Professional Documents
Culture Documents
عالمات وأدلة على حصولك في أول درجة التوكل وهي طي األرض ،والمشي على الماء ،واختراق الهواء ،واألكل من
الكون ،وهو الحقيقة في هذا الباب ثم بعد ذلك تتوالى المقامات
واألحوال والكراماتـ والتنزالت إلى الموت فاهلل هللا ال تدخل خلوتك حتى تعرف أين مقامك
فإن كان وهمك حاكما عليك فال سبيل إلى الخلوة إال على يدي شيخ مميز عارف ،وإن
كان وهمك تحت سلطانك فخذ الخلوة وال تبالي وعليك بالرياضة قبل الخلوة.
والرياضة عبارة عن تهذيب األخالق وترك الرعونة وتحمل األذى فإن اإلنسان إذا تقدم فتحه
قبل رياضته فلن يجيء منه رجل أبدا إال في حكم النادر .
فإذا اعتزلت عن الخلق فاحذرهم عن قصدهم إليك وإقبالهم عليك فإنه من اعتزل عن الناس لم يفتح بابه لقصد الناس إليه،
فإن المراد من العزلة ترك الناس ومعاشرتهم،ـ وليس المراد من ترك الناس ترك صورهم وإنما المراد أن ال يكون قلبك
وال أذنك وعاء لما يأتون به من فضول الكالم فال يصفو القلب من هذيان العالم فكل من اعتزل في بيته وفتح باب قصد
الناس إليه فإنه طالب رئاسة وجاه ،مطرود عن باب هللا تعالى ،والهالك إلى مثل هذا أقرب من شراك نعله ،فاهلل هللا في
تلبيس النفس في هذا المقام.
فإن أكثر الخلق هلكوا فيه فأغلق بابك دون الناس ،وكذلك باب بيتك بينك وبين أهلك واشتغل بذكر هللا بأي نوع شئته من
األذكار وأعالها االسم ،وهو قولك هللا هللا هللا ال تزيد عليه شيئا ،وتحفظ من طوارق الخياالت الفاسدة أن تشغلك عن الذكر
وتحفظ في غذائك واجتهد أن يكون دسمة ولكن من غير حيوان فإنه أحسن واحذر من الشبع ومن الجوع المفرط والزم
طريق اعتدال المزاج فإن المزاج إذا أفرط فيه اليبس أدى إلى خياالت وهذیان طويل فإذا كان الوارد هو الذي يعطي
االنحراف فذلك هو المطلوب.
وتفرق بين الواردات الروحانية الملكية ،والواردات الروحانية النارية الشيطانية مما تجده في نفسك عند انقضاء الوارد.
وذلك أن الوارد إذا كان ملكية فإنه يعقبه برد ولذة ال تجد ألما وال تتغير لك صورة ويترك علما وإذا كان شيطانة فإنه
يعقبه تهریس في االعضاء والم وكرب وحيرة ويترك تخبيطا فتحفظ وال تزال ذاكرة حتى يفزع هللا عن قلبك وهو
المطلوب
واحذر أن تقول ماذا فليكن عقدك عند دخولك إلى خلوتك إذا شاء هللا
"وليس كمثله شيه" فكل ما يتجلى لك من الصور في خلوتك ويقول لك :أنا هللا.
واحفظ صورة ما رأيت وال ُه عنها واشتغل بالذكر دائما ،هذا عقد واحد.
والعقد الثاني :أن ال تطلب منه في خلوتك سواه وال تعلق الهمة بغيره ولو عرض عليك كل ما في الكون فخذه بأدب ،وال
تقف عنده وصمم على طلبك فإنه يبتليك ومهما وقفت مع شيء فاتك وإذا حصلته لم يفتك شيء.
فأول ما يفتح عليك إن أعطاك األمر على الترتيب ما أقوله لك وهو كشفك عالم الحس الغائب عنه فال يحجبك الجدران وال
الظلمات عما يفعله الخلق في بيوتهم إال أنه يجب عليك التحفظ أن تكشف سر أحد عند أحد إذا أطلعك هللا عليه فإن بحت به
وقلت هذا زان وهذا شارب وهذا يغتاب فاتهم نفسك فإن الشيطان قد دخل عليك متحقق باالسم الستار ،وإن جاء ذلك
الشخص فانهه ما بينك وبينه على الستر وأوصه أن يستحي من هللا وال يتعدى حدود هللا وال ُه عن هذا الكشف جهد طاقتك
واشتغل بالذكر.
وأما التفرقة بين الكشف الحسي والخيالي فنبينه وذلك إذا رأيت صورة شخص أو فعل من أفعال الخلق أن تغلق عينيك،
فإن بقي لك الكشف فهو خيالك ،وإن غاب عنك فإن اإلدراك تعلق به في الموضع الذي رأيته فيه.
ثم إذا لهيت عنه واشتغلت بالذكر انتقلت من الكشف الحسي إلى الكشف الخيالي فتنزل عليك المعاني العقلية في الصورة
الحسية وهو تنزل صعب.
فإن علم ما أريد بتلك الصورة ال يعرفه )4إال نبي أو من شاء هللا من الصديقين فال تشتغل
به ،وإن سیقت لك مشروبات فاشرب الماء متلكأ ،وإن لم يكن فيها ماء فاشرب اللبن ...
⚡ رساله األنوار فيما يمنح صاحبـ الخلوة من األسرار ،سيدى محيي الدين ابن عربي .