬‬ ‫سألغي االلتزام الطاقِ ّ‬
‫اختر شيئا واحدا…»ح ِدّ ْد نوعيّة االلتزام الجديد»‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ي في‪:‬‬ ‫سأجدّد االلتزام الطاقِ ّ‬
‫اختر شيئا واحدا‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫سأبدأ التزاما جديدا مع‪:‬‬
‫تكرر هذا التمرين ما شئت فيما بعد‪،‬‬ ‫ونطلب هنا شيئا واحدا بغاية التركيز‪ ،‬ولك أن ّ‬
‫المتكرر‪ ،‬وأنصحك أن ال تفعلها أكثر من مرتين بالسنة‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫فك االلتزام‬ ‫ولكن احذر من ِّ‬
‫للتقريب؛ ألنّه سيغذي عندك عادة االنسحاب‪ .‬وإن كانت نوعية االلتزام الذي تريد‬
‫آخر‪ ،‬كعالقة مثال‪ ،‬فطبعا حدّثهم قبل أن تزيله‪.‬‬ ‫ف ّكه يشمل شخصا َ‬
‫للحكمة‪ ،‬وليس التقاعس‪ ،‬واسمح لي بأن‬ ‫فك االلتزام هو خادم ِ‬ ‫لذا تأكد من أن ّ‬
‫أعطيك مثاال للتوضيح هنا…‬
‫المتدربات‪ ،‬ومن خالل الحوار معها عن كيفيّة التقدّم في‬ ‫ّ‬ ‫كنت أعمل مرة مع إحدى‬
‫يؤرقها‪ ،‬أحسسته في معدتي‪ ،‬فسألتها‬ ‫طريق شغفها‪ ،‬التقطت حدسيًّا أن هناك شيئا ّ‬
‫ما بك؟‬
‫وبالتع ّمق اكتشفنا أن هناك التزاما أخذتها على نفسها قبل ثالث سنين‪ ،‬لتنهي شهادة‬
‫معيّنة في اإلدراة‪ ،‬وهي لم ت ُ ْن ِه ِه أو توقفه‪ ،‬وإنما تركته معلَّقا‪ .‬فسألتها‪ :‬هل هذه‬
‫الشهادة نافعة لك في مسعاك الجديد؟ «في مسعى الشغف الذي تمشين به اآلن»‪.‬‬
‫ت هذا االلتزام‬ ‫كانت اإلجابة واضحة ‪»:‬ال»‪ .‬وعندها سألتها‪ :‬كيف ستحسين إن أسقط ّ ِ‬
‫اآلن؟ وقبل أن تنطق بحرف واحد ارتخى كتفاها‪ ،‬وتغيّرت ك ّل الطاقة المحيطة بها‪،‬‬
‫تحرره‪ ،‬وهو ليس بخادم لها اآلن؟ لذا نقول‬ ‫فقط ألنّها حملت التزاما لم توفّ ِه‪ ،‬ولم ّ‬
‫الحكمة‪.‬‬ ‫قررت إلغاء االلتزام‪ ،‬فتأ ّكد أنه من باب ِ‬ ‫إن ّ‬
‫أكثر بالتمرين؛ ألنه أمسى واضحا‪ ،‬وطريق االلتزام بات محدّدا‪ .‬ولكن‬ ‫ض َ‬ ‫لم نَ ُخ ْ‬
‫إن بقيت كلمة االلتزام ثقيلة على مسامعك‪ ،‬حتى مع ك ّل هذا التطبيق العملي‬
‫والتوضيح‪ ،‬فلك أن تستبدلها بكلمة االستمرارية‪ .‬فكلّنا نعي في داخلنا أن الشخص‬
‫المستمر‪ ،‬هو الذي يتحسن‪ ،‬ويتطور مع الوقت‪ .‬فمع االستمرارية تتشذَّب قدراتك‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ع من الملل‪،‬‬ ‫وتنجذب إليك الفرص أكثر‪ ،‬وأكثر‪ ،‬وكيف ال؟ والعنصر المستمر لم َيدَ ْ‬
‫أو الحجج سبيال إلعاقة استمراريته‪ ،‬حتى إن كان «يظن» أنه بطيء التعلم‪.‬‬
‫فبطيء التعلم‪ ،‬سيتعلم‪ ،‬وإن أخذه الوقت أكثر‪ ،‬وبهذا سيتغلب على سريع التعلم‪،‬‬
‫الذي ينسحب بعد فترة‪ .‬أال تذكر قصة السلحفاة التي استمرت في السير‪ ،‬لتسبق‬
‫األرنب السريع الذي توقف بعد فترة؟‬
‫االستمرارية هي من أكثر التح ِدّيات العاطفيّة التي ستواجهك في طريق رسالتك‪،‬‬
‫فالعمل المستمر ليس بالسهل‪ ،‬وخصوصا أن الحياة تعمل بفصول مختلفة‪ ،‬ويحكمها‬
‫قانون اإليقاع الكوني‪ ،‬فترى اإللهام والشغف يصعد فيك‪ ،‬وينطفئ بموجات‪.‬‬
‫فالمستمر الحق هو من عمل مع قانون اإليقاع‪ ،‬وتقلبات المزاج‪ ،‬ولكن تعالى عنها‬
‫أيضا!‬
‫س ِ ّري الذي إن‬ ‫لذلك االستمرارية هي مفتاح النجاح األصيل‪ ،‬وهي ذلك العنصر ال ِ ّ‬
‫يت عنه‪ ،‬تخلَّت عنك أحالمك‪ ،‬والنجاحات التي تنتظرك‪ ،‬وخصوصا في الوقت‬ ‫تخلَّ َ‬
‫لت مشاركة‬ ‫الحاضر‪ .‬فاآلن‪ ،‬بزحام المعلومات‪ ،‬وبوجود التكنولوجيا التي س َّه ْ‬
‫المحتوى والمنتجات‪ ،‬ال «يَعلَق» في ذهن الجماهير َّإال المستمر‪ .‬فمن دون‬
‫االستمرارية‪ ،‬ستنسى‪ ،‬ولن يُرى ألثرك النور‪ ،‬فمن اعتمد فلسفة الضربة الواحدة‬
‫للنجاح‪ ،‬وإن حصلت‪ ،‬سينساه الناس سريعا‪ ،‬وستبدأ رسالته بالتب ُّخر تدريجيًّا‪.‬‬
‫هذا ليس التح ِدّي الوحيد في وجه االستمرارية‪ ،‬فقد تُفاجأ أيضا أنه في بداية‬
‫مشاركتك للمحتوى لن تشت ّم رائحة النجاح الخارجي‪ ،‬وقد تكون القلة القليلة من‬
‫وقوة‪ ،‬وهنا يرقد اختبار االستمرارية‪.‬‬ ‫الناس تهتم لرسالتك‪ ،‬حتى إن كانت فيها عمق ّ‬
‫إني أذكر خير الذكرى‪ ،‬عند بدأت مشاركة أفكاري من خالل الفيديوهات الممنهجة‪،‬‬
‫لقوتها‪ ،‬ولكني فوجئت بأن القليل ِجدًّا من الناس‬ ‫حيث كنت ظانًّا أن الناس ست ُ ْذهل ّ‬
‫يشاهدونها‪ .‬فكانت الفيديوهات حرفيّا تُشاهد بعشرات معدودة‪ ،‬وأ ّما الفتاة التي تضع‬
‫صورة «المانيكير»‪ ،‬أو طالء أظافرها الجديد‪ ،‬تُشاهَد مئات اآلف من المرات‪ ،‬أال‬
‫تظن أن هذا أحبطني «قليال» وقتها؟ ولكن ما دفعني لالستمرارية‪ ،‬هو يقيني الداخلي‬
‫بقوة االستمرارية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫لذلك استمررت أسبوعا بعد أسبوع‪ .‬نعم أسبوعا بعد أسبوع‪ ،‬ومن دون أي استثناء‪،‬‬
‫وبغض النظر عن عدد‬ ‫ِّ‬ ‫استمررت بتصوير الفيديوهات‪ ،‬وغيرها من المواد‪،‬‬
‫أعط مساحة للنقاش‬ ‫ِ‬ ‫س ّر‪ ،‬أسبوع بعد أسبوع لم‬ ‫المشاهدات أو مزاجي‪ ،‬وهنا ال ِ ّ‬
‫باالستمرارية‪ .‬استمررت في الصيف والثلج‪ ،‬واستمررت في وقت تقديم رسالة‬
‫ي ع ّمي‪ .‬أسبوعا بعد أسبوع…‬ ‫الدكتوراه‪ ،‬واستمررت عندما ت ُ ُو ِفّ َ‬
‫بهذا ازدادت مهارتي تدريجيًّا‪ ،‬ومعها اتضحت رسالتي‪ ،‬وكيفيّة إيصالها للعامة‪،‬‬
‫ومعها نوعيّة الناس الذين ينجذبون لها‪ .‬ومع مرور الوقت زادت المشاهدات لتصل‬
‫إلى مئات اآلالف أسبوعيّا‪ ،‬بل الماليين أحيانا من المتابعين المخلصين لهذه الرسالة‪،‬‬
‫رسالة (كن أنت)‪.‬‬
‫وليس المقصد هنا أن االستمرارية تضمن المتابعة‪ ،‬وإن كان في هذا شي ٌء من‬
‫الحقيقة‪ ،‬ولكن المقصد أن الذي يبقى في اللعبة أطول وقت ممكن‪ ،‬وبنيَّة صادقة‬
‫ق في اللعبة وتغيّراتها‪ ،‬حتى إن خلت‬ ‫للعطاء‪ ،‬هو الذي سينتصر‪ .‬فهذا الشخص با ٍ‬
‫من إثارة اإللهام األولي‪.‬‬
‫فاللحظة التي يضربك اإللهام‪ ،‬سيتو َّهج كيانك بطاقة اإلثارة‪ ،‬إثارة اإللهام األولي‪،‬‬
‫ومن السهولة أن تتبعه حينها‪ ،‬فغالب الناس تفعل ذلك‪ ،‬ولكن بعد فترة سترى اإلثارة‬
‫تنحدر‪ ،‬وهنا عادة ما يقوم عامة الناس باالستسالم‪ ،‬أو األسوأ يحولون العمل إلى‬
‫شكل مزاجي على وجود اإللهام من عدمه‪ .‬فترى الشخص يعمل على أهوائه‬
‫صة‪ ،‬ولكن هذا طبع الهاوي‪ ،‬وال يمكن للهاوي أن يالمس احترافية‬ ‫وأحاسيسه الخا ّ‬
‫المخلص‪ ،‬الذي وهب نفسه لرسال ٍة حقّة‪.‬‬
‫فلماذ تلتزم الحياة برسالتك‪ ،‬إن كنت نفسك غير آبِ ٍه بااللتزام بها؟‬
‫وهذه مشكلة أراها خاصة بين ال ُكتّاب‪ ،‬والفنانين‪ ،‬والمبتكرين عا ّمة‪ ،‬فتراهم يُل َهمون‬
‫بفكرة أولية‪ ،‬ويبدؤون بالتطبيق السريع‪ ،‬ثم عند فتور شحنة الطاقة األساسيّة التي‬
‫تأتي مع اإللهام‪ ،‬يبدأ العمل باالنحدار على حسب المزاج‪ .‬فإن «أحس» الكتابة كتب‪،‬‬
‫س ْم‪ ،‬وهكذا يبقى المبتكر على طابور االنتظار‪ ،‬منتظرا جنّي‬ ‫وإن أحس الرسم َر َ‬
‫ي» أو «‪.»Writer›s block‬‬ ‫اإللهام ليظهر‪ ،‬وهذا ما يعرف «باالنقباض االبتكار ّ‬
‫هو يحدث ألنه قد نسي أن اإللهام يُغذَّى باالستمرارية‪ ،‬وليس العكس‪ ،‬وهذا ّ‬
‫سرنا‬
‫الصغير‪.‬‬
‫االستمرارية هي من تُش ِعل اإللهام‪ ،‬وليس العكس‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال عندما أتى إلهام هذا الكتاب‪ ،‬والتزمتُ بكتابته‪ ،‬في كثير من األيام‬
‫أحس بالكتابة‪ ،‬أو لم يكن التدفّق موجودا قبل الكتابة‪ ،‬ولكن هذا ليس ُم ِه ًّما‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لم‬
‫فاإلحساس هنا ثانوي‪ ،‬مقارنة بااللتزام الكامل للكتابة ك ّل يوم صباحا‪ ،‬حتى لو‬
‫جلست أمام الالب توب ولم أكتب شيئا‪ ،‬فهذا جزء من االستمرارية‪ .‬وفي لغة الحياة‪،‬‬
‫ي في داخلك‪ ،‬فكأنّك تقول له‬ ‫تعتبر االستمرارية صالة التقديس للعنصر االبتكار ّ‬
‫وباللغة التي يفهمها‪ ،‬أنا‬
‫ي‪ ،‬ليأخذك من نقطة إلى‬ ‫سيتطور النبض االبتكار ّ‬
‫َّ‬ ‫أقدسك وأحترمك وأب ّجلك‪ ،‬وبهذا‬
‫بعدها‪ ،‬وبعدها‪ ،‬وبعدها ‪.‬‬
‫وال نعني هنا َّأال تحترم أحاسيسك‪ ،‬ولكن َّأال تضع أحاسيسك‪ ،‬ومزاجك على درجة‬
‫تعلو من االستمرارية‪ ،‬فهذا الطريق األسرع للتدمير‪ ،‬نعم الطريق األسرع للتدمير‪.‬‬
‫فاألحاسيس هي نِت َاج األفكار كما أوضحنا‪ ،‬واألفكار متغيّرة‪ ،‬وعندما تمشي في‬
‫صة‪ ،‬فأنت بك ّل خطوة لألمام تبعد أكثر‪ ،‬وأكثر عن مساحة‬ ‫طريق رسالتك الخا ّ‬
‫الراحة‪ ،‬فترى المقاومة الفكريّة تُفَعَّ ُل فيك‪ ،‬ومعها أحاسيس الرغبة بالرجوع‬
‫ت صغيرةٍ ويوميّة‪ ،‬سترى هذه المقاومة ت َشفي‬ ‫والتوقف‪ .‬ولكن إن التزمت بخطوا ٍ‬
‫نفسها بنفسها‪ ،‬وترضخ على ركبها أمام مهابة االستمرارية‪.‬‬
‫لذلك االستمرارية التي ننشد منك‪ ،‬هي خطوات صغيرة مستمرة‪ ،‬تشابه خطى‬
‫وأرجعت االستمرارية إلى مكانها األصلي‪ ،‬كسيّد على‬ ‫َ‬ ‫الطفل‪ .‬وإن بنيت هذه العادة‪،‬‬
‫األحاسيس‪ ،‬والمزاج اللحظي‪ ،‬وليس عبدا لها‪ ،‬سترى حياتك تتسع إلى الثراء‪ .‬فقد‬
‫ي‪،‬‬‫نقول بالعمومية هنا‪ ،‬إن هناك نوعين من الناس‪ ،‬األول‪ :‬المستمر بنبضه االبتكار ّ‬
‫والذي يلمس رؤيته الصادقة‪ ،‬ويسعى بااللتزام بها‪ ،‬ومن دون كل ٍل‪ ،‬أو مل ٍل أو تردّد‪،‬‬
‫وإن أصابه الكلل‪ ،‬والملل‪ ،‬والتردّد على السطح‪ ،‬وهناك اآلخر‪ ،‬الذي يجري هنا‬
‫وهناك‪ ،‬من دون االلتزام برؤيته‪ ،‬أو حتى السعي الستيضاحها‪ .‬هذا األخير تميل‬
‫سفنه لخدمة األول‪ ،‬تميل لواضح البصيرة والمستمر في عطائه‪ ،‬فاألول هو القائد‬
‫في طاقته‪ ،‬واآلخر هوالتابع طاقيًّا‪.‬‬
‫وهناك حادثة معيّنة حصلت معي توضح المقصد من هذا…‬
‫في فترة معيّنة بدأت في تصوير سلسلة أسبوعية من الفيديوهات اإلنجليزية أسميتها‬
‫«الحكمة العمليّة»‪ ،‬وحينها التزمت بأن أصور مرة باألسبوع كما أوضحت‪ ،‬ولم‬ ‫ِ‬
‫يكن في ذلك االلتزام مساحة للنقاش‪ ،‬فكنت أقوم ك ّل جمعة بعد التأ ّمل الصباحي‬
‫بالتصوير‪ .‬أقوم بذلك بنيَّة واضحة المعالم‪ ،‬وفي قلبها العشق للتغيير‪ ،‬بهدف رفعة‬
‫الوعي ال َج ْمعي من الخوف إلى الحب‪ .‬طبعا كان ذهني يأتي بك ّل األسباب‬
‫أحس التصوير‬‫ُّ‬ ‫«المنطقية» لعدم التصوير‪ :‬فأنت لست ُمجيدا لإلنجليزية‪ ،‬أو أني ال‬
‫اليوم‪ ،‬فاألجواء باردة في إسكتلندا واألفضل أن أبقى تحت اللحاف‪ ،‬وغيرها من‬
‫البدع‪ .‬كنت أدع ذهني يثرثر‪ ،‬بينما أحضر الكاميرا‪ ،‬وأثبت اإلضاءة‪ ،‬فتراني آخذ‬
‫تقديميًّا من دون االلتفات إلى ذلك الحوار الداخلي؛ ألني أعي أنني إن انتظرت‬ ‫ِ‬ ‫فعال‬
‫الحوار لينتهي‪ ،‬لن ينتهي أبدا‪.‬‬
‫القوة الصادقة من االلتزام الصادق‪ ،‬بدأت أالحظ كيف يدعم الكون هذا‬ ‫وبهذه ّ‬
‫االلتزام‪ ،‬وبصورة غريبة ِجدًّا! مثال‪ :‬مرة أتى الشخص الذي يحمل «الديليفيري‬
‫ورن على الجرس «تماما» في اللحظة التي أنهيت فيها التصوير‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫‪،»Delivery‬‬
‫قد تقول هذه صدفة‪ ،‬ولكني لوعيي بقانون السبب والنتيجة أدري أن الصدف هي‬
‫خرافة ذهنية‪ .‬فقد أجزم اآلن أن االلتزام بعث رسالة طاقيّة صارمة على مستوى‬
‫العقل الباطن لآلخرين؛ لكي ال يزعجوني حتى انتهاء التدفق الكالمي‪.‬‬
‫فمن يدري ما حصل مع صاحب الدليفيري؟ فمن الممكن أنه أوقع مفتاحه قبل‬
‫الضغط على الجرس بلحظات! هذا ما عنيت عندما قلت‪ :‬الواضح البصير‪ ،‬والملتزم‬
‫الحق‪ ،‬يحرك البقية لخدمة رسالته‪ ،‬وهذا أحد قوانين الكون الخيميائية‪ .‬فالبعد األعلى‬
‫يطغى على البعد األصغر‪ ،‬أو الطاقة العليا تطغى على الطاقة الصغرى‪ ،‬وكما‬
‫وقوة االلتزام بها‪.‬‬
‫قوة تطغى على وضوح الرؤية ّ‬ ‫اتّضح من قبل‪ ،‬ال ّ‬
‫سيحرر ذهنك من النقاشات‬ ‫ّ‬ ‫ومن الفوائد األخرى لاللتزام الصادق المستمر‪ ،‬أنه‬
‫سما‪ ،‬والتزامك غير‬ ‫وال ما أَعملو؟» فهنا كلمتك أصبحت قَ َ‬ ‫المتكررة‪« :‬أَعملو ّ‬
‫ّ‬
‫استمر صوت الخوف فيك بالجدال‪ .‬فااللتزام هو وسيلة أخرى‬ ‫َّ‬ ‫راضخ للجدال‪ ،‬وإن‬
‫قوته‪.‬‬
‫الحتراف الذهن‪ ،‬وسلب نظام الخوف ّ‬
‫تحول التزامك إلى قسوة‬ ‫ولكن « وهذا تنويه ُم ِه ٌّم ِجدًّا»‪ ،‬فبالرغم ِم ّما ذُ ِك َر‪ ،‬فال ّ‬
‫أبدا‪ ،‬فالتعاطف مع الذات هو ركيزة االلتزام بحقيقتك‪ .‬فإن لم تلتزم اليوم‪ ،‬فهذه ليست‬
‫بالكارثة وت َحدُث معنا كلّنا‪ ،‬وغدا يوم جديد‪ ،‬وفيه فرصة جديدة لتجديد االلتزام‪،‬‬
‫قوة رهيبة أيضا‪،‬‬ ‫قوة رهيبة‪ ،‬فالتعاطف مع ذاتك فيه ّ‬ ‫واالستمرارية‪ .‬فكما االلتزام فيه ّ‬
‫وبالنهاية نحن بشر‪ ،‬ولسنا ماكينات! وحتى األبحاث في علوم األداء‪ ،‬ومنها التي‬
‫أجرتها «براندون برشاد ‪ ،« Brendon Burchard‬إحدى أعظم الباحثين في ق ّمة‬
‫األداء‪ ،‬قد أثبتت أن األداء «العالي والمستدام»‪ ،‬مقترن ك ّل االقتران بالتعاطف مع‬
‫ضنِي‪ ،‬وجلد النفس كأسلوب‬‫النفس‪ ،‬وليس القسوة عليها‪ ،‬وهذا ينهي خرافة الجهد ال ُم ْ‬
‫لألداء العالي‪ ،‬ويقدم التعاطف مع النفس كمح ِفّ ٍز لرؤيا الروح‪.‬‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫* الحرية المطلقة مرتبطة حش ِويًّا بااللتزام المطلق في رسالتك‪.‬‬
‫* موازنة اإللهام بااللتزام هي الصفة الرئيسية ألصحاب الرسالة والمغيّرين‪.‬‬
‫* صورة «الشخص الصالح» في ذهنك‪ ،‬قد تعميك عن التمحص الصادق في‬
‫نواياك‪.‬‬
‫* االستمرارية هي مفتاح النجاح في عصر التكنولوجيا الذي نعيشه اآلن‪.‬‬
‫ي بينك‪ ،‬وبين الكون‪.‬‬ ‫* كل التزام هو عقدٌ طا ِق ٌّ‬
‫أسئلة للتفكر‪:‬‬
‫ْت كلمة االلتزام؟‬‫ماذا سيحدث إن احترمت‪ ،‬وقدَّس َ‬
‫هل ترى نفسك كشخص ملتزم؟‬
‫لماذا ال؟‬
‫هل أنت قادر على َر ْمي ِ هذه القصة الذهنية؟‬
‫ما الذي «تعرف» في قلبك إنك لو التزمت به سترتقي في نفسك‪ ،‬وحياتك؟‬
‫هل أنت جاهز أن تعيد االلتزام به اآلن؟‬
‫رؤياُالروحُ‬
‫عندما ننظر إلى الرؤيا عادة ما يت ُّم مناقشتها من مفهموم بدائي ال يتوافق مع زمن‬
‫الصحوة‪ ،‬وسرعة التغيُّر التي نعيشها اآلن‪ .‬فعهدنا مناقشة الرؤيا بصيغة تقليديّة من‬
‫خالل تدريبات مملّة‪ ،‬ورتيبة‪ ،‬تنحصر فيها الرؤيا على تحديد مجموعة من األهداف‬
‫الباردة و»الواقعية»‪ ،‬وشخصيًّا ال أدري أين اإللهام في ذلك؟ أو حتى لماذا نقدّس‬
‫كلمة الواقعيّة‪ ،‬وما الواقع َّإال «تجربتك الفكريّة»‪ .‬بهذا المضمون الكالسيكي للرؤية‬
‫ي‪.‬‬
‫لت إلى محدّد فكري آخر‪ ،‬وقاتل لإلبداع‪ ،‬والمفاجآت‪ ،‬والتنوير ال َج ْم ِع ّ‬ ‫تحو ْ‬
‫قد َّ‬
‫فما الحل لذلك؟ هل بِ َر ْمي ِ الرؤيا‪ ،‬والتخلّص من هذا المفهوم كلّيًّا؟ قد يكون هذا‬
‫أحد الحلول المرحلية‪ ،‬والذي قد يكون ناجعا في فترة معيّنة من حياتك‪ ،‬للمساهمة‬
‫في فتح عوالم جديدة في نفسك‪ ،‬ولكن سنقترح هنا أسلوبا بديال‪ ،‬لترجع الرؤيا إلى‬
‫فضاء الروح التي يفترض أن تنبثق منه‪ .‬نتكلّم هنا عن أسلوب آخر «الرؤيا»…‬
‫الرؤيا‪ ،‬كرافد لحلمك‪ ،‬ورسالتك‪ ،‬وانفتاحك الذهني‪ ،‬وبنفس الوقت لتركيز طاقتك‬
‫في اتّجاه معيّن‪ ،‬بدل العشوائيّة في المنحى‪.‬‬
‫فالرؤيا التي نعني هنا‪ ،‬هي نوع من العالقة‪ ،‬واالنسجام بين داخلك وخارجك‪،‬‬
‫صه بين قلبك‪ ،‬وأركان الحياة المختلفة‪ ،‬لتتحول فيها رؤيتك إلى‬ ‫االنسجام الذي تق ُّ‬
‫« ُحلم ُمهندس» لك ولإلنسانيَّة كك ّل‪ .‬حلم يتوازى مع ما ترغب حقًّا‪ ،‬وفي ك ّل أنظمة‬
‫حياتك‪ ،‬وليس ما قيل لك أن ترغب‪ ،‬فالرؤيا التي نعني هنا هي نظام حياة كامل‪،‬‬
‫هو نظام الروح‪ ،‬وهندسته الفريدة‪.‬‬
‫بهذا المستوى الراقي من التفكير في الرؤيا‪ ،‬ستتحول الرؤيا إلى «المهندس»‬
‫الرئيسي داخل ذهنك وقلبك‪ .‬هي الهندسة الفريدة ألركان حياتك المختلفة‪ ،‬وباستخدام‬
‫تفكيرك المستقل‪ ،‬ومن خالل حقيقتك الذاتية‪ ،‬وليس من خالل «كودات التفكير‬
‫ال َج ْم ِعي»‪ ،‬والتي تحْ ُكمك بمعنى النجاح في الصحة‪ ،‬والصداقة‪ ،‬والعمل‪ ،‬والمال‪،‬‬
‫والعطاء‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫صة‪ ،‬فما‬ ‫فالنداء هنا‪ ،‬هو نداء حريّة مطلقة‪ ،‬الحريّة الخالصة لخلق أنظمتك الخا ّ‬
‫النظام ّإال تجسيد ألفكارك الذهنية‪ ،‬لتعمل بعدها كوحدة مستقلة في الخارج‪ .‬فالنظام‬
‫هو وحدة فكريّة مستقلة‪ ،‬تقوم بالتكرار‪ ،‬والتحديث لعمليات فكريّة معيّنة‪ ،‬بهدف‬
‫توفير الطاقة‪ ،‬وتحرير الذهن من الحاجة إلى إعادة التفكير‪ ،‬وهذا ِس ُّرنا الصغير‪.‬‬
‫المكرر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫النظام هو وحدة فكريّة مستقلة‪ ،‬لتحرير الذهن من التفكير‬
‫فلنأخذ المال على سبيل المثال‪ ،‬فعند تشكيل نظام شخصي إلدارة المال‪ ،‬فهذا النظام‬
‫يعمل على توفير الطاقة بتقليص تفكيرك في كيفيّة إدارة المال ك ّل مرة‪ ،‬ومن خالل‬
‫تنظيم الحركة المالية إلى مداخل ومخارج معيّنة‪ ،‬وهذا المبدأ نفسه يطبّق على‬
‫مستوى شركة تدير المليارات‪ ،‬ولكنها ستستخدم حينها برامج حاسوبية معقّدة‪ ،‬وفرقا‬
‫عاملة لتدوير النظام‪ .‬لكن بالعمق اإلثنان واحد‪ ،‬وباحجام مختلفة‪ ،‬فاالثنان نظامان‬
‫هادفان لتوفير الطاقة‪.‬‬
‫فواحدة م َّما جعل اإلنسان أكثر المخلوقات سيطرة على األرض‪ ،‬هو قدرته الرهيبة‬
‫على خلق األنظمة المختلفة‪ .‬ومن أعقد األنظمة التي احترف تشكيلها اإلنسان‪ ،‬هي‬
‫األنظمة المجتمعية‪ ،‬وفي أساسها كودات فكريّة مبرمجة لتحديد طرق التبادل‪،‬‬
‫والتواصل‪ ،‬والتطور‪ ،‬ومن هنا خلقت المدن‪ ،‬والحضارات‪.‬‬
‫ولكن تذكرأن ك ّل هذه األنظمة تعمل تحت مظلة واحدة‪ ،‬وهي المظلة الفكرية ‪،‬‬
‫فكلّها بأساسها أفكار‪ .‬فأنظمة المجتمع‪ ،‬والمدن‪ ،‬والحضارات وحتى المال بدأت‬
‫كلّها كأفكار ذهنيَّة‪ ،‬حتى أصبحنا نراها كنظم حقيقية في الخارج‪ ،‬ولها كيانها‬
‫الخاص‪ .‬وكأن النظام يتحول مع الوقت إلى عقل خارجي‪ ،‬ليبدأ بتحديث نفسه‪،‬‬
‫والدفاع عن وجوده‪ ،‬وسنذ ّكرك مرة أخرى؛ كي ال تنسى أنه مهما تعقّد النظام‪ ،‬فهو‬
‫ال يتعدّى مستوى األفكار‪ .‬فمثال لو نظرت على نظام المال أمامك‪ ،‬ومن دون «فكرة‬
‫المال» ستراه كورقة‪ ،‬ولو نظرت على الورقة من دون «نظام اللغة» الذي أطلق‬
‫عليها اسم «الورقة»‪ ،‬ستراها كما هي» طاقة»!‬
‫فوراء ك ّل األفكار‪ ،‬تستنبط الحياة كما هي‪ :‬كطاقة ابتكارية واحدة‪ ،‬وفي صلبها‬
‫خامة الفكر‪ ،‬وهي خامة األنظمة كافّة‪.‬‬
‫نقول هذا لنرتقي بمستوى تمكينك‪ ،‬لتوقن ّأال شيء في الكون يُشكل من خارج‬
‫ذهنك‪ ،‬فحتى المال‪ ،‬والمجتمعات‪ ،‬والبالد أجمع‪ ،‬تتش ّكل من داخلك‪ ،‬فك ّل هذه‬
‫مخزنة في عقلك‬ ‫َّ‬ ‫األنظمة تستخدم ذهنك لتشكيل وجودها‪ ،‬فكلّها كودات فكريّة‬
‫الباطن اآلن‪ ،‬وتفعَّل ك ّل لحظة لتكرار بقائها‪ ،‬كلّها أفكار‪.‬‬
‫صة عن المال‬ ‫وتقرر أن تبدأ بتشكيل أنظمتك الخا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولك أن تتوقف اآلن‪ ،‬وتتنفّس‪،‬‬
‫والعمل والتعليم‪ ،‬والعالقات وغيرها‪ .‬وبهذا ستستذكر حقك الشرعي لتشيكل حياة‬
‫فريدة‪ ،‬بأنظمة فكريّة فريدة‪ ،‬أنظمة تتماشى مع قلبك‪ ،‬وليس األفكار المبرمجة‬
‫بالوعي الجمعي‪.‬‬
‫ألنّه بالنهاية الذين ش َّكلوا األنظمة الموجودة اآلن‪ ،‬ليسوا أذكى منك‪ ،‬وقد ال تكون‬
‫نيتهم خدمتك‪ ،‬بل على العكس تماما قد تكون الستعبادك! فغالب األنظمة الحالية‬
‫تعمل كخادم للمصالح الشخصيّة متماشية مع أسلوب الهرمية في التسلسل‪ ،‬وفيها‬
‫أن األنظمة الحالية هي لمصلحتك‪ ،‬فغالب‬ ‫تظن واهما ّ‬ ‫ّ‬ ‫األسفل خاد ٌم لألعلى؛ لذا ال‬
‫ي من خوف ال يمكن أن يكون‬ ‫ت من نظام الخوف‪ ،‬وما بُ ِن َ‬ ‫األنظمة الموجودة اآلن بُ ِن َي ْ‬
‫صة‪ ،‬والتي أنت‬ ‫حام ألجندته الخا ّ‬ ‫وتطور اإلنسانيّة كك ّل‪ ،‬وإنّما هو ٍ‬ ‫ّ‬ ‫لتطورك‬
‫ّ‬ ‫رافدا‬
‫لست جزءا منها‪.‬‬
‫وال نعني هنا أن المشكلة في مفهوم النظام نفسه‪ ،‬بل بنوعيّة التفكير الذي ش َّكلَهُ‪،‬‬
‫فإن كان النظام مغذَّى من فكر متناغم مع الروح أصبح خادما للحب والوحدة‪ ،‬وإن‬
‫حاد عن ذلك فهو أصبح وحشا كاسرا‪ ،‬يُس ِكت جوعه المستمر بالتغ ٍذّي على جهلك‬
‫بقوتك االبتكاريّة‪.‬‬ ‫الضمني ّ‬
‫تذ ّكر أنه هذا ليس نداء للعب دور الضحيّة‪ ،‬بل نداء للحريّة‪ ،‬لتقوم بتشكيل أنظمتك‬
‫الخاصة؛ ألنّه كما قلنا‪ ،‬وسنقول ك ّل األنظمة بأساسها أفكار‪ ،‬ولك أن تختار نوعيّة‬
‫ي جديدة في العمل‬ ‫جديدة من األفكار‪ ،‬ومعها أنظمة حياة جديدة‪ ،‬تُجسد منها معانِ َ‬
‫والصحة والعالقات‪ ،‬أو كما قالها ببراعة «ستيف جوبز ‪ « : »Steve Jobs‬الحياة‬
‫تصبح متقدمة أكثر عندما تكتشف حقيقة واحدة بسيطة‪ ..‬أن ك ّل شيء في الخارج‪،‬‬
‫والذي تطلق عليه اسم الحياة‪ ،‬هو نتيجة تفكير أشخاص ليسوا أذكى منك‪ ،‬وتستطيع‬
‫ي هو عنصر ال‬ ‫أن تغيره»‪ ،‬نعم تستطيع أن تغيّره؛ ألن عنصر التكوين االبتكار ّ‬
‫محدود‪ ،‬ومتاح بداخلك اآلن‪ ،‬فهذا ميراثك الكوني الذي ال يمكن أن يسلب منك؛ لذا‬
‫بحكمة لتشكيل أنظمة ثورية‪ ،‬وتقدُّمية تتوازى مع قلبك‪ ،‬وقلب‬ ‫استخدم هذا الميراث ِ‬
‫اإلنسانيّة الواحد‪.‬‬
‫لهذا الغرض بالذات‪ ،‬بدأ الكتاب بعمليّة إيضاح شمولي لعمليّة التغيير بإرجاعها‬
‫سرا بذلك طريقة عمل الذهن‪ ،‬وكيف‬ ‫إلى أصلها الحقيقي‪ ،‬كعمليّة داخليّة باقتدار‪ ،‬مف ِ ّ‬
‫أنه يسلك نظامين محركين‪ :‬الحب أو الخوف‪ .‬هذا اإليضاح الجذري سعى أن يكشف‬
‫أن ك ّل األنظمة الخارجيّة تعمل بأحد هذين االتّجاهين‪ ،‬إ ّما الحب أو‬ ‫لك اآلن‪ّ ،‬‬
‫بحس الحب‬ ‫ِّ‬ ‫الخوف‪ ،‬وبينهما يسكن النطاق الفكري كامال‪ ،‬فإحداهما ممتلئ‬
‫والرسالة‪ ،‬واآلخر فاقدٌ لها‪.‬‬
‫ولألسف‪ ،‬األنظمة التي ش ّكلَتها اإلنسانيّة حتى اآلن بعيدة ك ّل البعد عن نظام الحب‪،‬‬
‫نظام الواحد‪ ،‬والمشمول فيه طاقة الحبّ التقدّمي؛ لذلك نرى نظام التعليم يجهلك‬
‫بذاتك‪ ،‬ونظام العمل يستعبدك بطريقة عمل رتيبة‪ ،‬وأوقات جموديّة‪ ،‬ونظام العدالة‬
‫يزيد المجرمين إجراما بتمكين صورة المجرم في داخلهم‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫وواحدة من غايات الكتاب الرئيسية‪ ،‬هي السعي لتغيير األنظمة الحالية‪ ،‬بتغيير‬
‫النظام األساسي ال ُمش ّكل لها‪ ،‬وهي‪ :‬السيكولوجية اإلنسانيّة‪ ،‬بإرجاعها إلى تعبير‬
‫ي الحدوث‬ ‫الحب والوحدة والرسالة‪ ،‬وعندها سيصبح تغيير األنظمة الخارجيّة تلقائ َّ‬
‫لنشهد سويًّا َبعدها رؤية جديدة ُكلّيًّا لعالم جديد‪.‬‬
‫فتخيّل عالما فيه نظام التعليم يتحول من التبجيل المغلوط للجزء التحليلي‪ ،‬إلى رفعة‬
‫الحدس والتعبير الفريد عن الذات‪ ،‬وتخيّل «السجون» ليست مكانا للعقاب‪ ،‬وإنّما‬
‫والتطور في حبّ الذات‪ .‬وتخيّل النظام المالي يتسامى عن تصنيع‬ ‫ّ‬ ‫«مساحة للشفاء»‪،‬‬
‫وحكمة التبادل في‬ ‫القيمة الوهميّة‪ ،‬بغرض الكسب العشوائي‪ ،‬إلى وضوح الرسالة‪ِ ،‬‬
‫روح العدالة القلبيّة‪ .‬وتخيّل نظام الصحة يرتقي عن ثقافة التخدير لأللم‪ ،‬إلى فهم‬
‫الرسالة‬
‫التي يريد إيصالها األلم‪ ،‬وتخيّل أيضا أن هذا النظام يغطس أعمق من منظور‬
‫الفيزيائيّة البحتة في تشخيص المرض‪ ،‬إلى البحث الشمولي فيه‪ ،‬وعلى ك ّل‬
‫المستويات‪ ،‬الروحيّة والعاطفيّة والذهنيَّة والجسديّة‪ .‬وتخيّل نظام العمل يرتقي عن‬
‫«الروبوتيه في األداء»‪ ،‬وخدمة المصالح الشخصيّة‪ ،‬ليتحول إلى شكل من العبادة‬
‫ي‪ .‬وتخيّل نظام القيادة يرتقي من السيطرة‪،‬‬ ‫في العطاء‪ ،‬ونهج لرفع الوعي ال َج ْم ِع ّ‬
‫وصناعة التابعين‪ ،‬إلى خلق الفضاء اآلمن لألشخاص ليزهر من قلبهم القائد الداخلي‪،‬‬
‫وفي هذا ضمنيَّة التمكين واإلبداع والفَرادة‪.‬‬
‫وتخيّل العالقات الحميمة‪ ،‬ترتقي من مفهومها التقليدي‪ ،‬بانتظار فارس أو فارسة‬
‫األحالم لتعطيك السعادة األبدية‪ ،‬للنظر إلى العالقات الغرامية كوسيلة للتطور‪،‬‬
‫وتعرية الذات‪ .‬وتخيَّل نظام التربية يرتقي عن حاجة السيطرة‪ ،‬والتملّك‪َ ،‬‬
‫ور ْمي ِ‬
‫المكررة على األبناء‪ ،‬باستخدام كافة أشكال التالعب العاطفي من الرضا‬ ‫َّ‬ ‫األوامر‬
‫المغلوط وغيرها‪ ،‬إلى التربية الصادقة‪ ،‬عن طريق ضرب المثال ال ُمل ِهم لألبناء في‬
‫يتحول فيه‬
‫ّ‬ ‫حب الذات‪ ،‬والشفاء العاطفي‪ ،‬والتمكين‪ ،‬واالستقاللية الطاقيّة‪ ،‬نظام‬
‫ال ُمربّون إلى تالميذ مع أبنائهم لالرتقاء بمستوى وعيهم الشخصي‪ ،‬وبذلك العائلة‬
‫ككل‪ ،‬وتخيّل‪ .‬وتخيّل‪ .‬وتخيّل…‬
‫أهمية هذه الخياالت تتعدّى مساحة الحلم فقط‪ ،‬إلى مسألة وجوديّة بحتة‪ ،‬وفيها بقاء‬
‫الجنس اإلنساني على ال َم َح ّك‪ ،‬فاألنظمة القديمة قد استهلكت نفسها‪ ،‬واستهلكت‬
‫بحكمة القلب لتفوح من هذه األنظمة ك ِّل الروائح‬ ‫اإلنسانيّة‪ ،‬بسبب فقدانها االتصال ِ‬
‫َّت ك َّل الحدود‪ ،‬وخصوصا بسبب‬ ‫الكريهة‪ ،‬وتتابع فيها األخطاء الفادحة‪ ،‬التي قد تعد ْ‬
‫التطور التكنولوجي السريع في الوقت الحالي‪ .‬في هذه األخطاء المتتالية خطورة‬
‫مهدّدة للبقاء اإلنساني‪ ،‬ليس ألن المشكلة بسرعة التطورالتكنولوجي ب َح ِدّ ذاتها‪ ،‬بل‬
‫بسيكولوجية اإلنسان المريضة بالخوف‪ ،‬والجشع‪ ،‬والجهل‪.‬‬
‫لذلك نرى األنظمة الحالية تأكل من نفسها‪ ،‬وتثقل كتف اإلنسانيّة بجراثيم التعقيد‬
‫والطمع الجائر‪ ،‬لتلوث بيوتنا ومجتماعتنا‪ ،‬وتلوث الهواء‪ ،‬والماء‪ ،‬والسماء أيضا‪،‬‬
‫جنس مهما ارتقت مكانته أن يستهلكها‪ .‬وإن‬ ‫ي ٍ‬ ‫ونظام األرض المتّزن ال يسمح أل ِّ‬
‫كانت روح األرض ُمحبّة وصبورة‪ ،‬فهناك تصبح التضحية واجبة‪ ،‬وباتّجاه األهم‪،‬‬
‫واألهم هو األرض‪ ،‬وبقاؤها‪ ،‬وال نقول هذا إلخافتك‪ ،‬بل إليضاح الضرورة‬
‫القصوى لتغيير األنظمة الحالية‪ ،‬والتغيير يبدأ من داخلك اآلن‪ ،‬من رؤيتك القلبية‪،‬‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬
‫وهذا ُّ‬
‫تغيير األنظمة الحالية يبدأ من داخلك اآلن‪.‬‬
‫أن تغيير األنظمة يبدأ من داخلك اآلن‪ ،‬وأ ّما‬ ‫هذا ببساطة ما نحاول إيصاله هنا‪ّ ،‬‬
‫القوة بيدك اآلن‪،‬‬ ‫االعتماد على النظم الحالية‪ ،‬ستبقيك أسيرا في ُمكبّالتها‪ .‬الجميل أن ّ‬
‫لتشكيل أنظمة راقية تعمل من قلب الوحدة في داخلك‪ ،‬أنظمة تسري سريان األفكار‬
‫المتناغمة‪ ،‬وباتّجاه الحب والتوحيد‪ ،‬وليس األحكام والتقييد‪ .‬هذه النقلة ليست‬
‫بالصعبة؛ ألن األفكار عنصر طليق‪ ،‬ومتغيّر‪ ،‬وله القدرة على التشكيل‪ ،‬والتغيير‪،‬‬
‫وتأن لخلق أنظمتك‬ ‫ٍّ‬ ‫بحكم ٍة‬
‫والتحويل بالطريقة التي ترغبها‪ ،‬فاستعمل األفكار ِ‬
‫صة‪ ،‬من «رؤية روحك» الخاصة‪.‬‬ ‫الخا ّ‬
‫وهذه الرؤية الروحيّة ستحول مفهوم الرؤية عندك‪ ،‬من بضعة أهداف شخصيّة‪،‬‬
‫إلى رؤية شمولية‪ ،‬يستحدث فيها أنظمة جميلة‪ ،‬وتقدّمية لك‪ ،‬ولإلنسانيَّة كافّة‪.‬‬
‫أكاد أجزم أن السؤال العالق في ذهنك اآلن هو‪ :‬كيف لي أن أبدأ بتشكيل رؤية‬
‫الروح اآلن‪ ،‬وفيها أنظمتها الفريدة؟‬
‫البداية تستند إلى مدى ع ُمق فَهمك بأنّك المش ِ ّكل لواقعك‪ ،‬ومعه أنظمة الحياة كافة‪،‬‬
‫وال نتكلّم هنا عن الفهم الذهني لهذه الحقيقة فقط‪ ،‬بل الفهم المتغلغل بك ّل خالياك‪،‬‬
‫لترى نفسك كالمش ِ ّكل لواقعك فعال‪ ،‬وترى أن الواقع هو خبرة تستحدث من داخل‬
‫مستمرة من‬
‫ّ‬ ‫المحركة‪ .‬بتعمق هذا الفهم‪ ،‬وهي عمليّة‬ ‫ِّ‬ ‫ذهنك فقط‪ ،‬وكذلك أنظمته‬
‫التمكين‪ ،‬تصبح قدرتك على هندسة أنظمة حياتك بالبسيطة جدًّا‪ ،‬بل تصبح كنوع‬
‫من اللعب الممتع‪.‬‬
‫أن مصدر االستضعاف اإلنساني هو واحد‪ ،‬وهو عدم إيقانك الكامل بأنك‬ ‫تيقن من ّ‬
‫المسبّب لنتائجك‪ ،‬وهو خلل جذري بفهم قانون السبب والنتيجة‪ .‬فقد تكون «عارفا»‬
‫لهذا القانون‪ ،‬ولكن على مستوى الذهن التحليلي فقط‪ ،‬ومن دون موافقة العقل الباطن‬
‫عليه؛ لذلك يبقى قانون السبب والنتيجة رهنَ «الفكرة الممتعة» لك‪ ،‬وليس الحقيقية‬
‫التي تعيش بها حياتك‪.‬‬
‫فإن سعيت للفهم الكامل لقانون السبب والنتيجة‪ ،‬فهذا يحتاج إلى الغ َْر ِز اليومي لهذا‬
‫القانون في نفسك‪ ،‬مع تخفيف المقاومة له من عقلك الباطن‪ ،‬بالبحث والتم ّحص‬
‫الدقيق‪ ،‬لتكتشف فعال‪ ،‬ومن دون جدال أنك المسبّب لكل تجلّيات حياتك‪ .‬فكل مقاوم ٍة‬
‫«لحقيقية» أنك المش ّكل لواقعك‪ ،‬ستتحول إلى مساحة للعب دور الضحية‬
‫واالستضعاف من جهتك‪ ،‬وبالتالي لن تقدر على تشكيل رؤيتك‪ ،‬فإن كان واقعك‬
‫ليس له عالقة بك‪ ،‬فكيف تكون رؤيتك؟‬
‫وبدأت‬
‫َ‬ ‫غ ِرز في داخل عقل الباطن لح ٍدّ معيّن‪،‬‬ ‫وسنفترض هنا أن هذا المفهوم قد ُ‬
‫الفهم بأنك المش ّكل لواقعك‪ ،‬وخصوصا بعد ك ِّل ما قيل بالوحدات السابقة؛ لذلك لن‬
‫نطيل الحوار عن قانون السبب والنتيجة‪ ،‬وسنغوص سويًّا بكيفيّة تشكيل رؤيا‬
‫الروح‪ .‬ولكن لن نخوض هنا بكافة الحيثيات لكيفية فعل ذلك بتقسيم رؤيتك إلى‬
‫ظم محدّدة‪ ،‬وهندسة التفاصيل الملهمة لك ّل ركن؛ ألن هذا سيحتاج إلى‬ ‫أركان ونُ ٍ‬
‫كتاب آخر‪ ،‬ولكن سنقدّم لك هنا بداية الطريق‪.‬‬
‫وبداية الطريق تبدأ بمفهوم بسيط ِجدًّا‪ ،‬ولكن غاية في العمق والفاعلية‪ ،‬ليفتح‬
‫بصيرتك القلبيّة لمستوى جديد من هندسة الرؤية‪.‬‬
‫أدرسه للمتدربين‪ ،‬وأطلق عليه اسم «عجلة التناغم»‪.‬‬ ‫هذا المفهوم ِ ّ‬
‫«عجلة التناغم» هو اسم أطلقتُه على الدوائر الثالثة التي تراها هنا‪ ،‬والتي يعملون‬
‫سويّا إليضاح رؤيتك الشموليّة‪ ،‬قبل الغوص بتفاصيلها‪ .‬فإن كان في هذه العجلة‬
‫تناغم وتوافق‪ ،‬سارت عجلة حياتك بتدفق رهيب‪ ،‬ومعها أنظمتها المهندسة‪ ،‬وإن‬
‫بطأ تدفق العجلة‪.‬‬‫التسوس الفكري بسبب البعد عن تيّار القلب‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫اكتظت العجلة بشحمة‬‫ّ‬
‫‬
‫كما ترى في الصورة‪ ،‬فالعجلة فيها أبعاد ثالثة أساسية‪ ،‬تمزج رسالتك‪ ،‬بتعابيرك‬
‫صة‪ ،‬وبالقيمة النهائية التي ستق ِدّمها للعامة‪ ،‬وك ّل من هذه األبعاد قد ت َّم توضيحها‬‫الخا ّ‬
‫بوحدات الكتاب السابقة بطريقة أو بأخرى‪ ،‬وهنا ستجتمع هذه المفاهيم سويًّا‪،‬‬
‫لنوضحها من خالل عجلة التناغم‪ ،‬حتى تستوي في رأسك‪ ،‬وقلبك الصورة الكبرى‪.‬‬
‫في الدائرة األولى‪ ،‬يسكن البُ ْعدُ األول‪ ،‬وهو أكثر األبعاد ِستْرا للناظر‪ ،‬وهو بعد‬
‫صة‪ ،‬ويتجلّى منها حلمك ومهمتك‪ .‬هنا تتبلور طاقة‬ ‫الرسالة‪ .‬هنا تتخ ّمر رسالتك الخا ّ‬
‫التكوين كاملة‪ ،‬لينطق نبضك االبتكاري منها بهيبته الشامخة‪ ،‬وإرشاداته الصامتة‪،‬‬
‫في هذا البعد يحصل االلتقاء الداخلي مع سبب مجيئك إلى كوكب األرض‪ ،‬هذا إن‬
‫حصل طبعا! فترى طاقة الفرادة‪ ،‬والتكوين تولد من هذا االلتقاء‪ ،‬لتتَّضح تفاصيل‬
‫رؤيتك وأنظمتها‪ ،‬وأهدافها‪ ،‬وكيفيّة تحقيقها‪.‬‬
‫قد نقول إن بُعد الرسالة‪ ،‬يتجلّى بارتفاع قدرتك السريعة على العودة إلى فضاء‬
‫القلب‪ ،‬فكلما التزمت التدريب الصادق للعودة إلى قلبك»بعد اللحظة»‪ ،‬بتخفيف‬
‫االنخطافات الذهنية إلى قصص الرأس الخائفة‪ ،‬كنت على اتصال أكثر برسالتك‪،‬‬
‫ض ْمنيًّا أن هناك رسالة أكبر منك‬ ‫ستحس ِ‬
‫ّ‬ ‫ورسالة الوجود ككل؛ ألنه من بعد القلب‬
‫تقود حياتك‪ ،‬وإن كنت ال تعرف تفاصيلها‪ ،‬وهذا اإلحساس بالذات هو ركيزة‬
‫الرسالة األساسية‪ ،‬وما يعطي لحياتك المعنى‪ .‬ففي داخل قلبك تلتقي ك ُّل الرسائل‬
‫تنوعها وفرادتها؛ ألنه بالعمق تزهو رسالة واحدة موحدة لك ّل‬ ‫الوجوديّة على ُّ‬
‫المخلوقات‪ ،‬وهي…‬
‫هل لديك الفضول لتعرف ما هي الرسالة الجامعة لك ّل الخ َْلق؟‬
‫ض ْمنِيّة‬
‫ْت بنعم‪ ،‬فلن نطيل الحوار‪ :‬هي التطور في درجات الوعي‪ ،‬ومعها ِ‬ ‫إن أجب َ‬
‫التطور في استشعار هللا لذاته‪ ،‬والقدرة الكامنة على التعبير عن الذات اإللهية على‬ ‫ّ‬
‫األرض‪ .‬هذه هي نيّة التكوين األولية‪ ،‬هي نيّة خالصة من قلب هللا‪.‬‬
‫هذا المفهوم قد يبدو غريبا للبعض؛ لذلك نوضحه سويًّا‪ ،‬والطريق األمثل‬
‫الستيضاحه عن طريق الخوض بأساس «رحلة الروح»‪ .‬فكل األرواح هي تعايبر‬
‫عن روح الواحد‪ ،‬تمشي في رحلة ّ‬
‫الال منتهى‪.‬‬
‫رحلة الروح هي رحلة مستمرة استمرار الحياة‪ ،‬وإن اختلفت تجلّياتها الفيزيائيّة‬
‫في حدود المكان والزمان لخدمة التطور؛ لذا كن على يقين من أن رحلة حياتك لم‬
‫تبدأ مع بداية عمرك األرضي‪ ،‬ولن تنتهي مع نهاية جسدك الحالي! والهدف من أية‬
‫رحلة تأخذها الروح‪ ،‬هو االرتفاع بمستوى الوعي كل مرة‪ ،‬فيزداد معه مستوى‬
‫التناغم والحب والحكمة والوحدة مع المصدر‪ ،‬وبما أن روح هللا الواحد ذات‬
‫مستويات ال محدودة من الوعي‪ ،‬فرحلة الوعي كذلك‪ .‬هي لعبة روحيّة ال متنهية‪،‬‬
‫فاسترخ؛ ّ‬
‫ألن‬ ‫ِ‬ ‫يُستنبط منها الدروس المختلفة على كل مستوى من المستويات‪،‬‬
‫رحلتك أبديةٌ أبديةَ الوجود‪.‬‬
‫وبما أنك على األرض اآلن‪ ،‬فأنت تلعب جزءا من هذه اللعبة الروحية‪ ،‬وهو جز ٌء‬
‫مهم ِجدّا‪ ،‬جدّا‪ ،‬جدّا؛ ّ‬
‫ألن اللعبة األرضية فيها تح ٍدّ َمهول‪ ،‬وقد توفر لك نقالت هائلة‬
‫في الوعي‪ ،‬إن سمحت لهذه النقالت بالحصول‪ .‬السبب بذلك هو طبيعة اللعبة‬
‫األرضية‪ ،‬وشروطها «الغريبة الحكيمة»‪ ،‬والتي تنص أن عليك أن تنسى أصلك‬
‫ّ‬
‫لتظن واهما أنك قطعة لحم فيزيائيّة‪.‬‬ ‫الال محدود‪،‬‬‫ي ّ‬ ‫الروح ّ‬
‫في هذا التح ِدّي المهندَس‪ ،‬فرصة للتذكر‪ ،‬واختراق كافة األبعاد‪ ،‬للصعود بمستويات‬
‫تطورك الروحي بماليين المرات‪ .‬هو تح ٍدّ كبير‬ ‫الوعي لمراحل رهيبة‪ ،‬لتسرع من ّ‬
‫على الروح‪ ،‬يرغمها على التطور الخارق‪ ،‬وغير المسبوق‪.‬‬
‫للتوضيح‪ ،‬تخيّل أنك تلعب رياضة معيّنة‪ ،‬وتتقنها باحترافية‪ ،‬ودعنا نفترض هنا‬
‫طلب منك أن تضع ِعصابة على عينيك كي ال ترى‪ ،‬وأيضا‬ ‫أنها كرة القدم‪ ،‬ومن ثم ُ‬
‫طلب منك أن تربط يديك خلف رأسك‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل أن تربط رجليك أيضا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫والطريقة الوحيدة للركض حينها هي القفز‪ .‬انتظر‪ -‬لم ينت ِه التحدي بعد‪ -‬بل عليك‬
‫أن ك ّل هذا التح ِدّي هو جزء من «اللعبة»‪ ،‬ظانًّا أن هذه القيود هي‬
‫أيضا أن تنسى َّ‬
‫حقيقتك الجسدية‪.‬‬
‫قوة الخيار‪ ،‬إ ّما بلعب دور الضحية‪ ،‬والنواح المستمر على حظك السيّئ‪،‬‬ ‫هنا تتجلى ّ‬
‫أو بلعب اللعبة كاملة كما هي‪ .‬إن عشت اللعبة كاملة‪ ،‬حينها قد تولد منك قدرات‬
‫خفية لم تتخيلها من قبل‪ ،‬فقد تُدرب حواسك‬
‫الحدسية‪ ،‬وعمق بصيرتك لرؤية الملعب من غير النظر‪ ،‬وقد تنمي تناغمك العضلي‪،‬‬
‫وعزيمتك‪ ،‬لطريقة القفز الفعالة‪ ،‬ومن يدري ماذا قد يأتي بعدها؟ وقد تحس مع هذا‬
‫التطور بالقدرات‪ ،‬الشغف العميق لتعليم الناس الجدد في هذا الطريق‪ ،‬لتعلمهم بعض‬
‫األسرار‪ ،‬والخفايا التي كشفت لك‪ ،‬لتسيير اللعبة بسرعة وجمال‪ ،‬وبالرغم من كل‬
‫ال ُمقَيّدات ‪.‬‬
‫وتفك عندك ك ّل هذه القيود الوهمية‪ ،‬ليبرأ النظر‬
‫ّ‬ ‫وعندما يأتي الوقت المناسب‪،‬‬
‫وترجع المشية إلى حالتها األصلية‪ ،‬فلن تكون كالسابق؛ ألنك تعلّمت مهارات قوية‬
‫وجديدة لم تكن تحلم بها من قبل‪ ،‬مهارات تضيفها لقدرتك األصلية للجري والرؤية‪.‬‬
‫حينها تكون القيود المهندسة خدمت رسالتها‪ ،‬وأتى الوقت لمرحلة جديدة من اللعبة‪.‬‬
‫هذه نفسها لعبة الروح ّ‬
‫الال متنهية‪ ،‬يتفنّن فيها الوجود بخلق األلعاب المختلفة‪ ،‬وعلى‬
‫مختلف األبعاد والكواكب‪ ،‬وعلى مدارات مختلفة من المكان والزمان‪ ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫وباتصالك الراسخ بقلبك ستلعب اللعبة بحرفية‪ ،‬وستستذكر حدسيًّا «سبب» اللعبة‬
‫األصيل كمحفز لرفعة الوعي‪ .‬بذلك ست ُفتح لك العديد من أسرار اللعبة‪ ،‬وإرشادات‬
‫الرحمة الباطنية لتسيير اللعبة‪.‬‬
‫كروح بدور‬
‫ٍ‬ ‫فأنت تلعب لعبة الحياة الروحيّة في وجودك هنا على األرض‪ ،‬تلعبها‬
‫إنسان‪ ،‬وبما أنك أتيت برسالة خاصة لرفع الوعي باتّجاهها‪ ،‬فأنت مدعو ٌم تماما‪.‬‬
‫فمهما كان التح ِدّي الذي تواجهه هنا‪ ،‬هو مدعوم بالقوة التطورية لرفعة الوعي‪،‬‬
‫وبالتالي تحقيق الدروس المطلوبة في مراحل اللعبة الروحية «التي اخترتها أنت»‪.‬‬
‫في هذه النظرة الشمولية للحياة‪ ،‬لن تظن أن عليك أن تح ّل التحديات المالية على‬
‫حدة والعالقات على حدة و و و…‪ .‬وإنما ستأخذها كلّها كتحديات سطحية بهدف‬
‫واحد‪« ،‬رفع الوعي»‪.‬‬
‫مرة‪ ،‬وهذا ثابت‬ ‫فمهما كان التحدي الذي تواجهه‪ ،‬فلديك الفرصة لرفع الوعي ك ّل ّ‬
‫كوني؛ ألنك تعمل في ضمنية قانون القطبية‪ .‬ففي كل مكان يتواجد فيه التحدي هناك‬
‫بسيط يرشدك إلى وعي أعلى‪ ،‬فلكل شيء قطب آخر‪ .‬لهذا السبب قلنا في السابق‬ ‫ٌ‬ ‫ح ٌّل‬
‫إن في داخل األلم يتواجد السالم والرسالة‪ ،‬وفي داخل ما تلعنه‪ ،‬يتواجد الخير‬ ‫ّ‬
‫وفرصة التطور؛ لذا في عقر التحدي الذي تواجهه اآلن‪ ،‬حل بسيط يضيف به ارتقاء‬
‫لوعيك‪ ،‬وبالتالي ارتقاء برسالتك الخاصة‪ ،‬ومعه االرتقاء باللعبة الروحية‪.‬‬
‫وكما قلنا‪ ،‬فالقلب هو مفتاح التذكر لقوانين اللعبة وأساسها‪ ،‬ليس هذا فحسب‪،‬‬
‫فاتصالك القلبي سيخرج منك رسالتك الفريدة في خضم الرسالة الجامعة لرفعة‬
‫تتكرر في خطوط الزمان الكونيّة‬ ‫ّ‬ ‫الوعي‪ .‬رسالتك الفريدة هي رسالة «لم ولن»‬
‫كافّة؛ ألن الخلق فريد ومتجدّد الخلق‪ ،‬هنا ستزخر بذاتك كنسخة فريدة من روح‬
‫الحياة الواحدة‪.‬‬
‫ويا لها من لعبة مدهشة بذاتها! وحكمة مدهشة تديرها‪ ،‬ورسالة مدهشة تحركها‪،‬‬
‫ليجتمع في دوامتها الباطنيَّة والظاهرية‪ ،‬الرسالة الجامعة لك ّل الخليقة‪ ،‬والرسالة‬
‫صة فيك‪ ،‬وهذا من ِحكمة التكوين‪ ،‬بالقدرة المتناهية على جمع النقائض‪.‬‬ ‫الفريدة الخا ّ‬
‫لذلك بُعد الرسالة هو السند والمركز لعجلة التناغم؛ ألنّه يبقيها في طاقة التكوين‬
‫صة‪ ،‬وتعبيرك الخاص‪ ،‬والقدرة على إعطاء‬ ‫األصيلة‪ ،‬ليتسارع منها رسالتك الخا ّ‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫القيمة المفيدة‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫طاقة التكوين األصيلة هي مركز رسالتك‪.‬‬
‫أعتقد أننا تع ّمقنا كفاية في دائرة الرسالة‪ ،‬فلننتقل اآلن إلى الدائرة الثانية‪ ،‬والتي‬
‫شخص‬
‫ٍ‬ ‫فيها يقطن بُعد التعبير‪ ،‬وهو ببساطة شديدة‪ ،‬األدوار التي تهوى تأديتها‪ .‬فك ّل‬
‫له األدوار الفريدة التي يعشق التعبير عنها أكثر من البقية‪ ،‬وال يأتي تفضيلك لدور‬
‫هنا على اآلخر هنا‪ ،‬من التعلق «بمنصب» الدور‪ ،‬وكأن الدور يصبح منصبا فخريًّا‪،‬‬
‫لتفخيم نفسك من نقصها الزائف‪ ،‬وإنّما يأتي من اختيارك‪ ،‬وتفضيلك الروحي‬
‫الخاص‪ ،‬ليتحول إلى خادم لرسالتك‪.‬‬
‫نتكلّم هنا عن األدوارالفريدة التي ترتقي بقدرتك على ترتيب رسالتك‪ ،‬والتعبير‬
‫عنها إلى أسمى المراحل الممكنة‪ .‬وعند البدء بالتف ُّكر في هذا البُعد‪ ،‬عادة ما أطلب‬
‫من المتدربين التركيز على خمسة أدوار رئيسية‪ -‬ال لغرض التقييد‪ -‬بل لغرض‬
‫تركيز الطاقة‪.‬‬
‫للتخفيف اآلن من وتيرة المدخالت الذهنيَّة‪ ،‬وقبيل القفز إلى الدائرة الثالثة‪ ،‬دعنا‬
‫نوضح‪ ،‬ك ّل ما ذكر عن أول دائرتين حتى اآلن‪ ،‬بإعطائك مثاال شخصيًّا‪ ،‬ومن‬
‫رؤيتي الشخصيّة‪.‬‬
‫أن رسالة حياتي األساسية هي كبقيّة الخليقة برفع الوعي‪ .‬وأ ّما على‬ ‫ي ّ‬ ‫فمثال أن أ ِع َ‬
‫صة‪ ،‬فهي تتمركز حول تمكين الجنس اإلنساني ليجسد حقيقته‬ ‫بُعد رسالتي الخا ّ‬
‫لحظة بلحظة‪ ،‬وفي كل نواحي الحياة‪ ،‬لخلق أنظمة‪ ،‬ومجتمعات مستنيرة‪ .‬ومن هذه‬
‫ت مهمة خاصة‪ ،‬بإيقاظ مليون قائد مستنير في عام ‪.٢٠٣٦‬‬ ‫الرسالة تجلَّ ْ‬
‫أما في دائرة التعبير‪ ،‬فتتجلَّى عندي أدوار رئيسية محبّبة لروحي‪ ،‬وهي‪ :‬دور‬
‫المعلم‪ ،‬الخيميائي أو الساحر المستنير‪ ،‬الريادي المبتكر‪ ،‬المدرب العبقري‪ ،‬وقائد‬
‫التغيير‪ .‬وطبعا هذه األدوار قابلة للتعديل‪ -‬على حسب عمقي المرحلي في رحلة‬
‫اكتشاف الذات‪ -‬ولكن في الوقت الحالي أحس أنها األدوار التي تحاكي وريد قلبي‪.‬‬
‫ولتجذّري بالرسالة الجامعة لك ّل األدوار في قلبي وذهني‪ ،‬يسقط عن هذه األدوار‬
‫ثقل الهوية الزائفة‪ ،‬إلى خفة التعبير اللحظي‪ ،‬ألراها كأدور مسرحية ألعبها‪ ،‬وأتقنها‪.‬‬
‫أؤديها فقط ال غير‪ ،‬من دون االلتصاق بها‪ ،‬ومن دون تحويلها كوسيلة لتحصيل‬
‫القيمة والحب‪.‬‬
‫صة هو نهاية القصة‪ ،‬ولكن‬ ‫قد يبدو اآلن للناظرأن التقاء الرسالة باألدوار الخا ّ‬
‫اإلجابة ال‪ ،‬فروح األرض العادلة ال تستريح‪ ،‬حتى يتم التبادل بين عناصر الكون‪،‬‬
‫ففي روح التبادل ضمانة كونيّة الستمرار العطاء والتطور‪ .‬تصل عمليّة العطاء إلى‬
‫أوج حالتها‪ ،‬عندما تُترجم الرسالة‪ ،‬وأدوارها نفسها إلى قيمة عمليّة‪ ،‬لتحل بها مشكلة‬
‫معيّنة للعامة‪ ،‬وهذه هي الدائرة الثالثة‪ .‬دائرة القيمة‪ ،‬أو تبادل القيمة‪.‬‬
‫فهنا يتحول الدور إلى قيمة تنتفع بها العامة‪ ،‬كتأليف كتاب ما‪ ،‬أو تدريب‪ ،‬أو‪ ،‬أو‪،‬‬
‫أو…‬
‫ب التطور بالمهارات الريادية واالرتقاء بها‪ ،‬فهنا وجب احتراف‬ ‫وهذا البُ ْعد يتطلَّ ُ‬
‫التسويق‪ ،‬والبيع‪ ،‬والكالم العلني‪ ،‬وغيرها من المهارات األساسية بالريادة‪ .‬ولكن‬
‫ي هنا كباقي الناس‪ ،‬فعملك الريادي يذخر بالثراء‪،‬‬ ‫الرياد ّ‬
‫المحرك لعملك ّ‬ ‫ِّ‬ ‫لن يكون‬
‫صل بالنظام الواحد‪ ،‬ورسالتك‬ ‫ألنّه متأصل بشرور أقوى‪ ،‬وأصلب بكثير‪ ،‬فهو متأ ّ‬
‫الوجودية‪ ،‬ومتأصل باألدوار التي تشحن رسالتك باإلثارة‪ ،‬لتتحول القيمة الريادية‬
‫المتداد لما كان أصيال في قلبك‪.‬‬
‫ي ذهنا رياديًّا‪ ،‬وتتعلم عن التسويق‪ ،‬وفنون اإلقناع‪ ،‬وعلوم‬ ‫تخف أن تبنِ َ‬ ‫ْ‬ ‫لهذا ال‬
‫اإلنجاز‪ ،‬وإدارة المال‪ ،‬وذهنيَّة الغنى‪ ،‬وغيرها من العناصر المه ّمة في الريادة‪،‬‬
‫فهذه العناصر ليست بالقبيحة‪ ،‬وإنّما طريقة استعمالها إن خلت من الرسالة‪ ،‬قد‬
‫تتحول إلى التالعب القبيح‪ .‬ولكن لك أنت بالذات يا من ارتضيت أن تتحرك بعمق‬ ‫َّ‬
‫صة في‬‫القلب‪ ،‬فالتسويق لك هو وسيلة لنشر رسالتك‪ ،‬وهو رسم لشخصيّتك الخا ّ‬
‫العالم‪ ،‬وأما علوم اإلنجاز لك‪ ،‬فهو عهد الملتزم بعطائه لضمان اإلنهاء السريع‬
‫والدقيق لما بدأت‪ ،‬وبالنسبة للتعمق بفهم المال‪ ،‬وإدارته الحكيمة‪ ،‬فهو مغ ٍذّ لقدرتك‬
‫على التأثير‪ ،‬واالنتشار والتغيير‪.‬‬
‫لذا من المهم أن تستوفي األبعاد الثالثة لتعيش رؤية الروح كاملة‪ ،‬فهذا االستيضاح‬
‫هو ما سيوضح لك رؤيتك الخاصة‪ ،‬وألركان حياتك كافة‪ ،‬وأنظمتها المهندسة‪،‬‬
‫وغير هذا ستكون ركيك القاعدة وركيك البنيان‪ ،‬وهذا ما نراه لألسف مع كثير من‬
‫الرياديين‪ .‬فمن المضحك المبكي‪ ،‬أن غالبية الرياديين يبحثون عن الرسالة على‬
‫البعد الثالث مباشرة‪ ،‬فتراهم يسألون‪ « :‬هل رسالتي أن أفتح مطعما‪ ،‬أم ماذا؟»‬
‫والسبب لهذا اللغط الدارج هو الجهل بالبعد األول والثاني‪ ،‬ألنّهم غير مرئيين‪،‬‬
‫ويحتاجون إلى تعمق أكثر بالذات‪.‬‬
‫فالبعد األول‪ ،‬والثاني يحتاجان إلى الكشف الصادق لثنايا نفسك ومتاهاتها‪ ،‬وكشف‬
‫أماكن الزيف فيها‪ ،‬وفي هذا ضمنية الكشف لمواطن عدم األمان من داخلك‪،‬‬
‫لتحتضنهم بروح الحب والتقبّل‪ ،‬بدل إسقاطهم على الخارج‪ .‬هذا الذي قد يراه‬
‫الريادي السطحي بالشيء المنفصل تماما عن نجاحه المستدام‪.‬‬
‫لذا بقلب األخ ال ُم ِحبّ سأطلب منك ّأال تقع في هذا اللغط‪ ،‬وال تظن للحظة أن النجاح‬
‫المستدام الصادق يأتي من البعد المرئي‪ ،‬بل غير المرئي دائما وأبدا‪ .‬فالقيمة المرئية‬
‫هي النتيجة للعمق الذي لمسته في ذاتك‪ ،‬وإن خلت قاعدتك السيكولوجية من العمق‪،‬‬
‫سيكون المحرك لك هو البحث الجائع عن النجاح السطحي فقط‪ .‬حينها سيعمل قانون‬
‫التردّد والجذب ضدّك؛ ألنّك تعمل من تردُّ ِد القلة وليس الوفرة‪ ،‬فالنجاح الحقيقي هو‬
‫نتيجة تع ُّمقك باكتشاف ذاتك‪ ،‬ومدى جرأتك للتعبير عنها بقيمة فعّالة‪ ،‬ومفيدة‪.‬‬
‫فالتع ّمق بذاتك سيثري قدرتك على التعبير‪ ،‬والعطاء‪ ،‬والعمل لتشكيل قيمة نهائية‬
‫رمزيّة التبادل‪.‬‬
‫يُستفاد منها‪ ،‬فتستقطب منها المال كشك ٍل من ِ‬
‫األولين‪ ،‬وكان التركيز فقط على بُعد القيمة‪ ،‬ستقع‬ ‫فإن فقدت التركيز على البُ ْعدين ّ‬
‫مباشرة في حضن المنافسة‪ ،‬فال شيء مميّز بالذي تنتجه هنا غير التغنّي بمميزاته‬
‫السطحيّة؛ لذلك نرى من حولنا أنواع الدعايات الفارغة‪ ،‬التي تتغنى بسرعة هذا‬
‫الكمبيوتر‪ ،‬أو لذة هذا الطعام‪ ،‬أو كفاءة هذا الشامبو‪ ،‬ومن دون عنصر حقيقي في‬
‫جوهرها‪ .‬فالعنصر الجوهري البراق‪ ،‬هو روح الرسالة‪ ،‬أي روح التعمق بالذات‪.‬‬
‫تذكر أن االتصال مع العمالء ال يحصل َّإال من عمق الرسالة‪ ،‬ثم لك أن ت ُ ِ ّ‬
‫سخر‬
‫الدعاية في هذا االتّجاه‪ ،‬فاالتصال‪ ،‬والثقة‪ ،‬والوالء ال يحصلون َّإال على مستوى‬
‫الجزء العاطفي‪ ،‬والجزء العاطفي هو نتاج االتصال بالراسالة‪.‬‬
‫لذا ترى الذي بدأ عمله الريادي بهدف تغيير العالم لألفضل‪ ،‬له طريقة مختلفة في‬
‫صة‪ ،‬والتي تقطن في رحلته الخاصة‬ ‫الدعاية‪ ،‬مرتكزة على ذكر قصته الخا ّ‬
‫هم له‬‫الكتشاف الذات‪ ،‬ونوعيّة التحدّيات التي واجهها‪ ،‬وتطور منها‪ ،‬ليحولها ك ُم ْل ٍ‬
‫وكمحرك للقيمة النهائية التي يقدمها‪ .‬فصاحب الرسالة ال يحتاج إلى الزيف‬ ‫ّ‬ ‫وللناس‪،‬‬
‫في الدعاية واإلقناع‪ ،‬وإنّما يستخدم هذه العناصر‪ ،‬كمكبّر لحقيقته‪ ،‬ونشوته الصادقة‬
‫للتغير اإليجابي‪.‬‬
‫فان كان هناك ريادي تحترمه‪ ،‬وتراه متميّزا بأسلوبه الفريد ودعايته‪ ،‬فتأكد من أنه‬
‫القوة االبتكاريّة في داخله‪،‬‬ ‫اتصل بذاته على عمق أكبر‪ ،‬تأكد من أنه اتصل بمصدر ّ‬
‫ومعها الرغبة الكاملة للتغير‪ ،‬وحتى لو لم يفعل ذلك بإدراك كامل‪ .‬فعمليّة التوازي‬
‫مع روح الحياة االبتكاريّة‪ ،‬فيها ضمنيَّة التوازي مع األبعاد الثالثة‪ ،‬ليرتووا من‬
‫بعض‪ ،‬وينسابوا مع بعض‪.‬‬
‫ي» في هذه األبعاد الثالثة‪ ،‬وباإلجابة‬ ‫«األو ِل ّ‬
‫َّ‬ ‫لذا سأطلب منك أن تأخذ الوقت‪ ،‬للتفكر‬
‫عن هذه األسئلة الثالثة‪ ،‬عن طريق الكتابة الخطية‪:‬‬
‫‪ -‬إن كان هناك سبب يدفعك للتغير اإليجابي بالعالم‪ ،‬ولديك كل المال والوقت‬
‫والموارد لتحقيقه‪ ،‬فماذا يكون؟‬
‫‪ -‬إن ُخيِّرت في مسرح الحياة‪ ،‬أن تختار أي دور‪ ،‬وبالمعرفة الكاملة أنك ستنجح‬
‫فيه‪ ،‬ماذا ستختار؟‬
‫‪ -‬إن كان لديك ك ّل المهارات‪ ،‬والقدرات لتحويل هذا الدور لقيمة تنتفع بها العامة‪،‬‬
‫فماذا ستشكل؟‬
‫اآلن وبعد إكمالك لهذا التمرين‪ ،‬سأكون صادقا معك…‬
‫من النادر أن تجد إجابات فورية لهذه األسئلة‪ ،‬ألن األجابات تتضح مع التعمق‬
‫بذاتك‪ .‬ولكن عند تالعبك الذهني المستمر بهذه األسئلة‪ ،‬في إطار عجلة التناغم‪،‬‬
‫ستعطي ذهنك فرصة التفكر برؤيتك بطريقة شمولية أكثر‪ .‬ومع الوقت سترى‬
‫عناصر الدوائر الثالثة تستنير من داخل ذهنك وقلبك‪ ،‬لتجد من السهولة حينها أن‬
‫ِس أركان حياتك وأهدافها‪ ،‬وبغاية الدقة والوضوح‪ .‬هذا ال يعني أن عليك انتظار‬ ‫ت ُ َه ْند َ‬
‫صة‪ ،‬فهذا أسلوب نظام‬ ‫وضوح الدوائر الثالثة قبل البدء بهندسة أركان حياتك الخا ّ‬
‫الخوف في االنتظار األبدي‪ ،‬وإنّما لك أن تبدأ اآلن‪ ،‬وال تقلق سنعقب بعد قليل على‬
‫طريقة البدء بهندسة أركان الحياة‪ ،‬وسترى كيف ستسند هذه الحركة التقديميّة‬
‫وضوحك الطاقي أكثر فأكثر‪ ،‬ومعه وضوح الدوائر الثالثة أيضا‪ ،‬فهي عمليّة‬
‫تبادلية‪.‬‬
‫فالوضوح ال ينزل عليك فجأة كحال «البيانو» الذي يقع على رأس البطل في أفالم‬
‫الكرتون‪ ،‬وإن حدث كذلك‪ ،‬فهو يحدث عادة بعد استواء الوعي لمرحلة عليا من‬
‫كريستالية الوضوح‪ .‬ففي غالب األحيان يأتي وضوح المسعى من التفكير العميق‪،‬‬
‫والتأمل‪ ،‬والتعبير الصادق المستمر باتّجاه «نقطة الوضوح القادمة»‪ ،‬فوضوح‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬
‫الرؤية هي عمليّة ديناميكية‪ ،‬وليست رتيبة متجمدة‪ ،‬وهذا ّ‬
‫وضوح الرؤية هي عمليّة ديناميكية مستمرة‪.‬‬
‫لذلك استخدمنا «عجلة التناغم» لتسريع ديناميكية الوضوح‪ ،‬وسأضمن لك أنها‬
‫طريقة فعّالة ِجدًّا‪ ،‬ليس ألني طرحتها عليك فقط‪ ،‬بل ألنّها نفس طريقة عمل الطبيعة‪،‬‬
‫فالطبيعة تعمل بهذه العجلة المتناغمة منذ األزل‪ .‬فهناك رسالة جامعة لك ّل أركان‬
‫الطبيعة‪ ،‬وهي التناغم الكلّي‪ ،‬وفيها ضمنيّة االرتقاء المستمر للوعي باتّجاه التوازن‪،‬‬
‫والحب‪ ،‬والحكمة الكليّة‪ ،‬ليسطع من هذا االرتقاء الرسالة الفريدة لك ّل عنصر في‬
‫الطبيعة‪.‬‬
‫الرسالة الفريدة لك ِّل عنصر في الطبيعة ّ‬
‫مخزنة بكودات ك ّل بذرة‪ ،‬وبالرغبة لتجسيد‬
‫بصمتها الطاقيّة الفريدة في العالم‪ ،‬ثم يرتقي من هذه الرغبة التعبير الفريد أيضا‪،‬‬
‫لتعبّر البذرة عن نفسها كشجرة السنديان‪ ،‬أو زهرة التيوليب الجميلة‪ ،‬وبالنهاية‬
‫تخرج القيمة النهائية‪ .‬وقد تكون هذه القيمة كالثمرة التي تأكل أو الغذاء الذي يغذي‬
‫عناصر الطبيعة األخرى؛ لذا كل عناصر الطبيعة حقيقية‪ ،‬وتعبر عن ذاتها بفرادة‪،‬‬
‫وهذا ما يفترض به أن يكون حال اإلنسان‪ ،‬هذا إن أردنا السالم على األرض‪.‬‬
‫فالطبيعة تعمل بالتناغم مع رؤيا الحياة‪ ،‬وهي التعبير الفريد عن روح الحياة‬
‫الواحدة‪ .‬ولكي تنساب مع نفس هذه الرؤيا المتناغمة عليك أن ترجع لمصدر التناغم‬
‫األصيل من داخلك‪ ،‬والذي يعيدنا إلى نفس النقاش األصيل‪ :‬كن أنت‪.‬‬
‫كن أنت هو سر التناغم مع الطبيعة؛ لذا سنقول إن عجلة التناغم هي ببساطة‪ :‬كن‬
‫أنت‪.‬‬
‫بالتناغم مع كن أنت وعجلتها االبتكارية‪ ،‬ستبزغ تدريجيًّا رؤى معينة لكل نواحي‬
‫أن كن أنت‪ ،‬هي رؤية واحدة مقيدة‪ ،‬بل هي فضاء دائم‬ ‫حياتك‪ .‬وال تظن واهما ّ‬
‫الال متناهي‪ .‬بهذا المنظور‪ ،‬تصبح‬ ‫التالعب ألن «أنت» الحقيقية هي فضاء الذات َّ‬
‫الحياة كالفضاء الملهم‪ ،‬لتنتقي من كتالوجاته ما تشتهي وتحب‪ ،‬لذلك تراني دائم‬
‫البحث عن أشخاص ملهمين حول العالم‪ ،‬ألكشف لنفسي احتماليات جديدة من‬
‫كتالوج الحياة‪ ،‬احتماليات لم أكن أراها من قبل‪ ،‬ألستعملها بعد ذلك كرافد لرؤيتي‪،‬‬
‫صة‪ ،‬وبطعمي الخاص‪ .‬فمثال‪ :‬قد أرى شخصا ش ّكل حركة تغيير على‬ ‫وأركانها الخا ّ‬
‫مستوى العالم‪ ،‬وعنده شركات ُكثُر‪ ،‬ولكنّه بنفس الوقت يعمل من دون جه ٍد ُمض ٍْن‬
‫ي ساحر‪ ،‬لينجذب إليه النجاح بك ّل بساطة وأناقة‪ ،‬وبحريّة‬ ‫أو شقاء‪ ،‬بل بيُسر طاق ّ‬
‫وقتية‪ ،‬ومكانيَّة‪ ،‬ومالية رائعة‪ ،‬عندها قد أضيف هذا الجزء إلى ركن العمل في‬
‫رؤيتي‪ ،‬وبما يتناسب مع فرادتها‪.‬‬
‫وبعد كشف هذه االحتمالية‪ ،‬وإضافتها إلى رؤيتي في العمل الخاص‪ ،‬أبدأ بتفعيل‬
‫هذه االحتماليات ومعاييرها الجديدة من داخل وعيي‪ ،‬حتى تصبح واقعي الجديد‬
‫الذي أجسده داخل خاليا جسدي‪ ،‬أي حتى أحسها بجسدي‪ ،‬ومن دون أية مقاومة‪،‬‬
‫وبهذا أتناغم مع الواقع الجديد قبل تج ِلّيه على أرض المادة‪ .‬ومن ثم أبدأ التحرك‬
‫بهذا المنحى من دون شقاء‪ ،‬وبخطوات ملهمة‪ ،‬ومستمرة‪ ،‬ومتناغمة‪ ،‬هكذا أف ِعّل‬
‫قانون السبب والنتيجة لالتجاه الذي أرغب‪ ،‬هكذا أهندس حياتي بإدراكٍ ُم َو ّجه‪،‬‬
‫وبخيارات حرة مستقلة‪.‬‬
‫وقد تتساءل اآلن‪ :‬ولكن حتى اآلن ال أدري ماذا أريد‪ ،‬أو كيف أهندس أركان الحياة‬
‫األساسية؟‬
‫وكما قلنا من قبل‪ :‬لن نخوض بتفاصيل هذا الحوار لعمقه‪ ،‬ولكن سأرشدك للطريقة‬
‫التي أستخدمها لهندسة أركان حياتي بوضوح وأناقة‪.‬‬
‫شخصيًّا أنا وشريكتي استنبطنا أسلوبنا الخاص في هندسة الرؤية في كافة نواحي‬
‫حياتنا‪ ،‬بعدما أُلهمنا «بكتاب الحياة «‪. Life Book‬كتاب الحياة هو طريقة استحدثها‬
‫الثنائي الرائع «جون وميسي ‪ »Jon and Missy‬لخلق حياة مدهشة‪ .‬من الغريب‬
‫مدر َبيْن بتطوير الذات أو ما شابه‪ ،‬وإنما هما رياديّان على مستوى رفيع‪،‬‬
‫أنهما ليسا ِ ّ‬
‫نجاح عا ٍل‪ ،‬وبصيغة المادة نتكلم هنا على الباليين‪ ،‬والمدهش‬
‫ٍ‬ ‫ولهما شركات ذات‬
‫في أسلوب حياة جون وميسي‪ ،‬ليس النجاح المادي فقط‪ ،‬بل قدرتهما السحرية على‬
‫تشكيل أعلى مستويات الحياة الممكنة‪ ،‬وعلى كل األصعدة‪.‬‬
‫كنت محظوظا ألخذ كورس كتاب الحياة‪ ،‬والذي امتدّ لمدة أربعة أيام في فندق‬
‫ساحر الجمال في غابات ماليزيا‪ .‬أربعة أيام ال نفعل شيئا سوى التأمل صباحا وليال‬
‫في أركان الحياة‪ ،‬طبعا لن أَقدر أن أشارك كل تفاصيل التجربة؛ ألنه يطول شرح‬
‫الموضوع‪ ،‬والسبب الثاني؛ ألني ليس لدي الحق لمشاركة هذه المادة‪.‬‬
‫بعد هذه التجربة قمت مع شريكتي مديحة باستحداث رؤيا الروح‪ ،‬والتي ندرسها‬
‫اآلن من كورس يمتد لمدة ‪ ٥‬أيام بنفس العنوان‪ ،‬رؤيا الروح‪ .‬وسأشارك معك هنا‬
‫نواحي الحياة الــ‪ ٩‬التي نشاركها مع الناس‪ :‬الصحة‪ ،‬العالم الداخلي‪ ،‬الوعي‪ ،‬قيادة‬
‫الذات‪ ،‬العالقات الرومنسية‪ ،‬الصدقات والمجتمع‪ ،‬التربية‪ ،‬العمل والمال‪ ،‬اليف‬
‫ستايل أو أسلوب الحياة‪.‬‬
‫وسأسمح لك‪ ،‬أن تسمح لنفسك باستيضاح هذه النواحي‪ ،‬أو كيفما اخترت أن تهندس‬
‫حياتك…‬
‫قد تحس اآلن باللغط بين هذه األركان وعجلة التناغم‪ ،‬هذا مفهوم‪ .‬ولكن في الحقيقة‬
‫هم «مكملين لبعض»‪ ،‬فعجلة التناغم هي الصورة الشمولية لرؤيا الروح‪ ،‬وأركان‬
‫الحياة هي تجلّي األنظمة من هذه الصورة الكبرى‪ .‬وقد يقفز اعتراض آخر لذهنك‬
‫ليقول‪ :‬إن بناء الرؤية يتطلب وقتا وعمال‪ ،‬ومجهودا كبيرا! هذا صحيح على مستوى‬
‫معين‪ ،‬ولكن النتائج ستغير حياتك؛ ألنه ستكون لك رؤيا واضحة كالكريستال لتقود‬
‫حياتك‪.‬‬
‫سيكون لك منهج واضح الختياراتك‪ ،‬سيكون لك تركيز هائل من الصورة الكبرى‬
‫إلى التفاصيل‪ ،‬ستكون مقاد من روحك‪ ،‬وليس من الضوضاء الخارجية‪ ،‬التي‬
‫تغريك هنا وهناك من دون وجهة واضحة‪.‬‬
‫اآلن‪ ،‬أود أن أضيف نقطة معينة لموضوع الرؤيا‪ ،‬إنه من عملي مع كثير مع‬
‫المتدربين على المستوى الشخصي والجماعات‪ ،‬استنتجت أن عملية التطور تمر‬
‫بمراحل معينة حسب مستوى الوعي‪ ،‬وعادة ما تكون رؤيا الروح على مستوى‬
‫آن واحد‪ ،‬لتبدأ من‬ ‫عا ٍل من الطاقة‪ .‬فعملية التطور تمشي بطريقة لولبيّة وهرميّة في ٍ‬
‫وعي الضحية إلى التمكين‪ ،‬ثم القيادة‪ ،‬إلى التعبير الصادق‪ ،‬ثم تصل إلى الوحدة مع‬
‫تتحول هذه الطاقة إلى التعبير عن الوحدة‪ ،‬عن طريق رؤيا الروح‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫المصدر‪ ،‬بعدها‬
‫وهنا تبدأ روحك ببلورة نفسها على األرض‪ ،‬وبأنظمة واضحة وصلبة‪ .‬ومن ثم‬
‫تكمل طريق التطور إلى فتح معارف الحكمة‪ ،‬عن طريق احتراف عملية التج ِلّي‪،‬‬
‫يتحول وجودك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وطاقة األنظمة‪ ،‬وأسرار الخيمياء‪ ،‬لتصل الذروة وهي عندما‬
‫ورؤياك المشكلة إلى حركة تغير كاملة في العالم‪ ،‬تُلهم مجتمعات وشعوب‪ .‬حينها‬
‫كقوة وعي شموليّة‪ ،‬تتحرك بين األرض والسماء لتلهم الماليين‪.‬‬ ‫يصبح الشخص ّ‬
‫أعط ِه المجال‬
‫لذا ال تضجر إن كنت تحس أن مفهوم الرؤيا بعيد عنك حتى اآلن‪ ،‬بل ِ‬
‫ستحس بطاقة الرؤيا تدفعك‬ ‫ّ‬ ‫بر ِويّة‪ .‬وعندما يرتقي الوعي لدرجة معيّنة‪،‬‬ ‫لينضج َ‬
‫للتعبير عنها‪ ،‬وهنا تأتي الكتابة للرؤيا كالمرحلة القادمة لك‪ .‬وحينها ستدرك أن‬
‫عليك التركيز ثم التركيز‪ ،‬ثم التركيز‪ ،‬الحتراف القدرة على التجلّي السريع لهذه‬
‫ض ْمنها احتراف التواصل مع الناس لتحقيق الرؤيا‪،‬‬ ‫الرؤيا على أرض الواقع‪ ،‬وفي ِ‬
‫فنحن ال نعيش على جزيرة لوحدنا‪.‬‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫* الرؤيا سترتقي بك من العيش تحت األنظمة المبرمجة‪ ،‬لهندسة أنظمتك الخاصة‪.‬‬
‫* هناك ‪ ٣‬أبعاد لعجلة الرؤيا من الرسالة‪ ،‬إلى األدوار الخاصة إلى القيمة ‪.‬‬
‫* الرسالة الجامعة لك ّل البشرية هي رفعة الوعي‪.‬‬
‫* ستعيش حياة الوفرة‪ ،‬عندما ترى كل نجاحات األشخاص أمامك‪ ،‬ككتالوج قد‬
‫تضيفه لرؤيتك الخاصة‪.‬‬
‫أسئلة للتفكر‪:‬‬
‫ماذا تريد؟‬
‫ماذا تريد حقًّا؟‬
‫لو أيقنت أنك موجود على األرض لسبب‪ ،‬وسبب مه ّم‪ ،‬ماذا سيختلف في أسلوب‬
‫حياتك؟‬
‫ما الذي يلهمك في أسلوب حياة شخص ما؟‬
‫هل تستطيع أخذ ما يلهمك في الخارج‪ ،‬وإضافته لرؤياك‪ ،‬وبما يتناسب مع ذوقك؟‬
‫كيف؟‬
‫التواصلُالكاملُ‬
‫نحن نذكر التواصل هنا؛ ألن التواصل هو من سيتوج رحلة الكتاب التي بدأنها‪،‬‬
‫فكيف لك أن تدّعي التواصل الكامل مع ذاتك‪ ،‬إن لم تكن قادرا على االتصال مع‬
‫بوابة جديدة من مناجاة‬ ‫اآلخر؟ لذا سنقوم هنا ّ‬
‫بفك عقدة االتصال‪ ،‬ولألبد‪ ،‬لتفتح لك ّ‬
‫اآلخر‪ ،‬وفي هذه المناجاة تتجلَّى أرقى أحاسيس الحب‪ ،‬والرحمة‪ ،‬والتقدم اإلنساني‪.‬‬
‫لقد عهدنا أن يطرق باب االتصال مع اآلخر على أنه تكنيك لتحترفه‪ ،‬ولكن هذا‬
‫ليس فقط يخلو من الصحة‪ ،‬بل فيه الكثير من التعقيد غير الضروري‪ ،‬فماذا لو كان‬
‫االتصال هو أبسط م ّما تتخيل؟ وماذا لو كان االتصال هو فطرتك األصيلة؟ وماذا‬
‫لو كان عكس ما تعلمنا هو األدق‪ :‬أن االتصال ليس «تقنية سرية» للتعلم‪ ،‬بل هو‬
‫الحاصل عن االلتقاء‪ .‬وال تخطئ هنا إحساس االتصال‪ ،‬بالقدرة على التحاور‪،‬‬
‫وح َرف للصقل‪ ،‬والتطوير‬ ‫والتأثير‪ ،‬واإلقناع والخطابة‪ ،‬فاألواخر هي تقنيات ِ‬
‫المستمر‪ ،‬ولكن االتصال ال‪.‬‬
‫طورت مهارة الحوار‪ -‬من دون روح االتصال‪ ،-‬فلن‬ ‫ننوه أنك إذا ّ‬
‫ومن المهم أن ّ‬
‫تتطور صادقا في حوارك‪ ،‬ولن تكون ّإال ذلك المشذب في الكالم واإلقناع‪ ،‬من دون‬
‫الصدق في المسعى‪ ،‬وهي حال الكثير من القادة والسياسيين‪ ،‬طبعا من اختار منهم‬
‫الزيف على تعرية النفس‪ .‬وفي هذا خطورة كبيرة على نفسك والناس‪.‬‬
‫وللعودة إلى فرضيّتنا األولى عن االتصال‪ ،‬بأنها حالة فطرية عن التقاء البشر‪،‬‬
‫فالسؤال الذي يطرح نفسه من وحي الفرضية هذه‪ :‬كيف يتم إعاقة هذا االتصال إذا؟‬
‫وفي هذا السؤال دقة هائلة عن السؤال القديم‪ ،‬بنوعية التقنية التي عليك احترافه‬
‫لالتصال‪.‬‬
‫وبهذا التساؤل سيرتقي فن االتصال وعلومه الرديفة‪ ،‬إلى مس ّمى آخر‪ّ ،‬‬
‫كفن التوقف‬
‫عن إعاقة االتصال! فعند التوقف عند إعاقة االتصال‪ ،‬سيرجع تواصلك إلى ما‬
‫وجب أن يكون عليه‪ ،‬كحالة فطرية تخلو من التعلم‪ .‬فهل لك أن تتخيّل طفال يتعلم‬
‫أدق‪ -‬في حالة اتصال‬‫االتصال‪ ،‬أم هو أصال في حالة اتصال مع اآلخر ‪-‬أو بصورة ّ‬
‫مع ذاته‪ ،‬وفي هذا شمول لآلخر‪.‬‬
‫نفك ُمعيقَ االتّصال‪ ،‬واآلن‪.‬‬
‫لذا دعنا ّ‬
‫هو‪ ،‬وبكل بساطة…‬
‫األفكار المشتّتة‪.‬‬
‫من دون األفكار المشتتة سيحدث االتصال تلقائِيًّا من قلبك‪ ،‬كنوع من التالقي بين‬
‫اإلخوة واألخوات‪ ،‬وفي هذا ضمنية الترابط واإلنصات العميق على مستويات‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬
‫تتعدّى حروف الكالم‪ .‬هو نوع من اإلنصات الروحي المقدس‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫من دون األفكار المشتتة‪ ،‬يتجلّى اإلنصات المقدس‪.‬‬
‫فاإلنصات المقدّس الذي يخترق أحشاء الخوف واألحكام والدفاعية‪ ،‬هو الحاصل‪،‬‬
‫إن لم تقف عائال في وجهه‪ ،‬هو اإلنصات على أعمق األبعاد الممكنة‪ ،‬وهو بعد‬ ‫ْ‬
‫الوحدة الروحية‪ .‬من روح الوحدة ستحس معنى التواصل الصادق بأم عينيك‪،‬‬
‫وستدرك سحره غير العادي‪.‬‬
‫ولكن إن كان هذا النوع من التواصل بعيدا عنك‪ ،‬وما زال ذهنك يطلب تمرينا‬
‫عمليًّا لتطبقه‪ ،‬فلك هذا‪ ،‬وهو شكل من التجربة الممتعة للتالعب بها…‬
‫في المرة القادمة التي تتحدث فيها مع شخص‪ ،‬ويقوم هو بالحديث‪ ،‬اسأل نفسك‬
‫التالي‪ :‬ماذا أفكر االن؟‬
‫هذا السؤال سيضيء إدراكك الذاتي لكمية األفكار المشتتة من داخل رأسك‪ ،‬لتعي‬
‫أن نوعية هذه األفكار ال تتعدَّى تحليلك الفكري لكالم الشخص‪ ،‬لتحضير اإلجابة‬
‫المسبقة‪ ،‬هو السماع بهدف الرد فقط ال غير‪ .‬وبسؤالك ماذا أفكر اآلن‪ ،‬ستتعالى عن‬
‫ي من عالم األفكار المبرمجة‪ ،‬إلى‬ ‫هذه التيارات الذهنية‪ ،‬ليحدث السقوط التدريج ّ‬
‫فضاء الوحدة‪.‬‬
‫في فضاء الوحدة‪ ،‬يتجلَّى وعي اإلنصات المقدس‪ ،‬هو اإلنصات الحدسي الذي ال‬
‫يحتاج إلى التحليل‪ ،‬والتجهيز‪ ،‬والحكم‪ ،‬والمرواغة‪ .‬هو اإلنصات الذي تحس من‬
‫خالله أنك تستمع إلى نفسك بهدوء‪ ،‬ولكن في جسد آخر‪.‬‬
‫أيعقل أن يكون هذا الحب؟‬
‫نعم يا صديقي هذا هو الحب من نظام الحب‪ ،‬وليس الحب الذي اعتدنا عليه‪،‬‬
‫والفارق بين االثنين شاسع‪ .‬فمصائب اإلنسانية كافة هي من المحاوالت البائسة‬
‫للحب‪ ،‬من دون الفهم الكافي لنظام الحب‪ ،‬وهذه ليست فكرتي الشخصيّة فحسب‪،‬‬
‫وإنما ما أبرز في ملخص كتاب ما‪.‬‬
‫ألديك الفضول لمعرفة هذا الكتاب؟‬
‫قبل اإلفصاح عن اسمه اسمح لي بأن أروي قصته معي…‬
‫في مرة كنت أزور صديقتي إيمان في شركتها‪ ،‬والمضحك باألمر أني أكتب هذه‬
‫الكلمات اآلن من مكتبها أيضا! في تلك الزيارة قالت لي إيمان‪« :‬إيهاب خذ هذا‬
‫الكتاب فقد يعجبك»‪ ،‬وعندما نظرت إلى عنوانه تجلّت ابتسامة رقيقة على وجهي‪،‬‬
‫أتريد معرفة السبب؟‬
‫كان عنوان الكتاب‪« ،‬نظام الحب»‪ ،‬أليس هذا بالغريب؟ فأنا أدرس منذ سنين عدّة‬
‫عن نظام الحب‪ ،‬ونظام الخوف‪ ،‬ليأتي كاتب آخر من فضاء آخر‪ ،‬مؤكدا على نفس‬
‫المفهوم‪ .‬عندها تيقنت أن نفس هذا الوعي الذي أحمله باستمرار يعج «باإليثر»‪،‬‬
‫وهناك مجموعة من األشخاص تلقطه وتجسده بتعابير مختلفة‪ ،‬وحول مواضيع‬
‫مختلفة‪ ،‬ومن أماكن مختلفة‪ ،‬فصاحب الكتاب ألماني‪ ،‬وهو يستخدم نفس التعريف‪:‬‬
‫نظام الحب‪.‬‬
‫استهواني هذا الكتاب‪ ،‬ونظرت مباشرة إلى خلفيته ألستوضح ملخصه‪ ،‬وهذا كان‬
‫الملخص‪ :‬سبب معاناتك هي محاولة الحب من دون فهم نظام الحب‪ ،‬أنا أقر بحقيقة‬
‫تقر أيضا‪ ،‬وللتأكيد انظر من حولك‪ .‬فكم من اآلباء واألمهات‬
‫هذه الجملة‪ ،‬وأعتقد أنك ّ‬
‫يحبون أوالدهم‪ ،‬ولكن تواصلهم معهم ‪-‬أو عدمهم باألحرى‪ -‬ال يتعدى بحيرة الخوف‬
‫والتقييد المقيت‪ ،‬لدرجة أن الكثير من األبناء أصبحوا يشتهون موت الوالدين ليذوقوا‬
‫طعم الحرية‪ ،‬هل هذه الجملة صادمة لك؟ قد تكون كذلك‪ ،‬ولكنها الحقيقة‪ ،‬فالكثير‬
‫دربتهم هذه هي رغبتهم السرية‪.‬‬
‫من األشخاص الذين ّ‬
‫تحول الحب لطغيان‪ ،‬وبهذا أمسى التواصل كشكل من االختناق؟ اإلجابة‬ ‫فكيف ّ‬
‫هي ذاتها من ملخص ذلك الكتاب‪ :‬محاولة الحب من دون فهم نظام الحب‪.‬‬
‫للحب نظام‪ ،‬نظام يحكم حركة األرض والكواكب بدقة متناهية‪ ،‬وإن غفل هذا‬
‫النظام عن سيادته‪ ،‬ولجزء من اللحظة‪ ،‬سيحدث انهيار كوني في كل شيء من‬
‫حولك‪ ،‬وهذا يتضمن جسدك‪ .‬فنظام الحب هو نظام االتزان‪ ،‬وهذا االتزان محكوم‬
‫بسيادة القانون‪ ،‬هو قانون الواحد‪ ،‬وكوداته الروحية‪ ،‬هي كودات غير قابلة للتشفير‬
‫أوالتالعب‪.‬‬
‫لذا إن جرى اتصالك من تناغم النظام‪ ،‬سيسطع منه االتصال والحب األصلي‪،‬‬
‫وليس كمشاعر رومنسية آنية بل «ب َحرفِية» الوحدة‪ ،‬فاالتصال الصادق فيها الحدس‬
‫الداخلي‪ ،‬بأنك واحد مع من تتكلم‪ .‬كالكما تعبير عن مصدر الحياة الواحد‪.‬‬
‫أنصت خلف أفكارك الشخصيّة‪ ،‬فأنت كائن في روح الوحدة‪ ،‬في روح النظام‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫فإن‬
‫وغير ذلك أنت في نظام الخوف وأحكامه المتكررة‪ .‬وكل ما عليك فعله لتنساب‬
‫بمنحى الحب‪ ،‬هو العودة للسؤال ذاته في خضم الحوار‪ :‬ماذا أفكر اآلن؟‬
‫هذا السؤال سينقل تركيزك من تيارات األفكار الشخصيّة‪ ،‬وإن لم تكن مدركا لها‪،‬‬
‫بالقوة‪ ،‬فهذا سيبعدك أكثر‬
‫ّ‬ ‫إلى عمق أكبر‪ .‬وال نعني هنا أن تحاول إيقاف أفكارك‬
‫عن قلب االتصال‪ ،‬ولكن بالوعي لألفكار المتسارعة‪ ،‬ستأخذ خطوة واحدة خلف‬
‫ضجيجها‪ ،‬وعندها ستعي المعنى الحقيقي لالتصال‪.‬‬
‫فك ّل األفكار التي تلعلع في رأسك بحجة السمع‪ ،‬ما هي َّإال انغالقات على منظورك‬
‫الخاص‪ ،‬تفلتر فيها المعاني التي يقصدها المتحدث من مفهومك الشخصي المبرمج‪.‬‬
‫فتراك تحصر اتصالك مع كل البشر إلى منظورك الخاص‪ ،‬أليس في هذا نوع من‬
‫ّ‬
‫المبطنة؟‬ ‫العجرفة‪ ،‬وحتى طعم من العنصريّة‬
‫هكذا لن تستمع بغرض الفهم والتعلم والتطور‪ ،‬بل بهدف االنتصار لنفسك‪ ،‬تستمع‬
‫لهيمنة أحكامك وإسقاطاتها الشخصيّة‪ .‬هكذا يستحيل االتصال؛ ألنّه ابتعد عن مكان‬
‫االتصال األصيل‪ ،‬وذهب باتجاه األحكام غير المتزنة‪ ،‬وهل هنالك شيء يدعى‬
‫باألحكام المتزنة!‬
‫ولكن إن استشعرت الحوار من عمق أكبر‪ ،‬سترى أن الحوار ليس صراعا للصحة‪،‬‬
‫أو معركة لغلبة رأيك على اآلخر‪ ،‬بل هو حوار تمتد فيه أمواج البحر في شاطئ‬
‫األمان المطلق‪ ،‬هو أمواج متنوعة‪ ،‬ومن خبرات متنوعة‪ ،‬تلتقي فيها أبعاد الحياة‬
‫المختلفة‪ ،‬فيحصل الشفاء‪ ،‬والتقارب بين الناس‪.‬‬
‫يحصل الشفاء عندما تمد يديك إلى اآلخر‪ ،‬للتوافق معه في المكان الوحيد الذي‬
‫يسكن فيها الوفاق‪ ،‬وهو االتفاق على وحدة الطبيعة األصليّة بينك وبين البشر كافّة‪.‬‬
‫هو االتفاق مع اآلخر ‪ ،‬في المكان الذي يذوب فيه اآلخر ‪ ،‬وتدب فيه وحدة الحياة‪،‬‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫وهذا ّ‬
‫اللقاء الحقيقي مع اآلخر‪ ،‬يحدث في المكان الذي يذوب فيه اآلخر‪.‬‬
‫للتدرب عليه‪ ،‬بل هو الحاصل في ذاتك األصلية إن‬ ‫ّ‬ ‫وكما قلنا‪ ،‬هذا ليس تكنيكا‬
‫تفطنت لألفكار المشتتة‪ ،‬هي الفطنة لوعي الذات من ضجيج األفكار المزعج‪ ،‬وبهذه‬
‫الفطنة ستستطيع أن تراقب نفسك أيضا‪ .‬بالمراقبة ستكتشف مخاوفك الدفينة لحظة‬
‫اتّقادها خالل الحوار‪ ،‬وستكون قادرا على التعالي عنها‪ ،‬أو التعبير عنها‪ ،‬على‬
‫حسب المطلب الطاقي حينها؛ ألنّها فقدت وصمة الشخصنة عنها‪ ،‬فتراك بهدوء‬
‫ورصانة قد تقول في الوقت المناسب‪« :‬آه إنّي أالحظ أنك عندما تقول كذا وكذا‪،‬‬
‫تتفعّل مخاوفي ووسائلي الدفاعية‪ ،‬فهل من الممكن أن تعيد ما قلت؛ ألنصت لك من‬
‫قوة وأمان مطلق‪ ،‬وكيف ال؟ وأنت رأيت ما بعد‬ ‫مكان أعمق؟»‪ ،‬في هذا االعتراف ّ‬
‫تعرى نفسها لآلخر‪.‬‬
‫وسائلك الدفاعية‪ ،‬وسمحت لنفسك بأن ّ‬
‫وإن أفقدك الخوف لفطنتك ورشدك‪ ،‬وهو سيحصل معك‪ ،‬كما يحصل معي ومع‬
‫كل شخص‪ ،‬فهذا طبيعي‪ ،‬فانتظر عندما تستعيد وعيك األصلي‪ ،‬لتقوم بشفاء عدم‬
‫األمان من داخلك ومع خلوتك بنفسك‪ .‬وحتى قد تقوم بعدها باالعتذار للشخص‬
‫قوة أيضا‪.‬‬
‫بعدها؛ ألنك كنت غارقا في مخاوفك‪ ،‬وهذه ّ‬
‫بهذا ستشفي مخاوفك االجتماعية‪ ..‬واحدة تلو األخرى‪ ،‬حتى تصل بعد فترة إلى‬
‫االسترخاء الكامل في الحوار‪ ،‬وكأنك تتكلم مع أي شخص من داخل الجاكوزي!‬
‫هو االسترخاء الذي يه ِيّئ سقوط المحبين إلى روح الوحدة‪ ،‬وبهذا سيجتاح اتصالك‬
‫لمسة من الدفء‪ ،‬وحتى إن كانت األفكار متناقضة‪ ،‬فالدفء يطغى على االختالف‪.‬‬
‫فالمتّصل الحق ال يرى باالختالف مولّدا للرهبة‪ ،‬وال ينشد من تقارب األفكار‬
‫الراحة واألمان؛ ألنه يعي أن كل وجهات النظر تسبح في فضاء الوحدة‪ .‬هو فضاء‬
‫تلتقي فيها روح اإلنسان الواحدة‪ ،‬ومهما بعدنا‪ ،‬لن نبعد عن هذه الوحدة‪ ،‬فهي شاملة‬
‫وخالدة ومتعددة األبعاد‪.‬‬
‫وال نعني هنا أنك باالتصال الحق ستكون موافقا على ك ّل األفكار وفي كل‬
‫الحوارات‪ ،‬على العكس تماما‪ ،‬فهذا نوع من «الطاعة الوهمية»‪ ،‬بل ستكون أصالتك‬
‫بقوة أكثر‪ ،‬فيما توافق‪ ،‬وما ال توافق عليه‪ ،‬ولكن دون السقوط عن بُعد‬ ‫معبرة ّ‬
‫الوحدة‪ ،‬وعندها سيرجع الحوار بين البشر ّإال ما كان يفترض أن يكون عليه‪،‬‬
‫كوسيلة للتالقي واالمتزاج‪.‬‬
‫ومن المؤكد أنك اختبرت هذا النوع من التالقي من قبل‪ ،‬وكأنّك في حضرته توقف‬
‫خالب من الحب‪ ،‬ومن الممكن أنك ظننت حينها‬ ‫بإحساس َّ‬
‫ٍ‬ ‫فيك الزمان‪ ،‬وأحسست‬
‫أظن!) ولكن ماذا لو قلت‬ ‫أن هذا الشخص هو رفيق روحك (على األقل هذا ما كنت ّ‬
‫لك إن هذا ما يفترض أن يكون عليه االتصال‪ ،‬إن تجاوزت «بأناقة» أفكارك‬
‫صة ووسائلك الدفاعية‪.‬‬ ‫الخا ّ‬
‫الشخص القادر على هذا المستوى من االتصال العميق‪ ،‬هو ما يطلق عليها العامة‬
‫الرقّة والجاذبية‪ .‬فحضوره كام ٌل‬ ‫بالجذاب؛ ألن حضور هذا الشخص فيه نوع من ّ‬
‫صا‬ ‫يحس فيه األشخاص بالغبطة واالكتفاء‪ ،‬ظانّين ّ‬
‫أن هناك ِس ًّرا خا ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ي وصادق‪،‬‬ ‫ونق ٌّ‬
‫في حضرة ذلك الشخص‪ ،‬وما تلك الوصفة السِرية ّإال اإلنصات من روح الوحدة‪.‬‬
‫هو إنصات يتعالى عن منظورك الخاص‪ ،‬وحتى منظور اآلخر‪ ،‬إلى مساحة الحياد‬
‫بينكما‪ ،‬حرفيًّا!‬
‫تجرب هذه التجربة أيضا‪ ،‬ففي حوارك القادم‪ ،‬وبعد سؤالك ماذا أفكر‪ ،‬قم‬ ‫فلماذا ال ّ‬
‫بتركيز إدراكك على المساحة بينكما‪.‬‬
‫في مساحة المنتصف بينك وبين «اآلخر»‪ ،‬يسود الحياد من شخصنة اآلراء‪ ،‬ويعم‬
‫إنصات خاص بهيبة خاصة‪ ،‬هي هيبة روحيّة‪ ،‬يستشرى منها‬ ‫ٌ‬ ‫اإلنصات العميق‪ ،‬هو‬
‫حضور ملموس خلف كل الكلمات‪ .‬هي هيبة ال يحتملها نظام الخوف‪ ،‬فتراه يحاول‬
‫أكبر دلي ٍل على ذلك‪ ،‬فتذكر‬
‫أردت َ‬‫َّ‬ ‫الهرب منها بتعبئة الفراغ بالكالم الفارغ‪ ،‬وإن‬
‫آخر مرة صعدت فيها على المصعد‪ ،‬وأحسست بالحاجة للتكلّم‪ ،‬فقط ألنّه من الغرابة‬
‫أن يسود السكوت‪.‬‬
‫سيّة أخرى من داخلك‪ ،‬فتراك تقرأ‬ ‫في هيبة اإلنصات العميق‪ ،‬تتيقّظ قدرات ِح ِ ّ‬
‫األشخاص على أبعاد مختلفة لم ت َ ْد ِر أنها متاحة لك من قبل‪ ،‬أبعاد أعمق بكثير من‬
‫مستوى الكالم نفسه‪ .‬فالكالم وإن حمل الكثير من المعاني‪ ،‬فهي سطحيّة‪ ،‬بل غاية‬
‫فيستشف الحاجات العاطفيّة‪ ،‬والطاقيّة‬
‫ّ‬ ‫من السطحيّة‪ ،‬وأما اإلنصات الحق‪،‬‬
‫للشخص‪ ،‬وعندها ستكون قادرا على إشباعها‪.‬‬
‫فتخيّل أنك تكلم صديقك‪ ،‬ويقول لك‪ « :‬المشروع الذي بدأته أصبح ًّ‬
‫ممال جدًّا‪ ،‬وإني‬
‫ال أحس بأي شغف تُجاهه اآلن؛ لذا سأتوقف عنه؛ ألنه ليس مناسبا لي»‪ ،‬إن لم‬
‫تنصت بعمق قد تحاول إقناعه بالبقاء‪ ،‬ولكن باإلنصات الذي يتجلّى من داخلك‪ ،‬قد‬
‫تستمع لشيء آخر‪ ،‬شيء يقال من «طاقة الكالم»‪ ،‬وقد يكون‪ « :‬إني أحب هذا‬
‫المشروع‪ ،‬ولكني أخاف من الفشل‪ ،‬وأريد التأكيد إنه إذا فشلت سأبقى محبوبا‪»،‬‬
‫وهنا سيكون ردك كالشافي لهذه الحاجة الصامتة‪ ،‬فتراك تذكره بحبك ودعمك له‬
‫مهما كانت النتيجة‪ ،‬وإنه حتى إن فشل‪ ،‬فهناك دروس ليتعلمها فيمضي باتجاه النجاح‬
‫القادم‪.‬‬
‫وقد يخطر لك اآلن‪ ،‬ألم يكن من األسهل لو عبر األشخاص ع ّما في خلدهم مباشرة؟‬
‫واإلجابة طبعا!‬
‫تصله البشريّة حتى اآلن‪ ،‬ليس ألن الناس‬ ‫ْ‬ ‫ولكن هذا ال َم ْنحى في التعبيرالصادق‪ ،‬لم‬
‫َّ‬
‫ألن الغالبية ال تدري رغباتها األصيلة وال تجيد قراءة الرسائل‬ ‫كاذبة بالعمد‪ ،‬بل ّ‬
‫العاطفيّة من داخلهم‪ ،‬فكيف لهم أن يعبروا لك عنها بوضوح؟‬
‫لذا قراءتك العميقة للكالم خلف الكالم‪ ،‬هو شفاء للنفس اإلنسانية‪ ،‬وهذه القراءة هي‬
‫بقوة غريبة عنك‪ ،‬بل هي إقرار بحقيقة فيزيائيّة ثابتة‪ :‬هي قدرتك على نسخ‬ ‫ليست ّ‬
‫التردد الطاقي للعواطف اإلنسانية‪ ،‬فكل حاجة عاطفية لها تردّد معين‪ ،‬وقراءتك لها‬
‫هو قراءة لتردّدها‪ .‬هكذا تلتقي الفيزياء‪ ،‬والسيكولوجية كواحد‪.‬‬
‫باألساس ك ّل شيء في الكون هو واحد؛ ألنه ال يضع هذه التقسيمات الوهمية بين‬
‫الفيزياء‪ ،‬والسيكولوجيا‪ ،‬والفن‪ ،‬والعلوم‪ ،‬والرياضيات‪ ،‬والروحانيات‪ ،‬واألديان‪.‬‬
‫كلها واحد! ولكن مع أن الكون يجمع وال يقسم‪ ،‬ولكن يبقى له تقسيم من نوع آخر‪،‬‬
‫هو ليس تقسيم األحكام‪ ،‬بل تقسيم الحب والثراء‪.‬‬
‫أتريد أن تعرف ماهية هذا التقسيم؟‬
‫ّ‬
‫األدق أن نقول‪:‬‬ ‫هو تقسيم العوالم الشخصية‪ .‬أو‬
‫طبيعة العوالم المنفصلة‪.‬‬
‫العوالم المنفصلة هي أساس االتصال اإلنساني‪ ،‬وعدم المعرفة بحقيقة العوالم‬
‫المنفصلة‪ ،‬هو من يقيد الناس بالتشدد والعنصرية‪ ،‬بظنهم الواهم أن عوالم كل‬
‫األشخاص واحدة‪ ،‬وهو نفسه عالم الشخص ذاته‪ .‬فترى الشخص حينها يفسر كالم‬
‫الناس كافة بما يتوازى مع معانيه الخاصة‪ ،‬وحاجته العاطفية الخاصة‪.‬‬
‫فطالما اعتقد البشر أن هناك عالما واحدا‪ ،‬ثابت األركان‪ ،‬وواضح المعالم‪ ،‬ومن ثم‬
‫هناك كافّة الخليقة التي تقطن هذا العالم‪ .‬طبعا هذه فرضية مغلوطة تماما‪ ،‬وتتنافي‬
‫مع فيزياء التكوين‪ ،‬ومنها تكوين الخبرة اإلنسانيّة‪ ،‬فالحقيقة المطلقة أن لك ّل شخص‬
‫عالمه الخاص الفريد‪ .‬هذه الجملة ليست بالتصويرية‪ ،‬بل فيها كل ّالحرفية؛ ألن‬
‫العالم‪ ،‬أو ما يس ّميه الناس «بالعالم» هو خبرة الشخص ألفكاره‪ ،‬ولذلك ال يمكن أن‬
‫يختبر شخصان العالم بالطريقة نفسها بالضبط‪ .‬فاتجاه تشكيل العالم كما الواقع‪ ،‬من‬
‫الداخل إلى الخارج‪ ،‬وليس العكس‪ ،‬وهذا سرنا الصغير‪.‬‬
‫لكل شخص عالمه الخاص‪.‬‬
‫ويقينك المطلق بأن لك ّل شخص عالمه الخاص‪ ،‬سيغير أسلوبك في كل اللقاءات؛‬
‫ألنك تعرف أنك تقابل عالما جديدا كل مرة‪ ،‬وليس فقط شخصا جديدا‪ ،‬وعندها‬
‫ستتعالي على كل األحكام والتقيُّدات‪ .‬أيضا معرفتك في العوالم المنفصلة‪ ،‬سيضيف‬
‫بعد اإلنسانيّة التصالك؛ ألنّك ال تأتي هنا فارضا أن خارطتك الذهنيَّة للعالم هي‬
‫نفسها ألي شخص آخر‪ ،‬فهي فريدة فرادة البصمة‪ ،‬وإن كان فيها الكثير من‬
‫التشابهات‪ ،‬فهذه المعرفة ستسقط من إدراكك البعض من الغرور‪ ،‬والكثير من‬
‫االفتراضات‪ ،‬لتفتح أذنك الداخليّة لعمق أكبر من الفضول‪.‬‬
‫في مساحة الفضول مساحة أكبر للدهشة‪ ،‬وقدرة أكثر للتعبير عن مكنوناتك‪ ،‬فهنا‬
‫لن تفترض أن العامة تقرأ خريطتك الذهنيَّة بالجلوس معك فقط‪ ،‬وإن كان القلّة‬
‫القليلة من األشخاص احترفت ذلك عن طريق النسخ الطاقي المو ّجه بالنية‪،‬‬
‫عول على هذا الشيء‪.‬‬‫وسأنصحك أن ال ت ُ ّ‬
‫فكم من المرات وقعت في خالف مع شخص آخر‪ ،‬وعندما واجهته‪ ،‬أدركت أنه لم‬
‫َي ِع أصال أنّك في خالف‪ .‬فالتفسير الذي أطلقته على كلمة معيّنة قالها‪ ،‬هو ما سبَّب‬
‫الخالف في داخلك‪ ،‬وليست الكلمة نفسها‪.‬‬
‫ومن خالل تدريبي لكثير من الناس أرى أهمية العوالم المنفصلة قائما‪ ،‬فمن دون‬
‫هذا الفهم ستراني «أفترض» معاني الكلمات التي يقولها المتدرب‪ ،‬وعندها ستفقد‬
‫الحكمة‪ ،‬وإمكانيات التطور في هذه الفرضيات؛ لذلك أسعى دائما إليضاح‬ ‫الكثير من ِ‬
‫معاني الكلمات‪ ،‬فإن قال لي المتدرب‪ :‬إن هذا الشيء يعني لي الكثير‪ ،‬فتراني أسأل‬
‫ماذا تعني بأنه يعني لك الكثير؟ فشخصيًّا إن عنى شي ٌء لي الكثير‪ ،‬فالمعنى هو‬
‫االلتزام به‪ ،‬أم للمتدرب‪ ،‬فقد يكون المنحى مختلفا تماما‪.‬‬
‫العوالم المنفصلة هي مفتاح الفهم لآلخر‪ ،‬بدل ال ُحكم عليه‪ ،‬فمنطقه وإن كان لك‬
‫غاية «بالتخلف» هو محكوم بنسيجه الفكري الذي يشكل عالمه‪ ،‬وميكانيكية عمله‪،‬‬
‫وإن تمحصت في هذا النسيج‪ ،‬وسعيت لفهمه سترى بالعمق‪ ،‬أن ك ّل أنواع األنسجة‬
‫الفكريّة تصب في نية واحد‪ :‬النية اإليجابية لعالم أفضل‪.‬‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسه‪ :‬كيف سيغير هذا المبدأ «نوعية» الحياة بصورة عملية؟‬
‫لك أن تتذكر اآلن حاالت العراك المستمرة بين السياسيين‪ ،‬فقط ألنّهم لم يعوا أنهم‬
‫كلهم يعملون بنفس النية‪ ،‬ولكن بنسيج فكري مختلف‪ .‬فإن عرفوا أن النية الجامعة‬
‫هي نية إيجابية‪ ،‬ستختفي العواطف الملتهبة من الحوارات‪ ،‬ويعم الهدوء واإلنصات‬
‫الروحي الكامل‪.‬‬
‫كيف ذلك؟‬
‫فكر في الذي يحارب من أجل تيار سياسي معين‪ ،‬فهو يفعل ذلك لما يظن ان فيها‬
‫األفضل للبالد‪ ،‬فهو يتحرك من نية إيجابية‪ ،‬والذي يتشدد لتيار عقائدي معين فهو‬
‫يفعل ذلك لنفس السبب‪ .‬كلها تصب بالعمق في نية إيجابية‪.‬‬
‫فكلنا نعيش في عوالم منفصلة‪ ،‬وبأنسجة فكرية منفصلة‪ ،‬ومس َّخرة بِنِيّ ٍة إيجابية‪،‬‬
‫سرنا الصغير‪.‬‬‫وهذا ُّ‬
‫مهما اختلفت العوالم الفكرية‪ ،‬كلها تلتقي بِنِيَّ ِة إيجابية‪.‬‬
‫شر الشرور‪ ،‬بل هو االلتقاء‬ ‫عندما يدرك الناس أنه باختالف األنسجة الفكرية ليس َّ‬
‫بالنية اإليجابية‪ ،‬ستنتهي األحكام فورا‪ ،‬وسيع ُّم الفهم‪ .‬هو الفهم لطبيعة الخبرة‬
‫اإلنسانيّة‪ ،‬كتجربة فريدة لك ّل انسان‪ ،‬ولوال هذه الفرادة لخال الكون من عنصر‬
‫التطور أبطأ من البطيئة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الثراء‪ ،‬ولكانت عمليّة‬
‫هذا ألن الفرادة هي الوالدة لعمليّة التغذية الراجعة في الكون‪ ،‬ومن دون الفرادة‪،‬‬
‫ستتقلص التغذية الراجعة إلى منظور واحد عن الحياة‪ .‬ولكن الحياة بحنكتها أبت أن‬
‫سع المدخالت واآلفاق‬ ‫تكون هذه الحال‪ ،‬وضمنت أن تؤسس نظاما ثوريًّا وثريًّا‪ ،‬يو ّ‬
‫والمخرجات‪ .‬فإن اختبر ك ّل شخص العالم كحالة فكريّة فريدة‪ ،‬وهو الحاصل‪ ،‬فلك‬
‫الحكمة المتواردة من ك ّل هذه العوالم‪ ،‬والتي تصبّ بالنهاية في قلب‬ ‫أن تتخيّل كمية ِ‬
‫الحياة الواحدة‪.‬‬
‫وحتى في علوم الفيزياء الكمية‪ ،‬تتضح فكرة التغذية الراجعة مع مصدر الحياة‬
‫الحكمة في‬ ‫والمس ّمى بـ «المجال ‪ ،»field‬فك ّل شخص يغذي‪ ،‬ويتغذى من مصدر ِ‬
‫الحياة‪ ،‬مضيفا إليه ومتعلما منه‪ .‬ولك أن تتخيّل حجم المعلومات المتبادلة‪ ،‬عندما‬
‫يكون لكل شخص خبرة فريدة للعالم‪ ،‬مقابل عالم واحد‪ ،‬يٌرى من منظور واحد‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ولك أن تتخيَّل أيضا التض ُّخم في المعلومات‪ ،‬إن كان لك ّل ذرة فرادة التبادل‬
‫المعلوماتي‪ ،‬وليس فقط لكل إنسان‪ -‬وهو الحاصل‪ -‬بهذا تصل الحياة إلى أسرع‬
‫للتطور السريع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مسرعة بهذا شغفها األصيل‬ ‫ّ‬ ‫حاالت التبادل المعلوماتي‪،‬‬
‫وإن بدأ الحوار بالتعقد لترحاله إلى األبعاد العليا‪ ،‬فلنقف‪ ،‬ونتنفس… حرفيًّا تنفس‪،‬‬
‫ولنرجع إلى الفكرة ذاتها‪ :‬لك ّل شخص عالمه الخاص‪ ،‬فاحترم هذه الحقيقة وقدّسْها‪،‬‬
‫وستفتح لك بالمقابل األهمية المطلقة من «االنفصال»‪ .‬فهذا االنفصال ال يولد‬
‫انفصاال بين الناس‪ ،‬كما هو انفصال الخوف‪ ،‬بل على العكس تماما‪ ،‬فتعبير الرحمة‬
‫والتعاطف ما هو َّإال وليد هذا االنفصال في العوالم‪ ،‬ألنه يو ِلّد الرغبة لالتصال على‬
‫ما تعالى عن االنفصال‪ ،‬وهو المصدر الذي تنبثق منه ك ّل العوالم المختلفة‪.‬‬
‫ولنرجع هذا المفهوم للعمليّة‪ ،‬كما اعتدنا‪ ،‬اسمح لي بأن أروي لك القصة التالية…‬
‫كنت مرة مع صديقي في متجر األفالم لشراء فيلم السهرة‪ ،‬ومن خالل مسيرنا في‬
‫المكان والذي يع ُّج برائحة األفالم وت َ ِب َعاتها‪ ،‬من إكسسوارات األقراص الضخمة‬
‫القديمة‪ ،‬وقعت عينه من بين ك ّل األفالم على فيلم عن القرش «‪ ، »jaws‬فركض‬
‫ي بحماسة‪ ،‬وقال‪« :‬إيهاب دعنا نشاهد‬ ‫مسرعا إليه وابتسامته تتّقد‪ ،‬ومن ث َّم نظر إل َّ‬
‫‪.»jaws‬‬
‫بالرغم من رغبته القوية‪ ،‬كان لي رأي مختلف تماما؛ ألن «خبرتي» مختلفة تماما‪،‬‬
‫َّبت لي االنسداد الكامل في معدتي‪،‬‬ ‫فالنظر إلى صورة القرش على غالف الفيلم‪ ،‬سب ْ‬
‫ي تريدان الرجوع إلى الخلف‪.‬‬ ‫وحتى أني أحسست بقد َم َّ‬
‫ولكن لمعرفتي بالعوالم المنفصلة‪ ،‬رجع الفضول إلى نفسي‪ ،‬واسترخى جسدي‪،‬‬
‫وسألته‪« :‬ماذا تحب بهذا الفيلم‪ ،‬فقال‪« :‬القرش‪ »،‬وسألته‪« :‬لماذا تحب القرش؟‬
‫الحدّة‪ ،‬واالنسياب و و و…»‪ ،‬وباالستمرار‬ ‫«فراح يروي لي صفاته القوية من ِ‬
‫بعملية اإلنصات العميق كان «عالمي» عن «القرش» يتسع ليلتقي «بعالمه» عن‬
‫منظور آخر لم‬
‫ٌ‬ ‫«القرش»‪ .‬هنا بدأ الفضول بالتزايد أكثر‪ ،‬فكلّما تكلّم أكثر‪ ،‬فُتِ َح لي‬
‫أره عن القرش من قبل‪ ،‬وقد يكون في العمق منظور جديد لم أره عن نفسي من‬
‫قبل‪.‬‬
‫قد يبدو هذا المثال سخيفا للوهلة األولى‪ ،‬ولكن تخيّل أني افترضت هنا أننا االثنان‬
‫نختبر العالم بنفس الطريقة تماما‪ ،‬فبهذا االعتقاد سيبدأ ذهني باالنجراف إلى األحكام‬
‫تدريجيًّا‪ ،‬قائال بداخلي‪« :‬ما هذا الذوق السخيف الذي لديه باختيار األفالم‪ ،‬أال يرى‬
‫أن هذا الفيلم مخيف؟ أهو يعشق الخوف والدراما‪ ،‬أم ماذا؟ وقد يطول الحوار‬
‫للوصول‪« :‬آااه قد عرفت أنه من نوع األشخاص الذين يسعون للدراما فقط‪ ،‬وال‬
‫يسعون للتطور واإليجابية و و و…»‪ .‬بالتسارع مع هذه األحكام سترى النقاش‬
‫يتدرج من األحكام إلى االنغالق إلى العدوانيَّة‪ ،‬فتراني أقول له حينها بصوت‬
‫صارخ‪ « :‬ال‪ ،‬لن نحضر هذا الفيلم ألنّه ليس جيّدا»‪ ،‬وسترى حينها وسائله الدفاعية‬
‫تتفعل ليدافع عن رأيه‪.‬‬
‫أترى الفارق في نوعيّة الحوار‪ ،‬وإن كان الحوار اآلخر تخيُّ ِليًّا ‪.‬‬
‫آخر‪ .‬فتخيّل أنه كان‬
‫ولتصل الفكرة كاملة‪ ،‬فقد نضيف للحوار السابق بُعدا تخيُّ ِليًّا َ‬
‫ع ْي أمه‪ ،‬وهو لم يتعلم كلمة القرش بعد‪ .‬ذلك الطفل لن‬ ‫هناك طفل محمول بين ذرا َ‬
‫يختبر القرش حرفيًّا؛ ألن القرش لم يولد في عالمه حتى تلك اللحظة؛ ألنّه لم يُشكل‬
‫من داخله هذه الكلمة حتى اآلن‪ ،‬والتي في أصلها فكرة‪ ،‬فتراه بدل القرش يرى‬
‫مجموعة من األلوان‪ ،‬والطاقة المتوهجة من خالل الصورة‪.‬‬
‫لذا نفس هذا القرش كان تارة رائعا‪ ،‬وتارة مخيفا‪ ،‬وتارة غير موجود البتة!‬
‫وهؤالء ليسوا فقط ثالثة عوالم فقط‪ ،‬فبداخل كل واحد منهم‪ ،‬تسكن فرادة العوالم‬
‫الفرعية‪.‬‬
‫أسمعك اآلن تقول‪ ،‬آآآه‪ ،‬أصبح الموضوع منطقيًّا اآلن‪.‬‬
‫للروح منطق خاص مص ّمم بالتناغم مع قانون النظام الواحد‪ ،‬هو منطق النظام‪،‬‬
‫وفيها العوالم المنفصلة منطقي‪ ،‬وبهذا المنطق ال يكون حب أي شخص لك شخصيًّا‪،‬‬
‫فال شخص قادر على محبتك أو كرهك‪ ،‬ولكن ما هم َّإال معبرين على عالمهم‬
‫الخاص‪ ،‬إما بحب الذات‪ ،‬وإما بالبعد عنه‪ .‬فإن كان الشخص محبًّا لك‪ ،‬فما هو َّإال‬
‫مظهر لحب الذات عنده‪ ،‬وليس في ذلك شخصنة‪ ،‬وإن كان الشخص حقودا‪ ،‬وكارها‬
‫ب الذات في داخله‪ ،‬وليس في هذا شخصنة‬ ‫مظهر لحياده عن ح ّ ِ‬
‫ٌ‬ ‫لك‪ ،‬فما هو َّإال‬
‫أيضا‪.‬‬
‫إن أحبك أو كرهك شخص‪ ،‬فهذا تعبير عن حبه لذاته‪ ،‬أو البعد عنه‪.‬‬
‫للرياديين‬‫وأذكر تماما اللحظة التي اتَّضح لي هذا الطرح‪ ،‬فكنت أعطي محاضرة ِ ّ‬
‫باألردن‪ ،‬وفي المنتصف كنت أشارك معهم فكرة أننا نحس أفكارنا‪ ،‬وليس العالم‬
‫الخارجي‪.‬‬
‫في أواخر المحاضرة سألني أحد الحضور‪« :‬إيهاب‪ ،‬إني أحس أني لست محبوبا‪،‬‬
‫وهذه حقيقة‪ ،‬وليست من أفكاري‪ ،‬فال شخص يحبني»‪.‬‬
‫وقبل استكمال القصة‪ ،‬دعني أبُحْ لك بمعلومة صغيرة عن طريقة عمل ذهني في‬
‫األسئلة‪ ،‬فعندما أسأل عن أي سؤال بالمحاضرات وغيرها‪ ،‬تنبثق من داخلي قدرة‬
‫سريعة على تلقائية اإلجابة‪ ،‬وإن لم أكن أعي وجودها من قبل‪ ،‬وكانت األسئلة تعمل‬
‫كمح ِفّ ٍز للتعاليم التي تريد االنجالء من خاللي‪ ،‬وبهذا أفاجأ باإلجابة مع فجأة‬
‫أحس‬
‫ّ‬ ‫ت الجواب تلقائِيًّا‪ ،‬أو على األقل لم‬ ‫الحاضرين‪ .‬لكن هذه المرة‪ ،‬ولسبب ما لم يأ ِ‬
‫بذلك‪ ،‬وبدل أن أقول ال أعرف‪ ،‬اخترت االنسياق مع خوفي‪ ،‬وأجبت إجابة تفرغ‬
‫الحكمة‪.‬‬
‫من ِ‬
‫أسترحْ ‪ ،‬وبقي هذا السؤال يتردد في رأسي‪ ،‬وكأنه‬ ‫ِ‬ ‫وعندما ذهبت إلى البيت‪ ،‬لم‬
‫يطرق أبواب وعي ٍ لمستوى جدي ٍد من نور المعرفة‪ ،‬حتى فتحت الباب‪ ،‬وحضر‬
‫الجواب الشافي‪ .‬عندها أدركت تماما ما قصصت عليك سابقا‪ ،‬أنّه إن أحسست بعدم‬
‫حب الناس لك‪ ،‬فهذا فقط ألنّك بعدت عن حب الذات في قلبك‪ ،‬وللتوضيح دعنا‬
‫نتخيّل التالي‪:‬‬
‫شخص مستنير لمس‬ ‫ٌ‬ ‫تخيَّل أنّك تمشي اآلن بالشارع‪ ،‬وبالجانب المقابل يمشي‬
‫أعماق الحب من قلبه‪ ،‬وهو يش ّع «عالم الحب» للبشرية‪ ،‬ولكنك ال تحس بالحب‪،‬‬
‫فلماذا هو يحبك‪ ،‬ولكن أنت ال تحس بذلك؟ ألنك غير قادر على الدخول إلى بوابة‬
‫ي لعالمك‪ ،‬مرتكز في خبرة (أنا مش محبوب) فقط‪.‬‬ ‫هذا العالم؛ ألن تردّدك الطاق ّ‬
‫طبعا فكرة (أنا مش محبوب) هي وهم فكري‪ ،‬وهي أساس الشرور اإلنسانية‪،‬‬
‫ولألسف يخاف الكثيرون من تغيير هذا الوهم؛ ألن عالمهم بالكامل‪ ،‬ومنشآته‬
‫الفكرية كلها‪ ،‬ترتكز على هذه الفكرة‪ .‬وبانسحاق «ملح» هذه الفكرة‪ ،‬سينسحق عالم‬
‫ٌ‬
‫انسحاق لعالم المحتويات الفكرية فقط‪ .‬هي عملية تدمير‬ ‫الشخص‪ ،‬ولكن ما هذا َّإال‬
‫الال محدود خلف هذه‬ ‫روحي لتولد عوالم جديدة من الحب بعدها‪ ،‬عوالم من الحب َّ‬
‫الفكرة‪.‬‬
‫فكرة «أنا مش محبوب» وهم كامل؛ ألنك تسبح اآلن في مصدر الحب الكامل‬
‫والخالد اآلن‪ ،‬هو المصدر الذي ليس له بداية أو نهاية‪ ،‬ولكن فكرة واحدة حجبت‬
‫عنك ما هو حقيقي‪ ،‬ومتاح لك اآلن من عالم من الحب‪ ،‬عالم الجنة‪ .‬فالجنة ليست‬
‫«مكان» لتصل إليه‪ ،‬فهي «وعي» معين تعالى على بُ ْعد المكان والزمان‪ ،‬هي‬
‫الوعي الكامل بحب الحياة لذاتها‪ ،‬ومنها أنت‪.‬‬
‫محبوب مهما فعلت‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫تحس بأنك في الجنة‪ ..‬لو أحسست أنك‬ ‫َّ‬ ‫ف ِ ّك ْر فيها للحظة‪ ،‬ألن‬
‫أو كنت‪ ،‬وبذلك كل عناصر عالمك محبوبة مهما فعلت أو كانت‪ ،‬طبعا هذا هو‬
‫فردوس هللا‪ .‬وستحجب عن نفسك هذا الفردوس‪ ،‬إن اخترت واهما «عالم كره‬
‫الذات»‪ ،‬أو على األقل إن لم تختر التطهير التدريجي لعالم «كره الذات»‪.‬‬
‫عالم «كره الذات» هو ما تحتضنه العامة‪ ،‬فإن لم تكن متيقظا‪ ،‬قد تقوم بنسخ طاقة‬
‫سخا في نفسك برمجة العبودية‬ ‫هذا العالم‪ ،‬لتح ّ ِولَه تدريجيًّا إلى عالمك الخاص‪ ،‬مر ِ ّ‬
‫التي ترعى «كره الذات»‪ ،‬والتي تدافع عن هذا الرعاية بالحجة المبرمجة‪ :‬حب‬
‫الذات أنانية!‬
‫فكيف يكون ذلك‪ ،‬وخالق الذات هو الحب نفسه؟!‬
‫حب الذات ليس أنانية‪ ،‬بل شفاء‪ ،‬وتنوير‪ ،‬واتصال مع الخالق‪ ،‬وتعابير الخلق كافة‪.‬‬
‫حب الذات أساس الحب اإلنساني‪ ،‬فلن تقوى على حب أي إنسان‪ ،‬بل أي مخلوق‬
‫حتى لو كانت زهرة‪ ،‬إن لم تحب نفسك‪ .‬وتيقن أن حب الذات ال يعني أن عليك أن‬
‫لتتشرب طاقة‬
‫َّ‬ ‫تحتضن كل األشخاص‪ ،‬وتقضي وقتك وجهدك في مساعدة الجميع ‪،‬‬
‫كل األشخاص؛ ألنك تحبهم‪ ،‬وواحد معهم‪ ،‬فهذه برمجة مغلوطة أخرى من كره‬
‫الذات‪ ،‬مرتكزة في منطق إرضاء العامة‪ ،‬أما حب الذات‪ ،‬فيرعى احترام النفس‪،‬‬
‫واستقالليتها‪ ،‬ويرعى الحدود الطاقية الصارمة‪.‬‬
‫فإن كنت من األشخاص الناسخين بسرعة للطاقة‪ -‬كما هي طبيعتي‪ -‬وهم الذين‬
‫عندهم حساسية طاقية عالية‪ ،‬فمن ال ُم ِه ّم أن تضع حدودا طاقية؛ لتضمن استقالليتك‬
‫الطاقية‪ ،‬وهو شكل من حب الذات‪ ،‬غير ذلك ستتشرب أفكار الوعي الجمعي‬
‫بسرعة‪ .‬فإن ذهبت لشخص مكتئب‪ ،‬ستخرج مكتئبا من عنده؛ ألنك تنسخ طاقته‬
‫بسرعة لتساعده في عملية الشفاء‪.‬‬
‫تيقن من أن الحساسية الطاقية قد تكون نعمة أو نقمة‪ ،‬والخيار لك‪ ،‬هي نعمة ألنها‬
‫تساعدك على إحساس الوحدة‪ ،‬وقراءة جذور المشاكل‪ ،‬لتوفير الحلول السحرية‪،‬‬
‫ونقمة إن كنت تنسخ كل شيء من حولك‪ ،‬لتحتضنه كأنه أنت من دون وعي‪.‬‬
‫لذا من المهم إن كان هناك شخص دائم التوتر َّأال تركز بطاقة كالمه‪ ،‬وقد تتخيَّل‬
‫ضلعا طاقِيًّا‪ ،‬وتطلب من ذهنك أن يبرمج هذا المضلّع لالستقاللية الطاقية‪.‬‬ ‫حوله ُم َ‬
‫تذكر الحدود الطاقية ليست أنانية‪ ،‬إنما هي جزء من رحلة حب الذات‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬نعم من المهم ِجدًّا أن تضع نفسك مع أشخاص وبيئة ترتقي بك‪ ،‬وتحتفل‬
‫بحقيقتك‪ ،‬وإن لم يكن هذا واقعك اآلن‪ ،‬فاعمل على جذبه بالنية‪ ،‬وبتشفير األفكار‬
‫المعرقة له‪ ،‬مع وضع نفسك في أماكن يتواجد فيها محبُّو اليقظة الروحية والتطور‬
‫الذاتي‪.‬‬
‫بقوة‪ ،‬ولكن تذكر أن التأثير ليس من الخارج‪،‬‬ ‫أنت وبيئتك تؤثران على بعضكما ّ‬
‫ولكن من داخلك‪ ،‬وعندما تزداد احترافِيّتك الطاقِيّة أكثر فأكثر‪ ،‬سترى قدرتك على‬
‫التأثير بالبيئة تزداد‪ ،‬وترى البيئة تنسخ منك أكثر م ّما تنسخ منها؛ ألن بصمتك‬
‫الطاقيّة أصبحت الغالبة‪ .‬هذا ال يعني طبعا أن تضع نفسك في بيئة محفّزة للكره‪،‬‬
‫واألحكام والتجمد ألن طاقتك ارتفعت‪ ،‬بل كما قلنا‪ ،‬اختر بيئة محفّزة لنهضتك‪،‬‬
‫وتطورك وعلى كل النواحي‪.‬‬‫ّ‬
‫كل هذه التفاصيل عن البيئة والعالقات لها أهميتها‪ ،‬ومكانها المحوري في إدارة‬
‫الطاقة‪ ،‬ولكن بالعمق الموضوع أبسط‪ ،‬هو الحب‪ ،‬حب الذات‪ ،‬فهو الحل‪ .‬والشفاء‬
‫والتطور الفردي والجمعي‪ ،‬وهو من سيرتقي بفجر جديد على األرض‪.‬‬
‫للتذكير‪:‬‬
‫* االتصال الصادق مع األشخاص هي ليست مهارة لتتعلمها‪ ،‬وإنما حالتك الطبيعية‪.‬‬
‫* أفضل طريقة للعودة لفطرة االتصال‪ ،‬هو بتعدّي األفكار المشتّتة خالل الحوار‪،‬‬
‫للسقوط في وعي الوحدة‪.‬‬
‫* كل شخص له عالمه الخاص الكامل‪.‬‬
‫* كل النوايا اإلنسانية تجتمع بغاية السالم‪.‬‬
‫ق إلى حب الذات‪.‬‬ ‫* لن تستطيع أن تستقبل الحب‪ ،‬إن لم ترت ِ‬
‫أسئلة للتفكر‪:‬‬
‫ماذا سيحصل إن كنت حاضرا مع الشخص الذي يتكلم‪ ،‬بدل التفكير بكيفية الرد؟‬
‫هل من الممكن أن ترى الشخص الذي ستقابله‪ ،‬كعالم جديد تلتقي فيه؟‬
‫كيف سيثري هذا خبرتك معه؟‬
‫إن كانت فكرة «أنت غير محبوب» وهم‪ ،‬والحقيقة أنك تسبح في وعي الحب‪ ،‬ماذا‬
‫ستشعر؟‬
‫فجرُجديدٌُعلىُاألرض‬
‫ٌ‬
‫نحن نعيش اآلن في فجر جديد على كوكبنا األم‪ ،‬األرض‪ ،‬نعيش فجر الصحوة‪.‬‬
‫فاألرض أكملت سالسل معينة من النضوج‪ ،‬ضمن دوائر طاقية محددة ؛ لتدخل في‬
‫عصر جديد من الوعي‪ ،‬ومن بوابة عام الـ ‪ ٢٠١٢‬وما حولها‪.‬‬
‫هي مرحلة جديدة من الوعي‪ ،‬كما ذكر بكثير من النبوءات السابقة كالمايا وغيرها‪،‬‬
‫وحتى في األبحاث العلمية الصادقة‪ ،‬في مسارات األرض‪ ،‬وحركة دورانها مع‬
‫الشمس والنجوم‪ ،‬والتي فسرها بطريقة مغلوطة الكثير من البشر على أنها نهاية‬
‫العالم‪ .‬وبالرغم من هذا اللغط في تأويل حقيقة عام ‪ ،٢٠١٢‬فما زال فيه أنصاف‬
‫الحقائق‪ :‬فهي نهاية العالم الذي اعتدنا عليها‪ ،‬هي نهاية العالم الذي يعمل بجهل‬
‫االنفصال‪ ،‬والذي يتحرك بمنطق مخالف لقانون الواحد‪ ،‬ونظامه األصيل‪.‬‬
‫سباتها‪ ،‬وقامت بالترحال إلى مستويات‬ ‫هو عالم جديد انتفضت فيه األرض من ُ‬
‫أعلى من الوعي‪ ،‬لتنتقل من البعد الثالث إلى البعد الخامس‪ .‬هذه األبعاد هي ليست‬
‫أبعادا مكانية‪ ،‬وإنما أبعاد طاقية‪ ،‬وذهنية تتمثل فيها درجات معينة من الوعي‪.‬‬
‫فالثالث فيه وهم االنفصال متجلّيا بكره الذات والخوف والفقر‪ ،‬والرابع فيه الوضوح‬
‫الطاقي‪ ،‬وانفضاح ال ُمخبّأ والمستور‪ ،‬وأ ّما الخامس فهو التجلّي الحقيقي لحب الذات‪،‬‬
‫والوحدة مع المصدر‪.‬‬
‫البعد الخامس هو بُعد الرخاء‪ ،‬والثراء‪ ،‬والمحبة‪ ،‬والتعاون‪ ،‬واإلحسان‪ ،‬واإلبداع‬
‫والتعبير الصادق‪ ،‬وفرادة الرسالة‪ ،‬هو بُعد نتيقظ فيه إلى المعارف المستنيرة في‬
‫الحضارات القديمة‪ ،‬والتي تختبئ اآلن هامسة من قلب اإلنسانية‪ .‬األرض ارتقت‬
‫إلى البعد الخامس؛ لذا هي نصيرتك في هذه الرحلة‪ ،‬فدعها تنصرك وترشدك‪.‬‬
‫فامش مع تيار التغيير الذي ت َ ِب ْعته إلى البُعد الخامس‪ ،‬والذي‬
‫ِ‬ ‫نعم‪ ،‬األرض نصيرتك‪،‬‬
‫سينهض فيك كفرد‪ ،‬واإلنسانية ككل‪ ،‬ألن اإلنسان واحد غير مقسم‪ .‬ليس هذا فحسب‪،‬‬
‫بل سينهض أيضا بالكواكب‪ ،‬والنجوم‪ ،‬والحضارات الكونيّة‪ ،‬وعلى أبعاد متعددة‪،‬‬
‫وحول األكوان المرئية وغير المرئية‪ .‬هي نهضة شمولية‪ ،‬وغير مسبوقة في‬
‫الوعي‪ ،‬وعلى جميع المستويات‪ ،‬والتي تأخذ عادة ماليين السنين لتنفيذها‪ ،‬ولكننا‬
‫اآلن سننفذها في أعوام قصيرة بين عام ‪ ٢٠١٢‬و ‪ ٢٠٥٠‬تقريبا‪.‬‬
‫في عمر التطور هذه المدة تشابه الرمشة؛ لذا األصح أن نقول إنها ثورة في الوعي‪.‬‬
‫وفي هذا الوقت المختلف من الزمان‪ ،‬ستندثر األنظمة القديمة بسرعة البرق لتلد‬
‫أنظمة جديدة‪ ،‬فنحن ننهض سويًّا كإخوة وأخوات في الحب إلى عصر جديد على‬
‫األرض‪ ،‬وفيه أنظمة جديدة‪ ،‬تعمل لخدمة الحب والتوحيد‪ ،‬هو فجر جديد على‬
‫األرض‪.‬‬
‫في السابق كانت عمليّة النهضة والتطور مرهقة أكثر من وقتنا الحالية؛ وذلك ألن‬
‫مستويات الطاقة على األرض لم تكن داعما إلى َح ٍدّ كبير للقفزات الكبيرة في‬
‫الوعي‪ ،‬وأما اآلن فالوضع تغير‪ ،‬والزمن تغير‪ ،‬وسرعة التطورالرهيبة أصبحت‬
‫متاحة ألي شخص ارتضى أن يسلك طريق اليقظة‪ ،‬وليست فقط حكرا على الرهبان‬
‫والمتصوفين‪.‬‬
‫هي نهضة بدأت بذورها بالتج ِلّي من بداية القرن الماضي‪ ،‬ويعود الفضل في ذلك‬
‫لموجات القادة المستنيرين‪ ،‬الذين سمعوا نداء األرض على مستوى الروح‪ ،‬ولبّوا‬
‫ض ّم الموجة‬
‫هذا النداء بالقدوم على هذا الكوكب لتيسير النهضة‪ .‬ونحن اآلن في ِخ َ‬
‫الثالثة من هؤالء القادة‪ -‬وأنت منهم‪ -‬والدليل أنك تقرأ هذا الكتاب‪ ،‬فنحن نستذكر‬
‫سويًّا أننا في مهمة واحدة على األرض‪ ،‬للنهوض سويًّا بما نهضت فيه األرض‬
‫أصال وهو البعد الخامس‪.‬‬
‫لذا لن نبالغ أن نقول‪ :‬إنّك تعيش اآلن في أفضل وقت بتاريخ الكرة األرضيّة‪ ،‬ال‬
‫هو أفضل وقت بتاريخ األكوان كافّة‪ ،‬فأنت اآلن القائد والشهيد على حدث كوني‬
‫مذهل‪ ،‬سيبقى ذكراه في مكتبات الكون لماليين السنة‪ ،‬وستعلم دروسه من جيل إلى‬
‫آخر‪ ،‬وعلى كواكب عدة‪ .‬نحن اآلن شهود على التغيير‪ ،‬وإن كان في هذه الشهادة‬
‫االدهشة والرحمة‪ ،‬ففيها أيضا الكثير من النقالت المرهقة‪ ،‬والتسارع في مراحل‬
‫التطهير؛ لذا هي تبقى شهادة العصر‪.‬‬
‫ولمن عرف روح الشهادة الحقيقية‪ ،‬له أن يشهد كل هذه التغيّرات بطمأنينة كاملة‪،‬‬
‫له أن يشهد ك ّل التقلبات‪ ،‬والعشوائية‪ ،‬وسقوط األنظمة‪ ،‬والصراخ‪ ،‬واأللم‪ ،‬من‬
‫وسادة الروح المطمئنة‪ ،‬وبالمعرفة الكاملة أن خالق الكون‪ ،‬ال يعطي شخصا‪ ،‬أو‬
‫كوكبا أكثر من قدرته على التحمل‪.‬‬
‫نحن نقفز اآلن سويًّا لدرجات غير مسبوقة بالوعي‪ ،‬لنسير سويًّا في عصر الصحوة‬
‫ِشئنا أم أبينا‪ ،‬هي الصحوة من النوم‪ ،‬الصحوة من حلم االنفصال إلى حقيقة الوحدة‪.‬‬
‫بهذا سنشهد عصرا جديدا غير مسبوق‪ ،‬وفيه تجربة غير مسبوقة على األرض‪.‬‬
‫طبعا هذه التجربة الشرسة في رفعة الوعي الكلّي‪ ،‬تأتي بضريبتها أيضا‪ ،‬فالتسارع‬
‫في األحداث لن يترك لإلنسانية مجال التعلق بأالعيب العادات والتقاليد‪ ،‬وغيرها‬
‫عار‪ ،‬وخوفٍ‬‫من النظم الفكرية البالية‪ ،‬وسيذيب شرور هذه األنظمة‪ ،‬وما تحمله من ٍ‬
‫وتقسيم‪ .‬نحن نمضي اآلن سويًّا إلى ستر المكشوف في سبيل تج ِلّي الذات بروعتها‬
‫اإللهية الكاملة‪.‬‬
‫مرت فيها األكوان كافّة‪ ،‬لسرعتها‬‫قد تكون هذه الصحوة من أعظم التجارب التي َّ‬
‫وضخامة تأثيرها‪ ،‬هي صحوة شمولية تفتح معارف الذات على مصراعيها‪ ،‬لتذكرنا‬
‫أننا لسنا قطعة لحم فيزيائيّة‪ ،‬وإنما «ذات خالدة متعددة األبعاد»‪ .‬فكما استذكرت‬
‫روح األرض ذاتها‪ ،‬لترتقي بهذه المعرفة إلى مستويات جديدة من االتصال مع‬
‫لتحول التواصل بينك وبين روح األرض‬ ‫ّ‬ ‫أركان الكون‪ ،‬لك أن تفعل ذلك‪،‬‬
‫والحضارات الكونيّة إلى حقيقة واقعة‪ .‬طبعا هي حقيقة لمن اهتدى إلى هذه‬
‫المستويات العليا من الوعي‪ ،‬بين األرض والنجوم‪.‬‬
‫هي صحوة االتصال المتعدد األبعاد‪ ،‬وفيه السرعة الخارقة في االنتقال من‬
‫محدودية الفكر االزدواجي‪ ،‬إلى الفكر المتعدد األبعاد‪ ،‬ودقة السببية‪ .‬هي سرعة‬
‫عظيمة في االنتقال من الفقر الذهني إلى عالم من االحتماليات َّ‬
‫الال محدود‪.‬‬
‫شخصيًّا أحس هذا التسارع في كل لحظة‪ ،‬وفي ازدياد مستمر‪ ،‬فهو حقيقة وواقع‬
‫ملموس لي‪ ،‬أحس التسارع في نهضة الوعي داخل خاليا جسدي‪ ،‬أحسه وأراه‬
‫وأتنفسه في أكثر األمور خفاء‪ ،‬إلى أكثرها عملية ووضوحا‪ ،‬وعلى مستوى الفرد‬
‫والجماعة‪ .‬فعندما بدأت رحلة التنوير في األردن حوالي ‪ ٢٠١٢‬كانت فكرة التأ ّمل‬
‫شبيهة الكفر‪ ،‬واآلن نرى مراكز التأ ّمل والعالج بالطاقة تع ّج بالمكان‪ ،‬وفي تزايد‬
‫رهيب ومستمر‪ ،‬وحتى نرى المدارس تتَّخذ التأمل كجزءٍ من مناهجها‪ ،‬وحتى أماكن‬
‫العمل الرئيسية‪ ،‬التي بدأت تعتبر التأمل‪ ،‬وكورسات اإلدراة الذهنية اآلن‪ ،‬كضرورة‬
‫قصوى لتقدمها‪.‬‬
‫أال يدعو هذا لالحتفال‪ ،‬وفي كل لحظة؟‬
‫االحتفال بما كان أباؤنا وأجدادنا يحلمون فيه بسرهم…‬
‫في وقت السلف كانت العبودية الذهنيَّة هي السائدة‪ ،‬فالبشر كانوا مغمضين عن‬
‫رحلة اكتشاف الذات‪ ،‬بسبب التالعب المبرمج‪ ،‬ولكن هذا الوقت انتهى‪ ،‬أو شارف‬
‫على االنتهاء‪ ،‬ولعبة السيطرة باتت مكشوفة ومحروقة‪ ،‬ومرة أخرى لمن اهتدى‬
‫لقوتك األصلية على التبعية‬ ‫لهذا الكشف طريقا‪ .‬ففي رحلة الصحوة استرجاع ّ‬
‫كقوة كونيّة واحدة‪ ،‬تعملون في تيارات متوازية‪ ،‬هو‬ ‫الكذابة‪ ،‬لتصبح أنت واألرض ّ‬
‫التيار باتّجاه قيادة القلب ورضوخ الدماغ‪ ،‬أو قيادة الحدس‪ ،‬ورضوخ التحليل‪.‬‬
‫فالهمسات الحدسية التي تتسارع إلى ذهنك اآلن هي رسائل مح ّملة من «اإليثر‬
‫‪ »Ether‬لذهنك‪ ،‬رسائل من الوعي الكوني لتيقظك من سباتك‪.‬‬
‫أسرار اليقظة بقيت دفينة عن العامة لعصور ِعدّة‪ ،‬ونحن نعيش اآلن في عصر‬
‫انكشافها‪ ،‬االنكشاف لمعارف مستنيرة‪ ،‬في صلب معرفة الذات‪ ،‬فهي معارف ترتقي‬
‫باإلنسانية إلى روح هللا الواحد‪ ،‬هي معارف تتكشف من قلب األرض والحضارت‬
‫القديمة‪ ،‬وأيضا من قلب النجوم‪ ،‬وحضارتها الكونيّة إلى نفسك‪ .‬هي معارف اليقظة‬
‫القوة‪ ،‬والحكمة‪ ،‬والحب على مصراعيها‪ ،‬هي المعارف التي‬ ‫التي تفتح بوابات ّ‬
‫تجلّي بنارها تكلسات الجهل‪ ،‬والتالعب الحاصل في الـ ‪ ،DNA‬ليستيقظ منك الـ‬
‫‪ DNA‬الكريستالي‪ ،‬وفيه معارف أعمق‬
‫بصلب التكوين‪.‬‬
‫هناك جهات استفادت‪ ،‬وما زالت تستفيد‪ ،‬من جهلك‪ ،‬وعدم معرفتك في مفاتيح‬
‫التكوين‪ ،‬فاألنظمة الحالية التي نراها من النظام التعليمي‪ ،‬والتربية‪ ،‬والعالقات‪،‬‬
‫والمال‪ ،‬بنت قواعدها من هذا الجهل‪ ،‬وبمنطق العبودية‪ ،‬والسيطرة على اإلنسان‬
‫الخائف‪ .‬فالكثير من القادة تغذّوا على هذا الجهل‪ ،‬بتفعيل سياسة القطيع األعمى‪،‬‬
‫ولكن أتى الزمن الذي يتغير فيه ك ّل شيء‪ ،‬فاألنظمة القديمة في حالة انهيار‪ ،‬لتخلق‬
‫المساحة للتجديد‪ ،‬وما أجملها من فترة أن نعيش فيها!‬
‫أنت تعيش اآلن على هذه األرض الجميلة لسبب معيّن‪ ،‬وفيه رسالة معينة من قلبها‬
‫تريد مشاركتها لك‪ :‬أنت هنا لصنع المعجزات‪ ،‬وأنت هنا لتفعّل وقود اليقظة الخالدة‪،‬‬
‫ب هذا النداء‪.‬‬ ‫أنت هنا لصنع ما يشابه المستحيل في سطحه‪ ،‬أنت هنا لتـ(كن أنت)‪ .‬فل ّ ِ‬
‫نحن نريد حقيقتك أكثر من أي وقت آخر اآلن…‬
‫امض في أسرار‬ ‫وامض في أسرار الذات‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫فال تدع الجهل والخوف يجمد شجاعتك‪،‬‬
‫امض في أسرار الحضارات القديمة وهي ال منتهية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الحكمة‪ ،‬وهي ال متنهية‪.‬‬
‫تطرفا أن تلمس جزءا من قدرتها‪،‬‬ ‫وستفتح لك قوى جديدة‪ ،‬ال تستطيع أكثر أحالمك ُّ‬
‫القوة المس ّخرة من نظام الواحد‪.‬‬
‫هي ّ‬
‫للقوة كرغبة خائفة بالتح ُّكم‪،‬‬‫ي ّ‬ ‫القوة مختلفة كل االختالف عن المعنى التقليد ّ‬‫هذه ّ‬
‫القوة األصليّة التي تنبع من المحبة‪ ،‬وبالمعرفة الصادقة بالنظام الواحد‪ .‬هي‬ ‫هي ّ‬
‫وارم رتابة‬
‫ِ‬ ‫المعرفة التي تأخذك إلى شموخ حب الذات‪ ،‬فقف شامخا في حبك‪،‬‬
‫األفكار المتوارثة عن كتفك‪ ،‬وخصوصا تلك التي تقول لك إن حبّ الذات أنانية‪،‬‬
‫فهذه أكثر األفكار خطورة‪ ،‬وتقيّدا‪ ،‬وشيطنة‪.‬‬
‫ارم حقول هذه األفكار البدائية‪ ،‬وإن كانت متوارثة من كل نسلك‪ ،‬والتي تنص‬ ‫ِ‬
‫انفض غبار‬‫ْ‬ ‫عليك أن القيمة تأتي من قبول المجتمع‪ ،‬وليس حبك المستقل لذاتك‪،‬‬
‫خالقة‪ ،‬لتبدأ‬‫كقوة روحية َّ‬ ‫هذه األفكار اآلن‪ .‬انفضه وأحبّ ذاتك‪ ،‬واذكر أهميتها ّ‬
‫امض‬
‫ِ‬ ‫التغيير بما يتوازى مع تيارات التغيير على األرض والسماء‪ ،‬وهم واحد‪.‬‬
‫للتغيير بما يتوازى مع معرفة الواحد‪ ،‬فهو أساس المعرفة المثالية‪.‬‬
‫المعرفة المثالية سترشدك إلى مكنوناتها الذاتية‪ ،‬عندها ستصبح المغ ِيّر والقائد‬
‫والخيميائي‪ ،‬عندها ستصنع واقعا جديدا‪ ،‬وفيه كوكب جديد‪ ،‬ومن داخلك اآلن‪ .‬هو‬
‫كوكب ملهم للحبّ ‪ ،‬والسالم‪ ،‬والتعبير الصادق عن الذات‪.‬‬
‫دَعِ الكوكب الجديد يولد من قلبك‪ ،‬فهو قابع هناك اآلن‪ ،‬كوكب موحد من روح‬
‫الواحد‪ ،‬ليتعالى بك عن ت ُ ّرهات التقسيم‪ .‬د ْعهُ يتعا َل فيك على جناح النسر الذهبي‪،‬‬
‫ليأخذك محلّقا إلى نافذة الوحدة والخلود‪ ،‬فمن تلك النافذة‪ ،‬سترى الصورة الشمولية‪،‬‬
‫لترى عملية التغيّر كما هي من العدم إلى الشيء‪ ،‬ومن األشكل إلى الشكل‪ .‬ستكون‬
‫شهيدا علي عملية الخلق كامال…‬
‫وليكن عنوانك القادم في شهادة التغيير‪ ،‬هو التخلّي عن الماضي‪ ،‬وخطوطه‬
‫تكن عنصرا مجنّدا للماضي المبرمج‪ ،‬أو األصح أن نقول‪:‬‬ ‫المهترئة المكررة‪ ،‬فال ْ‬
‫«برمجة الماضي» في اللحظة‪ ،‬بل كن عنصرا مجنّدا للتغير‪ .‬فما الحياة في ُم ِ‬
‫ضيّها‬
‫َّإال القادم‪ ،‬ستسحق الماضي المشبع بالجهل‪ ،‬فال تكن فريسة تتغذّى عليها أنظمة‬
‫الماضي‪ ،‬بتسليم أغلى ما تملك لها‪ ،‬وهي استقالليتك الفكريّة وسيادة الخيار‪ ،‬فقط‬
‫لراحة المسعى اللحظية!‬
‫استرجع ذاتك‪ ،‬وازأر‪ ،‬وهذا قد يتجلّى بالتكلم الحازم‪ ،‬أو قد يعني السكون‪ ،‬فزئير‬
‫الروح ساكن‪ ،‬وإن كان في الكالم‪ ،‬وال تجعل الصوت الخائف في ذهنك‪ ،‬والذي‬
‫استنسخ صوتا له من صوتك الحالي‪ ،‬أن يجد في نفسك الرحابة والتشجيع‪ ،‬بل عامله‬
‫بحذر خارق‪ ،‬وتمييز خارق‪ .‬فكما هناك النور هناك الظالم‪ ،‬وهناك الوحدة المتعالية‬
‫على هذه الثنائيات‪.‬‬
‫فزمن الصحوة ال يعني أن تصدق كل شيء‪ ،‬بل يعني التمييز‪ ،‬تذكر كلمة التمييز‪،‬‬
‫ص في معارف الذات‪ ،‬فالمعلومات متطايرة هنا وهناك‪،‬‬ ‫للغو ِ‬
‫س ّر‪ ،‬والمفتاح ْ‬ ‫فهي ال ِ ّ‬
‫فاستخدم التمييز‪.‬‬
‫المرشدون متطايرون هنا وهناك‪ ،‬استخدم التمييز‪ ،‬أبعاد الروح تملؤها كل أشكال‬
‫الخليقة‪ ،‬استخدم التمييز‪.‬‬
‫استخدم التمييز‪ ،‬استخدم التمييز‪ ،‬استخدم التمييز‪ .‬ومصدر التمييز هو القلب‪.‬‬
‫وإن طلب منك شخص‪ ،‬أو جهة أن تتبعه من دون تفكير‪ ،‬أو بدأت باستخدام اإليمان‬
‫كح ّجة لتجميد العقل‪ ،‬فالتمييز سيرشدك لخطورة هؤالء القادة‪ ،‬ووجوب الهروب‬
‫من مجلسهم‪.‬‬
‫القوة والثراء‪ ،‬واالستمتاع هم حالتك األصليّة‪ ،‬والمصانة صون‬ ‫بالتمييز ستدرك أن ّ‬
‫الحياة نفسها‪ ،‬فال البعد عنها يغيرها‪ ،‬وال الجهل بها يلغيها‪ ،‬فما الصحوة غير تذكر‬
‫ذلك األصيل فيك‪ ،‬وما الشيطان غير رمزية الستر واإلخفاء؛ خوفا من هيبة العري‪.‬‬
‫تعري نفسك رويًّا رويّا‪ ،‬وخيارا بخيار‪ ،‬وبهذه التعرية ستذكر حقيقتك‬ ‫فال تخف أن ِ ّ‬
‫لتكون كالشخص السابح في وسط الغرقى‪.‬‬
‫اإلنسانيّة واألرض تحتاجك اآلن‪ ،‬تحتاج لعريك وحقيقتك وحبك لذاتك‪ ،‬فال تحرمها‬
‫ذلك‪ ،‬وبهذا الحرمان تحرم نفسك من كنزك األصيل‪.‬‬
‫فاألرض تمضي بسرعة غير مسبوقة إلى العالم الجديد‪ ،‬تمضي بسرعة إلى‬
‫فوتانات النور الذهبية‪ ،‬والتي تحمل في باطنها كودات النور األصلية‪ ،‬طبعا مرة‬
‫أخرى لمن اهتدى إلى هذه الكودات‪ ،‬والتقطها وفعَّلها‪ ،‬وأنت تقوم بذلك اآلن‪ ،‬فكلمات‬
‫الكتاب ما هي َّإال تفعيل لكودات النور من داخلك‪.‬‬
‫األرض استنارت‪ ،‬وانتفضت‪ ،‬وانفجرت‪ ،‬هو انفجار البركان الخامد‪ ،‬وفي هذا‬
‫االنفجار قذف لمعادن العبودية حتى تخرج‪ ،‬وتنصهر وتتب ّخر؛ لتعطي الفسحة ِلالفا‬
‫سط نفسها كس ّجادة مرئيّة على أرض الخليقة‪ .‬فنحن اآلن في الطريق‬ ‫الروح أن ت َب ُ‬
‫إلى مرئية الجنّة على األرض‪ ،‬وهو مستوى وعي جديد من داخلك اآلن‪ ،‬هي الجنة‬
‫التي تعمل فيه كل الخليقة بالتناغم مع نظام الواحد‪.‬‬
‫وفي هذه الرغبة إليقاظ وعي الجنة على األرض‪ ،‬سنرى المقاومة أيضا على‬
‫مستوى الشخص والك ّل‪ ،‬فمن اعتاد العبودية من الصعب عليه التخلّي عنها‪ ،‬ومن‬
‫كان نائما قد يشتم من يحاول إيقاظه‪ ،‬والحل أن تدعهم‪ ،‬وأن تحترم أن لك ّل شخص‬
‫رحلته الروحية الخاصة‪ .‬ركز على نفسك‪ ،‬بالتركيز كيف تـ(كن أنت)‪ ،‬هكذا ستقدم‬
‫أكبر هدية لزمن الصحوة‪.‬‬
‫المسألة باتت سهلة إ ّما أنّك تكون أنت‪ ،‬كعنصر مح ِفّز للوحدة والحبّ والتمكين‪ ،‬أو‬
‫تدع جهل األحكام والخوف يقودانك…‬
‫والسؤال الذي سيتركك به الكتاب‪ :‬هل ستكون محفّزا لليقظة؟ هل ستلبي النداء؟‬
‫ال أحد يستطيع أن يجيب عن ذلك غيرك أنت‪ ،‬ولكن دعني ْ‬
‫أقل لك بقليل من الغرور‬
‫وكثير من الثقة‪ ،‬إنّك أصال أجبت من قلبك‪ ،‬وقلت نعم لهذا النداء‪ ،‬وهذا الكتاب الذي‬
‫بين يديك ما هو َّإال استجابة لهذا النداء‪.‬‬

You might also like