Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة الأولى من المحور الثاني-محول
المحاضرة الأولى من المحور الثاني-محول
1حنا الفاخوري ،خليل الجر ،تاريخ الفلسفة العربية ،بيروتن دار الجيل،ظ ،3،1993ج2ن ص .67
2حنا الفخوري ،المرجع نفسه،ص.67
3حنا الفخوري ،ص.69
4حنا الفخوري ،ص ص .70-66
5ابو يوسف يعقوب الكندي ،كتاب الفلسفة األولى-رسالة في حدود األشياء ورسومها ،تحقيق وتقديم محمد الهادي ابو ريدة،،
دار الفكر العربي ،القاهرة ،الطبعة الثانية،د سنة الطبع ،ص .25
واحد لها ،بل قدم تعريفات عديدة ،6حاول من خاللها تصحيح الرؤى ونحت مكانة
الئقة للفلسفة في الوسط الثقافي واالجتماعي .وقد جاء هذا العمل في رسالة حدود
األشياء ورسومها.
اختصرها في القول المفيد ،ألنه يعلم أن القول المختصر هو أحسن سبيل ليوصل
معناها للجمهور وعامة الناس ،فكانت لغته بسيطة عميقة تداولية ،تحمل موافقا
واضحة من مسائل عديدة:
-أما المعنى األول فهو يقوم على تحديد روح فعل التفلسف وهو طلب
الحكمة ،وهي مطلب بشري مشترك ،ال ينحصر عند جنس معين ،كما انه مطلب
فطري وكذلك شرعي عند المسلمين ،كون اإلسالم يحث على طلب الحكمة ،ومنه
يصبح فعل التفلسف فعل ال يتعارض مع مطالب الدين ،بذلك يحاول ان يطمئن
الناس من الفلسفة كونها مجرد طريق في التفكير والنظر مقصده الحكمة.
-وفيما يخص المعنى الثاني ،فهو يتمثل في اعترافه باشتقاقها اللغوي األصل
اليوناني ،وهذا يتضمن مسألة االعتراف بالغير واالنفتاح على إنتاجه العلمي
والفكري ،إذا كان يحقق الحكمة.
إن الفلسفة هي الت ّ
شبه بأفعال هللا -2تعريف بحسب التأثير :يقول فيه(( ّ
وهو الفضيلة))تعريف افالطوني تعالى،بقدر طاقة اإلنسان ،أراد أن يكون اإلنسان كامل
تعريف يوضّح من خالله طبيعة التأثير الذي تحدثه الفلسفة في حياة اإلنسان ،فهي
تساعده على امتالك الحكمة ،كما أنها تمنحه امكانية امتالك الفضيلة والتخلّق بها
6كروث ايرنانديث،تاريخ الفكر في العالم اإلسالمي ،ترجمة عبد العال صالح المركز القومي للترجمة،،القاهرة،الطبعة
األول،ص.295الثانية،2016،المجلد ّ
لبلوغ أعلى مراتب الكمال البشري ،وهي التشبّه بأفعال هللا تعالى ،عن طريق
معرفة كماله وعدله ورحمته والسعي لتجسيد هذه الصفات في سلوك اإلنسان ،وهذا
المبررات
ّ أمر ال يتعارض مع ما ينشده المسلم الذي يحب هللا ورسوله .وبذلك تسقط
التي ترفض الفلسفة بحجة أنها تبعد اإلنسان عن هللا تعالى وعن الدين ،وهي في
حقيقتها مواقف ال عالقة لها بالغيرة والدفاع عن الدين بل هي مرتبطة بالدفاع عن
المصالح الضيقة(( وكانوا منها في األطرف الشاسعة بموضع األعداء الجرية
المزورة التي نصبوها عن غير استحقاق ،بل بالترؤس
ّ الواترة ،دفاعا ً عن كراسيهم
تحر ت ّجر بشيء باعه ،ومن باع شيئاً،
والتجارة بالدين ،وهو علماء الدين ،ألن من ّ
يتعرى من عائد قنيّة علم
ّ لم يكن له ،فمتى تجر بالدين لم يكن له دين ،ويحق أن
األشياء بحقائقها وس ّماها كفراً)).7
-3تعريف من حيث الغاية :الفلسفة هي(( العناية بالموت ،والموت عندهم
موتان :طبيعي وهو ترك النفس استعمال البدن ،والثاني إماتة الشهوات وهذا هو
الموت الذي قصدوا إليه ،ألن إماتة الشهوات هي السبيل إلى الفضيلة ،ولذلك قال
شر ،فباضطرار انه إذا كان للنفس استعماالن :احدهما
كثير من أجله القدماء :اللذة ّ
ي لذة ما يعرض في اإلحساس ،ألن التشاغل
سي واآلخر عقلي ،كان م ّما سم ّ
ح ّ
هذا التعريف الذي يتعرض العقل))تعريف افالطوني-فيدون- باللذات الحسيّة ترك الستعمال
فيه إلى مسألة تكاد تكون مطلبا جوهريا في حياة المسلم وهو الترفع عن الشهوات
والملذات التي تحط من قيمته وتدفعه إلى ارتكاب الفواحش من األفعال ،فإماتة
الشهوات هو بمثابة مجاهدة للنفس ،لالرتقاء بها والفلسفة تساعد المرء على بلوغ
هذه الغاية ،إنها تعلمه كيف يكون حيا بروحه وقلبه وعقله قبل ان يكون حيا ً ببدنه.
-4تعريف من حيث عالقتها باإلنسان :لم يكتف الكندي بتقديم تعريفات تبيّن
أهمية وغاية الفلسفة وفقط ،بل كان حريصا ً أن يبيّن عالقة هذا النمط الفكري بحياة
اإلنسان ،وما يمكن أن تقدمه لهذا المخلوق المختلف عن بقية المخلوقات،يحث كان
يرى ّ
أن(( الفلسفة هي معرفة اإلنسان بنفسه ،هذا قول شريف النهاية بعيد الغور،
8الكندي ،رسائل الكندي الفلسفية،ن كتاب إلى المعتصم باهلل ،تحقيق محمد الهادي ابو ريده ،دار الفكر العربي ،الطبعة الثانية،
القاهرة د س،ص.27
9الكندي ،رسائل الكندي الفلسفية،ن كتاب إلى المعتصم باهلل ،تحقيق محمد الهادي ابو ريده ،دار الفكر العربي ،الطبعة الثانية،
القاهرة د س،ص .104
يمكن القول أن هذا التقسيم الذي قدمه الندي للفلسفة هو تأكيد منه ان عالم
الفلسفة غير ضيّق وال يمكن حصره في ما أبدعه اليونان ،او في المواضيع التي
طرقها هؤالء الفالسفة ،بل يمكن لهذا النمط الفكري أن يقتحم مختلف المباحث التي
تثير فضول العقل البشري ،سواء ما تعلق بالحياة العملية ،من تنظيم شؤون الحياة
االجتماعية والسياسية ،او فهم الحياة الداخلية لإلنسان تمكين اإلنسان من معرفة
ذاته ،أو كذلك التأسيس للحياة الدينية والتعبدية لإلنسان ،لذلك يعد الكندي((أقرب
الفالسفة اإلسالم إلى االستقالل في التفكير ،وهو أقرب في الوقت نفسه إلى المنابع
سكه بأصول فلسفية تطابق أصول الديانات
األصلية للفكر اليوناني .هذا إلى تم ّ
الصحيحة جميعا)). 10
ملخص :عند الرجوع إلى مختلف التعريفات التي قدمها الكندي للفلسفة ،يظهر
انه كان يحاول بكل جهده أن يجيب على كل األسئلة الفضولية والمشك ّكة في قيمة
ودور الفلسفة في تمكين المسلم من الوصول إلى الحقيقة ،كذلك إلى دعم فهومه
ورؤيته إلى الكون أو العالم الصغير -اإلنسان -والعالم الكبير – الوجود ومصدر
الوجود ، -كل هذا ليرفع عنها التهم ويؤكد عدم تعارضها مع مطلب الدين وهو بلوغ
الحق وسعادة اإلنسان .وهي تعريفا تبيّن مدى تضلّع الكندي في الفلسفة وإدراكها
لروح الفلسفة واختالف هذه الروح عن ما أنتجه الغير من فلسفات ،ومنه يصبح
االشتغال بالفلسفة بمختلف أقسامها ال يلزم عنه بالضرورة التقوقع عند نسق فلسفي
األول أرسطو .و منه يصبح التمييز بين
محدّد وإن كان ال يخفي إعجابه بفلسفة المعلم ّ
اإلعجاب بفلسفة ما وممارسة التفلسف الحر والحي والخالص ،الذي يتماشى
واهتمامات المجتمع كضرورة فكرية واجتماعية ،وهو ما كان يطمح إليه الكندي-
نحت مكانة محترمة للفلسفة في مجتمعه-
11عبد ه الحلو ،الكافي في الفلسفة العربية ،بيروت ،دار الفكر اللبناني ،ط ،1995 1ص .121
12عبد ه الحلو ،الكافي في الفلسفة العربية ،بيروت ،دار الفكر اللبناني ،ط ،1995 1ص .121
13حنا الفخوري ،تاريخ الفلسفة العربية،ص .70
نعلمها ونعملها تسمى حكمة عملية .وكل واحدة من الحكمتين تنحصر في أقسام
ثالثة :فأقسام الحكمة العملية :حكمة مدنية ،وحكمة منزلية ،وحكمة خلقية .ومبدأ هذه
الثالثة مستفاد من جهة الشريعة اإللهية ،و كماالت حدودها تستبين بالشريعة اإللهية،
وتتصرف فيها بعد ذلك القوة البشرية من البشر بمعرفة القوانين العملية منهم،
وباستعمال تلك القوانين في الجزئيات والحكمة المدنية فائدتها أن تعلم كيفية
المشاركة التي تقع فيها بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح األبدان ومصالح
بقاء نوع اإلنسان .الحكمة المنزلية فائدتها أن تعلم المشاركة التي ينبغي أن تكون
بين أهل منزل واحد لتنتظم به المصلحة المنزلية .والمشاركة المنزلية تتم بين زوج
وأما الحكمة الخلقية ففائدتها أن تعلم وزوجته ،ووالد ومولود ،ومالك وعبد،
الفضائل وكيفية اقتنائها لتزكو بها النفس ،وتعلم الرذائل وكيفية توقيها لتتطهر عنها
النفس .وأما الحكمة النظرية فأقسامها ثالثة :حكمة تتعلق بما في الحركة والتغير،
وتسمى حكمة طبيعية ،وحكمة تتعلق بما من شأنه أن يجرده الذهن عن التغير وإن
كان وجوده مخالطا للتغير ،ويسمى حكمة رياضية ،وحكمة تتعلق بما وجوده
يستغني عن مخالطة التغير فال يخالطه أصال ،وإن خالطه فبالعرض ،ألن ذاته
مفتقرة في تحقيق الوجود إليه ،وهي الفلسفة األدبية ،والفلسفة اإللهية جزء منها وهي
معرفة الربوبية.
ومبادئ هذه األقسام التي للفلسفة النظرية مستفادة من أرباب الملة اإللهية
على سبيل التنبيه ،ومتصرف على تحصيلها بالكمال بالقوة العقلية على سبيل الحجة .
ومن أوتي
استكمال نفسه بهاتين الكلمتين والعمل على ذلك بإحداهما ،
ومن جهته يع رف ابن رشد ) 595ه (الفلسفة 14
فقد أوتي خيرا كثيرا
"فيقول إنه
عبد الرحمن بدوي ،الفلسفة والفالسفة،تونس ،دار المعارف ،د .ت ،ص .24-26 14
"ليست شيئا أكثر من النظر في الموجودات واعتبارها من جهة داللتها على
الصانع ،أعني من جهة ما هي مصنوعات ،فإن الموجودات إنما تدل على الصانع
لمعرفة صنعتها" ..ويمض ي ابن رشد فيقول" إنه كلما كانت المعرفة بصفتها أتم ،
ويؤكد أن الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل 15
كانت المعرفة بالصانع أتم "
ودعانا إلى معرفتها بالنظر العقلي.
يجعلون من الفلسفة أشرف الصنائع البشرية بعد تعريف إخوان الصفا للفلسفة:
النبوة ،وقد قالوا في تعريف الفلسفة أنها التشبّه باإلله بحس الطاقة اإلنسانية فيجتهد
ّ
ليتحرر من الكذب في كالمه وأقاويله ،ويتج ّنب من الباطل في اعتقاداته
ّ اإلنسان
ومن الخطأ في معلوماتهن ومن الرداءة في أخالقه ،ومن الشر في أفعاله ،ومن
الزلل في أعماله ،ومن النقص في صناعته .وهو تعريف يؤكد من خالله إخوان
الصفا ان الفلسفة ليست مجرد تأمل نظري ما ورائي ،ال عالقة له بتوجيه السلوك
البشري لما يحق سعادته وارتقائه األخالقي ،بل هي علم يجمع بين النظر والعمل،
يهدف إلى االرتقاء باإلنسان إلى أنبل القيم ،وارقي السلوكيات ،التي تحقق كمال
اإلنسان في مختلف مستويات الحياة.
ابو حيان التوحيدي :16يجعل من الفلسفة طب األصحاء ،مثلما كانت الشريعة طب
المرضى ،فغاية الفلسفة هي تدبير الصحيح كي يحفظ صحته ،وإذا حفظ الصحة فقد
أفاده كسب الفضائل ،وفرغه لها وعرضه القتنائها ،وصاحب هذه الحال فائز
بالسعادة العظمى ،وقد صار مستحقا ً للحياة اإللهية ،الخلود والسرمدية.17
ابن رشد وتعريفه للفلسفة :يقول في كتابه فصل المقال أن (( فعل التفلسف ليس
شيئا أكثر من النظر في الموجودات ،واعتبارها من جهة داللتها على الصانع
لمعرفة صنعتها ،وانه كلما كانت المعرفة أتم كانت المعرفة بالصانع أتم)) وه((
واجبة شرعا ،ألن الفلسفة عبارة عن النظر في الموجودات وإدراك وجود الحق
خالصة:
من خالل هذه التعاريف التي قدمها بعض الفالسفة المسلمون يتأكد االتفاق
واالختالف بينهم وبين فالسفة اليونان ،فإلى جانب اعترافهم بتعاريف اليونان للفلسفة
ا ،التي تؤكد الطابع التأملي للفلسفة ،فإنهم يختلفون عنهم في تحديد مواضيع الفلسفة
ومقاصدها ،حيث لم يحصروها في امتالك الحقيقة واليقين فقط ،بل أعطوها بعدا
دنيويا وأخرويا في الوقت نفسه ،فهي تساعد اإلنسان على بلوغ السعادة بامتالك
الحقيقة ومعرفة الحقيقة األولى ،كما تمكنه من ضبط سلم القيم لديه واالرتقاء
بأخالقه إلى ارقي مستوى من الكمال ،كما انها تعريف وضحت طبيعة العالقة بين
الفلسفة والشرع ،هذا األخير الذي هو بمثابة مرجعية أساسية عند المسلمين .وهذا ما
يبيّن إدراكهم لروح وجوهر الفعل الفلسفي ،وكذلك على ارتباطهم بالسياق الثقافي
الذي ينتمون إليه ،وقدرتهم علة توظيف طريق النظر الفلسفي الذي يقوم على النقد
والتحليل في بناء أفكارهم والتأسيس لها ،لبلوغ الحقيقة وصناعة الفهم البشري لهذا
الوجود ،هذا الفهم الذي يقتضي امتالك اإلنسان تصور ورؤيا واضحة للعالم ،رؤيا
تتمركز على مفهوم هللا عند اإلنسان وكذلك مفهوم النفس والطبيعة وعالقة اإلنسان
باإلرادة اإللهية والوجود بصفة عامة ،وعليه يمكن القول ان فهم مختلف األفكار
التي تش ّكل التراث الفكري والفلسفي العربي اإلسالمي مرهون بامتالك معرفة شاملة
لطبيعة السياق الثقافي االجتماعي والسياسي الذي تش ّكل فيه .