Professional Documents
Culture Documents
ردمك 978-614-02-1579-5
ب يـة و ــي ة ميــويرية أو ال مرونيــة أو يمنــع ن ـ أو ا ــمعم أ أج جــن مــا هــبا ال مـ
مي ني ية بم فيه الم جيأ الفوموغرافي والم ـجيأ ل ـى أطـرطة أو أصـرار مقـرو أ أو أيـة
و ي ة نطر أخرى بم فيه حفظ المع وم ت ،وا مرج له ما دوا إبا خطـي مـا الن طـر
5
المحتويات
القضية37 .......................................................................
7
"ابم ر األلم" ،صير مضي ل ى المم هة البطرية
محمود الريم وج
17
صوت
20
الشك
24
اال مط ف األوأ:
شغفت به جلاذبيته وملا كان يبديه هلا من عاطفة .وجدت
روحه أقرب إىل روح شاعر .وال ّزال إىل اليوم متفظ لنفسها
ببعض من ّل األشعار اليت كان يراسلها هبا قبل ارّباطهمذا،
وإن وقفت على سرها الحقا.
بعد زواجهما ،ويف ذكرى عيد ميالد قررت أن هتديذه
شيها خمتلفا .وهي ّبحث وقعت على جمموعة شعرية لنزار قباين
عنواهنا " 100رسالة حب" .ال أمجل من الشعر .هكذا قررت.
لكن بدل أن هتد إليه اجملموعة خطرت هلا فكرة .عليهذا أن
ختتار من هذ األشعار قصيدة ّكتبها له خبط يدها .وآمنت أنه
بذل ستصري هديتها أمجل؛ لكنها وهي ّقلب الكتاب بذني
يديها ّنشد قصيدة ّشدها أكثر اكتشفت أن كل األشعار اليت
كان يرسلها زوجها هلا كانت مسروقة من الكتذاب نفسذه.
ودامهها أوخل إحساس باخليبة.
اال مط ف الرابع:
حاولت أن ّداف عن ماضيها يف ظل حاضر ليس فيه من
أحالمها شيها ،وعن وجودها الذ يسري إىل العدم .ما يزعجها
هذا الزو الذ ال يسعى إىل فهمها مرددا كل مذرة :لقذد
أصبحت زوجة .مل ّعود شابة .أنت اآلن أم ..وال يع هذا
إالّ جمموع التزامات جديدة ،كما يع أيضا أن ّتقبل وضعها
وما آلت إليه.
اجلمي يريدها أن ّضحي بأحالمها وآماهلا .يرغب يف أن
ممل صليب اآلالم واألحزان وحدها .أن ّنسذى حقوقهذا
وّكبتها ومتنح ما هلا من حقوق لزوجها وأوالدها .ويف خضم
ذل استغرقتها الوحدة وأعبا البيت ،كمذا بذدأت ّترهذل
وّذو .ومل جتد من ّفسري لفتور عاطفة زوجهذا اجتاههذا،
فغلبتها الوساوس وظنت الظنون مجيعها .م كذل ّضذحياهتا
27
سيظل قادرا على جتاوزها .بذل كانت ّسرخ لنفسها .وبقيت
هذ اجلملة مسمارا يدق رأسها.
م الوقت زادت عصبيتها .ال شي عاد يعجبها .وصذارت
ّغضب وّنفث غضبها يف وجه زوجها ألدىن سبب .جتد يف ذل
ّنفيسا لوحدهتا ولبقائها يف البيت كأ حلَّة مركونة فيه .كمذا
أخذت ّعاّبه كلما ّأخر يف العودة أو بدرت منه رغبة يف السهر
م أصدقائه أو السفر .ومآخذها عليه كثرية ،لكنه كان ينتهي إىل
إنكار كل ما كانت ّنسبه إليه .ومل يكن يراها أكثر من متحاملة
هلا قائمة من التهم جاهزة لكن دون دليل واحد .وأقصذى مذا
كانت ّأمل فيه حينها دليل ،ليس لغرض استغالله حجة ضدخ ،بل
كسبيل يؤكد وساوسها ويثبت هلا أهنا امرأة خمونة وخائبة.
اآلن ،وهي ّستعرض ماضيها شعرت بأهنا هشة ،مل ّعذد
ّقوى على التحمل أكثر ،كانت ّشعر باالختناق وكأن هناك
جدرانا أكثر بشاعة ووطأة من جدران غرفة نومها ّنبت مذن
العدم وّضيق عليها وّدفعها إىل الصراخ والبكا .
ما حياهتا إالَّ وهم استطال حىت حسبته يغنيها .اكتشفت
الحقا أهنا وحيدة وحدة ّنبذها وال ّريدها .وما يذهلها كي
عادت ّتقبل وضعها! ..أليس بقاؤها يف البيت وانتظارها لعودة
الزو ّأكيد على خنوعها؟ مث كي ال ّفكر يف حسم أمرها
من اآلن؟
28
ووجدت نفسها ّفكر يف:
-1أن ّقط عالقتها هنائيا بزوجها وّطالبه بالطالق.
-2أن ّتريث .ماور وّسم منه م خيار حمسوم.
-3أن ّتريث .ماور وّسم منه م خيار مفتوح.
-4أن ّتصرف كأن ال شي حصل.
لكن هل كانت قادرة على احلسم؟
كانت وهي ّتأمل خياراهتا ال ّ ّسأل كي ّتذلص من
ربقة االستكانة واخلنوع؟ حقا ،هي ال ّدر كي يتجذاوز
اإلنسان وضعه .وخصوصا إذا ما وجد نفسه عالقذا يف بهذر
عميقة ومعتمةّ .درك أهنا موَّلت بالتدريج إىل ما هذي عليذه
اآلن ،وإلّم ّعد ّذكر ّل الطريق الطويلة الذيت قطعتذها أو
أجربت على اخلوض فيها .وواضح أن القرار الذ ستنتهي إليه
له عالقة مباشرة مبا أضحت عليه ال مبا كانته أو طمحذت أن
ّصري .إنه ميثلها يف احلاضر ،لكن ما كان ليمثلها قبل اليوم أو
ميثل أحالمها.
يف خضم صراعها ّناهى إليها طرق على الباب .وأدركت
أنه حان وقت عودة أبنائها من مدارسهم .لذل قامت فزعذة
متسح دموعها ،كما أخذت نفسا عميقا وهي ّستعد لتكذون
ّل اليت بات يعرفها اجلمي .حىت أهنا راحت ّعاّب نفسها.
ماذا دهاها لتسعى إىل خراب بيتها؟ ال يهمها إذا مذا كذان
29
زوجها خيوهنا خار البيت ما دام أنه سيعود آخر الليذل إىل
حضنها .عليها أن ّقبل بواقعها على عالّه وإال فإنه لن يستمر.
وما ختشا أن ّنقلب حياهتا رأسا على عقب لتجد نفسها أمام
واق آخر ملي بالتعقيد واملفاجآت.
إهنا وبأ حال ال ّريد أن خيتفي زوجها من حياهتذا إىل
األبد ،ال ّرغب يف أن جتد نفسها ذات يوم على السرير وحيدة
دونه ،ال ّريد أن حيصل هذا .كما أهنا موقنة أهنا ال متا إىل
شذصه لكنها متا إىل حضور .هذا احلضور الذ يع هلا
الكثري يف بيهة لن ّرمحها إذا ما هو غاب مت أ ذريعذة أو
ظرف .وحني سارت إىل الباب ّفتحه كانت متلهفة إىل لقذا
أبنائها وّقبيلهم .كذل شعرت بالشوق إىل زوجها .شذوق
يعزز احتماال واحدا ال غري ،ويلغي مجي االحتماالت األخرى.
30
الحاجز
هنا خيمد الشوق قليال وهتمد الروح على أمل لقا قريب.
ّستكني هواجسه بعدما وطأ أرض الذوطن أخذريا ،وإنّ يف
الصحافة أخبار بلون الشؤم ال ّبشر خبري.
31
خر من املطار يف جو ّكتسحه الربودة والرطوبة .أشعل
سيجارّه األوىل ،مث محل رأسه إىل السما يتأملذها ،وكانذت
ّدف إليه بإحساس خفي يبثه أن احلال لن يلبث كذذل ،وأن
هناك عواص آّية سيكون مسرحها الليل بطوله .واستطاعت
جنمة قطبية اكتشفها معلقة يف السما وحيدة أن ّبدخد بعضا من
خماوف نفسه املثقلة.
استقل سيارة أجرة كان صاحبها صذموّا علذى وجذه
غريب .مل يسأله إالَّ عما اعترب ضروريا .أين يريد أن يذهب؟
أين يريد أن ينزل؟ وحىت عندما بدا مستا ً ملا ذكر له العنوان،
فإنه مل يتأخر يف محل حقيبته والدف هبا إىل صندوق السذيارة
اخللفي.
كان واضحا أنه مشغول مبراقبته م ذل .هذا ما الحظه
عليه طول الطريق .ضبطه ينظر إليه عرب املرآة العاكسة أكثر من
مرخة ،حىت إذا حاول مواجهته كان السائق يرّد ببصر غري قادر
على الثبات.
حاول أن خيمخن ما ورا نظراّه ،لكنه ما لبث أن انشذغل
عنه بتأمل املدينة .راح يتاب ّفاصيلها من خل الزجا كمن
يدعي معرفتهاّ .ستفز الذكريات وهي ّعود إليه ضاجخة فكأهنا
مل ختفت يوما ،وإن ظلت مالحمه جامدة وكذأن ال عاطفذة
ّأسر ،فيبدو ال هو فرح بالعودة وال هو متأسي منها.
32
كان يعتقد أن جيازف بعودّه .وكان ال ي يسأل نفسذه
هل ال زال هناك من يذكر ؟ وهل سيتعرخفون عليه؟ وواضذح
أنه قريبا سيق على أجوبة ألسهلته الكذربى ،والذيت ظذلَّ
يردخدها ما يني عن رالرني سنة ،هي املدة اليت قضاها يف ديار
الغربة.
عاش يف وهم أنه مغضوب عليه .مطارد ومنفي .حىت إذا
جرب العودة جرت األمور بسالسة ودون معوقات .مل يلفت
امسه أحداً .ال شركة الطريان وال شرطة احلدود وكأنه بذات
اليوم جمهوال لدى اجلمي .كما أنخه مل يعرف هل عليه أن حيزن
لذل أم يسعد؟ مث أمل يكن هذا ما يعوَّل عليه من أجل عذودة
ميسورة ومن دون منغصخات؟
كانت الساعة قد جتاوزت منتص الليل عندما ّوقفذت
سيارة األجرة أمام حاجز عسكر للمراقبة يقوم على مشارف
املدينة القدمية .وكان اجلوخ ال يزال بارداً ،وأخذ العسكر ينفخ
يف يديه يدفههما وهو يطالبهما بالورائق .وراقب أوراقه مذدققا
فيها مث ّفحخص وجهه بعناية ،وأردف:
-جيب احلذر .كان هناك إطالق نار قبل قليل..
وهت السائق - :رمبا عليَّ أالَّ أّقدم أكثر.
كفا ما قام به ألجله كزبون .سأله عن أجرّه ،ونقذد
إياها م إكرامية مناسبة مث نزل دون أن ينقم عليه حمترما فيذه
33
خوفه .ونزل السائق يف أرر ليدف له حبقيبته .وبعذدما فعذل
ركب وأقل كمن يهرب.
أشعل حينها سيجارّه الثالثة .وراح حيرقها وهو يتقذدم
باجتا املدينة القدمية .لكن ما إن ّقدم بض خطوات حىت انتبه
لصوت جهور يطالبه بالتوق .كان ذل صوت العسكر
نفسه الذ دقّق يف أوراقه .هذا ما قدَّر .
التفت متوجسا .كذل سيطر عليه الرعب ألوخل مرة وهو
يرى العسكر يتقدم حنو خبطى سريعة وسذالحه باجتاهذه.
ّصلب ووق موّوراً .مل يعرف كي يتصرف .وّسا ل هل
عليه أن يرف يديه دليال على مزيد من االمتثال؟
حني صار بينه وبني العسكر مسافة خطوّني ،طالبه هذا
األخري بأن يرمي سيجارّه .واستجاب دون ّفكذري .رماهذا
يتنصل منها بينما عفسها العسكر بكعذب حذائذه وقذام
يسحقها ،وبعدها خاطبه قائال:
-اآلن ميكن الذهاب..
اآلن أصبح يف األّون .ليس خائفا وإن اعترا التردخد وهو
يطرق دربه القدمي الذ ال يزال على عهد به مضعضعا وّالفا.
ال شي ميوت ،وكل شي يبقى البدا هنذاك يف العمذق
ينتظر فرصته .هذا ما يؤمن به وهذا ما يرا .وهذو وإن ظذلَّ
طول مدخة غربته مشغوال بأن يربخر لنفسه أسباب هجرّه ،فإنذه
34
سيجد نفسه مضطرا -وبعدما عاد -أن يربر لآلخرين أسباب
عودّه.
كانت قد بدأت متطر .ومضذى يف خطذوات متعجلذة
ومرّبكة هذ املرة .وقام يترصد أدىن حركة غادرة ميكنذها أن
ّأّيه من الظلمة اليت ّكتن املكان من حوله .ظلمذة ّشذبه
حكايته الباقية.
35
القضية
44
األعمى مبصراً
55
اِلتباس
65
لبن طازج
72
المرأة التي سقطت من غيمة
ابم ر األلم:
إذن ،مل ّقض خالل حماولتها االنتحار .بقيت حيَّة جتذر
خلفها كل أيام النحس اليت عاشتهاّ .سذتعيدها ذاكرهتذا وال
ّريد أن ّفلتها .وكانت كلما وقفت أمام نفسها عاودهتا ّل
اللحظات مشبعة مبرارة أكرب وأفظ .
ظلت الذكريات جتلدها .ورغم اآلالم اليت كانت ّسببها
هلا فإهنا مل ّكن لتؤد إىل حتفها ،إذ كان ما سيقتلها حقا هو
العيش يف اخليانة .ويف عرفها أن كل يوم ّعيشه بعيدة عمذن
ّفتقد هو خيانة له .مث مل ّبقى وحيدة يف عامل فقدت فيه كل
عزا أو أمل؟
كان قدرها أن ميا متذمة حبب من مل يعد موجودا بيننا
بعدما انصرف إىل حيث ال ّدر ،وغلَّق األبواب خلفه ظانذا
أهنا لن ّلحق به .إالّ أهنا وم فائض احلب الذ ّغذرق فيذه
قررت العبور إليه .أ نعم ،لطاملا نازعها التفكري يف خالقهذا،
73
لكن ما اإلنسان إذا مل يكن جمموع زالّه؟ وما العمذر إذا مل
يكن حبماقاّه؟ ويف عجلة من أمرها قطعت شرايني سذاعدها
األيسر مبدية حادة؛ لكن احلظ الذ يبالغ يف لؤمه معها أىب أن
يناوهلا مرة أخرى ما ّريد .وهي رهينة وضعها اجلديد مل يسعها
غري االستسالم .ليس كمذر ّرا ،بل كوقوع يف حالة ّع
فيما ّعنيه فقدان الرغبة يف العيش.
لطف ل ى القطيع:
ال يكاد باب غرفتها يغلق لكثرة الوافذدات والزائذرات.
حيضرن لعيادهتا واالطمهنان على حاهلا .ينحشرن وسط غرفذة
ضيقة معتمة مكتظة بأراث قدمي ّكدست فوقه أفرشة من كل
حجم ولون .يدخلن أوَّل ما يدخلن جزعات متعاطفات مث ال
75
ميضي وقت كثري حىت جتدهن وقد أخذن يف الثرررة ككذورس
يلعل يف نشاز .يُطلقن العنان جلهورة أصواهتن معتدين علذى
سالمة املريضة .خيضن يف أحاديث جانبية وّسذقطط أخبذار
بعضهن البعض.
يتجاوزن مأساهتا ويقفزن على جرحها ،حذىت إذا عذدن
ّعجنب إلقدامها على االنتحار .يغفلن عن دوافعها ويتغافلن عمذا
فعله زبانية الظالم يف حقها وحق زوجها .أكثر من ذل يتمادين.
يقاضينها فقط ألهنا أحبخت ودافعت عن حبها جهارا .غري مقبول
هذا يف عرفهن .يتشفّني هذ املرة مت هن ضغينة ال يعلم أحد من
أين رضعنها .أصابتهن بدورهن اللورة بعدما عمخ الوبا واستفحل.
ولو كان األمر بيدهن لشحذن السكاكني بدورهن.
هل كانت ّسمعهن؟ ال يبالني لذل .فمىت انطلقذن ال
ميكن لشي أن يُلجمهن .ها هو احلقد يركّب لسانا وينطذق
لهله .وها هنخ يتسا لن من أين هلذا بكذلّ هذذا اجلمذوح
والعصيان؟ مث ال يلبثن أن يرين فيه ّنمخرا وهتوخرا ال يليق بأنثى،
بل هو احنراف خطري ليس فيه من الشرف شي .
هتمس إحداهنخ وهي هتزخ عجيزهتا الضخذذمة ،مذاول أن
ّثبت على وض مناسب .لقد ارّكبت خطيهةّ .وافقها بذاقي
النخسوة؛ بينما ّستعجب أخرى .ما يُحيخرين ،من أين حازت كل
ّل القدرة؟ ّلتفت إليها رالثة بعدما سا ها مذا مسعذت .ال
76
يغرن األمر .إنخه اجلنب يا عزيزيت وعدم الثقة باهلل .سريعا ّعود
صاحبتها فتوافقها وهي ُّمعن يف هزخ رأسهاّ .زعذق عجذوز
فقدت كل أسناهنا .ما فعله أخوها يشرفه .داف عن عرضذه
بعدما مل يستط ّرويضها .وَّعجب شابخة ألمرهن .ولعلها ملم
باحلب أيضا .لكننا مل نسم عنها ما يعيب ،كما أهنا مل ّفعل
ما يشني .فقط أحبخت وّزوخجت مبن أحبت! ّستحي أم الشابخة
جلسارة ابنتها وجرأهتا وسط احلاضذرات .هتتذ ّسترضذي
اجلوقة .ماذا ّعرفني أنت؟ إهنا جمرخد فتاة عابثة .ولقذد رأوهذا
ّستحم م األوالد يف (القلتا) .يا أمي كان ذل ملا كذان يف
عمرها ست سنوات .أنا نفسي مسعت هذ القصخة من أكثذر
من مرة .وّعود األم فتقرص الشابة يف فذذها ّدعوها بذذل
إىل الصخمت .وّردف بصوت ّريد أن يسود .لكن من غريها
خيالط الذكور؟ يكفي أهنا ّعمل ممرضة يف مستشفى غيفذارا..
حينها ُّلجم الشابة ،وّكتفي هبز كتفيها استهانة ،وبينها وبذني
نفسها ّردد .أ قطي هذا؟!
م أوحت به الغيمة:
ما زال لنا يف احلياة بقية ،وما زال لنا يف الغد حظ .العبارة
األررية لدى أمهاّ .ردخدها مبناسبة ومن غري مناسذبةّ .نطقهذا
بإميان عميق ال يتسلّل إليه ش .كما جتدها جتتهد يف العمل هبا
77
فتراها ّندف يف كل اجتا عنادا منها يف بعث احلياة يف ابنتذها،
حىت أنخها أحضرت مرة أحد الشيوخ إىل البيت .قالت عنه إنه
أحد املرابطني .كلّفها كثريا لكن كلّ شي يهذون يف سذبيل
غاليتها.
أجرى الشيخ معموله .ويف صباح الغد كانت الفتاة قذد
وطأت األرض بقدميها املتحجخرّني .وجدت نفسذها ّنذدف
خار الفراش بعدما دامهها دوخار خفي وغثيان كادت بسببه
أن ّطرح كل أمعائها.
استجمعت قواها واستندت على اجلدار َّصلبُ جِدعها.
مث حاولت املشي وراحت جتر رجليها وبدت أشبه بصبذذي
صغري حياول أن خيطو خطواّه األوىل.
جاهدت لتذر من حدود غرفتها أو الصندوق الذذ
حشرت فيه .وكادت ّق وهي ّعرب اجملاز .وعندما خرجت إىل
احلوش كان املاضي قد انزلق خل ظهرها .وجدت نفسذها
ّغمض عينيها وهي ّواجه دفق النور .ومل ّستط أن ّقذاوم
إغرا اإلبصار ،فأصرخت جاهدة على فتحهما ومقاومة العمى.
حينها كانت كمن يُطل على هذا العامل عرب حلم خضر أو من
فردوس مساو .
كانت الشمس فاّرة ،لكن أشعتها نافذة حىت أهنا شعرت
هبا ختترق كل مسامات جلدها .جتاوزت شذعورها بالذدوخار
78
والغثيانّ .نفست وعبَّت مل رئتيها هوا منعشا حيا .وغذري
الشمس والنور واهلوا كانت هناك أمها ّربض وسط احلذوش
جتلس القرفصا أمام صينية القهوة .ما إن رأت ابنتذها حذىت
جتاوزت مرضها وأالم املفاصل الذ ّعاين منه ،وقامت دهشة
ّطفر الدموع من عينيها.
غري قادرة على متال نفسها خطت باجتا ابنتها ّأخذذها
يف أحضاهنا..
-احلمد هلل أن عدت إىل احلياة أخريا.
غالبت االبنة حزهنا ،وحاولت االبتسام ما قدرت.
-يا أمي لسوف ينتهي كل هذا ،ويبدأ زمن هؤال !
قالت ذل ،بينما هي ّض يدها على بطنذها .كانذت
وكأهنا ّشري إىل شي ما .ورمبا إىل مضغة راحت ّتشكّل هناك
يف أعماقها.
79
موعد خارج اإلطار
86
ب ظِلِّه
صَاحِ ُ
-1-
استيقظ من نومه مثقال كمن كان يؤد سذرة .انتبه إىل
من لانبه فتذكر ليلة البارحة .ملا حملها أشار إليهذا .وعنذدما
اقتربت منه عزف عنها وّأفّ ،مث قَبِل هبا مرغما جزعا بالقدر
نفسه الذ مل يكن يسمح له بقضا ليله وحيداً.
مرك إىل احلمام ،وهناك حاول أن يغتسل ليتذف مذن
ّعب حيسه لكنه وجد احلنفية مضربة كالعادة .اكتفى بتأمذل
حالته يف املرآة .وعلى صفحتها ألفى صورة شاحبة ال لون هلا.
عاد إىل غرفة نومه ،وفتح النور .حينها استيقظت الفتذاة.
ّأملها مليخا وّأس .كانت البارحة ّشبه ظلمته وها هي اآلن
جتسد مأساّه كاملة.
لفَّت بصرها ّتعرف على املكان من حوهلذا ،وكانذت
وكأهنا ّكتشفه ألول مرة .سألته عن الكتب املنتشرة بعبذث
وفوضى يف غرفة نومه .وأخربها أهنا متعلقة بعمله .قالت إهنذا
87
متا إىل من يهتم هبا ،فهي هنا عرضة للغبار والتل أكثر من
أ شي آخر .وّعجب لتدخلها فيما ال يعنيها ،وامتعض منها
وبدأ يشعر بالتوّر.
عليهَ أن يتذلص من الفتاة سريعا..
أخربها أنه ّأخر عن موعد عمله ،وهو بصدد اخلذرو
حاالَ .فتحركت ألول مرة ،وهي ّسأله هل ميكنها أن ّعذود
هذا املسا أيضا .م خر لكنه وجد خمرجاً مناسبا .قذال إنذه
مضطر للسفر يف رحلة عمل ،ولن يعود قبل هناية األسبوع.
كان جو الغرفة مشبعا بالرطوبة والعفن .وبادرت الفتذاة
أوَّل ما قامت إىل فتح النافذة ،لكنها انتبهت إليذه يزجرهذا
ويصدها ويق حائال دون وصوهلا إليها.
استغربت واستهجنت ّصرفه فيما هي ّعذود إىل مكاهنذا
مذعنة .قالت إهنا ّريد هوا ً نقيا بدل هوا الغرفة اخلانق! وراحت
ّرّد رياهبا على مهل .حينها فقط عاد إليه هدو .ومن مكانه
ذاك مل يفته أن يطلّ عرب خصاص النافذة إىل اخلار .
وجد ُ هناك ينتظر وقد أبكر كعادّه .كان ظِلّه يقذ
مستندا إىل عمود اإلنارة ومشغوال بتصفح جريدة حيملها معه.
وحاول أن يبتسم بعدما عربّه فكرة خبيثة .ماذا لو يعقد معذه
صلحا؟ ..يدعو إىل شقته ومينحه الفرصة يف أن يقلِّب الفتذاة
اليت معه!
88
-2-
انطلقا معًا ،وعلى السلم جتاوزها ينكرها .وخار العمارة
غمر ضو الصباح فمدَّ يد أمامه ينشد مزيدا من العتمة ،وإن
راحت عينا جتوسان حميطه وّستطلعان مكان صاحبه .ووجد
يطو جريدّه ويستعد للحاق به.
مل ّكن مقهى "السعادة" بعيدة عن مقر سذكنا .عذرخ
عليها كعادّه كل صباح .جلس يف مكان قصي وطلب قهوّه
وهو يلمح بنص عني ظلّه يركن إىل طاولة لوار ،مث وهذو
يقدم طلباّه كأ زبون عاد .
ّصوخر أنه ال يزال أمامه متس من الوقت .فتح حمفظتذه
واستذر منها ورقة وقلما .فكرخ قليال ،مث سطر عنوانا كذبريا
جعله يتوسط الورقة" .الرجل العصر " .وما سوَّد الحقا كان
مقاال يف املوضة ،راح يص فيه أحسن األزيا اليت ينبغي على
املر أن يرّديها يف هذا الفصل .وخلُصَ أنّ أحسنها ما كذان
بلون رماد ،فهو برأيه لون "ال متحزب".
انتهى من قهوّه ومن كتابة مقاله ،وقرخر أنه حان الوقذت
ليتوجه إىل مقر جريدة "املَشرق" أين يعمل .وحني كان ينقذد
النادل احلساب خطرت له فكرة أن يدف مثن القهوة اليت شرهبا
صاحبه أيضا .وهذا ما فعله.
استقل ّاكسي .ويف داخل السيارة ضح حىت أربذ
89
السائق .كان يستعيد البلبلة اليت أوق فيها ظلّه الذذ ّسذمر
مكانه متعجبا مستغربا ّصرفه .ألوخل مرة يتس له أن يفلذت
منه ،لكنه كان على يقني أنه سيجد وقد سبقه إىل مقر اجلريدة
ما دام على علم بكل خططه وطرق سري .
-3-
أمام مدخل اجلريدة سأله أحد املارين عن الوقت فاكتش
أنه فق َد ساعة يد .كانت التذكار الوحيد الذ يربطه بوالد .
حزن لضياعها ،مث قرخر أال يهتم .إذ ال جيب أن يتوق الذزمن
عندها .ويف الداخل حيَّا بعضهم لكنه مل يهتم بالردِّ على أحد.
ويف مكتبه هتال على كرسيه ضجرا ،وّسا ل عذن الوقذت
وكي له أن ينقضي.
دخل عليه مكتبه صحفي متمرن أّا مبقال ملس فيه أوَّل ما
وض يد عليه ميله للون األبيض .أنكر عليه وطالبه بإعذادة
صياغته مبا يتوافق وسياسة اجلريدة .مث إنه ال يريد أخبارا مرجه
أمام صاحبه.
انصرف الصحفي مث عاد بعد ساعةّ .أمل ما أجنز ،وكان
واضحا أن ما كتبه هذ املرخة مييل إىل اللون األسود .سأله ملاذا
يصر على وج الرأس .ومزق املقال أمامه وهو خيرب أنه أبذدا
لن يكون صحفيا ناجحا ما دام يفكر ويكتب هبذذا الشذكل
90
املري .وكان صوّه منفعال وحادا حىت أنه شعر بالضغط يعود
إليه.
رنَّ هاّفه اخللو .وانتشله من كدر رفيقه حكيم وهذو
يدعو للسهر عند الليلة يف شقته .رحب بدعوّذه واعتربهذا
فرصة مناسبة سيتس له فيها أن يفر عن مهِّه ومذا يذنغص
عليه.
-4-
كان كل شي معدا الستقبال الذزوار .وعقذد جملذس
الشراب واحلشيش .هاجت الرؤوس وماجت حذىت أدركهذا
التعب والفتور .وشَذصَ ببصر حنو السذق ليكشذ لذه
الدخان املتصاعد واملتراكم عن شبح له مالمح ظلّذه فعجذب
كي أمكنه أن يلحق به وهو يف عزِّ غيبوبته .وحىت يهرب منه
طالبهم بأن يسطلو رانية.
قدموا إليه سيجارة جديدة عبَّ منها نفسا طويال ،وكاد
خيتنق .الحقا ّصوَّر نفسه مارداً جباراً يأسر العامل وحيتجذز
داخل علبة كربيت .راقته الفكرة فشطح خبياله .استلّ عذودا
أشعله مث عاد فأودعه العلبة ،وراح يستمت بالعامل وهو حيترق.
استسلموا لعادة الكالم فتحدروا بال انفعال يف كل شذي
وال شي .ووجد نفسه يديل بدلو يف احلديث .قال خياطذب
91
حكيم .." :وال سبيل للعظمة ل اليوم إال إذا ّوِّجت قذاّال.
ّارة باسم الدين وّارة أخرى باسم السياسة؛ وأما إذا رُمت أن
ّكون من الفرقة الناجية فليس علي إالَّ أن ُّغذري جنسذ
وّقلبَ شاذا ."..وضج اجمللس بالضح ،مث حل صمت مطبق
كالعدم ،أعقبه طنني ذُبابة حاولت أن متل وجهه كرهذاً ،مث
صوت سيارة مزجمرة أخذت ّعرب الشارع يف جنون.
-5-
أزف موعد عودّه إىل مسكنه ،فأعلن عن رغبته يف املغادرة.
أبدت الشلَّة استيا ها وّرجته أن يبقى ويبيت بينهم ،لكنه مجخج
واختلق أل عذر لينصرف .ويف اخلار ّلقفته ظلمة موحشذة
جعلته يندم على ّسرعه؛ وودَّ لو عاد على أعقابه.
سار شاعرا بضع ووهن ،وحذاول مذا اسذتطاع أن
يستأنس بظلّه وإن كان ال يرا ،إذ يكفي أنه هو يرا .
من زقاق جانبذي طل عليه أشرار .طالبو مبذا حيمذل
فحاول املماطلة .وإن كان قد ذهل وجزع فلمنذاورهتم لذه
ولشعور بأنه بوغت .وأما اخلوف فلم يأسر قلبه إال الحقذا
وحني ّأخر صاحبه يف الظهور.
وربوا عليه ،وحاول التذلص منهم فانقلب ما بينذهم إىل
معركة حقيقية كان أمر اخلاسر فيها حمسوما سلفاً .شذرع يف
92
الصراخ وهم يكيلون إليه ضربات قاسية وموجعة ،مث أحذس
حبركة غادرة ومِدية ختترق جنبه األيسر .وأخذ ينزف بينما هم
يقلِّبونه قبل أن ينطلقوا هاربني.
-6-
جاهد يكبت أمله فيما راحت دماؤ ّسيح وّغطي األرض
حوله.
كان يتنفس بصعوبة .وما من حكمة ميكنها أن ّلط ما
بات حيدسه .ويف انتظار ذل الذ قد يأيت وال يذأيت حمنذة
أخرى .وطال انتظار حىت غشا اليأس فغاب عن الوعي.
الحقاً استفاق على شبح يق عليه .شذص مظلم وبال
مالمح قام يغطي له وجهه لريدة كان حيملها معذه .مث إنذه
انصرف عنه يتجاوز خبطى وئيدة..
93
الفحل الذي أكل قلبه
يف غرفته ،يف فندق "هيلتون" -أين كان مدعواً -بدا غري
مهتم بالفتاة اليت اصطحبها معه للوسه إىل طاولة املكتب .كان
مرّديًا "يت شارت" رماد كتبت عليه عبذارة "إىل األبذد"
باالجنليزية ،و"شورت" داخلي مبربعات صغرية بيضا وسودا ،
كما كان ينتعل خفا منزليا ب اللون ،ويض نظارة رؤية مقعرة
لتقريب النظر ،فيما هو مشغول بالكتابة مباشرة على حاسوب
حممول مفتوح أمامه.
كأس الويسكي على جانب يد الذيم يرّشذ منذه
رشفات يبلل هبا شفتيه يف الغالب .يعترف أنذه ال ملذو لذه
الكتابة والسهر إالَّ م الشرب خصوصا إذا كان املشروب من
النوع املمتاز وهدية من اجلهة صاحبة الدعوة .كذل فكذرة
السيجارة يف يد مفز على الكتابة .اعتذاد التذدخني قبذل
مذيرات الطبيب وإصابته بتصلب يف الشرايني التاجيذة .اآلن
وألنه ّآل معها يكتفي هبا مطفأة يشغل هبا يد ملتمسا ّل
95
احلالة النفسية اليت ّتيحها له .وكان إذا ما شعر بالضغط ووجد
نفسه جمرباً أشعلها وشدَّ منها نفسا أو نفسني ليقوم بعد ذلذ
بسحقها يف املنفضة.
لوهلة اعتقد أن ما سوَّد إىل اآلن جيد ويستحق العنذا ،
لكن وهو يعيد قرا ّه متأنيا اعترا بعض القلق وشعر وكأنذه
ينقصه شي .ملسه فاّرا ال ميكن أن يَعلَق منه شي يف الذاكرة.
فهو يشبه يوما عاديا ال حدث فيه مهم ،وهكذا ال بد أن يُنسى
يف غمرة يوم جديد .وحاول بغريزّه -وكمذا اعتذاد -أن
يتعرخف على وجه اخللل فيه.
كان كاّبا أصابته الشهرة مؤخرا وهو يف هنايذة العقذد
اخلامس من عمر .فازت روايته "كورر أقل" لذائزة دوليذة
وّرمجت ألكثر من لغة عاملية ،وأما جمموعته القصصية "أقحوان
لكل األوقات" فالقت رواجا وإقباال كبريا .كما مظى اليذوم
مقاالّه وكتاباّه باهتمام واس من لدن وسائل اإلعالم.
ما يشعر به ليس لديد عليه .فلطاملا ألفه بطبعه املتشك ،
والعتقاد أن اكتمال أ نص يبدأ بعدم الرضا عنه منذ ساعة
الوالدة ،وإن كان ما يُغذ وساوسه ويذكيها وجيعلها أكثذر
حدخة هذ املرة شعور بأن الوقت يدامهه .عليه أن ينتهي مذن
كتابة قصة جديدة وأخرية يدف هبا إىل النشر قبل الغد يف التزام
هو جز من عقد مدفوع األجر أبرمه م جملة "إبداع" الثقافية
96
ويقتضي منه ّقدمي عشر قصص قصرية ،قصة كل شهر.
راح يبذل جهد من جديد ،وحاول ما استطاع أن يسترسل
أكثر .فكرخ أيضا يف عنوان مناسب ملا يكتبه ،لكن مل ّسعفه قرحيته
بأ شي .واضح أن هناك معاناة أخرى يف األفق .وهو وحبكذم
جتربته على معرفة واضحة مبا سيحدث .أحيانا حيضر العنوان أوال
ومنه يتمذض النص ،ويف مرات عديدة يولد العنوان يف خضذم
النص وخالل الكتابة أو يظهر م هنايتها .كما حيصل أن يتيه عنه
مرات ويعدو يالحقه دون جدوى.
وحاول جتاوز شعور بأنه حماصر .مؤكذدا لنفسذه أن
العنوان سيحضر يف أ حلظة .عليه أالَّ خيشى شيها .والتفذت
صوب الفتاة اليت ّقامسه الغرفة ،حىت إذا فعذل كذان كمذن
يكتشفها ألول مرة .ابتسم هلا وشعخت عينا بربيق عجيذب.
واكتسح مالحمه وهج غطى على كل ّعبه وكدر .
اجنذب إليها .وال ميكن ادعا أن ما حصل كان بسذبب
سحر الفتاة ما دام أهنا برفقته منذ البداية .وإمنا حصل األمذر
بفعل رغبته ،وعندما شا أن حيرخرها أخريا من عقاهلا .هكذذا
كان يفعل .يكبحها ويطلقها مىت أراد .وهو إذا كان يذتحكم
هبا ف ن هناك دائما بيض وافر يف سلته.
فرك يديه كمقبل على وليمة دمسة .ودون مماطلة قام يقفز
إىل السرير لانبها .حينها مالت الفتاة حنو ،وراحت ّسذتقبله
97
بقبلة طازجة ظلت متفظ له هبا مذ جلس إىل املكتب وحاسوبه
مشغوال عنها.
قبل ذل كانت الفتاة ال ّفتأ ّنتظر ضجرة .ولتجذاوز
مللها وضيقها وحرجها انشغلت هباّفها وراحت ّتصفح مواق
التواصل االجتماعي .كانت ّفهم أنه مذا دام علذى مكتبذه
ومستغرقا يف أوراقه فعليها أال ّقلقهّ .درك خصوصية املبدع يف
هذ احلالةّ .ل اخلصوصية اليت لن يرضى أن ينتهكها أحذد.
هو هناك ككلب حدخد حيز ببوله ،حىت إذا عمد إىل جتذاوز
ّل احلدود أيخًا كان ناله ما ال يرضا .
أما اآلن ،وبعدما بات على السرير وإىل جانبها ،فقد سذألته
هل ّقرأ له شعرا كتبته حديثا .نظر إليها .وإن أدركت مغذزى
نظرّه فإهنا مل ّكن مستعدة لتستسلم هذ املرة .إهنا فرصتها الذيت
لن ّتكرر يف أن ّفتح معه املوضوع الذ يظل يشذغلها .ولذن
يُرضيها إال أن ّقبض منه شيها ذا بال .وسألته خماطرة بإقالقه:
-ولكن مىت ستكتب يل ّل املقدمة؟ الناشر يستعجل ..
شُدت عضالّه كمن أصيب بلسعة حارقة .وقال هلا وهو
حياول أن خيفي انزعاجه:
-ليس الليلة بكل ّأكيد.
وأبدت ّفهمها وإن كانت حذرة جتس كلماّه لتعذرف
مىت متدخ احلبل ومىت ّشدخ .
98
-أفهم .وأنا ال أطلب من أن ّفعل هذا الليلة .أريذدك
أن ّقوم به مىت سنح ل الوقت.
-حسنا ،اّفقنا .سأرى ما ميكن عمله يف أقرب فرصة.
كان هاّفها ال يزال يف يدها ،فأسقطته على الطاولة الليلية
مستعدة لالستسالم له كليا.
-ما رأي يف اجملموعة؟ هل حقا راقت ؟
-أكيد .سبق وأخربّ بذل .
-هل ميكن أن ختربين ما الذ راق فيها أكثر؟
ّ -بدين مستعجلة ،وأفضخل أن ّنتظر ّقدميي..
-هل أزعج ؟
-أبدا.
-حسنا ،هل ستنام اآلن؟
-يف حضن طبعا..
مل ّكن شهوانية وال رخيصة وال دنيهة وال بريهة .كانذت
امرأة ّرغب يف النجاح بقوة ال غري .صحيح أهنا حديثة السذن
قياسا به ،وم ذل فإهنا كانت ّستعدخ إلطذالق جمموعتذها
القصصية األوىل" :قلب عجول".
كذل كانت على قدر من األنورة واجلمذال .وكانذت
مسن استغالل ما متلكه مبا يكفل هلا التقدخم يف حقذل األدب
املزروع باأللغام .كانت معروفة يف الوسط األدبذذي ،وهلذا
99
نصوص منشورة يف جرائد وجمالت خمتلفة ،كما كانت ّظهذر
يف وسائل اإلعالم أكثر من الكاّب نفسه مستندة على شذبكة
من العالقات مريبة .وهي إذ ّقضي سهرهتا معه هنذا ف هنذا
صديقته وّريد أن جتازيه على وعد بكتابة ّقدمي جملموعتذها
األوىل معتربة ذل ضريبة مقبولة ومقايضة عادلة ،ما دام أنذه
سيعبخد الطريق أمامها وجيعلها ال حمالة ّتقدم خطوات مهمذة
وعمالقة .أما هو فقد كان بطبيعته املنفلتة والدوجنوانية يشذعر
باالجنذاب حنوها ،على أنّ هذا االجنذاب كان يشعر به حنو كل
النسا اجلميالت .يق مت سطوة فتنتهن ،لكن ليس بذنفس
السرعة اليت كن ينجذبن هبا إليه .فهو يف نظر كثريات جنذم،
وأن حيظني به حلم بالنسبة إليهن .مث من سيثبت العكس؟ من
سيقول أن أوخل نص إبداعي مل يكن ألجل إغوا امرأة؟ بَرَكة
الكتابة ونعمتها الوحيدة النسا .وهو مىت وق أمام أنثى فقدَ
زمام نفسه ومل يعد يكبحه شي .يندف ّقود غريزّه ،وحيرص
خالل ذل أال يتورط قلبه الذ أكله منذ زمن وني .هذا يف
صاحله .ال يرغب يف أن يتعلق بإحداهن ألنه مىت حصل ذلذ
وجد نفسه أمام التزامات هو يف غ عنها .ما يهمه اللحظذة.
وهي وحدها ما يشكّل متعته حىت إذا جتاوزها انتفى كل شي
طرديا .يكفيه ما يتحمله من أعبا .ال يزعجه أيضا أن ّكذون
الفتاة وكما يشاع عنها عشيقة اجلمي ما دامت هنذا ومعذه
100
الليلة .غدا ستكون هناك أخرى .وّبقى الوعود اليت أطلقها هلا
جمرد ّعلَّة ،كما ميكن اعتبارها كالما سينتهي عند التسوي .
أخذت أصاب الفتاة ّتلمس صدر وّبعث فيه بإشذارات
حمفزةّ .ستثري لتستيقظ فيه شهوة فاحشة هوجا جارفة مثذل
اإلعصار .وم ذل ال ميكنه أن ينسى حذر .ال يريد أن يبدو
مبتذال ،شهوانيا وداعرا .عليه أن يدار شبقه غري مقتن بدور
الصيخاد .معه غالبا املرأة هي من يتوددّ .تجاوز بذل شعورها
باإلمهال ،ويف احلني نفسه يقوم هو بدور الترضذية يف ّبذادل
صريح ومعكوس ل دوار .هذا جز من لعبته املفضلة .كذل
يف العادة يظلّ يقظا شاعرا بكل رانية متر .أن يعيش اللحظة ال
يع أن يضي يف الذهول وينفصل عن واقعه .ال ضري أن يكون
حاضرا نص نص ،ضائعا نص نص .ففي النص مذا
جيعله راضيا ،ليس لكونه قنوعا بل ألنه جبان جبنا يغلّفه دائما
حني يسميه ّعقال.
يسحبها إليه أخريا لتكتمل صورة الفحل لديذه .الفحذل
الذ أكل قلبه .هكذا يرى نفسه .كما يصلح ما يرا عنوانذا
لقصته أيضا .يبدو مقبوال وحيمل اجملازات املطلوبة .اآلن ميكنه
أن يقول إنه انتهى من ّسويد قصته األخرية ومرخر من التزامذه
حنو اجمللة اليت ّستكتبه.
101
: ل موايأ مع ال م
mohammeddjafar@hotmail.fr