Professional Documents
Culture Documents
المقرر على الفرقة الثانية بالشعبة العامة من كليات اللغة العربية وشعبها
المناظرة من كليات الدراسات اإلسالمية والعربية
تأليف
األستاذ الدكتور صابر عبدالدايم يونس
أستاذ األدب والنقد في كلية اللغة العربية بالزقازيق وعميدها األسبق
ورئيس اللجنة العلمية الدائمة لترقية األساتذة واألساتذة المساعدين ألقسام األدب
والنقد بجامعة األزهر
1
بسم هللا الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على أشرف المرسلين ..وبعد ،،،
فإن البناء بالموسيقى " يعد إحدى مكونات التجربة الشعرية ،فالنص الشعري
تتعدد أبعاده الجمالية ..والبحث عن أسرار هذا الجمال ربما يكمن في البناء
بالموسيقى ،وربما يكمن فى التشكيل بالصورة ،وربما يكمن فى البنية اللغوية
واإلحساس بالزمن ،وكل األبعاد السابقة تنبثق من الطاقة الشعورية المتدفقة من
كيان النص ،وهو بدون هذه الطاقة يعد نهرا جافا ،وحديقة يابسة ،وأفقا منطفئ
النجوم .ومن ثم فموسيقى الشعر ال تدرس منفصلة عن كيان التجربة الشعرية ،
وإال أصبحت قواعد جافة أشبه بالزهور "البالستيكية" الملونة التى تخدعك ببريقها
ومنظرها ،ولكن عطرها ميت ،وال تبعث فى النفس نشوة اإلحساس بالحياة وال
السكينة المتفاعلة مع إيقاع الحياة الساحر .وتجيء هذه الدراسة بداية مشروع –
آمل أن تكتمل صورته فى القريب العاجل إن شاء هللا ،يجمع بين القاعدة وبين
مكانها من النص الشعرى .فدراسة العروض " دراسة منفصلة عن مقومات
التجربة الشعرية تظل عديمة الجدوى ..ثقيلة اإليقاع ،ولذلك جمعت فى هذه
الدراسة بين القيم الصوتية فى النص الشعرى وبين الموسيقى الشعرية " الداخلية
والخارجية " .
وبدأت الدراسة بأهمية الموسيقى وأثرها فى النفس اإلنسانية ،ثم نوهت بأوجه
التالقى بين الموسيقى وبين الشعر ،واستندت فى رصد ظاهرة التعانق الحميم بين
فنى الشعر والموسيقى إلى رأى علماء اللغة ،وإلى اإلرهاصات األولى لنشأة
الشعر العربى ،وإلى سمات الحضارة العربية وخصائصها ،وإلى طبيعة التراث
العربى بصفته تراثا سمعيا فى المقام األول .
وفى الفصل الثانى :نوهت بالقيم الصوتية وأثرها فى النص الشعرى ،ورصدت
أهم الظواهر التى تتجلى فيها القيم الصوتية ،وهى ( موسيقى الحرف – موسيقى
الكلمة – موسيقى النظم واألسلوب ) .
وفى الفصل الثالث :رصدت بعض ظواهر الثبات فى موسيقى الشعر ومنها :
ظاهرة الثبات فى موسيقى البحور الشعرية " فى شعر الشطرين " وفى دراستى
ألوزان البحور ناقشت بعض اآلراء القديمة والحديثة التى ظنها الكثيرون من
الثوابت ،ومنها الرأى القائل باختراع األخفش لبحر " المتدارك " ،وقد ثبت من
التحقيق العلمى غير ذلك ،وكذلك فى رصدى لظاهرة " الزحافات والعلل " ناقشت
هذه الظاهرة -وربطت بينها وبين مقومات التجربة فى النص الشعرى.
2
0وفى الفصل الرابع :رصدت مظاهر اإلبداع الشعرى فى موسيقى القافية ،
وظواهر التغير فى بعص القواعد العروضية المتوارثة ..وفى الفصل الخامس:
رصدت بعض ظواهر التطور فى موسيقى الشعر المقفى ،وهى ظواهر صاحبت
الشعر العربي منذ نشأته إلى اآلن ...وهى متعددة ومتنوعة.
.وفى الفصل السادس :رصدت بعض ظواهر التطور فى موسيقى" الشعر الحر"
ومنها ظواهر مقبولة وظواهر مرفوضة.وبعد ..فالتشكيل اإليقاعي للتجربة
الشعرية يتمخض عن الجديد فى كل حين.وعلى النقاد ودارسى لغة الشعر
وموسيقاه أن يرصدوا هذه الظواهر فيما يبدعه الشعراء من نصوص ..رصدا
موضوعيا ..بعيدا عن المغاالة فى التصور والحكم ..رفضا كان أو قبوال لظواهر
التجديد .
وهذا الكتاب في األصل هو كتاب"موسيقى الشعر بين الثبات والتطور"
تأليف األستاذ الدكتور/صابر عبدالدايم يونس ،األستاذ المتفرغ بالقسم ،وقام
بقراءة الكتاب لجنة مكونة من األساتذةدد/حسن أحمد الكبير ،د/محمد عبدالسالم
صقر ،د/محمد عبدالحميد غنيم ،د/ناجي فؤاد بدوي ،د/علي عبداللطيف سليم.
وهللا الموفق والهادى إلى سواء السبيل ،،،
3
الفصل األول
أبعاد العالقة بين الموسيقى والشعر
أوال د أهمية الموسيقى وأثرها الجمالى فى النفس اإلنسانية د
إن الموسيقى تنظم حركة الكون – وتسيطر على دائرة الوجود – فكل ظاهرة
كونية لها إيقاعها المؤثر فيما عداه تأثيرا يجعل من تجاذب جزئيات الكون بعضها
البعض اآلخر ..حركة إيقاعية دافعة إلى التماسك والتجاذب .
فاألرض تدور والسحاب يتحرك – والجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب ،
والماء يتصاعد بخارا إلى الفضاء ويكون تشكيالت من الغيم المفعم بالخصب ،
وترى الودق يخرج من خالله ،وتتكون جبال من برد وتتحرك الرياح – فتثير
السحاب – فيساق الماء إلى بلد ميت – فيحيا ،ويخضر – فى مهرجان من
أصوات الرعود – وأضواء البروق – ومن تآلف هذا التشكيل اإليقاعى لحركة
الكون تنبثق موسيقى الحياة موسيقى الكلمة – وموسيقى الحدث وموسيقى الروح
وموسيقى المكان وموسيقى الزمان .
ولقد عد أفالطون الفن الموسيقى أحد المحركات الرئيسية السامية للبشر ،فهى
الصدق والحقيقة التى توجد منذ بدء الخليقة ،ومن خاللها عرف العالم النظام
وتحقق له التوازن .
ووفقا لنظرية أفالطون ،نجد أن الموسيقى قد خدمت البشرية فى تحقيق التوحيد
بين أحاسيس البشر ،ومختلف عناصر الحياة فى المجتمع الواحد وبين المجتمعات
المختلفة وتمكنت من التعبير عن الفرد وعن الجماعة فى تنسيق ووحدة .
وفى الحضارة القديمة كانت الموسيقى وسيلة رئيسة للعبادة والربط بين اآللهة
والبشر ،ونشر التعاليم والقوانين والفضيلة والتربية ،فضال عن استخدامها فى
الحروب كوسيلة توحيد للمشاعر وشحن لألحاسيس ودفع للحركة البشرية ،وتنظيم
لها()1
وكما نختلف نحن – المتلقين – حول النص األدبى – فى رصدنا الجمالى له ،
وموقعه من نفوسنا ،نختلف أيضا فى درجة االستمتاع بالموسيقى ألن الموسيقى ال
تتمثل طبقة صوتية معينة وال كثافة سمعية محددة فحسب ،ولكنها تعتمد فى
وجودها بالنسبة للمستمع على إمكانية تسجيلها فى العقل الباطن ،والقدر الذى
تتمتع به أذن المستمع من حساسية عصبية ،فالحساسية العصبية لألذن تقابل
االصطالح الطبى الخاص بالبصر ،والذى يحدد أن كانت العين مصابة ببعد نظر
-1انظر :دعوة إىل املوسيقى ،يوسف السيسى ص ـ – 13عامل املعرفة عدد . 46
4
أو قصر نظر مثال ،وبالنسبة لألذن فإن حاسيتها العصبية تجعل منها جهازا قادرا
على االستماع إلى التنافرات فى التركيبات الموسيقية براحة تامة – بينما ال تتمكن
أذن أخرى من ذلك ،ويصاب صاحبها بالضيق والتشاؤم والتعاسة عندما يستمع
إلى تنافرات موسيقية أو حتى إلى كثافة صوتية ،أو قوة فى األداء ،أو حتى حدة
فى الطبقات الصوتية .
وهناك ثالثة مجاالت يتم من خاللها تكوين اإلحساس الجمالى للفن الموسيقى وهى
االستقبال عن طريق فهم القوالب الموسيقية ،واالستقبال عن طريق التخيل
واالستنباط ،ثم االستقبال عن طريق العاطفة ،أى أن اللحن يثير فى حواسنا
إمكانية اإلحساس بالشكل والقدرة على إطالق الخيال ،ثم االنفعال العاطفى ،
وتكتمل هذه العناصر الثالثة عن طريق العقل بشكل يجعل من االستقبال الفنى
مجاال لالستمتاع الجمالى()1
وهذا اإلحساس الجمالى بالموسيقى النغمية المصحوب باالستمتاع نجده أيضا
مجسدا فى استمتاع اإلنسان بالكلمة الموزونة فى قالب شعرى – فاألناشيد القومية
توقظ الهمم وتدفع باألمة إلى مساحات الوعى للنضال والجهاد ،وتغرس فى
النفوس نزعة التمسك باألرض وحتمية الدفاع عنها .
وحين نتساءل عن كيفية تكوين هذا الشعور فى اإلنسان بنغم الكالم والتجاوب معه
،حتى واإلنسان صبى فى مهده ،يتجاوب فى فرح وحبور مع النغمات الموسيقية
وإيقاعات األناشيد واألغانى السهلة المصورة لعالم الطفولة .
هناك نجد -كما يقول علماء النفس -ميال غرزيا فى كل كتلة من عدة مقاطع تشبه
الفقرات القصار أو العبارات الصغيرة ،فقد نسمع فى عشر من الثوانى ما يكاد
يبلغ خمسين مقطعا صوتيا ،تسمعها األذن فتلتقطها كتال من المقاطع تطول أو
تقصر ،فإذا ترددت فى أواخر هذه الكتل الصوتية مقاطع بعينها شعرنا بسهولة
ترديدها ،وأحسسنا بغبطة وسرور حين سماعها ،وبعث هذا فينا الرضا
واالطمئنان إليها .
وهنا نلحظ سرا من أسرار حبنا للكالم الموزون المقفى ،على أنهم " أى علماء
النفس " يصرون على وجود تلك التى تسمى بالموهبة الموسيقية ،ويرون أننا
نختلف فى القدرة على خلق الوزن فيما نسمع ،فمنا من يكتل المقاطع بحيث
يسمعها منسجمة متزنة ،ومنا من يسمعها وقد طغى بعضها على حدود بعض ،
وال يدرك لها وزنا أو انسجاما .
ويضرب علماء النفس أمثلة لهذه الظاهرة فيذكروننا بميل بعضنا إلى تكتيل دقات
الساعة أو حركات القطار فوق القضبان ،بحيث يكون هذا البعض من تلك
األصوات نغما منسجما ذا فواصل كفواصل الموسيقى ،وتلك القدرة على خلق
النغم الموسيقى ،بل يرون أن هذا النوع من الناس قادر على تكوين النغم فى خياله
- 1انظر :الثقافة العربية أسيق من ثقافة اليوانن والعريني ص ـ-116-115عباس العقاد .
-2من املعروف أن النىب عليه الصالة والسالم مل يقصد هبذا البيت إىل قول الشعر .
8
كل ما نظمه العرب حداء يتغنى به الحداة فعال فهو وزن ال يخالفه وال ينفصل عن
نغماته وأعاريضه "()1
وحين نمعن النظر فى بنية القصيدة العربية نجد أن البناء بالموسيقى يعد فى مقدمة
البُنى التى تتكون منها القصيدة عند العرب – ويرى النقاد أن البناء بالموسيقى
يتقدم على البناء بالصورة ،ألن القصيدة إذا فقدت العنصر النغمى " الوزن
الشعرى " تخرج من دائرة الشعر إلى دائرة الفن النثري ،ولذلك عرفوا الشعر
بأنه " الكالم الموزون المقفى الذى يقصد به إلى الجمال الفنى ،والبناء بالموسيقى
فى القصيدة العربية ال يعد تعسفا ،وال تحجرا ،بل هو " األقرب إلى خصائص
الشعر العربى " وهو يعد ظاهرة حضارية انطالقا من مرتكزات أساسية فى
الحضارة العربية تقدم التجريد على التجسيد ،وتقول بأن الماهية تسبق الوجود ،
وترى أن داللة األلفاظ – كما يؤكد ابن جنى فى الخصائص – معنوية ال حسية ،
وحتى حين نرى العمل الشعرى يركز على " العنصر التشكيلى " فى القصيدة
نالحظ أن فى مقدمة ما يهم هذا الجانب التشكيلى هو عنصر الزمن وبخاصة
اإليقاع ومستوياته .
ثم إذا وسعنا الدائرة نجد أن التراث العربى بصفة عامة تراث سمعى ،ونجد أن
طاقة اللغة العربية باعتبارها من اللغات القديمة ترتكز على الميراث السمعى ،ثم
إنها لغة تعتمد على " التنغيم " الذى يزدهر عادة فى اللغات االشتقاقية ،تجرى
أوزانها ومعانيها على قياس واحد كلما اطردت ،كما تساعد على ذلك حركات
اإلعراب ،وعالم العروض والقوافي ،فكلها تجرى مجرى األصوات .
وإن كثيرا من قيم البالغة العربية كفكرة البديع ،تقوم إلى حد كبير على أساس
موسيقى ،على نحو ما نعرف من التصريع والترصيع ،والتشريع ( )2والتقسيم
والجناس ...الخ ،فهناك تركيز على االنسجام أكثر من التركيز على التناقض ،
وما أكثر القصائد التى ازدهرت فى الشعر وأساسها األول هو الموسيقى .
لقد كان وراء ذلك طبيعة اللغة والتراث ونفسية اإلنسان العربى وتكرار المنظر من
حوله ،باإلضافة إلى ظواهر الحداء والغناء والترتيل والتجويد والسماع .
والنقاد المحدثون يركزون على أن مما يتم به التنويع داخل القصيدة "
اإلنشاد " وهم يقصدون به قراءة الشعر وفق ما يتطلبه المعنى ،وما
الفصل الثانى
القيم الصوتية فى النص الشعرى ودورها فى
بناء التجربة الشعرية
إن النص الشعرى تتعدد أبعاده الجمالية ،والبحث عن أسرار هذا الجمال ربما
يكمن فى البناء بالموسيقى ،وربما يكمن فى التشكيل بالصورة ،وربما يكمن فى
البنية اللغوية واإلحساس بالزمن ،وكل األبعاد السابقة تنبثق من الطاقة الشعورية
المتدفقة من كيان النص ،وهو بدون هذه الطاقة يعد نهرا جافا ،وحديقة يابسة ،
وأفقا منطفئ النجوم .
وفى مقدمة األسرار الجمالية التى نحاول اكتشافها فى النص الشعرى ،محاولة
اكتشاف " القيم الصوتية وأثرها فى الفن الشعرى " " وهى تعد ركنا أساسيا فى
البناء بالموسيقى " .
والشعراء القدماء قد فطنوا إلى أهمية توفير النغم فى قصائدهم ،فالشاعر الجاهلى
يحاول أن يوفر فى شعره كثيرا من القيم الصوتية والتصويرية ،فالموسيقى فى
معلقة عنترة تبرز بوضوح وجالء فالشاعر عن طريق بحر الكامل يحاول أن يعبر
عن مضمون الفروسية ،ويستغل كون تفعيالت الكامل واحدة ،ويستفيد من هذا
التساوى فى انتقاالته السريعة ،وتصوير حركات الضرب والطعان التى تتطلب
خفة وسرعة ،فيفيض على النص نبضا منتظما ودفقا رحبا ويكسبه وقعا حلوا .
ونجد " عمر بن أبى ربيعة " عن طريق الحوار يبدو فى شعره مغنيا أكثر منه
ناظما يساعده على هذا الغناء تنوع طرقه ،وقدرته العظيمة على انتقاء ألفاظه
السلسة وكلماته الرشيقة ،ثم اختياره للبحور المالئمة – السيما – المجزوءة ليوفر
ألغانيه إيقاعا متسقا عذبا .
ونجد أ با تمام يزاوج بين عقالنية وتقاليد الفن الموروثة بتعايير قوية جميلة تكسوها
سرابيل من الزينة والزخرف ويعتمد فى هذا جميعه على العنصر الصوتى وعلى
االيقاع القوى حتى فى مراثيه .
فإذا ما قرأنا أبا نواس فى خمرياته لفت انتباهنا أسلوبها القصصى وسالمة تتابعها
وألفاظها وعباراتها حيث ال نشوز وال غرابة بل عذوبة ورقة بالغتين معتمدا على
الموسيقى اللفظية وايحاءات األلفاظ أو ما يسمى بالموسيقى الداخلية إلى حد كبير ،
ولعل المتنبى كان أبرز الشعراء الين اعتمدوا التأثير الموسيقى فى قصائدهم ،فقد
13
حاول فى كل شعره أن يجعل الموسيقى جزءا ال يتجزأ من نصه الشعرى فجاءت
موسيقاه متحدة اتحادا تاما بفنه وعبرت عن أغراض شعره إلى حد كبير)1( .
وابن جنى يرى أن هناك مناسبة بين الحروف وصوت الحدث كقضم التى تستعمل
فى أكل اليابس ،وخضم التى تستعمل فى أكل الرطب ،فهناك صلة بين الصوت
والمعنى وذلك يؤكد البعد النغمى فى النص الشعرى ،ويعطى للقيم الصوتية دورا
تأسيسيا فى بناء التجربة الشعرية .
وتتجلى هذه القيمة الصوتية النغمية التى تؤكد العالقة بين الصوت والمعنى فى
شعر البحترى ،ولنتأمل وصفه للذئب من قصيدة تبلغ أربعين بيتا يقول :
فما فيه إال العظم الروح والج ْلدُ ريره
طواه الطوى حتى استمر َم ُ
أرعدُه البردُ
الردى كقضقضة المقرور ْ أسرتها َّعصْال فى ِيقضقض(ُ )2
فالبحترى استخدم الفعل المضعف من الفعل الرباعى المجرد وهو ما كان ثالثه
ورابعه كأوله وثانيه ،ومن الواضح أن المضعف يقصد به الترجيع والتكثير ،
والمالحظ على هذا النوع أنه يدل على أصوات مرجعه كالجعجعة والقهقهة ،
والسقسقة ،كما يدل على حركات ممتدة كالتعتة وهى الحركة العنيفة ،وهو فى
هذه قد حقق لنا صورة سمعية عن صرير األسنان ،ألن الشاعر يصفه بأنه
يصوت بأصوات صلبة معوجة ،فجاء االيقاع الصوتى للفعل الرباعى ،يقضقض
مصورا للمعنى الذى أراده الشاعر)3(.
* والموسيقى الداخلية التى تكسب النص الشعرى بعدا تأثيريا وتشد
إليه السامع والقارئ تتمثل فى د-
-1اإليقاع الباطن الذى تحسه وال تراه ،تدركه وال تستطيع أن تقبض عليه ،
ويكمن فى تعادل النغم عن طريق مدات الحروف حينا ،وعن طريق تكرارها حينا
،وعن طريق استعمال حروف مهموسة أو مجهورة تتساوى مع اإلطار الموسيقى
العام للقصيدة ،لكن على الشاعر أال يقصر غايته على نغم قيثارته بدون أن
يتجاوب هذا النغم مع حركة النفس فى انفعالها الجياش وتعانق الفكرة الشاعرية مع
زنين القيثارة الموسيقى للقصيدة ،وإال تحولت االيقاعات الداخلية إلى نوع من
الحلية الصوتية سرعان ما ينطفى بريقها ،ويجمد صداها ،ويفر الشعر من بين
يديك)4(.
-1عضوية املوسيقى ىف النص الشعرى صـ ، 21 ، 20د /عبدالفاتح صاحل انفع وانظر كتاب :حركات التجديد
ىف األدب ،وكتاب لغة احلب ىف شعر املتنىب .
- 2يقضقض عصال :يصوت أبسنان صلبة معوجة ،األسرة :اخلطوط .
-3انظر :نص القصيدة الكامل مشروحا بكتاب :دراسات ىف النص الشعرى ،د .عبده بدوى .
- 4انظر التجديد املوسيقى ىف الشعر العرىب ص ، 14د .رجاء عيد .
14
-2القيم الصوتية فى النص الشعرى ال تعنى بالحركة فقط وال بالصوت فقط ،
بل إن للسكتة أيضا داللتها ومعناها وايحاءاتها فى عالم الموسيقى ودنيا الشعر .
فالصمت نفسه إنما يتحدد باإلضافة للكلمات ،والسكتة فى الموسيقى إنما تأخذ
معناها من أصناف ما يجاورها من ألحان ،فالصمت على هذا االعتبار لحظة من
لحظات الكالم ،والسكوت ليس بكما ،بل رفضا للكالم فهو نوع منه)1(.
-3وظاهرة السكوت التى تعد شكال إيقاعيا تكون لحظة اإلنشاد الشعرى ،
ابتغاء التأثير الفنى فى السامعين وجذبهم .
-4وعلو الصوت وانخفاضه أثناء اإلنشاد الشعرى له تأثيره الخاص ،فلكل
حالة ما يناسبها من الصوت علوا وانخفاضا ،جهرا ،وهمسا .
وأهم الظواهر التى تتجلى فيها القيم الصوتية فى النص الشعرى :
جـ ـ ب ـ موسيقى الكلمة . أ ـ موسيقى الحرف .
موسيقى النظم واألسلوب .
أوال د موسيقى الحرف د
إن موسيقى الحرف يقصد بها النغم الصوتى الذى يحدثه الحرف ،وعالقة هذا
النغم بالتيار الشعورى والنفسي فى مسار النص الشعرى ،ومن المعروف أن لكل
حرف مخرجا صوتيا ،ولكل حرف صفات ،ومخارج الحروف وصفاتها بينها
وبين داللة الكلمة عالقة شعورية وفنية ال يتعمد الشاعر إظهارها ،بل يتجسد
التوافق النغمى واالنسجام اللفظى تجسدا فطريا لدى الشاعر الموهوب المتمكن من
أدواته اللغوية والفنية ،وصاحب الموهبة الحقيقية .
ويعبر عن الحرف عند علماء اللغة بالصوت اللغوى ،وهذه األصوات تتنوع
بحسب مخرجها وواقعها اللغوى إلى -:
1ـ الصوت المجهور د
وهو الذى يهتز معه الوتران الصوتيان وذلك حين تنقبض فتحة المزمار ،
ويقترب الوتران الصوتيان أحدهما من اآلخر فتضيق فتحة المزمار ،ولكنها تظل
تسمح بمرور النفس خاللها ،فإذا اندفع الهواء خالل الوترين وهما فى هذا الوضع
يهتزان اهتزازا منتظما ،ويحدثان صوتا موسيقيا تختلف درجته حسب عدد هذه
الهزات أو الذبذبات فى الثانية ،كما تختلف شدته أو علوه حسب سعة هذه
االهتزازات الواحدة ،واألصوات الساكنة المجهورة فى اللغة العربية كما تبرهن
عليها التجارب الحديثة هى ثالثة عشر ( ب – ج – د – ذ – ر – ز – ض – ظ
– ع – غ – ل – م – ن ) يضاف إليها كل أصوات اللين بما فيها الواو والياء .
2ـ الصوت المهموس د
وهو الذى ال يهتز معه الوتران الصوتيان وال يسمع لهما رنين حين النطق به ،
وليس معنى هذا أن ليس للنفس معه ذبذبات مطلقا وإال لم تدركه األذن ،ولكن
-1ما األدب :جان بول سارتر ،نقال عن :عضوية املوسيقى ىف النص الشعرى ص 58
15
المراد بهمس الصوت هو صمت الوترين الصوتيين معه ،رغم أن الهواء فى أثناء
اندفاعه من الحلق أو الفم يحدث ذبذبات يحملها الهواء الخارجى إلى حاسة السمع
فيدركها المرء .من أجل هذا فاألصوات المهموسة هى اثنا عشر ( :ت – ث – ح
– خ – س – ش – ص – ط – ف – ق – ك – هـ )
وقد برهن االستقراء كما يقول د /ابراهيم أنيس ،على أن نسبة شيوع
األصوات المهموسة فى الكالم ال تكاد تزيد على الخمس أو عشرين فى المائة منه
،فى حين أن أربعة أخماس الكالم تتكون من أصوات مجهورة .
3ـ الصوت الشديد أو االنفجارى د
والحروف المتصفة بهذه الصفة هى :الباء والدال والكاف والضاد والقاف،
والصفة التى تجمع بينها هى انحباس الهواء معها عند مخرج كل منها انحباسا ال
يسمح بمروره حتى ينفصل العضوان فجأة ويحدث النفس صوتا انفجاريا .
4ـ الصوت الرخو د
وهذا الصوت تكمن خصائصه بالحروف اآلتية :
" السين والزاي والصاد والفاء والشين والذال والثاء والهاء والخاء والعين " .
وهذه الصوات الرخوة عند النطق بها ال ينحبس الهواء انحباسا محكما ،وانما
يكتفى بأن يكون مجراه عند المخرج ضيقا جدا ،ويترتب على ضيق المجرى أن
النفس فى أثناء مروره بمخرج الصوت يحدث نوعا من الصفير – كما هو الحال
عند النطق بحرف الشين أو الزاى أو الصاد ،أو يحدث نوعا من الحفيف – كما
هو الحال عند النطق بالفاء .
5ـ الصوات الساكنة وأصوات اللين د
وأساس هذا التقسيم عند علماء اللغة المحدثين هو الطبيعة الصوتية لكل من
القسمين فالصفة التى تختص بها أصوات اللين هى كيفية مرور الهواء فى الحلق
والفم وخلو مجراه من حوائل وموانع ،فى حين أن األصوات الساكنة إما ينحبس
معها الهواء انحباسا محكما فال يسمح له المرور لحظة من الزمن يتبعها ذلك
الصوت االنفجارى أو يضيق مجراه فيحدث النفس نوعا من الصفير أو الحفيف .
وأصوات اللين فى اللغة العربية هى ما اصطلح القدماء على تسميته بالحركات
من فتحة وكسرة وضمة ،وكذلك ما سموه بألف المد وياء المد وواو المد وما عدا
ذلك فأصوات ساكنة .
وقد ترتب على اختالف كيفية مرور الهواء فى حالتى النطق باألصوات الساكنة
وأصوات اللين أن المحدثين الحظوا أن األصوات الساكنة على العموم أقل
وضوحا فى السمع من أصوات اللين ،فأصوات اللين تسمع من مسافة عندها قد
طأ فى تمييزها فالفتحة مثال ،وهى صوت لين تختفى األصوات الساكنة أو ي ُْخ َ
قصير تسمع بوضوح من مسافة أبعد كثيرا من التى نسمع عندها الفاء ،ولهذا عد
األساس الذى بنى عليه التفرقة بين األصوات الساكنة وأصوات اللين أساسا صوتيا
،وهو نسبة وضوح الصوت فى السمع ،ففى الحديث بين شخصين بعدت بينهما
16
المسافة قد يخطئ أحدهما سماع صوت ساكن ،ولكنه يندر أن يخطئ سماع
صوت لين وكذلك الحال فى الحديث بالتليفون .
وليست كل أصوات اللين ذات نسبة واحدة فى الوضوح السمعى ،بل إن الفتحة
أوضح من الضمة والكسرة ،كما أن األصوات الساكنة ليست جميعها ذات نسبة
واحدة فيه ،بل منها األوضح أيضا ،فاألصوات المجهورة أوضح فى السمع من
األصوات المهموسة .
والوضوح السمعي الذى بنيت عليه التفرقة بين األصوات الساكنة وأصوات
اللين ،هو تلك الصفة الطبيعية فى الصوت ال المكتسبة من طول أو نبرة ،
فصوت اللين أوضح بطبعه من الصوت الساكن .
* وحين نحاول البحث عن موسيقى الحرف في النص الشعرى نجد كثيرا من
الظواهر الصوتية تعضد هذا المنحنى الفني ففي قصيدة أبى تمام " في فتح
عمورية " والتي يقول في مطلعها :
في حدِه الحدُّ بين الجد واللعب السيف أصدق أنباء من الكتب
1
نجد أن الشاعر يختار لقصيدته حرف " الباء " ( ) رويا – لقافية القصيدة ،
والقافية نوع من الترجيع الصوتي المتكرر الشديد الصلة بغنائية اللغة العربية ،
وحرف الباء ،له قيمة صوتية موسيقية تناسب جو القصيدة وايقاعها الحماسى
الشديد ،فالباء صوت شديد مجهور ،ولقد حرص القدماء على الجهرية فى ضوء
تلك الظاهرة المسماة " القلقلة " ذلك ألنهم أرادوا إظهار كل ما فى هذا الصوت من
قوة ،فال يختلط بنظيره الذى يرمز إليه فى الكتابة األوروبية بالرمز " أ " ألن
مهموس الباء ليس صوتا أساسيا من أصوات اللغة العربية ،ثم إن الباء من
الحروف األليفة ففى كل ألف من الحروف تتردد ثالثا وأربعين مرة ،وإن هذا
الصوت القوى الشديد المجهور وهو " الباء " يتفق وكما أشرت سابقا مع طبيعة
التجربة الشعرية التى تتحدث أساسا عن حرب يمكن القول بأنها كانت قوية وشديدة
ومجهورة ،ثم إنها تعطى موسيقى فخمة تتفق مع المعنى دائما ،ومن هنا نستطيع
أن نحدس بمعنى القصيدة)2(.
وهناك ظاهرة أخرى .تؤكد القيمة الصوتية لموسيقى الحرف فى هذا البيت حيث
نرى الشاعر يكرر " حرف الباء " هذا الصوت القوى الشديد المجهور أربع مرات
فى البيت السابق ،ثم يعمل على أن يشاغلنا به مرة أو أكثر من مرة فى كل بيت
من أبيات القصيدة ،فالشاعر يحاصرنا بهذا الحرف الذى ال يصبح حرفا ،وإنما
يتحول الى مناخ موسيقى يتفق وطبيعة التجربة ،بل إنه ليثير بغزارته الخيال)3(.
-1انظر هذا املوضوع ابلتفصيل ىف كتاب :األصوات اللغوية للدكتور ابراهيم أنيس .
-2انظر النص الشعرى ،د /عبده بدوى ص . 20
-3السابق ص . 25
17
وحرف النون فى قصيدة أبى تمام وهو يمدح :محمد بن حسان الضبى فى لهجة
صادقة النبرة ،جياشة العاطفة ،نجد القافية تأتى على حرف " النون " حيث يقول
:
أكثر من شوقى وأحزانى َ البينُ توديع وال الثانى
ٍ َ
ما اليو ُم أ َّول
فصار أ ْمل من روحى وجسمانى كَ َ َ دع الفراق فان الدهر ساعدنى
فحرف النون وهو صوت أسنانى لثوى أنفى مجهور يتفق مع طبيعة تجربة
الشاعر التى تدور أساسا حول الترحل والبين ،فكما أن هذا الحرف يكون من
طرف اللسان وما فوق الثنايا ،فالموضوع نفسه يدور حول عدد من النهايات
بالنسبة لإلنسان .
والنون تشبه الحركة فى قوة الوضوح السمعى ولهذا وجد من يقول إنها :شبه
حركة " ورجال القراءات يضعونها فى حروف " " الذالقة " ،وهو حرف له
داللة خاصة فى اللغة العربية ،فهو كثير الدوران بها ،وهو ليس مجرد صوت ،
ألنه من خاللها يمكن الحدس بمضمون القصيدة وقد صدق ابن عربى وهو يقول :
إنها من أسنى الحروف وأعظمها شهودا ،وألمر ما وجدنا التركيز عليها فى كتب
القراءات فى حاالت اإلظهار واإلخفاء واإلدغام والقلب ،وتأثرها الواضح بما
يجاورها من أصوات ،وبخاصة حين تسكن .ولهذا يبالغ القراء فى الجهر بغنتها
مع أصوات الفم حتى ال تفش(. )1
وقصيدة أبى تمام " فى وداع صديقه " على بن الجهم تعد تجربة متميزة فريدة ،
والجانب اإليقاعى فيها له نفاذه وتأثيره ،فموضوع القصيدة ،وتجربة الشاعر
وانفعاالته مطابقة إلى حد ما إليقاعها .
وإذا تأملنا إيقاع الكلمات والحروف فى القصيدة فسنرى أن الشاعر يكثر من
حروف المد كثرة ملحوظة ،ولنقرأ البيت التالى
أخالقك ال ُخ ْ
ض ُر الربا بأباع ِد ال ت َ ْبعَد َْن أبدًا وال ت َ ْبعُ ْد فما
إن الشاعر يدعو لصديقه بعدم الهالك وعدم البعد ،والحروف نفسها بإيقاعها
الصوتى تصور هذه العاطفة ،فحرف المد المتواجد فى أغلب كلمات البيت يعطى
إليقاع البيت هدوءا وبطئا ،وكأن الشاعر بهذا اإليقاع البطئ يطلب من صديقه
عدم السفر
وفى القافية نرى الشاعر يستخدم حرف المد " األلف " ليزيد االيقاع بطئا يومئ
إلى حالة الحزن المترسبة فى ذاته ،واختار الدال المكسورة رويا للقافية .ألن
الكسرة توحى باالنكسار ،فالضمة تعطى الفخامة ،والفتحة تعطى االستعالء ،أما
الكسرة ففيها انكسار وألم ،وهل هناك ألم أمر من ألم الوداع ،وحرقة السفر
وفراق الصديق ،وقد قال العلماء عن الدال :إنها تعبر عن صوت العاشق الذى
صار داال من شدة الحزن " ،أما علماء األصوات فيذكرون أنها صوت أسنانى
-1السابق ص . 73
18
لثوى انفجارى ،مجهور ،يتذبذب معها الوتران الصوتيان ،وهذا يومئ إلى هزة
الشوق ورعشة الفراق ،وهى من أصوات " القلقلة " ألنها تحتاج إلى تحريك .
والمالحظ أنها لم تقف عند حد القافية ،وإنما دارت فى األبيات بطريقة تلقائية
تؤكد أن لها ضرورة صوتية فى بناء القصيدة ابتداء من التصريع إلى الترديد .
ولو أحصينا حرف الدال فى قصيدة " أبى تمام " لوجدناه يتكرر أربعا
وأربعين مرة ،وال يخلو بيت واحد منها ،ويتكرر فى بعض األبيات أربع
مرات(. )1
يقول أبو تمام فى مطلع هذه القصيدة :
دمع جام ِد ٍ ماج ِد فغدًا إذابة كل ب لكَ ِ صاح ٍمن َي فُ ْرقَة ْ ه َ
ض َجهْد ال َجاه ِد هب بَ ْع َ ْ
فالد َّْم ُع يُذ ُ َ
ُّوءون وغ ْربِه ِ ْ ُ
فافز ْع إلى ذخر الش َ ْ
صب ًْرا فَلَسْتَ بفاق ِد د َْمعًا و ال َ وإذا فَقَدْتَ أخا ً ولَ ْم ت َ ْف ِق ْد لَهُ
وخمرا في الزال ِل البار ِد ً الجهم إنكَ د ُْفتَ لي ُ
س ًّما ِ ي يا بنَ
أعل َّ
الخضر الربا بأباع ِدُ ُ َ
ال ت َ ْبعَد َْن أبَدا ً وال ت َ ْبعُ ْد فما أخالقك
واألستاذ العقاد ينوه بالقيمة الموسيقية للحروف فى اللغة العربية قائال :
فالخواص الشعرية التى امتازت بها لغتنا العربية ليست من خواص اللغات السامية
،وليس لها نظير فى العبرية وال فى الكلدانية ،وال فى معظم اللهجات التى
تفرعت على أصول الكالم عند الساميين ،ولكنها خواص ممتازة تنفرد بها هذه
اللغة ألسباب كثيرة ال داعية إلحصائها فى هذا المقام ،وال نُحب أن نعرض منها
لألمور التى يطول فيها الجدل وتضطرب فيها منازع اآلراء واألهواء إذ كان
امتياز الحروف العربية بالداللة على الحساسية الموسيقية حقيقة ملموسة ال محل
فيها للمحال ،فاألذن العربية تُميز بين الظاء والضاد ،وبين الذال والدال ،وبين
الحاء والخاء والهاء ،وبين الصاد والسين والشين ،وبين الجيم والعين والغين ،
وبين القاف والكاف والخاء ،فلم يميز الناطقون باللغات األخرى بين هذه الحروف
،وإذا وجدت فى تلك اللغات حروف ال تنطق بالعربية كالفاء والباء الثقيلتين فهما
فى الواقع حرف يصدر من مخرج واحد بين التخفيف والتثقيل ،وليست ذات قيمة
موسيقية مستقلة كالحروف التى ذكرناها فى اللغة العربية(. )2
ب ـ موسيقى الكلمة د
إن للكلمة إيقاعا مؤثرا فى موقعها من النص – وفى داللتها اللغوية ،
واإليحائية ،وذلك ما يسمونه بالجرس اللفظى وله صلة أكيدة بالموسيقى الداخلية
فى القصيدة ،وهذه الظاهرة من الخصائص التى تميز اللغة العربية :يقول العقاد
" ومن العالمات الموسيقية المركبة فى بنية الكلمة أننا نميز بين الحركة وحرف
-1انظر كتاب من القيم اإلسالمية ىف األدب العرىب ،د .صابر عبد الدامي ،ودراسات ىف النص الشعرى ،د.
عبده بدوى ؟
-2الثقافة العربية أسبق من ثقافة اليوانن والعربيني للعقاد ص . 124
19
العلة على خالف اللغات غير السامية " فعندنا الواو والضمة وعندنا الياء والكسرة
،وعندنا األلف والفتحة ،وعندنا السكون وما يشبهه من التنوين ،وأدل من ذلك
على الموسيقية الطبيعية بنا ُء المشتقات على األوزان واختالف معنى الكلمة
باختالف الصيغة التى تبنى عليها " .
" فالكلمات نفسها موزونة فى اللغة العربية ،والمشتقات كلها تجرى على صيغ
محدودة باألوزان المرسومة كأنها قوالب البناء المعدة بكل تركيب ،وأفعال اللغة
مقسومة إلى أوزان مميزة فى الماضى والمضارع واألمر ،وفى األسماء
والصفات التى تشتق منها وعلى حسب تلك األوزان ،وال نظير لهذا التركيب
الموسيقى فى لغة من اللغات الهندية الجرمانية ،وال فى كثير من اللغات السامية ،
فالذى يميز اسم الفاعل وزن متفق عليه فى األفعال الثالثية واألفعال الرباعية ،
ولكنه فى اللغات األوروبية يأتى بإضافة حروف ال يعرف بها وزن مقرر قبل
اإلضافة وال بعدها " .
*ـ ومن دالئل موسيقية الكلمة في اللغة العربية د
أ – أن العرب تقارب حروف األلفاظ متى تقاربت معانيها كقوله تعالى :
" إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا " أى تزعجهم وتقلقهم فهذا فى
معنى " تهزهم هزا " والهمزة أخت الهاء ،فكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة ألنها
أقوى من الهاء ،كما أن المعنى نفسه أعظم فى النفوس من الهز ألنك قد تهز ماال
حراك له كالجذع ونحوه ،أى فيبقى الهز المقرون باإلزعاج خاصا بذى الحياة ألنه
متعلق بالشعور ،وذلك ما أفادته الهمزة وحدها .
ب – أن العرب يصورون اللفظ على هيئة المعنى ،وهذا مذهب كما يقول "
الرافعى " قد نبه عليه الخليل وسيبويه وابن جنى ،قال الخليل " :كأنهم توهموا فى
صوت الجندب استطالة فقالوا فى العبارة عنه " صر ،وتوهموا فى صوت البازى
تقطيعا فقالوا :صرصر ،وقال سيبويه فى المصادر التى جاءت على فعالن "
بثالث حركات " إنها تأتى لالضطراب والحركة ،فى األفعال ،وقال ابن جنى
معقبا على ما ذهب إليه الخليل وسيبويه ووجدت أنا من هذا الحديث أشياء على
سمت ما حداه ومنهاج ما مثاله ،منها أن المصادر الرباعية المضعفة تأتى للتكرر
والزعزعة ،كالقلقلة والصلصلة .....الخ ،وأن الفعلى من المصادر والصفات
تأتى للسر عة نحو الجمزى والوقلى الخ ،ومنها أنهم جعلوا تكرير العين فى المثال
دليال على تكرير الفعل نحو كسر وقطع الخ .
جـ -مقابلة األلفاظ بما يشاكل أصواتها من األحداث فالعرب يجعلون كثيرا
أصوات الحروف على سمت األحداث المعير عنها كقولهم ،خضم وقضم " ،
فالخضم ألكل الشئ الرطب ،والقضم ألكل الشئ الصلب اليابس فاختاروا الخاء
من أجل رخاوتها للرطب ،والقاف من أجل صالبتها لليابس ،فحذوا بمسموع
األصوات على حذو مسموع األحداث ،ومن ذلك النضح للماء الخفيف لرقة الحاء
،والنضخ لما هو أقوى منه ،وذلك الغلظ الخاء .
20
وكل هذه األمثلة مما نعثر عليه فى أساليب اللغة ،وما نجده من النصوص
الشعرية تدل على أن العرب يضبطون نظام األلفاظ المقترنة المتقاربة بالمعانى
فيجعلون الحرف األضعف فيها واأللين واألخفى واألسهل واألهمس لما هو أدنى
وأقل وأخف عمال أو صوتا ويجعلون الحرف األقوى واألشد واألظهر واألجهر
لما هو أقوى عمال وأعظم حسنا .
د – تشبيه أصوات حروف الكلمة باألحداث المعبر عنها وتقديم الحرف
المضاهى ألول الحدث ،وتأخير الحرف الذى يضاهى صوت آخر الحدث أو
المعنى وذلك سوقا للحروف فى الكلمة على سمت المعنى المقصود والغرض
المطلوب كقولهم :شد الحبل " فالشين لما فيها من التفشى تشبه بصوت أول
انجذاب الحبل قبل استحكام العقد ،ثم يليها إحكام الشد والجذب فيُعبر بالدال التى
هى أقوى من الشين ال سيما وهى مدغمة فهى أقوى عنى الذى أريد بها .
ومن ذلك قولهم " جر الشئ " قدموا " الجيم " ألنها حرف شديد وأول الجر
مشقة على الجار والمجرور جميعا ،ثم عقبوا ذلك بالراء ،وهى حرف تكرير ،
وكرروها مع ذلك فى غالب األمر صاعدا عنها ونازال .
وتكرر ذلك منه على ما فيه من التعتعة والقلق ،فكانت الراء لما فيها من
التكرير ،وألنها أيضا قد كررت فى نفسها أوفق بهذا المعنى من جميع الحروف .
هـ -اشتقاق اللفظ من نفس الصوت القائم بمعناه على جهة الحكاية وتصوير
األشياء بأصواتها .
وهذا النوع يعده أدباء الغربيين من مبدعات القرائح ومن هذا قول العرب فى
حكاية صوت مصراعى الباب الكبير إذا أغلق = جلنبلق ،وقول الشاعر :
" جرت الخيل فقالت حبطقطق "
وقول اآلخر فى اإلبل " تداعين باسم السيب " يحكى صوت مشافرها ،وهذا غير
األصوات التى يعبرون بها عن األحداث وإن كانت مشتقة منها كالعطعطة
لألصوات المتتابعة فى الحرب ،والقهقهة فى الضحك ،وأمثال لذلك كثيرة(.)1
والظواهر السابقة تركز على عنصر اإليقاع فى الكلمة – وذلك مطلب ضرورى
فى نظم الشعر – فهناك أركان ثالثة يجب أن يقيم الشاعر عليها بنيان الكالم
ليسمى شعرا أولها :أن معانيه تصب فى صور خيالية تثير خيال القارئ أو
السامع .
ثانيها :أن تتوافر فى ألفاظه صفة التجانس بين اللفظ والمعنى ،وذلك بأن
يكون اللفظ رقيقا فى موضع الرقة ،قويا عنيفا فى موضع القوة والعنف ،وأن
تتوفر فيه صفة الجرس والموسيقى ،وأن ال يكون اللفظ مبتذال أو كثير الشيوع ال
يرتاح إليه الذوق الشعرى .
ثالثها :الوزن الشعرى ،وخضوع الكالم فى ترتيب مقاطعه إلى نظام خاص .
-1انظر هذا املوضوع ابلتفصيل ىف كتاب " اخلصائص " البن جىن وكتاب " اتريخ آداب العرب " للرافعى .
21
*ـ وموسيقى الكلمة – وخفتها وبعدها عن الثقل وسالمتها من تنافر الحروف
– يتمثل فى الظواهر الصوتية التالية التى حاول تحديدها د /ابراهيم أنيس فى
كتاب " موسيقى الشعر " حيث يقول :
واللغة العربية فى تركب أحرف كلماتها تتخذ طريقها الخاص ونهجها الذى
تتميز به ،ويكاد يتلخص هذا النهج فى :
1ـ ندرة تالقى أصوات الحلق بعضها مع بعض ،بل ال يكاد يلتقى فيها إال
" العين والهاء " ونرى العين أسبق دائما مثل " يعهده " فإذا اتصل بالكلمة ضمير
الغائب المتصل نرى كال من حروف الحلق يمكن أن يجاور هذه الهاء مثل "
يمدحه – يبلغه – يسلخه " .
2ـ ندرة تالقى الحروف القريبة المخرج أو الصفة :
( أ ) فتالقى الالم والراء والنون بعضها ببعض ال يكاد يوجد فى اللغة
العربية .
(ب) وكذلك تالقى الميم والفاء والباء بعضها ببعض غير معروف فى
تراكيب الكلمة العربية .
(جـ) ندرة التقاء صوتين من أصوات الصفير ،أو بعبارة أدق صوتين من
تلك األصوات الكثيرة الرخاوة مثل :الزاى
– السين – الذال – الثاء – الشين .
( د ) ندرة التقاء حرفين من أحرف اإلطباق أو التقاء حرف واحد منها مع
نظيره غير المطبق .وأحرف اإلطباق أربعة
وهى الصاد والضاد والطاء والظاء .
(هـ ) التقاء أصوات أقصى الحنك بعضها مع بعض نادر أيضا فى اللغة
العربية وتلك هى :القاف – الكاف – الجيم القاهرية .
( و ) التقاء أحرف وسط اللسان مثل :الجيم " المعطشة " – والشين .
*ـ تلك هى الضوابط العامة التى تلخص لنا تنافر الحروف فى اللغة العربية
،والتى إذا صادف أن وردت فى كلمة من الكلمات تعثرت األلسنة فى نطقها ،
وثقلت على األسماع ،ولذلك تعدها غير موسيقية أو رديئة يتجنبها الفصحاء فى
كالمهم ،ويفر منها الشعراء فى أشعارهم ،إال حين يضطرون إليها اضطرارا وال
يجدون عنها مندوحة ،وحينئذ يعاب عليها استعمالها ،ويتخذها النقاد مواضع
طعن فى ألفاظ الشاعر(.)1
وحين أراد ابن سنان الخفاجى أن يكشف عن سر فصاحة الكلمة فى كتابه "
سر الفصاحة " حدد ثمانية أشياء لمقياس فصاحة الكلمة .
ومن هذه المقاييس ما يتعلق بموسيقية اللفظ وحسن إيقاعه فى سياق النص
الشعرى ،أو النص الفنى بعامة ،ومن هذه المقاييس :
-1عواص مجع عاصيه من عصاه يعصوه إذا ضربه ابلعصا ،قواض من قضى ،وقواضب :قواطع .
-2انظر :اسرار البالغة من ص 27 – 17فصل :القول ىف التجليس .
-3انظر :أسرار البالغة من ص 27 – 17فصل :القول ىف التجليس .
27
أن من الشعراء القدامى والمحدثين من قد نظم شعره كله ،ووالى بين أبيات كثيرة
منه ،منهم أبو صخر الهذلى فإنه قد أتى من ذلك بما يكاد لجودته أن يقال إنه
متكلف :وهو قوله :
1
سنِ ِم( )ب َ ْ ٌ
صفراء رعبلة فـــــــــى َمن ِص ٍ وتلك هيكلة َخ ْودٌ مبَتَّلَةٌ
2
ْص أسفلها مخضودة القدَم( ) كالدع ِ ِ عذب مقبَّلها جذ ٌل ُم َخ ْل َخلُ َها
3
حْض ضرائبها صيغت على الكرم( ) َم ٌ بيض ترائبُها ٌ سود ذوائبها
ع َم ِم َّ َ
ض مجردُهـــــــــا لفاء فـــــى َ بَ ٌ ع ْب ٌل ُمقَيَّدُ َها َحا ٌل مقلدُها
َّ َ
شبِ ِميُ ْر َوى معانقها مــــــــــن بارد ال َّ ُ
س ْم ٌح خالئقها ،درم مرافقها
َ
وفى الشعر الحر " تعامل الشعراء " مع هذه البنية لإلفادة من أبعادها الصوتية
وتداخلها مع البعد الداللى ،إذ من خاللها يمكن تقطيع التركيب الشعرى إلى كتل
صوتية وداللية تتساوى مع البنية العروضية التى تنصرف إلى الناحية الصوتية
فحسب .
ونادرا ما يكون التقسيم العروضى متصال بالتقسيم الداللى ،والعملية التوفيقية
بين البنية العروضية والصرفية تؤدى إلى تناغم مدهش يدعم اإليقاع ويجعله
متوازنا حيث توجد بنية " الترصيع " .
وقد تتسع بنية الترصيع لتغطى أكثر من سطرين ،وبرغم ذلك يظل لها نتاجها
الداللى القائم على التماثل .
" ففاروق شوشة " فى " تنويعات على لحن أساسى " يقدم بنية ترصيعية ممتدة
فى أربعة أسطر :يقول فيها :
ْ
يَف ُج ُؤنَا َوجْ هُ مدينَتِنَا
فيحيل ليالينا نَدَما
يَ ْق َهرنَا وجهُ مدينتنا
فيحيل أمانينا سأما
فالتحريك اإليقاعى يتم من خالل تمائل كامل بين السطر األول والثالث ،وبين
الثانى والرابع ،ثم يتصل هذا التماثل بالناحية الداللية ليجعل من كل سطرين –
بالتبادل – حقال دالليا واحدا .
والتماثل بين السطر األول والثالث يتم على مستوى اختيار المفردات ،ثم
يحدث تخالف واحد بين الفعلين " يفجؤنا – يقهرنا " ،وهو تخالف يؤول إلى
توافق أيضا .
على معنى أن القهر كان ناتجا لهذه المفاجأة ،ثم يزداد التخالف وضوحا بين
السطرين الثانى والرابع حيث يتم التوافق بين مفردتين هما " يحيل – يحيل " ومع
* * *
-1انظر :بناء األسلوب ىف شعر احلداثة ص ، 283د /حممد عبد املطلب .
30
الفصل الثالث
ظواهر الثبات فى موسيقى الشعر
أوال د ظاهرة الثبات في موسيقى البحور الشعرية د
1ـ في شعر الشطرين د
قبل أن نفصل القول في بحور الشعر التي اهتدى إلى إيقاعاتها الخليل بن
أحمد ،على أصح اآلراء " يجدر بنا أن ننبه إلى أن مصطلح " الثبات " ال يتفق
مع مصطلح " الجمود أو التقليد " فالثبات ال يعنى التحجر – ولكن يعنى االستقرار
على صيغة شكلية مالئمة لصب المشاعر اإلنسانية فى قالبها ،وهذه الصيغة ال
تخلق بتغير الزمن وال تأسن بتحول المجرى أو انحساره .
-1انظر :عضوية املوسيقى ىف النص الشعرى ص ، 90د /عبد الفتاح صاحل انفع .
-2السابق ص . 92 – 91
32
وغير صحيح أن الشعر المقفى الجيد يحدث ملال فى النفس ورتابة فى اإليقاع
،ألن اإليقاع فى الشعر المقفى يتمثل فى التفعيلة التى تتكون من تكرارها وحدات
البيت الموسيقية ،والوزن يتمثل فى مجموع تفاعيل البيت ،وغير صحيح أن
الوحدات االيقاعية المتمثلة فى تفعيالت البيت الواحد متساوية تماما ألن التفعيالت
تختلف تبعا للزحافات والعلل العروضية التى تطرأ عليها فمثال " متفاعلن " يمكن
أن تصير " متفاعلن " أو " متْفاعلن " أو " متْفاعل " بتسكين التاء أو تحريكها ،أو
"ُ ُمتَفَا" فى العروض والضرب ،وكل التفاعيل يطرأ عليها هذا التنوع ،فالتفعيالت
تتنوع موسيقيا فى البدء والحشو والختام فى األبيات ،وحروف الكلمات التى تقابل
حروف التفعيالت تختلف بعضها مع بعض ،ما بين حروف ساكنة وحروف
طويلة ،وحروف لينة وهذا االختالف الصوتى ينوع الموسيقى ،وينوع معانى
اإليحاء الموسيقى فى الوزن الواحد "()1
فمهما تجددت العصور واألفكار ونمت وصعدت ،فإن األرقام ونسب الشعر
والموسيقى تبقى ثابتة ال تتغير ،وأما ما يتغير فهو األشكال واألنماط التى تبنى من
تلك النسب ،ذلك كمثل قوس قزح ،يبقى إلى األبد محتفظا باأللوان كلها ،وال
يصنع الفنانون المجددون إال خلط تلك األلوان والتجديد فى رصفها ومزجها
والتصوير فيها .
-1انظر " ا لتجربة اإلبداعية ىف ضوء النقد احلديث " للمؤلف ،دراسة " القصيدة املعاصرة بني الرؤية الناضجة
واألدوات الفنية اجلديدة " .
33
-1كتاب العروض " ألىب احلسن سعيد بن مسعدة األخفش " ص ، 128 ، 127حتقيق د /أمحد حممد عبد
الدامي ،مكتبة الفيصلية مبكة املكرمة سنة 1985م .
-2انظر :ميزان الذهب ىف صناعة شعر العرب .
34
ومن مجموع األبيات تتكون القصيدة الشعرية ،وهى فى مفهوم علماء
العروض البد أن تتكون من سبعة أبيات ،أما إذا كانت أقل من ذلك فلها مسميات
تتنوع حسب نوعها الكمى " العددى " .
فالبيت الواحد يسمى " مفردا ويتيما " .
ويسمى البيتان " نتفة " .
وتسمى الثالثة إلى الستة " قطعة " .
وتسمى " السبعة " فصاعدا " قصيدة " .
أما أجزاء البيت فهى كاآلتى :
أ ـ النصف األول من البيت يطلقون عليه " صدر البيت ،أو الشطرة
األولى " .
ب ـ والنصف الثانى يسمونه " عجز " البيت أو " الشطرة الثانية " .
جـ ـ العروض – وهى التفعيلة األخيرة من الشطرة األولى .
د ـ الضرب :وهو يتكون من التفعيلة األخيرة من الشطرة الثانية .
هـ ـ الحشو :وهو ما عدا العروض والضرب من أجزاء البيت فى الصدر
والعجز .
فإذا أردنا أن نتبين أجزاء البيت فى قول أبى تمام :
ب لك ماج ِد فغدا إذابةُ كل دمع جام ِد هى فرقةٌ من صاح ٍ
فإنها تكون كالتالى :
ـ صدر البيت :فى فرقة من صاحب لك ماجد .
ـ عجز البيت :فغدا إذابة كل دمع جامد .
ـ الضرب ( :مع جامد ) . ـ العروض ( :لك ماجد ) .
ـ الحشو ( :هى فرقة من صاحب ) .و ( فغد إذابة كل دم )
ألقاب البيت الشعرى د
كما أن للبيت مكونات وأجزاء ،فله كذلك ألقاب تتعدد حسب عدد تفاعيله ،أو
صورة قافيته أو العالقة بين الصدر والعجز ،أو المخالفة بيت هيئتى العروض
والضرب .
فأما األلقاب التى تطلق على البيت انطالقا من التصور الكمى له فى عدد
التفاعيل فهى :
1ـ البيت التام :وهو ما استوفى كل أجزائه مثل قول شوقى فى وصف
النيل .
من أى عهد فى القرى تتدفق وبأى كف فى المدائن تغدق
متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن
فالبيت من بحر " الكامل " وقد استوفى التفعيالت الست كاملة وال نقصان فيها
.
35
2ـ البيت الوافى :وهو ما استوفى كل أجزائه مع نقص فى إحدى
التفعيالت " العروض أو الضرب " ببعض العلل مثل قول أحمد شوقى من بحر
الكامل ،فى مدح المصطفى عليه السالم :
هذان فى الدنيا هما الرحما ُء بوإذا رح ْمتَ فأنتَ أ ٌّم أو أ َ ٌ
فعروض البيت هنا " صحيحة " متفاعلن ( من أو أبن ) متفاعلن والضرب
هنا مقطوع ..والقطع هو حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان ما قبله .والضرب
فى البيت ماثل فى قوله " رحما ُء " ( متفاعل ) .حيث حذفت النون من " علن "
وهى وتد مجموع ،وسكنت الالم ،فعلة النقص هنا " القطع " حولت متفاعلن إلى
" متفاعل.
3ـ البيت المجزوء :وهو ما حذفا جزءا عروضه وضربه – مثل قول
أحمد شوقى من مجزوء الكامل :
أال تكون ألع َْز ِل دنياك من عاداتها
فى ذى الحياة ويبتلى جعلت لحر يبتلى
فالبيت الشعرى هنا مكون من أربع تفعيالت والتفعيلة الثانية تسمى عروضا ،
والتفعيلة الرابعة تسمى ضربا .
قول 4ـ البيت المشطور :وهو ما حذف نصفه ،وبقى نصفه .مثل
الشاعر :
إنك ال تجنى من الشوك العنب
فالبيت هنا من بحر الرجز ،وهو مكون من ثالث تفعيالت فقط ولذلك يسمى
مشطورا أى نصف بيت .
5ـ البيت المنهوك :وهو ما حذف ثلثا شطريه وبقى الثلث اآلخر .
مثل قول الشاعر :
ياليتنى فيها جزع
أخب فيها وأضع
* وأما األلقاب التى تطلق على البيت حسب صورة القافية والعالقة بين
العروض والضرب فى هيئة اللفظ وصورة الوزن :
1ـ البيت المصمت :وهو ما خالفت عروضه ضربه فى الروى مثل قول
ابن زيدون فى مطلع قصيدة له من بحر الطويل :
ت الذى نفسى عليه تَذُ ُ
وب لعمرى ،لئن قَلَّتْ إليك رسائلى ألن ِ
فال تحسبوا أنى تبدلت غيركم وال أن قلبى من هواك ،يَت ُ ُ
وب
2ـ البيت المصرع :وهو ما غيرت عروضه لإللحاق بضربه بزيادة أو
بنقص .
فمثال العروض التى تغيرت بزيادة لإللحاق بالضرب قول ابن زيدون
فى مطلع قصيدة يمدح فيها ابن جهور ويرثى أمه:
36
فمن شيم األبرار فى الدهر
ُ هو الدهر فاصبر للذى أحدث
الصبر
ُ مثلها
فعروض بحر الطويل دائما مقبوضة ،وهى هنا جاءت تامة على
وزن " مفاعيلن " ( دث الدهر ) لإللحاق بالضرب التام وحقها أن تكون
مقبوضة على وزن " مفاعلن " ألن القبض هو حذف الخامس الساكن ،
فتحذف الياء من مفاعيلن – فتصير " مفاعلن " .
ومثال العروض التى تغيرت بنقص لإللحاق بالضرب قول ابن زيدون فى مطلع
غزلى من قصيدة يمدح فيها الوزير محمد بن جهور :
عتاب
ُ ب
لوم ال ُم ِح ِ
فيقصر عن ِ شباب
ُ ع ِل َمتْ أن الشفي َع
أما َ
فالعروض هنا شباب على وزن " مفاعى " ،وتنقل إلى فعولن وهذا التغيير
بالنقص يسمى " الحذف " وهو إسقاط سبب خفيف من آخر التفعيلة العروض أو
الضرب حيث تتحول " مفاعيلن " إلى " مفاعى وتنقل إلى فعولن .
3ـ البيت المقفى :وهو البيت الذى تساوى فيه العروض والضرب بال
تغيير مثل قول ابن زيدون فى مطلع قصيدة يرثى بها أم المعتضد ويمدحه .
بنعيك أن الدين من بعض ما نعى أال هل درى الداعى المثوب إذ دعا
فالعروض هنا مقبوضة ،والضرب مقبوض ،وهما كذلك فى الضوابط
العروضية لهذا البحر .
4ـ البيت المدور :وهو البيت الذى اشترك شطراه فى كلمة واحدة بأن
يكون بعضها من الشطر األول وبعضها من الشطر الثانى ،ومنه قول ابن زيدون
من قصيدة له وهو فى السجن يشكو سوء حاله إلى ابن جهور :
ليس يومى بواحد من ظلوم أيهـــــا المؤذنى بظلم الليالى
تأملــــت إن األفــق قمر
والشمـــــــــــــــــــــــــــــــــس يكسفان دون النجوم
* * *
التفاعيل
التفاعيل فى علم العروض هى األوزان الضابطة لموسيقى البحور الشعرية ،
ومجموع هذه التفاعيل عشر تفعيالت هى -:
4ـ 3ـ مفاعلتن . 2ـ مفاعيلن . 1ـ فعولن .
5ـ مستفعلن . فاعالتن .
مستفع لن . 8ـ 7ـ مفعوالت . 6ـ متفاعلن .
10ـ فاعلن . 9ـ فاع التن .
وهذه التفاعيل العشرة تتكون من عشرة حروف وهى " لمعت سيوفنا "
(ل–م–ع–ت–س–ى–و–ف–ن–ا)
37
والحركات والسكنات هى المعيار الضابط لموسيقية هذه التفاعيل ،وقد اتفق
علماء العروض على أن يرمزوا للحرف المتحرك بهذه العالمة ( ، ) /وأن
يرمزوا للحرف الساكن بهذه العالمة (ه) .
فمثال إذا أردنا أن نعرف مكونات أى تفعيلة من " الحركات والسكنات " علينا
أن نتبع اآلتى -:
أ ـ الحرف المنطوق هو الذى يحسب فى الميزان العروضى وهذا عكس الميزان
الصرفى – حيث يراعى فيه كل الحروف – واألصل المنقلب عنه الحرف ،
والمجرد والمزيد من األفعال .
عرف فى أما الميزان العروضى فال يراعى فيه إال الحرف المنطوق ،ولذلك ُ
علم العروض ما يسمى بالكتابة العروضية .
ب ـ الحرف المشدد يحتسب بحرفين أولهما ساكن وثانيهما متحرك كما يحتسب
الحرف المنون بحرفين أولهما متحرك وثانيهما ساكن ،وذلك كما فى كلمة " محمد
" فإننا نكتبها حسب الكتابة العروضية هكذا ( محممدن ) .
جـ ـ تقابل الحركة من الشعر بالحركة من الميزان بصرف النظر عن أن تكون
فتحة مقابلة لكسرة ،ويقابل السكون بالسكون( )1ويمكن أن نعرف عدد الحركات
والسكنات فى بعض التفعيالت بالطريقة اآلتية :
حركتان فسكون فحركة فسكون فعولن
حركتان فسكون فحركة فسكون فحركة فسكون مفاعيلن
وهكذا باقى التفاعيل :
مفاعلتن – مستفعلن – مفعوالت .
وهذه الحركات والسكنات حدد لها العروضيون مصطلحات تمثل األجزاء التى
تتكون منها كل تفعيله وهذه األجزاء هى :
3ـ الفاصلة . 2ـ الوتد . 1ـ السبب .
أوال – السبب :وهو ينقسم إلى قسمين :
أ ـ السبب الخفيف :وهو ما تكون من حرفين أولهما متحرك والثانى ساكن مثل "
فا " من فاعلن ،أو مثل قولنا " لم " و " فى "
فالحرف األول متحرك والثانى ساكن .
ب ـ السبب الثقيل :وهو ما تكون من حرفين متحركين مثل قولنا " ِبكَ ،لَكَ ،أو
" حرف العين والالم " " من مفاعلتن " علل .
ثانيا – الوتد :وهو عبارة عن ثالثة أحرف متوالية فى التفعيلة الشعرية ،وينقسم
إلى قسمين :
2ـ ( مفاعيلن ) مكونة من وتد مجموع وهو " مفا " وسببين خفيفين وهما " عيلن "
.
ع َل "
3ـ ( مفاعلتن ) مكونة من وتد مجموع وهو " مفا " وسبب ثقيل وهو " َ
وسبب خفيف وهو "ت ُ ْن".
4ـ ( فاع التن ) مكونة من وتد مفروق وهو " فاع " وسببين خفيفين وهما " ال –
تن " .
5ـ ( فاعلن ) مكونة من سبب خفيف وهو " فا " ووتد مجموع وهو " علن " .
6ـ ( فاعالتن ) مكونة من سبب خفيف وهو " فا " ووتد مجموع وهو " عال "
وسبب خفيف وهو " تن " .
7ـ ( مستفعلن ) مكونة من سببين خفيفين وهما " ُمسـ/ـتف " ووتد مجموع وهو "
علن " .
39
8ـ ( متفاعلن ) مكونة من سبب ثقيل وهو " ُمتَ " وسبب خفيف وهو " فا " ووتد
مجموع وهو " علن " .
9ـ ( مفعوالت ) مكونة من سببين خفيفين وهما " مف – عو " ووتد مفروق وهو
" الت " .
10ـ ( مستفع لن ) مكونة من سبب خفيف وهو " ُمس " ،ووتد مفروق وهو " تفع
" وسبب خفيف وهو " لن " .
الزحافات والعلل
أوال – مدلول الزحاف د
يعرف علماء العروض الزحاف بأنه " تغيير يلحق بثوانى أسباب األجزاء
للبيت ،أى أنه ال يكون إال فى السبب الثقيل أو الخفيف من التفعيلة – وهو يتخذ
صورتين من التغيير :
(ب) حذف الحرف . ( أ ) تغيير الحركة
ْ
فتغيير الحركة مثل تسكين التاء فى ُمت َفاعلن " فتصير " ُمتفاعلن " ويسمى هذا
التغيير إضمارا " .
وأما التغيير بحذف الحرف – فهو مثل " :حذف الحرف الثانى الساكن فى "
فاعلن فتصير " فعلن " ويسمى ذلك التغيير فى شكل التفعيلة " خبنا " .
ـ ومن خصائص الزحاف أنه إذا دخل فى بيت من أبيات القصيدة فال يجب
التزامه فى باقى األبيات وأنه يمكن أن يدخل أجزاء البيت كلها " من صدر وعجز
،وعروض وضرب وحشو " .
ثانيا – مدلول العلة د
العلة هى تغيير فى شكل التفعيلة مختص بثوانى األسباب واقع فى عروض
البيت أى فى التفعيلة األخيرة من الشطرة األولى – والضرب الزم لهم أى أنه إذا
لحق هذا التغيير بعروض أو ضرب فى أول بيت من قصيدة وجب استعماله فى
سائر أبياتها .
فالعلة ال تدخل فى حشو البيت ،وإنما تختص بالعروض والضرب ،أما الزحاف
فيدخل فى جميع أجزاء البيت .
وهذه التغييرات التى تطرأ على التفعيالت الشعرية فى داخل النسق اإليقاعى
للبحر الشعرى – الذى ينظم عليه الشاعر قصيدته أو قصائده تتنوع من تغيير
حركى إلى تغيير بحذف بعض الحروف ،إلى تغيير بزيادة بعض الحروف إلى
تغيير مزدوج باجتماع زحافين فى تفعيلة واحدة .
كل هذه التنويعات فى شكل التفعيلة الشعرية ،ال تسبب اضطرابا فى موسيقى
الشعر ،وال خلال فى إيقاعه .بل عدها النقاد مظهر ثراء للموسيقى الشعرية
40
وبخاصة فى " الشعر المقفى " ألنها تقضى على الرتابة اإليقاعية ،وتدفع الملل
عن المتلقى .
فاإليقاع فى الشعر المقفى يتمثل فى التفعيلة التى تتكون من تكرارها وحدات
البيت الموسيقية ،والوزن يتمثل فى مجموع تفاعيل البيت .وغير صحيح أن
الوحدات اإليقاعية المتمثلة فى تفعيالت البيت الواحد متساوية تماما ألن التفعيالت
تختلف تبعا للزحافات والعلل العروضية التى تطرأ عليها .
فمثال ُ " :مت َفاعلن " يمكن أن تصير " ُمتْفاعلن " أو " ُمت ْ
َفاعل " أو " متفاعل
" بتسكين التاء أو تحريكها ،أو تصير " ُمت َفا " أو " ُمتْفا " بتسكين التاء أو
تحريكها .و " مستفعلن " يمكن أن تصير " مستعلن " و " متعلن " و " متفعلن "
.و " فاعالتن " يمكن أن تصير " فعالتن " أو " فاالتن " أو " فاعال " أو " فعال
" أو " فعالن " .
فالتفعيالت كلها تتنوع موسيقيا فى البدء والحشو والختام فى األبيات .
وحروف الكلمات التى تقابل حروف التفعيالت تختلف بعضها مع بعض ،ما
بين حروف ساكنة وحروف طويلة وحروف لينة ،وهذا االختالف الصوتى ينوع
الموسيقى وينوع معانى اإليحاء الموسيقى فى الوزن الواحد "(. )1
ويقول د /محمد مندور " وأما شعرنا العربى فمن المعروف أن أساسه
الموسيقى أو العناصر األولية فى موسيقاه هى الحركة والسكون ،ومن هذه
الحركات والسكنات تتكون الفواصل المختلفة ،وكل مجموعة من الفواصل تكون
تفعيلة تقابل ما يسمى بالقدم عند الغربيين .
وأوزان الشعر العربى تتكون من مجموعات من التفاعيل " المتساوية " أو "
المتجاوبة " مع اختالفات بسيطة تسمى " بالزحافات والعلل " ،وهى الخالفات
التى ال تؤدى إلى تغيير النسق الموسيقى العام للبيت الشعرى ،وقد يكون بعضها
-1انظر " النقد األدىب احلديث للدكتور /حممد غنيمى هالل ،وكتاب " التجربة اإلبداعية " للمؤلف .
41
مما ال تكاد تدركه األذن ،وإنما يكتشف بالتقطيع ال بالترجيع ،وبعضها اآلخر
يستدرج بعمليات تعويض عند إنشاد الشعر .
ومن أهم وسائل التعويض الصمت الخفيف فى بعض المواضع .
و د /مندور يؤكد أن الخروج على نظام البيت الشعرى " ذى الشطرين " أحدث
ضعفا فى اإليقاع فى " الشعر الحر " يقول فى معرض موازنته بين موسيقى
الشعر الحر والشعر المقفى ولكننا نحس بأن هذا النوع من الشعر " الشعر الحر "
إذا كان يحتفظ بالكم الموسيقى أى بالوحدة الزمنية التى تتكون من التفعيلة ،
وطريقة البناء الداخلى لكل تفعيلة .
" إال أن الخروج على البيت كوحدة موسيقية يضعف اإلحساس بما يسمونه
فى علم الموسيقى " باإليقاع " وهو " تردد ظاهرة معينة على مسافات زمنية
متساوية أو متقابلة ،داخلة الوحدة الموسيقية ،وقد تكون هذه الظاهرة صمتا
خفيفا أو سكونا أو حركة معينة ،والذهاب باإليقاع أو ضعفه فى الشعر الجديد هو
الحافز للثورة ضده ،ألن ضعف اإليقاع فى هذا الشعر يقلق اآلذان التى اعتادت
على وضوح اإليقاع فى النمط التقليدى للشعر العربى القائم على اعتبار البيت كله
بتفاعيله المحدودة الوحدة الموسيقية للقصيدة "(. )1
وإذا كان الزحاف فى بعض تشكيالته يعد مظهر ثراء موسيقى وخصوبة
إيقاعية ،فإنه فى أحيان أخرى إذا أكثر منه الشاعر فى قصيدته يكون مصدر خلل
واضطراب .
وقد ألمحت إلى هذه الظاهرة " نازك المالئكة " وعابت على الشعراء
المحدثين من شعراء " مدرسة الشعر الحر " إفراطهم فى استعمال ظاهرة "
الزحاف وبخاصة فى " بحر الرجز " .
وتعلق " نازك المالئكة " على هذا التصرف الموسيقى الضار باإليقاع
الشعرى قائلة :
ومن المؤسف أن يكون النادر اليوم فى قصائدهم الرجز هو التفعيلة السليمة ،
وأن شعرنا صار من المرض بحيث كدنا ننسى طعم العافية ،وقد تفشى الزحاف
الذى هو فى نظرنا مسؤول إلى حد كبير عن شناعة اإليقاع ،والنثرية ،وغيرهما
مما يشكو الجمهور وجوده فى الشعر الحر ،والحق مع الجمهور(. )1
وإذا كانت الشاعرة نازك المالئكة تقف بحزم فى وجه الشعراء الذين يستهينون
بضوابط العروض ومصطلحاته ،وتصفهم بالجهل وضعف السمع وعدم المباالة .
فإن ميخائيل يتطرف فى موقفه المضاد لموقف نازك المالئكة ويرمى عروض
الخليل بالجمود والتأخر والسفسطة ،يقول معقبا على اكتشاف الخليل " لألوزان
الشعرية من مقال له تحت عنوان " الزحافات والعلل " .
منذ ذلك الحين يا أخى " أى بعد اكتشاف الخليل لعلم العروض " أخذ الوزن
يتغلب رويدا على الشعر إلى أن أصبح الشعر الحقا والوزن سابقا " وأصبح كل
من قدر على أن يتغلب على عروض الخليل بأوزانها وزحافاتها وعللها أهال ألن
يدعى شاعرا
لو نظرت يا أخى إلى ما جمعناه منذ نيف وألف سنة لوجدته – مع استثناء قليل
منه – معرضا لألبحر الشعرية بين طويلها وبسيطها وكاملها وخفيفها – إلخ ،مع
ما يطرأ عليها من " الزحافات والعلل " .
ال تضحك ،فالموقف موقف بكاء ال ضحك ،أمن المضحكات أن ندفن ألف
سنة من حياتنا األدبية بالزحافات والعلل ؟
-1ارجع إىل ذلك املوضوع ابلتفصيل حيث تؤصل الناقدة ملوسيقى الشعر احلر ىف كتاهبا " قضااي الشعر املعاصر
"
44
العروض لم يسئ إلى شعرنا قط ،بل قد أساء إلى أدبنا بنوع عام ،فبتقديمه
الوزن على الشعر قد جعل الشعر فى نظر الجمهور صناعة ،إذا أحاط الطالب
بكل تفاصيلها أصبح شاعرا ،وإذ أن للشاعر منذ بدء التاريخ مقاما رفيعا بين قومه
أصبح كل طالب شهرة يلجأ إلى العروض كأنه أقرب الموارد ،وبذاك انصرف
أكثر مواهبنا إلى قرض الشعر ،فأفقنا اليوم وال روايات عندنا وال مسارح وال
علوم وال اكتشافات وال اختراعات .
ويرى ميخائيل نعيمة أن الشعر الحقيقى ال ينحصر فى عشرات من البحور
وال فى ألوف من األبواب ،ففى كل عاطفة باب ،وفى كل فكر بحر ،بل إن فى
مظهر العاطفة الواحدة ،ألف باب وباب ،وفى ثنية واحدة من ثنيات الفكر الواحد
ألف بحر وبحر ،ومتى أدرك الشعراء الجدد أن مصدر الشعر طى النفس عكفوا
على درس أنفسهم ،وتفقدوا زواياها وخباياها ،حتى إذا ما عثروا هنالك على
عاطفة ترتعش وفكر يتململ صاغوا لتلك العاطفة ولذاك الفكر لباسا من الكالم
يليق بهما .
وليس من الكالم ما يليق لباسا للعاطفة الحية والفكر المستيقظ إال ما جمع منه
بين ائتالف ألوان الرسام وتناسق أشكال النحات وتوازن خطوط البناء وترابط
ألحان الموسيقى .حينئذ يا أخى تثمر قرائحنا ،فيكثر شعرنا " وتقل زحافاتنا
وعللنا "()1
وحين نعاود قراءة مقال " ميخائيل نعيمة " كله " فى كتابه الغربال ،ندرك أنه
لم يقصد إلى إرساء أسس نقدية ،وقوانين علمية لموسيقى الشعر العربى ،ولكنه
يتكلم بعاطفة األديب وليس بعقلية الباحث .
وليس هناك ناقد أو أديب أو شاعر عربى له قدمه الراسخة فى ميدان النقد
والشعر يعتقد أن قواعد العروض تسبق التجربة الشعرية ،وتصبح غاية للشاعر
فقديما قال أبو العتاهية :
" أنا أكبر من العروض " ومسيرة التجديد الموسيقى فى الشعر العربى لم
ينحسر مدها ،ولم ينطفئ وهجها .
والذين ينظمون شعرهم تحت مظلة العروض " وفقط " ليس لهم مكان فى
ساحة الشعر التى يحميها فرسان الكلمة ،وحماة فن العربية األول " الشعر " وهم
الشعراء الحقيقيون .
ثالثا – أنواع الزحافات د
ب ـ مركب . أ ـ مفرد . ينقسم الزحاف إلى قسمين :
أ ـ الزحاف المفرد د
وهو الذى يدخل فى سبب واحد من أجزاء البيت.
-1انظر الغرابل مليخائيل نعيمة مقال " الزحافات والعلل " ص . 125 – 107
45
والتغييرات فى الزحاف المفرد ثمانية د
1ـ اإلضمار :وهو تسكين الثانى المتحرك فى " ُمت َفاعلن فتصير " ُمتْفاعلن
بإسكان التاء .
2ـ الخبن :وهو حذف الثانى الساكن مثل حذف األلف من فاعلن فتصير " فعلن "
،وحذف " السين من " " مستفعلن " فتصير " متفعلن " .
3ـ الوقص :وهو حذف ثانى التفعيلة متى كان متحركا وثانى سبب مثل حذف
التاء من " متفاعلن " فتصير " مفاعلن " ويالحظ أن هذا التغيير شاذ ونادر
الوجود فى تفعيلة بحر الكامل " متفاعلن " .
4ـ الطى :وهو حذف رابع التفعيلة متى كان ساكنا وثانى سبب مثل حذف الفاء من
مستفعلن " أو حذف األلف من " متفاعلن " فتصير " متفعلن " أو حذف الواو من
مفعوالت " فتصير " مفعالت " .
5ـ العصب :وهو إسكان خامس التفعيلة متى كان متحركا وثانى سبب ،مثل
ع ْلتن " " بتسكين الالم "
علَتن " بتحريك الالم ،فتصير " ُمفَا َ تسكين الالم فى " ُمفَا َ
.
6ـ القبض :وهو حذف خامس التفعيلة متى كان ساكنا وثانى سبب مثل حذف
النون من فعولن فتصير " فعول " وحذف الياء من مفاعيلن فتصير " مفاعلن " .
7ـ العقل :وهو حذف خامس التفعيلة متى كان متحركا وثانى سبب .مثل حذف
الالم من مفاعلتن فتصير مفاعتن وتنقل إلى مفاعلن .ويالحظ أن هذا التغيير شاذ
ونادر الوجود فى تفاعيل بحر الوافر ،ومن استقراء معظم القصائد التى جاءت
منظومة فى قالب بحر الوافر لم أعثر على هذا التغيير .
8ـ الكف :وهو حذف سابع التفعيلة متى كان ساكنا وثانى سبب مثل حذف النون
من مفاعيلن " فتصير مفاعيل " ،ومثل حذف النون من مستفع لن فتصير " مستفع
ل " ومثل حذف النون من فاعالتن فتصير " فاعالت " ومثل حذف النون من فاع
التن فتصير " فاع الت " .
ــ وحين نتأمل تعريفات أنواع الزحافات المفرد نجد أنه ال يتناول من التفعيلة إال
الحرف الثانى أو الرابع أو الخامس أو السابع فهو ال يدخل الحرف األول بداهة ،
وال الثالث ألنه ال يكون إال أول سبب أو ثالث وتد ،وال السادس ألنه .أى الحرف
السادس إما أن يكون أول سبب أو ثانى " وتد " ،وذلك ألنه ال تتوالى ثالثة أسباب
فى تفعيلة واحدة ،فإن جاء فيها ـ سبب فوتد ـ فمجموعها خمسة أحرف فيكون
السادس أول سبب ،وإن توالى فيها سببان كان السادس ثانى وتد .
ب ـ الزحاف المركب د
وهو الذى يلحق بسببين من األجزاء فى البيت الشعرى ،ويتكون كل نوع منه من
نوعين من الزحاف المفرد .
46
1ـ الخبل :وهو مركب من الخبن والطى فى تفعيلة واحدة كحذف سين وفاء "
مستفعلن " فتصير " متعلن" وحذف " الفاء والواو " من مفعوالت فتصير "
معالت " .
2ـ الخذل :وهو مركب من اإلضمار والطى كإسكان التاء وحذف األلف من "
متفاعلن " فتصير " متْفعلن بإسكان التاء وهذا التغيير نادر االستعمال فى موسيقى
بحر الكامل .
3ـ الشكل :وهو مركب من الخبن والكف كحذف األلف األولى والنون األخيرة
من فاعالتن فتصير " فعالت " .
4ـ النقص :وهو مركب من العصب والكف كتسكين الخامس المتحرك وحذف
السابع الساكن من " مفاعلتن " فتصير " مفاعلت " .
رابعا – أنواع العلل د
ب ـ النقص . أ ـ الزيادة . وتنقسم العلة إلى نوعين :
أ ـ أنواع علل الزيادة د
1ـ الترفيل :وهو زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع نحو فاعلن ،
فتقلب النون ألفا وتزيد سببا خفيفا فتصير " فاعالتن " ونحو " متفاعلن حيث
تصير " متفاعالتن .
2ـ التذييل :وهو زيادة حرف ساكن على ما آخره وتد مجموع نحو مستفعلن
فتصير " مستفعلتن وتنقل إلى مستفعالن ونحو " " متفاعلن " فتصير " متفاعالن "
.ونحو " :فاعلن " تصير " فاعالن " .
3ـ التسبيغ :وهو زيادة حرف ساكن على ما آخره سبب خفيف نحو " فاعالتن "
تصير " فاعالتان " .
ب ـ أنواع العلل التى تكون بالنقص ،وهى تسع علل د
1ـ الحذف :وهو إسقاط السبب الخفيف من آخر التفعيلة مثل " مفاعيلن " فتصير
" مفاعى " وتنقل إلى فعولن وهذه العلة توجد فى الضرب الثانى لبحر الهزج مثل
قول الشاعر :
طويل سوى الحزن الطـ غزال ليــــــــــــس لى منه
مفاعيلن مفاعيلن
مفـــاعيـــــلن مفاعيلن
2ـ القطف :وهو إسقاط السبب الخفيف وإسكان ما قبله فى نحو " مفاعلتن "
فتصير " مفاعل " وتنقل إلى " فعولن " وهذه العلة الزمة لعروض وضرب الوافر
مثل قول الشاعر " أحمد شوقى " : التام ..
وهذى الضجــــــــجة الكبرى عال َم؟ ف بينكمو إال َم؟ إال َم الخلــــــ ُ
مفاعلتن فعولن مفاعلتن مفاعلتن
فعولن مفاعلتن
47
3ـ القصر :وهو إسقاط ساكن السبب الخفيف وإسكان متحركه فى نحو " مفاعيلن
" فتصير " مفاعيل " ،ومثل متفع لن فى بحر الخفيف المجزوء ،تأتى العروض
مجزوءة والضرب مخبوبا مقصورا مثل قول الشاعر :
نوا غضبتم يسير كل خطب إن لم تكو
ومنه قول محمود حسن اسماعيل :
ما يرد الغرب نديان الجبينْ تاريخها
ِ أمكم ِمص ُْر وفى
فاسألوها واسمعوا فى تربها يزعج اآلفاق صوت الراقدينْ
ــ فالضرب هنا على وزن :فاعالت ،والتفعيلة أصلها ،فاعالتن .حذفت
النون وسكنت التاء .
4ـ القطع :وهو حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان ما قبله فى فاعلن :فتصير "
فاعل " وتنقل إلى " فعلن " .
وهذه العلة كثيرة الورود فى تفعيلة بحر " المتدارك " مثل قول صاحب هذه
السطور من قصيدة بعنوان " دوائر النهر " :
فتمور دوائر أشعارى فى نهرك أُل ِقى أحجارى
األغوار
ِ وتعانق أفق تتموج فيها أنفاسى
ويمكن تقطيع البيت األول هكذا :
1ـ فى نه ــــ رك ألـــ قى أحــ جارى
فعلـــــن فعلــــــن فعلــــــــن فعلـــن
عارى 2ـ فتمور ردوا ئر أشــــ
فعلـــــــــن فعلــــــن فعلــــن فعلــن
5ـ التشعيث :وهو حذف أول ،أو ثانى الوتد المجموع فى نحو " فاعلن " فتصير
" فالن " أو " فاعن " ،فينقل إلى " فعلن " ،ونحو " فاعالتن " تصير " فعالتن".
ومثل ذلك " ضرب بحر الخفيف ،يدخله " " التشعيث " وعروضه صحيحة
مثل قول الشاعر :
األحياء
ِ ت إنما ال َميْتُ َم ِيتُ ليس من مات فاستراح بِ َم ْي ٍ
6ـ الحذذ :وهو حذف الوتد المجموع برمته فى مستفعلن ،فتصير " مستف "
و تنقل إلى " فعلن " ،وكذلك " متفاعلن " تصير " متفا " بعد حذف " علن " وهو
الوتد المجموع ،وتكون العروض " حذاء والضرب مثلها " فى بحر الكامل مثل
قول صاحب هذه السطور من قصيدة " الجبل " :
األرض بالعلياء تتصل وحراء نبع فى تماوجه
شعَلولها بكل منارة ُ شهْب ص ْخ ٌر ومنه تَفَ َّج َرتْ ُ
َ
7ـ الصلم :وهو حذف الوتد المفروق برمته من آخر الجزء فى " مفعوالت "
فتصير " مفعو " فتنقل إلى " فعلن " .
وتأتى هذه العلة فى ضرب بحر " السريع " ،والعروض مكسوفة .مثل قول
الشاعر :
48
لسقيم ماله عائدٌ و َم ِيت ليس له ناعٍ َم ْن
8ـ الكسف :وهو حذف آخر الوتد المفروق فى " مفعوالت " فتصير " مفعوال "
وتنقل إلى " مفعولن " .
ومثال ذلك فى بحر السريع تأتى العروض مطوية مكسوفة ويأتى الضرب
مثلها مثل قول القائل :
يَقت ُل من شاء وال يُقت ُلَ هلل د ََّر البين ما يفع ُل
9ـ الوقف :وهو تسكين متحرك آخر الوتد المفروق فى " مفعوالتُ " فيصير "
ْ
مفعوالت " .
وقد يجتمع الحذف والقطع معا فيسمى ذلك " بالبتر " نحو " فاعالتن " فتصير
إلى " فاعل " وتنقل إلى " فعلن " 1ومثال ذلك قول الشاعر :
ودموعى تطفئ النَّارا نار الهوى َكبِدِى أنضجت ُ
* * *
-1نظرا ألن هذه القواعد واملصطلحات اثبتة ىف كل كتب العروض فقد آثرت االعتماد على أحد هذه الكتب
املوثوق هبا ىف صناعة هذا العلم وهو كتاب " ميزان الذهب ىف صناعة شعر العرب " .
49
-1اعتمدت كثريا ىف ضوابط البحور على كتاب " ميزان الذهب "
-2انظر :كتاب العروض لألخفش – حتقيق د /أمحد عبد الدامي .
50
وأحمد عبد المعطى حجازى ،وأمل دنقل – سنجد أن كثيرا من نماذجهم الشعرية
الرائدة صيغت فى قالب هذا البحر في بعض الدواوين إلى ./. 50كما فى ديوان
تأماالت فى زمن جريح للشاعر صالح عبد الصبور 0
ويمكن أن تكون ندرة النماذج التى وردت فى الشعر القديم منظومة فى هذا القالب
النغمي "بحر المتدارك " هى الدافع األول لرفض الخليل النظم عليه ،وال يعنى
هذا رفض موسيقاه 0
وفى تحليل أوزان البحور سأرتبها كاألتى د
أوال – البحور الصافية " ذات التفعلية الواحدة " وتسمى أيضا "البحور المفردة "
وهى :
أجزاؤه البحر
( مفاعيلن – مفاعيلن – مفاعلين – مفاعيلن ) – 1الهزج
مفاعلتن – مفاعلتن – ( مفاعلتن – مفاعلتن – مفاعل 2ـ الوافر
مفاعل )
متفاعلن – متفاعلن – ( متفاعلن – متفاعلن – متفاعل 3ـ الكامل
متفاعلن )
مستفعلن – مستفعلن – ( مستفعلن – مستفعلن – مستفعلن 4ـ الرجز
مستفعلن )
فاعالتن – فاعالتن – ( فاعالتن – فاعالتن – فاعالتن 5ـ الرمل
فاعالتن )
فعولن – فعولن – فعولن 6ـ المتقارب ( فعولن – فعولن – فعولن – فعولن
– فعولن )
فاعلن – فاعلن – فاعلن 7ـ المتدارك ( فاعلن – فاعلن – فاعلن – فاعلن
– فاعلن )
ثانيا – البحور المركبة أو الممتزجة وهى د
أجزاؤه البحر
فاعلن – 8ـ البسيط ( مستفعلن – فاعلن – مستفعلن – فاعلن مستفعلن
مستفعلن فاعلن )
– فعولن 9ـ الطويل ( فعولن – مفاعيلن – فعولن – مفاعيلن
مفاعيلن -فعولن – مفاعيلن )
فاعالتن – فاعلن – 10ـ المديد ( فاعالتن – فاعلن – فاعالتن
فاعالتن )
– مستفعلن 11ـ السريع ( مستفعلن – مستفعلن – مفعوالت
مستفعلن – مفعوالت )
– مستفعلن 12ـ المنسرح ( مستفعلن – مفعوالت – مستفعلن
مفعوالت – مستفعلن )
51
فاعالتن – مستفع لن – 13ـ الخفيف ( فاعالتن – مستفع لن – فاعالتن
فاعالتن )
مفاعيلن – فاع ال تن 14ـ المضارع ( مفاعيلن فاع التن
)
مفعوالت – مستفعلن ) 15ـ المقتضب ( مفعوالت مستفعلن
مستفع لن – 16ـ المجتث ( مستفع لن -فاعالتن
فاعالتن )
****
52
-1واحلذف هو :اسقاط سبب خفيف من آخر التفعيلة " العروض أو الضرب "
-2انظر " ميزان الذهب " ىف صناعة شعر العرب /السيد امحد اهلامشى .
53
وما ظهرى لباغى الضيــــــم بالظهر الذلول()1
وندرة األمثلة ال تلغى القاعدة ،فبحر المتدارك ندرت أمثلته فى الشعر القديم ،
ومع ذلك بقيت أوزانه وحظى بمكانة كبيرة فى إيقاع الشعر العربى المعاصر شعر
التفعيلة " .
تنبيه د
نبه علماء العروض إلى أنه " يدخل فى حشو الهزج من الزحاف كف " مفاعيلن "
فتصير " مفاعيل و " وهو مستحسن ،وقبض مفاعيلن وهو مقبول بشرط أن ال
يتفق الزحافان فى الجزء الواحد .
والهزج :وزن وثيق الصلة بمجزوء " الوافر " ،ويلتبس األمر فى بعض األحيان
فال ندرى أيعد البيت من مجزوء الوافر أم من الهزج ؟ .
والصفة التى تفرق بين الهزج ومجزوء الوافر هى أن مفاعيلن فى الهزج يجوز أن
تصبح مفاعيل فقط ،وقد استقبح علماء العروض هذا فى الوافر ولم يستسيغوه ،
وكذلك " مفاعلن " ال تجئ فى وزن الهزج ،ومنه قول العقاد :
2
أال تعرف عنوانى ؟( ) نزي َل المنز ِل الخالى
فثقْ أنك تلقانى ط ْفتَ َح ْولَيْه
إذا ما ُ
بعض ألوانى
ُ وفيه فما من منز ٍل ...إال
-1انظر " ميزان الذهب " ىف صناعة شعر العرب /السيد امحد اهلامشى .
-2انظر نص القصيدة كامال بديوان العقاد جـ . 2
54
2ـ الوافر
"مفاعلتن مفاعلتن مفاعل" وتحول إلى "فعولن" وتفاعيل هذا البحر هى :
فتصير" :مفاعلتن مفاعلتن فعولن"
ويأتى هذا البحر فى ثالث صور :
1ـ أن يكون البحر تاما والعروض مثل الضرب ( فعولن ) .
أ ـ مفاعلتن مفاعلتن فعولن ،مفاعلتن مفاعلتن فعولن ومنه قول أحمد شوقى :
" أنادى الرسم لو ملك الجوابا وأجزيه بدمعى لو أثابا
أنادر رسـ ملو ملكل جوابا " كتابة عروضية "
وأجزيهى بدمعيلو أثابا [ كتابة عروضية ]
مفاعلتن مفاعلتن فعولن مفاعلتن مفاعلتن فعولن
عل ،بعد أن دخلها القطف فى العروض والضرب :وهو ْ َ
وفعولن هنا أصلها ُ :مفا َ
إسقاط السبب الخفيف وإسكان ما قبله فى نحو :مفاعلتن فيصير مفاعل " فينقل إلى
فعولن " .
2ـ أن يكون البحر مجزوءا أى يكون مكونا من أربع تفعيالت :
( مفاعلتن – مفاعلتن – مفاعلتن – مفاعلتن )
وفى هذا الشكل المجزوء يأتى على صورتين .
أ ـ العروض مثل الضرب " صحيحة مجزوءة مثل قول الشاعر إبراهيم ناجى :
سناك صال ة أحالمى وهذا الركــ ــــن محرابى
مفاعلتــــن مفاعلتن مفاعلتــــــن مفاعلتـــــــــن
به ألقيــ ــت آالمــــى وفيه طرحـ ـت أوصابى
مفاعلتــــن مفاعلتن مفاعلتــــــن مفاعلتـــــــــن
ــ ومن ذلك الشكل الشعرى قول الشاعر اسماعيل عقاب فى ديوانه هى والبحر:
أنا النيران فى الشفق وأنت البحر يانزقى
ليطفئ جذوة الشفق فهات الموج دفاقا
1
وأهوى حيثما أهوى فدونك روعة الغرق( )
ب ـ العروض مجزوءة صحيحة ( مفاعلتن ) والضرب معصوب ( مفاع ْلتن )
ومنه قول الشاعر القروى من قصيدة بعنوان " الداء العياء " :
سنا مضَّامض نفو َ يَ ُّ سدٌ
وشر بالئِنا َح َ
ُّ
فينقض جمعنا نقضا يؤسس فردنا نفعا
3ـ الكامل
أ ـ سبب التسمية د
وهذا البحر سماه الخليل بهذا االسم ألن فيه ثالثين حركة لم تجتمع فى غيره من
الشعر ،وله تسعة أضرب لم يحصل عليها بحر آخر .
/ متفاعلن ( متفاعلن /متفاعلن /متفاعلن ب ـ تفاعيله وهى :
متفاعلن /متفاعلن )
جـ ـ أقسامه د يأتى هذا البحر تاما ومجزوءا .
أوال ـ التام د
يأتى فى عدة قوالب من الوزن تبعا لتنوع العروض والضرب :
( ) 1إذا كانت العروض صحيحة " متفاعلن " نجد لها ثالثة أضرب .
( أ ) العروض صحيحة والضرب صحيح :مثل قول الشاعر ابن زيدون :
يعطى اعتبارى ما جهلت فأعلم الدهر إن أملى فصيح أعجم
ساوى لديه الشهد منها العلقم إن الذى قدر الحوادث قدرها
فالعروض صحيحة وكذلك الضرب صحيح على وزن " متفاعلن "
(ب) العروض ،صحيحة ( متفاعلن ) والضرب مقطوع على وزن متفاعل ،مثل
قول جرير فى رثاء زوجه " أم حزرة " .
عمرت مكرمة المساك وفارقت ما مسها صلف وال إقتار
والصالحون عليك واألبرار صلى المالئكة الذين تخيروا
ْ
(جـ) العروض صحيحة والضرب أحذ مضمر على وزن " ُمتفَا " حيث يحذف
الوتد المجموع من آخر التفعيلة " علن " وتسكن التاء فى " متفا " ومنه قول امرئ
القيس من قصيدة له :
حلو الشمائل ماجد األصل فلئن هلكت لقد علمت بأننى
( ) 2إذا كانت العروض حذاء على وزن ُمتَفَا نجد لها ضربين هما :
( أ ) ضرب أحذ مثلها على وزن " ُمتَفَا " مثل قول الشاعر :
وحالوة الدنيا لجاهلها ومرارة الدنيا لمن عقال
وقول كاتب هذه السطور من قصيدة بعنوان الجبل :
إنى أسير يضمنى الجبل فكأننى فى الصخر أرتح ُل
من كل زاوية مالمحه تبدو وفى األجواء تنتق ُل
فكأنه عين الوجود إلى قلب الخفايا لَ ْم ُح َها يص ُل
فأعاريض القصيدة وأضربها كلها على وزن " متفا " بفتح الفاء .
57
ويرى د /إبراهيم أنيس أن هذا الوزن نادر الوجود فى الشعر القديم ويقرر أن مثل
هذا النوع من الوزن ال نكاد نرى له مثال واحدا فى الشعر الحديث وأتى بنموذج
من شعر أبى العتاهية ،ثم قال :
والقصيدة التى من هذا النوع قليلة فى الشعر العربى بوجه عام مثل قول أبى
العتاهية :
ال سوقة يبقى وال ملكُ الموت بين الخلق مشتركُ
وهذا الحكم ليس مطردا – فهناك قصائد كثيرة فى الشعر الحديث تجرى على هذا
النمط – ومن ذلك قصيدة " الجبل " لكاتب هذه السطور :
وألبى تمام قصيدة تبلغ تسعة وأربعين بيتا يمدح بها أحمد بن عبد الكريم وكلها
جاءت على هذا الوزن عروضا وضربا .
متفاعلن متفاعلن متفا متفاعلن متفاعلن متفا
ومطلعها :
ب
ش ِ ُ
وبدا بوشى شقائق ق ُ ب
شق الربيع مضايق ال ُح ُج ِ
ْ
أما الضرب الثانى فيكون على وزن " ُمتفَا " بتسكين التاء وهو " أحذ " مضمر –
وهذا الوزن فى الشعر القديم وفى الحديث كثير ومنه قول أبى تمام :
وبقيت ما ُمدَّ المدى بعدى على فى لَحْ دِى
َّ غطت يداكَ
ورزقت منك العطف ما حملت عينى الدموع ودام لى وجدى
الصد
ِ بين النوى ومخافة نفسى بكتمانى معلقة
ثانيا – الكامل المجزوء د ويتكون من أربع تفعيالت ( :متفاعلن – متفاعلن
متفاعلن – متفاعلن )
وتتشكل مادته العروضية من أربع صور حيث تظل العروض صحيحة فى
الحاالت األربع ،أما الضرب فيجئ على أربع صور
( مرفال – ومذيال – وتاما – ومقطوعا )
وأمثلته هكذا د
أ ـ العروض صحيحة والضرب صحيح ،ومنه قول الشاعر /أحمد شوقى :
أال تكون ألعزل دنياك من عاداتها
فى ذى الحياة ويبتلى جعلت لحر يبتلى
فالعروض والضرب هنا على وزن " متفاعلن "
ب ـ العروض صحيحة والضرب مرفل ،ومنه قول أبى تمام:
قوغليل شوق واحترا ُ قنأى وشيك وانطال ُ
ق
تاهت بصحبته الرفا ُ بأبى هوى ودعته
فالتفعيلة فى آخر البيتين على وزن " متفاعالتن " .حيث جاء الضرب مرفال ،
والترفيل هو زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع حيث صارت متفاعلن ،
متفاعالتن .
58
جـ ـ العروض صحيحة والضرب " مذيل " ومنه قول " محمود غنيم " متحدثا عن
جنازة السالم .
عصفا وغطاه القتا ْم عصفت به ريح الوغى
قبر يزار وال مقام فمضى شهيدا ماله
مادام فى الدنيا حطام ليس السالم بسائد
فالتفعيلة األخيرة فى هذه األبيات وهى " الضرب " أتت على وزن " متفاعالن "
فهى مذيلة ،والتذييل هو " زيادة حرف ساكن على ما آخره وتد مجموع .
ــ ومن ذلك قول الشاعر /فاروق جويدة فى قصيدته " مات الحنين "
ْ
الحنين اليوم تجمعنا الليالى بعدما مات
وتوارت األحالم خوفا بين أحزان السنين
طيف العاشقين َ وقضيتُ كل العمر أسأل عنك
1
ونسجت من أيامى الحيرى رداء البائسين( )
د ـ العروض صحيحة والضرب مقطوع على وزن " ُمتَفَا ِع ْل " وهذا الوزن نادر
الوجود وقد مثل له العروضيون بهذا البيت :
توإذا همو ذكروا اإلسا ءة أكثروا الحسنا ِ
والقطع هو حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان ما قبله مثل متفاعلن ،حيث تحذف
النون وتسكن الالم وتنقل إلى " متفاعل " .
4ـ الرجز
أوال – سبب التسمية د سمى هذا البحر باسم " الرجز " الضطراب أوزانه
كاضطراب قوائم الناقة عند القيام .
ثانيا – تفعيالتهد يتكون هذا البحر فى صورته الموسيقية الكاملة من ست تفعيالت
هى (:مستفعلن /مستفعلن /مستفعلن -و مستفعلن /مستفعلن /مستفعلن )
ثالثا – أقسامه د ينقسم هذا البحر إلى أربعة أقسام :
أ ـ الرجز التام ب ـ الرجز المجزوء .جـ ـ الرجز المشطور .د ـ الرجز
المنهوك .
أ ـ الرجز التام :يأتى فى صورتين :
أ ـ الرجز التام :العروض صحيحة والضرب صحيح مثل قول الشاعر :
ظه ٍْر أشرقتْ لى أم ْ
قمر شمس ُ
ُ أم بشر
ى سباتى أم ْ أدر هل ِجنِ ٌّ
لم ِ
حتى كأن الموتَ منه فى النظر ُ
أم ناظر يهدى المنايا طرفه
ــ فى هذا القالب النغمى يعزف الشاعر /إبراهيم عيسى قصيدته :شهريار الجديد:
يا شهرزاد يا حنين العمر كم ليل بأشواق الينابيع ارتوى
ب بالهوى قد اكتوى على جواد الغيم جئت ممطرا أحالم قل ٍ
1
فإن غفا الليل صحت عين الهوى( ) ونام فى عينيك شوق حالم
الثانية :العروض صحيحة والضرب مقطوع على وزن مفعولن ومنه قول
الشاعر :
قلب بلوعات الهوى معمــــــــود حتى سقتنيه الظبا ُء الغيدُ
إذ ال دواء للهوى موجودُ من ذا يداوى القلب من داء الهوى
ب ـ الرجز المجزوء :ويتكون من أربع تفعيالت :
وتأتى عروضه مماثلة لضربه ،ومنه قول الشاعر " :عبد هللا البردونى " من
شعراء اليمن المعاصرين من قصيدة بعنوان " أم يعرب " :
على الرياح ينسج ج ُ
حيث الغبار األ ْه َو ُ
س ُج
ويستطيل العَ ْو َ وحيث تشْمخ الدُّ َمى
على القشور البُهْرج هناك حيث يَدَّعى
صحو الربى وت َ ْدلُ ُج جزيرة تطفو على
جـ ـ الرجز المشطور د وهو البيت الذى يتكون من ثالث تفعيالت فقط ،ويطرأ
على آخره كثير من التغييرات .
5ـ الرمل
أ ـ سبب التسمية د
قيل إن بحر " الرمل " سمى بهذا االسم ألنه شبه برمل الحصير يضم بعضه إلى
بعض .وكان العرب يطلقون هذا الوصف على الشعر الذي يوصف باضطراب
البناء والنقصان ،وكانوا يطلقونه على من يهز منكبيه ..ويسرع فى حركته .
ب ـ تفاعيله د يتكون هذا البحر من ست تفعيالت وهى :
( فاعالتن – فاعالتن – فاعالتن – فاعالتن – فاعالتن – فاعالتن )
1ـ تام . جـ ـ أقسامه :ينقسم هذا البحر إلى قسمين :
2ـ مجزوء .
أوال – الرمل التام د ويجئ قالبه الوزنى فى ثالث صور :
أ ـ العروض المحذوفة " فاعال " وتنقل إلى فاعلن ،والضرب الصحيح ومن هذا
الوزن قول إبراهيم ناجى من قصيدة بعنوان " فى ظالل الصمت " .
من ثنايا السهل أصدا ٌء بعيد ْه سهْل ولكن أقبلتصمتَ ال َّ
تشتهى النفس به أن تستعيده كل لحن فى هدوء شامل
فاعالتن فاعالتن فاعالتن فاعالتن فاعالتن فاعلن
ب ـ العروض محذوفة والضرب مقصور على وزن فاعالت :فاعالتن فاعالتن
فاعلن فاعالتن فاعالتن فاعالت
ومن هذا القبيل قول ابراهيم ناجى " مصورا موقفه من الحياة " :
ضحكة ساخرة هازلة وخيال تافه هذى الحياة
فاعالتن فعالتن فعلن فعالتن فاعالتن فاعالت
أن غدا أحقرها مال " وجاه " ذل فيها المال والجاه إلى
نحمد هللا على أنَّا بها لم نصن من ذلة إال الجباه
جـ ـ العروض محذوفة والضرب محذوف كذلك ،والوزن هكذا :فاعالتن فاعالتن
فاعالتن فاعالتن فاعلن فاعلن
ومن هذا القبيل قول الشاعر عمر أبى ريشة من قصيدة له بعنوان :عروس المجد
" الديوان ص " 417
يا عروس المجد تيهى واسحبى فى مغانينا ذيول الشهب
لم تعطر ِبدِما ُح ٍر أبى لن ترى حفنة رمل فوقها
فاعالتن فعالتن فاعلن فاعالتن فعالتن فاعلن
ثانيا – الرمل المجزوء د وله أيضا ثالث صور فى قالبه الوزنى ،عروض واحدة
صحيحة وثالث أضرب :
1ـ مسبغ "فاعالتان" 2.ـ صحيح " فاعالتن " 3 .ـ محذوف " فاعلن " .
62
ــ والصور الثالثة لوزن الرمل المجزوء هى :
أ ـ العروض صحيحة مجزوءة والضرب " مسبغ " فاعالتان والتسبيغ هو " زيادة حرف ساكن
على ما آخره سبب خفيف نحو فاعالتن تنقل إلى " فاعالتان " .
ومن ذلك قول الشاعر :
سفَانْ
أربعا واســ ستخيرا ر ْبعًا بعَ ْ خليلى ْ
َّ يا
فاعالتــن فاعالتـــن فاعالتن فاعالتان
وهذا الوزن غير شائع ،ولكن يمكن النظم على إيقاعه .
ب -العروض صحيحة والضرب صحيح ،ومنه قول الشاعر محمود حسن اسماعيل من
قصيدة بعنوان " هكذا أغنى " .
هكذا كنت أغنى إن تسل فى الشعر عنى
أو تشأ فارحل ودعنى إن تشأ فاسمع نشيدى
صلوات وتغنى هو من روحى لروحى
وهو احساسى الذى ينــــــــــــــــــــــــــــــــــــــساب كالجدول منى
فاعالتن فاعالتن فاعالتـــن فاعالتـــــن
ـ ومنه قول الشاعر عبد العزيز شرف من ديوانه :نهر من دموع
فى غالالت القرون إننى نهر وفاء
للحياة – للمنون بت حيران أغنى
بدموع ال تهون أغنيات باكيات
تنتهى فيها الشجون باحثات عن حياة
1
فليكن بعضى جنونا وليذب فيه الحنين( )
جـ ـ العروض صحيحة مجزوءة والضرب محذوف ومنه قول الشاعر :
" قل من ينقاد للحقـ ـق ومن يصغى له "
وهذا الوزن غير شائع ،ولكن يمكن النظم عليه .
وهناك لونان موسيقيان شاعا فى العصر الحديث ولم ينوه بهما علماء العروض القدامى وهما :
أ ـ أن يكون الضرب على وزن فاعالت .
ب ـ أن يكون الضرب على وزن فعالت .
ـ ـ ومن األول قول شوقى فى مسرحية " مصرع كليوباترا "
ذكره فى األرض سار يومنا فى اكتيوما
اسألوا أسطول روما هل أذقناه الدمار
ـ ـ ومن الثانى قول شوقى أيضا فى مسرحية " مجنون ليلى "
وهزار الربوات قيس عصفور البوادى
وغمرت الفلوات طرت من واد لواد
فعالتن فعالت فاعالتن فاعالتن
6ـ المتقارب
أوال – سبب التسمية د
سمى بذلك لتق ارب أوتاده ،ألن فيه ثمانية أوتاد يحجز بين كل وتدين سبب وقيل
سمى متقاربا لقلة حروفه ألنه مركب من فعولن الذى على خمسة أحرف والشئ
إذا قل وتقاصر تقارب أطرافه()1
ثانيا – تفاعيله :يتكون هذا البحر من ثمانى تفعيالت وزنها " فاعلن " وهى:
( فعولن – فعولن – فعولن – فعولن فعولن – فعولن – فعولن – فعولن )
ثالثا – أقسامه د ينقسم هذا البحر إلى " تام ومجزوء " .
( ) 1المتقارب التام د له عروض واحدة صحيحة ،ولها أضرب كاآلتى :
( أ ) العروض صحيحة والضرب صحيح ،ومن هذا الوزن قول كاتب هذه
السطور من قصيدة بعنوان " الصدى " .
ْ
نهرك تحفر
ُ صدر ْك وفى جبهة الغيم َ عهدتكَ تفت ُح للشمس
عمر ْك
َ األرض
ِ وتغرس فى دورةُ وتمسكُ بالفأس والكونُ ضاحٍ
فعول فعولن فعولن فعولن فعول فعولن فعولن فعولن
فعول " ،ومن ذلك الوزن قول " ْ (ب) العروض صحيحة والضرب مقصور " ،
عبد هللا البردونى من قصيدة بعنوان " نحن أدواءنا "
أَقُدَّامنا مرفأ ٌ يا قلو ْع فه ْل َخ ْلفَنَا شاط ٌ
ئ يا رياح
أماما وال نستطيع الرجو ْع وصلنا هنا ال نطيق المضى
ت نزو ْع ولم يبق فينا آل ٍ فلم يبق فينا لماض هوى
( جـ ) العروض صحيحة والضرب محذوف على وزن " فعو " ووزن البيت هكذا
فعولن .فعولن .فعولن ( فعو ) ( فعولن .فعولن .فعولن .فعولن
وعلى هذا الوزن يجئ قول ابراهيم ناجى :
وأنك أنضر ما فى الربى سأكتب أنك أنت الربيع
وقول الشاعر /عبد هللا شرف من قصيدته :إلى أين:
وسارت خطاك إلى األسوأ توالت عليك خطوب الحياة
2
وودع حياتك أو فارجئ ( ) فيا قلب ودع بقايا الرجاء
( د ) العروض صحيحة والضرب أبتر " فع " ،وهذا القالب من الوزن نادر ،
وليست له شواهد شعرية فى الشعر القديم إال القليل النادر ومن ذلك قول السيد
الحميرى – يصف عروسا تزف إلى اسماعيل بن عبد هللا بن العباس :
وفوق رحالتها قُبَّ ْه أتتنا تزف على بغلة
"7المتدارك "
1ـ هذا البحر يسمى " الخبب " ،ويسمى " ركض الخيل ".
وكثير من المختصين بدراسة علم العروض ،قديما وحديثا يقولون " إن الخليل بن
أحمد الفراهيدى " لم يثبت هذا البحر فى تقنينه لقواعد علم العروض ،ثم جاء
األخفش واستدركه وأثبت تفاعيله ،وهذا الرأى ثبت أنه غير صحيح ،وقد ناقشت
هذه القضية سابقا ..حيث أثبت د /أحمد عبد الدايم فى تحقيقه لكتاب " العروض "
لألخفش ،أن األخفش لم يدع اختراعه لهذا البحر.
وبرغم ذلك فإن " نازك المالئكة " تقول فى معرض كالمها عن هذا البحر
والمعروف أن العرب لم يستعملوا هذا الوزن إال نادرا ،ولعل ذلك هو الذى جعل
الخليل ينساه فال يحصيه فى بحوره الخمسة عشر ،وإنما استدرك به األخفش
وسماه لذلك " المتدارك " وهذه نتيجة غير صحيحة .
2ـ من خصائص بحر المتدارك د
تقول " نازك المالئكة " :
يتميز هذا الوزن بخفته وسرعة تالحق أنغامه ،وهذه الخفة وتلك السرعة تجعالنه
ال يصلح إال لألغراض الخفيفة الظريفة ،وإال لألجواء التصويرية التى يصح فيها
أن يكون النغم عاليا ،وإنما يثبت فيه هذه الصفة ما نراه من تقطع أنغامه ،فكأن
النغم يقفز من وحدة إلى وحدة ،وسبب ذلك أن " فعلن " تتألف من ثالث حركات
متتاليه يليها ساكن " وهو ما يسمى بالفاصلة الصغرى ،وهذا التوالى الذى يعقبه
سكون فى كل تفعيلة يسبغ على الوزن صفته الملحوظة فكأنه يقفز ،وذلك هو الذى
جعلهم يسمونه " ركض الخليل " " أحيانا "()1
وليس كل ما قالته " نازك المالئكة " صحيحا ،فموسيقى هذا البحر ال تنحصر فى
التعبير عن األغراض الخفيفة الظريفة ،كما قالت صاحبة كتاب " قضايا الشعر
المعاصر " ،ألننا حين نـتأمل دواوين الشعراء المعاصرين نجد أن موسيقى هذا
البحر هى األكثر شيوعا وسيطرة على إيقاع القصائد .
وتجارب الشعراء المحدثين مكثفة وتجنح إلى الرمز واإليغال وتنآى فى معظمها
عن األغراض الخفيفة الظريفة .حيث تتسم تجارب الشعر " الحر " بالغموض ،
والتكثيف ،والغوص وراء الحقائق ،والبعد عن المباشرة والتقريرية .
ويمكن أن نقول :إن موسيقى هذا البحر الواثبة ،تناسب سرعة اإليقاع فى
هذا العصر ،وهى أيضا انعكاس لشدة االنفعال ،وتأجج العاطفة وتوقدها.
-1انظر :قضااي الشعر املعاصر ،ص " 133 ، 132انزك املالئكة "
66
3ـ تفاعيل هذا البحر وتشكيالته الموسيقية د
ي تكون البيت الشعرى المنظوم على هذا البحر من ثمانى تفعيالت وهى
( فاعلن – فاعلن – فاعلن – فاعلن فاعلن – فاعلن – فاعلن – فاعلن )
أعاريضه وأضربه د
2ـ المتدارك ينقسم هذا البحر إلى قسمين 1 :ـ المتدارك التام .
المجزوء .
1ـ المتدارك التام د ويأتي على صورة واحدة وهى :
أ ـ العروض صحيحة " فاعلن " ،والضرب صحيح مثلها " فاعلن " مثل قول
الشاعر :
باألثر
ْ علم سوى أخذِه فض َل ٍ غب ْر لم يَدَ ْع َم ْن مضى للذى قد َ
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن
وهذه الصورة نادرة الوجود فى الشعر العربى – وأعتقد أن هذا المثال مصنوع
للبرهان على صحة القاعدة :
ألن تفعيلة بحر المتدارك لم ترد فى الشعر العربى القديم إال على صورتين " فعلن
أو فعلن وقصيدة " الحصرى خير شاهد على ذلك .
يقول :
أقيا ُم الساع ِة موعدُه ب متى غدُه ص ُّيا لي ُل د ال َ
للبين يُ َر ِددُه
ِ فس ٌأَ َ وأرقَهَّ ار
س َّم ُرقد ال ُّ
مما يرعاه ويرصده وأرقه فبكاه النجم
فعلن فعلن فعلن فعلن فعلن فعلن فعلن فعلن
2ـ المتداك المجزوء د ويأتى فى ثالث صور :
أ ـ العروض مجزوءة صحيحة ،والضرب مثلها صحيح مثل قول الشاعر:
والد َم ْن
بين أطاللها ِ قف على دارهم وا ْب ِكيَ ْن ْ
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن
ب ـ العروض مجزوءة صحيحة والضرب " مذال " ( فاعالن ) مثل قول الشاعر:
أم كتاب محته الدهور هذه دارهم أقفرت
فاعلن فاعلن فاعالن فاعلن فاعلن فاعلن
جـ ـ العروض مجزوءة صحيحة والضرب مخبون مرفل " فعالتن " مثل قول
الشاعر :
الملوان
ِ قد كساها البلى عمان
ِ دار سعدى بشحر
فاعلن فاعلن فعالتن فاعلن فاعلن فعالتن
ويالحظ أن األمثلة فى البحر " المتداك المجزوء مصنوعة " ولكن يمكن النظم
على مثالها ،شريطة أن تكون لها مقوماتها الفنية والشعورية .
67
وهذا التكلف فى وضع األمثلة ناشئ من قلة النتاج الشعرى القديم المنظوم على هذا
البيت ،وهذه الندرة ترجع إلى أن " موسيقى هذا الوزن – كما يقول د /على
عشرى زايد – على قدر واضح من االضطراب بطبيعتها ،وقريبة من النثرية ،
وقد شاع هذا الوزن شيوعا كبيرا فى نتاج الشعر المعاصر .
1
وكثير ما ينزلق هذا الوزن بالشعراء إلى لون من النثرية والركاكة الموسيقية( ) "
.ولكن ليس كل ما ينظم على موسيقى هذا البحر يكون ركيك اإليقاع .
والنموذجان اآلتيان يجسدان موسيقى هذا البحر المؤثرة المصورة للشعور يقول
الشاعر " ميخائيل نعيمه فى مطلع قصيدته " صدى األجراس "
سرحتْ تستفسر آثارى باألمس جلستُ وأفكارى
أمال أن تدرك أسرارى وترود الحاضر والماضى
سك ََر أحالمى تستعرض ع ْ ص َطفَّتْ حولى أيامى وا ْ
2
وتقود خطاها أوهامى( ) فمشت أحالمى تخفرها
ويقول " :عبد هللا البردونى " من قصيدته " آخر جديد " :
يعرف مهال
ْ مجنونٌ لم ق
صنى قل ٌ واليوم تق َّم َ
ُ
تستاق العاصفة الرمال فتقاذفنى التجوا ُل كما
وزقاقا هرما منحال فعبرت زقاقا مأهوال
لوجوه لم تحمل ش ْكال وترابا ينس ُج أقنعةً
حيًّا وأعيد صدًى ولَّى صدًى أعب َ
ُّ وهناك جثوتُ
3
والظال( )
ِ َ كتفى الخضرة
َّ الباب فمدَّ على
ُ ورآنى
1انظر مقدمة ديوان " شجرة احللم للشاعر د /حسني على حممد تقدمي د /على عشرى زايد .
2ديوان " مهس اجلفون " /ميخائيل نعيمه ص . 40
-3ديوان " مدينة الغد " /عبد هللا الربدوىن ص . 72
68
"8البسيط "
أ ـ سبب التسمية د
سمى البسيط بهذا االسم ألنه – كما يقول الخليل – انبسط عن مدى الطويل ،وجاء
وسطه " فعلن " وآخره " فعلن " .
ب ـ من الخصائص الموسيقية لهذا البحر د
إن طبيعة هذا البحر " اإليقاعية " كما يرى بعض النقاد " تتفق مع الشجن ،
والتذكر والحنين ،وهو يكثر فى الشعر الفصيح والشعبى ،بل يجئ فى مقدمة
البحور التى يستعملها الشعراء ،والمالحظ بصفة عامة كثرة استعماله فى الشعر
العربى بمصر ،وقد تنبه لهذا " أحمد أمين فى كتابه " النقد األدبى ،فقال أكثر
األغانى البلدية المصرية من بحر " البسيط " .
كما نالحظ هذه الكثرة فى الشعر الدينى وبخاصة ما قيل منه فى مصر ،ولعل مما
يساعد على انبساط الحركات فى عروضه وضربه إذا خبنا ،أو النبساط األسباب
فى أوائل أجزائه السباعية على نحو ما رأى الزجاج ،ونعلل لهذا بطواعية هذا
البحر لظاهرة اإلنشاد ،وبخاصة اإلنشاد الدينى ،فهو يعطى التموج واالنسيابية ،
واإليقاع الذى يعطى النفس حالة من حاالت السمو والصفاء "()1
جـ ـ تفعيل البحر البسيط ثمان وهى د ( مستفعلن – فاعلن – مستفعلن – فاعلن
مستفعلن – فاعلن – مستفعلن – فاعلن )
ـ د ـ أقسامه د ينقسم البحر البسيط إلى ثالثة أقسام 1 :ـ تام 2.ـ مجزوء 3 .
مخلع .
القسم األول – البسيط التام د
وله عروض واحدة " مخبونة وضربان وبذلك تتشكل تفاعليه من صورتين "
األولى :تأتى تفاعيل البحر فيها على هذه الصورة .
العروض تامة مخبونة :والضرب مثلها تام مخبون ( فعلن ) مثل قول الشاعر "
أبو تمام " .
فى حده الحد بين الجد واللعب السيف أصدق أنبا ًء من الكتب
وتقطيع البيت هكذا :
فى حده الحد بين الجد واللعب السيف أصـــدق أنبا ًء من الكتب
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن مستفعلن فعلن مستفعلن فعلن
وفى إطار هذا التشكيل يقول الشاعر :يس الفيل فى قصيدة له
أنصرف ؟
ُ وكيف عنك إذا ما شئت ترتجف ؟
ُ إلى متى أنت فى جنبى
-1انظر " دراسات ىف النص الشعرى " ،ص ، 72د /عبده بدوى .
69
وأنت مأساته تهتز أم تقف ؟ وكيف أنجو وعمرى أنت فرحته ؟
بى الظنون أدمى هدأتى صلف وأنت واحة أحالمى إذا عصفت
وتستبيح سباتا منه أغترف()1 ترتد بـــــــى لزمان بات ينكرنى
** الثانيةد
العروض تامة مخبونة والضرب مقطوع "فعلن" ومن ذلك قول الشاعر محمود
حسن إسماعيل :
موار
ُ لديك إال أسى فى القلب يا فرحة العيد مالى ال يساورنى
أسرار
ُ من األسى غلفت معناه ال تسأل الشعر عنها فهى ملحمة
وأشعـــــــــــــــــار
ُ فما تفيد أناشيد صوفية شرقت فى السمت حكمتها
القسم الثانى – البسيط المجزوء د
ويأتى فى ثالث صور د
األولى :العروض مجزوءة صحيحة " مستفعلن " والضرب مثلها صحيح ومن
ذلك قول الشاعر القديم :
مخلولق دارس مستعجم ماذا وقوفى على ربع خال
مستفعلن فاعلن مستفعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن
وهذه الصورة من موسيقى بحر البسيط نادرة الوجود فى شعرنا القديم والحديث .
الثانية :العروض مجزوءة صحيحة والضرب مذال " مستفعالن " ومنه قول
الشاعر :
وسائال لم يعف ذل السؤال يا طالبا فى الهوى ماال ينال
مستفعلن فاعلن مستفعالن مستفعلن فاعلن مستفعالن
الثالثة :العروض مجزوءة صحيحة والضرب مقطوع " مفعولن " ومنه قول
الشاعر :
عن عاجل كله متروك ما أطيب العيش إال أنه
وال طريق له مسلوك والخير مسدودة أبوابه
متفعلن فاعلن مفعولن مستفعلن فاعلن مستفعلن
القسم الثالث د " مخلع البسيط "
وفى هذا اللون من األلوان الموسيقية لبحر البسيط تكون العروضه مقطوعة
والضرب مقطوع أيضا وتفاعيله هكذا :
مستفعلن فاعلن فعولن مستفعلن فاعلن فعولن
ــ ومنه قول الشاعر /محمود حسن اسماعيل :
والسحر والعطر والجمال مسافر زاده الخيال
مستفعلن فاعلن فعولن مستفعلن فاعلن فعولن
وشيبت عمرها الجبال شابت على أرضه الليالى
"9الطويل "
أ ـ سبب التسمية د قيل إن بحر الطويل سمى بهذا االسم ألنه " طال بتمام أجزائه
".
ب ـ من الخصائص الموسيقية لهذا البحر د
إن هذا البحر يشيع فى الشعر العربى القديم بصورة كبيرة – فهو " بحر يلقى ظله
– كما يقال على ثلث الشعر القديم ،ويشتمل على ثمان وعشرين مقطعا ،ومن
المعروف أنه هو والبسيط من أطول البحور وأحفلها بالجالل والرصانة والعمق ،
ومن المالحظ أن بحر الطويل يعطى إمكانيات للسرد ،وللبسط القصصى ،
والعرض الدرامى ،ولهذا نجده يكثر فى أشعار السير والمالحم واحتواء األساطير
.
والمعانى الجادة – كما يرى ابن العميد – ال تؤدى إال بنفس طويل ،وال تتالءم إال
مع األعاريض الطويلة "(. )1
ويمكن أن نفسر ظاهرة قلة نظم الشعراء المعاصرين على البحر " الطويل "
وانهيار نسبة هذا البحر فى العصر الحديث كما يقول د /ابراهيم أنيس ،حيث قد
مضى زمانه ولم تعد له المنزلة األولى التى ألفناها فى أشعار القدماء .
يرجع ذلك إلى ندرة فن المالحم وفن السير الشعرية ،والقصائد الملحمية فى
العصر الحديث ،وبرغم ذلك فالبحر لم ينقرض ومازالت أمواجه متدفقة .
جـ ـ تفاعيل البحر " الطويل " د ( فعولن -مفاعيلن -فعولن -مفاعيلن
فعولن – مفاعيلن – فعولن – مفاعيلن )
ــ وتتشكل صورته الموسيقية فى ثالثة أشكال د
1ـ الشكل األول :
أ ـ العروض مقبوضة " دائما " ( مفاعلن ) والضرب مقبوض مثلها :
( فعلون – مفاعيلن – فعولن – مفاعلن فعولن – مفاعيلن – فعولن – مفاعلن )
ومنه قول المتنبى :
وتأتى على قدر الكرام المكارم على قدر أهل العزم تأتى العزائم
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن
2ـ الشكل الثانى د
العروض مقبوضة والضرب صحيح " مفاعيلن " ومنه قول أبى تمام مفتخرا :
البدر
ُ إذا الشمس لم تغرب فال طلع وقالتد أتنس البدر قلتد ت َ َجلُّدًا
الصخر
ُ مدى اللين إال أن أعراضنا بالعطاء فجاوزت
ِ األكف
َّ ألنَّا
-1انظر " دراسات ىف النص الشعرى ص " ، 128 ، 116د /عبده بدوى .
72
نسب يدنيه منا وال صهر ٌ وال كأن عطايانا يناسبن من أتى
فأزينُ منها عندنا الحمد والشكر إذا زينة الدنيا من المال أعرضت
ويالحظ أن أبا تمام قد غير " مفاعيلن " فى حشو البيت إلى " مفاعلن " ،ومع أن
هذا التغيير مقبول عند العروضيين وورد فى شعر القدامى – لكن د /إبراهيم أنيس
يستقبح هذا التغيير فى مفاعيلن وتحويلها إلى مفاعل فى حشو البيت ويقول عنها :
" فهى صورة نادرة ال تستريح إليها اآلذان ،وقد رويت فى بعض أبيات الشعر
القديم ،ولكننا ال نكاد نراها فى شعر حديث .
وحاول د /إبراهيم أنيس أن يغير من رواية األبيات التى جاء فيها هذا التغيير ،
وهو تغيير ليس بالقليل حسب اإلحصاء الذى أورده .
فقد وردت " مفاعلن " فى معلقة امرئ القيس عشر مرات ،وفى معلقة " زهير "
أربع مرات ،وفى معلقة " طرفه " ثمانى مرات .
وفسر ذلك بأنه " لعل انحرافا فى رواية المعلقات هو الذى جاءنا بتلك الحاالت
التى رويت فى شعر الجاهليين "()1
وأبو تمام يأتى بها فى العصر العباسى وال يشعر بحرج ،وال اضطراب موسيقى
فى قوله :
مدى اللين إال أن أعراضنا الصخر ألنا األكف بالعطاء فجاوزت
فعولن مفاعلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن فعولن مفاعلن
ويقول أبو تمام من قصيدة أخرى :
2 ٌ
غيوث هوام ٌع سيو ٌل دواف ُع ( ) ع
نجو ٌم طوال ٌع جبا ٌل فوار ُ
فعولن مفاعلن فعولن مفاعلن فعولن مفاعلن فعولن مفاعلن
فالشاعر هنا استخدم " مفاعلن " فى حشو البيت مرتين فى بيت واحد ،وجاءت
العروض على الوزن نفسه " مفاعلن " ،والضرب جاء على الوزن نفسه "
مفاعلن " ومع ذلك لم نشعر باضطراب موسيقى ،بل حسن التقسيم عند أبى تمام ،
أو لجوؤه إلى فن الترصيع صبغ البيت بصبغة موسيقية زاهية متموجة .
وهذه الدالئل تجعلنا نقبل " مفاعل نفى حشو البيت وال نرفضها ،وال نتهم أشعار
األقدمين بضعف الرواية وفسادها .
3ـ الشكل الثالث د
العروض مقبوضة " مفاعلن " والضرب محذوف " مفاعى " وينقل إلى " فعولن "
ـ ومنه قول أبى فراس الحمدانى يخاطب سيف الدولة :
تراب
ُ وكل الذى فوق التراب ص َّح منكَ الودُّ فالك ُّل هينٌ
إذا َ
خراب
ُ وبينى وبين العالمين عامر
ٌ فياليت ما بينى وبينك
* ويقول ابن زيدون :
"10المديد "
أوال – سبب التسمية د
يقول " الخليل بن أحمد " مفسرا سر تسمية هذا البحر بهذا االسم ...إنه سمى بذلك
لتمدد سباعيه حول خماسيه .
ومعنى ذلك أن " المديد يتكون من تفعيلتين مكررتين فى أصل تكوين البحر " أربع
مرات وهما " فاعالتن فاعلن " .
وتتكون التفعيلة األولى من سبعة أحرف ،والثانية تتكون من " خمسة أحرف "
فالمقصود " بسباعيه " " فاعالتن " التى تتكرر وتحصر فى تكرارها وتحصر فى
تكرارها التفعيلة الخماسية " فاعلن " التى تتكون من خمسة حروف .
ثانيا – أجزاء " المديد " د
يتكون المديد من ثمانى تفعيالت كما جاء فى كتاب " عروض الورقة " وهى :
فاعالتن فاعلن فاعالتن فاعلن " فاعالتن فاعلن فاعالتن فاعلن
ثالثا – التشكيالت العروضية وموقف النقاد من موسيقى هذا البحر د
وقع خالف بين العلماء حول تشكيالت هذا البحر العروضية .
فالجوهري صاحب كتاب " عروض الورقة " يذهب إلى أن هذا البحر قد يأتى تاما
كامال وعبر عن ذلك بقوله " مثمن محدث " أى مكون من ثمانى تفعيالت – وما
ورد من أشعار فى ذلك هى أشعار محدثة قيلت فى عصره ..وليست أشعارا قديمة
،وقد أورد بيتا واحدا ولم ينسبه لقائله وهو :
قد برانى /إذ بدا /بين حور ُ /خ َّرد ( )
1
من لقلب /هائم /فى غزال /ناعم
فاعالتن /فاعلن /فاعالتن /فاعلن فاعالتن /فاعلن /فاعالتن /فاعلن
وهذا المثال مصنوع لكى تصح القاعدة التى تقول بمجئ البحر المديد تاما –
فالصورة الغالبة على هذا البحر أن ياتى مسدسا أى مكونا من ست تفاعيل ..كما
قال صاحب كتاب " الكافى فى علمى العروض والقوافى " حيث يقول فى معرض
كالمه عن " المديد " :
2
وأجزاؤه " فاعالتن فاعلن أربع مرات " " مجزوءا وجوبا " ( ) ومعنى ذلك أن
التفعيلة األخيرة من الشطر األول ومن الشطر الثانى تحذف ..فيصبح البيت فى
صورته المعهودة مكونا من ست تفعيالت على هذا النحو :
فاعالتن فاعلن فاعالتن فاعالتن فاعلن فاعالتن
-1انظر :عروض الورقة /تصنيف ابن نصر امساعيل بن محاد اجلوهرى /حتقيق وتقدمي د /صاحل مجال بدوى .
2انظر الكاىف ىف علمى العروض والقواىف " ألىب العباس أمحد بن شعيب القنائى " حتقيق وتعليق د /حممد عبد
املنعم خفاجى .
75
وقد استثقل العروضيون القدامى موسيقى هذا البحر وأرجعوا ندرة المنظوم من
هذا البحر إلى ثقل موسيقاه ،وبعض النقاد المحدثين وقع فى أسر هذا الحكم وقال
" إن هناك بحورا متدفقة النغم ألفها الشعراء واستراحت لنغماتها اآلذان وعنى بها
الشعراء على وجه الخصوص فى الشعر القديم وهى " :الطويل – الكامل –
البسيط – الوافر – الخفيف ".
وعلى النقيض من ذلك فإن بحر المديد نادر فى الشعر وال توجد له سوى أبيات
معدودة " ()1
ونفهم من منطوق هذا الحكم أن " المديد " غير متدفق النغم ،ولم يألفه الشعراء
ولم تسترح لنغماته اآلذان ،ولم يُعَنَ به الشعراء !!! ...وهذا حكم فيه من التعميم
ما يبعده عن الدقة ،وما يقربه من التبعية لألحكام التقليدية الجاهزة .
وقد كان د /ابراهيم أنيس أدق حكما وأصوب رأيا ..حين تساءل فى دهشة مسنكرا
موقف العروضيين من موسيقى " المديد " هذا بحر اعترف أهل العروض بقلة
المنظوم منه ،وعللوا هذا فى بعض كتبهم بأن فيه ثقال !.
وال أدرى ماذا عنوا بالثقل ونحن نشعر بانسجام موسيقاه ،وال نرى فيها ما فى
المنسرح مثال من بعض االضطراب ،وفى الحق أن هذا البحر يستحق دراسة
خاصة فى ضوء بحر الرمل فربما أمكن نسبة ما نظم منه إلى بحر الرمل ،مع
شرح ما فيه من تغير أو تحور جعله يباين الرمل فى تفاعيله " ()2
وعلى الرغم من ندرة المنظوم على موسيقى هذا البحر فإن موسيقاه عذبة سلسلة
مستساغة وليست ثقيلة نابية .
ولنتأمل قول حافظ ابراهيم :
السهر
ِ قد سها من شدة ما لهذا النجم فى السحر
فاعالتن فاعلن فعلن فاعالتن فاعلن فعلن
السحر
ِ مؤنس
ُ إن جفانى ِخ ْلتُه يا قو ُم يؤنسنى
فاعالتن فاعلن فعلن فاعالتن فاعلن فعلن
رابعا :وأما التشكيالت العروضية التى يتشكل من خاللها هذا البحر فى صورته
التراثية فهى تأتى مكونة من ثالث أعاريض وستة أضرب على هذا النحو :
1ـ العروض األولى صحيحة وضربها صحيح ومثال ذلك قول أبى العتاهية :
قرار
ُ لمقيم
ٍ ليس فيها لدار
إن دارا نحن فيها ُ
ويمكن تقطيع البيت هكذا :
ليس فيها لمقيم قرار إن دارا نحن فيها لدار
فاعالتن فعلن فاعالتن فاعالتن فاعلن فاعالتن
2ـ العروض الثانية " محذوفة " " فاعلن " عوض " فاعال " ولها ثالثة أضرب :
"11الخفيف "
أوال د سبب التسمية.
هذا البحر يقول عنه " الخليل بن أحمد الفراهيدى " إنه سمى بهذا االسم ألنه أخف
من السباعيات " ،وموسيقاه تتسم بالخفة والسهولة " .
وهو " ساطع النغم " ،بارز الموسيقى ،ثم إنه صالح للحوار " بقال وقلت
" ويصلح للجدل وللترديد وللسرد ،ويمتلئ بالروح الملحمى ،وهو بحر
يكثر فى البيئات المتحضرة ،وقد قيل إنه أخف البحور على الطبع
وأطالها للسمع ،وقد ذكر " حازم القرطاجنى فى منهاج البلغاء " أن له
جزالة ورشاقة " ()1
وحين نمعن النظر فى النتاج الشعرى ندرك أن للبحر " الخفيف " أثرا
كبيرا مسيطرا على دواوين الشعراء ..قديما وحديثا ..
ففى ديوان " البحترى " يحتل " الخفيف " المرتبة الثالثة فى استخدام الشاعر
للبحور الشعرية بعد الطويل والكامل ..حيث تبلغ نسبة استخدام موسيقى "
الطويل " %31ونسبة الكامل ، %21والخفيف . %17
وفى ديوان المتنبى يحتل هذا البحر المرتبة الخامسة بعد الطويل والكامل والبسيط
الوافر ..حيث تبلغ نسبة استخدام الشاعر لها على الترتيب ( الطويل ، %28
والكامل ، %19البسيط ، %16الوافر ، %14الخفيف . ) %9
وفى العصر الحديث ..نجد الشعراء يميلون إلى موسيقى البحر " الخفيف " ففى
ديوان أمير الشعراء " أحمد شوقى " يحتل البحر الخفيف المرتبة الثانية بعد الكامل
..حيث تبلغ نسبة استخدام الشاعر للكامل %27وللخفيف . %11
وفى ديوان " المالح التائه " لعلى محمود طه " يحتل هذا البحر المرتبة الثانية بعد
الكامل حيث تبلغ نسبة استخدام الشاعر للكامل %24وللخفيف . %16
وفى ديوان " على الجارم " يحتل الخفيف المرتبة األولى حيث تبلغ نسبة استخدام
الشاعر لموسيقاه . %29
وفى ديوان " أنات حائرة " للشاعر عزيز أباظة يتصدر الخفيف البحور الشعرية
حيث تبلغ نسبة استخدام الشاعر لموسيقاه . %58
وفى ديوان " أحمد رامى " تأتى الصدارة لموسيقى هذا البحر حيث يتفق مع عزيز
أباظة فى نسبة استخدامه للخفيف . %58
-1انظر :دراسات ىف النص الشعرى د /عبده بدوى ص ، 165وارجع إىل " منهاج البلغاء وسراج األدابء
حلازم القرطاجىن " .
79
وفى ديوان " على الجندى " أغاريد السحر تأتى الصدارة لهذا البحر أيضا حيث
تبلغ نسبة استخدام الشاعر لموسيقاه )1( %27
ثانيا – أجزاء البحر الخفيف د
يتكون البيت فى هذا البحر من ستة تفاعيل على هذا النحو :
فاعالتن مستفع لن فاعالتن فاعالتن مستفع لن فاعالتن
ويالحظ أن التفعيلة الثانية والخامسة " مستفع لن " مخالفة فى كتابتها لتفعيلة بحر
" الرجز " ،مستفعلن ،وكذلك " البسيط " مستفعلن .
ووجه الخالف بين " مستفع لن " وبين " مستفعلن " أن حذف السابع من مستفع لن
يسمى " قصرا " وفى مستفعلن يسمى " قطعا بشرط إسكان ما قبل السابع ،
وحذف الرابع فى " " مستفع لن " غير جائز ،وفى " مستفعلن " جائز ألنه " طى
" ()2
وتتكون " مستفعلن " من سببين خفيفين فوتد مجموع أما " مستفع لن " فتتكون من
( سبب خفيف +وتد مفروق +سبب خفيف )
****
ثالثا – أقسامه وتشكيالته العروضية :ويأتى هذا البحر تاما ومجزوءا .
1ـ التام :ويتكون من ست تفاعيل :فاعالتن – مستفع لن – فاعالتن
فاعالتن مستفع لن فاعالتن
فاعالتن 2ـ أ المجزوء :ويتكون من أربع تفاعيل :فاعالتن مستفع لن
مستفع لن
وهناك صورة أخرى لمجزوء الخفيف أجازها العالم الجليل " أبو نصر اسماعيل
بن حماد الجوهرى فى كتابه " عروض الورقة " ،وهى صورة نادرة حيث أجاز
حذف التفعيلة األولى والثالثة ( فاعالتن ) .
مستفعلن وأجزاء البيت على هذا التشكيل تكون هى :مستفعلن فاعالتن
فاعالتن
وهذه الصورة هى نفسها صورة " بحر المجتث " ،وال وجود لبحر المجتث فى
كتاب عروض الورقة .
ويقول " الجوهرى " فى معرض كالمه عن البحر " الخفيف " وقد ركب منه
مربع آخر وهو الذى يسميه الخليل مجتثا وبيته الذى ال زحاف فيه :
والوجه مثل الهالل البطن منها خميص
مستفعلن فاعالتن مستفعلن فاعالتن تقطيعه:
3
وقد نقص منه " فاعالتن " األولى والثالثة ( )
-1انظر :دواوين هؤالء الشعراء وارجع إىل موسيقى الشعر د /ابراهيم أنيس .
-2انظر :كتاب " امليزان ىف العروض والقافية " حتقيق د /حممد عبد املنعم خفاجى ،اجلزء الثاىن .
-3انظر :عروض الورقة " ألىب نصر اجلوهرى " ،حتقيق د /صاحل مجال بدوى ص. 82
80
ونالحظ أن الجوهرى يخالف بقية العروضين فال يفرق بين مستفعلن وبين "
مستفع لن " رغبة فى القضاء على التفريعات واالصطالحات والتقسيمات
العروضية .ولكنى أرى أن الصورة التى استقر عليها العروضيون فى بحر
الخفيف هى الصورة الصحيحة حيث يمتنع حذف الرابع الساكن من " مستفع لن "
وإذا حدث فى البحر الخفيف هذا الحذف تكون الموسيقى الشعرية مضطربة فال
يجوز أن تصبح التفعيلة " مستعلن " فى الخفيف ويجوز ذلك فى " الرجز " .
وكذلك حذف التفعيلة األولى والرابعة يعد تصرفا غريبا فالحذف يكون من آخر
الشطرة األولى والثانية .وليس من بداية البيت ووسطه .
وأما التشكيالت العروضية فتأتى على هذا النحو د
القسم األول د أ ـ الخفيف التام وله عروضان وثالثة أضرب د
( ) 1العروض األولى صحيحة " فاعالتن " ولها ضربان :
األول :ضرب صحيح ..ويجوز فيه التشعيث فيصير " مفعولن " عوض "
فعالتن " .
ومثال ذلك قول " ابن الرومى " فى وصف " وحيد " المغنية :
ففؤادى بها ُمعَنَّى عميد ياخليلَّى ..تيَّمتنى وحيدا
وتقطيع هذا البيت هكذا :
ففؤادى بها معنى عميد ياخليلى ..تيمتنى وحيدا
فاعالتن متفع لن فاعالتن فاعالتن متفع لن فاعالتن
فالعروض هنا صحيحة ..والضرب صحيح " فاعالتن " .
وفى إطار هذا التشكيل للبحر الخفيف تأتى قصيدة د /أحمد منصور نفادى
يقول مشيدا باألزهر فى عيده األلفى
ومعين الهدى لدنيا الرذيلة قلعة الحق والتقى والفضيلة
1
وزهر العقول يشكو ذبوله ( ) ومنار العلوم فى ظلمة الجهل
ومثال الضرب الذى دخله " التشعيث " " فعالتن " .
قول ابن الرومى فى القصيدة نفسها واصفا " وحيد "
يسهل القول أنها أحسن األشـ ــياء طرا ويعسر التحديد
وتقطيع هذا البيت هكذاد
يسهل القول أنها أحسن األشـ ــياء طرا ويعسر التحديد
فاعالتن متفع لن فعالتن فاعالتن متفع لن فاعالتن
الثانى :ضرب محذوف على وزن " فاعال " وينقل إلى " فاعلن " .
ومثال ذلك قول الشاعر :
أم يحولن من دون ذاك الردى ليت شعرى هل ثم هل آتينهم
"12المنسرح "
أوال – سبب التسمية د حين سئل " الخليل بن أحمد عن سر تسميته لهذا البحر
بهذا االسم قال :النسراحه وسهولته .
وقد ورد فى لسان العرب مادة " سرح " قوله " :والمنسرح :ضرب من الشعر
لخفته وهو جنس من العروض تفعيلته :
( مستفعلن – مفعوالت – مستفعلن ست مرات ).
والمادة اللغوية تفيد السهولة واالنسياب ..حيث تدور مادة " سرح " حول هذه
المعانى .
وورد فى لسان العرب " سرح عنه فانسرح وتسرح أى فرج كربه " وإذا ضاق
شئ ففرجت عنه قلت :
1
سرحت عنه تسريحا ،وولدته سرحا أى فى سهولة ( )
ثانيا – أجزاء المنسرح د
يتكون البيت الشعرى المنظوم على موسيقى هذا البحر من ست تفاعيل هى
مستفعلن مفعوالت مستفعلن مستفعلن مفعوالت مستفعلن
ثالثا – موسيقى " المنسرح " وموقف النقاد منها د
إن الصورة المثلى لموسيقى هذا البحر أن يكون الضرب مطويا أى يحذف الرابع
الساكن من مستفعلن فتصير " مستعلن " وكذلك العروض تكون على وزن "
مستعلن " .
مثل قول أبى فراس الحمدانى من قصيدته التى يعاتب فيها سيف الدولة على عدم
استجابته لطلب أمه حين طلبت منه افتداء ابنها " أبى فراس " ،والقصيدة كما
يقول د /رجاء عيد تدل على أن " المنسرح " ليس به اضطراب فى موسيقاه وما
جاء على وزنه حسن فى موسيقاه ويتدفق فيه نغمه الشعرى ،واستشهد بقصيدة
أبى فراس .
وجاء استشهاده بالقصيدة للرد على الدكتور /ابراهيم أنيس الذى يرى أن "
المنسرح " ال نكاد نشعر بانسجام فى موسيقاه ...
ويقول " :ويخيل إلينا أن الوزن مضطرب بعض االضطراب ،وأغلب الظن أنه
سينقرض من الشعر فى مستقبل األيام "
يقول أبو فراس معاتبا سيف الدولة فى لغة حانية وموسيقى مؤثرة :
أنت بالد ونحن أجبلها أنت سماء ونحن أنجمها
مستعلن مفعالت مستعلن مستعلن مفعالت مستعلن
-1انظر :التحليل الفىن هلذه القصيدة ىف كتاب " دراسات ىف النص الشعرى " العصر العباسى د /عبده بدوى
ص . 223
85
وهذا الشكل نادر الوجود فى اإلبداع الشعرى ألن أمثلته نادرة فهذا البيت موجود
فى كل كتب العروض تقريبا .
وهذا يدل على عدم انسجام هذا الشكل الموسيقى مع الطاقة اإلبداعية والشعورية
حين تتخذ من موسيقى هذا البحر قالبا لها .
ويمكن تقطيع البيت هكذا د
للخير يغـ /ــشى فى مصر /ه العرفا إن ابن زى /د الزال /مستعمال
مستعلن مستفعلن مفعوالت مستفعلن مفعوالت مستفعلن
2ـ الشكل الثانى د
العروضة مطوية " مستعلن " ،والضرب مقطوع مستفعل " .مستفعلن مفعوالت
مستفعلن مفعوالت مستفعل " مستعلن
ومثال ذلك قول الشاعر :
َ َ
قامت على بان ٍة تُغنِينا " َ َ
" ما هيَّج الشوق من ُمط َّوق ٍة
ويمكن تقطيعه هكذا د
قامت على /بانة تـ /غنينا " " ما هيج الش /وق من م /طوقة
مستفعلن مفعالت مستفعل مستفعلــــن مفعالت مستعلن
ومن ذلك قول البحترى :
ب
ودمع عين عليك مسكو ِ ب
حنين إليك مجلو ٍِ وكم
ب
ثأر لدى العاشقين مطلو ِ ٍ ق يبحث عن وما يزال الفرا ُ
3ـ الشكل الثالث د
العروض مطوية " مستعلن " ،والضرب مطوى " مستعلن " " .مستفعلن
مفعوالت مستعلن مستفعلن مفعوالت مستعلن "
ومثال قول أبى فراس الحمدانى فى مطلع قصيدته التى يعاتب فيها سيف الدولة
ويبدى أشواقه إلى أمه و أسفه وحزنه على وحدتها وفراقها ..يقول :
آخرها /مزعج و /أولها يا حسرة /ما أكاد /أحملها
مستعلن مفعالت مستعلن مستفعلن مفعالت مستعلن
بات بأيـ /ــدى العدى مـ /ــعللها عليلة /بالشام /مفردة
مستعلن مستعلن مفعالت مستفعلن مفعالت مستعلن
وهذا الشكل العروضى من أشكال " المنسرح " هو أقرب تشكيالت " المنسرح "
إلى التذوق والوجدان ،والشعراء ينظمون منه الكثير والمؤثر .ففى جمرة أشعار
العرب ترد قصيدة " عمرو بن امرئ القيس " على هذا الوزن العروضى ،وكذلك
قصيدة لمالك بن عجالن على الوزن نفسه ..وقد أدرجهما " القرشى " فى باب "
المذهبات" ،وقصيدة مالك بن عجالن تبلغ واحدا وعشرين بيتا ومطلعها:
قد حدبوا دونه وقد أنفا()1 إن سميرا أرى عشيرته
-1اي مال :مرخم مالك ،املعمم :الذى يقلده القوم أمورهم ن يبطره :بطغيه ،الرسف :الفاسد
-2ديوان املتنىب جـ 2ص . 1794
-3انظر :ميزان الذهب للهامشى .
87
"13السريع "
أوال – سبب التسمية د
يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي " ..مفسرا سر تسمية هذا البحر بالسريع حين
سئل عن ذلك فقال :ألنه يسرع على اللسان " ،وقيل إنه سمى بذلك ألن كثرة
األسباب فيه تمكن من سرعة النطق به (. )1
ثانيا – أجزاؤه د
يتكون هذا البحر من ست تفعيالت فى شطري البيت وهى :مستفعلن مستفعلن
مستفعلن مستفعلن مفعوالت مفعوالت
ثالثا – من الخصائص الموسيقية لهذا البحر د
يقول كثير من النقاد إن موسيقى هذا البحر فيها اضطراب ال تستريح إليه اآلذان
إال بعد مران طويل ...وذلك لقلة ما نظم منه ،والشعراء القدامى لم يكثروا من
النظم فى اإلطار الموسيقى لهذا البحر ،ألنه كما يقول د /عبده بدوى يبدو كنوع
ناشز من بحر الرجز بإسقاط الوتد المفروق ،ويبدو هذا البحر كذلك كأنه نوع من
الخروج على أصل من األصول الموسيقية فى الشعر العربى.
وفى الشعر العربى فى العصر الحديث " قلت نسبة شيوع هذا البحر ،وأصبح
شعراؤنا ينفرون منه ومن موسيقاه " ()2
ولست مع ما ذهب إليه د /إبراهيم أنيس من أن هذا البحر سينقرض مع الزمن "
ألن موسيقاه تقترب فى صورتها الصافية من موسيقى بحر " الرجز " وهى فيها
عذوبة وسالسة ،والتشكيل الموسيقى الصافى المؤثر لهذا البحر هو ما يرد على
هذا الوجه .
مستفعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن مستفعلن فاعلن
ومن ذلك قول " عباس العقاد " من قصيدة " هذا هو الحب " :
أو أغمض العين فال أبصرا أبصر ماال يُ َرى
َ الحب أن
3
فإن أبى فالكذب المفترى( ) وأن أسيغ الحق ما سرنى
والعقاد له شعر كثير جاء فى قالب " السريع " ،وال صحة لما قاله د /ابراهيم
أنيس من أن " ما نظمه بعض الشعراء المحدثين من شعر قليل على هذا الوزن ،
فإنما كان تقليدا لقصائد قديمة أعجبوا بها فنسجوا على منوالها رغبة فى التنويع ال
حبا للوزن نفسه ،ولعلهم قد وجدوا فى هذا جهدا "
-1ديوان العقاد اجمللد الثاىن ص " 756 – 753ديوان :أعاصري مغرب " .
90
حزنا على " بيجو " تفيض الدموع
حزنا على " بيجو " تثور الضلوع
حزنا عليه جهد ما أستطيع
الولوع وان حزنا بعد ذاك
وهللا – يا بيجو – لحزن وجيع
91
"14المجتث "
أوال – سبب التسمية د ورد فى لسان العرب فى مادة " جثث " أن " الجث هو
القطع وقيل :قطع الشئ من أصله " .
والمجتث :ضرب من العروض على التشبيه بذلك ،كأنه اجتث من الخفيف أى
قطع .
وقال :أبو اسحاق :سمى مجتثا :ألنك اجتثثت أصل الجزء الثالث وهو " مف "
فوقع ابتداء البيت من " عوالت مس " .
* وقال الخطيب التبريزى موضحا العالقة بين" الخفيف والمجتث" فلفظ
أجزائه أى المجتث يوافق أجزاء الخفيف بعينها وإنما يختلف من جهة الترتيب
فكأنه اجتث من الخفيف .
ونالحظ أن " مستفع لن " التى يبنى منها المجتث تتكون مثل التي في الخفيف
من " :سبب خفيف " مســ +وتد مفروق " تفع +سبب خفيف " لن " (.)1
ثانيا – أجزاء المجتث د
يتكون المجتث من ست تفعيالت فى صورته التامة وهى :مستفع لن فاعالتن
فاعالتن مستفع لن فاعالتن فاعالتن
ومن استقراء النتاج الشعرى الذى جاء فى قالب هذا البحر وجد علماء العروض
أن هذا البحر لم يستعمل إال مجزوءا أى مكون من أربع تفاعيل على هذا النحو :
" مستفع لن فاعالتن مستفع لن فاعالتن "
ثالثا ـ من الخصائص الموسيقية د
إن هذا البحر يتسم بإيقاع خفيف فيه رشاقة وحسن أداء ،تميل إليه النفس فتطرب
األذن لسماع إيقاعاته الموقعة القصيرة ،وهذه السمة اإليقاعية تعد من سمات
التطور فى العصر الحديث ..حيث نظر القدامى إلى هذا البحر نظرة استهجان ..
فلم ينظم الشعراء قصائدهم فى القالب النغمى لهذا البحر إال قليال .وكانت فى
األغراض الخفيفية .ومن ذلك قوا أبى نواس :
هال تذكرت هال يا عاقد القلب عنى
من القليل أقال تركت منى قليال
أقل فى اللفظ من " ال " يكـــــــاد ال يتجزا
ويقول حازم القرطاجنى فى كتابه منهاج البلغاء وسراج األدباء .
وإنما تستحلى األعاريض بوقوع التركيب المتالئم فيها فأما الهزج ففيه مع سذاجته
حدة زائدة .
-1ارجع إىل حتليلنا للبحر للوقوف على رأى " اجلوهرى " ىف كتابه " عروض الورقة " .
92
فأما " المجتث " والمقتضب فالحالوة فيهما قليلة على طيش فيهما (.)1
وقد نظم منه الشعراء المحدثون كثيرا وبخاصة فى المسرحيات الشعرية
..كما يقول د /ابراهيم أنيس ،وينبه كذلك إلى أن أكثر الشعراء استعماال
لهذا البحر فى غير المسرح الشعرى الشاعر /حافظ ابراهيم .
وإضافة إلى حافظ ابراهيم ..نجد الشاعر /محمود حسن اسماعيل يكثر من نظمه
فى القالب النغمى لهذا البحر وكذلك الشاعر ميخائيل نعيمة .
فالشاعر /محمود حسن اسماعيل له قصيدة تبلغ اثنين وخمسين بيتا على وزن بحر
المجتث وعنوانها " شاطئ التوبة " ومن أروع قصائده وأصدقها انفعاال وعمقا
وثراء فنيا وفيها يقول:
للنور مدت يدايا رباه عفوك عنى
وجئت ألقى آسايا نزعت أسرار قلبى
واشتكى طى صدرى دربا سحيق الطوايا
مستفعلن فاعالتن مستفعلن فاعالتن
رابعا – التشكيالت العروضية لهذا البحر د
ورد هذا البحر فى صورته الشائعة فى الشعر القديم والشعر الحديث على
صورتين أو شكلين من األشكال العروضية .
مستفعلن فاعالتن " 1ـ الشكل األولد " مستفعلن فاعالتن
أ ـ العروض صحيحة – والضرب صحيح .
وهذا الشكل هو الشائع واألكثر ذيوعا للموسيقى هذا البحر ومثال ذلك قول الشاعر
" ميخائيل نعيمة " متأمال عالم البحر فى سكون أمواجه وفى ثورتها :
وفر
كر ٌّ والبحر ٌّ وقفت والليل داجٍ
يجبنى بر
َ ولم يجبنى بحر
َ فلم
مستفعلن فعالتن متفعلن فعالتن
وك َّح َل األفق فجر وعندما شاب ليلى
الكون طى ونشر سمعت نهرا يغنى
فى الناس خير وشر فى البحر مد وجزر
مستفعلن فعالتن " " مستفعلن فاعالتن 2ـ الشكل الثانى د
العروض صحيحة والضرب مشعث " فاالتن " والتشعيث هو " حذف أول أو ثانى
الوتد المجموع فى نحو فاعلن فيصير " فالن " أو " فاع " .وكذلك " فاعالتن " :
" تصير " " فاالتن " وتنقل الى فعاالتن ومن ذلك قول " عزيز أباظة " فى
مسرحياته الشعرية " العباسة " على لسان الفضل 0
فإنكم ضيفانه بأمر موالى فابقوا
"15المقتضب "
أوال -سبب التسمية د
يقول "الخليل بن أحمد الفراهيدى حين سئل عن أسباب مسميات البحور فى
معرض تعليله السم "المقتضب " قال :ألنه اقتضب من السريع "ألن أجزاء
مستفعلن مستفعلن مفعوالت" السريع هى " :مستفعلن مستفعلن مفعوالت
وأجزاء المقتضب هى "فى صورته "المجزوءة "المالزمة له 0
مفعوالت مستفعلن مفعوالت مستفعلن
فالتفعيلتان "الثالثة والرابعة "من السريع تمثل الشطرة األولى من المقتضب
،والتفعيلتان السادسة والخامسة تمثالن الشطرة الثانية من "المقتصب "مع تغيير في
صورة التفعيلة في "السريع "وفى "المقتصب "حسب استقراء النتاج الشعرى فى
هذين القالبين "0
وفى لسان العرب مادة "قضب "تدور هذه المادة حول دالالت كثيرة – ومنها
"القضيب :القطع "قضبه :قضبا واقتضبه ،فانقضب 0وتقضب :انقطع 0
والمقتضب من الشعر :فاعالت مفتعلن مرتين وبيته د
عارضان كالبرد أقبلت فالح لها
ويعلل ابن منظور اطالق هذا اللقلب على ذلك البحر تعليال مخالفا لتعليل "الخليل
"النه يخالفه أيضا فى أجزاء البحر 00فيجعله أقرب إلى الخفيف 00حيث يجعل
أوله "فاعالت "وليس " "مفعوالت "التى تحول إلى "مفعوالت "دائما 0
ومن هنا يعلل ابن منظور التسمية مستندا للداللة اللغوية للقضب وهى "القطع "
فيقول "وإنما سمى مقتضبا ألنه اقتضب "مفعوالت وهو "الجزء الثالث من البيت
أى قطع "()1
وحين نتأمل كالم ابن منظور "نجد أنه يناقص نفسه 00فهو يقول إن أجزاء
المقتضب ""فاعالت مفتعلن " مرتين ،معني ذلك أن التفعيلة الثالثة هى "فاعالت
"والرابعة "مفتعلن "ولكنه فى تعليله لمسمى ذلك البحر رجع إلى األجزاء التى قال
بها علماء العروض لهذا البحر 00فقال بأن الجزء الثالث من البيت " مفعوالت
"افتضب أى قطع 00وهذا هو األصوب ألنه يتوافق مع الداللة اللغوية ،ومع ما
ذهب إليه المتخصصون فى علم العروض 0
التشكيالت العروضية للمقتضب د
لهذا البحر شكالن عروضيان هما :
-1انظر كتاب " " العروض " لألخفش حتقيق د /أمحد عبد الدامي ص . 162
96
وكتاب " العروض " لألخفش أول تقعيد علمى لعلم العروض ،لم يسلك فيه
األخفش نهج المعلمين ،بل سلك نهج األساتذة العارفين ،حيث وضع لنا فيه ما
يجوز وما ال يجوز ،ما هو حسن وما هو قبيح " ()1
***
"16المضارع "
أوال ـ سبب التسمية د
حين سئل " الخليل بن أحمد " كما يروى ابن رشيق فى كتابه " العمدة " عن سبب
مسمى هذا البحر " بالمضارع " فقال ألنه ضارع المقتضب ،أى شابهه ،
والمضارعة للشئ – كما ورد فى لسان العرب – أن يضارعه كأنه مثله أو شبهه
.
وورد فى لسان العرب تعليل غير التعليل الذى ساقه الخليل حيث يقول ابن منظور
:
قال األزهرى :والنحويون يقولون للفعل المستقبل مضارع لمشاكلته األسماء فيما
يلحقه من اإلعراب ،والمضارع من األفعال :ما أشبه األسماء وهو الفعل اآلتى
والحاضر .
مفاعي ُل فاع التن " وسمى بذلك والمضارع فى العروض " مفاعي ُل فاع التن
ألنه ضارع " المجتث " أى شابهه .
ثانيا ـ أجزاؤه وموقف النقاد من موسيقاه د
مفاعيلن فاع التن مفاعيلن " " مفاعيلن فاع التن مفاعيلن
ونظرا لندرة النماذج الشعرية التى وردت فى القالب النغمى لهذا البحر ،ولم ترد
إال مجزوءة فإن صورة هذا البحر تتشكل فى القالب اآلتى :
مفاعيل فاعالتن " " مفاعيل فاعالتن
ومثال ذلك قول الشاعر :
فنفسى لها حنين وقلبى له انكار
مفاعيل فاع التن مفاعيل فــاع التن
ويالحظ أن د
" فاع التن " هنا مركبة من وتد مفروق ( فاع ) وسببين خفيفين ( ال ،تن ) ،وال
يجوز أن يدخلها الخبن ..أى ال يجوز حذف الحرف الثانى ..فال تقول " ف ع ال
تن " بخالف " فاعالتن " فإنه يجوز فيها " الخبن " فتصير " فعالتن " .
و " حازم القرطاجنى " يرفض هذا البحر رفضا قاطعا حيث يقول " فأما
المضارع ففيه كل قبيحة " وال ينبغى أن يعد
من أوزان العرب ،وإنما وضع قياسا ،وهو قياس فاسد ألنه من الوضع المتنافر .
ويذهب القرطاجنى إلى أن األوزان التى ثبت وضعها عن العرب أربعة عشر وزنا
وهى -:
98
( الطويل – والبسيط – والمديد – والوافر – والكامل – والرجز – والرمل –
والهزج – والمنسرح – والخفيف – والسريع – والمتقارب – والمقتضب –
والمجتث ) وإن كان المقتضب والمجتث ليس لهما تلك الشهرة فى كالمهم .
والذى يشك فى وضع العرب له " الخبب " .
فأما الوزن الذى سموه المضارع ،فما أرى أن شيئا من االختالف على العرب
أحق بالتكذيب والرد منه ،ألن طباع العرب كانت أفضل من أن يكون هذا الوزن
م ن نتاجها ،وما أراه أنتجه إال " شعبه بن رسام " خطرت صورته على فكر من
وضعه قياسا ،فياليته لم يضعه ،ولم يدنس أوزان العرب بذكره معها ،فإنه
أسخف وزن سمع فال سبيل إلى قبوله ،وال العمل عليه أصال " ()1
وعلى الرغم من هذا الموقف الرافض للبحر المضارع من حازم القرطاجنى ،فإن
الجوهرى صاحب المعجم اللغوى الجامع " تاج اللغة وصحاح العربية " والذى
عاش فى القرن الرابع الهجرى العاشر الميالدى ،قد فصل القول فى كتابه
عروض الورقة عن البحر المضارع وأتى بأشكال كثيرة له ..وفى ذلك داللة على
وجود هذا البحر ..مهما ندرت أمثلته ،وحازم القرطاجنى عاش فى القرن السابع
الهجرى ،أى بعد الجوهرى بثالثة قرون ، ..فرفضه لهذا البحر ال يصبح قاعدة
نلتزم بها ألن الجوهرى عالم ثقة ثبت ومذهبه يعتد به فى االحتجاج والتقعيد .
وقد جاء تحليل الجوهرى للمضارع على هذا النحو :
أجزاء المضارع د مربع قديم ال غير .أى يتكون من أربع تفاعيل د
مفاعيلن فاعالتن مفاعيلن فاعالتن
وبيته الذى ال زحاف فيه :
لجارات أو لعان بنو سعد خير قوم
ويعلق الجوهرى على هذا الشكل من أشكال المضارع بقوله وهذا محدث ،ولم
يجئ عن العرب فيه بيت صحيح ،أى أن هذا الشكل " محدث " ..ومعنى ذلك أنه
يجوز أن ينظم الشعراء قصائدهم على هذا القالب " بدون أى زحافات " .
مفاعيلن فاعالتن " " مفاعيلن فاعالتن
ويالحظ أن " الجوهرى " يخالف " الخليل " فى شكل التفعيلة الثانية والرابعة فهى
فى مذهبه " فاعالتن " مكونة من سبب خفيف فوتد مجموع فسبب خفيف ( - 5/
. ) 5/ - 5/-/
أما عند الخليل واألخفش فهى تتكون من وتد مفروق فسببين خفيفين ( / 5 / - / 5/
) 5فاع التن .
وبناء على هذا التخالف فى شكل التفعيلة يقول " الجوهرى " وزحاف المضارع
خمسة :
موسيقى القافية
ـــــ إن موسيقى القافية من أسس بناء القصيدة العربية فى إطارها التراثى ...
،وقد التزمت كل موجات التجديد الشعرى بسحر إيقاع القافية األخاذ ،وكثير
من ظواهر التجديد كان بدافع من الوصول إلى أعلى درجات التأثير اإليقاعى
الذى يحدثه تنوع القوافى ..وتوزيعها بصورة تشكيلية تقترب من طريقة
الموسيقيين فى توزيع ألحانهم .والموشحات ،والمسمطات ،خير مثل على
تحقق هذه الظاهرة .
ـــــ وقد تنبه القدماء إلى أهمية القافية فى الداللة فاعتبروها خصوصية وميزة
تخص العرب وحدهم ،وبهم احتذت األمم فى أشعارنا ونظرا لصلة القافية
بالشعر وما تضفيه عليه غدا الكشف عنها كشفا عن جوهر الشعر وأجمل ما
فيه فأشعر بيت تقوله العرب " ما أوله دليل على قافيته " كما جاء فى العقد
الفريد – فى سياق توضيح رأى الخليل بن أحمد . ،
ثم إن هذا التكرار والتوازن الذى يحسه اإلنسان فى النص والنفس معا ،
وبسبب من وجودها ،جعلت القافية أشرف ما البيت ،فإذا كانت حوافر الفرس
أوثق ما فيها وعليها /اعتماده ،فالقوافى حوافر الشعر ،فهى مركزه ونقطة
تماسكه ،وعليها /جريانه واطراده ،أى مواقفه ،فإن صحت استقامت جريته
،وحسنت مواقفه ونهاياته ،ولما كانت تحصينا للبيت ،وتحسينا له من
الظاهر والباطن كانت أجل وأغلى ما فى القصيدة ،وبسبب من هذه النظرة
المهمة للقافية نبه القدماء إلى ضرورة تهذيبها وإحاللها مكانها المناسب فى
البيت فتأخذ مركزها ونصابها وتتصل بشكلها ،وال تكون قلقلة فى مكانها
فتكره على اغتصاب األماكن والنزول من غير أوطانها ،وبحكم أن القافية
جزء ال يتجزأ من المعنى فإنه ينبغى أن تكون متممة له فتأتى – كالموعود
المنتظر يتشوقها المعنى بحقه ،واللفظ بقسطه ،وإال كانت قلقة فى مقرها ،
مجتلبة لمستغن عنها ()1
وحين نتعرض لدراسة القافية ومكانتها من النص الشعرى يقتضينا البحث
أن نحصد الظواهر االتية :
-1انظر :لسان العرب البن منظور مادة " قفا " وميزان الذهب للهامشى .
-2موسيقى الشعر ص 246د /ابراهيم أنيس .
- 3القافية اتج اإليقاع الشعرى ص 9د /أمحد كشك .
105
وهذه نتيجة غير صحيحة :ألن الكالم الموزون غير المقفى ال يعد شعرا فى
رأى قدامة ،والموزون فى عرف القدامى هو الذى يلتزم بعدد التفاعيل
المأثورة فى كل بحر ..
والغذامى يحاول أن يبحث عن الجذور العربية لموسيقى شعر " التفعيلة "
وذلك منحى شريف ودقيق ومطلوب ولكن ال يكون بتأويل النصوص
وتفسيرها بما بخالف السياق والمدلول .
ورفض د /الغذامى " للقافية " يتضح فى تعليقه على نص قدامة بن جعفر .
حيث يقول بعد عدة تأويالت :وهذه كلها تدل على عدم أهمية القافية – كإحدى
سمات الشعر الخارجية ،عند قدامة ثم يصف قدامة بأنه " اصطدم بعقبة
القافية " وفى موضع آخر بعد وصفه للقافية بأنها " عقبة " يصف القافية
بالشذوذ عن بقية عناصر الشعر فى رأى قدامة ،ثم يصل الباحث إلى النتيجة
التى حددها مسبقا والحت إرهاصاتها فى تفسيره للنصوص النقدية ،ونراه
يرفض القافية قائال " إن القافية لم تعد تعنى شيئا له صفة اإللزام .فإننا نجد
القافية غامضة الداللة مشتتة المفهوم حتى إن العلماء عندما يتناولونها يخلطون
بينها وبين الروى كما حدث لقدامه فى فصله " نعت القوافى " .
ويحاول الغذامى انتزاع رفض القافية من تعريف ابن طباطبا العلوى للشعر
،ومن تعريف أبى هالل العسكرى للشعر أيضا ،وكذلك من تعريف أبى
العالء المعرى ..ويدعى أن هؤالء العلماء لم ينوهوا بالقافية ،ولم يجعلوها
من عناصر الشعر ،وهذا خلط فى فهم النصوص ،وعدم دقة فى تحرى
الصواب ،ومحاولة للوصول إلى المعتقد الشخصى مهما كانت الوسيلة إلى
ذلك .
1
فأما أن ابن طباطبا " لم يلتفت إلى التقفية " كما يقول " الغذامى " ( )
فهذا قول غير صحيح ،وتجن ترفضه الحقيقة العلمية الثابتة ففى كتاب " عيار
الشعر " " البن طباطبا " تأتى الخاتمة تحت عنوان " القوافى " ( .. )2وكأن "
ابن طباطبا " أراد أن يقول :إن القوافى تختم بها أبيات القصيدة ..وأنا أختم
بها فصول كتابى ".
يقول ابن طباطبا فى وضوح بعيد عن اإللغاز وبمنآى عن شطط التأويل "
وسألت أسعدك هللا عن حدود القوافى " ،وعلى كم وجه تتصرف قوافى الشعر
؟
ثم يجيب " ابن طباطبا " مؤكدا تواجد القافية وحتمية حضورها فى الكيان
الشعرى حسب مقاييس عصره :يقول " قوافى الشعر تنقسم على سبعة أقسام :
ـــ إما أن تكون على فاعل مثل كاتب وحاسب وضارب .
1انظر " الصوت القدمي اجلديد " ص 119 – 118د /عبد هللا الغذامى .
2انظر " :عيار الشعر البن طباطبا ص – 133دار الكتب العلمية /بريوت لبنان .
106
ـــ أو على " مفعل " مثل مكتب ومضرب ومركب .
ـــ أو على " فعيل " مثل حبيب وكئيب وطبيب .
ـــ أو على " فعل " مثل ذهب وحسب وطرب .
ـــ أو على " ف ْعل " مثل ضرب وقبل وقطب .
عذيب .ـــ أو على " فُعيل " مثل كليب ونصيب و ُ
** وفى نهاية هذا التحليل للقوافى يقول ابن طباطبا مؤكدا حرصه على القافية
.
فهذه حدود القوافى التى لم يذكرها أحد ممن تقدم ،فأدرها على جميع
الحروف ،واختر من بينها أعذبها وأشكلها للمعنى الذى تروم بناء الشعر عليه
إن شاء هللا " ()1
والشواهد كثيرة فى كتاب " عيار الشعر " البن طباطبا .
فلو واصل الغذامى قراءته فى فصل " الشعر وأدواته " لوقع على تصريح
ابن طباطبا فى الصفحة التالية لحد الشعر عنده ..حيث يكشف عن سمات
الشعر الجيد قائال:
" فيلتذ الفهم بحسن معانيه كالتذاذ السمع بمونق لفظه ".
وتكون قوافيه كالقوالب لمعانيه ،وتكون – أى القوافى – قواعد للبناء
يتركب عليها ويعلو فوقها ،فيكون ما قبلها مسوقا إليها ،وال تكون مسوقة إليه
،فتقلق فى مواضعها ،وال توافق ما يتصل بها " ()2
وفى مبحث " األشعار المحكمة وأضدادها " يذكر ابن طباطبا كما يقول فى
مقدمة هذا المبحث أمثلة " للقوافى القلقة فى مواضعها ،والقوافى المتمكنة فى
مواقعها " ()3
فهل من صائب القول أن نقول :إن ابن طباطبا لم يلتفت إلى التقفيه .إنه
التفت إليها وجعل إحكامها من سمات الشعر الصحيح " فإذا كان الشعر على
هذا المثال سبق السامع إلى قوافيه قبل أن ينتهى إليها راويه ،وربما سبق إلى
إتمام مصراع منه إصرارا يوجبه تأسيس الشعر " ص . 131
وكل الدالئل السابقة تؤكد أن ابن طباطبا لم يهمل التقفية بل حث عليها
وجعلها من سمات الشاعرية وبناء الشعر .
وأبو العالء المعرى لم يرفض القافية .ولكنه بالغ فى تأكيد حضورها حين
أبدع ديوانه " اللزوميات " فهى دليل فنى على شدة قناعة أبى العالء بدور
1السابق ص . 133
2السابق ص 10وانظر ص 11مبحث صناعة الشعر
-3السابق ص 37وانظر ص 54حيث يشيد بعدم استكراه القواىف عند زهري وىف ص 71يصف قصيدة
لألعشى " عينية " ابهنا " قلقة القواىف "
107
القافية فى النص الشعرى ،ولم يكتف بهذا بل أشار إلى ضرورة التدقيق فى
اختيار القافية فأوضح أن هناك قوافى نافرة وأخرى مستحبة ،وحذر الشاعر
أن يستخدم الحروف النافرة فى قافيته كالغين والطاء والظاء والثاء والجيم
والزاى ،فموسيقاها الصوتية تقع على األذن وقعا سيئا .وبالتالى فإن
مردودها فى النفس ال يكون مستملحا " ()1
والشعراء القدامى جعلوا القافية مناط فخرهم ،وأطلقوا على القصيدة مسمى
" القافية " ،وأرادوا بالقوافى أحيانا :األبيات الشعرية :وامرؤ القيس يجسد
تمسكه بالقافية وحرصه عليها ..فى هذه الصورة الشعرية النادرة ..إذ يقول:
ذياد غالم جرئ جرادا أزود القوافى عنى ذيادا
تنقيت منهن عشرا جيادا فلما كثرن وأعييننـــــــــــى
وآخذ من ردها المستجادا فأعزل مرجانها جانبا
أما " سويد بن كراع العكلى " وهو شاعر مخضرم فقد شبه القوافى (
ويعنى بها هنا أبيات الشعر ) بسرب من حيوان الوحش اآلبد ،وراح بعد ذلك
يعالج هذه الصورة الفريدة معالجة الصانع الماهر " ثم ذكر أنه أكب على
تهذيبها عاما وبعض العام ،وود لو أطال فى تهذيبها يقول :سويد:
أصادى بها سربا من الوحش نزعا أبيت بأبواب القوافى كأنما
يكون سحيرا أو بعيدا فأجمعا س بعدما أعر َ
أكالئها حتى ِ
عصا مربد تغشى نحورا وأذرعا عواصى أال َّ ما جعلت أمامها
طريقا أملَّته القصائد مهيعا ( )
2
أهبت يغر اآلبدات فراجعت
ثانيا د القيمة الصوتية والنفسية د-
إن القيمة الصوتية والنفسية للقافية ال تظهر بجالء ،وال يبوح بها النص
الشعرى ..إذا ظلت دراستنا للقافية دراسة آلية شكلية بعيده عن استبطان
النص والتغلغل فى لب التجربة ..والوقوف على خصائص الحروف،
ومحاولة تفسير سر اختيار قافية بعينها دون األخرى ،وهل هناك عالقة بين
اختيار الشاعر للروى وبين تجربته الشعرية ؟؟
"فالقارئ المطلع على الشعر القديم يالحظ مثال كثرة ورود حرف العين رويا
لقصائد الرثاء 0األمر الذى يلفتنا إلى ما فى جرس العين من مرارة وتعبير
عن الوجع والجزع والفزع والهلع "!كما يالحظ ورود حرف السين رويا
لقصائد كثيرة عاطفتها األساسية األسف واألسى والحسرة 00،وحين نتأمل
النماذج الشعرية الجيدة نرى هذا التمازج بين القيمة الصوتية والقيمة النفسية 0
فالتشكيل الصوتى صدى للشعور القائم فى النفس ،يبين عنه ويجسده ،وينبئ
عن صدق التجربة ،وتقوق األداء الشعرى 0
-1انظر رسالة العفران ،ومقدمة لزوم ماال يلزم و " عضوية املوسيقى ىف النص الشعرى "
-2الشعراء نقادا د /عبد اجلبار املطلىب ص . 31
108
وحركة الروى المطلق تفسر أحيانا نفسية الشاعر وتعلن عن طبيعته ومزاجه
فى الحياة 0
وقد تجلت هذه الظاهرة فى بعض النقائص الشعرية بين الفرزدق وجرير 0
فجرير يتسم برقة الطبع ،ولين الجانب وسماحة النفس أما الفرزدق فهو جاف
،غليظ الطبع ،فيه خشونة وبداوة 0
وحين أراد "جرير " أن ينقض المية الفرزدق 0
بيتا دعائمه أعز وأطو ُل إن الذى سمك السماء بنى لنا
لم يرتح إلى الضمة مجرى لروى نقيضته ،وآثر العدول عنها إلى الكسرة 00
فجاءت القافية مكسورة 0
وهذا – كما يقول د| النويهى – من خير الشواهد على رقة جرير بالمقارنة
إلى غلظة الفرزدق ،ولسنا نعنى أن جريرا لم يستعمل الضمة مجرى للروى
قط ،بل كل ما نعنيه هو أنه فى هذه المناسبة لم يستطع أن يجارى الفرزدق في
ضخامته ،مع علمه بأن النقيضة يلزمها اتباع القصيدة األصلية اتباعا كامال فى
الوزن والقافية معا بجميع أحكامها 0
ومما يؤيد ملحوظتنا هذه أن نعرف أن الفتحة أكثر الحركات شيوعا في اللغة
العربية ،وأن الكسرة ثانيتها شيوعا 0وأن الضمة أقلها ،وأن نعرف – كذلك
– أن القبائل البدوية كانت تميل إلى الضم ،فى حين أن القبائل المتحضرة
كانت تميل إلى الكسر " ()1
** فالبد إذن من البحث – كما يقول العقاد – عن سبب غير األمزجة العنصرية
،والبد أن يكون اختالف اإلنشاد هو سبب االختالف بين العرب وسائر الشعوب
السامية فإن شعوب وادى النهرين ألفت أناشيد الكهان فى الهياكل فترخصت فى
القافية كما ترخصت فيها الشعوب اآلرية التى يتغنى فيها الناس مجتمعين ،وقد
ألف العبريون العبادة معا منذ كانوا قبيلة واحدة تنتقل بحذافيرها وتبتهل بحذافيرها
إلى معبودها فى حظيرة واحدة ،ولم تألف قبائل البادية العربية نوعا من أنواع
األناشيد المجتمعة ،فغلبت على شعرها أوزان القصيد المفرد وقوافيه ،والمشاهد
من أشعار األمم فى لغات متعددة أن القافية تلتزم فى الشعر المنفرد " الغنائى "
الذى يتغنى به ناظمه وراويه ،ويصغى إليه المستمعون دون أن يشتركوا فى
الغناء ،ويالحظ هذا فى أغانى المنشدين الحماسيين أو المتغزلين التى يسمونها
" Balladsبلالد " ،فى بعض اللغات األوروبية ،كما يالحظ فى الموشحة
– Sometالتى يتغنى بها العاشق لمعشوقته فى البالد الالتينية حيث كان منشؤها
األول ،وقيل إنهم استعاروها من الموشحة العربية .
وتهمل القافية غالبا فى أناشيد الجماعات سواء كانت مسرحية أو دينية كما
يرى فى أناشيد اليونان والعبريين .
-1الشعر اجلاهلى ص 64 ، 63د /حممد النويهى ؛ وانظر :اللهجات العربية د /ابراهيم أنيس
109
والمرجع إلى جانب هذا أن حداء اإلبل " وهو غناء فردى " كان له عمله
المحسوس فى التزام القافية فى الشعر العربى ،سواء بدأت القافية فى سجع الكهان
كما يرى الكثيرون ،أو كان ابتداؤها فى غناء الحداة .
والقيمة الصوتية للقافية تنبع من تلك الحاسة السمعية التى تفرق بين مخارج
الحروف ودقائق النغم ،وهى مشتركة غير مميزة فى لغات كثيرة ،فال شعر فى
لغة من اللغات بغير إيقاع ،وقد يجتمع كله من وزن وقافية وترتيل فى القصيدة
الواحدة ،ولكنه اجتماع نادر فى لغات العالم ،ميسور فى لغة واحدة على أكمل
الوجوه المتيازها بالخصائص الشعرية الوافرة فى ألفاظها وتراكيبها وهى اللغة
العربية " (. )1
والداللة النفسية للقافية ليست من ابتكارات النقد الحديث ولكن لها جذورها عند
النقاد القدامى مثل حازم القرطاجنى وأبى العالء المعرى وقدامة بن جعفر .
فحازم القرطاجنى يربط عنايته لدراستها من الجانب النفسى ،فالنفس تعنى بما
يقع فى القافية ،ولذا يجب أال تتضمن إال ما يكون له موقع حسن من النفس وفاقا
للغرض ،فيبتعد الشاعر بالقافية عن المعانى المشنوءة واأللفاظ الكريهة السيما ما
يقبح من جهة ما يتفاءل به ،فالكالم الكريه إذا وقع فى القافية فإنه يأتى فى أشهر
موضع وأشده تلبسا بعناية النفس ،فتبقى النفس متفرغة لمالحظته واالشتغال به
وال يعيقها عنه شاغل " (. )2
وحازم القرطاجنى يدرس القافية من جهات أربع وهى " الجهة األولى :جهة
التمكن ،الثانية :جهة صحة الوضع ،الثالثة :جهة كونها تامة أو غير تامة ،
الرابعة :جهة اعتناء النفس بما وقع فى النهاية لكونها مظنة اشتهار اإلحسان أو
اإلساءة .
ولكون القافية يجب أن يتحفظ فيها من هذه الجهات األربع :قال بعض العرب
لبنيه " اطلبوا الرماح فإنها قرون الخيل ،وأجيدوا القوافى فإنها حوافر الشعر أى
عليها جريانه واطراده ،وهى مواقفه ،فإن صحت استقامت جريته وحسنت
مواقفه ونهاياته " (. )3
ثالثا د مكونات القافية ( حروفها )د
إن الحروف التى تكون القافية فى صورتها المثلى أطلق عليها علماء العروض
لقبا لكل منها حسب موقعه ومكانته فى القافية ..وهذه اللقاب هى ( :الروى –
-1انظر " القافية " اتج اإليقاع الشعرى ص 59د /أمحد كشك .
-2القافية :اتج اإليقاع الشعرى ص 75 ، 74د /أمحد كشك وانظر " دراسة الصوت " اللغوى ص د/
أمحد خمتار عمر .
113
فالهاء ال تحسن فى " الروى إال إذا سبقها حرف مد – كما يقول " :إبراهيم
أنيس " مثل قول حافظ ابراهيم
ومر بى فيك عيش لست أنساه كم مر بى فيك عيش لست أذكره
من الشباب وما ودعت ذكراه ودعت فيك بقايا ما علقت به
فالهاء فى البيتين السابقين هى " :الروى " ألن ما قبلها حرف ساكن " وهو
حرف المد " األلف .
أما إذا جاءت الهاء بعد حرف متحرك .فإنها تكون وصال وليست رويا ..
ومثال ذلك قول /العقاد يصف " المزمار"
حسب هذا الفؤاد رجع حنينه أيها المستعيد صوتا شجيا
رابنى طول برده وسكونه نفثات المزمار تذكى أوارا
كان همس الصبى نجى غصونه وكأن المزمار يذكر عهدا
1
أنه الوجد صفوه وحزينه ( ) علموه – ومابه – من غرام
فالروى هنا حرف النون ،والوصل " الهاء " ..
( )3الخروج د
وهو حرف لين يلى هاء الوصل :كالياء المولدة من إشباع الهاء فى قول
الشاعر /عبد الرحمن شكرى
ومهم ٍه لست أدرى ما أقاصي ِه يحوطنى منك بحر لست أدركه
فالياء روى ..والهاء وصل ،والياء المولدة عن الهاء إتماما للضرب هى "
الخروج " أى تحقق انتهاء البيت " وسمى هذا الحرف خروجا ألن به يكون
الخروج عن البيت ،ومثل ذلك قول " كثير عزه " :
ت .. قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلَّ ِ خليلى هذا ربع عزةَ فاعقال
2
فالالم روى ،والتاء وصل ،وياء المد خروج ( ) .
( )4الردف د
هو حرف لين ساكن ( واو – أو ياء – بعد حركة لم تجانسهما )
أو حرف مد ( ألف – أو واو – أو ياء .بعد حركة مجانسة قبل الروى يتصالن
به ) .
ــــ فمثل حرف اللين الذى جاء ردفا قول أبى العتاهية:
تصب الخل فى الزيت ربابة ربة البيت
وديك حسن الصوت لها عشر دجاجات
-1أـ انظر :موسيقى الشعر د /ابراهيم أنيس ص . 255 – 254ب ـ وانظر " القافية " اتج اإليقاع الشعرى
د /أمحد كشك ص . 72
-2السابق ( ب ) من هامش ( أ ) .
114
فحرف اللين :الياء فى كلمتى " البيت " و " الزيت " هى الردف .وحرف المد
الذى يأتى ردفا " إما أن يكون ألفا "
ومثال ذلك قول جرير فى رثاء زوجته:
يزار
ُ ولزرت قبرك والحبيب استعبار
ُ لوال الحيا ُء لهاجنى
فاأللف فى :استعبار وفى يزار هى " الردف " .والروى حرف " الراء " ،
والوصل " الواو المتولدة عن حركة " " الراء " .
ــــ وأما أن يكون الردف " واوا " ومثال ذلك قول كعب بن زهير:
متي ٌم إثرها لم يُ ْفدَ مكبو ُل بانت سعادُ فقلبى اليو َم متبو ُل
الطرف مكحو ُل ِ غضيض
ُ إال أغنُّ البين إذ رحلواِ وما سعادُ غداةَ
ــــ وإما أن يكون الردف " ياء " ومثال ذلك قول " كثير عزة ":
تمث َّ َل لى ليلى بكل سبيل ذكرها فكأنماأريد ألنسى َ
ـــ ويجوز الجمع بين الواو والياء فى ردف المد ، ..وال يجوز ذلك فى ردف
اللين .إال نادرا .
ففى قصيدة كعب بن زهير ..جمع الشاعريين الواو والياء ..
إنه يمدح الرسول عليه السالم قائال :
والعفو عند رسول هللا مأمو ُل أُنبئتُ أن رسو َل هللا أوعدنى
ظ وتفصي ُل ــــقرآن فيها مواعي ٌ مهال هداك الذى أعطاك نافلةَ الـــ
ــــ ففى البيت األول جاء الردف ( واوا ) وفى الثانى جاء يا ًء واإليقاع منسجم ،أما
إذا كان الردف " ألف مد " فال يجوز إبدالها بحرف آخر ..ألن اإليقاع الشعرى
سيضطرب ،ويصبح نشازا وثقيال على األذن ..وغريبا على األسماع .
ولقد وجد المحدثون من علماء األصوات اللغوية وجوه شبه بين الضمة
والكسرة فى طريقة تكون كل منهما ،وسمى كل منهما صوتا ضيقا ،وذلك لضيق
مجرى الهواء معهما ،وكذلك ما تفرع عنهما من واو المد وياء المد ألنهما
متشابهان فى طريقة تكونهما .فالسامع قد يخطئ فى سماع واو المد وتطرق أذنه
كما لو أنها ياء مد ،والطفل فى مراحل نمو لغته قد يقلب الضمة كسرة أو قد يقلب
واو المد ياء مد،فالطبيعة الصوتية بين كل من الحركتين هى التى تبرر تناوب
احداهما مكان األخرى (.)1
5ــــ التأسيس د
هو ألف الزمة ال يفصلها عن الروى إال حرف واحد متحرك كألف " جاهل "
فى قول الشاعر:
مغرور وتأمي ِل جاه ِل ٍ وفكر ِة بعين مريض ٍة ٍ نظرتُ إلى الدنيا
6ـــ الدخيل د
وهو حرف متحرك فاصل بين التأسيس والروى كالدال فى " صادق " من قول
الشاعر:
ق
ذاب وفى الناس صاد ُ ففى الناس ك ٌ ْ َ
فال تقبَلنهم إن أتوكَ بباط ٍل ْ
ـــــ وحركة الدخيل تكون فى الغالب متحدة × فتحا أو ضما أو كسرا .
وإذا حدث تغير يعد هذا عيبا فى القافية يسمى " سناد اإلشباع " ،وهو اختالف
حركة الدخيل بحركتين متقاربتين مثل كسرة الهاء ،وفتحة العين فى قولك (
مجاهد وتباعد ) ،لكنهم أجازوا الجمع بين الكسرة والضمة .
ومثال ذلك قول الشاعر :
يزول على الحاالت عن رأى واح ِد صنَ ْى بان ٍة ليس واحدٌ
و كنا َكغُ ْ
وخليتُه لما أراد تباعدى غيره
تبدَّل بى خال فخاللت ُ
ــــ فدخيل البيت األول تحرك بالكسر ،ودخيل الثانى تحرك بالضم ..ورغم عد
ذلك عيبا إال أنه مقبول عند العروضيين – ويقول د /أحمد كشك معلقا على هذين
البيتين :إنه عيب ال يؤثر على سالمة الكيف والكم فى القافية .ولعل اإلنشاد يجعل
الحركة المخالفة مشوبة برائحة الحركة األساسية ،حتى يحدث اتساق فى قوافى
القصيدة .
رابعا د حركات القافية د-
حركات القافية ست وهى
2ــــ اإلشباع . 1ـــ الرس .
3ــــ الحذو .
1انظر " ميزان الذهب ىف صناعة شعر العرب ص 116السيد أمحد اهلامشى " وانظر :القافية اتج اإليقاع
الشعرى د /أمحد كشك ص . 141
116
5ــــ المجرى . 4ـــ التوجيه .
6ـــ النفاذ .
ــــــ ولكل حركة من هذه الحركات المسماه عند العروضيين بهذه األسماء مدلول
فنى حسب موقعها من القافية ..والحرص على اتحاد كل حركة من هذه الحركات
فى جميع قوافى القصيدة يعد محافظة على سالمة اإليقاع الشعرى ،فالقافية فى
الوزن العربى إن هى إال رمز جامع بين عمل الحركة وعمل المخرج وضربة
الوز ن ،والشاعر العربى إنما عمد إلى القافية فقرنها بالوزن ليضفى عليها صبغا
نغميا ،متى اصطبغ الوزن به صار أكثر تهيؤا ألداء ما يختلج فى صدره من
معان ،وإن جاز لنا أن نشبه أبعاد الوزن ونسبه الزمانية برنات متناسبة ،فإن
موقع القافية من هذه الرنات شبيه بموقع الكثافة من رنات الموسيقا ،مثال – الشدة
التى تشد عليها أوتار العود فى قطعة ما .
ــــ والمدلول الفنى لهذه الحركات كما حدده علماء العروض هو:
1ـ الرس :وهو حركة ما قبل ألف التأسيس كحركة الدال فى قولك " جداول " .
2ـ اإلشباع – هو حركة الدخيل ككسرة الواو فى " جداول " .
3ـ الحذو :هو حركة ما قبل الردف كحركة الميم فى قولك " مال ،ومعن " .
4ـ التوجيه :هو حركة ما قبل الروى المقيد " أى الساكن " ،كضمة القاف فى
قولك " لم يقل " .
5ـ المجرى :هو حركة الروى المطلق " أى المتحرك الذى يعقبه ألف أو واو .أو
ياء " كحركة الالم فى قولك " منزل " .
6ـ النفاذ :هو حركة هاء الوصل الواقعة بعد الروى كفتحة الهاء فى قولك "
منارها " (. )1
خامسا – أسماء القافية حسب ترتيب الحركات والسكنات .
للقافية صور خمسة حسب ترتيب الحركات والسكنات وقد أطلق علماء
العروض على كل صورة من هذه الصور اسما على النحو اآلتى ..الذى أورده "
حازم القرطاجنى " فى كتابه " منهاج البلغاء وسراج األدباء " حيث قال "
وللقوافى من جهة ،ما يكون ترتيب الحركات والسكنات فيها صور خمسة وهى :
1ـــ أن يتوالى فى القافية ساكنان من غير فصل بحركة ويسمى " المترادف "
قال بتسكين الالم .وتختص هذه الصورة بالقوافى المقيدة مثل قول ابن نحو ْ :
النبيه:
فالسابق السابق منها الجوا ْد الناس للموت كخيل الطراد
2ــــ أن يتوالى فى القافية ساكنان مفصول بينهما بحركة ويسمى المتواتر نحو
" أيها الطلل البالى " ،ومنه قول الشاعر
والجواد بالنفس أقصى غاية الجود يجود بالنفس إن ضن الجواد بها
-1انظر منهاج البلغاء وسراج األدابء حلازم القرطاجىن ص 275وانظر :ميزان الذهب ىف صناعة شعر العرب
ص 122 - 121
2موسيقى الشعر ص 260
118
ـــ وهذا الرأى غير مطرد ،وال يقبل على إطالقه .ألننا لو استقرأنا النصوص
الشعرية لوجدنا النوعين بدرجه تكاد تكون متقاربة ..وأحيانا تكون القافية
المسبوقة رويها بحرف المد أكثر فى الشواهد الشعرية من القافية المسبوق رويها
بحركة قصيرة ،ولو تصفحنا ديوان العقاد مثال .لوجدنا القافية المقيدة المسبوق
رويها بحرف مد أكثر ورودا فى الديوان من النوع اآلخر ولننظر القصائد التالية :
( طيف من حديد – قطار عابر – كواء الثياب ليلة األحد – " المصرف " " البنك
" الطريق فى الصباح – فاز سعد – تكريم – جزاء هللا – على قبر ابراهيم )
السر أعرفه يقول العقاد :
وأنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت بكل معرفة خليق
فلسانه أبدا طليق ()1 من تلك بعض هباته
ــــ وللقافية المطلقة عدة مسميات أوردها علماء العروض على النحو التالى د
1ــــ مؤسسة موصلة بمد نحو هياكل
2ـــــ مؤسسة موصولة بهاء نحو صنائعها
3ـــــ مردوفة موصولة بمد نحو عماد
4ـــــ مردوفة موصولة بهاء نحو سواده
5ـــــ مردوفة موصولة بلين نحو " وحدانا "
6ــــ مجردة عن الردف والتأسيس نحو :يمنع
ـــــ وللقافية المقيدة عدة مسميات وهىد
1ـــ مجردة عن الردف والتأسيس نحو :جمع
2ــ مردوفة باأللف نحو " زحام "
مردوفة بالواو نحو نور
مردوفة بالياء نحو نير
2
3ـــ مؤسسة نحو كل عيش صائر للزوال ( ) .
وحينما نتصفح دواوين الشعراء نجد لكل نوع من األنواع السابقة أمثلة كثيرة ..
وربما عثرنا على ظواهر أخرى تتشكل منها القوافى ألن هذه التشكيالت السابقة
جاءت بعد استقراء النصوص الشعرية التى تعد المصدر األول للقاعدة العروضية
،ويظل الشعر أكبر من العروض كما قال أبو العتاهية .
سابعا د القافية " العيوب والضرورات الشعرية "
ــــ إن القافية تمثل نهاية إيقاعية للبيت الشعرى ،وهذا اإليقاع يستمر فى تدفقه
المتناسق إلى نهاية القصيدة ،ويحدث أحيانا – كما ورد فى النصوص الشعرية –
أن يخرج اإليقاع عن السياق ،وأن يضطرب نتيجة ألحد أمرين:
أحدهما :تغير فى الروى ينشأ عنه ما يسمى بعيوب الروى .
-1انظر :الضرورة الشعرية " دراسة أسلوبية ص " 65 ، 54السيد ابراهيم حممد .
-2السابق ص . 67 ، 65وانظر أتويل مشكل القرآن البن قتيبة واألصول البن السراج .
-3الضرورة الشعرية ص 78 ، 77وانظر طبقات ابن سالم ،وخزانة األدب
120
فتمسك الفرزدق بشعره ،بل ونضاله من أجله ،إنما تتصل أسبابه بقضية الشعر
باعتباره تعبيرا عن روح الشاعر ،فكأنه يتمسك بما يجده أوفق به وأوفى بالتعبير
عن مطالبه الروحية " .
** وعيوب القافية كما حددها علماء العروض هى د
أوال د عيوب الروى وهى ثمانية عيوب (*)
-1اإلكفاء د
وهو أن يؤتى فى البيتين من القصيدة بروى متجانس فى المخرج ال فى
اللفظ نحو " شارح – وشارخ أو فارس وقارص " وهذا العيب ليس فيه
حرج على الشعراء عند كثير من النقاد القدامى والمعاصرين فابن رشيق
فى عرضه لمدلول اإلكفاء رآه عند جلة العلماء مساويا لإلقواء .وخلص
إلى قول للمفضل الضبى عنه بأنه اختالف الحروف فى الروى ،مؤكدا
أن هذا رأى المبرد أيضا ،ومثل له بقول الشاعر:
صق ْعُضب فى ُ ٍ كأنها كشية صدُ ْغقُبِحْ ت من سالفه ومن ُ
حيث أتى بالغين فى مقابلة العين .
-2اإلجازة د -
وهو الجمع بين رويين مختلفين فى المخرج نحو " عبيد ،وعريق " ،أو
" شارب -أو قاتل "
وهذا عيب يخل بموسيقى القافية وال يجوز الترخص فيه ومنه قول
الشاعر :
فكيف ان كان من حبيب ما وأجع البين من غريب
إذا تذكـــــــــرته يمــــــــــــوت يكاد من شوقه فؤادى
-3اإلقواء -:
وهو أن يختلف إعراب القوافى فتكون قافية مرفوعة مثال ،وأخرى
مخفوضة ،وهذا فى شعر األعراب كثير جدا وفيمن دون الفحول من
الشعراء – كما يقول قدامة بن جعفر وقد ارتكبت بعض فحول الشعراء
اإلقواء فى مواضع مثل " :سحيم بن وثيل الرياحى " فى قوله:
ون فما بالى وبال ابن اللَّبُ ِ عذرت البدل ان هى خاطرتنى
وقد جاوزت حد األربعينَ وماذا تبتغى الشعراء منى
فنون األربعين مفتوحة ونون اللبون مكسورة " ،ولكنه كأنه وقف القوافى
فلم يحركها " .
وقال جرير – وقد وقع فى العيب نفسه:
عرين
ِ برئت إلى عرينة من عرين من عرينه ليس منا
(*) كتب العروض ىف معظمها تذهب إىل أن عيوب الروى ستة عيوب .ولكىن رأيت أن العيوب مثانية بناء على
ما ورد ىف كتب الرتاث واتكاء على النصوص الشعرية .
121
وأنكرنا زعانف آخرينَ ()1 عرفنا جعفرا وبنى عبيد
** ويعلق د /أحمد كشك على قول قدامه " كأنه وقف القوافى فلم يحركها
" رافضا هذا التخريج ..قائال " وقد رأى بعضهم فى سبيل تحقيق
المطلبين معا – المطلب النحوى والمطلب اإليقاعى – أن التسكين كان
أصال فى نطق هذه األبيات المخالفة للنحو – والذى أحسبه أن التسكين
يمثل وقفة ال يمكن معها تمام الوزن ،فإذا كان هناك إنشاد يواجه
بإمكانتين صالحتين للوقف ،إمكانة يتم فيها اإليقاع مع اتخاذ المد سبيال
للوقف ،وإمكانة يختل فيها الوزن مع اتخاذ التسكين سبيال للمد ،ففى
حسبانى حينئذ أن اإلمكانة األولى هى األولى باالستخدام ،لمسايرتها
حسبة اإليقاع كما وكيفا .
** وقدامه بن جعفر " لم يجزم بالتسكين " ولم يؤكد هذا التخريج بل قال "
كأنه وقف القوافى فلم يحركها " وهذا يدل على أنه ساق هذا التفسير من
باب البحث عن مخرج لهذه الظاهرة ويمكن أن نقول إنه – كسر النون –
من " األربعين – ترخصا – وتمشيا مع إيقاع القافية " ويعد هذا من
الضرورات الشعرية .
** وبعض النقاد يرى أن " اإلقواء " أو " اإلصراف " ال وجود له فى
الشعر العربى قديمه أو حديثه ،والواجب أن تبحث أمثلته فى شعر القدماء
بين شواهد النحو ،وأال يعرض لها المتحدثون عن موسيقى الشعر " .
ويؤكد د /إبراهيم أنيس رأيه السابق بأن هذه الروايات لو صحت يجب أن
تعد خطأ نحويا ال خطأ شعريا .فالشاعر صاحب األذن الموسيقية ،
والحريص على موسيقى القافية ،ال يعقل أن يزل فى مثل هذا الخطأ
الواضح الذى يدركه حتى المبتدئون فى قول الشعر " ،بله النابغة وأمثاله
من شعراء الفحول " (.)2
** وانطالقا من هذا التصور الرافض لظاهرة " اإلقواء " يرى د /إبراهيم
أنيس أن النابغة ضحى بالقاعدة النحوية فى سبيل انسجام اإليقاع الشعرى
..وموسيقى القافية ،وكذلك صنع حسان بن ثابت ويقول :
" والذى أرجحه أن النابغة قد نطق البيت :
الغراب األسو ِد
ُ وبذاك حدثنا زعم البوارح أن رحلتنا غدا
وكسر الدال فيه لينسجم مثل هذا النطق مع باقى أبيات القصيدة من الناحية
الموسيقية ..فالقصيدة قافيتها داليه مكسورة ومطلعها :
عجالن ذا زاد وغير مزود أم آل مية رائح أو مغتدى
** وكذلك البد أن حسان فى رأى د /إبراهيم أنيس قد نطق بيته هكذا:
-1انظر :نقد الشعر ص 182قدامه بن جعفر ت د /حممد عبد املنعم خفاجى .
- 2موسيقى الشعر ص ، 263 ، 262
122
األعاصير
ِ مثقب نفختْ فيه كأنهم قصب َجفَّتْ أسافله
وبذلك يكون الشاعر قد أخطأ فى قواعد النحو ،ال فى الموسيقى
الشعرية ،ألن البيت السابق قافيته رائية مكسورة مثل بقية القصيدة :
اقير
جسم البغال وأحالم العص ِ ال بأس بالقوم من طول ومن قصر
ويمكن استنادا على آراء علماء النحو أن نقول :
إن النابغة لم يخطئ فى النحو ،وإن حسان كذلك لم يخطئ .فقد صرح
ابن هشام بأن من جملة المواضع التى يقدر فيها اإلعراب ما اشتغل آخره
بحركة القافية ،ومقتضاه أن كلمة الروى تحرك بحركة القافية ،ويقدر
فيها الحركة التى هى مقتضى العامل للتعذر الشتغال المحل بحركة القافية
عمال بالموجبين " ()1
-4اإلصراف د
وهو الجمع بين حركتين مختلفتين متباعدتين كالفتحة والضمة ،والفتحة
والكسرة ..فى " وصل " القافية .
** وواضح جدا تقارب مدلولى اإلقواء واإلصراف وهما فى عرف النقاد
القدامى والمحدثين " شئ واحد فى نطاق قافية يتبادل وصلها حركتين
مختلفتين فى القصيدة الواحدة ،فال أساس للخالف بينهما ،ويؤكد ذلك أن
قدامة بن جعفر وهو بصدد الكالم فى عيوب القوافى – تكلم عن اإلقواء ..
ولم يرد لإلصراف ذكر فى كالمه ، -ود /إبراهيم أنيس حين رفض
ظاهرة اإلقواء ..رفض معها كذلك " اإلصراف " .
** وهما يشتركان فى وظيفة قافوية حيث " يختصان بالمجرى " .
** ولقد ثار بعض الشعراء فى وجه القيد اللغوى الذى ذاب عندهم فى
إطار السالمة اإليقاعية ،ومنهم " عمار الكلبى " الذى ثار على متتبعى
أخطائه اللغوية قائال " (:)2
ماذا لقينا من المستعربين ومن قياس نحوهم هذا الذى ابتدعوا
إن قلت قافية بكرا يكون بها بيت خالف الذى قاسوه أو ذرعوا
قالوا لحنت وهذا ليس منتصبا وذاك خفض ،وهذا ليس يرتفع
وحرضوا بين عبد هللا من حمق وبين زيد فطال الضرب والوجع
كم بين قوم قد احتالوا لمنطقهم وبين قوم على أعرابهم طبعوا
ماكل قولى مشروحا لكم فخذوا ما تعرفون ومالم تعرفوا فدعوا
-5اإليطاء د
وهو " إعادة ذاتها بلفظها ومعناها ،وإنما يجوز إعادتها بمعنى مختلف
نحو " إنسان " للرجل ،ولناظر العين ،وأجاز علماء العروض إعادة
-1السابق ص . 262
- 2القافية :اتج اإليقاع الشعرى ص 123وانظر اخلصائص البن جىن جـ 1
123
اللفظة ذاتها بمعناها بعد سبعة " ( )1أبيات ،ويرى " قدامه بن جعفر " أنه
إذا تكررت القافية الواحدة بلفظها ومعناها أكثر من مرتين فى القصيدة فهو
أسمج "
** فإن اتفق اللفظ واختلف المعنى كان جائزا كقولك " أريد خيارا وأوثر
خيارا :أى تريد خيارا من هللا لك فى كذا ،وخيار الشئ :أجوده " ()2
وذلك من باب الجناس التام .
** واإليطاء مأخوذ من المواطأة أى الموافقة .قال هللا تبارك وتعالى "
ليواطئوا عدة ما حرم هللا ،أى ليوافقه "
-6التضمين د
" وهو أن ال تستقل الكلمة التى هى القافية بالمعنى حتى تكون موصولة
بما فى أول البيت الثانى .
وذلك مثل قول :النابغة الذبيانى:
وهم أصحاب يوم عكاظ إنى وهم وردوا الجفار على تميم
َ َ
أت َ ْين ُه ُم بنصح الود منى ( )
3
شهدت لهم مواطن صادقات
** فالنابغة فى البيت األول جعل قافيته " إن واسمها " " ياء المتكلم " ثم
جاء فى أول البيت الثانى بالخبر وهو الجملة الفعلية " شهدت لهم مواطن
".
** وهذا فى حقيقة األمر ال يعد عيبا مشينا ..كما ذكر السكاكى وغيره
حيث قال :ال شيء فى التضمين ،ودلل على ذلك بأنه قد ورد نظيره فى
بعض فواصل القرآن الكريم .
** وفى الشعر القصصى يكون التضمين مطلبا فنيا ..يقتضيه سياق
القصة الشعرية – كما ورد فى كثير من النماذج الشعرية فى العصر
الحديث :عند شعراء المهجر ..وشعراء مدرسة أبولو وفى شعر :أحمد
زكى أبو شادى ،ولم يعد وفى ظل ضرورة توفر " الوحدة العضوية " فى
الشعر القصصى والتمثيلى يصبح التضمين مطلبا فنيا ..وال يعد عيبا .
كما قال القدماء .
** وفى الشعر القديم جاءت قصيدة تتضمن عيبا يقترب من التضمين ..
ولكنه أقرب إلى ظاهرة التدوير فى الشعر الحر ..حيث تجئ القافية
نصف كلمة والنصف اآلخر أول البيت التالى :وأبو العباس المبرد سمى
هذا الجنس من عيوب القافية " المجاز ".
- 1انظر نص القصيدة ىف كتاب :سر الفصاحة البن سنان اخلفاجى ص . 178
125
ثانيا د عيوب ما قبل الروى من الحروف والحركات ( السناد )د
أ ــــ مدلول السناد د
هو أن يختلف تصريف القافيتين فى الحركات أو الحروف " والسناد من قولهم "
خرج بنو فالن برأسين متساندين أى كل واحد منهما على حياله ،وكذلك قالوا :
كانت قريش يوم الفجار متساندين أى ال يقودهم رجل واحد (.)2
** ومن ذلك قول عدى بن زيد:
على أبواب حصن مصلتينا ففاجأها وقد جمعت جموعا
وألفى قولها كذبا ومينا فقددت األديم لراهشيه
فالميم من – مينا – مفتوحة والتاء من – مصلتينا – مكسورة .
** وهذا من شأنه أن يسبب خلال فى إيقاع القافية الموسيقى إال إذا لجأ الشاعر إلى
التغيير الحركى لضرورة اإلنشاد .وكسر حرف الميم وجعل الياء اللينة حرف مد
فتكون الكلمة " ومينا " وأعتقد أن هذا التصرف ساعة اإلنشاد أوقع فى السمع ،
من الوقوع فى المخالفة اإليقاعية " قالمقابلة بين ياء المد والياء اللينة تذهب
االلتزام فى حد " الردف ومن هنا يضيع الكيف ،وهذا أمر بدهى ،ألن ياء اللين
ال تسبق بكسر أبدا ،وال غرابة إذا ما وجدنا منشدا يحول الياء اللينة إلى مد مع
تحويلة بالضرورة الفتح إلى كسر كى يصح له اإليقاع " (.)3
(ب) أنواع السناد ..
أنواع السناد خمسة د
-1سناد الردف .وهو أن يكون بيت مردفا وآخر غير مردف مثل قول "
حسان بن ثابت " فيما ينسب إليه
فأرسل حكما وال توصه إذا كنت فى حاجة مرسال
فشاور لبيبا وال تعصه وإن باب أمر عليك التوى
-2سناد التأسيس د
وهو أن يكون بيت مؤسسا وآخر غير مؤسس مثل " يتجمل – ويتجامل "
.
وقد يتكرر هذا العيب فى القصيدة فى عدة أبيات ..
وقد تكون القصيدة كلها غير مؤسسة ،ويرد بيت واحد فيه تأسيس وباقى
القصيدة خالية من التأسيس وفى هذه الحالة يعد العيب اإليقاعى فى وجود
ألف التأسيس وليس فى عدم وجودها ..ومن ذلك قصيدة " العرس
-1النص الكامل للقصيدة موجود بديوان املسافر ىف سنبالت الزمن .للمؤلف ص ( . ) 95 – 87
- 2انظر :موسيقى الشعر د /ابراهيم أنيس ،والقافية اتج اإليقاع الشعرى د /أمحد كشك وانظر :ميزان الذهب
ىف صناعة شعر العرب للهامشى
127
-5سناد التوجيه د
وهو اختالف حركة الحرف الذى قبل الروى المقيد كفتحة الالم وضمها
فى قولك " ُح ْلم و ُحلُم "
وقد استحسن الشعراء فى األعم األغلب ،التزام الحركة القصيرة قبل
الروى فى القافية المقيدة ،فإذا كانت فتحة التزموها فى كل األبيات ،وإذا
كانت ضمة راعوها فى كل القصيدة ،وكذلك الحال مع الكسرة فقد
التزموها حين ترد قبل الروى فى القافية المقيدة " .
** وذهب علماء العروض مذاهب ثالثة فى قبول أو رفض سناد التوجيه
فاألخفش يرى أنه ليس بعيب مطلقا ،والخليل يؤيد جواز الضمة مع
الكسرة ،ويقول بامتناع الفتحة مع أحدهما " ،وكراع " جواز الجمع بين
الضمة والفتحة ،وال تأتى الكسرة مع أحدهما " (.)2
** وللعقاد قصيدة عنوانها " قدوم الشتاء " تبلغ 17سبعة عشر بيتا جمع
الشاعر فى قافيتها بين الفتحة والضمة والكسرة فى حركة الدخيل –
فجاءت حركة الضمة مرة واحدة ،والكسرة ثالث مرات ،والفتحة ثالث
عشرة مرة يقول العقاد :
القمر
ْ ويرجف فى الجو نور تسير الكواكب سير الحذر
يسر
منظر ال ْ
ٍ ق إلى
سا ُ
يُ َ وللشمس مشيةُ مستكر ٍه
ِ
3
تقلب فى األرض كالمحتضر( ) وللروض زهر به طائح
يطر
وهذا يصيح ..ولما ْ فهذا يحوم على وكره
***
ظواهر إيقاعية بين الرفض والقبول د
** وموسيقى القافية ال تنحصر فى الشكل فقط أو المقاطع الصوتية أو الحركات
والحروف ..وإنما تدخل فى صميم المضمون الشعرى فهناك قواف تجئ فى
موضعها وتزيد المعنى جالء ،وهناك قواف ..تجئ حشوا ال قيمة لها ..وإنما
يسوقها الشاعر الستكمال هيكل البيت اإليقاعى .
فقد " روى أبو الفرج قدامة بن جعفر عن محمد بن يزيد المبرد عن
التوزى ،قال :قلت لألصمعى من أشعر الناس ؟ فقال :من يأتى إلى
المعنى الخسيس فيجعله بلفظة كبيرة ،أو الكبير فيجعله بلفظه خسيسا ،أو
-1الفن ومذاهبه ىف الشعر العرىب ،أرجع إىل ص 48 ، 47د /شوقى ضيف ،وارجع إىل لسان العرب البن
منظور .
132
ــــــــ ومن ظواهر التطور الموسيقى فى الشعر العربى القديم د
1ــــــ النظم على البحور المجزوءة د
ومن ذلك قول أم السليك " وهى من مشطور المديد ":
ْ
فهلك من هالك طاف يبغى نجوةً
أى شئ ْ
قتلك ليت شعرى ضلة
عدو َختَلَكْ
أم ٌ أمريض لم تعد
ومن ذلك أيضا قول دريد بن الصمة من منهوك بحر الرجز :
ياليتنى فيها جزع
أخب فيها وأضع
وفى العصر األموى حدث تطور فى موسيقى الشعر الغنائى فقد قل النظم على
األوزان الطويلة التى عرفت فى العصر الجاهلى من مثل البسيط والطويل والكامل
،وحلت محلها أوزان أخرى كثر النظم فيها من مثل الوافر والمديد والسريع
والخفيف والرمل والمتقارب والهزج .
ويالحظ أن البحور التامة كانت تأتى مجزوءة إذا أعدها الشاعر للغناء .
ولعل أهم شاعر قام بجهد وافر فى هذا الجانب هو عمر بن أبى ربيعة ،فقد
عرف كيف يلين األوزان لهذا الغناء الجديد ،ولعله من أجل ذلك كان أقرب
شعراء الحجاز إلى ذوق المغنين ،فقد كانوا يعجبون به وبأشعاره .
وروى أبو الفرج – كثيرا من أصواتهم فى مقطوعاته فمن ذلك صوت ابن
سريج وهو من مجزوء الخفيف :
قبل شحط النوى غدا قل لهند وتِ ْربِها
س َّهدَابت ليلى ُم َ إن تجودى فطالما
ـــــ ومن ذلك أيضا صوته وهو من مجزوء الوافر:
لمواله لها ظهرا أليست بالتى قالت
إذا هو نحونا خطرا أشيرى بالسالم له
ـــــ ومن ذلك صوت ابن محرز وهو من مجزوء الرمل :
راجع الحب الغريضا أصبح القلب مهيضا
أن رأى برقا وميضا وأجد الشوق وهنا
ـــــ وفى العصر العباسى د
توثقت الصلة بين العروض العربى والغناء العربي ،واتسعت دائرة تطور
األشكال الشعرية ،وبدأ الشعراء يجددون مع المغنين فى أوزانهم ،وهذه الظاهرة
التى تجسد العالقة بين مؤلفى الشعر وبين من يتغنون به ،تعد صدى للخاصية
التى تميز الغناء العربى القديم عن غيره كما يقول الجاحظ حيث يرى أن العرب
تقطع األلحان الموزونة على األشعار الموزونة ،فتضع موزونا على موزون ،
133
والعجم تمطط األلفاظ فتقبض وتبسط حتى تدخل فى وزن اللحن ،فتضع موزونا
على غير موزون .
ومن ثم نسطيع أن نفهم الصلة بين العروض العربى والغناء العربى ،فإن األول
فيما يظهر ألف على أساس رقم الغناء ( النوت الموسيقية ) التى عرفت فى العصر
العباسى ،ومما يؤيد ذلك ما يقوله إخوان الصفا من أن قوانين الموسيقى مماثلة
لقوانين العروض .
والخليل بن أحمد صاحب " علم العروض " ألف فى علم األصوات كتابين كما
ورد فى معجم األدباء .
ويقول ابن خلكان عن الخليل بن أحمد " إن معرفته باإليقاع هى التى أحدثت له
علم العروض .
ولعلنا من أجل ذلك كنا نجد كثيرا من ألفاظه االصطالحية التى وضعها فى
العروض شائعة فى الغناء من مثل :
1
( السناد – والنصب – والثقيل والخفيف والهزج والرمل ) ( )
2ـــــ استحداث أوزان جديدة د
ومن هذه األوزان التى استحدثها الشعراء فى العصر العباسى وزن بحر
المقتضب وبحر المضارع ،وقد سجلهما الخليل بن احمد وليس لهما أصل فى
الشعر القديم كما يقول أبو العالء المعرى .
وأيضا استحدث الوليد بن يزيد وزن بحر المجتث فى العصر األموى ،وقد أكثر
منه العباسيون إذ نجده كثيرا عند بشار ومطيع بن إيس ،وأبى نواس وأبى العتاهية
وأضرابهم .
ـــــــ يقول الوليد بن يزيد من الوزن المستحدث " بحر المجتث " وتفاعيله (
مستفع لن فاعالتن ): مستفع لن فاعالتن
برنَّه
ورا المصلى َ إنى سمعتُ بليل
يَ ْندبن وا ِلدَ ُهنَّه إذا بنات هشام
قد كان يعضد ُهنَّه يندبن قَ ْر ًما جليال
ـــــــ ومن بحر المقتضب وهو مستحدث فى العصر العباسى ،وتفاعيله (
مفعوالت مستعلن -مفعوالت مستعلن )
يقول أبو نواس :
الطرب
ُ يستخفُّه حام ُل الهوى تعب
سبب
ُ منك جاءنى كلما انقضى سبب
لعجب
ُ تعجبين د من سقمى صحتى هى ا
ــــــ ومن بحر المضارع وهو وزن مستحدث فى العصر العباسى وتفاعيله ( :
مفاعيلن فاع التن ) مفاعيلن فاع التن
8ــــ الرباعيات د
وهو نظام شعرى تتعدد فيه القافية – فى كل بيتين بحيث تتكون الرباعية من
أربع شطرات ،تتحد فيها قافية الشطرة األولى والثانية والرابعة – ومنه قول عمر
الخيام فى رباعياته التى ترجمها " أحمد رامى " ونظمها من بحر " السريع " :
وال يآتى العيش قبل األوان ال تشغل البال بماضى الزمان
فليس فى طبع الليالى األمان واغنم من الحاضر لذاته
9ـــــ الموشحات :
الموشحة :منظومة غنائية ال تسير فى موسيقاها على المنهج التقليدى ،الملتزم
لوحدة الوزن ورتابة القافية ،وإنما تعتمد على منهج تجديدى متحرر نوعا ،بحيث
يتغير الوزن وتتعدد القافية ،ولكن مع التزام التقابل فى األجزاء المماثلة .
والموشحات قد نشأت فى األندلس ،أواخر القرن الثالث الهجرى " التاسع
الميالدى " وكانت نشأتها فى هذه السنين التى ازدهرت فيها الموسيقى وشاع الغناء
من جانب ،وقوى احتكاك العنصر العربى بالعنصر األسبانى من جانب آخر ،وقد
أحس األندلسيون بتخلف القصيدة الموحدة ،إزاء األلحان المنوعة ،وشعروا
بجمود الشعر فى ماضيه التقليدى الصارم ،أمام النغم فى حاضره التجديدى المرن
،وأصبحت الحاجة ماسة إلى لون من الشعر جديد ،يواكب الموسيقى والغناء فى
-1انظر :الدب األندلسى من الفتح إىل سقوط اخلالفة ص ، 143وارجع إىل ابن سناء امللك ىف كتابه " دار
الطراز "
- 2الوكنس :ما يسترت فيه الظىب كاكناس أى املكان الذى خيتبئ فيه الظىب ؟
- 3األسد الورد :اجلرئ ،والرشا :الظىب :إذا قوى ومشى مع أمه .
- 4الفارس املعلم :من يتخذ عالمة مميزة حىت ال خيفى .
139
-1عضوية املوسيقى ىف النص الشعرى ص 299 ، 298وانظر كتاب " الشعر العرىب املعاصر ،والتفسري
النفسى لألدب " د /عز الدين امساعيل " كتاب الشعر بني الرؤاي والتشكيل ،د /عبد العزيز املقاحل .
-2ديوان :مرااي النهار البعيد ،حممد ابراهيم ابو سنة
145
إن التدوير فى الشعر المقفى يختلف عن التدوير فى الشعر الحر .
فمفهومه فى الشعر المقفى أن تتصل الشطرة األولى من البيت بالشطرة الثانية
بحيث تنقسم الكلمة بين الشطرين .
فالبيت المدور هو ذلك الذى اشترك شطراه فى كلمة واحدة بأن يكون بعضها
فى الشطر األول وبعضها فى الشطر الثانى " ومن ذلك قول أبى العالء المعرى "
:
صاح هذى قبورنا تمأل الرحـــــ ـــــــب فأين القبور من عهد عاد
فكلمة " :الرحب " يتقاسمها الشطران ألن البيت من بحر الخفيف :
صاح هذى قبورنا تمأل الرحـــــ ـــــــب فأين القبور من عهد عاد
فعالتـــــــن متفـــــع لــــــــــن فاعالتـــن فاعالتن متفع لن فاعالتن
أما التدوير فى الشعر الحر ،فهو مبنى على تتابع التفعيالت فى عدة أسطر
شعرية بال قواف فاصلة بينها ،حتى ينتهى الشاعر إلى قافية بعد عدة أسطر ،ثم
يبدأ مقطعا جديدا ،ويختمه بقافية مماثلة أو مخالفة لقافية المقطع األول ،وقد أكثر
الشعراء من استخدام هذا اللون إلى حد ضياع اإليقاع الشعرى فى خضم هذه
التفاعيل الكثيرة .
ومن هذا اللون قصيدة الشاعر " أحمد سويلم " " الملكة " .
ــــــ مملكتى العشق ،وأنت التيجان الوردية – أنت الشارات األوسمة ،وأنت
الملكة .
ــــــــ عندك ذاكرة الماضى تسقط ،كى تتجدد فى شطيك سطور من ألق ،خطوا
ممتدا ،نقشا جمرا ال يهدأ مطرا يغسلنى تأتى غيمته من عينيك ،يطهرنى ،
ويعطرنى ويلقننى كل طقوس الحب ،ويفسح لى فى اآلفاق ،فيلقانى ملك يحملنى
فوق جناحيه من صحراء الحيرة ،يسألنى عن وردتك األولى أنزعها من صدرى
،تتفتح فى هذا األلق العلوى ،أطوف به أتالشى ،أشعر بالرعدة ،أسأل عنك ،
فيأتينى صوتك عبر الريح يسامرنى ،أعبر لحظتها الصخر ،البحر األسالك
القاتلة ،وكتب الموتى األحياء ،ويعاودنى الصوت ،فأعبر ال توقفنى أوجاع
القدم ين ،وال تكسرنى الرعشة ،يقترب الصوت ،فأصعد سببا سببا ،أغزو
األسوار ،ينازلنى صوتك ،أبتلع النار ،فأخترق الكون بال ريح عاتية حتى ألقاك
،وبين يدى وردتك األولى أرشقها فى صدرك (. )1
والشاعرة /وفاء وجدى فى بعض قصائدها تتجه إلى هذا التشكيل
وقصيدة " البحر والصخر " بديوانها " ميراث الزمن
المرتد " نموذج متميز لظاهرة التدوير فى شعر التفعيلة .
تقول ،وفاء وجدى :
-1انظر " قضااي الشعر املعاصر " ص " 122 116انزك املالئكة "
148
..مكتشفا مدارات الزمن ()1
وبعض الدواوين الشعرية تسيطر عليها فى صياغتها اإليقاعية " نزعة التدوير "
ومن هذه الدواوين :ديوان " شجرة الحلم " للشاعر /حسين على محمد فالديوان
يتكون من إحدى عشرة قصيدة ،طغت على أغلبها ظاهرة " التدوير " ،وقد أشاد
بهذه الظاهرة عند الشاعر د /على عشرى زايد ،فى مقدمته للديوان فقال بعد أن
حذر من مغبة الوقوع فى النثرية والركاكة الموسيقية ( ولكن شاعرنا واحد من
الشعراء الشباب القليلين الذين ينجحون – فى معظم األحيان – فى السيطرة على
هذا األسلوب " التدوير " وتجاوز مزالقه ،خاصة وإن رؤيته الشعرية فى هذه
المجموعة فيها من التدفق واالطراد ،ما يالئم هذا األسلوب الموسيقى " .
ويقول الشاعر من قصيدته " األميرة تنتصر " :
وردة نار تخرج من جوف الفارس ،تصهل ،توضع فى العروة ،والفارس –
هذا التابع – يسقط عن كاهله أحزان سنين القهر ،ويرحل فوق جواد الفجر
الصاهل فى مدن الريح ،وفى دفتره كلمات قد حفرت بالنار على غصن الشجرة
" ()2
رابعا – االزدواج الموسيقى بين الشعر المقفى وشعر التفعيلة د
ومن التجارب الشعرية فى الشعر المعاصر ،ما يزاوج فيها أصحابها بين "
شعر الشطرين " و " شعر التفعيلة " بحيث تختم القصيدة بأبيات من " شعر
الشطرين " أو تتخلل القصيدة بعض المقاطع الشعرية من " شعر الشطرين " .
وهذه األبيات ال تمثل عبئا على التجربة الشعرية بل تمثل إحدى " البنى "
األساسية فى هيكل القصيدة ومعمارها الفنى – الموسيقى والشعورى واللغوى –
وقد تكون هذه األبيات من شعر الشاعر .
وقد تكون مقتبسة من شاعر آخر .قديم أو حديث .
" مشاهد من ملحمة العشق وقد اجتمعت هاتان الظاهرتان فى قصيدة :
والبطولة "
حيث تصور هذه القصيدة مأساة البطل المسلم /محمد بن القاسم الثقفى " الذى قاد
جيش المسلمين فى العصر األموى وفتح " بالد الهند والسند " ولكنه اغتيل فى
سجن واسط بالعراق بعد أن عزل من قيادة الجيش ،ودبرت له التهم ومات شابا
وهو فى سن الرابعة والعشرين " فى عهد سليمان بن عبد الملك " .
يقول كاتب هذه السطور فى المشهد األخير من هذه القصيدة وهو بعنوان " :
الصراع "
- 1هذا البيت لشاعر آل البيت /الكميث بن زيد األسدى وهو من شعراء العصر األموى .
- 2هذا البيت لشاعر من العصر األموى ميدح اخلليفة .
- 3ديوان " احللم والسفر والتحول " :ص ، 13 ، 12د /صابر عبد الدامي
150
يحذف الوتد المجموع من آخر " فاعلن " ،ويبدأ السطر الثانى بوتد مجموع تكملة
للسطر السابق ،ثم يذكر الشاعر سببا خفيفا – بداية للتفعيلة الثانية – فيتكون من
الوتد المجموع والسبب الخفيف تفعيلة جديدة هى فعولن ،ويستمر الشاعر فى هذا
اإليقاع .ـ ولذلك هناك بعض القصائد يمكن قراءتها مرتين :
مرة على وزن " فاعلن " ،ومرة أخرى على وزن فعولن بعد بداية القصيدة
بسطر واحد أو عدة أسطر .
وقصيدة " الشاعر " محمد ابراهيم أبو سنة " المدى ينتحب " فى ديوانه " مرايا
النهار البعيد " .
تمثل هذه الظاهرة اإليقاعية فى موسيقى الشعر الحر ،فالقصيدة تتكون من
أربع لوحات ،وضع الشاعر لكل لوحة شعرية عنوانا .
.3الغياب . .2صوت اليمام . -1السنديان .
.4أقبلى .
وفى لوحة " الغياب " ولوحة " أقبلى " يمزج الشاعر بين البحرين "
المتدارك والمتقارب " .
إنه يبدأ لوحة الغياب بإيقاع بحر المتدارك " فاعلن ":
مرة قد أخذت النهار إلى غرفتى
والتالل المحيطة والنهر ،بعض البساتين ..
كنت أريد أقدم بعض الهدايا إليك ..
ونالحظ أننا لو جعلنا الكاف ساكنة فى " إليك " فإننا نبدأ جملة شعرية جديدة بوزن
جديد " فعولن " :
وكان الزمان يسافر بين الرياحين
وجهك يسطع فوق مرايا الدماء
ولو استمر التدفق الشعرى واإليقاعى – حيث تنطق " إليك " بكسر كاف
الخطاب ،لما تغير الوزن ،بل تظل " فاعلن " هى الوحدة الموسيقية للقصيدة.
ولكن الشاعر بعد ذلك غير التفعيلة إلى " فعولن " حيث يقول بعد األبيات السابقة .
جلست انتظرتك حتى انطفاء الكواكب
فتسكين الباء فى آخر السطر الشعرى السابق جعله يبدأ سطرا شعريا جديدا ،
وظاهرة التدوير تشيع فى شعره كثيرا يقول بعد ذلك :
ماجئت سال الحنين ومرت جميع المواكب
فعولن فعولن فعول ) ( فعولن فعولن فعول
ــــــ وفات زمان األياب ( فعولن – فعولن – فعول )
جلست انتظرتك ما جئت ،جاء " الغياب "
وعلقنى عاريا فى جناحى غراب
والسطور الشعرية السابقة جاءت على وزن " فعولن "
151
واللوحة الرابعة من القصيدة " أقبلى " يبدأ الشاعر الجزء األول منها بإيقاع بحر
" المتقارب " " فعولن "
" قرأتك فى الريح ،كان المطر
يحاول نقش مالمح وجهك فى ليلة باكية "
وهو فى اللوحة السابقة :بدأ بتفعيلة بحر " المتدارك " وانتهى بتفعيلة بحر "
المتقارب " " فعولن " .ولكنه هنا يعكس اإليقاع ،فيبدأ بالمتقارب " فعولن "
وينتهى بالمتدارك " فاعلن "
ولهذا تبريره الفنى – فالشاعر ال يريد أن يجعل من كل لوحة قصيدة " منفصلة "
،فبدأ اللوحة الثالثة باإليقاع الذى انتهت به اللوحة الثانية " فاعلن " ،وبدأ اللوحة
الرابعة باإليقاع الذى انتهت به اللوحة الثالثة " فعولن " وجعل نهاية اإليقاع فى
اللوحة الرابعة متسقا ومنسجما مع بداية اإليقاع فى اللوحة األولى ،وهو بهذا
التصرف اإليقاعى أعطى للقصيدة صفة التماسك والوحدة الشعورية ،وأضفى
على المزج بين هذين البحرين الصيغة الفنية المالئمة لروح التجربة .
يقول الشاعر فى اللوحة الرابعة :
" اقبلى "
قرأتك فى الريح ..
..كان المطر
يحاول نقش مالمح وجهك فى ليل ٍة باكية
و لكن بعض حروفك ناقصةُ
..و الوجوه التى تعبر اآلن ..
سط المدينة ال يقن ُع القلب .. ..و ْ
..أن يتوقف ال تشبهين الجميع
طلبتك فى الليل ..
..حاولت صنعك لكننى
اإلشارة فى الحلم
ِ ما رجعت بغير
بعض الهواجس فى الروح
بعض الجروح
فهل أنت كامنة فى الرحيق
" يا تُرى "()1
ت الطريقأم ضلل ِ
ب .. ب الوقوف أمام الضبا ِ أح ُال ِ
الماء و الرم ِل
ِ ..على حاف ِة
ُ
حيث القواق ُع خالية فى انتظار البروقْ
- 1هنا ينتقل الشاعر إىل تفعيلة حبر املتدارك " فاعلن " ( اي ترى )
152
من زمان سحيق
الوقوف
ْ ال أحب
أقبلى كالشروق
أقبلى فى العبير
أقبلى فى اللهب
أقبلى فى الهدوء
أقبلى فى الصخب
أقبلى فى الرضا
أقبلى فى الغضب
المدى ينتحب
1
المدى ينتحب ( )
وقصيدة " من فتوحات الغربة " ( )2لكاتب هذه السطور تجمع بين تفعيلتى "
المتدارك " و " المتقارب " ،ويمكن أن نقرأها قراءة إيقاعية مزدوجة ،ومنها هذا
المقطع :
فامنحينى البراءة حتى أعود إليك ..
على شفتى الغناء
وفى قدمى الرخاء
وفى ساعدى الضياء
وفى مقلتى الرجاء
سادسا – قصيدة " النثر " د
وهذا اللون من التعبير له أنصاره وله مبدعوه ،وهم حريصون على ترسيخ
أسسه الفنية ،ويصرون على تسميته شعرا ،وهذا اإلصرار يبدو فى قولهم "
قصيدة وأرى أنهم يجمعون بين الضدين أو " المتناقضين " " الشعر والنثر "
فكيف يكون الكالم شعرا و نثرا فى وقت واحد ،وقد وضحت رأيى فى هذه
القضية بالتفصيل فى غير هذا الموضع (.)3
فقصيدة النثر ،كما أطلق عليها أنصارها ومبدعوها ال تتبع فى إيقاعها نظام "
التفعيلة " فهى خارجة على الوزن الشعرى خروجا كامال " .
-1ديوان " مرااي النهار البعيد " :حممد ابراهيم أبو سنة ص . 25 – 19
- 2انظر نص القصيدة الكامل بديوان " املرااي وزهرة النار " للمؤلف .
- 3انظر هذا الرأى ابلتفصيل ىف كتابنا " التجربة اإلبداعية ىف ضوء النقد احلديث " " .نشر مكتبة اخلاجنى " ..
ابلقاهرة .
153
ومن أشد المناوئين لهذه الدعوة الفنية " الشاعرة الناقدة " " نازك المالئكة "
على الرغم من نزعتها التجديدية ،ومشاركتها فى ريادة الدعوة إلى الشعر " الحر
" والمجاهدة فى هذا السبيل تنظيرا وإبداعا .
تقول نازك المالئكة فى الرد على أصحاب الدعوة إلى " قصيدة النثر " على
أى وجه تريد دعوة النثر أن تسمى النثر شعرا ؟ وما هذه الفوضى فى المصطلح
والتفكير لدى الجيل الذى يقلد أوروبا فى كل شئ تاركا تراث العرب الغنى المكتنز
،إن المضمون الواضح لهذه الحماسة من أصحاب الدعوة هو أن النثر سائر ،فى
رأيهم ،إلى أن يقتل الشعر ،وإن دولة الوزن ستدول فيكتب شعراء األمة العربية
نثرا وننتهى من الوزن .
وهكذا يذهب هؤالء المتحمسون الخياليون إلى أن الشعر شئ عتيق ينبغى أن
يزول ويحل محله النثر .
" انتبه أيها القارئ فإنهم يشترطون شروطا " على أن يحتفظوا بالكلمات "
شعر " و " شاعر " و " وزن " ألنهم يريدونها لتسمية النثر والناثر وما يكتب ،
وهذا يبدو من أعجب المفارقات .
وأرجعت " نازك المالئكة " حماس أصحاب هذا االتجاه إلى الدافع النفسى حيث
أنهم ال يحترمون النثر ،مهما كان سموقه الفنى ،ويهربون إلى مسمى آخر لفنهم
،فيقولون " قصيدة " " للنثر " .
وذهبت نازك المالئكة إلى أن اللغة ال تجيز باطالق الشئ وضده على مسمى
واحد قصيدة " النثر " فلكل جنس تعبيرى خصائصه ،وال يلغى أحدهما اآلخر ،
وهذا الرأى نفسه هو الذى ارتأيته وذهبت إليه فى المعركة األدبية التى دارت بينى
وبين أنصار هذا اللون على صفحات الجرائد فى المملكة العربية السعودية "
جريدة الجزيرة وجريدة عكاظ " فى عام 1986م .وتركز الناقدة على عنصر
الوزن فى التجربة ،وتؤكد أن " الوزن هو الروح التى تكهرب المادة األدبية
وتصيرها شعرا ،فال شعر من دونه مهما حشد الشاعر من صور وعواطف ،ال
بل إن الصور والعواطف ال تصبح شعرية بالمعنى الحق ،إال إذا لمستها أصابع
الموسيقى ،ونبض فى عروقها الوزن " .
وعلى الرغم من هذه المعارضة لهذا اللون من التعبير فإن الشعراء مازالوا
يصرون على هذه التسمية ومازالوا يبدعون من هذا اللون اللوحات الفنية تحت
مسمى " من قصائد النثر "
ومن هذا اللون " مقطوعة نثرية بعنوان " " عازف الناى " يقول فيها صاحبها
عازف الناى
أيها العمالق األبله
لك أصابع الجن
وأظافر العقاب
من أعماق حنجرة الدهور
154
ترسل صوت الخير حينا
وصوت الشر حينا
يا عازف الناى
متى عرفت السماء
يا عازف الناى
يا ساحر الحيات
يا من له أظافر العقاب
تداعب أصابعك الناى
فى لمس كالهمس
لقد تركتنى الحورية
الحورية المؤمنة يا عازف الناى
وتداعب أعمدة الهيكل
فاعزف أيها األبله
أنا اآلن وحدى
أعزف ()1
-1انظر :قصائد عربية :كتاب أصوات أكتوبر سنة ، 1982والقصيدة من شعر " البري أديب " صاحب جملة
" األديب "
155
وبعد ...
فإن الشعر العربى فى مسيرته التجديدية مازال يدفع بالموجة تلو الموجة ،وتبقى
الموجات األصلية ثابتة فى ساحة التيارات بكل التقلبات الفنية ،ويظل التجديد
الموسيقى مشدود الخطى إلى الوزن الشعرى فى صورتيه ( التراثية والمعاصرة )
شعر الشطرين وشعر التفعيلة ،وفى هذا اإلطار للشاعر حرية التشكيل اإليقاعى ،
والتلوين النغمى إثراء لتجربته الشعرية المؤثرة .
ومثل هذا الثراء اإليقاعى نعثر عليه فى قصائد كثيرة فى ديوان الشعر المعاصر
،ومن ذلك قول الشاعر " فاروق شوشة " من قصيدته " موعد مع النجوم " (. )1
يالهفة السنين فى أعماقنا
ودفقة الرجاء فى أحداقنا
إنا هناك ،عند بابك األمين
نشفق أن تصدنا
مشردين – مجهدين – غارقين فى السنين
فهل تضمنا رحابك الفساح ؟
من لوعة القفار والبطاح
من ثورة الهجير والرياح
ياغامر الطريق باألشواق واألفراح
وساكب الضياء فى القلوب والعيون
كأنه صباح
فهرس المحتويات
المحتويات
مقدمة1 ...............................................................................................................
الفصل األول3.....................................................................................................
أبعاد العالقة بين الموسيقى والشعر3...........................................................
الفصل الثانى12 ................................................................................................
القيم الصوتية فى النص الشعرى ودورها فى بناء التجربة الشعرية 12 .........
الفصل الثالث30.................................................................................................
ظواهر الثبات فى موسيقى الشعر30................................................................
" مصطلحات وتقسيمات " 33 ............................................................................
الزحافات والعلل39 ...........................................................................................
الفصل الرابع :أوزان البحور49 .........................................................................
1ـ بحر " الهزج "52............................................................................................
2ـ الوافر54 ........................................................................................................
3ـ الكامل 56 .....................................................................................................
4ـ الرجز59 .........................................................................................................
5ـ الرمل61..........................................................................................................
6ـ المتقارب63 .................................................................................................
"7المتدارك "65 ...............................................................................................
"8البسيط "68.................................................................................................
"9الطويل "71 ..................................................................................................
"10المديد "74 ..................................................................................................
"11الخفيف "78 ................................................................................................
157
"12المنسرح "83 .............................................................................................
"13السريع "87 ..............................................................................................
"14المجتث "91 .................................................................................................
"15المقتضب "94 ...............................................................................................
"16المضارع "97 ..............................................................................................
موسيقى القافية101 .........................................................................................
ظواهر التطور فى موسيقى الشعر " المقفى "131 .............................................
" ظواهر التطور فى موسيقى شعر التفعيلة "139 ..........................................
فهرس المحتويات156 .......................................................................................