You are on page 1of 2

‫شعرية شريط الصوت في الفيلم السينمائي‬

‫‪/eyeoncinema.net‬شعرية‪-‬شريط‪-‬الصوت‪-‬في‪-‬الفيلم‪-‬السينمائي‪/‬‬

‫إن األصوات التي تحيط بنا ال تثير آذاننا وحسب ولكنها تجعل كل أجسادنا تتحرك وترتج‪ .‬الصوت هو اهتزاز أو تردد آلي‬
‫ينتشر على شكل موجات‪ ،‬وكلما ارتفعت ترددات هذه الموجات كلما صارت أشكالها أكثر تعقيدا‪ .‬إن الموجات موجودة في كل‬
‫السوائل‪ ،‬وبما أن أجسامنا تحتوي على سبعين في المائة من الماء‪ ،‬فهي تتفاعل بسرعة فائقة مع كل االهتزازات والذبذبات‬
‫والتموجات الصوتية الذي تجتاحنا‪ .‬يمكن‪  ‬لهذه الموجات‪ ،‬موسيقى كانت أو أغاني أو ضجيجا‪ ،‬حسب قوتها وسرعة إيقاعها‬
‫وحسب أيضا طبيعة عالقتها مع موجات الدماغ أن تصل بالجسد إلى أقصى‬

‫‪ ‬حاالته كاإلغماء أو النشوة مثال‪.‬‬

‫‪ ‬والصوت هو أحد عناصر البناء الهندسي الذي يتأسس عليه الفيلم‪ .‬نتحدث عن الصوت هنا بكل عناصره‪ :‬الكالم أو الحوار‪،‬‬
‫والموسيقى‪  ،‬والضجيج أو ما يسمى في لغة السينما بالمؤثرات الصوتية‪ ،‬ثم العنصر األخير الذي ال يقل أهمية عن باقي العناصر‬
‫أي الصمت‪.‬‬

‫الكالم هو أحد أجنحة الصمت كما قال بابلو نيرودا‪ .‬والكالم ليس مجرد جمل تلفظ‪ ،‬ولكنه سرد ودراماتورجيا وإيقاع وموسقة‪.‬‬
‫فهو يكشف عن الحالة النفسية والعاطفية للشخصية‪ .‬وكلما قل الكالم كلما تحرر الجسد وأصبح قادرعلى التعبير‪.‬‬

‫أما الضجيج فهو أساسي في الحكي‪ ،‬إذ ال يقتصر دوره في تأثيت الفضاء أو إضفاء واقعية على األحداث‪ ،‬بل هو عنصر أساسي‬
‫في الكتابة الشعرية والجمالية للصوت‪ .‬إنه موسيقى قائمة الذات‪ .‬والمخرج الذكي هو من ال يتوخى من توظيف الصوت‪ ،‬من‬
‫أجل التفسير والتوضيح‪ ،‬ولكن لخلق فضاءات حساسة قادرة على التأثير في كل الجسد‪ .‬‬

‫‪ ‬يذكرنا روبير بريسون بأن السيمنا الناطقة هي من خلق الصمت‪ .‬الصمت‪  ‬ليس معناه عدم وجود الصوت‪ ،‬ولكنه درجة من‬
‫درجات إدراكنا للزمن‪ .‬إنه لحظة و فاصل زمني بين حركتين يجعلنا نتأمل ذواتنا وأصواتنا الداخلية والضجيج الخارجي المحيط‬
‫بنا‪ .‬ال يوجد شيء إسمه الصمت المطلق‪ .‬حتى في أقصى الحاالت التي نعتقد فيها أننا ال نسمع شيئا‪ ،‬فإننا نسمع على األقل‬
‫ذبذبات صوتية‪ .‬وحتى نستوعب األمر جيدا‪ ،‬ال بأس أن نذكر هنا بالتجربتين اللتين قام بهما جون كيج‪ ،‬وهو أحد المؤلفين‬
‫الموسيقيين الطالئعيين األمريكيين‪ .‬دخل كيج سنة ‪ 1940‬إلى غرفة عازلة للصوت بجامعة هارفارد‪ ،‬وبعد أن أمضى فيها دقائق‬

‫‪1/2‬‬
‫عدة‪ ،‬اعتقد أنه لن يسمع صوتا‪ .‬وعند خروجه من الغرفة كتب فيما بعد أنه رغم هذا الصمت الذي اعتقده مطلقا‪ ،‬فإنه سمع‬
‫صوتين‪ :‬الصوت األول حاد والثاني غليظ‪ .‬وعندما تحدث إلى مهندس الصوت المسؤول عن الغرفة العازلة‪ ،‬أبلغه أن الصوت‬
‫الحاد الذي سمعه هو ناتج عن نشاط جهازه العصبي‪ ،‬أما الصوت الغليظ فهو صادر عن سريان الدم في عروقه‪.‬‬

‫أما التجربة الثانية‪  ‬فقد كانت عبارة عن مقطوعة موسيقية ألفها جون كيج في ثالث حركات‪ .‬اختزل كل حركة بكلمة “يصمت”‬
‫مكتوبة على ورقة موسيقية بيضاء خالية من كل نوتة‪  .‬أما المقطوعة كاملة فقد عنونها ‪ ‬ب “‪ 4‬دقائق و‪ 33‬ثانية” وهي المدة‬
‫الحقيقية التي استغرقها العرض‪ .‬أدى هذه المقطوعة الصامته الفنان دافيد تيدور سنة ‪ .1952‬بدأ الحركة األولى بإغالق غطاء‬
‫البيانو وبعد مرور وقت قصير فتح الغطاء معلنا عن نهاية الحركة‪ .‬تكرر األمر ثالث مرات‪ ،‬وفي النهاية قام من مكانه وحيى‬
‫الجمهورالحاضر‪ .‬كان الهدف من هذه التجربة “الصامتة” هو دفع الجمهور الحاضر إلى التركيز ليسمع موسيقى الحياة‪ ،‬أي كل‬
‫الضجيج المنبعث من حوله والذي ال يوليه عادة أية أهمية‪ .‬فالموسيقى ال ترتبط فقط بالنغم أو بالنوتات المنبعتة من اآلالت‬
‫الموسيقية‪ ،‬ولكن أيضا من ذلك الضجيج أو الفوضى الصوتية‪ .‬أما الصمت فهو ذلك الضجيج الذي ال نرغب سماعه‪ .‬الصمت‪،‬‬
‫بالنسبة لجون كيج‪ ،‬نوتة حقيقية مفتوحة على كل المصادفات (كل األصوات المنبعة من المحيط)‪.‬‬

‫فيما يخص الموسيقى‪ ،‬أفضل شخصيا تلك الموسيقى التي تؤلف خصيصا للفيلم‪ ،‬ألنها جزء أساسي من بنية الفيلم‪ .‬فالموسيقى هي‬
‫من يعطي إيقاعا وانسجاما للفيلم‪ .‬وبما أن في دواخل كل منا إيقاعه الخاص‪ ،‬فإن الموسيقى تصبح فعالة إذا وظفت‪  ‬وانعكاس‬
‫وامتداد لدواخل وأحاسيس الشخصيات‪ ،‬ومؤثرة إذا خاطبت دواخل المتفرج‪  ‬وحررت طاقته الكامنة في جسمه‪ ،‬وتسامت به إلى‬
‫عوالم أخرى‪ ،‬ال أن‪  ‬تدغدغ عواطفه‪.‬‬

‫تصبح الموسيقى أيضا مميزة حين توحي بأشياء ال تقولها الصورة‪ .‬وحين تعاكس الموسيقى الصورة تصبح لعنة وطاعونا يفتك‬
‫بها‪ .‬هناك من يرفض تماما أن يضيف إلى الفيلم أية الموسيقى أو صوت أثناء المونتاج‪ .‬وهذا ما تذهب إليه حركة دوغما ‪95‬‬
‫التي أسسها مجموعة من السينمائيين الدانماركيين وعلى رأسهم الرس فون تريير‪  .‬تشير هذه الحركة في المادة الثانية من بيانها‬
‫أن الصوت يجب أن ال يؤخذ بمعزل عن الصورة‪ ،‬كما أن الموسيقى يجب أن تؤدى مباشرة أثناء التصوير ال أن تضاف أثناء‬
‫الميكساج‪ .‬فيما يرى أنصار الموسيقى المحددة ‪ musique concrète‬وهي موسيقى تجريبية أسسها جان بيير شافير‪ ،‬أنه‬
‫يجب التعامل مع الصوت كمادة خام‪ ،‬ومن خالل تسجيله واالشتغال عليه ومزجه‪ ،‬يتم تحويله إلى موسيقى تشكل حكاية تخييلية‬
‫قابلة لألخراج والتفضية‪.‬‬

‫‪ ‬وقبل ذلك ذهب المخرج األلماني والتر روتمان‪  ‬إلى أقصى حد في تجاربه حين عزل مجموعة من األصوات الهجينهة من‬
‫الحياة اليومية‪ ،‬وقام بتسجلها ومزجها وتثبيثها على شريط صوتي سينمائي في فيلم “نهاية األسبوع”‪ .‬وهو فيلم صوتي بدون‬
‫صور‪ ،‬اعتبر من أهم التحف السينمائية‪.‬‬

‫في النهاية‪ ،‬أستعيرهذه المقولة للشاعر بول فاليري‪ ،‬مستبدال كلمة قصيدة بكلمة فيلم‪ ،‬لؤأكد معه أن ” الفيلم هو تردد مستمر بين‬
‫المعنى والصوت”‪ ،‬وفي غياب هذا التردد المستمر يصبح الفيلم عبارة عن تراكمات بصرية ليس إال‪.‬‬

‫* باحث في الصورة وفن الفيديو من المغرب‬



‫‪2/2‬‬

You might also like