You are on page 1of 23

‫محاضرات ادب األطفال‬

‫أ‪.‬م‪ .‬د‪ .‬طاهرة داخل طاهر‬

‫" البيئة واهميتها في تشكيل صورة‬


‫الطفولة "‬
‫" بيئة خالقة ام طفولة خالقة "‬

‫‪1‬‬
‫أن كل صورة متخيلة للطفولة لها وجود معماري حقيقي في الواقع ألن‬ ‫‪‬‬
‫المفردات التي استحضرها العقل جمع مكوناتها ورموزها ودالئلها من‬
‫الواقع وجعل لها صناعة اخرى ‪.‬‬
‫وحين تنمو الطفولة الخالقة وتصبح اثرا عموديا او افقيا او اتساعا جماليا‬ ‫‪‬‬
‫الفتا للنظر ‪ ..‬نتساءل هل ان صناعة طفولة مبدعة هي حصيلة بيئة خالقة‬
‫ام طفولة خالقة ؟‬
‫من المهم جدا أن نذكر ان النقطة األساسية التي ينطلق منها جاستون باشالر‬ ‫‪‬‬
‫في جماليات المكان ؛ هي ان البيت القديم ‪ ،‬بيت الطفولة ‪ ،‬هو مكان األلفة‬
‫ومرتكز تكييف الخيال ‪ .‬وعندما نبتعد نه نظل دائما نستعيد ذكراه ونسقط‬
‫على الكثير من مظاهر الحياة المادية ذلك األحساس بالحماية واألمن فهو‬
‫يركز الوجود داخل حدود تمنح الحماية ‪ .‬وانطالقا من تذكر بيت الطفولة‬
‫تتخذ صفات ومالمح المكان طابعا ذاتيا وينتفي بعدها الهندسي ‪....‬‬
‫‪ ‬اذن نحن نتحدث عن بيئة هندسية اوال ‪ ..‬وعن الخيال الذي‬
‫يصنع بيئة محلقة او ثابتة ‪ ،‬شعرية او تشكيلية ‪ ...‬ثانيا‬
‫‪ • ‬نتحدث عن المسافة بين البيئة الهندسية األولى من خالل‬
‫( صور الطفولة األولى ) وذلك يعني أن الحديث عن البيئة‬
‫يأتي متخيال واليستند كليا على التذكر فقط ؛ بل ان‬
‫الصورة التي يتم استرجاعها ليست هي الصورة األولى‬
‫بالتأكيد ‪ ..‬هي صورة متخيلة لها وجود حقيقي في‬
‫ضمير الطفولة ‪ " ..‬ألن الخيال يسبق الذاكرة زمنيا " ‪..‬‬
‫•‬

‫كتبت الشاعرة رنا جعفر ياسين في مجموعتها الشعرية "‬


‫طفولة تبكي على حجر" ‪:‬‬
‫اليلبث في قلبي‬
‫حلٌم‬
‫اال حلم لطفولٍة ‪ ،‬ينتفضُ ‬
‫يصرخ‬
‫لكنهُ ‪...‬‬
‫اآلن صامت !!‬
‫انه الحلم الذي يبدأ خطواته مع مرحلة الطفولة ويستكين في زمن‬
‫النعرفه والنخطط له وانما تحققه او توقفه توقعات اجتماعية او‬
‫فكرية او اقتصادية ‪.‬انه واحدا من احالم اليقظة الذي لم يمت لكنه‬
‫بقي صامتا ويتحرك نحو ازمنة اخرى وفي نص آخر نقرأ وجها ثان‬
‫للطفولة الجديدة في بلدها العراق ‪:‬‬
‫احذر‪:‬‬
‫(التوكي )‬
‫العابهم ُد ماهم ‪ ،‬قطاراتهم‬
‫رصاص في صدر بالدي ينسيهم عيد الميالد‬
‫احذر ‪:‬‬
‫البارود ‪ ،‬الدبابة ‪ ،‬األسالك الشائكة ‪ ،‬العبوات‬
‫تنسينا ًلِعَب االوالد ‪. .‬‬
‫الحرب لمجرد األستحضار ‪ ،‬هي اشاره ألهتمام الشعراء‬
‫والكتاب بالعالم الواسع وبالفضاء ألنه بيئتهم الشعرية منذ‬
‫الطفولة ‪.‬‬

‫هذا التقابل الصوري في هذه القصيدة تجعله الشاعرة فضاءها‬


‫الشخصي في استحضار عوالمها الداخلية واعتماد تقنية البناء‬
‫التشكيلي الذي تجيده بمهارة في تركيب تقابالت صورية بين‬
‫زمنين ومكانيين مختلفين ‪،‬يحمالن في اشاراتهما بعدا مشوها‬
‫في تمثل ماتوحيه الطفولة من عالمات تفقد في سياقها للممنوع‬
‫والمباح في زمن الحرب ‪ .‬هناك صياغة هندسية لمكونيين‬
‫متحركين متضادين في الزمن والصوت والداللة والمعنى‬
‫مهرته بذاكرتها التشكلية تلك الفنانة والمعمارية في آن واحد ‪.‬‬
‫انها فكرة بناء حجر اسهل من بناء طفولة ‪..‬اذ النجد الكثير من‬
‫العقول التي تضع مخططا فكريا وانسانيا لكيان الطفولة او‬
‫مؤسساتها ‪ ..‬الطفولة األرض البكر التي تفتقد لخطط وهندسة‬
‫بنائية تماما كهندسة الكيمياء ‪..‬‬
‫الشاعرة تفصح عن القلق الذي يبرر نفسه لدى االم في قصيدة‬
‫" وليم بليك "في الفرح الوليد ‪ ..‬التي سنأتي على عرضها فهي‬
‫التجد امال بمستقبل زاهر محتوم ولكنها تأمل ان تستعيد‬
‫الطفولة عمارتها وتشكيلها ‪.‬‬
‫ففي قصيدتين للشاعر وليم بليك االولى بعنوان " الحزن الوليد "‬
‫والثانية بعنوان " الفرح الوليد " نجد عالمين متناقضين في‬
‫حضور الطفولة للوجود ففي قصيدة "الحزن الوليد " حوارا‬
‫داخليا لطفل يتحرر للتو ‪ ،‬يقفز الى العالم ويكافح مجاهدا قيود‬
‫القماط المفروضة عليه في العالم الخطر ‪ ..‬انه حوار المسافات‬
‫والبحث عن فضاء وأفق يعد بالكثير ولكن على مايبدو اليتوفر‬
‫هذا االفق فينكفيء الطفل عابسا على صدر امه ‪:‬‬
‫أمي ناحت وابي بكى‬
‫فقفزت الى العالم الخطير‬
‫الحول لي في العري ‪ ..‬عاٍل صراخي‬
‫مثل جن في غمام مختٍف‬
‫مكافحا بين يدي والدي ‪،‬‬
‫مجاهدا ضد خيوط القماط ‪ ،‬مقيدا ومجهدا ‪،‬‬
‫وجدت األفضل لي ‪ ،‬ان انكفيء عابسا‬
‫على صدر امي ‪.‬‬
‫والوليد اليجد الحياة سوى صراعا بوجه المعارضة ‪ ،‬القيود‬
‫(القماط) وسلطة االبوين وفي نهاية المطاف يبدو مغلوبا‬
‫ومقيدا ومجهدا ‪ .‬كما سيكون في مواجهة سلطة الحياة الكبرى‬
‫بمزاجها المتقلب وباقبالها عليه ونفورها منه فيما بعد ‪.‬‬
‫وفي قصيدة "الفرح الوليد " نقرأ ‪:‬‬
‫الاسم لي وال من العمر سوى يومين‬
‫ماذا سادعوك ؟‬
‫سعيد انا واسمي الفرح ‪،‬‬
‫الفرح العذب يحل عليك !‬
‫الفرح الجميل !الفرح العذب قضى من عمره يومين‬
‫هاانت تبسم وها انا اغني‬
‫الفرح العذب يحل عليك ‪..‬‬
‫ان الجملة الشعرية " الفرح العذب يحل عليك " في حقيقتها‬
‫محض بركة تتمناها االم لطفلها ألنها التحسب الفرح امرا‬
‫محتوما لوليدها ‪ ،‬على امل ان يحمل المستقبل الفرح وربما ال‬
‫يفعل ‪.‬‬
‫ويبدو واضحا ان القصيدتين تعبران عن صورة الذهن البشري‬
‫ازاء الطفولة ‪.‬فليس هناك ضمانات منطقية جاهزة لمستقبل‬
‫الطفولة فكل االمور التي تتعلق بها تترتب معماريا ولكن‬
‫بتخطيط من ؟ واي المؤسسات ستبني الهرم الكبير للطفولية هل‬
‫هي المؤسسات الدينية ام االدبية والفكرية ام الترفيهية ام‬
‫التعليمية وفق فلسفة معدة مسبقا ؟‬

‫ان البيئة االجتماعية وان كانت الحاضنة االولى التي تؤمن‬


‫للطفولة احتياجاتها ولكن الحث على التطبيع االجتماعي في‬
‫السلوكيات والذي تحاط به الطفولة بمراحلها كافة وتحديدا في‬
‫الصدى اآلخر للبيئة االصلية الضابطة ( االسرة ) ونقصد بها "‬
‫البيئة المدرسية " سيولد اعدادا منقوصا للتفرد واالبداع من‬
‫قبل الطفولة ‪.‬‬
‫" وتجدر االشارة هنا الى انه على الرغم من التوسع الكمي في مؤسستنا‬
‫التربوية التنشيئية على مستوى المجتمع العربي ؛ اال انها ماتزال دون‬
‫مستوى فاعلية ادائها في عملية اعداد الفرد ‪ -‬الطفل ‪ -‬اليتوافق‬
‫والمتغيرات الحاصلة في المجتمع األنساني التي تسير بقفزات متسارعة‬
‫فمن اليستطيع اللحاق بها ‪ -‬تمثلها – يبقى خارج مديات فعلها يرقب‬
‫التغييرات دون المشاركة بها وبما يجعله خارج مديات الفعل األجتماعي‬
‫األنساني " ‪.‬‬
‫ان التربية البيئية من اوليات اهتمام االنظمة التربوية في كل‬
‫البلدان التي تعنى بثقافة الطفل وتعليمه ‪ .‬فهي عملية انمائية‬
‫هدفها فهم البيئة وطبيعتها وتعلم المهارات التي تحقق ذلك‬
‫ويتوجب وضع برامج تربوية تهتم بالبيئة واوجه النشاط‬
‫الجمعي والفردي واخالقيات التعامل معها في البيت والمدرسة‬
‫والمجتمع ‪.‬‬
‫ان البيئة تسمح وتمنع فهي تسمح لالنسان ان يستفيد منها عندما‬
‫تكون صالحة لدعمه وتمنعه من ذلك حين تكون غير داعمه‬
‫له ؛ وان من البيئات مايوفر الكثير لالنسان وان منها‬
‫مااليعطيه اال القليل وهو مايعتقده ( كريفت تايلور ) ‪.‬‬
‫اذن كيف تظهر فجاة طفولة واعية موهوبة متفردة كما يحدث‬
‫لكثير من االعالم في االدب والفكر والفن بانواعه بضمنه الفن‬
‫المعماري ‪.‬‬
‫وهل تسهم بالفعل سنوات التنشئة الخمس االساسية في ان تجعل‬
‫االبداع موضع اهتمام المؤسسات الراعية للطفولة وفي مقدمتها‬
‫االسرة ‪.‬‬
‫حتى المفاهيم السايكلوجية التي تتعلق بالبيئة وتشكل االنسان‬
‫فهي في جزء مهم وكبير منها يعني ترتيب عناصر او مثيرات‬
‫البيئة لكي تقود الى استجابات االنسان لكي تقود استجابات‬
‫األنسان نحو هدف محدد ة نتائجه ومحسوبة كما في االتجاه‬
‫الترابطي األجرائي ‪.‬‬
‫اما االتجاه العقالني المتمثل في نظرية الجشطالت يعتمد التعلم‬
‫على االدراك الحسي وهو عملية اكتشاف للبيئة وللذات‪.‬‬
‫واالتجاه المعرفي الذي يعلن فيه بياجيه نظريته ان مايتعلمه‬
‫األنسان انما يصدر جزئيا عما يتعلمه من بيئته المادية‬
‫واالجتماعية ويضيف اليها عامل الموازنة التي تقود التعلم ‪.‬‬
‫وايضا االتجاه االجتماعي والذي يتوصل الى ان الكثير من‬
‫التعلم األنساني هو معرفي وان بنو البشر يتعلمون األستجابة‬
‫الحركية للمواقف البيئية ؛ وان التعلم األجتماعي يعني تعلم‬
‫الكثير من السلوك انما يحدث في بيئة مليئة بالمعاني ويكتسب‬
‫من خالل التفاعل مع اآلخرين فبيئة األنسان يكون لها معنى‬
‫بالفعل نتيجة للتجربة السابقة ‪.‬‬
‫مانريد ان نصل الية هو عالقة البيئة بالسلوك األجتماعي وباألبداع‬
‫وبزوغ الموهبة والتفرد ‪..‬هل هناك قراءة متبادلة ‪ ،‬والنتائج في خدمة‬
‫وعي الطفولة وتميزها وهل تتشابة وهل تنصرف الطفولة اليوم الى‬
‫البيئة الجمالية والواقعية والتعليمية ام الى البيئة االفتراضية ومنها الى‬
‫الواقع االفتراضي ؟‬
‫فكل من رسموا صور طفولتهم بلغة الكلمات او لغة الفن‬
‫التشكيلي هم عبروا عن البيئة في حالة ولحظة عالقتها‬
‫بمشاعرهم وكان تفردهم يكمن ‪ ،‬فمعظم من تأثر بالبيئة وقرأها‬
‫بعينيه الفنانتين تجده حين اصبح بالغا لم تحرمه الحياة من‬
‫عالمات تفرده ‪ .‬النماذج التي سنطلع عليها في المبحث الثالث‬
‫هي ليست نماذج مثالية جدا ولكن هي نماذج متفردة وتستحق‬
‫قراءة صور طفولتها وان كان ماسنذكره نتيجة سابقة عن‬
‫المبحث الثالث ولكن بالفعل وجدنا ان األجيال التي سبقت العالم‬
‫الكتروني االفتراضي كانت صورة تمتلك من كثافة السرد لنها‬
‫تتعامل مع الواقع ولن تجد احدهم يتخفى او يجيد التخفي وهو‬
‫يروي طفولته ‪!!...‬‬
‫ظهر منهم الشعراء واألدباء والتشكليون والمعماريون‬
‫والمصممون ‪..‬‬
‫استثارتني احدث القصص التي كتبتها القاصة العمانية " امامة‬
‫اللواتي" لالطفال ‪ ،‬وكانت القصة تربط بين الخيال الفنطازي‬
‫والخيال االواقعي في مفهومها وعنوانها والمفردات التي وردت‬
‫في لغتها وكان عنوانها ‪:‬‬
‫" العجائب السبع في بيت خيال " وتحكي عن طفل يعيش في‬
‫مدينة غريبة و بطلها طفل يعيش في مدينة تدعى ( اآلجام ) و‬
‫كان نظام هندسة بيوتها واحدا ومتطابقا وان والد الطفل شعر‬
‫بالملل وقرر ان يهجر موطنه ؛ اال ان الطفل الذي فكر بحل انقد‬
‫مدينته من الملل والتكرار وادخل عليها الحيوية فضال عن انه‬
‫جعل اباه يقيم في تلك المدينة او موطنهم األصلي بعد ان فكر‬
‫أن يسافر الى مدن بعيدة لشعوره بالتكرار في‬
‫االشكال ‪.‬والجميل في القصة انهم جعلوا الحل يصدر من الطفل‬
‫وأنه نجح بتفكيره ألستقرار األخرين والحل هو في تغيير البيئة‬
‫الهندسية ‪.‬‬
‫والقصة جمعت في مضامينها بين الفن المعماري والفن الغنائي‬
‫من خالل األنشاد وبين الموروث الحكائي السحري ‪.‬‬
‫وتبدأ القصة ‪:‬‬
‫في يوم من األيام في مدينة غريبة بعيدة ‪ ،‬وفي احدى ازقتها‬
‫المتماثلة األحجام ‪ ،‬بل في آخر آخر آخر ازقة ( اآلجام ) ‪..‬‬
‫عاش اطول األوالد ‪ ..‬لم يكن عنيدا والكسوال ‪ ..‬كان فقط اطول‬
‫األوالد ! كان فقط اغرب األوالد ‪ ...‬هكذا كان اسمه ‪ " :‬خيال‬
‫" ‪..‬‬
‫ولكن والده لم يكن يحب العيش في زقاق متساوي األضالع‬
‫وحيث أن كل اآلجام متماثلة األحجام ‪ ..‬فقد فرر والده ان يرحل‬
‫الى المدينة المثلثة ‪.‬‬
‫وتصرف خيال قائال لوالده ‪:‬‬
‫الترحل وسآتيك بغرائب الحجام ‪ ..‬بكل البلورات واألسطوانات‬
‫والمثلثات ‪... .‬‬
‫وذهب الى مدينة يصنع سكانها المثلجات في اسطوانات من‬
‫السحاب فاخذ منها اسطوانة وسافر الى قرية ( األنس‬
‫المغرد ) حيث غرائب الصوت ‪.‬والشدو العذب ‪..‬‬
‫وحمل كل الحان القرية من صوت العصافير وصوت امواج‬
‫البحر والحان رقص البشرثم سافر الى قرية حيث وجد فيها‬
‫اغرب األسوار ‪ ..‬فال هو بالمستطيل وال هو بالمربع وال هو‬
‫بالمكعب !‬
‫فامسك بالسور وطواه كما تطوى االوراق ‪ ..‬لم يكن سهال مع‬
‫سشور يتخذ شكل المستطيل حين يضحك والمربع حين يحزن‬
‫والمكعب حين يفكر ‪..‬‬
‫ثم يصل الى مدينة ( تمكتو ) ‪ ..‬تلك المدينة مصنوعة من‬
‫الحرير ونوافذها من النحاس األحمر وفي حدائقها توابل‬
‫سحرية وفي وسط تمبكتو يسكن اجمل تمثال على األطالق ‪..‬‬
‫رجل األسطورة في تمبكتو النائمة حامي خزائن الملح الملكي ‪..‬‬
‫كان للرجل السطوري وجها بيضاويا وذراعين على شكل‬
‫اسطوانه ومالمح وجه بلورية ‪ ..‬وافرد خيال للرجل األسطوري‬
‫مكانا في عربته ‪..‬‬
‫وتنتهي القصة بسفرة الى اماكن عدة ويجلب منها مايمكنه‬
‫لتجميل مدينة اآلجام وادخال البهجة عليها ‪..‬‬
‫وبالطبع االن صارت الطفولة التتعامل مع ‪ ..‬العالم الفعلي ‪..‬‬
‫ومن هنا وجدنا الطفولة تقف على محاكاة للواقع وليس التفاعل‬
‫الحي والعميق مع الواقع ‪.‬‬
‫انها العالقة بين الطفولة وصورة العالم وهي البيئة بانواعها‬
‫بالنسبة للطفل قد اختلفت كثيرا ‪ ..‬فماحدث من النادر ان تلمح‬
‫وجها كامال لقسمات ومالمح طفل دون ان يكون منحنيا بكامل‬
‫وجهه نحو الجهاز االلكتروني ‪..‬‬
‫ومما يقلق سيكون من الصعب ان ترصد انماط السلوك‬
‫األنساني وكيفية تشكل المعاني داخل الجماعة وال حتى كيفية‬
‫التعاطي مع وسائل التعبير والتواصل عبر الكالم واللغة‬
‫والمالبس واالشارات وااللوان وتقاطيع الجسد وحركات الوجه‬
‫‪.‬‬
‫سيغيب الزي المحلي وينوب عنه زيا بديال متشابها في كل‬
‫البلدان وهذا مايحدث بمرور الزمن حتى صار الزي المحلي‬
‫رمزا متحفيا ‪.‬‬
‫والنستغرب حين نكتشف ثباتا جديدا كل يوم لبعض مفاهيم القيم‬
‫المتحولة حيث اخذت تتغير امامه بعض المفاهيم القيمية وهو‬
‫نوع من التخريب الهندسي لبنية تلك القيم واالواصر التي تربط‬
‫بينها ‪.‬وذلك بسبب الظرف االجتماعي المتقلب حيث اصبحت‬
‫البطولة تهورا والبخل اقتصادا والكذب انقاذا من العقاب‬
‫والصدق سذاجة‪.‬‬
‫جل خشيتنا ان جهاز المحمول وبسبب أستخدامه بافراط ان‬
‫يصبح مثل " األخ األكبر" في رواية ‪ 1984‬لجورج اوريل ‪..‬‬
‫حين يوظف اللغة لقلب كل المفاهيم حيث الحرب هي السالم‬
‫والحرية هي العبودية والجهل هو القوة وتحمل حكومته‬
‫وزارات عكس حقيقيتها فوزارة " الحقيقة " مهمتها تزييف‬
‫التاريخ ووزارة " السالم " مهمتها الحرب والتحالفات ووزارة‬
‫" الوفرة " مهمتها التخلص من النتاج الفائض ووزارة " الحب "‬
‫مهمتها التعذيب وغسل الدماغ ‪ .‬فالقتل مبرر باي طريقة وباي‬
‫سالح وبال حدود بحجة انك تحقق العدالة ‪ .‬انها هندسة العالم‬
‫االفتراضي المخيف وغير الملحوظ ومازال من المسكوت عليه‬
‫في التنشئة العربية للطفولة ‪.‬‬
‫انها بداية ألستبدال العالم الجمالي ببناء هنسي افتراضي‬
‫للطفولة والذي يبدأ من على الجهاز الموبايل حين يبني الطفل‬
‫ببناء كل مايريده او بهدم كل مايريد هدمه ‪ ..‬بناية ‪ ،‬بشر ‪،‬‬
‫مكتبة ‪ ،‬مطعم ‪ ،‬مكان لمالهي األلعاب ‪.‬‬
‫السؤال الذي يحتاج لدراسة احصائية لمعرفة هل ستستغني‬
‫الطفولة عن ادوات بناء الذاكرة مما يراه فعليا في واقعه‬
‫ويكتفي بتخزين الصور من عالمه االفتراضي فقط ؟‬
‫بالفعل هو سؤال مستقبلي لم ندر له جوابا ‪..‬‬

‫اسهمت البيئة في صنع طفولة خالقة في مرحلة ما من تاريخ‬


‫الطفولة العربية التي ارتبطت بها اجيال معينة ؛ طفولة جمعت‬
‫بين التعامل الحسي المباشر مع الطبيعة وعشقها وتقمصها فنيا‬
‫ومعماريا فيما بعد ‪..‬‬
‫وربما ماحدث مع اجيال سابقة لم يتحقق بحذافيره مع اجيال‬
‫الطفولة الالحقة ألن الطفولة السابقة كانت تتعامل مع العالم‬
‫الفعلي وتنتج منه عالما افتراضيا متخيال وخالقا ؛ على العكس‬
‫ممايحدث اآلن حين تغيرت العالقة بين الطفولة وصورة العالم‬
‫ولكن ليس مااقصده هو العالم الفعلي انما اصبحت العملية‬
‫معكوسة حيث يتعامل الطفل مع عالم الكتروني افتراضي‬
‫ليصنع منه عالما يكون محاكاة للواقع ‪.‬‬
‫وبما ان النمو العقلي للطفولة يتم بسرعة كبيرة يصل الى ‪%50‬‬
‫مابين ميالد الطفل والسنة الرابعة من عمره ‪.‬‬
‫وبما ان المجتمع العربي يعد من المجتمعات الفتية التي تشكل‬
‫نسبة الطفولة فيه ‪ % 36‬حسب احصائيات قديمة ‪.‬ولكن بحسب‬
‫دراسات حديثة نجد ان نسبة الصغار اقل من ‪ 15‬سنة ‪%40‬‬
‫وبضمنها الدول العربية في معظم الدول باستثناء الدول‬
‫المتقدمة التي التتجاوز النسبة من ‪. % 25 – 20‬‬
‫وبالفعل اننا لو دخلنا على اخر احصائيات السكان في العراق‬
‫والسعودية وسوريا سنجد ان نسبة الطفولة في العراق مثال‬
‫بحسب احصائية افتراضية ‪ 2016‬هم بنسة ‪ % 50‬من المجتمع‬
‫السكاني ‪.‬‬
‫وذلك يعني اننا امة نصفها بحاجة الى خبرات ومعلومات‬
‫ودراسات واحصائيات دقيقة في التخطيط لمستقبلها ‪..‬‬
‫وان المقولة المشهورة للشاعر االنكليزي "ورد زورث" ‪":‬‬
‫ان الطفل ابو الرجل " وهو خير دليل على ان الخبرات التي‬
‫حصل عليها الطفل في سني حياته االولى صار لها االثر الكبير‬
‫فيما يحب ويكره في حياته‬
‫الالحقة ‪.‬‬
‫ولكن بامكان الطفولة الفنانة والخالقة ان تكون في كل زمن ‪..‬‬
‫يجب ان نضع يقيننا في هذا االعتقاد ‪.‬‬

You might also like