You are on page 1of 12

‫المعنى‬

‫القبالة‪َ :‬معنى تحت َ‬


‫َّ‬

‫المعنى‪...‬‬
‫تحت َ‬
‫س على م ْحم ِل ِ‬
‫الجد‬ ‫أخ ُذ َّ‬
‫الن ْف ِ‬ ‫األخير هو ْ‬ ‫ُّ‬
‫والفخ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬‬

‫*‬
‫دانييل' بيرزنياك‬

‫‪ ‬‬

‫أصل القبالة من الجذر العبري ق ب ل‪" ،‬قبل"‪ .‬فاألستاذ‪" ،‬العارف"‪ ،‬يمنح‪ ،‬والمريد‪ ،‬السائل‪" ،‬يقبل"‪.‬‬
‫والقبَّالي ينظر إلى نفسه بوصفه المريد السائل‪.‬‬

‫القبَّالة طريقة للنظر إلى العالم‪ ،‬بل للنظر إلى النفس وهي ترى العالم‪ .‬وهذه "الطريقة" طريقة أصيلة‬
‫ِّ‬
‫المتأنية (الطريقة‬ ‫ألنها تجمع ما بين انتظار‪َ 4‬ك ْش ٍ‬
‫ف ساطع (الطريقة الصوفية أو ال َك ْشفية) وبين الدراسة‬
‫ينمي في نفسه َّ‬
‫فن المقارنة والنظر‪ 4‬في مكتشفاته‪ ،‬فيما هو يستبطن‬ ‫العقلية)‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬فإن القبَّالي ِّ‬
‫صفَي كرته ِّ‬
‫المخية‪ .‬ومن شأن هذه الرياضات‪ 4‬أن‬ ‫ِ‬ ‫خبرة الوحدة المستعادة‪ .‬إنه ِّ‬
‫يشغل‪ ،‬في ٍ‬
‫معا‪ ،‬ن ْ‬
‫آن ً‬
‫معا‪.‬‬ ‫تقيم روابط‪ 4‬بين العاقلة والحدس والمخيِّلة‪ .‬فطريقته عقلية وروحية في ٍ‬
‫آن ً‬

‫د‬
‫*‬
‫القبالي المتأمل‪ ،‬لوحة لرمبرانت‬

‫معنى يجب فك رموزه‪ .‬فالسَّرد الكتابي‪ ،‬الواضح في‬ ‫القبَّالي يرى في الخطاب المنطوق أو المكتوب ً‬
‫مبهما ومثقالً بالمعنى‪ .‬إنه يحدس وجود "بنية" خفية ما تبطِّنه‪،‬‬
‫نظر الذهن البسيط‪ ،‬يصير في نظره ً‬
‫فيضا‪ ،‬من نبع َّأولي قديم‪ ،‬غير متعيِّن‪ ،‬متجانس‪.‬‬ ‫مفادها أن َّ‬
‫كل ما هو متمايز وملموس‪ 4‬ينبثق‪ً ،‬‬

‫في العبرية‪ ،‬هناك كلمة واحدة تشير إلى الكلمة وإ لى الشيء‪َ :‬د َور‪ .‬فاألشياء غير َ‬
‫موجدة إال بمقدار ما‬
‫تتم تسميتُها‪ .‬والتعليم القبَّالي يسلِّم بأن الكلمة تحمل الحقيقة‪ ،‬بأن الذبذبة الالنهائية للصوت تحمل‬
‫"ليكن نور"‪ ،‬فكان نور (سفر التكوين‪ ،‬اإلصحاح ‪ .)4 :1‬الكلمة‪ ،‬إذن‪ ،‬خالقة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫الكون‪ .‬قال اهلل‪:‬‬

‫تماما‪.‬‬
‫ق أنه "في البدء كان الكلمة" (إنجيل يوحنا‪ ،‬اإلصحاح ‪)1 :1‬؟ ليس ً‬ ‫هل لنا أن نستنتج مما َسَب َ‬
‫خاويا وصامتًا‪ .‬ولكن‪ ،‬كيف انبثق الكون‪ ،‬إذن‪ ،‬من هذا الفضاء الخاوي‬ ‫ِ‬
‫فالبدء ( ِرشت) كان ً‬
‫والصامت؟ تلك هي المسألة الكبرى التي تشغل بال القبَّالي‪.‬‬

‫انتشارا نحو الخارج – فهذه استحالة‪،‬‬


‫ً‬ ‫بحسب اسحق لوريا‪ ،)1572-1534( 4‬لم يكن أول أفعال اهلل‬
‫طي‪ ،‬انقباض‪ .‬في البدء‪ ،‬ال َّ‬
‫بد أن اهلل انسحب‪ ،‬انطوى‪ ،‬ميس ًِّرا بذلك والدة‬ ‫بما أن اهلل هو الكل –‪ ،‬بل ٌّ‬
‫العالم‪ ،‬بادئ ذي بدء‪ ،‬على هيئة حروف األبجدية العبرية االثنين والعشرين‪ .‬وهذا االنطواء‪ ،‬هذا‬
‫يسمى الـ َس ْم َس َمة‬
‫"النقصان في الكينونة"‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ ،‬هذا الخواء الميسِّر لشيء آخر أن يكون‪َّ ،‬‬
‫تسم‪ – )4‬وهو مفهوم جوهري‪ 4‬في القبَّالة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(تس ْم ُ‬

‫نص – حتى جلي – مبهم ويجب فك رموزه‬ ‫عند القبَّالي أن َّ‬


‫كل ٍّ‬
‫كل حرف من حروفه‪،‬‬ ‫كل عنصر من نص‪ُّ ،‬‬‫اللغة العبرية‪ ،‬عند القبَّالي‪ ،‬هي‪ ،‬إذن‪ ،‬مادة العالم بعينها‪ُّ .‬‬
‫ك‬‫كل عنصر من صورة الحرف الواحد‪ ،‬المسافات بين الكلمات وبين الحروف‪ ،‬يجب أن تُفهم وتُفَ َّ‬ ‫ُّ‬
‫َ‬
‫تناسق‪ 4‬المجموع‪.‬‬ ‫رموزها‪ :‬ما من عنصر واحد ناجم عن المصادفة؛ ِّ‬
‫لكل عنصر معناه ومكانه في ُ‬ ‫ُ‬

‫ُخر‪ ،‬منهج تأويل يربط ما بين الكلمات بعضها إلى بعض‬


‫وضعت‪ ،‬من بين أشياء أ َ‬
‫ْ‬ ‫بذلك فإن القبَّالة‬
‫بحسب قيمتها‪ 4‬العددية‪ ،‬المحسوبة كما في علم العدد الحديث‪ .‬وهذا المنهج‪ ،‬ال ِج َم ْ‬
‫ط ِرية (من الكلمة‬
‫اليونانية ‪" ،gematria‬فن قياس ِّ‬
‫كل ما في السماء وعلى األرض"‪ ،‬التي جاءت منها كلمة ‪،geometry‬‬
‫"الهندسة")‪ِ ،‬‬
‫يوجد روابط‪ 4‬بين كلمات ذات مدلوالت فلسفية عميقة‪ ،‬وتلبِّي َّ‬
‫أعز أشواق القبَّالي إلى قلبه‪،‬‬
‫أال وهو تفسير اللغة باللغة‪ ،‬وليس بواسطة المفاهيم التي تنقلها‪.‬‬

‫مصنف‪ 4‬ضخم من أحاديث‬ ‫َّ‬ ‫وهذا المنهج قد يسَّر لفقهاء التلمود في القرون األولى بعد الميالد (التلمود‬
‫الربَّانيين في تفسير شريعة موسى) اإلجابة عن بعض األسئلة التي طرحوها‪ 4‬منذ ِ‬
‫الق َدم‪ :‬هل المعنى‬
‫بد من ِّ‬
‫فك رموزه؟ وفي‬ ‫حصرا‪ ،‬أم أنه ليس إال القشر من معنى ال َّ‬ ‫لنص التوراة هو المعنى‬
‫الحرفي ِّ‬
‫ً‬
‫مستورا؟ هل الحقيقة رهيبة؟ وهل ينبغي‬
‫ً‬ ‫حال صحة الفرضية الثانية‪ ،‬لماذا يكون المعنى "الحقيقي"‬
‫فتحها؟ وكيف‪4‬‬
‫االستعداد من أجل اإلحاطة بها؟ وفي‪ 4‬هذه الحال‪ ،‬أين تكون مفاتيح األبواب التي يجب ُ‬
‫تُفتَح هذه األبواب؟ ولماذا؟‬

‫القبَّالة تشير إلى الجهد المبذول من أجل طرح هذه األسئلة ومن أجل اإلجابة عنها‪.‬‬

‫النص الواحد حتى اثني عشر مستوى من مستويات المعنى‪...‬‬


‫القبَّالي يرى في ِّ‬

‫تتطلَّب قراءةُ التوراة (األسفار الخمسة األولى من العهد القديم‪ ،‬حيث نجد مرويةً قصة العالم‪ ،‬قصة‬
‫النص بالمعاني‬
‫البشر‪ ،‬الوصايا‪ 4‬اإللهية‪ ،‬والعالقات‪ 4‬بين اإلنسان واإلله) تأهيالً يطول بمقدار إشباع ِّ‬
‫والمرموزات‪ ،‬وذلك بسبب أصله اإللهي وتدوينه بالعبرية‪" ،‬اللغة المقدسة"‪.‬‬

‫وهذا التأهيل‪ ،‬يصفه أبراهام بن صموئيل أبو العافية‪ ،‬المولود في سرقسطة في العام ‪ ،1240‬في أحد‬
‫َّ‬
‫مصنفاته‪ :‬رسالة الطرق السبعة‪ .‬وطُ ُرق (الحكمة) السبعة هذه هي طُ ُرق سبعة لقراءة التوراة‪ .‬فلنقرأ‬
‫هذا المقطع من الكتاب‪:‬‬
‫طرح التوراة على‬
‫الطريق األول عبارة عن قراءة التوراة وفهمها على محمل الحرف‪ ...‬فهكذا يجب أن تُ َ‬
‫فكل أحد يعلم أن َّ‬
‫كل بشر‪ ،‬في سني حداثته‪ ،‬إبان طفولته وشبابه‬ ‫ونساء وأطفاالً‪ُّ .‬‬
‫ً‬ ‫عامة الشعب‪ ،‬رجاالً‬
‫الباكر‪ ،‬ينتمي إلى هؤالء العامة‪.‬‬

‫ويقدم أبو العافية المثال التالي‪ :‬في ِس ْفر تثنية‬


‫فك رموز المجاز في التوراة‪ِّ .‬‬ ‫الطريق الثاني عبارة عن ِّ‬
‫ف قلوبكم‪ 4".‬قارئ‪ 4‬الطريق الثاني سوف‪ 4‬يكشف‬ ‫ب‪ ..." :‬فاختنوا ُقلَ َ‬ ‫ِ‬
‫االشتراع (اإلصحاح ‪ُ )16 :10‬كت َ‬
‫حصرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫عن هذه الصورة البالغية‪ ،‬غير المفهومة على المستوى‪ 4‬الحرفي‬

‫بنص ما‪ ،‬ويجتهد في اإلجابة عنها في السياق‪.‬‬


‫في الطريق الثالث يطرح المرء على نفسه أسئلة تتعلق ٍّ‬
‫الخْلق‪ ،‬بحسب سفر التكوين (اإلصحاح األول)‪ ،‬لم يقل‬
‫لماذا‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬في اليوم الثاني من َ‬
‫اهلل ما قاله في اليوم األول من أن "صنعته َح َسَنة"؟ جواب قارئ الطريق‪ 4‬الثالث‪ :‬ألنه في اليوم الثاني‬
‫مستعمل بالفعل إال‬
‫َ‬ ‫بعد قد فرغ من َخْلق العالم "المائي"‪ .‬فتعبير‪" 4‬رأى اهلل أن ذلك َح َسن" غير‬
‫لم يكن ُ‬
‫لدى إنجاز جملة متماسكة‪ ،‬متسقة‪ ،‬ومستقلة داخل الخليقة‪ .‬قارئ الطريق‪ 4‬الثالث ُّ‬
‫حاد النظر بصفة‬
‫يتفكر في‬ ‫ٍ‬
‫وعندئذ يستنطق‪ 4‬النص‪َّ ،‬‬ ‫خاصة‪ :‬فهو يلحظ االنقطاعات والفوارق داخل بنيان متسق؛‬
‫تفسيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫السياق‪ ،‬ويجد‬

‫الطريق الرابع عبارة عن تأويل الرمز والمجاز‪ .‬وقارئ الطريق‪ 4‬الرابع ال ِّ‬
‫يصدق‪ 4‬واقعية القصة كما‬
‫هي مروية؛ فهو يعلم أنها مجازية وأنها تنطوي‪ 4‬على تعليم ينبغي فك رموزه‪.‬‬

‫ويشير أبو العافية إلى أن "هذه الطرق‪ 4‬األربعة مفتوحة لجميع األمم"‪ .‬فالطرق الثالثة األولى متاحة‬
‫لجمهور العامة‪ ،‬على ِّ‬
‫حد قوله‪ .‬أما الفقهاء فهُ ُم الراسخون في الطريق الرابع‪ ،‬وهم يجهلون عادة‬
‫وجود طرق‪ 4‬أخرى‪.‬‬

‫من شأن الرغبة في المعرفة أن تقود حتى الطريق الرابع‪ .‬فيما يتعدى ذلك‪ ،‬ال َّ‬
‫بد من طاقة أشد‪:‬‬
‫واعتبارا من الطريق‪ 4‬الخامس‪ ،‬يتم ولوج تعاليم القبَّالة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُسعار العلم‪ ،‬التعطش إلى المعرفة‪.‬‬

‫ص َور الحروف‪ ،‬وحول‬ ‫قارئ الطريق‪ 4‬الخامس يحلِّل عناصر ِّ‬


‫النص كافة‪ .‬وهو يتساءل حتى حول ُ‬
‫الروابط بين هذه العناصر‪ 4‬وبين معاني الكلمات‪ .‬لماذا يوجد اثنان وعشرون حرفًا؟ لماذا الحرف‬
‫األول من التوراة حرف بيت؟ يقول أبو العافية إن َّ‬
‫قراء الطرق‪ 4‬األربعة األولى يسخرون من الطريق‪4‬‬
‫الخامس‪ ،‬بحجة أن مشكالت الخط عارية عن المغزى وأن علم أوفاق‪ 4‬الحروف عديم األهمية‪.‬‬
‫يتطلَّب الطريق‪ 4‬الخامس تحصيل خبرة واسعة في علم النفس والتاريخ‪ .‬وهو يمد الجسور بين العاقلة‬
‫التفكير ويتحرر‪ 4‬من الرغبات التافهة‪ ،‬من‬
‫ُ‬ ‫والمخيِّلة والحدس‪ .‬إنه علم تربية اليقظة‪ .‬وبفضله ينتظم‬
‫نص‪ ،‬مجرد قشر‪4‬‬
‫يتعود‪ 4‬على أن يرى‪ ،‬في ٍّ‬
‫األهواء‪ ،‬ومن األحكام المسبَّقة‪ .‬وقارئ الطريق‪ 4‬الخامس َّ‬
‫التالعب به – ال‬
‫ُ‬ ‫لمدلول محمول على غير الكلمات في ِّ‬
‫حد ذاتها‪ .‬إنه – وهو الذي أضحى يصعب‬
‫متحرر‪ 4‬من األفكار المقبولة؛ واإليديولوجيات ال يمكن لها أن توقعه‬ ‫ٍ‬
‫بخطاب َح َسن السبك‪ .‬إنه ِّ‬ ‫ُيفتتن‬
‫جميعا تنظر إله بعين‬ ‫دوما إلى أبعد من المظهر المباشر‪ .‬والسلطات‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫في شراكها‪ .‬مسعاه يمضي به ً‬
‫الريبة‪ ،‬بما فيها مرجعية الكنيس‪.‬‬

‫"من يجرؤ‪ 4‬على الخوض فيه؟‬


‫"الطريق السادس طريق‪ 4‬أعمق"‪ ،‬كما يقول أبو العافية‪ .‬وهو يضيف‪َ :‬‬
‫ألنه في هذا الطريق‪ 4‬قيل‪" :‬هو أطول مدى من األرض‪ ،‬أوسع من البحر المحيط"‪ ".‬إنه طريق‪ 4‬الذين‬
‫أثره قابالً لإلدراك في أنفسهم"‪.‬‬
‫يعتزلون في إرادتهم االقتراب من االسم‪" ،‬بحيث يصبح ُ‬

‫يروض‬‫قارئ الطريق‪ 4‬السادس يتساءل عن عالقة االسم بالشيء‪ ،‬عالقة المرموز إليه بالرامز‪ .‬إنه ِّ‬
‫نفسه على االستبطان‪ .‬وعلى هذه المرتبة من ُّ‬
‫التفكر يصير‪ُّ 4‬‬
‫كل ما هو "صيغة" "معي ًشا"‪ 4‬بالضرورة‪.‬‬
‫ضح النور‪ ،‬لعقالنية أخرى‪ ،‬تندمج فيها الروح‬
‫مفسحا المجال‪ ،‬في َو َ‬
‫ً‬ ‫المنطق الشكالني ينتسف‪،‬‬
‫بالقلب‪.‬‬

‫جميعا"‪ ،‬يقول أبو العافية‪" .‬من يلجه يتلقَّى‬


‫ً‬ ‫الطريق السابع؟ "هذا الفلك يشتمل على األفالك األخرى‬
‫حصرا الذين يحيونه‪.‬‬
‫ً‬ ‫الكالم اإللهي‪ ".‬وهذا الطريق‪ 4‬غير قابل للنقل كتابةً‪ .‬لذا ينقله مشافهةً أولئك‬

‫سمى الطرق األربعة األولى‪ :‬فشاط ("بسيط"‪ ،‬أي القراءة الحرفية)‪ِ ،‬ر ِمز ("رمزي"‪ 4‬أو‬
‫في العبرية‪ ،‬تُ َّ‬
‫"مجازي")‪ ،‬دراخ ("الطريق")‪ ،‬وسود ("السر"‪ ،‬و"الجوهر" ً‬
‫أيضا)‪ .‬وأوائل هذه الكلمات – ف ر د س‬
‫– تؤلِّف كلمة فردس‪ ،‬التي تعني الفردوس‪ .‬فكما تقول قصة حصيدية‪ ،‬الفردوس هي الحال التي‬
‫يحياها هنا واآلن َمن يعرف "القراءة"‪.‬‬

‫جدير بالذكر أن موشي‪ 4‬القرطبي (‪ ،)1570-1522‬أهم أساتذة اسحق لوريا‪ ،‬كان‪ ،‬من جانبه‪ ،‬يقول‬
‫باثني عشر مستوى‪ 4‬من مستويات القراءة‪.‬‬

‫تزود‪ 4‬بمفاتيح لفتح أقفال وأبواب‪ .‬وعلى‬


‫تعليما َعقَديًّا؛ إنها‪ ،‬باألحرى‪ِّ ،‬‬
‫والكتابات القبَّالية ال تطرح ً‬
‫َّ‬
‫ويتفكر فيه‪.‬‬ ‫ُع ِطَيها‪ .‬ولهذا‪ ،‬ينبغي عليه أن يتدبَّر َّ‬
‫النص‬ ‫"الطالب" أن يجد األقفال المقابلة للمفاتيح التي أ ْ‬
‫كان البابليون واإلغريق سبَّاقين إلى دراسة معاني الكلمات بالنظر إلى القيم العددية للحروف التي‬
‫ط ِرَية" ["حساب ُ‬
‫الج َّمل"] في عهد‬ ‫تتألَّف منها‪ .‬وقد استدخل بنو إسرائيل هذا المنهج تحت اسم ِ‬
‫"ج َم ْ‬
‫عاما)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الهيكل الثاني (الذي ُبدئ في بنائه حوالى العام ‪ 20‬ق م واستمر أكثر من ‪ً 40‬‬

‫والجمطرية األشيع عبارة عن َع ْزو القيم العددية التالية إلى الحروف‪:‬‬

‫القيمة العددية‬ ‫االسم الرمزي األصلي‬ ‫الحرف العربي المقابل‬ ‫لفظ الحرف‬ ‫الحرف العبري‬
‫‪1‬‬ ‫ثور‬ ‫ألف‬ ‫ألف‬ ‫א‬
‫‪2‬‬ ‫بيت‬ ‫باء‬ ‫بيت‬ ‫ב‬
‫‪3‬‬ ‫جمل‬ ‫جيم‬ ‫جيمل‬ ‫ג‬
‫‪4‬‬ ‫باب‬ ‫دال‬ ‫دالت‬ ‫ד‬
‫‪5‬‬ ‫نافذة‬ ‫هاء‬ ‫هيه‬ ‫ה‬
‫‪6‬‬ ‫ناب‬ ‫واو‬ ‫واو‬ ‫ו‬
‫‪7‬‬ ‫َذ َكر‪ ،‬بذرة‬ ‫زاي‬ ‫زين‬ ‫ז‬
‫‪8‬‬ ‫حائط‬ ‫حاء‬ ‫حيط‬ ‫ח‬
‫‪9‬‬ ‫ثعبان‬ ‫طاء‬ ‫طيت‬ ‫ט‬
‫‪10‬‬ ‫يد‬ ‫ياء‬ ‫يود‬ ‫י‬
‫‪20‬‬ ‫راحة اليد‬ ‫كاف‬ ‫كاف‬ ‫כ‬
‫‪30‬‬ ‫منخس‬ ‫الم‬ ‫المد‬ ‫ל‬
‫‪40‬‬ ‫ماء‬ ‫ميم‬ ‫ميم‬ ‫מ‬
‫‪50‬‬ ‫حوت‬ ‫نون‬ ‫نون‬ ‫נ‬
‫‪60‬‬ ‫سند‪ ،‬قضيب‬ ‫سين‬ ‫سامخ‬ ‫ס‬
‫‪70‬‬ ‫عين‬ ‫عين‬ ‫عين‬ ‫ע‬
‫‪80‬‬ ‫فم‬ ‫فاء‬ ‫فيه‬ ‫פ‬
‫‪90‬‬ ‫صنارة‬ ‫صاد‬ ‫تصده‬ ‫צ‬
‫‪100‬‬ ‫قفا‬ ‫قاف‬ ‫قوف‬ ‫ק‬
‫‪200‬‬ ‫رأس‬ ‫راء‬ ‫ريش‬ ‫ר‬
‫‪300‬‬ ‫سن‬ ‫سين‬ ‫شين‬ ‫ש‬
‫‪400‬‬ ‫إشارة‬ ‫تاء‬ ‫تاو‬ ‫ת‬
‫باإلضافة إلى خمسة حروف‪ 4‬سبق إيرادها‪ ،‬لكنها‪ ،‬إذ تتوضع‪ 4‬في أواخر الكلمات‪ ،‬تتخذ صورة وقيمة‬
‫عددية مختلفتين‪:‬‬

‫‪500‬‬ ‫كاف‬ ‫ך‬


‫‪600‬‬ ‫ميم‬ ‫ם‬
‫‪700‬‬ ‫نون‬ ‫ן‬
‫‪800‬‬ ‫فيه‬ ‫ף‬
‫‪900‬‬ ‫تصده‬ ‫ץ‬

‫وباستعمال‪ 4‬هذا المنهج‪ ،‬يقول القبَّاليون‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬إن "اهلل محبة ووحدة"‪ .‬وبالفعل‪" ،‬محبة"‬
‫إحد‬
‫تقال بالعبرية أهبه (ألف‪ ،‬هيه‪ ،‬بيت‪ ،‬هيه)‪ ،‬ومجموعها ‪ .13 = 5 + 2 + 5 + 1‬و"وحدة" تقال َ‬
‫(ألف‪ ،‬حيط‪ ،‬دالت)‪ ،‬أي ‪ .13 = 4 + 8 + 1‬فكلمتا‪" 4‬محبة" و"وحدة"‪ ،‬بالتالي‪ ،‬متكافئتان‪ .‬وجدير‬
‫بالذكر أن مجموع قيم حروف‪ 4‬رابوع األلوهة أو يهوه (يود‪ ،‬هيه‪ ،‬واو‪ ،‬هيه) يساوي ‪+ 13 = 26‬‬
‫‪.13‬‬

‫وللتوغل في خفايا الكلمات‪ ،‬يقول موشي‪ 4‬القرطبي‪ ،‬المذكور أعاله – وهو واحد من أكابر قبَّاليي‪4‬‬
‫طريوت (جمع ِج َم ْ‬
‫طرية)‪.‬‬ ‫مدرسة صفد (الجليل) – بوجود‪ 4‬ثماني ِج َم ْ‬

‫لتونا – تجمع ببساطة القيم العددية لحروف‪ 4‬الكلمة‪ ،‬وتستنبط نتائج من‬
‫األولى – وقد ذكرناها‪ِّ 4‬‬
‫المحصول‪.‬‬

‫الثانية ال تأخذ العشرات والمئات بالحسبان‪ .‬وهكذا‪ ،‬يود = ألف = ‪ ،1‬أو تاو = دالت = ‪.4‬‬

‫الثالثة ترفع األعداد إلى القوة الثانية‪ ،‬أي تتعامل مع مربعاتها‪ 4.‬وهكذا فإن الجمطرية األولى تعطي‬
‫لرابوع الجاللة – يود‪ ،‬هيه‪ ،‬واو‪ ،‬هيه (يهوه) – قيمة ‪ .26‬أما في الجمطرية الثالثة‪ ،‬فإن متوالية ‪10‬‬
‫‪ 5 + 6 + 5 +‬تصير ‪ .186 = 25 + 36 + 25 + 100‬وهذه الجمطرية تجيز تقريب الرابوع‬
‫من اسم آخر من األسماء اإللهية‪ :‬مقوم ("المقام")‪ ،‬الذي قيمته ً‬
‫أيضا تساوي‪+ 100 + 40 = 186 4‬‬
‫‪.40 + 6‬‬
‫الرابعة تضيف‪ 4‬إلى قيمة ِّ‬
‫كل حرف قيمة الحروف‪ 4‬السابقة‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن ألف = ‪ ،1‬بيت = ‪= 2 + 1‬‬
‫‪ ،3‬جيمل = ‪ ،6 = 3 + 2 + 1‬دالت = ‪ ،10 = 4 + 3 + 2 + 1‬إلخ‪ .‬على هذا النحو‪ ،‬نحصل‬
‫على متوالية ‪ ،21 ،15 ،10 ،6 ،3 ،1‬التي هي كذلك متوالية األعداد المثلثة الفيثاغورية‪.‬‬

‫الخامسة تنسب إلى الحروف‪ 4‬مجموع قيم الحروف التي تؤلِّف اسم الحرف‪ .‬ألف‪ ،‬الذي ُيكتَب ألف‪،‬‬
‫المد‪ ،‬فيه (آخر الكلمة)‪ ،‬يساوي‪ 4‬إذن ‪ .831 = 800 + 30 + 1‬بيت‪ ،‬الذي ُيكتَب بيت‪ ،‬يود‪ ،‬تاو‪،‬‬
‫يساوي ‪ .412‬إلخ‪.‬‬

‫السادسة ال تأخذ بالحسبان غير أربعة حروف أواخر بدالً من الخمسة المستعملة عادة؛ إذ هي ال تأخذ‬
‫بالحسبان حرف الكاف في اآلخر‪.‬‬

‫السابعة تضيف‪ 4‬عدد حروف كلمة إلى القيمة العددية للكلمة إياها‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن اسم الجاللة – يود‪،‬‬
‫هيه‪ ،‬واو‪ ،‬هيه – يساوي‪( 4 + 26 4‬ألنه مؤلَّف من أربعة حروف) = ‪ .30‬ويمكن لهذه الجمطرية‬
‫جميعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫السابعة أن تأتلف مع الجمطريوت األخرى‬

‫جميعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الثامنة تضيف ‪ 1‬إلى قيمة الكلمة؛ ويمكن لها بالمثل أن تتوافق‪ 4‬مع األخريات‬

‫هناك‪ ،‬بالطبع‪ ،‬جمطريوت أخرى‪ .‬من يعرف عددها؟ وعلى َّ‬


‫كل حال‪ ،‬لماذا يتعين لهذا العدد أن‬ ‫َ‬
‫يتحدد نهائيًّا؟ ٍّ‬
‫لكل أن يبتكر الجمطرية الخاصة به‪ .‬فمن شأن أية منظومة متساوقة أن تربط ما بين‬ ‫َّ‬
‫وتقرب ما بين األفكار‪ 4‬والمعاني‪.‬‬
‫الكلمات ِّ‬

‫يتالعب القبَّالي بعلم العدد لكي يكسر تداعي األفكار المبتذلة‬

‫مثل هذا التمرين يسمح بالتملص من تداعيات األفكار‪ 4‬التي تنتاب أذهاننا‪ ،‬والتي تنجم عن مقايسات‬
‫الخواص (الشمس‪ ،‬مثالً‪ِّ ،‬‬
‫تذكرنا‪ 4‬بالضوء أو بالحرارة)‪ ،‬وال ِجناسات‪ ،‬والمترادفات‪ ،‬والذكريات‪،‬‬
‫والمعلومات‪ ،‬والتربية‪ ،‬واألحكام‪ 4‬المسبَّقة‪.‬‬

‫والجمطرية – الممتعة والزهيدة الكلفة – تسمح باكتشاف‪ 4‬مقايسات مذهلة‪ ،‬ما كانت لتخطر لنا في بال‬
‫المبررات ما‬
‫من غيرها‪ .‬والمذهل أكثر أن المقايسات التي توحي بها الجمطرية تبدو وكأن لها من ِّ‬
‫يعادل مقايساتنا‪ 4‬المعتادة‪.‬‬
‫حروف األبجدية العبرية موزعة على اليدين‬

‫يطبق القباليون' الجمطرية على "هندسة" بناء الجسم البشري العتقادهم' أن الحروف هي القوى الناظمة لهندسة الخالئق‬

‫خاما ال شكل لها‪.‬‬ ‫ِّ‬


‫النص الذي يحلله ممارس الجمطرية ليس إال مادة ً‬
‫ومن الممتع كذلك أن نلحظ أن َّ‬
‫واضحا‪ ،‬يروي‪ 4‬قصة‪ ،‬يعبِّر عن فكرة‪ .‬أما في نظر‬
‫ً‬ ‫شيئا‬
‫ففي نظر القارئ العادي‪ ،‬يقول هذا النص ً‬
‫بد له من ِّ‬
‫فك‬ ‫مرمز‪ .‬ولكي يتم الكشف عن معناه‪ ،‬ال َّ‬
‫القبَّالي‪ ،‬في المقابل‪ ،‬فهو مبهم‪ ،‬غير قابل للفهم‪َّ ،‬‬
‫رموزه – وهذا ليس بعملية سهلة‪.‬‬

‫المعنى‪ ،‬في نظر القبالي‪ُ ،‬يستحق‬

‫هاما في الفورة الفكرية لعصر النهضة‪ :‬كانت‪ ،‬بالفعل‪ ،‬تواجه الرؤية السكولستية‬
‫دورا ًّ‬
‫لعبت القبَّالة ً‬
‫ْ‬
‫(الفقهية) لعالَم جامد‪ ،‬مخلوق‪ 4‬دفعة واحدة وإ لى األبد‪ ،‬برؤية عالَم في َخْلق دائم‪ .‬فالقبَّالي‪ ،‬بالفعل‪،‬‬
‫جميعا على‬
‫ً‬ ‫مستيقنا من أنها تتالقى‪4‬‬
‫ً‬ ‫متعود أن ينظر إلى "المنظومات" الفكرية بشيء من االستعالء‪،‬‬
‫ِّ‬
‫صعيد أعلى‪ .‬وفي زمن الخالفات الناجمة عن اإلصالح اللوثري‪ ،‬اجتهد القبَّالي – وهو الذي يأنف أن‬
‫يتحزب لرأي دون آخر – أن يلعب دور الموفِّق‪ 4،‬على غرار باولوس‪ 4‬ريشيوس‪ ،‬الذي ما أفلح على‬
‫َّ‬
‫هذا النحو إال في اجتذاب المتاعب من كال الطرفين‪ .‬إذ إن قولك آنذاك "أنا أعرف" أو "لقد فهمت" كان‬
‫أقرب الطرق إلى الموت‪.‬‬

‫المتمرس في مختلف "مستويات"‪ 4‬القراءة (أكانت مستويات‪ 4‬القرطبي االثني عشر‪ ،‬مستويات‬
‫ِّ‬ ‫فالقبَّالي‬
‫أبي العافية السبعة‪ ،‬المفصَّلة أعاله‪ ،‬مستويات بيكو دوالميراندوال األربعة‪ ،‬أم مستويات ريشيوس‪4‬‬
‫دوما أن ُيقرأ قراءة مختلفة‪ ،‬وأن الروايات والطروحات يمكن‬
‫النص يمكن له ً‬
‫الثالثة) يذهب إلى أن َّ‬
‫يتعدى معناها الحرفي – األمر الذي يجيز التسامح بالطبع ويشجع عليه‪ .‬إن‬‫سبر فيما َّ‬
‫دوما أن تُ َ‬
‫لها ً‬
‫التشجيع على التسامح‪ ،‬والحال هذه‪ ،‬هو إحياء الرغبة في المزيد من المعرفة‪ ،‬هو تعلُّم جهوزية الذهن‬
‫حتما‪.‬‬
‫فق باآلخر ً‬
‫الر ُ‪4‬‬
‫وانفتاحه‪ .‬وينتج عن ذلك ِّ‬
‫صورة من مخطوط قبالي قديم‬

‫آمنا (أو يكاد أن يكون‬


‫غير أن نجاح القبَّالة في سائر أنحاء أوروبا‪ 4‬النهضة يعود كذلك إلى كونها ملجأ ً‬
‫سمحت للباحث باستكشاف‬
‫ْ‬ ‫آمنا) للفكر الحر‪ .‬فتعقيدها‪ ،‬والتأويالت‪ 4‬الالنهائية التي تفسح لها المجال‪،‬‬
‫ً‬
‫ظر إلى الحرية فيه نظرة سلبية‪.‬‬‫حرا‪ ،‬في عصر كان ُين َ‬ ‫الكتاب المقدس استكشافًا ًّ‬

‫ق أن قيلت في المجاالت‬
‫في ذلك العصر‪ ،‬كان االتباع السائد يفرض على الجميع فكرة أن الحقيقة َسَب َ‬
‫حرا‪ .‬كان الجميع يدرسون‪ 4‬األولين‪ ،‬قانعين بأن المعرفة‬
‫أحد ليرغب في أن يكون ًّ‬
‫كافة‪ .‬وإ ذن‪ ،‬ما كان ٌ‬
‫تقيم في الماضي‪ .‬وإ ذا كان كوبرنيكوس‪ 4‬قد تجرأ على طرح فكرة أن األرض تدور حول الشمس‬
‫دوما من االتكاء على‬ ‫الجديد بالقبول كان ال َّ‬
‫بد له ً‬ ‫ُ‬ ‫فذلك ألنه وجدها في كتب األولين‪ .‬فلكي يحظى‬
‫القديم‪.‬‬

‫سندا نقليًّا هائالً للراغبين في َب ْس ِط طريقة جديدة في‬


‫أما القبَّالة فإن أهميتها تكمن في أنها كانت توفر‪ً 4‬‬
‫رؤية العالم‪ .‬ولبلوغ هذه الرؤية الجديدة‪ ،‬كان حسبهم بالفعل أن يشرحوا‪ 4‬الرؤية القديمة كما يحلو‬
‫لهم‪ ...‬حتى إن اإلله (القيوم)‪ ،‬من منظار‪ 4‬القبَّالة‪ ،‬ال يستثني‪ 4‬الحركة (والتطور‪ 4‬المالزم لها)؛‬
‫كل يقين (من ِّ‬
‫كل "مستوى" قراءة) مغروسة في النظام األزلي‬ ‫المضي إلى "أبعد" من ِّ‬
‫ِّ‬ ‫وضرورةُ‬
‫لألشياء‪.‬‬

‫من منظار القبَّالة‪ ،‬إذا كان في اإلمكان تشبيه الحقيقة األولية‪ ،‬ال بل تسميتُها‪ ،‬فمن المتعذر اإلحاطة بها‬
‫كل شيء؛ لكن ما تقوله‪ ،‬في المآل األخير‪ ،‬متعذر‬ ‫في تفسير بعينه‪ .‬النص‪ ،‬الخطابات‪ ،‬الكلمات‪ ،‬تقول َّ‬
‫المنال‪.‬‬

‫أما التالعب بالحروف‪ ،‬في المقابل‪ ،‬فينطوي‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬على مفاجآت‪ .‬بعض الترابطات الغريبة‬
‫منورة – حتى الدوار في بعض األحيان‪ .‬ويمكن لبعض‬
‫يمكن لها‪ ،‬بإعمال النظر فيها‪ ،‬أن تصير ِّ‬
‫تمر دون‬
‫االرتباطات الحاذقة أن تميط الحجاب عن بديهيات بسيطة ورائعة‪ ،‬يمكن لها‪ ،‬بغير ذلك‪ ،‬أن َّ‬
‫أن تلفت النظر‪.‬‬

‫واألمر‪ ،‬بالطبع‪ ،‬ليس في التأسف على العقالنية‪ ،‬بل في شحذها وتوسيعها‪ 4،‬باالعتراف بشرعية الحلم‬
‫والخيال‪.‬‬

‫غير أنه يبقى فخ واحد‪ ،‬عثرة قاتلة واحدة‪ :‬أخذ النفس على محمل ال ِجد‪ .‬ففي نظر القبَّالة‪ُّ ،‬‬
‫كل تفسير‪،‬‬
‫قباليًّا كان أم علميًّا‪ ،‬هو‪ ،‬في المآل األخير‪ ،‬حيلة تحتال بها اللغةُ علينا والعق ُل‪ .‬وتلك علَّة ضرورة‬
‫جنبا إلى جنب مع العقل والحدس والخيال‪.‬‬
‫سيادة المرح ً‬

‫المرح يتَّقي‪ .‬والتباس المرح من جوهر واحد والتباس األشياء واألفكار‪ .‬فالمرح يسمح بالتعايش مع‬
‫تعددية المدلوالت‪ .‬وفي‪ 4‬المرح تتجلَّى طاقة الحياة‪.‬‬

‫ينمي في نفسه القدرة على المرح يتعثر في الطريق‪ .‬يضيِّق في يقينيَّاته‪ .‬يتيه ِكَب ًرا‪ .‬يدين‪.‬‬
‫كل َمن ال ِّ‬
‫الجد هو من قبيل تحويل ناموس المحبة إلى شريعة حقد‬ ‫ثم‪ ،‬حتما‪ ،‬يقتل‪ .‬أخ ُذ النفس على محمل ِ‬
‫ً‬
‫الشر األعظم‪.‬‬
‫واحتقار‪ .‬هو قولك‪" :‬أعرف"‪ .‬هو قولك‪" :‬لقد فهمت"‪ .‬وما من شيء أسوأ‪ .‬ففيه مكمن ِّ‬

‫*** *** ***‬

‫ترجمة‪ :‬ديمتري أفييرينوس‬

‫‪ ‬‬

‫المراجع‬

‫‪-          La kabbale, par Roland Gœtschel, Paris, PUF, collection Que sais-je ?, 1985.‬‬

‫‪-          La Cabale, par Alexandre Safran (ancien grand rabbin de Roumanie, grand rabbin de Genève),‬‬
‫‪Paris, Payot, 1988.‬‬

‫‪-          La mystique juive : les thèmes fondamentaux, par Gershom Scholem, Paris, Éditions du Cerf,‬‬
‫‪1985.‬‬

‫‪-          La Kabbale et sa symbolique, par Gershom Scholem, Paris, Payot, 1989.‬‬

‫‪-          Les Kabbalistes chrétiens de la Renaissance, par François Secret, Paris, Dunod, 1964.‬‬
‫أما أهم ينابيع القبَّالة فهما‪ِ :‬س ْفر الباهر و ِس ْفر الزاهر‪.‬‬

‫ولد دانييل بيرزنياك في باريس‪ ،‬ودرس اللغة العبرية في مدرسة اللغات الشرقية لهذه المدينة‪ ،‬وتاريخ الفن في بيزا‪ ،‬وتتلمذ في‬
‫الفلسفة على فالديمير جانكيليفتش؛ لكنه يقول إنه تلقَّى "تعليمه الجوهري" إبان حياته البوهيمية وهيامه الطويل على وجهه عبر‬
‫كتابا في مذهب الباطن والماسونية‪ ،‬منها‪ :‬أغوار الخيال (‪ ،)1994‬المتاهة‪ ،‬صورة العالم (‪،)1996‬‬ ‫َّ‬
‫أوروبا‪ .‬ألف حوالى ثالثين ً‬
‫(المحرر)‬
‫ِّ‬ ‫والقبالة الحية (‪ ،)1995‬الذي اقتبسنا منه هذا النص بعد حصولنا على موافقة الكاتب‪.‬‬

‫‪ ‬‬

You might also like