You are on page 1of 21

‫‪443 403‬‬ ‫‪0100‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪10‬‬

‫إيمانويل لفيناس وجيل دولوز‪ :‬إنسانوية الوجه بين اإلتيقا‪ ،‬االستطيقا والسينما‪.‬‬
‫‪Emmanuel Levinas and Jilles Deleuze: the humanity of the face between ethics,‬‬
‫‪esthetics and cinema.‬‬

‫‪1‬‬
‫فايزة بغياني‬
‫مخبر مشكالت الحضارة والتاريخ في الجزائر‪ ،‬جامعة الجزائر‪baghianifai@gmail.com ،2‬‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ النشر‪2721/70/71 :‬‬ ‫تاريخ القبول‪2721/70/11 :‬‬ ‫تاريخ االستالم‪2727/70/22 :‬‬

‫ملخص‪:‬‬
‫يعتبر الوجه رم از لوحدة النوع البشري فمن خالله نتقاسم إنسوانويتنا‪ ،‬لذلك كان التجلي من خالله أمام اآلخر‬
‫مدخل لكل ترحيب وضيافة ومؤانسة بل مساواة أمام من يتأملنا بعينيه مهما كان أصله وعرقة ودينه‪ ،‬فمنه تبدأ‬
‫كل عالقة إتيقية مع اآلخر لذلك جعله إيمانويل لفيناس المفهوم المركزي في مشروعه الفينومينولوجي اإلتيقي ‪-‬‬
‫التيولوجي‪ ،‬فالوجه وحده من يمتلك اقتدار حمل أثر الالمتناهي ومن ثم وجب التحلي بالحياء عند النظر إليه‬
‫لنتأمل العمق والحقيقة خلف األشكال وألوان العينين‪ ،‬لكن مع سينما جيل دولوز سيختلف األمر ألن الفنان ال‬
‫يكون مبدعا إال إذا أظهر مدى قدرات وجهه على التزييف من خالل تقديم أدوار مختلفة ليصبح الوجه بمثابة‬
‫لوحة فنية متناسقة األبعاد واأللوان بل كأنه تطريز هندسي‪ ،‬ومن هنا ينطلق بحثنا الذي نهدف من خالله إلى‬
‫بسط التصور اللفيناسي والدولوزي حول الوجه لعلنا نجد نقاط الوصل بينهما‪.‬‬
‫كلمات مفتاحية‪ :‬اإلنسانوية‪ ،‬الوجه‪ ،‬اإلتيقا‪ ،‬االستطيقا‪ ،‬السينما‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪The face is the most important sign of our humanity in all of our long history, and the‬‬
‫‪appearance through it is an enterance for every welcome and equality in front of‬‬
‫‪those who look at us, whatever his race, because the face is symbol of the human‬‬
‫‪kind, and through it every relationship with the other, he made Levinas the central‬‬
‫‪concept in his ethical theological project , because the face expresses the infinte‬‬
‫‪effect, therefore, we must be shy when seeing him to reflect on the depth behind‬‬
‫‪color of the eyes unlike Deleuze, the artist is not creative unless he shows the‬‬
‫‪capabilities of his face to counterfeit , and from here begins our study, Which aims to‬‬
‫‪display visualizations of Levinas and Deleuze.‬‬
‫‪Keywords: Humanity ; Face ; Ethics ; Esthetics ; Cinema.‬‬
‫___________________ـ‬

‫‪baghianifai@gmail.com‬‬ ‫‪ ‬المؤلف المرسل‪ :‬فايزة بغياني‬

‫‪314‬‬
‫‪ .1‬مقدمة‪:‬‬
‫مثلما كانت الفينومينولوجيا الترنسندنتالية عند هوسرل جوابا على النزعة الوضعية المادية التي حاولت‬
‫إختزال اإلنسان في مادية بحته ليحاول من خاللها أن يعيد لإلنسان األوروبي جانبه القيمي والمعنوي‪ ،‬كذلك‬
‫ستكون فينومينولوجيا إيمانويل لفيناس أيضا جوابا قويا على الحرب والنزعة التقنوعلمية التي حاولت أن تحذف‬
‫إنسانوية اإلنسان لصالح مادية بحته‪ ،‬فلفيناس عندما يتحدث عن الوجه يتحدث عنه ضمن أفق إتيقي‪-‬تيولوجي‬
‫لعله يعيد بذلك له ومعه اإلنسان اآلخر قدسيته وجانبه القيمي الذي حاولت العلوم باتحادها مع الحرب أن تفقده‬
‫إياه‪ ،‬فهو بصمة الشخصية فمن الناحية اإلتيقية ال توجد وجوه عمومية إال إذا كانت أقنعة مثل أقنعة الممثلين‬
‫على المسرح والتي تأخذ من الوجه الشكل فقط‪ ،‬لذلك نحن ال يمكن أن نخلط بينها وبين الوجه اإلنسانوي‪ ،‬فكل‬
‫إنسان له وجهه الذي له نظرته الخاصة والتي تميزه وتجسد وحدانيته لتحييه تعابير تترجم اإلنفعاالت األشد عمقا‬
‫والتي تجعله فريدا ومتمي از ‪.‬‬
‫لكن إذا أردنا الحديث عن منزلة الوجه ضمن آفاق سنيمائية سيختلف األمر فالممثل ال يكون عمله‬
‫أصيال إال إذا قدم أدوا ار مختلفة تتغير مالمح وجهه معها في نفس الفيلم‪ ،‬وهذا ما فصل فيه جيل دولوز‬
‫عندما تحدث عن الوجه في عمله الضخم حول السينما والمتمثل في كتابيه اللذان يحمالن عنوان‪" :‬سينما‬
‫الصورة‪ -‬الحركة" و"سينما الصورة‪-‬الزمن"‪ ،‬فالممثل في نظره الذي لديه قدرة كبيرة على التزيف بتغيير مالمح‬
‫وجهه في نفس العمل وحده فقط يستحق إسم مبدع‪ ،‬ويتخذ دولوز أنموذج اإلنسان األعلى عند نيتشه الذي‬
‫تقمص وجه العراف والملك والساحر والبابا والمتسول كأنموذج لكل عمل فني أصيل‪ ،‬فهو ذلك الوجه الذي تحول‬
‫إلى صورة فنية تعمل بمنطق التزييف من خالل األلوان واألشكال والحركات والخدع البصرية لتترجم إنفعاالت‬
‫الرغبة واإلغراء واإلغواء واإلعجاب والشغف والحزن والزهد واإليمان على نفس الوجه‪ ،‬وعليه يمكن أن نطرح‬
‫اإلستشكال التالي‪ :‬ما هي المنزلة التي يتخذها الوجه اإلنسانوي بين إتيقا‪-‬استطيقا لفيناس وسينما دولوز؟ كيف‬
‫يمكن أن نتحدث عن نزعة إنسانوية خاصة بالوجه؟ كيف تنفتح الذات على اآلخر ضمن أفق إتيقي‪-‬تيولوجي‬
‫من خالل الوجه؟ إذا كان الوجه اللفيناسي يفر من سطوة األشكال واإلدراك للوصول إلى المعنى والقيمة خلف‬
‫األشكال واأللوان وجمال العينين فهل سيكون له موقفا مرتابا ضد تصورات االستطيقا والسينما الحديثة عن‬
‫الوجه؟ كيف سيكون رد دولوز على لفيناس ؟ وكيف ننتقل من الوجه كحامل ألثر الالمتناهي والحقيقة عند‬
‫لفيناس إلى الوجه كرمز لإلغراء واإلغواء والتزييف مع دلوز؟ كيف يصير التزييف إبداعا في مجال السينما‬
‫ومن ثم االستطيقا؟ ‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫ومن هنا تكون فرضية هذا البحث تتمحور حول المكانة التي يتخذها الوجه بين اإلتيقا واالستطيقا‬
‫والسينما ألن هدف بحثنا هو إماطة اللثام عن الرؤية اللفيناسية اإلتيقية االستطيقية والرؤية الدولولزية السينمائية‬
‫للوجه لنحاول بعدها أن نجد نقاط الفصل بينهما‪ ،‬ثم نردم بعد ذلك الهوة القائمة بين اإلتيقا واالستطيقا والسينما‬
‫حول تصور الوجه‪.‬‬

‫‪ .2‬الوجه اإلنسانوي بين إتيقا‪-‬استطيقا لفيناس‪:‬‬


‫‪ 1.2‬الوجه ضمن أفق إتيقي‪:‬‬
‫يقول لفيناس‪ ":‬تجلي الوجه هو الخطاب األول‪ ،‬ذلك أن الكالم أوال وقبل كل شيء هو طريقة في‬
‫المجيء خلف المظهر وخلف الشكل ألنه إنفتاح داخل اإلنفتاح"‪ ،1‬فمن خالل الوجه يلتقي اآلخر وجها لوجه مع‬
‫الذات لتتمكن من التحرر من نرجسيتها لتنفتح عليه‪ ،‬فهو أساس كل تواشج حميمي وكل تعبير يكون بين الذات‬
‫واآلخر‪.‬‬
‫َّهت وجهي هلل‬
‫وهذا يتفق تماما مع الداللة اإلشتقاقية التي وردت في لسان العرب البن منظور‪":‬ووج ُ‬
‫ومواجهةٌ‪ :‬قابل‬
‫وجه(‪ُ )...‬‬
‫اجهةُ‪ :‬استقبال الرجل بكالم أو ْ‬
‫المو َ‬
‫قابلَة و ُ‬
‫الم َ‬
‫اجهةُ ‪ُ :‬‬
‫الم َو َ‬
‫ك واليك (‪ )...‬و ُ‬
‫نحو َ‬
‫َّهت َ‬
‫وتوج ُ‬
‫بوجهه وتواجه المنزالن والرجالن‪ :‬تقابال "‪ ،2‬وهي مقابلة يؤسسها الكالم والحوار فالوجه هنا هو منبع كل‬‫وج َههُ ْ‬
‫ْ‬
‫كالم ألنه المنطقة التعبيرية المهمة في الجسد ومحل صنع الخطاب والتواصل‪.‬‬
‫كما أن كل مالمح اليسر والعسر والفرح واأللم ترتسم على الوجه العنوان الكبير لوحدة إنسانويتنا‪ ،‬لذلك‬
‫فاإلنسان بحق يجد صعوبة في إلحاق العنف واألذى بشخص آخر يقابله وينظر إليه ومن هنا كانت" العالقة‬
‫مع الوجه ذات بعد إتيقي‪ ،‬فهو ما ال نستطيع تعريضه للقتل"‪ ،3‬والفناء والعنف‪.‬‬
‫واإلقبال نحوه يستلزم أن ال نتعامل معه مثل الموضوعات المادية األخرى القابلة للنظر والتي تقع في‬
‫خانة المعرفة واإلدراك الحسي لتوقعنا في االختزالية‪ ،‬فعندما أكون في لقاء الوجه وجب أن أتجنب التحديق بلون‬
‫العينين ألن ذلك سيقف حائال أمام التأسيس لعالقة اجتماعية‪ ،‬فعندما نرى أنفا وعينين وجبينا وذقنا ونقوم‬
‫بوصفها فنحن بذلك نختزل اآلخر إلى مجرد موضوع‪ 4.‬واإلتيقا تشترط أوال عدم التعامل مع اآلخر كموضوع‬
‫ماثل قبالة وعي األنا‪.‬‬
‫فالوجه هو ما يتعذر عن االختزال كما أن السير نحوه يستلزم اإلتيقا أوال وأخيرا‪ ،‬لذلك وحسب لفيناس‬
‫ليس باإلمكان أن نتحدث عن فينومينولوجيا للوجه‪ ،‬على أساس أن الفينومينولوجيا تقوم بوصف الظاهرة‪ ،‬في‬
‫حين أن الوجه هنا هو ما يتعذر عن الوصف فجلد الوجه هو األكثر عريا بل عريا بريئا ومحتشما واألكثر نقاءا‬

‫‪316‬‬
‫وفق ار فهو يحمل فق ار أساسيا إذ هو أكثر عرضة للتهديد والخطر والعنف في عريه دون دفاع‪ ،‬وكأنه يدعونا‬
‫لممارسة العنف وفي اآلن يمنعنا من القتل ‪ ،5‬فهو الضعف والهشاشة والفقر ألنه وجه األرملة واليتيم والغريب‬
‫الذي تواجهه األنا كآخر منفصال عنها حيث تجمعهما عالقة قرب وليس تماثل وانصهار في المجتمع الذي‬
‫يشكل المشترك بينهما‪.‬‬
‫كما أن زيارة الوجه تكون في عريه أي تجرده من صورته الخاصة‪ ،‬والذي هو عري في ذاته وهو ممكن‬
‫فقط داخل العالم‪ ،‬فعراء الوجه هو تعريه من كل زخرف ثقافي ألنه يخترق عالمنا الخاص انطالقا من مجال‬
‫الذي ال يحضر إال في الوجه‪،‬‬ ‫‪6‬‬
‫غريب‪ ،‬ألن داللة الوجه غريبة فهي تحمل أثر اآلخر بإطالق أي الالنهائي‬
‫وهذا ما يتقاطع مع الرؤية اإلسالمية حيث ورد في القرآن الكريم قوله تعالى‪":‬فأينما تولوا فثم وجه اهلل"‪ 7‬لذلك كان‬
‫ال بد من التحلي بالحياء عند النظر إليه فال نتأمل مالمحه الفيزيولوجية‪ ،‬خصوصا لون العينين ألنني بتأمل لون‬
‫العينين قد أتمكن من تحديد جنسية اآلخر فاإلنسان الغربي في الغالب أشقر يمتلك عينان زرقاوتان فأمتنع من‬
‫الدخول في عالقة إتيقية معه‪ ،‬ألنه ليس من بني جنسي‪ ،‬لذلك يؤكد لفيناس أنه للوجه داللة تتعالى عن كل‬
‫سياق ثقافي كما أن تأمل لون العينين قد يجعلني أدخل في عالقة عاطفية مع اآلخر والمطلوب هنا عالقة‬
‫اجتماعية‪.‬‬
‫فداخل عراء الوجه فقر وسمو ألن اهلل يتحدد فيه كأثر ليصبح وجه اآلخر معبدا‪ ،‬وهنا سيظهر البعد‬
‫اإلتيقي التيولوجي للزيارة ليقول اهلل كلمته األولى في شكل نداء يمنعني أن أظل أصما إزاءه أو استمر في‬
‫نسيانه أو امتنع على أن أكون مسؤوال عن بؤسه‪ ،‬فللوجه أمر بل وصية تضع الوعي موضع سؤال من طرف‬
‫الوجه‪ ،8‬ف ي وجه اليتيم واألرملة والغريب إفصاح عن لغز اآلخرية بإطالق إنه نداء تحريم فعل القتل أي العنف‬
‫ممثال في الكلمة األولى‪ " :‬ال تقتل أبدا "‪ ،9‬أين يأمرني اهلل في تعاليه فهو الماضي السحيق "األنارخيا" أو "الما‬
‫قبل أصلي" إنه األمر الذي يأتي انطالقا من وجه اآلخر‪ ،‬ليستفز وعيي وماهيتي وحضوري وحريتي ففي أول‬
‫اقترابه يضع ذاتي موضع سؤال بل اتهام‪ ،‬كسيد أو قاضي يحاكمني‪ ،10‬ليحدث اللقاء اإلتيقي بين الذات واآلخر‬
‫والذي يأخذ شكل صدمة واتهام‪ ،‬فاهلل يحضر في وجه اآلخر كأثر ليتهم األنا بإضطهادها لآلخر لينهى عن‬
‫القتل والعنف من خالل الكلمة األولى للرب التي تحرم القتل‪.‬‬
‫إذ هي مقاومة إتيقية للوجه دون عنف تشل الذات وتمنعها من تعنيف اآلخر‪ ،‬فنداء القداسة يحثها على‬
‫مقاومة إغواء القتل والحرب المتمثلة في فعل الكفاح من أجل اإلستمرار في الكينونة التي تحولت فيها العالقة‬
‫بين الذات واآلخر إلى اقتتال‪ ،‬فالحرب تفترض السلم المنبعث من وجوه اآلخرين‪ ،11‬فما يجمد حريتي ليست نظرة‬
‫اآلخر الشيئية بل عريه ووحدته دون دفاع‪ ،‬وما يخجلني ليس استالب حريتي بل حريتي نفسها فأنا المعتدي‬

‫‪317‬‬
‫لينبجس قلق أخالقي بداخلي بمثابة شعور بالعار والندم بسبب ال عدالتي‪ ،‬فاآلخر يقاومني دون عنف وهو األمر‬
‫كما أن اهلل يحضر في وجه اآلخر ليذكرني بمسؤوليتي نحو اآلخر الغريب والفقير والمضطهد‬ ‫‪12‬‬
‫الذي يخجلني‬
‫دون أن يعنفني بل يأمرني في صمت الوجه‪.‬‬
‫وهنا يقول لفيناس‪":‬الالنهائي يحضر في الوجه وفي مقاومته اإلتيقية التي تشل إرادتي واقتداري أمام‬
‫عينيه دون دفاع عن عريه وبؤسه‪ ،‬فهذا الفقر والجوع هو نفسه القرب من اآلخر(‪ )...‬إنه وجه خلف الشكل‪." 13‬‬
‫ذلك َّ‬
‫أن زيارة الالمتناهي لوجه اآلخر تساهم في إحداث هزة داخل أنانية األنا لتنفتح على اآلخر‪ ،‬ومن‬
‫ثم يفكك الوجه قصدية الوعي التي تنظر إليه والتي هي عملية مساءلة للوعي من خالل كلمة اهلل" ال تقتل أبدا"‪،‬‬
‫لتخسر األنا تطابقها مع ذاتها ومماهاتها التي هي في نفس الوقت مساءلة للحرية المتوحشة بل الساذجة‪،‬‬
‫فمساءلة الذات هي في اآلن استقبال لآلخر بإطالق الذي يتجلى في الوجه والذي يناديني ويأمرني في عريه‪،‬‬
‫ليلزم األنا على تقديم إجابة تأخذ شكل تضا من ومسؤولية دون حدود نحو اآلخر‪ ،‬فتتولى مهمة إفراغ األنا من‬
‫إمبرياليته لتتشكل الذات في النهاية كمفعول به‪ ،‬باعتبارها متلقية لألمر اإللهي عبر اآلخر سيد للعدالة‪.‬‬
‫إن العالقة مع الوجه إتيقية فالوجه هو ما ال نستطيع تعريضه للفناء ويوميات الحرب تؤكد صعوبة قتل‬
‫إنس ان آخر يتأملنا بعينيه ألن القتل عمل مثير للسخرية‪ ،‬صحيح هو ممكن من الناحية األنطولوجية ومنعه ال‬
‫يحد منه حتى لو كانت سلطة المنع نابعة من الضمير‪ ،‬فهو الشر الناتج عن الكينونة‪ ،‬لكن مع ظهور هذه‬
‫اإلتيقا الغريبة والمرتبطة بإنسانوية اإلنسان اآلخر ستحدث صدعا في الكينونة‪ 14،‬ليصبح القتل محرما إتيقيا‬
‫وتيولوجيا‪.‬‬
‫والمطلوب هنا من األنا القلق والخوف على موت اآلخر لتسهر على هشاشته وضعفه وألمه ومعاناته‬
‫وفقره فكما ورد في التلمود‪" :‬كل شيء في يد اهلل‪ ،‬ما عدا الخوف من اهلل"‪ ،‬فالخوف منه هو فعل اإلنسان‪ ،‬خوف‬
‫من المجد والخير المنطلق من الوجه ‪ ،‬األمر الكفيل بأن يحدث قطيعة مع األنطولوجيا المرتبطة باإلنسانوية‬
‫المنعزلة في حربها وكفاحها من أجل االستمرار‪ ،‬إنه موعد لقاء إله في وجه ليمكنني من العبور إلى الماوراء‪،‬‬
‫للتأسيس لإلنسانوية الداخلية‪ L’intériorité humaine‬المنفتحة على اآلخر ومن ثم على الالنهائي الذي يحظر‬
‫في وجهه‪.15‬‬
‫للعبور الى ما وراء الماهية وماوراء الكينونة فكأنه هنا يعيد ترجمة عبارة ألفالطون والتي استخدمها في‬
‫الجمهورية ‪ le république‬أثناء حديثه عن الخير‪ ،‬الذي ال يمكن العبور إليه إال في ما وراء المادة فكأن‬
‫لفيناس سيستأنف التجاوز األفالطوني ليحدث منعرجا حاسما في الفلسفة الغربية‪ ،‬من خالل اإللتفاف بالوجه‬
‫الحامل ألثر ولغز جدير باإلحترام ففي مقاييس الوجه الدقيقة يتألق بالالنهائي كأثر مرتسم ومنمحي عليه في‬

‫‪318‬‬
‫اآلن‪ ،16‬إنه أثر الماضي المنسي‪ ،‬ذلك الزمن الذي يسبق زمن األنا فهو زمن بعيد يتداخل مع الحاضر عندما‬
‫يحضر الالمتناهي في وجه اآلخر ليذكرني بمسؤوليتي نحوه‪ ،‬وهو الزمن الذي أراد لفيناس في العديد من المرات‬
‫العبور إليه ألنه يقع في ما وراء الكينونة‪ ،‬ليصبح اللقاء مع اآلخر بإطالق هو نوع من الوحي نتلقاه في وجه‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫‪ 2.2‬الوجه ضمن أفق تيولوجي‪-‬استطيقي‪:‬‬
‫إنه وحي يسطع كأثر مطموس لالنهائي على الوجه‪ ،‬فالالنهائي ال يمكن تتبعة إال في أثره مثل لعبة‬
‫الصياد التي يالحق فيها األثر‪ ،‬فاألثر هو بقية حضور له تألق واشراق غامض يمثل عمل الماضي في الحاضر‬
‫بعدم تعنيف ومن ثم قتل اآلخر‪ ،‬في لغة صامته‬ ‫‪17‬‬
‫وهو ماض يتعالى على كل حاضر حيث يأمرني في تعاليه‬
‫ألنها مرتسمة ككتابة وكأثر على وجه اآلخر‪ ،‬إذ هي الكلمة األولى للرب في التقليد الديني اليهودي التي تحرم‬
‫القتل‪.‬‬
‫فالوجه ال يأخذ داللته إال كأثر لغائب بإطالق ماضي بإطالق والذي أسماه بول فاليري سابقا ب‪":‬ماضي‬
‫سحيق‪ ،‬ماضي ال يكف عن القدوم" ‪ ،‬إنه ماضي أزلي وأبدي بل هو الخلود الذي يتجاوز اقتدارات الذاكرة ألنها‬
‫تعجز عن استيعابه إذ يرفض أن يكون حضو ار بسيطا للذات‪ ،‬ألن األثر ال يحصل على معناه الكامل إال من‬
‫خالل العبور إلى ماوراء الكينونة‪18 .‬فهو يصبح زمن ماضي مقدس لما يرتبط بالحاضر من خالل وجه اآلخر‬
‫الذي يحضر فيه اهلل ليفتتح أفق المستقبل حيث األبدية والسر‪.‬‬
‫بعبارة أخرى هو خط سير للعبور الى ما وراء الكينونة‪ ،‬من أجل التيه نحو الالأصل والالمركز فعندما‬
‫يحضر اهلل في وجه اآلخر يسحبني إلى ما وراء العالم‪ ،‬مثلما يقول إدمون جابيس‪":‬ال يوجد أثر إال في الصحراء‪.‬‬
‫الفعل هو العبور‪ ،‬التيه‪ .‬من المتعذر قوله إلى المتعذر قوله‪.‬هجران المكان المعروف‪ ،‬المعيش‪-‬المشهد‪ ،‬الوجه‪-‬‬
‫من أجل المكان المجهول‪-‬الصحراء‪ ،‬الوجه الجديد‪ ،‬السراب؟ الوجه الالنهائي لالشيء‪ ،‬بثقله الالشيء بكل‬
‫الوجوه المختزلة في وجه واحد‪ ،‬وجهي‪ ،‬الضائع"‪ ،19‬إنه أثر اهلل الذي يسحبني من مركزي ومن ذاتي ألنفتح على‬
‫اآلخر الذي هو هجران لألصل والمركز‪ ،‬مثل ذلك الهجران الذي تحدث عنه لفيناس المتمثل في سفر النبي‬
‫إبراهيم وتيهه في أرض لم تكن معروفة لديه والذي هو تخلي عن كل انتماء ألصل‪.‬‬
‫إنه ذهاب إلى الماوراء‪ ،‬وراء العالم والماهية والكينونة نحو الواحد(اهلل) كما كان سائدا في فرضية‬
‫بارمانيدس األولى وعند أفالطون ‪ ،‬فهو الواحد المتعالي على كل معرفة ألنه عصي عن التصنيف إذ ال هو‬
‫متشابه وال هو غير متشابه وال هو مطابق وال هو غير مطابق‪ ،‬ذلك أن عراء الوجه يحدث قطيعة مع الزمن‬
‫الح اضر ال تندمل بعد زيارة الالمتناهي العالم دون أن يستقر فيه‪ ،‬ليزعج نظام المحايثة المرتبط بالحاضر فهو‬

‫‪319‬‬
‫قادم من الزمن الماضي ليتجه صوب اآلخر الذي ال يتماهى معه أي ال يتجسد فيه بل يأتي ويتوارى في وجهه‬
‫وهنا تكمن غرائبيته‪20‬فاآلخر بإطالق أي اهلل ال يحضر إال في صورة أثر أصيل يشوش نظام العالم والمحايثة‪.‬‬
‫واإلله الذي ينزل على الوجه ليس أنموذجا يعكس الوجه صورته‪ ،‬بمعنى أن اهلل ال يتجسد كرسم في‬
‫الوجه بل يتجلى كأثر يظهر وينمحي في وجه اآلخر الغريب‪ ،‬وذلك مثل ما ورد في الفصل ‪ 00‬من سفر‬
‫الخروج‪" :‬السير نحوه ال يعني السير وفق هذا األثر الذي هو ليس عالمة‪ ،‬بل هو السير نحو اآلخرين الذين‬
‫يوجدون داخل هذا األثر"‪. 21‬‬
‫لذلك كان للفيناس موقفا نقديا مهما من فنون عصره التي ترتكز على النحت والتصوير‪ ،‬إذ له نصا‬
‫مركزيا حول دراسته النقدية لالستطيقا ومعها اإلتجاه الواقعي في الفن تحت عنوان"الواقعية وظلها ‪la Réalité‬‬
‫‪ " et son Ombre‬والتي يترجمها البعض الحقيقة وظلها أو الواقع وظله‪ ،‬وأنا فضلت إستخدام الترجمة األولى‬
‫العتبرات عديدة منها أن لفيناس كان يسعى إلى نقد المدرسة الواقعية في الفن‪ ،‬كما أن أغلب الباحثين‬
‫المشتغلين على فلسفة لفيناس في الوطن العربي يترجمونها بهذه الكيفية‪ ،‬وقد نشر هذا المقال في عام ‪1492‬م‬
‫أين قدم مراجعة نقدية من خالل اإلتيقا لالستطيقا حيث أبرز العالقة الكامنة بين اإلتيقي واالستطيقي ويمكن أن‬
‫نعتبر هذا النص هو النقد األول الذي وجهه ألنطولوجيا الهيدغرية والفينومينولوجيا الهوسرلية‪ .22‬التي ترتكز على‬
‫التمركز حول الذات من خالل فعل الثمة ‪ Il‘ ya‬كما يترجمه الباحث التونسي فتحي المسكيني أو اإلليا كما‬
‫يعربه الباحث الجزائري محمد شوفي الزين‪ ،‬غير أنه سواء ترجمناه كثمة أو عربناه كإليا فهو سيبقى الفعل الذي‬
‫يعني المواظبة على الكينونة أو الكفاح من أجل الكينونة‪ ،‬والذي يسعى فيه الكائن إلى التسلط على اآلخر من‬
‫خالل تحويله لمجرد مكون هامشي له‪ ،‬ففي هذا النص سيمتزج اإلستطيقي باإلتيقي بالتيولوجي باألدبي‪ ،‬فقد‬
‫تحاور لفيناس أيضا هنا مع األدباء الروس ولم يتوقف عن اإلستشهاد بآيات الكتاب المقدس ليسائل الفن وهذا‬
‫كله لكي يعيد لإلنسان إنسانويته الضائعة في عالم األشكال والمظاهر والزيف ‪.‬‬
‫فاإلنسانوي ال يمكن أن يختزل في شكل أو صورة ففي وجه اآلخرين تتحطم الصور ألنها ال يمكن أن‬
‫تستوعب العمق التيولوجي ممثال في فكرة الالنهائي التي يبطنها الوجه‪ ،‬فما تميزت به التوراة عن فهم لالمتناهي‬
‫ال يمكن أن تدركه العقالنية واألنطووجيا الغربية فاهلل هنا ليس إله ديكارت وباسكال بل هو اإلله يهوه إله إبراهيم‬
‫واسحاق ويعقوب‪.23‬‬
‫كما أن لفيناس حدثنا عن الفن التصويري الذي يسعى لتجسيد جمال وجه األنثوي ليحل الشكل‬
‫والزيف محل العمق والحقيقة‪ ،‬في حين أن العمق هو الذي يدشن أفق المستقبل فيما وراء الشكل والعالم‪ ،‬بينما‬
‫الصورة تجسد جمال وجه األنثوي وتخبئه بل تشوهه في اآلن لتختزله في مجرد شكل جميل ال يستند لعمق‬

‫‪320‬‬
‫تيولوجي‪ ،‬يعبر عنه في لوحة فنية بل صنم يقدم معنى زائف عن الحقيقة األصيلة لألنثوي ليربطها بالعري‬
‫إنها حياة زيف ال تليق باإلنسان فمعها تحظر مفاهيم اللذة والفساد‬ ‫‪24‬‬
‫الغير محتشم المرتبط بالشغف والليل‬
‫األخالقي ألنها ترتبط بعالم المظاهر والمادة والحس ولفيناس ينشد العمق والقيمة‪ ،‬ألن المعنى والوحي ال نجده‬
‫إال خلف المظهر والصورة حيث يبزغ مجد الالمتناهي وحيث نلتقي ونتحد باهلل‪.‬‬
‫فاألثر االستطيقي ال يحيل إال لذاته ألنه يأبي اإلنفتاح على المعنى اآلتي من خارجه فهو مكتفي بذاته‪،‬‬
‫لذلك فاالستطيقا عاجزة عن استعاب الالنهائي فهي غير قادرة على تجسيد اهلل وان حاولت فعل ذلك وقعت في‬
‫الوثنية‪ ،‬لذلك عملت على إقصائه لما عملت على مضاعفة حدة عزلة الذات المستغرقة في لذة حسية وقتية‬
‫تترجمها الخبرة االستطيقية‪ ،‬لذلك فالفنان من خالل أثره الفني ال يعبر إال عن ظالم الواقع وظالله‪ ،‬وهنا‬
‫نستطيع أن ندرك بأن لفيناس قد أعلن حربا شعواء على استطيقا هيدغر التي اعتقد فيها بأن األثر الفني يقول‬
‫على نقيض لفيناس الذي اعتبره مصد ار للزيف والظالم والظالل بل الشر الموجود في العالم‬ ‫‪25‬‬
‫الحقيقة كألثيا‬
‫ألنه يزيف الحقائق في صور مشوهة تعبر عن نرجسية ذات تسعى لمضاعفة كينونتها في صور أو نسخ مكررة‬
‫‪ ،‬ونحن نعلم جيدا النتائج الخطيرة الناجمة عن التمركز حول الذات(اإلنسان األوروبي األبيض) وما أعقبها من‬
‫أحداث عنف جسدت سيادة الشر وهو ما ترجمته الحربين العالميتين‪.‬‬
‫فاألثر الفني هنا ال يعبر إال عن صورة زائفة تفتقر للعمق اإلتيقي ألنها تسجن اإلنسان في لذة مؤقته‬
‫تنسيه مسؤوليته نحو اآلخر‪ ،‬لذلك وجب التحرر من اإللتزام الفني للهروب من هذا الزيف وذلك من خالل العبور‬
‫الى ماوراء العالم نحو ما أسماه أفالطون* سابقا بموضع المثل أين نلتقي باللغز حيث يسطع مجد الالنهائي و‬
‫يتحقق الخلود لذلك كان الفن ينتمي دائما الى عالم الظالم والظالل ألنه يفتقد لكل عمق روحي‪ ،26‬ذلك أن‬
‫الصورة وظيفتها األساسية تتمثل إعادة تمثيل األصل في شكل صنم وأيدولة تجعل اإلنسان ضائع عائم على‬
‫سطح غبي‪.‬‬
‫يقول لفيناس‪":‬في الصنم تعرف المادة موت المعبود‪ ،‬إن تحريم الصور هو بالفعل األمر األسمي لديانة‬
‫التوحيد"‪ ،27‬وهو الموقف الذي يخترقه غرضا الهوتيا يتمثل في تحريم الديانة اليهودية تصوير اهلل‪ ،‬فأوامر‬
‫التوراة تدعوا الى تحطيم األيدوالت والصور واألثار الفنية على خالف التصور السائد في الكاثوليكية المسيحية‬
‫التي تعمل على تعزيز الرسومات الموجودة على جدران كاتدرائياتها وهي رسومات تعبر عن حياة المسيح‬
‫والقديسين‪ ،‬في حين أن تصوير اهلل كما هو سائد في اليهودية وكذا اإلسالم يحوله إلى صنم كما كان سائدا‬
‫في الوثنية اليونانية القديمة‪ ،‬لذلك يرفض لفيناس تحديد اهلل كصورة بل كأثر لكن ماذا لو توجهنا إلى سينما‬
‫دولوز فهل سيكون له نفس الموقف؟‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫‪ .3‬السينما والتفكير من خالل الصورة مع دولوز‪:‬‬
‫‪ 1.3‬منزلة الوجه اإلنسانوي في السينما‪:‬‬
‫يقول دولوز واصفا وجه الممثلين السينمائيين في أفالمهم ‪":‬وهكذا يشارك الوجه في الحياة الالعضوية‬
‫لألشياء كقطب أول للتعبيرية‪ ،‬فنرى وجها مخددا محز از سقط في شبكة ضاغطة نوعا ما‪ ،‬وصار أشبه بمشربية‬
‫أو بنار أو بأوراق شجر أو بشمس تخترق الغابة‪ .‬نرى وجها ضبابيا مدخنا يحيط به وشاح كثيف نوعا ما‪ .‬نرى‬
‫وجه أتيال(وجه ملك قبائل الهون) المدلهم والمتعضن في فيلم النيبلونغن لفريتز النغ ولكن في غمرة التركيز أو‬
‫في الحد األقصى في السلسلة‪ ،‬سيقال إن الوجه يرد الى النور الذي ال ينقسم أو الى الهالة البيضاء التي تحيط‬
‫بشخصية كريميهيلد"‪ .28‬إذا كان لفيناس يعتبر بأن الوجه عصي عن الرؤية واإلدراك واللمس ألنه يحمل عمق‬
‫وأثر لالمتناهي لذلك وجب التحلي بالحياء عند النظر إليه لنتأمله في عريه من الصفات الفيزيولوجية‪ ،‬فإن جيل‬
‫دولوز يؤكد على أولوية الرؤية والحس والحركة والصفات الفيزيولوجية للوجه والذي سيسميه "بالصورة مهتزة"‪ ،‬لما‬
‫له من اقتدار كبير على تغيير مالمحه وترجمة إنفعاالته العاطفية في صور مختلفة‪ ،‬إذ هو بمثابة قناع لشخص‬
‫أثناء التمثيل له اقتدار ترجمة تعابير زائفة وكاذبة‪ ،‬بحيث توجد أيقونات لمالمح وقسمات الوجه ومحيطه‪ ،‬فإذا‬
‫كان اإلبداع الفلسفي عند دولوز إبداع للمفاهيم فإن اإلبداع السينيمائي هو إبداع للصور لتصبح السينما أرضية‬
‫خصبة لممارسة فعل التفلسف فكليهما ينخرطان في عملية اإلبداع ذاتها‪.‬‬
‫فالنص الدولوزي هو نص فسيفسائي ميزته األساسية التنوع وتعدد المداخل فهو غني وثري ما يجعله‬
‫منفتحا على عوامل ال فكر المتباينة بدال من التقوقع على نص فلسفي جامد يقلص من حركيته وانسيابيته وتدفقه‪،‬‬
‫فهو نص يحاول استشراف أحاسيس اإلنسان وانفعاالته في مهدها األول ألن ثقافة اإلنسان وركام المعارف‬
‫المختلفة وكذا رؤيته للواقع هي في النهاية من تحدد معنى المفاهيم أثناء إستعمالها‪ ،‬لذلك كانت مهمة الفلسفة‬
‫األولى هي خلق المفاهيم ونحتها باعتبارها مبحثا ثوريا جينيالوجيا ال يتوقف على ابتكار المفاهيم وغرسها في‬
‫الحقول المعرفية المختلفة‪29‬لتصير السينما إبداعا للصور فيصبح السينمائي فيلسوفا ومفكرا‪.‬‬
‫وبالعودة إلى مفهوم الوجه فإذا كان في إتيقا لفيناس يفر من سطوة الصورة كأيقونة وشكل ولون‪ ،‬فإنه‬
‫مع دولوز سيصبح صورة فنية ذات أبعاد هندسية متناسقة وهذا ما يؤكده بقوله‪" :‬الصورة المذهلة للوجه يصبح‬
‫كتطريز هندسي للستار عليه ترتسم األلوان "وصوال الى الصورة المذهلة التي لم يعد الوجه يبدو فيها إال كتطريز‬
‫هندسي للستارة‪ .‬ذلك أن الحيز األبيض نفسه يحاط ويكرر بستارة أو بشبكة منضدة تعطيه حجما‪ ،‬أو تعطيه‬
‫عمقا رقيقا‪ ،‬كما يقال في علم المحيطات (أو في فن الرسم)"‪ ، 30‬هناك اختالف صريح بين لفيناس ودولوز في‬
‫طريقة تفكيرهما في الوجه كأن دولوز يقوم بعملية قلب كلي وشامل لفسفة لفيناس فإذا كان لفيناس يعطي أهمية‬

‫‪322‬‬
‫للمعنى اإلتيقي التيولوجي الكامن خلف الشكل واللون للوجه والمتمثل في الكلمة األولى للرب ألن فلسفته لها‬
‫خلفية دينية يهودية‪ ،‬فإن دولوز ال يعطي قيمة إال للشكل واللون فأحيانا نتخلى على مالمح الوجه ومعانيه لصالح‬
‫خطوط متناسقة األبعاد واألشكال واأللوان أي مظهر الوجه وشكله ألن فلسفة جيل دولوز تمجد الحياة‪.‬‬
‫ففي فن الرسم يصور الرسام الوجه كاستدارة لها خط محيط حيث يبدأ برسم األنف والفم وأطراف‬
‫األجفان‪ ،‬وحتى اللحية والقلنسوة وهي مساحة لتشكيل الوجه وأحيانا يرسم على العكس من ذلك‪ ،‬خطوطا‬
‫ومكسرة تشير هنا إلى اختالج الشفتين وبريق البصر وهي مادة عصية نوعا ما على اإلستدارة نسميها‬
‫ّ‬ ‫مجزوءة‬
‫ذلك أن دولوز يركز على المظهر الخارجي للوجه ال معناه كما كان سائدا عند لفيناس‪ ،‬بل ال‬ ‫‪31‬‬
‫خطوط الوجهية‬
‫يتوقف هنا إذ يثمن مقدرة الوجه الكبيرة على اإلغراء واإلغواء ما يناقض تصور لفيناس الذي يؤكد على ضرورة‬
‫التحلي بالحياء والحشمة عند تأمله ألن اهلل يحضر فيه‪.‬‬
‫وبالعودة إلى دولوز فانفعاالت الرغبة واإلغراء واإلعجاب والشغف يترجمها الوجه‪ ،‬بحيث يكتسب قيمته‬
‫في مدى قدرته على التعبير والتبليغ أو كما يسميها دولوز السلسلة المكثفة التي تبلغها أجزاءه تباعا لتصل إلى‬
‫ذروتها‪ ،‬في نظراته الثاقبة والماكرة ال سيما عندما تبرز حدقة العين فهي المالمح الوجهية المعبرة بامتياز عن‬
‫لذلك تغزل وتغنى بهذه اللوحة الفنية الجميلة الرائعة الشعراء العرب واألجانب فللوجه‬ ‫‪32‬‬
‫الغضب والحزن والفرح‪،‬‬
‫مركزية وسلطة مساوية لسلطة الجهاز التناسلي‪ ،‬بحيث يمارس علينا نوعا من اإلغواء يجعل الشبق يبلغ مبلغه‪،‬‬
‫من خالل العين التي قد تقول ماال تقوله لغة الكالم‪ ،‬إذ هي لغة يتداخل فيها المحظور والممنوع‪ ،‬ومن هنا مارس‬
‫المجتمع اإلسالمي حصا ار واكراها على العين شبيه بالحصار الذي مارسته المجتمعات المتحضرة على العضو‬
‫التناسلي‪ ،‬فمعها يصعب تمييز لغة الجمال على لغة اإلغواء‪ ،‬ففي المجتمع اإلسالمي نجد كثير من النساء يقمن‬
‫بتغطية وجوههن إمتثاال ألوامر الشرع والمجتمع لما للوجه من قدرة هائلة على اإلغراء‪.‬‬
‫فالعين تبلغ القصد عندما ترسل رسائل مشفرة ألنها أبلغ الحواس بل هي مرآة النفس المجلوة التي تقف‬
‫عليها كل الحقائق‪ ،‬فهي في جوهرها أرفع الجواهر إذ هي نورية ألننا ال ندرك األلوان إال من خاللها‪ ،‬وكذلك ال‬
‫كما أكد سابقا شاعر الحب والعشق ابن حزم األندلسي الذي قدم وصفا‬ ‫‪33‬‬
‫نتأمل السماء واألجرام والشمس إال بها‬
‫رائعا للوجه وأشرف عضو فيه الذي حدده بالعين لما لها من قدرة هائلة على التعبير واإلغواء واكمال جمالية‬
‫الوجه‪.‬‬
‫فقد ساهمت وجوه الشابات السينمائية لغريفيث في التعبير عن البياض‪ ،‬ذلك البياض الثلجي العالق على‬
‫هدب العين العاكس لبياض روحي متمثل في براءة داخلية‪ ،‬ثم يتالشى البياض بسبب اإلنحالل األخالقي‬
‫وهناك بياض الجليد العدائي الجارح الذي تمشي عليه البطلة كما في فيلم معبر العاصفة‪ ،‬فالوجه ال يكتفي‬

‫‪323‬‬
‫بالتفكير في شيء ما‪ ،‬بل الوجه التكثيفي يعبر عن قوة خالصة بمثابة شيء مشترك ألشياء متعددة لها طبيعة‬
‫مختلفة‪ 34 .‬فكل اإلنفعاالت ترتسم على وجه واحد وكل مظاهر الكون والطبيعة يستطيع أن يعبر عليها الوجه‬
‫بلونه وحركاته وايماءاته‪.‬‬
‫وهنا يقول دولوز‪":‬فعلى وجه واحد‪ ،‬وفي ذهول وهلع عام‪ ،‬ترى أن الحزن والخوف يصعدان ويشوبان‬
‫شتى التقاطيع(كما فيلمي قلوب العالم والزنبقة المحطمة)؛ ونرى ذلك على وجوه عديدة عندما تأتي اللقطات‬
‫المبكرة للمقاتلين لتخلق إيقاع المعركة برمتها(كما في فيلم مولد أمة)"‪ 35‬فقسمات الوجه تُتَرجم عليها المعارك‬
‫والحروب والعشق والحب واألمل والسعادة والفرح فكأن وجه إنساونوي واحد ترتسم على أدمته الحياة بمظاهرها‪،‬‬
‫وليس الماوراء كما اعتقد لفيناس ألن فلسفة دولوز ترتبط أكثر بالحياة أكثر من الماوراء المرتبط بالجانب الديني‬
‫القيمي‪.‬‬
‫فللوجه ثالث وظائف أساسية فهو مفردن (أي يميز ويطبع كل إنسان)‪ ،‬وهو مجتمعي(أي يظهر دو ار‬
‫إجتماعيا)‪ ،‬وهو عالئقي أو تواصلي(ألنه ال يؤمن اإلتصال بين شخصين فقط‪ ،‬بل يؤمن لدى الشخص الواحد‬
‫الوئام الداخلي بين طباعه ودوره) وفي السينما يصبح كالقناع يزيف الحقيقة ليقوم بأدوار مختلفة‪36‬ألن الفنان قد‬
‫ال يلعب دو ار واحدا بل يلعب عدة أدوار تستلزم تغيير إيماءات وحتى شكل الوجه من خالل اللعب الحر باأللوان‪،‬‬
‫كوضع مساحيق تجميل تناسب الدور والشخصية السينمائية‪.‬‬
‫حيث يتم العمل بالوجه البشري في مجال السينما كوسيلة جذب وأحيانا إغواء وتزييف لما يقوم بأداء‬
‫أدوار مخ تلفة‪ ،‬ما يناقض تماما تصور لفيناس حول الوجه الذي اعتبره مدخال للحقيقة ألن اهلل ال يحضر إال فيه‪،‬‬
‫فكأن دولوز يريد أن يربط الوجه اإلنسانوي بجانبه الالواعي الشبقي والخفي ال القيمي مثلما كان سائدا مع‬
‫لفيناس‪ ،‬يقول دولوز‪":‬إن انكشاف الوجه أكبر من عري األجساد وال إنسانيته أشد من وحشية الحيوانات‪ .‬القبلة‬
‫تشي باإلنكشاف الكامل للوجه وتوحي له القيام بحركات صغرى يخفيها باقي الجسم‪ .‬أضف إلى ذلك أن اللقطة‬
‫المقربة تجعل من الوجه شبحا وتسلمه لألشباح الوجه هو مصاص دماء والحروف األبجدية هي خفافيشه وأدوات‬
‫تعبيره في فيلم متناولوا القربان"‪.37‬‬
‫فالوجه مع دولوز عاري لكنه ليس عري محتشما مثلما سبق وأن بين لفيناس‪ ،‬بل هو عري متوحش يقوم‬
‫باإلغواء وأحيانا الترهيب ببث الذعر في نفس اآلخر مثل وجوه مصاصي الدماء واألشباح‪ ،‬بعدما كان عند‬
‫لفيناس مصد ار لإلطمئنان الميتافيزيقي ألنه مصدر الوحي والكالم اإللهي لذلك إنتقد لفيناس فن التصوير الذي‬
‫يتخذ موضعا مركزيا في سينما دولوز ‪.‬‬

‫‪324‬‬
‫لقد اعتبر جيل دولوز السينما أفقا جديدا لإلبداع وممارسة التفكير الفلسفي‪ ،‬وبعبارة أوضح ممارسة‬
‫التفكير من خالل الصورة التي تحاكي وتعيد تمثيل الواقع‪ ،‬ليطرح نمط جديد من التفلسف يواكب العصر والزمن‬
‫عصر الصورة كما تسميه إل از غودار‪ ،‬لتصبح الفلسفة‬
‫لما تقدم السينما مادة دسمة(مواضيع) للتفلسف فإذا كانت الفلسفة تقوم على النظر والتأمل‬
‫أيضا إبداعا للصور ّ‬
‫فإن السينما تمنح للفلسفة صورها وواقعيتها لتصير هناك صورة للفكر ليؤكد بأن السينمائي مفكر من خالل‬
‫الصورة‪.‬‬
‫وهذا ما يظهره قوله‪" :‬لقد بدا لنا أن كبار كتاب السينما يمكن مقارنتهم ال بالرسامين والمعماريين‬
‫والموسيقيين فحسب‪ ،‬بل بالمفكرين أيضا‪ .‬ذلك أنهم يفكرون من خالل الصور ‪ /‬الحركة والصور‪ /‬الزمن بدل من‬
‫أن يسوقوا المفاهيم‪ .‬فالكم الهائل من الضحالة في اإلنتاج السينيمائي ليس اعتراضا على ذلك؛ مع أنه ليس أسوأ‬
‫مما نراه في مجاالت أخرى( ‪ )...‬فليست السينما أقل إسهاما في تاريخ الفن والفكر‪ ،‬وفي ظل األشكال المستقلة‬
‫‪38‬‬
‫الفريدة التي استحدثها هؤالء السينمائيون ونشروها على الرغم من جميع العقبات"‪.‬‬
‫ليوجه بذلك سهام نقده ألهم المفكرين ولكل من يقلل من قيمة العمل السينمائي‪ ،‬ومن هؤالء برغسون‬
‫الذي تحدث في كتابه التطور الخالق والذي صدر في عام ‪1470‬م‪ ،‬بصيغة رديئة عن الوهم السينمائي‬
‫فالسينما في نظر برغسون تقوم على معطيين مترابطين وهما الصور أو المقاطع اللحظية وحركة الزمن الغير‬
‫الشخصي أحادي الشكل الغير مدرك وغير المنظور اليه‪ ،‬لتقدم حركة كاذبة وخاطئة تعمل على تزييف الواقع‬
‫وهو ما يصطلح عليه برغسون تسمية"الوهم السينمائي"‪39‬هذا الوهم يعمل على تظليل اإلنسان ليضيع في هوة‬
‫الالمعنى العميقة في هذا الكون الذي أصبح غريبا وشاذا عنه‪ ،‬وهنا يمكن أن نلمس نقاط الوصل بين لفيناس‬
‫وبرغسون فيما يخص موقفهما من الصور سواء كانت استطيقية أم سينمائية واختالفهما مع دولوز الذي هو‬
‫اآلخر فيلسوف من فالسفة االختالف مثل لفيناس الذي أراد أن يحدث صدعا في مفهوم الهوية لإلحتفاء بما هو‬
‫منسي ومهمش في الثقافة الغربية المتمركزة‪ ،‬إال أنه يختلف مع لفيناس وبرغسون حول أهمية الصورة ودورها‬
‫الكبير في تحفيز وتنشيط الفكر على التفلسف‪ ،‬فهي في رأيه تقدم طريقة جديدة للتفكير ومن ثم اإلبداع ‪.‬‬
‫غير أن النقطة األساسية التي يلتقي فيها مع لفيناس تتمثل في أنه أراد أن يحدث ثورة كوبرنيكية في‬
‫مفهوم الهوية‪ ،‬بمعنى أنهما معا أرادا التأسيس لثقافة اإلختالف التي تقبل اآلخر المختلف بغض النظر عن لونه‬
‫وجنسه‪ ،‬وهذا ما ترجمه عنوان كتاب دولوز "االختالف والتكرار"‪ ،‬فدولوز يمثل تلك الروح المرتابة الرافضة لكل‬
‫صنمية وتماثل وتحجر ليخلخل األنساق واإلنضباطية الفكرية والفلسفة اإلحترافية فهو أنموذج لفكر يتعايش مع‬

‫‪325‬‬
‫المختلف والهوامش والجنون‪ ،‬ليحاول كسر طوق العقالنية األداتية الصارمة ومن ثم يحرر اإلنسان المعاصر من‬
‫إرث التنوير الذي شيدت عليه الحداثة معماريتها وحضارتها‪ 40‬المتمركزة حول ذاتها‪.‬‬
‫فمع دولوز ليس هناك هوية إال وهي مزاحة عن مركزها فكل الهويات مصطنعة كأثر بصري عن لعبة‬
‫أعمق‪ ،‬وهي لعبة االختالف والتكرار بحيث تهزها ثورة كوبرنيكية تفتح تخوم الفروقات واالختالفات‪ ،‬والمطلوب‬
‫هنا عدم رد االختالف إلى رحم هووي بل رد الهوية نفسها الى رحم االختالف‪ ،41‬فقد إنتقد دولوز المركزية‬
‫الغربية واف ارزاتها الخطيرة على مختلف األصعدة حتى على الصعيد السينمائي وذلك عندما تحدث عن أزمة‬
‫الصورة ‪.‬‬
‫‪ 2.3‬جدلية الزيف والحقيقة‪:‬‬
‫لقد حدثت أزمة الصورة بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة عدة أسباب منها اقتصادية واجتماعية‬
‫وسياسية وأخالقية وبعضها أسباب ترتبط بالفن واألدب والسينما‪ ،‬وذلك عندما تضخمت الصور الخاصة في‬
‫العالم الخارجي وفي رؤوس الناس‪ ،‬األمر الذي تزامن مع أزمة هوليود والتأثير السلبي الذي مارسته السينما في‬
‫تلك الفترة‪ ،‬ألنها كانت في يد السلطة أي الطبقة المسيطرة المتمركزة لتخدم النظام السائد‪ ،‬لذلك فنحن في أمس‬
‫الحاجة إلى سينما جديدة تحتفي بالهامش أي اآلخر المقصي لتقول كلمته وتعبر عن همومه‪ ،‬وهذا ما حاول‬
‫دولوز تحديد معالمه في السينما األمريكية بعد الحرب وخارج هوليود‪ ،‬ألن الصور أصبحت ال تحيل إلى توليف‬
‫كلي شامل يوقض الشعوب بل إلى وضع تشتيتي يساهام في إغتراب الشعوب عن عالمها لما يزيف الحقائق‬
‫ألنه في خدمة السلطة الفاسدة‪42‬والحل الذي يقدمه هنا هو "التفكير السينمائي النقدي" لمراجعة األخطاء التي‬
‫وقعت فيها السينما سابقا‪ ،‬فهنالك فرصة لتخليص الصورة من كل القوالب الجاهزة والغايات اإليديولوجية التي‬
‫كانت توجهها وذلك من خالل بلورة مشروع جمالي وسياسي قادر على تشكيل مبادرة إيجابية في تغيير العالم‬
‫نحو األفضل‪ ،‬ألنه مشروع إبداعي إيجابي نقدي يفضح اإلستخدام السيء لألجهزة والمؤسسات بمختلف‬
‫أشكالها‪.43‬‬
‫فالفن يمكن أن يضطلع بهمة ثورية ليغير الراهن من خالل الرسائل التي يعرضها الممثلين في أدوارهم‬
‫لكشف الزيف والظلم الذي يتعرض له اآلخر‪ ،‬للمساهمة في تعريف الجماهير والحشود بحقوقهم‪ ،‬لذلك نجد دولوز‬
‫يلح على ضرورة توقف الفن والسينما واإلعالم على أن يكونوا في خدمة السلطة السياسية الفاسدة المتمركزة‪ ،‬إذ‬
‫يجب أن تكون لهم أغراضا إنسية تخدم اإلنسانوية في مفهومها الفضفاض الكوني‪.‬‬
‫فهو يؤكد على وجود مؤامرة دولية ومشروع إستعباد معمم يزرع الموت في جميع األمكنة(حروب‪،‬‬
‫تهميش‪ ،‬إضطهاد‪ ،‬أوبئة منتشرة في كل مكان) وهذا ما ينبغي أن تتصدى له السينما‪ ،‬والتي ينبغي لها أن ال‬

‫‪326‬‬
‫تكتفي بتقديم وعي سلبي نقدي أو ساخر لما يحدث في العالم‪ ،‬بل يجب أن تنخرط في أعلى درجات التفكير‬
‫العميق من خالل الصور الذهنية التي تشكل ماهية جديدة للتفكير فهو تفكير من خالل الصور‪ .44‬وذلك لتقديم‬
‫حلول جديدة لهذه األزمة التي أصابت إنسانويتنا ككل‪ ،‬فكما للفلسفة اقتدار الغور وتأسيس عوالم افتراضية‬
‫لموا جهة السلطة الفاسدة ومقاومتها في الحاضر كذلك للفن اقتدار إبداع عوالم خفية وجديدة ليفتتح آفاق إبداعية‬
‫جديدة من خالل السينما‪ ،‬فنحن في أمس الحاجة إلى هذا اإلبداع ليصير الفنان فيلسوفا‪.‬‬
‫يثمن دولوز عمل الواقعية الجديدة والتي وجه لها لفيناس سابقا نقدا الذعا في مقاله "الواقعية وظلها"‪،‬‬
‫فالواقعية الجديدة حسب دولوز تمتلك تصور تقني جد عالي حول الصعوبات التي واجهتها والوسائل التي‬
‫ابتكرتها‪ ،‬إذ هي تمتلك وعي حدسي حول الصورة الجديدة التي بدأت بالتشكل‪ ،‬فقد صار الشكل يعبر عن‬
‫حاضر ومجتمع جديد كما في فيلم "سيرج الجميل" أين صار التزييف عالمة اإلبداع‪ ،‬خالفا للواقعية القديمة‬
‫التي ترتكز على السلوك الحقيقي‪ ،‬فمع الواقعية الجديدة كلما أصبحت مزيفا كلما ذهبت بعيدا وتقدمت في آفاق‬
‫السينما اإلبداعية‪.45‬‬
‫لذلك جعل دولوز فصال كامال في عمله حول السينما يأخذ عنوان "قوة الزيف" ردا على برغسون الذي‬
‫تكلم بل غة تهكمية عن الوهم السينمائي وهنا أشاد بنيتشه الذي نحت شعار" إرادة القوة "‪ ،‬أين جعل قوة الزيف‬
‫تأخذ محل الحقيقة ليجد حال ألزمة الحقيقة على النقيض من التيار العقالني‪ ،‬فقد لفت نيتشه اإلنتباه لقوة‬
‫الزيف اإلبداعية والفنية الهائلة وهو نفس األمر الذي نجده في سينما روب غرييه التي نالحظ فيها أهمية قوة‬
‫الزيف كمبدأ إلنتاج الصور‪ ،‬فالسينما هنا هي منبع اإللهام والزيف الذي هو المبدأ األعم الذي يحدد أغلب‬
‫‪46‬‬
‫العالقات داخل الصورة‪ /‬الزمن بطريقة مباشرة ‪.‬‬
‫يقول دولوز‪":‬نستطيع أن نجمل كل هذا بالقول إن المزيف قد غدا الشخصية المفضلة في السينما‪ :‬ولم‬
‫تعد شخصية المجرم وراعي البقر واإلنسان المأزوم في المجتمع والبطل التاريخي والمستولي على السلطة‪...‬إلخ‪،‬‬
‫كما في الصورة ‪ /‬الفعل ‪ ،‬بل فقط شخصية المزيف‪ ،‬على حساب كل فعل‪ .‬في الماضي‪ ،‬كان بوسع المزيف أن‬
‫يظهر بشكل معين كذابا أو خائنا‪ ،‬ولكنه يأخذ اآلن شكال ال حدود له يؤثر في الفيلم برمته(‪)...‬ويفرض باآلتي‬
‫قوة الزائف كمكافئة للزمن‪ ،‬خالفا لكل شكل من أشكال الحقيقي الذي يطوع الزمن"‪.47‬‬
‫فكل الممثلين سواء كانوا أبطاال أم مجرمين أم أبرياء هم يتشاركون في قوة الزيف ألنهم ال يمثلون أنفسهم‬
‫الخير الذي يقدم دور البطل البريء هو‬
‫وذواتهم الحقيقية بل يعرضون أدوا ار آلخرين ليسوا هم‪ ،‬فحتى اإلنسان ّ‬
‫مزيف بل كاذب ألنه ال يمثل نفسه بل غيره‪ ،‬إذ ال وجود لمزيف وحيد فكل الممثلين مزيفين‪ ،‬والفنان المبدع هو‬
‫لما يتقمص دور شخصية ليست له ويمثلها ببراعة في كل األدوار‪،‬‬
‫الذي يمتلك قدرة كبيرة على التزييف والكذب ّ‬

‫‪327‬‬
‫وهناك نص ان عظيمين في هذا المجال في األدب والفلسفة‪ ،‬وهما "هكذا تكلم زرادشت" لنيتشه ورواية ميلفيل‬
‫"النصاب الكبير"‪ ،‬فقد عرض نيتشه صيحة اإلنسان المتفوق الذي يلبس لباس العراف والملك والساحر والبابا‬
‫والمتسول والظل الذين كلهم مزيفون ويجتمعون في ممثل واحد‪ ،‬وعرض الثاني مجموعة مزيفين ممثلين في رجل‬
‫أخرس وزنجي مقعد ورجل بثياب الحداد وآخر بثياب رمادية ورجل له سوابق وطبيب يعالج باألعشاب‪...‬الخ‪،‬‬
‫فكل واحد منهم يتحول في اآلخر وكلهم يواجهون أشخاصا حقيقين ليسوا أقل زيفا منهم‪ .48‬فنظام الصورة يعمل‬
‫بمنطق الزيف والتكرار من خالل األلوان وا ألشكال والحركات والخدع البصرية في صيرورة ال تكف أبدا عن‬
‫انتاج نفسها‪.‬‬
‫ذلك أن عودة األشياء ليس إال تكرار وصيرورة فهذه العودة هي الهوية الوحيدة بوصفها قدرة ثانية وهي‬
‫هوية االختالف ممثله في"الهو الهو" الذي يخص الممثل المختلف‪ ،‬فكل األدوار ونقصد دور الملك والساحر‬
‫والبابا والمتسول التي يتقمصها ممثل واحد أي ذات واحدة تجتمع فيها صور لعديد من الغيرية من خالل فعل‬
‫التمثيل‪ ،‬لتكف الذات هنا عن التماهي مع ذاتها األمر الذي يخضع هويتها لإلختالف‪.‬‬
‫وهذه الهوية تنتج االختالف كتكرار ليقوم التكرار في العود األبدي على التفكير في العينيه إنطالقا من‬
‫المختلف فال يحتجز في التشابه وال يختزل في السلبي ما يفتح المجال أمام اختالفات حرة ومتوحشة وغير‬
‫فدولوز مثل لفيناس يريد أن يهز أركان بل‬ ‫‪49‬‬
‫مكبوحة‪ ،‬لتهرب هذه االختالفات من سجن المفهوم التمثيلي الكسول‬
‫عرش األنا‪ ،‬فليس هنالك كوجيطو جاهز وليس هناك وجه ممثل واحد يحتفظ بمالمح وشخصية واحدة‪ ،‬بل هنالك‬
‫وجوه وشخصيات متعددة تجتمع في وجه مزيف‪.‬‬
‫وقد تحدث نيتشه عن أطوار العدمية أو روح اإلنتقام التي تأخذ أشكاال مختلفة‪ ،‬فخلف الرجل الحق الذي‬
‫يحاكم الحياة متسوال القيم العليا يكمن الرجل المريض بذاته الذي يحاكم الحياة باإلستناد إلى مرضه وانحطاطه‬
‫ألن الحياة العليلة هي أيضا حياة تعارض الموت بالحياة بدال من أن تعارضه بقيم عليا‪ ،‬وهنا قال نيتشه خلف‬
‫اإلنسان الحق الذي يحاكم الحياة هناك إنسان مريض بالحياة‪ ،‬وأضاف له ويلز خلف الضفدع الحيوان الحق‬
‫بامتياز هناك العقرب الحيوان المريض بذاته أحدهما أحمق وآخر وضيع لكنهما متكامالن كشكالن من أشكال‬
‫العدمية أو إرادة القوة‪.50‬‬
‫فنيتشه قد إستبدل التقويم بالمحاكمة ألنه خلف الخير والشر ال نقصد خلف الجيد والرديء‪ ،‬فالرديء هو‬
‫الحياة المستهلكة والمنحطة القادرة على اإلستمرار ولكن الجيد هو الحياة المتدفقة والمتصاعدة التي تتغير‪ ،‬وقوة‬
‫العيش هنا هي التي تفتح إمكانات جديدة إذ ال توجد حقيقة بل توجد صيرورة وهي طاقة المزيف في الحياة التي‬
‫تأخذ إسم إرادة القوة وقد أثبت علماء الفيزياء سابقا بأن الطاقة النبيلة هي التي تمتلك إقتدار التحول‪.51‬‬

‫‪328‬‬
‫لذلك كان فعل الكتابة الفلسفية الحقة عند دولوز وخاصة في كتابه "االختالف والتكرار" هي محاولة‬
‫فريدة ومميزة لتثمين الحياة لتحريرها من ما يكبلها ويسجنها ويحد من فاعليتها وتدفقها ألن عملية الخلق في‬
‫معناها األشمل ال تعني التواصل بل المقاومة‪ ،‬أي مقاومة كل ما يحيل الحياة الى مجرد إستبطان شخصي‬
‫يروي هموم الذات وانحرافاتها من خالل مفاهيم تعمل كمرآة للفكر لتتحول الفلسفة من محبة للحكمة‪ ،‬الى عشق‬
‫ومحبة فقط ويتحول الفيلسوف المنعزل المتقوقع على ذاته إلى رحالة في األرض بتضاريسها الحية لذلك تسمى‬
‫فلسفة دولوز بالجيو‪-‬الفلسفة ‪ ، Geo-philsophie‬فالجيو هي األرض وهي من المفاهيم التي ترتبط‬
‫وأكثر ارتباطا بأدمة وبشرة األرض ومن ثم الواقع والحياة‪.‬‬ ‫‪52‬‬
‫بالجيولوجيا والجغرافيا لتصبح الفلسفة أكثر رحابة‬
‫فالسينما في بداياتها األولى كانت مرتبطة بالدين حيث كانت لها عالقة قوية باإليمان ونقصد هنا‬
‫"الكاثوليكية السينمائي ة" ألن أغلب السينمائيين الكبار هم من الطائفة الكاثوليكية التي تولي أهمية كبيرة للصور‬
‫المرتسمة على حيطان الكاتدرائيات والتي تصور حياة المسيح والقديسين‪ ،‬لذلك كانت هنالك عالقة مركبة بين‬
‫الدين المسيحي‪-‬الكاثوليكي والسينما فكليهما يرتكز على فن التصوير ويسعى لخدمة اإليمان المسيحي‪ ،‬فعلى حد‬
‫تعبير نيتشه "نحن بذلك مازلنا اتقياء ورعين" فمنذ البدايات األولى للسينما كانت هنالك المسيحية والثورة وكان‬
‫وهما القطبان اللذان جذبا الجماهير حتى في دول العالم‬ ‫هنالك اإليمان المسيحي واإليمان الثوري‬
‫الثالث‪53‬وارتبطت بهما السينما التي كانت تسعى لخدمة اإليمان المسيحي والثورة‪.‬‬
‫ذلك أن الكاثوليكية كانت مصدر إلهام لكبار المخرجين السينمائيين فما كان يجمعهما هو عشق‬
‫الصورة‪ ،‬لكن المطلوب من المخرجين اليوم هو أن يتخذوا من ما يحدث في العالم من مستجدات مصد ار لإللهام‬
‫ومواضيع ألفالمهم‪ ،‬فالعالم اليوم يظهر كفيلم قبيح يقدم صور بشعة ذات سيناريو رديء‪ ،‬وهنا يتعين على‬
‫السينما أن تضطلع بمهمة إعادة إيماننا بالعالم‪ ،‬من خالل محاولة إيجاد ترياق ألزمة اإلنسان المعاصر ويهذه‬
‫الطريقة تكف السينما على أن تكون رديئة لتستبدل نمط المعرفة باإليمان‪ ،‬لكنه إيمان من نوع خاص فهو إيمان‬
‫بالعالم أوال كما هو ألن الصور السينمائية هي التي تظطلع بمهمة ربط اإلنسان بالعالم‪54‬إنه إيمان بال حدود‬
‫وحر فهو يرتبط بالحياة في تغيرها وتحولها وجماليتها بل يسعى ليفتتح أفق مستقبال مشرق يليق باإلنسان‬
‫كإنسان‪.‬‬
‫إذ ال يكفي اإلستقرار في سماء الفن والرسم كي يكون المرء مؤمنا‪ ،‬فاإليمان ال يرتبط بعالم آخر إنه‬
‫إيمان بالجسد فقط وتمكين للجسد بأن يقول كلمته‪ ،‬إذ ال بد من الوصول للجسد قبل الكلمة فعلى حسب تعبير‬
‫أنطونين آرتو الجميل الذي آمن بالجسد والحياة‪":‬إنني رجل أضاع حياته ويسعى بجميع السبل إلى جعلها تستعيد‬
‫مكانت ها" وهذا ما ترجمه فعال فيلم السالم عليك يا مريم‪ ،‬حيث قام المخرج بتوظيف الشخصيات الدينية يوسف‬

‫‪329‬‬
‫ومريم لإليمان بالجسد الذي هو رشيم الحياة والبذرة التي تشق األرض الصلبة وهذا هو الملمح األول للسينما‬
‫‪55‬‬
‫الجديدة‪.‬‬
‫فجيل دولوز هو الفيلسوف الذي أراد أن تصبح الفلسفة شيئا آخر إال أن تكون فلسفة ليخلخل المتفق‬
‫عليه ويستحدث مناطق غير آمنة داخل الكائن أين تتوالد فيه بذرة السؤال بإستمرار‪ ،‬فالفيلسوف هو صديق‬
‫المفهوم ألن له شخصية مفهومية مهمتها زرع المفاهيم في أراضي جديدة في عالم الحدث‪ ،‬فالفيلسوف عند‬
‫دولوز رحالة موطنه البيداء الواس عة فهو ال يكف عن الترحال إلى مناطق خصبة يمكن للمفاهيم أن تزدهر فيها‪،‬‬
‫مثلما يبحث البدوي عن الكأل والعشب لحيوناته في مناطق خصبة لذلك سمي بالفيلسوف الرحالة وفلسفته لقبت‬
‫بفلسفة البداوة والترحال‪56‬فرهان دولوز هنا هو أن يجعل الفيلسوف هو السينمائي الذي يفكر انطالقا من األشكال‬
‫والصور واأللوان‪.‬‬
‫‪ .4‬خاتمة‪:‬‬
‫من خالل ما سبق ذكره يمكننا أن نلخص جملة النتائج التي توصلنا إليها واآلفاق التي يفتتحها‬
‫موضوعنا في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬في حديث لفيناس عن الوجه نجده يوجه نقدا الذعا للحداثة الغربية في كل تفريعاتها المعرفية والفنية‬
‫والسينم ائية بإعتباره هاجم القاعدة التي شيد عليها الفيلسوف الحديث عرينه ونقصده الذاتية‪ ،‬على أساس أنها‬
‫أهملت الجانب الروحي القيمي والذي رأى أن الروحانية اليهودية كفيلة بأن تعيد هذا الجانب الذي أقصته الحداثة‬
‫الغربية من جديد لإلنسان‪ ،‬وهو الكفيل بأن يؤنسن اإلنسانوية داخلنا ومن خالل العالقة اإلتيقية بين الذات‬
‫واآلخر وجها لوجه‪.‬‬
‫‪-‬في تقاسيم وتجاعيد الوجه ينجلي عمل الزمن على البشرة ليحضر الماضي في الحاضر‪ ،‬في شكل أثر‬
‫منمحي يمثل تجليا إلله غائب عائد‪ ،‬والذي ال نتصل به إال من خالل عالقة إتيقية مع وجه اآلخر‪ ،‬في شكل‬
‫تصوف يستل هم أهم مبادئه من التصوف اليهودي تتحد فيه الذات اإلنسانية بالذات اإللهية ‪ ،‬فلفيناس يبحث عن‬
‫المعنى في عري الوجه خلف األشكال والخطوط والتقاسيم‪ ،‬لذلك إنتقد فنون عصره ألن اللوحات الفنية ال تستطيع‬
‫إستعاب فكرة الالمتناهي فأي محاولة لتصويره قد توقعنا في الصنمية والوثنية وهو موقف يستند ألساس ديني‬
‫متمثل في تحريم الديانة اليهودية للتصوير‪.‬‬
‫‪-‬لقد كانت فلسفة دولوز في السينما نقدا وقلبا إلتيقا لفيناس حول الوجه اإلنسانوي فقد أصبح الوجه مع‬
‫دولوز قناعا يأخذ أدوا ار وأشكاال وألوانا مختلفة ليفتتح تخوم الزيف والالحقيقة كما كان سائدا في الواقعية الجديدة‪،‬‬
‫ذلك أن الزيف هو أساس كل إبداع سينمائي فالفنان ال يكون عمله أصيال إال إذا أبدى كل اقتدراته على التزييف‬

‫‪330‬‬
‫من خالل تمثيل شخصيات مختلفة‪ ،‬يتغير معه وجهه ليترجم كل انفعاالت الوجدان من إغواء واغراء وشغف‬
‫وحب وغريزة وحنان‪ ...‬إلخ‪ ،‬فهو الصورة الفنية المهتزة التي تتغير حسب األدوار ‪.‬‬
‫‪-‬إن دولوز وعلى خالف لفيناس يولي أهمية لتقاسيم وشكل ولون وأدمة الوجه اإلنسانوي على حساب‬
‫العمق اإلتيقي والتيولوجي‪ ،‬ألنه مثل نيتشه يمجد الحياة وبشرة الجسد برغباته وأهوائه وغرائزه وأالمه لذلك يطمح‬
‫إلى أن تظطلع السينما بمهمة إعادة إيمان اإلنسان بالعالم والحياة والجسد‪ ،‬لتكف على أن تكون في يد السلطة‬
‫السائدة لتقول كلمة الحق التي هي كلمة اآلخر المقصي والمهمش والمنسي‪ ،‬هذا اآلخر الذي يتخذ تسميات‬
‫مختلفة منها الجسد أو اإلنسان اآلخر المضطهد أو الشعب المقهور‪ ،‬فهذا هو اإليمان الحقيقي حسب دولوز‬
‫الذي هو ليس إيمانا معلقا في سماء المثل بل هو إيمان يعانق الحياة في براءتها‪.‬‬
‫‪-‬وفي ختام بحثنا هذا نود أن نلفت اإلنتباه إلى المناطق البكر والتي ال زالت تنتظر البحث والدراسة في‬
‫بحثنا‪ ،‬كموضوع مقاربة منزلة الوجه بين عدة تخصصات مثل البيواتيقا واألنثربولوجيا والطب‪ ،‬وهذا ما يواكب‬
‫الراهن وقضايا العصر مع تزايد عمليات التجميل بتطور أبحاث علماء الهندسة الوراثية الذين استبدلوا األنومذج‬
‫العالجي الكالسيكي للطب باألنموذج التحسيني‪ ،‬فكيف ستكون إجابة اإلتيقا والدين على هذه التطورات الحاصلة‬
‫في مجال الطب الحديث‪ ،‬والتي أدخلت على الوجه تعديالت كزراعة األنسجة التأصيلية للوجه؟ ‪.‬‬
‫‪-‬ونريد أيضا أن نوجه الرؤية الى أفق آخر يفتتحه موضوعنا للباحثين وهو التفكير في الدور الذي‬
‫يمكن أن تساهم به السينما في إعادة اإلنسانوية إلى اإلنسان أو تعريف اإلنسان باقتدراته وذاته‪ ،‬لما تم ّكنه من‬
‫إكتشافها من جديد ليطورها فيما بعد نحو غايات إبداعية استطيقية واتيقية في أشكال من الضيافة وقبول‬
‫للمختلف‪.‬‬
‫‪.5‬الهوامش‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- Emmanuel Levinas, En découvrant l’existence avec Husserl et Heidegger, Libraire philosophique,4eme‬‬
‫‪édition j.Vrin, Paris, 2010, p.271.‬‬
‫‪- 2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مج‪ ،31‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.555‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Emmanuel Levinas, Ethique et Infini, Librairie Ar thème et radio-France, 1er édition , 1882, p .81.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-Ibid, p.p.79-80.‬‬
‫‪.5 -Ibid, p.p.79-80‬‬
‫‪6‬‬
‫‪-Emmanuel Levinas, Humanisme de l’autre homme, Fata morgana, 1972,p.68.‬‬
‫‪- 7‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة البقرة‪ ،‬األية‪.335‬‬
‫‪8‬‬
‫‪-Emmanuel Levinas, humanisme de l’autre homme , op .cit, p.p.68-68.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪-Emmanuel Levinas, Totalité et infini(Essai sur L'extériorité), Original édition: Martinus Nijhoff, 1 eredition ,‬‬
‫‪1971, p.215.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪-Emmanuel Levinas, Autrement Qu’Etre ou Au-delà L’essence, original édition: Martins Nijhoff,1978,p.27.‬‬
‫‪11‬‬
‫‪-Emmanuel Levinas, Totalité et infini, p.p.217-218.‬‬
‫‪- 12‬رشيد بوطيب‪ ،‬نقد الحرية(مدخل الى امانويل ل يفيناس)‪ ،‬تقديم أكسل هونيث‪ ،‬منشورات ضفاف‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬بيروت‪ ،‬الجزائر العاصمة‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪ ، 9132‬ص‪.311‬‬
‫‪13‬‬
‫‪-Emmanuel Levinas, Totalité et infini,op.cit, p.218.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪- Emmanuel Levinas, Ethique et infini,op.cit, p.p.80-81.‬‬

‫‪331‬‬
‫‪15‬‬
‫‪- Emmanuel Levinas, D Dieu Qui Vient A L’idée Libraire Philosophique J .Vrin, Paris, 1986, p p.264-265.‬‬
‫‪16‬‬
‫‪-Jean-Marc Narbone, De L’au-Delà de L’être" A L"Autrement ou Etre" :le tournant Lévinissein, Press‬‬
‫‪Universitaire de France, 2006,1nْ25, p.p.69-71.‬‬
‫‪17‬‬
‫‪-Emmanuel Levinas, Autrement Qu’ Etre ou Au-delà L’essence, op.,cit,p.27.‬‬
‫‪18‬‬
‫‪- Emmanuel Levinas, En découvrant l’existence avec Husserl et Heidegger,op, p.p.257-277.‬‬
‫‪- 19‬إ دمون جابيس‪ ،‬ال أثر اال في الصحراء مع إيمانويل لفيناس‪ ، ،‬ورد في ‪:‬كتاب الهوامش‪ ، ،‬ترجمة رجاء طالبي‪ ،‬دار األمان‪ ،‬منشورات اإلختالف‪،‬‬
‫منشورات ضفاف‪ ،‬الرباط‪ ،‬الجزائر العاصمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،9135 ،3‬ص‪.375‬‬
‫‪20‬‬
‫‪- Emmanuel Levinas, En découvrant l’existence avec Husserl et Heidegger,op.cit, p.p.255-276 .‬‬
‫‪21‬‬
‫‪- Ibid,p.289‬‬
‫‪22‬‬
‫‪-Jaques Taminiaux, Art et destin Le débat avec la phénoménologie Dans"La réalité et son ombre",in :‬‬
‫‪Levinas de L’être à L’autre, , sous la coordination de Joelle Hansel, press Universitaires de France,‬‬
‫‪Paris,1er édition, 2006, p.75.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪-Emmanuel Levinas, De Dieu qui vient a L’idée, op .cit,PP96-97.‬‬
‫‪24‬‬
‫‪-Emmanuel Levinas, Totalité et infini, op .cit, pp.294-295.‬‬
‫‪25‬‬
‫‪- Jaques Taminiaux, Art et destin Le débat avec la phénoménologie Dans"La réalité et son ombre",in :‬‬
‫‪Levinas de L’être à L’autre , op . cit, pp.79-80.‬‬
‫* نالحظ بأن موقف لفيناس من الفن يحيلنا مباشرة الى كهف افالطون حيث الظال ل والظال فرييت تتقاطع الى حد كبير مع افالطون الي انتقد سابقا الفن‬
‫حين اعتبر فن الرسم محكاة فالعالم صورة مشوهة(العالم) لموضع المثل‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫‪- Emmanuel Levinas, La Réalité et Son Ombre , in : Les Temps Modernes, Directeur Jean Paul Sartre, 4 e‬‬
‫‪année, Revie Mensuelle n0 38 , paris, p.773.‬‬
‫‪27‬‬
‫‪-Ibid, p .786.‬‬
‫‪ -28‬جيل دولوز‪ ،‬سينما الصورة‪ -‬الحركة‪ ،‬ج‪ ، 3‬ترجمة جما ل شحيّد‪ ،‬مراجعة نبيل أبو مراد‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،9132 ،3‬ص‬
‫‪.381‬‬
‫‪-29‬عمر مهيبل‪ ،‬من النسق الى اليات‪(،‬قراءات في الفكر الغربي المعاصر)‪ ،‬الدار العربية للعلو ‪-‬ناشرون‪ ،‬منشورات اإلختالف‪ ،‬الجزائر العاصمة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ ، 9115 ،3‬ص ص ‪.322-321‬‬
‫‪ -30‬جيل دولوز‪ ،‬سينما الصورة‪ -‬الحركة‪ ،‬ج‪ ،3‬مصدر سابق‪ ،‬ص ص ‪.385-382‬‬
‫‪-31‬مصدر نفس ‪ ،‬ص‪.355‬‬
‫‪-32‬مصدر نفس ‪ ،‬ص ص ‪.355-357‬‬
‫‪- 33‬علي بن حز األندلسي‪ ،‬طوق الحمامة(في األُلفة واألُالف)‪ ،‬مؤسسة هنداو للتعليم والثقافة‪ ،‬ط‪ ،.9137 ،3‬ص ص ‪.22-21‬‬
‫‪ -34‬جيل دولوز‪ ،‬سينما الصورة‪ -‬الحركة‪ ،‬ج‪ ،3‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.352‬‬
‫‪-35‬مصدر نفس ‪ ،‬ص ‪.383‬‬
‫‪ -36‬مصدر نفس ‪ ،‬ص‪.322‬‬
‫‪ -37‬مصدر نفس ‪،‬ص‪.325‬‬
‫‪ -38‬مصدر نفس ‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪-39‬مصدر نفس ‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫‪-40‬عمر مهيبل‪ ،‬من النسق الى اليات‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.323‬‬
‫‪ -41‬فتحي المسكيني‪ ،‬الكوجيطو المجروح( أسئلة الهوية في الفلسفة المعاصرة)‪ ،‬دار األمان‪ ،‬منشورات اإلختالف‪ ،‬منشورات ضفاف‪ ،‬الرباط‪ ،‬الجزائر‬
‫العاصمة‪ ،‬ط‪ ،9131 ،3‬ص ص ‪.393-332‬‬
‫‪ -42‬جيل دولوز‪ ،‬سينما الصورة‪ -‬الحركة‪ ،‬ج‪،3‬مصدر سابق‪ ،‬ص ص ‪.158-155‬‬
‫‪-43‬مصدر نفس ‪ ،‬ص‪.181‬‬
‫‪-44‬مصدر نفس ‪ ،‬ص ص ‪.129-123‬‬
‫‪-45‬مصدر نفس ‪ ،‬ص ص ‪.121-185‬‬
‫‪-46‬جيل دولوز‪ ،‬سينما الصورة‪-‬الزمن‪ ،‬ج‪ ، 9‬ترجمة جما ل شحيد‪ ،‬مراجعة سمية الجراح‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،9135 ،3‬ص‪.931‬‬
‫‪ -47‬مصدر نفس ‪ ،‬ص‪.932‬‬
‫‪-48‬مصدر نفس ‪ ،‬ص‪.935‬‬
‫‪ -49‬فتحي المسكيني‪ ،‬الكوجيطو المجروح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.315-312‬‬
‫‪ -50‬جيل دولوز‪ ،‬سينما الصورة‪-‬الزمن‪ ،‬ج‪ ،9‬مصدر سابق‪ ،‬ص ص ‪.998-995‬‬
‫‪-51‬مصدر نفس ‪ ،‬ص‪.998‬‬
‫‪-52‬عمر مهيبل‪ ،‬من النسق الى اليات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.325-322‬‬
‫‪ -53‬جيل دولوز‪ ،‬سينما الصورة‪-‬الزمن‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.952‬‬
‫‪ -54‬مصدر نفس ‪ ،‬ص ص ‪.957-955‬‬
‫‪ -55‬مصدر نفس ‪ ،‬ص ص‪.722-722‬‬
‫‪ -56‬عمر مهيبل‪ ،‬من النسق الى اليات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.692-691‬‬

‫‪332‬‬
‫‪-6‬قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬
‫‪ 1.6‬قائمة المصادر باللغة العربية‪:‬‬
‫‪-‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫شحيد‪ ،‬مراجعة نبيل أبو مراد‪ ،‬المنظمة العربية‬
‫‪ -‬جيل دولوز‪ ،‬سينما الصورة‪-‬الحركة‪ ،‬ج‪ ،1‬ترجمة جمال ّ‬
‫للترجمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2719 ،1‬‬
‫‪-‬جيل دولوز‪ ،‬سينما الصورة‪-‬الزمن‪ ،‬ج‪ ،2‬ترجمة جمال شحيد‪ ،‬مراجعة سمية الجراح‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪.2711 ،1‬‬
‫‪ 2.6‬قائمة المصادر باللغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪-Emmanuel Levinas, En découvrant l’existence avec Husserl et Heidegger, Libraire‬‬
‫‪philosophique,4eme édition j.Vrin, Paris, 2010.‬‬
‫‪-Emmanuel Levinas, Ethique et Infini, Librairie Ar thème et radio-France, 1er édition , 1882.‬‬
‫‪-Emmanuel Levinas, Humanisme de l’autre homme, Fata morgana, 1972.‬‬
‫‪-Emmanuel Levinas, Totalité et infini (Essai sur L'extériorité), Original édition: Martinus‬‬
‫‪Nijhoff, 1eredition , 1971.‬‬
‫‪-Emmanuel Levinas, Autrement Qu’ Etre ou Au-delà L’essence, original edition: Martins‬‬
‫‪Nijhoff,1978.‬‬
‫‪- Emmanuel Levinas, La Réalité et Son Ombre , in : Les Temps Modernes, Directeur Jean‬‬
‫‪Paul Sartre, 4e année, Revie Mensuelle n0 38 , paris.‬‬

‫‪ 3.6‬قائمة المراجع باللغة العربية‪:‬‬


‫‪-‬إدمون جابيس‪ ،‬ال أثر اال في الصحراء مع إيمانويل لفيناس‪ ، ،‬ورد في ‪:‬كتاب الهوامش‪ ،‬ترجمة رجاء طالبي‪،‬‬
‫دار األمان‪ ،‬منشورات اإلختالف‪ ،‬منشورات ضفاف‪ ،‬الرباط‪ ،‬الجزائر العاصمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2711 ،1‬‬
‫‪-‬رشيد بوطيب‪ ،‬نقد الحرية(مدخل الى امانويل ليفيناس)‪ ،‬تقديم أكسل هونيث‪ ،‬منشورات ضفاف‪ ،‬منشورات‬
‫االختالف‪ ،‬بيروت‪ ،‬الجزائر العاصمة‪ ،‬ط‪. 2714 ،1‬‬
‫‪-‬عمر مهيبل‪ ،‬من النسق الى الذات‪(،‬قراءات في الفكر الغربي المعاصر)‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪،‬‬
‫منشورات اإلختالف‪ ،‬الجزائر العاصمة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪. 2770 ،1‬‬
‫‪-‬علي بن حزم األندلسي‪ ،‬طوق الحمامة(في األُلفة واألُالف)‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬ط‪.2710 ،1‬‬
‫‪-‬فتحي المسكيني‪ ،‬الكوجيطو المجروح( أسئلة الهوية في الفلسفة المعاصرة)‪ ،‬دار األمان‪ ،‬منشورات اإلختالف‪،‬‬
‫منشورات ضفاف‪ ،‬الرباط‪ ،‬الجزائر العاصمة‪ ،‬ط‪.2710 ،1‬‬

‫‪333‬‬
:‫ قائمة المراجع باللغة الفرنسية‬4.6
-Jaques Taminiaux, Art et destin Le débat avec la phénoménologie Dans"La réalité et son
ombre",in : Levinas de L’être à L’autre, , sous la coordination de Joelle Hansel, press
Universitaires de France, Paris,1er édition, 2006.
:‫ قائمة المعاجم والموسوعات‬5.6
.‫ بيروت‬،‫ دار صادر‬،10‫ مج‬،‫ لسان العرب‬،‫ابن منظور‬-
:‫ قائمة المجالت ودوريات‬6.6
-Jean-Marc Narbone, De L’au-Delà de L’être" A L"Autrement ou Etre" :Le tournant
Lévinissein, Press Universitaire de France, 2006,1 n 725.

334

You might also like