You are on page 1of 32

2

3
‫يقــول أحــد الفالســفة‪« :‬الكتــب ســعادة احلضــارة بدونهــا يصمــت التاريــخ‪ ،‬ويخــرس‬
‫األدب‪ ،‬ويتوقــف العلــم‪ ،‬ويتجمــد الفكــر والتأمــل»‪ .‬وعندمــا ســئل فولتيــر عمــن ســيقود‬
‫اجلنــس البشــري‪ ،‬أجــاب بقولــه‪« :‬الذيــن يعرفــون كيــف يقــرؤون»‪.‬‬
‫وألن القــراءة هــي األســاس يف احليــاة‪ ،‬حملــت (مجلــة قــوارئ) علــى عاتقهــا‬
‫مســؤولية ترســيخ القــراءة وتعزيزيهــا يف املجتمــع‪.‬‬
‫نأمــل –بعــد توفيــق اهلل – أن نكــون األداة الفعالــة لتوظيــف املقــروء‪ ،‬والــذي بــدوره‬
‫ســيخدم املجتمــع معرفي ـاً وثقافي ـاً ‪ .‬تســعى املجلــة بكامــل إمكانياتهــا يف اإلســهام يف‬
‫بنــاء املجتمــع القــارئ‪ ،‬وذلــك مــن خــالل حتفيــز أفــراده ليكونــوا عناصــر التحــول إلــى‬
‫حضــارة مرموقــة‪ ،‬وتاريــخ مجيــد‪.‬‬
‫مت ّيــز هــذا العــدد مــن املجلــة بتنــوع املواضيــع واملقــاالت‪ ،‬واحملاولــة اجلــادة إلــى‬
‫تقــدمي مــادة تليــق بقرائهــا الكــرام‪ ،‬كمــا نأمــل أن حتــوز علــى رضاهــم‪.‬‬
‫شــكراً لــكل مــن ســاهم يف إعــداد وإخــراج هــذا العــدد‪ ،‬نســأل اهلل أن يرزقنــا‬
‫األخــالص والقبــول ‪.‬‬

‫‪@m_saad8‬‬

‫‪4‬‬
‫‪胾跾껾䀆䀆䀆䀆񁰀 跾 껾 䀆䀆䀆䀆䀆럾菾‬‬

‫يتنــاول كتابـاً ليقــرأه علــى محدثــه ‪.‬‬ ‫مــن الشــهادات الدراســية‪ ،‬انقطــع عــن‬ ‫رائــد لغــة التجديــد يف شــعرنا العربــي‬
‫الزمــه الكتــاب يف كل مــكان‪ ،‬ففــي‬ ‫الدراســة النظاميــة ليلتحــق مبدرســته‬ ‫احلديــث‪ ،‬عــرف احليــاة يف أقســى ثوانيها‬
‫القهــوة ويف القطــار ويف الديــوان ال تــرى‬ ‫بــن ظهرانــي مكتبــة والــده فلــم يتــرك‬ ‫مــع املــرض والعزلــة‪ ،‬و عرفهــا أيض ـاً يف‬
‫الرافعــي إال ممســكا بالكتــاب‪ ،‬قــرأ الكتب‬ ‫كتابـاً طبــع أو نُشــر إال وتعاهــده بالقــراءة‬ ‫أعظــم معانيهــا يف كل موعــد يجمعــه مــع‬
‫املنقولــة عــن االجنليزيــة والفرنســية مثــل‬ ‫والدراســة ليســتظهر كنــوزه‪ ،‬ويســتنطق‬ ‫صفحــات كتــاب‪ ،‬فقــط مــع صفحــات‬
‫كتــاب حضــارة العــرب لغوســتاف لوبــون‪،‬‬ ‫بواطنــه ومعانيــه‪ ،‬رســم منهجيــة القــراءة‬ ‫الكتــاب تآمــر لينقــض نســج العنكبــوت‪،‬‬
‫و تاريــخ التمــدن لكيــزو‪ ،‬و الســلطة‬ ‫باختصــار عندمــا قــال‪« :‬ليكــن غرضــك‬ ‫فكلمــا زاده قيــد الصمــت بعــداً عــن‬
‫واحلريــة لتولســتوي‪ ،‬وكتــب أخــرى‬ ‫مــن القــراءة اكتســاب قريحــة مســتقلة‪ ،‬و‬ ‫النــاس تعاظــم الشــوق يف روحــه ليرمتــي‬
‫مترجمــة كثيــرة لينتــج عــن هــذه القــراءات‬ ‫فكــر واســع‪ ،‬وملكــة تقــوى علــى االبتــكار‪،‬‬ ‫بــن أحضــان مكتبــة والــده التــي أمطرتــه‬
‫املتعــددة مجموعــة مــن املؤلفــات النثريــة‬ ‫فــكل كتــاب يرمــي إلــى إحــدى هــذه‬ ‫بوابــل مــن الرحمــات ‪.‬‬
‫و الشــعرية منهــا‪ ( :‬مــن وحــي القلــم ) و (‬ ‫الثــالث ‪ ،‬فاقــرأه» ‪.‬‬ ‫مصطفــى صــادق الرافعــي‪ ،‬الــذي‬
‫علــى الســفود ) و ( رســائل األحــزان ) و‬ ‫قــرأ لقدمــاء العــرب و املســلمن‬ ‫اجتمــع يف أصلــه ومولــده وانتمائــه مــا‬
‫( حديــث القمــر ) ‪.‬‬ ‫ومحدثيهــم‪ ،‬وحفــظ مــن ذلــك مــا يعجبــه‪،‬‬ ‫تفــ َّرق يف وطننــا العربــي‪ ،‬فهــو ســوري‬
‫ازداد ولعــه بالقــراءة والكتابــة فلــم‬ ‫ومــا يــدل علــى ميلــه األدبــي ‪ .‬حفــظ‬ ‫األصــل‪ ،‬مصــري املولــد‪ ،‬إســالمي الوطن‪،‬‬
‫يعــد يطيــق صبــراً علــى فراقهمــا‪ ،‬فهــرب‬ ‫القــرآن الكــرمي وجــ َّوده بأحــكام القــراءة‬ ‫أنكــر كل القوميــات ليعتــرف فقــط بــأن‬
‫منهمــا إلــى ممارســة رياضــة املشــي‬ ‫وهــو يف العاشــرة مــن عمــره‪ ،‬وقــرأ ابــن‬ ‫الوطــن هــو كل أرض يخفــق فيهــا لــواء‬
‫ليريــح دماغــه الــذي أنهكــه بكثــرة القــراءة‬ ‫املقفــع واجلاحــظ واألصفهانــي‪ ،‬و أُولــع‬ ‫اإلســالم ‪.‬‬
‫والكتابــة كمــا صــرح كثيــر مــن األطبــاء‬ ‫بكتــاب املثــل الســائر البــن األثيــر‪ ،‬أكــب‬ ‫عرفــت أســرته بطلبهــا للعلــوم‬
‫بــأن العلــل التــي أصابتــه منشــأها‬ ‫علــى مكتبــة والــده التــي كانــت جتمــع‬ ‫الشــرعية و توليهــا الكثيــر مــن مناصــب‬
‫عصبــي‪ ،‬ولكنــه مــا لبــث أن عــاد إلــى‬ ‫نــوادر كتــب الديــن واألدب والفقــه‪ ،‬و كان‬ ‫القضــاء‪ ،‬فقــد كان والــده رئيســاً‬
‫أحضانهمــا مــرة أخــرى تــاركاً خلفــه كل‬ ‫ٍ‬
‫ســاعات ال‬ ‫يقــرأ يف اليــوم قرابــة ثمــانِ‬ ‫للمحاكــم الشــرعية يف كثيــر مــن أقاليــم‬
‫نــداءات األطبــاء‪ ،‬فعندمــا تولــع النفــس‬ ‫يـ ُّل‪ ،‬وظــل علــى حالــه تلــك حتــى‬‫يَـ َك ُّل وال َ َ‬ ‫مصــر‪ ،‬كانــت أمــه حتبــه وتؤثــره وكان‬
‫بشــيء تنقــض وتنفــي يف ســبيله كل‬ ‫آخــر يــوم يف عمــره ‪.‬‬ ‫يطيعهــا ويبرهــا‪ ،‬وظــل فقدهــا جرح ـاً ال‬
‫شــيء‪ ،‬فالكتــاب الــذي مســح علــى قلبــه‬ ‫ِــف عزلــة الكتــاب حتــى وهــو بــن‬ ‫أَل َ‬ ‫يندمــل حتــى أيامــه األخيــرة‪ ،‬كان يُســند‬
‫يف أحلــك الظــروف لــن يضيــره يف نهايــة‬ ‫النــاس‪ ،‬فــإذا زاره زائــر يف مكتبــه وجلــس‬ ‫إليهــا الفضــل فيمــا آل إليــه أمــره ‪ .‬نــال‬
‫املشــوار ‪.‬‬ ‫إليــه يجيبــه ويســتمع ملــا يقولــه ال يلبــث أن‬ ‫الشــهادة االبتدائيــة وهــي كل مــا نــال‬

‫نورة الفايز‬
‫‪nafayez@hotmail.com‬‬

‫‪5‬‬
‫‪跾‬‬

‫املســاء‪ ،‬لرمبــا لــم يســتوعب الوقــت ذلــك‪،‬‬ ‫الروايــة ثــالث أو أربــع مــرات‪ :‬أيــن يذهــب‬ ‫قليلــة هــي الكتــب التــي حتــدث يف‬
‫لكــن اخليــال يتدخــل منحــازاً إلجنــاز‬ ‫البــط عندمــا تتجمــد البحيــرة ؟ قــد يكون‬ ‫أنفســنا انطباعــاً يــدوم لفتــرة طويلــة‪،‬‬
‫الفكــرة ! ‪.‬‬ ‫منطقيـاً أو غبيـاً أو ذكيـاً أو ســاذجاً‪ ،‬لكنــه‬ ‫يتلجــج يف صــدر القــارئ مــا أحدثــه هــذا‬
‫ويف الروايــة جـ ٌو مــن الطفوليــة واملــرح‬ ‫ســؤال يُلح وحســب ‪.‬‬ ‫الكتــاب‪ ،‬ويســهل التعبيــر عنــه يف حالــة‬
‫والبســاطة ‪ .‬وكأن غــرض الروايــة العــام‬ ‫ويقــوم ســياق الروايــة علــى الزيــف‪،‬‬ ‫مــن اإلشــراق واإللهــام‪.‬‬
‫هــو الدعــوة إلــى العزلــة‪ ،‬وهــو مــا فعلــه‬ ‫هــل نحــن مزيفــون؟ هــل مــا نُظهــره هــو‬ ‫روايــة (احلــارس يف حقــل الشــوفان)‬
‫املؤلــف الحق ـاً ! ‪.‬‬ ‫غيــر احلقيقــة التــي نُخفيهــا بيننــا وبــن‬ ‫لـــ جيــروم ديفيــد ســالينجر‪ ،‬مــن تلــك‬
‫أنفســنا‪ ،‬تكــررت مظاهــر الزيــف يف‬ ‫القائمــة التــي ســتُحدث انطباعــاً عنــد‬
‫اقتباسات أعجبتني‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫الروايــة مــرات عــدة‪ ،‬وســيلحظها القــارئ‪،‬‬ ‫قارئهــا ‪.‬‬
‫« أنــا إنســان شــديد اجلهــل ولكننــي أقــرأ‬ ‫منهــا‪« :‬إذا كنــت أمقــت كلمــة فهــي كلمــة‬ ‫«هولــدن كولفيلــد» بطــل هــذه الروايــة‬
‫كثيــراً » ‪.‬‬ ‫عظيــم‪ ،‬إنهــا كلمــة مزيفــة جــداً» نفخــم‬ ‫والتــي ُمنعــت ‪-‬يف فتــرة مــا‪ -‬يف أمريــكا‬
‫« إن الكتــب التــي تثيــر اهتمامــي بالفعــل‬ ‫بعضنــا بألقــاب حتكــي انتفاخــة الهــر !‬ ‫!‪ ،‬هــذا الفتــى املراهــق ال يكــف عــن‬
‫هــي تلــك التــي عندمــا أنتهــي مــن قراءتهــا‬ ‫نفخــم أنفســنا بشــكل يقــزز منــا اآلخريــن‬ ‫التفكيــر فيمــا حولــه‪ ،‬اســتطاع الكاتــب‬
‫أرغــب يف أن يكــون املؤلــف صديقــا عزيزاً‬ ‫َش ـ ُعرنا بذلــك أو لــم نشــعر ‪.‬‬ ‫أن يُخــرج مــا يعتمــل يف عقــل هــذا الفتــى‬
‫لــي وأســتطيع أن أخابــره بالتليفــون يف أي‬ ‫ومنهــا‪« :‬عندمــا ســألَتْ ُه ســالي عــن‬ ‫اليافــع بقــدرة مبهــرة‪ ،‬ولــو كان الفتــى هــو‬
‫وقــت شــئت» ‪.‬‬ ‫رأيــه يف املســرحية‪ ،‬كان أحــد أولئــك‬ ‫احلاكــي أصالــة وحقيقــة ملــا اســتطاع أن‬
‫« النــاس دائمــا يصفقــون لألشــياء التــي‬ ‫يوســعون الفــراغ الــذي‬ ‫املزيفــن الذيــن ّ‬ ‫يع ّبــر مبثــل هــذه القــدرة ‪.‬‬
‫ال قيمــة لهــا» ‪.‬‬ ‫حولهــم حــن يــر ّدون علــى ســؤال ُوجــه‬ ‫املراهقــون ينظــرون إلــى املواقــف‪،‬‬
‫أي أن أقــول‬ ‫«هــذا شــيءٌ يقلقنــي ‪ْ .‬‬ ‫إليهــم»‪ ،‬تخ ّيــ ُل هــذه احلالــة يف ذهنــك‬ ‫األحــداث العابــرة‪ ،‬وحتــى الكلمــات‬
‫لشــخص مــا إنني ســعيد بلقائه‪ ،‬بينمــا‬ ‫يكفــي عــن شــرحها ‪ .‬قــد يكمــن فصــل‬ ‫بشــكل مختلــف‪ ،‬يحتاجــون منــا إلــى تفهــم‬
‫أنــا لست ســعيداً بذلــك علــى اإلطــالق ‪.‬‬ ‫اخلطــاب هنــا بــن الثقــة والغــرور ‪.‬‬ ‫هــذه النظــرة املختلفــة وإن كانــت عابــرة‬
‫ولكــن ال بــد مــن قــول هــذه األشــياء حتــى‬ ‫إن أحــداث الروايــة كلهــا جــرت يف يــوم‬ ‫وســتمضي ‪ .‬وقــد يكــون معهــم احلــق‬
‫تســتطيع أن تواصــل احليــاة» ‪. .‬‬ ‫واحــد فقــط‪ ،‬كمــا يفعــل دان بــراون يف‬ ‫فيها ‪.‬‬
‫بعــض رواياتــه ‪ .‬وهــي قــدرة مهولــة علــى‬ ‫ولرمبــا كان يف ذهــن املراهــق ســؤال‬
‫خلــق كل هــذه الثرثــرة مــن الصبــاح إلــى‬ ‫ملــ ٌح دائمــا‪ ،‬كالســؤال الــذي تكــرر يف‬

‫هشام سعد‬
‫‪dr.heshamm@gmail.com‬‬

‫‪6‬‬
‫‪胾 菾‬‬

‫‪ôÏÏÏÏÏÏÏó€‬‬

‫يســتعير كتابــاً ويعيــده» ‪.‬‬ ‫العلــم والتــوق إليــه ‪.‬‬ ‫بربطــة عنــق وأربــع عيــون ومعطــف‪،‬‬
‫ويشــيرون إلــى أن هــذه الســرقة‬ ‫تاريــخ األدبــاء عامــر بالســرقات ويف‬ ‫يخــرج مــن بيتــه قاصــداً مكتبــة مــا‪ ،‬يقــف‬
‫مشــروعة وذات فضيلــة‪ ،‬علــى الرغــم مــن‬ ‫حــن يتكتــم بعضهــم فــإن آخريــن ال‬ ‫أمــام الــرف ويتصفــح الكتــاب مائــ ً‬
‫ال‬
‫ـــس‬
‫ـح ّ‬‫أنهــا ال يكــن أن تبــرر إال بــأن يٌ َ‬ ‫يجدونهــا جريــرة أو مرضـاً ويؤمنــون بــأن‬ ‫بصفحاتــه يين ـاً وشــماالً‪ ،‬تتلفــت حدقــة‬
‫مبقــدار الشــغف واحلــب للعلــم ‪ .‬يقــول‬ ‫جميــع األدبــاء مارســوا هــذا النــوع مــن‬ ‫العــن ين ـ ًة ويســر ًة‪ ،‬وبخفــة يــد وضميــر‬
‫الناقــد العربــي خضيــر الزيــدي‪« :‬أنــا‬ ‫اجلنــون مبــا فيهــم ماركيــز وتولســتوي‬ ‫مكمــم بحجــة أن «ســرقة العلــم فضيلــة»‬
‫أســميها اجلريــة األخالقيــة الكبــرى‬ ‫العظيمــان‪ ،‬وأنهــا ظاهــرة عامليــة لــم ين ـ ُج‬ ‫يختفــي الكتــاب يف ملــح البصــر‪ ،‬يخبئــه‬
‫ذات الفضيلــة الوحيــدة» ‪.‬‬ ‫منهــا أحــد‪ ،‬وإن ا َّدعــى أحــد غيــر ذلــك‬ ‫الســيد القــارئ يف معطفــه أو أمكنــة مــن‬
‫بعــض اللصــوص «األوفيــاء» يؤكــدون‬ ‫فهــو يســتحي أن يبــوح بالفكــرة وحســب ‪.‬‬ ‫جســده ويغــادر بهــدوء كمــن لــم تعجبــه‬
‫أنهــم وبعــد ســرقة الكتــاب فإنهــم ال‬ ‫ولــم تتوقــف هــذه الظاهــرة علــى‬ ‫البضاعــة ‪.‬‬
‫يكتبــون فوقــه وال يضيفــون وال يتلفــون‬ ‫األدبــاء بــل وطالــت األديبــات أيضـاً‪ ،‬تقول‬ ‫تكــون الســرقة لــدى القــراء العاديــن‬
‫بــل يحرصــون علــى إعادتــه ملكانــه كمــا‬ ‫إحــدى األديبــات العربيــات‪ « :‬رغــم كــون‬ ‫ولكنهــا تشــتهر بكونهــا «ظاهــرة» بــن‬
‫وجــدوه‪ .‬صاحــب املعطــف ســالف الذكــر‬ ‫الظاهــرة غيــر مســتحبة‪ ،‬فمــا اكتشــفته‬ ‫األدبــاء واملثقفــن‪ ،‬ظاهــرة حتولــت عنــد‬
‫أيض ـاً أكــد أنــه يعيــد الكتــاب بالطريقــة‬ ‫أن ســراق الكتــب هــم األدبــاء بالــذات‪،‬‬ ‫الكثيريــن إلــى عــادة ال يُتــاب منهــا وال‬
‫نفســها التــي يســرق بهــا‪ ،‬وقــد اســتمرت‬ ‫فالقــارئ العــادي ال يســرق»‪ ،‬وتبــرر‪:‬‬ ‫يُســتتاب ‪ .‬بــل هــي تــكاد تكــون أقــرب‬
‫هــذه العمليــة خمــس ســنوات ‪.‬‬ ‫«واألديــب األريــب يجــد ٌفتيــة لتشــريع مــا‬ ‫حلالــة َمرضيــة صعبــة العــالج‪ ،‬وتظــل‬
‫حجــة أخيــرة لألدبــاء اللصــوص‬ ‫يقــوم بــه » ‪.‬‬ ‫تالزمــه أينمــا وجــد ووجــدت قبالتــه‬
‫هــي أن ســرقة الكتــب فكــرة ثقافيــة‬ ‫ولألدبــاء طرقهــم اخلاصــة يف كل‬ ‫مكتبــة‪ ،‬يســيل لعابــه وتتحــرك داخلــه‬
‫وليســت جانبـاً اجتماعيـاً يخضــع مرتكبــه‬ ‫شــيء‪ ،‬ويف الســرقة أيض ـاً‪ .‬يعتــرف أحــد‬ ‫رغبــات غامضــة جتعــل كل اخلاليــا‬
‫للمســاءلة‪ ،‬فاألديــب عندمــا يســرق ال‬ ‫النقــاد بأنــه كان يلــك معطفــاً يرتديــه‬ ‫احلســية تتأهــب لالنتبــاه وتتشــجع‬
‫ينتصــر لنفســه ولكنــه ينتصــر للكتــاب ‪.‬‬ ‫خصيصــاً لعمليــة الســرقة إذ يخبــئ‬ ‫للســطو علــى الكتــاب املطلــوب ‪.‬‬
‫ِ‬
‫يكتــف األدبــاءُ مــن غنائــم املكتبــات‬ ‫وال‬ ‫الكتــاب يف جيــب داخــل بطانــة املعطــف‬ ‫تعد معارض الكتاب لألدباء اللصوص‬
‫العامــة أو معــارض الكتــاب بــل يصافحون‬ ‫ولــم يُكشــف قــط‪ ،‬ويع ّقــب‪« :‬هــذه أســرار‬ ‫وليمــة عامــرة يف الهــواء الطلــق‪ ،‬ومــن‬
‫رفــوف مكتبــات بيــوت األصدقــاء التــي‬ ‫مهنــة» ‪.‬‬ ‫أشــهر الســاحات التــي تشــهد ســرقات‬
‫يدخلونهــا زائريــن أيضـاً ‪ .‬وقــد فطن كثير‬ ‫كان املعطف رمبا احلاضنة ملرجعيتهم‬ ‫الكتــب شــارع املتنبــي املشــهور يف بغــداد‪،‬‬
‫مــن أصحــاب الكتــب واملكتبــات العامــرة‬ ‫الثقافيــة‪ ،‬ورمبــا كانــت لــه فضيلــة كبــرى‬ ‫فهــو فضــاء غيــر محــدود ملمارســة هــذه‬
‫وجعلــوا ملكتباتهــم أبوابــاً وأقفــاالً‪ ،‬وعــ ّز‬ ‫بفتــح آفــاق معرفيــة مهمــة لهــم ‪ .‬وهــم‬ ‫«الهوايــة»‪ .‬وال يجــد بعــض األدبــاء أي‬
‫عليهــم أن يتركوهــا يف غرفــة الضيــوف أو‬ ‫ال يــرون ســرقة الكتــب علــى أنهــا جريــة‬ ‫حــرج يف االعتــراف بأنهــم ســرقوا كتاب ـاً‬
‫مــكان قريــب منهــا بــل ـ وكمــا هــو احلــال‬ ‫بقــدر كونهــا مفتاحــاً لبــاب احلماســة‬ ‫أو أكثــر ذات يــوم‪ ،‬بــل ويشــددون علــى أن‬
‫يف بيتنــا ـ ُجعلــت املكتبــة يف غرفــة يفصــل‬ ‫للقــراءة يف بلــدان يكــون فيهــا املثقفــون‬ ‫مــا يقومــون بــه ليــس «الســرقة» مبعناهــا‬
‫ـرف‬ ‫بينهــا وبــن غرفــة الضيــوف ثــالث غـ ٍ‬ ‫عــادة مــن شــرائح اجتماعيــة فقيــرة‪،‬‬ ‫البشــع املَقيــت‪ ،‬ولكنهــا «اســتعارة» لكتــاب‬
‫وبابــان ‪.‬‬ ‫ويستشــهدون مبقولــة شــهيرة لبرنــارد‬ ‫لــم يجــدوه‪ ،‬أو أنهــم عجــزوا عــن شــرائه‪،‬‬
‫شــو‪« :‬غبــي مــن يعيــر كتابـاً واألغبــى مــن‬ ‫ومــا قادهــم لفعــل مــا فعلــوه إال حــب‬
‫نسرين إسماعيل‬
‫‪@nisreanismael‬‬

‫‪7‬‬
‫ال مــن يناقــش أفــكار الكاتــب‬ ‫فتجــد مثــ ً‬ ‫تشــكل معــارض الكتــب مواســ َم ‪ .١‬أمازون‪:‬‬
‫وطرحــه ولغتــه أو مــن يبــدي رأيــه يف‬ ‫ال يحلــو احلديــث عــن مواقــع بيــع‬ ‫اســتثنائية للقــراء‪ ،‬يحصلــون فيهــا علــى‬
‫األمــور الفنيــة مثــل أســلوب القــراءة‬ ‫الكتــب دون البــدء بأشــهرها (أمــازون)‬ ‫بغيتهــم ممــا ال يتوفــر يف دور النشــر‬
‫يف الكتــاب الصوتــي أو مســتوى طباعــة‬ ‫الــذي متتلــئ رفوفــه مباليــن العناويــن‪،‬‬ ‫واملكتبــات احملليــة‪ ،‬لكــن املعــارض‬
‫الكتــاب الورقــي وتغليفــه‪ ،‬ممــا يســاعد‬ ‫وممــا جتــدر اإلشــارة إليــه أن الكتــب‬ ‫محــدودة بزمــن قصيــر وقــد اليســتطيع‬
‫يف قــرار الشــراء ويدفــع للمنافســة‬ ‫كانــت البضاعــة األولــى ألمــازون قبــل أن‬ ‫املــرء شــراء كل مــا يريــد منهــا أو يصعــب‬
‫واجلــودة ‪ .‬يقــدم املوقــع قوائــم متعــددة‬ ‫يشــرع يف بيــع شــتى الســلع! وإذا كنــت‬ ‫عليــه حضورهــا لســبب أو آلخــر‪ ،‬إال أن‬
‫للكتب بحســب تصويــت القــراء عليهــا‬ ‫مــن هــواة القــراءة باللغــة االجنليزيــة‬ ‫(مواقــع) بيــع الكتــب تشــكل معــارض‬
‫مثــل‪ :‬أفضــل الكتــب عــام ‪ ،٢٠١٤‬أفضــل‬ ‫فســتجد فيــه بغيتــك وأكثــر‪.‬‬ ‫دائمــة علــى االنترنــت يطلــب منهــا‬
‫كتــب شــهر نوفمبــر‪ ،‬أفضــل مئــة كتــاب‬ ‫يقــدم أمــازون الكتــب بخياراتهــا‬ ‫القــارئ مــا يشــاء يف أي وقــت ويصلــه‬
‫لألطفــال‪ ،‬وغيرهــا مــن التصنيفــات التــي‬ ‫املتعــددة‪ :‬ورقيــة‪ ،‬أو إلكترونيــة عبــر‬ ‫الكتــاب إلــى بــاب منزلــه أو شاشــة جهــازه‬
‫تثــري املوقــع‪ ،‬ومــع أن أمــازون اليخــدم‬ ‫أجهــزة كينــدل‪ ،‬أو صوتيــة عبــر‬ ‫بطريقــة مشــروعة وقانونيــة‪ ،‬ومــع أن‬
‫املكتبــة العربيــة إال بشــكل ضئيــل ال‬ ‫تطبيــق ‪ ، audiobook‬بإمــكان القــارئ‬ ‫كثيــراً مــن هــذه الكتــب يتوفــر لهــا نســخ‬
‫ال يف بــروز‬‫يــكاد يُذكــر إال أن لــه فضــ ً‬ ‫حتميــل الكتــب اإللكترونيــة والصوتيــة‬ ‫إلكترونيــة مجانيــة (وأخــص بالذكــر‪:‬‬
‫نظائــر عربيــة ســيأتي ذكرهــا ونتمنــى أن‬ ‫يف جهــازه فــوراً يف أي مــكان يف العالــم‬ ‫الكتــب العربيــة) إال أن حتميــل هــذه‬
‫تنافســه وتتفــوق عليــه يف كل مــا يقــدم‬ ‫مبجــرد الشــراء‪ ،‬أمــا الورقيــة فســعرها‬ ‫جتــن علــى حقــوق‬
‫ٍّ‬ ‫النســخ مجانــاً فيــه‬
‫مــن خدمــات للقــراء وعلــى رأســها‪:‬‬ ‫يف أمــازون زهيــد لكــن تكلفــة شــحنها‬ ‫الكاتــب أو دار النشــر إذا لــم يأذنــا بذلــك‪،‬‬
‫الكتــب الصوتيــة‪.‬‬ ‫للــدول العربيــة مرتفعــة وتصــل أحيانــاً‬ ‫كمــا أن للكتــاب الورقــي حميميــة خاصــة‬
‫ألضعــاف ســعر الكتــاب نفســه‪.‬‬ ‫ال تُضاهــى‪ ،‬ويف هــذا املقــال عــرض‬
‫يتميــز موقــع أمــازون بعــرض مراجعات‬ ‫لبعــض مواقــع بيــع الكتــب التــي تعاملــت‬
‫وافيــة ودقيقــة مــن القــراء حــول الكتــاب‪،‬‬ ‫معهــا مــع ذكــر بعــض مميزاتهــا وعيوبهــا‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫بينمــا يوفرهــا موقــع نيــل وفــرات‪ ،‬كذلــك بوكتشــينو املميــزة واجلذابــة‪ :‬شــريط‬ ‫‪ .٢‬نيل وفرات‪:‬‬
‫ضعــف متابعــة الطلبــات وحتديــث بياناتهــا‪ ،‬حريــري أخضــر فاقــع لونــه يســر الناظريــن!‬ ‫موقــع لبنانــي يعــد مــن أقــدم املواقــع‬
‫فتجــد حالــة الطلــب يف املوقــع ال تفيــد بــأي‬ ‫العربيــة وأضخمهــا‪ ،‬نشــأ يف أحضــان الــدار‬
‫تطــورات واحلقيقــة أن الكتــاب مت شــحنه ‪ .٥‬لولو ‪:Lulu‬‬ ‫العربيــة للعلــوم عــام ‪١٩٩٨‬م وتطــور ليض ـ ّم‬
‫موقــع أمريكــي يوفــر خدمــة الطبــع عنــد‬ ‫وهــو يف طريقــه إليــك‪ ،‬وقــد يحصــل تأخــر‬ ‫اليــوم أكثــر مــن أربعمائــة ألــف عنــوان مــن‬
‫شــديد يف توفيــر الكتــب مــن بعــض دور الطلــب أو النشــر احلــر الــذي ال يشــترط‬ ‫دور نشــر مختلفــة يف لبنــان وســوريا ومصــر‬
‫النشــر لكــن حــن يتــم شــحنها تصــل يف أقــل إذن وزارات اإلعــالم‪ ،‬ينشــر املوقــع الكتــب‬ ‫واألردن والســعودية ‪.‬‬
‫مــن أســبوع ومعهــا فواصــل جميلــة جــداً الورقيــة واإللكترونيــة‪ ،‬ويخــدم ال ُكتّــاب‬ ‫ميزة املوقع أنك جتد فيه من الكتب ما‬
‫الناشــئن الذيــن اليلكــون ميزانيــات‬ ‫وعمليــة ‪.‬‬ ‫ال جتده يف غيره من املواقع وال يف املكتبات‬
‫ممــا يلفــت النظــر يف (جملــون) و (نيــل للطباعــة والتدعمهــم دور النشــر‪ ،‬يُطبــع‬ ‫احملليــة أو حتــى معــارض الكتــب‪ ،‬ويوفــر‬
‫وفــرات) عــدم وجــود مراجعــات كافيــة الكتــاب بعــد الطلــب ثــم يرســله للمشــتري‬ ‫بعــض الكتب بصيغــة إلكترونية باإلضافــة‬
‫للكتــب مــن قبــل القــراء الذيــن اشــتروها ويكــون للكاتــب نســبة مــن األربــاح‪ ،‬يلجــأ‬ ‫لأللبومــات الصوتيــة واملرئيــة‪ .‬واملوقــع‬
‫وقرؤوها‪ ،‬مــع أن جملــون خاصــة يشــجع لهــذا املوقــع غالبــاً كتــاب املدونــات الذيــن‬ ‫منظــم جــداً‪ ،‬إذ يســتعرض كتــب املؤلــف أو‬
‫عليهــا ويكافــئ بنقــاط يكــن شــراء كتــب يجمعــون مقاالتهــم يف كتــب‪ ،‬ويختلــف ســعر‬ ‫املوضــوع بحســب تاريــخ النشــر أو الســعر‬
‫جديــدة بهــا‪ ،‬والعتــب علينــا نحــن القــراء إذ الشــحن ومدتــه بحســب نوعــه‪ ،‬اجلديــر‬ ‫أو مســتوى الشــعبية‪ ،‬ويتــم حتديــث حالــة‬
‫ينبغــي أن نثــري احملتــوى العربــي وال نكتفــي بالذكــر أن قلّــة مــن الكتــاب العــرب بــدؤوا‬ ‫الطلــب بدقــة وإعــالم املشــتري بتطوراتــه‬
‫ولــوج عالــم النشــر بهــذه الطريقــة ومنهــم‬ ‫باالســتهالك فقــط ‪.‬‬ ‫مثــل تاريــخ الشــحن ورقــم التتبــع أو عــدم‬
‫املــدون املصــري الشــهير رؤوف شــبايك‬ ‫تو ّفــر الكتــاب الســتبداله ‪.‬‬
‫أردت‬
‫ُ‬ ‫ـت علــى موقــع لولــو حــن‬ ‫الــذي تعرفـ ُ‬ ‫‪ .٤‬بوكتشينو‪:‬‬ ‫يعيــب املوقــع ارتفــاع أســعار الشــحن‬
‫مشــروع ســعودي يرمــز اســمه لثنائيــة شــراء كتابــه (شــاحن األمــل) وصــل الكتــاب‬ ‫الــذي يتــم عبــر البريــد املضمــون أو‬
‫القــراء الشــهيرة‪:‬الكتاب والقهــوة (مت بعــد طباعتــه عبــر البريــد الســعودي خــالل‬ ‫شــركة ‪ ،DHL‬وينبغــي تفحــص الســعر بــكال‬
‫افتتــاح املقهــى مؤخــراً)‪ ،‬يوفــر املشــروع ثالثــة أســابيع ‪.‬‬ ‫الطريقتــن قبــل الشــراء إذ تكــون إحداهمــا‬
‫الكتــب اخلفيفــة والســهلة بأســعار معقولــة‬ ‫أقــل ســعراً مــن األخــرى بفــارق كبيــر‪،‬‬
‫بهــدف التشــجيع علــى القــراءة فهــو يهــدف ‪:Book Depository .٦‬‬ ‫ويســتغرق توفيــر بعــض الكتب مــن دور‬
‫يوفــر هــذا املوقــع الكتــب اإلجنليزيــة‬ ‫لـــ “املســاهمة يف نشــر ثقافــة القــراءة يف‬ ‫النشــر أوقاتــا متفاوتــة‪ ،‬أمــا فتــرة وصــول‬
‫املجتمــع” ويقــول القائمــون عليــه “نحــن بخيــارات متعــددة وأســعار زهيــدة ويشــحنها‬ ‫الكتــاب بعــد شــحنه فتتــراوح بــن أســبوع و‬
‫النســ ّوق لكتــاب بقــدر مانســ ّوق للقــراءة” مجان ـاً ملعظــم دول العالــم واخلليــج العربــي‬ ‫عشــرة أيــام تقريبــاً ‪.‬‬
‫يهــدف جلــذب القــراء‪ ،‬ثــم إذا اعتــاد القــارئ وهــذا مــا ييــزه عــن أمــازون‪ ،‬لكــن املوقــع‬
‫علــى القــراءة وألفهــا انطلــق وتعمــق يف أي اليــزودك برقــم تتبــع للشــحنة وجتربتــي‬ ‫‪ .٣‬جملون‪:‬‬
‫دروب املعرفــة شــاء‪ ،‬ولذلــك ال يســتغرب معــه ُمنيــت بالفشــل حيــث كان االســم‬ ‫موقــع أردنــي يضــم أكثــر مــن تســعة‬
‫القــارئ حــن يجــد عناويــن الكتــب يف الطلــب يختلــف عــن اســم صاحــب‬ ‫ماليــن كتــاب‪ ،‬ييــز املوقــع خدمــة احملادثــة‬
‫محــدودة نوعــا ما وليســت كالتــي يجدهــا صنــدوق البريــد ومــع عــدم توفــر (رقــم تتبــع‬ ‫الســريعة مــع املوظفــن فيــه لالستفســار‪،‬‬
‫ال ألن لــكل للشــحنة) تســبب هــذا اخلطــأ يف ضيــاع‬ ‫عنــد نيــل وفــرات أو جملــون مث ـ ً‬ ‫ورســائل البريــد اإللكترونــي التــي تطلــع‬
‫الكتــاب ولــم أحصــل عليــه‪ ،‬ولعلــي أتالفــى‬ ‫موقــع هدفــا مختلفــاً ‪.‬‬ ‫املشــترك علــى جديــد الكتــب وأهــم‬
‫يوفــر بوكتشــينو اكسســوارات للقــراءة هــذا مســتقب ً‬
‫ال بــإذن اهلل ‪.‬‬ ‫إصــدارات دور النشــر وأفضــل الكتــب مبيعاً‬
‫وأكواب ـاً منقوشــة بعبــارات جميلــة‪ ،‬ويكــن‬ ‫لــكل شــهر‪ ،‬وييــزه أيضـاً انخفــاض أســعار‬
‫كانــت هــذه جولــة مــع بعــض مواقــع بيــع‬ ‫الطلــب عــن طريــق املوقــع الــذي يوفــر‬ ‫الكتــب والعــروض اليوميــة التــي تصــل إلــى‬
‫خدمــة احملادثــة الســريعة مــع املوظفــن‪ ،‬الكتــب‪ ،‬ويوجــد العشــرات غيرهــا بيــد أن‬ ‫‪ ٪٧٠‬أحيانــاً‪ ،‬باإلضافــة خليارات الدفــع‬
‫أو عبــر حســاباته يف تويتــر برســالة خاصــة هــذا املقــال اقتصــر علــى تلــك التــي تعاملــت‬ ‫املتنوعــة‪ :‬بالبطاقــة االئتمانيــة أو عــن طريق‬
‫يوضــح فيهــا اســم الكتــاب املطلــوب وعنوان معهــا شــخصياً واســتفدت منهــا يف اقتنــاء‬ ‫البــاي بــال أو الدفــع نقــداً عنــد التوصيــل‬
‫العميل وبعــد اســتالم التحويــل املصــريف كتــب لــم أجدهــا يف متنــاول يــدي ولعلــي‬ ‫برســم إضــايف أو النقــاط التــي تتكــون يف‬
‫لثمــن الكتــاب مــع ســعر شــحنه يصــل الطلب أجــرؤ علــى القــول بتفــاؤل وثقــة‪ :‬إن الكتــاب‬ ‫رصيــد املشــتري جــراء شــرائه مببلــغ مرتفــع‬
‫يف مــدة وجيــزة ال تتجــاوز يومــن يف العــادة جنــح يف جعــل التقنيــة تخدمــه وتس ـ ّوق لــه‬ ‫أو دعــوة صديــق أو تدويــن مراجعــة كتــاب ‪.‬‬
‫(ملــدن اململكــة العربيــة الســعودية) مــع بــدالً مــن أن تســحب البســاط مــن حتتــه !‬ ‫أمــا عيــوب املوقــع فتتلخص يف أنه ال يحوي‬
‫إمكانيــة الشــحن للخارج‪ ،‬تأتــي مــع الطلــب‬ ‫بعــض العناويــن التخصصيــة أو النــادرة‬
‫فواصــل جميلــة وتُغلــف الكتــب ببصمــة‬ ‫أحيان ـاً مــع أن عــدد الكتــب فيــه كبيــر جــداً‬
‫ليلى العصيلي‬
‫‪@SSDanahSS‬‬

‫‪9‬‬
‫النــادل لزوجتــه‪« :‬زوجــك يقــرأ كثيــراً‪،‬‬ ‫والوســيلة‪ ،‬فحــن نقيــم النــوادي‬ ‫وقــف أحدهــم مبحطــة القطــار ونظــر‬
‫وســيصبح يوم ـاً مــا رئيس ـاً ألمريــكا !»!!!‬ ‫والــدورات والنــدوات التــي حتــث علــى‬ ‫لرجــل يقــف بجانبــه ثــم ســأله‪:‬‬
‫هــذه الزوجــة يف القصــة هــي «هيالري‬ ‫القــراءة‪ ،‬أو حتــى التأليــف‪ ،‬فهــذا ال يعنــي‬ ‫الى أين أنت ذاهب؟‬
‫كلينتــون» الزوجــة الســابقة للرئيــس‬ ‫أنهــا هــدف ولكــن وســيلة ممتــازة لتحقيــق‬ ‫ر َّد الرجل‪:‬‬
‫األميريكــي الســابق «بيــل كلينتــون» !‬ ‫الهــدف‪.‬‬ ‫إلى القطار‪.‬‬
‫ويف زمــن االســتعباد كان الســود يف‬ ‫ألــم تتســاءل يومــاً عــن ِ ّ‬
‫ســر ابتــداء‬ ‫أقصد ماهي وجهتك؟‬
‫أميــركا ممنوعــن مــن تعلــم القــراءة‪ ،‬ومــن‬ ‫بعثــة الرســول عليــه الصــالة والســالم‬ ‫القطار !‬
‫يرتكــب جريــة كهــذه فليــس لــه جــزاء‬ ‫باألمــر بالقــراءة وهــو مالــم يتكــرر بعــد‬ ‫أعني هدفك‪.‬‬
‫ســوى املــوت‪ ،‬ألن عبــداً يقــرأ ‪-‬بزعمهــم‪-‬‬ ‫ذلــك ؟‬ ‫هديف هو أن أركب القطار!‬
‫ســيطلع علــى حقوقــه وســيملك القــدرة‬ ‫ف ّكــر يف األمــر وســتجد أن القــراءة‬ ‫هــذا مضحــك وغيــر منطقــي أليــس‬
‫الكافيــة ليحــاور ويناقــش ويطالــب ومــن‬ ‫هــي ســالحك وزادك للوصــول إلــى‬ ‫كذلــك؟ حســناً هــذا مــا يفعلــه الكثيــر منــا‬
‫ثــم يَغلــب !‬ ‫أهدافــك أ ّيـاً كانــت‪ ،‬وكلمــا عظمــت الغايــة‬ ‫ولكــن بطــرق مختلفــة قلي ـ ً‬
‫ال‪ ،‬أذكــر أنــي‬
‫مــا أردت قولــه هنــا هــو أن القــراءة‬ ‫كلمــا احتجنــا لـ ٍ‬
‫ـزاد أكبــر بالتأكيــد‪ ،‬ولكــن‬ ‫ذات يــوم حضــرت دورة بعنــوان (ملــاذا‬
‫والكتابــة ليســت غايــات كمــا هــو شــائع‬ ‫مــن غيــر املجــدي أن تضــل تتــزود طيلــة‬ ‫نقــرأ؟) لقارئــة يُعــرف عنهــا أنهــا قارئــة‬
‫بــن الشــباب هــذه األيــام‪ ،‬ولكــن هــي‬ ‫حياتــك دون أن تنطلــق ألي هــدف !‬ ‫نهمــة! وكان اجلــواب الوحيــد املطــروح يف‬
‫وســائل مهمــة لنشــر الوعــي واملعرفــة‬ ‫دخــل رجــل مــع زوجتــه إلــى إحــدى‬ ‫نهايــة الــدورة هــو‪( :‬لنصبــح مؤلفــن!)‪،‬‬
‫وبالتالــي هــي الســبيل حلريــة الشــعوب‬ ‫املطاعــم وأثنــاء فتــرة االنتظــار كان‬ ‫حســناً ملــاذا نؤلــف ؟‬
‫ونهوضهــا‪.‬‬ ‫الرجــل منهمــكاً بالقــراءة حينهــا قــال‬ ‫كثيــراً مايخلــط البعــض بــن الغايــة‬

‫مليس العمري‬
‫‪ima40@hotmail.com‬‬

‫‪10‬‬
‫شــالل احلكمــة والرغبــة يف التعبيــر عــن واألقــالم‪ ،‬وتكويــن األســرة يعنــي أن تبــث‬ ‫كتــب التوحيــدي كتابــه «الصداقــة‬
‫الــرأي‪ ،‬كأن القــارئ تتلبســه روح الكاتــب يف أفرادهــا روح القلــم والعلــم والعمــل‪،‬‬ ‫والصديــق» بعــد معانــاة مــع النــاس‪ ،‬وكان‬
‫شــيئا فشــيئا حتــى تتمكــن منــه‪ ،‬كالســحر وإال فهــي وبــال علــى نفســها ومجتمعهــا‪.‬‬ ‫ميلــه للحــث علــى العزلــة والتــرك يف‬
‫يســري يف اجلســد فــال متلــك الــروح إال‬ ‫كتابــه الــذي جمــع فيــه أدبيــات الصداقــة‬
‫حســنا‪ ،‬الكتــاب والقلــم‪ ،‬والصداقــة‪،‬‬‫ً‬ ‫أن تذعــن لــه‪ ،‬وحقيقــة األمــر أننــي ال‬ ‫وصفــات الصديــق ونقائــض ذلــك أيضــا‬
‫أجــرؤ علــى التعميــم‪ ،‬لكننــي مقتنــع بــأن رأينــا أثرهــا وتكاملهــا‪ ،‬مــاذا عــن جوهــر‬ ‫ال علــى تعبــه مــن هــذه املســألة‪،‬‬ ‫دليــ ً‬
‫كل قــارئ البــد وأن ينتهــي إلــى كاتــب‪ ،‬ومــا األمــر كلــه؟ مــاذا عــن ذلــك الظلــوم‬ ‫وكان حتريضــه علــى العزلــة ونقلــه عــن‬
‫مــن شــيء يحــدث إال بــإذن اهلل ســبحانه‪ .‬اجلهــول؟ ذاك الــذي حمــل األمانــة عندما‬ ‫الكثيريــن ممــن اختاروهــا بــدالً عــن‬
‫فمــن هنــا كانــت الوصيــة لــكل كاتــب أال أشــفق منهــا اآلخــرون‪ .‬اإلنســان‪ ،‬محــور‬ ‫خلطــة النــاس هــو النبــرة الطاغيــة علــى‬
‫ينقطــع عــن مالحقــة الكتــب والســطور الكــون والــذي ســخر اهلل لــه كل مــا فوقهــا‬ ‫حروفــه عبــر صفحــات كتابــه‪ .‬مــن هنــا‪،‬‬
‫حتــى يجلــو عقلــه وتنبــت أفــكاره مــن كل وحتتهــا‪ ،‬جميعـاً‪ .‬مــاذا عنــه؟ يحكــى عنــه‬ ‫ومــن بعــد أن طويــت صفحــات الكتــاب‬
‫الكثيــر‪ ،‬لكننــي أكتفــي مبشــهد واحــد‪،‬‬ ‫زوج بهيــج‪.‬‬ ‫وانتهيــت مــن قراءتــه‪ ،‬طــاف ببالــي‬
‫صــورة إنســان كاتــب بــن كتبــه وقلمــه‬ ‫عالقــة األمــر بالقــراءة والكتــب والقــراء‬
‫وقريــب مــن هــذا القــول‪ ،‬أعني صداقة يف يــده‪ ،‬عينــاه تتراقــص فــوق صفحــات‬ ‫وال ُك ّتــاب وممارســاتهم‪ ،‬فلــم تــزل الكتابــة‬
‫الكتــب والكتــاب والقــراءة والكتابــة‪ ،‬ال الكتــاب بــن الســطور لتــروي شــغفاً مــا‬ ‫والكتــب وقراءتهــا باعثـاً علــى العزلــة عــن‬
‫أنســى رفيقهــم األثيــر‪ ،‬ومصــدر عطرهــم يف القلــب‪ ،‬وعقلــه يبحــث عــن ألفــاظ‬ ‫النــاس‪ ،‬الســيما يف بدايــات اختيارهــم‬
‫الشــذي الــذي يفــوح عبقــه مــن كل كتــاب ويختــار منهــا مــا يــروي رغبته يف التشــبيه‬ ‫لهــذا الطريــق‪ ،‬ثــم ال يلبــث القــارئ منهــم‬
‫وورقــة‪ ،‬أال وهــو القلــم‪ ،‬القلــم الــذي والتقريــب‪ ،‬هــذه املنظومــة الفريــدة التــي‬ ‫ال وبحــذر‬ ‫إال أن يختــار التقــرب قليــ ً‬
‫بــدأ اخللــق بــه‪ ،‬واســتمر يــدون عواملنــا تراهــا وكأنهــا صــارت كيانـاً واحــداً يقــرأ‬ ‫شــديد مــن أبنــاء جنســه البشــر‪ ،‬فيختــار‬
‫وأحداثنــا دومنــا ملــل‪ ،‬وصــار عشــقه مــن وينتــج ويســافر ويفكــر وينعــزل عــن كل‬ ‫منهــم مــن يوافــق ميولــه وكتبــه وقراءاتــه‬
‫عشــق الكتــاب الــذي كتــب بــه‪ ،‬القلــم قــد مــا حولــه يف الوقــت نفســه‪ ،‬أكاد أجــزم‬ ‫وعالقتــه الفريــدة مــع الكتــب‪ .‬ولألدبــاء‬
‫يكــون أداة ألــم‪ ،‬ســيفاً يقطــع أو رشاش ـاً أال مشــهد فيــه مــن االندمــاج واالنغمــاس‬ ‫واملفكريــن قــول عريــض يف هــذا األمــر‬
‫برصــاص ولــو كان قلــم رصــاص‪ ،‬القلــم مثــل هــذا!‬ ‫يتمثــل ذلــك يف مــدح الشــعراء مجالســة‬
‫ومــن هنــا‪ ،‬مــن منبــر الكتابــة والقراءة‪،‬‬ ‫أيضــا قــد يكــون مبضــع جــراح يعالــج‬ ‫الكتــاب‪ ،‬وإعالئهــم ملكانــة املطالعــة يف‬
‫ويــداوي كل ألــم‪ ،‬القلــم يــزرع األمــل‪ ،‬أســتطيع أن أقــول ‪ :‬ال غوايــة فــوق‬ ‫ســيرة األولــن الســيما الصاحلــن الذيــن‬
‫بواســطته ‪-‬وهــو أداة الكتابــة‪ -‬يكــن غوايــة القــراءة والكتابــة وال بهجــة تعلــو‬ ‫هــم كالنجــوم يف الســماء يقتــدي بهــم مــن‬
‫أن نطبــق مــا قالــه حكيــم صينــي‪« :‬إذا بهجتهمــا‪ ،‬فــأي خيــر مــن أي خلــوة إذا‬ ‫خلفهــم‪ .‬وعالقــة الكتــب بالكاتــب والقارئ‬
‫أردت أن تعمــر األرض فعليــك أن تــزرع لــم تكــن خلــوة القــارئ والقلــم ‪ ...‬وثالثهــا‬ ‫تبــدو كنهــر جــار يبــدأ أولــه عنــد أول‬
‫شــجرة‪ ،‬وتكــون أســرة وتؤلــف كتابــاً»‪ ،‬الكتــاب!‬ ‫كتــاب يجــرك كقــارئ إلــى عاملــه‪ ،‬وال يقــف‬
‫والشــجرة قــد يؤخــذ منهــا الثمــر والــورق‬ ‫هــذا النهــر إال عنــد مصبــه‪ ،‬حيــث يتدفــق‬
‫علي الضويلع‬
‫‪@aaduwaila‬‬

‫‪11‬‬
‫‪跾‬‬ ‫‪跾‬‬
‫ـأن مــن أســباب تخلّفنــا تاريخ ًيــا‬
‫أظــن بـ ّ‬ ‫حــن ننظــر لهــا مــن وجهــة «نظــر‬ ‫بــأن أفضــل ســالح يجــب أن‬ ‫أظــن ّ‬
‫ّ‬
‫هــو انصرافنــا إلــى التاريــخ بكونــه مــادة‬ ‫التاريــخ» ســنجد أ ّنــه ســيهتم بنابليــون‬ ‫يتســلح بــه القــارئ للتاريــخ هــو املعرفــة‬
‫ممتعــة و يف قراءتهــا تســلية للنفــس و‬ ‫بونابــرت و مــاري أنطوانيــت ولويــس‬ ‫الكافيــة بعلــم االجتمــاع وأن يزامــن‬
‫ترويــح عــن الــروح ‪ ،‬و ترديــد األمجــاد و‬ ‫الســادس عشــر ( كشــخصيات ) و باريس‬ ‫بــن قراءاتــه لهذيــن العِ لمــن إذا كان‬
‫التغنــي بالثــروات الســالفة و الفرادِ يــس‬ ‫و ســجن الباســتيل ( كأماكــن) أي يهتــم‬ ‫ً‬
‫مقبــال ‪ ،‬و كلمــا تعلّــم أداة يبــدأ‬ ‫نهِ ًمــا‬
‫املفقــودة هــو غايــة مــا نقصــد وهــذا مــا‬ ‫بالكيفيــة التــي حصلــت بهــا األحــداث‬ ‫يف اســتخدامها فيمــا يقــرأ مــن التاريــخ‬
‫جنــده مــن تصويــر درامــي و خلفيــات‬ ‫بشــكل وصفــي بحــت و يبعد عــن التجريد‬ ‫ليحقــق أكبــر قــدر مــن الفائــدة و العظــة‬
‫موســيقية دافئــة ‪ ،‬حتــى أنــك قــد تســأل‬ ‫كل البعــد و ينقلهــا لنــا « كقصــة و حــدث‬ ‫و العبــرة ‪ ،‬ولكــن كيــف يكــون ذلــك ؟‬
‫بعضهــم مــاذا بعــد اهتمامــك بهــذه‬ ‫قــد جــرى »‪.‬‬ ‫أوال إلــى التفريــق بــن التاريــخ‬‫لنتطـ ّرق ً‬
‫(القضيــة التاريخيــة) يقــول ال شــيء‬ ‫أمــا علــم االجتمــاع فســينظر لهــذه‬ ‫و علــم االجتمــاع حتــى نفهــم الكيفيــة‬
‫ســوى التذكيــر ! ومــاذا بعــده بحــق ؟!‬ ‫الثــورة مــن زاويــة حتليليــة جتعــل مــن‬ ‫التــي ســيخدمنا بهــا علــم االجتمــاع هنــا‬
‫كــم نحتــاج مــن اجلهــد و الوقــت و العمــل‬ ‫األنظمــة امللكيــة الديكتاتوريــة و ســوء‬ ‫وحتــى نربــط بينهمــا ‪:‬‬
‫لالهتمــام بهــذا العلــم اجلليــل و هــذه‬ ‫األحــوال االقتصاديــة و ارتفــاع أســعار‬ ‫أوالً التاريــخ هــو العلــم الــذي يهتــم‬
‫الصنعــة البديعــة و املغيــرة يف واقعنــا ‪ ،‬و‬‫ّ‬ ‫املــواد األساســية للعيــش هــي الســبب‬ ‫بدراســة الوقائــع التــي حدثــت يف‬
‫بــكل صراحــة أنــا شــخص ًيا أنصــرف عــن‬ ‫وراء قيــام ( الثــورة ) و مــن ثــم ثــورات‬ ‫(املاضــي) و التوقــف عنــد (شــخصيات)‬
‫قــراءة التاريــخ أو ســماعه مــن النســاء‬ ‫قــد تقــوم بعدهــا ‪ ،‬فهنــا جنــد أنــه‬ ‫بعينهــا و التركيــز علــى (ســنة) و ( مــكان)‬
‫مثــال ألنــه يســتحيل أن جتــد امــرأة إال‬ ‫ً‬ ‫نظــر للحــدث بشــكل « جتريــدي « ثــم‬ ‫احلــدث‪.‬‬
‫نــاد ًرا تتكلــم عــن التاريــخ بنظــرة غيــر‬ ‫قــام بتحليلــه وتصنيفــه للوصــول إلــى‬ ‫أمــا علــم االجتمــاع ‪ :‬فقــد قـ ّدم العالــم‬
‫رومانســية وحاملــة بعيــدة كل البعــد عــن‬ ‫تعميمــات وقوانــن وســن بعيــ ًدا عــن‬ ‫ماكــس فيبــر تعري ًفــا لــه وهــو «العلــم الذي‬
‫بأن‬
‫الواقــع املتــأزم ‪ ..‬ختا ًمــا يكــن القــول ّ‬ ‫اهتمــام بالشــخوص والتركيــز عليهــا‪.‬‬ ‫يحــاول الوصــول إلــى فهــم ( حتليلــي )‬
‫التاريــخ هــو احلكايــة و علــم االجتمــاع‬ ‫إذن نســتنتج أن علــم التاريــخ يهتــم‬ ‫«للفعــل التاريخــي» مــن أجــل الوصــول‬
‫ســيخبرك مــا الفائــدة مــن هــذه القصــة؟‬ ‫باملاضــي املنصــرم ويذكــر احلــدث‬ ‫إلــى تفســير ( ســببي ) ملجــراه ونتائجــه»‪.‬‬
‫كحكايــة ‪ ،‬و علــم االجتمــاع يهتــم بالواقــع‬ ‫مــن هذيــن التعريفــن ننطلــق إلــى‬
‫الراهــن عــن طريــق التاريــخ و الرابــط‬ ‫مثــال قــد يتضــح فيــه املقــال و لنأخــذ‬
‫بينهمــا هــو ( احلــدث الواحــد )‪.‬‬ ‫لهــذا الثــورة الفرنســية التــي حدثــت يف‬
‫آالء املناصرة‬ ‫ماذا إذن ؟‬ ‫عــام ‪ ١٧٨٩‬م‪.‬‬
‫‪sultanah.r.a@gmail.com‬‬

‫‪12‬‬
“ 럾 胾 “

н
‹l­0ŒjUB-¦ Ͳͼ
м
Œ¦ţrAk¦¥×J ͱл
trAĠAò4
к
J·­¦µŠ­¦Aò4
«Õ§k¦¥ÕV kc¦¨]r¸j ˘ÃJ·­¦ Ͳ
˘ò¦łÃŒ­§¦
ͼ
l­1¦Ãñ<łͼ Ͳ ͳ
˘ަ‹ŷVÕW4Ô
˘ÃŒ­¦LòJ¦

с
Œ¦ökJĠ¸…­ñ
р
iÕ¶;1ñ æÔ-¬
п
¥1kJĠ«<j
о
¥Õò­¦ÂjB¬
ÃŒ­¦LòJÃò·k­¦ ͱ
Œ¦l¬Ãs¦Ġ¸¬ ÃŒ­¦<ñÔDłͼ Ͳ ÃòW5Q¦ÃnB¦Ô
ÃŒ­¦¨ò¦;˦ų„ Ã,
¥sbġ¦ͱ B­k¦Õ­·Õ­·ó¾r ˘Œ¦Aò4łͼ Ͳ
<PB¦¸­,B¦<k¦ ¥Õ4<®¾¦ÃVBs¦ ¾ëA~l¬ޅÔͻ
¨Wòs¦ˢB~=¬ˢÔ Œ¦L­¦ÔÃŒ­¦ ˘ŷìòQrŷìòP
ʹ
˘¨ò,Ħ ®¦Õ¦Ô¾-sWÔ
 ˘
˘ÖBñ

13
‫فاطمة أبو سعدة‬
‫‪@fatimah_youssef‬‬

‫منــا‪ ،‬منارســه متام ـاً كمــا األكل والشــرب‬ ‫وقــد أجــاد فيهــا وأفــاد ‪.‬‬ ‫إن املتأمــل يف أحــوال املبدعــن‬
‫والفــرح والبــكاء ‪.‬‬ ‫فالكتابــة ليســت مه ّمــة ســهلة كمــا‬ ‫والعظمــاء علــى مــر العصــور يــدرك أنــه‬
‫فاقــرأ كثيــراً يــا صديقــي‪ ،‬اقــرأ أي‬ ‫يعتقــد البعــض‪ ،‬وليســت وليــدة يــوم وليلة‪،‬‬ ‫مــا مــن عالــم جليــل‪ ،‬وال فقيــه فــ ّذ‪ ،‬وال‬
‫شــيء تقــع عليــه يــدك‪ ،‬وال جتعــل الكتــاب‬ ‫بــل إن تعل ّمهــا والطريــق إليهــا صعــب‬ ‫كاتــب أريــب‪ ،‬وال أديــب لبيــب‪ ،‬وال نابغــة‬
‫يــر مــن بــن يديــك دون أن يكــون لــك‬ ‫وطويــل ُســلّمه ـ كمــا يقــول احلطيئــة ـ‬ ‫مــن الطــراز النــادر‪ ،‬إال وكانــت القــراءة‬
‫ـدي‪،‬‬
‫ـظ منــه‪ ،‬ال تعلــل بقولــك‪ :‬ال وقــت لـ ّ‬ ‫حـ ٌ‬ ‫ألنهــا حتتــاج مــن الكاتــب إعــداداً نفس ـ ّياً‬ ‫الواعيــة املســتمرة وســيلته إلــى العلــم ‪.‬‬
‫فلــو انتظــرت الفرصــة املواتيــة ملمارســة‬ ‫وفكر ّيــاً وأدب ّيــاً قو ّيــاً‪ ،‬وإملامــاً بالعلــوم‪،‬‬ ‫ضيــاء الديــن بــن األثيــر‪ ،‬أحــد كبــار‬
‫القــراءة فلــن نقــرأ أب ـ ًدا ‪.‬‬ ‫ودرجــة عاليــة مــن الثقافــة وســعة‬ ‫األدبــاء وكتّابهــم املتفننــن‪ ،‬اســتفاض يف‬
‫القــراءة تختصــر لــك األزمنــة‬ ‫االطــالع ‪.‬‬ ‫ِســفره العظيــم «املثــل الســائر» يف ذكــر‬
‫واملســافات‪ ،‬وتضيــف إلــى عمــرك أعمــا ًرا‬ ‫َّ‬
‫وبالرغــم مــن طــول ُسـلم الكتابــة وصعوبــة‬ ‫األدوات التــي يجــب توفرهــا عنــد ال ُك َّتــاب‬
‫أخــرى ومتنحــك حيــاة جديــدة‪ ،‬وأصدقــاء‬ ‫طريقــه إال أن مــن ســبقونا إليــه مــن‬ ‫والشــعراء وأصحــاب البيــان؛ ليكونــوا‬
‫جــدداً ‪.‬‬ ‫الك ّتــاب واألدبــاء قــد اختصــروا لنــا ســبيل‬ ‫فرســاناً يف ميــدان اإلبــداع‪ ،‬وض ّمــن‬
‫خصــص للقــراءة جــز ًءا مــن يومــك‪،‬‬ ‫الوصــول إليــه حــن أجمعــوا بــأن الســ ّر‬ ‫كتابــه كثيــراً مــن اآلراء واألفــكار التــي‬
‫واجعلهــا يف قائمــة أولوياتــك‪ ،‬واعلــم‬ ‫احلقيقــي الــذي مكنهــم مــن صعــوده‬ ‫تــدور حــول فـ ّـن األدب‪ ،‬ومــن جملــة آرائــه‬
‫بــأن حاجتــك إليهــا ال تقــل عــن حاجتــك‬ ‫يكمــن يف القــراءة ‪.‬‬ ‫املوف ّقــة أنــه يــرى بــأن الكاتــب ينبغــي أن‬
‫لــألكل والنــوم‪ ،‬ابحــث بــن صنــوف‬ ‫يقــول أحــد الك ّتــاب‪« :‬نصحنــي أحــد‬ ‫يتعلــق بــكل فــن مــن العلــم‪ ،‬ويف رأيــه أن‬
‫الكتــب وفنونهــا عــن النمــط الــذي حتــب‪،‬‬ ‫املعلمــن بعــد أن اطلــع علــى محاوالتــي‬ ‫كل ذي علــم يســوغ لــه أن ينســب نفســه‬
‫واملجــال الــذي يوافقــك‪ ،‬ابــدأ بالتدريــج‪،‬‬ ‫األولــى يف الكتابــة‪ :‬اقــرأ ثــم اقــرأ ثــم اقرأ‬ ‫إليــه‪ ،‬فيقــال‪ :‬فــالن النحــوي‪ ,‬وفــالن‬
‫ع ـ ّود نفســك اقتنــاء الكتــب؛ ألنــك حــن‬ ‫ثــم اكتــب ‪ .‬يقــول‪ :‬تأملــت حــن ســمعت‬ ‫الفقيــه‪ ،‬وفــالن الطبيــب‪ .‬وال يســوغ لــه‬
‫جتمعهــا فكأمنــا جتمــع الســعادة‪ ،‬وابــدأ‬ ‫تلــك النصيحــة‪ ،‬ولكــن حــن عملــت بهــا‬ ‫أن ينســب إلــى الكتابــة‪ ،‬فيقــال‪ :‬فــالن‬
‫بتأســيس مكتبتــك وال تقلــل مــن شــأن‬ ‫وواظبــت علــى القــراءة وجــدت أن قدرتــي‬ ‫الكاتــب‪ ،‬وذلــك ملــا يفتقــر إليــه الكاتــب‬
‫الكتــاب الواحــد بــن رفوفهــا‪ ،‬فمــع‬ ‫علــى الكتابــة بــدأت تتقــدم‪ ،‬ومغالــق‬ ‫مــن اخلــوض يف كل فــن‪ ،‬حتــى إنــه‬
‫األيــام ســتكبر مكتبتــك‪ ،‬ويتســع قاموســك‬ ‫املعانــي بــدأت تتفتــح»‪.‬‬ ‫يحتــاج إلــى معرفــة مــا تقولــه النادبــة بــن‬
‫يف‪ ،‬وتتكــ ّون ذائقتــك األدبيــة‪،‬‬ ‫املعــر ّ‬ ‫مشــوار األلــف ميــل يبــدأ بخطــوة‪،‬‬ ‫النســاء‪ ،‬واملاشــطة عنــد جلــوة العــروس‪،‬‬
‫وحصيلتــك العلميــة‪ ،‬وستشــعر كــم أنــت‬ ‫وكــذا مشــوار األلــف كلمــة يبــدأ بكلمــة‪،‬‬ ‫مؤهــل ألن يهيــم‬ ‫والســبب يف ذلــك أنــه َّ‬
‫غنــي وســعيد جــداً وستشــعر أيضــاً أن‬ ‫ّ‬ ‫تشــبه خطــوة الكتابــة إلــى حــ ّد بعيــد‬ ‫واد؛ ألن احلكمــة ضالــة املؤمــن‪،‬‬ ‫يف كل ٍ‬
‫شــيئاً مــا يف داخلــك بــدأ يكبــر ويُزهــر‬ ‫محاوالتنــا األولــى يف تعلــم املشــي‪ ،‬منــر‬ ‫وقــد يســتفيدها أهلهــا مــن غيــر أهلهــا‪.‬‬
‫ويتفتــح ‪.‬‬ ‫خاللهــا بعــدة مراحــل‪ ،‬فنبــدأ باحلبــو‪ ،‬ثــم‬ ‫كمــا يــرى أن ثقافــة األديــب‪ ،‬ال حصــر‬
‫اقــرأ وأدمــن النظــر يف ســيرة العلمــاء‬ ‫الوقــوف بصعوبــة بالغــة‪ ،‬ثــم مــا نلبــث أن‬ ‫ملواردهــا‪ ،‬وإلــى أن البيــان كاجلمــال‪ ،‬ال‬
‫ومــدى تعلقهــم بالكتــب‪ ،‬فهــذا ابــن‬ ‫نقــف بشــجاعة‪ ،‬ثــم نخطــو بحــذر‪ ،‬ونقــع‬ ‫نهايــة لــكل منهمــا‪.‬‬
‫اجلــوزي يقــول‪« :‬وإنــي أُخبــر عــن حالــي‪:‬‬ ‫مــرا ًرا‪ ،‬لكننــا نُعــاود احملاولــة مــن جديــد‬ ‫مبثــل هــذه النظــرة نظــر ابــن األثيــر‬
‫مــا أشــبع مــن مطالعــة الكتــب وإذا رأيــت‬ ‫دون يــأس أو ضجــر‪ ،‬وشــهراً تلــو شــهر‬ ‫إلــى الكاتــب‪ ،‬كمــا تطــ ّرق يف كتابــه إلــى‬
‫كتاب ـاً لــم أره فكأنــي وقعــت علــى كنــز» ‪.‬‬ ‫تســتقيم مشــيتنا‪ ،‬ثــم ننطلــق وجنــري‬ ‫ثمانيــة أنــواع مــن املعــارف بدونهــا ال‬
‫بــكل االجتاهــات‪ ،‬ويصبــح املشــي جــزء‬ ‫يكــن للكاتــب أن يُقــدم علــى هــذا العلــم‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫الثقافــة وذاكــرة اإلبــداع والتجديــد ‪.‬‬ ‫تــراه إال كاتبـاً عظيمـاً‪ ،‬أو عضــواً فاعـ ً‬
‫ال‪،‬‬ ‫ويقــول اجلاحــظ ‪« :‬مــن لــم تكــن‬
‫أعلــم أن األمــر صعــب بعــض الشــيء‬ ‫أو خطيبــاً مفوهــاً‪ ،‬أو أســتاذاً رائــداً‪،‬‬ ‫نفقتــه التــي تخــرج يف الكتــب أل ـ ّذ عنــده‬
‫ال ســيما ونحــن يف زمــن تنازعنــا فيــه‬ ‫ورمبــا فيلســوفاً مــن فالســفة الدهــر‪،‬‬ ‫مــن إنفــاق ُع ّشــاق القِ يــان‪ ،‬واملســتهترين‬
‫التكنولوجيــا احلديثــة وتســتحوذ علــى‬ ‫أو حكيم ـاً مــن حكمــاء العصــر‪ ،‬وســيكون‬ ‫بالبنيــان‪ ،‬لــم يبلــغ يف العلــم مبلغـاً رضيـاً‪.‬‬
‫عقولنــا برامــج التواصــل التــي باتــت‬ ‫جديــراً بحيــاة أكثــر تفوقــاً و ُرق ّيــاً علــى‬ ‫وليــس ينتفــع بإنفاقــه حتــى يؤثــر اتخــاذ‬
‫تُســتهلك للتســلية وإضاعــة الوقــت‬ ‫كافــة املســتويات ‪.‬‬ ‫فرســه باللــن‬ ‫َ‬ ‫الكتــب إيثــار األعرابــي‬
‫أكثــر مــن اكتســاب املعرفــة ‪ .‬إن غايــة‬ ‫اقــرأ‪ ،‬وال تتعجــل احلصــاد‪ ،‬فالكتابــة‬ ‫علــى عيالــه وحتــى يُؤ ِّمــل يف العلــم مــا‬
‫ال يواكــب حداثــة‬ ‫مــا نحتــاج اليــوم جيــ ً‬ ‫مثلهــا مثــل أي صناعــة نتعلمهــا‪ ،‬حتتــاج‬ ‫يؤمــل األعرابــي يف فرســه» ‪.‬‬
‫الدنيــا‪ ،‬ويلــك أن يُســخر تلــك املعطيــات‬ ‫منــا إلــى صبــر ومصابــرة‪ ،‬وإلــى طــول‬ ‫صــادق أصدقــاء القــراءة‪ ،‬وإن لــم تكــن‬ ‫َ‬
‫يف ‪ .‬علــى أنــه‬ ‫يف بنائــه املعــريف والثقــا ّ‬ ‫ربــاط وعكــوف علــى الكتــب‪ ،‬وكثيــر مــن‬ ‫قارئـاً‪ ،‬فأخالقهــم حتمـاً سـتُعديك‪ ،‬جـ ِ ّـرب‬
‫غيــر خـ ٍ‬
‫ـاف اليــوم الــدور اإليجابــي الكبيــر‬ ‫الدربــة واملــران واحملــاوالت‪ ،‬وتيقــن بــأن‬ ‫أن تــزور معــارض الكتــاب ففيهــا ســتختبر‬
‫الــذي قــام بــه عــدد مــن املهتمــن بالكتــب‬ ‫آثــار القــراءة حتمــاً ســتظهر عليــك وإن‬ ‫شــعوراً لــم تختبــره مــن قبــل‪ ،‬مزيــج مــن‬
‫والقــراءة‪ ،‬حيــث أنشــؤوا حســابات‬ ‫لــم تدخلــك إلــى عالــم الكتابــة بعــد‪،‬‬ ‫الغبطــة‪ ،‬والزهــو والفخــر وأنــت تعيــش‬
‫خاصــة تُعنــى بتطويــر مهــارة القــراءة‬ ‫وســتخلق منــك شــخصاً واعي ـاً‪ ،‬ناضج ـاً‪،‬‬ ‫وســط الزخــم الثقــايف والثــراء املعــريف‪،‬‬
‫والكتابــة‪ ،‬وشــ ّرعوا أبوابهــا خلدمــة‬ ‫واســع األفــق‪ ،‬متعــدد األبعــاد‪ ،‬وستنشــأ‬ ‫وســتمنحك زيارتهــا دافعـاً قو ّيـاً للحــرص‬
‫الق ـ ّراء‪ ،‬واإلفــادة عــن الكتــب‪ ،‬والتعريــف‬ ‫بينــك وبــن الكتــب عالقــة وطيــدة‪ ،‬ومــودة‬ ‫علــى القــراءة واالطــالع‪ ،‬واإلقبــال علــى‬
‫بهــا‪ ،‬وتيســير الوصــول إليهــا‪ ،‬وتوفيــر‬ ‫أكيــدة‪ ،‬وكلمــا تطــورت عالقتــك بالكتــب‬ ‫الكتــب‪ ،‬والشــغف بهــا‪ ،‬وحــب امتالكهــا‪،‬‬
‫روابــط للكتــب بشــتى مجاالتهــا‪ ،‬وإنشــاء‬ ‫ســتلمس تطــوراً يف ملكــة الكتابــة لديــك‪،‬‬ ‫ومصاحبتهــا ‪.‬‬
‫املكتبــات اإللكترونيــة الضخمــة‪ ،‬ودعــم‬ ‫ألن العالقــة بينهمــا عالقــة تبادليــة بقــدر‬ ‫الكتــاب جليــس ال ُيــل‪ ،‬وصديــق ال‬
‫مشــاريع القــراءة‪ ،‬وتيســير ســبلها‪ ،‬وجذب‬ ‫مــا تعطيهــا تعطيــك ‪.‬‬ ‫يخــون‪ ،‬وكل أولئــك الــذي عقــدوا بينــه‬
‫النــاس إليهــا‪ ،‬فأســهمت هــذه اجلهــود يف‬ ‫اقــرأ‪ ،‬واســتعن بــاهلل دائمــاً‪ ،‬فحــن‬ ‫وبينهــم عقــداً وفــى لهــم بــه‪ ،‬وكانــت‬
‫دعــم احلركــة العلميــة والثقافيــة واألدبيــة‬ ‫تؤمــن بقدراتــك وطاقتــك التــي أودعهــا‬ ‫صداقتــه علــى مـ ّر الســنن عالمــة فارقــة‬
‫بشــكل غيــر مســبوق‪ ،‬وهــا هــي شــجرتهم‬ ‫اهلل فيــك‪ ،‬وترغــب يف شــيء مــا‪ ،‬فــإن‬ ‫يف حياتهــم ‪.‬‬
‫الط ّيبــة تؤتــي أُكلهــا كل حــن بــإذن ربهــا ‪.‬‬ ‫العالــم كلــه يطاوعــك لتحقيــق رغبتــك‪،‬‬ ‫وصدق الشاعر إذ قال‪:‬‬
‫الكتــب حيــاة أخــرى نعيشــها‪ ،‬وعوالــم‬ ‫وســيتناغم الكــون بأســره معــك ليعمــل‬ ‫لنا ندماء ما منل حديثهم‬
‫متجــددة‪ ،‬ومتعــة ال حتدهــا حــدود‬ ‫علــى حتقيــق هدفــك وأســطورتك‬ ‫أمينون مأمونون غيباً ومشهدا‬
‫اخليــال‪ ،‬وليــس عي ًبــا يــا صديقــي إن لــم‬ ‫الشــخصية‪ ،‬كمــا يقــول باولــو كويلــو‪،‬‬ ‫يفيدوننا من علمهم علم ما مضى‬
‫القرائــي‬
‫ّ‬ ‫تكــن قارئــاً أن تبــدأ مشــوارك‬ ‫وســتكفل لــك عجلــة األيــام اللحــاق بركــب‬ ‫ورأياً و تأديباً وأمراً مسددا‬
‫مــن اآلن‪ ،‬فــال يــزال يف الوقــت متســع‪،‬‬ ‫اإلبــداع والتميــز مــن خــالل تشــكيل‬ ‫بال علة تُخشى وال خوف ريبة‬
‫وحتســن‬ ‫ويف العمــر فســحة لتبنــي نفســك ُ‬ ‫أفــكارك ورؤاك وكتاباتــك اخلاصــة‬ ‫وال نتقي منهم بناناً و ال يدا‬
‫إعدادهــا للمــكان الــذي تختــار أن تضعهــا‬ ‫بــك‪ ،‬بعيــداً عــن أســر الرتابــة والتقليــد‬ ‫فإن قلت هم أحياء لست بكاذب‬
‫فيــه ‪.‬‬ ‫كون لــك لونــاً ال يشــبهك فيــه‬ ‫‪ .‬وســيُ ِ ّ‬ ‫وإن قلت هم موتى فلست مفندا‬
‫وما املرء إال حيثُ يجع ُل نفسه‬ ‫ً‬
‫أحــد ـ وأســلوبا يعرفــك بــه عامــة النــاس‪،‬‬ ‫الكتــاب ال يرضــى لصاحبــه ســوى أن‬
‫ففي صالح األعمالِ نفسك فاجعلِ‬ ‫وســتحجز الســمك مكانــاً بــن أروقــة‬ ‫يتبــوأ يف مجتمعــه مكان ـاً الئق ـاً بــه‪ ،‬ولــن‬

‫‪15‬‬
‫‪:‬‬ ‫‪胾跾껾‬‬
‫‪跾‬‬ ‫‪跾‬‬ ‫‪跾‬‬

‫حــاول ناثــان أن ُيقنــع شــبتاي بأنــه املســيح‬ ‫(رحلة شبتاي إلى الشرق)‬ ‫الدومنــة فرقــة باطنيــة أنشــأها ‪-‬قبــل‬
‫ـاء علــى رؤيــا رآهــا ‪.‬‬
‫بنـ ً‬ ‫غــادر شــبتاي إزميــر عــام ‪ 1662‬ولــم‬ ‫مــا يقــرب مــن ثالثــة قــرون ونصــف‪-‬‬
‫أعلــن شــبتاي أنــه املســيح بــن ‪ 14‬و‪17‬‬ ‫يذهــب مباشــرة إلــى فلســطن بــل ذهــب‬ ‫حاخــام يهــودي اســمه شــبتاي صبــي‪،‬‬
‫مــن الشــهر العبــري ســيوان‪ ،‬ولذلــك فــإن‬ ‫أو ًال إلى جزيرة رودس يف البحر املتوسط‬ ‫ادعــى بأنــه املســيح ا ُملخ ّلــص لليهــود‪ ،‬ثــم‬
‫يــوم الســابع عشــر مــن ســيوان يعتبــر مــن‬ ‫ونــزل ضيفـ ًا علــى حاخــام اجلزيــرة ودرس‬ ‫تظاهــر باإلســالم فيمــا بعــد وتبعــه الكثيــر‬
‫األعيــاد املهمــة عنــد الدومنــة‪ ،‬ألنــه بدايــة‬ ‫معــه كتــاب الزهــر‪ ،‬ثــم تركهــا متوجهـ ًا إلــى‬ ‫مــن اليهــود علــى ذلــك‪ ،‬وظلــوا علــى هــذه‬
‫مهمــة شــبتاي املســيحانية ‪.‬‬ ‫طرابلــس ومنهــا إلــى مصــر‪ ،‬ويف مصــر‬ ‫احلــال حتــى وقتنــا احلاضــر ‪ .‬وهــم اليــوم‬
‫ليس املسيح يف الفكر الديني اليهودي‬ ‫تعــرف علــى زعيــم اجلاليــة ومســؤول‬ ‫فرقــة كبيــرة يعيــش أغلبهــا يف تركيــا حيــث‬
‫نبيـ ًا فقــط بــل إمنــا هــو ملــك أيضـ ًا لــه مــا‬ ‫اخلزانــة املاليــة يف الدولــة رفائيــل يوســف‬ ‫كان لهــم دور بــارز يف تاريــخ هــذه الدولــة يف‬
‫للملــك مــن ســلطة دنيويــة وســيطرة ‪.‬‬ ‫جلبــي‪ ،‬الــذي كان يعيــش يف كنفــه عشــرات‬ ‫القــرن العشــرين ‪.‬‬
‫فعندمــا وصــل شــبتاي إلــى إزميــر نفــخ‬ ‫اليهــود مــن رجــال الديــن ومــن املختصــن‬ ‫ولــد شــبتاي صبــي يف مدينــة أزميــر‬
‫اليهــود بالبــوق وخرجــوا إلــى الشــوارع‬ ‫بعلــم القبــاله‪ ،‬وكان ُينفــق عليهــم مــن‬ ‫التركيــة مــن أبويــن يهوديــن‪ ،‬وكان أبــوه‬
‫ُينــادون عــاش ملكنــا عــاش مســيحنا ‪.‬‬ ‫مالــه اخلــاص‪ ،‬وكان لشــبتاي مــع هــؤالء‬ ‫مردخــاي صبــي قــد هاجــر مــن اليونــان‬
‫كان شــبتاي يوقــع رســائله بألقــاب‬ ‫مناقشــات ومطارحــات يف قضايــا الفقــه‬ ‫إلــى تركيــا يف حــدود عــام ‪ 1630‬واشــتغل‬
‫مثــل «ابــن اهلل البكــر» و «أبوكــم إســرائيل»‬ ‫اليهــودي والقبــاله فأقــروا لــه بالعلــم ‪.‬‬ ‫بالتجــارة وأصبــح تاجــر ًا معروف ـ ًا‪ ،‬ومنــذ‬
‫وكذلــك «أنــا الــرب إلهكــم شــبتاي صبــي»‬ ‫ومــن مصــر توجــه شــبتاي لفلســطن‬ ‫صغــره توســم فيــه أبــوه مالمــح ذكاء وأراد‬
‫‪ .‬وقــد أثــار هــذا اللقــب األخيــر ردود‬ ‫وانضــم ألحــد املــدارس الدينيــة‪ ،‬وأثنــاء‬ ‫أن ُيحقــق رغبــة يف نفســه يف أن ُيصبــح‬
‫فعــل لــدى اليهــود املعارضــن ولكنهــم لــم‬ ‫وجــوده يف أورشــليم أصابــت اجلاليــة‬ ‫أحــد أبنائــه حاخام ـ ًا‪ ،‬وهكــذا كان‪ ،‬أرســل‬
‫يكونــوا قادريــن علــى فعــل شــيء ‪.‬‬ ‫اليهوديــة ضائقــة ماليــة‪ ،‬فــأرادت أن‬ ‫شــبتاي وهــو مــا زال طف ـ ًال إلــى املــدارس‬
‫ويف هــذه الفتــرة أخــذ شــبتاي يعــد‬ ‫ترســل شــخص ًا ملصــر جلمــع املــال فوقــع‬ ‫الدينيــة اليهوديــة ثــم تــدرج يف دراســته‬
‫اليهــود بالســلطة والثــأر لهــم من أعدائهم‬ ‫اختيارهــا علــى شــبتاي أو هــو الــذي طلــب‬ ‫وأصبــح حاخام ـ ًا و ّمل َــا يبلــغ العشــرين مــن‬
‫وحتقيــق دولتهــم التــي ســيحكمون‬ ‫منهــم ذلــك لعالقتــه بروفائيــل جلبــي ‪.‬‬ ‫عمــره ‪ ،‬وحتلــق حولــه طــالب يدرســون‬
‫العالــم مــن خاللهــا‪ ،‬وكان يكتــب الرســائل‬ ‫ســمع جلبــي أن حاخام ـ ًا يف غــزة اســمه‬ ‫علــى يديــه ويتأثــرون بــه ‪.‬‬
‫للجاليــات اليهوديــة يف العالــم بهــذا‬ ‫(أبراهــام) ناثــان‪ ،‬لــه معرفــة عميقــة‬ ‫وكان شــبتاي ُيعانــي مــن حالــة نفســية‬
‫اخلصــوص ويعدهــا بالنصــر القريــب ‪.‬‬ ‫بالقبــاله يأتــي لــه النــاس فيكشــف لهــم‬ ‫الزمتــه طــوال حياتــه‪ ،‬وهــي حالــة هيجــان‬
‫وما إن َع ّ َم التصديق بن أتباع شبتاي‬ ‫عــن مــرض نفوســهم‪ ،‬حتــى وصفــه الذيــن‬ ‫ونشــاط بالغــن يعقبهمــا حالــة انقبــاض‬
‫بأنــه هــو املســيح املخ ّلــص حتــى أخــذوا‬ ‫رأوه بأنــه نبــي ‪ .‬فأرســل رفائيــل جلبــي‬ ‫وقنــوط ‪ .‬وقــد أطلــق أتباعــه علــى احلالــة‬
‫يحتفلــون يف كثيــر مــن املــدن داخــل تركيــا‬ ‫رسـ ًال ملعرفــة حقيقتــه‪ ،‬وعندمــا رآه هــؤالء‬ ‫األولــى حالــة االســتنارة ‪ ،‬وعلــى احلالــة‬
‫وخارجهــا‪ ،‬بــل وصــل األمــر ببعضهــم‬ ‫مدحوه وأثنوا عليه ‪ .‬وما أن علم شــبتاي‬ ‫الثانيــة حالــة اســتتار الوجــه (وجــه‬
‫إلــى أن يتهيــؤوا للذهــاب إلــى فلســطن‪.‬‬ ‫باخلبــر حتــى عــزم علــى الذهــاب إليــه‬ ‫اإللــه)‪.‬‬
‫وكذلــك فعــل يهــود تونــس‪ ،‬ويف اليمــن‬ ‫واالجتمــاع بــه وعــرض حالتــه النفســية‬ ‫وكان شــبتاي عندمــا تعتريــه احلالــة‬
‫أخــذ الكثيــر منهــم يبيــع مــا ميلــك مــن‬ ‫ليصلحهــا ‪ .‬ومنــذ اللقــاء األول‬ ‫عليــه ُ‬ ‫األولــى يتغنــى باألشــعار وينشــد املزاميــر‬
‫عقــار وأمــالك‪ ،‬بــل إن البعــض توقــف عــن‬ ‫ارتبــط االثنــان بعالقــة روحيــة قويــة‪،‬‬ ‫ـال وأحيانـ ًا يرقــص أمــام طالبــه‬ ‫ـوت عـ ٍ‬
‫بصـ ٍ‬
‫العمــل وتهيــأ للذهــاب إلــى فلســطن ويف‬ ‫وأخبــر ناثــان شــبتاي بأنــه ميلــك نفس ـ ًا‬ ‫وزواره‪ ،‬وكان يلجــأ إلــى الوحــدة واالعتزال‬
‫إيــران خــرج اليهــود إلــى احلقــول وتركــوا‬ ‫يف منتهــى العلــو والســمو وليســت بحاجــة‬ ‫عــن النــاس عندمــا تصيبــه احلالــة الثانية‬
‫بيوتهــم وأعمالهــم وأكثــروا مــن الصيــام‬ ‫إلــى شــيء مــن اإلصــالح‪ ،‬وقــد فســر حالــة‬ ‫وعندمــا ُيســأل عــن ســبب هــذا االعتــزال‬
‫والصــالة وظلــوا ينتظــرون الذهــاب إلــى‬ ‫الكآبــة التــي ميــر بهــا علــى أنهــا املعانــاة‬ ‫يكــون جوابــه بأنــه كان ُيصــارع قــوى الشــر‬
‫أورشــليم مــع مســيحهم ‪.‬‬ ‫التــي ميــر بهــا املســيح ا ُملخ ّلــص‪ ،‬كمــا‬ ‫والشــياطن ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫(أصول عقيدة الدومنة)‬ ‫وانتشــر خبــر إســالمه بســرعة بــن‬ ‫أعلــن شــبتاي ألتباعــه بأنــه سـ ُـيغادر‬
‫مــن املعــروف أن ُأصــول عقيــدة الدومنــة‬ ‫اليهــود واألتــراك علــى الســواء ‪ .‬وكان مــا‬ ‫إزميــر ويذهــب إلــى القســطنطينية وقــال‬
‫كان قــد وضعهــا شــبتاي و ُتســمى (وصايــا‬ ‫حــدث صدمــة كبيــرة ألتباعــه ‪ .‬وكانت ردود‬ ‫لهــم إن الــرب قــد دعــاه للذهــاب إليهــا‬
‫ســيدنا شــبتاي صبــي) ‪ .‬وال نــدري فيمــا‬ ‫الفعــل مختلفــة لــدى أتباعــه واملقربــن‬ ‫إلكمــال اجلــزء األخيــر مــن مهمتــه ‪ .‬وكان‬
‫إذا كانــت صورتهــا احلاليــة هــي نفــس‬ ‫منــه فكثيــر منهــم ارتــدوا علــى أعقابهــم‬ ‫الصــدر األعظــم فاضــل أحمــد كوبرلــو‬
‫الصــورة التــي وضعهــا شــبتاي أو أنــه‬ ‫وكفــروا بــه‪ ،‬وآخــرون تريثــوا ليــروا حقيقــة‬ ‫يعلــم مبجــيء شــبتاي وكان عازم ـ ًا علــى‬
‫وضعهــا بصــورة مختلفــة ثــم تطــورت‬ ‫األمــر ‪.‬‬ ‫ســجنه‪ ،‬وعنــد وصــول شــبتاي ُقبــض‬
‫مبــرور الزمــن‪ ،‬وصــورة األصــول التــي بــن‬ ‫كمــا أخــذ شــبتاي يســلك ســلوك ًا‬ ‫عليــه‪ ،‬وأمــر الوزيــر بوضعــه يف الســجن‪،‬‬
‫أيدينــا تبــدأ بصيغــة املفــرد املتكلــم وفيمــا‬ ‫مزدوج ـ ًا فــكان يقــول للمســلمن بأنــه ال‬ ‫ويبــدو أن ذلــك لــم يؤثــر علــى أتباعــه‬
‫يلــي أهــم أصولهــم‪:‬‬ ‫عالقــة لــه باملســيح املخ ّلــص ويف الوقــت‬ ‫فقــد احتفلــوا بقدومــه يف الشــوارع وقالــوا‬
‫أؤمــن بإلــه واحــد وأؤمــن مبســيحه‬ ‫نفســه ُيخبــر أتباعــه بــأن خالصهــم مــن‬ ‫بــأن ســجنه شــيء طبيعــي ألنــه جــزء مــن‬
‫املخ ّلــص احلــق شــبتاي صبــي حفيــد‬ ‫أيــدي الظاملــن قريــب ‪.‬‬ ‫حتقيــق مهمتــه ونبوءتــه‪ ،‬وبــدأ اليهــود‬
‫امللك داوود وأقسم بأنني ال أذكر اسمهما‬ ‫وذكــر عنــه أنــه كان يضــع التــوراة يف‬ ‫ُ‬ ‫مــن أتباعــه يذهبــون لزيارتــه يف الســجن‬
‫بالباطــل ‪.‬‬ ‫يــد والقــرآن يف اليــد األخــرى ولكنــه‬ ‫ويظهــرون لــه الطاعــة والتبجيــل ‪ .‬وكان‬ ‫ُ‬
‫وأقســم بأننــي ال أجبــر أحــد ًا علــى‬ ‫عندمــا كان يــؤدي الصــالة كان يتهيــأ لهــا‬ ‫شــبتاي يعــد الوافديــن إليــه بالنصــر‬
‫اعتنــاق عقيــدة العمامــة التــي ُتســمى‬ ‫بطريقــة يهوديــة وأنــه كان يذهــب إلــى‬ ‫ويحثهــم علــى الصبــر ومينيهــم بالكثيــر‬
‫اإلســالم وأقــرأ (التــوراة) ومزاميــر داوود‬ ‫الكنيــس اليهــودي ويطلــب مــن اليهــود أن‬ ‫عندمــا يذهــب منتصــر ًا إلــى فلســطن‪.‬‬
‫كل يــوم بســرية ‪.‬‬ ‫يتحولــوا إلــى اإلســالم ‪.‬‬ ‫جــيء بشــبتاي إلــى أدرنــة حيــث كان‬
‫و ُأطبــق ديــن األتــراك بحذافيــره أمــام‬ ‫(فرقة الدومنة)‬ ‫الســلطان يقضــي أكثــر وقتــه‪ ،‬وطلــب‬
‫النــاس حتــى ال ُأثيــر شــكوكهم ‪ .‬ليــس‬ ‫الدومنــة كلمــة تركيــة تعنــي املتحولــن‬ ‫الســلطان أن ُيختبــر شــبتاي فيمــا يدعيــه‬
‫بصيــام شــهر رمضــان فقــط بــل بــكل‬ ‫عــن دينهــم أو املرتديــن عنــه ‪ .‬بينمــا‬ ‫ويجعــل‬ ‫وذلــك بــأن ُيجــرد مــن مالبســه ُ‬
‫العبــادات الظاهــرة للعيــان ‪.‬‬ ‫ُيطلــق الدومنــة علــى أنفســهم «مئامنيــم»‬ ‫ـؤذ جســمه فيكــون‬ ‫هدفـ ًا للســهام فــإذا لــم تـ ِ‬
‫وال أتــزوج مــن عائلــة مســلمة وال‬ ‫وهــي كلمــة عبريــة تعنــي مؤمنــن أو‬ ‫أول املصدقــن بــه وإن آذتــه فهــو رجــل‬
‫ُأصــادق أحــد ًا مــن املســلمن ألننــا منقتهــم‬ ‫مصدقــن (بشــبتاي صبــي) ‪ .‬ويعتبــر‬ ‫كاذب ودجــال ‪.‬‬
‫خصوص ـ ًا نســاؤهم ‪.‬‬ ‫الدومنــة أنفســهم مجموعــة مختــارة‬ ‫وعندمــا ســمع شــبتاي ذلــك أنكــر‬
‫(من تعاليم الدومنة وتقاليدهم)‬ ‫متميــزة ألنهــم تابعــوا شــبتاي يف تظاهــره‬ ‫أن يكــون قــد ادعــى أنــه املســيح وقــال‬
‫الدومنــة يف املجتمعــات اإلســالمية‬ ‫باإلســالم وقبلــوه بينمــا لــم يفعــل ذلــك‬ ‫عــن نفســه إنــه مجــرد حاخــام يهــودي‬
‫يذهبــون إلــى املســاجد ألداء الصــالة‬ ‫البقيــة مــن أتباعــه ولــم يتشــرفوا بــه كمــا‬ ‫فقيــر ليــس لــه مزايــا علــى غيــره‪ ،‬ولكــن‬
‫فيهــا‪ ،‬كمــا أنهــم يصومــون شــهر رمضــان‬ ‫يقولــون ‪.‬‬ ‫الســلطان لــم يقبــل منــه ذلــك واتهمــه‬
‫بــل ُذكــر أن أعــداد ًا منهــم يذهبــون ألداء‬ ‫ولقــد ظلــت عقائــد الدومنــة ردح ـ ًا مــن‬ ‫بإثــارة االضطرابــات يف الدولــة العثمانيــة‬
‫فريضــة احلــج ‪ .‬ولكــن العبــادة احلقيقيــة‬ ‫الزمــن طويـ ًال ســر ًا مــن األســرار ال يعرفــه‬ ‫ـزء منهــا‬ ‫وأنــه كان يريــد أن ينتــزع جـ ً‬
‫تكــون يف معابدهــم اخلاصــة والتــي ال‬ ‫إال هــم ‪ .‬وبقــي النــاس ال مييــزون بــن‬ ‫وهــو أرض فلســطن‪ ،‬ولذلــك يجــب أن‬
‫يدخلهــا غيرهــم ويكــون معبدهــم عــادة يف‬ ‫الدومنــة وغيرهــم مــن املســلمن ‪ .‬ولــم‬ ‫ُيعاقــب‪ ،‬ولكــن طبيــب الســلطان اقتــرح‬
‫وســط احلــي الــذي يعيشــون فيــه حتــى ال‬ ‫تبــدأ أســرار هــذه الفرقــة تنكشــف إال يف‬ ‫علــى شــبتاي أن ُيعلــن إســالمه ليســلم‬
‫يجلبــوا نظــر اآلخريــن‪ ،‬وهــو يف ظاهــره ال‬ ‫بدايــة القــرن العشــرين حيــث حصــل‬ ‫مــن العقــاب‪ ،‬وبعــد تــردد أعلــن شــبتاي‬
‫يختلــف عــن بقيــة البيــوت فليــس فيــه مــا‬ ‫بعــض الباحثــن واملختصــن علــى بعــض‬ ‫إســالمه‪ ،‬بــل لقــد قــال إنــه كان ُيفكــر يف‬
‫مييــز معابــد اليهــود مــن زخرفــة ‪.‬‬ ‫كتبهــم التــي تضــم عقائدهــم وتعاليمهــم‬ ‫هــذا األمــر منــذ زمــن وأنــه يتشــرف أن‬
‫‪.‬‬ ‫ُيشــهر إســالمه ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫صفية عبدالرحمن‬
‫‪@safiah_a‬‬

‫قناعتــي يف هــذا اجلانــب‪ ،‬وأثبتــت لــي‬ ‫اخلاصــة يف احليــاة‪ ،‬لكنــه ككل العوالــم‬ ‫تُشكل احلكايات مادتي املفضلة‪ ،‬فمنذ‬
‫أن احلكايــات قابلــة للتغييــر‪ ،‬فالقصــة‬ ‫كان بحاجــة إلــى تغذيــة راجعــة مســتمرة‬ ‫طفولتــي أَســرتني احلكايــات اخلياليــة‬
‫ُوجــدت إللهامنــا وإثــارة خيالنــا‪ ،‬ويكنكــم‬ ‫حتــى يكــن تطويــره وحتويلــه إلــى‬ ‫كســندريال‪ ،‬باإلضافــة إلــى األســاطير‬
‫أن تقــرؤوا مذكــرات إيزابيــل اللينــدي‬ ‫مملكــة ثريــة عامــرة مبختلــف األجنــاس‬ ‫«الســبحانيات» التــي كانــت تقصهــا‬ ‫ُ‬ ‫أو‬
‫فهــي كاتبــة ذات خيــال واســع‪ ،‬كانــت تثيــر‬ ‫واألطيــاف ‪.‬‬ ‫علــي جدتــي وبالــكاد أتذكــر منهــا؛ قصــة‬
‫الرعــب يف نفــوس أحفادهــا ألنهــا تؤمــن‬ ‫أســرتني يف البدايــة حكايــة ســندريال‬ ‫الســدرة والبنــات الســبع‪ ،‬وجــرة العســل‪،‬‬
‫أنــه ال يوجــد أفضــل مــن اخلــوف لتنميــة‬ ‫احلاملــة‪ ،‬فتتبعــت كل مــا اســتطعت‬ ‫وســارق الدجاجــة … وروايتهــا حــن تكــون‬
‫املخيلــة ‪.‬‬ ‫الوصــول إليــه عنهــا‪ ،‬ألنهــا ممتلئــة‬ ‫يف مــزاج رائــق ملغامــرات أبــي وأشــقائه‬
‫اعتدت على رواية احلكايات يف وقت‬ ‫بالثغــرات املناقضــة للمنطــق‪ ،‬وألنهــا‬ ‫يف طفولتهــم‪ ،‬كانــت حكاياتهــا تدعــو إلــى‬
‫مبكــر مــن حياتــي‪ ،‬تقمصــت شــخصية‬ ‫اســتهلكت شــغفي بحــل املشــاكل ومــلء‬ ‫موعظــة لــم تكــن تالمســني كثيــراً‪ ،‬أو‬
‫احلـ ّكاء‪ ،‬وتظاهــرت بالشــيخوخة‪ ،‬ودربــت‬ ‫الفراغــات ‪ .‬لــم أكــن منــذ طفولتــي أؤمــن‬ ‫تنتهــي نهايــة ســعيدة غيــر مقنعــة‪ ،‬غالب ـاً‬
‫صوتــي علــى القــص وط ّوعتــه علــى‬ ‫حقيقــة بالنهايــات الســعيدة‪ ،‬ليــس يف‬ ‫مــا تثيــر تســاؤالتي دون أن أحظــى بتــرف‬
‫اإلقنــاع‪ ،‬ممارسـ ًة هوايتــي علــى األطفــال‪،‬‬ ‫الدنيــا علــى األقــل‪ ،‬فــأي شــيء ينتهــي‬ ‫اإلجابــة‪ ،‬آمنــت مــن حينهــا أنــه مــا إن‬
‫الذيــن يشــكلون جمهــوراً متحمسـاً‪ ،‬فــكان‬ ‫إلــى املــوت ال يعتبــر يف تصــوري نهايــة‬ ‫ينتهــي ســرد احلكايــة ســتقفز املشــاكل‪،‬‬
‫انســجامهم العــذب وحماســتهم مــع‬ ‫ســعيدة‪ ،‬نحــن نفــرح باخلامتــة احلســنة‬ ‫وحتــدث األزمــات كمــا هــو الواقــع‬
‫القصــة مدغدغــاً للشــعور‪.‬‬ ‫ألنهــا تدعــو إلــى حســن املــآل‪ ،‬ال ألنهــا‬ ‫بطبيعــة احلــال‪ ،‬بينمــا يحلــو لنــا الظــن‬
‫لــم تكــن حكاياتــي تنتهــي نهايــة‬ ‫جميلــة بحــد ذاتهــا‪ ،‬ومــن أجــل هــذه‬ ‫أنهــم سيعيشــون بســعادة إلــى األبــد‪ .‬لــم‬
‫ســعيدة‪ ،‬وال أظننــي ختمــت حكايــة يف‬ ‫النظريــة تكــ ّون عاملــي فأنشــأت يف‬ ‫أصــدق أن األحــوال تســتمر علــى رتابتهــا‬
‫يــوم مــن األيــام‪ ،‬بــل غالبــاً مــا تنتهــي‬ ‫مخيلتــي مســرحاً ضخمــاً ابتكــرت فيــه‬ ‫مهمــا كانــت ســعيدة‪ ،‬فمشــاهداتي كانــت‬
‫نهايــات مفتوحــة‪ ،‬قابلــة لالســتئناف ‪.‬‬ ‫شــتى أصنــاف الشــخصيات‪ ،‬وشــرعت‬ ‫تثبــت لــي أن اســتمرارية الســعادة مجلبــة‬
‫كنــت أحكيهــا متسلســلة‪ ،‬منطقــت فيهــا‬ ‫أغ ّذيــه باحلكايــات املعدلــة‪ ،‬مب ّدلــة يف‬ ‫لفتــور الــروح ‪.‬‬
‫اخليــال‪ ،‬وجعلــت كل األشــياء ممكنــة‪،‬‬ ‫ســياق األحــداث عبــر إضافــة شــخصيات‬ ‫زاحــم طفولتــي جانــب منطقــي أزعــج‬
‫وأعلنــت أن املســتحيل ممنــوع‪ ،‬محاولــة‬ ‫جديــدة أو إلغائهــا أو متابعــة األحــداث‬ ‫املخيلــة ووفــر بيئــة خصبــة للضجــر ‪ .‬ويف‬
‫قــدر اإلمــكان التقليــل مــن اســتهالك‬ ‫بعــد اخلامتــة ‪ .‬لــم يزعجنــي غيــاب‬ ‫واقــع باهــت ال يثيــر الفضــول مبواقفــه‬
‫الصــدف‪ ،‬وكثيــراً مــا توقفــت ألوضــح‬ ‫ّ‬ ‫النهايــة يف روايــة ثمانــون عامــاً بحثــاً‬ ‫املتكــررة اضطــررت إلــى ابتــكار عاملــي‬
‫وأثبــت قابليــة الفكــرة للتطبيــق‪ ،‬فتلــك‬ ‫عــن مخــرج التــي استُشــهد كاتبهــا قبــل‬ ‫اخلــاص؛ ألجتــاوز إحباطــي وســأمي‬
‫كانــت قناعاتــي ‪.‬‬ ‫إنهائهــا‪ ،‬بــل ق ّدمــت لــي خدمــة بترســيخ‬ ‫وانعــدام حيلتــي بانتقــاء خياراتــي‬
‫‪18‬‬
‫ال ‪.‬‬‫الــروح كالعســل كان امللــل مســتحي ً‬ ‫علينــا القصــص القرآنيــة بصــوت‬ ‫رافقنــي مــع مــرور الزمــن ســؤال‬
‫قصتــان مــن تياريــن مختلفــن تعبــران‬ ‫زاخــر باإلثــارة تثقلــه اللهجــة‪،‬‬ ‫ملــح؛ وهــو إمكانيــة تغييــر القــدر‬
‫عــن نشــأتي يف خليــط مجتمعــي‬ ‫اكتشــفت يومهــا أن املصحــف يحتفــظ‬ ‫الــذي بُنيــت عليــه أحــداث احلكايــة‬
‫متنــوع؛ بعضــه منفتــح علــى التغريــب‪،‬‬ ‫بــن دفتيــه بقصــص مشــ ّوقة‪ ،‬وال‬ ‫؟‪ .‬لقــد اعتمــد تالعبــي باحلكايــات‬
‫وبعضــه محافــظ ومتحفــظ ‪.‬‬ ‫أنســى حلظــة الدهشــة التــي متلكتنــي‬ ‫علــى النهايــات فقــط‪ ،‬لــم أكــن أجــرؤ‬
‫بالرغــم مــن تناقــض القصتــن يف‬ ‫عندمــا أخبرتنــا عــن قصــة يوســف‬ ‫علــى تبديــل البدايــات وافتعــال أي‬
‫انتمائهمــا إال أن رابــط تأثــري بهمــا‬ ‫عليــه الســالم‪ ،‬امتــأل قلبــي حلظتهــا‬ ‫تشــويه علــى أساســات القصــة‪ ،‬ألن‬
‫اعتمــد علــى تطــور احلــال مــن الفقــر‪،‬‬ ‫باالنتشــاء‪ ،‬وانطلــق يســري يف دمــي‬ ‫حبكتهــا جيــدة وبنائها صلــب وأحببت‬
‫والتهميــش‪ ،‬والعبوديــة‪ ،‬إلــى املكانــة‪،‬‬ ‫إحســاس عــذب ولذيــذ‪ ،‬نــوع مــن‬ ‫تسلســلها‪ ،‬بــل اقتصــر تذمــري علــى‬
‫والتقديــر‪ ،‬واحلظــوة االجتماعيــة‪،‬‬ ‫النشــوة النــادرة واجلديــدة كليـاً علــي‪،‬‬ ‫النهايــات ‪ .‬كنــت أعلــم أن احلكايــة‬
‫وكذلــك مكافــأة حســن األخــالق‬ ‫تلــك النشــوة التــي ألفــت صحبتهــا‬ ‫تفســد إذا غ ّيرنــا يف بدايتهــا‪،‬‬
‫بتغييــر احلــال ‪.‬‬ ‫فيمــا بعــد كلمــا قــرأت كتاب ـاً جيــداً‪.‬‬ ‫فاملقدمــة أســاس الطريــق‪ ،‬والبدايــة‬
‫صنعتنــي صحبــة احل ّكائــن‪،‬‬ ‫عشــقت فــوراً تلــك القصــة‪ ،‬وبقيــت‬ ‫هــي اجلوهــر‪ ،‬فلــو أن زوجــة األب‬
‫وأشــدهم عطــا ًء وأكبرهــم قيمــة‬ ‫ثملــة مــن تأثيرهــا لســنوات‪ ،‬كانــت‬ ‫يف حكايــة ســندريال النــت يف موعــد‬
‫أولئــك الســاكنن بــن دِ فــاف الكتــب ‪.‬‬ ‫أقــوى قصــة جديــرة بــأن حتكــى‪،‬‬ ‫ذهابهــا إلــى احلفلــة واصطحبــت‬
‫لقــد تلمســت مــن احلكايــات طريقــي‪،‬‬ ‫مــن يومهــا وأنــا أعكــف علــى قــراءة‬ ‫معهــا ابنــة الــزوج بفســتان والدتهــا‬
‫وتعلمــت منهــا مهــارة نقــل األحــداث‪،‬‬ ‫ســورة يوســف‪ ،‬حتــى صــارت جرعتــي‬ ‫القــدمي ومنظرهــا الــرث‪ ،‬ملــا لفتــت‬
‫وأحيانــاً محــاكاة شــخوصها بالســير‬ ‫العالجيــة عنــد األزمــات‪ ،‬ومه ّدئــي‬ ‫انتبــاه أحــد‪ ،‬مهمــا كان توهــج‬
‫علــى نهجهــم والتعلــم مــن مواقفهــم ‪.‬‬ ‫يف أوقــات احملــن‪ ،‬متدنــي بالســكينة‬ ‫روحهــا‪ ،‬فقــوة القصــة تعتمــد علــى‬
‫تكمــن القــوة دائمــاً يف احلكايــة‬ ‫وتغمرنــي بالســالم كلمــا طحنتنــي‬ ‫وصولهــا املتأخــر ودخولهــا امللكــي‬
‫اجليــدة‪ ،‬كل حكايــة قرأتهــا ســاهمت‬ ‫مصاعــب احليــاة‪ ،‬وتعتقنــي من ســجن‬ ‫إلــى القصــر بفســتان ليــس لــه مثيــل‬
‫يف صناعــة مــا أنــا عليــه اآلن‪،‬‬ ‫املنطقيــة وماد ّيــة اللحظــة‪ ،‬علمتنــي‬ ‫‪ .‬فبعدمــا تــالءم احلضــور مــع املــكان‪،‬‬
‫علمتنــي القــراءة تخفيــف املنطــق‬ ‫القــوة‪ ،‬والشــجاعة‪ ،‬ورباطــة اجلــأش‪،‬‬ ‫وتالشــى توترهــم‪ ،‬وأصبــح املــكان‬
‫وتضخيــم اخليــال‪ ،‬فصــارت تســتأثر‬ ‫والرســوخ علــى املبــدأ‪ ،‬وإمكانيــة‬ ‫مألوف ـاً للجميــع‪ ،‬جــاءت هــي بلحظــة‬
‫بــي مهمــا كانــت ســيطرة الواقــع و‬ ‫األمنيــات‪ ،‬والعديــد مــن املعانــي التــي‬ ‫مدروســة ومعــدة إعــداداً دقيقــاً‬
‫النشــوة املكتســبة مــن حكايــة جيــدة‬ ‫ال يســع املجــال إلحصائهــا ‪.‬‬ ‫لتلفــت االنتبــاه وتشــد أنظــار الــكل‬
‫لوقــت طويــل‪ .‬احلكايــات املؤثــرة هــي‬ ‫أســرتني حكايــة ســندريال وقصــة‬ ‫مبــن فيهــم احلــرس امللكــي والســقاة‬
‫مشــروع بحــث ال ينتهــي لــكل قــارئ‬ ‫يوســف عليــه الســالم ألنهمــا كانتــا‬ ‫واجلوقــة‪ ،‬فهــذا املوقــف هــو احلــدث‬
‫نهــم‪ ،‬فهــي التــي تؤثــر بنــا وتأخــذ‬ ‫بدايــة انغماســي يف القــراءة الفعليــة‬ ‫الضخــم الــذي م ّيزهــا ومنحهــا‬
‫مبشــاعرنا‪ ،‬وتســتفز أحاسيســنا‪،‬‬ ‫لشــتى املجــاالت‪ ،‬كمــا أنهمــا كانتــا‬ ‫شــهرتها العامليــة ‪.‬‬
‫ومتنحنــا قفــزة التغييــر التــي نترقبهــا‬ ‫تثيــران التســاؤل وتقهــران الفضــول‪،‬‬ ‫يف التاســعة مــن عمــري تقريبــاً‬
‫ونبحــث عنهــا يف احليــاة ‪.‬‬ ‫وتتحديــان املنطــق الــذي ولــدت‬ ‫تعرفــت علــى قصــة يوســف‪ ،‬عندمــا‬
‫بكميــة وافــرة منــه‪ ،‬ومــع وجــود عنصر‬ ‫كانــت معلمــة الديــن تســتغل الوقــت‬
‫املفاجــأة التــي انهــار ثقلهــا علــى‬ ‫املتبقــي بعــد نهايــة الــدرس لتقــص‬
‫‪19‬‬
‫تن َهــا ُل عليــك الكثيــر مِ ــن الكلِمــات‬
‫صفحــات‬
‫َ‬ ‫ـت أن ال ُكتــب ليســت ُمجــرد‬ ‫أيقنـ ُ‬ ‫ـت أبحــث‬ ‫الزلـ ُ‬ ‫ُ‬
‫األســطر ال لــم تنتَهــي احلِ كايــة ب َعــد‪ِ ،‬‬ ‫املصفوفــةِ بِعنايــة‪ ،‬وتُبهــرك‬
‫َ‬
‫مكتُوبــة‪ ،‬بــل حتمِ ــل بــن ط ّياتِهــا الكثيــر‬ ‫األحــ ُرف العظيمــة بــن الســطور عــن تلك األعــن التي قرأت‬ ‫َ‬ ‫ِزخــارف‬‫املُزينــة ب َ‬
‫واألحاديــث واخليَــاالت‬
‫َ‬ ‫مِ ــن الذكريَــات‬ ‫إيذانــاً بِبــدء ِرحلتــك مــع الكِ تــاب ! ن َفــس هــذه ال َكلِمــات‪ ،‬عن الدهشــات التَي‬
‫والقُــراء وإن ت َعــددت النُســخ وكثُــرت‬ ‫اعترتهــم‪ ،‬عــن مشــاعر تعتمل يف نفوســهم‬
‫الطب َعــات !‬ ‫أمســكت بِروايــة (ثُالثيــة أثنــاء القِ ــراءة‪ ،‬عــن توق َعاتِهــم َ‬
‫نحــو النِهايــة‬ ‫ُ‬ ‫ذات مســاء‪،‬‬
‫وصــرت أقــارن بــن قِ راءتــي‬ ‫ـدأت أقــرأ واخلِ تــام ‪ِ ،‬‬ ‫ُغرناطــة) لـــ رضــوى عاشــور وبـ ُ‬
‫مخزونــاً ثقافيــاً‬ ‫وأن القِ ــراءة ال تُعطيــك َ‬ ‫روحــي إال وقــد تنقلَّــت معهــا وقراءتِهــم ‪ ،‬وهــل أعجبتهــم هــذ ِه الفِ كــرة‬ ‫أجــد َ‬ ‫فلــم ِ‬
‫وم َعلوماتيـاً فقــط‪ ،‬بــل إنهــا تفتـ ُح لقل ِبــك‬ ‫جتاوزوهــا ِبــدون اقتِنــاع !!‬‫يف عوالــم ُمختلِفــة ليســت تِلــك املُتعلقــة مِ ثلــي أم َ‬
‫واســعة‪ ،‬تغ ُمــ ُر شــ ُعورك بال َكثيــر‬ ‫آفاقــاً ِ‬ ‫مبوضــوع الكِ تــاب ذا ِتــه ‪ ،‬بــل أعمــق وأكثــر‬
‫مِ ــن التنَا ُقضــات و احل َمــاس و االمتِــالء‬ ‫تاب قدياً ِجداً!؟‬ ‫فكيف إذا كان الكِ ُ‬ ‫بُعــداً !!‬
‫داخلــك كــم مِ ــن‬ ‫‪ ،‬تُلهِ ــب خيالــك وتُعــزّز ِ‬ ‫الشــعور بِاألثيريــة‪،‬‬ ‫حين َهــا يــزداد لــدي ُ‬
‫األفـ َكار املُتشــعِ بة مـ ّرت أثنَــاء قراء ِتــه مِ ــن‬ ‫اللحظــات األولــى تخ ّيــل أن تقــرأ كِ تاب ـاً قــد ألُــف يف عالــم‬ ‫َ‬ ‫ُكنــت أغــوص يف‬
‫َقب ِلــك ومِ ــن بعــدِ ك‪.‬‬ ‫لل ُمؤلفــة أثنَــاء الكِ تابــة‪ ،‬يف البدايــة التــي قــدمي‪ ،‬ومــن ســنن طويلــة‪ ،‬وقــرأهُ آالف‬
‫الروايــة‪ ،‬أثنــاء ُشــروعها يف األشــخاص قبلــك وتشــ ّكلت لديهــم‬ ‫شــ ّكلت ِ‬
‫إن الشــ ُعور باالنتِمــاء أثنــاء القِ ــراءة‪،‬‬ ‫انطباعــات وانتِقــادات كثيــرة‪ ،‬بــل قــد‬ ‫ِ‬ ‫ال َكلِمــة األولــى واكتِمــال الســطر األول‬
‫ضــروري حتــى تهِ ــب الكِ تــاب ُكل طاق ِتــك‬ ‫ونشــوة يكــون قــرأه ُعظ َمــاء تتَــوق للجلــوس معهــم‬ ‫حلظــة االنتِهــاء َ‬ ‫واملُســودة األولــى ‪ْ ،‬‬
‫واســتي َعابِك ‪ ،‬و ُرغــم بقائــك وحيــداً مــع‬ ‫ـرب مِ ــن‬
‫أي وكأنــك تشـ ُ‬ ‫حلديــث إليهــم‪ّ ،‬‬ ‫حلظــة البحــث عــن نَاشــر‪ ،‬وا َ‬ ‫اإلجنــاز‪ْ ،‬‬
‫يعزلــك عــن اآلخريــن إال‬ ‫الكِ تــاب وقــد ِ‬ ‫عــن الغِ ــالف واألف ـ َكار ال َكثيــرة لــه‪ ،‬عــن ذات الــكأس التــي ِ‬
‫شــربوا مِ نهــا‪.‬‬
‫وحــدك يف‬ ‫أنــ ُه يُخبِــرك أنــك لســت َ‬ ‫بــدأت أتخ ّيــ ُل‬
‫ُ‬ ‫ال ُعنــوان و َكيفيــة اخت َيــاره‪،‬‬
‫َهــذه ال ُعزلــة‪ ،‬فقــد قرأنــي غي ـ ُرك كثيــر‪،‬‬ ‫متســكت حينمــا رفعــت كــوب القهــوة ألشــرب‪،‬‬ ‫كيــف اقتنَعــت بال ُعنــوان‪ ،‬و َكيــف ّ‬
‫وألهمتهــم ذات الصفحــة التــي ألهمتــك‬ ‫صــورة الغِ ــالف توقفــت ألتأ َمــل أكثــر‪ ،‬كــم شــخصاً حينمــا‬ ‫ورســمت مِ ــن ِخاللــه ُ‬ ‫بــه َ‬
‫وقــد شــربوا الق َهــوة مِ ثلــك متام ـاً ‪ ،‬فــال‬ ‫صــوره قــرأ ذات الكِ تــاب قــد شــرب الق َهــوة أيضـاً‬ ‫ليكتمِ ــل بــن يَديهــا الكِ تــاب بِأبهــى ُ‬
‫تقلــق مِ ــن ُعزلتِــك البه ّيــة ‪.‬‬ ‫!!‬ ‫حلبــور !‬ ‫َ‬
‫الدهشــة وا ُ‬ ‫ومتتلِكهــا‬

‫زهرة الصالح‬
‫‪@meeladfajr‬‬

‫‪20‬‬
‫اجلِ ـ ّد كاللعــب « ال تــدع لغتــك تتصلّــب يف‬ ‫بطباعــة كتــاب ! توقــف هنــا ‪ ..‬جميعنــا‬ ‫افتراضيـاً؛ أضحــت الكتابــة مهنــة مــن‬
‫زاويــة مظلمــة و شــاحبة وال حتــرم عقلــك‬ ‫بــال اســتثناء صعاليــك يف اللغــة وإن‬ ‫ال مهنــة لــه‪ ،‬وهوايــة مــن ال هوايــة لــه وال‬
‫مــن اكتســاب املفــردة النقيــة والفصاحــة‬ ‫أجدناهــا متــام اإلجــادة تبقــى بالنســبة‬ ‫مهــارة ‪ ،‬الغالبيــة ال ُعظمــى شـقّت طريقهــا‬
‫التــي ال يشــوبها شــائب‪ ،‬اقرأ فحســب‬ ‫للجميــع ِســراً يســتحيل القبــض علــى كل‬ ‫يف هذا املجال واختارت أن تُع ّرف بنفسها‬
‫لســت أهــ ً‬
‫ال‬ ‫ُ‬ ‫وانــس كل الــذي كتبــت ‪..‬‬‫َ‬ ‫خيوطــه‪ ،‬اجلميــع و دون اســتثناء اتفــق أن‬ ‫ضمــن فئــة الكـ ـتّاب‪ ،‬وهــذا االختيــار هــو‬
‫ـت يف خضــم هــذا كلــه‬ ‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫كن‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫ولك‬ ‫‪،‬‬ ‫ـح‬
‫ـ‬ ‫للنص‬ ‫االنســان مهمــا بلــغ مــن علمــه مبلغــه‪ ،‬فإنــه‬ ‫املـــشكلة بحــد ذاتهــا ؛ إذ أن الكتابــة لــم‬
‫وال زلت أُناضــل يف خلــوة ألنصــرف متامـاً‬ ‫ال بالكثيــر وينتظــره الكثيــر‬ ‫اليــزال جاهــ ً‬ ‫تكــن يومـاً اختيــار! وأن مخضرمــي األدب‬
‫عــن هاجــس الكتابــة ›ألنتقــل مــن فكــرة‬ ‫ليتعلمــه ويعمــل به‪ ،‬كيــف بــك أنــت الــذي‬ ‫لــم يختــر أحـ ٌد منهــم أن يكتــب ولــم يســبق‬
‫طباعــة كتــاب إلــى اقتنــاء كتــاب ‪ ،‬فحـــباً‬ ‫ال تفقــه فيهــا حتــى مــا تعلمــه منهــا ؟ ال‬ ‫ألحدهــم أن عـ ّرف عــن نفســه بهــذا أبــداً‪،‬‬
‫بــاهلل ثــم لغــة القــرآن املقدســة لنقــرأ‬ ‫يعطيهــا حقهــا كلغــة مقدسة يســتخدمها‬ ‫ولم يكن كاتبــاً مبحــض إرادته كانــت‬
‫فحســب‪ ،‬فقد وجــدت يف هــذا كل النضــج‬ ‫يف أبشــع الصــور واألشــكال يُص ّر باســمها‬ ‫ظــروف حتمــت ذلــك وأوجبتــه إلــى جانــب‬
‫والتغييــر الــذي استشــعرته يف ذاتــي و مــن‬ ‫و بســخفه أن يكــون كاتبــاً حتــت مظلــة‬ ‫ال ممــا‬ ‫وجود املهــارة ووجــود اللغــة أصــ ً‬
‫حولــي‪ ،‬و مــن هنــا فلتعلــم يــا صديقــي أن‬ ‫الفصحــى العربيــة ؟ أنــت ُمثرثــ ٌر ليــس‬ ‫أ ّدى بالشــخص الــذي يتلكهــا ألن يجــد‬
‫التجربــة خيــر بُرهــان و جتربتــي برمتهــا‬ ‫إال؛ حتتــاج ل ُهدنــة طويلــه جــداً مــع‬ ‫نفســه يكتــب بــال ُمشــارطات بــال اختيــار‬
‫بــكل انفعاالتهــا هنــا ليســت نصيحــة و‬ ‫الكتابة‪ ،‬حتتــاج أن تــركل كل جمهــورك‬ ‫وبــال مشــقة هــو يكتــب فحســب‪ ،‬ألن قــدره‬
‫تهكم إمنــا ُحبــاً للغــة و وال ًء لها‪ ،‬وغيــرة‬ ‫الســاذج عنــك جانباً وتُصــادق ذاتــك‬ ‫أن يكتــب‪ ،‬وســيلته يف الصــراخ أن يكتــب‪،‬‬
‫شــريفة عليهــا مــن كل األنامــل التــي‬ ‫ال يف عـــزلة غرضهــا النضــج ‪ ،‬انضــج‬ ‫قليـ ً‬ ‫شــكواه و نحيبــه أن يكتــب‪ ،‬بينمــا لــم يُقـ ّدر‬
‫تســتظل حتتهــا بطريقــة مشــوهة وظاملــة‪،‬‬ ‫ومــن ثــم تعلــم استشــعار األشــياء حتــى‬ ‫ال أن يكتــب‪ُ ،‬قــ ّدر لــه أن تأتــي‬ ‫آلخــر مثــ ً‬
‫ودعــوة صاحلــة مردودهــا فيــه مــن اخليــر‬ ‫وإن لــم تكــن قــد مــررت بهــا كتجربــة‪،‬‬ ‫ال يف إطــار الغنــاء‪ ،‬رمبــا‬ ‫انفعاالتــه مثــ ً‬
‫الكثيــر لــك ولألعــن التــي تتــوق لرؤيــة‬ ‫تعلــم كيــف تختــرق كل شــعور حتــى يتحــول‬ ‫الرقــص رمبــا الثرثــرة دون توقــف‪ ،‬ورمبــا‬
‫فكـ ٍـر ينضــح بالنضــج والعمــق ‪.‬‬ ‫القلــب الــذي يســكنك إلــى ظـ ٍـل ألصحــاب‬ ‫التهريــج‪ ،‬ك ٌل لــه طريقتــه التــي لــم يخترهــا‬
‫يختنــق الكاتــب بفطرتــه يــا أصحــاب‬ ‫املأســاة واملواجــع ‪،‬صدقنــي هدنــة واحــدة‬ ‫عمــداً يف ترجمــة انفعاالتــه الالإراديــة‪،‬‬
‫حــن تضيــق عليــه لغتــه َويــوت مــن حولــه‬ ‫وعزلــة واحــدة كفيلــة بتحويلــك مــن مثرثــر‬ ‫املعضلــة كلهــا تتشــكل يف االختيــار‪ ،‬أن‬
‫رتابــة وســأم مــن مفرداتــه املتكــررة ‪ ..‬لــذا‬ ‫واع وناضــج‪ ،‬ال تعبُــر مــن أمامه‬ ‫إلــى قــارئ ٍ‬ ‫يُقــدِ م شــخص ُمرتــاح البــال والقلــب‬
‫تنفســوا استنشــقوا احليــوات املتفرقــة يف‬ ‫الكلمــات إال وقــد نقحهــا بوعــي وإجــادة‬ ‫ليقــرر بــن ليلــة وضحاهــا أن يكتــب‪،‬‬
‫الكتــب ‪ ،‬أحيــوا أنفســكم مــن جديد ثــم‬ ‫ـس أن اهلل عــز‬ ‫‪،‬قبــل أن تكتــب اقــرأ‪ ،‬وال تنـ َ‬ ‫ليســت هــذه مبشــكلة كبــرى فبإمــكان‬
‫هاتــوا النصــوص التــي تختمــر بقلوبكــم‬ ‫و جــل أوصــى بهــا نبــي األمــة صلــى اهلل‬ ‫املتمــرس ي اللغــة واملُجيــد لتصريفاتهــا‬
‫املســتجدة لتنبعــث فينــا روح الذهــول‬ ‫عليــه وســلم ثالثاً‪ ،‬لم يقــل اكتــب بــل اقــرأ‬ ‫ومفرداتهــا أن يصبــح كاتبـاً وفــق خياالتــه‬
‫َوالشــغف للحــرف منكــم ‪ ..‬دعــوة للقــراءة‬ ‫ثــم اقــرأ ثــم اقــرأ ‪ .‬بــادر خللــوة تنويريــة‬ ‫وأفكاره‪ ،‬املشــكلة أن يكــون الشــخص‬
‫و ُهدنــة مــع الكتابــة حتــى حــن والدة‬ ‫تُضــيء قلبــك وعقلك‪ ،‬انضـ ْج تعلَّـ ْم ادخــل‬ ‫ال بشــكل‬ ‫ال متامــاً باألبجدية فاشــ ً‬ ‫جاهــ ً‬
‫كــر جديــد َولغــة باذخــة العمــق‪ ،‬وحتــى‬ ‫فِ ٍ‬ ‫أرواح الكتــب لرأســك فلن تخــرج مــن ذلــك‬ ‫واضــح لتصريفــات اللغــة األساســية ‪ ،‬ال‬
‫ذلــك احلــن؛ فلتُضــيء عقولكــم معرفــة‬ ‫إال بحصـ ٍـاد عظيم وقــارئ عظيــم أو كاتـ ٌ‬
‫ـب‬ ‫ـت كلماتــه للعربيــة بأيــة صلــة وليس من‬ ‫متـ ّ‬
‫وفكــر ‪ ،‬ولتُزهــر يف أرواحكــم نشــوة‬ ‫أعظــم ورمبــا كليهمــا معـاً ‪ ..‬ال تك ْن « ممن‬ ‫ترابــط أو اتزان وينطلــق بهــذه الشــاكلة‬
‫التحليق لتكونــوا غيــر أنتــم ‪.‬‬ ‫ـاظ معوملـ ٍـة‪ ،‬مــن يقتُلــون‬
‫مــن يرطنــون بألفـ ٍ‬ ‫ككاتــب افتراضــي يُقــرأ لــه الكثيــر الكثيــر‪،‬‬
‫الضــاد دون حيــاء ويز ُعمــون ّ‬
‫بــأن‬ ‫جمــال َّ‬ ‫يُصــدق هــذه الهالــة حولــه ح ـ ّد أن يفكــر‬
‫أروى الزهراني‬
‫‪rorozahrani123@gmail.com‬‬
‫‪21‬‬
‫هناء احلمراني‬
‫‪@hana_al_homrani‬‬

‫يف ذهنــي مزيجــاً مترابطــاً مــن األفــكار‬ ‫االنتشــاء بفكــرة جتعلنــي أتــرك الكتــاب‬ ‫اعتــادت مكتبتــي أن تســتضيف‬
‫اجلديــدة املذهلــة‪.‬‬ ‫ألتلــذذ باســتعادتها يف ذاكرتــي‪ُ ،‬حلمــي‬ ‫بــن فتــرة وأخــرى مجموعــة جديــدة‬
‫أســئلة كثيــرة يطرحهــا رأســي فأجــد‬ ‫األزلــي بــأن أكتــب كتابــاً رائعــاً‪ ،‬القــراءة‬ ‫مــن الكتــب‪ ،‬كانــت كل مجموعــة تعيــش‬
‫اإلجابــات الرائعــة بعــد كتابــن أو ثالثــة ‪،‬‬ ‫بعــد االنتهــاء مــن أعمالــي اليوميــة‪ ،‬كل‬ ‫تباينــاً أو انســجاماً بــن موضوعاتهــا‬
‫وكــم مــن ســؤال لــم أجــد إجابتــه إال بعــد‬ ‫ال بإيــذاء عــادة القــراءة‬ ‫ذلــك كان كفيــ ً‬ ‫ـت يف كل مــرة أتأمــل‬ ‫التــي تناقشــها‪ ،‬وكنـ ُ‬
‫قــراءة عشــرات الكتــب‪.‬‬ ‫اجلميلــة لــدي‪.‬‬ ‫مئــات الكتــب التــي مــا زالــت متلفعــة‬
‫عالــم التفكيــر أصبــح أكثــر متعــة‪،‬‬ ‫ولكــن لــذة املعرفــة والشــغف بتلــك‬ ‫بالبالســتيك الشــفاف أتســاءل بينــي‬
‫األهــداف أصبحــت أكثــر وضوحــاً‪،‬‬ ‫الصفحــات وأهــدايف الكبــرى التــي أرجــو‬ ‫بشــغف متــى يكننــي أن‬ ‫ٍ‬ ‫وبــن نفســي‬
‫األحــالم اقتربــت أو أننــي أنــا مــن اقتــرب‬ ‫حتقيقهــا يف حياتــي جعلتنــي أقــرر إعــادة‬ ‫أنهــي قــراءة كل هــذه الكتــب‪.‬‬
‫ـدأت أشــعر بدفئهــا يلمــس‬ ‫منهــا حتــى بـ ُ‬ ‫النظــر يف ممارســاتي الســابقة والضــرب‬ ‫علــى مركــب األيــام تطــوى أعمارنــا وما‬
‫يــدي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫أطــراف أصابــع‬ ‫بيــد مــن حديــد مليــالد قرائــي جديــد‪.‬‬ ‫تــزال مكتبتــي تســتقبل ضيوفاً جــدداً دون‬
‫حتــى كتبــي التــي ربطــت األفــكار‬ ‫حتــدي املائــة كتــاب كان هديــة مــن‬ ‫قدرتهــا علــى التعــارف واإلفصــاح عمــا‬
‫فيمــا بينهــا أصبحــت تتحــدث مــع‬ ‫الســماء‪ ،‬جعلنــي أضــع بجــوار الســرير‬ ‫يف نفســها ‪ ،‬ونــداء موحــد مــن اجلميــع‪:‬‬
‫بعضهــا بســعادة غامــرة‪ ،‬ويف ضجيجهــا‬ ‫مجموعــات منوعــة مــن الكتــب‪ ،‬فضــ ً‬
‫ال‬ ‫اقرئينــا‪.‬‬
‫الالمســموع كنــت أجــد حلنــي املفضــل‪،‬‬ ‫عــن حمــل الكتــاب املختــار يف حقيبتــي‬ ‫أتنقــل مــن عمــل إلــى آخــر‪ ،‬ومــع كل‬
‫كنــت أســمع الكتــب تتســاءل يف شــوق‬ ‫ألتخــذه صديقــاً لــي يف طريقــي إلــى‬ ‫انتقــال تتغيــر اختياراتــي ملضامــن الكتــب‬
‫متــى يحــن دوري لكــي تقرأنــي؟‬ ‫العمــل ويف ســفري ويف مــكان إقامتــي‪.‬‬ ‫التــي أقتنيهــا حتــى صــارت املكتبــة مهــوى‬
‫لــم أنتــه بعــد مــن التحــدي‪ ،‬ولكننــي جنيت‬ ‫لــم يكــن التحــدي متعلقـاً بالكــم بقــدر‬ ‫لــكل محــب أ ّيـاً كان حبيبــه‪.‬‬
‫ثماره‪.‬‬ ‫مــا كان يعنــي وجــود هــدف أســتطي ُع مــن‬ ‫ومــع عاداتــي الســيئة يف القــراءة‬
‫واعجبــا! كيــف يفــوز املتســابق وهــو لــم‬ ‫خاللــه القــراءة مهمــا كانــت الظــروف‬ ‫ازددت بعــداً عــن مكتبتــي الفاتنــة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫يصــل بعــد إلــى خــط النهاية‪.‬‬ ‫وأ ّيــاً كان موضــوع الكتــاب‪.‬‬ ‫فالقــراءة علــى الســرير‪ ،‬جتعلنــي‬
‫املوضوعــات املتشــابهة غاصــت بــي يف‬ ‫ُ‬
‫اســتهلك أســابيع عديــدة لقــراءة كتــاب‬
‫أعماقهــا ‪ ،‬واملوضوعــات املتنوعــة شـ َّكلت‬ ‫واحــد‪ ،‬اإلحســاس بامللــل‪ ،‬نســيان القلــم‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫الــذي يكــون عبــر الطقــوس الصوفيــة‬ ‫ال َقدريــة » ‪.‬‬ ‫لــي مــع الليــل شــأ ٌن خــاص‪ ،‬ولــوال فكرة‬
‫للحــروف شــبه املرئيــة ‪ ،‬مغويــا و مقــاداً‬ ‫ـراف متواضــع عــن كونــه‬ ‫و يُدلــي باعتـ ٍ‬ ‫املقــال ملــا جتاوزتــه‪ ،‬علــى األقــل احترامـاً‬
‫لكتــاب معــن و صفحــة معينــة » ‪ ،‬ألبرتــو‬ ‫« يف طيــش فتُوتــه كان يحلــم بــأن يصبــح‬ ‫لســمرتي فشــبيه الشــيء منجــذب إليــه‬
‫أحســبو أنــك لســت موجــوداً حلظتهــا‬ ‫أمــن مكتبــة » و « أنــه علــى الرغــم مــن‬ ‫كمــا قيــل ‪.‬‬
‫إال كآخــر كمــا أشــرت يف بدايتــك مــع‬ ‫أنــي ال أدعــو نفســي مكتبيــا بشــكل خــاص‬ ‫أعود فأقول ‪:‬‬
‫مكتبتــك ‪.‬‬ ‫‪ ،‬إ ّال أنــي أعيــش وســط رفــوف كتــب ال‬ ‫أعــددت متكئــي مبكتبتــي نهــاراً علــى‬
‫كان مــن أعجــب مــا أكــد عليــه أن‬ ‫تنفــك تتنامــى ‪ ،‬حيــث بــدأت حدودهــا‬ ‫ٍ‬
‫ملوعــد‬ ‫شــاكلة احتفاليــة‪ ،‬ونفســي تهفــو‬‫ٍ‬
‫«املكتبــة يف الليــل ليســت ألي قــارئ» !!‬ ‫تبــدو ضبابيــة ‪ ،‬أو أنهــا متاهــت مــع‬ ‫بصحبــة مأثــرة القــراءة وقيثــارة الكتــب‬ ‫ُ‬
‫ويعــرف هــذا املعنــى اخلطاطــون خاصــة‬ ‫البيــت نفســه » ‪.‬‬ ‫والســارح يف ملكــوت الكــون املكتباتــي‬
‫كمــا يف روايــة ياســمن غاتــا (ليــل‬ ‫و مــن كــرمي احليــاة فيهــا يــرى مانغويــل‬ ‫ألبرتُــو مانغويــل !! وقــد كان ‪...‬‬
‫اخلطاطــن) ســلوهم ‪.‬‬ ‫أن « حــب املكتبــات ‪ ،‬مثــل أكثــر احمل ّبــات‬ ‫حضــرت مانغويــل مــن خــالل كتابــه‬‫ُ‬
‫أمــا حــن يغــادر مكتبتــه فهــذا أمــ ٌر‬ ‫‪ ،‬ينبغــي أن يُكتســب بالتعلّــم» ‪.‬‬ ‫(املكتبــة يف الليــل) كأنــي بطــل فلــم (باعث‬
‫آخــر ‪ ،‬يقــول ‪ « :‬عندمــا أقــرر يف نهايــة‬ ‫و مــا أعجــب احلــب الــذي وقــع بينــه و‬ ‫الكتــب) الــذي كان ُيــارس إحياءهــا‪،‬‬
‫اليــوم أن أطفــئ ضــوء املكتبــة ‪ ،‬فأنــا‬ ‫بينهــا مــن أول نظــرة قبــل أن تُبنــى و هــي‬ ‫وبــدأت الصحبــة بالبــكاء ‪.‬‬
‫أحمــل معــي إلــى النــوم أصــوات وحــركات‬ ‫مجــرد حائــط مكــوم يف بيتــه ‪ ،‬وقــارئ‬ ‫كان الذي أبكاني ـــح ّد التضاؤل ـ ذوباً‬
‫الكتــاب الــذي كنــت أغلقتــه للتــو » ‪.‬‬ ‫الكتــاب ســيعرف أســرار هــذا احلــب ‪،‬‬ ‫ال تواضــع ألبرتــو ملكتبتــه وكتبهــا‪،‬‬ ‫وخجــ ً‬
‫ويف اخلتــام أُشــير إلــى إملاحـ ٍـة عذبـ ٍـة‬ ‫وكيــف أنــه كان يراودهــا عــن نفســها وهــي‬ ‫حــن قــال ‪ ... « :‬و إننــي حتَّــى ممــن‬
‫عــن ســبب (وجــود القــارئ) أساس ـاً كمــا‬ ‫يف طــور اإلنشــاء‪.‬‬ ‫ألنهــا جتيــز حضــوري بينهــا‪ ،‬أحيانــاً‬
‫يــرى مانغويــل ‪ ،‬يقــول ‪ « :‬كل قــارئ يوجــد‬ ‫أمــا عــن ليــل املكتبــة !! يقــول ‪« :‬‬ ‫أشــع ُر بأنــي أســيء هــذا االمتيــاز » !!‬
‫كــي يضمــن لكتــاب معــن قــدراً متواضعـاً‬ ‫يف الليــل حــن توقــد مصابيــح املكتبــة ‪،‬‬ ‫و قولــه « قضيــت نصــف قــرن بجمــع‬
‫مــن اخللــود ؛ القــراءة بهــذا املفهــوم هــي‬ ‫يختفــي العالــم اخلارجــي و ال يبقــى ســوى‬ ‫الكتــب‪ ،‬و بكــرم ال حــد لــه قدمــت لــي‬
‫طقــس انبعــاث » ‪.‬‬ ‫لعالــم‬
‫ٍ‬ ‫انفتــاح‬
‫ٍ‬ ‫فضــاء الكتــب » هكــذا يف‬ ‫كتبــي كل أنــواع اإلشــراقات‪ ،‬دون أن‬
‫و كــي تبقــى احلــالوة يف كمونهــا‬ ‫ســراني ب ْكــر ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تســأل شــيئاً باملقابــل » ‪.‬‬
‫ـس يف ليــل مكتبتــي‬ ‫أودعــك بقولــه ‪ « :‬جالـ ٌ‬ ‫يُتــم يف وصفــه فيقــول ‪ « :‬يف الليــل‬ ‫وال غرابــة بالنســبة لــي يف مشــاعره‬
‫ـب يف هــاالت الضــوء ‪ ...‬ويطيــب لــي‬ ‫أرقـ ُ‬ ‫يتبــدل اجلــو ‪ ،‬األصــوات متســي مكتومــة‬ ‫جتــاه مكتبتــه‪ ،‬أو دعنــي أقــول املكتبــة‬
‫أن أتخيــل يف اليــوم األخيــر مــن حياتــي‬ ‫و األفــكار يعلــو صوتهــا ‪ ،‬يبــدو الوقــت‬ ‫أ ّي ـاً وأينمــا كانــت ‪ ،‬فألبرتــو يــرى املكتبــة‬
‫‪ ،‬كيــف نهلــك أنــا و مكتبتــي مع ـاً ‪ ،‬حتــى‬ ‫أقــرب لتلــك اللحظــة بــن النــوم و اليقظــة‬ ‫داراً للتخاطــر خــارج مســتوى اللغــة التــي‬
‫إذا لــم ي ُعــد لــي وجــو ٌد فإنــي ســأبقى مــع‬ ‫و التــي يغــدو فيهــا إعــادة تخيــل العالــم‬ ‫نعرفهــا ونســتخدمها ‪،‬فهاهــو يشــير إلــى‬
‫مكتبتــي » ‪.‬‬ ‫ال ‪ ... ،‬أحــس بحركاتــي دفينــة مــن‬ ‫ســه ً‬ ‫ـجل فقــط‬ ‫أنــه أ ّلــف هــذا الكتــاب لـــ يُسـ ّ‬
‫تنويه ‪:‬‬ ‫غيــر قصــد ‪ ،‬و نشــاطي سـ ّري ‪ ،‬و أحتـ ّول‬ ‫ٍ‬
‫كشــاهد ال أكثــر !‬ ‫« وقائــع دهشــته »‬
‫عجــل ‪ ..‬و صالــح مكتبتــك ‪ ،‬فــإن ملكتبتــك‬ ‫ّ‬ ‫إلــى مــا يشــبه الشــبح ‪ ...‬تشــكل الكتــب‬ ‫ويــرى أنهــا « أمكنــة مجنونــة علــى نحــو‬
‫عليـ َ‬
‫ـك ُح ّبا‪.‬‬ ‫اآلن احلضــور الواقعــي و أنــا القــارئ‬ ‫ممتــع » و أن الكتــب فيهــا « أدوات للفنــون‬
‫علي محمد أبو احلسن‬
‫‪@draliaboalhasan‬‬

‫‪23‬‬
‫نسرين إسماعيل‬
‫‪@nisreanismael‬‬

‫شــاهدة عليــه علــى الصعيــد العربــي‬ ‫وحصلــت علــى املاجســتير يف األدب‬ ‫إنــه ملــن الصعــب التكلــم عنهــا بلســان‬
‫والقومــي والشــخصي‪.‬‬ ‫املقــارن مــن جامعــة القاهــرة عــام ‪،١٩٧٢‬‬ ‫احليــاد‪ ،‬وال أظــن أن أحــداً قــرأ لهــا‬
‫القــارئ املتتبــع لكتــب وروايــات رضــوى‬ ‫وبعــد ثــالث ســنوات نالــت الدكتــوراه‬ ‫فعرفهــا سيســتطيع أن يفعــل‪ ،‬فعــدا كونها‬
‫ال يخفــى عليــه التطــور الــذي مــر بــه‬ ‫يف الواليــات املتحــدة‪ ،‬لتعمــل فيمــا بعــد‬ ‫قدمــت الكثيــر وأثْــرت املكتبــة العربيــة‪،‬‬
‫قلمهــا‪ ،‬فــإن كانــت روايتهــا « فــرج» تســرد‬ ‫أســتاذة يف كليــة اآلداب بجامعــة عــن‬ ‫لقــد جعلــت مــن كل قــارئ ألعمالهــا‬
‫بحبكــة متقنــة الكثيــر مــن األحــداث‬ ‫شــمس‪.‬‬ ‫صديقــاً لهــا علــى نحــو شــخصي‪ .‬تقــرأ‬
‫والتفاصيــل التــي تدمــج بــن احلقيقــة‬ ‫لــم تكتــف الســيدة بنــوع واحــد يف‬ ‫مــا كتبتــه فتتخيــل أن لقلمهــا عشــرة‬
‫واخليــال‪ ،‬فإنهــا بروايتيهــا «الطنطوريــة»‬ ‫إنتاجاتهــا الثريــة‪ ،‬فقــد توزعــت أعمالهــا‬ ‫رؤوس إذ يكتــب بعشــرة أســاليب‪ ،‬لكــن‬
‫و«ثالثيــة غرناطــة» تفــردت باختــالف يف‬ ‫مــا بــن دراســات نقديــة ومجموعــات‬ ‫صاحبــة األســاليب العشــرة كانــت بــروح‬
‫الرؤيــة‪ ،‬والتفاصيــل‪ ،‬وتقنيــات الســرد ال‬ ‫قصصيــة وروايــات وأعمــال أخــرى‬ ‫واحــدة ‪ . . .‬روح واحــدة وفقدناهــا‪.‬‬
‫أعتقــد أن ســنيناً قصيــرة ســتأتي مبــن‬ ‫صنفــت علــى أنهــا أعمــال تنتمــي للســير‬‫ُ‬ ‫القامــة األدبيــة الرفيعــة‪ ،‬القلــم‬
‫يشــغل محلهــا‪ ،‬أو يكــون منافســاً لهــا أو‬ ‫الذاتيــة‪ ،‬وقــد حظيــت جميعهــا باهتمــام‬ ‫النســوي املناضــل‪ ،‬الروائيــة األولــى‪ .‬يف‬
‫بدي ـ ً‬
‫ال عنهــا‪.‬‬ ‫كبيــر مــن النقــاد العــرب‪.‬‬ ‫زمــن تعانــي فيــه املكتبــة العربيــة مــن‬
‫آثــرت رضــوى أن جتعــل ُجــ ّل أبطــال‬ ‫كتبــت رضــوى علــى مــدى أربــع‬ ‫ْ‬ ‫املتســلقن واملتملقــن بقــي قلمهــا يف‬
‫رواياتهــا نِســوة‪ ،‬يف «فــرج» البطلــة كانــت‬ ‫وثالثــن ســنة‪ ،‬وكانــت باكــورة أعمالهــا‬ ‫أول القائمــة يحمــل شــعار العروبــة ولــواء‬
‫الثائــرة «نــدى»‪ ،‬ويف «ثالثيــة غرناطــة»‬ ‫قــد صــدرت ســنة ‪ ،١٩٧٧‬وهــي دراســة‬ ‫القضيــة‪ ،‬تكتــب بقلــم قــرر منــذ أول قطرة‬
‫كانــت «مريــة» عنوانــاً ألحــد األجــزاء‪،‬‬ ‫يف أعمــال غســان كنفانــي حتــت عنــوان‬ ‫حبــر فيــه أنــه ســيبقى لألجيــال ويُربــط‬
‫و «رقيــة» كانــت هــي «الطنطوريــة»‪ .‬يف‬ ‫«الطريــق إلــى اخليمــة األخــرى»‪ ،‬وختمــت‬ ‫بالتجــارب احملترمــة يف العالــم العربــي‪،‬‬
‫محاولــة جــادة رمبــا للموازنــة بــن كفتــي‬ ‫سلســة التميــز واإلجنــاز ســنة ‪٢٠١٣‬‬ ‫وأنــه ســيكون رمــزاً ثقافيــاً ووطنيــاً‪.‬‬
‫ميــزان الروايــة العربيــة‪ ،‬قصــدت رضــوى‬ ‫بروايتهــا «أثقــل مــن رضــوى» والتــي‬ ‫ولــدت الســيدة عاشــور عــام ‪١٩٤٦‬‬
‫لفعــل هــذا وأعتقــد أنهــا أفلحــت‪.‬‬ ‫تناولــت فيهــا ســيرة حياتهــا ومــا كانــت‬ ‫يف القاهــرة‪ ،‬درســت األدب اإلجنليــزي‬

‫‪24‬‬
‫ســياقات وتشــبيهات متطابقــة متامـاً‪ ،‬وال‬ ‫العربيــة واالنحيــاز إلــى القضيــة‬ ‫املصنّفــون للروايــة يُدرجــون أعمــال‬
‫أدري صدفــة هــذا مــن افتعالــه ولكنــه‬ ‫الفلســطينية يف حياتهــا وترجمــت ذلــك‬ ‫رضــوى حتــت بنــد الفكــر امللتــزم املنفتــح ‪.‬‬
‫شــيء يدعــو لالحتــرام علــى أيــة حــال‪.‬‬ ‫إلــى أعمــال فنيــة ال شــك أنهــا ســتخلد‬ ‫ففــي حــن أن رضــوى كانــت تكتــب وينــال‬
‫ودون أدنــى شــك‪ ،‬فــإن رضــوى مثلــت‬ ‫يف ذاكــرة القــراء ‪ .‬لقــد كانــت مناضلــة‬ ‫مــا تكتبــه دهشــة وإعجابــاً وانتشــاراً‪،‬‬
‫منوذجــاً للمثقــف العربــي األصيــل‪،‬‬ ‫حقيقيــة‪ ،‬مناضلــة علــى املســتوى الثقــايف‬ ‫فإنهــا كســبت احتــرام جمهورهــا كذلــك‪،‬‬
‫وبنــت بأعمالهــا هرمــاً مهيبــاً للمــرأة‬ ‫واالجتماعــي والسياســي‪.‬‬ ‫فهــي لــم تتكلــف ولــم تبتــذل ولــم تخــدش‬
‫املكافحــة واملناضلــة التــي تتجــاوز األلغــام‬ ‫نشــوءُ قلــم رضــوى بصحبــة مريــد‬ ‫قيمــة إنســانية أو دينيــة أو عربيــة بــل‬
‫والظــروف لتشــكل نســيجاً مــن اإلبــداع‬ ‫البرغوثــي ـ زوجهــا ـ ال شــك أن لــه تأثيــره‬ ‫علــى العكــس‪ ،‬لقــد رفعــت رضــوى‬
‫يف مجــاالت كثيــرة‪ ،‬يف النقــد ويف العمــل‬ ‫القــوي والواضــح‪ ،‬ويف روايتها الطنطورية‬ ‫ســقف توقعــات القــارئ العربــي و ّ‬
‫منــت‬
‫األكاديــي ويف الترجمــة ويف اإلبداعــات‬ ‫ـ وهــي نســبة إلى قريــة الطنطورة الواقعة‬ ‫ذوقــه‪ ،‬وجعلــت مــن األعمــال التــي‬
‫الروائيــة‪ ،‬ولــكل ذلــك فإنهــا وعــن جــدارة‬ ‫علــى الســاحل الفلســطيني جنــوب حيفــا‪،‬‬ ‫تغــص بالغراميــات‪ ،‬وجتعــل مــن احلــب‬
‫قــد أضيفــت إلــى ســجل املبدعــن‬ ‫التــي حدثــت فيهــا املذبحــة العــام ‪١٩٤٨‬‬ ‫والرومانســية شــغلها الشــاغل‪ ،‬أعمــاالً‬
‫اخلالديــن بــل وكانــت علــى رأســهم‪.‬‬ ‫علــى يــد العصابــات الصهيونيــة ـ‪-‬وأنــت‬ ‫ســاذجة ودون املســتوى‪.‬‬
‫توقفت رضوى عاشــور عن الكتابة يف‬ ‫تقــرأ البــد لــك أن تقــف وال تــدري مــا‬ ‫كانــت رضــوى مناضلــة حتــى يف نقدهــا‬
‫الســابع مــن ســبتمبر عنــد الســاعة ‪٦:٣٧‬‬ ‫ستســأله‪ ،‬أتســأل كيــف ملصريــة ولــدت يف‬ ‫األدبــي‪ ،‬إذ أنهــا كانــت تتصــدى إلــى أي‬
‫م‪ ،‬وذلــك حســب آخــر تعديــل لهــا علــى‬ ‫القاهــرة ولــم تعــرف ُمريدهــا حتــى ســن‬ ‫عمــل أدبــي جاعلــة مهمتهــا البحــث عــن‬
‫ملــف نصــي يف جهــاز احلاســب خاصتهــا‪.‬‬ ‫العشــرين أن تكــون فلســطينية إلــى هــذا‬ ‫اإلبــداع احلقيقــي ‪ .‬وتركــت لألجيــال‬
‫توفيــت رضــوى يف الثالثــن مــن نوفمبــر‬ ‫احلــد؟ أم إلــى أي حــد اســتطاع مريــد‬ ‫رســالة حــول الفكــر املنفتــح امللتــزم‪،‬‬
‫يف القاهــرة عــن عمــر يناهــز ثمانيــة‬ ‫أن يتغلغــل يف روح رضــوى وقلمهــا حتــى‬ ‫والــذي يصعــب الرهــان عليــه يف هــذا‬
‫وســتن عامــاً‪ ،‬بعــد صــراع ُشــجاع مــع‬ ‫صــارت هــي هــو؟ أو تســأل إلــى أي حــد‬ ‫الزمــان الــذي امتــأل بكتّــاب ي ّدعــون‬
‫املــرض‪ ،‬بعــد تشــييد هــرم مــن اإلجنــاز‬ ‫كانــت رضــوى تؤمــن بالقضيــة؟‬ ‫اإلبــداع وال يصلــون إليــه‪ ،‬ويتلبســون‬
‫ـوب مــن عرفهــا‪.‬‬
‫وحــب كثيــر يف قلـ ِ‬ ‫كقارئــة ألعمــال الثالثــي‪ ،‬الرجــل‬ ‫بردائــه وال يليقــون بــه‪.‬‬
‫وزوجتــه وابنهمــا حلظــت غيــر مــرة وجــود‬ ‫وكانــت رضــوى قــد متيــزت مبواقفهــا‬
‫رحم اهلل رضوى‪.‬‬ ‫تشــابه كبيــر يف األســاليب ووقفــت علــى‬ ‫الوطنيــة يف مجــال الدفــاع عــن الهويــة‬

‫‪25‬‬
‫񁰀‬
‫لطيفة املانعي‬
‫!‬
‫‪latifa55@outlook.com‬‬

‫ألــم حتبــس األنفــاس‪ ،‬وحتــرر الدمــوع‪،‬‬ ‫املميــز يف هــذا العمــل تع ُّمــد الكاتــب‬ ‫مــا مــن مشــهد إال وحتيــط بــه العيــون‬
‫وذلــك عندمــا اســتعرض معانــاة وكيــل‬ ‫أن يغلــف روايتــه بغمــوض يشــبه الــرؤى‬ ‫مــن كل جهــة‪ ،‬وكل عــن تــرى مــن زاويــة‬
‫النيابــة مــع انفصــال والدتــه‪ ،‬وارتباطهــا‬ ‫واألحــالم ‪ .‬والبومــة التــي أرادها أن تكون‬ ‫مختلفــة ‪ ،‬كلهــا مغمضــة‪ ،‬ومــع كل فصــل‬
‫الســريع برجــل ثــري‪ ،‬ثــم انقطاعهــا عــن‬ ‫إشــارة حلســن الطالــع يف هــذه الروايــة‬ ‫تفتــح عــن مــن تلــك العيــون ‪ .‬ومــع تتابــع‬
‫التواصــل معــه‪ ،‬ثــم ظهورهــا املفاجــئ‪،‬‬ ‫علــى خــالف مــا اعتــاد عليــه العــرب‬ ‫الفصــول تتعــدد العيــون التــي ترصــد‪،‬‬
‫فقــط لتســلمه مبلغ ـاً مــن املــال وتختفــي‪،‬‬ ‫مــن التشــاؤم منهــا ‪ ،‬كمــا أحــاط الروايــة‬ ‫وتتعــدد تفاصيــل الزوايــا‪ ،‬وتنكشــف لنــا‬
‫ثــم معاناتــه عنــد فشــل عالقتــه العاطفية‪،‬‬ ‫بالتســاؤالت‪ ،‬األحجيــات واأللغــاز‪ ،‬وقــد‬ ‫وحتــل ألغازهــا ‪ .‬هكــذا‬‫أحــداث الروايــة‪ُ ،‬‬
‫يتبعهــا لومــه لنفســه النشــغاله بالعمــل يف‬ ‫بــرع احلمــادي يف ذلــك ويف أشــياء أخــرى‬ ‫كان انطباعــي وأنــا أواصــل قــراءة روايــة‬
‫آخــر حلظــات أبيــه مــع احليــاة‪ ،‬تلــك‬ ‫كثيــرة‪ ،‬فقــد كان جريئـاً‪ ،‬احترمــت جرأتــه‬ ‫(ال تقصــص رؤيــاك)‪ ،‬العمــل الروائــي‬
‫احليــاة الصعبــة التــي كانــت سلســلة‬ ‫كثيــراً بــل وأردت املزيــد منهــا‪ ،‬فهــي‬ ‫الثانــي للكاتــب عبدالوهــاب احلمــادي‪،‬‬
‫مــن اإلحســاس بالذنــب‪ ،‬واأللــم‪ ،‬وانهيــار‬ ‫أقــرب للمواجهــة واملصارحــة بــن أفــراد‬ ‫واألول الــذي يدخــل القائمــة الطويلــة‬
‫األحــالم‪ ،‬والتــي يعبــر عنهــا احلمــادي‬ ‫وكشــف مشــاكلهم مــن‬ ‫ِ‬ ‫البيــت الواحــد‪،‬‬ ‫جلائــزة البوكــر العربيــة ‪.‬‬
‫بهــذه العبــارة البليغــة «بقــدر األلــم يف‬ ‫أجــل الوصــول إلــى حــل ‪.‬‬ ‫مــن خــالل بطــل الروايــة بســام‬
‫حياتنــا تنــزف قلوبنــا فتكتــب أقالمنــا» ‪.‬‬ ‫كمــا يتميــز الكاتــب بتم ُّكنــه مــن‬ ‫وحياتــه ومــن خــالل مــن يعيشــون معــه أو‬
‫كذلــك تفــوق يف مــزج الواقــع بأحــداث‬ ‫اإلمســاك بخيــوط الروايــة يف يــده‪ ،‬ممــا‬ ‫بالقــرب منــه‪ ،‬مــن يســحبهم حلياتــه ومــن‬
‫الروايــة‪ ،‬فقــد أدخــل الكاتــب بعضــاً‬ ‫زاد مــن درجــة التشــويق فيها‪ ،‬فكانت مثل‬ ‫يقتحمونهــا‪ ،‬ومــن خــالل اســتعراضه‬
‫مــن أحــداث شــهدتها الكويــت‪ ،‬ثــم زرع‬ ‫قطــع األحجيــة يف يــده‪ ،‬ومــع كل مشــهد‬ ‫ألحــداث حياتهــم يســلط املؤلــف الضــوء‬
‫أبطالــه بــن زوايــا تلــك املشــاهد‪ ،‬فكانــوا‬ ‫كان يناولنــا قطعــه لكــي نقــوم بحــل اللغــز‬ ‫علــى املشــاكل التــي عانــى منهــا املجتمــع‬
‫مســاهمن بتلــك األحــداث‪ ،‬وصانعــن‬ ‫بأنفســنا‪ ،‬وقــد كان هــذا اجلانــب متقــن‬ ‫الكويتــي بأســلوبه املشــوق ‪ .‬ومــن تلــك‬
‫لهــا‪ ،‬ممــا دفعنــي إلــى البحــث يف موقــع‬ ‫جــداً جعــل القــارئ يتطلــع للنهايــة ‪.‬‬ ‫املشــاكل التــي طرحهــا‪ :‬االختالفــات‬
‫اليوتيــوب ملشــاهدة تلــك األحــداث‪،‬‬ ‫كمــا يجــب أن ال نُغفــل احلمــادي‬ ‫الطائفيــة‪ ،‬الطبقيــة‪ ،‬التنــوع السياســي‪،‬‬
‫والبحــث عــن أبطــال الروايــة ‪.‬‬ ‫املتمكــن مــن جتســيد املشــاعر اإلنســانية‪،‬‬ ‫الفســاد‪ ،‬اإلحلــاد‪ ...‬وغيرهــا‪ ،‬كل ذلــك‬
‫وقفة أخيرة‪:‬‬ ‫فمــع الروايــة قــد تتفــاوت مشــاعرك‬ ‫مت عرضــه بصــورة محايــدة‪ ،‬وأســلوب‬
‫«عندمــا يغلــق املنــام عليــك بابــه وتغــرق‬ ‫وتتذبــذب مــن فصــل إلــى آخــر ‪ ،‬احليــرة‪،‬‬ ‫فيــه الكثيــر مــن جــو احلريــة‪ ،‬فالكاتــب‬
‫يف ظالمــه يفتــح لــك مــن اجلهــة املقابلــة‬ ‫الغضــب‪ ،‬األلــم‪ ،‬احلــزن‪ ،‬القلــق‪ ،‬وقــد‬ ‫يعــرض‪ ،‬والقــارئ حــر يف اتخــاذ القــرار‪،‬‬
‫بــاب األحــالم فكيــف تهــرب مــن النــوم‬ ‫تفوق يف جتســيد تلك املشــاعر يف فصل‬ ‫كل تلــك األحــداث كانــت منســجمة مــع‬
‫وبــن األحــالم و الــرؤى تــدور األحــداث» ‪.‬‬ ‫وكيــل النيابــة‪ ،‬حيــث احتــوى علــى كميــة‬ ‫خــط ســير الروايــة ولــم تُقحــم فيهــا‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫إيان األمير‬
‫‪emanalameer1@gmail.com‬‬

‫تكمــل قراءتــك‪ ,‬أو يأتيــك اتصــال أو‬ ‫نتحمــل مســؤولية القــراءة كمــا نتحمــل‬ ‫يف عصــر االنفتــاح املعلوماتــي‬
‫إشــعار أو تنبيــه فيســرق فــؤادك للتصفــح‬ ‫مســؤولية القلــم‪ ,‬فمــا الكتــاب الــذي أ ّثــر‬ ‫املعــريف ويف ظــل هــذا الزمــن امل ُ َع ْولَــم‪،‬‬
‫عدت‬
‫َ‬ ‫والتواصــل وإمتــام املهــام‪ ،‬فحتــى لــو‬ ‫يف وعينــا‪ ,‬ومــا نــوع التأثيــر؟ وهــل نحــن‬ ‫أصبــح مــن الواجبــات اليوميــة لــكل فــرد‬
‫لكتابــك اإللكترونــي هــذا لــن تعــود بــذات‬ ‫علــى قناعـ ٍـة بــه مــا دمنــا نتطــور مــن وقـ ٍـت‬ ‫منّــا أن يتنــاول صفحــ ًة ليقرأهــا‪ ,‬ألننــا‬
‫اللهفــة مــع الورقــي! كانــت هــذه وجهــة‬ ‫آلخــر؟! عــن جتربتــي يف تنــاول الكتــاب‬ ‫َ‬ ‫نعيــش اخلبــر وليــس ُمقنِعــاً أن جنهــل‬
‫نظــري فيمــن يُفــ ِّوت عليــه القــراءة يف‬ ‫بــدأت العالقــة منــذ املرحلــة التمهيديــة‬ ‫ْ‬ ‫محتــواه‪ ,‬كمــا أنــه لــن نتمكــن مــن مواكبــة‬
‫زمــن التنــاول الســهل‪ ،‬أو يجعلهــا جوابــاً‬ ‫قبــل الصــف األول االبتدائــي‪ ،‬بــدأَ ْت‬ ‫مجريــات ثــورة املعلومــات اجلاريــة دون‬
‫لســؤال أكثــر ( اعتباطــاً)‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫اعتباطيــاً‬ ‫باقتنــاء القصــة‪ ,‬ثــم البحــث عمــن يقرأهــا‬ ‫أن تقــرأ‪ ,‬ســتحتاج إلــى القــراءة مهمــا‬
‫ماهــي هوايتــك؟ واملفتــرض أن تكــون‬ ‫لــي‪ ,‬ثــم البحــث عمــن يجيــد قراءتهــا لــي‬ ‫كان عمــرك ومكانــك ومكانتــك‪ ،‬ألنــك‬
‫القــراءة فرضــاً يوميــاً ال هوايــة نأتيهــا‬ ‫بالصــوت واإللقــاء والتمثيــل‪ ,‬ألتخ ّيــل‬ ‫متصـ ٌل باحلــدث واحلديــث‪ ,‬وأعتقــد بــأن‬
‫باملــزاج والهــوى‪ .‬يقــول جلبــرت كيــث‬ ‫‪,‬وأشــعر ‪,‬وأتك ّيــف ‪ ,‬وأســتمتع‪ ,‬ثــم تطـ ّورت‬ ‫الســؤال عــن التخييــر النوعــي بــن الكتاب‬
‫‪ -‬وهــو الكاتــب والفيلســوف والشــاعر‬ ‫العالقة إلى القصص املرفقة مع كاســيت‬ ‫ـات بائــراً‪ ،‬فاألَ ْولــى‬
‫الورقــي واإللكترونــي بـ َ‬
‫واملســرحي والصحفــي والناقــد‪« :-‬هنــاك‬ ‫وهــي نــوع ثــري جــداً وغنــي باملفــردات‬ ‫أن نســأل عــن األقــرب لشــخصيتنا‬
‫فــر ٌق عظيــم بــن شــخص متش ـ ّوق يريــد‬ ‫والقــراءة العربيــة الفصيحــة اجليــدة‪ ،‬مــع‬ ‫ووجداننــا الــذي تك ـ َّون بالقــراءة‪ ,‬فالــذي‬
‫أن يقــرأ كتابــاً‪ ,‬وشــخص مت َعــب يريــد‬ ‫شــارات التوقــف لنقلــب الصفحــة‪ ،‬فنتعلــم‬ ‫بــدأ يف بدايــة تكوينــه الدماغــي بالقــراءة‬
‫كتابــاً ليقــرأهُ!»‪ ،‬فانتهــزوا األوقــات‬ ‫حتــى مــكان ترقيــم الصفحــة‪ ,‬وعالمــات‬ ‫الورقيــة ســيجد نفســه فيهــا ولكنــه لــن‬
‫وتربصوهــا واحشــوها بالقــراءة بــن‬ ‫الترقيــم ومتــى يكــون الوقــوف يف القــراءة‬ ‫يســتغني عــن البديــل مــا دام موجــوداً‪،‬‬
‫تصفحكــم ويومياتكــم وجدولكــم‪ ،‬لكــي‬ ‫ومتــى يأتــي االســتئناف‪ ،‬وأحمــد اهلل‬ ‫ومــن لــم يعتــاد الــورق ســيجد جفــوة وهـ ّوة‬
‫يبقــى التواصــل مــع أطفالكــم وأبنائكــم‬ ‫إذ أجدنــي اليــوم أُجيــد املرونــة يف‬ ‫لــن يســ ّدها الــكالم ‪ ..‬فاملهــم أن نقــرأ‪,‬‬
‫والبيئــة األكبــر فاألكبــر أكثــر متعــ ًة‬ ‫تقليــب الكتــاب الورقــي أو حتــى الكتــاب‬ ‫وكيــف نقــرأ ألن النمــط القرائــي الواحــد‬
‫ورفعـ ًة‪ ،‬واســموا بالقــراءة تنفتــح‬ ‫وأصالـ ًة ِ‬ ‫املســموع‪ ،‬وهــذا مــن إيجابيــات التقنيــة‬ ‫قــد يُفــ ِّو ُت علينــا فرصــاً أكثــر اندماجــاً‬
‫اآلفــاق وتتســع املــدارك‪ ،‬فقــارئ احلــرف‬ ‫وحســنات الكتــب املســموعة‪ ,‬واملكتبــات‬ ‫مــع الوقــت الســريع‪ ،‬كالقــراءة التحليليــة‬
‫مــازال يتعلــم ولكــن قــارئ الكتــاب هــو‬ ‫اإللكترونيــة‪ ,‬صحيـ ٌح أنــي ال أعتمــد علــى‬ ‫والقــراءة النقديــة والقــراءة التصويريــة‬
‫املثقــف والثقافــة صناعــة وعـ ٍـي وجتديــد‬ ‫الكتــاب املرئــي باجلــوال‪ ،‬ألن كل شــيء‬ ‫والقــراءة البحثيــة والقــراءة الســريعة ـ‬
‫وتطويــر وتنميــة ورحابــة و تعايــش و تق ّبــل‬ ‫عــدا (خيــر جليــس) البــد أن يخذلــك‬ ‫التــي اليعتــرف بهــا أغلــب الذيــن عرفوهــا‬
‫و حيــاة‪ ..‬عيشــوا احليــاة‪.‬‬ ‫فجــأة كأن ينتهــي شــحن البطاريــة فــال‬ ‫ـ ولكــن النتائــج هــي الفيصــل! وعلينــا أن‬

‫‪27‬‬
‫نحــن مــن نبحــث عنهــا والقــارئ الشــغوف‬ ‫املعرفــة‪ .‬وقــد كان الســومريون هــم أول‬ ‫وبعــد طــول انتظــار أعلــن مشــروع‬
‫بعضــا مــن وقتــه ليقــرأ‬‫هــو مــن يســرق ً‬ ‫مــن وعــى احليــاة ورأوهــا كشــيء يســتحق‬ ‫أصدقــاء القــراءة عــن ناديــه الثقايف األول‬
‫وكل قــارئ شــغوف البــد وتنمــو يف حياتــه‬ ‫أن يســجل ويفكــر فيــه‪ .‬وتــروي أيضــا أن‬ ‫بالشــراكة مــع عمــادة املكتبــات واملكتبــة‬
‫مكتبــة وأن القــراءة ال متنحنــا املعلومــة‬ ‫انتشــار الكتــب اســتدعى احلاجــة إلــى‬ ‫املركزيــة يف جامعــة األميــرة نــورة بنــت‬
‫فارغــة وســطحية‪ ،‬بــل حتقنهــا بعشــرات‬ ‫دور النشــر‪ ،‬فظهــر أول ناشــر يف القــرن‬ ‫عبدالرحمــن يف مدينــة الريــاض‪ .‬ويهــدف‬
‫املذاقــات والنكهــات لنســتعذب حالوتهــا‬ ‫‪ ١٥‬وكان يطبــع قوائــم بعناويــن الكتــب‬ ‫النــادي إلــى تكويــن محضــن ثقــايف يُلــم‬
‫فــال يجــد امللــل طريقــه إلــى أذهاننــا‬ ‫ترســل لألفــراد واملؤسســات‪.‬‬ ‫بجميــع نوافــذ املعرفــة‪ .‬وتتمثــل سياســة‬
‫وأنهــا تدربنــا علــى عــدم احلكــم املســبق‬ ‫وعندمــا نتذكــر جرائــم حــرق الكتــب‬ ‫النــادي يف تنظيــم لقــاءات أســبوعية‬
‫علــى األشــياء‪ ،‬وأن الكراهيــة بــال ســبب‬ ‫علــى مــدى قــرون نــدرك متا ًمــا أنهــا لــم‬ ‫ضمــن نطــاق أنشــطة ُمختلفــة مــن‬
‫قصــور يف املخيلــة‪.‬‬ ‫تؤثــر علــى قيمــة الكتــاب ولــم يتقهقــر‬ ‫حلقــات النقــاش الثقافيــة‪ ،‬نقــاش ال ُكتــب‪،‬‬
‫وقــد خُ تمــت حلقــة النقــاش مبقولــة‬ ‫انتشــاره‪ .‬بــل أعطتنــا دليـ ًـال وبرها ًنــا قو ًّيــا‬ ‫واســتضافة بعــض املؤلفــن‪ ،‬وورش العمــل‬
‫هنــري ميلــر ‪-‬الكاتــب املشــهور‪ « -‬الكتــاب‬ ‫علــى قــوة الكتــاب‪ ،‬وأنــه الهويــة األساســية‬ ‫املُختلفــة‪.‬‬
‫ليــس صديقــاً فقــط‪ ،‬بــل يصنــع لــك‬ ‫لــكل الشــعوب‪ ،‬وتدميــره يعنــي القضــاء‬ ‫وقــد انطلــق النــادي رســم ًيا بحفــل‬
‫أصدقــاء » ومــن ثــم ســؤال احلضــور عــن‬ ‫علــى كرامــة وهويــة أي شــعب‪.‬‬ ‫افتتــاح يــوم اإلثنــن ‪ ١٣‬أغســطس ‪٢٠١٥‬‬
‫تنبوءاتهــم مبســتقبل القــراءة‪.‬‬ ‫وطرحــت األســتاذة صاحلــة الدعيــج‬ ‫املوافــق ‪ ١٦‬ذو القعــدة ‪ ،١٤٣٦‬وقــد توجت‬
‫قائلــة أن القــراءة لــن متــوت بــإذن‬ ‫ُمداخلــة تقــول فيهــا «عنــد ســقوط‬ ‫أنشــطة النــادي باجللســة النقاشــية‬
‫اهلل‪ ،‬فهــي جوهــر االنســان واعتمــاد‬ ‫األندلــس وحــن أصبحــت بيــوت‬ ‫األولــى والتــي كانــت بعنــوان «الكتــاب‬
‫وجــوده وثمــن بقائــه‪ ،‬وهــي بوابــة املعرفــة‬ ‫املســلمن تهــدم كانــت الكتــب مخبــأة‬ ‫علــى مــر العصــور»‪ ،‬بــإدارة األســتاذة‬
‫التــي ليــس لإلنســان غنــى عنهــا وأنــه مــن‬ ‫داخــل اجلــدران» مســتدلة بهــا علــى‬ ‫صفيــة عبدالرحمــن‪ ،‬لتعــرج علــى محــاور‬
‫الواجــب علــى كل قــارئ أن يعتمــد علــى‬ ‫اهتمــام املُســلمن بالقــراءة‪.‬‬ ‫عديــدة كان مــن بينهــا محــور بعنــوان‬
‫تنظيــم احليــاة والوقــت مــن أجــل القــراءة‪،‬‬ ‫أيضــا‬ ‫وحتدثــت األســتاذة صفيــة ً‬ ‫«الكتــاب ضيــف علــى األرض» والتــي‬
‫وأن يكــون مخلصـاً للكتــاب‪ ،‬فالقــارئ هــو‬ ‫عــن محــور آخــر بعنــوان «ميــدان الكتــب‬ ‫قالــت فيــه‪ :‬إن املعرفــة غريــزة إنســانية‬
‫مــن يخلّــد الكتــب‪.‬‬ ‫والكتابــة» اســتفتحته بســؤال احلضــور‬ ‫بعثــت اإلنســان مــن مرقــده وهــي جوهــر‬
‫وأغلــق النــادي أبوابــه علــى أمــل اللقاء‬ ‫عــن أوقــات قراءتهــم املفضلــة وطقوســهم‬ ‫وجــوده يف احليــاة‪ ،‬لهــذا ســعى إلــى‬
‫بــزواره يــوم االثنــن القــادم كمــا ســيكون‬ ‫ال ّتــي يارســونها حــال القــراءة ثــم تنتقــل‬ ‫حتصيلهــا وكل متأمــل يف التاريــخ يجــد‬
‫املوعــد ُكل أســبوع‪.‬‬ ‫باحلــوار قائلــ ًة‪ :‬القــراءة ال جتدنــا بــل‬ ‫أن غالــب صراعــات البشــر تكمــن حــول‬

‫وعد العريفج‬
‫رئيسة نادي أصدقاء القراءة‬
‫‪@wa3adAlorayfij‬‬

‫‪28‬‬
‫اختتمت أرامكو السعودية فعاليات‬
‫« مســابقة اقــرأ » يف حفلهــا الــذي‬
‫أقيــم يف الظهــران يــوم اجلمعة املوافق‬
‫‪ ٤‬ســبتمبر مــن العــام اجلــاري بحضــور‬
‫وزيــر التعليــم عــزام الدخيــل ‪.‬‬
‫مت فيــه اإلعــالن عــن أســماء الفائزيــن‬
‫الســتة يف فرعــي املســابقة‪ ،‬حيــث‬
‫حصــل عبــداهلل املشــوح علــى لقــب‬
‫قــارئ العــام عــن فئــة املرحلــة‬
‫اجلامعيــة ‪ ،‬وحصلــت شــروق شخشــير‬
‫علــى لقــب قــارئ العــام عــن فئــة‬
‫التعليــم العــام ‪ ،‬وفــاز علــي ســليس‬
‫بتصويــت اجلمهــور‪ ،‬أمــا عــن الفائزيــن‬
‫بقــارئ اجلمــال فقــد كان املركــز األول‬
‫مــن نصيــب خالــد الســبت ‪ ،‬واملركــز‬
‫الثانــي خلــود اخلالــدي ‪ ،‬واملركــز‬
‫الثالــث فهــد املســعود‪.‬‬
‫مســابقة أقــرأ هــي أحــد مبــادرات‬
‫أرامكــو عبــر ذراعهــا الثقــايف مركــز‬
‫امللــك عبدالعزيــز الثقــايف العاملــي ‪،‬‬
‫وكانــت قــد انطلقــت فعالياتها للموســم‬
‫الثانــي يف ‪ ٤‬مــارس ‪ ، ٢٠١٥‬وعلــى‬
‫هامــش احلفــل أعلــن رئيــس أرامكــو‬
‫الســعودية املهنــدس أمــن الناصــر‬
‫عــن تدشــن أســبوع وطنــي للقــراءة‬
‫يســتهدف ‪ ٥٠‬ألــف مشــارك وزائــر‬
‫يســتضيفهم مركــز امللــك عبدالعزيــز‬
‫الثقــايف العاملــي يف العــام القــادم‪.‬‬

‫‪29‬‬
“ 跾껾 “

30
.. 跾껾 껾 跾
: 菾
magazine.rfriends.net

31

You might also like