You are on page 1of 9

‫أكان ال بد (يا لي لي) ٔان تضيئي النور؟‬

‫نحن أمام قصة مكتملة األركان تماما أتت في عشرون صفحة‪ ،‬بالغة في الوصف ودقة في التفاصيل‬
‫وثبر أغوار النفس البشرية كما عودنا عمدة القصص القصيرة تشيخوف العرب” يوسف إدريس”‬
‫يناقش في القصة نواحي كثيرة ليست دينية فقط‪..‬‬
‫عند قراءة نص القصة القصيرة البد أن تكتشف فيها من مناطق الجمال الكثير وعندما تعيد القراءة تزداد‬
‫إعجابا بالنص‪ .‬هذا النص الوعر الواصف الجريء والبد أن تقف طويال عنده وتتساءل كيف سيتحول‬
‫هذا النص إلي فيلم وهل من الممكن أن يكون هذا الفيلم على نفس الدرجة من اإلبداع إبداع الكلمة‬
‫والجملة والتعبير الوصفي‪.‬‬
‫يوسف إدريس يكتب الجمل وكأنه ممسك بكاميرا خاصة ال يديرها إال هو وال يستطيع فهم طبيعة ما تراه‬
‫إال هو فهذه الجمل وكأنها تتحرك أمام عينيك لتجعل المشاهد تدور في عقلك قبل عينيك‬
‫لتتساءل‪ :‬كيف يمكن تنفيذ مثل هذه العبارات السهلة في بساطتها والممتنعة في تفسيرها بصريا‪.‬‬
‫على سبيل المثال وفي أول القصة يقول‪( :‬في البدء كانت النكتة وفي النهاية ربما أيضا تكون‪ .‬والنكتة‬
‫في النكتة أنها ليست نكته‪ ,‬ولكنها واقعة حدثت ألهل النكتة‪ ,‬صناعها المهرة ورواتها العتاة)‪ .‬يبدو‬
‫الكالم سهال بسيطا ولكن تنفيذه بصريا يحتمل مئات األفكار والرؤى التي يمكن أن ينفذ بها ولكن ومع‬
‫قراءة القصة بأكملها البد ن تربط هذه البداية بكامل األحداث‪ .‬حيث األحداث كلها تدور في لحظة واحدة‬
‫هي لحظة فارقة بين الماضي واآلتي كيف ذلك‪.‬‬
‫فالفكرة ببساطة شيخ يعمل في مسجد حي الباطنية المشهور بتجاره وبيع الحشيش” العلني” ومحاولة منه‬
‫لهدايتهم وإبعادهم عن إغواء الشيطان لهم في كل نواحي الحياة‪.‬‬
‫حاول هدايتهم ولكنه فشل في البداية فاألمر جدا صعب لمثل هؤالء اللذين باعدت المخدرات بينهم وبين‬
‫أمور دينهم كثيرا فقرر أن يقترب منهم بالشكل الذي يناسبهم ويتماشى معهم فبدأ يجالسهم ويسامرهم في‬

‫‪1‬‬
‫سهراتهم على (القهوة) منشدا تواشيحه التي وجد لها تأثيرا كبيرا عليهم ومحتكا بهم تماما حتى غاص في‬
‫قاع المستنقع‪..‬‬
‫هنا يطرق إدريس بابا حرج‪ ..‬اسمه (الدين الوسطي الجميل)‪.‬‬
‫يناقش مبدأ إتباع القطيع للكبير بصورته الفجة‪ ..‬حيث وجد أن المعلم حنتيته وهو كبير الحارة يمثل رأس‬
‫هذا القطيع إذا فعل شيئا فكل الحارة أتباعه‪ ..‬وبالقياس نجد حياتنا زاخرة بفكره القطيع تلك‪ ..‬رئيس أي‬
‫مكان إذا صلى نجد الجميع وراءه‪ ..‬فهل هلل تلك الصالة أم لمن ال ندري ولن ندري‪.‬‬
‫ثم يدخل إدريس بابا أكثر حرجا وأشد شوكا عش الدبابير الالسع جدا‪ ..‬بسرده احتكاك الشيخ في القهاوى‬
‫مع السكارى الغير واعيين مطلقا لتواشيحه وابتهاالته التي تروق لجميع أهل الحارة نسائهم قبل رجالهم‬
‫حتى وهم في سكرهم وغيابهم التقريبي طوال الوقت عن الوعي‪ ..‬صوت الشيخ الجميل الذي التف حوله‬
‫الرجال والسيدات وبدأوا بالفعل ينتظرونه ويتأثروا بالشيخ الذي أصبح جزءا من حياتهم‪.‬‬
‫يتعرض الشيخ للكثير من المغريات والمثيرات‪ k‬في هذه البيئة الغريبة من كل االتجاهات حتى تشعر‬
‫وكأنك تتمنى للشيخ أن يفر من هذا المستنقع أو أنك تنتظر مفاجأة ستحدث ال محالة ولكن ما هي ومن أين‬
‫ستأتى ال تدرى فتظل منتبها لكل تفصيله خشية أن تفوتك وتسقط منك حدثا مهما ‪ .‬إلى أن تظهر لى لى ‪.‬‬
‫وبمجرد ظهورها تعود مسرعا إلى التمعن في العنوان (أكان البد يا لي لي أن تضيئي النور) ف هذه هي‬
‫لى لى الفتاة فائقة الجمال والفتنة فمن تكون وما قصتها وأي نور أضاءت هل النور الذى نعرفه أم نور‬
‫أخر قد يكون نور البصيرة‪ k‬مثال أو أنها أضاءت شيئا كان خفيا مستترا قبلها‪ .‬هل أنارت شيئا كان من‬
‫األفضل أن يكون مطفئا وفق ما يشير العنوان أكيد هذا الشئ سيغير مجريات األمور وهل هذا الشئ كان‬
‫للشيخ أم للجميع وما نتيجة ما فعلت هل هو فعل حسن أم غير ذلك مما استدعى الشيخ ألن يتمنى أنها لو‬
‫لم تضيئه؟‬
‫كل هذه األسئلة وغيرها يحملها العنوان وعلينا البحث عن أسبابها وإجابتها من خالل النص‪.‬‬
‫النص ثرى جدا ومعبأ جدا ومحمل بأفكار كثيرة يمكن أن يتحول لفيلم طويل ممتع بمشاهد كثيرة‬
‫مستوحاة من وحى النص ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫(حولي وفي كل مكان‪ .‬في همسة الحرمة في النظرة تصوب إلى من خلفي السعة كسيخ الحديد قادمة‬
‫لتوها من جهنم‪ .‬فألر الشيطان وجها لوجه‪ .‬وال أعود أغض البصر ‪. ) .....‬‬
‫وهكذا الكثير من المقاطع التي تجمل في ثناياها ما يحتمل العديد والعديد من المشاهد‪.‬‬
‫ثم نأتي لسؤال أخر وهو لماذا يكرر الكاتب نفس السؤال بين كل فقرة وأخرى أهو دليل على ارتباط‬
‫األحداث كلها ب لى لى هذه أم أن المراد شيئا أخر ؟‬
‫هذا بالنسبة للنص أما السيناريو والفيلم وطالما لم نستطيع الحصول على السيناريو فسنفترض أن الفيلم‬
‫هو تنفيذ للسيناريو بالضبط وخاصة أن كاتب السيناريو هو أيضا المخرج الذى تعامل مع النص األصلي‬
‫بشيء من الحرفية وكثير من الحذر حيث ثقل الكاتب والنص وحيث المنطقة الخطرة التي يتناولها‬
‫الكاتب (يوسف إدريس) ‪.‬‬
‫بدأ الفيلم بنكتة يتناولها اثنان من الحشاشين من أهل الحى تتمثل فيهم الحالة الكاملة لصورة أبناء هذا‬
‫الحى اللذين هم أنفسهم يمثلون النكتة وكأنها مكتوبة فيهم ولهم ‪ ,‬تبدو النكتة التي يتناولونها تافهة بعض‬
‫الشئ ولكن هذا يدل على حالهم بالضبط فمن في مثل حالهم يضحك على ما يضحك وما ال يضحك‬
‫وهكذا تمثلت الحالة التي يريدها الكاتب فيهم وفي هذا المشهد اختصار لكثر من الوصف‪ k‬الذى تناوله‬
‫النص بشيء من التفصيل حتى الوصول إلى محل النكتة األصلية في المسجد‪.‬‬
‫قام السيناريو بالتعامل مع النص باإلختزال واإلضافة وإعادة البناء في أن واحد‪ .‬أو لنقل أنه اتخذ خطا‬
‫من الخطوط الكثيرة التي يتضمنها النص األصلي ليختزل الصور الكثيرة المتشابكة التي يمكن أن‬
‫نستخرجها من النص‪ .‬قد يبدو الفيلم أضعف من النص ظاهريا لكنه فنيا أجاد استخراج الهدف والفكرة‬
‫والخطوط التي تتشابك لتخرج الفكرة في إطار من التسلسل السردي والبصرى وبما يجعل الفيلم وكأنه‬
‫وحدة واحدة مترابطة تعمل في اتجاه درامي واحد لتصل بنا في النهاية لحبكة محكمة البناء منذ بداية‬
‫الفيلم وحتى مشهد النهاية ‪.‬‬
‫فسر الفيلم وأضاء بعض المناطق المستترة في النص مثل شخصية المعلم حنتيتة وأسرته التي تتحكم في‬
‫كل شيء في الحارة بما لها من نفوذ مالى ونفسي‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫قبل ظهور اسم الفيلم لى لى وبعد نهاية تتر البداية مرت حوالى أربع دقائق أشار فيهم الفيلم إلى شيئين‬
‫متناقضين تماما ال يجمعهما س‪$$‬وى أه‪$$‬ل الح‪$$‬ارة الش‪$$‬ئ األول أن معظم أه‪$$‬ل ه‪$$‬ذه الح‪$$‬ارة من متع‪$$‬اطي‬
‫الحشيش عندما سأل أحد الشخصين في المشهد األول الشخص األخر ( هو بقية الناس فين ) دليل على‬
‫سمه مشتركة تجمع الجميع ‪ .‬ثانيا مشهد المسجد وكيف يذهب مثل ه‪$$‬ؤالء الن‪$$‬اس للمس‪$$‬جد من المنطقي‬
‫أن يكون المسجد خاويا وخاصة في صالة الفجر فأي داع جعل السكارى التائهين يفعلوا ذل‪$$‬ك الب‪$$‬د أن‪$$‬ه‬
‫أمر خطير أيضا الوساوس التي دارت في رأس كل واحد منهم أثناء السجود الذى طال بش‪$$‬كل ملح‪$$‬وظ‬
‫فما الذى حدث لإلمام وإلى متى ستظل ال‪$‬رؤس س‪$‬اجدة‪ .‬ثم يظه‪$‬ر اس‪$‬م الفيلم لى لى ‪ .‬ه‪$‬ذه المقدم‪$‬ة ق‪$‬د‬
‫تشير إلى حال هذه المنطقة قبل ظهور لى لى وأكيد أن ظهوره‪$$‬ا غ‪$$‬ير الكث‪$$‬ير أي غ‪$$‬ير ح‪$$‬ال الحى من‬
‫حال إى حال أخر ‪ .‬سنرى من المؤكد أنه بعد هذه المقدمة الطويلة س‪$$‬نتعرف على بطل‪$$‬ة العم‪$$‬ل لى لى‬
‫وستكون هي محور المشاهد التالية هذا ه‪$$‬و االس‪$$‬تنتاج الط‪$$‬بيعي ولكن لم يح‪$$‬دث وإذ بالش‪$$‬يخ عب‪$$‬دالعال‬
‫يظهر ليأخذنا بعيدا عما نفكر فيه لنبدأ معه قصته‪.‬‬
‫ما حدث هنا هو ما يمكن أن نقول عليه إب‪$$‬داع م‪$$‬ا بع‪$$‬د اإلب‪$$‬داع فبع‪$$‬د إب‪$$‬داع يوس‪$$‬ف إدريس نص‪$$‬ل إلى‬
‫إبداع مروان حامد كاتب السيناريو والمخرج فقد قام بتفكيك القصة وإع‪$$‬ادة بنائه‪$$‬ا بم يتناس‪$$‬ب س‪$$‬ينمائيا‬
‫مع رؤيته اإلخراجية فهو إذا ترك القصة كما هي كانت ستكون فصول تحكى قصص متفرق‪$$‬ة متن‪$$‬اثرة‬

‫‪4‬‬
‫في ه‪$$‬ذا الحى يربطه‪$$‬ا المك‪$$‬ان وال يربطه‪$$‬ا الح‪$$‬دث فق‪$$‬ام ببعض اإلض‪$$‬افات واإلط‪$$‬االت للشخص‪$$‬يات‬
‫الرئيسية كالمعلم حنتيتة وجعل الشيخ عبدالعال هو محور وبطل القصة التي سنتتبعها ثم بدأ يظه‪$$‬ر لن‪$$‬ا‬
‫ما تعرض له الشيخ من إغراءات وفتن كثيرة من نس‪$$‬اء الحى وأن‪$$‬ه المتماس‪$$‬ك والمتمس‪$$‬ك بدين‪$$‬ه قابله‪$$‬ا‬
‫بالرفض والالمباالة متخذا من النصح واإلرشاد طريقا لهداية كل من يستطيع متقربا لهم بكل ما يمل‪$$‬ك‬
‫من حكمة وعظة وصوت جميل استطاع أن يكسب به تجمعهم حوله وت‪$$‬أثرهم بحالوت‪$$‬ه وش‪$$‬جنه ‪ .‬إلى‬
‫أن ظهرت لى لى وب‪$‬دأت هزيم‪$‬ة الش‪$‬يخ الداخلي‪$‬ة‪ .‬وب‪$‬دأ يفك‪$‬ر فيه‪$‬ا وتش‪$‬غله ويبحث عنه‪$‬ا ويتلص‪$‬ص‬
‫رؤيتها في كل وقت ‪.‬إلى أن وصل للحظة الضعف التي غلبته وهو في أش‪$$‬د اللحظ‪$$‬ات قرب‪$$‬ا من ال‪$$‬دين‬
‫وهو يصعد المئذنة لألذان وقت أذان الفجر ‪ .‬ولما علم بضعفه ق‪$$‬رر أن يغلب الش‪$$‬يطان ال‪$$‬ذي في نفس‪$$‬ه‬
‫ويدخل معه في صدام مباشر وينتصر عليه فصعد المنبر متغلب‪$$‬ا على ك‪$$‬ل رغبات‪$$‬ه الش‪$$‬هوانية ولكن‪$$‬ه لم‬
‫يستطيع األذان كما لو كان قد شل عن األذان حاول مرارا ولم يس‪$$‬تطع وفي النهاي‪$$‬ة لم يج‪$$‬د من ص‪$$‬وته‬
‫سوى المناجاة والتوسل هلل طلبا للمغفرة والعفو والعون على كل ما تأمره ب‪$$‬ه نفس‪$$‬ه وش‪$$‬يطانه‪ ...‬ط‪$$‬ال‬
‫التوسل والتضرع والتألم وهذا هو ما تردد في أذان أهل الحارة وجعلهم يخشون من نهايتهم ويهرعون‬
‫للمسجد ظنا منهم أن الشيخ يناجى هللا من أجلهم ومن أجل نفسه ولما دخل‪$$‬وا الص‪$$‬الة ك‪$$‬ان الش‪$$‬يطان ق‪$$‬د‬
‫تملك من الشيخ وصورة لى لى تتمثل أمامه في كل لحظ‪$$‬ه فض‪$$‬عف وض‪$$‬عف واش‪$$‬تد ض‪$$‬عفه وق‪$$‬رر أن‬
‫يتركهم ساجدين ويذهب لها‪ .‬وهنا نعود للمشهد األول‪ .‬لندرك ما ال‪$$‬ذى ح‪$$‬دث للمص‪$$‬لين ب‪$$‬ل لن‪$$‬درك م‪$$‬ا‬
‫الذى جعلهم في األصل يتجمعون وقت صالة الفجر ثم ماذا حدث بعد ذلك‪.‬‬
‫نتدارك األن لنعود إلى ما فعله مروان حامد بن‪$$‬ا وبه‪$$‬ذا النص الرائ‪$$‬ع ليوس‪$‬ف إدريس ه‪$$‬ذا بالض‪$$‬بط م‪$‬ا‬
‫يسمى باللغة السينمائية فما هي هذه اللغة!‬
‫اللغة في األصل "هي أداة صاغها اإلنسان للتفاهم مع نظرائه واللغة هنا ليست إنتاجا فنيا بل هي في‬
‫األصل إنتاجا جماعيا غرضه التفاهم فالصيحة المنذرة بالخطر التي أطلقها الرجل البدائي كانت أوال‬
‫رد فعل غريزي وفسيولوجي قبل أن تصير رمزا يحتفظ بمعناه بغض النظر عن الظرف األول الذي‬
‫أطلقت فيه‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وتكون الصورة هي المادة األساسية للغة السينمائية فهي المادة الخام الفيلمية وإن كانت مع ذلك حقيقة‬
‫معقدة للغاية‪ .‬ذلك أن تكوينها يتميز بتراكيب عميقة قادرة على نقل الواقع الذي يعرض عليها نقال‬
‫دقيقا‪ .‬لكن ذلك النشاط موجه من الناحية الجمالية في االتجاه المحدد الذي يريده المخرج‪ .‬والصورة‬
‫التي نحصل عليها بهذه الطريقة تدخل في عالقة جدلية مع الجمهور الذي تقدم له‪ .‬وأثرها السيكولوجي‬
‫عليه يحدده عدد من الخصائص ينبغي تحديدها بدقة إذا أردنا تكوين فكرة دقيقة عن أهمية الفيلم في‬
‫الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫والمقصود هنا كيف يعبر الفيلم أو الشريط السينمائي عن القصة وكيف يتم نقل الفكرة أو المضمون‬
‫إلى المشاهد وعلى ذلك فإن لغة السينما تعني هنا الوسائل التي تتولى مهمة هذا التعبير في نقل هذ‬
‫الفكرة‪ .‬ولذا ال يجب لحكم على اللغة السينمائية بقيمتها الجمالية وحدها ولكن بقدر خدماتها التي تعود‬
‫على القصة‪ .‬فليست اللغة السينمائية هدفا مطلقا بل القصة هي الهدف األول واألخير وليس أفضل‬
‫استخدام للغة السينمائية هو التعاون بشكل فني جيد مع تقنيات ووسائل صناعة الفيلم ولكن المراد هو‬
‫استخدامها لعرض مضمون الفكرة بأفضل طريقة ممكنة‪.‬‬
‫ومن أسس اللغة السينمائية التي البد وأن ندركها في فيلمنا هذا‪:‬‬

‫اإليجاز‪:‬‬
‫واإليجاز بمعناه البسيط هو إيصال المعنى إلى المتلقي بأقل قدر من التفاصيل المعبرة عنه أو من‬
‫خالل التركيز على التفاصيل الرئيسية المكونة له‪.‬‬
‫وفي السينما يقدم اإليجاز دورا هاما في اللغة السينمائية حيث يختار ويوظف أهم عناصر الحدث أو‬
‫التفاصيل ذات الداللة فقط دون ذر التفاصيل التي يمكن فهمها ضمنا‪ .‬وال تمثل أهمية خاصة وذلك‬
‫بقصد االحتفاظ بانتباه المشاهد في حالة تركيز مستمر على مدار لحدث وتطوراته‪ $.‬إضافة إلى التحكم‬
‫في إيقاع الفيلم‪ .‬وهنا نجد أن اإليجاز في الفيلم متمثل في حذف وإهمال كثير من الشخصيات‬
‫والتفاصيل الثانوية التي تبطئ من اإليقاع وتؤثر في تركيز المشاهد‪ .‬أيضا التركي والتأكيد على محور‬
‫واحد أو أكثر من خالله يمكن توصيل الرسالة من أقصر الطرق وأوجزها‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ومن خالل الفيلم نجد أن لإليجاز وظيفتين أساسيتين وهما‪:‬‬
‫‪ :١‬االختيار السليم ألهم التفاصيل أو كل ماله داللة فقط وبعبارة أخرى اختيار األزمنة المؤثرة أو‬
‫الفعالة من التدفق الزمنى الطبيعي لحدث ما مع حذف األزمنة الضعيفة منه وذلك بهدف التركيز على‬
‫نقاط الحدث فقط‪( .‬وهذا ما حدث تارة مع ظهور الشيخ عبدالعال ومرة أخرى مع ظهور لى لى وما‬
‫حدث للشيخ من تغيرات نفسية وفكرية)‪.‬‬
‫‪ :٢‬تعمد حذف أو إخفاء بعض التفاصيل المهمة إلضفاء قوة تأثيرية على المعنى فتؤثر بالتالي على‬
‫المشاهد وتجعله أكثر استمتاعا بأسلوب الفيلم السردي أكثر منه لو ظهرت هذه التفاصيل‪.‬‬
‫وبتطبيق ذلك على الفيلم نجد أنه قبل ظهور لى لى كان يعرف عنها الكثير مما يدل على أنها حديث‬
‫الكثيرين من أهل الحي يتغنون بسيرتها كثيرا‪ .‬ولكنه لم يتأثر بكل الكالم ظاهريا إلى أن رآها وجها‬
‫لوجه وبدأ التحول‪ .‬أيضا في المشهد الذى واجهته فيه لى لى مدعية رغبتها في تعلم اللغة العربية‬
‫وهرب منها تم إخفاء ما حدث بعد ذلك جزئيا ليزيد من اإلثارة والتفكير فيما حدث‪.‬‬
‫الرمز‪.‬‬
‫يعتبر الرمز أحد دعائم اللغة السينمائية والتي تعتمد على الصورة‪ $‬في تعبيرها وذلك لإليحاء بالمعاني‬
‫المراد إيصالها إلى المشاهد والرمز السينمائي ال يقوم على الحذف أو اإلخفاء بل يستمد وجوده مما‬
‫هو ظاهر في الصورة‪ $.‬وفكرة الرمز في الصورة السينمائية بهذا المعنى تقوم على قدرة الصورة‪ $‬في‬
‫احتوائها على مضمونين في أن واحد أحدهما ظاهر أو مباشر واألخر مستتر أو غير مباشر بحيث‬
‫يشعر المشاهد بوجود أفاق أخرى تهدف إليها الصورة أي تصبح الصورة‪ $‬ذات بعدين أحدهما مباشر‬
‫وظاهر واألخر غير ظاهر أو مستتر‪ .‬ونجح الرمز في كثير من األحيان في إيصال صورة بالغية قد‬
‫تعجز الجمل والعبارات والمشاهد عن إيصالها بنفس المعنى والمضمون‪.‬‬
‫والرمز في الفيلم يتمثل في مواطن كثيرة حيث نجد‪:‬‬
‫لى لى وهو االسم األجنبي الذي يعنى التحرر من كل شيء حيث كل شيء مباح إذا فقط وافق الطرفان‬
‫النور في غرفة لى لى ‪ :‬البد أن أطفئ في نفسي نور حجرتها كما يقول الشيخ‬
‫مصباح واحد في غرفة السطوح الواحدة هذا صحيح ولكنه يكاد يضئ الباطنية كلها‬

‫‪7‬‬
‫البيوت مريضة تتساند أحشاؤها صغيرة بارزة محشوة‪.‬‬
‫القصة مليئة بالتعابير القوية والرموز‪ $‬التي تشير إلى االنغماس الش‪$‬ديد في المعاص‪$$‬ي والبع‪$‬د ك‪$‬ل البع‪$‬د‬
‫عن طريق هللا فنور حجرة لى لى هذا دليل على شدة افتتان اه‪$$‬ل الحي به‪$$‬ا وأنه‪$$‬ا بمج‪$$‬رد وجوده‪$$‬ا في‬
‫الحجرة فالجميع ينتظرون رؤيتها أو رؤية أي شيء منها جميعا يريدونها ويتمنونها‪.‬‬
‫أدوات اللغة السينمائية‪:‬‬
‫الفيلم كمنتج فني تم تنفيذه بلغة المحترفين التي ال تهدف إلى البالغة في التنفيذ وال اإلبه‪$$‬ار في الص‪$$‬ورة‪$‬‬
‫وإنم‪$$‬ا ه‪$$‬و من األفالم ال‪$$‬تي يمكن أن تس‪$$‬مى ب‪$$‬أفالم المهرجان‪$$‬ات العالمي‪$$‬ة ال‪$$‬تي تعتم‪$$‬د على المحت‪$$‬وي‬
‫والمض‪$$‬مون‪ $‬في إيص‪$$‬ال الرس‪$$‬الة المطلوب‪$$‬ة‪ .‬وعلى ذل‪$$‬ك فالص‪$$‬ورة والص‪$$‬وت والمونت‪$$‬اج والمكس‪$$‬اج تم‬
‫تنفيذهم باحتراف شديد وبشكل يكاد ال تشعر به وهو األمر السهل والصعب‪ $‬في أن واح‪$$‬د ف‪$$‬أنت عن‪$$‬دما‬
‫ال تشعر بقطعات المونتاج وال بقفزات في الصورة‪ $‬بين الحجم في اللقطة والحجم الذي يلي‪$$‬ه إنم‪$$‬ا يع‪$$‬نى‬
‫هذا أن الحركة تسير بانسيابية ال تكاد تلحظها وهذا في حد ذاته تمكن من الص‪$$‬انع ال‪$$‬ذى ال يش‪$$‬غل بال‪$$‬ه‬
‫بالنجاح في تلك األمور إنما يشغل باله بما هو أهم من ذلك وهو التوافق التام بين جميع األدوات ح‪$$‬تى‬
‫وكأنك تك‪$$‬اد تش‪$$‬عر وكأن‪$$‬ك تش‪$$‬اهد تس‪$$‬جيال حي‪$$‬ا لمنطق‪$$‬ة حقيقي‪$$‬ة ال فيلم‪$$‬ا س‪$$‬ينمائيا تمت جمي‪$$‬ع مراحل‪$$‬ة‬
‫بالترتيب والتفصيل ‪.‬‬
‫راعنى فقط في مشهد المسجد لقطات الساجدين فلص‪$$‬عوبة الش‪$$‬ئ ق‪$$‬د نض‪$$‬طر لكس‪$$‬ر المنط‪$$‬ق في بعض‬
‫األمور ولكن الصورة ال تكذب فصورة الساجد في ذهنك البد وأن تراها كم‪$$‬ا تتخيله‪$$‬ا وإن رأيت غ‪$$‬ير‬
‫ذلك ستفكر في السبب الذي دفع صانع الفيلم لذلك وقد تقبله وقد ال يروق لك‪.‬‬

‫هذه هي الصورة التي تأتى إلى أذهاننا فورا عن‪$$‬د ذك‪$$‬ر الس‪$$‬جود وال أج‪$$‬د م‪$$‬بررا ألن يض‪$$‬طر المخ‪$$‬رج‬

‫‪8‬‬
‫للخروج عن هذا الشكل وهذه الصورة الذهني‪$$‬ة والحقيقي‪$$‬ة للس‪$$‬اجدين ح‪$$‬تى ول‪$$‬و ك‪$$‬انت المش‪$$‬اهد طويل‪$$‬ه‬
‫واللقطات كثيرة‪.‬‬

‫هذه اللقطات للساجدين كما صورها المخرج وأرى أنه لم يوفق في اختي‪$$‬اره فاله‪$$‬دف ه‪$$‬و كالم الس‪$$‬اجد‬
‫في وضع السجود وهذا ليس بوضعية ساجد‪.‬‬
‫أيضا بداية معرفتنا لحجرة لى لى المواجهة للمئذنة جاءت متأخرة جدا قبي‪$$‬ل مش‪$$‬هد المناج‪$$‬اة وك‪$$‬ان من‬
‫األفضل أن نراها قبل ذلك وقبل أن تشغله لنرى أنه لم يكن يبالي بها قبل ذلك أوأنه كان يجاهد ضد أن‬
‫ينشغل بها ويفكر فيها ثم حث له ما حدث بعد ذلك‪.‬‬
‫أعجبني كث‪$$‬يرا الفوتومونت‪$$‬اج في مش‪$$‬هد المناج‪$$‬اة حيث تم الم‪$$‬زج بين الش‪$$‬يخ ولى لى وأه‪$$‬ل لح‪$$‬ارة في‬
‫تعبيرات تؤكد أن كل يغنى على لياله‪ .‬فالفعل واح‪$‬د والمقاص‪$‬د مختلف‪$‬ة‪ .‬مش‪$‬هد يص‪$‬ور م‪$‬ا وص‪$‬ل إلي‪$‬ة‬
‫اإلبداع في استخدام أدوات اللغة السينمائية ألقصى درجات اإلبداع‪.‬‬
‫مشهد النهاية‪ .‬لم يكن في القصة األصلية واستطاع المخرج والممثل الرائ‪$‬ع أيض‪$‬ا أن يقوم‪$‬ا بتوص‪$‬يل‬
‫رسائل عديدة في مشهد من لقطة واحدة فيها كثير من التعب‪$$‬يرات وال‪$$‬دالالت واإلش‪$$‬ارات الص‪$$‬عبة ج‪$$‬دا‬
‫ووصلت بهدوء وثقة وانتهى الفيلم ولكنى كنت أفضل النهاية المفتوحة التي بدأ بها المؤلف العم‪$$‬ل فهي‬
‫تترك المجال لذهن المشاهد كما تركته ل‪$$‬ذهن الق‪$$‬ارئ في أن يتخي‪$$‬ل النهاي‪$$‬ة كم‪$$‬ا يحل‪$$‬و ل‪$$‬ه فك‪$$‬انت ه‪$$‬ذه‬
‫النهاية الواضحة هي أحد النهايات التي قد ت‪$$‬رد ل‪$$‬ذهن المش‪$$‬اهد مم‪$$‬ا يجعل‪$$‬ه يفك‪$$‬ر فيم‪$$‬ا س‪$$‬يحدث بع‪$$‬دها‬
‫وليس غير ذلك‪.‬‬
‫أكان البد يا لي لي أن تضيئي النور‬
‫أكان البد‬

‫‪9‬‬

You might also like