Professional Documents
Culture Documents
2
رواية
3
إىداء
أىديكم كتايب..
4
()1
وجربوت !
( أمل )
5
ش ّدت من ضفائرىا وىي مستغرقة يف قراءة روايتها ،ادلختبئة وسط
كتاب اذلندسة الفضائية.
"أال تسمعُت ندائي ؟" صوت أمها يهز جنبات حجرهتا الصغَتة.
"ادخلي احلماـ واغتسلي جيدا ،و البسي ..ثوب عيد األضحى؛
سيأتينا ضيوؼ ،من ادلهم اَستقباذلم"
تعجبت أمل !
6
ادلرة ..بالرغم من برودة اجلو ،شتاء صنعاء اجلميلة بارد ..لكنو
لذيذ ..غلعلها ربتضن غطائها ،وتغلق علی نفسها عادلها اخليايل.
حلمت منذ الصغر هبذا اليوـ ،كجميع الفتيات :فارس صبيل سيأيت
ْ
علی حصاف ..ال وجود لألحصنة يف ىذا الزمن !! تبسمت،
سأكتفي حبافلة يتعلق هبا ليخطفٍت.
7
تابعت خطواهتا وكأهنا خطوات شخص آخر ،بلغ هبا اخلجل
مبلغاً..مل تدرؾ أين تضع خطاىا.
ىب األب وأمسك القهوة" ..اجلسي".
ذىب اخلجل دفعة واحدة وظلت ربدؽ هبذا الرجل ...أين ىو
الفارس ...الفتی الذي سيقبلٍت كالروايات ؟!
قامت
أشاحت بنظرىا لوالدىا ،فأشار إشارة خفية" :اذىيب اآلف" ْ
ذبري وكأف وحشاً يالحقها ،وأسرعت المها.
8
صغار ..أفيقي؛ لن ظلوت من اجلوع من أجل أحالـ فتاة طائشة.
ال تعرؼ دلاذا أحست بأف أسناف أمها قد طالت ,وكأف أنيابًا
ظهرت ذلا فجاءة ,ىل ىذه دماء اليت تلمحها بُت شفتيها !
نفضت عنها ىذا اخلياؿ وألقت بنفسها علی فراشها؛ ال تدري كم
ىي األياـ اليت مرت ..وىي مستلقية ..تتحرؾ وتذىب هبا األياـ
لتستعد لفرحها ..وىي مستلقية ...كل ما ربسو بأهنا ثابتة يف
فراشها ,وأف دارت وربركت مع العاصفة حوذلا؛ مازالت ربس
باالستلقاء .حتی جاء اليوـ ادلوعود...ال تتذكر شيئا قبل ىذا
اليوـ ...فقط وىي تعرب درجات فيلتها اجلديدة أحست بإحساس
غريب؛ شيء يتسرب من صدرىا !..نظرت جيدا لفستاهنا...ال
شي ! ما بدأ يتسرب ىو جزء من روحها؛ منذ الصغر وىي ربس
بأف روحها مكتظة ...شلتلئة ...أحالما وآماال ..وقصائد
وروايات ...وموسيقی ناعمة ...وأقواس قزح؛ فهمت اآلف ما الذي
يتسرب منها :ىي روحها ادلكتظة...بدأت تضيع كحبات رمل يف
ساعة رملية ,ولكنها تتسرب إلی الالمكاف !
انتهت الضوضاء ,صمتت الزفة و (احملاجر) وأناشيد العرس ,وبقيت
مع زوجها " ...زوجها !!! " رددت اللفظ يف سرىا...مل
تصدقو...ومل تستوعب نطقو...
"ليس زوجي ,سأفر منو يوما" عاىدت نفسها ,مل يعد يف روحها
9
روحها...وضعت ىذا
ْ أي ىدؼ فقد تسربت كل األىداؼ مع
خفي يف صدرىا انتظرت ..ىذا الغريب...ما باؿ
العهد يف مكاف ّ
ىذا الشيخ يرذبف ! اقًتب منها والعرؽ يتصبب من جسده حتی
أحست بلزوجتو...انتاهبا الفضوؿ...ال شيء غَت الفضوؿ.
عجبت من نفسها ! كانت سبوت من اخلجل جملرد خروجها
للشارع ,تذوب حُت تالمسها أشعة الشمس !!
أين ذىب خجلها الذي كانت زبتزلو لليلة العمر !!! ,ليلة العمر !
..ىذه ليست ليلة عمري؛ ليلة فاصلة يف حياهتا ولكنها ليست ليلة
العمر.
10
الربود القاتل...و بأصابع مرتعشة حاوؿ نزع ثوهبا...أوقفتو"
سبهل" ...بكل برود وخوؼ سلفي؛ أسقطت فستاهنا ربت قدميو,
يقو علی الصرب,
ومل يبق غَت الشفاؼ من ادلالبس الداخلية...مل َ
قفز إليها يتلمسها بأصابع لزجة ولعابو يسيل علی أجزاء جسدىا.
11
وبدأت تبحث يف كتب التاريخ علها ذبد ضالتها ,علها تعرؼ ىذا
السبب الذي جعل ىذه األرض هبذه القسوة ,وجعل أىلها أشد
منها قسوة ..يوماً بعد يوـ ..أخذت تتضح ذلا صورة مقيتة,مل تكن
ىذه األرض ظادلة منذ البدء ,بل لقد رويت رويدا رويدا من ظلم
جائر سقيت منو على مدى أكثر من ألف عاـ.
12
()2
كي نقتنع..
فنقتنع
( والد أمل )
13
عاد والد أمل مًتضلا من زفة ابنتو ،ذباىل الضيوؼ وابتعد ربت
جدراف أحد البيوت قدر اإلمكاف ...ال يريد أف يستمع لصدى
أصواهتم؛
أصوات مزعجة كأهنا خناجر زبًتؽ طبلة أذنو ،بل زبًتؽ نياط
قلبو.
"ليتهم يسكتوف"..
أشعل سيجارتو وبدء ػلرؽ نفسو...
"ما الذي فعلتو ؟؟ماذا جنتو يداي ؟؟
ىل حقا فعلت ما فعلت ؟؟
لو ذكر يل أحد قبل عاـ واحد أين سأصنع ىذا بأمل ألرديتو؛
ىا أنا أقوـ بو وأنا بكامل وعيي..
14
تسكتو ..وزبنقو..
"لقد بعت ابنيت ؟؟ ىذه ىي احلقيقة...ال عذر دلا فعلتو,
تذكر أمل وىو يسوقها للتاجر الذي دفع الثمن؛ ودفعو غاليا ،تذكر
نظرهتا األخَتة لو وىو يودعها...
ىل تساوي األمواؿ اليت دفعت ...تلك النظرة من عينيها..
كانت عيناىا تتساءؿ يف جزع ،تصرخ بصمت مفزوع "دلاذا فعلتم
يب ىذا ..ال تًتكٍت يا أيب!!..
ولكنو زبلى عنها كما زبلى عنها طواؿ الفًتة ادلاضية؛ كاف يفر من
نظرهتا اليت تطلبو للنجدة ،وترؾ مهمة إقناعها ..أو إجبارىا..
ألمها...حيناً بالًتغيب وأحيانا كثَتة بالًتىيب.
وىو يعرؼ أمل فهي منذ الصغر أضعف من أف تواجهو ،فقد
كانت ال تقوى على مواجهو إخوهتا وىم يأخذوف منها احللوى
بالقوة ..وحُت ػلاوؿ إرجاع حلواىا ،هتبها ذلم منقذة إياىم سلافة أف
يُعاقبوا فتدعي بأهنم أخذوىا عن طيب خاطر منها.
لكن يف ىذه ادلرة تَطَلب األمر من أمها رلهودا كبَتا كي ذبربىا على
الصمت يف النهاية...
واستسلمت أخَتا ...بانكسار...
انكسرت تلك األحالـ اليت كانا يبنياهنا سويا؛ أماـ عينيو ،بل
احلقيقة أهنا تكسرت بيديو بسبب ضعفو ،وضيق احلاؿ؛ قرر أف
15
يتربع هبا مقابل إسكات األفواه األخرى ..ومقابل ىذا النسب
العايل ادلقاـ الذي صارت العائلة تتباىى بو..
ىل سينسى نظرة أمل ؟؟ ىل سيشفى منها؟؟ وىل ستشفى أمل
؟؟
ىل ستغفر لو يوما ؟؟
16
()3
الكافر من ال غلوع !
( صلالء )
17
استيقظت صلالء على صوت ادلسجلة ادلرتفع...أصوات نواح...
إهنا اجلمعة إذف ,ال يرتفع صوت اللطمية العراقية يف بيتنا إال يف هنار
اجلمعة.
صوت األب صائحا "اخفضوا الصوت ,سيسمعنا اجلَتاف ".يتكرر
ىذا السيناريو أسبوعيا ,حفظَتو عن ظهر قلب وبال شعور ومازاؿ
النعاس يغطيها ..بدأت تردد مع ادلنشد الباكي بكائياتو على
احلسُت ,بصوت خفيض وبسخرية أخذت تتلوى "يا
حسييبيناااااه...أغثنا يا علي ...مدد مدد"...
دخلت أختها الصغَتة "إف مل تكفي عن ىذا العبث سأخرب والدي"
ضحكت بسخرية"...وىل صحى اليوـ من زجاجة البارحة ؟؟ ىل
انتهى منها ؟"
ردت الصغَتة" ..تعرفُت بأنو معذور بإدماف الكحوؿ ,يهرب من
الظلم الواقع عليو ,يف عملو صبيعهم يكرىونو ..وػلسدونو ..ألنو
حفيد رسوؿ اهلل ,أال ترين بأنو مل يتلق أيّة ترقية منذ سنُت"...
ردت صلالء ساخرة "ردبا ألنو ال يذىب إىل عملو من األساس !"
ومع ىذا خفضت صوهتا وىي ترد ساخرة؛ ال مزاج ذلا اليوـ لتذوؽ
طعم حزامو أو عصاة أمها (احملواش) كما يسمى...كما وأهنا تريد
18
اخلروج ,فهي ال تطيق البقاء يف ادلنزؿ ,خاصة واجلميع متواجد يف
يوـ اجلمعة.
هنضت من السرير ..بقفزة واسعة ..إىل مرآهتا ,و أرسلت قبلة
سريعة يف اذلواء للصورة ادلنعكسة.
اقًتب وقت الغداء ,ال يذىب رب األسرة للجامع ادلالصق للبيت,
بل أنو ال يؤدي أية طقوس ,ولكنو ال يكتفي أبدا من تذكَتىم دبن
يكونوف :أحفاد علي ..وفاطمة ..أحفاد الشهيد احلسُت ,حفظتها
صلالء عن ظهر قلب ,وحفظت أيضا التعليمات...فهي ال تتحدث
هبذا الكالـ أماـ الناس ,وإف ذكرت احلرب اليت تشنها الدولة على
احلوثي ,يكرر والدىا التنبيو " ال تقفوا على احلياد ,بل صبوا
لعناتكم عليو ,ال زبافوا فلكم أجر عن ىذه الكذبات ,ضلن طلفي
ديننا حىت يأيت اليوـ الذي ننتقم فيو من قتلة أجدادنا ,ونعيد حقنا
ادلسلوب يف ىذه األرض ...فنحن أشرافهم ...وىم وإف سبردوا قدؽلاً
فال يزالوف عبيدا ,واستمر األب يسرد تاريخ العائلة ,وضلن نتظاىر
باالىتماـ ورائحة شراب األمس تفوح من حُت آلخر من فمو ..
احلمد هلل لقد توقف عن أكل البصل حُت اكتشف بأننا صبيعا نعلم
إدمانو للخمر...حفيد الرسوؿ السكراف ...تبسمت صلالء.
كانت مدركة منذ وقت مبكر بأف والدىا يعاين من إزدواجية يف
شخصيتو ,شخصية ىامشية قحة تعاقر اخلمر ليال ,وتبكي علی
19
أطالؿ ىذه الساللة اليت حكمت البلد ألكثر من ألف عاـ ,حتی
تآمرت عليها شلة من الصعاليك ,واطاحوا هبم يف غمضة عُت ,يف
ثورة ؽلقتها أشد ادلقت.
وشخصية لطيفة..بابتسامة مكسورة...يلبسها حُت يغادر منزلو
يقابل هبا أىل احلي والشارع ومديره يف العمل ..وأصدقاء ادلقيل..
وكلما أتقن التنقل بُت الشخصيتُت؛ كلما زاد إحساسو بنفسو ..ومل
يكن وحده من ؽللك ىذه الشيزوفرينا ..والدهتا أيضا ..ضبلت عدة
أقنعو " أظن جازمة بأف صبيع اذلامشيُت ؽللكوف ىذة األقنعة ...و قد
أورثوىا لنا...مل نعاين وضلن نغَت جلودنا علی الدواـ ..فهذا ىو
قدرنا ضلن اذلامشُت ...ىذه ىي الضريبة اليت ندفعها شبنا للشرؼ
الذي نتناقلو من خالؿ سائل منوي عرب أجياؿ مضت"...
20
..فهم يعلموف أننا األسياد وىم العبيد وإف طاؿ الزمن ..لكن !
إياكم وأف تتلفظوا هبذا الكالـ أمامهم...مل ػلن الوقت بعد .اقًتب
ولكنو مل ػلن".
قرصها اجلوع وىي تستمع ألبيها ,صحيح بأهنا تدعي السخرية منو
ومن كالمو ,لكنو غلد يف نفسها دائما ىوى ...فهي تعلم أهنا
ليست كاجلميع ...شليزة جبماذلا ...وجسدىا الفائر منذ فًتة مبكرة
سبقت مثيالهتا يف النضج ,وىذا األصل ادلشرؼ ...قد تكوف
ىامشيتها ىي من منحتها ىذا اجلسد...ىبة...
عاد اجلوع يعذهبا.
مل يعد يهمها نوعية الطعاـ ,فقد وجدت منذ فًتة طريقة تسد هبا
ىذه الفجوة وىذا اجلوع الذي الزمها منذ الصغر.
ستقابلو اليوـ !! عاشقها اجلديد...وسيحضر ذلا ما لذ من الطعاـ,
وسيطفیء جوعها...جوع معدهتا ،،وجوعها اآلخر!
مل يعرؼ والدىا حفيد الرسوؿ بأف اجلوع الذي رباىم عليو أصبح
مغروسا يف سلاوفهم؛ فال شيء يشبعو ,ومل يعد جوعا للطعاـ
فقط ...كانت كلما كربت؛ كرب إحساسها باجلوع ..جوع من نوع
آخر...صارت تتلذذ بنظرات الرجاؿ ذلا ,تتمايل وتبطئ من مشيتها
أمامهم...وجوع جديد ينهش أحشاءىا...حبثت يف أصحاب ىذه
النظرات من يشبع ىذا اجلوع ...يف البدء ,راحت تطفئو بقبالت
21
مسروقة ,زادت من فجوة ىذا اجلوع...جعلتو يتسع ...ويتسع...
وكل يوـ تقدـ ادلزيد علّها تشبع...
مل تدرؾ أف ىذه الفجوة ستبتلع جسدىا كلو ,ومن الغريب أهنا بعد
أف تطفئ جوع جسدىا تبحث عن طعاـ تأكلو وتصرخ يف وجوه
عشاقها جائعة ...فيسرعوف لتلبية النداء ...صار الرجاؿ
يتلقفوهنا ..من صديق آلخر...ويتمازحوف"...ال تنس أف ربضر ذلا
الطعاـ ,فقد تفضحك من اجلوع"
حىت جاء يوـ تعرفت فيو على عشيق جديد؛ أطفأت جوع
جسدىا ...وىبت كاجملنونة تبحث عن طعاـ ,مل يكن ذاؾ العاشق
يعرؼ هبذا اجلنوف ..ثالجتو فارغة ..مل غلد يف وكره ما يطعمها؛
فبدأت تزرلر ...أخافتو ...لقد كانت وحشيتها وىي تلتهم جسده
أخف وألذ من ىذا الوحش الذي يبحث عن الطعاـ؛ جرى حملفظتو
واخرج بضعة آالؼ من الرياالت ووضعها يف حقيبتها" اذىيب إىل
ادلطعم ىو قريب من ىنا وكلي ما شئت"
22
منزذلا ...وكلها حرص على إخفائو...مل تنم ليلتها ...كانت تعيد
عد النقود مرارا.
23
()4
( أمل)
24
مرت األياـ بأمل بعروسنا الصغَتة زلاولة التأقلم مع حياهتا اجلديدة,
مل تنس غضبها ,ولكنها حاولت تناسيو؛ عروسنا ربمل شخصية ال
تقوی علی القتاؿ كثَتاً ..مسادلة ردبا ..متخاذلة ..ردبا أيضا.
ولكن الرضا مل يعد ػلتل قلبها ...احتل مكانو شيء آخر؛ اخلوؼ:
كاف ىذا أوؿ مسمار ُدؽ يف نعش برائتها ومل تد ِر كيف تتعامل مع
خوفها ىذا..
تعاملت يف أيامها األوىل مع زوجها بالربود ,أحست بأف برودىا
كاؼ للغدر الذي ُمورس يف حق أحالمها ...وسعادهتا.ىذا رد ٍ
وقررت أف تعيش ,كانت تتخوؼ من فكرة الطالؽ و كيف
سيتقبلو أىلها ,و أبناء عمومتها...ال طالؽ يف عائلتنا...مسعت
تلك العبارة كثَتا وىي صغَتة حُت اشتكت أحد بنات العائلة من
ظلم زوجها وما أكثرىن اللوايت ُْحب َن بالشكوى؛ وكأف الظلم طقس
ديٍت تنفذه العائلة علی نسائها ,مكتوب كما تقوؿ األمثاؿ الشعبية.
وأما ضرب ادلرأة فهو من شيم الرجاؿ كما يستشهدوف بالقرآف
والسنة ...استبعدت رلرد التفكر يف ىذا ادلوضوع وعاشت ...أو
حاولت أف تتعايش زلا ِولةً إرضاء اخلوؼ.
أصبحت ربب النهار ..مع أوؿ خيوط الشمس زبتفي
25
سلاوفها...ولكنو كاف ؽلر سريعا ,واحلق يقاؿ؛ فقد كانت هنارات
زوجها معها حافلة بادلفاجآت ,سفر ورحالت وىدايا مل ربلم هبا,
لقد كاف ذكيا لدرجة جعلتو يعرؼ اىتماماهتا ,ىواياهتا ,فشاركها
ىذه اذلوايات بكل سعادة ,وكأنو كاف يعيش معها طفولتو اليت
فارقتو ىو اآلخر مبكرا!..
26
والعائالت اذلامشية ,أحست من خالؿ كلماتو بأنو اليزاؿ ػلمل
احلقد ذلم ,تعجبت ذلذا احلقد ..فقد ذىب ذاؾ العهد ..وىاىم
اذلامشيوف من ألطف ما يكوف ,بل إف ذلا العديد من الصديقات
اذلامشيات يف منتهى الوداعة .كاف يسخر منها "كيف لألفاعي أف
تكوف وديعة ,انتظري منهم اللدغة ولو بعد حُت"مل تقتنع ولكنها
تتابع حكاويو متشوقة.
مل تستوعب ذاؾ العذاب الذي عاناه اليمنيُت ،والتفرقة العنصرية
اليت يذكرىا ,والذؿ الذي شرب منو الشعب حتی ارتوى !!
وحُت يراىا مندىشة؛ يضحك ساخرا "مل تنتهي الثورة حتی اآلف,
مازالت يف مهدىا" وقتها مل تفهم معٌت اجلملة..
استمر مرددا أنّو من أصحاب احلظ احلسن ألنو دخل ادلدرسة برغم
كل شيء.
كانت تطالب حبكاوي أكثر...مل يبخل عليها...كاف يستمتع
باحلديث معها ,ومل تنكر عليو ىذه اللحظات حتی اآلف ,ىي أصبل
ما يف ىذا الزواج ...حتی يطل ادلساء...
فيتحوؿ لشخص آخر ,بدأت تالحظ عليو تصرفات غريبة؛ عنفا
غريبا يتطور كل ليلة ,وكأف رغبتو جبسدىا ال تصحوا إال حُت يراىا
تتعذب أمامو ,كاف يبتكر أفكارا وكأهنا ألعاب ,ولكنها يف احلقيقة
وسائل تعذيب عنيفة ...تًتؾ اثارىا يف جسدىا ...ىذه اآلثار
27
والعالمات ومالمح األمل البادية علی وجهها ىي اليت ربولو إلی
وحش جنسي متوحش .استخدـ يديو أوالً ..ومن مث بدء يستخدـ
حزاما عريضا ,مع مرور األياـ يزداد يف االبتكار ..واالبداع ..كانت
رعشة من الرغبة ذبتاحو حُت يرى عالمات تعذيبو عليها وكأنو صنع
إصلازا أو فاز بصفقة من صفقاتو الناجحة..
28
وتناـ واذلاجس يلح عليها"...ىل الظلم معد..؟ كيف دلن ذاؽ
طعم الظلم يوما أف يسقيو لغَته يف يوـ آخر ؟؟"
ػلذرىا صباحا من رواية ما ػلدث بينهما ويذكرىا بالعذاب الذي
يصيب الزوجة حُت تنتهك أسرار زوجها ،وذكر الكثَت من
األحاديث اليت تؤيد كالمو.
تنس يوما حاولت أف زبرب أمها عما ػلدث ،رفضت األـ رلرد
مل َ
اإلنصات "بنت األصوؿ ..وبنت القبائل ربافظ علی أسرار زوجها
!!!..وال تنسي أنو من يفتح ىذا البيت ومن يتكفل دبدارس
أخوتك .الرجل كرًن جدا فال ربرمينا من ىذه احلياة وإف ِ
كنت
ضحية !! ما الضَت أف تضحي من أجل عائلتك كلها !!..وتذكري
قوانُت القبيلة ...ال انفصاؿ لبنات القبائل !!"
فتعود دلنزذلا الفخم وعذاباهتا الليلية وحقدىا يزداد علی قبيلتها..
ترض ذلا اإلىانة والذؿ ...أي قبيلة نتنة ىذه ..؟!
كيف للقبيلة أف َ
يكرب احلقد بقلبها ككرة من الثلج...
"كراىية عمياء ذلذا الدين وىذه القبيلة والوطن ،ليست يدا زوجي
من يتفنن بتعذييب ليال بل علا القبيلة وىذا والوطن من غللداهنا"..
29
()5
( صلالء )
30
ألقت الشريفة صلالء جسدىا ادلنهك علی فراشها وأغمضت
عينيها ..زلاولة نسياف أحداث يومها...
أحست بأف ظهرىا قد انكسر فعال ،من عملها اليوـ !!!
ولكنها ربسست حقيبة يدىا ادلوضوعة جوارىا "زلصوؿ اليوـ
يستحق ىذا العناء".
صوت والدهتا شتت زلاولة عدىا للماؿ "عمتك ستأيت لتبيت اليوـ
ىنا ،وقد تبقی بضعة أياـ ،جدؾ سافر إلی القرية ،وال يوجد من
يبقی معها يف البيت لذلك ستبات الليلة عندؾ".
تأوىت صلالء "ال أحب ىذه العانس الشمطاء ..دلاذا عندي أنا..؟
فلتذىب جلهنم سَتحبوف هبا بكل سرور"
31
وتسامروا قليال؛ استأذنت صلال حبجة التعب وانطلقت للنوـ وجل
علها أف تدعي النوـ قبل أف ترقد عمتها جبوارىا .مل ِ
سبض بضع
دقائق حتی استلقت عمتها جبوارىا ...عرفت من صوت أنفاسها
بأهنا مل تنم ..سألتها العمة ":حدثيٍت عن اجلامعة ؟...ماذا
تفعلُت..؟ من تقابلُت...؟ خذي حذرؾ من أوالد القبائل فهم
ػلاولوف دائما اإليقاع بالشريفات منا ،ػلاولوف منذ القدـ تعكَت
دمائنا ..الطاىرة"..
باغتتها صلالء "دلاذا مل تتزوجي يا عمة؟".
تلعثمت العمة"...مل يأت النصيب !"
"معقوؿ ! مالزلك ال ينقصها اجلماؿ!"
"مل يتقدـ يل شريف ..مل يتقدـ يل سوی بعض أبناء القبائل ومل
يرض جدؾ !!".
مسعت صلالء صوت تنهيدهتا اخًتقت كياهنا والتفت لعمتها فرأت يف
عينيها بؤسا سللوطا جبوع دفُت ،أشفقت علی عمتها واحتضنتها
بشدة ...تعرؼ ىذا اجلوع....
"وكأف اجلوع مكتوب علينا ضلن اذلامشيُت ،وكأنو التيو الذي ُكتب
علی بٍت إسرائيل ومل يعودوا منو ،مل ال ..أو لسنا ساللة اهلل
ادلختارة".
أبعدت ىذه األفكار عنها"...سأنقذ عميت...وأرويها ،عميت غبية
32
استسلمت للجوع كي يأكلها...كم أود أف أسد بعضا من
جوعها" استمرت يف احتضاهنا ومن مث قامت صلالء ..وخلعت
مالبسها "اجلو حار وال أطيق لبس البيجامة" لبست قميص نوـ
شفاؼ شلا تلبسو لزبائنها واستلقت جوار عمتها متجاىلةً نظرات
عمتها ادلندىشة ذلذا اللبس الفاضح ،وضعت يدىا حوؿ وسط
عمتها ...وبدأت ربادثها بصوت ناعم" :تعرفُت يا عمو أف
جسمك جسم صبيل ..وكأين أخذت صباؿ جسمي عنك ،انظري
إلی هندؾ ..مازاؿ مشدودا"..
ومدت يدىا فجاءة واعتصرت هند عمتها بشدة ..صعقت العمة!
ومل تنطق واستمرت صلال يف الكالـ وىي تلعب بأصبعها علی حلمة
عمتها ومل تًتكها إال حُت أحست هبا تنفر من مكاهنا...حلمة
مسكينة ...جائعة ..مل تأخذ الكثَت من الوقت لتصحو.
"ماؿ أبناء عمومتنا ..ىل أصاهبم العمی ...أمل يروا ىذا
اجلماؿ؟؟"...
واستمرت صلال بالكالـ ،ال تريد أف تًتؾ لعمتها أي رلاؿ للتفكَت..
لن أدعها للمعاناة بعد اآلف.
33
إلی بُت فخذيها...وقبضت علی فرجها بشدة...ومل تدري إال
بصفعة تنزؿ علی خدىا" :ماذا تفعلُت يا فاجرة" صاحت العمة
مل تتفاجأ صلالء بالصفحة بل لقد اعتربهتا نصرا "إف كانت ترفض
لعيب جبسدىا دلا انتظرت كل ىذا الوقت" وضعت صلال يدىا علی
فم عمتها ورفعت من جسدىا وجلست فوؽ عمتها ،أحست
وسطها حبرارة اجلسد احملبوس ربتها .
واقًتبت هتمس يف أذنيها" ..عميت احلبيبة اعرؼ ما تعانُت وأحس
بو...إهنم أىلنا الذين حرمونا من أف نتلذذ هبذه احلياة...أكتفوا
بالفرجة علی شبابك وىو يتسرب من بُت يديك...اغتنمي ما
استطعت من لذات احلياة فلن يأتيك ىامشي اليوـ ليذيقك طعمها
..ستجدينو يتعاقر اخلمر كوالدي...ويندب حظو ،أو يتذكر رلد
ولی وذىب...أو قد يفر جلبهات القتاؿ ويًتؾ امرأتو وأطفالو يعانوف
وىو ؽلوت من أجل السيد احلوثي وحربو ..وضلن! ضلن نعاين من
احلرماف واجلوع ىنا ،ال أحد ػلس بنا...أو يهتم دلعاناتنا ...خبت
الشريفة أعمی يا عمة"..
أحست بأنفاس عمتها تسكن ورفعت يدىا لًتی ردة فعل عمتها.
"سنعود لنحكم ىذه البالد فهي ملك لنا ،ولن صلعل العبيد
ػلكموننا ثانية" ردت العمة بصوت مرذبف..
تبسمت صلالء فعمتها وبرغم ىذا الرد مل رباوؿ إزاحة جسدىا أو
34
يدىا اليت ما زالت تعصر هندىا.
"دعيٍت إذف اسلي وحدتك وأذيقك مامل تعرفيو من قبل...واطمئٍت
ليس يف ما نفعلو حراـ...وال يوجد فتوى سبنعو ،ىل ستصدقُت
فتاوى أىل السنو العفنة...أو الشوافع اجلهلة ,وما زلت تلك
الشريفة ذات الدـ النقي حفيدة األشراؼ ،فانا لست قبيلي جاىل
أللوثك...لن الوثك بل ساخذؾ الی مساء مل زبلق إال لنا "...
مل ترد العمة علی كالـ أبنو أخيها واكتفت صلالئنا بالصمت ..لتبدأ
رحلة لذة جديدة مع عمتها!!...
35
()6
األحالـ
تتفتت..
( أمل )
36
"أريد أف أرتاد اجلامعة...أريد أف أكمل دراسيت "...ارتفع صوهتا
زلاولةً إخفاء نربة اخلوؼ ،نظر إليها بتعجب "..أينقصك شيء؟؟"
"تنقصٍت نفسي"...
"ىل يعلم والدؾ بطلبك؟"
"أنت زوجي اآلف وال أحتاج إلذف من والدي ألكمل تعليمي"
"ال دراسة ...انسي ىذا ادلوضوع ..وال تفتحيو أبدا"
ولكنها فتحتو مرارا وتكراراً ،ذباىل طلبها أياـ طويلة لعلها نزوة؛
ولكنها مل سبر..
واستمرت باإلحلاح...إىل أف نفذ صربه فلم يعد يتحمل ىذا
ادلواؿ...
صفع خدىا بعنف حىت سقطت على األرض ،وزبيل باهنا سوؼ
تنهار باكية من اخلوؼ كعادهتا وينتهي ادلوضوع برمتو.
رباملت على نفسها...ووقفت" ..أريد أف أكمل دراسيت ،ومل
الصفع اآلف ؟مل ػلل الليل بعد؟؟؟"
صدـ من ىذا الرد ...فلم تتجرأ من قبل أف تذكر أمامو أفعالو
ُ
السادية معها..
خرج من أمامها ،وىو مطرؽ اجلبُت.
37
ىل جاء الوقت الذي سوؼ تنشر فيو تصرفاتو الشاذة؟ حاوؿ كثَتا
منع نفسو من ىذه التصرفات ،ولكنو ال غليد لذة التمتع هبا إال
هبذه الطريقة.
مل غلد مع اي من نسائو وعشيقاتو من ىم الذ منها ،وتزداد لذهتا
حُت يراىا ضعيفة أمامو ..عاد خبيالو فجاءة إىل صباه ادلوجع ،إلی
أحداث ظن انو نسيها او نستو..
حُت كاف األوالد األكرب سنا أو األكثر قوة ..يتلذذوف بتعذيبو..
هنار أوشك علی الغروب مل يبق منو إال بعض أشعة باردة رباوؿ
مالمسة جسده اذلزيل ..ربنو عليو وكأهنا أحست بفقدانو والديو
أياـ الوباء الذي انتشر ومل غلدوا ذلم من عالج إال قطرات من
القطراف أمرىم هبا السيد األماـ فتمسحوا هبا وبربكتو للشفاء من
مس اجلن الذي أصاب اليمن ،ولكن لألسف بركتو اختارتو لينجو
وغدی يتيما وحيدا فقَتا...
عادت األحداث وكأهنا شريط ػلدث أمامو اآلف ..كاف يسبح يف
الربكة يف صنعاء عاريا ىزيالً ،وكاف ىناؾ من يراقبو من الفتياف
األكرب سناً ،ليسوا من مدرستو ..ولكنهم من مدرسة األشراؼ اليت
ال يدخلها إال ِعليَة القوـ ..ويتخرجوف منها قضاة شرعيُت ،يديروف
القضاء وشؤوف الدولة..
انتظروه حىت خرج من الربكة..
38
ونادوا عليو "تعاؿ ىنا...ىل أنت جائع ؟ىل تريد بعض الكدـ؟"
وكأهنم مسعوا نداء معدتو اليت اعتادت على اجلوع ..ىز رأسو بنعم..
" تعاؿ إذف نعطيك بعض الكدـ والربعي" حلق هبم غَت مصدؽ..
يصرؼ ذلم يف ادلدرسة سوى كدمتُت؛ دخلوا بو مسسرة واغلقوا
الباب..
بدأوا يالطفونو يف الكالـ"...ما امسك؟ من أي قبيلة أنت؟"
أجاهبم بوجل ،ارتاحت قسماهتم وكأهنم أطمأنوا بانو نكرة ..لن
يسأؿ عليو أحد ولن يهب لنجدتو ..قدموا الطعاـ فاقًتب بلهفة
جارفة ،وبيديو االثنتُت أخذ يلتهم الطعاـ بنهم وىو متخوؼ بأف
غللسوا معو ويتقامسوه ...اهنمك يف االكل ومل يلتفت للفتياف الذين
التفوا حولو ...فجأة ..كمموا فمو وقيدوا يديو خلف ظهره بإحكاـ
وبسرعة ،بطحوه أرضا ..وخلعوا مئزره الذي كاف يغطي نصف
جسده ...حاوؿ الصراخ ..حاوؿ التملص ..ولكن أذرعتهم كانت
األقوى ...أحس فجاءة بشيء يشقو من اخللف ..وبلهاث
مسعور ..مل يتحمل األمل ومل يقوى على الصراخ...فقد الوعي
للحظات من شدة األمل ..استسلم..ودموعو تلهب خده .تناوب
الفتياف عليو حىت أحس بعرقهما وسائلهما ينصب فوقو ،مل يعد
يتذكر كيف خرج.
طواؿ عمره وىو ػلاوؿ أف ؼلفي ىذه الذكرى يف أعماقو...ما الذي
39
نبهها من مرقدىا اآلف؟ قد يكوف ذاؾ األمس ىو من صنع منو ثري
اليوـ..
فقد عمل كثَتا وقاتل أكثر كي ال يكوف ضعيفا مرة أخرى ،حىت
كرب وأصبح من أكرب التجار يف صنعاء ،وكل من فيها ػلسب لو
ألف حساب...جباه كثَتة أضلنت لو حتی كادت تالمس
األرض...جباه لشيوخ قبائل ومثقفُت...وساسة ،وقضاة!!!..
واختفت الذكری مع أرصدتو اليت توالدت حتی اصبح ال يستطيع
إحصائها...
ومل تظهر ذكرى ذاؾ اليوـ األليم مرة أخرى إال حُت تزوج هبا ،كاف
يتلذذ بتعذيبها ألهنا تذكره بنفسو ..وبضعفو..
كانت دموعها تثَت غرائزه وكانو يتقمص دور الفتياف اللذين
انتهكوه ...فيعيد إعادة احلادثة مرة أخرى ولكنو اآلف يقوـ بدور
القوي ..يثأر من ضعفو ..ينتقم لشرفة الذي اُنتهك..
كاف يف صميمو يشعر بكره ذلذه الفتاة وىي ربتو فهي تذكره بضعفو
صبيا؛ إنو ينتقم من ىذا الضعف فيزيد يف تعذيبها ،ويتضخم مع
أوجاعها إحساسو بالقوة ..شلتع أف تكوف قوي ومسيطر ،شلتع جداً
األخذ بالثأر..
حاوؿ نزع الفكرة من راسو.
وعاد للتفكَت يف مسالة اجلامعة "سوؼ اشًتي ذلا عقدا من الذىب
40
وارضيها" بالرغم من إحساسو بأف عقده الذىيب لن ػلل ىذه
ادلشكلة إال انو حاوؿ أف يقتنع بو .رف تلفونو طويال وىو سارح
بفكرة ..انتبو اخَتا مع اصرار ادلتصل...ضلن يف ادلستشفى...زوحتك
يف الطوارىء...يقاؿ باهنا ذبرعت سم...
41
()7
وسيعودوف معلقُت
(والد صلالء)
42
أغلق عليو باب الديواف وأخرج زجاجة مشروبو اليت كاف ؼلفيها منذ
الصباح ،يعلم بأف أبنائو يعرفوف أمر تعاطيو للشراب!! ولكنو ال يزاؿ
ػلتفظ لنفسو أمامهم بصوره مثالية!! لن يشرب حفيد الرسوؿ اخلمر
أماـ أبنائو(...البد أف يكوف قدوة) ضحك ساخرا ...فهو يعرؼ
انو ليس قدوة صاحلة لكن يكفيو بأنو غرس يف قلوهبم معنی كلمة
(ىامشي)...وقدرىا العظيم ...فهو يری ىذا يف عيوهنم خاصة
صلالء ...يری اذلامشية بُت عينيها ...أمسك قدحو وابتداء بالشرب؛
باب ادلنزؿ يفتح ..أزاح الستائر خبفة ونظر ..إهنا صلالء ..نظر إلی
ساعتو ...الوقت متأخر!! ..ماذا سيقوؿ اجلَتاف عندما يروف فتاة
تعود يف ىذا الوقت ادلتأخر ..ووحيدة؟؟
43
اجلميع يعتقد بأنو يشرب لينسى جهلو ،لكنو يشرب ليتذكر...ال
غلب أف ينسی أبدا ،فالنسياف نقمة...مثلو ومثل ساللتو ال غلب أف
ينسوف ...غلب أف ػلمي ذاكرتو من النسياف وىا ىو ػلميها هبذا
الكاس البارد فتعود لو الذكريات مع تدفقو يف عروقو لتنزع عنو لبس
اجلباف اخلانع ادلبتسم وتعيد علی مهل حُت تتدفق يف العروؽ
ذكرياتو!! منذ الصغر مل ينسی أي تفصيلة ،وكأنو غللس أماـ مسرح
ليشاىد كل ليلة احلياة الرغيدة حُت كاف صغَت يف بساتينهم
العامرة ،يتذكر عمو وىو يربت علی شعره صغَتا متبسما " كيف
حاؿ سيدنا العظيم ؟" وؽلسك الصغَت بيد عمو متفاخراً بُت الصبية
العراه حُت يتبخًت يف شوارع صنعاء احلادلة ..صنعاء اليت ؽللكوهنا
منذ مئات السنُت...
44
ىا ىو غلري واخلوؼ ؽلأل جوفو ،خبطوات مذعورة من أف يعرؼ
أحد أف اجلثماف ادلعلق ..عمو ..كاف يردد حبرقة أف ىذا الشعب
رلموعة من األوباش اجملرمُت صبيعهم يستحق اإلعداـ كما اعدموا
عمي الغايل.
صب كأس آخر وقد أضبرت عيناه غضبا؛ يتجاىل اآلف كما
ذباىلت طفولتو ..جرائم عمو...يف حق ثوار ،جزت رؤوسهم
بالسيوؼ ،أو أطفاؿ ألبناء قبائل سلسلت أقدامهم جبنازير
حديدية ..وسيبقوف مع أقربائهم ..حفاة جائعُت ال يلبسوف إال
قطعة ثياب ال تكاد تسًتىم ...حشرت أجسادىم سنُت طويلة
يف أقبية ال يروف النور..
وضع الكأس علی شفتيو واخذ جرعة كبَتة؛ كيف ينسی أمو وىي
تعلمو لقبو اجلديد وتذكره "احذر ..إف علموا انك ىامشي
سيعلقونك مثل عمك" كيف لو أف ينسی فراره ليال متسًتا ربت
ستارة أمو خوفاً من بطش اجلمهوريُت ...القتلة ...وىم غلوبوف
شوارع صنعاء زلتفلُت برأس عمو ...وغَتىم من اللذين كانوا يأسبروف
بأمره وأمر غَته من اذلامشيُت ،أمضی سنُت طويلة يتخيل والده معلق
كعمو سباماً ومن مث مسحوال يف الشوارع ...وىو( بلبس امو) مل يعد
يتذكر عدد الليايل اليت ُعلق هبا يف أحالمو علی نفس حبل ادلشنقة
و لسانو خارج فمو ...أصبح ىاجس ،بل أنو كاف يقف أماـ ادلرآة
45
بالساعات وىو يلف قطعة قماش علی رقبتو سلرجا لسانو ،متخيال
شكلو حُت يُشنق ،مل ػلاوؿ أف ينسی رغم مرور السنُت وعودة أبيو
...وعودتو للقبة ومنزلو ،حتی اآلف ما زاؿ والد صلالء متسًتا لكنو
استبدؿ ستار أمو بستار من اللطف ..والطيبة الزائفة ...يوىم
اجلميع بأهنم إخوة لو ..وجَتاف ،ويف اللحظة اليت سينسی وؼللع ىذا
الستار سيباغتو اذلمج ..الربابرة ..ويعلقونو .انو يری ىذا يف عيوهنم
ويف أحالمو ،ردبا ىم فقط يؤخروف موعد الشنق ،لذلك سيبقی
متنبها ومتيقظا ...وقد يأيت اليوـ الذي يبادر فيو لينتقم ..ويعلق
الرؤوس ويضرب بيد من حديد علی الغوغاء ،ػلتاج يد قوية كيد
عمو ...ويعود السيد سيداً والعبد يعود لقيود عبوديتو...وتُقبل
الركب ثانية.
ُ
ولن نكتفي حينها بتقبيل الركب فهو حق لنا ضلن اذلامشيوف
46
()8
رلرد أوىاـ!
(الشريفة فاطمة)
47
مل تستطع عمة صلال أف تتحرؾ باي حركة ..تلك الليلة ..بالرغم من
إرىاقها إال أف النوـ جافاىا فأخذت تنصت لصوت تنفس صلالء
رتيبا وعميقا ...واخلزي ؽلالء نفسها "كيف سأوجهو صلال صباحا،
وبأي وجو؛ بعد أف عرتٍت وصنعت يب ما صنعت...كيف يستطيع
صويت أف ػل ّدثها مرة أخرى وىي من كانت تكتمو حىت ال يسمع
من يف البيت صوت تأوىايت ...أي عار جنيتة".
انتظرت شروؽ الشمس بفارغ الصرب ،وتسللت من الغرفة خوفا من
إيقاظها...
نظرت ذلا أـ صلال متعجبة "أين تذىبُت" "..إىل ادلنزؿ لدي عمل
أقوـ بو ،اليوـ سنقيم مولدا جلارتنا وقد وعدت بادلساعدة ..ولن
أعود ألبيت ىنا...سأحضر إبنتها لتؤنسٍت"..
وفرت لتواجو خزيها على انفراد..
رمت جبسدىا على السرير زلاولة ذباىل ما حدث ،و وضعت
كفيها على وجهها كيف يكوف منظري وانا كبَتة العائلة
وحكيمتهم ..ىزت راسها بعنف زلاولة نسياف تعريها ليلة البارحة..
فجأة أخذهتا ذاكرهتا لطفولة بعيدة وىي تلعب يف الشارع مع
األطفاؿ ،وكيف كاف زلمد جارىم ؼلتبئ منها...وىي ذبري ورائو..
48
لتلعب معو ،كاف الطف األطفاؿ يف احلارة ،ومل يضرهبا أبدا أو
يسحبها من شعرىا؛ وبعد أف يكفوا من اللعب يف
الشارع...يدخلوف منازذلم ..ويتسللوف إىل سطح ادلنزؿ ليتحدثوا...
كاف ػلكي ذلا مغامراتو يف القرية وكيف كاف أسرع األطفاؿ يف
السباحة يف سيل القرية ,وىي تستمع بانبهار .مرت األياـ ..وكرب
زلمد ..وكربت فاطمة ..وبداء جسدىا يف االمتالء؛ مل تعد زبرج
إىل الشارع لكنها مل تتوقف عن سرقة الوقت لتصعد
السطح...وتقابل زلمد...تغَتت احاديثهما ،كاف يلقي على
مسامعها أبيات شعر رقيقة ،أبيات يتخدر ذلا قلبها...وعندما
تتالقى عينهما...ؼلفضاهنا سريعا من اخلجل...إهنا ربب
زلمد...وىو مغرـ هبا...ويف مساء مسروؽ ،صعدت بشوؽ إليو
واطلت على السور تنتظره...وفجأة أمسك بيدىا ":أريد أف أخربؾ
شيئا؛ ستأيت والديت لتزوركم غداً"
انتفض قلبها ...ما أصبل انتفاضة القلب األوىل ،ورفع يدىا وقبلها
واختفى من نظرىا .مل تتحرؾ لفًتة وىي شلسكة بيدىا ...زباؼ إف
ربركت أف تطَت قبلتها األوىل ،غطتها بكفها اآلخر واختبأت يف
فراشها؛ حينها فقط رفعت كفها الذي اصبح من ذىب و وضعت
شفتاىا عليو رباوؿ دلس آثار القبلة...رباوؿ أف تردىا لو...كانت
واثقة باف قلبو َش َعر اآلف بأف قبلتو ُردت إليو ..وبكرـ...
49
ثار األب ىائجا" ..مل يبق إال ىذا ,أوالد القبائل يتطاولوف علينا
ويطلبوف مننا ضلن النسب ".وكاألسد اذلائج صار يدور حوؿ نفسو
وكانو يبحث عن فريسة ..وكانت ىي فريستو...
مل تستطع السكوت ..حبها اجلميل ذبرأ وربدث:
"ومل ال يا أيب إنو جارنا منذ الصغر نعرفو ونعرؼ أىلو؛ ىم ناس يف
منتهى الطيبة "...لن تنسى حىت اليوـ ما حدث ,مل يبقى يف
جسدىا مكاف إال وطالو الضرب ..والركل ..واستخدـ معها كل ما
وجده أمامها وىو يصيح "..أال تعرفُت من ضلن ..ضلن األشراؼ..
ضلن األسياد ..لن نلوث دمائنا بدـ قبيلي صلس" مل تنقذىا إال أمها
من موت وشيك؛ وزحفت لغرفتها ..ربمل اوجاعها..وقلب كسَت.
وىي يف الغرفة؛ نظرت جلروحها والدماء اليت تسيل منو...اضبر..
دمي أضبر ىو نفس لوف دـ زلمد! كيف لدمائنا اف زبتلف ،وىي
ربمل ىذا احلب.
50
ذباىو...وتنساه...
حقدت عليو ألنو أحبها ..حقدت ألهنا رببو ،حقدت عليو ألنو
قبيلي...وكرىتو ألنو ليس ىامشي...وحقدت عليو ألنو مع غَتىا
اآلف ..وىي من تستحقو من بُت كل نساء العادلُت.
مر الوقت ..ومل يقًتب منها ىامشي ،اجلميع يتخوؼ من جالفة
وقسوة والدىا...الوقت ؽلر ..وحاجاهتا كأنثى تزداد.
كانت تأوي يف الليل لفراشها...وربتضن وسادهتا...لتفرغ أنوثتها
على صورة زلمد ادلعلقة على ظهر الوسادة...
نفضت أفكارىا ودموعها" ..مل يكن زلمد من ظلمٍت ..أعرؼ ىذا
من أوؿ يوـ ،دمائنا ادلزيفة ىي من ظلمتٍت وحرمتٍت أف أكوف امرأة
وأـ؛ وبقيت عمري كأرض يابسة ،مل يزورىا ادلطر...
"مل طلطئ ليلة البارحة أنا أو صلالء ،من حقنا أف نَشبع...مل
نستسلم ذلذا اجلوع...ستعاقبنا ىذه األجساد إف مل نعطها حقها؛
ولتحًتؽ الساللة اذلامشية يف اجلحيم" عاودت لبسها وانطلقت دلنزؿ
أخوىا
ٍ
بضحكة منتصرة.. استقبلتها صلال...
51
تعلمت صلالء أف صنعاء ليست كما تبدوا من شرفة غرفتها ،فمن
حُت آلخر تنظر اىل ادلدينة بشفقة وزباطبها بوشوشة:
" ال أسرار زبتبیء فيك صنعاء ،كل احملرمات تقاـ علی أرضك
ولكن غلب أف تغطى حبجاب؛ صنعاء مدينة الرياء اجلميلة ،مدينة
النفاؽ ذات اذلواء العليل...
الكل ػلمل قنطار من الذنوب ولكن مالئكتها ال تسجلها ،إف
أجدت يف إخفائها ،غلوز يف شرع صنعاء إرتكاب
الفواحش....لكن من وراء ساتر ..حائط أصم".
كانت صلالئنا الشريفة..برغم ذكائها ادلفزع ،أقل حذرا من صنعاء،
فبدأت األقاويل تلوكها ,وصارت النساء يتندرف حبكاويها..وعالقاهتا
ادلشبوىو..ولكنها وللعجب مرحب دائما بوجودىا فقد أصبح الثراء
باديا عليها..والناس يف صنعاء يقدروف الثراء ويغفروف خطايا
أصحاب ادلاؿ!..
بالرغم من حرصها الشديد علی ادلاؿ ..تعلمت أف مظهرىا الغايل
الثمن يزيد من شبنها..فلم تبخل..مثلها ؽللك عقلية ذبارية فذة...
وصلت دلسامعها بعض األقاويل ،ضربت هبا عرض
احلائط...حذرهتا عمتها كثَتا...فقد صارت عمتها بئر
أسرارىا...وغطائها حُت تذىب دلمارسة اعماذلا...كما تسميو...
وقد صار بالفعل عمل...ال وجود حتی دلشاعر ارتواء تراودىا
52
كادلاضي ..وىذا أفضل بالنسبة ذلا؛ إحساس االشتهاء ..والرغبة
تقيدىا ،أما االحًتاؼ فهو ؼللع ىذه القيود فتصبح رلرد آلة
متمرسة...تعرؼ ما تتطلبو اللحظة وما يرغب بو كل زبوف لديها...
احلت عمتها كثَتا بأف تأخذ حذرىا..
وأشارت عليها بفكرة للخروج من ىذه األقاويل...الزواج! ..ال
غطاء أفضل للمرأة من الزواج...فزعت صلالء" ..كيف يل أف
أتزوج...أنا مل اشبع من صبع ادلاؿ ...مازاؿ ينقصٍت الكثَت"...
"اطمئٍت...ستزيد حريتك بعد الزواج كثَتا...ال عيوف تراقب
ادلتزوجة ..وال أقاويل تطاذلا" راقت الفكرة لنجالء...ستتزوج...مل
ال..وتنتظر من يطرؽ باهبا ولن ترفضو كعادهتا...
وطرؽ الباب ىامشي من أسرة عريقة...ولكنو ال يعمل حتی اآلف ومل
يكمل دراستو...ال ؽللك سوی إسم عائلتو وصرخة بدأت تًتدد يف
أضلاء صنعاء...
يف نظر اذلامشية...ىذا زوج مشرؼ ..ال يعيبو إال ولعو بالقات..
ت سريعا بعد أف ذىبت
وما العيب ..الشعب كلو ؽلضغ القات؛ ُزف ْ
لطبيب أصلح ما افسده أوؿ عشاؽ صلالء...وأعاد عذريتها...بعد
أف تذوقها الطبيب طبعا ..فسعر العذرية يف صنعاء أصبح غاؿ
الثمن .وانتظرت يوـ زفافها...صبيع من تقوؿ عليها باألقاويل كاف
من أوؿ احلضور...العرس ليس بسيط ..اذلامشية ال تتزوج بعرس
53
بسيط فأرواح أجدادىا ربضر أعراسهن وتباركو .بالرغم من الغشاء
ادلزيف إال أف اجلينات ىي الغالبة دائما
54
اخضر...كأورؽ قاتو اليت أدمنها منذ سنُت...
ودوت الصرخة احلوثية يف األجواء...معلنة انتصار السيد...
55
()9
وينقشع الظلم
( ألثائر األمسر )
56
أوصلها السائق أبواب اجلامعة ،تظاىرت باذلدوء زلاولة إخفاء
الفرحة اليت تسري يف دمائها ،منذ أف دخلت اجلامعة وىي مل تعد
سبشي على األرض ...إهنا تطَت كفراشة ...تذكرت بفرحة حلظة
موافقة زوجها على دخوؿ اجلامعة ،ألوؿ مرة أسرعت لتحتضنو
وتقبلو ،ألوؿ مرة قَبِلَ ْ
ت شفتاىا دبالمستو أخَتا .ومن يومها بدأت
تتغاضى عن تقلباتو اجملنونة وىوسو ادلرضي؛ بالرغم من نظرات
السخط وعدـ الرضى الىت يرمقها حُت يراىا منكبو على كتبها
ومالزـ جامعتها ،إال أهنا تتجاىلو بربود.
الغريب يف ادلوضوع بأف التحصيل العلمي مل يكن علها األوؿ ،فقد
كانت كمية ادلعرفة اليت اكتسبتها من قراءاهتا ادلتعددة أكثر بكثَت
من ادلعلومات اليت تستمدىا من زلاضرات اجلامعة...
كاف سَت احلياة يف اجلامعة ىو ما يثَت شغفها وفضوذلا؛ ضحكات
الطالبات وأحاديثهن ادلتنوعة ىي ما ؽلتعها ،أحست من يومها
األوؿ بأف ىذا اجلمع برئ مل يتم السطو على براءتو بعد .كانت
ذبلس بانزواء وتستمتع دبشاىدة ساحة اجلامعة ،وتتبسم حُت ترى
النظرات الىت يرمق هبا شباب اجلامعة للطالبات ،يرى البعض بأف
رلتمع اجلامعة مليء بالفساد ..واالختالط ..كم ىم جهلة
57
وسلطئُت ،ليتهم يعرفوف باف الفساد يف اليمن متخفي خلف
اجلدراف؛ فساد سلتوـ خبتم الشريعة والعرؼ...فساد شرعي ،على
سنو اهلل ورسولو..
استمرت بارتياد اجلامعة حىت مسعت أخبار متداولة عن بداية ذبمع
لطالب يقوموف باعتصاـ مطالبُت بتغيَت نظاـ احلكم!! شعارات
كثَتة استمعت ذلا بشيء من الفضوؿ..
"رفع الظلم! كيف يتم رفع الظلم يف بلد يتوارثو اجلُور والعدواف أباً
عن جد...الظلم يف بالدي رمز ..معلم سياحي ..كيف لليمن اف
تكوف ؽلنا بدوف ىذا الظلم؟"...
حذرىا زوجها من الذىاب ذلذه االعتصامات ،وعدتو بصدؽ أهنا
لن تذىب وأف األمر ال يعنيها .كاف ُجل ما زباؼ منو أف يتم
إغالؽ اجلامعة...لكنها استمرت يف تقصي أنباء ىذه االعتصامات
إىل أف أقيمت منصة تقاـ فيها اخلطب واألناشيد ادلطالبة
بالتغيَت...
حىت جاء يوـ طلبت منها زميلتها الذىاب معها دلكتبة الكلية
اجملاورة" ..ولكن كيف سنتخطى الساحة؟""...سنمر سريعا"...
أقنعتها زميلتها وشي يف نفسها ػلثها على عدـ الرفض.
قادهتما أقدامهما للساحة ،حاولت ذبنب الشباب لكن الغريب اهنم
كانوا يبتعدوف عن طريقهن بكل أدب ...ومل تطف نظراهتم على
58
أجسادىن ،بل ومل تصل ذلن أي عبارة غزؿ كعادة الشباب يف
الشوارع واألسواؽ ..وحىت يف اجلامعة أحيانا...اجلميع يصغي
لشاب ضليل ػلمل ميكرفونا ويعتلي ادلنصة؛ شاب أسر اجلميع
بثبات كلماتو ،حبماس وشجاعة تطل من عينيو ..تباطأت
خطواهتا ..وزميلتها ربثها على ادلضي" ..انتظري قليال ..دعينا
ِ
نستمع...دعك منهم فهم يتطاولوف على الرئيس ،اهنم صبع بال
تربية؛ يدفعوف ذلم األمواؿ لتخريب البلد...إهنا األحزاب من
ربركهم...أمل تستمعي دلا قالو الرئيس البارحة؟؟ إهنا مؤامرة أمريكية
إسرائيلية لتدمَت اليمن"..
اسكتتها" ...انتظري أرجوؾ أريد أف استمع قليال"...
تابعت بصمت الشاب األمسر النحيل ،مل يكن ػلمل ورقة يف يده
"..ىل حفظ ىذه العبارات قبل إلقائها!...كال " أحست من
مالزلو باهنا وليدة اللحظة ،أحست بصدؽ كلماتو اخًتقت صميم
قلبها ،أحست بالدموع سبالء عيناىا .مل تعرؼ دلاذا! ردبا من صدؽ
كلماتو ...من األمل الذي ينبعث من صدی أحالمو..
ظل احلشد يتابع الثائر النحيل وأصوات التشجيع تقاطعو حينا..
فال تزيده إال قوة ..وضباس..
أنصتت بقلبها ذلذا الصوت ..ما الذي أصاهبا؟؟
لثانية صغَتة التقت عينا الشاب بعينها ..ثانية كلمح البصر
59
...لكنها كانت تكفي لتخًتقها ،اطمئناف عجيب سری يف روحها
وىي تسمعو يردد"...سَتفع ىذا الظلم...وسنقتلعو من جذوره"..
أحست بأنو ال يقصد الوطن وال يطالب باحلرية ألرض اليمن!! بل
كأنو ؼلصها باخلطاب " ..يقصدين انا...ىذا الشاب يوجو الكالـ
يل!" شدهتا زميلتها من كتفها فأخرجتها من ذلك اإلحساس الذي
احتل كياهنا "...ىيا بنا تأخرنا"...
واصلت ادلشي ومازاؿ صدى صوت الشاب ػلتلها...
60
()11
وضلن ينابيعو..
سنبيع!
(الشريفة صلالء)
61
وقفت صلال أماـ مرأهتا تكمل تربجها ،وضعت بضع قطرات من
عطر عريب ثقيل ادللمس علی جسدىا واكثر منو بُت فخذيها؛
لديها اليوـ زبوف جديد...عميل لو وزنو السياسي ..كبَت يف احلزب
احلاكم ،تسلق سريعا ليصبح من األذرع القوية للحاكم..
مثلهم يدفعوف بسخاء ،ال يلقوف باال للماؿ ..يرمونو ربت أقداـ
الغواين دلتعتهم وكأهنم يبتعدوف عن قلق السياسة بغوانيهم..
دلتها عليو زميلة يف ادلهنة!!! تطلق عليها لقب (الزميلة) لتخفيف
حدة اللقب احلقيقي دلهنتها (..قوادهتا)...
مع توغلها يف عامل ادلهنة الذي اختارتو؛ اكتشفت بأهنا ربتاج كثَتا
لدعم فهذه ادلهنة عامل كبَت؛ عامل سري سراديبو ربت مدينة
صنعاء!.
62
وال خَت من قوادة تكوف ادلرشدة دلثل صلالء ..برغم ادلبالغ الكبَتة
ادلستقطع إال أهنا حباجة ماسة إليها ..وال تنكر فضلها يف أمور
كثَت..
أرشدهتا إلی عدة زبائن يديروف الرأس من رلرد ذكر أمسائهم..
زبتلف انتماءاهتم ،مذاىبهم ،أعماذلم... ،واحيانا جنسياهتم...
ال يتشاركوف إال يف امتالكهم للماؿ و تقديرىم للمتعة واجلماؿ...
ولكل منهم مزاج خاص ...قوادهتا رباوؿ أف تدذلا علی مزاج كل
واحد منهم علی حدة ،وىذا يزيد من إحساسها بادلغامرة وادلتعة...
أكملت ىندامها ولبست عباءهتا وغطت وجهها باللثاـ وعلت
باخلروج ..يف طريقها للباب مسعت صوت السيد
زوجها..يصيح..إلی أين؟؟
أخرجها من العامل الذي تفكر فيو..
و نظرت إليو بقرؼ "جلسة مقيل لبعض الصديقات...مل
السؤاؿ؟"..
مازاؿ أثر القات ؼلرج من شدقو ،وما زالت تتخيل السائل األخضر
ؼلرج من فتحات جسده حتی أذنيو كاف ؼلرج منها ىذا القيح
األخضر.
أبعدت نظرىا عنو فلم تعد تستطيع أف تتحمل النظر إليو...
""لن زبرجي اليوـ ..ماذا سيقوؿ الناس ..يوميا زبرجُت وال تعودين
63
إال متأخرة ..احًتمي ىذا الرجل الذي ربملُت امسو ،احًتامي اسم
والدؾ ..ىل نسيت من ضلن ..ىل نسيت مسعة عائالتنا؟...ضلن
أشراؼ البلد وكل العيوف تبحث عن خطاء لنا ..أخطاء ألحفاد
الرسوؿ"
مسعت منو ىذا ادلوشح كثَتاً وتعرؼ دوائو؛ قلبت حقيبة يدىا
وأخرجت أوراؽ نقدية ..رمتها أرضا"...حق القات"...
تبسم بأسناف خضراء " سانتظرؾ "..وصبع األوراؽ النقدية من على
األرض" ..أقضي وقتا شلتعا ..حاويل أف ال تتأخري يا شريفة
قليب"..
وبنظرة مطمئنة أضاؼ "سأبقى لك قات لتكملي التخزينة معي
ىذه الليلة أشتهيك!!"..
ضحكت ساخرة ..وىي ربدؽ يف عينية ":لو كاف فيو لنب كاف
حلبناه"
ذباىل ردىا وكأنو مل يسمعو ..وهترب من نظرهتا اليت تعريو وأغلق
خلفها الباب مستعجال خروجو للحاؽ لسوؽ القات قبل أف ينفذ.
يف طريقها تذكرت زوجها "كل منا يتاجر بطريقتو ..ضلن نتاجر
بنفس اجلسد ،كلنا نعلم ىذا يف قرارتنا...وعيوننا تقولو علی الدواـ؛
ولكننا نكتفي بالصمت...طلفيو ضمن تقيتنا اليت أجدناىا عرب
التاريخ" تشفق عليو أحياناً فهو جائع أيضا ،وإف اختلف نوع
64
جوعو...لكنو مل يبحث عن اخلمر كوالدىا ادلتعطش للشرؼ
العائلي الذي ضاع منذ عشرات السنُت ..أو كعمتها اجلائعة للمتعة
اليت حرمت منها ..أو كجماعتها ادلختفية يف اجلباؿ تتزود
بالسالح ..صباعتها اجلائعة للسلطة
"قد يكوف زوجي ردبا ىو الوحيد الذي ال يعاين مثلنا فاكتفى بأوراؽ
القات ..ألنو ال ؽللك داخلو أي شيء ..ال يطلب شيئا ..فال
أحالـ لديو وال طموح ،حتی الصرخة اليت يرددىا ..ىو حقا ال
يفهم معناىا ..لقد اكتفي بأف السيد يرددىا ..وىل من شرؼ
كشرؼ السيد الذي سقي من الساللة ادلنوية...
جوع زوجي ىو األخف وطأة؛ إنو ػلتاج القات لكي يشبع ىذا
اجلوع ،ويكتفي بأحالـ فارغة ..يبنيها وىو ؽلضغ القات...ويتقيأىا
بعده" وىا ىي ال تبخل عليو؛ يكتفي من ذبارهتا بساعات ؽلضغ
فيها أوراؽ القات.
نفضت أفكارىا وطردت زوجها السيد اذلامشي...وانطلقت دلوعدىا
ادلرتقب مع السياسي الكبَت
65
()11
الدنيا ال ترى
عمياء..
( أمل )
66
تثاقلت الطالبة اجلامعية يف خطواهتا ،وظلت رباوؿ اف تسرؽ نظرىا
لسائقها حىت يبتعد بالسيارة..
اختفى صوت السيارة اخَتاً...أسرعت اخلطى...وذباىلت قاعة
احملاضرات وانطلقت ربث اخلطى للساحة.
منذ ذلك اليوـ وشغفها للساحة يزداد ،تسرؽ الوقت وتتجاىل
احملاضرات وذبري لتستمتع بطعم احلرية؛ كانت تتنفس يف أضلاء
الساحة ىواء جديد ليس كخارجو وكأهنا يف بلد آخر...طاىر..
لقد بٌت الشباب يف الساحة ادلدينة الفاضلة ..كانوا أقوى من
فالسفة األرض وأخرجوا ادلدينة الفاضلة من الكتب دبعجزة إؽلاهنم،
و حققوىا على األرض..
كاف اجلميع ؼللع خنوعو يف نقاط التفتيش اليت أقامها الشباب
ويدخل بروح جديدة مل تتلوث بالظالـ الذي رويت بو أرض اليمن
من ألف عاـ...وأكثر..
مل تكن تشارؾ يف الفعاليات ادلقامة إال بادلشاىدة فلم تكن ضليعة
بالسياسة ..ومل تشغل باالً هبا ..خاصة للسياسة يف اليمن ،فقد
67
كانت ترى أف ال شيء سيتغَت ،واف ىذا الشعب قانع بالظلم..
وراض بو...كما كانت تفكر ىي أيضا :الظلم قدر من ربنا ..ولن
يرفعو سواه...
لكنها كانت تضبط نفسها أحيانا وىو تردد الشعارات...خجلت
يف البداية لكنها قاومت خجلها واستمرت بالًتديد ..بكل سعادة
...
رائحة احلرية يف ىذه الساحة جبارة ،تكتسب القلوب قلبا قلبا ..لن
تنسى شبابيك العمارات ادلطلة على اجلامعة وىي تردد ىتافات
الشباب ناىيك عن الكعك البلدي الذي كاف يوزع بكل ود قادماً
من كافة أضلاء صنعاء ،بداء إؽلاف شباب الثورة يصل لقلبها...لن
يرفع الظلم إال بالتصدي لو...
كانت تبحث عن الثائر الذي شدىا يف أوؿ يوـ ذلا يف
الساحة...وكاف دائما موجود...حملتو احد ادلرات شلسكا (برويت
ناشف) ويدىن عليو قطعة جنب صغَتة ...وجبتو للغداء!!! يكملها
وينطلق للمنصة ليلهب القلوب خبطبة تتذوؽ فيها طعم احلرية .مع
الوقت اكتشفت باف الكثَت من الشباب مشاهبوف لثائرىا؛ نفس
ادلالمح السمراء األبية ،نفس ادلالبس البسيطة ادلرتبة بسيطة الثمن
...األجساـ الناحلة...ادلليئة بالقوة بنفس الوقت..
ما ىذا ادلزيج الغريب؟؟ تساءلت " كيف ذلم أف يكونوا هبذه القوة
68
وضلن ضليا على ىذه األرض صبيعاً؟ ..كيف استطاعوا دوف غَتىم
أف يتحرروا من خوفهم...ما تلك الوصفة اليت صنعت منهم عمالقة
يواجهوف ىذا الظلم ..وطواغيتو...كانت افضل حلظاهتا يف الساحة
حُت ػلُت موعد النشيد اجلمهوري يف الساحة ،فيقف اجلميع بال
استثناء شبابا وشيوخا ..فتياف وفتيات ..وينظروف للعلم اجلمهوري
ويرددوف النشيد بصوت واحد .مل تكن ربفظو يف بادئ األمر
ولكنها ال تستطيع إيقاؼ دموعها :دموع بطعم خاص جديدة؛
دموع بطعم احلب ذلذا الوطن ..دموع حرة ..ال تعرؼ القيد والذؿ
" كم أعشق ىذا الوطن ،مل أدرؾ مدى حيب ذلذه الًتاب إال بعد
أف سقاين شباب الثورة ىذا احلب..".تابعت مرددة
69
()12
(الشريفة صلالء)
70
رفع ادلسئوؿ الكبَت مساعة اذلاتف وانتظر حىت مساع صوت الطرؼ
اآلخر ..بلهجة سوقية
"ىياااااا مو؟؟؟
أين البضاعة؟؟؟
تصرفات اؿ....ال أقبل هبا؟؟؟
حسنا ..ذكريٍت ما أمسها؟؟؟ االسم احلقيقي...اشلمم من أي
بيت...
ىامشية صبيييل....ىههههههو رباوؿ إخفاء امسها....
ىل تظن نفسها هبذا الذكاء ىهههو
حسنا...استعجليها...ستصلك مكافئتك أف كانت البضاعة
تستحق"...
استدع خادمو "أين ادلاء البارد"...
أهنی زلادثتو مع القوادة و َ
مسع صوت جرس الباب...فتح الباب...ودخلت صلالء ..غاصت
قدماىا يف السجاد الوثَت ،والتفتت حوذلا؛ مل تدخل قصرا كهذا من
قبل ..أطل صاحب البيت "أىال أىال جبميلتنا"...
قادىا لغرفة صغَتة "اخلعي ىندامك ىنا واحلقي يب للديواف"...
استدار حتی وصل الی الباب وكأنو تذكر شيئا ،التفت ذلا "..إياؾ
71
والسرقة...أعرفكن جيدا"...
فوجئت صلالء هبذه الوقاحة...
صحيح بأهنا أحيانا سبد يدىا وتأخذ أشياء صغَتة من بيوت زبائنها
ولكنها مل تتعود علی ىذه الوقاحة؛ مل تغضب من اهتامها بالسرقة
ولكن من طريقة لفظو" ..صحيح قبيلي جائع"..
تناست انفعاذلا وانطلقت أليو...ذلذا ىي زلًتفة ..يبدو أنو متعود
علی ىذا السوؽ فيجب عليها أف تبذؿ رلهود اكرب دلتعتو ،ال شيء
يعيقها يف إيصاؿ ادلتعة...ال يهمها سوی أجرىا...
دخلت وجسدىا يتطوح بدالؿ وغنج ..اقًتبت منو ...وبدأت
دبداعبتو...ابعدىا قليال"...ما امسك يا حلويت؟" ..أجابت:
"ليلی"
72
أغلق اذلاتف وامسك غَته ...واتصل متجاىال صلال وكأهنا مل تكن
موجودة...
بداء حوار آخر"...ما األخبار؟؟ ماذا الكرامة؟؟ حسنا ..ال تنسی
..كل شيء ..األمساء؟؟ وأماكن سكنهم؟؟ ومن أي
حزب؟؟...نعم الشباب وصلوا وينتظروف اإلشارة!...خذ حذرؾ ال
أريدؾ أف تُكشف فال أريد زرع أحد غَتؾ...فقد بدأوا باحلذر"...
أغلق ىاتفو ..مل تفهم شيء ولكن التوتر بدی عليو ،حاولت
معاودة اللعب ولكنها مل تفلح...التفت إليها أخَتا ،وبصوت عاؿ
نادی اخلادـ...
"نعم افندـ؟؟؟" أشار لنجالء"...أرين ما تستطيع فعلة هبا؟؟ ال
تنسی أهنا ىامشية؟؟ ارين كيف نتمتع ببنات األسياد؟؟؟...أمامي!"
ذُىلت صلال وبدأ اخلادـ بتعريها ...وؽلددىا علی بطنها يف أرض
الديواف ...دبنتهی العنف ..وخلع ثوبو وبدأ يف إرضاء سيده
السياسي الكبَت...
73
()13
وحىت الشياطُت..
(أمل)
74
منذ أف اصبح وطنها ساحة التغيَت يف جامعة صنعاء وذلا طقوس
خاصة يف يوـ اجلمعة.
تفرغ نفسها سباما ،وربمل دفًت زلاضراهتا لتحاوؿ اللحاؽ دبا يفوهتا
من زلاضرات؛ وتفتح التلفاز لتنتظر صالة اجلمعة مباشرة من قلب
الساحة..
"ما اصبل خطب اجلمعة من ساحة وطٍت احلبيب "...كانت
تتفاخر بأعداد ادلصلُت الذي يتزايد صبعة وراء صبعة ،مل تدرؾ أف يف
اليمن ىذه األعداد الغفَتة اليت تبحث عن العدؿ مثلها!! ىا ىي
رباوؿ قهر الظلم بأضعف األؽلاف...أربع ركعات...تصفع الظامل
األكرب يف اليمن ..وزبانيتو..
قرات اللوحة ادلعلقة بُت ادلصلُت(..صبعة الكرامة)
"(الكرامة) ..ىنيئا لكم يا أىلي طريق الكرامة الذي تسَتوف بو...
أىلي!! نعم إهنم أىلي ..منذ دخلت الساحة وانا أشعر
باألماف...وىل ىناؾ ما يشعرؾ بالدؼء واألماف اكثر من
األىل"...
استمعت للخطبة بكل ضباس وبدأت سبسك دفًت احملاضرات وتبدا
دراستها...
75
مل ؽلض وقت طويل حىت مسعت من التلفاز صوت ادلذيع يف حالة
مضطربة...
ورات من خالؿ الشاشة دخاف متصاعد...وأصوات رصاص...
ما الذي ػلدث؟؟...
أخذت الكامَتا تنقل صورا مباشرة للشباب ػلملوف رفاؽ
ذلم...دماء!! "نعم إهنا دماء ..وياله إهنم يقتلوف أىلي ..يقتلوف
أبناء وطٍت ..يقتلوف أخويت"
تزايدت أصوات الرصاص...وارتفعت أعداد القتلى ...واصطبغت
الشاشة بلوف الدـ...
مل يفجعها ادلوت بأحد من أقارهبا...مل تتذوقو قبال...حىت اآلف..
ذاقت معٌت الفجيعة..
صارت ثكلى" ..ما أقساؾ أيها ادلوت ..كيف زبتطف اطهر من
فينا ...كيف قويت على خلع األحالـ من قلوبنا بال رضبة"...
خنقت أنفاسها لكنها مل تزح عينها عن الشاشة "استمري أيتها
الشاشة بذحبي...سأكوف أضحيتك الليلة؛ وال تظٍت أف الدماء
ستدفن الوطن الذي وضعت قواعده يف الساحة...سيبقى
..وستكوف ىذه الدماء ىي السقيا لزىور الغد"...
ارتفع صوت ادلذيع ادلفجوع مثلها وىو يتنقل بُت اجلثث اليت نقلت
اىل ادلستشفى ادليداين...
76
يردد أمساء الشهداء ويعرض صورىم" ..وياله ..كيف ربس أمهات
ىؤالء الفتية...
شهيد جديد ُػلمل بأيدي رفاقو الباكُت...
اخًتقت الرصاصة رأسو ..ىا ىم ؽلسحوف الدـ من وجهو...
ويلي أصابتك طلقو الغدر يا أخي ..غدروا بك أيها الثائر األمسر..
يا من دلٍت على طريق حرييت...يا من تعلمت من صوتك الثائر
معٌت حب الوطن؛ ورددت بدموعي مع صوتك
77
()14
78
استفاقت صلال باكراً بفعل صوت ىاتف ملح ..إنو والدىا...
"نعم والدي"" ...أفيقي زوجك ادلخبوؿ وأحضريو حاال
للمنزؿ...أخربية أهنا أوامر السيد" ..أغلق اذلاتف سريعا...
أغمضت عينيها حاولت العودة للنوـ ولكن صوت والدىا
اللحوح ..أفاقها...
ذىبت للديواف...ونظرت إلی سلدع زوجها؛ أوراؽ القات وبقايا
سهرتو تنتشر حولو..
"منتهی القرؼ"..
ىزتو بعنف" ..أفق"...
أخذ وقتا كي يستوعب فلم سبر ساعة منذ غلبو النوـ" ..والدي
اتصل و يريدنا حاالً يف منزلو "..سبتم بكالـ مبهم ...عنفتو" ...إهنا
أوامر السيد" فتح عينيو مندىشا "السيد...السيد؟؟..قدس اهلل
نوره ..حسنا ..اسرعي "..ومل سبر نصف ساعة حتی كانا يطرقا
الباب...
أحس بأف ديواف والدىا شلتلیء ...دخل زوجها الديواف .
مل تكد تتحرؾ خطوة حتی غلبها الفضوؿ ..ووقفت يف مكاف
قريب تسًتؽ السمع علی اجلمع...
79
أصوات سلتلطة لكن وصلتها بعض العبارات...
-سلم اهلل ..كاف اجلميع متيقظا...وابتعدوا حبسب اإلخبارية..
-بدأوا يشكوا ...يف كل مرة ال أحد منا متواجد...
-خيمة الصمود...ال ال تثقوا يف احد..
-لكنو من حزب اإلصالح؟؟
-بيت الشامي ىامشي يف األساس.....
-حتی األف االفندـ تصلو ادلعلومات كما أمرمت.....ال..ال ..ما
يأمر السيد فقط بايصلو...
اختلطت بعدىا األصوات ..ومل تعد تسمع سوی علهمات؛
حاولت االقًتاب أكثر ..وفجأة وضعت األـ يدىا علی كتفها..
"ىل جننيت؟" شدهتا للداخل" ..ىل تعرفُت من يف الداخل انو
مندوب السيد ...جاء متخفيا...بأوامر من السيد...
سيأخذوف زوجك للساحة ...ػلتاجوف للهامشيُت ىناؾ "..تبسمت
صلالء للفكرة ،ستتخلص منو قليال" ..ليتو يقتل ىناؾ بطلقة
طائشة...ولكن يبدوا أف أعمار اذلامشيُت أطوؿ من غَتىم..
والساحة خَت دليل" تبسمت ضاحكة يف تشفي...
وأعادت ذلا ذاكرهتا احملادثات اليت مسعتها يف ديواف والدىا وتذكرت
ادلكادلة اليت مسعتها يف بيت السياسي...تبسمت يف دىاء...
80
"لسنا هبذا الضعف كما نبدوا"...
"ضلن من نرقص برؤوس األفاعي" ..
81
قدؽلا ..وما الذي عاناه من الطاغية حاليا"...
ىز كتفيو بال مباالة ،وضع الكتب جانبا ..وذىب ليغط يف
النوـ...
بقليل من الفضوؿ أخذت تتصفح الكتب...أشعار للربدوين ..رواية
للزبَتي و أخرى تدعى الرىينة...أمسكتها وبدات تقلب يف
صغحاهتا؛ شدىا الوصف اجلميل لقصور اإلماـ...وخدمهم...
والدويدار ادلرهتن ...حىت وصلت للشريفة صفية؛ وصالت القراءة مث
مزقت الكتاب ورمتو جانبا"...حُت يتعلم العبيد...يتطاولوف على
شريفاهتم!!!"
رف جرس اذلاتف...إهنا قوادهتا ..حاف موعد للعمل....
82
()15
ضلن من نسقيو..
( أمل )
83
ىل ذىبيت إىل ساحة التغيَت؟؟"
باغتها بالسؤاؿ..
نظرت لو بعيوف استوطنها احلزف"...مل السؤاؿ؟؟"
"حالك من هنار صبعة الكرامة غَت طبيعي...ىذا احلزف...وىذه
الدموع ،وكأف عزيزا لك قضى ضلبو"..
نظرت لو بتحد" ..نعم فقدت عزيزا ،بل أعزاء...صبيع من استشهد
يف ىذه الثورة عزبز وغاؿ علي".
فوجئ بنربة التحدي يف صوهتا "ال تنسي وضعي ومكانيت...أنا
تاجر وغلب أف أبتعد عن السياسة ...واقف على حياد"..
"لكٍت ؽلنية ووضعي ػلتم على أف اقف مع وطٍت"..
تشعب احلوار وبداء يفقد أعصابو ..رفع كفو وىوى هبا على وجهها
ليصفعها...فوجئ بيدىا تقبض يده بصالبة..
"انتهى وقت الصفع واخلوؼ ،ولن سبد يدؾ ثانية لتضربٍت...
وسأقوؿ ما احب ويف أي وقت احب"...
تابعت بتماسك" ..لقد بدأت اشك يف قواؾ العقلية ..ما ىذه
السادية اليت ربتل نفسك ...ىل ذلا عالقة دباضيك! ما الذي
84
أصابك لتُخرج غلك وكرىك على جسدي كأنك تنتقم منو ومن
ماضيك"..
مل يصدؽ ما تسمعتو أذناه ..تطاير الشرر من عيناه وبكلتا يداه
أخذ يكيل ذلا الضربات وجسدىا بالركالت...
"من تكوين لتحدثيٍت هبذه الطريقة"...
استسلمت ذلجومو ألهنا لن تقوى على صده ..وحاولت البقاء
ىادئة ما أمكنها ...تركها بعد أف كلت يداه وخرج من ادلنزؿ...
جبسد مدمي زلطم ،أعدت حقيبتها...وضبلتها اىل منزؿ والدىا...
وجلست تنصت لغضب أمها ..وأباىا ..وصبيع أىلها بكل برود...
انتظرت حىت انتهوا ودخلت سلدعها القدًن واستسلمت لنوـ
عميق..
مل يصدؽ نفسو حينما علم باألمر...صبع أبناء عمها وذىب إىل
منزؿ والدىا ليسًتجعها...
بدأوا االجتماع...فجاءة دخلت عليهم وبكل ثبات...
"أنا لن أعود لو أبدا ..ولن اقبل بظلمو أو ظلمكم يل ما حييت
...وإف أصررمت؛ سأدخل احملاكم...وأطالب حبقي خبلعو ...واملك
الكثَت ألقولو ىنا وىناؾ"...
كشفت عن جزء من كتفها...عليو آثار جروح قدؽلة...
"من أراد البنتو أمواؿ ىذا الرجل فليهدىا لو"..
85
ورمت علبة كبَتة مليئة بالذىب...
"ىذا ما حصلت عليو منك ..ىو لعنة بالنسبة يل مع عالماتك
وندوبك على جسدي...ولألسف ال املك طريقة لردىا لك"...
ذىل اجلميع من القوة والصالبة اليت تتحدث هبا...قاـ التاجر من
مكانو واخذ الصندوؽ بغل والتفت إليها:
"أ ِ
نت طالق"..
86
()16
ملك لنا..
السلطة ٌ
نقتل ..نسرؽ..
( صلالء )
87
مرت األياـ على الشريفة صلال وأخذ ادللل ػليطها ،من وتَتة احلياة؛
فلم تعد تشعر بنفس اللذة حُت تكنز األمواؿ...ردبا ألهنا صبعت
الكثَت! وردبا ألف جوعاً جديداً بداء يتسلل إليها...
بعد ما آلت إليو أوضاع اليمن ،بدأت ربس بأف شيئا سيحدث،
واف مراكز القوى يف اليمن سوؼ تتغَت .بداء جوفها ػلس بنوع
جديد من اجلوع...قد يكوف جوع أزيل يف بٍت
ىاشم...السلطة"...ومنذ مىت مل نبحث عن السلطة ...ىي حقنا
اإلذلي ادلغتصب من عواـ ىذا الشعب..
لكن كيف ىو الطريق لتخطوا ضلو السلطة.؟"
كانت دائمة الزيارة لقوادهتا ،ال لتبحث عن زبائن ؽللكوف ادلاؿ؛
ولكن لتبحث عن من ؽلسكوف مفاصل الدولة...
ومل تكتفي كالسابق ببيع متعتها لليلة واحدة معهم ..بل كانت
رباوؿ وىي بُت أحضاهنم أف تزيد من شغفهم هبا ،ليزدادوا من
تعلقهم هبا ،ويبحثوا عن متعتهم جبسدىا ىي ..وىي بادلقابل
كانت ذبمع كلماهتم اليت يتلذذوف هبا بعد أف يشبعوا شهواهتم..
لتبحث عن طريقها ىي..
ابتكرت أساليب جديدة...للمتعة ...ولكأف الشيطاف كاف يقف
88
متعجبا من ىذه األفكار!...
كاف يدخل عقلها متأمال...فوجىء..عندما وجد أئمة يقيموف
فيو ..من ألف عاـ ينحتوف يف عقل ىذه الشريفة مقعدا
للسلطة...وينتظروف منها إقامتو...
89
()17
دائماً..
أحياناً..
تعيد لو استقامتو.
( أمل )
90
ضبلت حقيبتها ودفًت زلاضراهتا ولبست لثامها ومرت أماـ والديها
وانطلقت جلامعتها...
حاولت األـ أف سبنعها لكن األب استوقفها" ..ال تقفي يف وجهها
فهذه ليست أمل القدؽلة ..الفتاة ادلغلوب على أمرىا ،اليت تستقبل
ضربات القدر وىي ربٍت ظهرىا لو حىت سبر؛ إهنا إنساف أخر اآلف..
ما مرت بو من ذبربة الزواج الفاشل ..ودماء قتلى الساحة
...جعلت الظهر ادلنحٍت يقف صلبا ..ثائرا...
لقد فكت َكسر عبوديتها ..وانطلقت ..ولن يزيدىا أي قيد إال
تصميما وإرادة اقوى..
ذبنيب أف تواجهي ثورهتا...فستهزمك"..
سكتت األـ على مضض..
وانطلقت أمل إىل ساحة التغيَت ،ومل تكتفي بادلشاىدة كعادهتا بل
دخلت خياـ الثوار وحبثت بكل علة عن عناوين شهداء الثورة...
وانطلقت لتزور ذويهم...
يف كل بيت قصة لثائر وأحالـ يرددىا أىلهم بدموع حزف...
استمعت لكل قصة وكأهنا أساطَت بكل تأف.
مل تكن تستمع بأذنيها بل كاف ربس بشغف روحها وىي تتزود هبا؛
91
كجائع مل يكن يعرؼ ما الذي ينقصو ،كانت تنقصها احلرية ..وىا
ىي تنهل منها األف...
دخلت منزؿ ثائرىا األمسر النحيل ..استقبلتها األـ بكل ترحاب،
كانت تتخيل بأهنا ستجد أـ ثكلى ..منهارة ...ولكنها وجدت أـ
قوية سبلك نظرة أبنها ..تلك النظرة اليت اخًتقت كياف أمل من
قبل ..ىا ىي تراىا يف عيٍت والدتو..
شعور غريب راودىا وىي تتحدث مع أمو ،أحست للحظة باهنا
ذبلس يف حضرة وطن ،أهنا تتحدث مع اليمن شخصيا .استمعت
لكالمها ...مبهورة ...كانت تتساءؿ من الذي صنع شباب
الثورة؟؟!...ودلاذا ليسوا كاجلميع؟؟!...
حُت تكوف أمك وطن ..لن تقبل أبدا أف تكوف عبدا جملتمع أصيب
بالتعب ..وناؿ منو ادلرض ..بل ستبحث بيديك عن ترياؽ ذلذا
اجملتمع ،وستدفع روحك شبناً ليصحو من جديد ...وػليا...
وكأف أـ الشهيد ذبولت يف روح أمل وىي تستمع ذلا...
"انتظري ابنيت ..سأحضر لك ىدية ..أمانة احتفظي هبا...ىي
اغلى ما املك ..ولكٍت اعلم بانك ستحافظُت عليها وتقدرين
شبنها"
اختفت قليال وعادت ربمل ..رلموعة من األوراؽ وادلذكرات؛
وضعتها يف حضنها"...ىذه أحالـ إبٍت ..أرجوا أف ال تبقى حبيسة
92
حربىا...مثلك من سيحررىا من سجن أوراقها"....
احتضنتها أمل وكأهنا احتضنت الدنيا..
وغادرت
توالت وتَتة األحداث سريعا على اليمن واجلميع متأىب دلا ػلملو
الغد ،صدمت أمل للمخاض الذي انتج مبادرة ضبلتها دوؿ اجلوار،
أضاعت فيها دماء شهدائها وأحالـ ناشطيها ...وتفاجأت من
زباذؿ األحزاب اليت ظنت أهنا كانت سندا ذلم؛ واكتشفت
متأخرة ..أف األحزاب ىي من كانت حباجة لسند من ظهور
الشباب احلائر...
زبلت األحزاب عنهم ووضعت بثقلها بتلك ادلبادرة اجلائرة اليت
ساوت بُت القاتل والضحية..
ساوت بُت صاحب احلق ومغتصبة...
استمعت مع غَتىا دلمثلي األحزاب وىم يربروف قبوؿ اجلور الذي
وقع عليهم..
اجتمعوا على مقولة أف حقن دماء اليمنيُت أىم من أي خطيئة
ضبلتها ىذه ادلبادرة.
ردت أمل حبدة "أف الدماء اليت ستحقن اليوـ؛ غداً ستسفك على
حرب مبادرتكم ،وستلعن دماء الشهداء صبيع من وقع عليها بل
93
وستكوف دوؿ اجلوار اليت خانت أحالـ الشعب اليمٍت؛ أوؿ من
يدفع الثمن...
ومن بُت ىذا الشتات اليمٍت كانت ىناؾ صباعة واحدة ،تعمل
دبنتهى السرية والدىاء...تسَت خبطى ثابتة ضلو أىدافها اخلاصة .مل
تسلم اليمن من ضعف الرئيس احلايل ومكر الداىية السابق وحىت
خيانات أصحاب ادلصاحل اللذين تضرروا من ثورة الشباب؛ تآمروا
صبيعا ليحولوا حياة ادلواطن اليمٍت البسيط إىل بؤس ..وضنك...
جعلت اجلاىل منو لبواطن األمور يتحسر على أياـ اقل بؤسا
94
عاشها قبل حُت ،فاحتاج ادلواطن البسيط دلنقذ...
مل يكن خلياؿ أمل أو غَتىا من الشباب احملبط أف ىناؾ من بداء
يُلبس صيب أضبق ،يعيش سلتبأ يف كهف مراف ..عمامة الوالية
..ويعد لو العدة ليكوف ىو الفىت ادلنقذ للبائسُت؛ وبدأت ادلؤامرة
تنطلي على الشعب البائس.
95
()18
لن ننحٍت..
( أبو جربيل )
96
احلوثي اسقط دماج ..وشرد سكاهنا...
احلوثي أسقط عمراف ..وفجر مساجدىا ..
قتل قائد معسكر عمراف بكل وحشية ،ولكن صلال غمرهتا نشوة
شريرة مقيتة سبنت لو كانت ذاؾ النهار يف ذلك ادلعسكر ،وأنشبت
أظافرىا يف جسد ذلك العجوز ادللقى مضرجا يف دمائو ،وأخرجت
كبده بيديها ..ومضغتو مضغاً ...ىنيئا ذلند بنت عتبو ما فعلت...
أرواح أجدادىا ادلقيمة داخلها...منتشية...وترقص بعربدة رقصة
رلنونة" ...ضلن نقًتب يا صلالء ،اقًتبنا من حقنا ادلغتصب ،قريباً
ستنحٍت نساء العبيد مرة أخرى لتقبل ركبتك كما قبلن ركب جدتك
صفية يف ادلاضي"..
صارت أحاديث الشريفة صلالء مع أرواح أجدادىا شيء معتاد،
كانت قوادهتا تظن أهنا اقًتبت من حد اجلنوف؛ فقد بدأت تزاوؿ
نشاطا غريبا .إهنا تبحث عن معلومات الزبائن اأثر من أحضاهنم أو
نقودىم أو فحولتهم ...تكتفي بزيارهتا لتساؿ عن أمساء زلددة؛
أحزاهبم ،انتماءاهتم ،طريقة الوصوؿ إليهم ونقاط ضعفهم .تكتفي
بادلعلومات...واف حاولت قوادهتا ..احلصوؿ ذلا على موعد مع أي
واحد منهم ..ترد بابتسامة غامضة " ليس اآلف "..حىت جاء
97
ادلوعد؛ وضعت االسم بيد قوادهتا "أريد موعدا مع ىذا الرجل"...
صعقت القوادة لقد توجس خيفة من صلال ،مل تعد تلك اجلائعة
للشهوة أو ادلاؿ ،لقد ربولت إىل وحش يلتهم كل ما أمامو.
"حسنا أياـ قليلة ويصلك اخلرب"...
98
"كال ولكنو يفضل الفتياف عنهن" اطرقت صلال براسها قليال مث
أجابت "أريد ساعة معو فقط ..ولك مٍت اكرب مكافئة"
ومل تكد أف سبض بضعة أياـ على استقرار وضع احلوثي وأعوانو يف
صنعاء حىت بشرهتا "حددت لك موعدؾ ادلنشود ،من اقرب
أصدقائو؛ إهنم منتشُت ىذه األياـ...أذىيب إليو وال تنسي مكافئيت
ومكافئة صديقتك".
جاء اليوـ ادلوعود ،مل تتربج صلالء كعادهتا بل أهنا وضعت القليل من
أدوات التجميل ولبست لبس سلتلف عن لبسها ادلليء باإلغراء...
ارتدت مالبس ذبعلها اقرب للفتياف؛ ووضعت عطر رجايل قوي
ابتاعتو خصيصا ذلذا اليوـ...وانطلقت...
استساغ جربيل حديثها والتفت إليها منصتا ،مل تتوقف صلال عن
ذكر إنتصاراتو وأرلاده وأخذت ترسم لو مستقبل اليمن اذلامشي...
"مل تعد الرؤوس متساوية...وعاد احلق ألىلو قريبا..
99
دعٍت اقًتب منك وأتلمس ىذه السواعد الشريفة ...ادلنقذة لبٍت
ىاشم وحقوقهم" اقًتبت صلالء وبدأت تضغط على سواعده
وأكتافو ...أشبعت أكتافو من التقبيل "أريد أف ادلك ىذه الكتف
اليت ربمل البنادؽ طواؿ اليوـ"
100
()19
( أمل )
101
تقدـ والد أمل منها وسحبها بعنف شديد؛ أخرجها من مركز
للشرطة وضعت فيو قصرا ىي وزميالهتا ادلعتصمات ..وتقدـ والدىا
من الشخص الذي غللس يف مقعد الضابط مشعث الشعر ذو
مالبس متسخة ،ؽلضغ أوراؽ القات ويستمع لوالدىا بتعايل..
"أعدؾ باهنا لن تعود ذلذا اخلطاء مرة أخرى" مل تنبس بكلمة لكن
الوجع كاف يعتصر قلبها وىي تری والدىا يتذلل ذلذا اذلمجي..
فرت من ىذا ادلنظر والتفتت للضابط الذي يقف منزويا علی كرسي
يف طرؼ الغرفة صامتا مطأطأ الراس ،رمقتو بنظرة ساخرة ،وكأف ال
حوؿ لو وال قوة هترب من نظراهتا ...وشعرت خبجل مكسور ؽلال
أجواء الغرفة" ..كل شيء ُكسر يف اليمن حىت رجولة أىلها تبعثرت
على طرقاتك يا صنعاء"..
أغلقت باب حجرهتا لعدة أياـ زلاولة تناسي الضرب واإلىانات
الذي تعرضت لو ىي وزميالهتا يف اعتصامهن..
ولكن عزؽلتها مل تنكسر ،بل زادت صالبة وأخذت تتنقل يف
الشبكة العنكبوتية تنشر رايها وربارب احلوثي دبا تستطيع...أسم
مزيف ..لتجنب والدىا غضب عصابة احلوثي؛ فلن يرضى ضمَتىا
بوقوفو متذلال ذلمجي قذر مرة أخرى..
102
تابعت الكثَت من أصحاب الراي وادلثقفُت يف ادلهجر ..وىم
ينشروف جرائم احلوثي على العامل ،بعد أف قطع صبيع وسائل
األعالـ ادلتواجدة يف اليمن ,سباماً كما فعل االماـ سابقا يف اليمن.
يهابوف أصوات غَتىم ..فيحاولوف تكميمها...
ويف احد الليايل الكئيبة (وصبيع ليايل صنعاء صارت كئيبة بعد
احتالؿ عصابة احلوثي اليمن)..قرأت منشورا ملئ بالشجن..
وكانو رثائية تبكي اليمن ..ىز كياهنا ...فبحثت عن اسم كاتبو
وتابعتو ..عرفت بانو من اللذين فروا من بطش احلوثي ،أمست
ليلتها تقرأ كتاباتو ،كانت تبكي مع حروفو الباكية ..وتتبسم أف
ضحك يف منشور..
ردىا على منشوراتو جبموح الثائر أحياناً ،وتقبلو ذلا بكل ود؛ أنشأ
بينهما صداقة صبيلة عرب شبكة اإلنًتنت ..أخرجتها من حالة
االكتئاب اليت أصابتها ،فتعلقت بو ..وىربت من جنوف احلوثي
ألحضاف كلماتو.
103
مل يطرؽ قلبها احلب قبال...
أيعقل أف يكوف قلبها تعلق هبذا الشخص؟!
طردت الفكرة من خياذلا" ..مستحيل ..كيف يل أف احب شخص
مل اره أبداً ..ليست حاليت سوى ىروب من الواقع الذي نعيشو يف
اليمن"..
حىت جاء اليوـ الذي طلب منها أف ربدثو ..ارذبف قلبها بعنف..
انتظر حروؼ ردىا طويال ،مل تعرؼ دباذا ذبيب ،كانت خائفة
وجلة..
تعلم علم اليقُت باهنا حُت تسمع صوتو لن تعود كما كانت ..لن
يبقى قلبها حراً" ..حاربت كثَتا من أجل حرييت ،ولن يأخذىا أحد
مٍت أبدا"..
زاد انتظاره ..فكتب ذلا قائال "..ال عليك ..إف كنت ال تودين"
جاءه الرد سريعا ىذه ادلرة
"اتصل"...
104
()21
( صلالء )
105
أصبحت الشريفة صلال زلظية القائد أبو جربيل ،تعلق هبا ..دلتعتو
ولذكائها ..ولوالئها الشديد الىدافهم ...وىي مل تبخل عليو بل
كانت تبتكر لو يف كل مرة طرقا تزيد من لذتو ومتعتو؛ مل يذؽ الذ
من شلارساهتا قبال سواء من ولدانو!! أو عشيقاتو..
أصبحت صلال زلطتو األولی بعد جوالتو ادلتعددة لساحات ادلعارؾ
الدائرة..
ومنذ أف أصبحت زلظيتو توقفت عن العمل سباما ،مل تكن القناعة
أو مشاعر حب ألبو جربيل ...مثلها يعترب احلب ضعفا وعائقا
لطريقها ...مازاؿ اجلوع مسيطرا عليها فلم ذبلس على كرسي
السلطة حىت األف؛ وىو الطريق إليو ..ومل يبق سوى قليل من
اخلطوات لتعتليو.
كانت ربس حُت تعتلي القائد أبو جربيل بأهنا تعتلي عرش
أجدادىا ...أجدادىا اللذين صاروا يف سليلتها يف الصحو ويف ادلناـ
علی الدواـ..
ويف ليلة من لياليهم الفاجرة وبينما اذلامشية الفارسة تعتلي ظهر
القائد ..وصلتة مكادلة ملحة؛ استمعت صلال معو للمكادلة ..صاح
الطرؼ اآلخر للمكادلة...
106
"كيف تفضلوف القبيلي عن ابن عمك ..كيف ؽلسك الكتيبة وانا
أكوف نائبا وال أبت بأمر إال يف حالة غيابو ..ىل ىذه أوامر
السيد؟؟"
رد أبو جربيل" ...ألنك دابة ال تفقو شيئا ..فليقد ىو الكتيبة ىو
وقبيلتو وليكن يف أوؿ الصفوؼ ...دعو ينعم باسم قائد ادلعركة...
ويتحمل خسارة األرواح مع قبيلتو ،صبيعنا نعرؼ أهنا معركة صعبة
ومن سيقود اذلجوـ سيخسر الكثَت من ادلقاتلُت ..وخاصة يف
الصفوؼ األوىل ..انتظر أنت وبقية اذلامشيُت واصبعوا الغنائم ورايات
النصر من فوؽ اجلثث"..
استمعت صلال بإعجاب لعقليتو قالت يف أعماقها "خلقنا لبعض يا
أبو جربيل ...كاف غلدر باألقدار أف ذبعلك زوجي ..ال يهم من
سيخلف جربيل أنا أـ أنت ادلهم أف نسًتد عرشنا القدًن"
وفجاءة التفتت إليو قائلة "فلتجعل زوجي يشارؾ يف ىذه ادلعركة..
واجعلو ػلمل شرؼ موقع الصفوؼ األوىل"...
107
()21
( أمل )
108
أصيب أمل باكتئاب حاد واف أنكرت ذلك؛ تبكي بال سبب،
وتضحك أحيانا أخرى بال سبب ..زادت ساعات نومها فتصحو
كرىا لتطعمها أمها ،لتعاود النوـ رلددا..
اعتكفت يف ادلنزؿ ،تقفل تلفوهنا معظم الوقت كي ال تكلم احد
وتفتحو فقط لتحدث حبيبها الوعلي...كانت سبر عليها حلظات
تشك بأف ىذا الشخص غَت موجود حقا ،وأف خياذلا ىو من صنعو
لتبتعد عما غلري حوذلا...
ابتعدت عن نشرة األخبار ..إف وجدت الكهرباء! ..وعادت لتقرأ
قصص األطفاؿ...
فرضت على نفسها طوقا حديديا مل يستطع أحد اخًتاقو ،تفر من
سؤاؿ نفسها ماذا حل هبا؟
كانت حُت يبدا عقلها بالعمل زبرسو "اعرؼ ما يب جيدا؛ انو
اخلوؼ ...اخلوؼ الذي كاف ػلتلٍت قدؽلاً عاد للظهور
109
سلتبئة تبحث عن من ػلميها ،تبحث عن احلماية حىت شلن يظلمها؛
تقبل الظلم الواقع خوفا من ظلم وعلي قادـ رلهوؿ"
كادت أف ذبن حىت فوجئت يوما بأمها تلح عليها بفتح الباب
فهناؾ زائر ذلا!
"ال أريد أف أرى أحدا" ردت بعنف ...وفجاءة مسعت صوت رخيم
من وراء "الباب افتحي يا أمل".
تعرؼ ىذا الصوت ،كيف ذلا أف تنساه؛ إهنا أـ الشهيد الثائر
فتحت أمل الباب وكأهنا تفتح أبواب اجلنة ...وارسبت يف
حضنها...
أجهشت بالبكاء وقالت الدموع كل شيء.
مل تعرؼ الوقت الذي بقت فيو يف حضن ىذه األـ ...األـ
الوطن ...ىل أحسست يوما بأف الوطن ػلتضنك ويضع راسك
على كتفو...
امل فعلت ..وبكت على كتف الوطن ،وربت الوطن على راسها
"ال عليك ...سيزوؿ كل ىذا قريبا...أعدؾ"
جلست بقرهبا وىي ربتضن يدىا:
"ىل ما زلت ربتفظُت باألمانة...؟"
"بكل تأكيد كيف يل أف أضيعها؟" وىبت لتحضر مذكرات
الشهيد...
110
"منذ مىت مل تقرئيها...؟"
اطرقت امل بنظرىا لألرض خبجل "منذ زمن طويل ،مل يعد ىناؾ
أمل...ضاع كل شيء"...
نظرت إليها أـ البطل بعتاب "إذف لقد خنيت األمانة"..
ردت أمل حبزف "أال تري ما حدث وػلدث؟"..
"وسيحدث" ردت األـ بكل حب:
"أف ىذه األرض غالية يا أمل ..وكل غاؿ يستحق أف يدفع من
أجلو الثمن ..وإف ِ
ظننت بأف دماء ابٍت ورفاقو يكفي ..فأنت
سلطئة؛ اليمن مازالت اغلى ...وكي ننالو غلب أف ندفع ما يستحقو
منا"...
رحلت أـ الشهيد ..رحلت بعد أف أعادت األمل ألمل..
وأعادت أمل قراءة مذكرات الشهيد تعتذر لروحو مع كل حرؼ
تلمسو ...ونفضت ما هبا من ضياع..
واسًتجعت روحها الثائرة.
ال خَت يف ثائر اذا مل يكن عاشق ..فاحلب عماد الثورة بكل أنواعو
..ىو وقود زلرؾ القلوب ادلتجهة لقبلة الوطن ..حب الوطن وحب
من ػلب الوطن.
111
عادت أمل تعيش مع صوت حبيبها من جديد أصبل اللحظات..
مل تكن تتخيل أف للحب يف قلبها ىذا السقف الالمتناىي من
ادلشاعر؛ آمنت أف احلب ال سقف لو...
صوتو الرخيم يستوطنها حىت تكاد ربس أهنا استحضرتو أمامها..
كاف ػلدثها يف كل شيء ,عن السياسة والفن ،والتاريخ ,حىت يزور
الوطن حديثهما
شجن وحزف ػلتل كيانو وىو يتذكر طفولتو وأياـ دراستو وكيف ضبل
بندقيتو األوىل أياـ ذبنيده .كاف يتغزؿ هبا وكأهنا زلبوبتو األوىل ..كال
ليست بندقيتو زلبوبتو األوىل ،بل كانت اليمن ..ادلعشوقة األوىل
والسرمدية ...كانت حُت تستمع إليو ،سبتلكها الغَتة ...نعم كانت
تغار من اليمن؛ عشقو ذلا كاف بال حد..
يف لياؿ كثَتة كاف حديثو العاشق لليمن يتخذ مساراً سلتلفاً؛ فتتحوؿ
مشاعر العشق إىل غضب من العصابة اليت شردتو وأبعدتو عن
معشوقتو ،وفجاءة يتحوؿ ذلك الصوت العذب إىل صوت ؽلأله
القسوة ،وتدرغلياً ،كانت قسوتو تطاؿ كل من حولو وكانت أمل يف
ادلقدمة...
مل ذبد حالً سوى االبتعاد عنو وعن قسوتو ،مل تكن تفهم يف بادئ
األمر سر ىذه القسوة ادلفاجئة...تبتعد أياماً حىت يعود ذلا معتذرا
عن قسوتو ...شيئا فشيا ...فهمت أف تغربو وتشرده ..خلق يف
112
صدره وحش كاسر ،ينتظر أف ينقض على مشرديو؛ كأف احلرب
واألحزاف يف اليمن ال تكفي ليزيد يف قلبها ىذا احلقد على حارقي
اليمن.
قلوب اليمنيُت اليت كنا نفخر بأهنا األ َرؽ واألل َُت؛ صارت اجلف
واقسى.
كانت زباؼ أحيانا من ىذا الشعور فلم يعتد قلبها على احلقد.
فال ػلرؽ احلقد والرغبة يف الثأر واالنتقاـ إال صاحبو يف ادلقاـ األوؿ
113
()22
( صلالء )
114
عمة الشريفة صلال بُت أحضاهنا ،تشرباف من رحيق بعضهما ..ففي
النهاية اكتشفت صلال بأهنا مل تعد تستطيب سوى مذاؽ عمتها،
بكفيها أف تستلقي وتستمتع بدوف أف تتعب نفسها يف البحث عن
طرؽ إلمتاع اآلخرين ..ومل تتواف العمة العانس يف أمتاع ابنة أخيها
ونفسها ايضاً ...بالرغم من اكتساهبا لعشيقات غَتىا ..يزرهنا من
حُت آلخر ..وما اكثر احملرومات منهن!! إال أف صلالء ذلا مذاؽ
سلتلف.
انتقلت للعيش معها بعد( استشهاد ) زوج الشريفة صلال ،تؤنس
وحدهتا...ولتخدمها...
بعد أف حلقتا يف السماء ،سبددت يف أحضاهنا وراحت تستمع
لتنفس صلالء" ..ما بالك"..
"مل اعد أطيق أبو جربيل ،نشوة ادلاؿ بعد اجلوع االنتصارات السهلة
ذبعل منو غبيا؛ يفتح جبهات ال ضرورة ذلا ..ويكسب عداوات
اكثر يوما بعد يوـ"...
"ولكنو مل يفرض سيطرتو على كل األرض حىت اآلف"
"اعرؼ ولكنو شتت قواتنا يف كل مكاف ..إهنا ليست حربو وحرب
صاحب مراف؛ إهنا ملحمة كل اذلامشيُت ،مصَتنا معلق جبمع من
115
احلمقى ...وانا ال أثق يف ادلخلوع ،أخاؼ أف يسحب مساندتو يف
أي وقت"..
هنضت متثاقلة لتضع قميص نوـ على جسدىا ادلتعب ادلتأمل بسبب
التهابات اللثة؛ ردبا كاف سببها نوعية الزبائن احملرومُت من
االغتساؿ ..وعادت رباوؿ النوـ..
116
()23
يف مقارعتو!
( أمل )
117
أمسكت أمل بيد أمها ادلتأدلة وأخذهتا مسرعة لطبيب األسناف فمنذ
حادثة االعتصاـ ادلشؤمة وىي رباوؿ أف ال زبرج من منزذلا مكتفية
بشبكة اإلنًتنت ..للتواصل مع العامل...
أدخلتها العيادة وانتظرت دورىا فادلكاف مكتظ بغَتىا من
ادلرضى...حاف دور أمها؛ أدخلتها وبقيت يف االنتظار فهي ال
تقوى على أصوات أدوات طبيب األسناف...
وأمسكت ىاتفها النقاؿ تتسلى حىت تنتهي حلظات
انتظارىا...فجاءة
أصوات ضوضاء يف غرفة االستقباؿ...
فتاة تصيح بأعلى صوهتا "أنا ؟؟ أنا ال انتظر يف غرفة االنتظار...
ىل تعرفُت من أكوف ...أنا الشريفة صلال ،لقد حضر ادلرافقُت قبل
ساعة وأنباؤكم حبضوري؟؟؟
ردت فتاة االستقباؿ بتلعثم" ..اعرؼ ولكن ادلريضة يف الداخل
اآلف...ال أستطيع إخراجها؟؟؟"
ضربت صلال طاولة االستقباؿ بشدة "...حسنا"..
وأمسكت ىاتفها ..واتصاؿ سريع ...أعقبتو دقائق من الصمت،
صعد شخصاف أشعثاف ػلمالف ما يكفي كتيبة من الذخائر،
118
واستمعوا لصوت صلالء ادلتعجرؼ وتوجهوا دلوظفة
االستقباؿ...ادلذعورة...
119
ردت أمل بغضب "أنتم حقا ال سبلكوف شيء...رلرد ساللة غبية
وضعت اليمن يف ىذه احملرقة ..دوف أف تفهم شيء عن
فارغة َ
احلياة ...غَت ساللتكم البائدة"...
تفاجأت صلالء برد أمل ،حاولت أف ترد لكن أمل أسكتتها:
"رصاص ادلقاومة من سَتد عليك وعلی أمثالك"..
أخذت صلالء زبرج عن السياؽ بألفاظ...اقل ما يقاؿ عنها أهنا
خارجة ...أمسكت ىاتفها" ..أبو جربيل ..حاال ىناؾ داعشية يف
العيادة ،إهنا هتدد...ماذا!...ال يهم ....القصف ..أريد
حقي...""..
مل تلق امل باال لبقية لصراخها ادلتعايل ..استقبلت أمها خارجة من
غرفة الطبيب...
تساءلت أمها ما ىذه األصوات"...ىل مسعيت القصف...حلقتها
أصوات نقاش حادة ىنا؟...وصلت مسامعي وانا بُت يد
الدكتور...؟؟"
امل" :ال هتتمي...وجع ضرس...وسيخلع قريبا بإذف اهلل"..
عادت أمل وأمها إىل ادلنزؿ فهو ادلكاف الوحيد الذي اليزاؿ ػلمل
اسم الوطن جبدارة فقد غدت البالد خراب ..جثث القتلى يف كل
مكاف ..تنهشها الضباع ..تُبكي القلوب...أطفاؿ برباءة الزىور
120
قطفت أرواحهم يف صبيع اجلبهات "ماذا فعلت بأطفاؿ اليمن أيها
اذلامشي الغر ،أمل تكتفي من الدماء ...ومع كل جثة ىناؾ سبيمة
خبط يدؾ ..تدخلهم اجلنة! وحبوب سلدرة مهلوسة تذىب
العقل ...وما زاؿ اجلهلة واجلوعى يدفعوف بأطفاذلم وقودا حلرب
عبثية ساخرة؛ أي عبث من أف ؽلوت طفلك كي يعتلي سجُت
كهف مراف عرش اليمن ..أي عرش يستحق أف يدفع فيو دمعة
لطفل ...فما بالك بالدماء"...
كتبت أمل منشورىا على شبكة التواصل ..واستعدت للذىاب
دلأمت...صديقة قدؽلة ىامشية...كانت من أقرب الناس ذلا فيما مضى
قبل أف تفرقهما دروب احلياة؛ كانت دبنتهى اللطف ،ومل ذبد فيها
سابقاً ما تراه اآلف يف البقية...
قُتل أخوىا يف الضالع!! ..مل يبلغ الرابعة عشر ..ولكنو ذىب
لألسف أو باألحرى مت اقتياده.
دخلت العزاء ،وسبالكت نفسها كي ال تنزؿ دموعها؛ غلب أف
تساندىا ال أف تبكيها ...ما كادت أف ذبلس حىت مسعت صبع
النساء يرددف الصرخة" ..أو ليست الصرخة ىي من صرعتو قتيال؟"
اكتفت بالصمت وادلشاىدة ...ودخلت صديقتها ووالدهتا إىل صبع
النساء بفخر عجيب " ..احجرين للعريس" وامتألت الغرفة
ائية...كل
ٌ بأصوات الزغاريد؛ وبداء اجلمع باحلديث بفوضى وعشو
121
ػلكي حكاية عريس شهيد! ...وعلى وجو كل منهن ابتسامة
فارغة ...بلهاء" ...أىكذا تبكي صباعة احلوثي أبنائها؟؟" وتذكرت
شهداء اجلامعة فأحست باحلزف الذي صار جزء من روحها وال
انفصاؿ عنو...
مل تكن تود أف ترى الدموع ..ولكنها مل تتوقع أيضا ىذه
االبتسامات اجلوفاء" ...من قاؿ باف اهلل يريد منا أف ظلوت؟..
خلقنا لنعمر األرض ...ومل طللق لنتفاخر بعدد موتانا من اجل
احلوثي!...
اجلمع احلوثي سلدر ...صبيعو ..اذلامشي سلدر بساللتو ادلغشوشة،
واجلاىل سلدر بقدسية مغشوشة.
انسحبت هبدوء...
وقرات الفاربة على أرواح أطفاؿ اليمن...
أقفلت على نفسها باب الغرفة ،كهفها الذي تفر منو من كفر
البشرية
"حرب يف اليمن؟؟!!!"
122
بالرغم من توقع اجلميع قياـ احلرب ولكن الشعب جبميع أطيافو
ُخلع قلبو من الصدمة...مؤيد للحوثي أو معارض ...حالو من
تضارب ادلشاعر تكتسح القلوب؛ فادلؤيد للحرب يرى بأهنا احلل
الوحيد إلعادة احلوثي لصوابو ..بالرغم من احلزف دلا يصيب اليمن
حزف موجع مع أصوات القصف الذي يهز صنعاء ادلتقلبة ادلزاج إال
اهنم رضوا باحلرب.
وأما مؤيدي احلوثي فيستثَتوف الناس بأف ىذا عدواف لكل ؽلٍت؛
مؤامرة لتدمَت اليمنُ ،خطط ذلا منذ سنُت ..وليس االنقالب سوی
عذر واىي وشأف داخلي ؼلص اليمنيُت ،وال ػلق ألحد
بالتدخل...
123
كل شيء متغَت
ويبقی اليمن ىو الثابت الوحيد...
124
()24
( صلالء )
125
بصوت كفحيح األفعی؛ وجهت صلال كالمها ألبو جربيل" ..وىي
ذبز علی أسناهنا" ...ال رلاؿَ ..من منا سيقبل بالتنازؿ عما وصل
إليو ..كيف نطالب ىامشي استعاد حقو الضائع أخَتا؛ بأف يعود
ويتنازؿ عنو ثانية ..وىو رلرب وصاغرا..
ال رلاؿ أمامنا للصلح معهم ..الصلح يعٍت فنائنا ..خَت لنا أف
ضلًتؽ صبيعا ..علی أف ُضلرؽ لوحدنا"...
وبرغم ترددىا ادلستمر علی أبو جربيل..
عادت الشريفة لسوؽ قوادهتا ،فال تزاؿ ىذه السوؽ مفتوحة برغم
احلرب فمثل ىذه األسواؽ ال تغلقها احلروب ..بل تزيدىا رواجا...
ال تعرؼ دلاذا عادت؟؟..
لكنو جوع جديد بداء يلتهم أحشائها..
حتی اآلف مل تدرؾ ماىيتو...انو أشد قسوة...
لعلو األماف ...فهي وساللتها يفتقدوه علی مر الزماف احسوا بو
حلظة انتصاراهتم ..وأحسوا بنشوتو؛ لكنو بداء يتسرب مع اصوات
طلقات ادلقاومة...
مل تعد تشعر بو
مل رباوؿ الفرار متسللة كبعض األسر اذلامشية..
126
ولكن أحالـ الكرسي ما زالت أقوی من سلاوفها ..برغم إحساسها
بأف أعُت الناس أصبحت سيوؼ مشهرة ..بانتظار أف تسقط علی
عنقها..
ما زلت األقوی ...ترددىا يف نفسها دائما لعلها تقتنع..
أرواح أجدادىا بدأت تتسلل خلسة منها ..وتغادرىا...
"مازاؿ الغدر مسة فيكم ...حتی وانتم رلرد أشباح ىامشية..
وعلية ..تسكنٍت"...
أحست بالوحدة بعد مغادرهتم؛ الفراغ يصرخ يف روحها ،فلم ذبد يف
النهاية طريقة دللء ىذا الفراغ ،إال يف معاشرهتا للرجاؿ...ومل يعد
يهمها الثمن أو ادلركز أو األصل ...عادت لتسد اجلوع ..الفراغ
الساكن فيها ..أو اخلوؼ اجلديد ...وسؤاؿ يلح عليها!!!
"ماذا زببئو األياـ يل؟؟"..
127
اخلاسبة
128
مل تتوقف أحداث القصة ،ومل تتوقف احلرب ،وما زالت أمل وصلالء
تقفاف على ناصية احلرب ..كل منهما ينظر إىل ادلستقبل بطريقتو
اخلاصة.
سأتوقف يف ىذه احملطة؛ وانزؿ حقائيب ىنا ..تعبت من الًتحاؿ
بينهما
بالرغم من إحلاح بعض األصدقاء على كتابو السطور األخَتة فيها..
(أصدقائي الذين أكن ذلم الشكر واالمتناف)
إال أنٍت مل اعد اقوى ..فقد استنزفتٍت احلرب...
أكتفيت منهما...فليذىبا بسالـ...
دلاذا؟؟
شيء ما أوقف قلمي بالرغم من اين أمسكة للمرة األوىل لكٍت لن
أبدا خبيانتو ...ال اقوى على اخليانة...
ىل األحداث حقيقية أـ أف قصتنا رلرد خياؿ؟ اختلطت األمور
على األنساف يف اليمن ...منذ أف اقتتل األخوة صارت الثوابت
وعلا ،وصار الالواقع ىو احلقيقة!!..
قد تكوف الشخصيتاف حقيقة ،اقًتبت من كليهما بقدر جعلٍت
أتصفح أرواحهما ..وحاولت نقلهما بقلمي ,بقدر إنساين يف
129
احلياد..
(وىل يستطيع اإلنساف التجرد من مشاعره يف النهاية ..والوقوؼ
على احلياد؟؟)
احبث معي داخل نفسك ..فقد ذبد فيها جزاء من أمل أو ظالً من
صلالء؛ أو ردبا ربمل أن ُفسنا خليطا منهما معاً ..فأرواحنا ىي السر
األعظم الذي مل نستطع حلو حىت اآلف ...انفسنا ىي كوف أكرب
مًتامي األطراؼ؛ صدقوين ىو أكثر اتساعا من الكوف الذي يدور
حولنا...
أو أرح نفسك و اجعل من أمل وصلال خياالً ُمراً دلا نعانيو.
لقد عاىن اإلنساف على ىذه األرض منذ مئات السنُت ..الكثَت..
مذحبة كربى مرت فوؽ اإلنساف اليمٍت..
دوائر ال متناىية من سلخ اإلنساف عن تارؼلو وفصلو عن واقعو
ومستقبلو ..حىت جاء جيلنا وسجلنا بأعيننا دائرة جديدة؛ دوامة
أضيفت لسابقاهتا...
صبيع من حولنا كاف يلبس قناع ..واجلميع كاف يصافح اجلميع ،وىو
ػلمل سكُت الغدر سلفية خلف ظهره...
كل نظر لليمن
كل يتمسح بًتاب اليمن ،ويهتف من أجلهاٌ ..
وٌ
ذلوى يف نفسو ..وأعطى نفسو ادلربر
بطريقتو ومن زاويتو ..واحبها ً
لقتلها.
130
ىي خيانة لليمن برغم شعارات اجلميع ..نعم اجلميع خاف اليمن..
صبيع األطراؼ بال استثناء؛ حىت اجلار الذي كنا نظنو أخا عربيا
لنا ...شارؾ يف السلخ والذبح ...اعرؼ بأف السياسة ذلا حسابات
أخرى ،ولكٍت كنت من السذج حُت توعلت للحظة ..أف جينات
عروبتنا ...وحق اجلوار ...ستجعلهم ينظروف إنسانياً لإلنساف
اليمٍت...قبل أف يعدوا العدة خلطره الوشيك..
131
منذ بداية سقوط األقنعة وأنا أتساءؿ كيف سنستطيع أف نعايشهم
بعد أف سبر عاصفة احلرب؟...كيف يل أف أصافح من كاف ينتظر
أف أقبل ركبتو ألنو من عرؽ شريف...
كيف أصافح من قتل أخويت يف الضالع وعدف وتعز وعلى صبيع
تراب اليمن ..ال لشي إال للعنصرية!
كيف أصافح من قتل الطفولة يف اليمن ،ونشر جثث أطفالنا على
احلدود ويف ساحات القتاؿ ...ومن مل ُػلمل علی النعش؛ قتلت
طفولتو بكل وحشية ...ما مصَت ىذا الطفل أيها اذلامشي؟؟ أي
جيل سينتج بعد ىذي الدماء؟؟؟
وكيف يل أف أتقبل شراكة مع صباعة ال سبلك إال شرؼ وعلي ربملو
جيناهتا ...كيف سيبٍت مستقبل اليمن أشخاص ينحصر مَتاثهم
الفكري بساللة وخريطة لشجرة عائلة ..وعلية...
أساؿ اهلل أف يلطف بنا واف ال نتحوؿ إىل قتلة...واف ال تضيع بقية
من اإلنسانية يف قلوبنا ..أو قلوب األجياؿ القادمة ...واف غلعل
اليمن سعيدا...واف تستكفي احلرب بالثمن الذي دفع حىت اآلف..
132