Professional Documents
Culture Documents
نحن أمام قصة مكتملة األركان تماما أتت في عشرون صفحة ،بالغة في الوصف ودقة في التفاصيل
وثبر أغوار النفس البشرية كما عودنا عمدة القصص القصيرة تشيخوف العرب” يوسف إدريس”
يناقش في القصة نواحي كثيرة ليست دينية فقط..
عند قراءة نص القصة القصيرة البد أن تكتشف فيها من مناطق الجمال الكثير وعندما تعيد القراءة تزداد
إعجابا بالنص .هذا النص الوعر الواصف الجريء والبد أن تقف طويال عنده وتتساءل كيف سيتحول
هذا النص إلي فيلم وهل من الممكن أن يكون هذا الفيلم على نفس الدرجة من اإلبداع إبداع الكلمة
والجملة والتعبير الوصفي.
يوسف إدريس يكتب الجمل وكأنه ممسك بكاميرا خاصة ال يديرها إال هو وال يستطيع فهم طبيعة ما تراه
إال هو فهذه الجمل وكأنها تتحرك أمام عينيك لتجعل المشاهد تدور في عقلك قبل عينيك
لتتساءل :كيف يمكن تنفيذ مثل هذه العبارات السهلة في بساطتها والممتنعة في تفسيرها بصريا.
على سبيل المثال وفي أول القصة يقول( :في البدء كانت النكتة وفي النهاية ربما أيضا تكون .والنكتة
في النكتة أنها ليست نكته ,ولكنها واقعة حدثت ألهل النكتة ,صناعها المهرة ورواتها العتاة) .يبدو
الكالم سهال بسيطا ولكن تنفيذه بصريا يحتمل مئات األفكار والرؤى التي يمكن أن ينفذ بها ولكن ومع
قراءة القصة بأكملها البد ن تربط هذه البداية بكامل األحداث .حيث األحداث كلها تدور في لحظة واحدة
هي لحظة فارقة بين الماضي واآلتي كيف ذلك.
فالفكرة ببساطة شيخ يعمل في مسجد حي الباطنية المشهور بتجاره وبيع الحشيش” العلني” ومحاولة منه
لهدايتهم وإبعادهم عن إغواء الشيطان لهم في كل نواحي الحياة.
حاول هدايتهم ولكنه فشل في البداية فاألمر جدا صعب لمثل هؤالء اللذين باعدت المخدرات بينهم وبين
أمور دينهم كثيرا فقرر أن يقترب منهم بالشكل الذي يناسبهم ويتماشى معهم فبدأ يجالسهم ويسامرهم في
1
سهراتهم على (القهوة) منشدا تواشيحه التي وجد لها تأثيرا كبيرا عليهم ومحتكا بهم تماما حتى غاص في
قاع المستنقع..
هنا يطرق إدريس بابا حرج ..اسمه (الدين الوسطي الجميل).
يناقش مبدأ إتباع القطيع للكبير بصورته الفجة ..حيث وجد أن المعلم حنتيته وهو كبير الحارة يمثل رأس
هذا القطيع إذا فعل شيئا فكل الحارة أتباعه ..وبالقياس نجد حياتنا زاخرة بفكره القطيع تلك ..رئيس أي
مكان إذا صلى نجد الجميع وراءه ..فهل هلل تلك الصالة أم لمن ال ندري ولن ندري.
ثم يدخل إدريس بابا أكثر حرجا وأشد شوكا عش الدبابير الالسع جدا ..بسرده احتكاك الشيخ في القهاوى
مع السكارى الغير واعيين مطلقا لتواشيحه وابتهاالته التي تروق لجميع أهل الحارة نسائهم قبل رجالهم
حتى وهم في سكرهم وغيابهم التقريبي طوال الوقت عن الوعي ..صوت الشيخ الجميل الذي التف حوله
الرجال والسيدات وبدأوا بالفعل ينتظرونه ويتأثروا بالشيخ الذي أصبح جزءا من حياتهم.
يتعرض الشيخ للكثير من المغريات والمثيرات kفي هذه البيئة الغريبة من كل االتجاهات حتى تشعر
وكأنك تتمنى للشيخ أن يفر من هذا المستنقع أو أنك تنتظر مفاجأة ستحدث ال محالة ولكن ما هي ومن أين
ستأتى ال تدرى فتظل منتبها لكل تفصيله خشية أن تفوتك وتسقط منك حدثا مهما .إلى أن تظهر لى لى .
وبمجرد ظهورها تعود مسرعا إلى التمعن في العنوان (أكان البد يا لي لي أن تضيئي النور) ف هذه هي
لى لى الفتاة فائقة الجمال والفتنة فمن تكون وما قصتها وأي نور أضاءت هل النور الذى نعرفه أم نور
أخر قد يكون نور البصيرة kمثال أو أنها أضاءت شيئا كان خفيا مستترا قبلها .هل أنارت شيئا كان من
األفضل أن يكون مطفئا وفق ما يشير العنوان أكيد هذا الشئ سيغير مجريات األمور وهل هذا الشئ كان
للشيخ أم للجميع وما نتيجة ما فعلت هل هو فعل حسن أم غير ذلك مما استدعى الشيخ ألن يتمنى أنها لو
لم تضيئه؟
كل هذه األسئلة وغيرها يحملها العنوان وعلينا البحث عن أسبابها وإجابتها من خالل النص.
النص ثرى جدا ومعبأ جدا ومحمل بأفكار كثيرة يمكن أن يتحول لفيلم طويل ممتع بمشاهد كثيرة
مستوحاة من وحى النص .
2
(حولي وفي كل مكان .في همسة الحرمة في النظرة تصوب إلى من خلفي السعة كسيخ الحديد قادمة
لتوها من جهنم .فألر الشيطان وجها لوجه .وال أعود أغض البصر . ) .....
وهكذا الكثير من المقاطع التي تجمل في ثناياها ما يحتمل العديد والعديد من المشاهد.
ثم نأتي لسؤال أخر وهو لماذا يكرر الكاتب نفس السؤال بين كل فقرة وأخرى أهو دليل على ارتباط
األحداث كلها ب لى لى هذه أم أن المراد شيئا أخر ؟
هذا بالنسبة للنص أما السيناريو والفيلم وطالما لم نستطيع الحصول على السيناريو فسنفترض أن الفيلم
هو تنفيذ للسيناريو بالضبط وخاصة أن كاتب السيناريو هو أيضا المخرج الذى تعامل مع النص األصلي
بشيء من الحرفية وكثير من الحذر حيث ثقل الكاتب والنص وحيث المنطقة الخطرة التي يتناولها
الكاتب (يوسف إدريس) .
بدأ الفيلم بنكتة يتناولها اثنان من الحشاشين من أهل الحى تتمثل فيهم الحالة الكاملة لصورة أبناء هذا
الحى اللذين هم أنفسهم يمثلون النكتة وكأنها مكتوبة فيهم ولهم ,تبدو النكتة التي يتناولونها تافهة بعض
الشئ ولكن هذا يدل على حالهم بالضبط فمن في مثل حالهم يضحك على ما يضحك وما ال يضحك
وهكذا تمثلت الحالة التي يريدها الكاتب فيهم وفي هذا المشهد اختصار لكثر من الوصف kالذى تناوله
النص بشيء من التفصيل حتى الوصول إلى محل النكتة األصلية في المسجد.
قام السيناريو بالتعامل مع النص باإلختزال واإلضافة وإعادة البناء في أن واحد .أو لنقل أنه اتخذ خطا
من الخطوط الكثيرة التي يتضمنها النص األصلي ليختزل الصور الكثيرة المتشابكة التي يمكن أن
نستخرجها من النص .قد يبدو الفيلم أضعف من النص ظاهريا لكنه فنيا أجاد استخراج الهدف والفكرة
والخطوط التي تتشابك لتخرج الفكرة في إطار من التسلسل السردي والبصرى وبما يجعل الفيلم وكأنه
وحدة واحدة مترابطة تعمل في اتجاه درامي واحد لتصل بنا في النهاية لحبكة محكمة البناء منذ بداية
الفيلم وحتى مشهد النهاية .
فسر الفيلم وأضاء بعض المناطق المستترة في النص مثل شخصية المعلم حنتيتة وأسرته التي تتحكم في
كل شيء في الحارة بما لها من نفوذ مالى ونفسي.
3
قبل ظهور اسم الفيلم لى لى وبعد نهاية تتر البداية مرت حوالى أربع دقائق أشار فيهم الفيلم إلى شيئين
متناقضين تماما ال يجمعهما س$$وى أه$$ل الح$$ارة الش$$ئ األول أن معظم أه$$ل ه$$ذه الح$$ارة من متع$$اطي
الحشيش عندما سأل أحد الشخصين في المشهد األول الشخص األخر ( هو بقية الناس فين ) دليل على
سمه مشتركة تجمع الجميع .ثانيا مشهد المسجد وكيف يذهب مثل ه$$ؤالء الن$$اس للمس$$جد من المنطقي
أن يكون المسجد خاويا وخاصة في صالة الفجر فأي داع جعل السكارى التائهين يفعلوا ذل$$ك الب$$د أن$$ه
أمر خطير أيضا الوساوس التي دارت في رأس كل واحد منهم أثناء السجود الذى طال بش$$كل ملح$$وظ
فما الذى حدث لإلمام وإلى متى ستظل ال$رؤس س$اجدة .ثم يظه$ر اس$م الفيلم لى لى .ه$ذه المقدم$ة ق$د
تشير إلى حال هذه المنطقة قبل ظهور لى لى وأكيد أن ظهوره$$ا غ$$ير الكث$$ير أي غ$$ير ح$$ال الحى من
حال إى حال أخر .سنرى من المؤكد أنه بعد هذه المقدمة الطويلة س$$نتعرف على بطل$$ة العم$$ل لى لى
وستكون هي محور المشاهد التالية هذا ه$$و االس$$تنتاج الط$$بيعي ولكن لم يح$$دث وإذ بالش$$يخ عب$$دالعال
يظهر ليأخذنا بعيدا عما نفكر فيه لنبدأ معه قصته.
ما حدث هنا هو ما يمكن أن نقول عليه إب$$داع م$$ا بع$$د اإلب$$داع فبع$$د إب$$داع يوس$$ف إدريس نص$$ل إلى
إبداع مروان حامد كاتب السيناريو والمخرج فقد قام بتفكيك القصة وإع$$ادة بنائه$$ا بم يتناس$$ب س$$ينمائيا
مع رؤيته اإلخراجية فهو إذا ترك القصة كما هي كانت ستكون فصول تحكى قصص متفرق$$ة متن$$اثرة
4
في ه$$ذا الحى يربطه$$ا المك$$ان وال يربطه$$ا الح$$دث فق$$ام ببعض اإلض$$افات واإلط$$االت للشخص$$يات
الرئيسية كالمعلم حنتيتة وجعل الشيخ عبدالعال هو محور وبطل القصة التي سنتتبعها ثم بدأ يظه$$ر لن$$ا
ما تعرض له الشيخ من إغراءات وفتن كثيرة من نس$$اء الحى وأن$$ه المتماس$$ك والمتمس$$ك بدين$$ه قابله$$ا
بالرفض والالمباالة متخذا من النصح واإلرشاد طريقا لهداية كل من يستطيع متقربا لهم بكل ما يمل$$ك
من حكمة وعظة وصوت جميل استطاع أن يكسب به تجمعهم حوله وت$$أثرهم بحالوت$$ه وش$$جنه .إلى
أن ظهرت لى لى وب$دأت هزيم$ة الش$يخ الداخلي$ة .وب$دأ يفك$ر فيه$ا وتش$غله ويبحث عنه$ا ويتلص$ص
رؤيتها في كل وقت .إلى أن وصل للحظة الضعف التي غلبته وهو في أش$$د اللحظ$$ات قرب$$ا من ال$$دين
وهو يصعد المئذنة لألذان وقت أذان الفجر .ولما علم بضعفه ق$$رر أن يغلب الش$$يطان ال$$ذي في نفس$$ه
ويدخل معه في صدام مباشر وينتصر عليه فصعد المنبر متغلب$$ا على ك$$ل رغبات$$ه الش$$هوانية ولكن$$ه لم
يستطيع األذان كما لو كان قد شل عن األذان حاول مرارا ولم يس$$تطع وفي النهاي$$ة لم يج$$د من ص$$وته
سوى المناجاة والتوسل هلل طلبا للمغفرة والعفو والعون على كل ما تأمره ب$$ه نفس$$ه وش$$يطانه ...ط$$ال
التوسل والتضرع والتألم وهذا هو ما تردد في أذان أهل الحارة وجعلهم يخشون من نهايتهم ويهرعون
للمسجد ظنا منهم أن الشيخ يناجى هللا من أجلهم ومن أجل نفسه ولما دخل$$وا الص$$الة ك$$ان الش$$يطان ق$$د
تملك من الشيخ وصورة لى لى تتمثل أمامه في كل لحظ$$ه فض$$عف وض$$عف واش$$تد ض$$عفه وق$$رر أن
يتركهم ساجدين ويذهب لها .وهنا نعود للمشهد األول .لندرك ما ال$$ذى ح$$دث للمص$$لين ب$$ل لن$$درك م$$ا
الذى جعلهم في األصل يتجمعون وقت صالة الفجر ثم ماذا حدث بعد ذلك.
نتدارك األن لنعود إلى ما فعله مروان حامد بن$$ا وبه$$ذا النص الرائ$$ع ليوس$ف إدريس ه$$ذا بالض$$بط م$ا
يسمى باللغة السينمائية فما هي هذه اللغة!
اللغة في األصل "هي أداة صاغها اإلنسان للتفاهم مع نظرائه واللغة هنا ليست إنتاجا فنيا بل هي في
األصل إنتاجا جماعيا غرضه التفاهم فالصيحة المنذرة بالخطر التي أطلقها الرجل البدائي كانت أوال
رد فعل غريزي وفسيولوجي قبل أن تصير رمزا يحتفظ بمعناه بغض النظر عن الظرف األول الذي
أطلقت فيه.
5
وتكون الصورة هي المادة األساسية للغة السينمائية فهي المادة الخام الفيلمية وإن كانت مع ذلك حقيقة
معقدة للغاية .ذلك أن تكوينها يتميز بتراكيب عميقة قادرة على نقل الواقع الذي يعرض عليها نقال
دقيقا .لكن ذلك النشاط موجه من الناحية الجمالية في االتجاه المحدد الذي يريده المخرج .والصورة
التي نحصل عليها بهذه الطريقة تدخل في عالقة جدلية مع الجمهور الذي تقدم له .وأثرها السيكولوجي
عليه يحدده عدد من الخصائص ينبغي تحديدها بدقة إذا أردنا تكوين فكرة دقيقة عن أهمية الفيلم في
الحياة االجتماعية.
والمقصود هنا كيف يعبر الفيلم أو الشريط السينمائي عن القصة وكيف يتم نقل الفكرة أو المضمون
إلى المشاهد وعلى ذلك فإن لغة السينما تعني هنا الوسائل التي تتولى مهمة هذا التعبير في نقل هذ
الفكرة .ولذا ال يجب لحكم على اللغة السينمائية بقيمتها الجمالية وحدها ولكن بقدر خدماتها التي تعود
على القصة .فليست اللغة السينمائية هدفا مطلقا بل القصة هي الهدف األول واألخير وليس أفضل
استخدام للغة السينمائية هو التعاون بشكل فني جيد مع تقنيات ووسائل صناعة الفيلم ولكن المراد هو
استخدامها لعرض مضمون الفكرة بأفضل طريقة ممكنة.
ومن أسس اللغة السينمائية التي البد وأن ندركها في فيلمنا هذا:
اإليجاز:
واإليجاز بمعناه البسيط هو إيصال المعنى إلى المتلقي بأقل قدر من التفاصيل المعبرة عنه أو من
خالل التركيز على التفاصيل الرئيسية المكونة له.
وفي السينما يقدم اإليجاز دورا هاما في اللغة السينمائية حيث يختار ويوظف أهم عناصر الحدث أو
التفاصيل ذات الداللة فقط دون ذر التفاصيل التي يمكن فهمها ضمنا .وال تمثل أهمية خاصة وذلك
بقصد االحتفاظ بانتباه المشاهد في حالة تركيز مستمر على مدار لحدث وتطوراته $.إضافة إلى التحكم
في إيقاع الفيلم .وهنا نجد أن اإليجاز في الفيلم متمثل في حذف وإهمال كثير من الشخصيات
والتفاصيل الثانوية التي تبطئ من اإليقاع وتؤثر في تركيز المشاهد .أيضا التركي والتأكيد على محور
واحد أو أكثر من خالله يمكن توصيل الرسالة من أقصر الطرق وأوجزها.
6
ومن خالل الفيلم نجد أن لإليجاز وظيفتين أساسيتين وهما:
:١االختيار السليم ألهم التفاصيل أو كل ماله داللة فقط وبعبارة أخرى اختيار األزمنة المؤثرة أو
الفعالة من التدفق الزمنى الطبيعي لحدث ما مع حذف األزمنة الضعيفة منه وذلك بهدف التركيز على
نقاط الحدث فقط( .وهذا ما حدث تارة مع ظهور الشيخ عبدالعال ومرة أخرى مع ظهور لى لى وما
حدث للشيخ من تغيرات نفسية وفكرية).
:٢تعمد حذف أو إخفاء بعض التفاصيل المهمة إلضفاء قوة تأثيرية على المعنى فتؤثر بالتالي على
المشاهد وتجعله أكثر استمتاعا بأسلوب الفيلم السردي أكثر منه لو ظهرت هذه التفاصيل.
وبتطبيق ذلك على الفيلم نجد أنه قبل ظهور لى لى كان يعرف عنها الكثير مما يدل على أنها حديث
الكثيرين من أهل الحي يتغنون بسيرتها كثيرا .ولكنه لم يتأثر بكل الكالم ظاهريا إلى أن رآها وجها
لوجه وبدأ التحول .أيضا في المشهد الذى واجهته فيه لى لى مدعية رغبتها في تعلم اللغة العربية
وهرب منها تم إخفاء ما حدث بعد ذلك جزئيا ليزيد من اإلثارة والتفكير فيما حدث.
الرمز.
يعتبر الرمز أحد دعائم اللغة السينمائية والتي تعتمد على الصورة $في تعبيرها وذلك لإليحاء بالمعاني
المراد إيصالها إلى المشاهد والرمز السينمائي ال يقوم على الحذف أو اإلخفاء بل يستمد وجوده مما
هو ظاهر في الصورة $.وفكرة الرمز في الصورة السينمائية بهذا المعنى تقوم على قدرة الصورة $في
احتوائها على مضمونين في أن واحد أحدهما ظاهر أو مباشر واألخر مستتر أو غير مباشر بحيث
يشعر المشاهد بوجود أفاق أخرى تهدف إليها الصورة أي تصبح الصورة $ذات بعدين أحدهما مباشر
وظاهر واألخر غير ظاهر أو مستتر .ونجح الرمز في كثير من األحيان في إيصال صورة بالغية قد
تعجز الجمل والعبارات والمشاهد عن إيصالها بنفس المعنى والمضمون.
والرمز في الفيلم يتمثل في مواطن كثيرة حيث نجد:
لى لى وهو االسم األجنبي الذي يعنى التحرر من كل شيء حيث كل شيء مباح إذا فقط وافق الطرفان
النور في غرفة لى لى :البد أن أطفئ في نفسي نور حجرتها كما يقول الشيخ
مصباح واحد في غرفة السطوح الواحدة هذا صحيح ولكنه يكاد يضئ الباطنية كلها
7
البيوت مريضة تتساند أحشاؤها صغيرة بارزة محشوة.
القصة مليئة بالتعابير القوية والرموز $التي تشير إلى االنغماس الش$ديد في المعاص$$ي والبع$د ك$ل البع$د
عن طريق هللا فنور حجرة لى لى هذا دليل على شدة افتتان اه$$ل الحي به$$ا وأنه$$ا بمج$$رد وجوده$$ا في
الحجرة فالجميع ينتظرون رؤيتها أو رؤية أي شيء منها جميعا يريدونها ويتمنونها.
أدوات اللغة السينمائية:
الفيلم كمنتج فني تم تنفيذه بلغة المحترفين التي ال تهدف إلى البالغة في التنفيذ وال اإلبه$$ار في الص$$ورة$
وإنم$$ا ه$$و من األفالم ال$$تي يمكن أن تس$$مى ب$$أفالم المهرجان$$ات العالمي$$ة ال$$تي تعتم$$د على المحت$$وي
والمض$$مون $في إيص$$ال الرس$$الة المطلوب$$ة .وعلى ذل$$ك فالص$$ورة والص$$وت والمونت$$اج والمكس$$اج تم
تنفيذهم باحتراف شديد وبشكل يكاد ال تشعر به وهو األمر السهل والصعب $في أن واح$$د ف$$أنت عن$$دما
ال تشعر بقطعات المونتاج وال بقفزات في الصورة $بين الحجم في اللقطة والحجم الذي يلي$$ه إنم$$ا يع$$نى
هذا أن الحركة تسير بانسيابية ال تكاد تلحظها وهذا في حد ذاته تمكن من الص$$انع ال$$ذى ال يش$$غل بال$$ه
بالنجاح في تلك األمور إنما يشغل باله بما هو أهم من ذلك وهو التوافق التام بين جميع األدوات ح$$تى
وكأنك تك$$اد تش$$عر وكأن$$ك تش$$اهد تس$$جيال حي$$ا لمنطق$$ة حقيقي$$ة ال فيلم$$ا س$$ينمائيا تمت جمي$$ع مراحل$$ة
بالترتيب والتفصيل .
راعنى فقط في مشهد المسجد لقطات الساجدين فلص$$عوبة الش$$ئ ق$$د نض$$طر لكس$$ر المنط$$ق في بعض
األمور ولكن الصورة ال تكذب فصورة الساجد في ذهنك البد وأن تراها كم$$ا تتخيله$$ا وإن رأيت غ$$ير
ذلك ستفكر في السبب الذي دفع صانع الفيلم لذلك وقد تقبله وقد ال يروق لك.
هذه هي الصورة التي تأتى إلى أذهاننا فورا عن$$د ذك$$ر الس$$جود وال أج$$د م$$بررا ألن يض$$طر المخ$$رج
8
للخروج عن هذا الشكل وهذه الصورة الذهني$$ة والحقيقي$$ة للس$$اجدين ح$$تى ول$$و ك$$انت المش$$اهد طويل$$ه
واللقطات كثيرة.
هذه اللقطات للساجدين كما صورها المخرج وأرى أنه لم يوفق في اختي$$اره فاله$$دف ه$$و كالم الس$$اجد
في وضع السجود وهذا ليس بوضعية ساجد.
أيضا بداية معرفتنا لحجرة لى لى المواجهة للمئذنة جاءت متأخرة جدا قبي$$ل مش$$هد المناج$$اة وك$$ان من
األفضل أن نراها قبل ذلك وقبل أن تشغله لنرى أنه لم يكن يبالي بها قبل ذلك أوأنه كان يجاهد ضد أن
ينشغل بها ويفكر فيها ثم حث له ما حدث بعد ذلك.
أعجبني كث$$يرا الفوتومونت$$اج في مش$$هد المناج$$اة حيث تم الم$$زج بين الش$$يخ ولى لى وأه$$ل لح$$ارة في
تعبيرات تؤكد أن كل يغنى على لياله .فالفعل واح$د والمقاص$د مختلف$ة .مش$هد يص$ور م$ا وص$ل إلي$ة
اإلبداع في استخدام أدوات اللغة السينمائية ألقصى درجات اإلبداع.
مشهد النهاية .لم يكن في القصة األصلية واستطاع المخرج والممثل الرائ$ع أيض$ا أن يقوم$ا بتوص$يل
رسائل عديدة في مشهد من لقطة واحدة فيها كثير من التعب$$يرات وال$$دالالت واإلش$$ارات الص$$عبة ج$$دا
ووصلت بهدوء وثقة وانتهى الفيلم ولكنى كنت أفضل النهاية المفتوحة التي بدأ بها المؤلف العم$$ل فهي
تترك المجال لذهن المشاهد كما تركته ل$$ذهن الق$$ارئ في أن يتخي$$ل النهاي$$ة كم$$ا يحل$$و ل$$ه فك$$انت ه$$ذه
النهاية الواضحة هي أحد النهايات التي قد ت$$رد ل$$ذهن المش$$اهد مم$$ا يجعل$$ه يفك$$ر فيم$$ا س$$يحدث بع$$دها
وليس غير ذلك.
أكان البد يا لي لي أن تضيئي النور
أكان البد
9