You are on page 1of 11

‫المحور الثاني ‪:‬الفلسفة وقضاياها‬

‫المحاضرة الخامسة ‪ -‬التعريف بالفسفة‪.‬‬


‫المحاضرة السادسة ‪ -‬قضايا الفلسفة االسالمية)األلوهية‪،‬الوجود‪،.‬النفس‪،‬‬
‫قدم العالم‪،‬السببية‪ ،‬نظرية الصدور‪.‬‬
‫األهداف الخاصة بالمحور‪:‬‬
‫‪-‬ان يتعرف الطالب على تعريف الفالسفة المسلمين للفلسفة‬
‫‪-‬ان يتعرف على اإلضافات التي قدمها الفالسفة العرب لتعريف الفلسفة‪.‬‬
‫‪-‬أن يميز بين كل تعريف وبعده النظري والعملي‪.‬‬
‫‪-‬أن يحدّد أوجه اإلبداع واإلتباع في تعريف الفلسفة ‪.‬‬
‫يتعرف على بعض القضايا التي تناولها الفالسفة المسلمين بالنظر‬
‫ّ‬ ‫‪-‬أن‬
‫والمعالجة‪.‬‬
‫‪-‬ان يتعرف على أهمية تلك القضايا في بناء فلسفة أصيلة كفيلة ب تحديد‬
‫الرؤية إلى الوجود‪.‬‬
‫‪-‬أن يبيّن طبيعة المنهج الذي اعتمد الفالسفة في مختلف القضايا المتناولة‪.‬‬
‫‪-‬ان يناقش األطروحات التي تنفي حضور اإلبداع في الفلسفة اإلسالمية ‪.‬‬

‫‪ -1‬المحاضرة الخامسة‪ :‬التعريف بالفلسفة عند الفالسفة المسلمين‪.‬‬


‫)تعريف الفالسفة العرب بالمقارنة مع اليونانيين)‪:‬‬
‫إهتم فالسفة العرب بتوضيح مقصودهم من الفلسفة في كتبهم‬
‫ورسائلهم‪ ،‬ومن هؤالء أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي)ت ‪ 252‬ه (‬
‫الذي اهتم" إليضاح حقيقة الفلسفة ووجوب األخذ بها في رسالة وجهها‬
‫إلى المعتصم باهلل ‪ .‬وقد أعلن فيها أن الفلسفة أشرف العلوم وأعالها مرتبة‪،‬‬
‫وأنه من واجب المفكر أن يأخذ بها] ‪..‬وهو ينظر [إلى الفلسفة نظرة غيرية‬
‫ونظرة ذاتية ‪.‬وهو‬
‫في نظرته األولى يحاول أن يتتبع كبار الفالسفة ليستخلص من كتاباتهم ما‬
‫يعنون بكلمة فلسفة‪ ،‬فيجمع في رسالته المعروفة ب"رسالة الحدود "ما اشتهر من‬
‫حدود الفلسفة عند األقدمين‪ ،‬وهكذا يقدم لنا ستة حدود أكثرها أفالطوني النزعة ‪.‬‬
‫وهو في نظرته الثانية يحاول أن يقدم لنا تحديدا شخصيا يستقيه من تعاليم أفالطون‬
‫وأرسطو‪ ،‬ويثبته في رسالته إلى المعتصم باهلل في الفلسفة األولى‪ ،‬ويقول ‪:‬الفلسفة‬
‫هي" علم األشياء بحقائقها بقدر طاقة اإلنسان ‪".‬ونحن نعلم أن الفيلسوف في نظر‬
‫أفالطون‪ ،‬هو من تحلى بحب الحقيقة والميل إلى البحث‪ ،‬ومن فضل طريق اليقين‬
‫على طريق الظن ‪.‬وقد أضاف الكندي أن" في علم األشياء بحقائقها علم الربوبية‬
‫وعلم الوحدانية وعلم الفضيلة وجملة علم ك ل نافع والسبيل إليه‪ ،‬والبعد عن كل‬
‫ضار واالحتراس منه"‪ 1‬ومن ثم يكون غرض الفيلسوف نظريا وعمليا‪ ،‬أما الغرض‬
‫النظري فإصابة الحق‪ ،‬وأما الغرض العملي فالعمل به‪ ،‬وهكذا يرجع الكندي إلى‬
‫التقسيم األرسططاليسي للفلسفة‪ .‬و بقدر ما يسعى اإلنسان وراء الحق ويعمل به بقدر‬
‫ذلك يكون كامل اإلنسانية ‪".2‬وأشرف الفلسفة وأعالها مرتبة الفلسفة األولى‪ ،‬أعني‬
‫علم الحق األول الذي هو علة كل حق‪ ،‬ولذلك يجب أن يكون الفيلسوف التام‬
‫األشرف هو المرء المحيط بهذا العلم األشرف‪ ،‬ألن علم العلة أشرف من علم‬
‫المعلول "‪.3‬‬
‫وقد أكد أرسطو أن غاية اإلنسان القصوى هي معرفة العلل األولى‬
‫الكلية ‪.‬وفي كالم الكندي أيضا صدى أفالطون‪ ،‬وفيه أيضا تمهيد لما‬
‫سيكون للفيلسوف في مدينة الفارابي الفاضلة من محل رفيع "‪.4‬‬
‫لقد ادرك الكندي أن أية محاولة لتبيئة الفلسفة تقتضي تصحيح الرؤى‬
‫والمواقف التي انتشرت في الوسط الفكري واالجتماعي عن الفلسفة‪ ،‬وهو أمر ال‬
‫يمكن ان يتحقّق إالّ بتقديم تعريف واضح للفلسفة‪ ،5‬ولهذا لم يكتف بتقديم تعريف‬

‫‪ 1‬حنا الفاخوري‪ ،‬خليل الجر‪ ،‬تاريخ الفلسفة العربية‪ ،‬بيروتن دار الجيل‪،‬ظ ‪ ،3،1993‬ج‪2‬ن ص ‪.67‬‬
‫‪ 2‬حنا الفخوري‪ ،‬المرجع نفسه‪،‬ص‪.67‬‬
‫‪ 3‬حنا الفخوري‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫‪ 4‬حنا الفخوري‪ ،‬ص ص ‪.70-66‬‬
‫‪ 5‬ابو يوسف يعقوب الكندي ‪ ،‬كتاب الفلسفة األولى‪-‬رسالة في حدود األشياء ورسومها‪ ،‬تحقيق وتقديم محمد الهادي ابو ريدة‪،،‬‬
‫دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬د سنة الطبع‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫واحد لها‪ ،‬بل قدم تعريفات عديدة‪ ،6‬حاول من خاللها تصحيح الرؤى ونحت مكانة‬
‫الئقة للفلسفة في الوسط الثقافي واالجتماعي‪ .‬وقد جاء هذا العمل في رسالة حدود‬
‫األشياء ورسومها‪.‬‬

‫التنويع في تعريف الفلسفة يؤكد تضلّعه في الفلسفة وفهمه لروح الفلسفة‬


‫ودورها الحضاري‬
‫‪ -1‬تعريف بحسب االشتقاق‪ :‬عرف من خالله الفلسفة بقوله((الفلسفة هي‬
‫الحكمة))تعريف‬ ‫ّ‬
‫ألن فيلسوف هو مركب من فيال‪-‬محب‪ -‬وسوفيا‪-‬‬ ‫حبّ الحكمة‪،‬‬
‫رغم بساطة هذا التعريف إالّ انه يعكس أبعادا فكرية وحضارية عميقة‬ ‫فورفوريوس‬

‫اختصرها في القول المفيد‪ ،‬ألنه يعلم أن القول المختصر هو أحسن سبيل ليوصل‬
‫معناها للجمهور وعامة الناس‪ ،‬فكانت لغته بسيطة عميقة تداولية‪ ،‬تحمل موافقا‬
‫واضحة من مسائل عديدة‪:‬‬
‫‪ -‬أما المعنى األول فهو يقوم على تحديد روح فعل التفلسف وهو طلب‬
‫الحكمة‪ ،‬وهي مطلب بشري مشترك‪ ،‬ال ينحصر عند جنس معين‪ ،‬كما انه مطلب‬
‫فطري وكذلك شرعي عند المسلمين‪ ،‬كون اإلسالم يحث على طلب الحكمة‪ ،‬ومنه‬
‫يصبح فعل التفلسف فعل ال يتعارض مع مطالب الدين‪ ،‬بذلك يحاول ان يطمئن‬
‫الناس من الفلسفة كونها مجرد طريق في التفكير والنظر مقصده الحكمة‪.‬‬
‫‪ -‬وفيما يخص المعنى الثاني‪ ،‬فهو يتمثل في اعترافه باشتقاقها اللغوي األصل‬
‫اليوناني‪ ،‬وهذا يتضمن مسألة االعتراف بالغير واالنفتاح على إنتاجه العلمي‬
‫والفكري‪ ،‬إذا كان يحقق الحكمة‪.‬‬
‫إن الفلسفة هي الت ّ‬
‫شبه بأفعال هللا‬ ‫‪ -2‬تعريف بحسب التأثير‪ :‬يقول فيه(( ّ‬
‫وهو‬ ‫الفضيلة))تعريف افالطوني‬ ‫تعالى‪،‬بقدر طاقة اإلنسان‪ ،‬أراد أن يكون اإلنسان كامل‬
‫تعريف يوضّح من خالله طبيعة التأثير الذي تحدثه الفلسفة في حياة اإلنسان‪ ،‬فهي‬
‫تساعده على امتالك الحكمة ‪ ،‬كما أنها تمنحه امكانية امتالك الفضيلة والتخلّق بها‬

‫‪ 6‬كروث ايرنانديث‪،‬تاريخ الفكر في العالم اإلسالمي‪ ،‬ترجمة عبد العال صالح المركز القومي للترجمة‪،،‬القاهرة‪،‬الطبعة‬
‫األول‪،‬ص‪.295‬‬‫الثانية‪،2016،‬المجلد ّ‬
‫لبلوغ أعلى مراتب الكمال البشري‪ ،‬وهي التشبّه بأفعال هللا تعالى‪ ،‬عن طريق‬
‫معرفة كماله وعدله ورحمته والسعي لتجسيد هذه الصفات في سلوك اإلنسان‪ ،‬وهذا‬
‫المبررات‬
‫ّ‬ ‫أمر ال يتعارض مع ما ينشده المسلم الذي يحب هللا ورسوله‪ .‬وبذلك تسقط‬
‫التي ترفض الفلسفة بحجة أنها تبعد اإلنسان عن هللا تعالى وعن الدين‪ ،‬وهي في‬
‫حقيقتها مواقف ال عالقة لها بالغيرة والدفاع عن الدين بل هي مرتبطة بالدفاع عن‬
‫المصالح الضيقة(( وكانوا منها في األطرف الشاسعة بموضع األعداء الجرية‬
‫المزورة التي نصبوها عن غير استحقاق‪ ،‬بل بالترؤس‬
‫ّ‬ ‫الواترة‪ ،‬دفاعا ً عن كراسيهم‬
‫تحر ت ّجر بشيء باعه‪ ،‬ومن باع شيئاً‪،‬‬
‫والتجارة بالدين‪ ،‬وهو علماء الدين‪ ،‬ألن من ّ‬
‫يتعرى من عائد قنيّة علم‬
‫ّ‬ ‫لم يكن له‪ ،‬فمتى تجر بالدين لم يكن له دين‪ ،‬ويحق أن‬
‫األشياء بحقائقها وس ّماها كفراً))‪.7‬‬
‫‪ -3‬تعريف من حيث الغاية‪ :‬الفلسفة هي(( العناية بالموت‪ ،‬والموت عندهم‬
‫موتان‪ :‬طبيعي وهو ترك النفس استعمال البدن‪ ،‬والثاني إماتة الشهوات وهذا هو‬
‫الموت الذي قصدوا إليه‪ ،‬ألن إماتة الشهوات هي السبيل إلى الفضيلة‪ ،‬ولذلك قال‬
‫شر‪ ،‬فباضطرار انه إذا كان للنفس استعماالن‪ :‬احدهما‬
‫كثير من أجله القدماء‪ :‬اللذة ّ‬
‫ي لذة ما يعرض في اإلحساس‪ ،‬ألن التشاغل‬
‫سي واآلخر عقلي‪ ،‬كان م ّما سم ّ‬
‫ح ّ‬
‫هذا التعريف الذي يتعرض‬ ‫العقل))تعريف افالطوني‪-‬فيدون‪-‬‬ ‫باللذات الحسيّة ترك الستعمال‬
‫فيه إلى مسألة تكاد تكون مطلبا جوهريا في حياة المسلم وهو الترفع عن الشهوات‬
‫والملذات التي تحط من قيمته وتدفعه إلى ارتكاب الفواحش من األفعال‪ ،‬فإماتة‬
‫الشهوات هو بمثابة مجاهدة للنفس‪ ،‬لالرتقاء بها والفلسفة تساعد المرء على بلوغ‬
‫هذه الغاية‪ ،‬إنها تعلمه كيف يكون حيا بروحه وقلبه وعقله قبل ان يكون حيا ً ببدنه‪.‬‬
‫‪ -4‬تعريف من حيث عالقتها باإلنسان‪ :‬لم يكتف الكندي بتقديم تعريفات تبيّن‬
‫أهمية وغاية الفلسفة وفقط‪ ،‬بل كان حريصا ً أن يبيّن عالقة هذا النمط الفكري بحياة‬
‫اإلنسان‪ ،‬وما يمكن أن تقدمه لهذا المخلوق المختلف عن بقية المخلوقات‪،‬يحث كان‬
‫يرى ّ‬
‫أن(( الفلسفة هي معرفة اإلنسان بنفسه‪ ،‬هذا قول شريف النهاية بعيد الغور‪،‬‬

‫‪ 7‬رسالة في الفلسفة األولى‪ ،‬المصدر نفسه‪،‬ص‪,35‬‬


‫مثالً أقول‪ :‬أن األشياء إذا كانت أجساما و ال أجسام هي إ ّما جواهر‪ ،‬وإ ّما أعراض‪،‬‬
‫وكان اإلنسان هو الجسم واألعراض‪ ،‬وكان النفس جوهرا ً ال جسماً‪ ،‬فإنه إذا عرف‬
‫ذاته فإنه عرف الجسم بأعراضه‪ ،‬العرض األول والجوهر الذي هو ال جسم‪ ،‬فإذن‬
‫إذا علم ذلك جميعاً‪ ،‬فقد علم ال الكل ولهذه العلة س ّمى الحكماء اإلنسان العالم‬
‫األصغر)) فهو يؤكد في كتابه إلى المعتصم باهلل في الفلسفة األولى‪ ،‬أنها أعلى‬
‫الصناعات اإلنسانية منزلة وأشرفها مرتبةً ألنها تم ّكن اإلنسان من معرفة ح ّد علم‬
‫األشياء بحقائقها بقدر طاقته‪ ،8‬وفي هذا تأكيد على سقوط الدعوى التي تبطل‬
‫االشتغال بالفلسفة‪.‬‬
‫موضوعات وأقسام الفلسفة‪ :‬تنقسم الفلسفة بحسب الكندي‪ ،‬إلى علم وعمل‪،‬‬
‫أي يقسمها إلى نظر عملي وأخر نظري‪ ،‬واألول يقصد به الفلسفة العملية‪ ،‬من خالله‬
‫مجرد نظر ميتافيزيقي ال عالقة بالحياة العملية لإلنسان‪ ،‬وإن‬
‫ّ‬ ‫يثبت ّ‬
‫أن الفلسفة ليست‬
‫كان في تقسيمه هذا ال يخالف أرسطو فهو يقدم الجديد‪ ،‬عندما ربط بين ما جاء به‬
‫الحكماء وما جاءت به الرسل والرساالت‪ ،‬وهو أمر غير معهود به عند الفالسفة‬
‫اليونان‪ ،‬كما انه يختلف عنه عندما بدأ في توضيح حقيقة هذا التقسيم الذي ربطه‬
‫بأقسام النفس لذلك كان يردّد عبارة أن((الفلسفة ليست سوى نظم النفس‪ ،‬ألنه كما ّ‬
‫أن‬
‫النفس تنقسم إلى فكر وحس‪ ،‬فكذلك تنقسم الفلسفة إلى علم وعم‪ ،‬بحيث يكون العلم‬
‫سي‪ ،‬والجزء العقلي في النفس ينقسم إلى علم‬
‫هو القسم العقلي‪ ،‬والعمل هو القسم الح ّ‬
‫األشياء اإللهية وعلم األشياء المصنوعة واألشياء إما مادية كالجواهر الجسمية أو‬
‫مالبسة للمادة من غير أن تكون هي مادية كالروحانيات التي منها النفس‪ ،‬أو غير‬
‫يوضح فيه‬
‫متعلقة بالمادة بوجه كاإللهيات التي منها الربوبية))‪ ،9‬هذا التقسيم الذي ّ‬
‫قيمة وأهمية الفلسفة بمختلف أقسامها‪ ،‬كونها تشتغل باإلنسان وإبعاده الشعورية‬
‫والمادية والروحية في آن واحد‪.‬‬

‫‪8‬الكندي‪ ،‬رسائل الكندي الفلسفية‪،‬ن كتاب إلى المعتصم باهلل‪ ،‬تحقيق محمد الهادي ابو ريده‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫القاهرة د س‪،‬ص‪.27‬‬
‫‪ 9‬الكندي‪ ،‬رسائل الكندي الفلسفية‪،‬ن كتاب إلى المعتصم باهلل‪ ،‬تحقيق محمد الهادي ابو ريده‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫القاهرة د س‪،‬ص ‪.104‬‬
‫يمكن القول أن هذا التقسيم الذي قدمه الندي للفلسفة هو تأكيد منه ان عالم‬
‫الفلسفة غير ضيّق وال يمكن حصره في ما أبدعه اليونان‪ ،‬او في المواضيع التي‬
‫طرقها هؤالء الفالسفة‪ ،‬بل يمكن لهذا النمط الفكري أن يقتحم مختلف المباحث التي‬
‫تثير فضول العقل البشري‪ ،‬سواء ما تعلق بالحياة العملية‪ ،‬من تنظيم شؤون الحياة‬
‫االجتماعية والسياسية‪ ،‬او فهم الحياة الداخلية لإلنسان تمكين اإلنسان من معرفة‬
‫ذاته‪ ،‬أو كذلك التأسيس للحياة الدينية والتعبدية لإلنسان‪ ،‬لذلك يعد الكندي((أقرب‬
‫الفالسفة اإلسالم إلى االستقالل في التفكير‪ ،‬وهو أقرب في الوقت نفسه إلى المنابع‬
‫سكه بأصول فلسفية تطابق أصول الديانات‬
‫األصلية للفكر اليوناني‪ .‬هذا إلى تم ّ‬
‫الصحيحة جميعا))‪. 10‬‬
‫ملخص‪ :‬عند الرجوع إلى مختلف التعريفات التي قدمها الكندي للفلسفة‪ ،‬يظهر‬
‫انه كان يحاول بكل جهده أن يجيب على كل األسئلة الفضولية والمشك ّكة في قيمة‬
‫ودور الفلسفة في تمكين المسلم من الوصول إلى الحقيقة‪ ،‬كذلك إلى دعم فهومه‬
‫ورؤيته إلى الكون أو العالم الصغير‪ -‬اإلنسان‪ -‬والعالم الكبير – الوجود ومصدر‬
‫الوجود‪ ، -‬كل هذا ليرفع عنها التهم ويؤكد عدم تعارضها مع مطلب الدين وهو بلوغ‬
‫الحق وسعادة اإلنسان‪ .‬وهي تعريفا تبيّن مدى تضلّع الكندي في الفلسفة وإدراكها‬
‫لروح الفلسفة واختالف هذه الروح عن ما أنتجه الغير من فلسفات‪ ،‬ومنه يصبح‬
‫االشتغال بالفلسفة بمختلف أقسامها ال يلزم عنه بالضرورة التقوقع عند نسق فلسفي‬
‫األول أرسطو‪ .‬و منه يصبح التمييز بين‬
‫محدّد وإن كان ال يخفي إعجابه بفلسفة المعلم ّ‬
‫اإلعجاب بفلسفة ما وممارسة التفلسف الحر والحي والخالص‪ ،‬الذي يتماشى‬
‫واهتمامات المجتمع كضرورة فكرية واجتماعية‪ ،‬وهو ما كان يطمح إليه الكندي‪-‬‬
‫نحت مكانة محترمة للفلسفة في مجتمعه‪-‬‬

‫تعريف الفلسفة عند الفارابي‬

‫‪ 10‬محمد الهادي ابو ريدة‪ ،‬رسائل الكندي الفلسفية‪ ،‬التصدير‪.‬‬


‫أ ّما االفارابي فقد كان يرى أ ّن ‪ -‬حد‪| -‬الفلسفة وماهيتها أنها" العلم بالموجودات‬
‫إنه التعريف األرسطي للفلسفة األولى‪ ،‬وهو يأخذ الفلسفة من‬ ‫‪11‬‬
‫بما هي موجودة "‬
‫حيث موضوعها العام‪ ،‬أي الوجود المطلق‪ ،‬ويجعلها محاولة لترتيب الموجودات‬
‫بالنظر إلى غنى الوجود الحاصلة عليه ‪.‬‬
‫وبديهي أن هذا الموضوع يشمل العلوم كلها‪ .‬ولذلك الحظ الفارابي أن اليونانيين‬
‫سموا هذا العلم" الحكمة على اإلطالق ‪..‬وهم يرون أنها بالقوة الفضائل كلها‪ ،‬ويس‬
‫مونها علم العلوم وحكمة الحكم "‪.‬‬
‫ولما كانت العلوم تنقسم إلى عملية ونظرية‪ ،‬اشتملت الفلسفة أيضا على هذين‬
‫القسمين‪،‬وهما" ‪:‬الفلسفة النظرية‪ ،‬والفلسفة المدنية"‪ ،‬أي العملية‪ .‬والفيلسوف بالحقيقة‬
‫هو الذي ح صل الفلسفة بكامل فروعها النظرية والعملية‪ ،‬ثم إذا كانت" السعادة هي‬
‫الخير المطلوب لذاته " فهي ال تحصل إال بالفلسفة ألنها ال تحصل إالّ بالفلسفة‪،‬‬
‫ألنها ال تتم إال بمعرفة هللا‪ ،‬وألن" الغاية التي يقصد إليها من تعلم الفلسفة هي‬
‫‪12‬‬
‫معرفة الخالق تعالى "‬
‫والعلم اإللهي ثالثة أجزاء ‪:‬‬
‫أحدها يفحص عن الموجودات بما هي موجودات‪ ،‬وهو المسمى بالعلم الكل ي‬
‫أو بالفلسفة األولى‪ ،‬والثاني يفحص عن مبادئ العلوم الجزئية من نظرية وعملية‪،‬‬
‫والثالث يفحص عن الموجودات الجسمية حتى ينتهي إلى مبدأ الوجود األول‪ ،‬وهذا‬
‫هو العلم اإللهي بحصر المعنى‪. 13‬‬
‫تعريف الفلسفة عند ابن سينا‪:‬‬
‫أما ابن سينا فهو يقول" في كتاب' عيون الحكمة" ‪' :‬الحكمة استكمال‬
‫النفس إنسانية بتصور األمور والتصديق بالحقائق النظرية والعملية على قدر الطلقة‬
‫البشرية‪ .‬والحكمة المتعلقة باألمور النظرية التي إلينا أن نعلمها وليس إلينا البتة أن‬
‫نعملها‪ - -‬تسمى حكمة نظرية ‪.‬والحكمة المتعلقة باألمور العملية التي إلينا أن‬

‫‪ 11‬عبد ه الحلو‪ ،‬الكافي في الفلسفة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر اللبناني‪ ،‬ط ‪ ،1995 1‬ص ‪.121‬‬
‫‪ 12‬عبد ه الحلو‪ ،‬الكافي في الفلسفة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر اللبناني‪ ،‬ط ‪ ،1995 1‬ص ‪.121‬‬
‫‪ 13‬حنا الفخوري‪ ،‬تاريخ الفلسفة العربية‪،‬ص ‪.70‬‬
‫نعلمها ونعملها تسمى حكمة عملية ‪.‬وكل واحدة من الحكمتين تنحصر في أقسام‬
‫ثالثة ‪:‬فأقسام الحكمة العملية ‪:‬حكمة مدنية‪ ،‬وحكمة منزلية‪ ،‬وحكمة خلقية ‪.‬ومبدأ هذه‬
‫الثالثة مستفاد من جهة الشريعة اإللهية‪ ،‬و كماالت حدودها تستبين بالشريعة اإللهية‪،‬‬
‫وتتصرف فيها بعد ذلك القوة البشرية من البشر بمعرفة القوانين العملية منهم‪،‬‬
‫وباستعمال تلك القوانين في الجزئيات والحكمة المدنية فائدتها أن تعلم كيفية‬
‫المشاركة التي تقع فيها بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح األبدان ومصالح‬
‫بقاء نوع اإلنسان ‪.‬الحكمة المنزلية فائدتها أن تعلم المشاركة التي ينبغي أن تكون‬
‫بين أهل منزل واحد لتنتظم به المصلحة المنزلية ‪.‬والمشاركة المنزلية تتم بين زوج‬
‫وأما الحكمة الخلقية ففائدتها أن تعلم‬ ‫وزوجته‪ ،‬ووالد ومولود‪ ،‬ومالك وعبد‪،‬‬
‫الفضائل وكيفية اقتنائها لتزكو بها النفس‪ ،‬وتعلم الرذائل وكيفية توقيها لتتطهر عنها‬
‫النفس‪ .‬وأما الحكمة النظرية فأقسامها ثالثة ‪:‬حكمة تتعلق بما في الحركة والتغير‪،‬‬
‫وتسمى حكمة طبيعية‪ ،‬وحكمة تتعلق بما من شأنه أن يجرده الذهن عن التغير وإن‬
‫كان وجوده مخالطا للتغير‪ ،‬ويسمى حكمة رياضية‪ ،‬وحكمة تتعلق بما وجوده‬
‫يستغني عن مخالطة التغير فال يخالطه أصال‪ ،‬وإن خالطه فبالعرض‪ ،‬ألن ذاته‬
‫مفتقرة في تحقيق الوجود إليه‪ ،‬وهي الفلسفة األدبية‪ ،‬والفلسفة اإللهية جزء منها وهي‬
‫معرفة الربوبية‪.‬‬
‫ومبادئ هذه األقسام التي للفلسفة النظرية مستفادة من أرباب الملة اإللهية‬
‫على سبيل التنبيه‪ ،‬ومتصرف على تحصيلها بالكمال بالقوة العقلية على سبيل الحجة ‪.‬‬
‫ومن أوتي‬
‫استكمال نفسه بهاتين الكلمتين والعمل على ذلك بإحداهما ‪،‬‬
‫ومن جهته يع رف ابن رشد ‪) 595‬ه (الفلسفة‬ ‫‪14‬‬
‫فقد أوتي خيرا كثيرا‬
‫"فيقول إنه‬

‫عبد الرحمن بدوي‪ ،‬الفلسفة والفالسفة‪،‬تونس‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص ‪.24-26‬‬ ‫‪14‬‬
‫"ليست شيئا أكثر من النظر في الموجودات واعتبارها من جهة داللتها على‬
‫الصانع‪ ،‬أعني من جهة ما هي مصنوعات‪ ،‬فإن الموجودات إنما تدل على الصانع‬
‫لمعرفة صنعتها‪" ..‬ويمض ي ابن رشد فيقول" إنه كلما كانت المعرفة بصفتها أتم ‪،‬‬
‫ويؤكد أن الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل‬ ‫‪15‬‬
‫كانت المعرفة بالصانع أتم "‬
‫ودعانا إلى معرفتها بالنظر العقلي‪.‬‬
‫يجعلون من الفلسفة أشرف الصنائع البشرية بعد‬ ‫تعريف إخوان الصفا للفلسفة‪:‬‬
‫النبوة‪ ،‬وقد قالوا في تعريف الفلسفة أنها التشبّه باإلله بحس الطاقة اإلنسانية فيجتهد‬
‫ّ‬
‫ليتحرر من الكذب في كالمه وأقاويله‪ ،‬ويتج ّنب من الباطل في اعتقاداته‬
‫ّ‬ ‫اإلنسان‬
‫ومن الخطأ في معلوماتهن ومن الرداءة في أخالقه‪ ،‬ومن الشر في أفعاله‪ ،‬ومن‬
‫الزلل في أعماله‪ ،‬ومن النقص في صناعته‪ .‬وهو تعريف يؤكد من خالله إخوان‬
‫الصفا ان الفلسفة ليست مجرد تأمل نظري ما ورائي‪ ،‬ال عالقة له بتوجيه السلوك‬
‫البشري لما يحق سعادته وارتقائه األخالقي‪ ،‬بل هي علم يجمع بين النظر والعمل‪،‬‬
‫يهدف إلى االرتقاء باإلنسان إلى أنبل القيم‪ ،‬وارقي السلوكيات‪ ،‬التي تحقق كمال‬
‫اإلنسان في مختلف مستويات الحياة‪.‬‬
‫ابو حيان التوحيدي‪ :16‬يجعل من الفلسفة طب األصحاء‪ ،‬مثلما كانت الشريعة طب‬
‫المرضى‪ ،‬فغاية الفلسفة هي تدبير الصحيح كي يحفظ صحته‪ ،‬وإذا حفظ الصحة فقد‬
‫أفاده كسب الفضائل‪ ،‬وفرغه لها وعرضه القتنائها‪ ،‬وصاحب هذه الحال فائز‬
‫بالسعادة العظمى‪ ،‬وقد صار مستحقا ً للحياة اإللهية‪ ،‬الخلود والسرمدية‪.17‬‬
‫ابن رشد وتعريفه للفلسفة‪ :‬يقول في كتابه فصل المقال أن (( فعل التفلسف ليس‬
‫شيئا أكثر من النظر في الموجودات‪ ،‬واعتبارها من جهة داللتها على الصانع‬
‫لمعرفة صنعتها‪ ،‬وانه كلما كانت المعرفة أتم كانت المعرفة بالصانع أتم)) وه((‬
‫واجبة شرعا‪ ،‬ألن الفلسفة عبارة عن النظر في الموجودات وإدراك وجود الحق‬

‫‪ 15‬ابن رشد‪ ،‬فصل القال فيما بين الشريعة والحكمة ن اتصال‪،‬ص‪.32‬‬


‫‪ 16‬أبو حيان التوحيدي (‪ 414 - 310‬هـ ‪ 1023 - 922 /‬م) فيلسوف متصوف‪ ،‬مسلم وأديب بارع‪ ،‬من أعالم القرن الرابع‬
‫الهجري‪ ،‬عاش أكثر أيامه في بغداد وإليها ينسب‪ .‬وقد امتاز أبو حيان بسعة الثقافة وحدة الذكاء وجمال األسلوب‪ ،‬فهو رجل موسوعي‬
‫الثقافة‪ ،‬سمي أديب الفالسفة وفيلسوف األدباء كما‪ ،‬امتازت مؤلفاته بتنوع ‪ ...‬هو علي بن محمد بن العباس التوحيدي البغدادي‪.‬‬
‫‪ 1717‬ابو حيان التوحيدي‪ ،‬اإلمتاع والمؤانسة‪،.،‬بيروت‪ ،‬د منشورات دار متبة الحياة‪ ،‬صححه و ضبطه و شرح غريبه‪ ،‬احمد‬
‫أمين و احمد الزين‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪11‬‬
‫الواحد األحد‪ ،‬وهذا ما أمر به ال ّ‬
‫شرع‪ ،‬وطريقها البرهان الذي يختلف عن الطريق‬
‫الخطابي والجدلي)) فهو يرى أن الغاية من الفلسفة هو نفسه القصد الذي جاء ألجله‬
‫الشرع‪ ،‬فالغاية واحدة والطريق مختلف ‪.‬‬

‫خالصة‪:‬‬
‫من خالل هذه التعاريف التي قدمها بعض الفالسفة المسلمون يتأكد االتفاق‬
‫واالختالف بينهم وبين فالسفة اليونان‪ ،‬فإلى جانب اعترافهم بتعاريف اليونان للفلسفة‬
‫ا‪ ،‬التي تؤكد الطابع التأملي للفلسفة‪ ،‬فإنهم يختلفون عنهم في تحديد مواضيع الفلسفة‬
‫ومقاصدها‪ ،‬حيث لم يحصروها في امتالك الحقيقة واليقين فقط‪ ،‬بل أعطوها بعدا‬
‫دنيويا وأخرويا في الوقت نفسه‪ ،‬فهي تساعد اإلنسان على بلوغ السعادة بامتالك‬
‫الحقيقة ومعرفة الحقيقة األولى‪ ،‬كما تمكنه من ضبط سلم القيم لديه واالرتقاء‬
‫بأخالقه إلى ارقي مستوى من الكمال‪ ،‬كما انها تعريف وضحت طبيعة العالقة بين‬
‫الفلسفة والشرع‪ ،‬هذا األخير الذي هو بمثابة مرجعية أساسية عند المسلمين‪ .‬وهذا ما‬
‫يبيّن إدراكهم لروح وجوهر الفعل الفلسفي‪ ،‬وكذلك على ارتباطهم بالسياق الثقافي‬
‫الذي ينتمون إليه‪ ،‬وقدرتهم علة توظيف طريق النظر الفلسفي الذي يقوم على النقد‬
‫والتحليل في بناء أفكارهم والتأسيس لها‪ ،‬لبلوغ الحقيقة وصناعة الفهم البشري لهذا‬
‫الوجود‪ ،‬هذا الفهم الذي يقتضي امتالك اإلنسان تصور ورؤيا واضحة للعالم‪ ،‬رؤيا‬
‫تتمركز على مفهوم هللا عند اإلنسان وكذلك مفهوم النفس والطبيعة وعالقة اإلنسان‬
‫باإلرادة اإللهية والوجود بصفة عامة ‪ ،‬وعليه يمكن القول ان فهم مختلف األفكار‬
‫التي تش ّكل التراث الفكري والفلسفي العربي اإلسالمي مرهون بامتالك معرفة شاملة‬
‫لطبيعة السياق الثقافي االجتماعي والسياسي الذي تش ّكل فيه ‪.‬‬

You might also like