You are on page 1of 8

..

‫عذرية‬
‫أم‬
‫برود جنسي؟‬

‫إبراهيم رمزي‬

:‫نشر من قبل في‬


http://brahim-ramzi.blogspot.com/ blog-post.html
5 octobre 2007
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=362388097196624&id=306360082799426
25 avril 2013
‫قبل كل شيء‪ ،‬لنقرأ النصوص الثالثة الموالية‪ ،‬وكلها لـ " إمام العذريين " جميل بن معمر‬
‫العذري‪ ،‬المشهور بجميل بثينة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫[معصومان‪ ..‬وجس النبض‪] ..‬‬

‫سعت أ َمة لبثينة بها إلى أبيها وأخيها‪ ،‬وقالت لهما‪ :‬إن جميال عندها الليلة‪ .‬فأتياها مشتملين على‬
‫سيفيهما‪ .‬فرأياه جالسا َحجرةً [ناحية] منها‪ ،‬يحدثها‪ ،‬ويشكو إليها بثَّه‪ .‬ثم قال لها‪ :‬يا بثينة‪ ،‬أرأيت‬
‫ودي إياك وشغفي بك‪ ،‬أال تجزينه؟ قالت‪ :‬بماذا؟ قال‪ :‬بما يكون بين المتحابين‪ .‬فقالت له‪ :‬يا‬
‫جميل‪ ،‬أهذا تبغي؟! وهللا لقد كنتَ عندي بعيدا منه‪ ،‬ولئن عاودتَ تعريضا بريبة ال رأيت وجهي‬
‫أبدا‪ .‬فضحك‪ ،‬وقال‪ :‬وهللا ما قلت لك هذا إال ألعلم ما عندك فيه‪ ،‬ولو علمت أنك تجيبينني إليه‬
‫لعلمت أنك تجيبين غيري‪ ،‬ولو رأيت منك مساعدة عليه لضربتك بسيفي هذا ما استمسك في‬
‫يدي‪ ،‬ولو أطاعتني نفسي لهجرتك هجرة األبد‪ .‬أو ما سمعت قولي‪:‬‬
‫وإني ألرضى من بثينة بالذي @ لو أبصره الواشي لقَ َّرت بَالبله‬
‫آمله‬
‫المرجو قد خاب ِّ‬
‫ِّ‬ ‫بال‪ ،‬وبأن ال أستطيع‪ ،‬وبالمنى @ وباألمل‬
‫وبالنظرة العجلى‪ ،‬وبالحول تنقضي @ أواخره ال نلتقي وأوائله‬
‫قال [الراوي] فقال أبوها ألخيها‪ :‬قم بنا‪ ،‬فما ينبغي لنا بعد اليوم أن نمنع هذا الرجل من لقائها‪،‬‬
‫فانصرفا وتركاهما‪( .‬األغاني ج‪)111/8:‬‬

‫(‪)2‬‬
‫[وصف جسدي للمرأة‪ /‬الحبيبة]‬

‫َ‬
‫غراء ِّمبسام كأن حديثها @ د ٌّر ت َ َحد ََّر نظمه منثور‬
‫الروادف َخلقها َممكور‬
‫ِّ‬ ‫محطوطة المتنين مضمرة الحشا @ ريا‬
‫[ محطوطة المتنين‪ :‬ممدوتهما ] (األغاني ج‪)158/8:‬‬

‫(‪)3‬‬
‫[ضجعة العذريين‪] ...‬‬

‫فقامت [بثينة] إلى جميل فأدخلته الخباء معها‪ ،‬وتحدثا طويال‪ ،‬ثم اضطجع واضطجعت إلى جنبه‪،‬‬
‫فذهب النوم بهما حتى أصبحا‪ ،‬وجاءها غالم زوجها بصبوح من اللبن بعث به إليها‪ ،‬فرآها نائمة‬
‫مع جميل‪ ،‬فمضى لوجهه حتى خبر سيده‪ ...‬فلما تبينت بثينة الصبح قد أضاء‪ ،‬والناس منتشرين‪،‬‬
‫سك‪...‬فأقسمت عليه أن يلقي نفسه تحت النَّ َ‬
‫ضد [متاع البيت]‬ ‫سك نف َ‬
‫ارتاعت‪ ،‬وقالت‪ :‬يا جميل ! نف َ‬
‫وقالت‪ :‬إنما أسألك ذلك خوفا من الفضيحة ال خوفا عليك‪ ،‬ففعل ذلك‪ ،‬ونامت كما كانت‪،‬‬
‫واضطجعت أم الجسير إلى جانبها‪ ...‬فجاء نبيه [اسم زوجها] إلى أخيها وأبيها فأخذ بأيديهما‬
‫وعرفهما الخبر‪ ،‬وجاؤوا بأجمعهم إلى بثينة وهي نائمة‪ ،‬فكشفوا عنها الثوب‪ ،‬فإذا أم الجسير إلى‬
‫جانبها نائمة‪ ،‬فخجل زوجها وسب عبده‪ ،‬وقالت ليلى ألخيها وأبيها‪ :‬قبحكما هللا‪ ،‬أفي كل يوم‬
‫تفضحان فتاتكما ويلقاكما هذا األعور [= زوجها] فيها بكل قبيح‪ ...‬وأقام جميل عند بثينة حتى أجنه‬
‫الليل ثم ودعها وانصرف‪( .‬األغاني ج‪)122/8:‬‬
‫‪+++++‬‬

‫يحفل تاريخ الشعر العربي بالكثير من القصص عمن يسمون بالشعراء "العذريين" وما خلفوه‬
‫من شعر "عذري"‪ .‬وتمنيت لو سموا بالشعراء "الشاذين" وسمي شعرهم بـ "الشذوذ‬
‫الغزلي"‪.‬‬
‫مبدئيا أرى أن اآلية القرآنية في شقها "وأنهم يقولون ما ال يفعلون" تنطبق بانسجام كبير على‬
‫هذه الفئة من الشعراء‪.‬‬

‫القصص تتشابه إلى حد كبير‪ ،‬شاعر وامرأة يتبادالن "حبا" يستمر مدى حياتهما‪ .‬المرأة تتزوج‬
‫رجال آخر‪ ،‬والشاعر قد يتزوج‪ ،‬وقد يبقى طليقا ينتقل كالنحلة من زهرة لزهرة ‪ ...‬فأي عالقة هذه‬
‫وبتواز مع ذلك ‪ -‬كل واحد منهما يعيش‬
‫ٍ‬ ‫تؤلف بين شاعر وامرأة؟ ‪ ...‬في مقابل الحب المتبادل ‪-‬‬
‫حياة أخرى مع طرف آخر‪ .‬فما الذي يؤمله الشاعر من امرأة يدعي أنه يحبها وتدعي أنها تحبه‬
‫ولكنها ترتبط برجل آخر؟ فهي كما قال والد جميل بثينة‪" :‬ذات بعل يخلو بها وينكحها‪ ،‬وأنت‬
‫عنها بمعزل‪ ،‬ثم تقوم من تحت ه إليك‪ ،‬فتغرك بخداعها وتريك الصفاء‪ ،‬والمودة‪( "...،‬األغاني‪.‬‬
‫ج‪)137/8:‬‬

‫أليس الشاعر العذري رجال شاذا؟‪ ،‬يرضيه أن تكون حبيبته تحت رجل آخر "ينكحها‪ ..‬ثم تقوم‬
‫من تحته إليه‪ "..‬ليوهمنا أنه يقنع ب‪" :‬النظرة والبسمة والكلمة الحلوة ‪ " ....‬من التي يعتبرها‬
‫"الحبيبة الوفية الطاهرة المالك ‪[ "...‬النص األول]‬

‫‪+++++‬‬

‫ورغم أن الحكاية األولى تقول إن جميال طلب جزاء يتمثل في "ما يكون بين المحبين"‪ ،‬وبما أن‬
‫العالقة الجنسية ال ت َ ِّرد في قاموس هؤالء الشعراء‪ ،‬فلنتساءل‪:‬‬

‫أ ‪ -‬كيف وصف الشعراء "العذريون" حبيباتهم؟‪.‬‬


‫ولن نتيه في العثور على الجواب الذي يوضح تجسيد صورة الحبيبة من قمة الرأس إلى أخمص‬
‫القدمين‪ ،‬مرورا بمناطق الحساسية األنثوية‪ ،‬من خدود‪ ،‬وعيون‪ ،‬وشفاه‪ ،‬ونهود‪ ،‬وأرداف‪،‬‬
‫وعكن‪ ،‬وخصو ر‪ ،‬وأفخاذ‪ ،‬وسيقان‪ ...،‬ونعومة‪ ،‬ولين‪ ،...،‬أليسوا شعراء يقولون ما ال يفعلون؟‬
‫أليس المعيار الذي يميز به "العذريون" عن غيرهم من الشعراء يبقى وهميا‪ ،‬غذته األسطورة‬
‫والخيال‪ ،‬ومن ثم يجوز لنا أن ننعت كل الشعراء الذين قدموا أوصافا جسدية للمرأة بالعذريين ‪..‬‬

‫ب ‪ -‬ثم ماذا يفعل الشاعر إذا تحركت غريزته الجنسية؟‬


‫نجد الجواب عند جميل بثينة في قوله‪" :‬ثم قال لها‪ :‬يا بثينة‪ ،‬أرأيت ودي إياك‪ ،‬وشغفي بك‪ ،‬أال‬
‫تجزينه؟ قالت‪ :‬بماذا؟ قال‪ :‬بما يكون بين المتحابين"‪.‬‬
‫ورغم أن سؤال جميل ‪ -‬كما تحاول الحكاية أن تبرهن عليه ‪ -‬كان مجرد اختبار لبثينة‪ ،‬فإنه بيقى‬
‫أيضا جسا للنبض‪ ،‬فربما حلت لحظة "ضعف" بالحبيبة‪ ،‬وعاملت شاعرها كما تعامل زوجها‪.‬‬
‫ولكنها مصرة على "التالعب" بعواطف الشاعر‪ ،‬فهي ال تصده بحزم أو قسوة وجفاء‪ ،‬بل تظهر‬
‫طمع أكثر فأكثر‪ ،‬فيعتقد المسكين أن في األمر تأجيال‪ ،‬فيعيش على ذلك‬ ‫تمنعها في غنج ودالل م ِّ‬
‫األمل إلى أن يحاول مرة أخرى‪ ،‬ولن تفضي به إلى نتيجة أحسن من سابقتها‪...،‬‬
‫وقد نستغرب ونقول‪ :‬إن جميال واتته أكثر من فرصة لينتقل من الكالم إلى الفعل [النص الثالث]‪:‬‬
‫"فقامت [بثينة] إلى جميل فأدخلته الخباء معها‪ ،‬وتحدثا طويال‪ ،‬ثم اضطجع واضطجعت إلى جنبه‪،‬‬
‫فذهب النوم بهما حتى أصبحا‪ .‬وجاءها غالم زوجها بصبوح من اللبن بعث به إليها‪ .‬فرآها نائمة‬
‫مع جميل‪"...‬‬

‫ولكن الشذوذ الذي يالحق هذه العالقات يبرز من جديد‪ ..‬ويفرض الكثير من األسئلة‪ :‬أليس هناك‬
‫انجذاب للحواس‪ :‬هل العيون مفقوأة؟ وهل اآلذان صماء؟ وهل األنفاس والزفرات صقيعية‬
‫س َرت في العروق حرارة محمومة‪ ،‬وال في األطراف‬ ‫مكتومة؟ وهل األنوف مزكومة معطلة؟‪ ..‬أ َما َ‬
‫رعشات متوثبة‪...‬؟‬
‫أم إن أصحابنا كالقطع الثلجية البريئة من العواطف البشرية؟؟؟؟‪..‬‬

‫ولنا أن نشك حتى في ذلك "الحديث الطويل الذي أخذ قسطا من ليلهما"‪ ،‬فلعله أكثر برودة من‬
‫أحاديث الخصوم يلتقون مكرهين حول مائدة التفاوض‪.‬‬
‫ولو كان غير ذلك ألجج في النفوس لهيبها وحلق بهما إلى الرحاب الوردية التي ستحرمها من‬
‫اإلغفاء‪ ،‬بله النوم‪.‬‬

‫وما دامت الروايات المحكية عن هذه الفئة من الشعراء تجافي المنطق العادي والطبيعة البشرية‬
‫العادية‪ ،‬فالشذوذ المالحق لهذه العالقة قد يدفعنا إلى افتراضات لمحاولة استشفاف كنه هذه‬
‫"العالقة"‪ .‬وستكون حتى أكثر االفتراضات شططا ذات موقع في التحليل‪.‬‬

‫‪+++++‬‬

‫كلما قرأت حكاية من نوع النص األول‪ ،‬إال وخطرت ببالي لفظة "السذاجة"‪ .‬سذاجة الحكي‪،‬‬
‫وسذاجة الحدث‪ .‬كما تنهال التساؤالت‪:‬‬
‫أين هي الغيرة؟ أين هي الحمية؟ أين العيون التي تتقدد شررا دفاعا عن الشرف؟ وأين‪ ..‬وأين‪..‬؟‬

‫ما أكثر األوهام التي تصور عزة الرجل العربي وأنفته وشممه وغيرته وحمايته للشرف‪.‬‬
‫تقول الحكاية‪ :‬فقال أبوها [والد بثينة] ألخيها‪ :‬قم بنا‪ ،‬فما ينبغي لنا بعد اليوم أن نمنع هذا الرجل [أي‬
‫جميل] من لقائها‪ ،‬فانصرفا وتركاهما‪".‬‬
‫األب ‪ -‬هنا ‪ -‬يتخذ قراره ‪ -‬بكل بساطة ‪ -‬ويبلغه البنه في صورة األمر‪ .‬قرار يبيح لجميل أن يقابل‬
‫فتاتهم "دون قيد أو شرط"‪ ،‬ودون اعتبار للتقاليد‪.‬‬
‫وقد يقال‪ :‬إن هذه حالة "شاذة" ال يقاس عليها‪ ،‬وال تسري على جميع الرجال بذلك المجتمع‪.‬‬
‫وبذلك ينضاف "شذوذ" إلى "شذوذ"‪.‬‬
‫و ِّل َم لم يبق هذا القرار ساري المفعول أبدا؟‬
‫لم رفع أمر جميل للسلطان؟ ول َم أهدَر د َم جميل؟‪...‬‬
‫لنقرأ ما ورد في األغاني ج‪:131/8:‬‬
‫"إن السلطان أهدر دم جميل لرهط بثينة إن وجدوه وقد غشي دورهم‪ ،‬فحذِّرهم مدة‪ ،‬ثم وجدوه‬
‫عندها‪ ،‬فأعذروا إليه‪ ،‬وتوعدوه‪ ،‬وكرهوا أن ينشب بينهم وبين قومه حرب في دمه‪ ،‬وكان قومه‬
‫أعز من قومها‪ ،‬فأعادوا شكواه إلى السلطان‪ ،‬فطلبه طلبا شديدا‪ ،‬فهرب إلى اليمن فأقام بها‬
‫مدة"‪.‬‬

‫والد جميل هو اآلخر حذره ‪ -‬باعتماد الصورة الجنسية إلثارة نخوة ابنه ‪ -‬إذ نجد في األغاني‪:‬‬
‫"يا بني‪ ،‬حتى متى أنت ع َِّمه في ضاللك‪ ،‬ال تأنف من أن تتعلق بذات بعل يخلو بها وينكحها‪،‬‬
‫وأنت عنها بمعزل‪ ،‬ثم تقوم من تحته إليك‪ ،‬فتغرك بخداعها وتريك الصفاء‪ ،‬والمودة‪ ،‬وهي‬
‫مضمرة لبعلها ما تضمره الحرة لمن ملكها‪ ...‬فإذا انصرفتَ عنها عادت إلى بعلها على حالتها‬
‫المبذولة‪ .‬إن هذا لذ ٌّل و َ‬
‫ضيم‪ ..‬فأنشدك هللا إال كففت وتأملت أمرك‪(" ..‬األغاني ج‪)137/8:‬‬

‫إذا كان الشعراء العذريون‪ ،‬وجميل – في مقدمتهم ‪ -‬بدون نخوة أو كرامة‪ ،‬ويستعذب الذل‬
‫والضيم ويحمل نعت‪ :‬العذري‪ .‬فهل هذه "العذرية" المزعومة‪ ،‬وقف على الرجال؟‬
‫ِّلم لَم يطلق على صاحبته‪ :‬بثينة العذرية؟ سؤال لم يطرح قبل اآلن‪ ،‬لتمحيص السلوك‪ ،‬ال إلثبات‬
‫النسب لبني عذرة‪.‬‬

‫لنركز على الكلمات التالية في النص الثالث‪:‬‬


‫فأدخلته‪ ،...‬ثم اضطجع واضطجعت‪ ...‬فرآها نائمة مع جميل‪ ...،‬خوفا من الفضيحة ال خوفا‬
‫عليك‪ ...،‬وأقام‪ ...‬حتى أجنه الليل ثم ودعها وانصرف‪.‬‬

‫أهذه هي "النظرة العجلى‪ ..‬ومن الحول إلى الحول" كما ذكر في النص األول؟‬
‫هل كانت بثينة في نظره أشبه بال َمعلمة "المقدسة" التي يأتي إليها كل عام "متمسحا بأركانها"‪،‬‬
‫يجدد لها خضوعه وذله‪ ،‬ويتلقى منها صكوك الرضا والتعميد‪ ..‬فقط‪ ..‬ثم‪ :‬وداعا‪ ،‬وإلى فرصة‬
‫مقبلة‪.‬‬

‫نبحث في النص األول عن عبارة تجسد بعضا من سلوك بثينة‪ ،‬فنجد‪:‬‬


‫"سعت أ َمة لبثينة بها إلى أبيها وأخيها‪ ،‬وقالت لهما‪ :‬إن جميال عندها الليلة‪" ...،‬‬
‫وبخالف أم الجسر المتواطئة في النص الثالث‪ ،‬فإن األمة والعبد ‪ -‬هنا ‪ -‬حاقدان على سيدتهما‬
‫كاآلخرين‪ ،‬غيوران من نجاحها في استقبال جميل – سرا –‬‫ِّ‬ ‫التي استغفَلتهما‬
‫ثم إن "بثينة العذرية" خائفة‪ .‬ومم؟ هل من فضيحة "ما يكون بين المتحابين"؟‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فهو خوف لم ينسها المقدرة على احتواء الوضع‪ ،‬ومجابهة اآلخرين بكل وقاحة‪.‬‬

‫‪+++++‬‬

‫ننتقل إلى نصوص أخرى واردة في األغاني‪:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫[ تعرية امرأة‪ ..‬غصبا]‬
‫بطال النص هما‪ :‬جواس بن قطبة العذري‪ ،‬وجميل بن معمر العذري‪ ،‬اللذين كانا يتهاجيان‬
‫ويتفاضالن في قول الشعر‪.‬‬
‫تذكرن ‪ ...‬أباك في فخر‪ ،‬فإنه كان يسوق معنا الغنم بتيماء‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫([قال يهود تيماء لجميل بن معمر‪ ]:‬وال‬
‫وعليه شملة ال تواري استه‪ .‬ونفَّروا [نصروا] عليه جواسا‪ ... ،‬ونشب الشر بين جميل وجواس‪،‬‬
‫وكانت تحته أم الجسير أخت بثينة التي يذكرها جميل في شعره إذ يقول‪:‬‬
‫علَ ِّله‬
‫يا خليلي إن أم جسير @ حين يدنو الضجيع من َ‬
‫سب ِّله‬ ‫روضة ذات حنو ٍة وخزامى @ جاد فيها الربيع من َ‬
‫فغضب لجميل نفر من قومه‪ ،‬يقال لهم‪ :‬بنو سفيان‪ .‬فجاؤوا إلى جواس وهو في بيته‪ ،‬فضربوه‪،‬‬
‫وعروا امرأت َه أ َّم الجسير في تلك الليلة‪ .‬فقال جميل‪:‬‬
‫قيس وعاصم‬ ‫صق َري بني سفيان ٍ‬ ‫عر جواس استها إذ يسبُّهم @ ب َ‬ ‫ما َّ‬
‫أمر وأدهى من وقيعة سالم‬ ‫هما جردا أم الجسير وأوقعا @ َّ‬
‫يعني سالم بن دارة)‪( .‬األغاني ج‪)155/22:‬‬
‫[عل‪ ،‬علال‪ :‬شرب ثانية أو تباعا‪ ،‬والمراد هنا هو الشرب من رضاب أم الجسير‪ /‬الحنوة‪ :‬الريحان ‪ /‬السبل‪ :‬المطر ‪ /‬عر‪ :‬عاب وساء‪].‬‬

‫ويمكننا أن نسجل المالحظات التالية‪:‬‬

‫* "غضبوا له"؟‬
‫أبسبب المنافسة على األولية في الشعر؟‪ .‬تلك علة واهية ال تبرر فعلهم‪" :‬تعرية زوجة‪ ،‬وضرب‬
‫زوجها"‪.‬‬
‫* فعلهم نال رضى جميل‪.‬‬
‫رغم أن المرأة هي أخت حبيبته التي مأل األرض تغنيا بها ‪ ...‬فأين العذرية في القول والسلوك؟‬
‫* وبثينة ألها نخوة وغيرة على أختها؟‬
‫هل أرضاها شعر جميل في أختها‪ ،‬وما صرمته؟‬
‫هل كافأته عليه بإيوائه تحت خيمتها؟‬
‫* أين هذا مما يحكى عن غضب جميل بن معمر حينما هجاه جواس بن قط َبة‪ ،‬وعرض بأخت له‪:‬‬
‫إلى فخذيها العَبلَتَي ِّن وكانتا @ بعهدي لَفَّاوي ِّن أر ِّدفَتا ثقالً‬
‫[عبلت الفخذان‪ :‬غلظتا وضخمتا وابيضتا]‪[ .‬األغاني ج‪]143/8 :‬‬

‫لنقارن ما في النص السابق بالنص الموالي‪:‬‬

‫(‪)5‬‬
‫[العبث بالكشف عن است امرأة ‪ ...‬والحرب]‬

‫ثم كان اليوم الثاني من أيام الفجار األولى‪ .‬وكان السبب في ذلك أن شبابا من قريش وبني كنانة‬
‫كانوا ذوي غرام‪ .‬فرأوا امرأة من بني عامر‪ ،‬جميلة‪ ،‬وسيمة‪ ،‬وهي جالسة بسوق عكاظ في درع‪،‬‬
‫وهي فضل‪ ،‬عليها برقع لها‪ ،‬وقد اكتنفها شباب من العرب‪ ،‬وهي تحدثهم‪.‬‬
‫فجاء الشباب من بني كنانة وقريش‪ ،‬فأطافوا بها‪ ،‬وسألوها أن تسفر‪ ،‬فأبت‪.‬‬
‫فقام أحدهم فجلس خلفها‪ ،‬وحل طرف ردائها‪ ،‬وشده إلى فوق حج َزتِّها بشوكة ‪ -‬وهي ال تعلم ‪.-‬‬
‫ت بالنظر‬
‫فلما قامت انكشف درعها عن دبرها‪ .‬فضحكوا‪ ،‬وقالوا‪ :‬منعتنا النظر إلى وجهك‪ ،‬وجد ِّ‬
‫إلى دبرك‪ .‬فنادت‪ :‬يا آل عامر‪ .‬فثاوا وح َم لوا السالح‪ .‬وحملته كنانة‪ ،‬واقتتلوا قتاال شديدا‪ .‬ووقعت‬
‫بينهم دماء‪.‬‬
‫صاحبتهم‪( .‬األغاني‬
‫ِّ‬ ‫فتوسط حرب بن أمية‪ ،‬واحتمل دما َء القوم‪ ،‬وأرضى بني عامر من مثلَة‬
‫ج‪)60/22:‬‬
‫[امرأة فضل‪ :‬مختالة‪ ،‬تفضل من ذيل ثوبها‪/.‬اكتنفها‪ :‬أحاط بها‪/ .‬الحجزة‪ :‬موضع التكة من السراويل‪ ،‬أو موضع اإلزار من الوسط‪ /.‬المثلة‪:‬‬
‫العقوبة والتنكيل‪.‬ج‪ :‬مثالت‪].‬‬

‫فأي صنف يمثل جميل؟‬


‫صنف الشباب العابث الالهي الخاضع للذل والضيم؟ أم صنف أصحاب األنفة والحمية؟‬
‫وبالتالي‪ :‬ما هي مواصفات الشاعر العذري قوال وسلوكا؟‬
‫ونعود إلى "بثينة العذرية" التي كانت خائفة ‪ -‬ربما ‪ -‬من فضيحة "ما يكون بين المتحابين"‪.‬‬
‫والتي لم تجد حرجا في استقبال جميل بخيمتها‪ ،‬في غفلة من الزوج واألهل واأل َمة‪ ،‬وكل الحي‪...‬‬
‫"بثينة العذرية" هذه تفوقت بامتياز على صاحبة األحوص‪.‬‬

‫(‪)6‬‬
‫[ تعلمه سبيل الخيانة]‬

‫قال األحوص (األغاني ج‪:)261/4:‬‬


‫صب‬
‫ُّ‬ ‫قالت‪ ،‬وقلت‪ :‬ت َ َح َّر ِّجي ِّ‬
‫وص ِّلي @ حب َل امريءٍ بوصالكم‬
‫اصل إذًا بَعلي‪ .‬فقلت لها‪ @ :‬الغدر شيء ليس من ضربي‬ ‫َو ِّ‬
‫ب‬
‫ثِّنتان ال أدنو لوصلهما @ ِّعرس الخليل وجارة ال َجن ِّ‬
‫أما الخليل فلست فاجعَه @ والجار أوصاني به ربي‬
‫ال يسع المرء إال أن يقف مندهشا أمام هذه األبيات‪:‬‬
‫األحوص يطلب الوصال من امرأة‪.‬‬
‫فمن تكون هذه المرأة؟‬
‫يعرفنا بها‪ .‬ولكنها ال تعدو إحدى اثنتين‪:‬‬ ‫الشاعر ال ِّ‬
‫مجهولة بالنسبة له‪ .‬أو يعرفها من قبل‪.‬‬
‫لنفترض أنه يعرفها من قبل‪ ،‬معرفة عامة‪ ،‬باعتبارها (عرس خليل‪ ،‬أو جارة جنب‪ ،‬أو جارة حي‬
‫‪ ..‬أو أي نوع من الجوار)‪.‬‬
‫سنقول‪ :‬إن األحوص ساذج إلى أبعد حد في محاولته اقناعنا بعفته‪ ،‬ألنه سيكون كاذبا في أحد‬
‫الموقفين‪:‬‬

‫الموقف األول‬
‫ويتمثل في تخيله واختالقه المرأة مجهولة بالنسبة إليه يود التقرب منها (زير نساء)‪ ،‬كي يخلص‬
‫من المشهد "الوضيع" إلى التباهي بعفة مصطنعة تتناقض أساسا مع طلب الوصال من امرأة‪.‬‬
‫(اللهم إال أن تكون شبيهة بقصة جميل بن معمر وبثينة؟؟؟؟)‪.‬‬

‫الموقف الثاني‬
‫والذي يفترض فيه أن األحوص مثالي صادق العفة (الغدر ليس من طبعي‪ .‬الخليل ال أفجعه‪.‬‬
‫الجار أوصاني به ربي)‪ ،‬ولكن هذه العفة خانته في لحظة دعوته المرأة إلى ركوب الحرج كي‬
‫تصله وينعم بوصالها (سواء كان يعرفها من قبل أو ال يعرفها)‪ .‬لحظة غابت عنه فيها القيم‬
‫المثالية والدينية واألخالقيات‪...‬‬

‫لنفترض أخيرا أن الشاعر كانت له نية سليمة في التقرب من المرأة بحيث كان يطلبها للزواج‬
‫باعتباره اإلنسان الذي يحمل لواء العفة‪،‬‬
‫فهل رأيتم من يريد أن يكون رديف زوج آخر ‪ -‬في نفس الوقت‪ ،‬على امرأة واحدة ‪-‬؟‬
‫وهل رأيتم من يخطب زوجة المستقبل بعبارة‪":‬تحرجي وصلي حبل امريء بوصالكم صب"‪.‬‬
‫عف ينوي الزواج‪.‬‬
‫الصبابة للوصال ال لها‪ ،‬والحرج الذي يدعوها إلى ركوبه ال يمكن أن يمليه ٌّ‬

‫شيء واحد نراه يمثل الحقيقة الصادقة في األبيات هو رد المرأة عليه‪ ،‬فهي تعلمه المكيدة التي‬
‫وخداعه‪ ،‬وبعد ذلك ال قيمة لدعوى األحوص سواء كان‬ ‫يمكن أن تجمع بينهما في خيانة الزوج ِّ‬
‫زير نساء أو عفيفا‪.‬‬

‫وحتى جميل ضرب عرض الحائط بهذه "النصيحة" واعتمد وصفةً بثي ِّنيةً – نسبة إلى بثينة –‬
‫فراش تضطجع عليه – بدون تحرج ‪" -‬بثينة‬ ‫ٍ‬ ‫تلغي الزوج من حسابها‪ ،‬وتختصر "المسافة" إلى‬
‫العذرية" و جميل العذري‪.‬‬

‫(‪)7‬‬
‫[ حكم قيمة على شاعر " عذري"]‬

‫(اجتمع بالمدينة راوية جرير‪ ،‬وراوية كثير‪ ،‬وراوية جميل‪ ،‬وراوية نصيب‪ ،‬وراوية األحوص‪.‬‬
‫فافتخر كل واحد منهم بصاحبه‪ ،‬وقال‪ :‬صاحبي أشعر‪ .‬فحكموا سكينة بنت الحسين ‪ ...‬ثم قالت‬
‫لراوية كثير‪ :‬أليس صاحبك الذي يقول‪:‬‬
‫يقر بعيني ما يقر بعينها @ وأحسن شيء ما به العين قرت‬
‫فليس شيء أقر لعينها من النكاح‪ ،‬أفيحب صاحبك أن ينكَح؟) (األغاني ج‪)173/16:‬‬
‫فما الذي كان يقر بعين جميل؟‬
‫وما الذي كان يقر بعين بثينة؟‬
‫وما الذي كان يقر بأعين باقي الشعراء "العذريين" أو "العذريين الشذاذ"؟‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫في النقد والتأريخ األدبي عدد من التصنيفات التي اكتست مسوحا قدسية‪ ،‬تستدعي منا اعتماد‬
‫رؤى أكثر جرأة‪ ،‬لمراجعة األنماط الجاهزة التي نحقن بها جيال بعد جيل‪ ،‬ونتلقاها بتسليم يعطل‬
‫عقولنا عن إعادة تشريحها‪.‬‬

You might also like