You are on page 1of 132

1

2
‫رواية‬

‫‪3‬‬
‫إىداء‬

‫ال تستطيع بعض القلوب عبور ظلمات احلياة دبفردىا‬

‫فتهبنا األقدار قلوبا مضيئة‪ ،‬عصا نتوكأ عليها‪..‬‬

‫كتفا نتسند عليو‪..‬‬

‫حتی ال ربنينا وتكسرنا أوجاعنا‬

‫أىديكم كتايب‪..‬‬

‫‪4‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ألف سنة‪ ،‬قد ربدث يف ليلة ‪ ...‬يف حلظة صمت‪..‬‬

‫وجربوت !‬

‫( أمل )‬

‫‪5‬‬
‫ش ّدت من ضفائرىا وىي مستغرقة يف قراءة روايتها‪ ،‬ادلختبئة وسط‬
‫كتاب اذلندسة الفضائية‪.‬‬
‫"أال تسمعُت ندائي ؟" صوت أمها يهز جنبات حجرهتا الصغَتة‪.‬‬
‫"ادخلي احلماـ واغتسلي جيدا‪ ،‬و البسي ‪ ..‬ثوب عيد األضحى؛‬
‫سيأتينا ضيوؼ‪ ،‬من ادلهم اَستقباذلم"‬

‫تعجبت أمل !‬

‫منذ متی أستقبل الضيوؼ ! خافت من زرلرة أمها وأسرعت‬


‫للحماـ‪ ،‬حلقها صوت األـ "خذي الليفة واحلجر؛ وسأكتشف إف‬
‫مل تفركي جسدؾ جيدا" مل تستمع لكالـ أمها طبعا‪ ،‬واكتفت‬
‫بسكب ادلاء علی جسدىا‪ ،‬وقليل من الصابوف‪ .‬أريد العودة إلی‬
‫رواييت‪ ،‬كاد البطل أف ػلتضن البطلة؛ ما باذلا أمي أخرجتٍت من‬
‫عادلي! ‪ ..‬لقد كاد أف يقبلٍت‪!...‬‬
‫أعادىا صوت أمها للواقع‪ ,‬وأسرعت تنجز ضبامها ادلزيف‪،‬‬
‫وتساءلت ! من ضيوفنا اليوـ ؟؟ قادىا ذكائها ادلراىق إلی فكرة‬
‫وجود عريس ! تصاعدت الدماء إلی وجنتيها حتی كادت أف‬
‫ربًتؽ‪ ،‬وبالطبع؛ أعادت ضبامها سريعا‪ ,‬واستحمت بضمَت‪ ..‬ىذه‬

‫‪6‬‬
‫ادلرة‪ ..‬بالرغم من برودة اجلو‪ ،‬شتاء صنعاء اجلميلة بارد‪ ..‬لكنو‬
‫لذيذ‪ ..‬غلعلها ربتضن غطائها‪ ،‬وتغلق علی نفسها عادلها اخليايل‪.‬‬
‫حلمت منذ الصغر هبذا اليوـ‪ ،‬كجميع الفتيات‪ :‬فارس صبيل سيأيت‬
‫ْ‬
‫علی حصاف‪ ..‬ال وجود لألحصنة يف ىذا الزمن !! تبسمت‪،‬‬
‫سأكتفي حبافلة يتعلق هبا ليخطفٍت‪.‬‬

‫خرجت من ضبامها سريعا‪..‬‬


‫كل يف موقعو‪ ..‬ضبلة تنظيف‪ ..‬ضحكت‬
‫البيت أصبح كخلية ضلل‪ٌ ،‬‬
‫يف سرىا؛ لن أنظّف اليوـ‪...‬أنا العروس‪...‬‬
‫لبست فستاف العيد‪ ،‬صحيح بأنو أصبح قدؽلاً‪ ،‬فقد مر عاماف من‬
‫ْ‬
‫ربض بفستاف غَته؛ ولكنو ما زاؿ ػلتفظ بلقبو‪..‬‬
‫ذاؾ العيد‪ ،‬ومل َ‬
‫فستاف العيد‪..‬‬
‫دخل والدىا احلبيب حجرهتا‪" :‬سيأيت لنا ضيف اليوـ‪ ,‬وأريد أف‬
‫ابتسمت خبجل‪ :‬حسنا‪.,.‬‬
‫ْ‬ ‫تقدمي لو القهوة"‬
‫جاءت اللحظة احلامسة‪ ,‬والكل يف حالة ترقب‪ ,‬ودخل الضيف؛‬
‫ولألسف مل تستطع أف تراقبو ! ال شباؾ يطل علی الشارع "سألقاه‬
‫قريباً‪ ..‬ال يهم" حدثت نفسها‪.‬‬
‫أمسكت الصينية‪ ،‬وتقدمت‬
‫ْ‬ ‫ارتفع صوت األب‪" :‬احضروا القهوة"‪،‬‬
‫لديواف منزذلم‪.‬‬
‫علست األـ" ارفعي رأسك ‪،‬وافردي ظهرؾ ادلنحٍت‪" .‬‬

‫‪7‬‬
‫تابعت خطواهتا وكأهنا خطوات شخص آخر ‪،‬بلغ هبا اخلجل‬
‫مبلغاً‪..‬مل تدرؾ أين تضع خطاىا‪.‬‬
‫ىب األب وأمسك القهوة‪" ..‬اجلسي"‪.‬‬

‫جلست وىي تلمح خياؿ رجل أمامها ! يتفحصها بدقة‪،‬‬


‫استجمعت شجاعتها ورفعت رأسها‪ ،‬البد أف أری شكلو ال وقت‬
‫للخجل‪.‬‬
‫رفعت بصرىا‪ ...‬ماىذا‪...‬؟ أين الفارس‪...‬؟ ال أری إال رجال‬
‫كهال‪...‬يقارب والدىا بالعمر ‪...‬بل إنو يبدوا أكرب !!! أيعقل ىذا‬
‫؟!‬

‫ذىب اخلجل دفعة واحدة وظلت ربدؽ هبذا الرجل‪ ...‬أين ىو‬
‫الفارس‪ ...‬الفتی الذي سيقبلٍت كالروايات ؟!‬
‫قامت‬
‫أشاحت بنظرىا لوالدىا‪ ،‬فأشار إشارة خفية‪" :‬اذىيب اآلف" ْ‬
‫ذبري وكأف وحشاً يالحقها‪ ،‬وأسرعت المها‪.‬‬

‫" أين ىو العريس ؟! ىل ىذا والده ؟؟؟" ضحكت األـ‪ ":‬أال‬


‫تعرفُت من ىو ؟ إنو أكرب تاجر يف اليمن‪ ،‬من أغنی أغنياء صنعاء‪،‬‬
‫ؽللك ما ال تتخيلُت من ماؿ!!!"‪ " ،‬مايل وألموالو‪ ..‬أنا لن أتزوجو"‪.‬‬
‫أمسكتها األـ" ِ‬
‫جننت‪ ،‬أال تنظرين حلالنا ؟ وما آلت إليو األوضاع‪،‬‬
‫منذ حرب اخلليج وضلن نعاين األمرين‪ ،‬ال عمل لوالدؾ‪ ،‬وأخوتك‬

‫‪8‬‬
‫صغار ‪ ..‬أفيقي؛ لن ظلوت من اجلوع من أجل أحالـ فتاة طائشة‪.‬‬
‫ال تعرؼ دلاذا أحست بأف أسناف أمها قد طالت‪ ,‬وكأف أنيابًا‬
‫ظهرت ذلا فجاءة‪ ,‬ىل ىذه دماء اليت تلمحها بُت شفتيها !‬
‫نفضت عنها ىذا اخلياؿ وألقت بنفسها علی فراشها؛ ال تدري كم‬
‫ىي األياـ اليت مرت ‪ ..‬وىي مستلقية ‪ ..‬تتحرؾ وتذىب هبا األياـ‬
‫لتستعد لفرحها ‪ ..‬وىي مستلقية ‪...‬كل ما ربسو بأهنا ثابتة يف‬
‫فراشها‪ ,‬وأف دارت وربركت مع العاصفة حوذلا؛ مازالت ربس‬
‫باالستلقاء‪ .‬حتی جاء اليوـ ادلوعود‪...‬ال تتذكر شيئا قبل ىذا‬
‫اليوـ‪ ...‬فقط وىي تعرب درجات فيلتها اجلديدة أحست بإحساس‬
‫غريب؛ شيء يتسرب من صدرىا‪ !..‬نظرت جيدا لفستاهنا‪...‬ال‬
‫شي ! ما بدأ يتسرب ىو جزء من روحها؛ منذ الصغر وىي ربس‬
‫بأف روحها مكتظة‪ ...‬شلتلئة‪ ...‬أحالما وآماال‪ ..‬وقصائد‬
‫وروايات‪ ...‬وموسيقی ناعمة‪ ...‬وأقواس قزح؛ فهمت اآلف ما الذي‬
‫يتسرب منها ‪ :‬ىي روحها ادلكتظة‪...‬بدأت تضيع كحبات رمل يف‬
‫ساعة رملية‪ ,‬ولكنها تتسرب إلی الالمكاف !‬
‫انتهت الضوضاء‪ ,‬صمتت الزفة و (احملاجر) وأناشيد العرس‪ ,‬وبقيت‬
‫مع زوجها‪ " ...‬زوجها !!! " رددت اللفظ يف سرىا‪...‬مل‬
‫تصدقو‪...‬ومل تستوعب نطقو‪...‬‬
‫"ليس زوجي‪ ,‬سأفر منو يوما" عاىدت نفسها‪ ,‬مل يعد يف روحها‬

‫‪9‬‬
‫روحها‪...‬وضعت ىذا‬
‫ْ‬ ‫أي ىدؼ فقد تسربت كل األىداؼ مع‬
‫خفي يف صدرىا انتظرت‪ ..‬ىذا الغريب‪...‬ما باؿ‬
‫العهد يف مكاف ّ‬
‫ىذا الشيخ يرذبف ! اقًتب منها والعرؽ يتصبب من جسده حتی‬
‫أحست بلزوجتو‪...‬انتاهبا الفضوؿ‪...‬ال شيء غَت الفضوؿ‪.‬‬
‫عجبت من نفسها ! كانت سبوت من اخلجل جملرد خروجها‬
‫للشارع‪ ,‬تذوب حُت تالمسها أشعة الشمس !!‬
‫أين ذىب خجلها الذي كانت زبتزلو لليلة العمر !!!‪ ,‬ليلة العمر !‬
‫‪..‬ىذه ليست ليلة عمري؛ ليلة فاصلة يف حياهتا ولكنها ليست ليلة‬
‫العمر‪.‬‬

‫اقًتب الشيخ اللزج منها وأخذ يتلمس جسدىا الغض" ال زبايف"‬


‫ليست خائفة‪ ,‬ىي فضولية فقط‪...‬تنظر إليو‪ ,‬وتنتظر‪...‬مل تغادر‬
‫طفولتها بعد ولكنها تعرؼ الكثَت من القصص واألحاديث السرية‬
‫بُت الفتيات‪ ,‬تعرؼ كيف يلتقي الرجل بادلرأة؛ ال تفاصيل كثَتة‪..‬‬
‫ولكن‪ ..‬ليست جباىلة سباما‪.‬‬
‫ارذبف الشيخ أمامها‪ ,‬أحست بنوع غريب من القوة‪ ,‬مل تتزحزح من‬
‫مكاهنا ومل تفر بل ظلت صلبة أمامو‪.‬‬
‫ارتبك الشيخ ‪..‬مل يعتد من زغلاتو السابقة ىذا التصرؼ‪ ,‬كاف‬
‫يطرب حُت تفر الصبايا أمامو‪ ,‬ويتلذذ بسحق عذريتهن ربت‬
‫جسده ادلًتىل‪...‬مل يكن معتاداً على ىذه النظرة القوية‪ ,‬وال ىذا‬

‫‪10‬‬
‫الربود القاتل‪...‬و بأصابع مرتعشة حاوؿ نزع ثوهبا‪...‬أوقفتو"‬
‫سبهل"‪ ...‬بكل برود وخوؼ سلفي؛ أسقطت فستاهنا ربت قدميو‪,‬‬
‫يقو علی الصرب‪,‬‬
‫ومل يبق غَت الشفاؼ من ادلالبس الداخلية‪...‬مل َ‬
‫قفز إليها يتلمسها بأصابع لزجة ولعابو يسيل علی أجزاء جسدىا‪.‬‬

‫أخذ كل شي‪...‬ما عدی شفتاىا‪...‬أبت أف يقًتب منها‪ ,‬ومل يكن‬


‫لديو ذاؾ اإلصرار بسلب عذرية الشفاه‪"...‬اكتفي بأف انتهك ىذا‬
‫اجلسد" ‪ ...‬رمی جسده ادلتهالك كجثة نتنة‪ ,‬بعد أف اعتصر بقية‬
‫عمره فوؽ صباىا‪.‬‬
‫ومع صوت أنفاسو ادلتقطعة‪ ,‬بدأت دموعها بالتساقط؛ دموعٌ أكرب‬
‫من عمرىا بكثَت؛ دموع ربمل وجع مئات السنُت‪.‬‬
‫ما الذي أوصلٍت ىنا ؟‪ ...‬كيف ذلذا العامل أف ينتهي هبذا الشكل‬
‫ادلقيت البشع ! أي أرض ىذه هتدر فيها إنسانييت ؟ وأي دين سن‬
‫كفرت ليلتها هبذه األرض وىذا الدين‪ ,‬واستبدلت‬
‫ْ‬ ‫ىذه القوانُت ؟!!‬
‫أحالمها ادلسربة حبقد دفُت علی ىذه األرض ودين أىلها‪.‬‬
‫ودعت طفولتها وعاشت معو‪ ,‬فلم يعد لديها من ٍ‬
‫تسلية سواه؛‬
‫مرعبة ىي ادلرأة حُت ال ربب الرجل‪ ,‬ال أحد يقوی علی ىذا‬
‫اجلربوت الصامت ‪...‬وإف امتألت باحلقد‪ ..‬اكتملت الدائرة عليو‪.‬‬
‫يقو قلبها على لوـ والدىا وضعفو‪ ,‬فصبت حقدىا علی أرض‬
‫مل َ‬
‫اليمن‪ ,‬وجعلت من ىذا الزواج سبباً لكره ىذه االرض‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وبدأت تبحث يف كتب التاريخ علها ذبد ضالتها‪ ,‬علها تعرؼ ىذا‬
‫السبب الذي جعل ىذه األرض هبذه القسوة‪ ,‬وجعل أىلها أشد‬
‫منها قسوة‪ ..‬يوماً بعد يوـ‪ ..‬أخذت تتضح ذلا صورة مقيتة‪,‬مل تكن‬
‫ىذه األرض ظادلة منذ البدء‪ ,‬بل لقد رويت رويدا رويدا من ظلم‬
‫جائر سقيت منو على مدى أكثر من ألف عاـ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫(‪)2‬‬

‫كثَتة ىي الكذبات اليت نلفقها على أنفسنا‬

‫كي نقتنع‪..‬‬

‫فنقتنع‬

‫وضلن نؤمن بأهنا كذبات‪.‬‬

‫( والد أمل )‬

‫‪13‬‬
‫عاد والد أمل مًتضلا من زفة ابنتو‪ ،‬ذباىل الضيوؼ وابتعد ربت‬
‫جدراف أحد البيوت قدر اإلمكاف‪ ...‬ال يريد أف يستمع لصدى‬
‫أصواهتم؛‬
‫أصوات مزعجة كأهنا خناجر زبًتؽ طبلة أذنو‪ ،‬بل زبًتؽ نياط‬
‫قلبو‪.‬‬
‫"ليتهم يسكتوف‪"..‬‬
‫أشعل سيجارتو وبدء ػلرؽ نفسو‪...‬‬
‫"ما الذي فعلتو ؟؟ماذا جنتو يداي ؟؟‬
‫ىل حقا فعلت ما فعلت ؟؟‬
‫لو ذكر يل أحد قبل عاـ واحد أين سأصنع ىذا بأمل ألرديتو؛‬
‫ىا أنا أقوـ بو وأنا بكامل وعيي‪..‬‬

‫أمل‪ ..‬قرةَ عيٍت‪ ،‬الرقيقة كالنسيم‪...‬احلادلة كصوت العصافَت‪,‬‬


‫تضاءلت األعذار اليت كاف يربرىا‪ ،‬فقد ساؽ لنفسو الكثَت منها‪،‬‬
‫ليربر ىذا اجلرـ‪ .‬ما أقسى النفس البشرية حُت تنوي القياـ جبرـ؛‬
‫تزين اجلرؽلة بألف عذر وعذر وتتلهى عن صوت الضمَت‪ ،‬بل‬

‫‪14‬‬
‫تسكتو‪ ..‬وزبنقو‪..‬‬
‫"لقد بعت ابنيت ؟؟ ىذه ىي احلقيقة‪...‬ال عذر دلا فعلتو‪,‬‬

‫تذكر أمل وىو يسوقها للتاجر الذي دفع الثمن؛ ودفعو غاليا‪ ،‬تذكر‬
‫نظرهتا األخَتة لو وىو يودعها‪...‬‬
‫ىل تساوي األمواؿ اليت دفعت‪ ...‬تلك النظرة من عينيها‪..‬‬
‫كانت عيناىا تتساءؿ يف جزع‪ ،‬تصرخ بصمت مفزوع "دلاذا فعلتم‬
‫يب ىذا‪ ..‬ال تًتكٍت يا أيب‪!!..‬‬
‫ولكنو زبلى عنها كما زبلى عنها طواؿ الفًتة ادلاضية؛ كاف يفر من‬
‫نظرهتا اليت تطلبو للنجدة‪ ،‬وترؾ مهمة إقناعها‪ ..‬أو إجبارىا‪..‬‬
‫ألمها‪...‬حيناً بالًتغيب وأحيانا كثَتة بالًتىيب‪.‬‬
‫وىو يعرؼ أمل فهي منذ الصغر أضعف من أف تواجهو‪ ،‬فقد‬
‫كانت ال تقوى على مواجهو إخوهتا وىم يأخذوف منها احللوى‬
‫بالقوة‪ ..‬وحُت ػلاوؿ إرجاع حلواىا‪ ،‬هتبها ذلم منقذة إياىم سلافة أف‬
‫يُعاقبوا فتدعي بأهنم أخذوىا عن طيب خاطر منها‪.‬‬
‫لكن يف ىذه ادلرة تَطَلب األمر من أمها رلهودا كبَتا كي ذبربىا على‬
‫الصمت يف النهاية‪...‬‬
‫واستسلمت أخَتا‪ ...‬بانكسار‪...‬‬
‫انكسرت تلك األحالـ اليت كانا يبنياهنا سويا؛ أماـ عينيو‪ ،‬بل‬
‫احلقيقة أهنا تكسرت بيديو بسبب ضعفو‪ ،‬وضيق احلاؿ؛ قرر أف‬

‫‪15‬‬
‫يتربع هبا مقابل إسكات األفواه األخرى‪ ..‬ومقابل ىذا النسب‬
‫العايل ادلقاـ الذي صارت العائلة تتباىى بو‪..‬‬
‫ىل سينسى نظرة أمل ؟؟ ىل سيشفى منها؟؟ وىل ستشفى أمل‬
‫؟؟‬
‫ىل ستغفر لو يوما ؟؟‬

‫‪16‬‬
‫(‪)3‬‬

‫اجلوع ليس بكافر‪..‬‬

‫الكافر من ال غلوع !‬

‫( صلالء )‬

‫‪17‬‬
‫استيقظت صلالء على صوت ادلسجلة ادلرتفع‪...‬أصوات نواح‪...‬‬
‫إهنا اجلمعة إذف‪ ,‬ال يرتفع صوت اللطمية العراقية يف بيتنا إال يف هنار‬
‫اجلمعة‪.‬‬
‫صوت األب صائحا "اخفضوا الصوت‪ ,‬سيسمعنا اجلَتاف‪ ".‬يتكرر‬
‫ىذا السيناريو أسبوعيا‪ ,‬حفظَتو عن ظهر قلب وبال شعور ومازاؿ‬
‫النعاس يغطيها‪ ..‬بدأت تردد مع ادلنشد الباكي بكائياتو على‬
‫احلسُت‪ ,‬بصوت خفيض وبسخرية أخذت تتلوى "يا‬
‫حسييبيناااااه‪...‬أغثنا يا علي‪ ...‬مدد مدد‪"...‬‬
‫دخلت أختها الصغَتة "إف مل تكفي عن ىذا العبث سأخرب والدي"‬
‫ضحكت بسخرية‪"...‬وىل صحى اليوـ من زجاجة البارحة ؟؟ ىل‬
‫انتهى منها ؟"‬
‫ردت الصغَتة‪" ..‬تعرفُت بأنو معذور بإدماف الكحوؿ‪ ,‬يهرب من‬
‫الظلم الواقع عليو‪ ,‬يف عملو صبيعهم يكرىونو‪ ..‬وػلسدونو‪ ..‬ألنو‬
‫حفيد رسوؿ اهلل‪ ,‬أال ترين بأنو مل يتلق أيّة ترقية منذ سنُت‪"...‬‬
‫ردت صلالء ساخرة "ردبا ألنو ال يذىب إىل عملو من األساس !"‬
‫ومع ىذا خفضت صوهتا وىي ترد ساخرة؛ ال مزاج ذلا اليوـ لتذوؽ‬
‫طعم حزامو أو عصاة أمها (احملواش) كما يسمى‪...‬كما وأهنا تريد‬

‫‪18‬‬
‫اخلروج‪ ,‬فهي ال تطيق البقاء يف ادلنزؿ‪ ,‬خاصة واجلميع متواجد يف‬
‫يوـ اجلمعة‪.‬‬
‫هنضت من السرير‪ ..‬بقفزة واسعة‪ ..‬إىل مرآهتا‪ ,‬و أرسلت قبلة‬
‫سريعة يف اذلواء للصورة ادلنعكسة‪.‬‬
‫اقًتب وقت الغداء‪ ,‬ال يذىب رب األسرة للجامع ادلالصق للبيت‪,‬‬
‫بل أنو ال يؤدي أية طقوس‪ ,‬ولكنو ال يكتفي أبدا من تذكَتىم دبن‬
‫يكونوف ‪ :‬أحفاد علي‪ ..‬وفاطمة‪ ..‬أحفاد الشهيد احلسُت‪ ,‬حفظتها‬
‫صلالء عن ظهر قلب‪ ,‬وحفظت أيضا التعليمات‪...‬فهي ال تتحدث‬
‫هبذا الكالـ أماـ الناس‪ ,‬وإف ذكرت احلرب اليت تشنها الدولة على‬
‫احلوثي‪ ,‬يكرر والدىا التنبيو " ال تقفوا على احلياد‪ ,‬بل صبوا‬
‫لعناتكم عليو‪ ,‬ال زبافوا فلكم أجر عن ىذه الكذبات‪ ,‬ضلن طلفي‬
‫ديننا حىت يأيت اليوـ الذي ننتقم فيو من قتلة أجدادنا‪ ,‬ونعيد حقنا‬
‫ادلسلوب يف ىذه األرض‪ ...‬فنحن أشرافهم‪ ...‬وىم وإف سبردوا قدؽلاً‬
‫فال يزالوف عبيدا‪ ,‬واستمر األب يسرد تاريخ العائلة‪ ,‬وضلن نتظاىر‬
‫باالىتماـ ورائحة شراب األمس تفوح من حُت آلخر من فمو ‪..‬‬
‫احلمد هلل لقد توقف عن أكل البصل حُت اكتشف بأننا صبيعا نعلم‬
‫إدمانو للخمر‪...‬حفيد الرسوؿ السكراف ‪...‬تبسمت صلالء‪.‬‬
‫كانت مدركة منذ وقت مبكر بأف والدىا يعاين من إزدواجية يف‬
‫شخصيتو‪ ,‬شخصية ىامشية قحة تعاقر اخلمر ليال‪ ,‬وتبكي علی‬

‫‪19‬‬
‫أطالؿ ىذه الساللة اليت حكمت البلد ألكثر من ألف عاـ‪ ,‬حتی‬
‫تآمرت عليها شلة من الصعاليك‪ ,‬واطاحوا هبم يف غمضة عُت‪ ,‬يف‬
‫ثورة ؽلقتها أشد ادلقت‪.‬‬
‫وشخصية لطيفة‪..‬بابتسامة مكسورة‪...‬يلبسها حُت يغادر منزلو‬
‫يقابل هبا أىل احلي والشارع ومديره يف العمل‪ ..‬وأصدقاء ادلقيل‪..‬‬
‫وكلما أتقن التنقل بُت الشخصيتُت؛ كلما زاد إحساسو بنفسو‪ ..‬ومل‬
‫يكن وحده من ؽللك ىذه الشيزوفرينا‪ ..‬والدهتا أيضا‪ ..‬ضبلت عدة‬
‫أقنعو " أظن جازمة بأف صبيع اذلامشيُت ؽللكوف ىذة األقنعة‪ ...‬و قد‬
‫أورثوىا لنا‪...‬مل نعاين وضلن نغَت جلودنا علی الدواـ‪ ..‬فهذا ىو‬
‫قدرنا ضلن اذلامشُت‪ ...‬ىذه ىي الضريبة اليت ندفعها شبنا للشرؼ‬
‫الذي نتناقلو من خالؿ سائل منوي عرب أجياؿ مضت‪"...‬‬

‫أين الطعاـ ؟ قامت مستعجلة " ما ىذا؟‪ ...‬سلتة! مصنوعة من‬


‫مرقة الدجاج الصناعية وقليل من البطاط ! مىت سنشبع يف ىذا‬
‫ادلنزؿ ؟ فمنذ الطفولة وأنا أحس باجلوع ضلن ظللك الكثَت‪ ,‬أمواؿ‬
‫وذىب‪ ..‬وأيب ؽللك مشروعات سرية ال أحد من األقارب يعلم‬
‫هبا‪...‬خوفاً من طمع األقارب والناس‪ ,‬خاصة العامة‪...‬فهم دائما‬
‫يطمعوف بنا وػليكوف ادلؤامرات ضدنا‪"...‬‬
‫(صبيعهم يكرىوف اذلامشيُت)‪....‬عاد والدىا للخطابة والوعظ ثانيةً‪:‬‬
‫"اجلميع يكرىنا وإف ادعوا عكس ذلك‪...‬وإف ادعوا السذاجة‬

‫‪20‬‬
‫‪..‬فهم يعلموف أننا األسياد وىم العبيد وإف طاؿ الزمن ‪ ..‬لكن !‬
‫إياكم وأف تتلفظوا هبذا الكالـ أمامهم‪...‬مل ػلن الوقت بعد‪ .‬اقًتب‬
‫ولكنو مل ػلن"‪.‬‬
‫قرصها اجلوع وىي تستمع ألبيها‪ ,‬صحيح بأهنا تدعي السخرية منو‬
‫ومن كالمو‪ ,‬لكنو غلد يف نفسها دائما ىوى‪ ...‬فهي تعلم أهنا‬
‫ليست كاجلميع‪ ...‬شليزة جبماذلا‪ ...‬وجسدىا الفائر منذ فًتة مبكرة‬
‫سبقت مثيالهتا يف النضج‪ ,‬وىذا األصل ادلشرؼ‪ ...‬قد تكوف‬
‫ىامشيتها ىي من منحتها ىذا اجلسد‪...‬ىبة‪...‬‬
‫عاد اجلوع يعذهبا‪.‬‬
‫مل يعد يهمها نوعية الطعاـ‪ ,‬فقد وجدت منذ فًتة طريقة تسد هبا‬
‫ىذه الفجوة وىذا اجلوع الذي الزمها منذ الصغر‪.‬‬
‫ستقابلو اليوـ !! عاشقها اجلديد‪...‬وسيحضر ذلا ما لذ من الطعاـ‪,‬‬
‫وسيطفیء جوعها‪...‬جوع معدهتا‪ ،،‬وجوعها اآلخر!‬
‫مل يعرؼ والدىا حفيد الرسوؿ بأف اجلوع الذي رباىم عليو أصبح‬
‫مغروسا يف سلاوفهم؛ فال شيء يشبعو‪ ,‬ومل يعد جوعا للطعاـ‬
‫فقط‪ ...‬كانت كلما كربت؛ كرب إحساسها باجلوع‪ ..‬جوع من نوع‬
‫آخر‪...‬صارت تتلذذ بنظرات الرجاؿ ذلا‪ ,‬تتمايل وتبطئ من مشيتها‬
‫أمامهم‪...‬وجوع جديد ينهش أحشاءىا‪...‬حبثت يف أصحاب ىذه‬
‫النظرات من يشبع ىذا اجلوع‪ ...‬يف البدء‪ ,‬راحت تطفئو بقبالت‬

‫‪21‬‬
‫مسروقة‪ ,‬زادت من فجوة ىذا اجلوع‪...‬جعلتو يتسع‪ ...‬ويتسع‪...‬‬
‫وكل يوـ تقدـ ادلزيد علّها تشبع‪...‬‬
‫مل تدرؾ أف ىذه الفجوة ستبتلع جسدىا كلو‪ ,‬ومن الغريب أهنا بعد‬
‫أف تطفئ جوع جسدىا تبحث عن طعاـ تأكلو وتصرخ يف وجوه‬
‫عشاقها جائعة‪ ...‬فيسرعوف لتلبية النداء ‪ ...‬صار الرجاؿ‬
‫يتلقفوهنا‪ ..‬من صديق آلخر‪...‬ويتمازحوف‪"...‬ال تنس أف ربضر ذلا‬
‫الطعاـ‪ ,‬فقد تفضحك من اجلوع"‬

‫حىت جاء يوـ تعرفت فيو على عشيق جديد؛ أطفأت جوع‬
‫جسدىا‪ ...‬وىبت كاجملنونة تبحث عن طعاـ‪ ,‬مل يكن ذاؾ العاشق‬
‫يعرؼ هبذا اجلنوف‪ ..‬ثالجتو فارغة‪ ..‬مل غلد يف وكره ما يطعمها؛‬
‫فبدأت تزرلر‪ ...‬أخافتو‪ ...‬لقد كانت وحشيتها وىي تلتهم جسده‬
‫أخف وألذ من ىذا الوحش الذي يبحث عن الطعاـ؛ جرى حملفظتو‬
‫واخرج بضعة آالؼ من الرياالت ووضعها يف حقيبتها" اذىيب إىل‬
‫ادلطعم ىو قريب من ىنا وكلي ما شئت"‬

‫خرجت غاضبة جائعة‪ ,‬وندمت ملَ قدمت لو نفسها‪ ,‬قادهتا قدماىا‬


‫إىل ادلطعم ادلذكور‪ ,‬وفتحت حقيبتها ربصي ما معها‪...‬إنو مبلغ‬
‫كبَت‪ ..‬أكرب مبلغ من ادلاؿ امتلكتو‪...‬نظرت إليو بلذة عجيبة‬
‫أطفأت جوعها‪...‬خرجت من ادلطعم سريعا‪...‬تتلفت حوذلا خوفا‬
‫من أف تكوف ىناؾ عُت رصدت ما ربملو من ماؿ‪ ,‬وفرت إىل‬

‫‪22‬‬
‫منزذلا‪ ...‬وكلها حرص على إخفائو‪...‬مل تنم ليلتها‪ ...‬كانت تعيد‬
‫عد النقود مرارا‪.‬‬

‫ليلتها‪ ,‬أحست بنوع جديد من اجلوع‪ ...‬جوع لرائحة األوراؽ‬


‫النقدية اليت ربمل يف طياهتا بصمات األغنياء والفقراء‪ ..‬إهنا رائحة‬
‫البشر ‪...‬بدى أكثر لذة شلا سبق‪...‬وازبذت بذلك طريقا جديدا؛‬
‫ذبارة جديدة‪...‬اعتربتو مشروعا كمشاريع والدىا السرية‪ :‬بيع اذلوى‬
‫دلن يدفع‪ ...‬أنشأت تفكر يف مشروعها؛ لن تقبل بعشاقها القدامى‬
‫والبد من البحث عن زبائن جدد ال يدفعوف لقاء إشباع جسدىا‬
‫بالطعاـ؛ لقد تغَت احلاؿ اآلف‪...‬تريد عشاقا يدفعوف ذلا من ىذه‬
‫األوراؽ الناعمة‪ ..‬إلشباع رجولتهم‪...‬‬

‫‪23‬‬
‫(‪)4‬‬

‫للذكر مثل حظ األنثيُت ‪ ...‬ولإلناث حظ من ذكر واحد !‬

‫( أمل)‬

‫‪24‬‬
‫مرت األياـ بأمل بعروسنا الصغَتة زلاولة التأقلم مع حياهتا اجلديدة‪,‬‬
‫مل تنس غضبها‪ ,‬ولكنها حاولت تناسيو؛ عروسنا ربمل شخصية ال‬
‫تقوی علی القتاؿ كثَتاً ‪ ..‬مسادلة ردبا‪ ..‬متخاذلة‪ ..‬ردبا أيضا‪.‬‬
‫ولكن الرضا مل يعد ػلتل قلبها‪ ...‬احتل مكانو شيء آخر؛ اخلوؼ‪:‬‬
‫كاف ىذا أوؿ مسمار ُدؽ يف نعش برائتها ومل تد ِر كيف تتعامل مع‬
‫خوفها ىذا‪..‬‬
‫تعاملت يف أيامها األوىل مع زوجها بالربود‪ ,‬أحست بأف برودىا‬
‫كاؼ للغدر الذي ُمورس يف حق أحالمها‪ ...‬وسعادهتا‪.‬‬‫ىذا رد ٍ‬
‫وقررت أف تعيش‪ ,‬كانت تتخوؼ من فكرة الطالؽ و كيف‬
‫سيتقبلو أىلها‪ ,‬و أبناء عمومتها‪...‬ال طالؽ يف عائلتنا‪...‬مسعت‬
‫تلك العبارة كثَتا وىي صغَتة حُت اشتكت أحد بنات العائلة من‬
‫ظلم زوجها وما أكثرىن اللوايت ُْحب َن بالشكوى؛ وكأف الظلم طقس‬
‫ديٍت تنفذه العائلة علی نسائها‪ ,‬مكتوب كما تقوؿ األمثاؿ الشعبية‪.‬‬
‫وأما ضرب ادلرأة فهو من شيم الرجاؿ كما يستشهدوف بالقرآف‬
‫والسنة‪ ...‬استبعدت رلرد التفكر يف ىذا ادلوضوع وعاشت ‪ ...‬أو‬
‫حاولت أف تتعايش زلا ِولةً إرضاء اخلوؼ‪.‬‬
‫أصبحت ربب النهار‪ ..‬مع أوؿ خيوط الشمس زبتفي‬

‫‪25‬‬
‫سلاوفها‪...‬ولكنو كاف ؽلر سريعا‪ ,‬واحلق يقاؿ؛ فقد كانت هنارات‬
‫زوجها معها حافلة بادلفاجآت‪ ,‬سفر ورحالت وىدايا مل ربلم هبا‪,‬‬
‫لقد كاف ذكيا لدرجة جعلتو يعرؼ اىتماماهتا‪ ,‬ىواياهتا‪ ,‬فشاركها‬
‫ىذه اذلوايات بكل سعادة‪ ,‬وكأنو كاف يعيش معها طفولتو اليت‬
‫فارقتو ىو اآلخر مبكرا‪!..‬‬

‫كاف مغرما برباءهتا وطفولتها وشغفها بالعلم والتاريخ واحلياة‪ ,‬مل‬


‫تكن أحد زوجاتو سبلك ىذه النظرات ادلتشوقة للمعرفة‪ ..‬بالرغم من‬
‫احلزف الساكن يف عينيها إال أهنا كانت سبلك نظرة الدىشة لكل ما‬
‫ىو جديد يف احلياة‪ ,‬فقد كانت ملمة بكثَت من الثقافة‪ ..‬اليت تكرب‬
‫سنها‪...‬وربب الفن والشعر‪...‬صبيلة طريقة سردىا للشعر‪.‬‬
‫كاف يَعجب بأهنا ال تطلب منو شيئا‪ ,‬وكأهنا ال تعَت مالو اىتماماً‪,‬‬
‫يعرؼ جيداً أف اجلميع يطوفوف حولو من أجل مالو‪ ..‬رجاال ونساء‬
‫‪...‬زاد تعلقو هبا‪ ,‬وسرؽ من أوقات اجلميع ليبقى معها‪..‬‬
‫هناراً كاف ػلدثها كثَتا وكانت تصغي باىتماـ !!‬
‫عرفت منو بأنو كاف يتيما وأف احلظ واألقدار ساقتو دلدرسة خاصة‬
‫لأليتاـ‪ ,‬وكانت ادلدرسة الوحيدة يف اليمن‪ ..‬قبل ثورة ‪26‬سبتمرب‪...‬‬
‫وكاف ػلكي ذلا حكايات تشرده وعذابو قبل وخالؿ ادلدرسة‪ ,‬سرد‬
‫عليها بالتفصيل أحداث ثورة ‪1962‬ـ ‪ ...‬فقد عايشها شابا‪..‬‬
‫بكل تفاصيلها‪ ,‬كاف فخورا بذلك‪ .‬شرح ذلا بإسهاب ظلم األماـ‬

‫‪26‬‬
‫والعائالت اذلامشية‪ ,‬أحست من خالؿ كلماتو بأنو اليزاؿ ػلمل‬
‫احلقد ذلم‪ ,‬تعجبت ذلذا احلقد‪ ..‬فقد ذىب ذاؾ العهد‪ ..‬وىاىم‬
‫اذلامشيوف من ألطف ما يكوف‪ ,‬بل إف ذلا العديد من الصديقات‬
‫اذلامشيات يف منتهى الوداعة‪ .‬كاف يسخر منها "كيف لألفاعي أف‬
‫تكوف وديعة‪ ,‬انتظري منهم اللدغة ولو بعد حُت"مل تقتنع ولكنها‬
‫تتابع حكاويو متشوقة‪.‬‬
‫مل تستوعب ذاؾ العذاب الذي عاناه اليمنيُت‪ ،‬والتفرقة العنصرية‬
‫اليت يذكرىا‪ ,‬والذؿ الذي شرب منو الشعب حتی ارتوى !!‬
‫وحُت يراىا مندىشة؛ يضحك ساخرا "مل تنتهي الثورة حتی اآلف‪,‬‬
‫مازالت يف مهدىا" وقتها مل تفهم معٌت اجلملة‪..‬‬
‫استمر مرددا أنّو من أصحاب احلظ احلسن ألنو دخل ادلدرسة برغم‬
‫كل شيء‪.‬‬
‫كانت تطالب حبكاوي أكثر‪...‬مل يبخل عليها‪...‬كاف يستمتع‬
‫باحلديث معها‪ ,‬ومل تنكر عليو ىذه اللحظات حتی اآلف‪ ,‬ىي أصبل‬
‫ما يف ىذا الزواج‪ ...‬حتی يطل ادلساء‪...‬‬
‫فيتحوؿ لشخص آخر‪ ,‬بدأت تالحظ عليو تصرفات غريبة؛ عنفا‬
‫غريبا يتطور كل ليلة‪ ,‬وكأف رغبتو جبسدىا ال تصحوا إال حُت يراىا‬
‫تتعذب أمامو‪ ,‬كاف يبتكر أفكارا وكأهنا ألعاب‪ ,‬ولكنها يف احلقيقة‬
‫وسائل تعذيب عنيفة‪ ...‬تًتؾ اثارىا يف جسدىا‪ ...‬ىذه اآلثار‬

‫‪27‬‬
‫والعالمات ومالمح األمل البادية علی وجهها ىي اليت ربولو إلی‬
‫وحش جنسي متوحش‪ .‬استخدـ يديو أوالً‪ ..‬ومن مث بدء يستخدـ‬
‫حزاما عريضا‪ ,‬مع مرور األياـ يزداد يف االبتكار‪ ..‬واالبداع‪ ..‬كانت‬
‫رعشة من الرغبة ذبتاحو حُت يرى عالمات تعذيبو عليها وكأنو صنع‬
‫إصلازا أو فاز بصفقة من صفقاتو الناجحة‪..‬‬

‫تنس شفتاه حُت ترذبف رغبة فتظهر من ورائها فما مليءً‬


‫لن َ‬
‫باللعاب يسيل ويغطي أجزاء جسدىا كمن يرش على بستاهنا مسادا‬
‫ساما لتصبح تربتها أكثر خصابة ولزوجة‪ .‬ودوف علم يدفع أغصاهنا‬
‫إىل النمو أسرع‪.‬‬
‫"كم أكره ىذا اجلسد‪...‬ال أذوؽ ىذا العذاب إال ألين أمتلكو‪"..‬‬
‫منذ ليلتها األولی معو وىي ربس بأنو تنجس‪ ,‬مهما حاولت‬
‫تنظيف جسدىا‪ ,‬ال يزاؿ ىذا اإلحساس يلتصق هبا‪.‬‬
‫يف ليايل األمل معو‪ ،‬مل تنقذىا صرخاهتا‪ ..‬وكأهنا بل كانت تستثَته‬
‫أكثر‪ ,‬وكأف ىذه الدماء والصرخات ىي من ذبعل رجولتو تصحو‬
‫فيأخذ جسدىا اللزج ادلثخن باجلراح‪ ...‬و يطفئ ناره بو‪ ...‬ومع‬
‫صوت أنفاسو حُت يغط يف النوـ؛ يستيقظ حقدىا وغضبها‬
‫كوحش من ربت سريرىا الفخم‪ .‬لن تنسى األياـ اليت حبثت فيها‬
‫صباحا ربت ىذا السرير كي تتأكد بأف ال وحوش فيو سوى‬
‫حقدىا اخلائف‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫وتناـ واذلاجس يلح عليها‪"...‬ىل الظلم معد‪..‬؟ كيف دلن ذاؽ‬
‫طعم الظلم يوما أف يسقيو لغَته يف يوـ آخر ؟؟"‬
‫ػلذرىا صباحا من رواية ما ػلدث بينهما ويذكرىا بالعذاب الذي‬
‫يصيب الزوجة حُت تنتهك أسرار زوجها‪ ،‬وذكر الكثَت من‬
‫األحاديث اليت تؤيد كالمو‪.‬‬
‫تنس يوما حاولت أف زبرب أمها عما ػلدث‪ ،‬رفضت األـ رلرد‬
‫مل َ‬
‫اإلنصات "بنت األصوؿ‪ ..‬وبنت القبائل ربافظ علی أسرار زوجها‬
‫‪ !!!..‬وال تنسي أنو من يفتح ىذا البيت ومن يتكفل دبدارس‬
‫أخوتك‪ .‬الرجل كرًن جدا فال ربرمينا من ىذه احلياة وإف ِ‬
‫كنت‬
‫ضحية !! ما الضَت أف تضحي من أجل عائلتك كلها !!‪..‬وتذكري‬
‫قوانُت القبيلة‪ ...‬ال انفصاؿ لبنات القبائل !!"‬
‫فتعود دلنزذلا الفخم وعذاباهتا الليلية وحقدىا يزداد علی قبيلتها‪..‬‬
‫ترض ذلا اإلىانة والذؿ‪ ...‬أي قبيلة نتنة ىذه ‪..‬؟!‬
‫كيف للقبيلة أف َ‬
‫يكرب احلقد بقلبها ككرة من الثلج‪...‬‬
‫"كراىية عمياء ذلذا الدين وىذه القبيلة والوطن‪ ،‬ليست يدا زوجي‬
‫من يتفنن بتعذييب ليال بل علا القبيلة وىذا والوطن من غللداهنا‪"..‬‬

‫‪29‬‬
‫(‪)5‬‬

‫رحالت اللذة سرمدية ‪ ....‬ال يوقفها حىت ادلوت‬

‫ففيو لذة أيضاً‪.‬‬

‫( صلالء )‬

‫‪30‬‬
‫ألقت الشريفة صلالء جسدىا ادلنهك علی فراشها وأغمضت‬
‫عينيها‪ ..‬زلاولة نسياف أحداث يومها‪...‬‬
‫أحست بأف ظهرىا قد انكسر فعال ‪،‬من عملها اليوـ !!!‬
‫ولكنها ربسست حقيبة يدىا ادلوضوعة جوارىا "زلصوؿ اليوـ‬
‫يستحق ىذا العناء"‪.‬‬

‫صوت والدهتا شتت زلاولة عدىا للماؿ "عمتك ستأيت لتبيت اليوـ‬
‫ىنا‪ ،‬وقد تبقی بضعة أياـ‪ ،‬جدؾ سافر إلی القرية‪ ،‬وال يوجد من‬
‫يبقی معها يف البيت لذلك ستبات الليلة عندؾ"‪.‬‬
‫تأوىت صلالء "ال أحب ىذه العانس الشمطاء‪ ..‬دلاذا عندي أنا‪..‬؟‬
‫فلتذىب جلهنم سَتحبوف هبا بكل سرور"‬

‫"اخفضي صوتك حتی ال يسمع والدؾ‪ ،‬الليلة مزاجو معكر"‪.‬‬


‫أدركت صلالء مقصد الوالدة !!‬
‫كثَت من زبائنها يشربوف‪ ..‬ويصبحوف ألطف‪ ...‬وأكثر رقة‪..‬‬
‫وسخاء "مل ال يقتدي هبم؟‪...‬ىههو ردبا أصحاب الدـ األزرؽ ال‬
‫يالئمهم الشراب"‪.‬‬
‫وصلت عمتها األربعينية بوجهها ادلتجهم ونظراهتا القاسية‪ ،‬رحبوا هبا‬

‫‪31‬‬
‫وتسامروا قليال؛ استأذنت صلال حبجة التعب وانطلقت للنوـ وجل‬
‫علها أف تدعي النوـ قبل أف ترقد عمتها جبوارىا‪ .‬مل ِ‬
‫سبض بضع‬
‫دقائق حتی استلقت عمتها جبوارىا‪ ...‬عرفت من صوت أنفاسها‬
‫بأهنا مل تنم ‪..‬سألتها العمة ‪":‬حدثيٍت عن اجلامعة ؟‪...‬ماذا‬
‫تفعلُت‪..‬؟ من تقابلُت‪...‬؟ خذي حذرؾ من أوالد القبائل فهم‬
‫ػلاولوف دائما اإليقاع بالشريفات منا‪ ،‬ػلاولوف منذ القدـ تعكَت‬
‫دمائنا‪ ..‬الطاىرة‪"..‬‬
‫باغتتها صلالء "دلاذا مل تتزوجي يا عمة؟"‪.‬‬
‫تلعثمت العمة‪"...‬مل يأت النصيب !"‬
‫"معقوؿ ! مالزلك ال ينقصها اجلماؿ!"‬
‫"مل يتقدـ يل شريف ‪..‬مل يتقدـ يل سوی بعض أبناء القبائل ومل‬
‫يرض جدؾ !!"‪.‬‬
‫مسعت صلالء صوت تنهيدهتا اخًتقت كياهنا والتفت لعمتها فرأت يف‬
‫عينيها بؤسا سللوطا جبوع دفُت‪ ،‬أشفقت علی عمتها واحتضنتها‬
‫بشدة‪ ...‬تعرؼ ىذا اجلوع‪....‬‬
‫"وكأف اجلوع مكتوب علينا ضلن اذلامشيُت‪ ،‬وكأنو التيو الذي ُكتب‬
‫علی بٍت إسرائيل ومل يعودوا منو‪ ،‬مل ال ‪ ..‬أو لسنا ساللة اهلل‬
‫ادلختارة"‪.‬‬
‫أبعدت ىذه األفكار عنها‪"...‬سأنقذ عميت‪...‬وأرويها‪ ،‬عميت غبية‬

‫‪32‬‬
‫استسلمت للجوع كي يأكلها‪...‬كم أود أف أسد بعضا من‬
‫جوعها" استمرت يف احتضاهنا ومن مث قامت صلالء‪ ..‬وخلعت‬
‫مالبسها "اجلو حار وال أطيق لبس البيجامة" لبست قميص نوـ‬
‫شفاؼ شلا تلبسو لزبائنها واستلقت جوار عمتها متجاىلةً نظرات‬
‫عمتها ادلندىشة ذلذا اللبس الفاضح‪ ،‬وضعت يدىا حوؿ وسط‬
‫عمتها‪ ...‬وبدأت ربادثها بصوت ناعم‪" :‬تعرفُت يا عمو أف‬
‫جسمك جسم صبيل ‪..‬وكأين أخذت صباؿ جسمي عنك‪ ،‬انظري‬
‫إلی هندؾ‪ ..‬مازاؿ مشدودا‪"..‬‬
‫ومدت يدىا فجاءة واعتصرت هند عمتها بشدة‪ ..‬صعقت العمة!‬
‫ومل تنطق واستمرت صلال يف الكالـ وىي تلعب بأصبعها علی حلمة‬
‫عمتها ومل تًتكها إال حُت أحست هبا تنفر من مكاهنا‪...‬حلمة‬
‫مسكينة‪ ...‬جائعة‪ ..‬مل تأخذ الكثَت من الوقت لتصحو‪.‬‬
‫"ماؿ أبناء عمومتنا‪ ..‬ىل أصاهبم العمی‪ ...‬أمل يروا ىذا‬
‫اجلماؿ؟؟‪"...‬‬
‫واستمرت صلال بالكالـ‪ ،‬ال تريد أف تًتؾ لعمتها أي رلاؿ للتفكَت‪..‬‬
‫لن أدعها للمعاناة بعد اآلف‪.‬‬

‫استمرت صلالء سبرر يديها علی جسد عمتها‪...‬وعلى‬


‫شفتاىا‪...‬احست بالسخونة تدب يف جسد عمتها‪...‬فنزلت بيديها‬

‫‪33‬‬
‫إلی بُت فخذيها‪...‬وقبضت علی فرجها بشدة‪...‬ومل تدري إال‬
‫بصفعة تنزؿ علی خدىا‪" :‬ماذا تفعلُت يا فاجرة" صاحت العمة‬

‫مل تتفاجأ صلالء بالصفحة بل لقد اعتربهتا نصرا "إف كانت ترفض‬
‫لعيب جبسدىا دلا انتظرت كل ىذا الوقت" وضعت صلال يدىا علی‬
‫فم عمتها ورفعت من جسدىا وجلست فوؽ عمتها‪ ،‬أحست‬
‫وسطها حبرارة اجلسد احملبوس ربتها ‪.‬‬
‫واقًتبت هتمس يف أذنيها‪" ..‬عميت احلبيبة اعرؼ ما تعانُت وأحس‬
‫بو‪...‬إهنم أىلنا الذين حرمونا من أف نتلذذ هبذه احلياة‪...‬أكتفوا‬
‫بالفرجة علی شبابك وىو يتسرب من بُت يديك‪...‬اغتنمي ما‬
‫استطعت من لذات احلياة فلن يأتيك ىامشي اليوـ ليذيقك طعمها‬
‫‪..‬ستجدينو يتعاقر اخلمر كوالدي‪...‬ويندب حظو‪ ،‬أو يتذكر رلد‬
‫ولی وذىب‪...‬أو قد يفر جلبهات القتاؿ ويًتؾ امرأتو وأطفالو يعانوف‬
‫وىو ؽلوت من أجل السيد احلوثي وحربو ‪..‬وضلن! ضلن نعاين من‬
‫احلرماف واجلوع ىنا‪ ،‬ال أحد ػلس بنا‪...‬أو يهتم دلعاناتنا‪ ...‬خبت‬
‫الشريفة أعمی يا عمة‪"..‬‬
‫أحست بأنفاس عمتها تسكن ورفعت يدىا لًتی ردة فعل عمتها‪.‬‬
‫"سنعود لنحكم ىذه البالد فهي ملك لنا‪ ،‬ولن صلعل العبيد‬
‫ػلكموننا ثانية" ردت العمة بصوت مرذبف‪..‬‬
‫تبسمت صلالء فعمتها وبرغم ىذا الرد مل رباوؿ إزاحة جسدىا أو‬

‫‪34‬‬
‫يدىا اليت ما زالت تعصر هندىا‪.‬‬
‫"دعيٍت إذف اسلي وحدتك وأذيقك مامل تعرفيو من قبل‪...‬واطمئٍت‬
‫ليس يف ما نفعلو حراـ‪...‬وال يوجد فتوى سبنعو‪ ،‬ىل ستصدقُت‬
‫فتاوى أىل السنو العفنة‪...‬أو الشوافع اجلهلة‪ ,‬وما زلت تلك‬
‫الشريفة ذات الدـ النقي حفيدة األشراؼ‪ ،‬فانا لست قبيلي جاىل‬
‫أللوثك‪...‬لن الوثك بل ساخذؾ الی مساء مل زبلق إال لنا ‪"...‬‬
‫مل ترد العمة علی كالـ أبنو أخيها واكتفت صلالئنا بالصمت‪ ..‬لتبدأ‬
‫رحلة لذة جديدة مع عمتها!!‪...‬‬

‫‪35‬‬
‫(‪)6‬‬

‫األحالـ‬

‫ال تنتهي ‪..‬‬

‫تتفتت‪..‬‬

‫حُت نسقط ربت أقداـ احلياة‬

‫( أمل )‬

‫‪36‬‬
‫"أريد أف أرتاد اجلامعة‪...‬أريد أف أكمل دراسيت‪ "...‬ارتفع صوهتا‬
‫زلاولةً إخفاء نربة اخلوؼ‪ ،‬نظر إليها بتعجب ‪"..‬أينقصك شيء؟؟"‬
‫"تنقصٍت نفسي‪"...‬‬
‫"ىل يعلم والدؾ بطلبك؟"‬
‫"أنت زوجي اآلف وال أحتاج إلذف من والدي ألكمل تعليمي"‬
‫"ال دراسة ‪ ...‬انسي ىذا ادلوضوع‪ ..‬وال تفتحيو أبدا"‬
‫ولكنها فتحتو مرارا وتكراراً‪ ،‬ذباىل طلبها أياـ طويلة لعلها نزوة؛‬
‫ولكنها مل سبر‪..‬‬
‫واستمرت باإلحلاح‪...‬إىل أف نفذ صربه فلم يعد يتحمل ىذا‬
‫ادلواؿ‪...‬‬
‫صفع خدىا بعنف حىت سقطت على األرض‪ ،‬وزبيل باهنا سوؼ‬
‫تنهار باكية من اخلوؼ كعادهتا وينتهي ادلوضوع برمتو‪.‬‬
‫رباملت على نفسها‪...‬ووقفت‪" ..‬أريد أف أكمل دراسيت‪ ،‬ومل‬
‫الصفع اآلف ؟مل ػلل الليل بعد؟؟؟"‬
‫صدـ من ىذا الرد‪ ...‬فلم تتجرأ من قبل أف تذكر أمامو أفعالو‬
‫ُ‬
‫السادية معها‪..‬‬
‫خرج من أمامها‪ ،‬وىو مطرؽ اجلبُت‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ىل جاء الوقت الذي سوؼ تنشر فيو تصرفاتو الشاذة؟ حاوؿ كثَتا‬
‫منع نفسو من ىذه التصرفات‪ ،‬ولكنو ال غليد لذة التمتع هبا إال‬
‫هبذه الطريقة‪.‬‬
‫مل غلد مع اي من نسائو وعشيقاتو من ىم الذ منها‪ ،‬وتزداد لذهتا‬
‫حُت يراىا ضعيفة أمامو‪ ..‬عاد خبيالو فجاءة إىل صباه ادلوجع‪ ،‬إلی‬
‫أحداث ظن انو نسيها او نستو‪..‬‬
‫حُت كاف األوالد األكرب سنا أو األكثر قوة‪ ..‬يتلذذوف بتعذيبو‪..‬‬
‫هنار أوشك علی الغروب مل يبق منو إال بعض أشعة باردة رباوؿ‬
‫مالمسة جسده اذلزيل‪ ..‬ربنو عليو وكأهنا أحست بفقدانو والديو‬
‫أياـ الوباء الذي انتشر ومل غلدوا ذلم من عالج إال قطرات من‬
‫القطراف أمرىم هبا السيد األماـ فتمسحوا هبا وبربكتو للشفاء من‬
‫مس اجلن الذي أصاب اليمن‪ ،‬ولكن لألسف بركتو اختارتو لينجو‬
‫وغدی يتيما وحيدا فقَتا‪...‬‬
‫عادت األحداث وكأهنا شريط ػلدث أمامو اآلف‪ ..‬كاف يسبح يف‬
‫الربكة يف صنعاء عاريا ىزيالً ‪ ،‬وكاف ىناؾ من يراقبو من الفتياف‬
‫األكرب سناً‪ ،‬ليسوا من مدرستو‪ ..‬ولكنهم من مدرسة األشراؼ اليت‬
‫ال يدخلها إال ِعليَة القوـ‪ ..‬ويتخرجوف منها قضاة شرعيُت‪ ،‬يديروف‬
‫القضاء وشؤوف الدولة‪..‬‬
‫انتظروه حىت خرج من الربكة‪..‬‬

‫‪38‬‬
‫ونادوا عليو "تعاؿ ىنا‪...‬ىل أنت جائع ؟ىل تريد بعض الكدـ؟"‬
‫وكأهنم مسعوا نداء معدتو اليت اعتادت على اجلوع‪ ..‬ىز رأسو بنعم‪..‬‬
‫" تعاؿ إذف نعطيك بعض الكدـ والربعي" حلق هبم غَت مصدؽ‪..‬‬
‫يصرؼ ذلم يف ادلدرسة سوى كدمتُت؛ دخلوا بو مسسرة واغلقوا‬
‫الباب‪..‬‬
‫بدأوا يالطفونو يف الكالـ‪"...‬ما امسك؟ من أي قبيلة أنت؟"‬
‫أجاهبم بوجل‪ ،‬ارتاحت قسماهتم وكأهنم أطمأنوا بانو نكرة‪ ..‬لن‬
‫يسأؿ عليو أحد ولن يهب لنجدتو‪ ..‬قدموا الطعاـ فاقًتب بلهفة‬
‫جارفة‪ ،‬وبيديو االثنتُت أخذ يلتهم الطعاـ بنهم وىو متخوؼ بأف‬
‫غللسوا معو ويتقامسوه‪ ...‬اهنمك يف االكل ومل يلتفت للفتياف الذين‬
‫التفوا حولو ‪...‬فجأة ‪..‬كمموا فمو وقيدوا يديو خلف ظهره بإحكاـ‬
‫وبسرعة‪ ،‬بطحوه أرضا‪ ..‬وخلعوا مئزره الذي كاف يغطي نصف‬
‫جسده ‪...‬حاوؿ الصراخ‪ ..‬حاوؿ التملص‪ ..‬ولكن أذرعتهم كانت‬
‫األقوى‪ ...‬أحس فجاءة بشيء يشقو من اخللف‪ ..‬وبلهاث‬
‫مسعور‪ ..‬مل يتحمل األمل ومل يقوى على الصراخ‪...‬فقد الوعي‬
‫للحظات من شدة األمل ‪..‬استسلم‪..‬ودموعو تلهب خده‪ .‬تناوب‬
‫الفتياف عليو حىت أحس بعرقهما وسائلهما ينصب فوقو‪ ،‬مل يعد‬
‫يتذكر كيف خرج‪.‬‬
‫طواؿ عمره وىو ػلاوؿ أف ؼلفي ىذه الذكرى يف أعماقو‪...‬ما الذي‬

‫‪39‬‬
‫نبهها من مرقدىا اآلف؟ قد يكوف ذاؾ األمس ىو من صنع منو ثري‬
‫اليوـ‪..‬‬
‫فقد عمل كثَتا وقاتل أكثر كي ال يكوف ضعيفا مرة أخرى‪ ،‬حىت‬
‫كرب وأصبح من أكرب التجار يف صنعاء‪ ،‬وكل من فيها ػلسب لو‬
‫ألف حساب‪...‬جباه كثَتة أضلنت لو حتی كادت تالمس‬
‫األرض‪...‬جباه لشيوخ قبائل ومثقفُت‪...‬وساسة‪ ،‬وقضاة‪!!!..‬‬
‫واختفت الذكری مع أرصدتو اليت توالدت حتی اصبح ال يستطيع‬
‫إحصائها‪...‬‬
‫ومل تظهر ذكرى ذاؾ اليوـ األليم مرة أخرى إال حُت تزوج هبا‪ ،‬كاف‬
‫يتلذذ بتعذيبها ألهنا تذكره بنفسو‪ ..‬وبضعفو‪..‬‬
‫كانت دموعها تثَت غرائزه وكانو يتقمص دور الفتياف اللذين‬
‫انتهكوه‪ ...‬فيعيد إعادة احلادثة مرة أخرى ولكنو اآلف يقوـ بدور‬
‫القوي‪ ..‬يثأر من ضعفو‪ ..‬ينتقم لشرفة الذي اُنتهك‪..‬‬
‫كاف يف صميمو يشعر بكره ذلذه الفتاة وىي ربتو فهي تذكره بضعفو‬
‫صبيا؛ إنو ينتقم من ىذا الضعف فيزيد يف تعذيبها‪ ،‬ويتضخم مع‬
‫أوجاعها إحساسو بالقوة‪ ..‬شلتع أف تكوف قوي ومسيطر‪ ،‬شلتع جداً‬
‫األخذ بالثأر‪..‬‬
‫حاوؿ نزع الفكرة من راسو‪.‬‬
‫وعاد للتفكَت يف مسالة اجلامعة "سوؼ اشًتي ذلا عقدا من الذىب‬

‫‪40‬‬
‫وارضيها" بالرغم من إحساسو بأف عقده الذىيب لن ػلل ىذه‬
‫ادلشكلة إال انو حاوؿ أف يقتنع بو‪ .‬رف تلفونو طويال وىو سارح‬
‫بفكرة‪ ..‬انتبو اخَتا مع اصرار ادلتصل‪...‬ضلن يف ادلستشفى‪...‬زوحتك‬
‫يف الطوارىء‪...‬يقاؿ باهنا ذبرعت سم‪...‬‬

‫‪41‬‬
‫(‪)7‬‬

‫ما منحة الرب لنا مئات السنُت‬

‫لن ؽلحيو ذوي األقداـ احلافية‬

‫وسيعودوف معلقُت‬

‫الركبة ادلقدسة الشريفة‪...‬‬


‫كوشم علی ُ‬

‫(والد صلالء)‬

‫‪42‬‬
‫أغلق عليو باب الديواف وأخرج زجاجة مشروبو اليت كاف ؼلفيها منذ‬
‫الصباح‪ ،‬يعلم بأف أبنائو يعرفوف أمر تعاطيو للشراب!! ولكنو ال يزاؿ‬
‫ػلتفظ لنفسو أمامهم بصوره مثالية!! لن يشرب حفيد الرسوؿ اخلمر‬
‫أماـ أبنائو‪(...‬البد أف يكوف قدوة) ضحك ساخرا‪ ...‬فهو يعرؼ‬
‫انو ليس قدوة صاحلة لكن يكفيو بأنو غرس يف قلوهبم معنی كلمة‬
‫(ىامشي)‪...‬وقدرىا العظيم‪ ...‬فهو يری ىذا يف عيوهنم خاصة‬
‫صلالء‪ ...‬يری اذلامشية بُت عينيها‪ ...‬أمسك قدحو وابتداء بالشرب؛‬
‫باب ادلنزؿ يفتح ‪..‬أزاح الستائر خبفة ونظر‪ ..‬إهنا صلالء‪ ..‬نظر إلی‬
‫ساعتو‪ ...‬الوقت متأخر!!‪ ..‬ماذا سيقوؿ اجلَتاف عندما يروف فتاة‬
‫تعود يف ىذا الوقت ادلتأخر‪ ..‬ووحيدة؟؟‬

‫أعاد الستائر؛ ال يهمو رأي الغوغاء عن ابنتو حىت وإف عادت‬


‫مبكرة! لن تسلم من ألسنتهم‪ ..‬يعرؼ احلقد الذي ؽلأل القلوب‬
‫عليو وعلى ساللتو وال شيء يف الدنيا ؽلكن أف يعميو عن غلهم‬
‫األسود ‪ ...‬أمسك كاسو وحدؽ فيو بلهفة وقد انتشرت علی‬
‫سطحو حبات الندى الباردة كشامات علی خد حسناء مث وضعو‬
‫علی خده وىو ػلس بلذتو ادلرة قبل أف يتذوقو‪.‬‬
‫ُ‬

‫‪43‬‬
‫اجلميع يعتقد بأنو يشرب لينسى جهلو‪ ،‬لكنو يشرب ليتذكر‪...‬ال‬
‫غلب أف ينسی أبدا‪ ،‬فالنسياف نقمة‪...‬مثلو ومثل ساللتو ال غلب أف‬
‫ينسوف‪ ...‬غلب أف ػلمي ذاكرتو من النسياف وىا ىو ػلميها هبذا‬
‫الكاس البارد فتعود لو الذكريات مع تدفقو يف عروقو لتنزع عنو لبس‬
‫اجلباف اخلانع ادلبتسم وتعيد علی مهل حُت تتدفق يف العروؽ‬
‫ذكرياتو!! منذ الصغر مل ينسی أي تفصيلة‪ ،‬وكأنو غللس أماـ مسرح‬
‫ليشاىد كل ليلة احلياة الرغيدة حُت كاف صغَت يف بساتينهم‬
‫العامرة‪ ،‬يتذكر عمو وىو يربت علی شعره صغَتا متبسما " كيف‬
‫حاؿ سيدنا العظيم ؟" وؽلسك الصغَت بيد عمو متفاخراً بُت الصبية‬
‫العراه حُت يتبخًت يف شوارع صنعاء احلادلة ‪..‬صنعاء اليت ؽللكوهنا‬
‫منذ مئات السنُت‪...‬‬

‫وفجأة تتحوؿ صنعاء أمامو إلی ساحة كبَتة لإلعدامات‪ ،‬وتلبس‬


‫الدعلاء اللذين دخلوىا ولوثوىا‪ ...‬حتی اليوـ ما‬
‫ثوب الغوغاء و ُ‬
‫زالت ملوثة هبم‪ ...‬ىذا عمو معلقا حببل مشنقة‪ ..‬عيناه‬
‫جاحظتاف‪ ..‬ولسانو ملقى خارج فمو‪ ،‬وقد فارقتو روحو‪ ...‬منظر‬
‫رأسو كراس خروؼ بعد الذبح‪ ..‬اجلمع ملتف حولو يصيحوف‬
‫هبمجية "قاتل ‪ ...‬ملكي رلرـ‪ ...‬للجحيم‪ ...‬مع أىلك" اجلمع‬
‫الذليل الذي كاف يقبل ركبو عمي ذبرأ وعلقو علی مشنقة!!‬

‫‪44‬‬
‫ىا ىو غلري واخلوؼ ؽلأل جوفو‪ ،‬خبطوات مذعورة من أف يعرؼ‬
‫أحد أف اجلثماف ادلعلق‪ ..‬عمو‪ ..‬كاف يردد حبرقة أف ىذا الشعب‬
‫رلموعة من األوباش اجملرمُت صبيعهم يستحق اإلعداـ كما اعدموا‬
‫عمي الغايل‪.‬‬

‫صب كأس آخر وقد أضبرت عيناه غضبا؛ يتجاىل اآلف كما‬
‫ذباىلت طفولتو‪ ..‬جرائم عمو‪...‬يف حق ثوار‪ ،‬جزت رؤوسهم‬
‫بالسيوؼ‪ ،‬أو أطفاؿ ألبناء قبائل سلسلت أقدامهم جبنازير‬
‫حديدية‪ ..‬وسيبقوف مع أقربائهم‪ ..‬حفاة جائعُت ال يلبسوف إال‬
‫قطعة ثياب ال تكاد تسًتىم ‪ ...‬حشرت أجسادىم سنُت طويلة‬
‫يف أقبية ال يروف النور‪..‬‬

‫وضع الكأس علی شفتيو واخذ جرعة كبَتة؛ كيف ينسی أمو وىي‬
‫تعلمو لقبو اجلديد وتذكره "احذر‪ ..‬إف علموا انك ىامشي‬
‫سيعلقونك مثل عمك" كيف لو أف ينسی فراره ليال متسًتا ربت‬
‫ستارة أمو خوفاً من بطش اجلمهوريُت‪ ...‬القتلة‪ ...‬وىم غلوبوف‬
‫شوارع صنعاء زلتفلُت برأس عمو‪ ...‬وغَتىم من اللذين كانوا يأسبروف‬
‫بأمره وأمر غَته من اذلامشيُت‪ ،‬أمضی سنُت طويلة يتخيل والده معلق‬
‫كعمو سباماً ومن مث مسحوال يف الشوارع‪ ...‬وىو( بلبس امو) مل يعد‬
‫يتذكر عدد الليايل اليت ُعلق هبا يف أحالمو علی نفس حبل ادلشنقة‬
‫و لسانو خارج فمو‪ ...‬أصبح ىاجس‪ ،‬بل أنو كاف يقف أماـ ادلرآة‬

‫‪45‬‬
‫بالساعات وىو يلف قطعة قماش علی رقبتو سلرجا لسانو‪ ،‬متخيال‬
‫شكلو حُت يُشنق‪ ،‬مل ػلاوؿ أف ينسی رغم مرور السنُت وعودة أبيو‬
‫‪...‬وعودتو للقبة ومنزلو‪ ،‬حتی اآلف ما زاؿ والد صلالء متسًتا لكنو‬
‫استبدؿ ستار أمو بستار من اللطف ‪..‬والطيبة الزائفة‪ ...‬يوىم‬
‫اجلميع بأهنم إخوة لو ‪..‬وجَتاف‪ ،‬ويف اللحظة اليت سينسی وؼللع ىذا‬
‫الستار سيباغتو اذلمج‪ ..‬الربابرة‪ ..‬ويعلقونو‪ .‬انو يری ىذا يف عيوهنم‬
‫ويف أحالمو‪ ،‬ردبا ىم فقط يؤخروف موعد الشنق‪ ،‬لذلك سيبقی‬
‫متنبها ومتيقظا‪ ...‬وقد يأيت اليوـ الذي يبادر فيو لينتقم‪ ..‬ويعلق‬
‫الرؤوس ويضرب بيد من حديد علی الغوغاء‪ ،‬ػلتاج يد قوية كيد‬
‫عمو‪ ...‬ويعود السيد سيداً والعبد يعود لقيود عبوديتو‪...‬وتُقبل‬
‫الركب ثانية‪.‬‬
‫ُ‬
‫ولن نكتفي حينها بتقبيل الركب فهو حق لنا ضلن اذلامشيوف‬

‫ولن نتنازؿ عنو‪..‬‬

‫‪46‬‬
‫(‪)8‬‬

‫كل شلنوع؛ ىو حقيقي‬


‫وكل ادلباحات‬

‫رلرد أوىاـ!‬

‫(الشريفة فاطمة)‬

‫‪47‬‬
‫مل تستطع عمة صلال أف تتحرؾ باي حركة‪ ..‬تلك الليلة‪ ..‬بالرغم من‬
‫إرىاقها إال أف النوـ جافاىا فأخذت تنصت لصوت تنفس صلالء‬
‫رتيبا وعميقا‪ ...‬واخلزي ؽلالء نفسها "كيف سأوجهو صلال صباحا‪،‬‬
‫وبأي وجو؛ بعد أف عرتٍت وصنعت يب ما صنعت‪...‬كيف يستطيع‬
‫صويت أف ػل ّدثها مرة أخرى وىي من كانت تكتمو حىت ال يسمع‬
‫من يف البيت صوت تأوىايت‪ ...‬أي عار جنيتة‪".‬‬
‫انتظرت شروؽ الشمس بفارغ الصرب‪ ،‬وتسللت من الغرفة خوفا من‬
‫إيقاظها‪...‬‬
‫نظرت ذلا أـ صلال متعجبة "أين تذىبُت"‪ "..‬إىل ادلنزؿ لدي عمل‬
‫أقوـ بو‪ ،‬اليوـ سنقيم مولدا جلارتنا وقد وعدت بادلساعدة‪ ..‬ولن‬
‫أعود ألبيت ىنا‪...‬سأحضر إبنتها لتؤنسٍت‪"..‬‬
‫وفرت لتواجو خزيها على انفراد‪..‬‬
‫رمت جبسدىا على السرير زلاولة ذباىل ما حدث‪ ،‬و وضعت‬
‫كفيها على وجهها كيف يكوف منظري وانا كبَتة العائلة‬
‫وحكيمتهم‪ ..‬ىزت راسها بعنف زلاولة نسياف تعريها ليلة البارحة‪..‬‬
‫فجأة أخذهتا ذاكرهتا لطفولة بعيدة وىي تلعب يف الشارع مع‬
‫األطفاؿ‪ ،‬وكيف كاف زلمد جارىم ؼلتبئ منها‪...‬وىي ذبري ورائو‪..‬‬

‫‪48‬‬
‫لتلعب معو‪ ،‬كاف الطف األطفاؿ يف احلارة‪ ،‬ومل يضرهبا أبدا أو‬
‫يسحبها من شعرىا؛ وبعد أف يكفوا من اللعب يف‬
‫الشارع‪...‬يدخلوف منازذلم‪ ..‬ويتسللوف إىل سطح ادلنزؿ ليتحدثوا‪...‬‬
‫كاف ػلكي ذلا مغامراتو يف القرية وكيف كاف أسرع األطفاؿ يف‬
‫السباحة يف سيل القرية‪ ,‬وىي تستمع بانبهار‪ .‬مرت األياـ‪ ..‬وكرب‬
‫زلمد‪ ..‬وكربت فاطمة‪ ..‬وبداء جسدىا يف االمتالء؛ مل تعد زبرج‬
‫إىل الشارع لكنها مل تتوقف عن سرقة الوقت لتصعد‬
‫السطح‪...‬وتقابل زلمد‪...‬تغَتت احاديثهما‪ ،‬كاف يلقي على‬
‫مسامعها أبيات شعر رقيقة‪ ،‬أبيات يتخدر ذلا قلبها‪...‬وعندما‬
‫تتالقى عينهما‪...‬ؼلفضاهنا سريعا من اخلجل‪...‬إهنا ربب‬
‫زلمد‪...‬وىو مغرـ هبا‪...‬ويف مساء مسروؽ‪ ،‬صعدت بشوؽ إليو‬
‫واطلت على السور تنتظره‪...‬وفجأة أمسك بيدىا ‪":‬أريد أف أخربؾ‬
‫شيئا؛ ستأيت والديت لتزوركم غداً"‬
‫انتفض قلبها‪ ...‬ما أصبل انتفاضة القلب األوىل‪ ،‬ورفع يدىا وقبلها‬
‫واختفى من نظرىا‪ .‬مل تتحرؾ لفًتة وىي شلسكة بيدىا‪ ...‬زباؼ إف‬
‫ربركت أف تطَت قبلتها األوىل‪ ،‬غطتها بكفها اآلخر واختبأت يف‬
‫فراشها؛ حينها فقط رفعت كفها الذي اصبح من ذىب و وضعت‬
‫شفتاىا عليو رباوؿ دلس آثار القبلة‪...‬رباوؿ أف تردىا لو‪...‬كانت‬
‫واثقة باف قلبو َش َعر اآلف بأف قبلتو ُردت إليو‪ ..‬وبكرـ‪...‬‬

‫‪49‬‬
‫ثار األب ىائجا‪" ..‬مل يبق إال ىذا‪ ,‬أوالد القبائل يتطاولوف علينا‬
‫ويطلبوف مننا ضلن النسب‪ ".‬وكاألسد اذلائج صار يدور حوؿ نفسو‬
‫وكانو يبحث عن فريسة‪ ..‬وكانت ىي فريستو‪...‬‬
‫مل تستطع السكوت‪ ..‬حبها اجلميل ذبرأ وربدث‪:‬‬
‫"ومل ال يا أيب إنو جارنا منذ الصغر نعرفو ونعرؼ أىلو؛ ىم ناس يف‬
‫منتهى الطيبة‪ "...‬لن تنسى حىت اليوـ ما حدث‪ ,‬مل يبقى يف‬
‫جسدىا مكاف إال وطالو الضرب‪ ..‬والركل‪ ..‬واستخدـ معها كل ما‬
‫وجده أمامها وىو يصيح‪ "..‬أال تعرفُت من ضلن‪ ..‬ضلن األشراؼ‪..‬‬
‫ضلن األسياد‪ ..‬لن نلوث دمائنا بدـ قبيلي صلس" مل تنقذىا إال أمها‬
‫من موت وشيك؛ وزحفت لغرفتها‪ ..‬ربمل اوجاعها‪..‬وقلب كسَت‪.‬‬
‫وىي يف الغرفة؛ نظرت جلروحها والدماء اليت تسيل منو‪...‬اضبر‪..‬‬
‫دمي أضبر ىو نفس لوف دـ زلمد! كيف لدمائنا اف زبتلف‪ ،‬وىي‬
‫ربمل ىذا احلب‪.‬‬

‫مرت األياـ وعرفت ما فعلو والدىا دبحمد ووالده‪ ،‬وكيف أىاهنم‬


‫اماـ الناس صبيعا؛ استمعت لكل ىذا وىي سبوت‪..‬يف كل ليلة‬
‫سبوت‪...‬حىت مسعت أصوات العرس ادلقاـ يف بيت زلمد‪..‬اصوات‬
‫عالية‪..‬وكأهنم ينتقموف من ايب‪...‬مل يدركوا اهنم يقتلونٍت انا‪...‬‬
‫ويف الصباح الباكر أفاقت وقلبها ملئ باحلقد‪ ،‬واختارت زلمد‬
‫لتصب حقدىا عليو‪ ،‬وكأهنا اختارتو ليمحو احلقد مشاعرىا‬

‫‪50‬‬
‫ذباىو‪...‬وتنساه‪...‬‬
‫حقدت عليو ألنو أحبها‪ ..‬حقدت ألهنا رببو‪ ،‬حقدت عليو ألنو‬
‫قبيلي‪...‬وكرىتو ألنو ليس ىامشي‪...‬وحقدت عليو ألنو مع غَتىا‬
‫اآلف‪ ..‬وىي من تستحقو من بُت كل نساء العادلُت‪.‬‬
‫مر الوقت‪ ..‬ومل يقًتب منها ىامشي‪ ،‬اجلميع يتخوؼ من جالفة‬
‫وقسوة والدىا‪...‬الوقت ؽلر‪ ..‬وحاجاهتا كأنثى تزداد‪.‬‬
‫كانت تأوي يف الليل لفراشها‪...‬وربتضن وسادهتا‪...‬لتفرغ أنوثتها‬
‫على صورة زلمد ادلعلقة على ظهر الوسادة‪...‬‬
‫نفضت أفكارىا ودموعها‪" ..‬مل يكن زلمد من ظلمٍت‪ ..‬أعرؼ ىذا‬
‫من أوؿ يوـ‪ ،‬دمائنا ادلزيفة ىي من ظلمتٍت وحرمتٍت أف أكوف امرأة‬
‫وأـ؛ وبقيت عمري كأرض يابسة‪ ،‬مل يزورىا ادلطر‪...‬‬
‫"مل طلطئ ليلة البارحة أنا أو صلالء‪ ،‬من حقنا أف نَشبع‪...‬مل‬
‫نستسلم ذلذا اجلوع‪...‬ستعاقبنا ىذه األجساد إف مل نعطها حقها؛‬
‫ولتحًتؽ الساللة اذلامشية يف اجلحيم" عاودت لبسها وانطلقت دلنزؿ‬
‫أخوىا‬
‫ٍ‬
‫بضحكة منتصرة‪..‬‬ ‫استقبلتها صلال‪...‬‬

‫‪51‬‬
‫تعلمت صلالء أف صنعاء ليست كما تبدوا من شرفة غرفتها‪ ،‬فمن‬
‫حُت آلخر تنظر اىل ادلدينة بشفقة وزباطبها بوشوشة‪:‬‬

‫" ال أسرار زبتبیء فيك صنعاء‪ ،‬كل احملرمات تقاـ علی أرضك‬
‫ولكن غلب أف تغطى حبجاب؛ صنعاء مدينة الرياء اجلميلة‪ ،‬مدينة‬
‫النفاؽ ذات اذلواء العليل‪...‬‬
‫الكل ػلمل قنطار من الذنوب ولكن مالئكتها ال تسجلها‪ ،‬إف‬
‫أجدت يف إخفائها‪ ،‬غلوز يف شرع صنعاء إرتكاب‬
‫الفواحش‪....‬لكن من وراء ساتر‪ ..‬حائط أصم‪".‬‬
‫كانت صلالئنا الشريفة‪..‬برغم ذكائها ادلفزع‪ ،‬أقل حذرا من صنعاء‪،‬‬
‫فبدأت األقاويل تلوكها‪ ,‬وصارت النساء يتندرف حبكاويها‪..‬وعالقاهتا‬
‫ادلشبوىو‪..‬ولكنها وللعجب مرحب دائما بوجودىا فقد أصبح الثراء‬
‫باديا عليها‪..‬والناس يف صنعاء يقدروف الثراء ويغفروف خطايا‬
‫أصحاب ادلاؿ‪!..‬‬
‫بالرغم من حرصها الشديد علی ادلاؿ‪ ..‬تعلمت أف مظهرىا الغايل‬
‫الثمن يزيد من شبنها‪..‬فلم تبخل‪..‬مثلها ؽللك عقلية ذبارية فذة‪...‬‬
‫وصلت دلسامعها بعض األقاويل‪ ،‬ضربت هبا عرض‬
‫احلائط‪...‬حذرهتا عمتها كثَتا‪...‬فقد صارت عمتها بئر‬
‫أسرارىا‪...‬وغطائها حُت تذىب دلمارسة اعماذلا‪...‬كما تسميو‪...‬‬
‫وقد صار بالفعل عمل‪...‬ال وجود حتی دلشاعر ارتواء تراودىا‬

‫‪52‬‬
‫كادلاضي‪ ..‬وىذا أفضل بالنسبة ذلا؛ إحساس االشتهاء‪ ..‬والرغبة‬
‫تقيدىا‪ ،‬أما االحًتاؼ فهو ؼللع ىذه القيود فتصبح رلرد آلة‬
‫متمرسة‪...‬تعرؼ ما تتطلبو اللحظة وما يرغب بو كل زبوف لديها‪...‬‬
‫احلت عمتها كثَتا بأف تأخذ حذرىا‪..‬‬
‫وأشارت عليها بفكرة للخروج من ىذه األقاويل‪...‬الزواج!‪ ..‬ال‬
‫غطاء أفضل للمرأة من الزواج‪...‬فزعت صلالء‪" ..‬كيف يل أف‬
‫أتزوج‪...‬أنا مل اشبع من صبع ادلاؿ ‪...‬مازاؿ ينقصٍت الكثَت‪"...‬‬
‫"اطمئٍت‪...‬ستزيد حريتك بعد الزواج كثَتا‪...‬ال عيوف تراقب‬
‫ادلتزوجة‪ ..‬وال أقاويل تطاذلا" راقت الفكرة لنجالء‪...‬ستتزوج‪...‬مل‬
‫ال‪..‬وتنتظر من يطرؽ باهبا ولن ترفضو كعادهتا‪...‬‬
‫وطرؽ الباب ىامشي من أسرة عريقة‪...‬ولكنو ال يعمل حتی اآلف ومل‬
‫يكمل دراستو‪...‬ال ؽللك سوی إسم عائلتو وصرخة بدأت تًتدد يف‬
‫أضلاء صنعاء‪...‬‬
‫يف نظر اذلامشية‪...‬ىذا زوج مشرؼ‪ ..‬ال يعيبو إال ولعو بالقات‪..‬‬
‫ت سريعا بعد أف ذىبت‬
‫وما العيب‪ ..‬الشعب كلو ؽلضغ القات؛ ُزف ْ‬
‫لطبيب أصلح ما افسده أوؿ عشاؽ صلالء‪...‬وأعاد عذريتها‪...‬بعد‬
‫أف تذوقها الطبيب طبعا‪ ..‬فسعر العذرية يف صنعاء أصبح غاؿ‬
‫الثمن‪ .‬وانتظرت يوـ زفافها‪...‬صبيع من تقوؿ عليها باألقاويل كاف‬
‫من أوؿ احلضور‪...‬العرس ليس بسيط‪ ..‬اذلامشية ال تتزوج بعرس‬

‫‪53‬‬
‫بسيط فأرواح أجدادىا ربضر أعراسهن وتباركو‪ .‬بالرغم من الغشاء‬
‫ادلزيف إال أف اجلينات ىي الغالبة دائما‬

‫أكل اجلمع‪..‬وشرب‪..‬ورقص‪..‬وانتظرت عروسنا الشريفة السيد‬


‫ادلغوار‪...‬لعل ىذا الزواج يهب للبشرية ادلهدي ادلخلص‪...‬‬
‫دخل ادلخدع وما زاؿ فمو ملیء بالقات علی كال اجلانبُت‪...‬نظر‬
‫اليها مشدوىا وذىب الی احلماـ ينزع القات من‬
‫فمو‪...‬تبسمت‪..‬وازبذت وضعية الفتاة اخلجولة‪..‬وانتظرتو؛ مددىا‬
‫علی الفراش‪...‬وفقط‪..‬ال شيء ػلدث‪"...‬ما باؿ ىذا السيد‪...‬ال‬
‫شيء يرتفع فيو!‪..‬ال شيء مطلقا‪ "...‬تأوىت وىي ربتو‪ ..‬تلوت‬
‫كحية‪ ..‬وخبربهتا‪ ..‬حاولت معو بشىت الطرؽ‪ ..‬وكأف القات قد‬
‫خدر جسده بالكامل‪...‬‬
‫ردة فعلها كانت غريبة‪...‬ضحكت‪...‬ضحكت كثَتا و َعلَی صوهتا‬
‫كنت علی حق‪...‬جسدي كاف علی‬
‫بالضحك كما مل يعلو سابقا " ُ‬
‫حق حُت احس باجلوع سابقا"‪ .‬خرج السيد من حجرهتما وذىب‬
‫يبحث عن اإلنقاذ‪ ،‬ابتلع احلبة الزرقاء وعاد للمحاولة‪ ..‬تعبت‬
‫شريفتنا وىي بانتظار الفرج‪...‬علست لو استخدـ أصبعك؛ ألقت لو‬
‫بطوؽ النجاة وأكمل مهمتو‪...‬مستخدما إصبعو‪ ...‬وأخَتا ارتفع‬
‫سيف سيدنا مثنيا علی استحياء‪ ..‬وقذؼ منة سائل ساللة ادلهدي‬
‫علی الفراش طبعا‪...‬وكاد خياذلا أف يصور ذلا ىذا السائل كقيء‬

‫‪54‬‬
‫اخضر‪...‬كأورؽ قاتو اليت أدمنها منذ سنُت‪...‬‬
‫ودوت الصرخة احلوثية يف األجواء‪...‬معلنة انتصار السيد‪...‬‬

‫‪55‬‬
‫(‪)9‬‬

‫اذا بقينا صحراء‬

‫فلن ُسبطر أبدا‪..‬‬


‫غلب أف نصبح بساتُت‬

‫حينها‪ ،‬ستستجيب السماء‬

‫وينقشع الظلم‬

‫( ألثائر األمسر )‬

‫‪56‬‬
‫أوصلها السائق أبواب اجلامعة‪ ،‬تظاىرت باذلدوء زلاولة إخفاء‬
‫الفرحة اليت تسري يف دمائها‪ ،‬منذ أف دخلت اجلامعة وىي مل تعد‬
‫سبشي على األرض‪ ...‬إهنا تطَت كفراشة‪ ...‬تذكرت بفرحة حلظة‬
‫موافقة زوجها على دخوؿ اجلامعة‪ ،‬ألوؿ مرة أسرعت لتحتضنو‬
‫وتقبلو‪ ،‬ألوؿ مرة قَبِلَ ْ‬
‫ت شفتاىا دبالمستو أخَتا‪ .‬ومن يومها بدأت‬
‫تتغاضى عن تقلباتو اجملنونة وىوسو ادلرضي؛ بالرغم من نظرات‬
‫السخط وعدـ الرضى الىت يرمقها حُت يراىا منكبو على كتبها‬
‫ومالزـ جامعتها‪ ،‬إال أهنا تتجاىلو بربود‪.‬‬
‫الغريب يف ادلوضوع بأف التحصيل العلمي مل يكن علها األوؿ‪ ،‬فقد‬
‫كانت كمية ادلعرفة اليت اكتسبتها من قراءاهتا ادلتعددة أكثر بكثَت‬
‫من ادلعلومات اليت تستمدىا من زلاضرات اجلامعة‪...‬‬
‫كاف سَت احلياة يف اجلامعة ىو ما يثَت شغفها وفضوذلا؛ ضحكات‬
‫الطالبات وأحاديثهن ادلتنوعة ىي ما ؽلتعها‪ ،‬أحست من يومها‬
‫األوؿ بأف ىذا اجلمع برئ مل يتم السطو على براءتو بعد‪ .‬كانت‬
‫ذبلس بانزواء وتستمتع دبشاىدة ساحة اجلامعة‪ ،‬وتتبسم حُت ترى‬
‫النظرات الىت يرمق هبا شباب اجلامعة للطالبات‪ ،‬يرى البعض بأف‬
‫رلتمع اجلامعة مليء بالفساد‪ ..‬واالختالط‪ ..‬كم ىم جهلة‬

‫‪57‬‬
‫وسلطئُت‪ ،‬ليتهم يعرفوف باف الفساد يف اليمن متخفي خلف‬
‫اجلدراف؛ فساد سلتوـ خبتم الشريعة والعرؼ‪...‬فساد شرعي‪ ،‬على‬
‫سنو اهلل ورسولو‪..‬‬
‫استمرت بارتياد اجلامعة حىت مسعت أخبار متداولة عن بداية ذبمع‬
‫لطالب يقوموف باعتصاـ مطالبُت بتغيَت نظاـ احلكم!! شعارات‬
‫كثَتة استمعت ذلا بشيء من الفضوؿ‪..‬‬
‫"رفع الظلم! كيف يتم رفع الظلم يف بلد يتوارثو اجلُور والعدواف أباً‬
‫عن جد‪...‬الظلم يف بالدي رمز‪ ..‬معلم سياحي‪ ..‬كيف لليمن اف‬
‫تكوف ؽلنا بدوف ىذا الظلم؟‪"...‬‬
‫حذرىا زوجها من الذىاب ذلذه االعتصامات‪ ،‬وعدتو بصدؽ أهنا‬
‫لن تذىب وأف األمر ال يعنيها‪ .‬كاف ُجل ما زباؼ منو أف يتم‬
‫إغالؽ اجلامعة‪...‬لكنها استمرت يف تقصي أنباء ىذه االعتصامات‬
‫إىل أف أقيمت منصة تقاـ فيها اخلطب واألناشيد ادلطالبة‬
‫بالتغيَت‪...‬‬
‫حىت جاء يوـ طلبت منها زميلتها الذىاب معها دلكتبة الكلية‬
‫اجملاورة‪" ..‬ولكن كيف سنتخطى الساحة؟"‪"...‬سنمر سريعا‪"...‬‬
‫أقنعتها زميلتها وشي يف نفسها ػلثها على عدـ الرفض‪.‬‬
‫قادهتما أقدامهما للساحة‪ ،‬حاولت ذبنب الشباب لكن الغريب اهنم‬
‫كانوا يبتعدوف عن طريقهن بكل أدب‪ ...‬ومل تطف نظراهتم على‬

‫‪58‬‬
‫أجسادىن ‪ ،‬بل ومل تصل ذلن أي عبارة غزؿ كعادة الشباب يف‬
‫الشوارع واألسواؽ‪ ..‬وحىت يف اجلامعة أحيانا‪...‬اجلميع يصغي‬
‫لشاب ضليل ػلمل ميكرفونا ويعتلي ادلنصة؛ شاب أسر اجلميع‬
‫بثبات كلماتو‪ ،‬حبماس وشجاعة تطل من عينيو‪ ..‬تباطأت‬
‫خطواهتا‪ ..‬وزميلتها ربثها على ادلضي‪" ..‬انتظري قليال‪ ..‬دعينا‬
‫ِ‬
‫نستمع‪...‬دعك منهم فهم يتطاولوف على الرئيس‪ ،‬اهنم صبع بال‬
‫تربية؛ يدفعوف ذلم األمواؿ لتخريب البلد‪...‬إهنا األحزاب من‬
‫ربركهم‪...‬أمل تستمعي دلا قالو الرئيس البارحة؟؟ إهنا مؤامرة أمريكية‬
‫إسرائيلية لتدمَت اليمن‪"..‬‬
‫اسكتتها‪" ...‬انتظري أرجوؾ أريد أف استمع قليال‪"...‬‬
‫تابعت بصمت الشاب األمسر النحيل‪ ،‬مل يكن ػلمل ورقة يف يده‬
‫"‪..‬ىل حفظ ىذه العبارات قبل إلقائها!‪...‬كال " أحست من‬
‫مالزلو باهنا وليدة اللحظة‪ ،‬أحست بصدؽ كلماتو اخًتقت صميم‬
‫قلبها‪ ،‬أحست بالدموع سبالء عيناىا‪ .‬مل تعرؼ دلاذا! ردبا من صدؽ‬
‫كلماتو‪ ...‬من األمل الذي ينبعث من صدی أحالمو‪..‬‬
‫ظل احلشد يتابع الثائر النحيل وأصوات التشجيع تقاطعو حينا‪..‬‬
‫فال تزيده إال قوة‪ ..‬وضباس‪..‬‬
‫أنصتت بقلبها ذلذا الصوت‪ ..‬ما الذي أصاهبا؟؟‬
‫لثانية صغَتة التقت عينا الشاب بعينها‪ ..‬ثانية كلمح البصر‬

‫‪59‬‬
‫‪...‬لكنها كانت تكفي لتخًتقها‪ ،‬اطمئناف عجيب سری يف روحها‬
‫وىي تسمعو يردد‪"...‬سَتفع ىذا الظلم‪...‬وسنقتلعو من جذوره‪"..‬‬
‫أحست بأنو ال يقصد الوطن وال يطالب باحلرية ألرض اليمن!! بل‬
‫كأنو ؼلصها باخلطاب "‪ ..‬يقصدين انا‪...‬ىذا الشاب يوجو الكالـ‬
‫يل!" شدهتا زميلتها من كتفها فأخرجتها من ذلك اإلحساس الذي‬
‫احتل كياهنا "‪...‬ىيا بنا تأخرنا‪"...‬‬
‫واصلت ادلشي ومازاؿ صدى صوت الشاب ػلتلها‪...‬‬

‫‪60‬‬
‫(‪)11‬‬

‫لن غلف اذلوى‬

‫وضلن ينابيعو‪..‬‬

‫سنبيع!‬

‫(الشريفة صلالء)‬

‫‪61‬‬
‫وقفت صلال أماـ مرأهتا تكمل تربجها‪ ،‬وضعت بضع قطرات من‬
‫عطر عريب ثقيل ادللمس علی جسدىا واكثر منو بُت فخذيها؛‬
‫لديها اليوـ زبوف جديد‪...‬عميل لو وزنو السياسي‪ ..‬كبَت يف احلزب‬
‫احلاكم‪ ،‬تسلق سريعا ليصبح من األذرع القوية للحاكم‪..‬‬
‫مثلهم يدفعوف بسخاء‪ ،‬ال يلقوف باال للماؿ‪ ..‬يرمونو ربت أقداـ‬
‫الغواين دلتعتهم وكأهنم يبتعدوف عن قلق السياسة بغوانيهم‪..‬‬
‫دلتها عليو زميلة يف ادلهنة!!! تطلق عليها لقب (الزميلة) لتخفيف‬
‫حدة اللقب احلقيقي دلهنتها‪ (..‬قوادهتا)‪...‬‬
‫مع توغلها يف عامل ادلهنة الذي اختارتو؛ اكتشفت بأهنا ربتاج كثَتا‬
‫لدعم فهذه ادلهنة عامل كبَت؛ عامل سري سراديبو ربت مدينة‬
‫صنعاء!‪.‬‬

‫(صنعاء ذات األلف قناع)‬

‫صنعاء اليت ما أف تقنعك دبظهرىا حتی زبلع لبس الطهر وتظهر‬


‫الغانية‪ ..‬ذات الضحكة الرقيعة‪...‬‬
‫صنعاء الوديعة هنارا ادلعربدة ليال‪..‬وهنارا‪..‬‬
‫سراديبك السرية يا صنعاء حبال بادلفاجآت‪ ..‬واألمواؿ‪ ،‬واألىواؿ‪..‬‬

‫‪62‬‬
‫وال خَت من قوادة تكوف ادلرشدة دلثل صلالء ‪..‬برغم ادلبالغ الكبَتة‬
‫ادلستقطع إال أهنا حباجة ماسة إليها‪ ..‬وال تنكر فضلها يف أمور‬
‫كثَت‪..‬‬
‫أرشدهتا إلی عدة زبائن يديروف الرأس من رلرد ذكر أمسائهم‪..‬‬
‫زبتلف انتماءاهتم‪ ،‬مذاىبهم‪ ،‬أعماذلم‪... ،‬واحيانا جنسياهتم‪...‬‬
‫ال يتشاركوف إال يف امتالكهم للماؿ و تقديرىم للمتعة واجلماؿ‪...‬‬
‫ولكل منهم مزاج خاص‪ ...‬قوادهتا رباوؿ أف تدذلا علی مزاج كل‬
‫واحد منهم علی حدة‪ ،‬وىذا يزيد من إحساسها بادلغامرة وادلتعة‪...‬‬
‫أكملت ىندامها ولبست عباءهتا وغطت وجهها باللثاـ وعلت‬
‫باخلروج‪ ..‬يف طريقها للباب مسعت صوت السيد‬
‫زوجها‪..‬يصيح‪..‬إلی أين؟؟‬
‫أخرجها من العامل الذي تفكر فيو‪..‬‬
‫و نظرت إليو بقرؼ "جلسة مقيل لبعض الصديقات‪...‬مل‬
‫السؤاؿ؟‪"..‬‬
‫مازاؿ أثر القات ؼلرج من شدقو‪ ،‬وما زالت تتخيل السائل األخضر‬
‫ؼلرج من فتحات جسده حتی أذنيو كاف ؼلرج منها ىذا القيح‬
‫األخضر‪.‬‬
‫أبعدت نظرىا عنو فلم تعد تستطيع أف تتحمل النظر إليو‪...‬‬
‫""لن زبرجي اليوـ‪ ..‬ماذا سيقوؿ الناس‪ ..‬يوميا زبرجُت وال تعودين‬

‫‪63‬‬
‫إال متأخرة‪ ..‬احًتمي ىذا الرجل الذي ربملُت امسو‪ ،‬احًتامي اسم‬
‫والدؾ‪ ..‬ىل نسيت من ضلن‪ ..‬ىل نسيت مسعة عائالتنا؟‪...‬ضلن‬
‫أشراؼ البلد وكل العيوف تبحث عن خطاء لنا‪ ..‬أخطاء ألحفاد‬
‫الرسوؿ"‬
‫مسعت منو ىذا ادلوشح كثَتاً وتعرؼ دوائو؛ قلبت حقيبة يدىا‬
‫وأخرجت أوراؽ نقدية‪ ..‬رمتها أرضا‪"...‬حق القات‪"...‬‬
‫تبسم بأسناف خضراء " سانتظرؾ‪ "..‬وصبع األوراؽ النقدية من على‬
‫األرض‪" ..‬أقضي وقتا شلتعا‪ ..‬حاويل أف ال تتأخري يا شريفة‬
‫قليب‪"..‬‬
‫وبنظرة مطمئنة أضاؼ "سأبقى لك قات لتكملي التخزينة معي‬
‫ىذه الليلة أشتهيك‪!!"..‬‬
‫ضحكت ساخرة ‪..‬وىي ربدؽ يف عينية ‪":‬لو كاف فيو لنب كاف‬
‫حلبناه"‬
‫ذباىل ردىا وكأنو مل يسمعو‪ ..‬وهترب من نظرهتا اليت تعريو وأغلق‬
‫خلفها الباب مستعجال خروجو للحاؽ لسوؽ القات قبل أف ينفذ‪.‬‬
‫يف طريقها تذكرت زوجها "كل منا يتاجر بطريقتو‪ ..‬ضلن نتاجر‬
‫بنفس اجلسد‪ ،‬كلنا نعلم ىذا يف قرارتنا‪...‬وعيوننا تقولو علی الدواـ؛‬
‫ولكننا نكتفي بالصمت‪...‬طلفيو ضمن تقيتنا اليت أجدناىا عرب‬
‫التاريخ" تشفق عليو أحياناً فهو جائع أيضا‪ ،‬وإف اختلف نوع‬

‫‪64‬‬
‫جوعو‪...‬لكنو مل يبحث عن اخلمر كوالدىا ادلتعطش للشرؼ‬
‫العائلي الذي ضاع منذ عشرات السنُت ‪..‬أو كعمتها اجلائعة للمتعة‬
‫اليت حرمت منها‪ ..‬أو كجماعتها ادلختفية يف اجلباؿ تتزود‬
‫بالسالح‪ ..‬صباعتها اجلائعة للسلطة‬

‫"قد يكوف زوجي ردبا ىو الوحيد الذي ال يعاين مثلنا فاكتفى بأوراؽ‬
‫القات ‪..‬ألنو ال ؽللك داخلو أي شيء‪ ..‬ال يطلب شيئا‪ ..‬فال‬
‫أحالـ لديو وال طموح‪ ،‬حتی الصرخة اليت يرددىا‪ ..‬ىو حقا ال‬
‫يفهم معناىا‪ ..‬لقد اكتفي بأف السيد يرددىا‪ ..‬وىل من شرؼ‬
‫كشرؼ السيد الذي سقي من الساللة ادلنوية‪...‬‬
‫جوع زوجي ىو األخف وطأة؛ إنو ػلتاج القات لكي يشبع ىذا‬
‫اجلوع‪ ،‬ويكتفي بأحالـ فارغة‪ ..‬يبنيها وىو ؽلضغ القات‪...‬ويتقيأىا‬
‫بعده" وىا ىي ال تبخل عليو؛ يكتفي من ذبارهتا بساعات ؽلضغ‬
‫فيها أوراؽ القات‪.‬‬
‫نفضت أفكارىا وطردت زوجها السيد اذلامشي‪...‬وانطلقت دلوعدىا‬
‫ادلرتقب مع السياسي الكبَت‬

‫‪65‬‬
‫(‪)11‬‬

‫الدنيا ال ترى‬

‫عمياء‪..‬‬

‫"لن ترى الدنيا على أرضي وصيا"‬

‫( أمل )‬

‫‪66‬‬
‫تثاقلت الطالبة اجلامعية يف خطواهتا‪ ،‬وظلت رباوؿ اف تسرؽ نظرىا‬
‫لسائقها حىت يبتعد بالسيارة‪..‬‬
‫اختفى صوت السيارة اخَتاً‪...‬أسرعت اخلطى‪...‬وذباىلت قاعة‬
‫احملاضرات وانطلقت ربث اخلطى للساحة‪.‬‬
‫منذ ذلك اليوـ وشغفها للساحة يزداد‪ ،‬تسرؽ الوقت وتتجاىل‬
‫احملاضرات وذبري لتستمتع بطعم احلرية؛ كانت تتنفس يف أضلاء‬
‫الساحة ىواء جديد ليس كخارجو وكأهنا يف بلد آخر‪...‬طاىر‪..‬‬
‫لقد بٌت الشباب يف الساحة ادلدينة الفاضلة‪ ..‬كانوا أقوى من‬
‫فالسفة األرض وأخرجوا ادلدينة الفاضلة من الكتب دبعجزة إؽلاهنم‪،‬‬
‫و حققوىا على األرض‪..‬‬
‫كاف اجلميع ؼللع خنوعو يف نقاط التفتيش اليت أقامها الشباب‬
‫ويدخل بروح جديدة مل تتلوث بالظالـ الذي رويت بو أرض اليمن‬
‫من ألف عاـ‪...‬وأكثر‪..‬‬
‫مل تكن تشارؾ يف الفعاليات ادلقامة إال بادلشاىدة فلم تكن ضليعة‬
‫بالسياسة‪ ..‬ومل تشغل باالً هبا‪ ..‬خاصة للسياسة يف اليمن‪ ،‬فقد‬

‫‪67‬‬
‫كانت ترى أف ال شيء سيتغَت‪ ،‬واف ىذا الشعب قانع بالظلم‪..‬‬
‫وراض بو‪...‬كما كانت تفكر ىي أيضا‪ :‬الظلم قدر من ربنا‪ ..‬ولن‬
‫يرفعو سواه‪...‬‬
‫لكنها كانت تضبط نفسها أحيانا وىو تردد الشعارات‪...‬خجلت‬
‫يف البداية لكنها قاومت خجلها واستمرت بالًتديد‪ ..‬بكل سعادة‬
‫‪...‬‬
‫رائحة احلرية يف ىذه الساحة جبارة‪ ،‬تكتسب القلوب قلبا قلبا‪ ..‬لن‬
‫تنسى شبابيك العمارات ادلطلة على اجلامعة وىي تردد ىتافات‬
‫الشباب ناىيك عن الكعك البلدي الذي كاف يوزع بكل ود قادماً‬
‫من كافة أضلاء صنعاء‪ ،‬بداء إؽلاف شباب الثورة يصل لقلبها‪...‬لن‬
‫يرفع الظلم إال بالتصدي لو‪...‬‬
‫كانت تبحث عن الثائر الذي شدىا يف أوؿ يوـ ذلا يف‬
‫الساحة‪...‬وكاف دائما موجود‪...‬حملتو احد ادلرات شلسكا (برويت‬
‫ناشف) ويدىن عليو قطعة جنب صغَتة‪ ...‬وجبتو للغداء!!! يكملها‬
‫وينطلق للمنصة ليلهب القلوب خبطبة تتذوؽ فيها طعم احلرية‪ .‬مع‬
‫الوقت اكتشفت باف الكثَت من الشباب مشاهبوف لثائرىا؛ نفس‬
‫ادلالمح السمراء األبية‪ ،‬نفس ادلالبس البسيطة ادلرتبة بسيطة الثمن‬
‫‪...‬األجساـ الناحلة‪...‬ادلليئة بالقوة بنفس الوقت‪..‬‬
‫ما ىذا ادلزيج الغريب؟؟ تساءلت " كيف ذلم أف يكونوا هبذه القوة‬

‫‪68‬‬
‫وضلن ضليا على ىذه األرض صبيعاً؟‪ ..‬كيف استطاعوا دوف غَتىم‬
‫أف يتحرروا من خوفهم‪...‬ما تلك الوصفة اليت صنعت منهم عمالقة‬
‫يواجهوف ىذا الظلم‪ ..‬وطواغيتو‪...‬كانت افضل حلظاهتا يف الساحة‬
‫حُت ػلُت موعد النشيد اجلمهوري يف الساحة‪ ،‬فيقف اجلميع بال‬
‫استثناء شبابا وشيوخا‪ ..‬فتياف وفتيات‪ ..‬وينظروف للعلم اجلمهوري‬
‫ويرددوف النشيد بصوت واحد‪ .‬مل تكن ربفظو يف بادئ األمر‬
‫ولكنها ال تستطيع إيقاؼ دموعها‪ :‬دموع بطعم خاص جديدة؛‬
‫دموع بطعم احلب ذلذا الوطن‪ ..‬دموع حرة‪ ..‬ال تعرؼ القيد والذؿ‬
‫" كم أعشق ىذا الوطن‪ ،‬مل أدرؾ مدى حيب ذلذه الًتاب إال بعد‬
‫أف سقاين شباب الثورة ىذا احلب‪..".‬تابعت مرددة‬

‫"لن ترى الدنيا على ارضي وصيا‪"....‬‬

‫‪69‬‬
‫(‪)12‬‬

‫يفقد الدـ قدسيتو‬

‫اذا تسرب للخارج‬

‫وذلذا ضلن األطوؿ ُع ْمراً‬


‫وأكثر جوعاً‪!..‬‬

‫(الشريفة صلالء)‬

‫‪70‬‬
‫رفع ادلسئوؿ الكبَت مساعة اذلاتف وانتظر حىت مساع صوت الطرؼ‬
‫اآلخر‪ ..‬بلهجة سوقية‬
‫"ىياااااا مو؟؟؟‬
‫أين البضاعة؟؟؟‬
‫تصرفات اؿ‪....‬ال أقبل هبا؟؟؟‬
‫حسنا ‪..‬ذكريٍت ما أمسها؟؟؟ االسم احلقيقي‪...‬اشلمم من أي‬
‫بيت‪...‬‬
‫ىامشية صبيييل‪....‬ىههههههو رباوؿ إخفاء امسها‪....‬‬
‫ىل تظن نفسها هبذا الذكاء ىهههو‬
‫حسنا‪...‬استعجليها‪...‬ستصلك مكافئتك أف كانت البضاعة‬
‫تستحق‪"...‬‬
‫استدع خادمو "أين ادلاء البارد‪"...‬‬
‫أهنی زلادثتو مع القوادة و َ‬
‫مسع صوت جرس الباب‪...‬فتح الباب‪...‬ودخلت صلالء‪ ..‬غاصت‬
‫قدماىا يف السجاد الوثَت‪ ،‬والتفتت حوذلا؛ مل تدخل قصرا كهذا من‬
‫قبل ‪ ..‬أطل صاحب البيت "أىال أىال جبميلتنا‪"...‬‬
‫قادىا لغرفة صغَتة "اخلعي ىندامك ىنا واحلقي يب للديواف‪"...‬‬
‫استدار حتی وصل الی الباب وكأنو تذكر شيئا‪ ،‬التفت ذلا ‪"..‬إياؾ‬

‫‪71‬‬
‫والسرقة‪...‬أعرفكن جيدا"‪...‬‬
‫فوجئت صلالء هبذه الوقاحة‪...‬‬
‫صحيح بأهنا أحيانا سبد يدىا وتأخذ أشياء صغَتة من بيوت زبائنها‬
‫ولكنها مل تتعود علی ىذه الوقاحة؛ مل تغضب من اهتامها بالسرقة‬
‫ولكن من طريقة لفظو‪" ..‬صحيح قبيلي جائع‪"..‬‬
‫تناست انفعاذلا وانطلقت أليو‪...‬ذلذا ىي زلًتفة‪ ..‬يبدو أنو متعود‬
‫علی ىذا السوؽ فيجب عليها أف تبذؿ رلهود اكرب دلتعتو‪ ،‬ال شيء‬
‫يعيقها يف إيصاؿ ادلتعة‪...‬ال يهمها سوی أجرىا‪...‬‬
‫دخلت وجسدىا يتطوح بدالؿ وغنج‪ ..‬اقًتبت منو‪ ...‬وبدأت‬
‫دبداعبتو‪...‬ابعدىا قليال‪"...‬ما امسك يا حلويت؟" ‪..‬أجابت‪:‬‬

‫"ليلی"‬

‫قهقو ساخرا "صلال اذلامشية‪...‬أال تعرفُت من أنا‪ ..‬مثلي ال يقبل‬


‫الكذب‪...‬كوين مطيعة يل كي اجعلك سعيدة‪ "...‬ارتبكت صلالء‬
‫و أخذ اخلوؼ يتسرب لقلبها‪...‬حلظات سبالك نفسها وردت‬
‫بصوت مطيع "حسنا‪ ".‬بدأت دبداعبتو بكل مثابرة وجد‪ ..‬ما أف‬
‫بدأت ربس حبرارة جسده ترتفع حتی رف صوت ىاتفو؛ كاف يضع‬
‫أمامو العديد من اذلواتف‪ ،‬التفت بربود ذلا لكي يطفئها‪...‬لكنو كاف‬
‫ىاتفو اخلاص الذي يرف؛ ارتعشت فرائصو وىب واقفا "‪...‬نعم يا‬
‫افندـ‪...‬حسنا ‪..‬يوـ اجلمعة؟؟ سباـ يا افندـ؟؟ كل شي جاىز‪..‬‬

‫‪72‬‬
‫أغلق اذلاتف وامسك غَته‪ ...‬واتصل متجاىال صلال وكأهنا مل تكن‬
‫موجودة‪...‬‬
‫بداء حوار آخر‪"...‬ما األخبار؟؟ ماذا الكرامة؟؟ حسنا‪ ..‬ال تنسی‬
‫‪ ..‬كل شيء ‪..‬األمساء؟؟ وأماكن سكنهم؟؟ ومن أي‬
‫حزب؟؟‪...‬نعم الشباب وصلوا وينتظروف اإلشارة!‪...‬خذ حذرؾ ال‬
‫أريدؾ أف تُكشف فال أريد زرع أحد غَتؾ‪...‬فقد بدأوا باحلذر‪"...‬‬
‫أغلق ىاتفو‪ ..‬مل تفهم شيء ولكن التوتر بدی عليو‪ ،‬حاولت‬
‫معاودة اللعب ولكنها مل تفلح‪...‬التفت إليها أخَتا‪ ،‬وبصوت عاؿ‬
‫نادی اخلادـ‪...‬‬
‫"نعم افندـ؟؟؟" أشار لنجالء‪"...‬أرين ما تستطيع فعلة هبا؟؟ ال‬
‫تنسی أهنا ىامشية؟؟ ارين كيف نتمتع ببنات األسياد؟؟؟‪...‬أمامي!"‬
‫ذُىلت صلال وبدأ اخلادـ بتعريها‪ ...‬وؽلددىا علی بطنها يف أرض‬
‫الديواف‪ ...‬دبنتهی العنف‪ ..‬وخلع ثوبو وبدأ يف إرضاء سيده‬
‫السياسي الكبَت‪...‬‬

‫‪73‬‬
‫(‪)13‬‬

‫ادلوت اجلماعي‪ :‬يغضب اإللو‪ ..‬وادلالئكة‬

‫وحىت الشياطُت‪..‬‬

‫لكنو يسعد البشر!‬

‫(أمل)‬

‫‪74‬‬
‫منذ أف اصبح وطنها ساحة التغيَت يف جامعة صنعاء وذلا طقوس‬
‫خاصة يف يوـ اجلمعة‪.‬‬
‫تفرغ نفسها سباما‪ ،‬وربمل دفًت زلاضراهتا لتحاوؿ اللحاؽ دبا يفوهتا‬
‫من زلاضرات؛ وتفتح التلفاز لتنتظر صالة اجلمعة مباشرة من قلب‬
‫الساحة‪..‬‬
‫"ما اصبل خطب اجلمعة من ساحة وطٍت احلبيب‪ "...‬كانت‬
‫تتفاخر بأعداد ادلصلُت الذي يتزايد صبعة وراء صبعة‪ ،‬مل تدرؾ أف يف‬
‫اليمن ىذه األعداد الغفَتة اليت تبحث عن العدؿ مثلها!! ىا ىي‬
‫رباوؿ قهر الظلم بأضعف األؽلاف‪...‬أربع ركعات‪...‬تصفع الظامل‬
‫األكرب يف اليمن ‪..‬وزبانيتو‪..‬‬
‫قرات اللوحة ادلعلقة بُت ادلصلُت‪(..‬صبعة الكرامة)‬
‫"(الكرامة) ‪..‬ىنيئا لكم يا أىلي طريق الكرامة الذي تسَتوف بو‪...‬‬
‫أىلي!! نعم إهنم أىلي‪ ..‬منذ دخلت الساحة وانا أشعر‬
‫باألماف‪...‬وىل ىناؾ ما يشعرؾ بالدؼء واألماف اكثر من‬
‫األىل‪"...‬‬
‫استمعت للخطبة بكل ضباس وبدأت سبسك دفًت احملاضرات وتبدا‬
‫دراستها‪...‬‬

‫‪75‬‬
‫مل ؽلض وقت طويل حىت مسعت من التلفاز صوت ادلذيع يف حالة‬
‫مضطربة‪...‬‬
‫ورات من خالؿ الشاشة دخاف متصاعد‪...‬وأصوات رصاص‪...‬‬
‫ما الذي ػلدث؟؟‪...‬‬
‫أخذت الكامَتا تنقل صورا مباشرة للشباب ػلملوف رفاؽ‬
‫ذلم‪...‬دماء!! "نعم إهنا دماء‪ ..‬وياله إهنم يقتلوف أىلي‪ ..‬يقتلوف‬
‫أبناء وطٍت‪ ..‬يقتلوف أخويت"‬
‫تزايدت أصوات الرصاص‪...‬وارتفعت أعداد القتلى‪ ...‬واصطبغت‬
‫الشاشة بلوف الدـ‪...‬‬
‫مل يفجعها ادلوت بأحد من أقارهبا‪...‬مل تتذوقو قبال‪...‬حىت اآلف‪..‬‬
‫ذاقت معٌت الفجيعة‪..‬‬
‫صارت ثكلى‪" ..‬ما أقساؾ أيها ادلوت‪ ..‬كيف زبتطف اطهر من‬
‫فينا‪ ...‬كيف قويت على خلع األحالـ من قلوبنا بال رضبة‪"...‬‬
‫خنقت أنفاسها لكنها مل تزح عينها عن الشاشة "استمري أيتها‬
‫الشاشة بذحبي‪...‬سأكوف أضحيتك الليلة؛ وال تظٍت أف الدماء‬
‫ستدفن الوطن الذي وضعت قواعده يف الساحة‪...‬سيبقى‬
‫‪..‬وستكوف ىذه الدماء ىي السقيا لزىور الغد‪"...‬‬
‫ارتفع صوت ادلذيع ادلفجوع مثلها وىو يتنقل بُت اجلثث اليت نقلت‬
‫اىل ادلستشفى ادليداين‪...‬‬

‫‪76‬‬
‫يردد أمساء الشهداء ويعرض صورىم‪" ..‬وياله‪ ..‬كيف ربس أمهات‬
‫ىؤالء الفتية‪...‬‬
‫شهيد جديد ُػلمل بأيدي رفاقو الباكُت‪...‬‬
‫اخًتقت الرصاصة رأسو‪ ..‬ىا ىم ؽلسحوف الدـ من وجهو‪...‬‬
‫ويلي أصابتك طلقو الغدر يا أخي‪ ..‬غدروا بك أيها الثائر األمسر‪..‬‬
‫يا من دلٍت على طريق حرييت‪...‬يا من تعلمت من صوتك الثائر‬
‫معٌت حب الوطن؛ ورددت بدموعي مع صوتك‬

‫‪..‬نشيد اليمن الوطٍت‪...‬‬

‫‪77‬‬
‫(‪)14‬‬

‫من كاف جده رجل صاحل‬

‫سخر اهلل لو زوجة صاحلة‬

‫( زوج الشريفة صلالء )‬

‫‪78‬‬
‫استفاقت صلال باكراً بفعل صوت ىاتف ملح‪ ..‬إنو والدىا‪...‬‬
‫"نعم والدي"‪" ...‬أفيقي زوجك ادلخبوؿ وأحضريو حاال‬
‫للمنزؿ‪...‬أخربية أهنا أوامر السيد" ‪..‬أغلق اذلاتف سريعا‪...‬‬
‫أغمضت عينيها حاولت العودة للنوـ ولكن صوت والدىا‬
‫اللحوح‪ ..‬أفاقها‪...‬‬
‫ذىبت للديواف‪...‬ونظرت إلی سلدع زوجها؛ أوراؽ القات وبقايا‬
‫سهرتو تنتشر حولو‪..‬‬
‫"منتهی القرؼ"‪..‬‬
‫ىزتو بعنف‪" ..‬أفق‪"...‬‬
‫أخذ وقتا كي يستوعب فلم سبر ساعة منذ غلبو النوـ‪" ..‬والدي‬
‫اتصل و يريدنا حاالً يف منزلو‪ "..‬سبتم بكالـ مبهم‪ ...‬عنفتو‪" ...‬إهنا‬
‫أوامر السيد" فتح عينيو مندىشا "السيد‪...‬السيد؟؟‪..‬قدس اهلل‬
‫نوره‪ ..‬حسنا ‪ ..‬اسرعي "‪..‬ومل سبر نصف ساعة حتی كانا يطرقا‬
‫الباب‪...‬‬
‫أحس بأف ديواف والدىا شلتلیء‪ ...‬دخل زوجها الديواف ‪.‬‬
‫مل تكد تتحرؾ خطوة حتی غلبها الفضوؿ‪ ..‬ووقفت يف مكاف‬
‫قريب تسًتؽ السمع علی اجلمع‪...‬‬

‫‪79‬‬
‫أصوات سلتلطة لكن وصلتها بعض العبارات‪...‬‬
‫‪ -‬سلم اهلل ‪..‬كاف اجلميع متيقظا‪...‬وابتعدوا حبسب اإلخبارية‪..‬‬
‫‪ -‬بدأوا يشكوا ‪...‬يف كل مرة ال أحد منا متواجد‪...‬‬
‫‪-‬خيمة الصمود‪...‬ال ال تثقوا يف احد‪..‬‬
‫‪-‬لكنو من حزب اإلصالح؟؟‬
‫‪-‬بيت الشامي ىامشي يف األساس‪.....‬‬
‫‪-‬حتی األف االفندـ تصلو ادلعلومات كما أمرمت‪.....‬ال‪..‬ال‪ ..‬ما‬
‫يأمر السيد فقط بايصلو‪...‬‬
‫اختلطت بعدىا األصوات‪ ..‬ومل تعد تسمع سوی علهمات؛‬
‫حاولت االقًتاب أكثر‪ ..‬وفجأة وضعت األـ يدىا علی كتفها‪..‬‬
‫"ىل جننيت؟" شدهتا للداخل‪" ..‬ىل تعرفُت من يف الداخل انو‬
‫مندوب السيد ‪...‬جاء متخفيا‪...‬بأوامر من السيد‪...‬‬
‫سيأخذوف زوجك للساحة‪ ...‬ػلتاجوف للهامشيُت ىناؾ‪ "..‬تبسمت‬
‫صلالء للفكرة‪ ،‬ستتخلص منو قليال‪" ..‬ليتو يقتل ىناؾ بطلقة‬
‫طائشة‪...‬ولكن يبدوا أف أعمار اذلامشيُت أطوؿ من غَتىم‪..‬‬
‫والساحة خَت دليل" تبسمت ضاحكة يف تشفي‪...‬‬
‫وأعادت ذلا ذاكرهتا احملادثات اليت مسعتها يف ديواف والدىا وتذكرت‬
‫ادلكادلة اليت مسعتها يف بيت السياسي‪...‬تبسمت يف دىاء‪...‬‬

‫‪80‬‬
‫"لسنا هبذا الضعف كما نبدوا‪"...‬‬
‫"ضلن من نرقص برؤوس األفاعي‪" ..‬‬

‫ومنذ أف قرر السيد إقامة زوج صلال يف الساحة وىي يف منتهى‬


‫السعادة‪..‬‬
‫فقد وسعت رلاؿ عملها وبدأت ربضر زبائنها للبيت؛ ىي تعلم‬
‫علم اليقُت انو لن ؼلالف أوامر السيد‪.‬‬
‫مل تعط للسيد أبداً ىذه القدسية اليت ػلملها لو اذلامشيوف‪ ،‬كانت‬
‫تستخف بسذاجتو‪ ..‬ولكنها تعلم انو ىو الطريق الستعادة مكانتهم‬
‫ثانية‪...‬مل تكن ملمة بالسياسة جيدا‪ ،‬ولكنها تربت على أف ذلا حق‬
‫أخذه من ال يستحقو؛ كيف للعواـ والعبيد أف تسلب حق األسياد‬
‫واألشراؼ‪..‬‬
‫يف قرارة نفسها ُربَ ِمل الشعب الذي ثار يف وجو أسياده أسباب‬
‫اجلوع الذي عاشتو‪ ..‬وعاشو اذلامشيُت صبيعا‪...‬‬
‫عاد ذلا زوجها يوما زلمال بعده كتب‪ "..‬منذ مىت وأنت تقرأ"‪"...‬‬
‫أمرين السيد أف أتقرب من شباب الثورة‪!!..‬‬
‫فتعرفت بأحدىم وحاولت أف ابدوا كأحد من يبحثوف معهم عن‬
‫العدالة‪ ..‬واحلرية‪ ..‬والدولة ادلدنية‪...‬‬
‫فأحضر يل عدة كتب كي أستطيع ترديد ما الذي كابده الشعب‬

‫‪81‬‬
‫قدؽلا‪ ..‬وما الذي عاناه من الطاغية حاليا‪"...‬‬
‫ىز كتفيو بال مباالة‪ ،‬وضع الكتب جانبا‪ ..‬وذىب ليغط يف‬
‫النوـ‪...‬‬
‫بقليل من الفضوؿ أخذت تتصفح الكتب‪...‬أشعار للربدوين‪ ..‬رواية‬
‫للزبَتي و أخرى تدعى الرىينة‪...‬أمسكتها وبدات تقلب يف‬
‫صغحاهتا؛ شدىا الوصف اجلميل لقصور اإلماـ‪...‬وخدمهم‪...‬‬
‫والدويدار ادلرهتن‪ ...‬حىت وصلت للشريفة صفية؛ وصالت القراءة مث‬
‫مزقت الكتاب ورمتو جانبا‪"...‬حُت يتعلم العبيد‪...‬يتطاولوف على‬
‫شريفاهتم!!!"‬
‫رف جرس اذلاتف‪...‬إهنا قوادهتا‪ ..‬حاف موعد للعمل‪....‬‬

‫‪82‬‬
‫(‪)15‬‬

‫اخلوؼ ‪ ..‬ال يػُ َورث‬

‫ضلن من نسقيو‪..‬‬

‫( أمل )‬

‫‪83‬‬
‫ىل ذىبيت إىل ساحة التغيَت؟؟"‬

‫باغتها بالسؤاؿ‪..‬‬
‫نظرت لو بعيوف استوطنها احلزف‪"...‬مل السؤاؿ؟؟"‬
‫"حالك من هنار صبعة الكرامة غَت طبيعي‪...‬ىذا احلزف‪...‬وىذه‬
‫الدموع‪ ،‬وكأف عزيزا لك قضى ضلبو"‪..‬‬
‫نظرت لو بتحد‪" ..‬نعم فقدت عزيزا‪ ،‬بل أعزاء‪...‬صبيع من استشهد‬
‫يف ىذه الثورة عزبز وغاؿ علي‪".‬‬
‫فوجئ بنربة التحدي يف صوهتا "ال تنسي وضعي ومكانيت‪...‬أنا‬
‫تاجر وغلب أف أبتعد عن السياسة‪ ...‬واقف على حياد"‪..‬‬
‫"لكٍت ؽلنية ووضعي ػلتم على أف اقف مع وطٍت‪"..‬‬
‫تشعب احلوار وبداء يفقد أعصابو‪ ..‬رفع كفو وىوى هبا على وجهها‬
‫ليصفعها‪...‬فوجئ بيدىا تقبض يده بصالبة‪..‬‬
‫"انتهى وقت الصفع واخلوؼ‪ ،‬ولن سبد يدؾ ثانية لتضربٍت‪...‬‬
‫وسأقوؿ ما احب ويف أي وقت احب"‪...‬‬
‫تابعت بتماسك‪" ..‬لقد بدأت اشك يف قواؾ العقلية‪ ..‬ما ىذه‬
‫السادية اليت ربتل نفسك‪ ...‬ىل ذلا عالقة دباضيك! ما الذي‬

‫‪84‬‬
‫أصابك لتُخرج غلك وكرىك على جسدي كأنك تنتقم منو ومن‬
‫ماضيك"‪..‬‬
‫مل يصدؽ ما تسمعتو أذناه‪ ..‬تطاير الشرر من عيناه وبكلتا يداه‬
‫أخذ يكيل ذلا الضربات وجسدىا بالركالت‪...‬‬
‫"من تكوين لتحدثيٍت هبذه الطريقة"‪...‬‬
‫استسلمت ذلجومو ألهنا لن تقوى على صده‪ ..‬وحاولت البقاء‬
‫ىادئة ما أمكنها‪ ...‬تركها بعد أف كلت يداه وخرج من ادلنزؿ‪...‬‬
‫جبسد مدمي زلطم‪ ،‬أعدت حقيبتها‪...‬وضبلتها اىل منزؿ والدىا‪...‬‬
‫وجلست تنصت لغضب أمها‪ ..‬وأباىا‪ ..‬وصبيع أىلها بكل برود‪...‬‬
‫انتظرت حىت انتهوا ودخلت سلدعها القدًن واستسلمت لنوـ‬
‫عميق‪..‬‬
‫مل يصدؽ نفسو حينما علم باألمر‪...‬صبع أبناء عمها وذىب إىل‬
‫منزؿ والدىا ليسًتجعها‪...‬‬
‫بدأوا االجتماع‪...‬فجاءة دخلت عليهم وبكل ثبات‪...‬‬
‫"أنا لن أعود لو أبدا‪ ..‬ولن اقبل بظلمو أو ظلمكم يل ما حييت‬
‫‪...‬وإف أصررمت؛ سأدخل احملاكم‪...‬وأطالب حبقي خبلعو‪ ...‬واملك‬
‫الكثَت ألقولو ىنا وىناؾ‪"...‬‬
‫كشفت عن جزء من كتفها‪...‬عليو آثار جروح قدؽلة‪...‬‬
‫"من أراد البنتو أمواؿ ىذا الرجل فليهدىا لو‪"..‬‬

‫‪85‬‬
‫ورمت علبة كبَتة مليئة بالذىب‪...‬‬
‫"ىذا ما حصلت عليو منك‪ ..‬ىو لعنة بالنسبة يل مع عالماتك‬
‫وندوبك على جسدي‪...‬ولألسف ال املك طريقة لردىا لك"‪...‬‬
‫ذىل اجلميع من القوة والصالبة اليت تتحدث هبا‪...‬قاـ التاجر من‬
‫مكانو واخذ الصندوؽ بغل والتفت إليها‪:‬‬
‫"أ ِ‬
‫نت طالق‪"..‬‬

‫‪86‬‬
‫(‪)16‬‬

‫ملك لنا‪..‬‬
‫السلطة ٌ‬
‫نقتل‪ ..‬نسرؽ‪..‬‬

‫نبيع شرفنا‪ ..‬ونتحالف حىت مع الشيطاف‬

‫لنستعيد حقنا اإلذلي‪.‬‬

‫( صلالء )‬

‫‪87‬‬
‫مرت األياـ على الشريفة صلال وأخذ ادللل ػليطها‪ ،‬من وتَتة احلياة؛‬
‫فلم تعد تشعر بنفس اللذة حُت تكنز األمواؿ‪...‬ردبا ألهنا صبعت‬
‫الكثَت! وردبا ألف جوعاً جديداً بداء يتسلل إليها‪...‬‬
‫بعد ما آلت إليو أوضاع اليمن‪ ،‬بدأت ربس بأف شيئا سيحدث‪،‬‬
‫واف مراكز القوى يف اليمن سوؼ تتغَت‪ .‬بداء جوفها ػلس بنوع‬
‫جديد من اجلوع‪...‬قد يكوف جوع أزيل يف بٍت‬
‫ىاشم‪...‬السلطة‪"...‬ومنذ مىت مل نبحث عن السلطة‪ ...‬ىي حقنا‬
‫اإلذلي ادلغتصب من عواـ ىذا الشعب‪..‬‬
‫لكن كيف ىو الطريق لتخطوا ضلو السلطة‪.‬؟"‬
‫كانت دائمة الزيارة لقوادهتا‪ ،‬ال لتبحث عن زبائن ؽللكوف ادلاؿ؛‬
‫ولكن لتبحث عن من ؽلسكوف مفاصل الدولة‪...‬‬
‫ومل تكتفي كالسابق ببيع متعتها لليلة واحدة معهم‪ ..‬بل كانت‬
‫رباوؿ وىي بُت أحضاهنم أف تزيد من شغفهم هبا‪ ،‬ليزدادوا من‬
‫تعلقهم هبا‪ ،‬ويبحثوا عن متعتهم جبسدىا ىي‪ ..‬وىي بادلقابل‬
‫كانت ذبمع كلماهتم اليت يتلذذوف هبا بعد أف يشبعوا شهواهتم‪..‬‬
‫لتبحث عن طريقها ىي‪..‬‬
‫ابتكرت أساليب جديدة‪...‬للمتعة‪ ...‬ولكأف الشيطاف كاف يقف‬

‫‪88‬‬
‫متعجبا من ىذه األفكار!‪...‬‬
‫كاف يدخل عقلها متأمال‪...‬فوجىء‪..‬عندما وجد أئمة يقيموف‬
‫فيو‪ ..‬من ألف عاـ ينحتوف يف عقل ىذه الشريفة مقعدا‬
‫للسلطة‪...‬وينتظروف منها إقامتو‪...‬‬

‫‪89‬‬
‫(‪)17‬‬

‫ضربات القدر ‪ ..‬ال ربٍت الظهر‬

‫دائماً‪..‬‬

‫أحياناً‪..‬‬

‫تعيد لو استقامتو‪.‬‬

‫( أمل )‬

‫‪90‬‬
‫ضبلت حقيبتها ودفًت زلاضراهتا ولبست لثامها ومرت أماـ والديها‬
‫وانطلقت جلامعتها‪...‬‬
‫حاولت األـ أف سبنعها لكن األب استوقفها‪" ..‬ال تقفي يف وجهها‬
‫فهذه ليست أمل القدؽلة‪ ..‬الفتاة ادلغلوب على أمرىا‪ ،‬اليت تستقبل‬
‫ضربات القدر وىي ربٍت ظهرىا لو حىت سبر؛ إهنا إنساف أخر اآلف‪..‬‬
‫ما مرت بو من ذبربة الزواج الفاشل ‪..‬ودماء قتلى الساحة‬
‫‪...‬جعلت الظهر ادلنحٍت يقف صلبا ‪..‬ثائرا‪...‬‬
‫لقد فكت َكسر عبوديتها‪ ..‬وانطلقت‪ ..‬ولن يزيدىا أي قيد إال‬
‫تصميما وإرادة اقوى‪..‬‬
‫ذبنيب أف تواجهي ثورهتا‪...‬فستهزمك‪"..‬‬
‫سكتت األـ على مضض‪..‬‬
‫وانطلقت أمل إىل ساحة التغيَت‪ ،‬ومل تكتفي بادلشاىدة كعادهتا بل‬
‫دخلت خياـ الثوار وحبثت بكل علة عن عناوين شهداء الثورة‪...‬‬
‫وانطلقت لتزور ذويهم‪...‬‬
‫يف كل بيت قصة لثائر وأحالـ يرددىا أىلهم بدموع حزف‪...‬‬
‫استمعت لكل قصة وكأهنا أساطَت بكل تأف‪.‬‬
‫مل تكن تستمع بأذنيها بل كاف ربس بشغف روحها وىي تتزود هبا؛‬

‫‪91‬‬
‫كجائع مل يكن يعرؼ ما الذي ينقصو‪ ،‬كانت تنقصها احلرية‪ ..‬وىا‬
‫ىي تنهل منها األف‪...‬‬
‫دخلت منزؿ ثائرىا األمسر النحيل‪ ..‬استقبلتها األـ بكل ترحاب‪،‬‬
‫كانت تتخيل بأهنا ستجد أـ ثكلى‪ ..‬منهارة‪ ...‬ولكنها وجدت أـ‬
‫قوية سبلك نظرة أبنها‪ ..‬تلك النظرة اليت اخًتقت كياف أمل من‬
‫قبل‪ ..‬ىا ىي تراىا يف عيٍت والدتو‪..‬‬
‫شعور غريب راودىا وىي تتحدث مع أمو‪ ،‬أحست للحظة باهنا‬
‫ذبلس يف حضرة وطن‪ ،‬أهنا تتحدث مع اليمن شخصيا‪ .‬استمعت‬
‫لكالمها‪ ...‬مبهورة‪ ...‬كانت تتساءؿ من الذي صنع شباب‬
‫الثورة؟؟!‪...‬ودلاذا ليسوا كاجلميع؟؟‪!...‬‬
‫حُت تكوف أمك وطن‪ ..‬لن تقبل أبدا أف تكوف عبدا جملتمع أصيب‬
‫بالتعب‪ ..‬وناؿ منو ادلرض‪ ..‬بل ستبحث بيديك عن ترياؽ ذلذا‬
‫اجملتمع‪ ،‬وستدفع روحك شبناً ليصحو من جديد‪ ...‬وػليا‪...‬‬
‫وكأف أـ الشهيد ذبولت يف روح أمل وىي تستمع ذلا‪...‬‬
‫"انتظري ابنيت‪ ..‬سأحضر لك ىدية‪ ..‬أمانة احتفظي هبا‪...‬ىي‬
‫اغلى ما املك‪ ..‬ولكٍت اعلم بانك ستحافظُت عليها وتقدرين‬
‫شبنها"‬
‫اختفت قليال وعادت ربمل‪ ..‬رلموعة من األوراؽ وادلذكرات؛‬
‫وضعتها يف حضنها‪"...‬ىذه أحالـ إبٍت‪ ..‬أرجوا أف ال تبقى حبيسة‬

‫‪92‬‬
‫حربىا‪...‬مثلك من سيحررىا من سجن أوراقها‪"....‬‬
‫احتضنتها أمل وكأهنا احتضنت الدنيا‪..‬‬

‫وغادرت‬

‫توالت وتَتة األحداث سريعا على اليمن واجلميع متأىب دلا ػلملو‬
‫الغد‪ ،‬صدمت أمل للمخاض الذي انتج مبادرة ضبلتها دوؿ اجلوار‪،‬‬
‫أضاعت فيها دماء شهدائها وأحالـ ناشطيها‪ ...‬وتفاجأت من‬
‫زباذؿ األحزاب اليت ظنت أهنا كانت سندا ذلم؛ واكتشفت‬
‫متأخرة‪ ..‬أف األحزاب ىي من كانت حباجة لسند من ظهور‬
‫الشباب احلائر‪...‬‬
‫زبلت األحزاب عنهم ووضعت بثقلها بتلك ادلبادرة اجلائرة اليت‬
‫ساوت بُت القاتل والضحية‪..‬‬
‫ساوت بُت صاحب احلق ومغتصبة‪...‬‬
‫استمعت مع غَتىا دلمثلي األحزاب وىم يربروف قبوؿ اجلور الذي‬
‫وقع عليهم‪..‬‬
‫اجتمعوا على مقولة أف حقن دماء اليمنيُت أىم من أي خطيئة‬
‫ضبلتها ىذه ادلبادرة‪.‬‬
‫ردت أمل حبدة "أف الدماء اليت ستحقن اليوـ؛ غداً ستسفك على‬
‫حرب مبادرتكم‪ ،‬وستلعن دماء الشهداء صبيع من وقع عليها بل‬

‫‪93‬‬
‫وستكوف دوؿ اجلوار اليت خانت أحالـ الشعب اليمٍت؛ أوؿ من‬
‫يدفع الثمن‪...‬‬

‫وغادرت الساحة مع الكثَت من الشباب ادلخذوؿ "سنغادرىا حلُت‪،‬‬


‫فلن نقبل بدفن أحالمنا رلددا‪"...‬‬
‫غادر الكثَت ومل يبقى غَت بضعة خياـ‪ ،‬وعلى رأسها خيمة‬
‫الصمود‪ ..‬تلك اخليمة ادلريبة اليت ضربت على نفسها منذ البدء؛‬
‫ستارا من الغموض ؼلفي أىداؼ مل تظهر للعلن!‬
‫عاشت صبيع أطياؼ الشعب اليمٍت فًتة زببط فادلستقبل مل يعد لو‬
‫معامل‪ ،‬والوحدة اليت صبعت أطياؼ الشعب يف الساحات؛ تشظت‬
‫واستبدؿ اذلدؼ الواحد للوطن الواحد‪...‬باىداؼ شىت‪ ،‬شخصية‬
‫أو حزبية أو مناطقية ‪.‬‬
‫رأت أمل ىذا كلو يف احلوار الذي بداء بُت ادلثقفُت والسياسيُت من‬
‫كل األطراؼ‪ ،‬وكانت تتأمل ويقطر قلبها حزنا‪.‬‬

‫ومن بُت ىذا الشتات اليمٍت كانت ىناؾ صباعة واحدة‪ ،‬تعمل‬
‫دبنتهى السرية والدىاء‪...‬تسَت خبطى ثابتة ضلو أىدافها اخلاصة‪ .‬مل‬
‫تسلم اليمن من ضعف الرئيس احلايل ومكر الداىية السابق وحىت‬
‫خيانات أصحاب ادلصاحل اللذين تضرروا من ثورة الشباب؛ تآمروا‬
‫صبيعا ليحولوا حياة ادلواطن اليمٍت البسيط إىل بؤس‪ ..‬وضنك‪...‬‬
‫جعلت اجلاىل منو لبواطن األمور يتحسر على أياـ اقل بؤسا‬

‫‪94‬‬
‫عاشها قبل حُت‪ ،‬فاحتاج ادلواطن البسيط دلنقذ‪...‬‬
‫مل يكن خلياؿ أمل أو غَتىا من الشباب احملبط أف ىناؾ من بداء‬
‫يُلبس صيب أضبق‪ ،‬يعيش سلتبأ يف كهف مراف ‪ ..‬عمامة الوالية‬
‫‪..‬ويعد لو العدة ليكوف ىو الفىت ادلنقذ للبائسُت؛ وبدأت ادلؤامرة‬
‫تنطلي على الشعب البائس‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫(‪)18‬‬

‫لن ننحٍت‪..‬‬

‫( أبو جربيل )‬

‫‪96‬‬
‫احلوثي اسقط دماج‪ ..‬وشرد سكاهنا‪...‬‬
‫احلوثي أسقط عمراف‪ ..‬وفجر مساجدىا ‪..‬‬
‫قتل قائد معسكر عمراف بكل وحشية‪ ،‬ولكن صلال غمرهتا نشوة‬
‫شريرة مقيتة سبنت لو كانت ذاؾ النهار يف ذلك ادلعسكر‪ ،‬وأنشبت‬
‫أظافرىا يف جسد ذلك العجوز ادللقى مضرجا يف دمائو‪ ،‬وأخرجت‬
‫كبده بيديها‪ ..‬ومضغتو مضغاً‪ ...‬ىنيئا ذلند بنت عتبو ما فعلت‪...‬‬
‫أرواح أجدادىا ادلقيمة داخلها‪...‬منتشية‪...‬وترقص بعربدة رقصة‬
‫رلنونة‪" ...‬ضلن نقًتب يا صلالء‪ ،‬اقًتبنا من حقنا ادلغتصب‪ ،‬قريباً‬
‫ستنحٍت نساء العبيد مرة أخرى لتقبل ركبتك كما قبلن ركب جدتك‬
‫صفية يف ادلاضي‪"..‬‬
‫صارت أحاديث الشريفة صلالء مع أرواح أجدادىا شيء معتاد‪،‬‬
‫كانت قوادهتا تظن أهنا اقًتبت من حد اجلنوف؛ فقد بدأت تزاوؿ‬
‫نشاطا غريبا‪ .‬إهنا تبحث عن معلومات الزبائن اأثر من أحضاهنم أو‬
‫نقودىم أو فحولتهم ‪ ...‬تكتفي بزيارهتا لتساؿ عن أمساء زلددة؛‬
‫أحزاهبم‪ ،‬انتماءاهتم ‪،‬طريقة الوصوؿ إليهم ونقاط ضعفهم‪ .‬تكتفي‬
‫بادلعلومات‪...‬واف حاولت قوادهتا‪ ..‬احلصوؿ ذلا على موعد مع أي‬
‫واحد منهم‪ ..‬ترد بابتسامة غامضة " ليس اآلف‪ "..‬حىت جاء‬

‫‪97‬‬
‫ادلوعد؛ وضعت االسم بيد قوادهتا "أريد موعدا مع ىذا الرجل‪"...‬‬
‫صعقت القوادة لقد توجس خيفة من صلال‪ ،‬مل تعد تلك اجلائعة‬
‫للشهوة أو ادلاؿ‪ ،‬لقد ربولت إىل وحش يلتهم كل ما أمامو‪.‬‬
‫"حسنا أياـ قليلة ويصلك اخلرب‪"...‬‬

‫لكن صلال احلت يف االتصاؿ وادلرور عليها يوميا‪ ،‬تساذلا عن‬


‫الشخص الذي طلبتو‪ ،‬ولكن القوادة تعتذر "انو ليس يف صنعاء‬
‫دائما‪...‬ال تنسي انو اليد اليمٌت لسيد مراف وىو القائد األعلى‬
‫للمعارؾ"‬
‫بلهجة أمرة ردت صلالء "أقوؿ لك احبثي عنو‪ ..‬حىت يصل‪" ..‬‬
‫بدى لنجالء أف القوادة تود أف تقوؿ شيئا ولكنها ترددت يف‬
‫الكالـ‪....‬‬
‫"ماذا ىناؾ ؟؟؟تكلمي‪"...‬‬
‫أصبحت القوادة زباؼ من صلالء كثَتا وربسب ذلا الف حساب‪..‬‬
‫ولكنها ذبرأت‪:‬‬
‫"مسعت بأف الرجل الذي تبغينو (السيد أبو جربيل) حفظة اهلل ال‬
‫ػلبذ النساء كثَتا" صعقت صلال‪" ..‬ال ػلبذىن بادلره؟؟"‬

‫‪98‬‬
‫"كال ولكنو يفضل الفتياف عنهن" اطرقت صلال براسها قليال مث‬
‫أجابت "أريد ساعة معو فقط‪ ..‬ولك مٍت اكرب مكافئة"‬
‫ومل تكد أف سبض بضعة أياـ على استقرار وضع احلوثي وأعوانو يف‬
‫صنعاء حىت بشرهتا "حددت لك موعدؾ ادلنشود‪ ،‬من اقرب‬
‫أصدقائو؛ إهنم منتشُت ىذه األياـ‪...‬أذىيب إليو وال تنسي مكافئيت‬
‫ومكافئة صديقتك"‪.‬‬
‫جاء اليوـ ادلوعود‪ ،‬مل تتربج صلالء كعادهتا بل أهنا وضعت القليل من‬
‫أدوات التجميل ولبست لبس سلتلف عن لبسها ادلليء باإلغراء‪...‬‬
‫ارتدت مالبس ذبعلها اقرب للفتياف؛ ووضعت عطر رجايل قوي‬
‫ابتاعتو خصيصا ذلذا اليوـ‪...‬وانطلقت‪...‬‬

‫استقبلها جربيل بربود وجلس متكئا أمامو علبة (الشمة) وأوراؽ‬


‫القات‪...‬رائحتو نتنة وكأنو مل يستحم منذ مولده‪ .‬ذباىلت صلال‬
‫رائحتو الكريهة فقد اعتادت رائحة زوجها وكأف السيد َحرـ على‬
‫مقاتلي بٍت ىاشم واتباعو ادلاء والصابوف‪ .‬بادرتو صلال باحلديث‬
‫"ىنيئا لكم ما فعلتم بأبناء معاوية‪ ...‬ىنيا لكم الثأر من قتلة‬
‫احلسُت"‬

‫استساغ جربيل حديثها والتفت إليها منصتا‪ ،‬مل تتوقف صلال عن‬
‫ذكر إنتصاراتو وأرلاده وأخذت ترسم لو مستقبل اليمن اذلامشي‪...‬‬
‫"مل تعد الرؤوس متساوية‪...‬وعاد احلق ألىلو قريبا‪..‬‬

‫‪99‬‬
‫دعٍت اقًتب منك وأتلمس ىذه السواعد الشريفة‪ ...‬ادلنقذة لبٍت‬
‫ىاشم وحقوقهم" اقًتبت صلالء وبدأت تضغط على سواعده‬
‫وأكتافو‪ ...‬أشبعت أكتافو من التقبيل "أريد أف ادلك ىذه الكتف‬
‫اليت ربمل البنادؽ طواؿ اليوـ"‬

‫راؽ لو احلديث‪ ،‬وعدؿ وضعو وأعطاىا ظهره‪ ...‬بدأت شياطُت‬


‫صلال بالتحرؾ فوؽ أكتافو ‪...‬وتضغط بكل قوة ‪ ...‬وتنزؿ رويدا إىل‬
‫اسفل ظهرة‪ ...‬استسلم الرجل هبدوء واخلدر بداء يسري يف‬
‫جسده‪"...‬مل ال تتمدد على بطنك كي أكمل التدليك‪ ،‬أنا خبَتة‬
‫بو‪ ...‬لقد اعتادت والديت تدليك والدي وتعلمت ىذا منها‪..‬‬
‫مل يأخذىا إىل غرفة النوـ وانبطح على بطنو سريعا؛ وتبسمت صلال‬
‫من استعجالو وىي تفتح رجليها و تصعد فوقو‪ ..‬جلست على‬
‫مؤخرتو بكل ثقلها‪ ...‬تلوت فوقها هبدوء وحذر وكأهنا تدرس رد‬
‫فعلو‪..‬‬
‫استسلم ادلقاتل بال أدىن مقاومة‪ ،‬فقد كانت اللذة اليت هتديها لو‬
‫الشريفة أقوی من دىشتو‪ ..‬وكربيائو‪( ...‬ضلمد اهلل أف بطوالت‬
‫ساللو اذلامشي يف السرير ال ربارب معو‪..)...‬ضحكت يف سرىا‬
‫وعاودت التدليك بكل ما سبلكو من قوة ‪...‬جبسدىا ويديها‬
‫وأصابعها اصبعا اصبعا!!‪ ..‬ودبا ال ؼلطر علی باؿ!!!‬
‫مل تكن كتفاه وظهرة فقط من استمتع تلك الليلة‪...‬‬

‫‪100‬‬
‫(‪)19‬‬

‫حُت تطوقك احلرب ‪..‬‬

‫ال أصبل منك مهرباً‪..‬‬

‫( أمل )‬

‫‪101‬‬
‫تقدـ والد أمل منها وسحبها بعنف شديد؛ أخرجها من مركز‬
‫للشرطة وضعت فيو قصرا ىي وزميالهتا ادلعتصمات‪ ..‬وتقدـ والدىا‬
‫من الشخص الذي غللس يف مقعد الضابط مشعث الشعر ذو‬
‫مالبس متسخة‪ ،‬ؽلضغ أوراؽ القات ويستمع لوالدىا بتعايل‪..‬‬
‫"أعدؾ باهنا لن تعود ذلذا اخلطاء مرة أخرى" مل تنبس بكلمة لكن‬
‫الوجع كاف يعتصر قلبها وىي تری والدىا يتذلل ذلذا اذلمجي‪..‬‬
‫فرت من ىذا ادلنظر والتفتت للضابط الذي يقف منزويا علی كرسي‬
‫يف طرؼ الغرفة صامتا مطأطأ الراس‪ ،‬رمقتو بنظرة ساخرة‪ ،‬وكأف ال‬
‫حوؿ لو وال قوة هترب من نظراهتا‪ ...‬وشعرت خبجل مكسور ؽلال‬
‫أجواء الغرفة‪" ..‬كل شيء ُكسر يف اليمن حىت رجولة أىلها تبعثرت‬
‫على طرقاتك يا صنعاء‪"..‬‬
‫أغلقت باب حجرهتا لعدة أياـ زلاولة تناسي الضرب واإلىانات‬
‫الذي تعرضت لو ىي وزميالهتا يف اعتصامهن‪..‬‬
‫ولكن عزؽلتها مل تنكسر‪ ،‬بل زادت صالبة وأخذت تتنقل يف‬
‫الشبكة العنكبوتية تنشر رايها وربارب احلوثي دبا تستطيع‪...‬أسم‬
‫مزيف ‪ ..‬لتجنب والدىا غضب عصابة احلوثي؛ فلن يرضى ضمَتىا‬
‫بوقوفو متذلال ذلمجي قذر مرة أخرى‪..‬‬

‫‪102‬‬
‫تابعت الكثَت من أصحاب الراي وادلثقفُت يف ادلهجر‪ ..‬وىم‬
‫ينشروف جرائم احلوثي على العامل‪ ،‬بعد أف قطع صبيع وسائل‬
‫األعالـ ادلتواجدة يف اليمن‪ ,‬سباماً كما فعل االماـ سابقا يف اليمن‪.‬‬
‫يهابوف أصوات غَتىم‪ ..‬فيحاولوف تكميمها‪...‬‬
‫ويف احد الليايل الكئيبة (وصبيع ليايل صنعاء صارت كئيبة بعد‬
‫احتالؿ عصابة احلوثي اليمن)‪..‬قرأت منشورا ملئ بالشجن‪..‬‬
‫وكانو رثائية تبكي اليمن‪ ..‬ىز كياهنا‪ ...‬فبحثت عن اسم كاتبو‬
‫وتابعتو‪ ..‬عرفت بانو من اللذين فروا من بطش احلوثي‪ ،‬أمست‬
‫ليلتها تقرأ كتاباتو‪ ،‬كانت تبكي مع حروفو الباكية‪ ..‬وتتبسم أف‬
‫ضحك يف منشور‪..‬‬
‫ردىا على منشوراتو جبموح الثائر أحياناً‪ ،‬وتقبلو ذلا بكل ود؛ أنشأ‬
‫بينهما صداقة صبيلة عرب شبكة اإلنًتنت‪ ..‬أخرجتها من حالة‬
‫االكتئاب اليت أصابتها‪ ،‬فتعلقت بو‪ ..‬وىربت من جنوف احلوثي‬
‫ألحضاف كلماتو‪.‬‬

‫اصبح طوؽ صلاهتا‪ ..‬وخالصها‪.‬‬


‫مل رباوؿ أف ربلل ىذه العالقة‪ ،‬ولكنها صارت ربن لسماع أغاين‬
‫احلب وتتمايل على أبيات الغزؿ أصبح قلبها ؼلفق حُت تسمع‬
‫نغمة الرسائل تنبعث من ىاتفها‪ .‬كفت عن البحث يف صفحات‬
‫األخبار‪ ...‬وتقضي كل ليلة يف إعادة قراءة احاديثهما ادلكتوبة‪..‬‬

‫‪103‬‬
‫مل يطرؽ قلبها احلب قبال‪...‬‬
‫أيعقل أف يكوف قلبها تعلق هبذا الشخص؟!‬
‫طردت الفكرة من خياذلا‪" ..‬مستحيل‪ ..‬كيف يل أف احب شخص‬
‫مل اره أبداً‪ ..‬ليست حاليت سوى ىروب من الواقع الذي نعيشو يف‬
‫اليمن‪"..‬‬
‫حىت جاء اليوـ الذي طلب منها أف ربدثو‪ ..‬ارذبف قلبها بعنف‪..‬‬

‫صمتت‪ ..‬مل ترد‪..‬‬

‫انتظر حروؼ ردىا طويال‪ ،‬مل تعرؼ دباذا ذبيب‪ ،‬كانت خائفة‬
‫وجلة‪..‬‬
‫تعلم علم اليقُت باهنا حُت تسمع صوتو لن تعود كما كانت‪ ..‬لن‬
‫يبقى قلبها حراً‪" ..‬حاربت كثَتا من أجل حرييت‪ ،‬ولن يأخذىا أحد‬
‫مٍت أبدا‪"..‬‬
‫زاد انتظاره‪ ..‬فكتب ذلا قائال ‪"..‬ال عليك‪ ..‬إف كنت ال تودين"‬
‫جاءه الرد سريعا ىذه ادلرة‬

‫"اتصل‪"...‬‬

‫‪104‬‬
‫(‪)21‬‬

‫امتطاء السيد ‪ ..‬سيادة مطلقة‪..‬‬

‫االمتطاء احلريف وليس اجملازي!‬

‫( صلالء )‬

‫‪105‬‬
‫أصبحت الشريفة صلال زلظية القائد أبو جربيل‪ ،‬تعلق هبا‪ ..‬دلتعتو‬
‫ولذكائها‪ ..‬ولوالئها الشديد الىدافهم‪ ...‬وىي مل تبخل عليو بل‬
‫كانت تبتكر لو يف كل مرة طرقا تزيد من لذتو ومتعتو؛ مل يذؽ الذ‬
‫من شلارساهتا قبال سواء من ولدانو!! أو عشيقاتو‪..‬‬
‫أصبحت صلال زلطتو األولی بعد جوالتو ادلتعددة لساحات ادلعارؾ‬
‫الدائرة‪..‬‬
‫ومنذ أف أصبحت زلظيتو توقفت عن العمل سباما‪ ،‬مل تكن القناعة‬
‫أو مشاعر حب ألبو جربيل‪ ...‬مثلها يعترب احلب ضعفا وعائقا‬
‫لطريقها‪ ...‬مازاؿ اجلوع مسيطرا عليها فلم ذبلس على كرسي‬
‫السلطة حىت األف؛ وىو الطريق إليو‪ ..‬ومل يبق سوى قليل من‬
‫اخلطوات لتعتليو‪.‬‬
‫كانت ربس حُت تعتلي القائد أبو جربيل بأهنا تعتلي عرش‬
‫أجدادىا‪ ...‬أجدادىا اللذين صاروا يف سليلتها يف الصحو ويف ادلناـ‬
‫علی الدواـ‪..‬‬
‫ويف ليلة من لياليهم الفاجرة وبينما اذلامشية الفارسة تعتلي ظهر‬
‫القائد‪ ..‬وصلتة مكادلة ملحة؛ استمعت صلال معو للمكادلة‪ ..‬صاح‬
‫الطرؼ اآلخر للمكادلة‪...‬‬

‫‪106‬‬
‫"كيف تفضلوف القبيلي عن ابن عمك‪ ..‬كيف ؽلسك الكتيبة وانا‬
‫أكوف نائبا وال أبت بأمر إال يف حالة غيابو‪ ..‬ىل ىذه أوامر‬
‫السيد؟؟"‬
‫رد أبو جربيل‪" ...‬ألنك دابة ال تفقو شيئا‪ ..‬فليقد ىو الكتيبة ىو‬
‫وقبيلتو وليكن يف أوؿ الصفوؼ‪ ...‬دعو ينعم باسم قائد ادلعركة‪...‬‬
‫ويتحمل خسارة األرواح مع قبيلتو‪ ،‬صبيعنا نعرؼ أهنا معركة صعبة‬
‫ومن سيقود اذلجوـ سيخسر الكثَت من ادلقاتلُت‪ ..‬وخاصة يف‬
‫الصفوؼ األوىل‪ ..‬انتظر أنت وبقية اذلامشيُت واصبعوا الغنائم ورايات‬
‫النصر من فوؽ اجلثث‪"..‬‬
‫استمعت صلال بإعجاب لعقليتو قالت يف أعماقها "خلقنا لبعض يا‬
‫أبو جربيل‪ ...‬كاف غلدر باألقدار أف ذبعلك زوجي ‪ ..‬ال يهم من‬
‫سيخلف جربيل أنا أـ أنت ادلهم أف نسًتد عرشنا القدًن"‬
‫وفجاءة التفتت إليو قائلة "فلتجعل زوجي يشارؾ يف ىذه ادلعركة‪..‬‬
‫واجعلو ػلمل شرؼ موقع الصفوؼ األوىل‪"...‬‬

‫‪107‬‬
‫(‪)21‬‬

‫ال خَت يف ثائر ‪..‬‬

‫إف مل يكن العشق دثاره ‪..‬‬

‫( أمل )‬

‫‪108‬‬
‫أصيب أمل باكتئاب حاد واف أنكرت ذلك؛ تبكي بال سبب‪،‬‬
‫وتضحك أحيانا أخرى بال سبب‪ ..‬زادت ساعات نومها فتصحو‬
‫كرىا لتطعمها أمها‪ ،‬لتعاود النوـ رلددا‪..‬‬
‫اعتكفت يف ادلنزؿ‪ ،‬تقفل تلفوهنا معظم الوقت كي ال تكلم احد‬
‫وتفتحو فقط لتحدث حبيبها الوعلي‪...‬كانت سبر عليها حلظات‬
‫تشك بأف ىذا الشخص غَت موجود حقا‪ ،‬وأف خياذلا ىو من صنعو‬
‫لتبتعد عما غلري حوذلا‪...‬‬
‫ابتعدت عن نشرة األخبار‪ ..‬إف وجدت الكهرباء!‪ ..‬وعادت لتقرأ‬
‫قصص األطفاؿ‪...‬‬
‫فرضت على نفسها طوقا حديديا مل يستطع أحد اخًتاقو‪ ،‬تفر من‬
‫سؤاؿ نفسها ماذا حل هبا؟‬
‫كانت حُت يبدا عقلها بالعمل زبرسو "اعرؼ ما يب جيدا؛ انو‬
‫اخلوؼ‪ ...‬اخلوؼ الذي كاف ػلتلٍت قدؽلاً عاد للظهور‬

‫عادت أمل القدؽلة الضعيفة‪ ،‬وراحت تعيد احتالؿ روحي مرة‬


‫أخرى‪ ...‬منذ صغري وانا اكره ىذه األمل‪ ...‬امل ادلنكسرة‪..‬‬
‫اخلائفة ‪ ..‬اليت تبحث دائما عن الظل ألهنا زباؼ أشعة الشمس‪...‬‬

‫‪109‬‬
‫سلتبئة تبحث عن من ػلميها‪ ،‬تبحث عن احلماية حىت شلن يظلمها؛‬
‫تقبل الظلم الواقع خوفا من ظلم وعلي قادـ رلهوؿ"‬
‫كادت أف ذبن حىت فوجئت يوما بأمها تلح عليها بفتح الباب‬
‫فهناؾ زائر ذلا!‬
‫"ال أريد أف أرى أحدا" ردت بعنف‪ ...‬وفجاءة مسعت صوت رخيم‬
‫من وراء "الباب افتحي يا أمل‪".‬‬
‫تعرؼ ىذا الصوت‪ ،‬كيف ذلا أف تنساه؛ إهنا أـ الشهيد الثائر‬
‫فتحت أمل الباب وكأهنا تفتح أبواب اجلنة‪ ...‬وارسبت يف‬
‫حضنها‪...‬‬
‫أجهشت بالبكاء وقالت الدموع كل شيء‪.‬‬
‫مل تعرؼ الوقت الذي بقت فيو يف حضن ىذه األـ‪ ...‬األـ‬
‫الوطن‪ ...‬ىل أحسست يوما بأف الوطن ػلتضنك ويضع راسك‬
‫على كتفو‪...‬‬
‫امل فعلت‪ ..‬وبكت على كتف الوطن‪ ،‬وربت الوطن على راسها‬
‫"ال عليك‪ ...‬سيزوؿ كل ىذا قريبا‪...‬أعدؾ"‬
‫جلست بقرهبا وىي ربتضن يدىا‪:‬‬
‫"ىل ما زلت ربتفظُت باألمانة‪...‬؟"‬
‫"بكل تأكيد كيف يل أف أضيعها؟" وىبت لتحضر مذكرات‬
‫الشهيد‪...‬‬

‫‪110‬‬
‫"منذ مىت مل تقرئيها‪...‬؟"‬
‫اطرقت امل بنظرىا لألرض خبجل "منذ زمن طويل‪ ،‬مل يعد ىناؾ‬
‫أمل‪...‬ضاع كل شيء‪"...‬‬
‫نظرت إليها أـ البطل بعتاب "إذف لقد خنيت األمانة‪"..‬‬
‫ردت أمل حبزف "أال تري ما حدث وػلدث؟‪"..‬‬
‫"وسيحدث" ردت األـ بكل حب‪:‬‬

‫"أف ىذه األرض غالية يا أمل‪ ..‬وكل غاؿ يستحق أف يدفع من‬
‫أجلو الثمن‪ ..‬وإف ِ‬
‫ظننت بأف دماء ابٍت ورفاقو يكفي‪ ..‬فأنت‬
‫سلطئة؛ اليمن مازالت اغلى‪ ...‬وكي ننالو غلب أف ندفع ما يستحقو‬
‫منا"‪...‬‬
‫رحلت أـ الشهيد‪ ..‬رحلت بعد أف أعادت األمل ألمل‪..‬‬
‫وأعادت أمل قراءة مذكرات الشهيد تعتذر لروحو مع كل حرؼ‬
‫تلمسو‪ ...‬ونفضت ما هبا من ضياع‪..‬‬
‫واسًتجعت روحها الثائرة‪.‬‬

‫ال خَت يف ثائر اذا مل يكن عاشق‪ ..‬فاحلب عماد الثورة بكل أنواعو‬
‫‪ ..‬ىو وقود زلرؾ القلوب ادلتجهة لقبلة الوطن‪ ..‬حب الوطن وحب‬
‫من ػلب الوطن‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫عادت أمل تعيش مع صوت حبيبها من جديد أصبل اللحظات‪..‬‬
‫مل تكن تتخيل أف للحب يف قلبها ىذا السقف الالمتناىي من‬
‫ادلشاعر؛ آمنت أف احلب ال سقف لو‪...‬‬
‫صوتو الرخيم يستوطنها حىت تكاد ربس أهنا استحضرتو أمامها‪..‬‬
‫كاف ػلدثها يف كل شيء‪ ,‬عن السياسة والفن‪ ،‬والتاريخ‪ ,‬حىت يزور‬
‫الوطن حديثهما‬

‫شجن وحزف ػلتل كيانو وىو يتذكر طفولتو وأياـ دراستو وكيف ضبل‬
‫بندقيتو األوىل أياـ ذبنيده‪ .‬كاف يتغزؿ هبا وكأهنا زلبوبتو األوىل‪ ..‬كال‬
‫ليست بندقيتو زلبوبتو األوىل‪ ،‬بل كانت اليمن‪ ..‬ادلعشوقة األوىل‬
‫والسرمدية ‪ ...‬كانت حُت تستمع إليو‪ ،‬سبتلكها الغَتة‪ ...‬نعم كانت‬
‫تغار من اليمن؛ عشقو ذلا كاف بال حد‪..‬‬
‫يف لياؿ كثَتة كاف حديثو العاشق لليمن يتخذ مساراً سلتلفاً؛ فتتحوؿ‬
‫مشاعر العشق إىل غضب من العصابة اليت شردتو وأبعدتو عن‬
‫معشوقتو‪ ،‬وفجاءة يتحوؿ ذلك الصوت العذب إىل صوت ؽلأله‬
‫القسوة‪ ،‬وتدرغلياً‪ ،‬كانت قسوتو تطاؿ كل من حولو وكانت أمل يف‬
‫ادلقدمة‪...‬‬
‫مل ذبد حالً سوى االبتعاد عنو وعن قسوتو‪ ،‬مل تكن تفهم يف بادئ‬
‫األمر سر ىذه القسوة ادلفاجئة‪...‬تبتعد أياماً حىت يعود ذلا معتذرا‬
‫عن قسوتو‪ ...‬شيئا فشيا‪ ...‬فهمت أف تغربو وتشرده‪ ..‬خلق يف‬

‫‪112‬‬
‫صدره وحش كاسر‪ ،‬ينتظر أف ينقض على مشرديو؛ كأف احلرب‬
‫واألحزاف يف اليمن ال تكفي ليزيد يف قلبها ىذا احلقد على حارقي‬
‫اليمن‪.‬‬
‫قلوب اليمنيُت اليت كنا نفخر بأهنا األ َرؽ واألل َُت؛ صارت اجلف‬
‫واقسى‪.‬‬
‫كانت زباؼ أحيانا من ىذا الشعور فلم يعتد قلبها على احلقد‪.‬‬
‫فال ػلرؽ احلقد والرغبة يف الثأر واالنتقاـ إال صاحبو يف ادلقاـ األوؿ‬

‫"ترى ىل سيسيطر الغاضبوف على غضبهم طويال؟؟"‬

‫‪113‬‬
‫(‪)22‬‬

‫قد ظلارسها مع األحجار‪ ،‬مع األشجار وحىت مع شبيهاتنا!‬

‫ادلهم أف تكوف متعة ذات مغزى‬

‫أف ظلارسها بصدؽ ودىاء‪..‬‬

‫( صلالء )‬

‫‪114‬‬
‫عمة الشريفة صلال بُت أحضاهنا‪ ،‬تشرباف من رحيق بعضهما‪ ..‬ففي‬
‫النهاية اكتشفت صلال بأهنا مل تعد تستطيب سوى مذاؽ عمتها‪،‬‬
‫بكفيها أف تستلقي وتستمتع بدوف أف تتعب نفسها يف البحث عن‬
‫طرؽ إلمتاع اآلخرين‪ ..‬ومل تتواف العمة العانس يف أمتاع ابنة أخيها‬
‫ونفسها ايضاً ‪ ...‬بالرغم من اكتساهبا لعشيقات غَتىا‪ ..‬يزرهنا من‬
‫حُت آلخر‪ ..‬وما اكثر احملرومات منهن!! إال أف صلالء ذلا مذاؽ‬
‫سلتلف‪.‬‬
‫انتقلت للعيش معها بعد( استشهاد ) زوج الشريفة صلال‪ ،‬تؤنس‬
‫وحدهتا‪...‬ولتخدمها‪...‬‬
‫بعد أف حلقتا يف السماء‪ ،‬سبددت يف أحضاهنا وراحت تستمع‬
‫لتنفس صلالء‪" ..‬ما بالك‪"..‬‬
‫"مل اعد أطيق أبو جربيل‪ ،‬نشوة ادلاؿ بعد اجلوع االنتصارات السهلة‬
‫ذبعل منو غبيا؛ يفتح جبهات ال ضرورة ذلا‪ ..‬ويكسب عداوات‬
‫اكثر يوما بعد يوـ‪"...‬‬
‫"ولكنو مل يفرض سيطرتو على كل األرض حىت اآلف"‬
‫"اعرؼ ولكنو شتت قواتنا يف كل مكاف‪ ..‬إهنا ليست حربو وحرب‬
‫صاحب مراف؛ إهنا ملحمة كل اذلامشيُت‪ ،‬مصَتنا معلق جبمع من‬

‫‪115‬‬
‫احلمقى‪ ...‬وانا ال أثق يف ادلخلوع‪ ،‬أخاؼ أف يسحب مساندتو يف‬
‫أي وقت‪"..‬‬
‫هنضت متثاقلة لتضع قميص نوـ على جسدىا ادلتعب ادلتأمل بسبب‬
‫التهابات اللثة؛ ردبا كاف سببها نوعية الزبائن احملرومُت من‬
‫االغتساؿ‪ ..‬وعادت رباوؿ النوـ‪..‬‬

‫"غلب أف ازور الطبيب األسناف‪ ..‬اللعنة"‬

‫ومل تكد تغمض عيناىا حىت اشتعلت مساء صنعاء‪...‬‬


‫رد أبو جربيل بصوت وجل بعد فًتة من اتصاذلا‪"...‬إهنم الصهاينة‬
‫آؿ سلوؿ لعنهم اهلل نفذوا هتديدىم وىاىم يضربوننا يف كل‬
‫مكاف‪...‬‬

‫‪116‬‬
‫(‪)23‬‬

‫بعضهم كالفراغ ‪ ..‬ىل من جدوى‬

‫يف مقارعتو!‬

‫( أمل )‬

‫‪117‬‬
‫أمسكت أمل بيد أمها ادلتأدلة وأخذهتا مسرعة لطبيب األسناف فمنذ‬
‫حادثة االعتصاـ ادلشؤمة وىي رباوؿ أف ال زبرج من منزذلا مكتفية‬
‫بشبكة اإلنًتنت‪ ..‬للتواصل مع العامل‪...‬‬
‫أدخلتها العيادة وانتظرت دورىا فادلكاف مكتظ بغَتىا من‬
‫ادلرضى‪...‬حاف دور أمها؛ أدخلتها وبقيت يف االنتظار فهي ال‬
‫تقوى على أصوات أدوات طبيب األسناف‪...‬‬
‫وأمسكت ىاتفها النقاؿ تتسلى حىت تنتهي حلظات‬
‫انتظارىا‪...‬فجاءة‬
‫أصوات ضوضاء يف غرفة االستقباؿ‪...‬‬
‫فتاة تصيح بأعلى صوهتا "أنا ؟؟ أنا ال انتظر يف غرفة االنتظار‪...‬‬
‫ىل تعرفُت من أكوف ‪...‬أنا الشريفة صلال‪ ،‬لقد حضر ادلرافقُت قبل‬
‫ساعة وأنباؤكم حبضوري؟؟؟‬
‫ردت فتاة االستقباؿ بتلعثم‪" ..‬اعرؼ ولكن ادلريضة يف الداخل‬
‫اآلف‪...‬ال أستطيع إخراجها؟؟؟"‬
‫ضربت صلال طاولة االستقباؿ بشدة "‪...‬حسنا‪"..‬‬
‫وأمسكت ىاتفها‪ ..‬واتصاؿ سريع‪ ...‬أعقبتو دقائق من الصمت‪،‬‬
‫صعد شخصاف أشعثاف ػلمالف ما يكفي كتيبة من الذخائر‪،‬‬

‫‪118‬‬
‫واستمعوا لصوت صلالء ادلتعجرؼ وتوجهوا دلوظفة‬
‫االستقباؿ‪...‬ادلذعورة‪...‬‬

‫ىنا مل تستطع امل البقاء صامتة‪ ،‬توجهت إلی ادلوظفة‪...‬ووقفت‬


‫جوارىا‪" ...‬لن ُسبس بأذی‪ ..‬وأنا اقف متفرجة"‬
‫وفجاءة‪...‬‬
‫مسعت أصوات طائرة ربلق حوؿ صنعاء‪ ...‬وأعقبها انفجار كبَت‪..‬‬
‫اىتزت لو صنعاء متأدلة‬

‫ال أصعب من منظرؾ يا صنعاء وأنت تتأدلُت‪...‬‬


‫‪.‬انتفضت النسوة‪ ..‬وخرجن من الغرفة ادلليئة بالنوافذ‪....‬برعب‪...‬مل‬
‫تتمالك ادلوظفة نفسها واهنارت علی األرض باكية؛ ال تعرؼ أتبكي‬
‫من ادلسلحاف‪ ..‬أـ من أزيز الطائرات!‪..‬‬
‫ادلسلحاف‪..‬أين علا؟؟‪...‬رفعت امل رأسها وعلا منحنياف يكاداف أف‬
‫ػلبوا؛ وانسال من العيادة مذعورين‪...‬‬
‫يبق يف العيادة غَتىا‪ ..‬والشريفة‬
‫انتهت الغارة‪ ،‬ومل َ‬
‫نت ‪ِ ..‬‬
‫صرت ربملُت من العار‬ ‫"صلالء‪...‬الشريفة‪...‬بئس اللقب‪ ..‬أ ِ‬
‫ما غلعلنا نشمئز ِ‬
‫منك‪"...‬‬
‫نفضت صلالء عن نفسها تراب وعلي؛ ىو فزعها من صوت‬
‫الغارة‪!!..‬‬
‫وعال صوهتا رلددا‪" :‬للموظفة‪...‬سأسازلك ىذه ادلرة‪"...‬‬

‫‪119‬‬
‫ردت أمل بغضب "أنتم حقا ال سبلكوف شيء‪...‬رلرد ساللة غبية‬
‫وضعت اليمن يف ىذه احملرقة‪ ..‬دوف أف تفهم شيء عن‬
‫فارغة َ‬
‫احلياة‪ ...‬غَت ساللتكم البائدة‪"...‬‬
‫تفاجأت صلالء برد أمل‪ ،‬حاولت أف ترد لكن أمل أسكتتها‪:‬‬
‫"رصاص ادلقاومة من سَتد عليك وعلی أمثالك‪"..‬‬
‫أخذت صلالء زبرج عن السياؽ بألفاظ‪...‬اقل ما يقاؿ عنها أهنا‬
‫خارجة‪ ...‬أمسكت ىاتفها‪" ..‬أبو جربيل‪ ..‬حاال ىناؾ داعشية يف‬
‫العيادة‪ ،‬إهنا هتدد‪...‬ماذا!‪...‬ال يهم ‪....‬القصف‪ ..‬أريد‬
‫حقي‪...""..‬‬
‫مل تلق امل باال لبقية لصراخها ادلتعايل‪ ..‬استقبلت أمها خارجة من‬
‫غرفة الطبيب‪...‬‬
‫تساءلت أمها ما ىذه األصوات‪"...‬ىل مسعيت القصف‪...‬حلقتها‬
‫أصوات نقاش حادة ىنا؟‪...‬وصلت مسامعي وانا بُت يد‬
‫الدكتور‪...‬؟؟"‬
‫امل‪" :‬ال هتتمي‪...‬وجع ضرس‪...‬وسيخلع قريبا بإذف اهلل‪"..‬‬

‫عادت أمل وأمها إىل ادلنزؿ فهو ادلكاف الوحيد الذي اليزاؿ ػلمل‬
‫اسم الوطن جبدارة فقد غدت البالد خراب ‪ ..‬جثث القتلى يف كل‬
‫مكاف‪ ..‬تنهشها الضباع ‪..‬تُبكي القلوب‪...‬أطفاؿ برباءة الزىور‬

‫‪120‬‬
‫قطفت أرواحهم يف صبيع اجلبهات "ماذا فعلت بأطفاؿ اليمن أيها‬
‫اذلامشي الغر‪ ،‬أمل تكتفي من الدماء‪ ...‬ومع كل جثة ىناؾ سبيمة‬
‫خبط يدؾ‪ ..‬تدخلهم اجلنة! وحبوب سلدرة مهلوسة تذىب‬
‫العقل‪ ...‬وما زاؿ اجلهلة واجلوعى يدفعوف بأطفاذلم وقودا حلرب‬
‫عبثية ساخرة؛ أي عبث من أف ؽلوت طفلك كي يعتلي سجُت‬
‫كهف مراف عرش اليمن‪ ..‬أي عرش يستحق أف يدفع فيو دمعة‬
‫لطفل‪ ...‬فما بالك بالدماء‪"...‬‬
‫كتبت أمل منشورىا على شبكة التواصل‪ ..‬واستعدت للذىاب‬
‫دلأمت‪...‬صديقة قدؽلة ىامشية‪...‬كانت من أقرب الناس ذلا فيما مضى‬
‫قبل أف تفرقهما دروب احلياة؛ كانت دبنتهى اللطف‪ ،‬ومل ذبد فيها‬
‫سابقاً ما تراه اآلف يف البقية‪...‬‬
‫قُتل أخوىا يف الضالع!!‪ ..‬مل يبلغ الرابعة عشر‪ ..‬ولكنو ذىب‬
‫لألسف أو باألحرى مت اقتياده‪.‬‬
‫دخلت العزاء‪ ،‬وسبالكت نفسها كي ال تنزؿ دموعها؛ غلب أف‬
‫تساندىا ال أف تبكيها‪ ...‬ما كادت أف ذبلس حىت مسعت صبع‬
‫النساء يرددف الصرخة‪" ..‬أو ليست الصرخة ىي من صرعتو قتيال؟"‬
‫اكتفت بالصمت وادلشاىدة‪ ...‬ودخلت صديقتها ووالدهتا إىل صبع‬
‫النساء بفخر عجيب‪ " ..‬احجرين للعريس" وامتألت الغرفة‬
‫ائية‪...‬كل‬
‫ٌ‬ ‫بأصوات الزغاريد؛ وبداء اجلمع باحلديث بفوضى وعشو‬

‫‪121‬‬
‫ػلكي حكاية عريس شهيد!‪ ...‬وعلى وجو كل منهن ابتسامة‬
‫فارغة‪ ...‬بلهاء‪" ...‬أىكذا تبكي صباعة احلوثي أبنائها؟؟" وتذكرت‬
‫شهداء اجلامعة فأحست باحلزف الذي صار جزء من روحها وال‬
‫انفصاؿ عنو‪...‬‬
‫مل تكن تود أف ترى الدموع‪ ..‬ولكنها مل تتوقع أيضا ىذه‬
‫االبتسامات اجلوفاء‪" ...‬من قاؿ باف اهلل يريد منا أف ظلوت؟‪..‬‬
‫خلقنا لنعمر األرض‪ ...‬ومل طللق لنتفاخر بعدد موتانا من اجل‬
‫احلوثي!‪...‬‬
‫اجلمع احلوثي سلدر‪ ...‬صبيعو ‪ ..‬اذلامشي سلدر بساللتو ادلغشوشة‪،‬‬
‫واجلاىل سلدر بقدسية مغشوشة‪.‬‬

‫انسحبت هبدوء‪...‬‬
‫وقرات الفاربة على أرواح أطفاؿ اليمن‪...‬‬

‫أقفلت على نفسها باب الغرفة‪ ،‬كهفها الذي تفر منو من كفر‬
‫البشرية‬

‫احتضنت رأسها بُت كفيها صارخة يف العدـ‪:‬‬

‫"حرب يف اليمن؟؟!!!"‬

‫‪122‬‬
‫بالرغم من توقع اجلميع قياـ احلرب ولكن الشعب جبميع أطيافو‬
‫ُخلع قلبو من الصدمة‪...‬مؤيد للحوثي أو معارض‪ ...‬حالو من‬
‫تضارب ادلشاعر تكتسح القلوب؛ فادلؤيد للحرب يرى بأهنا احلل‬
‫الوحيد إلعادة احلوثي لصوابو‪ ..‬بالرغم من احلزف دلا يصيب اليمن‬
‫حزف موجع مع أصوات القصف الذي يهز صنعاء ادلتقلبة ادلزاج إال‬
‫اهنم رضوا باحلرب‪.‬‬
‫وأما مؤيدي احلوثي فيستثَتوف الناس بأف ىذا عدواف لكل ؽلٍت؛‬
‫مؤامرة لتدمَت اليمن‪ُ ،‬خطط ذلا منذ سنُت‪ ..‬وليس االنقالب سوی‬
‫عذر واىي وشأف داخلي ؼلص اليمنيُت‪ ،‬وال ػلق ألحد‬
‫بالتدخل‪...‬‬

‫وكانت امل كاجلميع؛ تتجاذهبا انفعاالت كثَتة ‪..‬‬


‫"ليست احلرب كما نراىا يف شاشات التلفاز‪...‬‬
‫إهنا نصف حرب‪ ..‬مل تكن بذاؾ الرعب الذي نتصوره عن احلروب؛‬
‫ولكنها علی األقل يف صنعاء تستنزؼ روحك علی مهل‪"..‬‬
‫وبدأت صبيع األطراؼ بالتخبط‪...‬وارتكاب األخطاء‪...‬‬
‫وبدأ ادلستقبل يزداد سوادا‪...‬‬
‫"ىل مازاؿ األمل موجود؟‪...‬ىل ستنتهي احلرب غدا‪ ..‬بعد أف‬
‫تغربل الكثَت‪ ..‬نعم فال شيء ثابت؛ لكل زمن رجاالتو والبد أف‬
‫يأيت الغد برجاؿ‪..‬‬

‫‪123‬‬
‫كل شيء متغَت‬
‫ويبقی اليمن ىو الثابت الوحيد‪...‬‬

‫‪124‬‬
‫(‪)24‬‬

‫ال تصاحل مع من تعود جلده‬

‫على ضرب السياط‪..‬‬

‫( صلالء )‬

‫‪125‬‬
‫بصوت كفحيح األفعی؛ وجهت صلال كالمها ألبو جربيل‪" ..‬وىي‬
‫ذبز علی أسناهنا‪" ...‬ال رلاؿ‪َ ..‬من منا سيقبل بالتنازؿ عما وصل‬
‫إليو‪ ..‬كيف نطالب ىامشي استعاد حقو الضائع أخَتا؛ بأف يعود‬
‫ويتنازؿ عنو ثانية‪ ..‬وىو رلرب وصاغرا‪..‬‬
‫ال رلاؿ أمامنا للصلح معهم‪ ..‬الصلح يعٍت فنائنا‪ ..‬خَت لنا أف‬
‫ضلًتؽ صبيعا‪ ..‬علی أف ُضلرؽ لوحدنا"‪...‬‬
‫وبرغم ترددىا ادلستمر علی أبو جربيل‪..‬‬
‫عادت الشريفة لسوؽ قوادهتا‪ ،‬فال تزاؿ ىذه السوؽ مفتوحة برغم‬
‫احلرب فمثل ىذه األسواؽ ال تغلقها احلروب‪ ..‬بل تزيدىا رواجا‪...‬‬
‫ال تعرؼ دلاذا عادت؟؟‪..‬‬
‫لكنو جوع جديد بداء يلتهم أحشائها‪..‬‬
‫حتی اآلف مل تدرؾ ماىيتو‪...‬انو أشد قسوة‪...‬‬
‫لعلو األماف‪ ...‬فهي وساللتها يفتقدوه علی مر الزماف احسوا بو‬
‫حلظة انتصاراهتم‪ ..‬وأحسوا بنشوتو؛ لكنو بداء يتسرب مع اصوات‬
‫طلقات ادلقاومة‪...‬‬
‫مل تعد تشعر بو‬
‫مل رباوؿ الفرار متسللة كبعض األسر اذلامشية‪..‬‬

‫‪126‬‬
‫ولكن أحالـ الكرسي ما زالت أقوی من سلاوفها‪ ..‬برغم إحساسها‬
‫بأف أعُت الناس أصبحت سيوؼ مشهرة‪ ..‬بانتظار أف تسقط علی‬
‫عنقها‪..‬‬
‫ما زلت األقوی‪ ...‬ترددىا يف نفسها دائما لعلها تقتنع‪..‬‬
‫أرواح أجدادىا بدأت تتسلل خلسة منها‪ ..‬وتغادرىا‪...‬‬
‫"مازاؿ الغدر مسة فيكم ‪ ...‬حتی وانتم رلرد أشباح ىامشية‪..‬‬
‫وعلية‪ ..‬تسكنٍت‪"...‬‬
‫أحست بالوحدة بعد مغادرهتم؛ الفراغ يصرخ يف روحها‪ ،‬فلم ذبد يف‬
‫النهاية طريقة دللء ىذا الفراغ‪ ،‬إال يف معاشرهتا للرجاؿ‪...‬ومل يعد‬
‫يهمها الثمن أو ادلركز أو األصل‪ ...‬عادت لتسد اجلوع ‪ ..‬الفراغ‬
‫الساكن فيها‪ ..‬أو اخلوؼ اجلديد‪ ...‬وسؤاؿ يلح عليها!!!‬
‫"ماذا زببئو األياـ يل؟؟‪"..‬‬

‫‪127‬‬
‫اخلاسبة‬

‫‪128‬‬
‫مل تتوقف أحداث القصة‪ ،‬ومل تتوقف احلرب‪ ،‬وما زالت أمل وصلالء‬
‫تقفاف على ناصية احلرب‪ ..‬كل منهما ينظر إىل ادلستقبل بطريقتو‬
‫اخلاصة‪.‬‬
‫سأتوقف يف ىذه احملطة؛ وانزؿ حقائيب ىنا‪ ..‬تعبت من الًتحاؿ‬
‫بينهما‬
‫بالرغم من إحلاح بعض األصدقاء على كتابو السطور األخَتة فيها‪..‬‬
‫(أصدقائي الذين أكن ذلم الشكر واالمتناف)‬
‫إال أنٍت مل اعد اقوى‪ ..‬فقد استنزفتٍت احلرب‪...‬‬
‫أكتفيت منهما‪...‬فليذىبا بسالـ‪...‬‬
‫دلاذا؟؟‬
‫شيء ما أوقف قلمي بالرغم من اين أمسكة للمرة األوىل لكٍت لن‬
‫أبدا خبيانتو ‪...‬ال اقوى على اخليانة‪...‬‬
‫ىل األحداث حقيقية أـ أف قصتنا رلرد خياؿ؟ اختلطت األمور‬
‫على األنساف يف اليمن‪ ...‬منذ أف اقتتل األخوة صارت الثوابت‬
‫وعلا‪ ،‬وصار الالواقع ىو احلقيقة‪!!..‬‬
‫قد تكوف الشخصيتاف حقيقة‪ ،‬اقًتبت من كليهما بقدر جعلٍت‬
‫أتصفح أرواحهما‪ ..‬وحاولت نقلهما بقلمي‪ ,‬بقدر إنساين يف‬

‫‪129‬‬
‫احلياد‪..‬‬
‫(وىل يستطيع اإلنساف التجرد من مشاعره يف النهاية ‪..‬والوقوؼ‬
‫على احلياد؟؟)‬
‫احبث معي داخل نفسك‪ ..‬فقد ذبد فيها جزاء من أمل أو ظالً من‬
‫صلالء؛ أو ردبا ربمل أن ُفسنا خليطا منهما معاً‪ ..‬فأرواحنا ىي السر‬
‫األعظم الذي مل نستطع حلو حىت اآلف‪ ...‬انفسنا ىي كوف أكرب‬
‫مًتامي األطراؼ؛ صدقوين ىو أكثر اتساعا من الكوف الذي يدور‬
‫حولنا‪...‬‬
‫أو أرح نفسك و اجعل من أمل وصلال خياالً ُمراً دلا نعانيو‪.‬‬

‫لقد عاىن اإلنساف على ىذه األرض منذ مئات السنُت‪ ..‬الكثَت‪..‬‬
‫مذحبة كربى مرت فوؽ اإلنساف اليمٍت‪..‬‬
‫دوائر ال متناىية من سلخ اإلنساف عن تارؼلو وفصلو عن واقعو‬
‫ومستقبلو‪ ..‬حىت جاء جيلنا وسجلنا بأعيننا دائرة جديدة؛ دوامة‬
‫أضيفت لسابقاهتا‪...‬‬
‫صبيع من حولنا كاف يلبس قناع‪ ..‬واجلميع كاف يصافح اجلميع‪ ،‬وىو‬
‫ػلمل سكُت الغدر سلفية خلف ظهره‪...‬‬
‫كل نظر لليمن‬
‫كل يتمسح بًتاب اليمن‪ ،‬ويهتف من أجلها‪ٌ ..‬‬
‫وٌ‬
‫ذلوى يف نفسو ‪..‬وأعطى نفسو ادلربر‬
‫بطريقتو ومن زاويتو ‪..‬واحبها ً‬
‫لقتلها‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫ىي خيانة لليمن برغم شعارات اجلميع‪ ..‬نعم اجلميع خاف اليمن‪..‬‬
‫صبيع األطراؼ بال استثناء؛ حىت اجلار الذي كنا نظنو أخا عربيا‬
‫لنا‪ ...‬شارؾ يف السلخ والذبح‪ ...‬اعرؼ بأف السياسة ذلا حسابات‬
‫أخرى‪ ،‬ولكٍت كنت من السذج حُت توعلت للحظة‪ ..‬أف جينات‬
‫عروبتنا‪ ...‬وحق اجلوار‪ ...‬ستجعلهم ينظروف إنسانياً لإلنساف‬
‫اليمٍت‪...‬قبل أف يعدوا العدة خلطره الوشيك‪..‬‬

‫قد أمنحهم العذر لِما رأوه من ذبار ادلاؿ والسالح يف اليمن‪.‬‬

‫ولكن أحب أف أذكرىم‪ ..‬بأف اإلنساف اليمٍت ىو من سيبقى يف‬


‫النهاية‪...‬‬
‫وقد أمنح أيضا بقية األطراؼ بعض األعذار‪ ...‬لسبب أو آلخر‪...‬‬
‫‪..‬ما عدى صباعة واحدة‪ ....‬اذلامشيوف‪ ...‬ليس ذبن عليهم ولكنها‬
‫احلقيقة ادلرعبة اليت عايشتها عن قرب؛ ىم اجلماعة الوحيدة اليت‬
‫انسلخت من ثوب اليمن وترفعت عليو‪ ،‬وأماـ أعُت‬
‫اجلميع‪...‬ظهرت وجوة لألسف كانت لنا منذ زمن اجلار والصديق‬
‫والنسيب واألخ‪ ...‬ظهرت بوجو ػلمل حقدا غيب‪ ...‬ومَتاث من‬
‫الثارات األزلية اليت ػلاولوف الصاقها بأي فئة‪ ..‬لكي يربروف‬
‫انسالخهم عنا‬

‫‪131‬‬
‫منذ بداية سقوط األقنعة وأنا أتساءؿ كيف سنستطيع أف نعايشهم‬
‫بعد أف سبر عاصفة احلرب؟‪...‬كيف يل أف أصافح من كاف ينتظر‬
‫أف أقبل ركبتو ألنو من عرؽ شريف‪...‬‬
‫كيف أصافح من قتل أخويت يف الضالع وعدف وتعز وعلى صبيع‬
‫تراب اليمن‪ ..‬ال لشي إال للعنصرية!‬
‫كيف أصافح من قتل الطفولة يف اليمن‪ ،‬ونشر جثث أطفالنا على‬
‫احلدود ويف ساحات القتاؿ‪ ...‬ومن مل ُػلمل علی النعش؛ قتلت‬
‫طفولتو بكل وحشية‪ ...‬ما مصَت ىذا الطفل أيها اذلامشي؟؟ أي‬
‫جيل سينتج بعد ىذي الدماء؟؟؟‬
‫وكيف يل أف أتقبل شراكة مع صباعة ال سبلك إال شرؼ وعلي ربملو‬
‫جيناهتا‪ ...‬كيف سيبٍت مستقبل اليمن أشخاص ينحصر مَتاثهم‬
‫الفكري بساللة وخريطة لشجرة عائلة ‪..‬وعلية‪...‬‬

‫أساؿ اهلل أف يلطف بنا واف ال نتحوؿ إىل قتلة‪...‬واف ال تضيع بقية‬
‫من اإلنسانية يف قلوبنا‪ ..‬أو قلوب األجياؿ القادمة ‪...‬واف غلعل‬
‫اليمن سعيدا‪...‬واف تستكفي احلرب بالثمن الذي دفع حىت اآلف‪..‬‬

‫‪132‬‬

You might also like