Professional Documents
Culture Documents
الدولة عند دولوز
الدولة عند دولوز
تنتمي نظرية الدولة عند الفيلسوف الفرنسي المعاصر جيل دولوز الى فكر السياسة لديه ،وفكر السياسية ه و
هنا شك ٌل جوّ انيٌّ للسياسة ،أو انه شكل -السياسة التي تستوطن الفكر .ذلك ان السياسة كانت بإس تمرار تماث ُل
ُخر ُج السياسة عن تبادل بينها وبين الفلسفة .وكالمنا ي ِ
ٍ تش ّكالً للفكر ،وللفلسفة ،بكونها دائمة الحضور عبر آلية
توس ع
مج ّرد كونها في عالقة خارجية مع الفكر الفلسفي لتصبح في هذا الفكر وليس بجانب ه ،ورؤي ة دول وز ّ
ايض ا بإعتباره ا رؤيتنا الى الدولة بكونها ليست مج رّد سلس لة من المؤسس ات والممارس ات السياس ية ولكن ً
الفكر بل انها
َ تكثرً ا من الق َيم ،والخطابات ،والتقنيات وبنى اللغة التي ال تصبح فقط داخل الشكل الّذي يتضمّن ّ
أيض ا وتقولب ه بحس ب نموذجه ا ،لتص بح هي الفك ر ،وليك ون الفك ُر هي في اآلن عين ه. تش ّكله ً
للفكر مظه َر الدول ةِ ،فنموذج ه جه از الدول ِة الّ ذي يثبّت ل دى ه ذا الفك ِر أه دا ًفا، ِ ويأخذ هذا الشك َل الجوّ اني
الفكر بهذا المعنى شك َل – الدولة الّذي ينمو داخل ِ صب ُح صورةُ وآلياتٍ ،ومنطِ ًقا،ودروبًا ،وقنواتٍ ،وأجزاءًاُ .ت ِ
ضختها الدول ة في ه ذا الفك ر. ّ نسخة عن تلك التصوّ رات الّتيً الفكر عن الدولة
ِ هذا الفكر ،وتكون تصوّ ُ
رات
للفكر وليست مفارقة transcendentalل ه ،وهي ال تي تمنح ه ل َّب ُه وقا َع هُ. ِ محايثة immanent ٌ والدولة
فلنأخ ذ مثالً الكوجيت و ال ديكارتي (وه و الّ ذي يس مّيه دول وز األوديب الفلس في) ،حيث ان الفهم الس ائد له ذا
الكوجيت و ان ه اس تطاع ان يبتك ر ش كالً منفص الً ،ح رً ا ،ومس تقالً للفك ر ،إالّ ان حقيق ة األم ر تكمن في ان
الكوجيتو في عمقه لم يكن يدين سوى للشكل السيادي للدول ة على الفك ر ،وه و الّ ذي يس تند الى فك رة الحس
المشترك ،والتوزيع العادل بين الناس (العقل) والى "تشاركية" التفك ير بين جمي ع الن اس ،والـ"أن ا أف ّك ر" ال
يف ّكر إالّ بما يف ّكر فيه الـ"نحن نف ّكر" وكأننا في "جمهورية العقول الحرّ ة" .فالذات الديكارتي ة وعلى عكس م ا
التمثالت التي تش ّكل العالم ،بل انها مُن َتج الواقع وولي دة "سلس لة من التركيب ات ّ هو شائع ليست هي التي تنتج
ترق من تش ققات ال زمن واالح داث ال تي تم ارس س يادتها على السلبية" ،فهي انفعا ٌل ألنا سلبي متص ّدع مُخ ٌ
ه. جوّ انيت
از مم ّي ز ينتمي الى مرحل ة تاريخي ة فحس ب ،أو انه ا البني ة ليست الدولة بهذا المعنى مج رّد مؤسس ة أو جه ٍ
انتاج اقتصاديّ كما يريد الماركسيون القول ،بل انه ا أك ثر من ذل ك ،فهي مب دأ ٌ الس لطة والحكم ٍ الفوقية لنمطِ
أشكال مختلفة ،وهو مع ذلك أكثر من هذه األشكال المتعيّنة .الدول ُة هي نم وذ ٌج مج رّد للس لطةِ، ٍ ينوجد تحت
متكثرة في المجتمع ،وه ذه اآلل ة ليس ت ب دوها ّ ورموز
ٍ معان
ٍ يحقق آل َة ّ
تبث ُ وجها ُز الدولة هو تجمي ٌع ملموسٌ
تنظم الكالم المهيمن في المجتمع والنسق السائد ،كما انه ا هي ال تي تمنهج المعرف ة آلة مجرّدةٌ ّ الدول ُة بل هي ٌ
المهيمن ة ،وتنش ر المش اعر المتماثل ة والقطاع ات ال تي تس ود بعض ها على بعض.
تتخ ذ س يادة الدول ة على الفك ر ش ك َل قط بين أو تح ويلين من ه ذه الس يادة بإتج اه الفك ر:
األول هو "إطالقي ة" أن "نف ّك ر ص حّ" ،الهيمن ة االمبراطوري ة للتفك ير الص حيح حيث ال وج ود اال -
لشكل صحيح واح ٍد من التفكير كأسٍّ للتوزيع .تعمل هذه الهيمن ة االمبراطوري ة ع بر إمس اكٍ س حريّ يش ّكل ٍ
وس). ري(الميث اء الفك ة البنَ نجاع
الث اني ه و "جمهوري ة العق ول الح ّرة" ال تي تنش أ بع د حل فٍ أو عق دٍ ،مؤسِ س ًة تنظي ًم ا تش ريعيًا -
ت ح رّ ة يت أ ّتى بع د عق دٍ. وقانون ًي ا،تض ُع موض ع التنفي ذ األص َل (لوغ وس) .الفك ُر هن ا ه و تب اد ٌل بين ذوا ٍ
ب إلى يتقاطع هذان القطبان في الصورة الكالس يكية للفك ر ع بر عالق ٍة ض روريةٍ ،رغم ان الم رور من قط ٍ
دثا من طبيع ة مختلف ةٍ ،يحتجب وراء ص ور ِة الفك ِر ،ويج ري خ ارج القط بين. آخ ر يل ز ُم ح ً
ويبدو وكأن الفكر يمتلك مرساة مزدوجة الرأس ،فمن جهة نجد على رأس جمهورية العقول الحرّ ة أم ي ٌر ه و
الفكرة الح ّقة للـ"كائن األعلى ،الربّ ،الخير "...اي المؤسس ة االس طورية للحقيق ة ،ومن جه ٍة اخ رى هنال ك
األسّ المنطقي-الح واري للعق د الق انوني بين ال ذوات .ه ذان الش رطان يح والّن الفك َر الى أنض ودة strate
سلطة وقدر َة تبرير كلّية ،كما ً ثقل ،وتمنحه َ
ومركز ٍ ً
جاذبية الفكر
َ الدولة .هذه األنضودة الجوّ انية للدولة ُتكسِ بُ
يصب ُح ذا قو ٍة ثقيلةٍ .وقد تعاملت الفلسفة الكالسيكية – والحداثة كك ّل – مع هذه القوة والق درة والس لطان ال تي
امتلكها الفك ُر بإعتباره ا نتاج ه الخ اص ،وغفلت عن ك ون ه ذه "الملك ات" الفكري ة أث ٌر من آث ار اس تدخال
ُكم وعلى ف رض العق اب- (استدماج) الشكل-الدولة ،ذلك ان القدرة التي يمتلكها ه ذا الفك ر على الت برير والح ِ
ضد الخطأ -..ليست قو ًة ذاتية يمتلكها بل هي تحوي ُل transfertالدولة لسلطانها ولقدرتها اليه .ورغم ذل ك،
اساس ا آخ رً ا (غ ير الق وّ ة واإلجم اع) ً ال يبقى الفك ر س لبيًا إذا ان ه يرتف ع بالدول ِة الى كلّياني ة الح ق ،بمنحه ا
مضمونه التسويغ الكوني – الكلّي ،الشامل – المرتكز على فكرة الحق والقانون األعلى .إن الفك ر الّ ذي ه و
انضودة الدولة يضع ح ّي ز اإلمك ان فك ر َة دول ٍة عقالني ة ،كلّي ة ،قانوني ة ،وال تي يُعبَّر عنه ا ع ادة بإعتباره ا
"التنظيم العقالني للمجتمع" والّذي يعلو فوق ب اقي التنظيم ات ال تي ال تأخ ذ ش رعيتها إالّ من ه ،وه و التنظيم
ت غ ير قانوني ة ،ش ّاذة" ،ش ريرة" األعلى الّ ذي يجع ل من تل ك التنظيم ات "المنش قة" و"المقاوم ة" تنظيم ا ٍ
وخاطئة يسلبها شرعيتها لكونها ال تتقولب ضمن الشكل-الدول ة .العقالني ة هن ا هي نم وذ ٌج عن فك ِر الدول ةِ،
الفكر وليس خط ابُ الفك ِر ِ والخطابُ العقالني الّذي يبرر الدول َة هو تمظه ٌر من تمظهرات هذه الدول ِة في هذا
هذا عنها بإعتباره خارجها أو بإعتبارها خارجه.ان الدولة بالنسبة لهيغل مثالً هي العقل-الفكرة الش املة -وق د
تحقق بالفعل ،كما ال يوجد سلطة على األرض أعلى من سلطتها القانونية العقالنية ،والخضوع للدول ة يماث ُل
نى. ذا المع ل به وع للعق الخض
و" َتعاملُ" الدول ِة بإعتبارها التنظيم العقالني األعلى مع باقي التنظيمات المغ ايرة لش كلها ،ه ذا التعام ل الّ ذي
يقوم على ثنائيات مثل الخير/الشر ،الح ق/الباط ل ،الص حّ/الخط أ ..الخ نج ده في الفك ر المتق ولب في ش كل-
رب..رافض ا التعددي ة واالختالفً ُسجن ضمن ثنائي ات مث ل أبيض/اس ود ،ان ثى/ذك ر ،ش رق/غ الدول ِة حين ي َ
متخًذا صورة الدولة التي تلغي ايّ خطاب مختلف او مضاد (وهذا ما نس ميه بالنزع ة اإلثنيني ة .)dualism ًّّ
إن التصوّ ر أو التمثيل representationالّذي يقوم على اعتبار ان المفاهيم conceptionهي تم ثيالت
ُنظر إلي ه فيلموضوعات موجودة في الواقع ،والّذي يفترض انه يبدأ بالفكر بال أي مصادرات ،هذا التمثيل ي َ
تبعد على ه ذا االس اس ك ل نم وذج آخ ر ق ائم على ت اريخ الفلس فة بإعتب اره النم وذج الص حيح للتفك ير ويُس َ
ار تعام ل الدول ة م ع المختل ف عنه ا وال تي تس عى الى االختالف والتعددية ،وفي هذا االس تبعاد أث ٌر من آث ِ
تمثيل يقوم على االختالف ،رغم ان االختالف بحسب دول وز يس بق ك ل تحدي ٍد ألي ة هوي ة وه و ٍ تهميش كل
الّذي يؤسس الهوية ال الّذي يتأسس عليها ،كما ان الفهم التقليدي للتمثيل يقوم على مصادرة هي ان الخطأ هو
ة... ة والحماق رى كالتفاه امرات أخ تبعد مغ يئة ويس امرة س مغ
ونحن هنا ال نتكلّم فقط عن تلك الدول التي توصف بإنها فاشية أو استبدادية أو ديكتاتورية ،فح ّتى الدولة التي
ُتسمّى ديموقراطية ال تسلم من هذا الوصف .ورغم ان التفكير بالديموقراطية لم يلعب دورً ا مركز ًي ا في فك ر
دولوز الفلسفي والسياس ي ح ّتى ا ّن ه ا ُتهم بمع اداة الديموقراطي ة ،إالّ ان ك ل من دول وز وغات اري في كت ابهم
"ألف سطح" اعتبرا ان كل اصناف الدول ومن بينها الديموقراطية ال تعمل بالفعل إالّ كنماذج من أجل تحقيق
والحفاظ على االطار التقعيدي axiomaticالعالمي لرأس الم ال وديموم ة الس وق الرأس مالية ال تي ال تنتج
سوى البؤس الى جانب الغنى الفاحش واالغتراب والتشيوء ،كما ان هذه الديموقراطيات الرأسمالية هي ال تي
تؤدي الى انتشار الشيزفرينيا في المجال االجتماعي وهي الحالة التي تميل بحسب دولوز الى ج انب الرغب ة
فيما تميل الرأسمالية الى جانب غريزة الموت وسحق الرغبة وكبتها ،هذه الرغبة ال تي س تكون ك اللغم الّ ذي
حين كالمنا عن أساليب "المقاوم ة" السياس ية عن د دول وز. سينفجر في قلب الرأسمالية كما سنرى في الفقرة َ
ة المقاومة ة:سياس ة الدول ة في مواجه الرغب
صا...،انها مسار وحدث" هكذا ير ّد دولوز على التصوّ ر الكالسيكي للتحلي ل "الرغبة بالنسبة لي ليست أبدا نق ً
تسام تأخذ قيمتها بر ّده ا الى
ٍ نقص يجب ملؤه ،والّذي يرى الرغبة بكونها لحظة النفسي الّذي ير ّد الرغبة الى ٍ
غايته ا وهي "اللّ ذة" او االس تلذاذ ،وم تى حص لت اللّ ذة انتهت الرغب ة حُك ًم ا ،والل ّذة ال يمكن أن تتح ّق ق إال
بح أك ثر "ح د ًة" م ع التص وّ ربنفيها .وهذا تصوّ ٌر يعود الى الفالس فة االغري ق وق د أص َ بتجاوز الرغبة ،أي ِ
ألحالم واس تهيمات بحس ب ٍ المسيحي للرغبة وللجسد .أما بالنسبة لدولوز فالرغبة قوّ ة مُنتِجة ،وليست مُنتج ة
المنط ق الفروي دي ،ب ل هي بمع نى م ا تش ّك ُل ج زءًا من البني ة التحتي ة (وليس من البني ة الفوقي ة كم ا يق ول
اج راغب، الماركسيون) ،انها قوة انتاج تما ًم ا ك إرادة الق وة ب المفهوم النيتش وي .وهك ذا يُمكن التكلّم عن إنت ٍ
وعن الوعيٍ منتِج للحاج ات (وليس العكس) كم ا للواق ع الم ادي في الواق ع الم ادي ،وه و انت اج راغب
مجتمعيّ ،يُمكِن ر ّد الصراع االجتماعي والسياسي إليه ،كما يُمكِن تمري ر العائل ة واالن ا والش خص من جه ة
البنية الفوقية (اآلنتي-أوديب) .والالوعي برؤية دواوز وصديقه فليكس غاتاري لم يعد مسرحً ا للرغب ِة بل آل ة
انتاج ال ينحصر في النطاق الض يّق للعائل ة ب ل ينفتح الى الت اريخ والجغرافي ا والق ارات واألع راق ،اي الى
المجتمع الواسع .وهنا يظهر لنا األفهوم الدولوزي المُب َتكر حين يتحدث عن آالت راغبة تخ ترق ك ل المج ال
االجتماعي وتتدفق فيه ويكونُ نتاجً ا تاريخيًا لها ،وهي آالت ال تسير إالّ وهي تتعط ل بإس تمرار ،واآلل ة هي
كتعريف " سيستام من قطائع الدفوق ، " système de coupures de flux -أمّا اآللة الراغبة فهي
وتحت ك ل تمي يز وتحدي د.أ ّم ا الجس ُد بالَ ٌ
نمط في توصيفِ آلية الذاتية ال تي تح رّك الجس َد بال أعض اء قب َل
أعضاء فيعني به دولوز الجسد الّذي يع ارض تنظيم األعض اء أو م ا نس ميه "المتعض ي" .Organism/e
ويشبّه دولوز الجسد بال أعضاء بالبيضة المليئة قبل إمتالء المتعضّي وتعضية األعضاء .وهكذا تك ون اآلل ة
المتعض ي في الطبيع ة
ّ الراغبة سستام غير عضوي للجسد يتجاوز إوالية Mecanism/eالتقني ة وتعض ية
والمجتمع وفي االنسان .ويقول دولوز في ما معناه ان الجسد بال أعضاء يشكل حق ل المحايث ة للرغب ة وه ذه
توجد حيثما هناك الجسد بال أعضاء( )..وال يتعلق األم ر بمس ألة إيديولوجي ة ولكن بم ادة خالص ة ،بظ اهرة
ة... ة أو كوني ية اجتماعي ة ،نفس ة ،بيولوجي ادة طبيعي لم
دفق وتص ن ُع الواق َع ،وكم ا ص نعت ت راغب ة من ك ل األحج ام تت ُ هناك ًإذا إنتا ٌج راغب ،وسيولة دائم ة آلال ٍ
بالظبط رغبة الجماهير األلمانية أو االيطالية في بديات القرن الماضي التاريخ الفاشي الجديد ،صنعت الطاقة
الراغبة وجهًا ثوريًا للتاريخ نجده مع الطبقة العاملة وفي العلم والفنون .فالرغبة ال تتوقف ولكنه ا ق د تش تغل
ضد مصلحتها إالّ انها ال تض ّل الطريق .وهي اي الرغبة من بإمكانها أن تزعزع النظام الع ام وآلي ات القم ع
نوع آخر ،وفي كل األحوال ال ينفع الكالم عن رغبات قبيح ة أو جميل ة، في الوقت الّذي قد ينتج عنا قمع من ٍ
شريرة أو خيّرة ،بل انّ ما يمكن القيام به هو الكالم عن الرغبة التي تنسكب في كل شي والتي تس توطن ك ل
ث األف راد والمؤسس ات واإلوالي ات االقتص ادية بشكل محاي ٍ
ٍ ك فيه مكا ًنا محد ًدا؛ انها تع ُّم
ت ال تمل ُمكان في وق ٍ
ٍ
برمته ا .ومن ه ذه النقط ة ن دخل الى بحث الص لة بين الدول ِة (والس لطة بش كل ع ام) والرغب ة.
فكر الدول ِة عبر الخضوع الطوعي للتص وّ ر بالنسبة الى دولوز (وغاتاري) تنحص ُر الرغب ُة في قنا ِة (مجرى) ِ
األوديبي .أوديب هو خط الدفاع الّذي تستعين به الدول ُة ضد كل رغب ٍة "منفلت ة"" ،هارب ة" أو غ ير مقيَّدة؛ ان
األوديب يشبه إله الكنيسة ،والتحلي ُل النفس ي ال يش به إالّ ه ذه األخ يرة ،كم ا أنّ المحللين النفس يين هم الكهن ة
بشكل تشعر معه ا ّنه ا بالفع ل مكبوت ة ومقموع ةٍ الجدد الملحدين .وأوديب ال يقمع الرغبة بقدر ما يعيد بناءها
كي تشعر بالذنب ،فيما هي وفي ظ ّل آلة الدولة والرأسمالية يج ري اختزاله ا الى اس تيهامات عائلي ة "تافه ة"
كما يجري توظيفه ا في التقس يم المجتمعي للعم ل وتقيي دها ،ويت ّم تحويله ا الى آالت راغب ة غ ير منتج ة في
جس ٍد عضوي مملوء هو رأس المال .وأوديب التحليل النفسي يسجن الرغبة في الذات الفردية ،يذوّ ًتها (الهُو l
،)e çaويقطع عنها سبل اإلتصال .لدينا هنا جها ٌز أعلى للمراقبة يمنع تدفق الرغبة في الحقل االجتم اعي،
الرغبة التي بتدفقها ستهذي ليس حول كراهية األب وعشق األم (أو العكس)كما يريد التحلي ل النفس ي ،وإنم ا
حول المال والسلطة واألعراق والشعوب كما سيبرهن عليه التحليل الفصامي( ،)schizoanalyseوب ذلك
ينظ ر دول وز الى الرغب ة بوص فها "وت داً agencementاجتماع ًي ا" لتولي د اله ذيات "المتكلم ة" (فاش ية
رجعية كانت ام ثورية يوتوبية) وخلق االوه ام في المج ال المجتمعي المش ترك.هنال ك ن و ٌع من "الم ؤامرة"
التي تحيكها الدول ُة مع التحليل النفسي لفصل المسارات :مسار الالوعي/مسار المعمل -مس ار الرغب ة/مس ار
الثورة والتغيير االجتماعي-إقتصاد الرغبة/إقتصاد اإلنت اج ،وه و فص ٌل يُع ا ُد رس مه يوم ًي ا من أج ل حص ر
الرغبة في المجال الذاتي والعائلي وحصر االنتاج في المج ال االجتم اعي واالقتص ادي البحت ،وه و فص ٌل
امح
يل ج ٍ يعيد انتاج االغتراب والتشيوء والصنمية.عملية الفصل هذه تمنع والحالة هذه تح وّ َل الرغب ة الى س ٍ
دافق كلّي يخترق مجال الصراع االجتماعي ويؤسس لإلختالف وللتعددية ولإلبتك ار والفن واألدب ،وعملي ة ٍ
ترسيمة تجعل من تدفقاته تدفقات جزئية صغيرة مح دودة ً الفصل هذه تبقي على الرغبة بإعاقتها وبرسمها لها
اق ع ائليّ ض يّق ال ينفتح على المج ال الع ام ب ل يبقى ح ّي زه أريك ة المحل ل النفس ي. اإلط ار في نط ٍ
إن محاوالت تحجيم تدفقات الرغبة في إطار الرأسمالية يقتضي توظيف هذه الرغبة في إطار منظومة البني ة
الرأسمالية كلّها بمعاونة التحليل النفسي مما يؤدي الى حالة الفُصام أو الشيزوفرينيا ،إالّ أن الدولة الرأس مالية
نظام مغلق ال يس مح ب أي ن وع من اله روب والف رار الرغب وي ،فهي وعلى خالف األنظم ة ٍ تختلف عن ايّ
البربرية العسركية والدينية التي تكث ُر من الرموز والشيفرات وتؤسس إلرهاب دوالني مُطلَق ومباش ر ،تق وم
الدولة الرأسمالية بفك شفرة او رمز تدفقات الرغبة و ُتطلِقُه ا و"تس تثمرها" على "الجس د االجتم اعي" بم ا ال
يهدد سيرورة النظام القائم ،فما يه ّم الرأس مال هو استغالل ق درات الش خص في المص نع وفي العم ل وك ل
رغبة تهدد االنتاج الرأسمالي يتم تهميشها وإقصائها وسجنها (عبر التحليل النفسي) إمّا ض من اط ار االس رة
الضيّق ،او في االستهالك أو في البغاء مثالً .وهذا ما يولّد حالة الفصام وما يصنع ذلك النموذج من الشخص
الهارب الّذي يهدد النظام القائم والنسق المهيمن بتملّكه "ش هية" جامح ة ب التمرّد إ ّم ا بإس م الرغب ة (في الحلم
والفن والحب) أو بإسم الثورة .وح ّتى اللحظة استطاعات الدولة – الرأسمالية – ترويض ك ل تهدي ٍد من ه ذا
بر وسائل االعالم مثالً وع بر آلي ات ص ناعة الحاج ات الجدي دة النوع بإعادة تحريف مساراه وكبح جماحه عِ َ
ُنظ َر إليه ا بإعتباره ا تخ دم مص الحةوالتسويق marketingأو عبر "اللعبة" الديموقراطية والقوانين التي ي َ
قبرها" على حد قول ماركس وهو قول يتبناه دولوز وغاتاري الكلّ .إالّ ا ّنه وفي اآلن عينه "تحفر الرأسمالية َ
حيث يالحظان ان الرأسمالية بدأت تفقد قوّ تها بفقدانها حيّزها المكاني وآلي ات إخض اعها ووس ائل تنظيراته ا
ير. ا ٍة أخ ط حي مالية كنم ة للرأس وات المعارض و األص دأت تعل وب
الخالصة
ب عقالنيّ وأخالقيّ ،ب ل ال يسود فك ُر الدولة ويهيمِن من خالل عق ٍد إجتماعيّ مُف َت َرض أو فقط من خالل خطا ٍ
عبر الرغب ِة البشرية بالدرجة األولى .وبالتالي فإن آلية مقاومة الدولة ال يمرّ إالّ عبر صيرورة الرغبة كفع ٍل َ
متمر ٍّد ثوريّ ،والثورةُ هنا ليست بمعناها الكالسيكي ً
حدثا جماهيريًا يروم إجتث اث دول ٍة وس لط ٍة ليقيم مكانه ا
شكل آخر كما حصل ح ّتى اللحظة في كل التجارب الثورية في التاريخ وباالخص تلك ال تي ٍ دول ٍة وسلط ٍة من
لطالما نادت بإسقاط الدولة (االشتراكية الماركسية واألناركية) .إ ّنها "آلة الحرب" التي بإمكانه ا تج اوز فك َر
الدول ِة ولن تكون سوى ثورة –هي أقرب الى االنتفاضة -إبتكار وقلب شيفرات ورموز الفكر المهيمن ،وهي
ثورة في الفرار من آليات المراقبة عبر الترحال واإلحتفالية الرغبوية الحرّ ة وتأكي د ال ذات الفردي ة الرافض ة
للهويات القسرية .وهي ثورة ال تستوجب وجود أغلبية تقوم بها ب ل تب دأ على المس توى ال ذرّي في المص انع
والمدارس والسجون ،بين االقليات وفي العائلة ،وهي متى نجحت على المستوى الذرّ ي تنقل انتص اراتها الى
المس توى األك بر .وهي ال تتو ّج ه بأس لحتها الى الدول ِة فحس ب ب ل الى ك ل البن اء االجتم اعي الق ائم.
المراجع
Pensée du politique et résistance chez Gilles Deleuze,Pierre -1
Montebello.
http://www.academia.edu/1401389/Pensee_du_politique_et_resistance_ch
ez_Gilles_Deleuze
Political Normativity and Poststructuralism: The Case of Gilles -2
Deleuze- Paul Patton
http://www.uu.nl/SiteCollectionDocuments/GW/GW_Centre_Humanities/pol
itical-normativity-deleuze.pdf
جيل دولوز ،سياسات الرغبة ،تحرير د.أحمد عبد الحليم عطية ،دار الفارابي،بيروت ،لبنان ،الطبع ة -3
األولى .2011
.Saul Newman War on the State: Stirner and Deleuze’s Anarchism -4
http://theanarchistlibrary.org/library/saul-newman-war-on-the-state-stirner-
and-deleuze-s-anarchism