You are on page 1of 158

‫أوزان الشعر وموسيقاه‬

‫المقرر على الفرقة الثانية بالشعبة العامة من كليات اللغة العربية وشعبها‬
‫المناظرة من كليات الدراسات اإلسالمية والعربية‬

‫تأليف‬
‫األستاذ الدكتور صابر عبدالدايم يونس‬
‫أستاذ األدب والنقد في كلية اللغة العربية بالزقازيق وعميدها األسبق‬
‫ورئيس اللجنة العلمية الدائمة لترقية األساتذة واألساتذة المساعدين ألقسام األدب‬
‫والنقد بجامعة األزهر‬
‫‪1‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة‬
‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف المرسلين ‪ ..‬وبعد ‪،،،‬‬
‫فإن البناء بالموسيقى " يعد إحدى مكونات التجربة الشعرية ‪ ،‬فالنص الشعري‬
‫تتعدد أبعاده الجمالية ‪ ..‬والبحث عن أسرار هذا الجمال ربما يكمن في البناء‬
‫بالموسيقى ‪ ،‬وربما يكمن فى التشكيل بالصورة ‪ ،‬وربما يكمن فى البنية اللغوية‬
‫واإلحساس بالزمن ‪ ،‬وكل األبعاد السابقة تنبثق من الطاقة الشعورية المتدفقة من‬
‫كيان النص ‪ ،‬وهو بدون هذه الطاقة يعد نهرا جافا ‪ ،‬وحديقة يابسة ‪ ،‬وأفقا منطفئ‬
‫النجوم ‪.‬ومن ثم فموسيقى الشعر ال تدرس منفصلة عن كيان التجربة الشعرية ‪،‬‬
‫وإال أصبحت قواعد جافة أشبه بالزهور "البالستيكية" الملونة التى تخدعك ببريقها‬
‫ومنظرها ‪ ،‬ولكن عطرها ميت ‪،‬وال تبعث فى النفس نشوة اإلحساس بالحياة وال‬
‫السكينة المتفاعلة مع إيقاع الحياة الساحر ‪.‬وتجيء هذه الدراسة بداية مشروع –‬
‫آمل أن تكتمل صورته فى القريب العاجل إن شاء هللا ‪ ،‬يجمع بين القاعدة وبين‬
‫مكانها من النص الشعرى ‪ .‬فدراسة العروض " دراسة منفصلة عن مقومات‬
‫التجربة الشعرية تظل عديمة الجدوى ‪ ..‬ثقيلة اإليقاع ‪ ،‬ولذلك جمعت فى هذه‬
‫الدراسة بين القيم الصوتية فى النص الشعرى وبين الموسيقى الشعرية " الداخلية‬
‫والخارجية " ‪.‬‬
‫وبدأت الدراسة بأهمية الموسيقى وأثرها فى النفس اإلنسانية ‪ ،‬ثم نوهت بأوجه‬
‫التالقى بين الموسيقى وبين الشعر ‪ ،‬واستندت فى رصد ظاهرة التعانق الحميم بين‬
‫فنى الشعر والموسيقى إلى رأى علماء اللغة ‪ ،‬وإلى اإلرهاصات األولى لنشأة‬
‫الشعر العربى ‪ ،‬وإلى سمات الحضارة العربية وخصائصها ‪ ،‬وإلى طبيعة التراث‬
‫العربى بصفته تراثا سمعيا فى المقام األول ‪.‬‬
‫وفى الفصل الثانى ‪ :‬نوهت بالقيم الصوتية وأثرها فى النص الشعرى ‪ ،‬ورصدت‬
‫أهم الظواهر التى تتجلى فيها القيم الصوتية ‪ ،‬وهى ( موسيقى الحرف – موسيقى‬
‫الكلمة – موسيقى النظم واألسلوب ) ‪.‬‬
‫وفى الفصل الثالث‪ :‬رصدت بعض ظواهر الثبات فى موسيقى الشعر ومنها ‪:‬‬
‫ظاهرة الثبات فى موسيقى البحور الشعرية " فى شعر الشطرين " وفى دراستى‬
‫ألوزان البحور ناقشت بعض اآلراء القديمة والحديثة التى ظنها الكثيرون من‬
‫الثوابت ‪ ،‬ومنها الرأى القائل باختراع األخفش لبحر " المتدارك " ‪ ،‬وقد ثبت من‬
‫التحقيق العلمى غير ذلك ‪ ،‬وكذلك فى رصدى لظاهرة " الزحافات والعلل " ناقشت‬
‫هذه الظاهرة‪ -‬وربطت بينها وبين مقومات التجربة فى النص الشعرى‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪0‬وفى الفصل الرابع ‪ :‬رصدت مظاهر اإلبداع الشعرى فى موسيقى القافية ‪،‬‬
‫وظواهر التغير فى بعص القواعد العروضية المتوارثة‪ ..‬وفى الفصل الخامس‪:‬‬
‫رصدت بعض ظواهر التطور فى موسيقى الشعر المقفى ‪ ،‬وهى ظواهر صاحبت‬
‫الشعر العربي منذ نشأته إلى اآلن ‪ ...‬وهى متعددة ومتنوعة‪.‬‬
‫‪.‬وفى الفصل السادس ‪ :‬رصدت بعض ظواهر التطور فى موسيقى" الشعر الحر"‬
‫ومنها ظواهر مقبولة وظواهر مرفوضة‪.‬وبعد‪ ..‬فالتشكيل اإليقاعي للتجربة‬
‫الشعرية يتمخض عن الجديد فى كل حين‪.‬وعلى النقاد ودارسى لغة الشعر‬
‫وموسيقاه أن يرصدوا هذه الظواهر فيما يبدعه الشعراء من نصوص ‪ ..‬رصدا‬
‫موضوعيا ‪ ..‬بعيدا عن المغاالة فى التصور والحكم ‪ ..‬رفضا كان أو قبوال لظواهر‬
‫التجديد ‪.‬‬
‫وهذا الكتاب في األصل هو كتاب"موسيقى الشعر بين الثبات والتطور"‬
‫تأليف األستاذ الدكتور‪/‬صابر عبدالدايم يونس‪ ،‬األستاذ المتفرغ بالقسم‪ ،‬وقام‬
‫بقراءة الكتاب لجنة مكونة من األساتذةدد‪/‬حسن أحمد الكبير‪ ،‬د‪/‬محمد عبدالسالم‬
‫صقر‪ ،‬د‪/‬محمد عبدالحميد غنيم‪ ،‬د‪/‬ناجي فؤاد بدوي‪ ،‬د‪/‬علي عبداللطيف سليم‪.‬‬
‫وهللا الموفق والهادى إلى سواء السبيل ‪،،،‬‬
‫‪3‬‬

‫الفصل األول‬
‫أبعاد العالقة بين الموسيقى والشعر‬
‫أوال د أهمية الموسيقى وأثرها الجمالى فى النفس اإلنسانية د‬
‫إن الموسيقى تنظم حركة الكون – وتسيطر على دائرة الوجود – فكل ظاهرة‬
‫كونية لها إيقاعها المؤثر فيما عداه تأثيرا يجعل من تجاذب جزئيات الكون بعضها‬
‫البعض اآلخر ‪ ..‬حركة إيقاعية دافعة إلى التماسك والتجاذب ‪.‬‬
‫فاألرض تدور والسحاب يتحرك – والجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب ‪،‬‬
‫والماء يتصاعد بخارا إلى الفضاء ويكون تشكيالت من الغيم المفعم بالخصب ‪،‬‬
‫وترى الودق يخرج من خالله ‪ ،‬وتتكون جبال من برد وتتحرك الرياح – فتثير‬
‫السحاب – فيساق الماء إلى بلد ميت – فيحيا ‪ ،‬ويخضر – فى مهرجان من‬
‫أصوات الرعود – وأضواء البروق – ومن تآلف هذا التشكيل اإليقاعى لحركة‬
‫الكون تنبثق موسيقى الحياة موسيقى الكلمة – وموسيقى الحدث وموسيقى الروح‬
‫وموسيقى المكان وموسيقى الزمان ‪.‬‬
‫ولقد عد أفالطون الفن الموسيقى أحد المحركات الرئيسية السامية للبشر ‪ ،‬فهى‬
‫الصدق والحقيقة التى توجد منذ بدء الخليقة ‪ ،‬ومن خاللها عرف العالم النظام‬
‫وتحقق له التوازن ‪.‬‬
‫ووفقا لنظرية أفالطون ‪ ،‬نجد أن الموسيقى قد خدمت البشرية فى تحقيق التوحيد‬
‫بين أحاسيس البشر ‪ ،‬ومختلف عناصر الحياة فى المجتمع الواحد وبين المجتمعات‬
‫المختلفة وتمكنت من التعبير عن الفرد وعن الجماعة فى تنسيق ووحدة ‪.‬‬
‫وفى الحضارة القديمة كانت الموسيقى وسيلة رئيسة للعبادة والربط بين اآللهة‬
‫والبشر ‪ ،‬ونشر التعاليم والقوانين والفضيلة والتربية ‪ ،‬فضال عن استخدامها فى‬
‫الحروب كوسيلة توحيد للمشاعر وشحن لألحاسيس ودفع للحركة البشرية ‪ ،‬وتنظيم‬
‫لها(‪)1‬‬
‫وكما نختلف نحن – المتلقين – حول النص األدبى – فى رصدنا الجمالى له ‪،‬‬
‫وموقعه من نفوسنا ‪ ،‬نختلف أيضا فى درجة االستمتاع بالموسيقى ألن الموسيقى ال‬
‫تتمثل طبقة صوتية معينة وال كثافة سمعية محددة فحسب ‪ ،‬ولكنها تعتمد فى‬
‫وجودها بالنسبة للمستمع على إمكانية تسجيلها فى العقل الباطن ‪ ،‬والقدر الذى‬
‫تتمتع به أذن المستمع من حساسية عصبية‪ ،‬فالحساسية العصبية لألذن تقابل‬
‫االصطالح الطبى الخاص بالبصر ‪ ،‬والذى يحدد أن كانت العين مصابة ببعد نظر‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬دعوة إىل املوسيقى ‪ ،‬يوسف السيسى ص ـ‪ – 13‬عامل املعرفة عدد ‪. 46‬‬
‫‪4‬‬
‫أو قصر نظر مثال ‪ ،‬وبالنسبة لألذن فإن حاسيتها العصبية تجعل منها جهازا قادرا‬
‫على االستماع إلى التنافرات فى التركيبات الموسيقية براحة تامة – بينما ال تتمكن‬
‫أذن أخرى من ذلك ‪ ،‬ويصاب صاحبها بالضيق والتشاؤم والتعاسة عندما يستمع‬
‫إلى تنافرات موسيقية أو حتى إلى كثافة صوتية ‪ ،‬أو قوة فى األداء ‪ ،‬أو حتى حدة‬
‫فى الطبقات الصوتية ‪.‬‬
‫وهناك ثالثة مجاالت يتم من خاللها تكوين اإلحساس الجمالى للفن الموسيقى وهى‬
‫االستقبال عن طريق فهم القوالب الموسيقية ‪ ،‬واالستقبال عن طريق التخيل‬
‫واالستنباط ‪ ،‬ثم االستقبال عن طريق العاطفة ‪ ،‬أى أن اللحن يثير فى حواسنا‬
‫إمكانية اإلحساس بالشكل والقدرة على إطالق الخيال ‪ ،‬ثم االنفعال العاطفى ‪،‬‬
‫وتكتمل هذه العناصر الثالثة عن طريق العقل بشكل يجعل من االستقبال الفنى‬
‫مجاال لالستمتاع الجمالى(‪)1‬‬
‫وهذا اإلحساس الجمالى بالموسيقى النغمية المصحوب باالستمتاع نجده أيضا‬
‫مجسدا فى استمتاع اإلنسان بالكلمة الموزونة فى قالب شعرى – فاألناشيد القومية‬
‫توقظ الهمم وتدفع باألمة إلى مساحات الوعى للنضال والجهاد ‪ ،‬وتغرس فى‬
‫النفوس نزعة التمسك باألرض وحتمية الدفاع عنها ‪.‬‬
‫وحين نتساءل عن كيفية تكوين هذا الشعور فى اإلنسان بنغم الكالم والتجاوب معه‬
‫‪ ،‬حتى واإلنسان صبى فى مهده ‪ ،‬يتجاوب فى فرح وحبور مع النغمات الموسيقية‬
‫وإيقاعات األناشيد واألغانى السهلة المصورة لعالم الطفولة ‪.‬‬
‫هناك نجد‪ -‬كما يقول علماء النفس‪ -‬ميال غرزيا فى كل كتلة من عدة مقاطع تشبه‬
‫الفقرات القصار أو العبارات الصغيرة ‪ ،‬فقد نسمع فى عشر من الثوانى ما يكاد‬
‫يبلغ خمسين مقطعا صوتيا ‪ ،‬تسمعها األذن فتلتقطها كتال من المقاطع تطول أو‬
‫تقصر ‪ ،‬فإذا ترددت فى أواخر هذه الكتل الصوتية مقاطع بعينها شعرنا بسهولة‬
‫ترديدها ‪ ،‬وأحسسنا بغبطة وسرور حين سماعها ‪ ،‬وبعث هذا فينا الرضا‬
‫واالطمئنان إليها ‪.‬‬
‫وهنا نلحظ سرا من أسرار حبنا للكالم الموزون المقفى ‪ ،‬على أنهم " أى علماء‬
‫النفس " يصرون على وجود تلك التى تسمى بالموهبة الموسيقية ‪ ،‬ويرون أننا‬
‫نختلف فى القدرة على خلق الوزن فيما نسمع ‪ ،‬فمنا من يكتل المقاطع بحيث‬
‫يسمعها منسجمة متزنة ‪ ،‬ومنا من يسمعها وقد طغى بعضها على حدود بعض ‪،‬‬
‫وال يدرك لها وزنا أو انسجاما ‪.‬‬
‫ويضرب علماء النفس أمثلة لهذه الظاهرة فيذكروننا بميل بعضنا إلى تكتيل دقات‬
‫الساعة أو حركات القطار فوق القضبان ‪ ،‬بحيث يكون هذا البعض من تلك‬
‫األصوات نغما منسجما ذا فواصل كفواصل الموسيقى ‪ ،‬وتلك القدرة على خلق‬
‫النغم الموسيقى ‪ ،‬بل يرون أن هذا النوع من الناس قادر على تكوين النغم فى خياله‬

‫‪ -1‬السابق ص ـ‪319 - 318‬‬


‫‪5‬‬
‫دون نطق به أو سماع له ‪ ،‬فكأن هاتفا خفيا يصيح بتلك األنغام على مخيلته فتكون‬
‫نغما موسيقيا قبل أن تصبح مسموعة مجهورة ‪ ،‬وعلى هذا البد لسامع الشعر أن‬
‫يكتل من مقاطعه بحيث يسمعها موزونة منسجمة ‪ .‬وأن تكون له تلك الموهبة‬
‫ليدرك كل ما فى الكالم من موسيقى ونغم (‪)1‬‬
‫ثانيا د أبعاد العالقة بين الموسيقى والشعر‬
‫إن الصوت واللون بينهما عالقة قائمة على ارتباطات شعورية تجعل من الفنون‬
‫الجميلة دائرة واحدة تتالقى أطرافها – مهما تميزت خصائص كل فن واستقلت ‪،‬‬
‫وهذه الدائرة هى دائرة الحواس اإلنسانية – والمدركات النابعة من إحساس‬
‫اإلنسان باألشياء من حوله – ودرجة استقباله لها عن طريق اإلدراك الذهنى‬
‫والشعورى ‪.‬‬
‫فالعالقة بين الصوت واللون تقوم على ارتباطات وجدانية نفسية ومدلوالت‬
‫فسيولوجية تخضع لما يسمى بظاهرة " السينتزيا " ‪.‬‬
‫أى العالقة فى التزامن بين الصوت واللون ‪ ،‬أو االرتباط والتنسيق بين نوعين‬
‫مختلفين من األحاسيس ‪ ،‬فالعقل هو جهاز االستقبال والتحكم والربط والتنسيق‬
‫والتوحيد فهو الذى تتجمع فيه كل الحواس ‪ ،‬وهو الذى يربط بين البصر والسمع‬
‫والشم ‪..‬الخ‪.‬‬
‫والطبيعة كأم لكل الفنون تتكامل فيها الحركة المرئية والحركة السمعية ‪ ،‬اللون‬
‫والصوت وكافة الظواهر األخرى ‪.‬‬
‫وعندما يتحد اإلنسان مع الطبيعة ‪ ،‬وتتكامل فيه عناصر الحياة بثقافاتها البصرية‬
‫والسمعية وارتباطها بالتجاوب العصبى اإلنسانى ‪ .‬عندما يتم ذلك فإن اإلنسان‬
‫يتمكن من الرؤية حتى وهو كفيف ‪ ،‬ومن السمع حتى وهو أصم – تماما كما كان‬
‫يرى طه حسين رؤية أكثر دقة وصحة وجماال من المبصرين ‪ ،‬وكما كان يسمع "‬
‫بتهوفن " وهو أصم ‪ ،‬ما تتمكن أذن أن تسمعه أو تستنشقه من جمال ‪.‬‬
‫قال كاراليل‪ :‬إذا تأملت الشئ ونظرت إليه بعمق وتفحصته فإنك حتما ستستمتع‬
‫بموسيقيته ألن النغم يكمن في قلب طبيعة األشياء ‪.‬‬
‫إن االستمتاع بمنظر طبيعى تصاحبه أصوات من الطبيعه كحفيف الشجر‬
‫وأصوات الطيور وخرير الماء ‪ 0000‬إلخ ‪0‬‬
‫وهذا يقودنا إلى الحقيقة التى تبحث عنها الفلسفة والفنون أبدا لتضعها أمام عيوننا‬
‫وآذاننا ‪ ،‬والتى بحث عنها ‪ " :‬فاجنر " فى ‪:‬الدراما الموسيقية التى تتكامل فيها‬
‫فنون الصوت والصورة والشعر والموسيقى والحركة والعمارة ‪ ،‬بل الرائحة أيضا‬
‫‪ ،‬فإذا اجتمع أكثر من نوع واحد من الفنون كان تأثيره أقوي وأكثر تكامال وأقرب‬
‫إلي الحقيقة‪ ،‬إذا لم يوجد غير الموسيقى – الصوت – فإن الحواس تكملها بتخيل‬
‫العنصر البصرى ‪ :‬اللون ‪0‬‬

‫‪- 1‬موسيقى الشعر ص ـ‪ ، 12‬د‪ .‬ابراهيم أنيس ‪.‬‬


‫‪6‬‬
‫فالمزج الفنى بين ما هو مرئى وعقلي وسمعى يجعل الحقيقة أكثر تكامال ‪ ،‬والحس‬
‫البشرى أكثر نضجا ‪ ،‬وأقرب إلى الطبيعة األم ‪،‬إلى الحقيقة ذاتها (‪0 )1‬‬
‫ومن أجمل ما قيل حول تأثير السماع والنغم على النفس البشرية ما جاء على لسان‬
‫اإلمام الغزالى ‪ ،‬فهو يرى ‪ :‬أنه ال سبيل إلى استثارة خفايا القلوب إال بقوادح‬
‫السماع ‪ ،‬وال منفذ إليها إال من دهليز األسماع‪ ،‬فالنغمات الموزونة تخرج ما فيها‪،‬‬
‫وتظهر محاسنها أو مساويها‪ ،‬فال يظهر من القلب عند التحريك إال ما يحويه‪ ،‬كما‬
‫ال يرشح اإلناء إال بما فيه‪ ،‬فالسماع للقلب محك صادق ومعيار ناطق‪ ،‬فال يصل‬
‫نفس السماع إليه وال قد تحرك فيه ما هو الغالب عليه ‪0‬‬
‫ويؤكد اإلمام الغزالى على أن العالقة بين النغم والروح هي سر من أسرار اإلله‪،‬‬
‫يعجز عن تعليله البشر‪ ،‬هلل تعالى سر فى مناسبة النغمات الموزونة لألرواح ‪0‬‬
‫ويؤكد كذلك أن ‪ :‬تأثير السماع فى القلب محسوس‪ ،‬ومن لم يحركه السماع فهو‬
‫ناقص مائل عن االعتدال‪ ،‬بعيد عن الروحانية ‪ ،‬زائد فى غلط الطبع وكثافته على‬
‫الجمال والطيور‪ ،‬بل على جميع البهائم‪ ،‬فإنها جميعا تتأثر بالنغمات الموزونة‬
‫"(‪)2‬‬
‫ثالثاد ظواهر العالقة الفنية بين الموسيقى والشعر د‬
‫إن العالقة بين الموسيقى والشعر عالقة عضوية ‪ ،‬فالشعر فى صياغته الفنية‬
‫يتكون من عدة تفعيالت تمثل وحدات موسيقية تكسب القصيدة نغما آسرا مؤثرا ‪،‬‬
‫وحين تفقد القصيدة سحر هذا النغم ‪ ،‬ينقطع ذلك الخيط الفنى الدقيق الذى يشد‬
‫المتلقى ‪ ،‬إلى سماع الشعر ‪ ،‬فالشعر نغم وإنشاد‪.‬‬
‫ويروى بعض علماء اللغات السامية أن الكلمة التى تفيد معنى الشعر فيها واحدة‬
‫مأخوذة من أصلها العربى مع قليل من التحريف طرأ عليها بعد انتشار الساميين‬
‫فى وادى النهرين وبادية الشام وأرض كنعان ‪ ،‬ويقول العالم األب ‪ ":‬مرمر مجى‬
‫" في كتابه ‪ :‬المعجميات ‪ ،‬كما يروى ‪ :‬العقاد ‪ :‬أن لفظة الشعر كانت تدل‬
‫قديماعلى الغناء ‪ ،‬وإن لم ترد بهذا المفهوم بين أيدينا ‪ ،‬ويمكن االستدالل على ذلك‬
‫بوسيلة المقارنة األلسنية السامية ‪ ،‬إذ أننا نجده فى أقدم اللغات السامية من حيث‬
‫اآلثار المكتوبة أى اللغة األكادية كلمة – شيرو – الدالة على هتاف الكهان فى‬
‫الهياكل ‪ ،‬ومن األكدية انتقلت اللفظة إلى العبرية بصورة " شير ‪ ،‬وشيره "‬
‫ومعناها النشيد ‪ ،‬ومنها صيغ الفعل المرتجل " شير" بمعنى أنشد وغنى ومن ذلك‬
‫جاء اسم سفر من أسفار العهد القديم ‪ ،‬وهو " شير هشيريم" أى نشيد األناشيد‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬دعوة إىل املوسيقى ص ‪ ، 46 – 45‬يوسف السيسى ‪ ،‬عامل املعرفة‬


‫‪ - 2‬انظر كتاب ‪ :‬إحياء علوم الدين لإلمام الغزاىل ج ‪ 6‬ص ‪ 147‬وانظر عضوية املوسيقى ىف النص الشعرى‬
‫ص ‪20 ، 19‬‬
‫‪7‬‬
‫والجدير بالمالحظة – كما يقول العقاد – أن العبارة األكدية " زامار شيرى "‬
‫تطابق كل المطابقة العبارة العبرية " مزمور شير " ومفردهما فى العبرية (‬
‫مزمور نشيد ‪ ،‬أو شعر ) ‪.‬‬
‫هذا ومعلوم أن أغلب األحرف الحلقية ومنها العين قد سقطت فى " األكدية " أو‬
‫أنها كانت تلفظ دون أن تمثلها عالمة فى الكتابة ‪ ،‬ألن الرسم المسمارى المستعار‬
‫لألكدية السامية من السمرية غير السامية – كان خاليا من العالمات للحلقيات ‪،‬‬
‫لخلو الشمرية منها ‪ ،‬ولهذا جاز لنا افتراض أن كلمة " شيرو " كان أصلها أو‬
‫لفظها " شعرو " إال أنها ولجت العبرية واآلرامية ‪ ،‬وهى خلو من العين كما كانت‬
‫مصورة فى الرسم المسمارى ‪ ،‬أما العربية فقد ظهرت أو بقيت فيها العين األصلية‬
‫‪ ،‬على أن العربية والعبرية قد احتفظتا بالكسرة المحركة بها الشين فى األكدية "‬
‫شيرو ‪ ،‬فجاء فى العبرية " " شير " وفى العربية " شعر " والكلمة " شيرو "‬
‫مشتقة حسب معناها فى األكدية والعبرية أى معنى الهتاف ثم الغناء(‪. )1‬‬
‫والنتيجة السابقة تستند إلى " علم اللغة المقارن " وهى مقنعة إلى حد ما " ولكننا‬
‫لماذا نذهب بعيدا ‪ ،‬ونمعن فى اصطياد األدلة الثبات العالقة بين فنى الشعر‬
‫والموسيقى وهى ال تحتاج إلى هذا االيغال فى التدليل ‪ ،‬فإذا كانت كلمة " شعر "‬
‫نفسها تدل على " الغناء " فإن نشأة الشعر العربى كانت مصاحبة للنغم ‪ ،‬ففى‬
‫العصر الجاهلى اقترن الشعر بايقاع خطوات االبل وبخاصة ايقاع بحر " الرجز "‬
‫وحين نستنطق ال تاريخ األدبى نجد أن الصلة وثيقة بين الحداء والشعر فى تطور‬
‫تركيبه وتوفيق أوزانه وتقسيم أعاريضه ‪ ،‬ألن أوزان الشعر التى نظم فيها شعراء‬
‫الجاهلية تنتظم فيها األعاريض جميعا مع حركة من حركات االبل فى السرعة‬
‫واألناة ‪ ،‬فال خفاء بهذه الحركة السريعة فى هذا البيت ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫أنا ابن عبد المطلب( )‬ ‫أنا النبى ال كذب‬
‫وال خفاء بالحركة المتمهلة فى هذا البيت ‪:‬‬
‫أجندال يحملن أم حديدا؟‬ ‫للجما ِل مشيها وئيدا؟‬
‫ما ِ‬
‫وال خفاء بحركة اإلبل على اختالفها وما يناسبها من أوزان الحداء فى كل بيت‬
‫ينتظم من أمثال هذه التفاعيل ‪.‬‬
‫والحداء نفسه مناسبة شعرية تستوحى الغناء فى ليالى البادية القمراء بين الحنين‬
‫إلى الموطن الذى بارحه الركب واألمل فى المنتجع الذى ينتقل إليه ‪ ،‬وليس لترديد‬
‫الغناء بمعانيه الشعرية مجال أقرب إلى الحياة البدوية ‪ ،‬وألصق به من مجال‬
‫الحداء ‪ ،‬فال نزاع فى الصلة الوثيقة بين الحداء ووزن الشعر العربى فإن لم يكن‬

‫‪ - 1‬انظر ‪ :‬الثقافة العربية أسيق من ثقافة اليوانن والعريني ص ـ‪-116-115‬عباس العقاد ‪.‬‬
‫‪ -2‬من املعروف أن النىب عليه الصالة والسالم مل يقصد هبذا البيت إىل قول الشعر ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫كل ما نظمه العرب حداء يتغنى به الحداة فعال فهو وزن ال يخالفه وال ينفصل عن‬
‫نغماته وأعاريضه "(‪)1‬‬
‫وحين نمعن النظر فى بنية القصيدة العربية نجد أن البناء بالموسيقى يعد فى مقدمة‬
‫البُنى التى تتكون منها القصيدة عند العرب – ويرى النقاد أن البناء بالموسيقى‬
‫يتقدم على البناء بالصورة ‪ ،‬ألن القصيدة إذا فقدت العنصر النغمى " الوزن‬
‫الشعرى " تخرج من دائرة الشعر إلى دائرة الفن النثري ‪ ،‬ولذلك عرفوا الشعر‬
‫بأنه " الكالم الموزون المقفى الذى يقصد به إلى الجمال الفنى ‪ ،‬والبناء بالموسيقى‬
‫فى القصيدة العربية ال يعد تعسفا ‪ ،‬وال تحجرا ‪ ،‬بل هو " األقرب إلى خصائص‬
‫الشعر العربى " وهو يعد ظاهرة حضارية انطالقا من مرتكزات أساسية فى‬
‫الحضارة العربية تقدم التجريد على التجسيد ‪ ،‬وتقول بأن الماهية تسبق الوجود ‪،‬‬
‫وترى أن داللة األلفاظ – كما يؤكد ابن جنى فى الخصائص – معنوية ال حسية ‪،‬‬
‫وحتى حين نرى العمل الشعرى يركز على " العنصر التشكيلى " فى القصيدة‬
‫نالحظ أن فى مقدمة ما يهم هذا الجانب التشكيلى هو عنصر الزمن وبخاصة‬
‫اإليقاع ومستوياته ‪.‬‬
‫ثم إذا وسعنا الدائرة نجد أن التراث العربى بصفة عامة تراث سمعى ‪ ،‬ونجد أن‬
‫طاقة اللغة العربية باعتبارها من اللغات القديمة ترتكز على الميراث السمعى ‪ ،‬ثم‬
‫إنها لغة تعتمد على " التنغيم " الذى يزدهر عادة فى اللغات االشتقاقية ‪ ،‬تجرى‬
‫أوزانها ومعانيها على قياس واحد كلما اطردت ‪ ،‬كما تساعد على ذلك حركات‬
‫اإلعراب ‪ ،‬وعالم العروض والقوافي ‪ ،‬فكلها تجرى مجرى األصوات ‪.‬‬
‫وإن كثيرا من قيم البالغة العربية كفكرة البديع‪ ،‬تقوم إلى حد كبير على أساس‬
‫موسيقى ‪ ،‬على نحو ما نعرف من التصريع والترصيع ‪ ،‬والتشريع (‪ )2‬والتقسيم‬
‫والجناس ‪ ...‬الخ ‪ ،‬فهناك تركيز على االنسجام أكثر من التركيز على التناقض ‪،‬‬
‫وما أكثر القصائد التى ازدهرت فى الشعر وأساسها األول هو الموسيقى ‪.‬‬
‫لقد كان وراء ذلك طبيعة اللغة والتراث ونفسية اإلنسان العربى وتكرار المنظر من‬
‫حوله ‪ ،‬باإلضافة إلى ظواهر الحداء والغناء والترتيل والتجويد والسماع ‪.‬‬
‫‪ ‬والنقاد المحدثون يركزون على أن مما يتم به التنويع داخل القصيدة "‬
‫اإلنشاد " وهم يقصدون به قراءة الشعر وفق ما يتطلبه المعنى ‪ ،‬وما‬

‫‪ -1‬السابق ص ـ‪. 112 - 111‬‬


‫‪ -2‬التشريع ‪ :‬هو أن يكون للبيت فما فوق قافيتان مع وزنني خمتلفني من أوزان العروض حبيث يصح املعىن حال‬
‫انفراد أحدمها عن اآلخر ‪.‬‬
‫كقول احلريرى من الكامل ‪:‬‬
‫شرك الردى ‪ ..‬وقرار األكدار‬ ‫اي خــاطــب الــدنيا الــدنية إهنـا‬
‫دار مىت ما أضحكت من يومها أبكــت غــدا ‪ ..‬تباهلا مــن دار‬
‫‪9‬‬
‫يحكمه فن اإللقاء " ذلك ألنه يتطلب الضغط على بعض الكلمات ‪ ،‬وعلى‬
‫بعض المقاطع‪ ،‬وعلى طول الصوت فى بعض وقصره فى بعض ‪ ،‬كما‬
‫ينطبق هذا على ارتفاع الصوت أو انخفاضه (‪. )1‬‬
‫والعالقة بين المشاعر واألحاسيس التى تُصبغ النص الشعرى بصبغة‬
‫الصدق الفنى ‪ ،‬وبين موسيقاه عالقة عضوية تجعل من النص صورة فنية‬
‫متماسكة فالشاعر البارع يمكنه أن يستغل الدفقات الموسيقية لتتناسق‬
‫وتتموسق فى الوقت ذاته بما يصوره أو يعبر عنه من إحساس مرتجف‬
‫راعش أو نظرة متأنية متأملة مستغرقة ‪ ،‬ويستطيع التلوين الموسيقى أن‬
‫يالئم بين هذه المواقف ‪ ،‬أو يجعل تجسيده للشعور ينطق بواسطة النغمة‬
‫الموسيقية نفسها باإلضافة إلى أن الموسيقى فى الشعر لديها قدرة فى‬
‫تجسيد اإلحساس المستكن فى طبيعة العمل الشعرى نفسه مع قدرة الشاعر‬
‫على ربط بنائه الفكرى متلبسا ببنائه الموسيقى ‪ .‬األمر الذى يولد بينهما‬
‫ترنيمة متحدة ليست نتاج النغم الموسيقى وقدرته على التخدير الذى يجعلنا‬
‫ال ننتبه إلى الفكرة بل ال بد من انتصابه على ماهية العمل الفنى كله‬
‫متوائما مع حركة االتساق بين الموضع الشعرى ونغمة الموسيقى "(‪)2‬‬
‫وهذا الميل إلى ضرورة االتساق بين الموضوع الشعرى ونغمة الموسيقى‬
‫جعل بعض الدارسين يربطون بين عاطفة الشاعر وبين الوزن الذى‬
‫يتخيره لموضوع تجربته فى قصيدته ‪ ،‬وهى قضية شائكة أثيرت من النقاد‬
‫قديما وحديثا ولم يحسم القول فيها بعد ‪ ،‬فبعض النقاد ينتصر لها مثل د‪/‬‬
‫عبده بدوى ‪ ،‬وبعضهم يرفضها مثل د‪ /‬عز الدين اسماعيل وبعضهم حاول‬
‫إضفاء الصيغة العلمية عليها وهو يحاول الربط بين الوزن والعاطفة ‪،‬‬
‫وهو ربط جيد أجده مقنعا حينما يكون مفسرا للحالة االنفعالية لدى الشاعر‬
‫‪.‬‬
‫وهذا الربط العلمى الطبى بين العاطفة والوزن يتفق فيه د‪ /‬ابراهيم أنيس‬
‫مع الغربيين فيقول ‪ :‬يربط الغربيون فى بحثهم وزن الشعر ‪ ،‬بينه وبين‬
‫نبض القلب الذى يقدره األطباء فى اإلنسان السليم بعدد ‪ 76‬مرة فى الدقيقة‬
‫‪ ،‬ويرون صلة وثيقة بين نبض القلب وما يقوم به الجهاز الصوتى وقدرته‬
‫على النطق بعدد من المقاطع ‪ ،‬ويقدرون أن اإلنسان فى األحوال العادية‬
‫يستطيع النطق بثالثة من األصوات المقطعية كلما نبض قلبه نبضة واحدة‬
‫‪ ،‬فإذا عرفنا أن بحرا كالطويل يشتمل على ‪ 28‬صوتا مقطعيا‪،‬أمكننا أن‬
‫نتصور أن النطق ببيت من الطويل يتم خالل تسع نبضات من نبضات‬
‫القلب ‪ ،‬على أن نبضات القلب تزيد كثيرا مع االنفعاالت النفسية تلك التى‬

‫‪ -1‬انظر النص الشعرى ‪ ،‬صـ‪ . 9 ، 8‬د ‪ .‬عبده بدوى ‪.‬‬


‫‪ -2‬التجديد املوسيقى ىف الشعر العرىب صـ‪ ، 9‬د‪ .‬رجاء عيد ‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫قد يتعرض لها الشاعر فى أثناء نظمه ‪ ،‬فحالة الشاعر النفسية فى الفرح‬
‫غيرها فى الحزن واليأس ‪ ،‬ونبضات قلبه حين يتملكه السرور سريعة‬
‫يكثر عددها فى الدقيقة ‪ ،‬ولكنها بطيئة حين يستولى عليه الهم والجزع ‪،‬‬
‫والبد أن تتغير نغمة اإلنشاد تبعا للحالة النفسية ‪ ،‬فهى عند الفرح والسرور‬
‫سريعة متلهفة ‪ ،‬وهى فى اليأس والحزن بطيئة حاسمة ‪.‬‬
‫ثم يقول د‪ /‬ابراهيم أنيس محددا موقفه من هذه القضية ‪.‬‬
‫وعلى أننا نستطيع ونحن مطمئنون أن نقرر أن الشاعر فى حالة اليأس‬
‫والجزع يتخير عادة وزنا طويال كثير المقاطع ‪ ،‬يصب فيه من أشجانه ما‬
‫ينفس عنه حزنه وجزعه ‪ .‬فإذا قيل الشعر وقت المصيبة والهلع تأثر‬
‫باالنفعال النفسي ‪ ،‬وتطلب بحرا قصيرا يتالءم وسرعة التنفس وازدياد‬
‫النبضات القلبية ‪ ،‬ومثل هذا الرثاء الذى قد ينظم ساعة الهلع والفزع ال‬
‫يكون عادة إال فى صورة مقطوعة قصيرة ال تكاد تزيد أبياتها عن عشرة‬
‫‪ ،‬أما تلك المراثى الطويلة فأغلب الظن أنها نظمت بعد أن هدأت ثورة‬
‫الفزع ‪ ،‬واستكانت النفوس باليأس والهم المستمر "(‪)1‬‬
‫ومما يؤكد الصلة الوثيقة بين الشعر والموسيقى ‪ ،‬أن الشاعر والناقد‬
‫المهجرى ميخائيل نعيمة وهو يحدد المقاييس األدبية التى دفعت أدباء‬
‫المهجر إلى التجديد ‪ ،‬جعل من هذه المقاييس التى ال غنى عنها فى رصد‬
‫القيمة الفنية والتاثيرية للنص ‪ :‬الموسيقى ‪ ،‬وقال فى معرض تحديده لهذه‬
‫المقاييس ‪:‬‬
‫أوال – حاجتنا إلى اإلفصاح عن كل ما ينتابنا من العوامل النفسية ‪ ....‬الخ‬
‫‪.‬‬
‫ثانيا – حاجتنا إلى نور نهتدى به فى الحياة ‪ ،‬وليس من نور نهتدى به‬
‫غير نور الحقيقة ‪ ،‬حقيقة ما فى أنفسنا ‪ ،‬وحقيقة ما فى العالم من حولنا ‪.‬‬
‫ثالثا – حاجتنا إلى الجميل فى كل شئ ففى الروح عطش ال ينطفئ إلى‬
‫الجمال ‪.‬‬ ‫الجمال ‪ ،‬وكل ما فيه مظهر من مظاهر‬
‫رابعا – حاجتنا إلى الموسيقى ‪ ،‬ففى الروح ميل عجيب إلى األصوات‬
‫واألحان ‪ ،‬ال ندرك كنهه ‪ ،‬فهى تهتز لقصف الرعد ‪ ،‬ولخرير الماء ‪،‬‬
‫ولحفيف األوراق ‪ ،‬لكنها تنكمش من األصوات المتنافرة وتأنس وتنبسط‬
‫لما تألف منها (‪)2‬‬
‫وفى محاولة لتعريف الشاعر فى مقالة بعنوان ‪ " :‬الشعر والشاعر "‬
‫يصف ميخائيل نعيمة الشاعر بأنه ‪ :‬موسيقى ويعلل ذلك الوصف تعليال‬
‫فنيا شاعريا فيقول ‪ " :‬العالم كله عنده ليس سوى آلة موسيقية عظيمة تنقر‬

‫‪ -1‬موسيقى الشعر ‪ ،‬د‪ /‬ابراهيم أنيس صـ ‪. 177 – 175‬‬


‫‪ -2‬انظر ‪ :‬الغرابل مليخائيل نعيمة صـ ‪. 71 ، 70‬‬
‫‪11‬‬
‫على أوتارها أصابع الجمال ‪ ،‬وتنقل ألحانها نسمات الحكمة األبدية ‪ ،‬هو‬
‫يسمع موسيقى فى ترنيمة العصفور وولولة العاصفة ‪ ،‬وزئير اللجة‬
‫وخرير الساقية ‪ ،‬ولثغ الطفل وهذيان الشيخ ‪ ،‬فالحياة كلها عنده ليست‬
‫سوى ترنيمة – محزنة أو مطربة " ‪ .‬يسمعها كيفما انقلب ‪ .‬لذاك يعبر‬
‫عنها بعبارات موزونة رنانة والوزن والتناسب فى الطبيعة أخوان ال‬
‫ينفصالن وبغيرهما لم يكن شيئا مما ُك ّون ‪ ،‬والشاعر الذى تعانق روحه‬
‫روح الكون يدرك هذه الحقيقة أكثر من سواه ‪ ،‬لذلك نراه يصوغ أفكاره‬
‫وعواطفه فى كالم موزون منتظم "(‪)1‬‬
‫ويقول فى ختام مقالة له عن العروض والزحافات والعلل ممزوجة بنبرة‬
‫السخرية والتهكم والتمرد على عروض الخليل ‪ ،‬وهو مبالغ فى موقفه ‪،‬‬
‫فعلم العروض ال يمثل قيدا على الشاعر ‪ ،‬وإنما الخطر يكمن فى بعض‬
‫النظامين الذين ال يملكون الموهبة ‪ ،‬ويقتحمون ساحة الشعر وهم ليسوا من‬
‫فرسانها ‪ ،‬يقول ميخائيل نعيمة ‪ " :‬وليس من الكالم ما يليق لباسا للعاطفة‬
‫الحية والفكر المستيقظ إال ما جمع منه بين ائتالف ألوان الرسام وتناسق‬
‫أشكال النحات وتوازن خطوط البناء وترابط ألحان الموسيقى " ‪.‬‬
‫ومما يؤكد هذه العالقة القوية بين الشعر والموسيقى – تجربة شعرية‬
‫للشاعر ‪ /‬محمود حسن اسماعيل تجسدت فى ديوان بأكمله – وهو ديوان "‬
‫موسيقى من السر " فالديوان يحتوى على إحدى وعشرين قصيدة ‪ ،‬وكل‬
‫عناوينها تبدأ بكلمة " موسيقا " والقصائد نفسها تعد تشكيالت نغمية مؤثرة‬
‫‪ ،‬تجعل من اإليقاع الشعرى حجر األساس فى بناء التجربة الشعرية ‪،‬‬
‫ولنتأمل العناوين التالية التى تفصح عن أسرار تجربة الشاعر فى هذا‬
‫الديوان " موسيقا من السر " ‪:‬‬
‫‪1‬ـ موسيقا من السر ‪2.‬ـ موسيقا من الكلمة ‪3.‬ـ موسيقا من هللا ‪4.‬ـ موسيقا‬
‫من الروح ‪5.‬ـ موسيقا من الزمان ‪6.‬ـ موسيقا من الضياع ‪7.‬ـ موسيقا من‬
‫الحقيقة ‪8.‬ـ موسيقا من الجمال ‪9.‬ـ موسيقا من النور ‪10 .‬ـ موسيقا من‬
‫الرمز ‪11.‬ـ موسيقا من اإليمان ‪12 .‬ـ موسيقا من الطبيعة ‪13.‬ـ موسيقا‬
‫من التكرار ‪14.‬ـ موسيقا من األرض ‪15.‬ـ موسيقا من الوحدة ‪16.‬ـ‬
‫موسيقا من اإلصرار ‪17.‬ـ موسيقا من الموت ‪18 .‬ـ موسيقا من الشهداء‬
‫‪19‬ـ موسيقا من الخلود ‪20 .‬ـ موسيقا من التاريخ ‪21.‬ـ موسيقا من العلم ‪.‬‬

‫‪ 1‬السابق صـ ‪ 87 – 84‬وانظر مقال الزحافات والعلل من صـ ‪12 – 107‬‬


‫‪12‬‬

‫الفصل الثانى‬
‫القيم الصوتية فى النص الشعرى ودورها فى‬
‫بناء التجربة الشعرية‬
‫إن النص الشعرى تتعدد أبعاده الجمالية‪ ،‬والبحث عن أسرار هذا الجمال ربما‬
‫يكمن فى البناء بالموسيقى‪ ،‬وربما يكمن فى التشكيل بالصورة ‪ ،‬وربما يكمن فى‬
‫البنية اللغوية واإلحساس بالزمن ‪ ،‬وكل األبعاد السابقة تنبثق من الطاقة الشعورية‬
‫المتدفقة من كيان النص ‪ ،‬وهو بدون هذه الطاقة يعد نهرا جافا ‪ ،‬وحديقة يابسة ‪،‬‬
‫وأفقا منطفئ النجوم ‪.‬‬
‫وفى مقدمة األسرار الجمالية التى نحاول اكتشافها فى النص الشعرى ‪ ،‬محاولة‬
‫اكتشاف " القيم الصوتية وأثرها فى الفن الشعرى " " وهى تعد ركنا أساسيا فى‬
‫البناء بالموسيقى " ‪.‬‬
‫والشعراء القدماء قد فطنوا إلى أهمية توفير النغم فى قصائدهم‪ ،‬فالشاعر الجاهلى‬
‫يحاول أن يوفر فى شعره كثيرا من القيم الصوتية والتصويرية‪ ،‬فالموسيقى فى‬
‫معلقة عنترة تبرز بوضوح وجالء فالشاعر عن طريق بحر الكامل يحاول أن يعبر‬
‫عن مضمون الفروسية ‪ ،‬ويستغل كون تفعيالت الكامل واحدة ‪ ،‬ويستفيد من هذا‬
‫التساوى فى انتقاالته السريعة ‪ ،‬وتصوير حركات الضرب والطعان التى تتطلب‬
‫خفة وسرعة ‪ ،‬فيفيض على النص نبضا منتظما ودفقا رحبا ويكسبه وقعا حلوا ‪.‬‬
‫ونجد " عمر بن أبى ربيعة " عن طريق الحوار يبدو فى شعره مغنيا أكثر منه‬
‫ناظما يساعده على هذا الغناء تنوع طرقه ‪ ،‬وقدرته العظيمة على انتقاء ألفاظه‬
‫السلسة وكلماته الرشيقة‪ ،‬ثم اختياره للبحور المالئمة – السيما – المجزوءة ليوفر‬
‫ألغانيه إيقاعا متسقا عذبا ‪.‬‬
‫ونجد أ با تمام يزاوج بين عقالنية وتقاليد الفن الموروثة بتعايير قوية جميلة تكسوها‬
‫سرابيل من الزينة والزخرف ويعتمد فى هذا جميعه على العنصر الصوتى وعلى‬
‫االيقاع القوى حتى فى مراثيه ‪.‬‬
‫فإذا ما قرأنا أبا نواس فى خمرياته لفت انتباهنا أسلوبها القصصى وسالمة تتابعها‬
‫وألفاظها وعباراتها حيث ال نشوز وال غرابة بل عذوبة ورقة بالغتين معتمدا على‬
‫الموسيقى اللفظية وايحاءات األلفاظ أو ما يسمى بالموسيقى الداخلية إلى حد كبير ‪،‬‬
‫ولعل المتنبى كان أبرز الشعراء الين اعتمدوا التأثير الموسيقى فى قصائدهم ‪ ،‬فقد‬
‫‪13‬‬
‫حاول فى كل شعره أن يجعل الموسيقى جزءا ال يتجزأ من نصه الشعرى فجاءت‬
‫موسيقاه متحدة اتحادا تاما بفنه وعبرت عن أغراض شعره إلى حد كبير‪)1( .‬‬
‫وابن جنى يرى أن هناك مناسبة بين الحروف وصوت الحدث كقضم التى تستعمل‬
‫فى أكل اليابس ‪ ،‬وخضم التى تستعمل فى أكل الرطب ‪ ،‬فهناك صلة بين الصوت‬
‫والمعنى وذلك يؤكد البعد النغمى فى النص الشعرى ‪ ،‬ويعطى للقيم الصوتية دورا‬
‫تأسيسيا فى بناء التجربة الشعرية ‪.‬‬
‫وتتجلى هذه القيمة الصوتية النغمية التى تؤكد العالقة بين الصوت والمعنى فى‬
‫شعر البحترى ‪ ،‬ولنتأمل وصفه للذئب من قصيدة تبلغ أربعين بيتا يقول ‪:‬‬
‫فما فيه إال العظم الروح والج ْلدُ‬ ‫ريره‬
‫طواه الطوى حتى استمر َم ُ‬
‫أرعدُه البردُ‬
‫الردى كقضقضة المقرور ْ‬ ‫أسرتها َّ‬‫عصْال فى ِ‬‫يقضقض(‪ُ )2‬‬
‫فالبحترى استخدم الفعل المضعف من الفعل الرباعى المجرد وهو ما كان ثالثه‬
‫ورابعه كأوله وثانيه ‪ ،‬ومن الواضح أن المضعف يقصد به الترجيع والتكثير ‪،‬‬
‫والمالحظ على هذا النوع أنه يدل على أصوات مرجعه كالجعجعة والقهقهة ‪،‬‬
‫والسقسقة ‪ ،‬كما يدل على حركات ممتدة كالتعتة وهى الحركة العنيفة ‪ ،‬وهو فى‬
‫هذه قد حقق لنا صورة سمعية عن صرير األسنان ‪ ،‬ألن الشاعر يصفه بأنه‬
‫يصوت بأصوات صلبة معوجة ‪ ،‬فجاء االيقاع الصوتى للفعل الرباعى ‪ ،‬يقضقض‬
‫مصورا للمعنى الذى أراده الشاعر‪)3(.‬‬
‫* والموسيقى الداخلية التى تكسب النص الشعرى بعدا تأثيريا وتشد‬
‫إليه السامع والقارئ تتمثل فى د‪-‬‬
‫‪ -1‬اإليقاع الباطن الذى تحسه وال تراه ‪ ،‬تدركه وال تستطيع أن تقبض عليه ‪،‬‬
‫ويكمن فى تعادل النغم عن طريق مدات الحروف حينا ‪ ،‬وعن طريق تكرارها حينا‬
‫‪ ،‬وعن طريق استعمال حروف مهموسة أو مجهورة تتساوى مع اإلطار الموسيقى‬
‫العام للقصيدة ‪ ،‬لكن على الشاعر أال يقصر غايته على نغم قيثارته بدون أن‬
‫يتجاوب هذا النغم مع حركة النفس فى انفعالها الجياش وتعانق الفكرة الشاعرية مع‬
‫زنين القيثارة الموسيقى للقصيدة ‪ ،‬وإال تحولت االيقاعات الداخلية إلى نوع من‬
‫الحلية الصوتية سرعان ما ينطفى بريقها‪ ،‬ويجمد صداها ‪ ،‬ويفر الشعر من بين‬
‫يديك‪)4(.‬‬

‫‪ -1‬عضوية املوسيقى ىف النص الشعرى صـ‪ ، 21 ، 20‬د‪ /‬عبدالفاتح صاحل انفع وانظر كتاب ‪ :‬حركات التجديد‬
‫ىف األدب ‪ ،‬وكتاب لغة احلب ىف شعر املتنىب ‪.‬‬
‫‪ - 2‬يقضقض عصال ‪ :‬يصوت أبسنان صلبة معوجة ‪ ،‬األسرة ‪ :‬اخلطوط ‪.‬‬
‫‪ -3‬انظر ‪ :‬نص القصيدة الكامل مشروحا بكتاب ‪ :‬دراسات ىف النص الشعرى ‪ ،‬د‪ .‬عبده بدوى ‪.‬‬
‫‪- 4‬انظر التجديد املوسيقى ىف الشعر العرىب ص ‪ ، 14‬د‪ .‬رجاء عيد ‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ -2‬القيم الصوتية فى النص الشعرى ال تعنى بالحركة فقط وال بالصوت فقط ‪،‬‬
‫بل إن للسكتة أيضا داللتها ومعناها وايحاءاتها فى عالم الموسيقى ودنيا الشعر ‪.‬‬
‫فالصمت نفسه إنما يتحدد باإلضافة للكلمات ‪ ،‬والسكتة فى الموسيقى إنما تأخذ‬
‫معناها من أصناف ما يجاورها من ألحان‪ ،‬فالصمت على هذا االعتبار لحظة من‬
‫لحظات الكالم ‪ ،‬والسكوت ليس بكما‪ ،‬بل رفضا للكالم فهو نوع منه‪)1(.‬‬
‫‪ -3‬وظاهرة السكوت التى تعد شكال إيقاعيا تكون لحظة اإلنشاد الشعرى ‪،‬‬
‫ابتغاء التأثير الفنى فى السامعين وجذبهم ‪.‬‬
‫‪ -4‬وعلو الصوت وانخفاضه أثناء اإلنشاد الشعرى له تأثيره الخاص ‪ ،‬فلكل‬
‫حالة ما يناسبها من الصوت علوا وانخفاضا ‪ ،‬جهرا ‪ ،‬وهمسا ‪.‬‬
‫وأهم الظواهر التى تتجلى فيها القيم الصوتية فى النص الشعرى ‪:‬‬
‫جـ ـ‬ ‫ب ـ موسيقى الكلمة ‪.‬‬ ‫أ ـ موسيقى الحرف ‪.‬‬
‫موسيقى النظم واألسلوب ‪.‬‬
‫أوال د موسيقى الحرف د‬
‫إن موسيقى الحرف يقصد بها النغم الصوتى الذى يحدثه الحرف ‪ ،‬وعالقة هذا‬
‫النغم بالتيار الشعورى والنفسي فى مسار النص الشعرى ‪ ،‬ومن المعروف أن لكل‬
‫حرف مخرجا صوتيا ‪ ،‬ولكل حرف صفات ‪ ،‬ومخارج الحروف وصفاتها بينها‬
‫وبين داللة الكلمة عالقة شعورية وفنية ال يتعمد الشاعر إظهارها ‪ ،‬بل يتجسد‬
‫التوافق النغمى واالنسجام اللفظى تجسدا فطريا لدى الشاعر الموهوب المتمكن من‬
‫أدواته اللغوية والفنية ‪ ،‬وصاحب الموهبة الحقيقية ‪.‬‬
‫ويعبر عن الحرف عند علماء اللغة بالصوت اللغوى ‪ ،‬وهذه األصوات تتنوع‬
‫بحسب مخرجها وواقعها اللغوى إلى ‪-:‬‬
‫‪1‬ـ الصوت المجهور د‬
‫وهو الذى يهتز معه الوتران الصوتيان وذلك حين تنقبض فتحة المزمار ‪،‬‬
‫ويقترب الوتران الصوتيان أحدهما من اآلخر فتضيق فتحة المزمار ‪ ،‬ولكنها تظل‬
‫تسمح بمرور النفس خاللها ‪ ،‬فإذا اندفع الهواء خالل الوترين وهما فى هذا الوضع‬
‫يهتزان اهتزازا منتظما ‪ ،‬ويحدثان صوتا موسيقيا تختلف درجته حسب عدد هذه‬
‫الهزات أو الذبذبات فى الثانية ‪ ،‬كما تختلف شدته أو علوه حسب سعة هذه‬
‫االهتزازات الواحدة ‪ ،‬واألصوات الساكنة المجهورة فى اللغة العربية كما تبرهن‬
‫عليها التجارب الحديثة هى ثالثة عشر ( ب – ج – د – ذ – ر – ز – ض – ظ‬
‫– ع – غ – ل – م – ن ) يضاف إليها كل أصوات اللين بما فيها الواو والياء ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الصوت المهموس د‬
‫وهو الذى ال يهتز معه الوتران الصوتيان وال يسمع لهما رنين حين النطق به ‪،‬‬
‫وليس معنى هذا أن ليس للنفس معه ذبذبات مطلقا وإال لم تدركه األذن ‪ ،‬ولكن‬

‫‪ -1‬ما األدب ‪ :‬جان بول سارتر ‪ ،‬نقال عن ‪ :‬عضوية املوسيقى ىف النص الشعرى ص ‪58‬‬
‫‪15‬‬
‫المراد بهمس الصوت هو صمت الوترين الصوتيين معه ‪ ،‬رغم أن الهواء فى أثناء‬
‫اندفاعه من الحلق أو الفم يحدث ذبذبات يحملها الهواء الخارجى إلى حاسة السمع‬
‫فيدركها المرء‪ .‬من أجل هذا فاألصوات المهموسة هى اثنا عشر ‪ ( :‬ت – ث – ح‬
‫– خ – س – ش – ص – ط – ف – ق – ك – هـ )‬
‫وقد برهن االستقراء كما يقول د ‪ /‬ابراهيم أنيس ‪ ،‬على أن نسبة شيوع‬
‫األصوات المهموسة فى الكالم ال تكاد تزيد على الخمس أو عشرين فى المائة منه‬
‫‪ ،‬فى حين أن أربعة أخماس الكالم تتكون من أصوات مجهورة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ الصوت الشديد أو االنفجارى د‬
‫والحروف المتصفة بهذه الصفة هى ‪ :‬الباء والدال والكاف والضاد والقاف‪،‬‬
‫والصفة التى تجمع بينها هى انحباس الهواء معها عند مخرج كل منها انحباسا ال‬
‫يسمح بمروره حتى ينفصل العضوان فجأة ويحدث النفس صوتا انفجاريا ‪.‬‬
‫‪4‬ـ الصوت الرخو د‬
‫وهذا الصوت تكمن خصائصه بالحروف اآلتية ‪:‬‬
‫" السين والزاي والصاد والفاء والشين والذال والثاء والهاء والخاء والعين " ‪.‬‬
‫وهذه الصوات الرخوة عند النطق بها ال ينحبس الهواء انحباسا محكما ‪ ،‬وانما‬
‫يكتفى بأن يكون مجراه عند المخرج ضيقا جدا ‪ ،‬ويترتب على ضيق المجرى أن‬
‫النفس فى أثناء مروره بمخرج الصوت يحدث نوعا من الصفير – كما هو الحال‬
‫عند النطق بحرف الشين أو الزاى أو الصاد ‪ ،‬أو يحدث نوعا من الحفيف – كما‬
‫هو الحال عند النطق بالفاء ‪.‬‬
‫‪5‬ـ الصوات الساكنة وأصوات اللين د‬
‫وأساس هذا التقسيم عند علماء اللغة المحدثين هو الطبيعة الصوتية لكل من‬
‫القسمين فالصفة التى تختص بها أصوات اللين هى كيفية مرور الهواء فى الحلق‬
‫والفم وخلو مجراه من حوائل وموانع ‪ ،‬فى حين أن األصوات الساكنة إما ينحبس‬
‫معها الهواء انحباسا محكما فال يسمح له المرور لحظة من الزمن يتبعها ذلك‬
‫الصوت االنفجارى أو يضيق مجراه فيحدث النفس نوعا من الصفير أو الحفيف ‪.‬‬
‫وأصوات اللين فى اللغة العربية هى ما اصطلح القدماء على تسميته بالحركات‬
‫من فتحة وكسرة وضمة ‪ ،‬وكذلك ما سموه بألف المد وياء المد وواو المد وما عدا‬
‫ذلك فأصوات ساكنة ‪.‬‬
‫وقد ترتب على اختالف كيفية مرور الهواء فى حالتى النطق باألصوات الساكنة‬
‫وأصوات اللين أن المحدثين الحظوا أن األصوات الساكنة على العموم أقل‬
‫وضوحا فى السمع من أصوات اللين ‪ ،‬فأصوات اللين تسمع من مسافة عندها قد‬
‫طأ فى تمييزها فالفتحة مثال ‪ ،‬وهى صوت لين‬ ‫تختفى األصوات الساكنة أو ي ُْخ َ‬
‫قصير تسمع بوضوح من مسافة أبعد كثيرا من التى نسمع عندها الفاء ‪ ،‬ولهذا عد‬
‫األساس الذى بنى عليه التفرقة بين األصوات الساكنة وأصوات اللين أساسا صوتيا‬
‫‪ ،‬وهو نسبة وضوح الصوت فى السمع ‪ ،‬ففى الحديث بين شخصين بعدت بينهما‬
‫‪16‬‬
‫المسافة قد يخطئ أحدهما سماع صوت ساكن ‪ ،‬ولكنه يندر أن يخطئ سماع‬
‫صوت لين وكذلك الحال فى الحديث بالتليفون ‪.‬‬
‫وليست كل أصوات اللين ذات نسبة واحدة فى الوضوح السمعى ‪ ،‬بل إن الفتحة‬
‫أوضح من الضمة والكسرة ‪ ،‬كما أن األصوات الساكنة ليست جميعها ذات نسبة‬
‫واحدة فيه ‪ ،‬بل منها األوضح أيضا ‪ ،‬فاألصوات المجهورة أوضح فى السمع من‬
‫األصوات المهموسة ‪.‬‬
‫والوضوح السمعي الذى بنيت عليه التفرقة بين األصوات الساكنة وأصوات‬
‫اللين ‪ ،‬هو تلك الصفة الطبيعية فى الصوت ال المكتسبة من طول أو نبرة ‪،‬‬
‫فصوت اللين أوضح بطبعه من الصوت الساكن ‪.‬‬
‫* وحين نحاول البحث عن موسيقى الحرف في النص الشعرى نجد كثيرا من‬
‫الظواهر الصوتية تعضد هذا المنحنى الفني ففي قصيدة أبى تمام " في فتح‬
‫عمورية " والتي يقول في مطلعها ‪:‬‬
‫في حدِه الحدُّ بين الجد واللعب‬ ‫السيف أصدق أنباء من الكتب‬
‫‪1‬‬
‫نجد أن الشاعر يختار لقصيدته حرف " الباء " ( ) رويا – لقافية القصيدة ‪،‬‬
‫والقافية نوع من الترجيع الصوتي المتكرر الشديد الصلة بغنائية اللغة العربية ‪،‬‬
‫وحرف الباء ‪ ،‬له قيمة صوتية موسيقية تناسب جو القصيدة وايقاعها الحماسى‬
‫الشديد ‪ ،‬فالباء صوت شديد مجهور ‪ ،‬ولقد حرص القدماء على الجهرية فى ضوء‬
‫تلك الظاهرة المسماة " القلقلة " ذلك ألنهم أرادوا إظهار كل ما فى هذا الصوت من‬
‫قوة ‪ ،‬فال يختلط بنظيره الذى يرمز إليه فى الكتابة األوروبية بالرمز " أ " ألن‬
‫مهموس الباء ليس صوتا أساسيا من أصوات اللغة العربية ‪ ،‬ثم إن الباء من‬
‫الحروف األليفة ففى كل ألف من الحروف تتردد ثالثا وأربعين مرة‪ ،‬وإن هذا‬
‫الصوت القوى الشديد المجهور وهو " الباء " يتفق وكما أشرت سابقا مع طبيعة‬
‫التجربة الشعرية التى تتحدث أساسا عن حرب يمكن القول بأنها كانت قوية وشديدة‬
‫ومجهورة‪ ،‬ثم إنها تعطى موسيقى فخمة تتفق مع المعنى دائما ‪ ،‬ومن هنا نستطيع‬
‫أن نحدس بمعنى القصيدة‪)2(.‬‬
‫وهناك ظاهرة أخرى ‪ .‬تؤكد القيمة الصوتية لموسيقى الحرف فى هذا البيت حيث‬
‫نرى الشاعر يكرر " حرف الباء " هذا الصوت القوى الشديد المجهور أربع مرات‬
‫فى البيت السابق ‪ ،‬ثم يعمل على أن يشاغلنا به مرة أو أكثر من مرة فى كل بيت‬
‫من أبيات القصيدة ‪ ،‬فالشاعر يحاصرنا بهذا الحرف الذى ال يصبح حرفا ‪ ،‬وإنما‬
‫يتحول الى مناخ موسيقى يتفق وطبيعة التجربة ‪ ،‬بل إنه ليثير بغزارته الخيال‪)3(.‬‬

‫‪ -1‬انظر هذا املوضوع ابلتفصيل ىف كتاب ‪ :‬األصوات اللغوية للدكتور ابراهيم أنيس ‪.‬‬
‫‪ -2‬انظر النص الشعرى ‪ ،‬د‪ /‬عبده بدوى ص ‪. 20‬‬
‫‪ -3‬السابق ص ‪. 25‬‬
‫‪17‬‬
‫وحرف النون فى قصيدة أبى تمام وهو يمدح ‪ :‬محمد بن حسان الضبى فى لهجة‬
‫صادقة النبرة ‪ ،‬جياشة العاطفة ‪ ،‬نجد القافية تأتى على حرف " النون " حيث يقول‬
‫‪:‬‬
‫أكثر من شوقى وأحزانى‬ ‫َ‬ ‫البينُ‬ ‫توديع وال الثانى‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ما اليو ُم أ َّول‬
‫فصار أ ْمل من روحى وجسمانى‬ ‫كَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫دع الفراق فان الدهر ساعدنى‬
‫فحرف النون وهو صوت أسنانى لثوى أنفى مجهور يتفق مع طبيعة تجربة‬
‫الشاعر التى تدور أساسا حول الترحل والبين ‪ ،‬فكما أن هذا الحرف يكون من‬
‫طرف اللسان وما فوق الثنايا ‪ ،‬فالموضوع نفسه يدور حول عدد من النهايات‬
‫بالنسبة لإلنسان ‪.‬‬
‫والنون تشبه الحركة فى قوة الوضوح السمعى ولهذا وجد من يقول إنها ‪ :‬شبه‬
‫حركة " ورجال القراءات يضعونها فى حروف " " الذالقة " ‪ ،‬وهو حرف له‬
‫داللة خاصة فى اللغة العربية ‪ ،‬فهو كثير الدوران بها ‪ ،‬وهو ليس مجرد صوت ‪،‬‬
‫ألنه من خاللها يمكن الحدس بمضمون القصيدة وقد صدق ابن عربى وهو يقول ‪:‬‬
‫إنها من أسنى الحروف وأعظمها شهودا ‪ ،‬وألمر ما وجدنا التركيز عليها فى كتب‬
‫القراءات فى حاالت اإلظهار واإلخفاء واإلدغام والقلب ‪ ،‬وتأثرها الواضح بما‬
‫يجاورها من أصوات ‪ ،‬وبخاصة حين تسكن ‪ .‬ولهذا يبالغ القراء فى الجهر بغنتها‬
‫مع أصوات الفم حتى ال تفش(‪. )1‬‬
‫وقصيدة أبى تمام " فى وداع صديقه " على بن الجهم تعد تجربة متميزة فريدة ‪،‬‬
‫والجانب اإليقاعى فيها له نفاذه وتأثيره ‪ ،‬فموضوع القصيدة ‪ ،‬وتجربة الشاعر‬
‫وانفعاالته مطابقة إلى حد ما إليقاعها ‪.‬‬
‫وإذا تأملنا إيقاع الكلمات والحروف فى القصيدة فسنرى أن الشاعر يكثر من‬
‫حروف المد كثرة ملحوظة ‪ ،‬ولنقرأ البيت التالى‬
‫أخالقك ال ُخ ْ‬
‫ض ُر الربا بأباع ِد‬ ‫ال ت َ ْبعَد َْن أبدًا وال ت َ ْبعُ ْد فما‬
‫إن الشاعر يدعو لصديقه بعدم الهالك وعدم البعد ‪ ،‬والحروف نفسها بإيقاعها‬
‫الصوتى تصور هذه العاطفة ‪ ،‬فحرف المد المتواجد فى أغلب كلمات البيت يعطى‬
‫إليقاع البيت هدوءا وبطئا ‪ ،‬وكأن الشاعر بهذا اإليقاع البطئ يطلب من صديقه‬
‫عدم السفر‬
‫وفى القافية نرى الشاعر يستخدم حرف المد " األلف " ليزيد االيقاع بطئا يومئ‬
‫إلى حالة الحزن المترسبة فى ذاته ‪ ،‬واختار الدال المكسورة رويا للقافية ‪ .‬ألن‬
‫الكسرة توحى باالنكسار ‪ ،‬فالضمة تعطى الفخامة ‪ ،‬والفتحة تعطى االستعالء ‪ ،‬أما‬
‫الكسرة ففيها انكسار وألم ‪ ،‬وهل هناك ألم أمر من ألم الوداع ‪ ،‬وحرقة السفر‬
‫وفراق الصديق ‪ ،‬وقد قال العلماء عن الدال ‪ :‬إنها تعبر عن صوت العاشق الذى‬
‫صار داال من شدة الحزن " ‪ ،‬أما علماء األصوات فيذكرون أنها صوت أسنانى‬

‫‪ -1‬السابق ص ‪. 73‬‬
‫‪18‬‬
‫لثوى انفجارى ‪ ،‬مجهور ‪ ،‬يتذبذب معها الوتران الصوتيان ‪ ،‬وهذا يومئ إلى هزة‬
‫الشوق ورعشة الفراق ‪ ،‬وهى من أصوات " القلقلة " ألنها تحتاج إلى تحريك ‪.‬‬
‫والمالحظ أنها لم تقف عند حد القافية ‪ ،‬وإنما دارت فى األبيات بطريقة تلقائية‬
‫تؤكد أن لها ضرورة صوتية فى بناء القصيدة ابتداء من التصريع إلى الترديد ‪.‬‬
‫ولو أحصينا حرف الدال فى قصيدة " أبى تمام " لوجدناه يتكرر أربعا‬
‫وأربعين مرة ‪ ،‬وال يخلو بيت واحد منها ‪ ،‬ويتكرر فى بعض األبيات أربع‬
‫مرات(‪. )1‬‬
‫يقول أبو تمام فى مطلع هذه القصيدة ‪:‬‬
‫دمع جام ِد‬ ‫ٍ‬ ‫ماج ِد فغدًا إذابة كل‬ ‫ب لكَ ِ‬ ‫صاح ٍ‬‫من َ‬‫ي فُ ْرقَة ْ‬ ‫ه َ‬
‫ض َجهْد ال َجاه ِد‬ ‫هب بَ ْع َ‬ ‫ْ‬
‫فالد َّْم ُع يُذ ُ‬ ‫َ‬
‫ُّوءون وغ ْربِه‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫فافز ْع إلى ذخر الش‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫صب ًْرا فَلَسْتَ بفاق ِد‬ ‫د َْمعًا و ال َ‬ ‫وإذا فَقَدْتَ أخا ً ولَ ْم ت َ ْف ِق ْد لَهُ‬
‫وخمرا في الزال ِل البار ِد‬ ‫ً‬ ‫الجهم إنكَ د ُْفتَ لي ُ‬
‫س ًّما‬ ‫ِ‬ ‫ي يا بنَ‬
‫أعل َّ‬
‫الخضر الربا بأباع ِد‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ال ت َ ْبعَد َْن أبَدا ً وال ت َ ْبعُ ْد فما أخالقك‬
‫واألستاذ العقاد ينوه بالقيمة الموسيقية للحروف فى اللغة العربية قائال ‪:‬‬
‫فالخواص الشعرية التى امتازت بها لغتنا العربية ليست من خواص اللغات السامية‬
‫‪ ،‬وليس لها نظير فى العبرية وال فى الكلدانية ‪ ،‬وال فى معظم اللهجات التى‬
‫تفرعت على أصول الكالم عند الساميين ‪ ،‬ولكنها خواص ممتازة تنفرد بها هذه‬
‫اللغة ألسباب كثيرة ال داعية إلحصائها فى هذا المقام ‪ ،‬وال نُحب أن نعرض منها‬
‫لألمور التى يطول فيها الجدل وتضطرب فيها منازع اآلراء واألهواء إذ كان‬
‫امتياز الحروف العربية بالداللة على الحساسية الموسيقية حقيقة ملموسة ال محل‬
‫فيها للمحال ‪ ،‬فاألذن العربية تُميز بين الظاء والضاد ‪ ،‬وبين الذال والدال ‪ ،‬وبين‬
‫الحاء والخاء والهاء ‪ ،‬وبين الصاد والسين والشين ‪ ،‬وبين الجيم والعين والغين ‪،‬‬
‫وبين القاف والكاف والخاء ‪ ،‬فلم يميز الناطقون باللغات األخرى بين هذه الحروف‬
‫‪ ،‬وإذا وجدت فى تلك اللغات حروف ال تنطق بالعربية كالفاء والباء الثقيلتين فهما‬
‫فى الواقع حرف يصدر من مخرج واحد بين التخفيف والتثقيل ‪ ،‬وليست ذات قيمة‬
‫موسيقية مستقلة كالحروف التى ذكرناها فى اللغة العربية(‪. )2‬‬
‫ب ـ موسيقى الكلمة د‬
‫إن للكلمة إيقاعا مؤثرا فى موقعها من النص – وفى داللتها اللغوية ‪،‬‬
‫واإليحائية ‪ ،‬وذلك ما يسمونه بالجرس اللفظى وله صلة أكيدة بالموسيقى الداخلية‬
‫فى القصيدة ‪ ،‬وهذه الظاهرة من الخصائص التى تميز اللغة العربية ‪ :‬يقول العقاد‬
‫" ومن العالمات الموسيقية المركبة فى بنية الكلمة أننا نميز بين الحركة وحرف‬

‫‪ -1‬انظر كتاب من القيم اإلسالمية ىف األدب العرىب ‪ ،‬د‪ .‬صابر عبد الدامي ‪ ،‬ودراسات ىف النص الشعرى ‪ ،‬د‪.‬‬
‫عبده بدوى ؟‬
‫‪ -2‬الثقافة العربية أسبق من ثقافة اليوانن والعربيني للعقاد ص ‪. 124‬‬
‫‪19‬‬
‫العلة على خالف اللغات غير السامية " فعندنا الواو والضمة وعندنا الياء والكسرة‬
‫‪ ،‬وعندنا األلف والفتحة ‪ ،‬وعندنا السكون وما يشبهه من التنوين ‪ ،‬وأدل من ذلك‬
‫على الموسيقية الطبيعية بنا ُء المشتقات على األوزان واختالف معنى الكلمة‬
‫باختالف الصيغة التى تبنى عليها " ‪.‬‬
‫" فالكلمات نفسها موزونة فى اللغة العربية ‪ ،‬والمشتقات كلها تجرى على صيغ‬
‫محدودة باألوزان المرسومة كأنها قوالب البناء المعدة بكل تركيب ‪ ،‬وأفعال اللغة‬
‫مقسومة إلى أوزان مميزة فى الماضى والمضارع واألمر ‪ ،‬وفى األسماء‬
‫والصفات التى تشتق منها وعلى حسب تلك األوزان ‪ ،‬وال نظير لهذا التركيب‬
‫الموسيقى فى لغة من اللغات الهندية الجرمانية ‪ ،‬وال فى كثير من اللغات السامية ‪،‬‬
‫فالذى يميز اسم الفاعل وزن متفق عليه فى األفعال الثالثية واألفعال الرباعية ‪،‬‬
‫ولكنه فى اللغات األوروبية يأتى بإضافة حروف ال يعرف بها وزن مقرر قبل‬
‫اإلضافة وال بعدها " ‪.‬‬
‫*ـ ومن دالئل موسيقية الكلمة في اللغة العربية د‬
‫أ – أن العرب تقارب حروف األلفاظ متى تقاربت معانيها كقوله تعالى ‪:‬‬
‫" إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا " أى تزعجهم وتقلقهم فهذا فى‬
‫معنى " تهزهم هزا " والهمزة أخت الهاء ‪ ،‬فكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة ألنها‬
‫أقوى من الهاء ‪ ،‬كما أن المعنى نفسه أعظم فى النفوس من الهز ألنك قد تهز ماال‬
‫حراك له كالجذع ونحوه ‪ ،‬أى فيبقى الهز المقرون باإلزعاج خاصا بذى الحياة ألنه‬
‫متعلق بالشعور ‪ ،‬وذلك ما أفادته الهمزة وحدها ‪.‬‬
‫ب – أن العرب يصورون اللفظ على هيئة المعنى ‪ ،‬وهذا مذهب كما يقول "‬
‫الرافعى " قد نبه عليه الخليل وسيبويه وابن جنى‪ ،‬قال الخليل ‪ " :‬كأنهم توهموا فى‬
‫صوت الجندب استطالة فقالوا فى العبارة عنه " صر ‪ ،‬وتوهموا فى صوت البازى‬
‫تقطيعا فقالوا ‪ :‬صرصر ‪ ،‬وقال سيبويه فى المصادر التى جاءت على فعالن "‬
‫بثالث حركات " إنها تأتى لالضطراب والحركة ‪ ،‬فى األفعال ‪ ،‬وقال ابن جنى‬
‫معقبا على ما ذهب إليه الخليل وسيبويه ووجدت أنا من هذا الحديث أشياء على‬
‫سمت ما حداه ومنهاج ما مثاله ‪ ،‬منها أن المصادر الرباعية المضعفة تأتى للتكرر‬
‫والزعزعة ‪ ،‬كالقلقلة والصلصلة ‪ .....‬الخ ‪ ،‬وأن الفعلى من المصادر والصفات‬
‫تأتى للسر عة نحو الجمزى والوقلى الخ ‪ ،‬ومنها أنهم جعلوا تكرير العين فى المثال‬
‫دليال على تكرير الفعل نحو كسر وقطع الخ ‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬مقابلة األلفاظ بما يشاكل أصواتها من األحداث فالعرب يجعلون كثيرا‬
‫أصوات الحروف على سمت األحداث المعير عنها كقولهم ‪ ،‬خضم وقضم ‪" ،‬‬
‫فالخضم ألكل الشئ الرطب ‪ ،‬والقضم ألكل الشئ الصلب اليابس فاختاروا الخاء‬
‫من أجل رخاوتها للرطب ‪ ،‬والقاف من أجل صالبتها لليابس ‪ ،‬فحذوا بمسموع‬
‫األصوات على حذو مسموع األحداث ‪ ،‬ومن ذلك النضح للماء الخفيف لرقة الحاء‬
‫‪ ،‬والنضخ لما هو أقوى منه ‪ ،‬وذلك الغلظ الخاء ‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫وكل هذه األمثلة مما نعثر عليه فى أساليب اللغة ‪ ،‬وما نجده من النصوص‬
‫الشعرية تدل على أن العرب يضبطون نظام األلفاظ المقترنة المتقاربة بالمعانى‬
‫فيجعلون الحرف األضعف فيها واأللين واألخفى واألسهل واألهمس لما هو أدنى‬
‫وأقل وأخف عمال أو صوتا ويجعلون الحرف األقوى واألشد واألظهر واألجهر‬
‫لما هو أقوى عمال وأعظم حسنا ‪.‬‬
‫د – تشبيه أصوات حروف الكلمة باألحداث المعبر عنها وتقديم الحرف‬
‫المضاهى ألول الحدث ‪ ،‬وتأخير الحرف الذى يضاهى صوت آخر الحدث أو‬
‫المعنى وذلك سوقا للحروف فى الكلمة على سمت المعنى المقصود والغرض‬
‫المطلوب كقولهم ‪ :‬شد الحبل " فالشين لما فيها من التفشى تشبه بصوت أول‬
‫انجذاب الحبل قبل استحكام العقد ‪ ،‬ثم يليها إحكام الشد والجذب فيُعبر بالدال التى‬
‫هى أقوى من الشين ال سيما وهى مدغمة فهى أقوى عنى الذى أريد بها ‪.‬‬
‫ومن ذلك قولهم " جر الشئ " قدموا " الجيم " ألنها حرف شديد وأول الجر‬
‫مشقة على الجار والمجرور جميعا ‪ ،‬ثم عقبوا ذلك بالراء ‪ ،‬وهى حرف تكرير ‪،‬‬
‫وكرروها مع ذلك فى غالب األمر صاعدا عنها ونازال ‪.‬‬
‫وتكرر ذلك منه على ما فيه من التعتعة والقلق ‪ ،‬فكانت الراء لما فيها من‬
‫التكرير ‪ ،‬وألنها أيضا قد كررت فى نفسها أوفق بهذا المعنى من جميع الحروف ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬اشتقاق اللفظ من نفس الصوت القائم بمعناه على جهة الحكاية وتصوير‬
‫األشياء بأصواتها ‪.‬‬
‫وهذا النوع يعده أدباء الغربيين من مبدعات القرائح ومن هذا قول العرب فى‬
‫حكاية صوت مصراعى الباب الكبير إذا أغلق = جلنبلق ‪ ،‬وقول الشاعر ‪:‬‬
‫" جرت الخيل فقالت حبطقطق "‬
‫وقول اآلخر فى اإلبل " تداعين باسم السيب " يحكى صوت مشافرها ‪ ،‬وهذا غير‬
‫األصوات التى يعبرون بها عن األحداث وإن كانت مشتقة منها كالعطعطة‬
‫لألصوات المتتابعة فى الحرب ‪ ،‬والقهقهة فى الضحك ‪ ،‬وأمثال لذلك كثيرة(‪.)1‬‬
‫والظواهر السابقة تركز على عنصر اإليقاع فى الكلمة – وذلك مطلب ضرورى‬
‫فى نظم الشعر – فهناك أركان ثالثة يجب أن يقيم الشاعر عليها بنيان الكالم‬
‫ليسمى شعرا أولها ‪ :‬أن معانيه تصب فى صور خيالية تثير خيال القارئ أو‬
‫السامع ‪.‬‬
‫ثانيها ‪ :‬أن تتوافر فى ألفاظه صفة التجانس بين اللفظ والمعنى ‪ ،‬وذلك بأن‬
‫يكون اللفظ رقيقا فى موضع الرقة ‪ ،‬قويا عنيفا فى موضع القوة والعنف ‪ ،‬وأن‬
‫تتوفر فيه صفة الجرس والموسيقى ‪ ،‬وأن ال يكون اللفظ مبتذال أو كثير الشيوع ال‬
‫يرتاح إليه الذوق الشعرى ‪.‬‬
‫ثالثها ‪ :‬الوزن الشعرى ‪ ،‬وخضوع الكالم فى ترتيب مقاطعه إلى نظام خاص ‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر هذا املوضوع ابلتفصيل ىف كتاب " اخلصائص " البن جىن وكتاب " اتريخ آداب العرب " للرافعى ‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫*ـ وموسيقى الكلمة – وخفتها وبعدها عن الثقل وسالمتها من تنافر الحروف‬
‫– يتمثل فى الظواهر الصوتية التالية التى حاول تحديدها د‪ /‬ابراهيم أنيس فى‬
‫كتاب " موسيقى الشعر " حيث يقول ‪:‬‬
‫واللغة العربية فى تركب أحرف كلماتها تتخذ طريقها الخاص ونهجها الذى‬
‫تتميز به ‪ ،‬ويكاد يتلخص هذا النهج فى ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ندرة تالقى أصوات الحلق بعضها مع بعض ‪ ،‬بل ال يكاد يلتقى فيها إال‬
‫" العين والهاء " ونرى العين أسبق دائما مثل " يعهده " فإذا اتصل بالكلمة ضمير‬
‫الغائب المتصل نرى كال من حروف الحلق يمكن أن يجاور هذه الهاء مثل "‬
‫يمدحه – يبلغه – يسلخه " ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ندرة تالقى الحروف القريبة المخرج أو الصفة ‪:‬‬
‫( أ ) فتالقى الالم والراء والنون بعضها ببعض ال يكاد يوجد فى اللغة‬
‫العربية ‪.‬‬
‫(ب) وكذلك تالقى الميم والفاء والباء بعضها ببعض غير معروف فى‬
‫تراكيب الكلمة العربية ‪.‬‬
‫(جـ) ندرة التقاء صوتين من أصوات الصفير ‪ ،‬أو بعبارة أدق صوتين من‬
‫تلك األصوات الكثيرة الرخاوة مثل ‪ :‬الزاى‬
‫– السين – الذال – الثاء – الشين ‪.‬‬
‫( د ) ندرة التقاء حرفين من أحرف اإلطباق أو التقاء حرف واحد منها مع‬
‫نظيره غير المطبق ‪ .‬وأحرف اإلطباق أربعة‬
‫وهى الصاد والضاد والطاء والظاء ‪.‬‬
‫(هـ ) التقاء أصوات أقصى الحنك بعضها مع بعض نادر أيضا فى اللغة‬
‫العربية وتلك هى ‪ :‬القاف – الكاف – الجيم القاهرية ‪.‬‬
‫( و ) التقاء أحرف وسط اللسان مثل ‪ :‬الجيم " المعطشة " – والشين ‪.‬‬
‫*ـ تلك هى الضوابط العامة التى تلخص لنا تنافر الحروف فى اللغة العربية‬
‫‪ ،‬والتى إذا صادف أن وردت فى كلمة من الكلمات تعثرت األلسنة فى نطقها ‪،‬‬
‫وثقلت على األسماع ‪ ،‬ولذلك تعدها غير موسيقية أو رديئة يتجنبها الفصحاء فى‬
‫كالمهم ‪ ،‬ويفر منها الشعراء فى أشعارهم ‪ ،‬إال حين يضطرون إليها اضطرارا وال‬
‫يجدون عنها مندوحة ‪ ،‬وحينئذ يعاب عليها استعمالها ‪ ،‬ويتخذها النقاد مواضع‬
‫طعن فى ألفاظ الشاعر(‪.)1‬‬
‫وحين أراد ابن سنان الخفاجى أن يكشف عن سر فصاحة الكلمة فى كتابه "‬
‫سر الفصاحة " حدد ثمانية أشياء لمقياس فصاحة الكلمة ‪.‬‬
‫ومن هذه المقاييس ما يتعلق بموسيقية اللفظ وحسن إيقاعه فى سياق النص‬
‫الشعرى ‪ ،‬أو النص الفنى بعامة ‪ ،‬ومن هذه المقاييس ‪:‬‬

‫‪ -1‬موسيقى الشعر ‪ ،‬د‪ /‬ابراهيم أنيس ص ‪. 30‬‬


‫‪22‬‬
‫أوال – أن يكون تأليف تلك اللفظة من حروف متباعدة المخارج ؛ وعلة هذا‬
‫واضحة ‪ ،‬كما يقول ابن سنان الخفاجى ‪ ،‬وهى أن الحروف التى هى أصوات‬
‫تجرى من السمع مجرى األلوان من البصر ‪ ،‬وال شك فى أن األلوان المتباينة إذا‬
‫جمعت كانت فى المنظر أحسن من االلوان المتقاربة ‪.‬‬
‫ولهذا كان البياض مع السواد أحسن منه مع الصفرة ‪ ،‬ولقرب ما بينه وبين‬
‫األصفر ‪ ،‬وبعد ما بينه وبين األسود ‪ ،‬إذا كان هذا موجودا على هذه الصفة ال‬
‫يحسن النزاع فيه كانت العلة فى حسن اللفظة المؤلفة من الحروف المتباعدة فى‬
‫حسن النفوس إذا خرجت من األلوان المتباعدة ‪ ،‬وقد قال الشاعر فى هذا المعنى ‪:‬‬
‫سودُّ‬
‫ع مثل الليل ُم ْ‬ ‫والفَ ْر ُ‬ ‫ض‬
‫فالوجه مثل الصبح ُم ْبيَ ُّ‬
‫َ‬
‫والضد يظهر حسنه الضدُّ‬ ‫سنَا‬
‫ضدان لما استجمعا ح ُ‬
‫وهذه العلة يقع للمتأمل وغير المتأمل فهمها ‪ ،‬وال يمكن لمنازع أن يجحدها ‪.‬‬
‫ثانيا – أن تجد لتأليف اللفظة فى السمع حسنا ومزية على غيرها ‪ ،‬وإن تساويا‬
‫فى التأليف من الحروف المتباعدة ‪ ،‬كما أنك تجد لبعض النغم واأللوان حسنا‬
‫يتصور فى النفس ويدرك بالبصر والسمع دون غيره مما هو من جنسه‪ ،‬وليس‬
‫يخفى على أحد من السامعين أن تسمية الغصن غصنا أو فننا أحسن من تسميته‬
‫عسلوجا ‪ ،‬وأن أغصان البان أحسن من عساليج الشوحط ‪ ،‬فى السمع ‪ ،‬والشوحط‬
‫شجر يتخذ منه القسى ‪.‬‬
‫ويضرب ابن سنان الخفاجى عدة أمثلة لهذا المقياس الصوتى لفصاحة الكلمة‬
‫فيقول معلقا على بيت أبى الطيب المتنبى ‪:‬‬
‫ت ور ْندُه‬ ‫سكُ الغانيا ِ‬ ‫ح ِم ْ‬ ‫إذا سارت األحداج فوق نباته تَفَ َ‬
‫او َ‬
‫إن " تفاوح " كلمة فى غاية من الحسن ‪ ،‬وقد قيل إن أبا الطيب أول من نطق‬
‫بها على هذا المثال ‪ ،‬وإن وزير كافور األخشيدى سمع شاعرا نظمها بعد أبى‬
‫الطيب فقال ‪ :‬أخذتموها ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫" ومثال ما يكره قول أبى الطيب أيضا " ‪.‬‬
‫النسب‬
‫ْ‬ ‫شريف‬
‫ُ‬ ‫الجرشَّى‬ ‫كري ُم ِ‬ ‫اللقب‬
‫ْ‬ ‫أغر‬
‫س ِم ُّ‬
‫مبارك اال ْ‬
‫وهذا البيت من قصيدة للمتنبى فى مدح سيف الدولة ‪ ،‬والجرشى " النفس " ‪.‬‬
‫ومثل ذلك قول زهير بن أبى سلمى ‪:‬‬
‫قى – لم يُكَثِ ْر – غنيمةً بنكهة ذى قربى وال بحقلدِ( )‬
‫َّ ‪1‬‬
‫قى – نَ ٌّ‬
‫ت َ ٌّ‬
‫الحقلد كلمة توفى على قبح " الجرشى " وتزيد عليها ‪.‬‬
‫ثالثا – أن تكون الكلمة غير متوعرة وحشية ‪ ،‬وقد أتى ابن سنان بعدة أمثلة‬
‫شعرية للتوعر وقبح التأليف ووصف ما يرد من ألفاظ فى النصوص األدبية على‬
‫هذا النحو بأنها يمجها السمع – مثل قول أبى تمام ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫رأب األساة بدردبيس قنطر( )‬ ‫ِبنَدَاكَ يوسى كل جرح يعتلى‬

‫‪ -1‬احلقلد ‪ :‬الضيق النحيل أو الضعيف ‪.‬‬


‫‪23‬‬
‫وقول أبى عبادة النجدى ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫ُوش ( ) من الليل مظ ِلم‬ ‫فال وصل إال أن يطيف خيالها بنا تحت " ُج ْوش ٍ‬
‫فليس بقبح جوشوش خفاء‪ .‬ومن ذلك قول أبى تمام ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫صهصلق فى الصهيل تحسبه أشرج حلقومه على جرس( )‬
‫وقول القطامى ‪:‬‬
‫إلى حيزبون توقد النار بعدما تصوبت الجوزاء قصد المغارب‬
‫فهل تعرف أوعر من صهصلق أو حيزيون(‪.)4‬‬
‫وابن سنان الخفاجى يستهجن الكلمة لذاتها بدون مراعاة السياق ‪ ،‬فكلمة " حيزيون‬
‫" ليست وعرة ‪ ،‬وال ثقيلة على السمع – وكلمة " صهصلق " تعد مجسمة للصوت‬
‫الذى يصدر عن الفرس ‪ ،‬ونالحظ أن ابن األثير فى كتابه المثل ال يقبل هذا‬
‫المعيار ‪ ،‬ويركز على السياق ‪ ،‬وكذلك عبد القاهر الجرجانى يعطى أهمية لمكان‬
‫الكلمة من النظم مركزا على مالءمة معناها لمعنى جاراتها بحيث يتحقق بين‬
‫الكلمات جميعا عنصر " المؤانسة " ‪.‬‬
‫ومن الكلمات " الوعرة " التى كان لها موقعها من السياق ‪ ،‬كلمة " ضمزى ‪،‬‬
‫ودلمز " فى قول أبى العالء " ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫أقل تكلمى وأطال ض َْمزى( )‬ ‫ألم ترنى عرفت وعيد رب‬
‫من الدنيا الخبيئة أو ِدلَمز ( )‬
‫‪6‬‬
‫أفر على ِط َم ٍر‬
‫ومن لى أن َّ‬
‫وإذا احتكمنا إلى طبيعة التجربة فى هذه القصيدة وجدناها تنتهى إلى معنى‬
‫يقول " إن اإلنسان مسحوق فى هذا الزمان ‪ ،‬وأنه محكوم عليه بالكثير من الصمت‬
‫والكثير من الخوف ‪ ،‬ألنه مطلوب منه بقسوة أن يتقبل األشياء ال أن يعارضها‬
‫ولما كان أبو العالء يريد أن يصور ثقال واقعا عليه أتى بكلمة " ضمزى " فالكلمة‬
‫هنا كأنها صخرة تضغط عليه ‪ ،‬وتكاد تسحقه وهى من ناحية الصوت والجو العام‬
‫والسكوت ‪ ،‬ثم أنه ليس هناك فى هذه القافية الشحيحة ما يدل على ما يريد ويحس‬
‫غير هذه اللفظة أو " الصخرة " التى جاءت فى موقعها ‪.‬‬
‫وفى شعر أبى العالء يتحقق ما ذهب إليه اللغويون من أن التقارب بين المعانى‬
‫كثيرا ما تكون وسيلة وعلة للتقارب بين األلفاظ الدالة عليها ‪ ،‬وذلك يتضح فى‬
‫قوافيه فى هذا النص ‪.‬‬

‫‪ -1‬الدردبيس ‪ :‬الداهية – والقنطر الداهية أيضا ‪.‬‬


‫‪ -2‬اجلوشوش ‪ :‬القطعة من الليل‬
‫‪ -3‬الصهصلق من األصوات ‪ :‬الشديد ‪ ،‬وأشرج ‪ :‬ضم ‪.‬‬
‫‪ -4‬انظر ‪ :‬سر الفصاحة البن سنان اخلفاجى ‪ ،‬ص ‪ 45‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -5‬الضمز – السكوت ‪.‬‬
‫‪ -6‬الدملز ‪ :‬القوى الشديد ‪ ،‬أراد به اجلواد ‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫( غمز – وهمز – ولمز – وركز )‬
‫وهذا سر من أسراره اللغوية الدقيقة ‪ ،‬فقد كان يحس بالرنين والصدى الذى‬
‫ينطلق كدوائر صوتية كبيرة أو صغيرة من داخل الكلمات ‪ ،‬وكان فى الوقت نفسه‬
‫يحس بمواقع االرتطام ويركز عليها ‪ ،‬وكأنها وقع عصاه ‪ ،‬ويتحسس بها األشياء‬
‫ثم يسير "(‪)1‬‬
‫وابن قدامه فى تقويمه للفظ الشعرى المناسب ينعته بالصفات اآلتية ‪ " :‬ألن‬
‫يكون سمحا ‪ ،‬سهل مخارج الحروف من مواضعها ‪ ،‬عليه رونق الفصاحة مع‬
‫الخلو من البشاعة "(‪)2‬‬
‫ولكن ابن قدامه لم يكشف سر جمال الكلمة فى االختيارات الشعرية التى قدمها‬
‫– ولم يعلق عليها – ويبدو أنه ترك ذلك لذوق القارئ الناقد ‪.‬‬
‫ثالثا – موسيقى النظم واألسلوب د‬
‫إن للعبارة فى تأليفها نسقا خاصا ‪ ،‬وهذا النسق الخاص من التأليف له‬
‫ضرورته الفنية فى صياغة الشعر – والجانب اإليقاعى فيه ‪ ،‬يُعد من ألزم‬
‫الجوانب المؤثرة أو المنفرة ‪.‬‬
‫ويقول اإلمام عبد القاهر الجرجانى فى كتابه " أسرار البالغة " مبينا قيمة‬
‫النسق اللفظى واإليقاعى فى جالء المعنى ووضوحه ‪ " :‬واأللفاظ ال تفيد حتى‬
‫تؤلف ضربا خاصا من التأليف ‪ ،‬ويعمد بها إلى وجه دون وجه من التركيب‬
‫والترتيب ‪ ،‬فلو أنك عمدت إلى بيت شعر أو فصل نثر ‪ ،‬فعددت كلماته عدا ‪ ،‬كيف‬
‫جاء واتفق ‪ " ،‬وأبطلت نضده ونظامه الذى عليه بنى وفيه أفرغ المعنى وأجرى ‪،‬‬
‫وغيرت ترتيبه الذى بخصوصيته أفاد كما أفاد وبنسقه المخصوص أبان المراد "‬
‫نحو أن تقول فى ‪:‬‬
‫" قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل "‬
‫" منزل قفا ذكرى من نبك حبيب "‬
‫أخرجته من كمال البيان إلى مجال الهذيان ‪ ،‬نعم وأسقطت نسبته من صاحبه ‪،‬‬
‫وقطعت الرحم بينه وبين منشئه ‪.‬‬
‫بل أحلت أن يكون له نسبة إلى قائل ‪ ،‬ونسب يختص بمتكلم ‪ ،‬وفى ثبوت هذا‬
‫األصل ‪ ،‬ما تعلم به أن المعنى الذى كانت له هذه الكلم ‪ .‬بيت شعر أو فصل‬
‫خطاب ‪ ،‬هو ترتيبها على طريقة معلومة ‪ ،‬وحصولها على صورة من التأليف‬
‫مخصوصة ‪ ،‬وهذا الحكم – أعنى االختصاص فى التريب يقع فى األلفاظ مرتبا‬
‫على المعانى المرتبة فى النفس "(‪)3‬‬

‫‪ -1‬انظر دراسات ىف النص الشعرى د‪ .‬عبده بدوى ص ‪. 292 – 291‬‬


‫‪ -2‬نقد الشعر لقدامة بن جعفر ‪ ،‬ت د ‪ .‬حممد عبد املنعم خفاجى ص ‪74‬‬
‫‪ -3‬انظر ‪ :‬أسرار البالغة لإلمام عبد القاهر اجلرجاىن ص ‪15 ، 14‬‬
‫‪25‬‬
‫وحين نتأمل النص السابق – نجد عبد القاهر الجرجانى " يؤكد على قيمة‬
‫النسق اللغوى – وعلى اإلطار الموسيقى للبيت – وذلك حين يؤكد على الحرص‬
‫على عدم التغيير فى نظام البيت الشعرى تقديما أو تأخيرا ‪ ،‬ويصف هذا النسق‬
‫بأنه تنضيد ‪ ،‬أى نظام بديع جميل ‪ ،‬كالعقد المنضود ‪ ،‬ويكشف عن مراده صراحة‬
‫حين يقول ‪ ،‬وبنسقه المخصوص " والمثل الذى ضربه عبد القاهر يؤكد أنه ال يقف‬
‫ضد النسق اللغوى ‪ ،‬واإليقاعى ‪ ،‬بل إنه يحرص على ذلك حرص العالم الواثق‬
‫البصير بمواطن الجمال وأسرار الكلمات ‪.‬‬
‫فالمعنى ليس غاية فى مذهب عبد القاهر ‪ ،‬وإنما الغاية تكمن فى ذلك النسق‬
‫المخصوص ‪ ،‬وهو كما يقول ‪ :‬يقع فى األلفاظ مرتبا على المعانى المرتبة فى‬
‫النفس ‪.‬‬
‫وحين أراد عبد القاهر أن يبين أثر الجناس والسجع فى جمال األسلوب أكد أن‬
‫هذا الجمال األسلوبى واإليقاعى المتمثل فى الجناس والسجع كان صدى للمعنى‬
‫الذى قدح فى النفس وأشرق فى العقل ‪ ،‬وتموج فى الشعور يقول ‪:‬‬
‫" وعلى الجملة فإنك ال تجد تجنيسا مقبوال وال سجعا حسنا حتى يكون المعنى هو‬
‫الذى طلبه واستدعاه وساق نحوه ‪ ،‬وحتى تجده ال يبتغى به بدال ‪ ،‬وال تجد عنه‬
‫حوال ‪ ،‬ومن هنا كان أحلى تجنيس تسمعه وأعاله ‪ ،‬وأحقه بالحسن وأواله ‪ ،‬ما وقع‬
‫من غير قصد من المتكلم إلى اجتالبه ‪ ،‬وتأهب لطلبه ‪ ،‬أو ما هو لحسن مالءمته ‪،‬‬
‫وان كان مطلوبا بهذه المنزلة وفى هذه الصورة ويأتى عبد القاهر بعدة أمثلة‬
‫شعرية ونثرية ‪ ،‬منها خمسة أبيات من الشعر متفرقات للبحترى ‪ ،‬أدى الجناس فيها‬
‫دورا جماليا كان لإليقاع الصوتى فيه األثر النافذ مثل قوله من قصيدة يمدح بها‬
‫أبناء " نوبخت " ‪.‬‬
‫س ْؤدَ ٍد أربا لغير أري ِ‬
‫ب‬ ‫فى ُ‬ ‫يعشى عن المجد الغبى ولن ترى‬
‫ــ وقوله من قصيدة يمدح بها " هيثم بن هارون بن المعمر‬
‫ب‬
‫على أيدى العشيرة والقلو ِ‬ ‫فقد أصبحت أغلب تغليبا‬
‫ومن صور الجناس التى أشاد بها عبد القاهر " الجناس المستوفى " وهو ما‬
‫كان اللفظ فيه من نوعين كاسم وفعل ‪ ،‬مثل قول أبى تمام يمدح أبا الغريب " يحيى‬
‫بن عبد هللا "‬
‫هللا‬
‫يحيا لدى يحيى ابن عبد ِ‬ ‫ما مات من كرم الزمان فإنَّه‬
‫وكذلك أشاد بالجناس " المرفو " وهو ما كان فيه أحد لفظى الجناس مركبا من‬
‫كلمة وبعض أخرى ‪ ،‬مثل قول " أبو الفتح البستى " ‪.‬‬
‫قال لى بائع الفرانى فرانى‬ ‫قيل للقلب ما دهاك أجبنى‬
‫أو دعانى أمت بما أودعانى‬ ‫ناظراه فيما جنى ناظراه‬
‫وكذلك أشاد بالجناس المطرف الناقص ‪ ،‬ألنه يحدث هزة فى النفس بما يثيره‬
‫من مفاجأة معنوية وصوتية ‪.‬‬
‫مثل قول أبى تمام يمدح أبا دلف ‪:‬‬
‫‪26‬‬
‫ب(‪)1‬‬
‫قواض قواض ِ‬
‫ٍ‬ ‫بأسياف‬
‫ٍ‬ ‫صو ُل‬
‫ت ُ‬ ‫اص ِم‬
‫َواص ع ََو ِ‬
‫يمدون من أيد ع ٍ‬
‫وقول البحترى ‪:‬‬
‫صواد إلى تلك الوجوه الصوادف‬ ‫أنفس‬
‫ٍ‬ ‫لئن صدفت عنا فربت‬
‫وذلك أنك تتوهم قبل أن يرد عليك آخر الكلمة كالميم من عواصم والباء من‬
‫قواضب ‪ ،‬أنها هى التى مضت ‪ ،‬وقد أرادت أن تجيئك ثانية ‪ ،‬وتعود إليك مؤكدة ‪،‬‬
‫حتى إذا تمكن فى نفسك تمامها ‪ ،‬ودعى سمعك آخرها ‪ ،‬انصرفت عن ظنك األول‬
‫‪ ،‬وزلت عن الذى سبق لك من التخيل ‪ ،‬وفى ذلك ما ذكرت لك من طلوع الفائدة‬
‫بعد أن يخالطك اليأس منها ‪ ،‬وحصول الربح بعد أن تغالط فيه حتى ترى أنه رأس‬
‫المال "(‪)2‬‬
‫فالجناس فى الشواهد الشعرية السابقة يمثل ثنائية خالصة تتوافق فيها الصورة‬
‫اللفظية من كلمتين ‪.‬‬
‫وقد تناوله البالغيون بتفريعات معقدة ‪ ،‬مع حرصهم الشديد على توفير أقصى‬
‫درجات التوازن المزدوج خاصة فيما أطلقوا عليه " الجناس التام " الذى تتساوى‬
‫فيه أنواع الحروف وأعدادها وهيآتها بين الكلمتين كقوله تعالى " يوم تقوم الساعة‬
‫يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة " ‪.‬‬
‫وهناك ألوان أخرى تتجسد فيها القيم الصوتية وتحتل مكانا قويا فى بناء‬
‫التجربة الشعرية ‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫أ ـ الترصيع ‪ ،‬وقد جعله ابن قدامه من نعوت الوزن ‪ ،‬وهو أن يتوخى فيه‬
‫تصيير مقاطع األجزاء فى البيت على سجع أو شبيه به أو من جنس واحد فى‬
‫التصريف ‪ ،‬مثل قول زهير بن أبى سلمى " ‪:‬‬
‫قوداء فيها إذا استعرضتها َخ َ‬
‫ض َع‬ ‫كبداء مقبلة وركاء مدبرة‬
‫والترصيع فى كبداء ووركاء ‪ ،‬ومقبلة ومدبرة ‪ ،‬يقول ابن قدامه في تعليقه على‬
‫هذا البيت‪ " :‬فأتى بفعالء مفعلة تجنيسا للحروف باألوزان(‪ " )3‬وبعد أن يذكر أكثر‬
‫من واحد وعشرين مثاال لهذه الظاهرة – ظاهرة الترصيع يقول مبينا قيمتها فى‬
‫النص الشعرى ومنبها على البعد عن التكلف فى أدائها – يقول ‪:‬‬
‫وأكثر الشعراء المصيبين من القدماء والمحدثين قد غزوا هذا المغزى ورموا‬
‫هذا المرمى ‪ ،‬وإنما يحسن إذا اتفق له فى البيت موضع يليق به ‪ ،‬فإنه ليس فى كل‬
‫موضع يحسن ‪ ،‬وال على كل حال يصلح وال هو أيضا إذا توتر واتصل فى‬
‫األبيات بمحمود ‪ ،‬فإن ذلك إذا كان دل على تعمد ‪ ،‬وأبان عن تكلف ‪.‬‬
‫وبرغم تحذيره من الحرص على الترصيع فى غالب أبيات القصيدة ‪ ،‬فإنه أشاد‬
‫بهذا الصنيع عند بعض الشعراء المجيدين ومنهم أبو صخر الهذلى يقول ‪ " :‬على‬

‫‪ -1‬عواص مجع عاصيه من عصاه يعصوه إذا ضربه ابلعصا ‪ ،‬قواض من قضى ‪ ،‬وقواضب ‪ :‬قواطع ‪.‬‬
‫‪ -2‬انظر ‪ :‬اسرار البالغة من ص ‪ 27 – 17‬فصل ‪ :‬القول ىف التجليس ‪.‬‬
‫‪ -3‬انظر ‪ :‬أسرار البالغة من ص ‪ 27 – 17‬فصل ‪ :‬القول ىف التجليس ‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫أن من الشعراء القدامى والمحدثين من قد نظم شعره كله ‪ ،‬ووالى بين أبيات كثيرة‬
‫منه ‪ ،‬منهم أبو صخر الهذلى فإنه قد أتى من ذلك بما يكاد لجودته أن يقال إنه‬
‫متكلف ‪ :‬وهو قوله ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫سنِ ِم( )‬‫ب َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫صفراء رعبلة فـــــــــى َمن ِص ٍ‬ ‫وتلك هيكلة َخ ْودٌ مبَتَّلَةٌ‬
‫‪2‬‬
‫ْص أسفلها مخضودة القدَم( )‬ ‫كالدع ِ‬ ‫ِ‬ ‫عذب مقبَّلها جذ ٌل ُم َخ ْل َخلُ َها‬
‫‪3‬‬
‫حْض ضرائبها صيغت على الكرم( )‬ ‫َم ٌ‬ ‫بيض ترائبُها‬ ‫ٌ‬ ‫سود ذوائبها‬
‫ع َم ِم‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ض مجردُهـــــــــا لفاء فـــــى َ‬ ‫بَ ٌ‬ ‫ع ْب ٌل ُمقَيَّدُ َها َحا ٌل مقلدُها‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫شبِ ِم‬‫يُ ْر َوى معانقها مــــــــــن بارد ال َّ‬ ‫ُ‬
‫س ْم ٌح خالئقها ‪ ،‬درم مرافقها‬
‫َ‬
‫وفى الشعر الحر " تعامل الشعراء " مع هذه البنية لإلفادة من أبعادها الصوتية‬
‫وتداخلها مع البعد الداللى ‪ ،‬إذ من خاللها يمكن تقطيع التركيب الشعرى إلى كتل‬
‫صوتية وداللية تتساوى مع البنية العروضية التى تنصرف إلى الناحية الصوتية‬
‫فحسب ‪.‬‬
‫ونادرا ما يكون التقسيم العروضى متصال بالتقسيم الداللى ‪ ،‬والعملية التوفيقية‬
‫بين البنية العروضية والصرفية تؤدى إلى تناغم مدهش يدعم اإليقاع ويجعله‬
‫متوازنا حيث توجد بنية " الترصيع " ‪.‬‬
‫وقد تتسع بنية الترصيع لتغطى أكثر من سطرين ‪ ،‬وبرغم ذلك يظل لها نتاجها‬
‫الداللى القائم على التماثل ‪.‬‬
‫" ففاروق شوشة " فى " تنويعات على لحن أساسى " يقدم بنية ترصيعية ممتدة‬
‫فى أربعة أسطر ‪ :‬يقول فيها ‪:‬‬
‫ْ‬
‫يَف ُج ُؤنَا َوجْ هُ مدينَتِنَا‬
‫فيحيل ليالينا نَدَما‬
‫يَ ْق َهرنَا وجهُ مدينتنا‬
‫فيحيل أمانينا سأما‬
‫فالتحريك اإليقاعى يتم من خالل تمائل كامل بين السطر األول والثالث ‪ ،‬وبين‬
‫الثانى والرابع ‪ ،‬ثم يتصل هذا التماثل بالناحية الداللية ليجعل من كل سطرين –‬
‫بالتبادل – حقال دالليا واحدا ‪.‬‬
‫والتماثل بين السطر األول والثالث يتم على مستوى اختيار المفردات ‪ ،‬ثم‬
‫يحدث تخالف واحد بين الفعلين " يفجؤنا – يقهرنا " ‪ ،‬وهو تخالف يؤول إلى‬
‫توافق أيضا ‪.‬‬
‫على معنى أن القهر كان ناتجا لهذه المفاجأة ‪ ،‬ثم يزداد التخالف وضوحا بين‬
‫السطرين الثانى والرابع حيث يتم التوافق بين مفردتين هما " يحيل – يحيل " ومع‬

‫‪ -1‬اخلود ‪ :‬احلسنة اخللق الشابة ‪ ،‬املبتلة ‪ :‬احلسنة اخللق املسلتوية ‪.‬‬


‫‪ -2‬الدعمى ‪ :‬الرمل ‪ ،‬خمضودة القدم ‪ ،‬مزنيته ‪.‬‬
‫‪ -3‬حمض ضرائبها ‪ :‬خالطه األخالق ‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫ذلك يؤول التخالف إلى توافق على مستوى الحقل الداللى ‪ ،‬إذ كل من السطرين‬
‫ينتمى إلى حقل الكآبة واألحزان ‪.‬‬
‫ويالحظ أن التحرك التعبيرى فى األسطر األربعة ينتمى دالليا إلى ذات‬
‫جماعية واحدة ‪ ،‬تزرع دوالها فى شكل منتظم حيث يتكرر ضمير المتكلمين مرتين‬
‫فى السطر األول ‪ ،‬ثم مرة فى السطر الثانى ‪ ،‬ثم يعود إلى الثنائية فى السطر‬
‫الثالث ‪ ،‬ليعتدل إلى اإلفراد فى السطر الرابع ‪ .‬كما يتم التماثل على مستوى آخر‬
‫من حيث يبدأ كل سطر انطالقة دالليا من دال يفجر الحدث والزمن على صعيد‬
‫واحد ‪ ،‬هو الفعل الواقع فى أول كل سطر والذى يمتد تأثيره إلى نهاية السطر ‪ ،‬ثم‬
‫يتكرر هذا النمط التعبيرى ليجعل من حركة المعنى خطوطا ذات طبيعة منتظمة ‪.‬‬
‫ولكل هذا – فإن بنية الترصيع ذات فعالية بالغة على المستوى السطحى‬
‫والمستوى الباطنى "(‪)1‬‬
‫ب ـ التصريع ‪ ،‬وهو ظاهرة إيقاعية صوتية ‪ ،‬ويعرفه علماء العروض بأنه‬
‫إلحاق العروض بالضرب وزنا وتقفية سواء بزيادة أو بنقصان وأشاد قدامه‬
‫بظاهرة التصريع ‪ .‬فقال فى نعت القوافى مركزا على التأثير الصوتى ‪.‬‬
‫أن تكون عذبة الحرف سلسلة المخرج ‪ ،‬وأن تقصد لتغيير مقطع المصراع‬
‫األول فى البيت األول من القصيدة مثل قافيتها ‪ .‬فإن الفحول والمجيدين من‬
‫الشعراء القدماء والمحدثين يتوخون ذلك ‪ ،‬وال يكادون يعدلون عنه ‪ ،‬وربما‬
‫صرعوا أبياتا أخر من القصيدة ‪ ،‬بعد البيت األول ‪ ،‬وذلك يكون من اقتدار الشاعر‬
‫وسعة بحره " ‪.‬‬
‫وبعد أن ضرب قدامه عدة أمثلة لهذه الظاهرة – قال ‪ :‬وإنما يذهب الشعراء‬
‫المطبوعون المجيدون إلى ذلك ألن بنية الشعر إنما هى التسجيع والتقفية ‪ ،‬فكلما‬
‫كان الشعر أكثر اشتماال عليه كان أدخل له فى باب الشعر وأخرج له عن مذهب‬
‫النثر "(‪)2‬‬
‫وقد عد ابن قتيبة هذه الظاهرة ميزة فنية عند امرئ القيس تدل على مكانته بين‬
‫الشعراء فهو أمير شعراء الجاهلية يقول ‪ :‬وأكثر من كان يستعمل ذلك امرؤ القيس‬
‫لمحله ‪ ،‬أى لمكانته البارزة التى يحتلها فى عالم الشعر الجاهلى ‪ .‬ومنه قوله ‪:‬‬
‫قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللون بين الدخول فحومل‬
‫ثم أتى بأبيات بعد هذا البيت فقال ‪:‬‬
‫أال أيها الليل الطويل أال انجلى بصبح وما اإلصباح منك بأمثل‬
‫وفى الشعر الحديث نعثر على هذه الظاهرة فى مفتتح القصائد حرصا من‬
‫الشعراء على الجانب اإليقاعى المؤثر فى النفس ‪ ،‬حيث تستجيب عن طريق ذلك‬
‫اإليقاع الصوتى لما يريد الشاعر أن يطرحه من قضايا وأفكار ‪ ،‬والمستوى الداللى‬

‫‪ -1‬انظر بناء األسلوب ىف شعر احلداثة ‪.‬‬


‫‪ -2‬نقد الشعراء ص ‪ – 80‬قدامة بن جعفر‬
‫‪29‬‬
‫مع المستوى اإليقاعى يجسدهما البناء اللغوى وهو ما يسمى عند القدماء بالتنسيق‬
‫المخصوص ‪.‬‬
‫والتعامل مع بنية التصريع يرتبط إلى حد كبير بصورة التشكيل الموسيقى لبناء‬
‫القصيدة الحديثة ‪ ،‬إذ هى تتحرك من خالل السطر الشعرى الذى يستلزم نهاية لها‬
‫إيقاعها الخاص ‪ ،‬كما تتحرك أحيانا من خالل الجملة الشعرية التى تتحرر من‬
‫االلتزام الخاص فى نهاية السطر ‪ ،‬إذ هى بطبيعتها تمتد إلى أكثر من سطر وإن‬
‫ظل لها إيقاع السطر على وجه العموم ‪.‬‬
‫وفى قصيدة " أمل دنقل " شئ فى قلبى يحترق ‪ ،‬نالحظ ظاهرة التصريع "‬
‫والقصيدة أقرب إلى الشعر المقفى برغم كتابتها فى شكل " الشعر الحر " ‪.‬‬
‫يقول أمل دنقل ‪:‬‬
‫شــئ فى قـــلبى يَحْ ـــت َ ِر ُ‬
‫ق‬
‫ق‬
‫إذا يمضى الوقتُ فنفتر ُ‬
‫ب‬ ‫وتمد األيدى يجمعها ُح ٌّ‬
‫ق‬‫ــــــــر ُ‬
‫ُ‬ ‫وتفرقهـــــــــا ُ‬
‫ط‬
‫والقصيدة من " المتدارك " لكن الشاعر كتبها من حيث الشكل – على هذا‬
‫النحو ليحقق نوعا من اإليقاع الداللى الذى يرتبط بالمعنى أكثر من ارتباطه‬
‫بالموسيقى ‪ ،‬المهم أن الشاعر قد أفاد من بنية التصريع مكثفا بها اإليقاع من ناحية‬
‫‪ ،‬ومحققا للبيت – المكتوب بطريقة السطر – توازنا دالليا يربط فيه ما بين ما‬
‫يتصل بالذات وهو " االحتراق وما يتصل بالموضوع وهو " االفتراق " من ناحية‬
‫أخرى فالربط قد تم على المستوى الصوتى والداللى بتوظيف التصريع فى‬
‫النص(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫* *‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬بناء األسلوب ىف شعر احلداثة ص ‪ ، 283‬د‪ /‬حممد عبد املطلب ‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫ظواهر الثبات فى موسيقى الشعر‬
‫أوال د ظاهرة الثبات في موسيقى البحور الشعرية د‬
‫‪ 1‬ـ في شعر الشطرين د‬
‫قبل أن نفصل القول في بحور الشعر التي اهتدى إلى إيقاعاتها الخليل بن‬
‫أحمد ‪ ،‬على أصح اآلراء " يجدر بنا أن ننبه إلى أن مصطلح " الثبات " ال يتفق‬
‫مع مصطلح " الجمود أو التقليد " فالثبات ال يعنى التحجر – ولكن يعنى االستقرار‬
‫على صيغة شكلية مالئمة لصب المشاعر اإلنسانية فى قالبها ‪ ،‬وهذه الصيغة ال‬
‫تخلق بتغير الزمن وال تأسن بتحول المجرى أو انحساره ‪.‬‬

‫فالشكل التراثى للشعر العربى المتمثل فى شعر الشطرين مازال مالئما‬


‫للتجارب الشعرية الحديثة ‪ ،‬والعصر لم يتجاوزه بعد ‪ ،‬وإذا كان هناك من عيب ‪،‬‬
‫فالعيب يكمن فى ضعف الملكات الشعرية عند كثير من مدعى الشعر والحريصين‬
‫على أن يلحقوا بركب الشعراء وهم غير مؤهلين لذلك ‪.‬‬
‫فالقصور يكمن فى النظامين الذين يسيئون إلى الشعر المقفى حين ينظمون‬
‫كالما ليس فيه من الشعر إال الهيكل األجوف المتمثل فى الوزن والقافية ‪ ،‬أما غير‬
‫ذلك من مقومات التجربة فال وجود له ‪.‬‬
‫أما الجمود ‪ ،‬فهو يعنى الوقوف بالشعور والعقل ‪ ،‬والخيال عند محطة زمنية‬
‫تجاوزها العصر ‪ ،‬وأصبحت أدواتها من مخلفات العصر القديم – مثل من يحرص‬
‫على ركوب الجمل والسفر به إلى بلدان العالم ‪ ،‬وال يعترف بالطائرة أو وسائل‬
‫النقل الحديثة األخرى ‪ ،‬أو من يحرص على الحرب بالنبال فى عصر الصواريخ ‪،‬‬
‫وهذا هو الجمود ‪ ،‬ومنه يتسرب التقليد إلى لب التجارب الشعرية ‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫فالثبات فى الشكل الشعرى يعنى مالءمة شعر الشطرين للتجارب المعاصرة بما‬
‫تتضمن من حداثة أسلوبية وصياغة فنية إيحائية ولغة تركيبية ‪ ،‬وشعر " عبد هللا‬
‫البردونى ‪ ،‬وعمر أبو ريشة " " ومحمود حسن اسماعيل " خير تجسيد لظاهرة‬
‫الشعر المقفى المواكب ألحدث التيارات الفنية فى مجال الشعر المعاصر ‪.‬‬
‫" وليس صحيحا أن النظم الخليلى " يقف عقبة أمام االندفاق الحر ‪ ،‬فالموهبة‬
‫الفنية الحقيقية تتحرك وسط موادها الحسية كما لو فى جوها الطبيعى ‪ ،‬فإذا تمتع‬
‫اإلنسان بالموهبة العظيمة ‪ ،‬وكان شاعرا حقا فإن األوزان والقوافى واإليقاع‬
‫بمختلف أنواعه تأتى عفوية ال افتعال فيها وال تصنع ‪ ،‬فالشعراء القدماء الكبار‬
‫استطاعوا أن يعبروا عن فكرهم وعن مشاعرهم كأحسن ما يكون التعبير رغم أنهم‬
‫التزموا بالبحور و القوافى ونظام التفاعيل الصارم ‪ ،‬وكانت موسيقى قصائدهم‬
‫تسير جنبا إلى جنب مع أهوائهم وأحاسيسهم واتجاهاتهم الفكرية "(‪)1‬‬
‫*ـ والشعر العمودى ال تأبى طبيعته الخصائص التعبيرية والمعنوية الجديدة ‪،‬‬
‫بل هو قادر على األداء والعطاء ومالءمة شتى التيارات الفكرية والحضارية إذا‬
‫مارسه متمكن موهوب أما ما فى الشعر القديم من موسيقى وأوزان وقواف ‪ ،‬فهى‬
‫إلى جانب ما تبعثه من إيقاع وتاثير ‪ ،‬فإنه يكمن خلفها أيضا موسيقى خفية نجدها‬
‫فى اختيار الشاعر لكلماته ثم فى قدرته على المالءمة فى الحروف والحركات ‪،‬‬
‫حيث يضيف بمثل هذه الصنعة الخفية شيئا كثيرا إلى المعنى (‪.)2‬‬
‫فالقصيدة المعاصرة بما تحمل من رؤية ناضجة وأدوات فنية جديدة – فى‬
‫شكليها " المقفى " و " الحر " هى ما يجب أن نحتكم إليه ونحن نحاول اكتشاف‬
‫المقاييس ‪ ،‬وتقنين المعايير ‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬عضوية املوسيقى ىف النص الشعرى ص ‪ ، 90‬د‪ /‬عبد الفتاح صاحل انفع ‪.‬‬
‫‪ -2‬السابق ص ‪. 92 – 91‬‬
‫‪32‬‬
‫وغير صحيح أن الشعر المقفى الجيد يحدث ملال فى النفس ورتابة فى اإليقاع‬
‫‪ ،‬ألن اإليقاع فى الشعر المقفى يتمثل فى التفعيلة التى تتكون من تكرارها وحدات‬
‫البيت الموسيقية ‪ ،‬والوزن يتمثل فى مجموع تفاعيل البيت ‪ ،‬وغير صحيح أن‬
‫الوحدات االيقاعية المتمثلة فى تفعيالت البيت الواحد متساوية تماما ألن التفعيالت‬
‫تختلف تبعا للزحافات والعلل العروضية التى تطرأ عليها فمثال " متفاعلن " يمكن‬
‫أن تصير " متفاعلن " أو " متْفاعلن " أو " متْفاعل " بتسكين التاء أو تحريكها ‪،‬أو‬
‫"ُ ُمتَفَا" فى العروض والضرب ‪ ،‬وكل التفاعيل يطرأ عليها هذا التنوع ‪ ،‬فالتفعيالت‬
‫تتنوع موسيقيا فى البدء والحشو والختام فى األبيات ‪ ،‬وحروف الكلمات التى تقابل‬
‫حروف التفعيالت تختلف بعضها مع بعض ‪ ،‬ما بين حروف ساكنة وحروف‬
‫طويلة ‪ ،‬وحروف لينة وهذا االختالف الصوتى ينوع الموسيقى ‪ ،‬وينوع معانى‬
‫اإليحاء الموسيقى فى الوزن الواحد "(‪)1‬‬
‫فمهما تجددت العصور واألفكار ونمت وصعدت ‪ ،‬فإن األرقام ونسب الشعر‬
‫والموسيقى تبقى ثابتة ال تتغير ‪ ،‬وأما ما يتغير فهو األشكال واألنماط التى تبنى من‬
‫تلك النسب ‪ ،‬ذلك كمثل قوس قزح ‪ ،‬يبقى إلى األبد محتفظا باأللوان كلها ‪ ،‬وال‬
‫يصنع الفنانون المجددون إال خلط تلك األلوان والتجديد فى رصفها ومزجها‬
‫والتصوير فيها ‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر " ا لتجربة اإلبداعية ىف ضوء النقد احلديث " للمؤلف ‪ ،‬دراسة " القصيدة املعاصرة بني الرؤية الناضجة‬
‫واألدوات الفنية اجلديدة " ‪.‬‬
‫‪33‬‬

‫" مصطلحات وتقسيمات "‬


‫علم العروض د‬
‫هو علم يعرف به صحيح أوزان الشعر العربى وفاسدها وما يعتريها من‬
‫الزحافات والعلل ‪.‬‬
‫وقد وضعه " الخليل بن أحمد الفراهيدى " ليقنن به أوزان الشعر العربى‬
‫وموسيقاه ‪ ،‬ولكى يحفظ للشعر العربى صورته اإليقاعية المشرقة التى انبثقت من‬
‫وجدان الشعراء العرب فى عصور الفطرة السليمة ‪ ،‬والبعد عن اللحن اللغوى ‪،‬‬
‫واالضطراب اإليقاعى فى الشعر ‪.‬‬
‫ويقرر األخفش فى كتاب " العروض " بأن ما يسمى بالشعر هو ذاك الذى‬
‫يكون على بناء أبنية العرب ‪ ،‬وأنه ليس شعرا ذلك الذى يخالف أبنية العرب ‪.‬‬
‫ويرد األخفش على من يزعمون أن الخليل لم يتقص كل األوزان العربية قائال‬
‫‪ :‬فإن قال قائل ‪ :‬أليس أول من بنى الشعر ‪ ،‬إنما بنى بناء أو بناءين ولم يأت على‬
‫األبنية كلها ‪ ،‬ثم زاد الذى بعده ؟ فلم يزل يجوز لهم أن يزيدوا ‪ ،‬فكيف ال تجوز‬
‫الزيادة ؟ قلت ‪ :‬أما من بنى من العرب الذين سجيتهم العربية بناء ‪ ،‬فهو جائز ‪،‬‬
‫وإن لم يكن سمعه قبل ذلك ‪ ،‬كما أنى إذا سمعت منه لغة ‪ ،‬وهو فصيح ‪ ،‬أخذت بها‬
‫‪ ،‬فإذا كان ذلك البناء ممن ليست سجيته العربية لم آخذ عنه ما ال آخذ عنه اللغة ‪.‬‬
‫واألخفش بهذه المقولة كما يقول محقق هذا الكتاب يعنى ‪ :‬أنه ال يجوز التجديد‬
‫فى أبنية العرب العروضية ‪ ،‬كما أنه ال يجوز أخذ اللغة عن غير الفصحاء "(‪)1‬‬
‫وسبب تسميته بالعروض " أن الخليل وضعه فى المحل المسمى بهذا االسم‬
‫الكائن ‪ ،‬بين مكة والطائف ‪.‬‬
‫وقيل " إن الخليل اهتدى إلى وضع هذا الفن بمعرفة علم األنغام واإليقاع‬
‫لتقاربهما ‪ ،‬وقيل إنه مر يوما بسوق الصفارين ‪ ،‬فسمع دقدقة مطارقهم على‬
‫الطسوت فأداه ذلك إلى تقطيع أبيات الشعر وفتح هللا عليه بعلم العروض ‪ ،‬وكانت‬
‫وفاة الخليل سنة ‪ 173‬هـ ‪ 791 -‬م (‪. )2‬‬
‫أقسام البيت الشعرى د‬
‫البيت الشعرى أصبح أشهر من أن يُعرف ولكن العروضيين عرفوه بأنه "‬
‫كالم تام يتألف من عدة تفعيالت وينتهى بقافية "‬

‫‪ -1‬كتاب العروض " ألىب احلسن سعيد بن مسعدة األخفش " ص ‪ ، 128 ، 127‬حتقيق د‪ /‬أمحد حممد عبد‬
‫الدامي ‪ ،‬مكتبة الفيصلية مبكة املكرمة سنة ‪ 1985‬م ‪.‬‬
‫‪-2‬انظر ‪ :‬ميزان الذهب ىف صناعة شعر العرب ‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫ومن مجموع األبيات تتكون القصيدة الشعرية ‪ ،‬وهى فى مفهوم علماء‬
‫العروض البد أن تتكون من سبعة أبيات ‪ ،‬أما إذا كانت أقل من ذلك فلها مسميات‬
‫تتنوع حسب نوعها الكمى " العددى " ‪.‬‬
‫فالبيت الواحد يسمى " مفردا ويتيما " ‪.‬‬
‫ويسمى البيتان " نتفة " ‪.‬‬
‫وتسمى الثالثة إلى الستة " قطعة " ‪.‬‬
‫وتسمى " السبعة " فصاعدا " قصيدة " ‪.‬‬
‫أما أجزاء البيت فهى كاآلتى ‪:‬‬
‫أ ـ النصف األول من البيت يطلقون عليه " صدر البيت ‪ ،‬أو الشطرة‬
‫األولى " ‪.‬‬
‫ب ـ والنصف الثانى يسمونه " عجز " البيت أو " الشطرة الثانية " ‪.‬‬
‫جـ ـ العروض – وهى التفعيلة األخيرة من الشطرة األولى ‪.‬‬
‫د ـ الضرب ‪ :‬وهو يتكون من التفعيلة األخيرة من الشطرة الثانية ‪.‬‬
‫هـ ـ الحشو ‪ :‬وهو ما عدا العروض والضرب من أجزاء البيت فى الصدر‬
‫والعجز ‪.‬‬
‫فإذا أردنا أن نتبين أجزاء البيت فى قول أبى تمام ‪:‬‬
‫ب لك ماج ِد فغدا إذابةُ كل دمع جام ِد‬ ‫هى فرقةٌ من صاح ٍ‬
‫فإنها تكون كالتالى ‪:‬‬
‫ـ صدر البيت ‪ :‬فى فرقة من صاحب لك ماجد ‪.‬‬
‫ـ عجز البيت ‪ :‬فغدا إذابة كل دمع جامد ‪.‬‬
‫ـ الضرب ‪ ( :‬مع جامد ) ‪.‬‬ ‫ـ العروض ‪ ( :‬لك ماجد ) ‪.‬‬
‫ـ الحشو ‪ ( :‬هى فرقة من صاحب ) ‪.‬و ( فغد إذابة كل دم )‬
‫ألقاب البيت الشعرى د‬
‫كما أن للبيت مكونات وأجزاء ‪ ،‬فله كذلك ألقاب تتعدد حسب عدد تفاعيله ‪ ،‬أو‬
‫صورة قافيته أو العالقة بين الصدر والعجز ‪ ،‬أو المخالفة بيت هيئتى العروض‬
‫والضرب ‪.‬‬
‫فأما األلقاب التى تطلق على البيت انطالقا من التصور الكمى له فى عدد‬
‫التفاعيل فهى ‪:‬‬
‫‪1‬ـ البيت التام ‪ :‬وهو ما استوفى كل أجزائه مثل قول شوقى فى وصف‬
‫النيل ‪.‬‬
‫من أى عهد فى القرى تتدفق وبأى كف فى المدائن تغدق‬
‫متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن‬
‫فالبيت من بحر " الكامل " وقد استوفى التفعيالت الست كاملة وال نقصان فيها‬
‫‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫‪2‬ـ البيت الوافى ‪ :‬وهو ما استوفى كل أجزائه مع نقص فى إحدى‬
‫التفعيالت " العروض أو الضرب " ببعض العلل مثل قول أحمد شوقى من بحر‬
‫الكامل ‪ ،‬فى مدح المصطفى عليه السالم ‪:‬‬
‫هذان فى الدنيا هما الرحما ُء‬ ‫ب‬‫وإذا رح ْمتَ فأنتَ أ ٌّم أو أ َ ٌ‬
‫فعروض البيت هنا " صحيحة " متفاعلن ( من أو أبن ) متفاعلن والضرب‬
‫هنا مقطوع ‪ ..‬والقطع هو حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان ما قبله ‪ .‬والضرب‬
‫فى البيت ماثل فى قوله " رحما ُء " ( متفاعل ) ‪ .‬حيث حذفت النون من " علن "‬
‫وهى وتد مجموع ‪ ،‬وسكنت الالم ‪ ،‬فعلة النقص هنا " القطع " حولت متفاعلن إلى‬
‫" متفاعل‪.‬‬
‫‪3‬ـ البيت المجزوء ‪ :‬وهو ما حذفا جزءا عروضه وضربه – مثل قول‬
‫أحمد شوقى من مجزوء الكامل ‪:‬‬
‫أال تكون ألع َْز ِل‬ ‫دنياك من عاداتها‬
‫فى ذى الحياة ويبتلى‬ ‫جعلت لحر يبتلى‬
‫فالبيت الشعرى هنا مكون من أربع تفعيالت والتفعيلة الثانية تسمى عروضا ‪،‬‬
‫والتفعيلة الرابعة تسمى ضربا ‪.‬‬
‫قول‬ ‫‪4‬ـ البيت المشطور ‪ :‬وهو ما حذف نصفه ‪ ،‬وبقى نصفه ‪ .‬مثل‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫إنك ال تجنى من الشوك العنب‬
‫فالبيت هنا من بحر الرجز ‪ ،‬وهو مكون من ثالث تفعيالت فقط ولذلك يسمى‬
‫مشطورا أى نصف بيت ‪.‬‬
‫‪5‬ـ البيت المنهوك ‪ :‬وهو ما حذف ثلثا شطريه وبقى الثلث اآلخر ‪.‬‬
‫مثل قول الشاعر ‪:‬‬
‫ياليتنى فيها جزع‬
‫أخب فيها وأضع‬
‫* وأما األلقاب التى تطلق على البيت حسب صورة القافية والعالقة بين‬
‫العروض والضرب فى هيئة اللفظ وصورة الوزن ‪:‬‬
‫‪1‬ـ البيت المصمت ‪ :‬وهو ما خالفت عروضه ضربه فى الروى مثل قول‬
‫ابن زيدون فى مطلع قصيدة له من بحر الطويل ‪:‬‬
‫ت الذى نفسى عليه تَذُ ُ‬
‫وب‬ ‫لعمرى ‪ ،‬لئن قَلَّتْ إليك رسائلى ألن ِ‬
‫فال تحسبوا أنى تبدلت غيركم وال أن قلبى من هواك ‪ ،‬يَت ُ ُ‬
‫وب‬
‫‪2‬ـ البيت المصرع ‪ :‬وهو ما غيرت عروضه لإللحاق بضربه بزيادة أو‬
‫بنقص ‪.‬‬
‫فمثال العروض التى تغيرت بزيادة لإللحاق بالضرب قول ابن زيدون‬
‫فى مطلع قصيدة يمدح فيها ابن جهور ويرثى أمه‪:‬‬
‫‪36‬‬
‫فمن شيم األبرار فى‬ ‫الدهر‬
‫ُ‬ ‫هو الدهر فاصبر للذى أحدث‬
‫الصبر‬
‫ُ‬ ‫مثلها‬
‫فعروض بحر الطويل دائما مقبوضة ‪ ،‬وهى هنا جاءت تامة على‬
‫وزن " مفاعيلن " ( دث الدهر ) لإللحاق بالضرب التام وحقها أن تكون‬
‫مقبوضة على وزن " مفاعلن " ألن القبض هو حذف الخامس الساكن ‪،‬‬
‫فتحذف الياء من مفاعيلن – فتصير " مفاعلن " ‪.‬‬
‫ومثال العروض التى تغيرت بنقص لإللحاق بالضرب قول ابن زيدون فى مطلع‬
‫غزلى من قصيدة يمدح فيها الوزير محمد بن جهور ‪:‬‬
‫عتاب‬
‫ُ‬ ‫ب‬
‫لوم ال ُم ِح ِ‬
‫فيقصر عن ِ‬ ‫شباب‬
‫ُ‬ ‫ع ِل َمتْ أن الشفي َع‬
‫أما َ‬
‫فالعروض هنا شباب على وزن " مفاعى " ‪ ،‬وتنقل إلى فعولن وهذا التغيير‬
‫بالنقص يسمى " الحذف " وهو إسقاط سبب خفيف من آخر التفعيلة العروض أو‬
‫الضرب حيث تتحول " مفاعيلن " إلى " مفاعى وتنقل إلى فعولن ‪.‬‬
‫‪3‬ـ البيت المقفى ‪ :‬وهو البيت الذى تساوى فيه العروض والضرب بال‬
‫تغيير مثل قول ابن زيدون فى مطلع قصيدة يرثى بها أم المعتضد ويمدحه ‪.‬‬
‫بنعيك أن الدين من بعض ما نعى‬ ‫أال هل درى الداعى المثوب إذ دعا‬
‫فالعروض هنا مقبوضة ‪ ،‬والضرب مقبوض ‪ ،‬وهما كذلك فى الضوابط‬
‫العروضية لهذا البحر ‪.‬‬
‫‪4‬ـ البيت المدور ‪ :‬وهو البيت الذى اشترك شطراه فى كلمة واحدة بأن‬
‫يكون بعضها من الشطر األول وبعضها من الشطر الثانى ‪ ،‬ومنه قول ابن زيدون‬
‫من قصيدة له وهو فى السجن يشكو سوء حاله إلى ابن جهور ‪:‬‬
‫ليس يومى بواحد من ظلوم‬ ‫أيهـــــا المؤذنى بظلم الليالى‬
‫تأملــــت‬ ‫إن‬ ‫األفــق‬ ‫قمر‬
‫والشمـــــــــــــــــــــــــــــــــس يكسفان دون النجوم‬
‫* * *‬
‫التفاعيل‬
‫التفاعيل فى علم العروض هى األوزان الضابطة لموسيقى البحور الشعرية ‪،‬‬
‫ومجموع هذه التفاعيل عشر تفعيالت هى ‪-:‬‬
‫‪ 4‬ـ‬ ‫‪3‬ـ مفاعلتن ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ مفاعيلن ‪.‬‬ ‫‪1‬ـ فعولن ‪.‬‬
‫‪5‬ـ مستفعلن ‪.‬‬ ‫فاعالتن ‪.‬‬
‫مستفع لن ‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ‬ ‫‪7‬ـ مفعوالت ‪.‬‬ ‫‪6‬ـ متفاعلن ‪.‬‬
‫‪10‬ـ فاعلن ‪.‬‬ ‫‪9‬ـ فاع التن ‪.‬‬
‫وهذه التفاعيل العشرة تتكون من عشرة حروف وهى " لمعت سيوفنا "‬
‫(ل–م–ع–ت–س–ى–و–ف–ن–ا)‬
‫‪37‬‬
‫والحركات والسكنات هى المعيار الضابط لموسيقية هذه التفاعيل ‪ ،‬وقد اتفق‬
‫علماء العروض على أن يرمزوا للحرف المتحرك بهذه العالمة ( ‪ ، ) /‬وأن‬
‫يرمزوا للحرف الساكن بهذه العالمة (ه) ‪.‬‬
‫فمثال إذا أردنا أن نعرف مكونات أى تفعيلة من " الحركات والسكنات " علينا‬
‫أن نتبع اآلتى ‪-:‬‬
‫أ ـ الحرف المنطوق هو الذى يحسب فى الميزان العروضى وهذا عكس الميزان‬
‫الصرفى – حيث يراعى فيه كل الحروف – واألصل المنقلب عنه الحرف ‪،‬‬
‫والمجرد والمزيد من األفعال ‪.‬‬
‫عرف فى‬ ‫أما الميزان العروضى فال يراعى فيه إال الحرف المنطوق ‪ ،‬ولذلك ُ‬
‫علم العروض ما يسمى بالكتابة العروضية ‪.‬‬
‫ب ـ الحرف المشدد يحتسب بحرفين أولهما ساكن وثانيهما متحرك كما يحتسب‬
‫الحرف المنون بحرفين أولهما متحرك وثانيهما ساكن ‪ ،‬وذلك كما فى كلمة " محمد‬
‫" فإننا نكتبها حسب الكتابة العروضية هكذا ( محممدن ) ‪.‬‬
‫جـ ـ تقابل الحركة من الشعر بالحركة من الميزان بصرف النظر عن أن تكون‬
‫فتحة مقابلة لكسرة ‪ ،‬ويقابل السكون بالسكون(‪ )1‬ويمكن أن نعرف عدد الحركات‬
‫والسكنات فى بعض التفعيالت بالطريقة اآلتية ‪:‬‬
‫حركتان فسكون فحركة فسكون‬ ‫‪ ‬فعولن‬
‫حركتان فسكون فحركة فسكون فحركة فسكون‬ ‫‪ ‬مفاعيلن‬
‫وهكذا باقى التفاعيل ‪:‬‬
‫مفاعلتن – مستفعلن – مفعوالت ‪.‬‬
‫وهذه الحركات والسكنات حدد لها العروضيون مصطلحات تمثل األجزاء التى‬
‫تتكون منها كل تفعيله وهذه األجزاء هى ‪:‬‬
‫‪ 3‬ـ الفاصلة ‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ الوتد ‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ السبب ‪.‬‬
‫أوال – السبب ‪ :‬وهو ينقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫أ ـ السبب الخفيف ‪ :‬وهو ما تكون من حرفين أولهما متحرك والثانى ساكن مثل "‬
‫فا " من فاعلن ‪ ،‬أو مثل قولنا " لم " و " فى "‬
‫فالحرف األول متحرك والثانى ساكن ‪.‬‬
‫ب ـ السبب الثقيل ‪ :‬وهو ما تكون من حرفين متحركين مثل قولنا " ِبكَ ‪ ،‬لَكَ ‪ ،‬أو‬
‫" حرف العين والالم " " من مفاعلتن " علل ‪.‬‬
‫ثانيا – الوتد ‪ :‬وهو عبارة عن ثالثة أحرف متوالية فى التفعيلة الشعرية ‪ ،‬وينقسم‬
‫إلى قسمين ‪:‬‬

‫‪ -1‬ميزان الذهب ىف صناعة شعر العرب ‪.‬‬


‫‪38‬‬
‫أ ـ الوتد المجموع ‪ :‬وهو ما كان الحرفان األوالن فيه متحركين ‪ ،‬والثالث‬
‫ساكنا مثل " مفا " فى تفعيلة " مفاعيلن " أو قولنا "‬
‫س َما " ‪.‬‬
‫" نَ َما ‪َ ،‬‬
‫ب ـ الوتد المفروق ‪ :‬وها ما تكون من ثالثة أحرف – األول والثالث متحركان‬
‫‪ ،‬والحرف الثانى ساكن ‪ ،‬مثل " فاع " من "‬
‫فاع التن " ( فاع ) ‪.‬‬
‫ثالثا – الفاصلة ‪ :‬وهى تنقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫أ ـ الفاصلة الصغرى ‪ :‬وهى تتكون من ثالثة حروف ورابعها ساكن مثل قولنا ‪:‬‬
‫" َجبَلٌ" " جبلن " ‪.‬‬
‫ب ـ الفاصلة الكبرى ‪ :‬وهى تتكون من أربعة حروف خامسها ساكن مثل قولنا "‬
‫س َم َكةٌ " وتكتب هكذا " سمكتن " ‪.‬‬ ‫َ‬
‫وقد جمع علماء العروض األسباب واألوتاد والفواصل فى العبارة اآلتية ‪:‬‬
‫س َم َكةً )‬
‫ظ ْه ِر – َجبَ ٍل – َ‬ ‫علَى – َ‬ ‫( لَ ْم – أ َ َر – َ‬
‫متحرك فساكن‬ ‫سبب خفيف‬ ‫لم‬
‫متحركان‬ ‫سبب ثقيل‬ ‫أر‬
‫متحركان فساكن‬ ‫وتد مجموع‬ ‫على‬
‫متحركان بينهما ساكن‬ ‫وتد مفروق‬ ‫ظهر‬
‫ثالث متحركات رابعها ساكن‬ ‫فاصلة صغرى‬ ‫جبل‬
‫أربع حروف متحركات خامسها‬ ‫فاصلة كبرى‬ ‫سمكة‬
‫ساكن‬
‫وعلى هذا األساس يمكن أن نتعرف على مكونات التفاعيل من األسباب‬
‫واألوتاد والفواصل ‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ 1‬ـ ( فعولن ) مكونة من وتد مجموع وهو " فعو " وسبب خفيف وهو " لن "‬

‫‪2‬ـ ( مفاعيلن ) مكونة من وتد مجموع وهو " مفا " وسببين خفيفين وهما " عيلن "‬
‫‪.‬‬
‫ع َل "‬
‫‪3‬ـ ( مفاعلتن ) مكونة من وتد مجموع وهو " مفا " وسبب ثقيل وهو " َ‬
‫وسبب خفيف وهو "ت ُ ْن"‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ( فاع التن ) مكونة من وتد مفروق وهو " فاع " وسببين خفيفين وهما " ال –‬
‫تن " ‪.‬‬
‫‪5‬ـ ( فاعلن ) مكونة من سبب خفيف وهو " فا " ووتد مجموع وهو " علن " ‪.‬‬
‫‪6‬ـ ( فاعالتن ) مكونة من سبب خفيف وهو " فا " ووتد مجموع وهو " عال "‬
‫وسبب خفيف وهو " تن " ‪.‬‬
‫‪7‬ـ ( مستفعلن ) مكونة من سببين خفيفين وهما " ُمسـ‪/‬ـتف " ووتد مجموع وهو "‬
‫علن " ‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫‪8‬ـ ( متفاعلن ) مكونة من سبب ثقيل وهو " ُمتَ " وسبب خفيف وهو " فا " ووتد‬
‫مجموع وهو " علن " ‪.‬‬
‫‪9‬ـ ( مفعوالت ) مكونة من سببين خفيفين وهما " مف – عو " ووتد مفروق وهو‬
‫" الت " ‪.‬‬
‫‪10‬ـ ( مستفع لن ) مكونة من سبب خفيف وهو " ُمس " ‪ ،‬ووتد مفروق وهو " تفع‬
‫" وسبب خفيف وهو " لن " ‪.‬‬

‫الزحافات والعلل‬
‫أوال – مدلول الزحاف د‬
‫يعرف علماء العروض الزحاف بأنه " تغيير يلحق بثوانى أسباب األجزاء‬
‫للبيت ‪ ،‬أى أنه ال يكون إال فى السبب الثقيل أو الخفيف من التفعيلة – وهو يتخذ‬
‫صورتين من التغيير ‪:‬‬
‫(ب) حذف الحرف ‪.‬‬ ‫( أ ) تغيير الحركة‬
‫ْ‬
‫فتغيير الحركة مثل تسكين التاء فى ُمت َفاعلن " فتصير " ُمتفاعلن " ويسمى هذا‬
‫التغيير إضمارا " ‪.‬‬
‫وأما التغيير بحذف الحرف – فهو مثل ‪ " :‬حذف الحرف الثانى الساكن فى "‬
‫فاعلن فتصير " فعلن " ويسمى ذلك التغيير فى شكل التفعيلة " خبنا " ‪.‬‬
‫ـ ومن خصائص الزحاف أنه إذا دخل فى بيت من أبيات القصيدة فال يجب‬
‫التزامه فى باقى األبيات وأنه يمكن أن يدخل أجزاء البيت كلها " من صدر وعجز‬
‫‪ ،‬وعروض وضرب وحشو " ‪.‬‬
‫ثانيا – مدلول العلة د‬
‫العلة هى تغيير فى شكل التفعيلة مختص بثوانى األسباب واقع فى عروض‬
‫البيت أى فى التفعيلة األخيرة من الشطرة األولى – والضرب الزم لهم أى أنه إذا‬
‫لحق هذا التغيير بعروض أو ضرب فى أول بيت من قصيدة وجب استعماله فى‬
‫سائر أبياتها ‪.‬‬
‫فالعلة ال تدخل فى حشو البيت ‪ ،‬وإنما تختص بالعروض والضرب ‪ ،‬أما الزحاف‬
‫فيدخل فى جميع أجزاء البيت ‪.‬‬
‫وهذه التغييرات التى تطرأ على التفعيالت الشعرية فى داخل النسق اإليقاعى‬
‫للبحر الشعرى – الذى ينظم عليه الشاعر قصيدته أو قصائده تتنوع من تغيير‬
‫حركى إلى تغيير بحذف بعض الحروف ‪ ،‬إلى تغيير بزيادة بعض الحروف إلى‬
‫تغيير مزدوج باجتماع زحافين فى تفعيلة واحدة ‪.‬‬
‫كل هذه التنويعات فى شكل التفعيلة الشعرية ‪ ،‬ال تسبب اضطرابا فى موسيقى‬
‫الشعر ‪ ،‬وال خلال فى إيقاعه ‪ .‬بل عدها النقاد مظهر ثراء للموسيقى الشعرية‬
‫‪40‬‬
‫وبخاصة فى " الشعر المقفى " ألنها تقضى على الرتابة اإليقاعية ‪ ،‬وتدفع الملل‬
‫عن المتلقى ‪.‬‬
‫فاإليقاع فى الشعر المقفى يتمثل فى التفعيلة التى تتكون من تكرارها وحدات‬
‫البيت الموسيقية ‪ ،‬والوزن يتمثل فى مجموع تفاعيل البيت ‪ .‬وغير صحيح أن‬
‫الوحدات اإليقاعية المتمثلة فى تفعيالت البيت الواحد متساوية تماما ألن التفعيالت‬
‫تختلف تبعا للزحافات والعلل العروضية التى تطرأ عليها ‪.‬‬
‫فمثال ‪ُ " :‬مت َفاعلن " يمكن أن تصير " ُمتْفاعلن " أو " ُمت ْ‬
‫َفاعل " أو " متفاعل‬
‫" بتسكين التاء أو تحريكها ‪ ،‬أو تصير " ُمت َفا " أو " ُمتْفا " بتسكين التاء أو‬
‫تحريكها ‪ .‬و " مستفعلن " يمكن أن تصير " مستعلن " و " متعلن " و " متفعلن "‬
‫‪ .‬و " فاعالتن " يمكن أن تصير " فعالتن " أو " فاالتن " أو " فاعال " أو " فعال‬
‫" أو " فعالن " ‪.‬‬
‫فالتفعيالت كلها تتنوع موسيقيا فى البدء والحشو والختام فى األبيات ‪.‬‬
‫وحروف الكلمات التى تقابل حروف التفعيالت تختلف بعضها مع بعض ‪ ،‬ما‬
‫بين حروف ساكنة وحروف طويلة وحروف لينة ‪ ،‬وهذا االختالف الصوتى ينوع‬
‫الموسيقى وينوع معانى اإليحاء الموسيقى فى الوزن الواحد "(‪. )1‬‬
‫ويقول د‪ /‬محمد مندور " وأما شعرنا العربى فمن المعروف أن أساسه‬
‫الموسيقى أو العناصر األولية فى موسيقاه هى الحركة والسكون ‪ ،‬ومن هذه‬
‫الحركات والسكنات تتكون الفواصل المختلفة ‪ ،‬وكل مجموعة من الفواصل تكون‬
‫تفعيلة تقابل ما يسمى بالقدم عند الغربيين ‪.‬‬
‫وأوزان الشعر العربى تتكون من مجموعات من التفاعيل " المتساوية " أو "‬
‫المتجاوبة " مع اختالفات بسيطة تسمى " بالزحافات والعلل " ‪ ،‬وهى الخالفات‬
‫التى ال تؤدى إلى تغيير النسق الموسيقى العام للبيت الشعرى ‪ ،‬وقد يكون بعضها‬

‫‪ -1‬انظر " النقد األدىب احلديث للدكتور ‪ /‬حممد غنيمى هالل ‪ ،‬وكتاب " التجربة اإلبداعية " للمؤلف ‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫مما ال تكاد تدركه األذن ‪ ،‬وإنما يكتشف بالتقطيع ال بالترجيع ‪ ،‬وبعضها اآلخر‬
‫يستدرج بعمليات تعويض عند إنشاد الشعر ‪.‬‬
‫ومن أهم وسائل التعويض الصمت الخفيف فى بعض المواضع ‪.‬‬
‫و د‪ /‬مندور يؤكد أن الخروج على نظام البيت الشعرى " ذى الشطرين " أحدث‬
‫ضعفا فى اإليقاع فى " الشعر الحر " يقول فى معرض موازنته بين موسيقى‬
‫الشعر الحر والشعر المقفى ولكننا نحس بأن هذا النوع من الشعر " الشعر الحر "‬
‫إذا كان يحتفظ بالكم الموسيقى أى بالوحدة الزمنية التى تتكون من التفعيلة ‪،‬‬
‫وطريقة البناء الداخلى لكل تفعيلة ‪.‬‬
‫" إال أن الخروج على البيت كوحدة موسيقية يضعف اإلحساس بما يسمونه‬
‫فى علم الموسيقى " باإليقاع " وهو " تردد ظاهرة معينة على مسافات زمنية‬
‫متساوية أو متقابلة ‪ ،‬داخلة الوحدة الموسيقية ‪ ،‬وقد تكون هذه الظاهرة صمتا‬
‫خفيفا أو سكونا أو حركة معينة ‪ ،‬والذهاب باإليقاع أو ضعفه فى الشعر الجديد هو‬
‫الحافز للثورة ضده ‪ ،‬ألن ضعف اإليقاع فى هذا الشعر يقلق اآلذان التى اعتادت‬
‫على وضوح اإليقاع فى النمط التقليدى للشعر العربى القائم على اعتبار البيت كله‬
‫بتفاعيله المحدودة الوحدة الموسيقية للقصيدة "(‪. )1‬‬
‫وإذا كان الزحاف فى بعض تشكيالته يعد مظهر ثراء موسيقى وخصوبة‬
‫إيقاعية ‪ ،‬فإنه فى أحيان أخرى إذا أكثر منه الشاعر فى قصيدته يكون مصدر خلل‬
‫واضطراب ‪.‬‬
‫وقد ألمحت إلى هذه الظاهرة " نازك المالئكة " وعابت على الشعراء‬
‫المحدثين من شعراء " مدرسة الشعر الحر " إفراطهم فى استعمال ظاهرة "‬
‫الزحاف وبخاصة فى " بحر الرجز " ‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر ‪ " :‬األدب وفنونه " د‪ /‬حممد مندور ص ‪. 37 ، 34‬‬


‫‪42‬‬
‫ومن المالحظ أنها بالغت فى تضخيم فساد هذه الظاهرة وهى التصرف فى‬
‫تفعيلة بحر الرجز " مستفعلن " بالتغيير فى السببين الخفيفين " مستف " أو " الوتد‬
‫المجموع " " علن " ‪ ،‬تقول معنفة أصحاب الشعر الحر " وأنه لعار يلحق بالشعر‬
‫الحديث أن تكون " منظومات أسالفنا التعليمية ( مثل ألفية ابن مالك وغيرها )‬
‫أوفر موسيقى من قصائد شعرائنا المعاصرين ‪ ،‬ونحن أشد أسفا على ذلك ألننا‬
‫ندرى أن شعراءنا ال يقلون مواهب عن أولئك القدماء ‪ ،‬غير أن االستهانة بالقواعد‬
‫وقلة المباالة بالخطأ قد باتت فى عصرنا شبه نمط مضلل وقع فيه الجيل ‪ ،‬وليس‬
‫الذنب ذنب الحرية كما يظن أناس يحبون التقليد والجمود ‪ ،‬وإنما هو ذنب الجهل‬
‫وضعف السمع حينا ‪ ،‬وذنب عدم المباالة أحيانا ‪.‬‬
‫وتصف " نازك المالئكة الزحاف الذى يمس تفعيلة بحر " الرجز " فيحيلها‬
‫من " مستفعلن " إلى " مفاعلن بأنه " مرض شاع شيوعا فادحا فى الشعر الحر ‪،‬‬
‫واستهان به الشعراء ‪ ،‬أو لم يحسوا به فتركوه يعبث فى شعرهم ويفسد أنغامه ‪.‬‬
‫والواقع أن هذا الزحاف مباح فى وزن الرجز ‪ ،‬وقد ورد فى شعر أسالفنا‬
‫كثيرا وكان وروده جميال مقبوال ال مأخذ عليه ‪.‬‬
‫وإنما أبيح ذلك فى وزن الرجز ألنه يدخل تنويعا وتلوينا على التفعيلة "‬
‫مستفعلن " حيث االنتقال منها إلى زحافها ‪ ،‬بين الحين والحين ‪ ،‬يدخل على‬
‫القصائد الرجزية جماال وموسيقية ‪ ،‬ولم يزل الشاعر العربى الحديث يلجأ إلى هذا‬
‫التنويع الذى هو صفة عامة فى بحر الرجز تدخل فى تركيبة ‪ ،‬والعروضيون‬
‫يعترفون بها ويفسحون لها مجاال فى كتبهم وقواعدهم ‪.‬‬
‫غير أن ما لم يكن يفعله الشاعر القديم قط ‪ ،‬وإنما ينزلق إليه الشاعر المعاصر‬
‫‪ ،‬هو أن يكتب أبياتا كاملة ‪ ،‬وأشطر تفعيالتها كلها مصابة بالزحاف ‪.‬‬
‫هذا‪ -‬مثال‪ -‬نموذج من شعر " صالح عبد الصبور " قال من الرجز ‪:‬‬
‫" وحين يقبل المساء يقفر الطريق والظالم محنة الغريب " ‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫وقد اعترضت " نازك المالئكة " على موسيقى هذا البيت ألن تفعيالت البيت‬
‫كلها دخلها الزحاف وهو " الخبن " حذف الحرف الثانى الساكن " ‪ ،‬وهذا التغيير‬
‫الذى طرأ على جميع التفاعيل جعلت البيت كما تقول الناقدة الشاعرة " ركيك‬
‫اإليقاع ‪ ،‬ضعيف البناء ‪ ،‬منفرا للسمع " ‪ .‬وتقطيع البيت هكذا ‪:‬‬
‫ظالم محســ‬ ‫طريق والظ‬ ‫ء يُقفر الط‬ ‫بل المسا‬ ‫وحين يُقــ‬
‫ــنة الغريب‬
‫متفعلن‬ ‫متفعلن‬ ‫متفعلن‬ ‫متفعلن‬ ‫متفعلن‬
‫متفعالن‬

‫وتعلق " نازك المالئكة " على هذا التصرف الموسيقى الضار باإليقاع‬
‫الشعرى قائلة ‪:‬‬
‫ومن المؤسف أن يكون النادر اليوم فى قصائدهم الرجز هو التفعيلة السليمة ‪،‬‬
‫وأن شعرنا صار من المرض بحيث كدنا ننسى طعم العافية ‪ ،‬وقد تفشى الزحاف‬
‫الذى هو فى نظرنا مسؤول إلى حد كبير عن شناعة اإليقاع ‪ ،‬والنثرية ‪ ،‬وغيرهما‬
‫مما يشكو الجمهور وجوده فى الشعر الحر ‪ ،‬والحق مع الجمهور(‪. )1‬‬
‫وإذا كانت الشاعرة نازك المالئكة تقف بحزم فى وجه الشعراء الذين يستهينون‬
‫بضوابط العروض ومصطلحاته ‪ ،‬وتصفهم بالجهل وضعف السمع وعدم المباالة ‪.‬‬
‫فإن ميخائيل يتطرف فى موقفه المضاد لموقف نازك المالئكة ويرمى عروض‬
‫الخليل بالجمود والتأخر والسفسطة ‪ ،‬يقول معقبا على اكتشاف الخليل " لألوزان‬
‫الشعرية من مقال له تحت عنوان " الزحافات والعلل " ‪.‬‬
‫منذ ذلك الحين يا أخى " أى بعد اكتشاف الخليل لعلم العروض " أخذ الوزن‬
‫يتغلب رويدا على الشعر إلى أن أصبح الشعر الحقا والوزن سابقا " وأصبح كل‬
‫من قدر على أن يتغلب على عروض الخليل بأوزانها وزحافاتها وعللها أهال ألن‬
‫يدعى شاعرا‬
‫لو نظرت يا أخى إلى ما جمعناه منذ نيف وألف سنة لوجدته – مع استثناء قليل‬
‫منه – معرضا لألبحر الشعرية بين طويلها وبسيطها وكاملها وخفيفها – إلخ ‪ ،‬مع‬
‫ما يطرأ عليها من " الزحافات والعلل " ‪.‬‬
‫ال تضحك ‪ ،‬فالموقف موقف بكاء ال ضحك ‪ ،‬أمن المضحكات أن ندفن ألف‬
‫سنة من حياتنا األدبية بالزحافات والعلل ؟‬

‫‪ -1‬ارجع إىل ذلك املوضوع ابلتفصيل حيث تؤصل الناقدة ملوسيقى الشعر احلر ىف كتاهبا " قضااي الشعر املعاصر‬
‫"‬
‫‪44‬‬
‫العروض لم يسئ إلى شعرنا قط ‪ ،‬بل قد أساء إلى أدبنا بنوع عام ‪ ،‬فبتقديمه‬
‫الوزن على الشعر قد جعل الشعر فى نظر الجمهور صناعة ‪ ،‬إذا أحاط الطالب‬
‫بكل تفاصيلها أصبح شاعرا ‪ ،‬وإذ أن للشاعر منذ بدء التاريخ مقاما رفيعا بين قومه‬
‫أصبح كل طالب شهرة يلجأ إلى العروض كأنه أقرب الموارد ‪ ،‬وبذاك انصرف‬
‫أكثر مواهبنا إلى قرض الشعر ‪ ،‬فأفقنا اليوم وال روايات عندنا وال مسارح وال‬
‫علوم وال اكتشافات وال اختراعات ‪.‬‬
‫ويرى ميخائيل نعيمة أن الشعر الحقيقى ال ينحصر فى عشرات من البحور‬
‫وال فى ألوف من األبواب ‪ ،‬ففى كل عاطفة باب ‪ ،‬وفى كل فكر بحر ‪ ،‬بل إن فى‬
‫مظهر العاطفة الواحدة ‪ ،‬ألف باب وباب ‪ ،‬وفى ثنية واحدة من ثنيات الفكر الواحد‬
‫ألف بحر وبحر ‪ ،‬ومتى أدرك الشعراء الجدد أن مصدر الشعر طى النفس عكفوا‬
‫على درس أنفسهم ‪ ،‬وتفقدوا زواياها وخباياها ‪ ،‬حتى إذا ما عثروا هنالك على‬
‫عاطفة ترتعش وفكر يتململ صاغوا لتلك العاطفة ولذاك الفكر لباسا من الكالم‬
‫يليق بهما ‪.‬‬
‫وليس من الكالم ما يليق لباسا للعاطفة الحية والفكر المستيقظ إال ما جمع منه‬
‫بين ائتالف ألوان الرسام وتناسق أشكال النحات وتوازن خطوط البناء وترابط‬
‫ألحان الموسيقى ‪ .‬حينئذ يا أخى تثمر قرائحنا ‪ ،‬فيكثر شعرنا " وتقل زحافاتنا‬
‫وعللنا "(‪)1‬‬
‫وحين نعاود قراءة مقال " ميخائيل نعيمة " كله " فى كتابه الغربال ‪ ،‬ندرك أنه‬
‫لم يقصد إلى إرساء أسس نقدية ‪ ،‬وقوانين علمية لموسيقى الشعر العربى ‪ ،‬ولكنه‬
‫يتكلم بعاطفة األديب وليس بعقلية الباحث ‪.‬‬
‫وليس هناك ناقد أو أديب أو شاعر عربى له قدمه الراسخة فى ميدان النقد‬
‫والشعر يعتقد أن قواعد العروض تسبق التجربة الشعرية ‪ ،‬وتصبح غاية للشاعر‬
‫فقديما قال أبو العتاهية ‪:‬‬
‫" أنا أكبر من العروض " ومسيرة التجديد الموسيقى فى الشعر العربى لم‬
‫ينحسر مدها ‪ ،‬ولم ينطفئ وهجها ‪.‬‬
‫والذين ينظمون شعرهم تحت مظلة العروض " وفقط " ليس لهم مكان فى‬
‫ساحة الشعر التى يحميها فرسان الكلمة ‪ ،‬وحماة فن العربية األول " الشعر " وهم‬
‫الشعراء الحقيقيون ‪.‬‬
‫ثالثا – أنواع الزحافات د‬
‫ب ـ مركب ‪.‬‬ ‫أ ـ مفرد ‪.‬‬ ‫ينقسم الزحاف إلى قسمين ‪:‬‬
‫أ ـ الزحاف المفرد د‬
‫وهو الذى يدخل فى سبب واحد من أجزاء البيت‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر الغرابل مليخائيل نعيمة مقال " الزحافات والعلل " ص ‪. 125 – 107‬‬
‫‪45‬‬
‫والتغييرات فى الزحاف المفرد ثمانية د‬
‫‪ 1‬ـ اإلضمار ‪ :‬وهو تسكين الثانى المتحرك فى " ُمت َفاعلن فتصير " ُمتْفاعلن‬
‫بإسكان التاء ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الخبن ‪ :‬وهو حذف الثانى الساكن مثل حذف األلف من فاعلن فتصير " فعلن "‬
‫‪ ،‬وحذف " السين من " " مستفعلن " فتصير " متفعلن " ‪.‬‬
‫‪3‬ـ الوقص ‪ :‬وهو حذف ثانى التفعيلة متى كان متحركا وثانى سبب مثل حذف‬
‫التاء من " متفاعلن " فتصير " مفاعلن " ويالحظ أن هذا التغيير شاذ ونادر‬
‫الوجود فى تفعيلة بحر الكامل " متفاعلن " ‪.‬‬
‫‪4‬ـ الطى ‪ :‬وهو حذف رابع التفعيلة متى كان ساكنا وثانى سبب مثل حذف الفاء من‬
‫مستفعلن " أو حذف األلف من " متفاعلن " فتصير " متفعلن " أو حذف الواو من‬
‫مفعوالت " فتصير " مفعالت " ‪.‬‬
‫‪5‬ـ العصب ‪ :‬وهو إسكان خامس التفعيلة متى كان متحركا وثانى سبب ‪ ،‬مثل‬
‫ع ْلتن " " بتسكين الالم "‬
‫علَتن " بتحريك الالم ‪ ،‬فتصير " ُمفَا َ‬ ‫تسكين الالم فى " ُمفَا َ‬
‫‪.‬‬
‫‪6‬ـ القبض ‪ :‬وهو حذف خامس التفعيلة متى كان ساكنا وثانى سبب مثل حذف‬
‫النون من فعولن فتصير " فعول " وحذف الياء من مفاعيلن فتصير " مفاعلن " ‪.‬‬
‫‪7‬ـ العقل ‪ :‬وهو حذف خامس التفعيلة متى كان متحركا وثانى سبب ‪ .‬مثل حذف‬
‫الالم من مفاعلتن فتصير مفاعتن وتنقل إلى مفاعلن ‪ .‬ويالحظ أن هذا التغيير شاذ‬
‫ونادر الوجود فى تفاعيل بحر الوافر ‪ ،‬ومن استقراء معظم القصائد التى جاءت‬
‫منظومة فى قالب بحر الوافر لم أعثر على هذا التغيير ‪.‬‬
‫‪8‬ـ الكف ‪ :‬وهو حذف سابع التفعيلة متى كان ساكنا وثانى سبب مثل حذف النون‬
‫من مفاعيلن " فتصير مفاعيل " ‪ ،‬ومثل حذف النون من مستفع لن فتصير " مستفع‬
‫ل " ومثل حذف النون من فاعالتن فتصير " فاعالت " ومثل حذف النون من فاع‬
‫التن فتصير " فاع الت " ‪.‬‬
‫ــ وحين نتأمل تعريفات أنواع الزحافات المفرد نجد أنه ال يتناول من التفعيلة إال‬
‫الحرف الثانى أو الرابع أو الخامس أو السابع فهو ال يدخل الحرف األول بداهة ‪،‬‬
‫وال الثالث ألنه ال يكون إال أول سبب أو ثالث وتد ‪ ،‬وال السادس ألنه ‪ .‬أى الحرف‬
‫السادس إما أن يكون أول سبب أو ثانى " وتد " ‪ ،‬وذلك ألنه ال تتوالى ثالثة أسباب‬
‫فى تفعيلة واحدة ‪ ،‬فإن جاء فيها ـ سبب فوتد ـ فمجموعها خمسة أحرف فيكون‬
‫السادس أول سبب ‪ ،‬وإن توالى فيها سببان كان السادس ثانى وتد ‪.‬‬
‫ب ـ الزحاف المركب د‬
‫وهو الذى يلحق بسببين من األجزاء فى البيت الشعرى ‪ ،‬ويتكون كل نوع منه من‬
‫نوعين من الزحاف المفرد ‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫‪ 1‬ـ الخبل ‪ :‬وهو مركب من الخبن والطى فى تفعيلة واحدة كحذف سين وفاء "‬
‫مستفعلن " فتصير " متعلن" وحذف " الفاء والواو " من مفعوالت فتصير "‬
‫معالت " ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الخذل ‪ :‬وهو مركب من اإلضمار والطى كإسكان التاء وحذف األلف من "‬
‫متفاعلن " فتصير " متْفعلن بإسكان التاء وهذا التغيير نادر االستعمال فى موسيقى‬
‫بحر الكامل ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الشكل ‪ :‬وهو مركب من الخبن والكف كحذف األلف األولى والنون األخيرة‬
‫من فاعالتن فتصير " فعالت " ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ النقص ‪ :‬وهو مركب من العصب والكف كتسكين الخامس المتحرك وحذف‬
‫السابع الساكن من " مفاعلتن " فتصير " مفاعلت " ‪.‬‬
‫رابعا – أنواع العلل د‬
‫ب ـ النقص ‪.‬‬ ‫أ ـ الزيادة ‪.‬‬ ‫وتنقسم العلة إلى نوعين ‪:‬‬
‫أ ـ أنواع علل الزيادة د‬
‫‪ 1‬ـ الترفيل ‪ :‬وهو زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع نحو فاعلن ‪،‬‬
‫فتقلب النون ألفا وتزيد سببا خفيفا فتصير " فاعالتن " ونحو " متفاعلن حيث‬
‫تصير " متفاعالتن ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التذييل ‪ :‬وهو زيادة حرف ساكن على ما آخره وتد مجموع نحو مستفعلن‬
‫فتصير " مستفعلتن وتنقل إلى مستفعالن ونحو " " متفاعلن " فتصير " متفاعالن "‬
‫‪ .‬ونحو ‪ " :‬فاعلن " تصير " فاعالن " ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ التسبيغ ‪ :‬وهو زيادة حرف ساكن على ما آخره سبب خفيف نحو " فاعالتن "‬
‫تصير " فاعالتان " ‪.‬‬
‫ب ـ أنواع العلل التى تكون بالنقص ‪ ،‬وهى تسع علل د‬
‫‪ 1‬ـ الحذف ‪ :‬وهو إسقاط السبب الخفيف من آخر التفعيلة مثل " مفاعيلن " فتصير‬
‫" مفاعى " وتنقل إلى فعولن وهذه العلة توجد فى الضرب الثانى لبحر الهزج مثل‬
‫قول الشاعر ‪:‬‬
‫طويل‬ ‫سوى الحزن الطـ‬ ‫غزال ليــــــــــــس لى منه‬
‫مفاعيلن مفاعيلن‬
‫مفـــاعيـــــلن مفاعيلن‬
‫‪ 2‬ـ القطف ‪ :‬وهو إسقاط السبب الخفيف وإسكان ما قبله فى نحو " مفاعلتن "‬
‫فتصير " مفاعل " وتنقل إلى " فعولن " وهذه العلة الزمة لعروض وضرب الوافر‬
‫مثل قول الشاعر " أحمد شوقى " ‪:‬‬ ‫التام ‪..‬‬
‫وهذى الضجــــــــجة الكبرى عال َم؟‬ ‫ف بينكمو إال َم؟‬ ‫إال َم الخلــــــ ُ‬
‫مفاعلتن‬ ‫فعولن‬ ‫مفاعلتن مفاعلتن‬
‫فعولن‬ ‫مفاعلتن‬
‫‪47‬‬
‫‪ 3‬ـ القصر ‪ :‬وهو إسقاط ساكن السبب الخفيف وإسكان متحركه فى نحو " مفاعيلن‬
‫" فتصير " مفاعيل " ‪ ،‬ومثل متفع لن فى بحر الخفيف المجزوء ‪ ،‬تأتى العروض‬
‫مجزوءة والضرب مخبوبا مقصورا مثل قول الشاعر ‪:‬‬
‫نوا غضبتم يسير‬ ‫كل خطب إن لم تكو‬
‫ومنه قول محمود حسن اسماعيل ‪:‬‬
‫ما يرد الغرب نديان الجبينْ‬ ‫تاريخها‬
‫ِ‬ ‫أمكم ِمص ُْر وفى‬
‫فاسألوها واسمعوا فى تربها يزعج اآلفاق صوت الراقدينْ‬
‫ــ فالضرب هنا على وزن ‪ :‬فاعالت ‪ ،‬والتفعيلة أصلها ‪ ،‬فاعالتن ‪ .‬حذفت‬
‫النون وسكنت التاء ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ القطع ‪ :‬وهو حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان ما قبله فى فاعلن ‪ :‬فتصير "‬
‫فاعل " وتنقل إلى " فعلن " ‪.‬‬
‫وهذه العلة كثيرة الورود فى تفعيلة بحر " المتدارك " مثل قول صاحب هذه‬
‫السطور من قصيدة بعنوان " دوائر النهر " ‪:‬‬
‫فتمور دوائر أشعارى‬ ‫فى نهرك أُل ِقى أحجارى‬
‫األغوار‬
‫ِ‬ ‫وتعانق أفق‬ ‫تتموج فيها أنفاسى‬
‫ويمكن تقطيع البيت األول هكذا ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ فى نه ــــ رك ألـــ قى أحــ جارى‬
‫فعلـــــن فعلــــــن فعلــــــــن فعلـــن‬
‫عارى‬ ‫‪ 2‬ـ فتمور ردوا ئر أشــــ‬
‫فعلـــــــــن فعلــــــن فعلــــن فعلــن‬
‫‪ 5‬ـ التشعيث ‪ :‬وهو حذف أول ‪ ،‬أو ثانى الوتد المجموع فى نحو " فاعلن " فتصير‬
‫" فالن " أو " فاعن " ‪ ،‬فينقل إلى " فعلن " ‪ ،‬ونحو " فاعالتن " تصير " فعالتن"‪.‬‬
‫ومثل ذلك " ضرب بحر الخفيف ‪ ،‬يدخله " " التشعيث " وعروضه صحيحة‬
‫مثل قول الشاعر ‪:‬‬
‫األحياء‬
‫ِ‬ ‫ت إنما ال َميْتُ َم ِيتُ‬ ‫ليس من مات فاستراح بِ َم ْي ٍ‬
‫‪ 6‬ـ الحذذ ‪ :‬وهو حذف الوتد المجموع برمته فى مستفعلن ‪ ،‬فتصير " مستف "‬
‫و تنقل إلى " فعلن " ‪ ،‬وكذلك " متفاعلن " تصير " متفا " بعد حذف " علن " وهو‬
‫الوتد المجموع ‪ ،‬وتكون العروض " حذاء والضرب مثلها " فى بحر الكامل مثل‬
‫قول صاحب هذه السطور من قصيدة " الجبل " ‪:‬‬
‫األرض بالعلياء تتصل‬ ‫وحراء نبع فى تماوجه‬
‫شعَل‬‫ولها بكل منارة ُ‬ ‫شهْب‬ ‫ص ْخ ٌر ومنه تَفَ َّج َرتْ ُ‬
‫َ‬
‫‪ 7‬ـ الصلم ‪ :‬وهو حذف الوتد المفروق برمته من آخر الجزء فى " مفعوالت "‬
‫فتصير " مفعو " فتنقل إلى " فعلن " ‪.‬‬
‫وتأتى هذه العلة فى ضرب بحر " السريع " ‪ ،‬والعروض مكسوفة ‪ .‬مثل قول‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫‪48‬‬
‫لسقيم ماله عائدٌ و َم ِيت ليس له ناع‬‫ٍ‬ ‫َم ْن‬
‫‪ 8‬ـ الكسف‪ :‬وهو حذف آخر الوتد المفروق فى " مفعوالت " فتصير " مفعوال "‬
‫وتنقل إلى " مفعولن " ‪.‬‬
‫ومثال ذلك فى بحر السريع تأتى العروض مطوية مكسوفة ويأتى الضرب‬
‫مثلها مثل قول القائل ‪:‬‬
‫يَقت ُل من شاء وال يُقت ُلَ‬ ‫هلل د ََّر البين ما يفع ُل‬
‫‪ 9‬ـ الوقف ‪ :‬وهو تسكين متحرك آخر الوتد المفروق فى " مفعوالتُ " فيصير "‬
‫ْ‬
‫مفعوالت " ‪.‬‬
‫وقد يجتمع الحذف والقطع معا فيسمى ذلك " بالبتر " نحو " فاعالتن " فتصير‬
‫إلى " فاعل " وتنقل إلى " فعلن "‪ 1‬ومثال ذلك قول الشاعر ‪:‬‬
‫ودموعى تطفئ النَّارا‬ ‫نار الهوى َكبِدِى‬ ‫أنضجت ُ‬
‫* * *‬

‫‪ -1‬نظرا ألن هذه القواعد واملصطلحات اثبتة ىف كل كتب العروض فقد آثرت االعتماد على أحد هذه الكتب‬
‫املوثوق هبا ىف صناعة هذا العلم وهو كتاب " ميزان الذهب ىف صناعة شعر العرب " ‪.‬‬
‫‪49‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬أوزان البحور‬


‫البحر الشعرى ‪ :‬هو الوزن الخاص الذى على مثاله يجرى الناظم(‪ )1‬والمشهور أن‬
‫الخليل بن أحمد قد وضع منها خمسة عشر بحرا وزاد عليها األخفش ( اإلمام‬
‫العالم أبو الحسن سعيد بن مسعدة األخفش بحرا أسماه المتدارك ‪ ،‬ولكن هذا الرأى‬
‫المشهور ال حظ له من الصواب ‪ ،‬وقد ناقش هذه القضية وفندها د‪ /‬أحمد عبد الدايم‬
‫فى كتاب العروض " لألخفش " الذى حققه تحقيقا جيدا ‪ ،‬وأثبت فيه أن بحر "‬
‫المتدارك " قد عرفه الخليل ‪ ،‬ولكنه رفضه وأبى أن ينظم عليه ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫" واألوقع عندى أن الخليل استهجن النظم على هذا البناء على الرغم من نظمه هو‬
‫نفسه عليه ‪ ،‬إال أن النظم عليه ال يحتاج إلى موهبة أو حرفة ‪ ،‬وليس فيه فن‬
‫الصناعة ‪ ،‬بل هو بحر سوقى "(‪. )2‬‬
‫واألدلة التى ساقها د‪ /‬أحمد عبد الدايم لنسبة هذا البحر إلى الخليل مقنعة ‪ ،‬وقد أيده‬
‫د‪ /‬رمضان عبد التواب فى مقدمته للكتاب فقال مشيدا بالمحقق ومنهجه فى التحقيق‬
‫‪:‬‬
‫" ولم ي نس وهو يقدم للكتاب ويترجم لصاحبه أن يناقش قضيتين مهمتين تتصالن‬
‫باألخفش ‪ ،‬وعالقته بعروض الخليل بن أحمد أوالهما ‪ :‬استدراكه على الخليل "‬
‫بحر المتدارك " واألخرى " إنكاره للمضارع والمقتضب والمجتث " وأظن أنه قد‬
‫وضع النقط على الحروف فى هاتين القضيتين اللتين أثارهما بعض المؤلفين وأقنع‬
‫القارئ بما وصل فيهما من نتائج ضمنها تقديمه للكتاب ‪.‬‬
‫ومن أقوى الحجج التى أثبتها د‪ /‬أحمد عبد الدايم ‪ ،‬أن األخفش لم ينسب إلى نفسه‬
‫اختراع هذا البحر ‪ ،‬وكذلك تالميذه لم يتحدثوا بهذا االستدراك على الخليل ‪.‬‬
‫والعلماء الذين ضمنوا مؤلفاتهم العروضية ‪ ،‬كثيرا من آراء األخفش مثل ابن جنى‬
‫‪ ،‬وحماد الجوهرى ‪ ،‬وابن عبد ربه‪ ،‬والدمنهورى ‪ ،‬والتبريزى لم يتحدثوا بهذا‬
‫األمر ‪ ،‬وال يعقل أن يتجاهلوه إن كان صحيحا ‪.‬‬
‫ولكن الحجة التى ساقها فى نهاية مناقشته لهذه القضية وهى استهجان الخليل النظم‬
‫على هذا البناء ‪ ،‬ألن النظم عليه ال يحتاج إلى موهبة أو حرفة وليس فيه فن‬
‫الصناعة ‪.‬‬
‫هذه الحجة ال تقوم وحدها دليال على رفض الخليل لهذا البحر؛ وذلك ألن الشعر‬
‫الحر فى معظمه اآلن ينظم على هذا البحر ‪ ،‬وتأتى تجارب الشعراء عميقة مؤثرة‬
‫لها أبعادها المترامية وآفاقها الممتدة ‪ ،‬وإذا تصفحنا شعر صالح عبد الصبور‬

‫‪ -1‬اعتمدت كثريا ىف ضوابط البحور على كتاب " ميزان الذهب "‬
‫‪ -2‬انظر ‪ :‬كتاب العروض لألخفش – حتقيق د‪ /‬أمحد عبد الدامي ‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫وأحمد عبد المعطى حجازى ‪ ،‬وأمل دنقل – سنجد أن كثيرا من نماذجهم الشعرية‬
‫الرائدة صيغت فى قالب هذا البحر في بعض الدواوين إلى ‪ ./. 50‬كما فى ديوان‬
‫تأماالت فى زمن جريح للشاعر صالح عبد الصبور ‪0‬‬
‫ويمكن أن تكون ندرة النماذج التى وردت فى الشعر القديم منظومة فى هذا القالب‬
‫النغمي "بحر المتدارك " هى الدافع األول لرفض الخليل النظم عليه ‪ ،‬وال يعنى‬
‫هذا رفض موسيقاه ‪0‬‬
‫وفى تحليل أوزان البحور سأرتبها كاألتى د‬
‫أوال – البحور الصافية " ذات التفعلية الواحدة " وتسمى أيضا "البحور المفردة "‬
‫وهى ‪:‬‬
‫أجزاؤه‬ ‫البحر‬
‫( مفاعيلن – مفاعيلن – مفاعلين – مفاعيلن )‬ ‫‪ – 1‬الهزج‬
‫مفاعلتن – مفاعلتن –‬ ‫( مفاعلتن – مفاعلتن – مفاعل‬ ‫‪ 2‬ـ الوافر‬
‫مفاعل )‬
‫متفاعلن – متفاعلن –‬ ‫( متفاعلن – متفاعلن – متفاعل‬ ‫‪ 3‬ـ الكامل‬
‫متفاعلن )‬
‫مستفعلن – مستفعلن –‬ ‫( مستفعلن – مستفعلن – مستفعلن‬ ‫‪ 4‬ـ الرجز‬
‫مستفعلن )‬
‫فاعالتن – فاعالتن –‬ ‫( فاعالتن – فاعالتن – فاعالتن‬ ‫‪ 5‬ـ الرمل‬
‫فاعالتن )‬
‫فعولن – فعولن – فعولن‬ ‫‪ 6‬ـ المتقارب ( فعولن – فعولن – فعولن – فعولن‬
‫– فعولن )‬
‫فاعلن – فاعلن – فاعلن‬ ‫‪ 7‬ـ المتدارك ( فاعلن – فاعلن – فاعلن – فاعلن‬
‫– فاعلن )‬
‫ثانيا – البحور المركبة أو الممتزجة وهى د‬
‫أجزاؤه‬ ‫البحر‬
‫فاعلن –‬ ‫‪ 8‬ـ البسيط ( مستفعلن – فاعلن – مستفعلن – فاعلن مستفعلن‬
‫مستفعلن فاعلن )‬
‫–‬ ‫فعولن‬ ‫‪ 9‬ـ الطويل ( فعولن – مفاعيلن – فعولن – مفاعيلن‬
‫مفاعيلن ‪ -‬فعولن – مفاعيلن )‬
‫فاعالتن – فاعلن –‬ ‫‪ 10‬ـ المديد ( فاعالتن – فاعلن – فاعالتن‬
‫فاعالتن )‬
‫–‬ ‫مستفعلن‬ ‫‪ 11‬ـ السريع ( مستفعلن – مستفعلن – مفعوالت‬
‫مستفعلن – مفعوالت )‬
‫–‬ ‫مستفعلن‬ ‫‪ 12‬ـ المنسرح ( مستفعلن – مفعوالت – مستفعلن‬
‫مفعوالت – مستفعلن )‬
‫‪51‬‬
‫فاعالتن – مستفع لن –‬ ‫‪ 13‬ـ الخفيف ( فاعالتن – مستفع لن – فاعالتن‬
‫فاعالتن )‬
‫مفاعيلن – فاع ال تن‬ ‫‪ 14‬ـ المضارع ( مفاعيلن فاع التن‬
‫)‬
‫مفعوالت – مستفعلن )‬ ‫‪ 15‬ـ المقتضب ( مفعوالت مستفعلن‬
‫مستفع لن –‬ ‫‪16‬ـ المجتث ( مستفع لن ‪ -‬فاعالتن‬
‫فاعالتن )‬

‫****‬
‫‪52‬‬

‫‪ 1‬ـ بحر " الهزج "‬


‫مفاعيلن ‪ /‬مفاعيلن )‬ ‫أجزاؤه ‪ ( :‬مفاعيلن ‪ /‬مفاعيلن‬
‫ويأتى هذا البحر على صورتين ‪:‬‬
‫مفاعيلن‬ ‫مفاعيلن – مفاعيلن‬ ‫‪ 1‬ـ عروض صحيحة وضرب صحيح ‪:‬‬
‫– مفاعيلن‬
‫مثل قول الشاعر ‪ :‬عزيز أباظة على لسان الرشيد فى مسرحيته الشعرية " العباسة‬
‫"‬
‫على مصر ومن فيها‬ ‫عجبنا لم نكن حربا‬
‫مفاعيل مفاعيلن‬ ‫مفاعيلن مفاعيلن‬
‫بذلنا األمــ ـــن واليسرا ففاضا فى نواحيها‬
‫مفاعيلن مفاعيلن‬ ‫مفاعيلن مفاعيلن‬
‫فالعروض هنا صحيحة ( مفاعيلن ) ‪ ،‬والضرب صحيح ( مفاعيلن ) ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ عروض صحيحة وضرب محذوف(‪ ( )1‬مفاعى )‬
‫وهذا الوزن نادر الوجود فى الشعر القديم ‪ ،‬ومنه قول الشاعر ‪:‬‬
‫بنيل من بخيل‬ ‫متى أشفى غليلى‬
‫غزال ليــ س لى منه سوى الحزن الطويل‬
‫حملت الضـ ـيم فيه من حسود أو عزول‬
‫مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعي‬
‫وال أوافق د ‪ /‬ابراهيم أنيس فيما ذهب إليه من قوله ‪ :‬إن هذا اللون الثانى من وزن‬
‫بحر الهزج صناعة عروضية ‪ ،‬ونؤثر أن نضرب عنه صفحا ‪ ،‬إذ ال يصح أن‬
‫نستنبط وزنا من أوزان الشعر ببيت منفرد منعزل ال ندرى شيئا عن القصيدة التى‬
‫اقتبس منها (‪. )2‬‬
‫وذلك ألن البيت الذى استشهد به د‪ /‬ابراهيم أنيس وهو ‪:‬‬
‫ــيم بالظهر الذلول‬ ‫وما ظهرى لباغى الضيــ‬
‫ليس بيتا منفردا – بل هو من قصيدة مطلعها ‪:‬‬
‫بنيل من بخيل‬ ‫متى أشفى غليلى‬
‫سوى الصبر الطويل‬ ‫غزال ليس لى منه‬
‫من الصبر الجميل‬ ‫جميل الوجه أخالنى‬
‫حملت الضيم فيه من حسود أو عذول‬

‫‪ -1‬واحلذف هو ‪ :‬اسقاط سبب خفيف من آخر التفعيلة " العروض أو الضرب "‬
‫‪ -2‬انظر " ميزان الذهب " ىف صناعة شعر العرب ‪ /‬السيد امحد اهلامشى ‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫وما ظهرى لباغى الضيــــــم بالظهر الذلول(‪)1‬‬
‫وندرة األمثلة ال تلغى القاعدة ‪ ،‬فبحر المتدارك ندرت أمثلته فى الشعر القديم ‪،‬‬
‫ومع ذلك بقيت أوزانه وحظى بمكانة كبيرة فى إيقاع الشعر العربى المعاصر شعر‬
‫التفعيلة " ‪.‬‬
‫تنبيه د‬
‫نبه علماء العروض إلى أنه " يدخل فى حشو الهزج من الزحاف كف " مفاعيلن "‬
‫فتصير " مفاعيل و " وهو مستحسن ‪ ،‬وقبض مفاعيلن وهو مقبول بشرط أن ال‬
‫يتفق الزحافان فى الجزء الواحد ‪.‬‬
‫والهزج ‪ :‬وزن وثيق الصلة بمجزوء " الوافر " ‪ ،‬ويلتبس األمر فى بعض األحيان‬
‫فال ندرى أيعد البيت من مجزوء الوافر أم من الهزج ؟ ‪.‬‬
‫والصفة التى تفرق بين الهزج ومجزوء الوافر هى أن مفاعيلن فى الهزج يجوز أن‬
‫تصبح مفاعيل فقط ‪ ،‬وقد استقبح علماء العروض هذا فى الوافر ولم يستسيغوه ‪،‬‬
‫وكذلك " مفاعلن " ال تجئ فى وزن الهزج ‪ ،‬ومنه قول العقاد ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫أال تعرف عنوانى ؟( )‬ ‫نزي َل المنز ِل الخالى‬
‫فثقْ أنك تلقانى‬ ‫ط ْفتَ َح ْولَيْه‬
‫إذا ما ُ‬
‫بعض ألوانى‬
‫ُ‬ ‫وفيه‬ ‫فما من منز ٍل ‪ ...‬إال‬

‫‪ -1‬انظر " ميزان الذهب " ىف صناعة شعر العرب ‪ /‬السيد امحد اهلامشى ‪.‬‬
‫‪ -2‬انظر نص القصيدة كامال بديوان العقاد جـ ‪. 2‬‬
‫‪54‬‬

‫‪2‬ـ الوافر‬
‫"مفاعلتن مفاعلتن مفاعل" وتحول إلى "فعولن"‬ ‫وتفاعيل هذا البحر هى ‪:‬‬
‫فتصير‪" :‬مفاعلتن مفاعلتن فعولن"‬
‫ويأتى هذا البحر فى ثالث صور ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن يكون البحر تاما والعروض مثل الضرب ( فعولن ) ‪.‬‬
‫أ ـ مفاعلتن مفاعلتن فعولن ‪ ،‬مفاعلتن مفاعلتن فعولن ومنه قول أحمد شوقى ‪:‬‬
‫" أنادى الرسم لو ملك الجوابا وأجزيه بدمعى لو أثابا‬
‫أنادر رسـ ملو ملكل جوابا‬ ‫" كتابة عروضية "‬
‫وأجزيهى بدمعيلو أثابا‬ ‫[ كتابة عروضية ]‬
‫مفاعلتن مفاعلتن فعولن‬ ‫مفاعلتن مفاعلتن فعولن‬
‫عل ‪ ،‬بعد أن دخلها القطف فى العروض والضرب ‪ :‬وهو‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وفعولن هنا أصلها ‪ُ :‬مفا َ‬
‫إسقاط السبب الخفيف وإسكان ما قبله فى نحو ‪ :‬مفاعلتن فيصير مفاعل " فينقل إلى‬
‫فعولن " ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن يكون البحر مجزوءا أى يكون مكونا من أربع تفعيالت ‪:‬‬
‫( مفاعلتن – مفاعلتن – مفاعلتن – مفاعلتن )‬
‫وفى هذا الشكل المجزوء يأتى على صورتين ‪.‬‬
‫أ ـ العروض مثل الضرب " صحيحة مجزوءة مثل قول الشاعر إبراهيم ناجى ‪:‬‬
‫سناك صال ة أحالمى وهذا الركــ ــــن محرابى‬
‫مفاعلتــــن مفاعلتن مفاعلتــــــن مفاعلتـــــــــن‬
‫به ألقيــ ــت آالمــــى وفيه طرحـ ـت أوصابى‬
‫مفاعلتــــن مفاعلتن مفاعلتــــــن مفاعلتـــــــــن‬
‫ــ ومن ذلك الشكل الشعرى قول الشاعر اسماعيل عقاب فى ديوانه هى والبحر‪:‬‬
‫أنا النيران فى الشفق وأنت البحر يانزقى‬
‫ليطفئ جذوة الشفق‬ ‫فهات الموج دفاقا‬
‫‪1‬‬
‫وأهوى حيثما أهوى فدونك روعة الغرق( )‬
‫ب ـ العروض مجزوءة صحيحة ( مفاعلتن ) والضرب معصوب ( مفاع ْلتن )‬
‫ومنه قول الشاعر القروى من قصيدة بعنوان " الداء العياء " ‪:‬‬
‫سنا مضَّا‬‫مض نفو َ‬ ‫يَ ُّ‬ ‫سدٌ‬
‫وشر بالئِنا َح َ‬
‫ُّ‬
‫فينقض جمعنا نقضا‬ ‫يؤسس فردنا نفعا‬

‫‪ 1‬ديوان هى والبحر ص ‪ / 135‬امساعيل عقاب ‪.‬‬


‫‪55‬‬
‫فلو عرض الزمان على رجال بالدنا عرضا‬
‫م طول األرض والعرضا‬ ‫وقال منحتكم ياقو‬
‫ع بعضُكم بعضا‬
‫يناز َ‬ ‫بشرط واحد أال‬
‫وكان جوابُهم رفضا‬ ‫لحاول نفعهم عبثا‬
‫‪56‬‬

‫‪3‬ـ الكامل‬
‫أ ـ سبب التسمية د‬
‫وهذا البحر سماه الخليل بهذا االسم ألن فيه ثالثين حركة لم تجتمع فى غيره من‬
‫الشعر ‪ ،‬وله تسعة أضرب لم يحصل عليها بحر آخر ‪.‬‬
‫‪/‬‬ ‫متفاعلن‬ ‫( متفاعلن ‪ /‬متفاعلن ‪ /‬متفاعلن‬ ‫ب ـ تفاعيله وهى ‪:‬‬
‫متفاعلن ‪ /‬متفاعلن )‬
‫جـ ـ أقسامه د يأتى هذا البحر تاما ومجزوءا ‪.‬‬
‫أوال ـ التام د‬
‫يأتى فى عدة قوالب من الوزن تبعا لتنوع العروض والضرب ‪:‬‬
‫( ‪ ) 1‬إذا كانت العروض صحيحة " متفاعلن " نجد لها ثالثة أضرب ‪.‬‬
‫( أ ) العروض صحيحة والضرب صحيح ‪ :‬مثل قول الشاعر ابن زيدون ‪:‬‬
‫يعطى اعتبارى ما جهلت فأعلم‬ ‫الدهر إن أملى فصيح أعجم‬
‫ساوى لديه الشهد منها العلقم‬ ‫إن الذى قدر الحوادث قدرها‬
‫فالعروض صحيحة وكذلك الضرب صحيح على وزن " متفاعلن "‬
‫(ب) العروض ‪ ،‬صحيحة ( متفاعلن ) والضرب مقطوع على وزن متفاعل ‪ ،‬مثل‬
‫قول جرير فى رثاء زوجه " أم حزرة " ‪.‬‬
‫عمرت مكرمة المساك وفارقت ما مسها صلف وال إقتار‬
‫والصالحون عليك واألبرار‬ ‫صلى المالئكة الذين تخيروا‬
‫ْ‬
‫(جـ) العروض صحيحة والضرب أحذ مضمر على وزن " ُمتفَا " حيث يحذف‬
‫الوتد المجموع من آخر التفعيلة " علن " وتسكن التاء فى " متفا " ومنه قول امرئ‬
‫القيس من قصيدة له ‪:‬‬
‫حلو الشمائل ماجد األصل‬ ‫فلئن هلكت لقد علمت بأننى‬
‫( ‪ ) 2‬إذا كانت العروض حذاء على وزن ُمتَفَا نجد لها ضربين هما ‪:‬‬
‫( أ ) ضرب أحذ مثلها على وزن " ُمتَفَا " مثل قول الشاعر ‪:‬‬
‫وحالوة الدنيا لجاهلها ومرارة الدنيا لمن عقال‬
‫وقول كاتب هذه السطور من قصيدة بعنوان الجبل ‪:‬‬
‫إنى أسير يضمنى الجبل فكأننى فى الصخر أرتح ُل‬
‫من كل زاوية مالمحه تبدو وفى األجواء تنتق ُل‬
‫فكأنه عين الوجود إلى قلب الخفايا لَ ْم ُح َها يص ُل‬
‫فأعاريض القصيدة وأضربها كلها على وزن " متفا " بفتح الفاء ‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫ويرى د‪ /‬إبراهيم أنيس أن هذا الوزن نادر الوجود فى الشعر القديم ويقرر أن مثل‬
‫هذا النوع من الوزن ال نكاد نرى له مثال واحدا فى الشعر الحديث وأتى بنموذج‬
‫من شعر أبى العتاهية ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫والقصيدة التى من هذا النوع قليلة فى الشعر العربى بوجه عام مثل قول أبى‬
‫العتاهية ‪:‬‬
‫ال سوقة يبقى وال ملكُ‬ ‫الموت بين الخلق مشتركُ‬
‫وهذا الحكم ليس مطردا – فهناك قصائد كثيرة فى الشعر الحديث تجرى على هذا‬
‫النمط – ومن ذلك قصيدة " الجبل " لكاتب هذه السطور ‪:‬‬
‫وألبى تمام قصيدة تبلغ تسعة وأربعين بيتا يمدح بها أحمد بن عبد الكريم وكلها‬
‫جاءت على هذا الوزن عروضا وضربا ‪.‬‬
‫متفاعلن متفاعلن متفا متفاعلن متفاعلن متفا‬
‫ومطلعها ‪:‬‬
‫ب‬
‫ش ِ‬ ‫ُ‬
‫وبدا بوشى شقائق ق ُ‬ ‫ب‬
‫شق الربيع مضايق ال ُح ُج ِ‬
‫ْ‬
‫أما الضرب الثانى فيكون على وزن " ُمتفَا " بتسكين التاء وهو " أحذ " مضمر –‬
‫وهذا الوزن فى الشعر القديم وفى الحديث كثير ومنه قول أبى تمام ‪:‬‬
‫وبقيت ما ُمدَّ المدى بعدى‬ ‫على فى لَحْ دِى‬
‫َّ‬ ‫غطت يداكَ‬
‫ورزقت منك العطف ما حملت عينى الدموع ودام لى وجدى‬
‫الصد‬
‫ِ‬ ‫بين النوى ومخافة‬ ‫نفسى بكتمانى معلقة‬
‫ثانيا – الكامل المجزوء د ويتكون من أربع تفعيالت ‪ ( :‬متفاعلن – متفاعلن‬
‫متفاعلن – متفاعلن )‬
‫وتتشكل مادته العروضية من أربع صور حيث تظل العروض صحيحة فى‬
‫الحاالت األربع ‪ ،‬أما الضرب فيجئ على أربع صور‬
‫( مرفال – ومذيال – وتاما – ومقطوعا )‬
‫وأمثلته هكذا د‬
‫أ ـ العروض صحيحة والضرب صحيح ‪ ،‬ومنه قول الشاعر ‪ /‬أحمد شوقى ‪:‬‬
‫أال تكون ألعزل‬ ‫دنياك من عاداتها‬
‫فى ذى الحياة ويبتلى‬ ‫جعلت لحر يبتلى‬
‫فالعروض والضرب هنا على وزن " متفاعلن "‬
‫ب ـ العروض صحيحة والضرب مرفل ‪ ،‬ومنه قول أبى تمام‪:‬‬
‫ق‬‫وغليل شوق واحترا ُ‬ ‫ق‬‫نأى وشيك وانطال ُ‬
‫ق‬
‫تاهت بصحبته الرفا ُ‬ ‫بأبى هوى ودعته‬
‫فالتفعيلة فى آخر البيتين على وزن " متفاعالتن " ‪ .‬حيث جاء الضرب مرفال ‪،‬‬
‫والترفيل هو زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع حيث صارت متفاعلن ‪،‬‬
‫متفاعالتن ‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫جـ ـ العروض صحيحة والضرب " مذيل " ومنه قول " محمود غنيم " متحدثا عن‬
‫جنازة السالم ‪.‬‬
‫عصفا وغطاه القتا ْم‬ ‫عصفت به ريح الوغى‬
‫قبر يزار وال مقام‬ ‫فمضى شهيدا ماله‬
‫مادام فى الدنيا حطام‬ ‫ليس السالم بسائد‬
‫فالتفعيلة األخيرة فى هذه األبيات وهى " الضرب " أتت على وزن " متفاعالن "‬
‫فهى مذيلة‪ ،‬والتذييل هو " زيادة حرف ساكن على ما آخره وتد مجموع ‪.‬‬
‫ــ ومن ذلك قول الشاعر ‪ /‬فاروق جويدة فى قصيدته " مات الحنين "‬
‫ْ‬
‫الحنين‬ ‫اليوم تجمعنا الليالى بعدما مات‬
‫وتوارت األحالم خوفا بين أحزان السنين‬
‫طيف العاشقين‬ ‫َ‬ ‫وقضيتُ كل العمر أسأل عنك‬
‫‪1‬‬
‫ونسجت من أيامى الحيرى رداء البائسين( )‬
‫د ـ العروض صحيحة والضرب مقطوع على وزن " ُمتَفَا ِع ْل " وهذا الوزن نادر‬
‫الوجود وقد مثل له العروضيون بهذا البيت ‪:‬‬
‫ت‬‫وإذا همو ذكروا اإلسا ءة أكثروا الحسنا ِ‬
‫والقطع هو حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان ما قبله مثل متفاعلن ‪ ،‬حيث تحذف‬
‫النون وتسكن الالم وتنقل إلى " متفاعل " ‪.‬‬

‫‪ -1‬ديوان " ولألشواق عودة " ص ‪ 108‬فاروق جويدة ‪.‬‬


‫‪59‬‬

‫‪ 4‬ـ الرجز‬
‫أوال – سبب التسمية د سمى هذا البحر باسم " الرجز " الضطراب أوزانه‬
‫كاضطراب قوائم الناقة عند القيام ‪.‬‬
‫ثانيا – تفعيالتهد يتكون هذا البحر فى صورته الموسيقية الكاملة من ست تفعيالت‬
‫هى‪ (:‬مستفعلن ‪ /‬مستفعلن ‪ /‬مستفعلن ‪ -‬و مستفعلن ‪ /‬مستفعلن ‪ /‬مستفعلن )‬
‫ثالثا – أقسامه د ينقسم هذا البحر إلى أربعة أقسام ‪:‬‬
‫أ ـ الرجز التام ب ـ الرجز المجزوء ‪ .‬جـ ـ الرجز المشطور ‪ .‬د ـ الرجز‬
‫المنهوك ‪.‬‬
‫أ ـ الرجز التام ‪ :‬يأتى فى صورتين ‪:‬‬
‫أ ـ الرجز التام ‪ :‬العروض صحيحة والضرب صحيح مثل قول الشاعر ‪:‬‬
‫ظه ٍْر أشرقتْ لى أم ْ‬
‫قمر‬ ‫شمس ُ‬
‫ُ‬ ‫أم‬ ‫بشر‬
‫ى سباتى أم ْ‬ ‫أدر هل ِجنِ ٌّ‬
‫لم ِ‬
‫حتى كأن الموتَ منه فى النظر‬ ‫ُ‬
‫أم ناظر يهدى المنايا طرفه‬
‫ــ فى هذا القالب النغمى يعزف الشاعر ‪ /‬إبراهيم عيسى قصيدته ‪ :‬شهريار الجديد‪:‬‬
‫يا شهرزاد يا حنين العمر كم ليل بأشواق الينابيع ارتوى‬
‫ب بالهوى قد اكتوى‬ ‫على جواد الغيم جئت ممطرا أحالم قل ٍ‬
‫‪1‬‬
‫فإن غفا الليل صحت عين الهوى( )‬ ‫ونام فى عينيك شوق حالم‬
‫الثانية ‪ :‬العروض صحيحة والضرب مقطوع على وزن مفعولن ومنه قول‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫قلب بلوعات الهوى معمــــــــود حتى سقتنيه الظبا ُء الغيدُ‬
‫إذ ال دواء للهوى موجودُ‬ ‫من ذا يداوى القلب من داء الهوى‬
‫ب ـ الرجز المجزوء ‪ :‬ويتكون من أربع تفعيالت ‪:‬‬
‫وتأتى عروضه مماثلة لضربه ‪ ،‬ومنه قول الشاعر ‪ " :‬عبد هللا البردونى " من‬
‫شعراء اليمن المعاصرين من قصيدة بعنوان " أم يعرب " ‪:‬‬
‫على الرياح ينسج‬ ‫ج‬ ‫ُ‬
‫حيث الغبار األ ْه َو ُ‬
‫س ُج‬
‫ويستطيل العَ ْو َ‬ ‫وحيث تشْمخ الدُّ َمى‬
‫على القشور البُهْرج‬ ‫هناك حيث يَدَّعى‬
‫صحو الربى وت َ ْدلُ ُج‬ ‫جزيرة تطفو على‬
‫جـ ـ الرجز المشطور د وهو البيت الذى يتكون من ثالث تفعيالت فقط ‪ ،‬ويطرأ‬
‫على آخره كثير من التغييرات ‪.‬‬

‫‪ 1‬ديوان ‪ /‬كلنا عشاق ص ‪ / 38‬ابراهيم عيسى‬


‫‪60‬‬
‫ومنه قول " أبى النجم العجلى " فى ديوانه الذى نظمه فى أغلبه على إيقاع "‬
‫الرجز المشطور " يقول ‪:‬‬
‫أوصيك بابنتى فإنى ذاهب ُ ( مستفعلن متفعلن مستفعلن )‬
‫القرائب‬
‫ُ‬ ‫أوصيك أن تحمدك‬
‫الساغب‬
‫ُ‬ ‫والجار والضيف الكريم‬
‫وقد تنتهى األبيات بوزن مستفعل " أو ما يناظرها " " فعولن " ومنه قول " أبى‬
‫النجم العجلى " ‪.‬‬
‫فى مشرق أبلج كالدينار ( مستفعل )‬
‫كأنه إذ مال النحدار ( فعولن )‬
‫د ـ الرجز المنهوك د وهو ما يكون البيت فيه من تفعيلتين مثل قول شوقى على‬
‫لسان الجن ‪:‬‬
‫نحن بنو جهنما‬
‫نغلى كما تغلى دما‬
‫وقول محمود حسن اسماعيل من قصيدة بعنوان على ذراع الريح ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ على ذراع الريح ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ لى مخدع مريح ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وزورق جريح ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ شراعه حرق ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ وسبحه غرق ( ديوان قاب قوسين )‬
‫وفى األبيات السابقة جدد الشاعر فى إيقاع هذا البحر فالتفعيلة الثانية تنوعت‬
‫كاآلتى ‪- :‬‬
‫ب ـ متفع ‪.‬‬ ‫أ ـ مستفع ‪.‬‬
‫د ـ متف ‪.‬‬ ‫جـ ـ متفع ‪.‬‬
‫‪61‬‬

‫‪5‬ـ الرمل‬
‫أ ـ سبب التسمية د‬
‫قيل إن بحر " الرمل " سمى بهذا االسم ألنه شبه برمل الحصير يضم بعضه إلى‬
‫بعض ‪ .‬وكان العرب يطلقون هذا الوصف على الشعر الذي يوصف باضطراب‬
‫البناء والنقصان ‪ ،‬وكانوا يطلقونه على من يهز منكبيه ‪ ..‬ويسرع فى حركته ‪.‬‬
‫ب ـ تفاعيله د يتكون هذا البحر من ست تفعيالت وهى ‪:‬‬
‫( فاعالتن – فاعالتن – فاعالتن – فاعالتن – فاعالتن – فاعالتن )‬
‫‪ 1‬ـ تام ‪.‬‬ ‫جـ ـ أقسامه ‪ :‬ينقسم هذا البحر إلى قسمين ‪:‬‬
‫‪ 2‬ـ مجزوء ‪.‬‬
‫أوال – الرمل التام د ويجئ قالبه الوزنى فى ثالث صور ‪:‬‬
‫أ ـ العروض المحذوفة " فاعال " وتنقل إلى فاعلن ‪ ،‬والضرب الصحيح ومن هذا‬
‫الوزن قول إبراهيم ناجى من قصيدة بعنوان " فى ظالل الصمت " ‪.‬‬
‫من ثنايا السهل أصدا ٌء بعيد ْه‬ ‫سهْل ولكن أقبلت‬‫صمتَ ال َّ‬
‫تشتهى النفس به أن تستعيده‬ ‫كل لحن فى هدوء شامل‬
‫فاعالتن فاعالتن فاعالتن‬ ‫فاعالتن فاعالتن فاعلن‬
‫ب ـ العروض محذوفة والضرب مقصور على وزن فاعالت ‪ :‬فاعالتن فاعالتن‬
‫فاعلن فاعالتن فاعالتن فاعالت‬
‫ومن هذا القبيل قول ابراهيم ناجى " مصورا موقفه من الحياة " ‪:‬‬
‫ضحكة ساخرة هازلة وخيال تافه هذى الحياة‬
‫فاعالتن فعالتن فعلن فعالتن فاعالتن فاعالت‬
‫أن غدا أحقرها مال " وجاه "‬ ‫ذل فيها المال والجاه إلى‬
‫نحمد هللا على أنَّا بها لم نصن من ذلة إال الجباه‬
‫جـ ـ العروض محذوفة والضرب محذوف كذلك ‪ ،‬والوزن هكذا ‪ :‬فاعالتن فاعالتن‬
‫فاعالتن فاعالتن فاعلن‬ ‫فاعلن‬
‫ومن هذا القبيل قول الشاعر عمر أبى ريشة من قصيدة له بعنوان ‪ :‬عروس المجد‬
‫" الديوان ص ‪" 417‬‬
‫يا عروس المجد تيهى واسحبى فى مغانينا ذيول الشهب‬
‫لم تعطر ِبدِما ُح ٍر أبى‬ ‫لن ترى حفنة رمل فوقها‬
‫فاعالتن فعالتن فاعلن‬ ‫فاعالتن فعالتن فاعلن‬
‫ثانيا – الرمل المجزوء د وله أيضا ثالث صور فى قالبه الوزنى ‪ ،‬عروض واحدة‬
‫صحيحة وثالث أضرب ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ مسبغ "فاعالتان" ‪ 2.‬ـ صحيح " فاعالتن " ‪ 3 .‬ـ محذوف " فاعلن " ‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫ــ والصور الثالثة لوزن الرمل المجزوء هى ‪:‬‬
‫أ ـ العروض صحيحة مجزوءة والضرب " مسبغ " فاعالتان والتسبيغ هو " زيادة حرف ساكن‬
‫على ما آخره سبب خفيف نحو فاعالتن تنقل إلى " فاعالتان " ‪.‬‬
‫ومن ذلك قول الشاعر ‪:‬‬
‫سفَانْ‬
‫أربعا واســ ستخيرا ر ْبعًا بعَ ْ‬ ‫خليلى ْ‬
‫َّ‬ ‫يا‬
‫فاعالتــن فاعالتـــن فاعالتن فاعالتان‬
‫وهذا الوزن غير شائع ‪ ،‬ولكن يمكن النظم على إيقاعه ‪.‬‬
‫ب‪ -‬العروض صحيحة والضرب صحيح ‪ ،‬ومنه قول الشاعر محمود حسن اسماعيل من‬
‫قصيدة بعنوان " هكذا أغنى " ‪.‬‬
‫هكذا كنت أغنى‬ ‫إن تسل فى الشعر عنى‬
‫أو تشأ فارحل ودعنى‬ ‫إن تشأ فاسمع نشيدى‬
‫صلوات وتغنى‬ ‫هو من روحى لروحى‬
‫وهو احساسى الذى ينــــــــــــــــــــــــــــــــــــــساب كالجدول منى‬
‫فاعالتن فاعالتن‬ ‫فاعالتـــن فاعالتـــــن‬
‫ـ ومنه قول الشاعر عبد العزيز شرف من ديوانه ‪ :‬نهر من دموع‬
‫فى غالالت القرون‬ ‫إننى نهر وفاء‬
‫للحياة – للمنون‬ ‫بت حيران أغنى‬
‫بدموع ال تهون‬ ‫أغنيات باكيات‬
‫تنتهى فيها الشجون‬ ‫باحثات عن حياة‬
‫‪1‬‬
‫فليكن بعضى جنونا وليذب فيه الحنين( )‬
‫جـ ـ العروض صحيحة مجزوءة والضرب محذوف ومنه قول الشاعر ‪:‬‬
‫" قل من ينقاد للحقـ ـق ومن يصغى له "‬
‫وهذا الوزن غير شائع ‪ ،‬ولكن يمكن النظم عليه ‪.‬‬
‫وهناك لونان موسيقيان شاعا فى العصر الحديث ولم ينوه بهما علماء العروض القدامى وهما ‪:‬‬
‫أ ـ أن يكون الضرب على وزن فاعالت ‪.‬‬
‫ب ـ أن يكون الضرب على وزن فعالت ‪.‬‬
‫ـ ـ ومن األول قول شوقى فى مسرحية " مصرع كليوباترا "‬
‫ذكره فى األرض سار‬ ‫يومنا فى اكتيوما‬
‫اسألوا أسطول روما هل أذقناه الدمار‬
‫ـ ـ ومن الثانى قول شوقى أيضا فى مسرحية " مجنون ليلى "‬
‫وهزار الربوات‬ ‫قيس عصفور البوادى‬
‫وغمرت الفلوات‬ ‫طرت من واد لواد‬
‫فعالتن فعالت‬ ‫فاعالتن فاعالتن‬

‫‪ -1‬هنر من دموع ص ‪ 22‬د ‪ /‬عبد العزيز شرف‬


‫‪63‬‬

‫‪ 6‬ـ المتقارب‬
‫أوال – سبب التسمية د‬
‫سمى بذلك لتق ارب أوتاده ‪ ،‬ألن فيه ثمانية أوتاد يحجز بين كل وتدين سبب وقيل‬
‫سمى متقاربا لقلة حروفه ألنه مركب من فعولن الذى على خمسة أحرف والشئ‬
‫إذا قل وتقاصر تقارب أطرافه(‪)1‬‬
‫ثانيا – تفاعيله ‪ :‬يتكون هذا البحر من ثمانى تفعيالت وزنها " فاعلن " وهى‪:‬‬
‫( فعولن – فعولن – فعولن – فعولن فعولن – فعولن – فعولن – فعولن )‬
‫ثالثا – أقسامه د ينقسم هذا البحر إلى " تام ومجزوء " ‪.‬‬
‫( ‪ ) 1‬المتقارب التام د له عروض واحدة صحيحة ‪ ،‬ولها أضرب كاآلتى ‪:‬‬
‫( أ ) العروض صحيحة والضرب صحيح ‪ ،‬ومن هذا الوزن قول كاتب هذه‬
‫السطور من قصيدة بعنوان " الصدى " ‪.‬‬
‫ْ‬
‫نهرك‬ ‫تحفر‬
‫ُ‬ ‫صدر ْك وفى جبهة الغيم‬ ‫َ‬ ‫عهدتكَ تفت ُح للشمس‬
‫عمر ْك‬
‫َ‬ ‫األرض‬
‫ِ‬ ‫وتغرس فى دورة‬‫ُ‬ ‫وتمسكُ بالفأس والكونُ ضاحٍ‬
‫فعول فعولن فعولن فعولن‬ ‫فعول فعولن فعولن فعولن‬
‫فعول " ‪ ،‬ومن ذلك الوزن قول "‬ ‫ْ‬ ‫(ب) العروض صحيحة والضرب مقصور ‪" ،‬‬
‫عبد هللا البردونى من قصيدة بعنوان " نحن أدواءنا "‬
‫أَقُدَّامنا مرفأ ٌ يا قلو ْع‬ ‫فه ْل َخ ْلفَنَا شاط ٌ‬
‫ئ يا رياح‬
‫أماما وال نستطيع الرجو ْع‬ ‫وصلنا هنا ال نطيق المضى‬
‫ت نزو ْع‬ ‫ولم يبق فينا آل ٍ‬ ‫فلم يبق فينا لماض هوى‬
‫( جـ ) العروض صحيحة والضرب محذوف على وزن " فعو " ووزن البيت هكذا‬
‫فعولن ‪ .‬فعولن ‪ .‬فعولن ( فعو )‬ ‫( فعولن ‪ .‬فعولن ‪ .‬فعولن ‪ .‬فعولن‬
‫وعلى هذا الوزن يجئ قول ابراهيم ناجى ‪:‬‬
‫وأنك أنضر ما فى الربى‬ ‫سأكتب أنك أنت الربيع‬
‫وقول الشاعر ‪ /‬عبد هللا شرف من قصيدته ‪ :‬إلى أين‪:‬‬
‫وسارت خطاك إلى األسوأ‬ ‫توالت عليك خطوب الحياة‬
‫‪2‬‬
‫وودع حياتك أو فارجئ ( )‬ ‫فيا قلب ودع بقايا الرجاء‬
‫( د ) العروض صحيحة والضرب أبتر " فع " ‪ ،‬وهذا القالب من الوزن نادر ‪،‬‬
‫وليست له شواهد شعرية فى الشعر القديم إال القليل النادر ومن ذلك قول السيد‬
‫الحميرى – يصف عروسا تزف إلى اسماعيل بن عبد هللا بن العباس ‪:‬‬
‫وفوق رحالتها قُبَّ ْه‬ ‫أتتنا تزف على بغلة‬

‫‪ -1‬الواىف ىف علمى العروض والقواىف للعبيدى ص ‪506‬‬


‫‪ -2‬ديوان قراءة ىف صحيفة يومية ص ‪ 25‬عبد هللا شرف ‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫فال اجتمعا وبها الوجب ْه‬ ‫ملك ماجد‬
‫ف إلى ٍ‬‫تُز ُّ‬
‫ويقول د ‪ /‬ابراهيم أنيس عن النوع الرابع ‪ :‬إنه وإن صحت روايته لكنه انقرض ‪،‬‬
‫ولم يعد مما يطرقه الشعراء ‪ ،‬وواجبنا اآلن أال ننظم منه ‪.‬‬
‫( هـ ) المتقارب المجزوء ‪ :‬وياتى على صورتين ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬أن تكون العروض محذوفة والضرب محذوفا ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫وتذكر ما قد مضى‬ ‫أأحرم منك الرضا‬
‫لسلمى بذات الغضى‬ ‫أمن دمنة أقفرت‬
‫فعولن فعولن فعو‬ ‫فعولن فعولن فعو‬
‫و الثانية ‪ :‬أن تكون العروض محذوفة والضرب أبتر ‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫فما يقض يأتيك‬ ‫تعفف وال تبتئس‬
‫فعولن فعولن فع‬ ‫فعون فعولن فعو‬
‫وهذا اللونان من وزن " المتقارب " غير شائعين فى الشعر المعاصر والشعر‬
‫القديم ‪.‬‬
‫‪65‬‬

‫‪ "7‬المتدارك "‬
‫‪ 1‬ـ هذا البحر يسمى " الخبب " ‪ ،‬ويسمى " ركض الخيل "‪.‬‬
‫وكثير من المختصين بدراسة علم العروض ‪ ،‬قديما وحديثا يقولون " إن الخليل بن‬
‫أحمد الفراهيدى " لم يثبت هذا البحر فى تقنينه لقواعد علم العروض ‪ ،‬ثم جاء‬
‫األخفش واستدركه وأثبت تفاعيله ‪ ،‬وهذا الرأى ثبت أنه غير صحيح ‪ ،‬وقد ناقشت‬
‫هذه القضية سابقا ‪ ..‬حيث أثبت د ‪ /‬أحمد عبد الدايم فى تحقيقه لكتاب " العروض "‬
‫لألخفش ‪ ،‬أن األخفش لم يدع اختراعه لهذا البحر‪.‬‬
‫وبرغم ذلك فإن " نازك المالئكة " تقول فى معرض كالمها عن هذا البحر‬
‫والمعروف أن العرب لم يستعملوا هذا الوزن إال نادرا ‪ ،‬ولعل ذلك هو الذى جعل‬
‫الخليل ينساه فال يحصيه فى بحوره الخمسة عشر ‪ ،‬وإنما استدرك به األخفش‬
‫وسماه لذلك " المتدارك " وهذه نتيجة غير صحيحة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ من خصائص بحر المتدارك د‬
‫تقول " نازك المالئكة " ‪:‬‬
‫يتميز هذا الوزن بخفته وسرعة تالحق أنغامه ‪ ،‬وهذه الخفة وتلك السرعة تجعالنه‬
‫ال يصلح إال لألغراض الخفيفة الظريفة ‪ ،‬وإال لألجواء التصويرية التى يصح فيها‬
‫أن يكون النغم عاليا ‪ ،‬وإنما يثبت فيه هذه الصفة ما نراه من تقطع أنغامه ‪ ،‬فكأن‬
‫النغم يقفز من وحدة إلى وحدة ‪ ،‬وسبب ذلك أن " فعلن " تتألف من ثالث حركات‬
‫متتاليه يليها ساكن " وهو ما يسمى بالفاصلة الصغرى ‪ ،‬وهذا التوالى الذى يعقبه‬
‫سكون فى كل تفعيلة يسبغ على الوزن صفته الملحوظة فكأنه يقفز ‪ ،‬وذلك هو الذى‬
‫جعلهم يسمونه " ركض الخليل " " أحيانا "(‪)1‬‬
‫وليس كل ما قالته " نازك المالئكة " صحيحا ‪ ،‬فموسيقى هذا البحر ال تنحصر فى‬
‫التعبير عن األغراض الخفيفة الظريفة ‪ ،‬كما قالت صاحبة كتاب " قضايا الشعر‬
‫المعاصر " ‪ ،‬ألننا حين نـتأمل دواوين الشعراء المعاصرين نجد أن موسيقى هذا‬
‫البحر هى األكثر شيوعا وسيطرة على إيقاع القصائد ‪.‬‬
‫وتجارب الشعراء المحدثين مكثفة وتجنح إلى الرمز واإليغال وتنآى فى معظمها‬
‫عن األغراض الخفيفة الظريفة ‪ .‬حيث تتسم تجارب الشعر " الحر " بالغموض ‪،‬‬
‫والتكثيف ‪ ،‬والغوص وراء الحقائق ‪ ،‬والبعد عن المباشرة والتقريرية ‪.‬‬
‫‪ ‬ويمكن أن نقول‪ :‬إن موسيقى هذا البحر الواثبة ‪ ،‬تناسب سرعة اإليقاع فى‬
‫هذا العصر ‪ ،‬وهى أيضا انعكاس لشدة االنفعال ‪ ،‬وتأجج العاطفة وتوقدها‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬قضااي الشعر املعاصر ‪ ،‬ص ‪ " 133 ، 132‬انزك املالئكة "‬
‫‪66‬‬
‫‪ 3‬ـ تفاعيل هذا البحر وتشكيالته الموسيقية د‬
‫ي تكون البيت الشعرى المنظوم على هذا البحر من ثمانى تفعيالت وهى‬
‫( فاعلن – فاعلن – فاعلن – فاعلن فاعلن – فاعلن – فاعلن – فاعلن )‬
‫أعاريضه وأضربه د‬
‫‪ 2‬ـ المتدارك‬ ‫ينقسم هذا البحر إلى قسمين ‪ 1 :‬ـ المتدارك التام ‪.‬‬
‫المجزوء ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ المتدارك التام د ويأتي على صورة واحدة وهى ‪:‬‬
‫أ ـ العروض صحيحة " فاعلن " ‪ ،‬والضرب صحيح مثلها " فاعلن " مثل قول‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫باألثر‬
‫ْ‬ ‫علم سوى أخذِه‬ ‫فض َل ٍ‬ ‫غب ْر‬ ‫لم يَدَ ْع َم ْن مضى للذى قد َ‬
‫فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن‬ ‫فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن‬
‫وهذه الصورة نادرة الوجود فى الشعر العربى – وأعتقد أن هذا المثال مصنوع‬
‫للبرهان على صحة القاعدة ‪:‬‬
‫ألن تفعيلة بحر المتدارك لم ترد فى الشعر العربى القديم إال على صورتين " فعلن‬
‫أو فعلن وقصيدة " الحصرى خير شاهد على ذلك ‪.‬‬
‫يقول ‪:‬‬
‫أقيا ُم الساع ِة موعدُه‬ ‫ب متى غدُه‬ ‫ص ُّ‬‫يا لي ُل د ال َ‬
‫للبين يُ َر ِددُه‬
‫ِ‬ ‫ف‬‫س ٌ‬‫أَ َ‬ ‫وأرقَه‬‫َّ‬ ‫ار‬
‫س َّم ُ‬‫رقد ال ُّ‬
‫مما يرعاه ويرصده‬ ‫وأرقه‬ ‫فبكاه النجم‬
‫فعلن فعلن فعلن فعلن‬ ‫فعلن فعلن فعلن فعلن‬
‫‪ 2‬ـ المتداك المجزوء د ويأتى فى ثالث صور ‪:‬‬
‫أ ـ العروض مجزوءة صحيحة ‪ ،‬والضرب مثلها صحيح مثل قول الشاعر‪:‬‬
‫والد َم ْن‬
‫بين أطاللها ِ‬ ‫قف على دارهم وا ْب ِكيَ ْن‬ ‫ْ‬
‫فاعلن فاعلن فاعلن‬ ‫فاعلن فاعلن فاعلن‬
‫ب ـ العروض مجزوءة صحيحة والضرب " مذال " ( فاعالن ) مثل قول الشاعر‪:‬‬
‫أم كتاب محته الدهور‬ ‫هذه دارهم أقفرت‬
‫فاعلن فاعلن فاعالن‬ ‫فاعلن فاعلن فاعلن‬
‫جـ ـ العروض مجزوءة صحيحة والضرب مخبون مرفل " فعالتن " مثل قول‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫الملوان‬
‫ِ‬ ‫قد كساها البلى‬ ‫عمان‬
‫ِ‬ ‫دار سعدى بشحر‬
‫فاعلن فاعلن فعالتن‬ ‫فاعلن فاعلن فعالتن‬
‫ويالحظ أن األمثلة فى البحر " المتداك المجزوء مصنوعة " ولكن يمكن النظم‬
‫على مثالها ‪ ،‬شريطة أن تكون لها مقوماتها الفنية والشعورية ‪.‬‬
‫‪67‬‬
‫وهذا التكلف فى وضع األمثلة ناشئ من قلة النتاج الشعرى القديم المنظوم على هذا‬
‫البيت ‪ ،‬وهذه الندرة ترجع إلى أن " موسيقى هذا الوزن – كما يقول د‪ /‬على‬
‫عشرى زايد – على قدر واضح من االضطراب بطبيعتها ‪ ،‬وقريبة من النثرية ‪،‬‬
‫وقد شاع هذا الوزن شيوعا كبيرا فى نتاج الشعر المعاصر ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وكثير ما ينزلق هذا الوزن بالشعراء إلى لون من النثرية والركاكة الموسيقية( ) "‬
‫‪ .‬ولكن ليس كل ما ينظم على موسيقى هذا البحر يكون ركيك اإليقاع ‪.‬‬
‫والنموذجان اآلتيان يجسدان موسيقى هذا البحر المؤثرة المصورة للشعور يقول‬
‫الشاعر " ميخائيل نعيمه فى مطلع قصيدته " صدى األجراس "‬
‫سرحتْ تستفسر آثارى‬ ‫باألمس جلستُ وأفكارى‬
‫أمال أن تدرك أسرارى‬ ‫وترود الحاضر والماضى‬
‫سك ََر أحالمى‬ ‫تستعرض ع ْ‬ ‫ص َطفَّتْ حولى أيامى‬ ‫وا ْ‬
‫‪2‬‬
‫وتقود خطاها أوهامى( )‬ ‫فمشت أحالمى تخفرها‬
‫ويقول ‪ " :‬عبد هللا البردونى " من قصيدته " آخر جديد " ‪:‬‬
‫يعرف مهال‬
‫ْ‬ ‫مجنونٌ لم‬ ‫ق‬
‫صنى قل ٌ‬ ‫واليوم تق َّم َ‬
‫ُ‬
‫تستاق العاصفة الرمال‬ ‫فتقاذفنى التجوا ُل كما‬
‫وزقاقا هرما منحال‬ ‫فعبرت زقاقا مأهوال‬
‫لوجوه لم تحمل ش ْكال‬ ‫وترابا ينس ُج أقنعةً‬
‫حيًّا وأعيد صدًى ولَّى‬ ‫صدًى‬ ‫أعب َ‬
‫ُّ‬ ‫وهناك جثوتُ‬
‫‪3‬‬
‫والظال( )‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫كتفى الخضرة‬
‫َّ‬ ‫الباب فمدَّ على‬
‫ُ‬ ‫ورآنى‬

‫‪ 1‬انظر مقدمة ديوان " شجرة احللم للشاعر د‪ /‬حسني على حممد تقدمي د‪ /‬على عشرى زايد ‪.‬‬
‫‪ 2‬ديوان " مهس اجلفون " ‪ /‬ميخائيل نعيمه ص ‪. 40‬‬
‫‪ -3‬ديوان " مدينة الغد " ‪ /‬عبد هللا الربدوىن ص ‪. 72‬‬
‫‪68‬‬

‫‪ "8‬البسيط "‬
‫أ ـ سبب التسمية د‬
‫سمى البسيط بهذا االسم ألنه – كما يقول الخليل – انبسط عن مدى الطويل ‪ ،‬وجاء‬
‫وسطه " فعلن " وآخره " فعلن " ‪.‬‬
‫ب ـ من الخصائص الموسيقية لهذا البحر د‬
‫إن طبيعة هذا البحر " اإليقاعية " كما يرى بعض النقاد " تتفق مع الشجن ‪،‬‬
‫والتذكر والحنين ‪ ،‬وهو يكثر فى الشعر الفصيح والشعبى ‪ ،‬بل يجئ فى مقدمة‬
‫البحور التى يستعملها الشعراء ‪ ،‬والمالحظ بصفة عامة كثرة استعماله فى الشعر‬
‫العربى بمصر ‪ ،‬وقد تنبه لهذا " أحمد أمين فى كتابه " النقد األدبى ‪ ،‬فقال أكثر‬
‫األغانى البلدية المصرية من بحر " البسيط " ‪.‬‬
‫كما نالحظ هذه الكثرة فى الشعر الدينى وبخاصة ما قيل منه فى مصر ‪ ،‬ولعل مما‬
‫يساعد على انبساط الحركات فى عروضه وضربه إذا خبنا ‪ ،‬أو النبساط األسباب‬
‫فى أوائل أجزائه السباعية على نحو ما رأى الزجاج ‪ ،‬ونعلل لهذا بطواعية هذا‬
‫البحر لظاهرة اإلنشاد ‪ ،‬وبخاصة اإلنشاد الدينى ‪ ،‬فهو يعطى التموج واالنسيابية ‪،‬‬
‫واإليقاع الذى يعطى النفس حالة من حاالت السمو والصفاء "(‪)1‬‬
‫جـ ـ تفعيل البحر البسيط ثمان وهى د ( مستفعلن – فاعلن – مستفعلن – فاعلن‬
‫مستفعلن – فاعلن – مستفعلن – فاعلن )‬
‫ـ‬ ‫د ـ أقسامه د ينقسم البحر البسيط إلى ثالثة أقسام ‪ 1 :‬ـ تام ‪ 2.‬ـ مجزوء ‪3 .‬‬
‫مخلع ‪.‬‬
‫القسم األول – البسيط التام د‬
‫وله عروض واحدة " مخبونة وضربان وبذلك تتشكل تفاعليه من صورتين "‬
‫األولى ‪ :‬تأتى تفاعيل البحر فيها على هذه الصورة ‪.‬‬
‫العروض تامة مخبونة ‪ :‬والضرب مثلها تام مخبون ( فعلن ) مثل قول الشاعر "‬
‫أبو تمام " ‪.‬‬
‫فى حده الحد بين الجد واللعب‬ ‫السيف أصدق أنبا ًء من الكتب‬
‫وتقطيع البيت هكذا ‪:‬‬
‫فى حده الحد بين الجد واللعب‬ ‫السيف أصـــدق أنبا ًء من الكتب‬
‫مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن‬ ‫مستفعلن فعلن مستفعلن فعلن‬
‫وفى إطار هذا التشكيل يقول الشاعر ‪ :‬يس الفيل فى قصيدة له‬
‫أنصرف ؟‬
‫ُ‬ ‫وكيف عنك إذا ما شئت‬ ‫ترتجف ؟‬
‫ُ‬ ‫إلى متى أنت فى جنبى‬

‫‪ -1‬انظر " دراسات ىف النص الشعرى " ‪ ،‬ص ‪ ، 72‬د‪ /‬عبده بدوى ‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫وأنت مأساته تهتز أم تقف ؟‬ ‫وكيف أنجو وعمرى أنت فرحته ؟‬
‫بى الظنون أدمى هدأتى صلف‬ ‫وأنت واحة أحالمى إذا عصفت‬
‫وتستبيح سباتا منه أغترف(‪)1‬‬ ‫ترتد بـــــــى لزمان بات ينكرنى‬
‫** الثانيةد‬
‫العروض تامة مخبونة والضرب مقطوع "فعلن" ومن ذلك قول الشاعر محمود‬
‫حسن إسماعيل ‪:‬‬
‫موار‬
‫ُ‬ ‫لديك إال أسى فى القلب‬ ‫يا فرحة العيد مالى ال يساورنى‬
‫أسرار‬
‫ُ‬ ‫من األسى غلفت معناه‬ ‫ال تسأل الشعر عنها فهى ملحمة‬
‫وأشعـــــــــــــــــار‬
‫ُ‬ ‫فما تفيد أناشيد‬ ‫صوفية شرقت فى السمت حكمتها‬
‫القسم الثانى – البسيط المجزوء د‬
‫ويأتى فى ثالث صور د‬
‫األولى ‪ :‬العروض مجزوءة صحيحة " مستفعلن " والضرب مثلها صحيح ومن‬
‫ذلك قول الشاعر القديم ‪:‬‬
‫مخلولق دارس مستعجم‬ ‫ماذا وقوفى على ربع خال‬
‫مستفعلن فاعلن مستفعلن‬ ‫مستفعلن فاعلن مستفعلن‬
‫وهذه الصورة من موسيقى بحر البسيط نادرة الوجود فى شعرنا القديم والحديث ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬العروض مجزوءة صحيحة والضرب مذال " مستفعالن " ومنه قول‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫وسائال لم يعف ذل السؤال‬ ‫يا طالبا فى الهوى ماال ينال‬
‫مستفعلن فاعلن مستفعالن‬ ‫مستفعلن فاعلن مستفعالن‬
‫الثالثة ‪ :‬العروض مجزوءة صحيحة والضرب مقطوع " مفعولن " ومنه قول‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫عن عاجل كله متروك‬ ‫ما أطيب العيش إال أنه‬
‫وال طريق له مسلوك‬ ‫والخير مسدودة أبوابه‬
‫متفعلن فاعلن مفعولن‬ ‫مستفعلن فاعلن مستفعلن‬
‫القسم الثالث د " مخلع البسيط "‬
‫وفى هذا اللون من األلوان الموسيقية لبحر البسيط تكون العروضه مقطوعة‬
‫والضرب مقطوع أيضا وتفاعيله هكذا ‪:‬‬
‫مستفعلن فاعلن فعولن مستفعلن فاعلن فعولن‬
‫ــ ومنه قول الشاعر ‪ /‬محمود حسن اسماعيل ‪:‬‬
‫والسحر والعطر والجمال‬ ‫مسافر زاده الخيال‬
‫مستفعلن فاعلن فعولن‬ ‫مستفعلن فاعلن فعولن‬
‫وشيبت عمرها الجبال‬ ‫شابت على أرضه الليالى‬

‫‪ -1‬ديوان ‪ /‬امليالد وحكاايت اخلريف ص ‪ 112‬يس الفيل ‪.‬‬


‫‪70‬‬
‫ــ ويمكن أن يضاف إلى البسيط نوع رابع وهو ‪ " :‬مشطور البسيط " د (‬
‫مستفعلن فاعلن )‬
‫ويعد هذا الوزن من األوزان المستحدثة فى الشعر العربى المعاصر ‪ ،‬ومن ذلك‬
‫قول شوقى فى وصف " الخمر " ‪:‬‬
‫فهى وجــــود عدم‬ ‫طـــال عليها القــدم‬
‫وانبعثت فى الهرم‬ ‫قد وئدت فى الصبا‬
‫كرمتها من كـــــرم‬ ‫بالــغ فـرعون فــى‬
‫تقدمــــة للصنــــــم‬ ‫أهـــرق عـنقودهــا‬
‫ناحيـــــة فى الهرم‬ ‫خــبأهــــا كاهـــــن‬
‫مستفعلن فاعلــــــن‬ ‫مستفعلــــن فاعلــن‬
‫*****‬
‫‪71‬‬

‫‪ "9‬الطويل "‬
‫أ ـ سبب التسمية د قيل إن بحر الطويل سمى بهذا االسم ألنه " طال بتمام أجزائه‬
‫"‪.‬‬
‫ب ـ من الخصائص الموسيقية لهذا البحر د‬
‫إن هذا البحر يشيع فى الشعر العربى القديم بصورة كبيرة – فهو " بحر يلقى ظله‬
‫– كما يقال على ثلث الشعر القديم ‪ ،‬ويشتمل على ثمان وعشرين مقطعا ‪ ،‬ومن‬
‫المعروف أنه هو والبسيط من أطول البحور وأحفلها بالجالل والرصانة والعمق ‪،‬‬
‫ومن المالحظ أن بحر الطويل يعطى إمكانيات للسرد ‪ ،‬وللبسط القصصى ‪،‬‬
‫والعرض الدرامى ‪ ،‬ولهذا نجده يكثر فى أشعار السير والمالحم واحتواء األساطير‬
‫‪.‬‬
‫والمعانى الجادة – كما يرى ابن العميد – ال تؤدى إال بنفس طويل ‪ ،‬وال تتالءم إال‬
‫مع األعاريض الطويلة "(‪. )1‬‬
‫ويمكن أن نفسر ظاهرة قلة نظم الشعراء المعاصرين على البحر " الطويل "‬
‫وانهيار نسبة هذا البحر فى العصر الحديث كما يقول د‪ /‬ابراهيم أنيس ‪ ،‬حيث قد‬
‫مضى زمانه ولم تعد له المنزلة األولى التى ألفناها فى أشعار القدماء ‪.‬‬
‫يرجع ذلك إلى ندرة فن المالحم وفن السير الشعرية ‪ ،‬والقصائد الملحمية فى‬
‫العصر الحديث ‪ ،‬وبرغم ذلك فالبحر لم ينقرض ومازالت أمواجه متدفقة ‪.‬‬
‫جـ ـ تفاعيل البحر " الطويل " د ( فعولن‪ -‬مفاعيلن‪ -‬فعولن‪ -‬مفاعيلن‬
‫فعولن – مفاعيلن – فعولن – مفاعيلن )‬
‫ــ وتتشكل صورته الموسيقية فى ثالثة أشكال د‬
‫‪ 1‬ـ الشكل األول ‪:‬‬
‫أ ـ العروض مقبوضة " دائما " ( مفاعلن ) والضرب مقبوض مثلها ‪:‬‬
‫( فعلون – مفاعيلن – فعولن – مفاعلن فعولن – مفاعيلن – فعولن – مفاعلن )‬
‫ومنه قول المتنبى ‪:‬‬
‫وتأتى على قدر الكرام المكارم‬ ‫على قدر أهل العزم تأتى العزائم‬
‫فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن‬ ‫فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن‬
‫‪ 2‬ـ الشكل الثانى د‬
‫العروض مقبوضة والضرب صحيح " مفاعيلن " ومنه قول أبى تمام مفتخرا ‪:‬‬
‫البدر‬
‫ُ‬ ‫إذا الشمس لم تغرب فال طلع‬ ‫وقالتد أتنس البدر قلتد ت َ َجلُّدًا‬
‫الصخر‬
‫ُ‬ ‫مدى اللين إال أن أعراضنا‬ ‫بالعطاء فجاوزت‬
‫ِ‬ ‫األكف‬
‫َّ‬ ‫ألنَّا‬

‫‪ -1‬انظر " دراسات ىف النص الشعرى ص ‪ " ، 128 ، 116‬د‪ /‬عبده بدوى ‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫نسب يدنيه منا وال صهر‬ ‫ٌ‬ ‫وال‬ ‫كأن عطايانا يناسبن من أتى‬
‫فأزينُ منها عندنا الحمد والشكر‬ ‫إذا زينة الدنيا من المال أعرضت‬
‫ويالحظ أن أبا تمام قد غير " مفاعيلن " فى حشو البيت إلى " مفاعلن " ‪ ،‬ومع أن‬
‫هذا التغيير مقبول عند العروضيين وورد فى شعر القدامى – لكن د‪ /‬إبراهيم أنيس‬
‫يستقبح هذا التغيير فى مفاعيلن وتحويلها إلى مفاعل فى حشو البيت ويقول عنها ‪:‬‬
‫" فهى صورة نادرة ال تستريح إليها اآلذان ‪ ،‬وقد رويت فى بعض أبيات الشعر‬
‫القديم ‪ ،‬ولكننا ال نكاد نراها فى شعر حديث ‪.‬‬
‫وحاول د‪ /‬إبراهيم أنيس أن يغير من رواية األبيات التى جاء فيها هذا التغيير ‪،‬‬
‫وهو تغيير ليس بالقليل حسب اإلحصاء الذى أورده ‪.‬‬
‫فقد وردت " مفاعلن " فى معلقة امرئ القيس عشر مرات ‪،‬وفى معلقة " زهير "‬
‫أربع مرات‪ ،‬وفى معلقة " طرفه " ثمانى مرات ‪.‬‬
‫وفسر ذلك بأنه " لعل انحرافا فى رواية المعلقات هو الذى جاءنا بتلك الحاالت‬
‫التى رويت فى شعر الجاهليين "(‪)1‬‬
‫وأبو تمام يأتى بها فى العصر العباسى وال يشعر بحرج ‪ ،‬وال اضطراب موسيقى‬
‫فى قوله ‪:‬‬
‫مدى اللين إال أن أعراضنا الصخر‬ ‫ألنا األكف بالعطاء فجاوزت‬
‫فعولن مفاعلن فعولن مفاعيلن‬ ‫فعولن مفاعلن فعولن مفاعلن‬
‫ويقول أبو تمام من قصيدة أخرى ‪:‬‬
‫‪2‬‬ ‫ٌ‬
‫غيوث هوام ٌع سيو ٌل دواف ُع ( )‬ ‫ع‬
‫نجو ٌم طوال ٌع جبا ٌل فوار ُ‬
‫فعولن مفاعلن فعولن مفاعلن فعولن مفاعلن فعولن مفاعلن‬
‫فالشاعر هنا استخدم " مفاعلن " فى حشو البيت مرتين فى بيت واحد ‪ ،‬وجاءت‬
‫العروض على الوزن نفسه " مفاعلن " ‪ ،‬والضرب جاء على الوزن نفسه "‬
‫مفاعلن " ومع ذلك لم نشعر باضطراب موسيقى ‪ ،‬بل حسن التقسيم عند أبى تمام ‪،‬‬
‫أو لجوؤه إلى فن الترصيع صبغ البيت بصبغة موسيقية زاهية متموجة ‪.‬‬
‫وهذه الدالئل تجعلنا نقبل " مفاعل نفى حشو البيت وال نرفضها ‪ ،‬وال نتهم أشعار‬
‫األقدمين بضعف الرواية وفسادها ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الشكل الثالث د‬
‫العروض مقبوضة " مفاعلن " والضرب محذوف " مفاعى " وينقل إلى " فعولن "‬
‫ـ ومنه قول أبى فراس الحمدانى يخاطب سيف الدولة ‪:‬‬
‫تراب‬
‫ُ‬ ‫وكل الذى فوق التراب‬ ‫ص َّح منكَ الودُّ فالك ُّل هينٌ‬
‫إذا َ‬
‫خراب‬
‫ُ‬ ‫وبينى وبين العالمين‬ ‫عامر‬
‫ٌ‬ ‫فياليت ما بينى وبينك‬
‫* ويقول ابن زيدون ‪:‬‬

‫‪ -1‬انظر " موسيقى الشعر " ص ‪ ، 61 ، 60‬د‪ /‬ابراهيم أنيس ‪.‬‬


‫‪ -2‬انظر ديوان أىل متام بشرح التربيزى ص ‪ 586‬اجمللد الرابع ‪ ،‬دار املعارف مبصر ‪ ،‬حتقيق حممد عبده عزام ‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫فما ضره أن طن فيه ذباب‬ ‫إذا راق حسن الروض أوفاح طيبه‬
‫فأنت الشراب العذب وهو سراب‬ ‫وان يك فى أهل الزمان مؤمل‬
‫مناب‬
‫ُ‬ ‫جميع الـ‪ /‬خصال ليــ‪ /‬س عنهُ ‪/‬‬ ‫ينوب ‪ /‬عن ال ُمدَّا‪/‬ح ِم ِّن‪/‬ى واحدٌ‬
‫ُ‬
‫فعول‪ /‬مفاعيلن‪ /‬فعول ‪ /‬مفاعلن فعولن ‪ /‬مفاعلن ‪ /‬فعولن ‪ /‬مفاعى‬
‫ونالحظ أن ابن زيدون جاء فى حشو البيت بالتفعيلة " مقبوضة " " مفاعلن " مما‬
‫يشير إلى أن هذا التغيير جائز مستساغ فى موسيقى البحر " الطويل "‬
‫****‬
‫‪74‬‬

‫‪ "10‬المديد "‬
‫أوال – سبب التسمية د‬
‫يقول " الخليل بن أحمد " مفسرا سر تسمية هذا البحر بهذا االسم ‪ ...‬إنه سمى بذلك‬
‫لتمدد سباعيه حول خماسيه ‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أن " المديد يتكون من تفعيلتين مكررتين فى أصل تكوين البحر " أربع‬
‫مرات وهما " فاعالتن فاعلن " ‪.‬‬
‫وتتكون التفعيلة األولى من سبعة أحرف ‪ ،‬والثانية تتكون من " خمسة أحرف "‬
‫فالمقصود " بسباعيه " " فاعالتن " التى تتكرر وتحصر فى تكرارها وتحصر فى‬
‫تكرارها التفعيلة الخماسية " فاعلن " التى تتكون من خمسة حروف ‪.‬‬
‫ثانيا – أجزاء " المديد " د‬
‫يتكون المديد من ثمانى تفعيالت كما جاء فى كتاب " عروض الورقة " وهى ‪:‬‬
‫فاعالتن فاعلن فاعالتن فاعلن‬ ‫" فاعالتن فاعلن فاعالتن فاعلن‬
‫ثالثا – التشكيالت العروضية وموقف النقاد من موسيقى هذا البحر د‬
‫وقع خالف بين العلماء حول تشكيالت هذا البحر العروضية ‪.‬‬
‫فالجوهري صاحب كتاب " عروض الورقة " يذهب إلى أن هذا البحر قد يأتى تاما‬
‫كامال وعبر عن ذلك بقوله " مثمن محدث " أى مكون من ثمانى تفعيالت – وما‬
‫ورد من أشعار فى ذلك هى أشعار محدثة قيلت فى عصره ‪..‬وليست أشعارا قديمة‬
‫‪ ،‬وقد أورد بيتا واحدا ولم ينسبه لقائله وهو ‪:‬‬
‫قد برانى ‪ /‬إذ بدا ‪ /‬بين حور ‪ُ /‬خ َّرد ( )‬
‫‪1‬‬
‫من لقلب ‪ /‬هائم ‪ /‬فى غزال ‪ /‬ناعم‬
‫فاعالتن ‪ /‬فاعلن ‪ /‬فاعالتن ‪ /‬فاعلن‬ ‫فاعالتن ‪ /‬فاعلن ‪ /‬فاعالتن ‪ /‬فاعلن‬
‫وهذا المثال مصنوع لكى تصح القاعدة التى تقول بمجئ البحر المديد تاما –‬
‫فالصورة الغالبة على هذا البحر أن ياتى مسدسا أى مكونا من ست تفاعيل ‪ ..‬كما‬
‫قال صاحب كتاب " الكافى فى علمى العروض والقوافى " حيث يقول فى معرض‬
‫كالمه عن " المديد " ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫وأجزاؤه " فاعالتن فاعلن أربع مرات " " مجزوءا وجوبا " ( ) ومعنى ذلك أن‬
‫التفعيلة األخيرة من الشطر األول ومن الشطر الثانى تحذف ‪ ..‬فيصبح البيت فى‬
‫صورته المعهودة مكونا من ست تفعيالت على هذا النحو ‪:‬‬
‫فاعالتن فاعلن فاعالتن‬ ‫فاعالتن فاعلن فاعالتن‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬عروض الورقة ‪ /‬تصنيف ابن نصر امساعيل بن محاد اجلوهرى ‪ /‬حتقيق وتقدمي د‪ /‬صاحل مجال بدوى ‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر الكاىف ىف علمى العروض والقواىف " ألىب العباس أمحد بن شعيب القنائى " حتقيق وتعليق د‪ /‬حممد عبد‬
‫املنعم خفاجى ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫وقد استثقل العروضيون القدامى موسيقى هذا البحر وأرجعوا ندرة المنظوم من‬
‫هذا البحر إلى ثقل موسيقاه ‪ ،‬وبعض النقاد المحدثين وقع فى أسر هذا الحكم وقال‬
‫" إن هناك بحورا متدفقة النغم ألفها الشعراء واستراحت لنغماتها اآلذان وعنى بها‬
‫الشعراء على وجه الخصوص فى الشعر القديم وهى ‪ " :‬الطويل – الكامل –‬
‫البسيط – الوافر – الخفيف "‪.‬‬
‫وعلى النقيض من ذلك فإن بحر المديد نادر فى الشعر وال توجد له سوى أبيات‬
‫معدودة " (‪)1‬‬
‫ونفهم من منطوق هذا الحكم أن " المديد " غير متدفق النغم ‪ ،‬ولم يألفه الشعراء‬
‫ولم تسترح لنغماته اآلذان ‪ ،‬ولم يُعَنَ به الشعراء ‪ !!! ...‬وهذا حكم فيه من التعميم‬
‫ما يبعده عن الدقة ‪ ،‬وما يقربه من التبعية لألحكام التقليدية الجاهزة ‪.‬‬
‫وقد كان د‪ /‬ابراهيم أنيس أدق حكما وأصوب رأيا ‪ ..‬حين تساءل فى دهشة مسنكرا‬
‫موقف العروضيين من موسيقى " المديد " هذا بحر اعترف أهل العروض بقلة‬
‫المنظوم منه ‪ ،‬وعللوا هذا فى بعض كتبهم بأن فيه ثقال !‪.‬‬
‫وال أدرى ماذا عنوا بالثقل ونحن نشعر بانسجام موسيقاه ‪ ،‬وال نرى فيها ما فى‬
‫المنسرح مثال من بعض االضطراب ‪ ،‬وفى الحق أن هذا البحر يستحق دراسة‬
‫خاصة فى ضوء بحر الرمل فربما أمكن نسبة ما نظم منه إلى بحر الرمل ‪ ،‬مع‬
‫شرح ما فيه من تغير أو تحور جعله يباين الرمل فى تفاعيله " (‪)2‬‬
‫وعلى الرغم من ندرة المنظوم على موسيقى هذا البحر فإن موسيقاه عذبة سلسلة‬
‫مستساغة وليست ثقيلة نابية ‪.‬‬
‫ولنتأمل قول حافظ ابراهيم ‪:‬‬
‫السهر‬
‫ِ‬ ‫قد سها من شدة‬ ‫ما لهذا النجم فى السحر‬
‫فاعالتن فاعلن فعلن‬ ‫فاعالتن فاعلن فعلن‬
‫السحر‬
‫ِ‬ ‫مؤنس‬
‫ُ‬ ‫إن جفانى‬ ‫ِخ ْلتُه يا قو ُم يؤنسنى‬
‫فاعالتن فاعلن فعلن‬ ‫فاعالتن فاعلن فعلن‬
‫رابعا ‪ :‬وأما التشكيالت العروضية التى يتشكل من خاللها هذا البحر فى صورته‬
‫التراثية فهى تأتى مكونة من ثالث أعاريض وستة أضرب على هذا النحو ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ العروض األولى صحيحة وضربها صحيح ومثال ذلك قول أبى العتاهية ‪:‬‬
‫قرار‬
‫ُ‬ ‫لمقيم‬
‫ٍ‬ ‫ليس فيها‬ ‫لدار‬
‫إن دارا نحن فيها ُ‬
‫ويمكن تقطيع البيت هكذا ‪:‬‬
‫ليس فيها لمقيم قرار‬ ‫إن دارا نحن فيها لدار‬
‫فاعالتن فعلن فاعالتن‬ ‫فاعالتن فاعلن فاعالتن‬
‫‪ 2‬ـ العروض الثانية " محذوفة " " فاعلن " عوض " فاعال " ولها ثالثة أضرب ‪:‬‬

‫‪ 1‬التجديد املوسيقى ىف الشعر العرىب د‪ /‬رجاء عيد ص ‪ – 8 ( 46‬موسيقى الشعر العرىب )‬


‫‪ 2‬موسيقى الشعر د‪ /‬ابراهيم أنيس ص ‪. 99 – 98‬‬
‫‪76‬‬
‫جـ ـ أبتر ‪.‬‬ ‫ب ـ مقصور ‪.‬‬ ‫أ ـ ضرب محذوف مثلها ‪.‬‬
‫( أ ) العروض محذوفة والضرب محذوف مثلها ومثال ذلك قول الشاعر ‪:‬‬
‫رب مطلوب غدا طالبا‬ ‫عاتب ظلت له عاتبا‬
‫كيف أعصى القدر الغالبا‬ ‫فالهوى لى قدر غالب‬
‫وتقطيع البيت األول هكذا‬
‫رب مطلوب غدا طالبا‬ ‫عاتب ظلت له عاتبا‬
‫فاعالتن فاعلن فاعال‬ ‫فاعالتن فعلن فاعال‬
‫والضرب " طالبا " على وزن فاعال‬ ‫فالعروض " عاتبا " على وزن فاعال‬
‫( ب ) العروض محذوفة والضرب مقصور ‪ ( ..‬فاعال – فاعالت ) ‪.‬‬
‫ومثال ذلك قول الشاعر ‪:‬‬
‫التئام‬
‫ِ‬ ‫ولشعب شت بعد‬ ‫تأسيكَ لدار خلت‬
‫ما ِ‬
‫المنام‬
‫ِ‬ ‫ضلة مثل حديث‬ ‫إنما ذكرك ما قد مضى‬
‫وتقطيع البيت األول هكذا ‪:‬‬
‫ولشعب شت بعد التئام‬ ‫ما تأسيك لدار خلت‬
‫فعالتن فاعلن فاعالت‬ ‫فاعالتن فعلن فاعال‬
‫فالعروض هنا " رخلت " على وزن فاعال ‪ .‬والضرب ( د التئام ) على وزن "‬
‫فاعالت " ونقلت التفعيلة إلى فاعالن ‪.‬‬
‫(جـ ) العروض محذوفة والضرب أبتر " فاعلن – فعلن "‬
‫ومثال ذلك قول الشاعر ‪:‬‬
‫ان‬‫س ِ‬
‫سو َ‬‫مستنيرا بين ُ‬ ‫أى ورد فوق خد بدا‬
‫ومرجان‬
‫ِ‬ ‫صيغ من در‬ ‫شادن يعبد فى روضة‬
‫وتقطيع البيت الثانى هكذا د‬
‫صيغ من در ومرجان‬ ‫شادن يعبد فى روضة‬
‫فاعالتن فاعلن فاعل‬ ‫فاعالتن فعلن فاعلن‬
‫فالعروض محذوفة على وزن " فاعال " روضة ‪ ،‬والضرب أبتر على وزن " فعلن‬
‫" " جانى " ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ العروض الثالثة " محذوفة مخبونة " ولها ضربان ‪ :‬أ ـ ضرب محذوف‬
‫ب ـ ضرب أبتر ‪.‬‬ ‫مخبون ‪.‬‬
‫( أ ) العروض محذوفة مخبونة والضرب مثلها محذوف مخبون ‪.‬‬
‫ومثال ذلك قول الشاعر " عباس محمود العقاد " فى ديوانه " عابر سبيل " من‬
‫قصيدة بعنوان " قرش معقول " ‪:‬‬
‫عجبا فى حبه الخطر‬ ‫إن أحبوا القرش لم يجدوا‬
‫جعلوه طرفة السمر‬ ‫فإذا ما الطفل هام به‬
‫وتقطيع البيت األول هكذا د‬
‫عجبا فى حبه الخطر‬ ‫إن أحبوا القرش لم يجدوا‬
‫‪77‬‬
‫فعالتن فاعلن فعال‬ ‫فاعالتن فاعلن فعال‬
‫فالعروض هنا " يجدوا " وهى " محذوفة ومخبونة على وزنه " فعلن " والضرب‬
‫هنا " خطر " وهو " محذوف مخبون على وزن " " فعلن " وكالهما أصل وزنه "‬
‫فعال " ونقل إلى " فعلن " ‪.‬‬
‫(ب) العروض محذوفة مخبونة والضرب " أبتر " على وزن " فعلن "‬
‫ومثال ذلك قول الشاعر ‪:‬‬
‫إن بحر الحب قد فارا‬ ‫َ‬
‫بكفى ال أ ُمتْ غرقا‬
‫خذ ِ‬
‫ودموعى تطفئ النارا‬ ‫نار الهوى كبدى‬ ‫أنضجتْ ُ‬
‫وتقطيع البيت األول هكذا د‬
‫إن بحر الحب قد فارا‬ ‫خذ بكفى ال أمت غرقا‬
‫فاعالتن فاعلن فاعل‬ ‫فاعالتن فاعلن فعال‬
‫فالعروض هنا " غرقا " على وزن " فعال " ونقلت إلى " فعلن " فهى محذوفة‬
‫مخبونة " والضرب هنا " فارا " على وزن " فاعل " ونقل إلى " فعلن " فهو أبتر‬
‫‪.‬‬
‫‪78‬‬

‫‪ "11‬الخفيف "‬
‫أوال د سبب التسمية‪.‬‬
‫هذا البحر يقول عنه " الخليل بن أحمد الفراهيدى " إنه سمى بهذا االسم ألنه أخف‬
‫من السباعيات ‪ " ،‬وموسيقاه تتسم بالخفة والسهولة " ‪.‬‬
‫‪ ‬وهو " ساطع النغم " ‪ ،‬بارز الموسيقى ‪ ،‬ثم إنه صالح للحوار " بقال وقلت‬
‫" ويصلح للجدل وللترديد وللسرد ‪ ،‬ويمتلئ بالروح الملحمى ‪ ،‬وهو بحر‬
‫يكثر فى البيئات المتحضرة ‪ ،‬وقد قيل إنه أخف البحور على الطبع‬
‫وأطالها للسمع ‪ ،‬وقد ذكر " حازم القرطاجنى فى منهاج البلغاء " أن له‬
‫جزالة ورشاقة " (‪)1‬‬
‫‪ ‬وحين نمعن النظر فى النتاج الشعرى ندرك أن للبحر " الخفيف " أثرا‬
‫كبيرا مسيطرا على دواوين الشعراء ‪ ..‬قديما وحديثا ‪..‬‬
‫ففى ديوان " البحترى " يحتل " الخفيف " المرتبة الثالثة فى استخدام الشاعر‬
‫للبحور الشعرية بعد الطويل والكامل ‪ ..‬حيث تبلغ نسبة استخدام موسيقى "‬
‫الطويل " ‪ %31‬ونسبة الكامل ‪ ، %21‬والخفيف ‪. %17‬‬
‫وفى ديوان المتنبى يحتل هذا البحر المرتبة الخامسة بعد الطويل والكامل والبسيط‬
‫الوافر ‪ ..‬حيث تبلغ نسبة استخدام الشاعر لها على الترتيب ( الطويل ‪، %28‬‬
‫والكامل ‪ ، %19‬البسيط ‪ ، %16‬الوافر ‪ ، %14‬الخفيف ‪. ) %9‬‬
‫وفى العصر الحديث ‪ ..‬نجد الشعراء يميلون إلى موسيقى البحر " الخفيف " ففى‬
‫ديوان أمير الشعراء " أحمد شوقى " يحتل البحر الخفيف المرتبة الثانية بعد الكامل‬
‫‪ ..‬حيث تبلغ نسبة استخدام الشاعر للكامل ‪ %27‬وللخفيف ‪. %11‬‬
‫وفى ديوان " المالح التائه " لعلى محمود طه " يحتل هذا البحر المرتبة الثانية بعد‬
‫الكامل حيث تبلغ نسبة استخدام الشاعر للكامل ‪ %24‬وللخفيف ‪. %16‬‬
‫وفى ديوان " على الجارم " يحتل الخفيف المرتبة األولى حيث تبلغ نسبة استخدام‬
‫الشاعر لموسيقاه ‪. %29‬‬
‫وفى ديوان " أنات حائرة " للشاعر عزيز أباظة يتصدر الخفيف البحور الشعرية‬
‫حيث تبلغ نسبة استخدام الشاعر لموسيقاه ‪. %58‬‬
‫وفى ديوان " أحمد رامى " تأتى الصدارة لموسيقى هذا البحر حيث يتفق مع عزيز‬
‫أباظة فى نسبة استخدامه للخفيف ‪. %58‬‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬دراسات ىف النص الشعرى د‪ /‬عبده بدوى ص ‪ ، 165‬وارجع إىل " منهاج البلغاء وسراج األدابء‬
‫حلازم القرطاجىن " ‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫وفى ديوان " على الجندى " أغاريد السحر تأتى الصدارة لهذا البحر أيضا حيث‬
‫تبلغ نسبة استخدام الشاعر لموسيقاه ‪)1( %27‬‬
‫ثانيا – أجزاء البحر الخفيف د‬
‫يتكون البيت فى هذا البحر من ستة تفاعيل على هذا النحو ‪:‬‬
‫فاعالتن مستفع لن فاعالتن‬ ‫فاعالتن مستفع لن فاعالتن‬
‫ويالحظ أن التفعيلة الثانية والخامسة " مستفع لن " مخالفة فى كتابتها لتفعيلة بحر‬
‫" الرجز " ‪ ،‬مستفعلن ‪ ،‬وكذلك " البسيط " مستفعلن ‪.‬‬
‫ووجه الخالف بين " مستفع لن " وبين " مستفعلن " أن حذف السابع من مستفع لن‬
‫يسمى " قصرا " وفى مستفعلن يسمى " قطعا بشرط إسكان ما قبل السابع ‪،‬‬
‫وحذف الرابع فى " " مستفع لن " غير جائز ‪ ،‬وفى " مستفعلن " جائز ألنه " طى‬
‫" (‪)2‬‬
‫وتتكون " مستفعلن " من سببين خفيفين فوتد مجموع أما " مستفع لن " فتتكون من‬
‫( سبب خفيف ‪ +‬وتد مفروق ‪ +‬سبب خفيف )‬
‫****‬
‫ثالثا – أقسامه وتشكيالته العروضية ‪ :‬ويأتى هذا البحر تاما ومجزوءا ‪.‬‬
‫‪1‬ـ التام ‪ :‬ويتكون من ست تفاعيل ‪ :‬فاعالتن – مستفع لن – فاعالتن‬
‫فاعالتن مستفع لن فاعالتن‬
‫فاعالتن‬ ‫‪2‬ـ أ المجزوء ‪ :‬ويتكون من أربع تفاعيل ‪ :‬فاعالتن مستفع لن‬
‫مستفع لن‬
‫وهناك صورة أخرى لمجزوء الخفيف أجازها العالم الجليل " أبو نصر اسماعيل‬
‫بن حماد الجوهرى فى كتابه " عروض الورقة " ‪ ،‬وهى صورة نادرة حيث أجاز‬
‫حذف التفعيلة األولى والثالثة ( فاعالتن ) ‪.‬‬
‫مستفعلن‬ ‫وأجزاء البيت على هذا التشكيل تكون هى ‪ :‬مستفعلن فاعالتن‬
‫فاعالتن‬
‫وهذه الصورة هى نفسها صورة " بحر المجتث " ‪ ،‬وال وجود لبحر المجتث فى‬
‫كتاب عروض الورقة ‪.‬‬
‫ويقول " الجوهرى " فى معرض كالمه عن البحر " الخفيف " وقد ركب منه‬
‫مربع آخر وهو الذى يسميه الخليل مجتثا وبيته الذى ال زحاف فيه ‪:‬‬
‫والوجه مثل الهالل‬ ‫البطن منها خميص‬
‫مستفعلن فاعالتن‬ ‫مستفعلن فاعالتن‬ ‫تقطيعه‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫وقد نقص منه " فاعالتن " األولى والثالثة ( )‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬دواوين هؤالء الشعراء وارجع إىل موسيقى الشعر د‪ /‬ابراهيم أنيس ‪.‬‬
‫‪ -2‬انظر ‪ :‬كتاب " امليزان ىف العروض والقافية " حتقيق د‪ /‬حممد عبد املنعم خفاجى ‪ ،‬اجلزء الثاىن ‪.‬‬
‫‪ -3‬انظر ‪ :‬عروض الورقة " ألىب نصر اجلوهرى " ‪ ،‬حتقيق د‪ /‬صاحل مجال بدوى ص‪. 82‬‬
‫‪80‬‬
‫ونالحظ أن الجوهرى يخالف بقية العروضين فال يفرق بين مستفعلن وبين "‬
‫مستفع لن " رغبة فى القضاء على التفريعات واالصطالحات والتقسيمات‬
‫العروضية ‪ .‬ولكنى أرى أن الصورة التى استقر عليها العروضيون فى بحر‬
‫الخفيف هى الصورة الصحيحة حيث يمتنع حذف الرابع الساكن من " مستفع لن "‬
‫وإذا حدث فى البحر الخفيف هذا الحذف تكون الموسيقى الشعرية مضطربة فال‬
‫يجوز أن تصبح التفعيلة " مستعلن " فى الخفيف ويجوز ذلك فى " الرجز " ‪.‬‬
‫وكذلك حذف التفعيلة األولى والرابعة يعد تصرفا غريبا فالحذف يكون من آخر‬
‫الشطرة األولى والثانية ‪ .‬وليس من بداية البيت ووسطه ‪.‬‬
‫وأما التشكيالت العروضية فتأتى على هذا النحو د‬
‫القسم األول د أ ـ الخفيف التام وله عروضان وثالثة أضرب د‬
‫( ‪ ) 1‬العروض األولى صحيحة " فاعالتن " ولها ضربان ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬ضرب صحيح ‪ ..‬ويجوز فيه التشعيث فيصير " مفعولن " عوض "‬
‫فعالتن " ‪.‬‬
‫ومثال ذلك قول " ابن الرومى " فى وصف " وحيد " المغنية ‪:‬‬
‫ففؤادى بها ُمعَنَّى عميد‬ ‫ياخليلَّى ‪ ..‬تيَّمتنى وحيدا‬
‫وتقطيع هذا البيت هكذا ‪:‬‬
‫ففؤادى بها معنى عميد‬ ‫ياخليلى ‪ ..‬تيمتنى وحيدا‬
‫فاعالتن متفع لن فاعالتن‬ ‫فاعالتن متفع لن فاعالتن‬
‫فالعروض هنا صحيحة ‪ ..‬والضرب صحيح " فاعالتن " ‪.‬‬
‫‪ ‬وفى إطار هذا التشكيل للبحر الخفيف تأتى قصيدة د‪ /‬أحمد منصور نفادى‬
‫يقول مشيدا باألزهر فى عيده األلفى‬
‫ومعين الهدى لدنيا الرذيلة‬ ‫قلعة الحق والتقى والفضيلة‬
‫‪1‬‬
‫وزهر العقول يشكو ذبوله ( )‬ ‫ومنار العلوم فى ظلمة الجهل‬
‫‪ ‬ومثال الضرب الذى دخله " التشعيث " " فعالتن " ‪.‬‬
‫قول ابن الرومى فى القصيدة نفسها واصفا " وحيد "‬
‫يسهل القول أنها أحسن األشـ ــياء طرا ويعسر التحديد‬
‫وتقطيع هذا البيت هكذاد‬
‫يسهل القول أنها أحسن األشـ ــياء طرا ويعسر التحديد‬
‫فاعالتن متفع لن فعالتن‬ ‫فاعالتن متفع لن فاعالتن‬
‫الثانى ‪ :‬ضرب محذوف على وزن " فاعال " وينقل إلى " فاعلن " ‪.‬‬
‫ومثال ذلك قول الشاعر ‪:‬‬
‫أم يحولن من دون ذاك الردى‬ ‫ليت شعرى هل ثم هل آتينهم‬

‫‪ -1‬ديوان من وراء الشفق ص ‪ 161‬د‪ /‬أمحد منصور نفادى ‪.‬‬


‫‪81‬‬
‫فاعالتن مستفع لن فاعال‬ ‫فاعالتن مستفع لن فاعالتن‬
‫فالعروض هنا صحيحة " فاعالتن " ‪ ،‬والضرب محذوف " فاعال " ‪.‬‬
‫ــ ود‪ /‬ابراهيم أنيس فى معرض تحليله لهذا البحر يؤكد أن هذه الصورة من "‬
‫الخفيف " غير مستساغة ‪ ..‬ويرى أنها من صناعة أهل العروض قائال ‪:‬‬
‫" ويزعم أهل العروض أن المقياس األخير " فاعالتن " ( فى الضرب ) قد يجيئ‬
‫أحيانا " فاعلن " ويروون لهذا بيتا نسبوه إلى الكميت بن زيد هو ‪:‬‬
‫ليت شعرى هل ثم هل آتينهم أم يحولن من دون ذاك الردى‬
‫ولست مع د‪ /‬أنيس فى رفضه لهذه الصورة ‪ ..‬فندرة الشاهد ال تلغى القاعدة ‪..‬‬
‫وموسيقى الشعر متجددة ومتطورة ‪ ،‬وليس هناك ما يمنع من النظم الشعرى على‬
‫هذه الصورة التى تكون فيها العروض صحيحة ‪ ..‬والضرب محذوفا ‪.‬‬
‫ولم يفرق د‪ /‬أنيس فى الكتابة بين " مستفع لن ‪ ،‬وبين مستفعلن " ألنه يرفض‬
‫القواعد العروضية القديمة ويخلو كتابه من المصطلحات العلمية العروضية ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ العروض الثانية " محذوفة " " فاعلن " ولها ضرب مثلها " فاعلن " ويجوز‬
‫فى العروض والضرب " الخبن "‬
‫ومثال ذلك قول الشاعر ‪:‬‬
‫قادكم عاجال إلى رمسه‬ ‫ليست شعرى ماذا تروا فى هوى‬
‫فاعالتن متفع لن فاعلن‬ ‫فاعالتن مستفع لن فاعلن‬
‫فالعروض هنا " فى هوى " محذوفة على وزن " فاعال " وتنقل إلى فاعلن ‪.‬‬
‫وكذلك الضرب " رمسه " محذوف على وزن " فاعال " وينقل إلى فاعلن ‪.‬‬
‫ومثال العروض المحذوفة التى دخلها " الخبن " وكذلك " الضرب "‬
‫قول الشاعر " عباس محمود العقاد " من قصيدته " وردة محزنة "‬
‫يلمح البشر منك من لمحا‬ ‫وردتى فيم أنت ضاحكة‬
‫فاعالتن متفع لن فعال‬ ‫فاعالتن متفع لن فعال‬
‫رونق فيه كان لى فرحا‬ ‫فيم هذا الجمال يحزننى‬
‫فاعالتن متفع لن فعال‬ ‫فاعالتن متفع لن فعال‬
‫ب ـ القسم الثانى د " الخفيف المجزوء ‪ ...‬ويتشكل من صورتين ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ الصورة األولى ‪ :‬وتأتى فيها العروض صحيحة والضرب صحيح مثلها ‪.‬‬
‫ومثال ذلك قول " عباس العقاد " فى ذكرى " سيد درويش " ‪:‬‬
‫واحفظوا الذكر سرمدا‬ ‫اذكرو اليم سيدا‬
‫قد تغنى فأسعدا‬ ‫وتغنوا بحم ِد َم ْن‬
‫يبتدى مجده غدا‬ ‫من يكن ذاك أمسه‬
‫فاعالتن متفع لن‬ ‫فاعالتن متفع لن‬
‫وتبلغ هذه القصيدة " ‪ " 54‬أربعة وخمسون بيتا ‪.‬‬
‫وموسيقاها آسرة خفيفة مؤثرة ‪ ،‬مما يؤكد قبولنا لهذا الشكل التراثى لموسيقى بحر‬
‫الخفيف المجزوء وترفض فى الوقت نفسه إهمال د‪ /‬ابراهيم أنيس لهذا الصورة من‬
‫‪82‬‬
‫صور الخفيف " المجزوء " ألنه لم يشر إليها ال من قريب وال من بعيد فى‬
‫مناقشته لموسيقى البحر " الخفيف "‬
‫وقصيدة " العقاد " نموذج حى لحيوية موسيقى هذا البحر ‪ ..‬ولو استقرأنا دواوين‬
‫الشعراء المحدثين ‪ ..‬ومسرحياتهم الشعرية – لوجدنا القصائد والمقطوعات‬
‫الشعرية المؤثرة التى صيغت فى هذا القالب النغمى الموسيقى(فاعالتن مستفع لن )‬
‫‪ 2‬ـ الصورة الثانية د وتأتى فيها العروض صحيحة والضرب مخبونا مقصورا‬
‫ومثال ذلك قول الشاعر ‪:‬‬
‫من لقلب يطير‬ ‫طار قلبى بحبها‬
‫فاعالتن متفع ْل‬ ‫فاعالتن متفع لن‬
‫***‬
‫‪83‬‬

‫‪ "12‬المنسرح "‬
‫أوال – سبب التسمية د حين سئل " الخليل بن أحمد عن سر تسميته لهذا البحر‬
‫بهذا االسم قال ‪ :‬النسراحه وسهولته ‪.‬‬
‫وقد ورد فى لسان العرب مادة " سرح " قوله‪ " :‬والمنسرح ‪ :‬ضرب من الشعر‬
‫لخفته وهو جنس من العروض تفعيلته ‪:‬‬
‫( مستفعلن – مفعوالت – مستفعلن ست مرات )‪.‬‬
‫والمادة اللغوية تفيد السهولة واالنسياب ‪ ..‬حيث تدور مادة " سرح " حول هذه‬
‫المعانى ‪.‬‬
‫وورد فى لسان العرب " سرح عنه فانسرح وتسرح أى فرج كربه " وإذا ضاق‬
‫شئ ففرجت عنه قلت ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫سرحت عنه تسريحا ‪ ،‬وولدته سرحا أى فى سهولة ( )‬
‫ثانيا – أجزاء المنسرح د‬
‫يتكون البيت الشعرى المنظوم على موسيقى هذا البحر من ست تفاعيل هى‬
‫مستفعلن مفعوالت مستفعلن‬ ‫مستفعلن مفعوالت مستفعلن‬
‫ثالثا – موسيقى " المنسرح " وموقف النقاد منها د‬
‫إن الصورة المثلى لموسيقى هذا البحر أن يكون الضرب مطويا أى يحذف الرابع‬
‫الساكن من مستفعلن فتصير " مستعلن " وكذلك العروض تكون على وزن "‬
‫مستعلن " ‪.‬‬
‫مثل قول أبى فراس الحمدانى من قصيدته التى يعاتب فيها سيف الدولة على عدم‬
‫استجابته لطلب أمه حين طلبت منه افتداء ابنها " أبى فراس " ‪ ،‬والقصيدة كما‬
‫يقول د‪ /‬رجاء عيد تدل على أن " المنسرح " ليس به اضطراب فى موسيقاه وما‬
‫جاء على وزنه حسن فى موسيقاه ويتدفق فيه نغمه الشعرى ‪ ،‬واستشهد بقصيدة‬
‫أبى فراس ‪.‬‬
‫وجاء استشهاده بالقصيدة للرد على الدكتور ‪ /‬ابراهيم أنيس الذى يرى أن "‬
‫المنسرح " ال نكاد نشعر بانسجام فى موسيقاه ‪...‬‬
‫ويقول ‪ " :‬ويخيل إلينا أن الوزن مضطرب بعض االضطراب ‪ ،‬وأغلب الظن أنه‬
‫سينقرض من الشعر فى مستقبل األيام "‬
‫يقول أبو فراس معاتبا سيف الدولة فى لغة حانية وموسيقى مؤثرة ‪:‬‬
‫أنت بالد ونحن أجبلها‬ ‫أنت سماء ونحن أنجمها‬
‫مستعلن مفعالت مستعلن‬ ‫مستعلن مفعالت مستعلن‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬لسان العرب جـ ‪ 3‬ص ‪ 1985 – 1984‬ط دار املعارف ‪.‬‬


‫‪84‬‬
‫أنت يمين ونحن أنملها‬ ‫أنت سحاب ونحن وابله‬
‫عليك دون الورى معولها‬ ‫بأى عذر رددت والهة‬
‫ينتظر الناس كيف تقفلها‬ ‫جاءتك تمتاح رد واحدها‬
‫فلم أزل فى رضاك أبذلها‬ ‫إن كنت لم تبذل الفداء لها‬
‫و د‪ /‬عبده بدوى قد جانبه الصواب وأخطأ حين نسب هذه القصيدة إلى " مجزوء‬
‫البسيط " ‪ ،‬وأكد كالمه بأنه قد دخله الكثير من التغيير على غير العادة ليعطى‬
‫التوتر والقلق وعدم االستقرار(‪.)1‬‬
‫والقصيدة ليست من مجزوء البسيط بل هى من " المنسرح " فمجزوء البسيط‬
‫أجزاؤه هى ‪ :‬مستفعلن فاعلن مستفعلن " مرتين "‬
‫والتقطيع العروضى ألبيات قصيدة أبى فراس يقصيها تماما عن دائرة " مجزوء‬
‫البسيط " ‪.‬‬
‫يقول أبو فراس ‪:‬‬
‫أنت سما ‪ /‬ء ونحن ‪ /‬أنجمها أنت بال ‪ /‬د ونحن ‪ /‬أجبلها‬
‫مستعلــن مفعالت مستعلن مستعلن مفعالت مستعلن‬
‫والدكتور ‪ /‬إبراهيم أنيس يقول عن هذا البحر وقد هجره المحدثون ‪ ...‬وأغلب‬
‫الظن أنه سينقرض من الشعر فى مستقبل األيام ‪.‬‬
‫ولم يصدق حدس الدكتور أنيس وال ظنه ‪ ..‬ولم يهجر المحدثون إيقاع هذا البحر ‪..‬‬
‫حيث بالغ أحد الشعراء وهو الدكتور ‪ /‬عبد اللطيف عبد الحليم فأصدر ديوانا كامال‬
‫كل قصائده على وزن " المنسرح " ‪ ،‬وهذا يدل على بقاء موسيقى هذا البحر وعدم‬
‫انقراضها تماما ‪ ..‬ولكنها قليلة ‪ ..‬نادرة ‪ ..‬ألن الشعراء يميلون إلى النظم على‬
‫موسيقى البحور المألوفة ‪ ..‬وال يحاولون البحث عن أنغام جديدة ‪ ..‬أو غير مألوفة‬
‫‪.‬‬
‫رابعا – التشكيالت العروضية د‬
‫يتشكل هذا البحر فى صورته التراثية من ثالثة أشكال عروضية تتفاوت فيما بينها‬
‫فى استخدام الشعراء لها وأشهرها الشكل الثالث " العروض مطوية والضرب‬
‫مطوى " ‪ " .‬مستفعلن مفعوالت مستعلن مستفعلن مفعوالت مستعلن "‬
‫‪ 1‬ـ الشكل األول د‬
‫العروض صحيحة " مستفعلن " والضرب مطوى " مستعلن " ‪.‬‬
‫مستفعلن مفعوالت مستعلن "‬ ‫" مستفعلن مفعوالت مستفعلن‬
‫ومثال ذلك قول الشاعر ‪:‬‬
‫للخير يغشى فى مصره العرفا‬ ‫إن ابن زي ٍد الزال مستعمال‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬التحليل الفىن هلذه القصيدة ىف كتاب " دراسات ىف النص الشعرى " العصر العباسى د‪ /‬عبده بدوى‬
‫ص ‪. 223‬‬
‫‪85‬‬
‫وهذا الشكل نادر الوجود فى اإلبداع الشعرى ألن أمثلته نادرة فهذا البيت موجود‬
‫فى كل كتب العروض تقريبا ‪.‬‬
‫وهذا يدل على عدم انسجام هذا الشكل الموسيقى مع الطاقة اإلبداعية والشعورية‬
‫حين تتخذ من موسيقى هذا البحر قالبا لها ‪.‬‬
‫ويمكن تقطيع البيت هكذا د‬
‫للخير يغـ‪ /‬ــشى فى مصر ‪ /‬ه العرفا‬ ‫إن ابن زى ‪ /‬د الزال ‪ /‬مستعمال‬
‫مستعلن‬ ‫مستفعلن مفعوالت‬ ‫مستفعلن مفعوالت مستفعلن‬
‫‪ 2‬ـ الشكل الثانى د‬
‫العروضة مطوية " مستعلن " ‪ ،‬والضرب مقطوع مستفعل ‪ " .‬مستفعلن مفعوالت‬
‫مستفعلن مفعوالت مستفعل "‬ ‫مستعلن‬
‫ومثال ذلك قول الشاعر ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قامت على بان ٍة تُغنِينا "‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫" ما هيَّج الشوق من ُمط َّوق ٍة‬
‫ويمكن تقطيعه هكذا د‬
‫قامت على ‪ /‬بانة تـ ‪ /‬غنينا "‬ ‫" ما هيج الش ‪ /‬وق من م ‪ /‬طوقة‬
‫مستفعلن مفعالت مستفعل‬ ‫مستفعلــــن مفعالت مستعلن‬
‫ومن ذلك قول البحترى ‪:‬‬
‫ب‬
‫ودمع عين عليك مسكو ِ‬ ‫ب‬
‫حنين إليك مجلو ِ‬‫ٍ‬ ‫وكم‬
‫ب‬
‫ثأر لدى العاشقين مطلو ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ق يبحث عن‬ ‫وما يزال الفرا ُ‬
‫‪ 3‬ـ الشكل الثالث د‬
‫العروض مطوية " مستعلن " ‪ ،‬والضرب مطوى " مستعلن " ‪ " .‬مستفعلن‬
‫مفعوالت مستعلن مستفعلن مفعوالت مستعلن "‬
‫ومثال قول أبى فراس الحمدانى فى مطلع قصيدته التى يعاتب فيها سيف الدولة‬
‫ويبدى أشواقه إلى أمه و أسفه وحزنه على وحدتها وفراقها ‪ ..‬يقول ‪:‬‬
‫آخرها ‪ /‬مزعج و ‪ /‬أولها‬ ‫يا حسرة ‪ /‬ما أكاد ‪ /‬أحملها‬
‫مستعلن مفعالت مستعلن‬ ‫مستفعلن مفعالت مستعلن‬
‫بات بأيـ ‪ /‬ــدى العدى مـ ‪ /‬ــعللها‬ ‫عليلة ‪ /‬بالشام ‪ /‬مفردة‬
‫مستعلن‬ ‫مستعلن مفعالت‬ ‫مستفعلن مفعالت مستعلن‬
‫وهذا الشكل العروضى من أشكال " المنسرح " هو أقرب تشكيالت " المنسرح "‬
‫إلى التذوق والوجدان ‪ ،‬والشعراء ينظمون منه الكثير والمؤثر ‪ .‬ففى جمرة أشعار‬
‫العرب ترد قصيدة " عمرو بن امرئ القيس " على هذا الوزن العروضى ‪ ،‬وكذلك‬
‫قصيدة لمالك بن عجالن على الوزن نفسه‪ ..‬وقد أدرجهما " القرشى " فى باب "‬
‫المذهبات" ‪ ،‬وقصيدة مالك بن عجالن تبلغ واحدا وعشرين بيتا ومطلعها‪:‬‬
‫قد حدبوا دونه وقد أنفا(‪)1‬‬ ‫إن سميرا أرى عشيرته‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬مجرة أشعار العرب ألىب زيد القرشى‬


‫‪86‬‬
‫وقصيدة عمرو بن امرئ القيس تبلغ ستة عشر بيتا ومطلعها ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫يبطره بعض رأيه السرف ( )‬ ‫يا مال ‪ ،‬والسيد المعمم قد‬
‫وللمتنبى قصيدة رائعة جيدة السبك غزيرة المعانى قالها فى مدح " على بن إبراهيم‬
‫التنوخى ‪ ..‬وتبلغ أربعة وأربعين بيتا يقول فى مطلعها ‪:‬‬
‫أحدث شئ عهدا بها القد ُم‬ ‫ق عاف بدمعك الهمم‬ ‫أح ُّ‬
‫تفلح عرب ملوكها عجم‬ ‫وإنما الناس بالملوك وما‬
‫وال عهود لهم وال ذمم‬ ‫ال أدب عندهم وال حسب‬
‫‪2‬‬
‫ترعى بعب ٍد كأنها غن ُم ( )‬ ‫بكل أرض وطئتها أمم‬
‫تنبيه د‬
‫ورد فى كتب العروض بعض األشكال ألخرى لهذا البحر ومنها ‪:‬‬
‫أ ـ عروض منهوكة موقوفة وهى الضرب أيضا ومثال ذلك ‪ " :‬صبرا بنى عبد‬
‫الدار "‬
‫فهنا البيت حذف منه ثلثاه " وسكنت تاء " " مفعوالت "‬
‫ب ـ عروض منهوكة مكسوفة " بحذف تاء مفعوالت " ومثال ذلك قول القائل ‪" :‬‬
‫ويل أم سعد سعدا"‬
‫ويدخل فى هذا البحر من التغيير طى " مفعوالت " غالبا ‪ ،‬وأما خبنه فقبيح ‪،‬‬
‫فيصير " مفعالت "‬
‫‪3‬‬
‫وأما " مستفعلن " فى غير العروض والضرب فيجوز خبنه أو طيه ( )‬
‫والخبن فيه قبيح ‪ ،‬أى يجوز " مستعلن ‪ ،‬وال يجوز مستفعلن "‬

‫‪ -1‬اي مال ‪ :‬مرخم مالك ‪ ،‬املعمم ‪ :‬الذى يقلده القوم أمورهم ن يبطره ‪ :‬بطغيه ‪ ،‬الرسف ‪ :‬الفاسد‬
‫‪ -2‬ديوان املتنىب جـ ‪ 2‬ص ‪. 1794‬‬
‫‪ -3‬انظر ‪ :‬ميزان الذهب للهامشى ‪.‬‬
‫‪87‬‬

‫‪ "13‬السريع "‬
‫أوال – سبب التسمية د‬
‫يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي ‪ " ..‬مفسرا سر تسمية هذا البحر بالسريع حين‬
‫سئل عن ذلك فقال ‪ :‬ألنه يسرع على اللسان " ‪ ،‬وقيل إنه سمى بذلك ألن كثرة‬
‫األسباب فيه تمكن من سرعة النطق به (‪. )1‬‬
‫ثانيا – أجزاؤه د‬
‫يتكون هذا البحر من ست تفعيالت فى شطري البيت وهى ‪ :‬مستفعلن مستفعلن‬
‫مستفعلن مستفعلن مفعوالت‬ ‫مفعوالت‬
‫ثالثا – من الخصائص الموسيقية لهذا البحر د‬
‫يقول كثير من النقاد إن موسيقى هذا البحر فيها اضطراب ال تستريح إليه اآلذان‬
‫إال بعد مران طويل ‪ ...‬وذلك لقلة ما نظم منه ‪ ،‬والشعراء القدامى لم يكثروا من‬
‫النظم فى اإلطار الموسيقى لهذا البحر ‪ ،‬ألنه كما يقول د ‪ /‬عبده بدوى يبدو كنوع‬
‫ناشز من بحر الرجز بإسقاط الوتد المفروق ‪ ،‬ويبدو هذا البحر كذلك كأنه نوع من‬
‫الخروج على أصل من األصول الموسيقية فى الشعر العربى‪.‬‬
‫وفى الشعر العربى فى العصر الحديث " قلت نسبة شيوع هذا البحر ‪ ،‬وأصبح‬
‫شعراؤنا ينفرون منه ومن موسيقاه " (‪)2‬‬
‫ولست مع ما ذهب إليه د‪ /‬إبراهيم أنيس من أن هذا البحر سينقرض مع الزمن "‬
‫ألن موسيقاه تقترب فى صورتها الصافية من موسيقى بحر " الرجز " وهى فيها‬
‫عذوبة وسالسة ‪ ،‬والتشكيل الموسيقى الصافى المؤثر لهذا البحر هو ما يرد على‬
‫هذا الوجه ‪.‬‬
‫مستفعلن مستفعلن فاعلن‬ ‫مستفعلن مستفعلن فاعلن‬
‫ومن ذلك قول " عباس العقاد " من قصيدة " هذا هو الحب " ‪:‬‬
‫أو أغمض العين فال أبصرا‬ ‫أبصر ماال يُ َرى‬
‫َ‬ ‫الحب أن‬
‫‪3‬‬
‫فإن أبى فالكذب المفترى( )‬ ‫وأن أسيغ الحق ما سرنى‬
‫والعقاد له شعر كثير جاء فى قالب " السريع " ‪ ،‬وال صحة لما قاله د‪ /‬ابراهيم‬
‫أنيس من أن " ما نظمه بعض الشعراء المحدثين من شعر قليل على هذا الوزن ‪،‬‬
‫فإنما كان تقليدا لقصائد قديمة أعجبوا بها فنسجوا على منوالها رغبة فى التنويع ال‬
‫حبا للوزن نفسه ‪ ،‬ولعلهم قد وجدوا فى هذا جهدا "‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬دراسات ىف النص الشعر د ‪ /‬عبده بدوى ‪.‬‬


‫‪- 2‬انظر ‪ :‬موسيقى الشعر د‪ /‬ابراهيم أنيس ‪.‬‬
‫‪ 3‬ديوان العقاد " اجمللد الثاىن " ص ‪. 660‬‬
‫‪88‬‬
‫وأى جهد وأى عنت فى قول " العقاد " من قصيدة أخرى بعنوان " يا رب " ذات‬
‫إيقاع سلس أخاذ خال من االضطراب ‪:‬‬
‫فى هذه الحرب وفى الماضية‬ ‫يا رب أعطيناك أرواحنا‬
‫بالسلم فى أيامنا الباقية‬ ‫يا ربنا فاقض لنا مرة‬
‫مستفعلن مستفعلن فاعلن‬ ‫مستفعلن مستعلن فاعلن‬
‫وأى جهد ؟ وأى عنت فى قول " أحمد زكى أبو شادى " من قصيدة له بعنوان "‬
‫بنات بحرى " ؟؟‬
‫من نشوة البحر آلمالى‬ ‫أقبلن آماال على نشوة‬
‫فى نسج أمواج كأنوال‬ ‫عرائس البحر خطت مثله‬
‫رابع – التشكيالت العروضية د‬
‫يتشكل هذا البحر فى صورته التراثية كما حددها علماء العروض من خمسة أشكال‬
‫موسيقية تكون فى مجموعها الصورة الكاملة لهذا البحر وهى ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الشكل األول د‬
‫مستفعلن مستفعلن فاعالن "‬ ‫" مستفعلن مستفعلن فاعلن‬
‫العروضة " مكسوفة مطوية " " فاعلن " عوض " مفعال " ‪ .‬والضرب مطوى‬
‫موقوف ‪ .‬فاعالن عوض فاعالت‪.‬‬
‫ومثال ذلك قول أحمد شوقى ‪:‬‬
‫روعت حتـ ‪ /‬ــى مهجا‪/‬ت الحمام‬ ‫يا عادى البـ‪/‬ــين كفى ‪ /‬قسوة‬
‫مستفعلن مستعلن فاعالن‬ ‫مستفعلن مستعلن فاعلن‬
‫ما عجزت عنه قلوب األنام‬ ‫تلك قلوب الطير حمملتها‬
‫مستعلن مستفعلن فاعالن‬ ‫مستعلن مستفعلن فاعلن‬
‫مستفعلن –‬ ‫‪ 2‬ـ الشكل الثانى د " مستفعلن – مستفعلن – فاعلن‬
‫مستفعلن – فاعلن "‬
‫العروضة مكسوفة مطوية " فاعلن " والضرب مكسوف مطوى " فاعلن " ‪ .‬ومثال‬
‫ذلك قول " العقاد " ‪:‬‬
‫أو أغمض الــ ‪ /‬عين فال ‪ /‬أبصرا‬ ‫الحب أن ‪ /‬أبصر ما ‪ /‬ال يرى‬
‫مستفعلــــن مستعلـــــن فاعلـــن‬ ‫مستفعلـن مستعلـــن فاعلـــن‬
‫مستفعلن‬ ‫" مستفعلن مستفعلن فاعلن‬ ‫‪ 3‬ـ الشكل الثالث د‬
‫مستفعلن فاعل "‬
‫العروض مكسوفة مطوية " فاعلن " والضرب " أصلم " " فاعل " وأصل الضرب‬
‫" مفعو " حيث حذف الوتد المفروق من آخر " مفعوالت " وهذا هو " الصلم " ‪،‬‬
‫ونقل " مفعو " إلى " فاعل ‪.‬‬
‫ومثال ذلك قول أحمد زكى أبو شادى ‪:‬‬
‫من نشوة البحر آلمالى‬ ‫أقبلن آماال على نشوة‬
‫مستفعلن مستعلن فاعل‬ ‫مستفعلن مستفعلن فاعلن‬
‫‪89‬‬
‫مستفعلن مستفعلن فعلن‬ ‫" مستفعلن مستفعلن فعلن‬ ‫‪4‬ـ الشكل الرابع د‬
‫"‬
‫والعروض مكسوفة مخبولة " فعلن " والضرب مثلها مكسوف مخبول " فعلن "‬
‫حيث يحذف الثانى والرابع والسابع من مفعوالت فتصير فعال وتنقل إلى فعلن ‪.‬‬
‫ومثال ذلك قول الشاعر ‪:‬‬
‫سقيمة الطرف بغير سقم‬ ‫شمس تجلت تحت ثوب ظلم‬
‫متفعلن مستعلن فعلن‬ ‫مستفعلن مستفعلن فعلن‬
‫مستفعلن مستفعلن فعلن‬ ‫‪ 5‬ـ الشكل الخامس د " مستفعلن مستفعلن فعلن‬
‫"‬
‫العروض مكسوفة مخبولة " فعلن " والضرب أصلم " فعلن " ومثال ذلك قول‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫كيف ينال الغاية القصوى‬ ‫من أصبحت دنياه غايته‬
‫مستعلن مستفعلن فاعل‬ ‫مستفعلن مستفعلن فعلن‬
‫ويجوز فى حشو " السريع " خبن " مستفعلن " وهو حذف الثانى فتصير " متفعلن‬
‫" ‪ ،‬ويجوز فيها كذلك " الطى " وهو حذف الرابع الساكن فتصير " مستعلن " ‪.‬‬
‫وهذا التغيير ال يلزم فى القصيدة كلها ‪ ..‬وربما يجتمع الخبن والطى فى بيت واحد‬
‫من السريع ‪.‬‬
‫ومن ذلك قول " العقاد " من قصيدة له بعنوان " كتبى " ‪:‬‬
‫وأنت ال جدوى وال مأرب‬ ‫ينتفع المرء بما يقتنى‬
‫متفعلـن مستفعلــن فاعلــن‬ ‫مستعلن مستعلن فاعلن‬
‫( خين )‬ ‫( طى ) ( طى )‬
‫وللعقاد قصيدة أخرى على نفس الوزن بعنوان " الطيش والحزم " يقول فيها ‪:‬‬
‫وقد يساوى النفع فيه الضرر‬ ‫الطيش أن تعمل ما تشتهى‬
‫وقلما يغنيك فيه الحذر‬ ‫والحزم أن تحذر ما تتقى‬
‫ياصاح فاختر منهما ما حضر‬ ‫كفؤان إن وازنت حظيهما‬
‫وقد جدد العقاد فى شكل هذا البحر الموسيقى فنظم قصيدته " بيجو " وبناها من‬
‫أحد عشر مقطعا شعريا ‪ ..‬والبيت فيها مكون من شطرة واحدة والعروضة فيها‬
‫متحدة مع الضرب وكالهما " موقوف مطوى " ‪.‬‬
‫والقصيدة قد صاغها " العقاد " فى قالب " الخماسيات " أى أن كل مقطوعة تتكون‬
‫من خمسة أبيات ‪ ..‬والبيت الخامس فى كل مقطوعة يتحد فى قافيته مع بقية‬
‫المقاطع ‪ ،‬وتبلغ القصيدة ستين بيتا ‪ ...‬وهذا النتاج يجعل موسيقى هذا البحر ما‬
‫زالت مقبولة مستساغة عند الشعراء المعاصرين ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ويقول العقاد – فى رثاء كلبه الوفى " بيجو " ( ) ‪:‬‬

‫‪ -1‬ديوان العقاد اجمللد الثاىن ص ‪ " 756 – 753‬ديوان ‪ :‬أعاصري مغرب " ‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫حزنا على " بيجو " تفيض الدموع‬
‫حزنا على " بيجو " تثور الضلوع‬
‫حزنا عليه جهد ما أستطيع‬
‫الولوع‬ ‫وان حزنا بعد ذاك‬
‫وهللا – يا بيجو – لحزن وجيع‬
‫‪91‬‬

‫‪ "14‬المجتث "‬
‫أوال – سبب التسمية د ورد فى لسان العرب فى مادة " جثث " أن " الجث هو‬
‫القطع وقيل ‪ :‬قطع الشئ من أصله " ‪.‬‬
‫والمجتث ‪ :‬ضرب من العروض على التشبيه بذلك ‪ ،‬كأنه اجتث من الخفيف أى‬
‫قطع ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬أبو اسحاق ‪ :‬سمى مجتثا ‪ :‬ألنك اجتثثت أصل الجزء الثالث وهو " مف "‬
‫فوقع ابتداء البيت من " عوالت مس " ‪.‬‬
‫* وقال الخطيب التبريزى موضحا العالقة بين" الخفيف والمجتث" فلفظ‬
‫أجزائه أى المجتث يوافق أجزاء الخفيف بعينها وإنما يختلف من جهة الترتيب‬
‫فكأنه اجتث من الخفيف ‪.‬‬
‫ونالحظ أن " مستفع لن " التى يبنى منها المجتث تتكون مثل التي في الخفيف‬
‫من ‪ " :‬سبب خفيف " مســ ‪ +‬وتد مفروق " تفع ‪ +‬سبب خفيف " لن " (‪.)1‬‬
‫ثانيا – أجزاء المجتث د‬
‫يتكون المجتث من ست تفعيالت فى صورته التامة وهى ‪ :‬مستفع لن فاعالتن‬
‫فاعالتن مستفع لن فاعالتن فاعالتن‬
‫ومن استقراء النتاج الشعرى الذى جاء فى قالب هذا البحر وجد علماء العروض‬
‫أن هذا البحر لم يستعمل إال مجزوءا أى مكون من أربع تفاعيل على هذا النحو ‪:‬‬
‫" مستفع لن فاعالتن مستفع لن فاعالتن "‬
‫ثالثا ـ من الخصائص الموسيقية د‬
‫إن هذا البحر يتسم بإيقاع خفيف فيه رشاقة وحسن أداء ‪ ،‬تميل إليه النفس فتطرب‬
‫األذن لسماع إيقاعاته الموقعة القصيرة ‪ ،‬وهذه السمة اإليقاعية تعد من سمات‬
‫التطور فى العصر الحديث ‪ ..‬حيث نظر القدامى إلى هذا البحر نظرة استهجان ‪..‬‬
‫فلم ينظم الشعراء قصائدهم فى القالب النغمى لهذا البحر إال قليال ‪ .‬وكانت فى‬
‫األغراض الخفيفية ‪ .‬ومن ذلك قوا أبى نواس ‪:‬‬
‫هال تذكرت هال‬ ‫يا عاقد القلب عنى‬
‫من القليل أقال‬ ‫تركت منى قليال‬
‫أقل فى اللفظ من " ال "‬ ‫يكـــــــاد ال يتجزا‬
‫ويقول حازم القرطاجنى فى كتابه منهاج البلغاء وسراج األدباء ‪.‬‬
‫وإنما تستحلى األعاريض بوقوع التركيب المتالئم فيها فأما الهزج ففيه مع سذاجته‬
‫حدة زائدة ‪.‬‬

‫‪ -1‬ارجع إىل حتليلنا للبحر للوقوف على رأى " اجلوهرى " ىف كتابه " عروض الورقة " ‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫فأما " المجتث " والمقتضب فالحالوة فيهما قليلة على طيش فيهما (‪.)1‬‬
‫‪ ‬وقد نظم منه الشعراء المحدثون كثيرا وبخاصة فى المسرحيات الشعرية‬
‫‪ ..‬كما يقول د‪ /‬ابراهيم أنيس ‪ ،‬وينبه كذلك إلى أن أكثر الشعراء استعماال‬
‫لهذا البحر فى غير المسرح الشعرى الشاعر ‪ /‬حافظ ابراهيم ‪.‬‬
‫وإضافة إلى حافظ ابراهيم ‪ ..‬نجد الشاعر ‪ /‬محمود حسن اسماعيل يكثر من نظمه‬
‫فى القالب النغمى لهذا البحر وكذلك الشاعر ميخائيل نعيمة ‪.‬‬
‫فالشاعر ‪ /‬محمود حسن اسماعيل له قصيدة تبلغ اثنين وخمسين بيتا على وزن بحر‬
‫المجتث وعنوانها " شاطئ التوبة " ومن أروع قصائده وأصدقها انفعاال وعمقا‬
‫وثراء فنيا وفيها يقول‪:‬‬
‫للنور مدت يدايا‬ ‫رباه عفوك عنى‬
‫وجئت ألقى آسايا‬ ‫نزعت أسرار قلبى‬
‫واشتكى طى صدرى دربا سحيق الطوايا‬
‫مستفعلن فاعالتن‬ ‫مستفعلن فاعالتن‬
‫رابعا – التشكيالت العروضية لهذا البحر د‬
‫ورد هذا البحر فى صورته الشائعة فى الشعر القديم والشعر الحديث على‬
‫صورتين أو شكلين من األشكال العروضية ‪.‬‬
‫مستفعلن فاعالتن "‬ ‫‪ 1‬ـ الشكل األولد " مستفعلن فاعالتن‬
‫أ ـ العروض صحيحة – والضرب صحيح ‪.‬‬
‫وهذا الشكل هو الشائع واألكثر ذيوعا للموسيقى هذا البحر ومثال ذلك قول الشاعر‬
‫" ميخائيل نعيمة " متأمال عالم البحر فى سكون أمواجه وفى ثورتها ‪:‬‬
‫وفر‬
‫كر ٌّ‬ ‫والبحر ٌّ‬ ‫وقفت والليل داجٍ‬
‫يجبنى بر‬
‫َ‬ ‫ولم‬ ‫يجبنى بحر‬
‫َ‬ ‫فلم‬
‫مستفعلن فعالتن‬ ‫متفعلن فعالتن‬
‫وك َّح َل األفق فجر‬ ‫وعندما شاب ليلى‬
‫الكون طى ونشر‬ ‫سمعت نهرا يغنى‬
‫فى الناس خير وشر فى البحر مد وجزر‬
‫مستفعلن فعالتن "‬ ‫" مستفعلن فاعالتن‬ ‫‪ 2‬ـ الشكل الثانى د‬
‫العروض صحيحة والضرب مشعث " فاالتن " والتشعيث هو " حذف أول أو ثانى‬
‫الوتد المجموع فى نحو فاعلن فيصير " فالن " أو " فاع " ‪ .‬وكذلك " فاعالتن " ‪:‬‬
‫" تصير " " فاالتن " وتنقل الى فعاالتن ومن ذلك قول " عزيز أباظة " فى‬
‫مسرحياته الشعرية " العباسة " على لسان الفضل ‪0‬‬
‫فإنكم ضيفانه‬ ‫بأمر موالى فابقوا‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬منهاج البلغاء وسراج األدابء حلازم القرطاجىن ص ‪. 268‬‬


‫‪93‬‬
‫متفعلن فاالتن‬ ‫متفعلن فاعالتن‬
‫وعمكم إحسانه‬ ‫أظلكم برضاه‬
‫متفعلن فاالتن‬ ‫متفعلن فعالتن‬
‫يضمكم إيوانه‬ ‫وبعد غير بعيد‬
‫متفعلن فاالتن‬ ‫متفعلن فعالتن‬
‫ويدخل فى هذا البحر من التغيير الخبن فى أجزائه كلها باستحسان وكذا الشكل –‬
‫ويجوز الجمع بين الخبن والشكل معا والشكل ‪:‬هو مركب من الخبن والكف كحذف‬
‫األلف األولى والنون األخيرة من فاعالتن ‪ 00‬فتصير "فعالت " ‪0‬‬
‫‪94‬‬

‫‪"15‬المقتضب "‬
‫أوال ‪ -‬سبب التسمية د‬
‫يقول "الخليل بن أحمد الفراهيدى حين سئل عن أسباب مسميات البحور فى‬
‫معرض تعليله السم "المقتضب " قال ‪ :‬ألنه اقتضب من السريع "ألن أجزاء‬
‫مستفعلن مستفعلن مفعوالت"‬ ‫السريع هى ‪ " :‬مستفعلن مستفعلن مفعوالت‬
‫وأجزاء المقتضب هى "فى صورته "المجزوءة "المالزمة له ‪0‬‬
‫مفعوالت مستفعلن‬ ‫مفعوالت مستفعلن‬
‫فالتفعيلتان "الثالثة والرابعة "من السريع تمثل الشطرة األولى من المقتضب‬
‫‪،‬والتفعيلتان السادسة والخامسة تمثالن الشطرة الثانية من "المقتصب "مع تغيير في‬
‫صورة التفعيلة في "السريع "وفى "المقتصب "حسب استقراء النتاج الشعرى فى‬
‫هذين القالبين "‪0‬‬
‫وفى لسان العرب مادة "قضب "تدور هذه المادة حول دالالت كثيرة – ومنها‬
‫"القضيب ‪ :‬القطع "قضبه ‪ :‬قضبا واقتضبه ‪،‬فانقضب ‪ 0‬وتقضب ‪:‬انقطع ‪0‬‬
‫والمقتضب من الشعر ‪:‬فاعالت مفتعلن مرتين وبيته د‬
‫عارضان كالبرد‬ ‫أقبلت فالح لها‬
‫ويعلل ابن منظور اطالق هذا اللقلب على ذلك البحر تعليال مخالفا لتعليل "الخليل‬
‫"النه يخالفه أيضا فى أجزاء البحر ‪ 00‬فيجعله أقرب إلى الخفيف ‪ 00‬حيث يجعل‬
‫أوله "فاعالت "وليس " "مفعوالت "التى تحول إلى "مفعوالت "دائما ‪0‬‬
‫ومن هنا يعلل ابن منظور التسمية مستندا للداللة اللغوية للقضب وهى "القطع "‬
‫فيقول "وإنما سمى مقتضبا ألنه اقتضب "مفعوالت وهو "الجزء الثالث من البيت‬
‫أى قطع "(‪)1‬‬
‫وحين نتأمل كالم ابن منظور "نجد أنه يناقص نفسه ‪ 00‬فهو يقول إن أجزاء‬
‫المقتضب ""فاعالت مفتعلن " مرتين‪ ،‬معني ذلك أن التفعيلة الثالثة هى "فاعالت‬
‫"والرابعة "مفتعلن "ولكنه فى تعليله لمسمى ذلك البحر رجع إلى األجزاء التى قال‬
‫بها علماء العروض لهذا البحر ‪ 00‬فقال بأن الجزء الثالث من البيت " مفعوالت‬
‫"افتضب أى قطع ‪ 00‬وهذا هو األصوب ألنه يتوافق مع الداللة اللغوية ‪،‬ومع ما‬
‫ذهب إليه المتخصصون فى علم العروض ‪0‬‬
‫التشكيالت العروضية للمقتضب د‬
‫لهذا البحر شكالن عروضيان هما ‪:‬‬

‫‪ -1‬انظر لسان العرب البن منظور اجمللد اخلامس ص ‪0 3659‬‬


‫‪95‬‬
‫"مفعالت مستعلن – مفعالت مستعلن "‬ ‫الشكل األول د‬
‫العروض مطوية والضرب مطوى ‪،‬حيث يلزم حذف الرابع الساكن من مستفعلن‬
‫في العروض والضرب فتصير "مستعلن "‪0‬‬
‫ومثال ذلك قول أمير الشعراء أحمد شوقى فى وصف حفله رقص بقصر "عابدين‬
‫" وهى تبلغ حوالى سبعين بيتا ومطلعها ‪:‬‬
‫ذهب‬
‫ُ‬ ‫فهى فضة‬ ‫ب‬
‫سها ال َحبَ ُ‬ ‫حف كأ َ‬‫َّ‬
‫مفعالت مستعلن‬ ‫مفعالت مستعلن‬
‫ومن هذه القصيدة قول شوقى ‪:‬‬
‫والظباء تنسرب‬ ‫الليوث مائلة‬
‫واللجين والذهب‬ ‫الحرير ملبسها‬
‫ال الرمال والعشب‬ ‫والقصور مسرحها‬
‫مفعالت مستعلن ‪0‬‬ ‫مفعالت مستعلن‬
‫مفعوالت مستفعل "‬ ‫"مفعوالت مستعلن‬ ‫الشكل الثانى د‬
‫حيث يدخل الضرب "القطع "وهو حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان ما قبله –‬
‫ْ‬
‫مستفعل ‪.‬‬ ‫فاعل " ‪ ،‬ومستفعلن " تصير "‬ ‫ْ‬ ‫مثل فاعلن ‪ :‬تصير "‬
‫ومثال ذلك قول الشاعر ‪:‬‬
‫والجمال يطغيه‬ ‫النعـيــــم شغلــــــــه‬
‫مفعالت مستفعل‬ ‫مفعــــالت مستعـلــن‬
‫فى رغبتى فيه‬ ‫تائــــــه تزهــــــده‬
‫مفعالت مستفعل‬ ‫مفعالت مستعلــــن‬
‫‪ ‬ويخطئ د‪ /‬إبراهيم أنيس حين يذهب إلى أن المقتضب قد أنكره األخفش‬
‫قائال ‪ :‬والغريب أن نرى أمير الشعراء ينظم‬
‫فى بحر كالمقتضب ‪ ،‬ذلك الوزن الذى أنكره األخفش ‪ ،‬وقد بنى على هذا الرأى‬
‫موقفه من هذا البحر فلم يدرجه فى كتابه " موسيقى الشعر ‪.‬‬
‫والحقيقة غير ذلك ‪ ..‬فإن األخفش لم ينكر هذا البحر – حيث تكلم عنه بصورة‬
‫صريحة موجزة فى كتاب " العروض الذى حققه د‪ /‬أحمد عبد الدايم ‪ ،‬حيث يقول‬
‫األخفش فى كتابه ‪:‬‬
‫" وأما المضارع والمقتضب " فكانت فيهما المراقبة ‪ ،‬ألنهما شعران قال‪ ،‬فقل‬
‫الحذف فيهما‪ .‬وإنما يحذفون مما يكثر فى كالمهم ‪.‬‬
‫والمراقبة بين الحرفين تعنى ‪ :‬أنه يسقط أحدهما ويثبت اآلخر ‪ ،‬فال يسقطان معا –‬
‫وال يثبتان معا ‪ ،‬والمراقبة فى المقتضب بين فاء مفعوالت وواوها ‪ ،‬وفى‬
‫المضارع المراقبة بين ياء مفاعيلن ونونها " (‪)1‬‬

‫‪ -1‬انظر كتاب " " العروض " لألخفش حتقيق د‪ /‬أمحد عبد الدامي ص ‪. 162‬‬
‫‪96‬‬
‫وكتاب " العروض " لألخفش أول تقعيد علمى لعلم العروض ‪ ،‬لم يسلك فيه‬
‫األخفش نهج المعلمين ‪ ،‬بل سلك نهج األساتذة العارفين ‪ ،‬حيث وضع لنا فيه ما‬
‫يجوز وما ال يجوز ‪ ،‬ما هو حسن وما هو قبيح " (‪)1‬‬
‫***‬

‫‪ -1‬املصدر نفسه ص ‪ 77‬دراسة احملقق حول الكتاب ‪.‬‬


‫‪97‬‬

‫‪ "16‬المضارع "‬
‫أوال ـ سبب التسمية د‬
‫حين سئل " الخليل بن أحمد " كما يروى ابن رشيق فى كتابه " العمدة " عن سبب‬
‫مسمى هذا البحر " بالمضارع " فقال ألنه ضارع المقتضب ‪ ،‬أى شابهه ‪،‬‬
‫والمضارعة للشئ – كما ورد فى لسان العرب – أن يضارعه كأنه مثله أو شبهه‬
‫‪.‬‬
‫وورد فى لسان العرب تعليل غير التعليل الذى ساقه الخليل حيث يقول ابن منظور‬
‫‪:‬‬
‫قال األزهرى ‪ :‬والنحويون يقولون للفعل المستقبل مضارع لمشاكلته األسماء فيما‬
‫يلحقه من اإلعراب ‪ ،‬والمضارع من األفعال ‪ :‬ما أشبه األسماء وهو الفعل اآلتى‬
‫والحاضر ‪.‬‬
‫مفاعي ُل فاع التن " وسمى بذلك‬ ‫والمضارع فى العروض " مفاعي ُل فاع التن‬
‫ألنه ضارع " المجتث " أى شابهه ‪.‬‬
‫ثانيا ـ أجزاؤه وموقف النقاد من موسيقاه د‬
‫مفاعيلن فاع التن مفاعيلن "‬ ‫" مفاعيلن فاع التن مفاعيلن‬
‫ونظرا لندرة النماذج الشعرية التى وردت فى القالب النغمى لهذا البحر ‪ ،‬ولم ترد‬
‫إال مجزوءة فإن صورة هذا البحر تتشكل فى القالب اآلتى ‪:‬‬
‫مفاعيل فاعالتن "‬ ‫" مفاعيل فاعالتن‬
‫ومثال ذلك قول الشاعر ‪:‬‬
‫فنفسى لها حنين وقلبى له انكار‬
‫مفاعيل فاع التن‬ ‫مفاعيل فــاع التن‬
‫ويالحظ أن د‬
‫" فاع التن " هنا مركبة من وتد مفروق ( فاع ) وسببين خفيفين ( ال ‪ ،‬تن ) ‪ ،‬وال‬
‫يجوز أن يدخلها الخبن ‪ ..‬أى ال يجوز حذف الحرف الثانى ‪ ..‬فال تقول " ف ع ال‬
‫تن " بخالف " فاعالتن " فإنه يجوز فيها " الخبن " فتصير " فعالتن " ‪.‬‬
‫‪ ‬و " حازم القرطاجنى " يرفض هذا البحر رفضا قاطعا حيث يقول " فأما‬
‫المضارع ففيه كل قبيحة " وال ينبغى أن يعد‬
‫من أوزان العرب ‪ ،‬وإنما وضع قياسا ‪ ،‬وهو قياس فاسد ألنه من الوضع المتنافر ‪.‬‬
‫ويذهب القرطاجنى إلى أن األوزان التى ثبت وضعها عن العرب أربعة عشر وزنا‬
‫وهى ‪-:‬‬
‫‪98‬‬
‫( الطويل – والبسيط – والمديد – والوافر – والكامل – والرجز – والرمل –‬
‫والهزج – والمنسرح – والخفيف – والسريع – والمتقارب – والمقتضب –‬
‫والمجتث ) وإن كان المقتضب والمجتث ليس لهما تلك الشهرة فى كالمهم ‪.‬‬
‫والذى يشك فى وضع العرب له " الخبب " ‪.‬‬
‫فأما الوزن الذى سموه المضارع ‪ ،‬فما أرى أن شيئا من االختالف على العرب‬
‫أحق بالتكذيب والرد منه ‪ ،‬ألن طباع العرب كانت أفضل من أن يكون هذا الوزن‬
‫م ن نتاجها ‪ ،‬وما أراه أنتجه إال " شعبه بن رسام " خطرت صورته على فكر من‬
‫وضعه قياسا ‪ ،‬فياليته لم يضعه ‪ ،‬ولم يدنس أوزان العرب بذكره معها ‪ ،‬فإنه‬
‫أسخف وزن سمع فال سبيل إلى قبوله ‪ ،‬وال العمل عليه أصال " (‪)1‬‬
‫وعلى الرغم من هذا الموقف الرافض للبحر المضارع من حازم القرطاجنى ‪ ،‬فإن‬
‫الجوهرى صاحب المعجم اللغوى الجامع " تاج اللغة وصحاح العربية " والذى‬
‫عاش فى القرن الرابع الهجرى العاشر الميالدى ‪ ،‬قد فصل القول فى كتابه‬
‫عروض الورقة عن البحر المضارع وأتى بأشكال كثيرة له ‪ ..‬وفى ذلك داللة على‬
‫وجود هذا البحر ‪ ..‬مهما ندرت أمثلته ‪ ،‬وحازم القرطاجنى عاش فى القرن السابع‬
‫الهجرى ‪ ،‬أى بعد الجوهرى بثالثة قرون ‪ ، ..‬فرفضه لهذا البحر ال يصبح قاعدة‬
‫نلتزم بها ألن الجوهرى عالم ثقة ثبت ومذهبه يعتد به فى االحتجاج والتقعيد ‪.‬‬
‫وقد جاء تحليل الجوهرى للمضارع على هذا النحو ‪:‬‬
‫أجزاء المضارع د مربع قديم ال غير ‪ .‬أى يتكون من أربع تفاعيل د‬
‫مفاعيلن فاعالتن‬ ‫مفاعيلن فاعالتن‬
‫وبيته الذى ال زحاف فيه ‪:‬‬
‫لجارات أو لعان‬ ‫بنو سعد خير قوم‬
‫ويعلق الجوهرى على هذا الشكل من أشكال المضارع بقوله وهذا محدث ‪ ،‬ولم‬
‫يجئ عن العرب فيه بيت صحيح ‪ ،‬أى أن هذا الشكل " محدث " ‪ ..‬ومعنى ذلك أنه‬
‫يجوز أن ينظم الشعراء قصائدهم على هذا القالب " بدون أى زحافات " ‪.‬‬
‫مفاعيلن فاعالتن "‬ ‫" مفاعيلن فاعالتن‬
‫ويالحظ أن " الجوهرى " يخالف " الخليل " فى شكل التفعيلة الثانية والرابعة فهى‬
‫فى مذهبه " فاعالتن " مكونة من سبب خفيف فوتد مجموع فسبب خفيف ( ‪- 5/‬‬
‫‪. ) 5/ - 5/-/‬‬
‫أما عند الخليل واألخفش فهى تتكون من وتد مفروق فسببين خفيفين ( ‪/ 5 / - / 5/‬‬
‫‪ ) 5‬فاع التن ‪.‬‬
‫وبناء على هذا التخالف فى شكل التفعيلة يقول " الجوهرى " وزحاف المضارع‬
‫خمسة ‪:‬‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬منهاج البغاء وسراج األدابء حلازم القرطاجىن ص ‪. 243 ، 268‬‬


‫‪99‬‬
‫( القبض – الكف – الخرم – الشتر – الخبن ) وهذه الزحافات تدخل كلها فى "‬
‫مفاعيلن " ‪.‬‬
‫أ ـــ فيجوز فيها " الكف " وهو حذف السابع الساكن فى مفاعيلن فتصير مفاعيل ‪.‬‬
‫ومثال ذلك قول القائل ‪:‬‬
‫دواعى هوى سعاد‬ ‫دعانى إلى سعادى‬
‫وتقطيعه هكذا ‪:‬‬
‫دواعى هوى سعاد‬ ‫دعانى إلى سعادى‬
‫مفاعيـــــــــل فاعالتــــــن‬ ‫مفاعيـــل فاعالتــــــــن‬
‫ب ــــ يجوز فى مفاعيلن ‪ :‬القبض فتصير " مفاعلن " حيث يحذف الخامس الساكن‬
‫‪.‬‬
‫جـ ـــ ويجوز فى عروضه " الكف " حيث يحذف السابع الساكن من فاعالتن‬
‫فتصير " فاعالت " ومن ذلك قول القائل ‪:‬‬
‫فما أرى مثل زيد‬ ‫وقد رأيت الرجال‬
‫مفاعلـــــن فاعالتن‬ ‫مفاعلــــن فاعالت‬
‫ويقول الجوهرى ‪ " :‬وهذا يشبه المجتث " وهذا التشابه يعود بنا إلى ‪ :‬صاحب‬
‫لسان العرب حيث توصل إلى هذا التشابه حين قال معلال تسمية المضارع بهذا‬
‫االسم ألنه ضارع المجتث أى شابهه ‪.‬‬
‫د ــ ويجوز فى أول " جزأيه " الخرم والكف ‪ ،‬فتصبح " مفاعيلن " فى أول‬
‫الشطرين " فاعيل " وتنقل إلى " مفعول " حيث حذف أول الوتد المجموع من أول‬
‫التفعيلة ‪ ..‬وهذا هو " الخرم " فتحذف الميم " من أول تفعيلة " مفاعيلن " ‪،‬‬
‫ويحذف السابع الساكن وهو الكف ‪ ،‬ومثال ذلك قول القائل ‪:‬‬
‫كل له مقال‬ ‫قلنا لهم وقالوا‬
‫مفعول فاعالتن‬ ‫مفعول فاعالتن‬
‫ويطلق الجوهرى على اجتماع الزحافين " الخرم والكف " لقب " األخرب " ‪.‬‬
‫ه ــ ويجوز فى أول جزأيه " الخرم والقبض فيبقى " " فاعلن " ‪ ،‬فيسمى األشتر‬
‫وبيته أى مثاله ‪:‬‬
‫ثناء على ثناء‬ ‫سوف أهدى لسلمى‬
‫مفاعيل فاعالتن‬ ‫فاعلــــــــن فاعالتـــــــن‬
‫وعن الصورة السابقة يقول " الجوهرى " ‪:‬‬
‫وهذا يشبه مربع الوافر ‪ ،‬وكان الخليل يوجب فيه مراقبة يائها ونونها ‪ ،‬فإما أن‬
‫يكف فيكون " مفاعيل " ‪ ،‬أو يقبض فيكون " مفاعلن " وال يثبت الساكنان معا ‪..‬‬
‫وال يسقطان معا ‪.‬‬
‫ز ـــ ويجوز " خبن " " فاعالتن " لمعاقبة ما قبله ‪ ..‬وبيته ‪:‬‬
‫فديناهم بجفان‬ ‫إذا ضيف طرقونا‬
‫مفاعيلـــــــن فعالتن مفاعيلن فعالتن‬
‫‪100‬‬
‫وال شك أن هذه الزحافات الكثيرة جعلت األشكال الموسيقية لهذا البحر تتعدد ‪..‬‬
‫وتتنوع ‪ ..‬حيث يتسع المجال أمام الشعراء للنظم فى هذا القالب اإليقاعى ‪..‬‬
‫فالشكل التام من هذا البحر " مفاعيلن فاعالتن ‪ ..‬مفاعيلن فاعالتن " مقبول ذوقيا‬
‫وإيقاعيا ‪.‬‬
‫وكذلك الصورة المأثورة التى اتفق عليها أغلب علماء العروض وهى ‪:‬‬
‫مفاعلين فاعالتن "‬ ‫" مفاعيل فاعالتن‬
‫والشكل الذى أطلق عليه " الجوهرى " " الخرب " حيث يجتمع " الخرم والكف‬
‫أول الشطرين " يمكن أن يصاغ على وزن قريب جديد هو ‪:‬‬
‫مستفعلن فعولن‬ ‫مستفعلن فعولن‬
‫كل له مقال‬ ‫قلنا لهم وقالوا‬
‫وهذه التنويعات الموسيقية تعد مظهر ثراء إيقاعى ‪ ،‬وتفتح المنافذ اإليقاعية‬
‫للشعراء رغبة فى التجديد ‪ ..‬ومواصلة اإلبداع والعطاء فى ساحة الشعر الرحبة ‪،‬‬
‫فالشعر فن العربية األول ‪ ..‬وهو كان ‪ ..‬ومازال وسيظل " ديوان العرب " ‪.‬‬
‫‪101‬‬

‫موسيقى القافية‬
‫ـــــ إن موسيقى القافية من أسس بناء القصيدة العربية فى إطارها التراثى ‪...‬‬
‫‪ ،‬وقد التزمت كل موجات التجديد الشعرى بسحر إيقاع القافية األخاذ ‪ ،‬وكثير‬
‫من ظواهر التجديد كان بدافع من الوصول إلى أعلى درجات التأثير اإليقاعى‬
‫الذى يحدثه تنوع القوافى ‪ ..‬وتوزيعها بصورة تشكيلية تقترب من طريقة‬
‫الموسيقيين فى توزيع ألحانهم ‪ .‬والموشحات ‪ ،‬والمسمطات ‪ ،‬خير مثل على‬
‫تحقق هذه الظاهرة ‪.‬‬
‫ـــــ وقد تنبه القدماء إلى أهمية القافية فى الداللة فاعتبروها خصوصية وميزة‬
‫تخص العرب وحدهم ‪ ،‬وبهم احتذت األمم فى أشعارنا ونظرا لصلة القافية‬
‫بالشعر وما تضفيه عليه غدا الكشف عنها كشفا عن جوهر الشعر وأجمل ما‬
‫فيه فأشعر بيت تقوله العرب " ما أوله دليل على قافيته " كما جاء فى العقد‬
‫الفريد – فى سياق توضيح رأى الخليل بن أحمد ‪. ،‬‬
‫ثم إن هذا التكرار والتوازن الذى يحسه اإلنسان فى النص والنفس معا ‪،‬‬
‫وبسبب من وجودها ‪ ،‬جعلت القافية أشرف ما البيت ‪ ،‬فإذا كانت حوافر الفرس‬
‫أوثق ما فيها وعليها ‪ /‬اعتماده ‪ ،‬فالقوافى حوافر الشعر ‪ ،‬فهى مركزه ونقطة‬
‫تماسكه ‪ ،‬وعليها ‪ /‬جريانه واطراده ‪ ،‬أى مواقفه ‪ ،‬فإن صحت استقامت جريته‬
‫‪ ،‬وحسنت مواقفه ونهاياته ‪ ،‬ولما كانت تحصينا للبيت ‪ ،‬وتحسينا له من‬
‫الظاهر والباطن كانت أجل وأغلى ما فى القصيدة ‪ ،‬وبسبب من هذه النظرة‬
‫المهمة للقافية نبه القدماء إلى ضرورة تهذيبها وإحاللها مكانها المناسب فى‬
‫البيت فتأخذ مركزها ونصابها وتتصل بشكلها ‪ ،‬وال تكون قلقلة فى مكانها‬
‫فتكره على اغتصاب األماكن والنزول من غير أوطانها ‪ ،‬وبحكم أن القافية‬
‫جزء ال يتجزأ من المعنى فإنه ينبغى أن تكون متممة له فتأتى – كالموعود‬
‫المنتظر يتشوقها المعنى بحقه ‪ ،‬واللفظ بقسطه ‪ ،‬وإال كانت قلقة فى مقرها ‪،‬‬
‫مجتلبة لمستغن عنها (‪)1‬‬
‫‪ ‬وحين نتعرض لدراسة القافية ومكانتها من النص الشعرى يقتضينا البحث‬
‫أن نحصد الظواهر االتية ‪:‬‬

‫‪ -1‬عضوية املوسيقى ىف النص الشعرى ص ‪ ، 75‬وانظر الكتب اآلتية ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ املوسيقى الكبري ت غطاس عبد امللك وحممود احلفىن دار الكاتب العرىب سنة ‪ 1967‬م ‪.‬‬
‫‪2‬ـ منهاج البلغاء حلازم القرطاجىن – تونس ‪ 1966‬م ‪.‬‬
‫‪3‬ـ اخلصائص البن جىن ‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫‪2‬ـ القيمة الصوتية والنفسية ‪.‬‬ ‫‪ 1‬ــ الداللة اللغوية والفنية للقافية‬
‫‪3‬ـ مكونات القافية ‪.‬‬
‫‪5‬ـ انواع القافية واسمائها ‪.‬‬ ‫‪4‬ـ حركات القافية ‪.‬‬
‫‪6‬عيوب القافية والضرورات الشعرية ‪.‬‬
‫‪7‬ـ القافية وموسيقى الحرف ‪.‬‬
‫أوال – الداللة اللغوية والفنية للقافية د‬
‫إن الداللة اللغوية والفنية للقافية بينهما من التقارب والتمازج مما يدعو‬
‫للغرابة والدهشة ‪ .‬فالداللة اللغوية لكلمة " قافية " هى منبع إدراكنا الواعى‬
‫للداللة الفنية لها ففى " لسان العرب " يرد تحليل هذه الكلمة اللغوية ممتزجا‬
‫بالداللة الفنية حيث يقول " وقافية كل شئ " آخره ‪ ،‬ومنه قافية بيت الشعر ‪" ،‬‬
‫‪ ،‬ثم يفصل " ابن منظور " القول فى " القافية لغة وفنا ونقدا فيرى أن " القافية‬
‫من الشعر " الذى يقفو البيت ‪ ،‬وسميت قافية ألنها تقفو البيت ‪ ،‬وفى الصحاح ‪:‬‬
‫ألن بعضها يتبع أثر بعض ‪.‬‬
‫وقال أألخفش ‪ :‬القافية آخر كلمة فى البيت ‪ ،‬وإنما قيل لها قافية ألنها تقفو‬
‫الكالم‪ ،‬قال ‪ :‬وفى قولهم قافية دليل على أنها ليست بحرف ‪ ،‬ألن القافية مؤنثة‬
‫والحرف مذكر ‪ ،‬وإن كان قد يؤنثون المذكر قال " أى األخفش " وهذا قد سمع‬
‫م ن العرب ‪ ،‬وليست تؤخذ األسماء بالقياس أال ترى أن رجال وحائطا وأشباه‬
‫ذلك ال تؤخذ بالقياس ‪ ،‬إنما ينظر ما سمعته العرب " فى الجاهلية‪ ،‬والعرب ال‬
‫تعرف الحروف ‪.‬‬
‫قال ابن سيدة ‪ :‬أخبرنى من أثق به أنهم قالوا لعربى فصيح أنشدنا قصيدة عن‬
‫الذال ‪ :‬فقال ‪ :‬وما الذال ؟؟ !!‬
‫قال ‪ :‬وسئل بعض العرب عن الذال وغيرها من الحروف فإذا هم ال يعرفون‬
‫الحروف ‪ ،‬وسئل أحدهم عن قافية ‪:‬‬
‫ال يشتكين عمال ما أ َ ْنقَ ْينَ‬
‫فقال أنقين ‪ ،‬وقالوا ألبى حية ‪ ،‬أنشدنا قصيدة عن القاف فقال ‪:‬‬
‫" كفى بالنأى من أسماء كاف "‬
‫فلم يعرف " القاف " ‪.‬‬
‫وقال الخليل ‪ :‬القافية من آخر حرف فى البيت إلى أول ساكن يليه مع الحركة‬
‫التى قبل الساكن ‪ .‬كأن القافية على قوله من قول لبيد‪:‬‬
‫عفت الديار محلها فمقامها‬
‫من فتحة القاف إلى آخر البيت ‪ ( ،‬قامها )‬
‫وقال " قطرب " القافية ‪ ..‬الحرف الذى تبنى القصيدة عليه وهو المثنى " رويا‬
‫"‪.‬‬
‫وقال " ابن كيسان " القافية كل شئ لزمت إعادته فى آخر البيت ‪.‬‬
‫** قال ابن جنى ‪ :‬والذى يثبت عندى صحته من هذه األقوال هو قول الخليل ‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫وكثير من علماء العروض يتجه إلى أن هناك خالفا بين األخفش والخليل فى‬
‫تحديد " القافية " ‪ ،‬حيث يرى األخفش أن القافية آخر كلمة فى البيت ‪ ،‬بينما‬
‫يرى الخليل أن القافية ‪ :‬من آخر حرف فى البيت الى أول ساكن يليه مع‬
‫الحركة التى قبل الساكن ‪.‬‬
‫فاألخفش يرى أن كلمة " موعد " هى القافية فى قول " زهير " تزود إلى يوم‬
‫الممات فإنه ولو كرهته النفس آخر موعد ‪.‬‬
‫وأما الخليل فالقافية عنده أيضا كلمة " موعد " ألن آخر ساكن فى البيت " الياء‬
‫" من " موعدى " ‪ ،‬وأقرب ساكن يليه متحرك " الواو " يسبقها الميم ‪.‬‬
‫وقد تكون القافية أكثر من كلمة عند الخليل مثل " لم ينم " فى قول الشاعر‪:‬‬
‫ما أطول الليل على مالم ينم‬ ‫لكل ما يؤذى وإن قَ َّل ألم‬
‫وقد تكون القافية عند الخليل " بعض كلمة مثل " " ال ال " من " زالال " ومن‬
‫ذلك قول أحد الشعراء ‪.‬‬
‫يجد مرا به الماء الزالال‬ ‫ومن يك ذا فم مر مريض‬
‫" وابن سيدة " يرى أنه ال خالف بين األخفش والخليل فى تحديد القافية حيث‬
‫يقول " واما ماحكاه األخفش من أنه سأل عن القافية فى قول من أنشد‬
‫ال يشتكين عمال ما أنقين ‪..‬‬
‫فقال له المسئول ‪ :‬إن القافية " أنقين "‬
‫يقول ابن سيدة ‪ :‬فال داللة فيه على أن القافية عندهم الكلمة ‪ ،‬وذلك أنه نحا نحو‬
‫ما يريده الخليل ‪ .‬فلطف عليه أن يقول هى من فتحة القاف إلى آخر البيت ‪،‬‬
‫فجاء بما هو عليه أسهل ‪ ،‬وبه آنس ‪ ،‬وعليه أقدر ‪ ،‬فذكر الكلمة المنطوية على‬
‫القافية فى الحقيقة مجازا ‪ ،‬وإذا جاز لهم أن يسموا البيت كله قافية ‪ ،‬ألن فى‬
‫آخره قافية ‪ ،‬فتسميتهم الكلمة التى فيها القافية نفسها قافية أجدر بالجواز ‪،‬‬
‫وذلك قول حسان ‪:‬‬
‫ونضرب حين تختلط الدماء‬ ‫فنحكم بالقوافى من هجانا‬
‫وذهب األخفش إلى أنه أراد هنا بالقوافى " األبيات " ‪.‬‬
‫وقال ابن جنى ‪ :‬ال يمتنع عندى أن يقال فى هذا إنه أراد القصائد كقول‬
‫الخنساء‪:‬‬
‫ن تبقى ويهلك من قالها‬ ‫وقافية مثل حد السنا‬
‫تعنى قصيدة ‪ ،‬والقافية – كما قالت الخنساء – تطلق على القصيدة ويقول‬
‫شاعر آخر ‪:‬‬
‫قوم سأترك فى أعراضهم ندبا‬ ‫ً‬
‫نُ ِبئْتُ قافية قيلت تناشدها‬
‫وإذا جاز أن تسمى القصيدة كلها قافية كانت تسمية الكلمة التى فيها القافية‬
‫قافية أجدر ‪.‬‬
‫قال ابن جنى مفسرا هذا التعدد فى داللة القافية ومكانتها من النص " وعندى‬
‫أن تسمية الكلمة والبيت والقصيدة قافية إنما هى على إرادة " ذو القافية " ‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫واألزهرى ‪ :‬يذهب مذهب ابن جنى قى ذلك فيقول ‪ :‬العرب تسمى البيت من‬
‫الشعر قافية ‪ ،‬وربما سموا القصيدة " قافية "(‪)1‬‬
‫وللدارسين المحدثين رؤيتهم حول أهمية القافية ومدلولها الفنى ‪ ..‬على‬
‫الرغم من ثورة أصحاب مدرسة شعر التفعيلة على نظام القافية المطرد فى‬
‫الشعر القديم ‪.‬‬
‫يقول د‪ /‬إبراهيم أنيس ليست القافية إال عدة أصوات تتكرر فى أواخر‬
‫األشطر أو األبيات من القصيدة ‪ ،‬وتكررها هذا يكون جزءا مهما من‬
‫الموسيقى الشعرية ‪ ،‬فهى بمثابة الفواصل الموسيقية يتوقع السامع ترددها ‪،‬‬
‫ويستمتع بمثل هذا التردد الذى يطرق اآلذان فى فترات زمنية منتظمة وبعد‬
‫عدد معين من مقاطع ذات نظام خاص يسمى بالوزن (‪ )2‬ويصف د‪ /‬أحمد‬
‫كشك القافية بأنها‪ ،‬تاج اإليقاع الشعرى‪ .‬ويخصص لدراستها كتابا يحمل هذا‬
‫العنواند" القــــافية تاج اإليقاع الشعرى "‬
‫ويتفق مع د‪ /‬إبراهيم أنيس فى العالقة العضوية بين الوزن والقافية فيقول ‪:‬‬
‫إن القاف ية تاج اإليقاع الشعرى ‪ ،‬وهى ال تقف من هذا اإليقاع موقف الحلية بل‬
‫هى جزء ال ينفصم منه ‪ ،‬إذ تمثل قضاياها جز ًءا من بنية الوزن الكامل تفسر‬
‫من خالله ‪ .‬وتفسره ‪ ،‬فهما وجهان لعملة واحدة " (‪)3‬‬
‫وعلى الرغم من هذا التالحم بين الوزن والقافية فى تراثنا الشعرى والنقدى‬
‫‪ ،‬نجد بعض الدارسين المعاصرين يحاولون أن يزلزلوا دعائم هذه العالقة‬
‫الراسخة فى حقل اإلبداع الشعرى ‪ ،‬واألطروحات النقدية ‪:‬‬
‫ففى كتاب د الصوت القديم الجديد يناقش د ‪ /‬عبد هللا الغذامى‬
‫مؤلف الكتاب آراء القدامى فى تعريفهم للشعر ‪ ،‬ويحاول أن يهون من شرط‬
‫القافية فى الشعر ‪ ،‬ويستنتج من تعريف قدامة للشعر ‪ ..‬أنه – أى قدامة –‬
‫أشار إلى وجود " الشعر الحر " الذى ال يلتزم بالقافية ‪.‬‬
‫وهذا تكلف منه فى التخريج ألن قدامة بن جعفر يعرف الشعر قائال ‪ " :‬إنه‬
‫قول موزون مقفى يدل على معنى "‬
‫يقول الغذامى " والذى يعنينا من هذا التعريف هو قوله " " مقفى " وهى‬
‫كلمة شرحها قدامة قائال ‪ ( :‬وقولنا مقفى ‪ :‬فصل بين ماله من الكالم الموزون‬
‫قواف وبين ماال قوافى له وال مقاطع وهذا معناه أنه قد يأتى من الكالم‬
‫الموزون ما هو غير مقفى ‪ .‬أى شعر يعتمد على الوزن دون القافية‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬لسان العرب البن منظور مادة " قفا " وميزان الذهب للهامشى ‪.‬‬
‫‪ -2‬موسيقى الشعر ص ‪ 246‬د‪ /‬ابراهيم أنيس ‪.‬‬
‫‪- 3‬القافية اتج اإليقاع الشعرى ص ‪ 9‬د‪ /‬أمحد كشك ‪.‬‬
‫‪105‬‬
‫وهذه نتيجة غير صحيحة ‪ :‬ألن الكالم الموزون غير المقفى ال يعد شعرا فى‬
‫رأى قدامة ‪ ،‬والموزون فى عرف القدامى هو الذى يلتزم بعدد التفاعيل‬
‫المأثورة فى كل بحر ‪..‬‬
‫والغذامى يحاول أن يبحث عن الجذور العربية لموسيقى شعر " التفعيلة "‬
‫وذلك منحى شريف ودقيق ومطلوب ولكن ال يكون بتأويل النصوص‬
‫وتفسيرها بما بخالف السياق والمدلول ‪.‬‬
‫ورفض د‪ /‬الغذامى " للقافية " يتضح فى تعليقه على نص قدامة بن جعفر ‪.‬‬
‫حيث يقول بعد عدة تأويالت ‪ :‬وهذه كلها تدل على عدم أهمية القافية – كإحدى‬
‫سمات الشعر الخارجية ‪ ،‬عند قدامة ثم يصف قدامة بأنه " اصطدم بعقبة‬
‫القافية " وفى موضع آخر بعد وصفه للقافية بأنها " عقبة " يصف القافية‬
‫بالشذوذ عن بقية عناصر الشعر فى رأى قدامة ‪ ،‬ثم يصل الباحث إلى النتيجة‬
‫التى حددها مسبقا والحت إرهاصاتها فى تفسيره للنصوص النقدية ‪ ،‬ونراه‬
‫يرفض القافية قائال " إن القافية لم تعد تعنى شيئا له صفة اإللزام ‪ .‬فإننا نجد‬
‫القافية غامضة الداللة مشتتة المفهوم حتى إن العلماء عندما يتناولونها يخلطون‬
‫بينها وبين الروى كما حدث لقدامه فى فصله " نعت القوافى " ‪.‬‬
‫ويحاول الغذامى انتزاع رفض القافية من تعريف ابن طباطبا العلوى للشعر‬
‫‪ ،‬ومن تعريف أبى هالل العسكرى للشعر أيضا ‪ ،‬وكذلك من تعريف أبى‬
‫العالء المعرى ‪ ..‬ويدعى أن هؤالء العلماء لم ينوهوا بالقافية ‪ ،‬ولم يجعلوها‬
‫من عناصر الشعر ‪ ،‬وهذا خلط فى فهم النصوص ‪ ،‬وعدم دقة فى تحرى‬
‫الصواب ‪ ،‬ومحاولة للوصول إلى المعتقد الشخصى مهما كانت الوسيلة إلى‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫فأما أن ابن طباطبا " لم يلتفت إلى التقفية " كما يقول " الغذامى " ( )‬
‫فهذا قول غير صحيح ‪ ،‬وتجن ترفضه الحقيقة العلمية الثابتة ففى كتاب " عيار‬
‫الشعر " " البن طباطبا " تأتى الخاتمة تحت عنوان " القوافى " (‪ .. )2‬وكأن "‬
‫ابن طباطبا " أراد أن يقول ‪ :‬إن القوافى تختم بها أبيات القصيدة ‪ ..‬وأنا أختم‬
‫بها فصول كتابى "‪.‬‬
‫يقول ابن طباطبا فى وضوح بعيد عن اإللغاز وبمنآى عن شطط التأويل "‬
‫وسألت أسعدك هللا عن حدود القوافى " ‪ ،‬وعلى كم وجه تتصرف قوافى الشعر‬
‫؟‬
‫ثم يجيب " ابن طباطبا " مؤكدا تواجد القافية وحتمية حضورها فى الكيان‬
‫الشعرى حسب مقاييس عصره ‪ :‬يقول " قوافى الشعر تنقسم على سبعة أقسام ‪:‬‬
‫ـــ إما أن تكون على فاعل مثل كاتب وحاسب وضارب ‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر " الصوت القدمي اجلديد " ص ‪ 119 – 118‬د‪ /‬عبد هللا الغذامى ‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر ‪ " :‬عيار الشعر البن طباطبا ص ‪ – 133‬دار الكتب العلمية ‪ /‬بريوت لبنان ‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫ـــ أو على " مفعل " مثل مكتب ومضرب ومركب ‪.‬‬
‫ـــ أو على " فعيل " مثل حبيب وكئيب وطبيب ‪.‬‬
‫ـــ أو على " فعل " مثل ذهب وحسب وطرب ‪.‬‬
‫ـــ أو على " ف ْعل " مثل ضرب وقبل وقطب ‪.‬‬
‫عذيب ‪.‬‬‫ـــ أو على " فُعيل " مثل كليب ونصيب و ُ‬
‫** وفى نهاية هذا التحليل للقوافى يقول ابن طباطبا مؤكدا حرصه على القافية‬
‫‪.‬‬
‫فهذه حدود القوافى التى لم يذكرها أحد ممن تقدم ‪ ،‬فأدرها على جميع‬
‫الحروف ‪ ،‬واختر من بينها أعذبها وأشكلها للمعنى الذى تروم بناء الشعر عليه‬
‫إن شاء هللا " (‪)1‬‬
‫والشواهد كثيرة فى كتاب " عيار الشعر " البن طباطبا ‪.‬‬
‫فلو واصل الغذامى قراءته فى فصل " الشعر وأدواته " لوقع على تصريح‬
‫ابن طباطبا فى الصفحة التالية لحد الشعر عنده ‪ ..‬حيث يكشف عن سمات‬
‫الشعر الجيد قائال‪:‬‬
‫" فيلتذ الفهم بحسن معانيه كالتذاذ السمع بمونق لفظه "‪.‬‬
‫وتكون قوافيه كالقوالب لمعانيه ‪ ،‬وتكون – أى القوافى – قواعد للبناء‬
‫يتركب عليها ويعلو فوقها ‪ ،‬فيكون ما قبلها مسوقا إليها ‪ ،‬وال تكون مسوقة إليه‬
‫‪ ،‬فتقلق فى مواضعها ‪ ،‬وال توافق ما يتصل بها " (‪)2‬‬
‫وفى مبحث " األشعار المحكمة وأضدادها " يذكر ابن طباطبا كما يقول فى‬
‫مقدمة هذا المبحث أمثلة " للقوافى القلقة فى مواضعها ‪ ،‬والقوافى المتمكنة فى‬
‫مواقعها " (‪)3‬‬
‫فهل من صائب القول أن نقول ‪ :‬إن ابن طباطبا لم يلتفت إلى التقفيه ‪ .‬إنه‬
‫التفت إليها وجعل إحكامها من سمات الشعر الصحيح " فإذا كان الشعر على‬
‫هذا المثال سبق السامع إلى قوافيه قبل أن ينتهى إليها راويه ‪ ،‬وربما سبق إلى‬
‫إتمام مصراع منه إصرارا يوجبه تأسيس الشعر " ص ‪. 131‬‬
‫وكل الدالئل السابقة تؤكد أن ابن طباطبا لم يهمل التقفية بل حث عليها‬
‫وجعلها من سمات الشاعرية وبناء الشعر ‪.‬‬
‫وأبو العالء المعرى لم يرفض القافية ‪ .‬ولكنه بالغ فى تأكيد حضورها حين‬
‫أبدع ديوانه " اللزوميات " فهى دليل فنى على شدة قناعة أبى العالء بدور‬

‫‪ 1‬السابق ص ‪. 133‬‬
‫‪ 2‬السابق ص ‪ 10‬وانظر ص ‪ 11‬مبحث صناعة الشعر‬
‫‪ -3‬السابق ص ‪ 37‬وانظر ص ‪ 54‬حيث يشيد بعدم استكراه القواىف عند زهري وىف ص ‪ 71‬يصف قصيدة‬
‫لألعشى " عينية " ابهنا " قلقة القواىف "‬
‫‪107‬‬
‫القافية فى النص الشعرى ‪ ،‬ولم يكتف بهذا بل أشار إلى ضرورة التدقيق فى‬
‫اختيار القافية فأوضح أن هناك قوافى نافرة وأخرى مستحبة ‪ ،‬وحذر الشاعر‬
‫أن يستخدم الحروف النافرة فى قافيته كالغين والطاء والظاء والثاء والجيم‬
‫والزاى ‪ ،‬فموسيقاها الصوتية تقع على األذن وقعا سيئا ‪ .‬وبالتالى فإن‬
‫مردودها فى النفس ال يكون مستملحا " (‪)1‬‬
‫والشعراء القدامى جعلوا القافية مناط فخرهم ‪ ،‬وأطلقوا على القصيدة مسمى‬
‫" القافية " ‪ ،‬وأرادوا بالقوافى أحيانا ‪ :‬األبيات الشعرية ‪ :‬وامرؤ القيس يجسد‬
‫تمسكه بالقافية وحرصه عليها ‪ ..‬فى هذه الصورة الشعرية النادرة ‪ ..‬إذ يقول‪:‬‬
‫ذياد غالم جرئ جرادا‬ ‫أزود القوافى عنى ذيادا‬
‫تنقيت منهن عشرا جيادا‬ ‫فلما كثرن وأعييننـــــــــــى‬
‫وآخذ من ردها المستجادا‬ ‫فأعزل مرجانها جانبا‬
‫أما " سويد بن كراع العكلى " وهو شاعر مخضرم فقد شبه القوافى (‬
‫ويعنى بها هنا أبيات الشعر ) بسرب من حيوان الوحش اآلبد ‪ ،‬وراح بعد ذلك‬
‫يعالج هذه الصورة الفريدة معالجة الصانع الماهر " ثم ذكر أنه أكب على‬
‫تهذيبها عاما وبعض العام ‪ ،‬وود لو أطال فى تهذيبها يقول ‪ :‬سويد‪:‬‬
‫أصادى بها سربا من الوحش نزعا‬ ‫أبيت بأبواب القوافى كأنما‬
‫يكون سحيرا أو بعيدا فأجمعا‬ ‫س بعدما‬ ‫أعر َ‬
‫أكالئها حتى ِ‬
‫عصا مربد تغشى نحورا وأذرعا‬ ‫عواصى أال َّ ما جعلت أمامها‬
‫طريقا أملَّته القصائد مهيعا ( )‬
‫‪2‬‬
‫أهبت يغر اآلبدات فراجعت‬
‫ثانيا د القيمة الصوتية والنفسية د‪-‬‬
‫إن القيمة الصوتية والنفسية للقافية ال تظهر بجالء ‪ ،‬وال يبوح بها النص‬
‫الشعرى ‪ ..‬إذا ظلت دراستنا للقافية دراسة آلية شكلية بعيده عن استبطان‬
‫النص والتغلغل فى لب التجربة ‪ ..‬والوقوف على خصائص الحروف‪،‬‬
‫ومحاولة تفسير سر اختيار قافية بعينها دون األخرى ‪ ،‬وهل هناك عالقة بين‬
‫اختيار الشاعر للروى وبين تجربته الشعرية ؟؟‬
‫"فالقارئ المطلع على الشعر القديم يالحظ مثال كثرة ورود حرف العين رويا‬
‫لقصائد الرثاء ‪ 0‬األمر الذى يلفتنا إلى ما فى جرس العين من مرارة وتعبير‬
‫عن الوجع والجزع والفزع والهلع "!كما يالحظ ورود حرف السين رويا‬
‫لقصائد كثيرة عاطفتها األساسية األسف واألسى والحسرة ‪00،‬وحين نتأمل‬
‫النماذج الشعرية الجيدة نرى هذا التمازج بين القيمة الصوتية والقيمة النفسية ‪0‬‬
‫فالتشكيل الصوتى صدى للشعور القائم فى النفس ‪،‬يبين عنه ويجسده ‪،‬وينبئ‬
‫عن صدق التجربة ‪ ،‬وتقوق األداء الشعرى ‪0‬‬

‫‪ -1‬انظر رسالة العفران ‪ ،‬ومقدمة لزوم ماال يلزم و " عضوية املوسيقى ىف النص الشعرى "‬
‫‪ -2‬الشعراء نقادا د‪ /‬عبد اجلبار املطلىب ص ‪. 31‬‬
‫‪108‬‬
‫وحركة الروى المطلق تفسر أحيانا نفسية الشاعر وتعلن عن طبيعته ومزاجه‬
‫فى الحياة ‪0‬‬
‫وقد تجلت هذه الظاهرة فى بعض النقائص الشعرية بين الفرزدق وجرير ‪0‬‬
‫فجرير يتسم برقة الطبع ‪،‬ولين الجانب وسماحة النفس أما الفرزدق فهو جاف‬
‫‪،‬غليظ الطبع ‪،‬فيه خشونة وبداوة ‪0‬‬
‫وحين أراد "جرير " أن ينقض المية الفرزدق ‪0‬‬
‫بيتا دعائمه أعز وأطو ُل‬ ‫إن الذى سمك السماء بنى لنا‬
‫لم يرتح إلى الضمة مجرى لروى نقيضته ‪،‬وآثر العدول عنها إلى الكسرة ‪00‬‬
‫فجاءت القافية مكسورة ‪0‬‬
‫وهذا – كما يقول د| النويهى – من خير الشواهد على رقة جرير بالمقارنة‬
‫إلى غلظة الفرزدق ‪،‬ولسنا نعنى أن جريرا لم يستعمل الضمة مجرى للروى‬
‫قط ‪،‬بل كل ما نعنيه هو أنه فى هذه المناسبة لم يستطع أن يجارى الفرزدق في‬
‫ضخامته ‪،‬مع علمه بأن النقيضة يلزمها اتباع القصيدة األصلية اتباعا كامال فى‬
‫الوزن والقافية معا بجميع أحكامها ‪0‬‬
‫ومما يؤيد ملحوظتنا هذه أن نعرف أن الفتحة أكثر الحركات شيوعا في اللغة‬
‫العربية ‪،‬وأن الكسرة ثانيتها شيوعا ‪ 0‬وأن الضمة أقلها ‪،‬وأن نعرف – كذلك‬
‫– أن القبائل البدوية كانت تميل إلى الضم ‪ ،‬فى حين أن القبائل المتحضرة‬
‫كانت تميل إلى الكسر " (‪)1‬‬
‫** فالبد إذن من البحث – كما يقول العقاد – عن سبب غير األمزجة العنصرية‬
‫‪ ،‬والبد أن يكون اختالف اإلنشاد هو سبب االختالف بين العرب وسائر الشعوب‬
‫السامية فإن شعوب وادى النهرين ألفت أناشيد الكهان فى الهياكل فترخصت فى‬
‫القافية كما ترخصت فيها الشعوب اآلرية التى يتغنى فيها الناس مجتمعين ‪ ،‬وقد‬
‫ألف العبريون العبادة معا منذ كانوا قبيلة واحدة تنتقل بحذافيرها وتبتهل بحذافيرها‬
‫إلى معبودها فى حظيرة واحدة ‪ ،‬ولم تألف قبائل البادية العربية نوعا من أنواع‬
‫األناشيد المجتمعة ‪ ،‬فغلبت على شعرها أوزان القصيد المفرد وقوافيه ‪ ،‬والمشاهد‬
‫من أشعار األمم فى لغات متعددة أن القافية تلتزم فى الشعر المنفرد " الغنائى "‬
‫الذى يتغنى به ناظمه وراويه ‪ ،‬ويصغى إليه المستمعون دون أن يشتركوا فى‬
‫الغناء ‪ ،‬ويالحظ هذا فى أغانى المنشدين الحماسيين أو المتغزلين التى يسمونها‬
‫‪ " Ballads‬بلالد " ‪ ،‬فى بعض اللغات األوروبية ‪ ،‬كما يالحظ فى الموشحة‬
‫‪ – Somet‬التى يتغنى بها العاشق لمعشوقته فى البالد الالتينية حيث كان منشؤها‬
‫األول ‪ ،‬وقيل إنهم استعاروها من الموشحة العربية ‪.‬‬
‫وتهمل القافية غالبا فى أناشيد الجماعات سواء كانت مسرحية أو دينية كما‬
‫يرى فى أناشيد اليونان والعبريين ‪.‬‬

‫‪-1‬الشعر اجلاهلى ص ‪ 64 ، 63‬د‪ /‬حممد النويهى ؛ وانظر ‪ :‬اللهجات العربية د‪ /‬ابراهيم أنيس‬
‫‪109‬‬
‫والمرجع إلى جانب هذا أن حداء اإلبل " وهو غناء فردى " كان له عمله‬
‫المحسوس فى التزام القافية فى الشعر العربى ‪ ،‬سواء بدأت القافية فى سجع الكهان‬
‫كما يرى الكثيرون ‪ ،‬أو كان ابتداؤها فى غناء الحداة ‪.‬‬
‫والقيمة الصوتية للقافية تنبع من تلك الحاسة السمعية التى تفرق بين مخارج‬
‫الحروف ودقائق النغم ‪ ،‬وهى مشتركة غير مميزة فى لغات كثيرة ‪ ،‬فال شعر فى‬
‫لغة من اللغات بغير إيقاع ‪ ،‬وقد يجتمع كله من وزن وقافية وترتيل فى القصيدة‬
‫الواحدة ‪ ،‬ولكنه اجتماع نادر فى لغات العالم ‪ ،‬ميسور فى لغة واحدة على أكمل‬
‫الوجوه المتيازها بالخصائص الشعرية الوافرة فى ألفاظها وتراكيبها وهى اللغة‬
‫العربية " (‪. )1‬‬
‫والداللة النفسية للقافية ليست من ابتكارات النقد الحديث ولكن لها جذورها عند‬
‫النقاد القدامى مثل حازم القرطاجنى وأبى العالء المعرى وقدامة بن جعفر ‪.‬‬
‫فحازم القرطاجنى يربط عنايته لدراستها من الجانب النفسى ‪ ،‬فالنفس تعنى بما‬
‫يقع فى القافية ‪ ،‬ولذا يجب أال تتضمن إال ما يكون له موقع حسن من النفس وفاقا‬
‫للغرض ‪ ،‬فيبتعد الشاعر بالقافية عن المعانى المشنوءة واأللفاظ الكريهة السيما ما‬
‫يقبح من جهة ما يتفاءل به ‪ ،‬فالكالم الكريه إذا وقع فى القافية فإنه يأتى فى أشهر‬
‫موضع وأشده تلبسا بعناية النفس ‪ ،‬فتبقى النفس متفرغة لمالحظته واالشتغال به‬
‫وال يعيقها عنه شاغل " (‪. )2‬‬
‫وحازم القرطاجنى يدرس القافية من جهات أربع وهى " الجهة األولى ‪ :‬جهة‬
‫التمكن ‪ ،‬الثانية ‪ :‬جهة صحة الوضع ‪ ،‬الثالثة ‪ :‬جهة كونها تامة أو غير تامة ‪،‬‬
‫الرابعة ‪ :‬جهة اعتناء النفس بما وقع فى النهاية لكونها مظنة اشتهار اإلحسان أو‬
‫اإلساءة ‪.‬‬
‫ولكون القافية يجب أن يتحفظ فيها من هذه الجهات األربع ‪ :‬قال بعض العرب‬
‫لبنيه " اطلبوا الرماح فإنها قرون الخيل ‪ ،‬وأجيدوا القوافى فإنها حوافر الشعر أى‬
‫عليها جريانه واطراده ‪ ،‬وهى مواقفه ‪ ،‬فإن صحت استقامت جريته وحسنت‬
‫مواقفه ونهاياته " (‪. )3‬‬
‫ثالثا د مكونات القافية ( حروفها )د‬
‫إن الحروف التى تكون القافية فى صورتها المثلى أطلق عليها علماء العروض‬
‫لقبا لكل منها حسب موقعه ومكانته فى القافية ‪ ..‬وهذه اللقاب هى ‪ ( :‬الروى –‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬الثقافة العربية أسبق من ثقافة اليوانن والعربية للعقاد ‪.‬‬


‫‪ -2‬عضوية املوسيقى ىف النص الشعرى ‪ .‬وانظر نص عبارة " القرطاجىن ىف كتابه " منهاج البلغاء وسراج األدابء‬
‫‪. 256 ، 275‬‬
‫‪ -3‬منهاج البلغاء وسراج األدابء ص ‪. 271‬‬
‫‪110‬‬
‫الوصل – الخروج – الردف – التأسيس – الدخيل ) وهى كلها إذا دخلت أول‬
‫القصيدة تلزم كل أبياتها‪.‬‬
‫فالقوافى – كما يقول " حازم القرطاجنى " البد فيها من التزام شئ أو أشياء ‪.‬‬
‫وتلك األشياء حروف وحركات وسكون ‪ ،‬فقوافى الشعر يجب فيها ضرورة على‬
‫كل حال إجراء المقطع وهو حرف الروى على الحركة والسكون ‪ .‬أن تكون‬
‫حروف الروى فى كل قافية من الشعر حرفا واحدا بعينه غير متسامح فى إيراد ما‬
‫يقابله معه ‪ ،‬وقد وقع ذلك لبعض من ال يحفل به من العرب الذين كانت بضاعتهم‬
‫فى الشعر مزجاة (‪. )1‬‬
‫وحروف القافية كما درسها علماء العروض هيد‬
‫‪ 1‬ـــ الروى ‪ :‬وهو الحرف الذى تبنى عليه القصيدة فتنسب إليه ‪ ،‬فيقال قصيدة‬
‫المية أو ميمية أو نونية إن كان حرفها األخير الما – أو ميما – أو نونا ‪ ،‬وال‬
‫يجوز تغير هذا الحرف ‪ ،‬وغير متسامح فى إيراد ما يقابله معه – كما يقول "‬
‫حازم القرطاجنى "‬
‫وحين نتساءل عن سر تسميته " بالروى " نجد من يفسر ذلك بأنه " سمى رويا‬
‫أخذا له من الروية وهى " الفكرة " ألن الشاعر يرويه فهو فعيل بمعنى مفعول ‪...‬‬
‫‪ ،‬ويدل ذلك على التأنى والتفكر والتدقيق فى اختيار الحرف المناسب ‪ ..‬والحرص‬
‫على تكراره بعينه فى كل أبيات القصيدة ‪ " ،‬وقيل هو مأخوذ من " الرواء " وهو‬
‫الحبل يضم شيئا إلى شئ ‪ .‬فكأن " الروى " شد أجزاء البيت ‪ ،‬ووصل بعضها‬
‫ببعض "‬
‫وقيل " هو من قولهم " للرجل رواء ‪ ،‬أى منظر حسن ‪ ،‬فسمى رويا ألن به‬
‫عصمة األبيات وتماسكها ‪ ،‬ولوال مكانه لتفرقت عصبا ‪ ،‬ولم يتصل شعرا واحدا "‬
‫(‪. )2‬‬
‫وتتفاوت حروف الهجاء فى مجيئها " رويا " حسب إيقاعها الموسيقى‬
‫وخصائصها الصوتية ‪ ..‬ويمكن أن نقسم حروف الهجاء التى تقع رويا – كما يقول‬
‫د‪ /‬ابراهيم أنيس – إلى أقسام أربعة حسب نسبة شيوعها فى الشعر العربى ‪.‬‬
‫وهذه الوجهة فى اختيار الروى أشار إليها أبو العالء حين حذر من استخدام‬
‫الحروف النافرة فى القافية مثل ( الغين ‪ ،‬والطاء والظاء ‪ ،‬والثاء ‪ ،‬والجيم ‪،‬‬
‫والزاى ) ‪.‬‬
‫ــــ واألقسام األربعة هى د‬
‫‪ 1‬ـــ حروف تجئ رويا بكثرة وإن اختلفت نسبة شيوعها فى أشعار الشعراء وتلك‬
‫هى ‪:‬‬

‫‪ -1‬منهاج البغاء وسراج األدابء ص ‪. 271‬‬


‫‪ -2‬القافية ‪ :‬اتج اإليقاع الشعرى ص ‪ 54‬د‪ /‬أمحد كشك وانظر " القواىف " ألىب يعلى ‪ ،‬والعيون الغامزة‬
‫للدماميىن ‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫( الراى – الالم – الميم – النون – الباء – الدال )‬
‫‪ 2‬ـــ حروف متوسطة الشيوع وتلك هى ‪:‬‬
‫( التاء – السين – القاف – الكاف – الهمزة – العين – الحاء – الفاء‪-‬‬
‫الياء – الجيم )‬
‫‪ 3‬ــــ حروف قليلة الشيوع وهى ‪ ( :‬الضاد – الطاء – الهاء )‬
‫‪ 4‬ـــ حروف نادرة فى مجيئها رويا وهى ‪:‬‬
‫( الذال – الثاء – الغين – الخاء – الشين – الصاد – الزاى – الظاء –‬
‫الواو ) (‪)1‬‬
‫وحين نتأمل المقطع اللغوى الذى يتشكل من الصوامت والصوائت ‪ ..‬مثل " لم "‬
‫فهذه الكلمة وحدة تشكل مقطعا وأصواتها هى الالم وهى الصامت األول ‪ ،‬والفتحة‬
‫وهى الصائت الذى يرمز له بـــ " ص " وهنا يكون جماع المقطع هو ( ص ح‬
‫ص)‪.‬‬
‫وتبعا لتشكل المقطع الصوتى من " الصامت والصائت " فإن حروف األبجدية‬
‫كلها تصلح رويا ما دامت صامته ‪ ،‬فإذا ما انتقلت إلى حيز الصائت فإن القول‬
‫بصالحيتها قول فيه تردد ألن القول بقبول ألف المد رويا فيما إذا جاءت رويا قول‬
‫ليس بالزم ‪.‬‬
‫وهناك عدة صوامت ال تصلح أن تكون رويا فى عرف االيقاع الشعرى ومن‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫( ‪ ) 1‬التنوين أيا كان نوعه ‪ ،‬للتنكير مثل ‪ " :‬ص ٍه وم ٍه " أو للتمكين كتنوين "‬
‫ت " أو للعوض كتنوين "‬ ‫ت وسيدا ٍ‬‫محم ٍد وعلى " ‪ ،‬أو للمقابله كتنوين " مسلما ٍ‬
‫جوار وكل ويومئ ٍذ " ألو كان للترنم كإلحاق النون بأداة الشرط إن فتكون ‪ْ :‬‬
‫إنن ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ومثال التنوين الذى جاء للترنم قول الشاعر‪:‬‬
‫ْ‬
‫وإنن‬ ‫كان فقيرا معدما قالت‬ ‫ْ‬
‫وإنن‬ ‫قالت بنات العم يا سلمة‬
‫( أ ) نون التوكيد الخفيفة إذا ما جاءت نهاية ألنها صوت صامت ساكن ‪.‬‬
‫(ب) الهاء أيا كانت ‪ ..‬كالهاء فى به وله ‪ ،‬ويشترط تحريك ما قبلها ‪ ،‬فإذا ما سكن‬
‫كالهاء فى منه وعنه ‪ .‬صلحت للروى ‪.‬‬
‫أو كانت " الهاء " للسكت كالهاء فى قولنا – لمه – عالمه – مه – أو كانت‬
‫منقلبة عن تاء تأنيث متحركة كالهاء فى كلمتى ‪ " :‬خضده وفاطمه " ‪.‬‬
‫** وأوضحت هناك مجموعة من األصوات ترددت بين الروى والوصل كالهاء‬
‫األصلية إذا كان ما قبلها محركا ‪ ،‬ومثل هاء كلمتى " يشبه ويوجه " ‪ ،‬وتاء التأنيث‬
‫الساكنة ‪ ،‬أو المتحركة ‪ ،‬ومثل كاف الخطاب واألحسن أن يلتزم الشاعر حرفا قبلها‬
‫‪ ،‬ومثل ياء النسب المخففة ككلمة " العشى " ‪ .‬فى قول الشاعر ‪:‬‬
‫كر الغداة ومر العشى‬ ‫أشاب الصغير وأفنى الكبير‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬موسيقى الشعر د‪ /‬ابراهيم أنيس ص ‪. 248‬‬


‫‪112‬‬
‫والياء األصلية الساكنة المكسور ما قبلها كياء كلمة " يقضى " والواو المضموم‬
‫ما قبلها كواو " يدعو "‬
‫‪1‬‬
‫والميم إذا كانت الحقة للضمير دالة على جمع مثل " لكم وبهم " ( ) ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـــ الوصل ‪ :‬وهو حرف مد ينشأ عن إشباع الحركة فى آخر الروى المطلق‬
‫كقول الشاعر ‪:‬‬
‫ألفيت كل تميمة ال تنفع‬ ‫وإذا المنية أنشبت أظفارها‬
‫فالوصل هو الواو المتولدة عن إشباع الحركة بعد العين فى ( تتفع ) فهى بمنزلة‬
‫" تنفعو " ‪.‬‬
‫والوصل ‪ :‬هو القفلة النهائية لنغم البيت فى الروى المطلق وحده أو مع تابعه‬
‫الذى يسمى خروجا " ‪ ،‬والوصل يعتمد على أصوات يتأتى لها قوة إسماع إيقاعى‬
‫‪ ،‬ورنين يجعل النهاية قمة التركيز اإليقاعى للبيت فاألصوات كاألجسام المتحركة‬
‫‪.‬‬
‫لكن بعض مصادر الصوت مثل الشوكة الرنانة واألوتار لها ميل طبيعى نحو‬
‫التذبذب ‪ ،‬فبمجرد قدحها أو شدها تذهب فى التذبذب بمعدل معين ‪ ،‬وبعضها اآلخر‬
‫مثل الطبول وأسطح المناضد لها ميل أقل نحو التذبذب ‪ ،‬إنها تسبب ضجيجا حين‬
‫تقرع ‪ ،‬ولكن تذبذبها يتوقف بسرعة ‪.‬‬
‫‪ ...‬وأصوات الوصل من هذا النوع األول يشبه األوتار‪ ،‬حيث تمثل صدى البيت‬
‫عند إتمامه ‪ ،‬فلو أن ناطقا شدا بالبيت فى فراغ ‪ ،‬فإن الصدى اآلتى إليه يصله من‬
‫الوصل واضحا مسموعا ‪ .‬ولعل الوصل يحتاج إلى قطع ‪ ،‬لحد البيت عن تاليه من‬
‫خالل وقفة يحددها مداه الزمنى " (‪. )2‬‬
‫وألف المد فى قصيدة " شوقى " وهى ‪ " :‬الوصل " لها رنين إيقاعى قوى‬
‫مؤثر ‪ ..‬حيث امتداد الصوت ‪ ..‬ونبرة االحتجاج الواضحة القوية ‪ ..‬فى قول‬
‫شوقى‪.‬‬
‫إالم الخلف بينكم االما وهذي الضجة الكبرى عالما‬
‫وهناك عدة صور " للوصل " تمثل نهايات إيقاعية للنص الشعرى وهى ‪:‬‬
‫‪ 1‬ــــ أصوات المد الناتجة عن إشباع الصامت السابق أو التى تمثل ضميرا من‬
‫الضمائر أو التى أبدلت من التنوين ‪.‬‬
‫‪2‬ـــــ التنوين مطلقا كان أم للترنم أم لغيرهما ‪.‬‬
‫‪3‬ــــ صوت الهاء الذى لم يسكن ما قبله سواء كانت هذه الهاء ضميرا أم للسكت‬
‫أم للتأنيث ‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر " القافية " اتج اإليقاع الشعرى ص ‪ 59‬د‪ /‬أمحد كشك ‪.‬‬
‫‪ -2‬القافية ‪ :‬اتج اإليقاع الشعرى ص ‪ 75 ، 74‬د ‪ /‬أمحد كشك وانظر " دراسة الصوت " اللغوى ص د‪/‬‬
‫أمحد خمتار عمر ‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫فالهاء ال تحسن فى " الروى إال إذا سبقها حرف مد – كما يقول ‪ " :‬إبراهيم‬
‫أنيس " مثل قول حافظ ابراهيم‬
‫ومر بى فيك عيش لست أنساه‬ ‫كم مر بى فيك عيش لست أذكره‬
‫من الشباب وما ودعت ذكراه‬ ‫ودعت فيك بقايا ما علقت به‬
‫فالهاء فى البيتين السابقين هى ‪ " :‬الروى " ألن ما قبلها حرف ساكن " وهو‬
‫حرف المد " األلف ‪.‬‬
‫أما إذا جاءت الهاء بعد حرف متحرك ‪ .‬فإنها تكون وصال وليست رويا ‪..‬‬
‫ومثال ذلك قول ‪ /‬العقاد يصف " المزمار"‬
‫حسب هذا الفؤاد رجع حنينه‬ ‫أيها المستعيد صوتا شجيا‬
‫رابنى طول برده وسكونه‬ ‫نفثات المزمار تذكى أوارا‬
‫كان همس الصبى نجى غصونه‬ ‫وكأن المزمار يذكر عهدا‬
‫‪1‬‬
‫أنه الوجد صفوه وحزينه ( )‬ ‫علموه – ومابه – من غرام‬
‫فالروى هنا حرف النون ‪ ،‬والوصل " الهاء " ‪..‬‬

‫(‪ )3‬الخروج د‬
‫وهو حرف لين يلى هاء الوصل ‪ :‬كالياء المولدة من إشباع الهاء فى قول‬
‫الشاعر ‪ /‬عبد الرحمن شكرى‬
‫ومهم ٍه لست أدرى ما أقاصي ِه‬ ‫يحوطنى منك بحر لست أدركه‬
‫فالياء روى ‪ ..‬والهاء وصل ‪ ،‬والياء المولدة عن الهاء إتماما للضرب هى "‬
‫الخروج " أى تحقق انتهاء البيت " وسمى هذا الحرف خروجا ألن به يكون‬
‫الخروج عن البيت ‪ ،‬ومثل ذلك قول " كثير عزه " ‪:‬‬
‫ت ‪..‬‬ ‫قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلَّ ِ‬ ‫خليلى هذا ربع عزةَ فاعقال‬
‫‪2‬‬
‫فالالم روى ‪ ،‬والتاء وصل ‪ ،‬وياء المد خروج ( ) ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الردف د‬
‫هو حرف لين ساكن ( واو – أو ياء – بعد حركة لم تجانسهما )‬
‫أو حرف مد ( ألف – أو واو – أو ياء ‪ .‬بعد حركة مجانسة قبل الروى يتصالن‬
‫به ) ‪.‬‬
‫ــــ فمثل حرف اللين الذى جاء ردفا قول أبى العتاهية‪:‬‬
‫تصب الخل فى الزيت‬ ‫ربابة ربة البيت‬
‫وديك حسن الصوت‬ ‫لها عشر دجاجات‬

‫‪ -1‬أـ انظر ‪ :‬موسيقى الشعر د‪ /‬ابراهيم أنيس ص ‪ . 255 – 254‬ب ـ وانظر " القافية " اتج اإليقاع الشعرى‬
‫د ‪ /‬أمحد كشك ص ‪. 72‬‬
‫‪ -2‬السابق ( ب ) من هامش ( أ ) ‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫فحرف اللين ‪ :‬الياء فى كلمتى " البيت " و " الزيت " هى الردف ‪ .‬وحرف المد‬
‫الذى يأتى ردفا " إما أن يكون ألفا "‬
‫ومثال ذلك قول جرير فى رثاء زوجته‪:‬‬
‫يزار‬
‫ُ‬ ‫ولزرت قبرك والحبيب‬ ‫استعبار‬
‫ُ‬ ‫لوال الحيا ُء لهاجنى‬
‫فاأللف فى ‪ :‬استعبار وفى يزار هى " الردف " ‪ .‬والروى حرف " الراء " ‪،‬‬
‫والوصل " الواو المتولدة عن حركة " " الراء " ‪.‬‬
‫ــــ وأما أن يكون الردف " واوا " ومثال ذلك قول كعب بن زهير‪:‬‬
‫متي ٌم إثرها لم يُ ْفدَ مكبو ُل‬ ‫بانت سعادُ فقلبى اليو َم متبو ُل‬
‫الطرف مكحو ُل‬ ‫ِ‬ ‫غضيض‬
‫ُ‬ ‫إال أغنُّ‬ ‫البين إذ رحلوا‬‫ِ‬ ‫وما سعادُ غداةَ‬
‫ــــ وإما أن يكون الردف " ياء " ومثال ذلك قول " كثير عزة "‪:‬‬
‫تمث َّ َل لى ليلى بكل سبيل‬ ‫ذكرها فكأنما‬‫أريد ألنسى َ‬
‫ـــ ويجوز الجمع بين الواو والياء فى ردف المد ‪ ، ..‬وال يجوز ذلك فى ردف‬
‫اللين ‪ .‬إال نادرا ‪.‬‬
‫ففى قصيدة كعب بن زهير ‪ ..‬جمع الشاعريين الواو والياء ‪..‬‬
‫إنه يمدح الرسول عليه السالم قائال ‪:‬‬
‫والعفو عند رسول هللا مأمو ُل‬ ‫أُنبئتُ أن رسو َل هللا أوعدنى‬
‫ظ وتفصي ُل‬ ‫ــــقرآن فيها مواعي ٌ‬ ‫مهال هداك الذى أعطاك نافلةَ الـــ‬
‫ــــ ففى البيت األول جاء الردف ( واوا ) وفى الثانى جاء يا ًء واإليقاع منسجم‪ ،‬أما‬
‫إذا كان الردف " ألف مد " فال يجوز إبدالها بحرف آخر ‪ ..‬ألن اإليقاع الشعرى‬
‫سيضطرب ‪ ،‬ويصبح نشازا وثقيال على األذن ‪ ..‬وغريبا على األسماع ‪.‬‬
‫ولقد وجد المحدثون من علماء األصوات اللغوية وجوه شبه بين الضمة‬
‫والكسرة فى طريقة تكون كل منهما ‪ ،‬وسمى كل منهما صوتا ضيقا ‪ ،‬وذلك لضيق‬
‫مجرى الهواء معهما ‪ ،‬وكذلك ما تفرع عنهما من واو المد وياء المد ألنهما‬
‫متشابهان فى طريقة تكونهما ‪ .‬فالسامع قد يخطئ فى سماع واو المد وتطرق أذنه‬
‫كما لو أنها ياء مد ‪ ،‬والطفل فى مراحل نمو لغته قد يقلب الضمة كسرة أو قد يقلب‬
‫واو المد ياء مد‪،‬فالطبيعة الصوتية بين كل من الحركتين هى التى تبرر تناوب‬
‫احداهما مكان األخرى (‪.)1‬‬
‫‪ 5‬ــــ التأسيس د‬
‫هو ألف الزمة ال يفصلها عن الروى إال حرف واحد متحرك كألف " جاهل "‬
‫فى قول الشاعر‪:‬‬
‫مغرور وتأمي ِل جاه ِل‬ ‫ٍ‬ ‫وفكر ِة‬ ‫بعين مريض ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫نظرتُ إلى الدنيا‬

‫‪ -1‬انظر ‪ /‬موسيقى الشعر د‪ /‬ابراهيم أنيس ‪. 266 / 265‬‬


‫‪115‬‬
‫ــــ " والتفريط فى ألف التأسيس يسلم إلى خلل إيقاعى ‪ .‬ومن ثم أصبحت المخالفة‬
‫النادرة عيبا يسمى " سناد التأسيس " وهو أن تأتى قافية مؤسسة بألف دون قافية‬
‫أخرى كقول العجاج ‪:‬‬
‫مسم أو عين عين سمسم‬ ‫بس ٍ‬ ‫يا دار سلمى يا اسلمى ثم اسلمى‬
‫ثم قال ‪ :‬فخندف هامة هذا العالم‬
‫فقد أسس الشاعر فى كلمة العالم ‪ ،‬ولم يأسس فى كلمة " سمسم " ‪ .‬وحين يوجد‬
‫مثل هذا التقابل فإن حدا من حدود الكيف قد أصابه عوار ‪.‬‬
‫ــــ وإذا كانت األلف فى غير كلمة " الروى " ال تعد تأسيسا كما فى قول " عنترة‬
‫"‬
‫َ‬
‫للحرب دائرة على ا ْبن ْى ضمضم‬ ‫ولقد خشيت بأن أموت ولم تكن‬
‫‪1‬‬
‫والناذرين إذا لم ألقهما دمى ( )‬ ‫الشاتمى عرضى ولم أشتمهما‬

‫‪ 6‬ـــ الدخيل د‬
‫وهو حرف متحرك فاصل بين التأسيس والروى كالدال فى " صادق " من قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ق‬
‫ذاب وفى الناس صاد ُ‬ ‫ففى الناس ك ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فال تقبَلنهم إن أتوكَ بباط ٍل‬ ‫ْ‬
‫ـــــ وحركة الدخيل تكون فى الغالب متحدة × فتحا أو ضما أو كسرا ‪.‬‬
‫وإذا حدث تغير يعد هذا عيبا فى القافية يسمى " سناد اإلشباع " ‪ ،‬وهو اختالف‬
‫حركة الدخيل بحركتين متقاربتين مثل كسرة الهاء ‪ ،‬وفتحة العين فى قولك (‬
‫مجاهد وتباعد ) ‪ ،‬لكنهم أجازوا الجمع بين الكسرة والضمة ‪.‬‬
‫ومثال ذلك قول الشاعر ‪:‬‬
‫يزول على الحاالت عن رأى واح ِد‬ ‫صنَ ْى بان ٍة ليس واحدٌ‬
‫و كنا َكغُ ْ‬
‫وخليتُه لما أراد تباعدى‬ ‫غيره‬
‫تبدَّل بى خال فخاللت ُ‬
‫ــــ فدخيل البيت األول تحرك بالكسر ‪ ،‬ودخيل الثانى تحرك بالضم ‪ ..‬ورغم عد‬
‫ذلك عيبا إال أنه مقبول عند العروضيين – ويقول د‪ /‬أحمد كشك معلقا على هذين‬
‫البيتين ‪ :‬إنه عيب ال يؤثر على سالمة الكيف والكم فى القافية ‪ .‬ولعل اإلنشاد يجعل‬
‫الحركة المخالفة مشوبة برائحة الحركة األساسية ‪ ،‬حتى يحدث اتساق فى قوافى‬
‫القصيدة ‪.‬‬
‫رابعا د حركات القافية د‪-‬‬
‫حركات القافية ست وهى‬
‫‪2‬ــــ اإلشباع ‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـــ الرس ‪.‬‬
‫‪ 3‬ــــ الحذو ‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر " ميزان الذهب ىف صناعة شعر العرب ص ‪ 116‬السيد أمحد اهلامشى " وانظر ‪ :‬القافية اتج اإليقاع‬
‫الشعرى د‪ /‬أمحد كشك ص ‪. 141‬‬
‫‪116‬‬
‫‪5‬ــــ المجرى ‪.‬‬ ‫‪4‬ـــ التوجيه ‪.‬‬
‫‪6‬ـــ النفاذ ‪.‬‬
‫ــــــ ولكل حركة من هذه الحركات المسماه عند العروضيين بهذه األسماء مدلول‬
‫فنى حسب موقعها من القافية ‪ ..‬والحرص على اتحاد كل حركة من هذه الحركات‬
‫فى جميع قوافى القصيدة يعد محافظة على سالمة اإليقاع الشعرى ‪ ،‬فالقافية فى‬
‫الوزن العربى إن هى إال رمز جامع بين عمل الحركة وعمل المخرج وضربة‬
‫الوز ن ‪ ،‬والشاعر العربى إنما عمد إلى القافية فقرنها بالوزن ليضفى عليها صبغا‬
‫نغميا ‪ ،‬متى اصطبغ الوزن به صار أكثر تهيؤا ألداء ما يختلج فى صدره من‬
‫معان ‪ ،‬وإن جاز لنا أن نشبه أبعاد الوزن ونسبه الزمانية برنات متناسبة ‪ ،‬فإن‬
‫موقع القافية من هذه الرنات شبيه بموقع الكثافة من رنات الموسيقا ‪ ،‬مثال – الشدة‬
‫التى تشد عليها أوتار العود فى قطعة ما ‪.‬‬
‫ــــ والمدلول الفنى لهذه الحركات كما حدده علماء العروض هو‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الرس ‪ :‬وهو حركة ما قبل ألف التأسيس كحركة الدال فى قولك " جداول " ‪.‬‬
‫‪2‬ـ اإلشباع – هو حركة الدخيل ككسرة الواو فى " جداول " ‪.‬‬
‫‪3‬ـ الحذو ‪ :‬هو حركة ما قبل الردف كحركة الميم فى قولك " مال ‪ ،‬ومعن " ‪.‬‬
‫‪4‬ـ التوجيه ‪ :‬هو حركة ما قبل الروى المقيد " أى الساكن " ‪ ،‬كضمة القاف فى‬
‫قولك " لم يقل " ‪.‬‬
‫‪5‬ـ المجرى ‪ :‬هو حركة الروى المطلق " أى المتحرك الذى يعقبه ألف أو واو ‪ .‬أو‬
‫ياء " كحركة الالم فى قولك " منزل " ‪.‬‬
‫‪6‬ـ النفاذ ‪ :‬هو حركة هاء الوصل الواقعة بعد الروى كفتحة الهاء فى قولك "‬
‫منارها " (‪. )1‬‬
‫خامسا – أسماء القافية حسب ترتيب الحركات والسكنات ‪.‬‬
‫للقافية صور خمسة حسب ترتيب الحركات والسكنات وقد أطلق علماء‬
‫العروض على كل صورة من هذه الصور اسما على النحو اآلتى ‪ ..‬الذى أورده "‬
‫حازم القرطاجنى " فى كتابه " منهاج البلغاء وسراج األدباء " حيث قال "‬
‫وللقوافى من جهة ‪ ،‬ما يكون ترتيب الحركات والسكنات فيها صور خمسة وهى ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـــ أن يتوالى فى القافية ساكنان من غير فصل بحركة ويسمى " المترادف "‬
‫قال بتسكين الالم ‪ .‬وتختص هذه الصورة بالقوافى المقيدة مثل قول ابن‬ ‫نحو ‪ْ :‬‬
‫النبيه‪:‬‬
‫فالسابق السابق منها الجوا ْد‬ ‫الناس للموت كخيل الطراد‬
‫‪ 2‬ــــ أن يتوالى فى القافية ساكنان مفصول بينهما بحركة ويسمى المتواتر نحو‬
‫" أيها الطلل البالى " ‪ ،‬ومنه قول الشاعر‬
‫والجواد بالنفس أقصى غاية الجود‬ ‫يجود بالنفس إن ضن الجواد بها‬

‫‪ -1‬ميزان الذهب ىف صناعة شعر العرب ص ‪. 118‬‬


‫‪117‬‬
‫‪ 3‬ــــ أن يتوالى فى القافية حركتان نحو " منزل " ويسمى " المتدارك " ومنه‬
‫قول الشاعر‬
‫والنار مخبرة بفضل العنبر‬ ‫ِم َحنُ الفتى يُ ْخبِ ْرنَ عن فضل الفتى‬
‫‪ 4‬ـــ أن يتوالى فى القافية ثالث متحركات " بين ساكنيها " ويسمى " المتراكب "‬
‫ومنه قول الشاعر ‪:‬‬
‫فأضيق األمر أدناه إلى الفرج‬ ‫إذا تضايق أمر فانتظر فرجا‬
‫فالحروف الثالثة المتحركة هى " فرج " ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـــ أن يتوالى فى القافية أربع حركات وال يكون ذلك إال فى الرجز ويسمى "‬
‫المتكاوس " ومنه قول الشاعر ‪:‬‬
‫إذا ارتقى فيه الذى ال يعلمهْ‬ ‫سلَّ ُمهْ‬
‫صعب وطوي ٌل ُ‬‫ٌ‬ ‫الشعر‬
‫ُ‬
‫ْ ‪1‬‬
‫زلت به إلى الحضيض قدمه ( )‬
‫سادسا د أنواع القافية من حيث اإلطالق والتقييد د‬
‫" للقافية نوعان حسب حالة حرف الروى حركة أو سكونا "‬
‫‪ 1‬ــــ قافية مطلقة ‪ :‬وهى ما كان رويها متحركا – مثل قول " أحمد شوقى "‬
‫أحل سفك دمى فى األشهر الحرم‬ ‫ريم على القاع بين البان والعلم‬
‫‪ 2‬ــــ قافية مقيدة ‪ :‬وهى ما كان رويها ساكنا مثل قول " شوقى " من قصيدته‬
‫فى " انتحار الطلبة "‬
‫عث ْرَ‬
‫حسبه هللا أبالورد َ‬ ‫ناشئ فى الورد من أيامه‬
‫ــــ وهذا النوع الثانى من القافية وهو " القافية " المقيدة كما يقول د‪ /‬ابراهيم أنيس‬
‫" قليل الشيوع فى الشعر العربى ‪ ،‬ال يكاد يجاوز ‪ %10‬وهو فى شعر الجاهليين‬
‫أقل منه فى شعر العباسيين وذلك ألن الغناء فى العصر العباسى قد التأم مع هذا‬
‫النوع وانسجم ‪ ،‬بل ال يزال الملحن فينا يرى مثل هذه القافية " المقيدة " أطوع‬
‫وأيسر فى تلحين أبياتها ‪.‬‬
‫ـــ وتكثر هذه القافية فى بحر الرمل بنسبة تفوق أى بحر آخر ‪ ،‬وهذا البحر –‬
‫بحر الغناء يؤثره المغنون والملحنون ‪ ،‬وقد تجئ هذه القافية بنسب قليلة فى بحور‬
‫مثل " الطويل ‪ ،‬الرجز ‪ ،‬المتقارب ‪ ،‬السريع " وتكاد تنعدم فى البحور األخرى ‪،‬‬
‫ولم تشتمل جمهرة أشعار العرب على هذه القافية إال فى قصيدتين أوالهما للمهلهل‬
‫بن ربيعة ‪ ،‬واألخرى لعلقمة الحميرى ‪ ،‬وكالهما من البحر السريع (‪ ، 2‬ويذهب د‪/‬‬
‫ابراهيم أنيس إلى أنه يغلب فى مثل هذا النوع من القافية أن يسبق رويها بحركة‬
‫قصيرة ‪ ،‬ويقل أن يسبق بحرف مد ‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر منهاج البلغاء وسراج األدابء حلازم القرطاجىن ص ‪ 275‬وانظر ‪ :‬ميزان الذهب ىف صناعة شعر العرب‬
‫ص ‪122 - 121‬‬
‫‪ 2‬موسيقى الشعر ص ‪260‬‬
‫‪118‬‬
‫ـــ وهذا الرأى غير مطرد ‪ ،‬وال يقبل على إطالقه ‪ .‬ألننا لو استقرأنا النصوص‬
‫الشعرية لوجدنا النوعين بدرجه تكاد تكون متقاربة ‪ ..‬وأحيانا تكون القافية‬
‫المسبوقة رويها بحرف المد أكثر فى الشواهد الشعرية من القافية المسبوق رويها‬
‫بحركة قصيرة ‪ ،‬ولو تصفحنا ديوان العقاد مثال ‪ .‬لوجدنا القافية المقيدة المسبوق‬
‫رويها بحرف مد أكثر ورودا فى الديوان من النوع اآلخر ولننظر القصائد التالية ‪:‬‬
‫( طيف من حديد – قطار عابر – كواء الثياب ليلة األحد – " المصرف " " البنك‬
‫" الطريق فى الصباح – فاز سعد – تكريم – جزاء هللا – على قبر ابراهيم )‬
‫السر أعرفه‬ ‫يقول العقاد ‪:‬‬
‫وأنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت بكل معرفة خليق‬
‫فلسانه أبدا طليق (‪)1‬‬ ‫من تلك بعض هباته‬
‫ــــ وللقافية المطلقة عدة مسميات أوردها علماء العروض على النحو التالى د‬
‫‪ 1‬ــــ مؤسسة موصلة بمد نحو هياكل‬
‫‪2‬ـــــ مؤسسة موصولة بهاء نحو صنائعها‬
‫‪3‬ـــــ مردوفة موصولة بمد نحو عماد‬
‫‪4‬ـــــ مردوفة موصولة بهاء نحو سواده‬
‫‪5‬ـــــ مردوفة موصولة بلين نحو " وحدانا "‬
‫‪6‬ــــ مجردة عن الردف والتأسيس نحو ‪ :‬يمنع‬
‫ـــــ وللقافية المقيدة عدة مسميات وهىد‬
‫‪1‬ـــ مجردة عن الردف والتأسيس نحو ‪ :‬جمع‬
‫‪2‬ــ مردوفة باأللف نحو " زحام "‬
‫مردوفة بالواو نحو نور‬
‫مردوفة بالياء نحو نير‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬ـــ مؤسسة نحو كل عيش صائر للزوال ( ) ‪.‬‬
‫وحينما نتصفح دواوين الشعراء نجد لكل نوع من األنواع السابقة أمثلة كثيرة ‪..‬‬
‫وربما عثرنا على ظواهر أخرى تتشكل منها القوافى ألن هذه التشكيالت السابقة‬
‫جاءت بعد استقراء النصوص الشعرية التى تعد المصدر األول للقاعدة العروضية‬
‫‪ ،‬ويظل الشعر أكبر من العروض كما قال أبو العتاهية ‪.‬‬
‫سابعا د القافية " العيوب والضرورات الشعرية "‬
‫ــــ إن القافية تمثل نهاية إيقاعية للبيت الشعرى ‪ ،‬وهذا اإليقاع يستمر فى تدفقه‬
‫المتناسق إلى نهاية القصيدة ‪ ،‬ويحدث أحيانا – كما ورد فى النصوص الشعرية –‬
‫أن يخرج اإليقاع عن السياق ‪ ،‬وأن يضطرب نتيجة ألحد أمرين‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬تغير فى الروى ينشأ عنه ما يسمى بعيوب الروى ‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر ديوان العقاد ص ‪. 297‬‬


‫‪ -2‬انظر ميزان الذهب ىف صناعة شعر العرب ص ‪. 120‬‬
‫‪119‬‬
‫وثانيهما ‪ :‬تغير ما قبل الروى ‪ ..‬وهو " السناد "‬
‫ــــ وهناك تغير ينشأ من خصوصية األداء فى اللغة الشعرية وهو ما يسمى‬
‫بالضرورة الشعرية ‪ ،‬فقد يلجأ الشاعر إلى مخالفة السياق النحوى ‪ ..‬وهو فى سعة‬
‫من أمر الوزن والقافية أى أنه ليست هناك ضرورة تضطره لهذا االنحراف عن‬
‫السياق ‪ " ،‬فالضرورة الشعرية ال ارتباط لها بالوزن وال تتحدد به أحيانا ‪ ،‬وإنما‬
‫تتحدد بماهية الشعر نفسه من حيث هو مستوى من التعبير مختلف عما عليه سائر‬
‫الكالم ‪ ،‬فللشعر تركيبات لغوية تختص به ‪ .‬وهذه هى محل الضرورة ‪.‬‬
‫ــــ وفى كتاب " الضرائر " البن عصفور يقول " أجازت العرب فى الشعر ماال‬
‫يجوز فى الكالم ‪ ،‬اضطروا إلى ذلك أو لم يضطروا إليه ‪ ،‬ألنه موضع ألفت فيه‬
‫الضرائر ‪ ،‬وقد سمى سيبويه باب الضرورة – على خالف ما عليه النحويون‬
‫جميعا – بباب ما يحتمل الشعر ‪ .‬وقد دل سيبويه بذلك على أن الشعر له نحو‬
‫مختلف عما للكالم ال يرتبط به اضطرار الوزن الشعرى ‪ ،‬بل يتصل ذلك عنده‬
‫بطبيعة الشعر نفسه " (‪. )1‬‬
‫ــــ ويقول ابن السراج مؤكدا أن الضرورة الشعرية البد أن تكون فى إطار الدافع‬
‫إلى استقامة الوزن أو صحة القافية ‪ ..‬يقول مخالفا سيبويه " ضرورة الشاعر أن‬
‫يضطر الوزن إلى حذف أو زيادة أو تقديم أو تأخير فى غير موضعه ‪ ،‬أو ابدال‬
‫حرف أو تغيير إعراب عن وجهه على التأويل ‪ ،‬أو تأنيث مذكر على التأويل " ‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ " :‬الشعراء تقلب اللفظ وتزيل الكالم على الغلط أو على طريق‬
‫الضرورة للقافية أو الستقامة الوزن " (‪. )2‬‬
‫ــــ ويمكن أن نعد بعض عيوب الروى أو عيوب اإلسناد من باب الضرورات‬
‫الشعرية التى يمكن قبولها فى إطار التجربة الشعرية حفاظا على اإليقاع الشعرى ‪،‬‬
‫ومن ذلك ما روى " أن الفرزدق " حين مدح يزيد بن عبد الملك بالشعر الذى منه‬
‫قوله ‪:‬‬
‫منثور‬
‫ِ‬ ‫مستقبلين شمال الشام تقربنا بحاصب كنديف القطن‬
‫على زواحف تزجى ُم ُّخ َها ِ‬
‫رير‬ ‫على عمائمنا يلقى وأرحلنا‬
‫رير " وكذلك قياس النحو فى هذا‬ ‫ُ‬ ‫فقال ابن أبى إسحاق " أسأت إنما هى "‬
‫الموضع " ويروى أنه لما بلغ الفرزدق اعتراض " عبدهللا ابن أبى اسحاق " عليه‬
‫‪ ،‬قال " أما وجد هذا المنتفخ الخصيين لبيتى مخرجا فى العربية ‪ ،‬أما إنى لو أشاء‬
‫لقلت " على زواحف ترجيها محاسير " ‪ ،‬ولكننى ال أقوله " (‪)3‬‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬الضرورة الشعرية " دراسة أسلوبية ص ‪ " 65 ، 54‬السيد ابراهيم حممد ‪.‬‬
‫‪ -2‬السابق ص ‪ . 67 ، 65‬وانظر أتويل مشكل القرآن البن قتيبة واألصول البن السراج ‪.‬‬
‫‪ -3‬الضرورة الشعرية ص ‪ 78 ، 77‬وانظر طبقات ابن سالم ‪ ،‬وخزانة األدب‬
‫‪120‬‬
‫فتمسك الفرزدق بشعره ‪ ،‬بل ونضاله من أجله ‪ ،‬إنما تتصل أسبابه بقضية الشعر‬
‫باعتباره تعبيرا عن روح الشاعر ‪ ،‬فكأنه يتمسك بما يجده أوفق به وأوفى بالتعبير‬
‫عن مطالبه الروحية " ‪.‬‬
‫** وعيوب القافية كما حددها علماء العروض هى د‬
‫أوال د عيوب الروى وهى ثمانية عيوب (*)‬
‫‪ -1‬اإلكفاء د‬
‫وهو أن يؤتى فى البيتين من القصيدة بروى متجانس فى المخرج ال فى‬
‫اللفظ نحو " شارح – وشارخ أو فارس وقارص " وهذا العيب ليس فيه‬
‫حرج على الشعراء عند كثير من النقاد القدامى والمعاصرين فابن رشيق‬
‫فى عرضه لمدلول اإلكفاء رآه عند جلة العلماء مساويا لإلقواء ‪ .‬وخلص‬
‫إلى قول للمفضل الضبى عنه بأنه اختالف الحروف فى الروى ‪ ،‬مؤكدا‬
‫أن هذا رأى المبرد أيضا ‪ ،‬ومثل له بقول الشاعر‪:‬‬
‫صق ْعُ‬‫ضب فى ُ‬ ‫ٍ‬ ‫كأنها كشية‬ ‫صدُ ْغ‬‫قُبِحْ ت من سالفه ومن ُ‬
‫حيث أتى بالغين فى مقابلة العين ‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلجازة د ‪-‬‬
‫وهو الجمع بين رويين مختلفين فى المخرج نحو " عبيد ‪ ،‬وعريق " ‪ ،‬أو‬
‫" شارب ‪ -‬أو قاتل "‬
‫وهذا عيب يخل بموسيقى القافية وال يجوز الترخص فيه ومنه قول‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫فكيف ان كان من حبيب‬ ‫ما وأجع البين من غريب‬
‫إذا تذكـــــــــرته يمــــــــــــوت‬ ‫يكاد من شوقه فؤادى‬
‫‪ -3‬اإلقواء ‪-:‬‬
‫وهو أن يختلف إعراب القوافى فتكون قافية مرفوعة مثال ‪ ،‬وأخرى‬
‫مخفوضة ‪ ،‬وهذا فى شعر األعراب كثير جدا وفيمن دون الفحول من‬
‫الشعراء – كما يقول قدامة بن جعفر وقد ارتكبت بعض فحول الشعراء‬
‫اإلقواء فى مواضع مثل ‪ " :‬سحيم بن وثيل الرياحى " فى قوله‪:‬‬
‫ون‬ ‫فما بالى وبال ابن اللَّبُ ِ‬ ‫عذرت البدل ان هى خاطرتنى‬
‫وقد جاوزت حد األربعينَ‬ ‫وماذا تبتغى الشعراء منى‬
‫فنون األربعين مفتوحة ونون اللبون مكسورة ‪ " ،‬ولكنه كأنه وقف القوافى‬
‫فلم يحركها " ‪.‬‬
‫وقال جرير – وقد وقع فى العيب نفسه‪:‬‬
‫عرين‬
‫ِ‬ ‫برئت إلى عرينة من‬ ‫عرين من عرينه ليس منا‬

‫(*) كتب العروض ىف معظمها تذهب إىل أن عيوب الروى ستة عيوب ‪ .‬ولكىن رأيت أن العيوب مثانية بناء على‬
‫ما ورد ىف كتب الرتاث واتكاء على النصوص الشعرية ‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫وأنكرنا زعانف آخرينَ (‪)1‬‬ ‫عرفنا جعفرا وبنى عبيد‬
‫** ويعلق د‪ /‬أحمد كشك على قول قدامه " كأنه وقف القوافى فلم يحركها‬
‫" رافضا هذا التخريج ‪ ..‬قائال " وقد رأى بعضهم فى سبيل تحقيق‬
‫المطلبين معا – المطلب النحوى والمطلب اإليقاعى – أن التسكين كان‬
‫أصال فى نطق هذه األبيات المخالفة للنحو – والذى أحسبه أن التسكين‬
‫يمثل وقفة ال يمكن معها تمام الوزن ‪ ،‬فإذا كان هناك إنشاد يواجه‬
‫بإمكانتين صالحتين للوقف ‪ ،‬إمكانة يتم فيها اإليقاع مع اتخاذ المد سبيال‬
‫للوقف ‪ ،‬وإمكانة يختل فيها الوزن مع اتخاذ التسكين سبيال للمد ‪ ،‬ففى‬
‫حسبانى حينئذ أن اإلمكانة األولى هى األولى باالستخدام ‪ ،‬لمسايرتها‬
‫حسبة اإليقاع كما وكيفا ‪.‬‬
‫** وقدامه بن جعفر " لم يجزم بالتسكين " ولم يؤكد هذا التخريج بل قال "‬
‫كأنه وقف القوافى فلم يحركها " وهذا يدل على أنه ساق هذا التفسير من‬
‫باب البحث عن مخرج لهذه الظاهرة ويمكن أن نقول إنه – كسر النون –‬
‫من " األربعين – ترخصا – وتمشيا مع إيقاع القافية " ويعد هذا من‬
‫الضرورات الشعرية ‪.‬‬
‫** وبعض النقاد يرى أن " اإلقواء " أو " اإلصراف " ال وجود له فى‬
‫الشعر العربى قديمه أو حديثه ‪ ،‬والواجب أن تبحث أمثلته فى شعر القدماء‬
‫بين شواهد النحو ‪ ،‬وأال يعرض لها المتحدثون عن موسيقى الشعر " ‪.‬‬
‫ويؤكد د‪ /‬إبراهيم أنيس رأيه السابق بأن هذه الروايات لو صحت يجب أن‬
‫تعد خطأ نحويا ال خطأ شعريا ‪ .‬فالشاعر صاحب األذن الموسيقية ‪،‬‬
‫والحريص على موسيقى القافية ‪ ،‬ال يعقل أن يزل فى مثل هذا الخطأ‬
‫الواضح الذى يدركه حتى المبتدئون فى قول الشعر ‪ " ،‬بله النابغة وأمثاله‬
‫من شعراء الفحول " (‪.)2‬‬
‫** وانطالقا من هذا التصور الرافض لظاهرة " اإلقواء " يرى د‪ /‬إبراهيم‬
‫أنيس أن النابغة ضحى بالقاعدة النحوية فى سبيل انسجام اإليقاع الشعرى‬
‫‪ ..‬وموسيقى القافية ‪ ،‬وكذلك صنع حسان بن ثابت ويقول ‪:‬‬
‫" والذى أرجحه أن النابغة قد نطق البيت ‪:‬‬
‫الغراب األسو ِد‬
‫ُ‬ ‫وبذاك حدثنا‬ ‫زعم البوارح أن رحلتنا غدا‬
‫وكسر الدال فيه لينسجم مثل هذا النطق مع باقى أبيات القصيدة من الناحية‬
‫الموسيقية ‪..‬فالقصيدة قافيتها داليه مكسورة ومطلعها ‪:‬‬
‫عجالن ذا زاد وغير مزود‬ ‫أم آل مية رائح أو مغتدى‬
‫** وكذلك البد أن حسان فى رأى د‪ /‬إبراهيم أنيس قد نطق بيته هكذا‪:‬‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬نقد الشعر ص ‪ 182‬قدامه بن جعفر ت د ‪ /‬حممد عبد املنعم خفاجى ‪.‬‬
‫‪- 2‬موسيقى الشعر ص ‪، 263 ، 262‬‬
‫‪122‬‬
‫األعاصير‬
‫ِ‬ ‫مثقب نفختْ فيه‬ ‫كأنهم قصب َجفَّتْ أسافله‬
‫وبذلك يكون الشاعر قد أخطأ فى قواعد النحو ‪ ،‬ال فى الموسيقى‬
‫الشعرية ‪ ،‬ألن البيت السابق قافيته رائية مكسورة مثل بقية القصيدة ‪:‬‬
‫اقير‬
‫جسم البغال وأحالم العص ِ‬ ‫ال بأس بالقوم من طول ومن قصر‬
‫ويمكن استنادا على آراء علماء النحو أن نقول ‪:‬‬
‫إن النابغة لم يخطئ فى النحو ‪ ،‬وإن حسان كذلك لم يخطئ ‪ .‬فقد صرح‬
‫ابن هشام بأن من جملة المواضع التى يقدر فيها اإلعراب ما اشتغل آخره‬
‫بحركة القافية ‪ ،‬ومقتضاه أن كلمة الروى تحرك بحركة القافية ‪ ،‬ويقدر‬
‫فيها الحركة التى هى مقتضى العامل للتعذر الشتغال المحل بحركة القافية‬
‫عمال بالموجبين " (‪)1‬‬
‫‪ -4‬اإلصراف د‬
‫وهو الجمع بين حركتين مختلفتين متباعدتين كالفتحة والضمة ‪ ،‬والفتحة‬
‫والكسرة ‪ ..‬فى " وصل " القافية ‪.‬‬
‫** وواضح جدا تقارب مدلولى اإلقواء واإلصراف وهما فى عرف النقاد‬
‫القدامى والمحدثين " شئ واحد فى نطاق قافية يتبادل وصلها حركتين‬
‫مختلفتين فى القصيدة الواحدة ‪ ،‬فال أساس للخالف بينهما ‪ ،‬ويؤكد ذلك أن‬
‫قدامة بن جعفر وهو بصدد الكالم فى عيوب القوافى – تكلم عن اإلقواء ‪..‬‬
‫ولم يرد لإلصراف ذكر فى كالمه ‪ ، -‬ود‪ /‬إبراهيم أنيس حين رفض‬
‫ظاهرة اإلقواء ‪ ..‬رفض معها كذلك " اإلصراف " ‪.‬‬
‫** وهما يشتركان فى وظيفة قافوية حيث " يختصان بالمجرى " ‪.‬‬
‫** ولقد ثار بعض الشعراء فى وجه القيد اللغوى الذى ذاب عندهم فى‬
‫إطار السالمة اإليقاعية ‪ ،‬ومنهم " عمار الكلبى " الذى ثار على متتبعى‬
‫أخطائه اللغوية قائال " (‪:)2‬‬
‫ماذا لقينا من المستعربين ومن قياس نحوهم هذا الذى ابتدعوا‬
‫إن قلت قافية بكرا يكون بها بيت خالف الذى قاسوه أو ذرعوا‬
‫قالوا لحنت وهذا ليس منتصبا وذاك خفض ‪ ،‬وهذا ليس يرتفع‬
‫وحرضوا بين عبد هللا من حمق وبين زيد فطال الضرب والوجع‬
‫كم بين قوم قد احتالوا لمنطقهم وبين قوم على أعرابهم طبعوا‬
‫ماكل قولى مشروحا لكم فخذوا ما تعرفون ومالم تعرفوا فدعوا‬
‫‪ -5‬اإليطاء د‬
‫وهو " إعادة ذاتها بلفظها ومعناها ‪ ،‬وإنما يجوز إعادتها بمعنى مختلف‬
‫نحو " إنسان " للرجل ‪ ،‬ولناظر العين ‪ ،‬وأجاز علماء العروض إعادة‬

‫‪ -1‬السابق ص ‪. 262‬‬
‫‪- 2‬القافية ‪ :‬اتج اإليقاع الشعرى ص ‪ 123‬وانظر اخلصائص البن جىن جـ ‪1‬‬
‫‪123‬‬
‫اللفظة ذاتها بمعناها بعد سبعة " (‪ )1‬أبيات ‪ ،‬ويرى " قدامه بن جعفر " أنه‬
‫إذا تكررت القافية الواحدة بلفظها ومعناها أكثر من مرتين فى القصيدة فهو‬
‫أسمج "‬
‫** فإن اتفق اللفظ واختلف المعنى كان جائزا كقولك " أريد خيارا وأوثر‬
‫خيارا ‪ :‬أى تريد خيارا من هللا لك فى كذا ‪ ،‬وخيار الشئ ‪ :‬أجوده " (‪)2‬‬
‫وذلك من باب الجناس التام ‪.‬‬
‫** واإليطاء مأخوذ من المواطأة أى الموافقة ‪ .‬قال هللا تبارك وتعالى "‬
‫ليواطئوا عدة ما حرم هللا ‪ ،‬أى ليوافقه "‬

‫‪ -6‬التضمين د‬
‫" وهو أن ال تستقل الكلمة التى هى القافية بالمعنى حتى تكون موصولة‬
‫بما فى أول البيت الثانى ‪.‬‬
‫وذلك مثل قول ‪ :‬النابغة الذبيانى‪:‬‬
‫وهم أصحاب يوم عكاظ إنى‬ ‫وهم وردوا الجفار على تميم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أت َ ْين ُه ُم بنصح الود منى ( )‬
‫‪3‬‬
‫شهدت لهم مواطن صادقات‬
‫** فالنابغة فى البيت األول جعل قافيته " إن واسمها " " ياء المتكلم " ثم‬
‫جاء فى أول البيت الثانى بالخبر وهو الجملة الفعلية " شهدت لهم مواطن‬
‫"‪.‬‬
‫** وهذا فى حقيقة األمر ال يعد عيبا مشينا ‪ ..‬كما ذكر السكاكى وغيره‬
‫حيث قال ‪ :‬ال شيء فى التضمين ‪ ،‬ودلل على ذلك بأنه قد ورد نظيره فى‬
‫بعض فواصل القرآن الكريم ‪.‬‬
‫** وفى الشعر القصصى يكون التضمين مطلبا فنيا ‪ ..‬يقتضيه سياق‬
‫القصة الشعرية – كما ورد فى كثير من النماذج الشعرية فى العصر‬
‫الحديث ‪ :‬عند شعراء المهجر ‪ ..‬وشعراء مدرسة أبولو وفى شعر ‪ :‬أحمد‬
‫زكى أبو شادى ‪ ،‬ولم يعد وفى ظل ضرورة توفر " الوحدة العضوية " فى‬
‫الشعر القصصى والتمثيلى يصبح التضمين مطلبا فنيا ‪ ..‬وال يعد عيبا ‪.‬‬
‫كما قال القدماء ‪.‬‬
‫** وفى الشعر القديم جاءت قصيدة تتضمن عيبا يقترب من التضمين ‪..‬‬
‫ولكنه أقرب إلى ظاهرة التدوير فى الشعر الحر ‪ ..‬حيث تجئ القافية‬
‫نصف كلمة والنصف اآلخر أول البيت التالى ‪ :‬وأبو العباس المبرد سمى‬
‫هذا الجنس من عيوب القافية " المجاز "‪.‬‬

‫‪ -1‬ميزان الذهب ص ‪. 124‬‬


‫‪ - 2‬نقد الشعر ‪ :‬قدامه بن جعفر ص ‪. 182‬‬
‫‪ 3‬انظر ‪ :‬سر الفصاحة البن سنان اخلفاجى ص ‪. 179‬‬
‫‪124‬‬
‫‪ " -7‬المجاز " ‪:‬‬
‫وهو أن يتم البيت وال تتم الكلمة منها القافية حتى يكون تمامها فى البيت‬
‫الثانى ‪ ..‬مثل أبيات كتبها الشيخ أبو العالء بن سليمان فى بعض كتبه ‪،‬‬
‫وذكرها أبو العباس فى كتابه الموضوع فى " القوافى "‪.‬‬
‫** والقصيدة تعد تجربة جديدة فى شكل القافية ‪ ،‬وفى طريقة بناء القصيدة‬
‫‪ ،‬ونص القصيدة كاآلتى – ونالحظ أنها متحدة القوافى بالرغم من الكلمات‬
‫المشطورة فى آخر األبيات والموزعة بين آخرالبيت وأول البيت التالى‬
‫تقول األبيات ‪:‬‬
‫ولكن لم يكن يو ‪..‬‬ ‫شبيه بابن يعقوب‬
‫وال يزنى وال يو ‪..‬‬ ‫ف يشرب الخمر‬ ‫س ُ‬
‫‪ُ ..‬‬
‫ة مزجاة لم يكن دو ‪..‬‬ ‫س ُع األمواه بالقهو‬ ‫‪ِ ..‬‬
‫وهذا منكر ‪ ..‬يو‬ ‫‪ ..‬نَ فى سبح وإمساء‬
‫ـــــه فى نار خزى هو‬ ‫شكُ الرحمن أن يصلـيــ‬ ‫ِ‬
‫ـــــف عنه ربنا السو‬ ‫لها أهل فال يكشـــــــــ‬
‫ــــن ذا الفحشاء اليو‬ ‫إن األخضر اإلبطيــــ‬
‫ولو قيل له ذو‬ ‫قِدُ النار ألضياف‬
‫فيا رحمن ال تو‬ ‫دنانير وأموال‬
‫الذى منظره لو‬ ‫وسع الرزق على هذا‬
‫فوزن الريش اليو ‪..‬‬ ‫لُ ٌؤ ‪ ..‬والفعل ستوق‬
‫** ونالحظ أن الكلمة األخيرة فى البيت األخير لم تكتمل وهى تقديرها "‬
‫ال يوزن " أى " فوزن الريش ال يوزن "‬
‫‪1‬‬
‫** وكلمة " ستوق " معناها زيف بهرج ملبس بالفضة ( ) ‪.‬‬
‫‪ -8‬التجميع د‬
‫وهو ‪ :‬أن تكون قافية المصراع األول من البيت على روى ينبىء أن‬
‫تكون قافية آخر البيت بحسبه فيأتى بخالفه كقول " عمرو بن شاس " ‪:‬‬
‫تذكرت ليلى الت حين ادكارها وقد ُحنى األضالع ضالَّ بتضال ِل‬
‫فلما قال – ادكارها – أوهم أن الروى حرف الراء بوصل وخروج‬
‫وردف قبله ‪ ،‬ثم جاء بالقافية على الالم ‪.‬‬
‫** ومن ذلك قول الشماخ ‪:‬‬
‫عفت بعد عهد العاهدين رياضها‬ ‫ف ورسم منازل‬ ‫لمن منز ٌل عا ٍ‬
‫** ويقول ابن سنان الخفاجى عن هذا العيب ‪ ..‬وسماه " الفن " " وقد سمى‬
‫هذا الفن – التجميع – وهو على كل حال من أسهل عيوب القوافى وأقربها‬
‫إلى الجواز والصحة (‪. )1‬‬

‫‪- 1‬انظر نص القصيدة ىف كتاب ‪ :‬سر الفصاحة البن سنان اخلفاجى ص ‪. 178‬‬
‫‪125‬‬
‫ثانيا د عيوب ما قبل الروى من الحروف والحركات ( السناد )د‬
‫أ ــــ مدلول السناد د‬
‫هو أن يختلف تصريف القافيتين فى الحركات أو الحروف " والسناد من قولهم "‬
‫خرج بنو فالن برأسين متساندين أى كل واحد منهما على حياله ‪ ،‬وكذلك قالوا ‪:‬‬
‫كانت قريش يوم الفجار متساندين أى ال يقودهم رجل واحد (‪.)2‬‬
‫** ومن ذلك قول عدى بن زيد‪:‬‬
‫على أبواب حصن مصلتينا‬ ‫ففاجأها وقد جمعت جموعا‬
‫وألفى قولها كذبا ومينا‬ ‫فقددت األديم لراهشيه‬
‫فالميم من – مينا – مفتوحة والتاء من – مصلتينا – مكسورة ‪.‬‬
‫** وهذا من شأنه أن يسبب خلال فى إيقاع القافية الموسيقى إال إذا لجأ الشاعر إلى‬
‫التغيير الحركى لضرورة اإلنشاد ‪ .‬وكسر حرف الميم وجعل الياء اللينة حرف مد‬
‫فتكون الكلمة " ومينا " وأعتقد أن هذا التصرف ساعة اإلنشاد أوقع فى السمع ‪،‬‬
‫من الوقوع فى المخالفة اإليقاعية " قالمقابلة بين ياء المد والياء اللينة تذهب‬
‫االلتزام فى حد " الردف ومن هنا يضيع الكيف ‪ ،‬وهذا أمر بدهى ‪ ،‬ألن ياء اللين‬
‫ال تسبق بكسر أبدا ‪ ،‬وال غرابة إذا ما وجدنا منشدا يحول الياء اللينة إلى مد مع‬
‫تحويلة بالضرورة الفتح إلى كسر كى يصح له اإليقاع " (‪.)3‬‬
‫(ب) أنواع السناد ‪..‬‬
‫أنواع السناد خمسة د‬
‫‪ -1‬سناد الردف ‪ .‬وهو أن يكون بيت مردفا وآخر غير مردف مثل قول "‬
‫حسان بن ثابت " فيما ينسب إليه‬
‫فأرسل حكما وال توصه‬ ‫إذا كنت فى حاجة مرسال‬
‫فشاور لبيبا وال تعصه‬ ‫وإن باب أمر عليك التوى‬
‫‪ -2‬سناد التأسيس د‬
‫وهو أن يكون بيت مؤسسا وآخر غير مؤسس مثل " يتجمل – ويتجامل "‬
‫‪.‬‬
‫وقد يتكرر هذا العيب فى القصيدة فى عدة أبيات ‪..‬‬
‫وقد تكون القصيدة كلها غير مؤسسة ‪ ،‬ويرد بيت واحد فيه تأسيس وباقى‬
‫القصيدة خالية من التأسيس وفى هذه الحالة يعد العيب اإليقاعى فى وجود‬
‫ألف التأسيس وليس فى عدم وجودها ‪ ..‬ومن ذلك قصيدة " العرس‬

‫‪- 1‬السابق ص ‪. 180‬‬


‫‪- 2‬هذا التفسري اللغوى ملادة " السناد " أورده " قدامة بن جعفر ىف نقد الشعر " وأورده بعد ذلك ابلنص نفسه‬
‫ابن سنان اخلفاجى ىف كتابه " سر الفصاحة " ‪.‬‬
‫‪ -3‬القافية اتج اإليقاع الشعرى ص ‪ 140‬د‪ /‬أمحد كشك ‪.‬‬
‫‪126‬‬
‫والدموع " لكاتب هذه السطور فى ديوان " المسافر فى سنبالت الزمن " ‪،‬‬
‫فالقصيدة تتكون من تسعة وأربعين بيتا ‪ ..‬ولم يرد فيها إال بيت واحد فيه‬
‫ألف التأسيس وهى فى رثاء الوالد رحمه هللا ومنها ‪:‬‬
‫قبر‬ ‫ُ‬
‫بنعشك ( ) كادت تستقر وت ُ‬‫‪1‬‬
‫رحلت وفى يوم الرحيل قلوبنا‬
‫لنا مثلما عشت الحياة تؤازر‬ ‫كأنك فى يوم الوداع مناصر‬
‫فكيف رأينا الموت فيك يُخير ؟!‬ ‫وإنا عهدنا الموت قصام أظهر‬
‫‪ -3‬سناد اإلشباع د‬
‫وهو اختالف حركة الدخيل بحركتين متقاربتين مثل كسرة الهاء وفتحة‬
‫العين فى قولك ( مجاهد ‪ ،‬وتباعد ) ولكنهم أجازوا الجمع بين الكسرة‬
‫والضمة ‪.‬‬
‫** وجواز الجمع بين حركتى " الكسرة والضمة " وعدم عد ذلك عيبا‬
‫مشينا ألن هناك وجوه شبه بين الضمة والكسرة كما أشار إلى ذلك علماء‬
‫األصوات اللغوية – وقال بذلك الخليل قديما حيث صرح بجواز الضمة‬
‫مع الكسرة وامتناع الفتحة مع أحدهما ‪ ،‬ورأيه أقرب إلى النظريات‬
‫الصوتية الحديثة " ‪.‬‬
‫** وإذا كان الخالف بين كسر وفتح أو ضم وفتح فهو أكثر عيبا كقول‬
‫ورقاء بن زهير‪:‬‬
‫أبادر‬
‫ُ‬ ‫فأقبلت أسعى كالعجول‬ ‫دعانى زهير تحت كلكل خالد‬
‫المظاهر‬
‫ُ‬ ‫ويمنعه منى الحديد‬ ‫فشلت يمينى يوم أضرب خالدا‬
‫وهنا – كما يقول د ‪ /‬أحمد كشك " ال يمنع المنشد أيضا أن يحول صيغة‬
‫اسم المفعول مضحيا بها إلى اسم فاعل حتى تبقى للدخيل سالمة الحركة‬
‫فيه (‪. )2‬‬
‫‪ -4‬سناد الحذو د‬
‫وهو اختالف حركة الحرف الذى قبل الروى المطلق مثل فتحة النون‬
‫وكسرة الكاف فى قولك " سند " و " كده " وتباعد الحركتين مسلم إلى‬
‫تغيير فى الردف ذاته كما تدل على ذلك نماذج هذه الظاهرة ‪ ،‬ومن ثم‬
‫فالعيب ال يخص الظاهرة وحدها ‪ ،‬وإنما الردف أيضا ‪ :‬وذلك مثل قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫كأن عيونهن عيون عين‬ ‫لقد ألج الخباء على جوار‬
‫‪1‬‬
‫عي ِْن ( )‬
‫يريد حمامة فى يوم َ‬ ‫ب‬
‫خافيتى غرا ٍ‬
‫ْ‬ ‫كأنى بين‬

‫‪ -1‬النص الكامل للقصيدة موجود بديوان املسافر ىف سنبالت الزمن ‪ .‬للمؤلف ص ( ‪. ) 95 – 87‬‬
‫‪- 2‬انظر ‪ :‬موسيقى الشعر د‪ /‬ابراهيم أنيس ‪ ،‬والقافية اتج اإليقاع الشعرى د‪ /‬أمحد كشك وانظر ‪ :‬ميزان الذهب‬
‫ىف صناعة شعر العرب للهامشى‬
‫‪127‬‬
‫‪ -5‬سناد التوجيه د‬
‫وهو اختالف حركة الحرف الذى قبل الروى المقيد كفتحة الالم وضمها‬
‫فى قولك " ُح ْلم و ُحلُم "‬
‫وقد استحسن الشعراء فى األعم األغلب ‪ ،‬التزام الحركة القصيرة قبل‬
‫الروى فى القافية المقيدة ‪ ،‬فإذا كانت فتحة التزموها فى كل األبيات ‪ ،‬وإذا‬
‫كانت ضمة راعوها فى كل القصيدة ‪ ،‬وكذلك الحال مع الكسرة فقد‬
‫التزموها حين ترد قبل الروى فى القافية المقيدة " ‪.‬‬
‫** وذهب علماء العروض مذاهب ثالثة فى قبول أو رفض سناد التوجيه‬
‫فاألخفش يرى أنه ليس بعيب مطلقا ‪ ،‬والخليل يؤيد جواز الضمة مع‬
‫الكسرة ‪ ،‬ويقول بامتناع الفتحة مع أحدهما ‪ " ،‬وكراع " جواز الجمع بين‬
‫الضمة والفتحة ‪ ،‬وال تأتى الكسرة مع أحدهما " (‪.)2‬‬
‫** وللعقاد قصيدة عنوانها " قدوم الشتاء " تبلغ ‪ 17‬سبعة عشر بيتا جمع‬
‫الشاعر فى قافيتها بين الفتحة والضمة والكسرة فى حركة الدخيل –‬
‫فجاءت حركة الضمة مرة واحدة ‪ ،‬والكسرة ثالث مرات ‪ ،‬والفتحة ثالث‬
‫عشرة مرة يقول العقاد ‪:‬‬
‫القمر‬
‫ْ‬ ‫ويرجف فى الجو نور‬ ‫تسير الكواكب سير الحذر‬
‫يسر‬
‫منظر ال ْ‬
‫ٍ‬ ‫ق إلى‬
‫سا ُ‬
‫يُ َ‬ ‫وللشمس مشيةُ مستكر ٍه‬
‫ِ‬
‫‪3‬‬
‫تقلب فى األرض كالمحتضر( )‬ ‫وللروض زهر به طائح‬
‫يطر‬
‫وهذا يصيح ‪ ..‬ولما ْ‬ ‫فهذا يحوم على وكره‬

‫***‬
‫ظواهر إيقاعية بين الرفض والقبول د‬
‫** وموسيقى القافية ال تنحصر فى الشكل فقط أو المقاطع الصوتية أو الحركات‬
‫والحروف ‪ ..‬وإنما تدخل فى صميم المضمون الشعرى فهناك قواف تجئ فى‬
‫موضعها وتزيد المعنى جالء ‪ ،‬وهناك قواف ‪ ..‬تجئ حشوا ال قيمة لها ‪ ..‬وإنما‬
‫يسوقها الشاعر الستكمال هيكل البيت اإليقاعى ‪.‬‬
‫فقد " روى أبو الفرج قدامة بن جعفر عن محمد بن يزيد المبرد عن‬
‫التوزى ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت لألصمعى من أشعر الناس ؟ فقال ‪ :‬من يأتى إلى‬
‫المعنى الخسيس فيجعله بلفظة كبيرة ‪ ،‬أو الكبير فيجعله بلفظه خسيسا ‪ ،‬أو‬

‫‪ - 1‬انظر ‪ :‬القافية اتج اإليقاع الشعرى ص ‪. 140 – 139‬‬


‫‪ -2‬موسيقى الشعر د‪ /‬ابراهيم أنيس ص ‪. 267‬‬
‫‪- 3‬ديوان العقاد ‪ /‬جـ ‪ 1‬ص ‪138‬‬
‫‪128‬‬
‫ينقضى كالمه قبل القافية فإذا احتاج إليها أفاد بها معنى ‪ ،‬قال ‪ :‬نحو من ؟‬
‫قال ‪ :‬نحو ذى الرمة حيث يقول‪:‬‬
‫رسوما كأخالق الرداء ‪..‬‬ ‫قف العيش فى أطالل مية فاسأل‬
‫فتم الكالم ‪ .‬ثم قال – المسلسل – فزاد شيئا ‪ :‬ثم قال ‪:‬‬
‫دموعا كتبديد الحمان ‪..‬‬ ‫أظن الذى يجدى عليك سؤالها‬
‫فتم كالمه ‪ ،‬ثم قال – المفصل – فزاد شيئا ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت " ونحو من " قال‬
‫األعشى ‪ ،‬حيث يقول ‪:‬‬
‫فلم يضرها وأوهى قرنه الوع ُل‬ ‫كناطح صخرة يوما ليفلقها‬
‫فزاد معنى ‪ :‬ألن كالمه تم بقوله " يضرها ‪ ،‬وما بعده إيغال ‪ ،‬وأرادوا‬
‫بذلك أن الشاعر يوغل بالقافية فى الوصف إن كان واصفا ‪ ،‬وفى التشبيه‬
‫إن كان مشبها "(‪. )1‬‬
‫** ومن القوافى المستحسنة ما تجئ فى إطار فن " التوشيح أو التسهيم أو اإلرصاد‬
‫وهو أن يكون مبتدأ الكالم ينبئ عن مقطعه وأوله يخبر بآخره ‪ ،‬فهذا هو الكالم‬
‫الذى يدل بعضه على بعض ‪ ،‬ويأخذ بعضه برقاب بعض وإذا أنشدت صدر البيت‬
‫علمت ما يأتى من عجزه ‪ ،‬فالشعر الجيد أو أكثره على هذا مبنى‪ ،‬وذلك نحو قول‬
‫زهير‪:‬‬
‫يسأم‬
‫ِ‬ ‫ثمانين حوال – ال أبا لك –‬ ‫سئمت تكاليف الحياة ومن يعش‬
‫ألنه لما قال فى أول البيت – سئمت – وقال " ومن يعش ثمانين حوال " اقتضى‬
‫أن يكون فى آخره " يسأم " ‪.‬‬
‫** ويدخل فى هذا الشعر المحكم القافية الذى يأخذ بعضه برقاب بعض قول أبى‬
‫صخر الهذلى ‪:‬‬
‫فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر‬ ‫عجبت لسعى الدهر بينى وبينها‬
‫** وقول عمرو بن معديكرب الزبيدى ‪:‬‬
‫وفى كل حى ذروة وسنام‬ ‫وكنت سناما فى فزارة تامكا‬
‫وقول أبى عبادة‪:‬‬
‫قدر الجوى أبكى بكيتكما دما‬ ‫أبكيكما دمعا ولو أنى على‬
‫فهذه األبيات كلها إذا سمع اإلنسان صدورها ‪ ،‬وكان قد عرف الروى المقصود‬
‫فيها عرف الكلمة التى تكون قافية قبل الوصول إليها "(‪)2‬‬
‫** وألفاظ القافية البد فيها من مراعاة السياق وجو التجربة الشعرية ولذلك عيب‬
‫على أبى تمام إتيانه بألفاظ تستخدم فى مقام الهجو وجعلها فى ختام أبياته التى‬
‫يمدح بها ‪ ..‬مثل محموم ‪ .‬وشيطان رجيم وتنين ‪ ..‬فى األبيات اآلتية ‪.‬‬

‫‪- 1‬انظر ‪ :‬سر الفصاحة البن سنان اخلفاجى‬


‫‪- 2‬انظر ‪ :‬سر الفصاحة البن سنان اخلفاجى‬
‫‪129‬‬
‫وهى من قصائد متفرقة يقول‪:‬‬
‫حتى ظننا أنه " محموم "‬ ‫مازال يهذى بالمكارم دائبا‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫وتشفى الحرب منه حين تغلى مراجلها ( بشيطان رجيم )‬
‫وقوله د‬
‫حث النجاء وخلفه التنين‬ ‫ولى ولم يظلم وهل ظلم امرؤ‬
‫** فهو يجعل الممدوح شيطانا رجيما ‪ ،‬ويشبهه فى البيت الثالث بالتنين ‪ .‬وهذه‬
‫صور شعرية مخالفة للسياق وألفاظ جاءت فى غير موضعها ‪.‬‬
‫** وقد يأتى لفظ القافية " حشوا " أو جسما زائدا غريبا ال يجمل كيان البيت ‪ ،‬وال‬
‫يحكم بنيانه ‪ .‬وإنما يكون الشاعر أسير لفظ القافية فيضطر إلى إقحام كلمة زائدة ‪..‬‬
‫وهذا من عيوب الشاعرية الضعيفة ‪ ..‬وليس للتمسك بالقافية الغنية المتمكنة صلة‬
‫بذلك ‪ .‬فالعيب فى الشاعر الذى يسلك هذا المسلك ‪.‬‬
‫** ومن الحشو " فى القافية " قول أبى تمام‪:‬‬
‫زهر العرار الغض والجثجاثا‬ ‫كالظبية األدماء صافت فارتعت‬
‫فإن الجثجاث إنما جاء به حشوا ألجل القافية ‪ ،‬وإال فليس للظبية فضيلة إذا‬
‫رعت " الجثجاث " وال له فيها ميزة على غيره من النبات ‪.‬‬
‫** ومن الحشو فى القافية ‪ ،‬قول عدى بن الرقاع العاملى‪:‬‬
‫عينيه أحور من جآذر جاسم‬ ‫وكأنها بين النساء أعارها‬
‫ألن " جاسم " إنما وردت هنا ألجل القافية ال لمعنى فيها ‪ ،‬وهى قرية بالشام من‬
‫أعمال دمشق ‪ ،‬وفيها ولد أبو تمام الطائى وليس لجآذرها ميزة على غيرها ‪..‬‬
‫** وهناك قواف تتمم المعنى ‪ ..‬وتضيف إلى الصورة الشعرية أبعادا ورؤى جديدة‬
‫‪ ،‬ومن ذلك قول امرئ القيس ‪:‬‬
‫وأرحلنا الجزع الذى لم يثقَّب‬ ‫كأن عيون الوحش حول خبائنا‬
‫** وهذا من اإلطناب ‪ ..‬ألنه لما أتى على التشبيه قبل القافية واحتاج إليها جاء‬
‫بزيادة حسنة فى قوله " لم يثقب " ألن الجزع إذا كان غير مثقوب كان أشبه‬
‫بالعيون ‪)1(" ..‬‬
‫** ومن الظواهر اإليقاعية فى القوافى " لزوم ماال يلزم " ‪ .‬فقد التزم بعض‬
‫الشعراء فى القوافى إعادة ماال يلزمه طلبا للزيادة فى التناسب ‪ ،‬واإلغراق فى‬
‫التماثل ‪ .‬كقول " الحطيئة " ‪:‬‬
‫يقطع طول الليل بالزفرات‬ ‫أال من لقب عارم النظرات‬
‫إذا ما الثريا آخر الليل أعتقت كواكبها كالجزع منحدرات‬
‫فالتزم الراء فى جميعها قبل حرف الروى وهى غير الزمة ‪.‬‬

‫‪- 1‬السابق ص ‪145‬‬


‫‪130‬‬
‫** ولحسان بن ثابت ‪ ،‬وكثير عزة ‪ ،‬والبحترى ‪ ،‬وابن رومى ‪ ،‬قصائد كثيرة تنهج‬
‫هذا المنهج ‪ ..‬ورائد هذا الفن الذى أجاد فيه وبرع أبو العالء المعرى وله ديوان‬
‫كامل ‪ ..‬وهو اللزوميات ‪ ،‬وأكثر كالمه المنثور سلك فيه هذا المنهج ‪.‬‬
‫** ونهج أبى العالء يعد اقترابا فنيا من صورة القافية التامة الموسيقى والممكنة‬
‫عمليا دون اخالل بالمعنى ‪ ،‬فكل قافية تتكرر منها سبعة أصوات فى أبيات القصيدة‬
‫تكون أقصى ما يمكن أن يطمع فيه الشاعر العربى من ناحية الموسيقى ‪ ،‬فعلى قدر‬
‫عدد األصوات المكررة فى أواخر األبيات يكون كمال الموسيقى فى القافية ‪.‬‬
‫** وقد استطاع أبو العالء فى بعض لزومياته وليس فيها كلها أن يسمو بموسيقى‬
‫القافية إلى ما يعادل ثمانية أصوات ولكن ذلك نادر‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪:‬‬
‫راعتك فى العين من حسن المراعاة‬ ‫راعتك دنياك من ريع الفؤاد وما‬
‫من ليلة قد أجدَّا فى المساعاة‬ ‫كأنما اليوم عبد طالب أمةً‬
‫** فقد راعى هنا ألفى مد ‪ ،‬وهما بمثابة حرفين وحركتين قصيرتين ‪ ،‬ثم راعى‬
‫حرفا آخر هو العين ‪ ،‬هذا إلى الروى وحركته ‪.‬‬
‫** وقدم د‪ /‬إبراهيم أنيس تصنيفا لقافية أبى العالء فى اللزوميات وقسمها إلى‬
‫مراتب تصاعدية على حسب كمال الموسيقى فيها وهذه المراتب هى ‪:‬‬
‫‪ -1‬أقل المراتب ما كانت مثل قوله ‪:‬‬
‫المتكذب‬
‫ُ‬ ‫إليك فأنت الظالم‬ ‫نقمت على الدنيا وال ذنب أسلفت‬
‫ب‬ ‫َّ‬
‫بمن هو صب فى هواها معذ ُ‬ ‫وهبها فتاة هل عليها جناية‬
‫‪ -2‬المرتبة الثانية تتضح فى مثل قوله ‪:‬‬
‫فال تخيم على األضغان والحسد‬ ‫البد للروح أن تنآى عن الجسد‬
‫‪ -3‬المرتبة الثالثة تظهر فى مثل قوله ‪:‬‬
‫إسار‬
‫ُ‬ ‫أطلق أسيرك فالحياة‬ ‫خسار‬
‫ُ‬ ‫يا رب عيشةُ ذى الضالل‬
‫‪ -4‬المرتبة الرابعة ‪ :‬تتضح فى مثل قوله ‪:‬‬
‫فمن رأيها للناس هجر المساجد‬ ‫عصْبة هجرية‬ ‫إذا ما رأيتم ُ‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫على عزة أو موقظ ك َّل هاج ِد‬ ‫سر مرقدٌ كل ساهر‬ ‫وللدهر ٌّ‬
‫‪ -5‬المرتبة الخامسة ‪ :‬وهى القافية التامة الموسيقى ومثلها قوله ‪:‬‬
‫فإن حديث القوم ينسى المصائبا‬ ‫إذا ما عراكم حادث فتحدثوا‬
‫فلم تجعل اللذات إال نصائبا‬ ‫وحيدوا عن األشياء خيفة غيها‬
‫‪ -6‬وأخيرا تلك القافية النادرة حتى فى لزوميات أبى العالء مثل قوله‪:‬‬
‫راعتك دنياك من ريع الفؤاد وما راعتك فى العيش من حسن المراعاة‬
‫من ليلة قد أجدا فى المساعاة (‪)1‬‬ ‫كأنما اليوم عبد طال أمـــــــــــــــة‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬موسيقى الشعر ص ‪ 278 – 277‬د‪ /‬ابراهيم أنيس‬


‫‪131‬‬

‫ظواهر التطور فى موسيقى الشعر " المقفى "‬


‫" شعر الشطرين "‬
‫إن الشعر العربى الملتزم بالشطرين المتمسك بالعروض الخليلى ‪ ،‬لم يتجمد عند‬
‫القالب الواحد الملتزم بالقافية الواحدة ‪ ،‬بل تعددت قوالب هذا الشعر الموسيقية ‪،‬‬
‫وارتبطت هذه القوالب بالغناء واألناشيد‪ ،‬وكان الشاعر نفسه يغنى أشعاره ويفتخر‬
‫بذلك فى العصر الجاهلى ‪.‬‬
‫وفى المعارك كانت األشعار تغنى‪ ،‬ويرددها وراء المغنى ما يمكن أن نطلق عليه‬
‫" الجوقة " فى العصر الحديث ‪ ،‬ولعل ما يثبت ذلك من بعض الوجوه ما يرويه‬
‫الطبرى واألغانى من أن هندا بنت عتبة وجماعة من نساء قريش كن يضربن على‬
‫الدفوف فى غزوة أحد ‪ ،‬وكانت هند تغنى فى أثناء هذا العزف بمقطوعات تخاطب‬
‫جنود المشركين منها‪:‬‬
‫ونفرش النمارقْ‬ ‫إن تُقبلوا نُعانقْ‬
‫ق غير وامقْ‬
‫فرا َ‬ ‫أو تُدبروا نفارقْ‬
‫ويصف إسحاق الموصلى غناء العرب قديما بصفات تطلعنا على العالقة بين‬
‫المصطلحات الموسيقية الغنائية عند العرب قديما وبين المصطلحات العروضية‬
‫التى جاء بها الخليل من أسماءء البحور و ألقاب القافية ‪.‬‬
‫يقول اسحاق الموصلى ‪:‬‬
‫"وغناء العرب قديما على ثالثة أوجه ‪ :‬النصب والسناد والهزج ‪ ،‬فأما النصب‬
‫فغناء الركبان والفتيان وهو الذى يستعمل فى المرائى ‪ ،‬وكله يخرج من أصل‬
‫الطويل فى العروض ‪ ،‬وأما السناد فالثقيل ذو الترجيع والنغمات والنبرات ‪ ،‬وأما‬
‫الهزج فالخفيف الذى يرقص عليه ‪ ،‬ويمشى بالدف والمزمار فيطرب ويستخف‬
‫الحليم ‪.‬‬
‫ومن يرجع إلى مدلول الكلمات التى عبر بها العرب عن الغناء يجد بعضها يدل‬
‫على ضروب من الحركات الجسمية كما يدل على ضروب من الشعر ‪ ،‬فالهزج‬
‫الذى يذكره إسحاق الموصلى يطلق على نوع من الغناء كما يطلق على نوع من‬
‫الحركة الجسمية السريعة ‪ ،‬ومثله " الرمل " وكانوا يطلقونه على من يهز منكبيه‬
‫ويسرع فى حركته ‪ ،‬كما كانوا يطلقونه على الشعر الذى يوصف باضطراب البناء‬
‫والنقصان ‪ ،‬وفى ذلك مايدل على اقتران الشعر بالغناء الموسيقى " (‪)1‬‬

‫‪ -1‬الفن ومذاهبه ىف الشعر العرىب ‪ ،‬أرجع إىل ص ‪ 48 ، 47‬د‪ /‬شوقى ضيف ‪ ،‬وارجع إىل لسان العرب البن‬
‫منظور ‪.‬‬
‫‪132‬‬
‫ــــــــ ومن ظواهر التطور الموسيقى فى الشعر العربى القديم د‬
‫‪1‬ــــــ النظم على البحور المجزوءة د‬
‫ومن ذلك قول أم السليك " وهى من مشطور المديد "‪:‬‬

‫ْ‬
‫فهلك‬ ‫من هالك‬ ‫طاف يبغى نجوةً‬
‫أى شئ ْ‬
‫قتلك‬ ‫ليت شعرى ضلة‬
‫عدو َختَلَكْ‬
‫أم ٌ‬ ‫أمريض لم تعد‬
‫ومن ذلك أيضا قول دريد بن الصمة من منهوك بحر الرجز ‪:‬‬
‫ياليتنى فيها جزع‬
‫أخب فيها وأضع‬
‫وفى العصر األموى حدث تطور فى موسيقى الشعر الغنائى فقد قل النظم على‬
‫األوزان الطويلة التى عرفت فى العصر الجاهلى من مثل البسيط والطويل والكامل‬
‫‪ ،‬وحلت محلها أوزان أخرى كثر النظم فيها من مثل الوافر والمديد والسريع‬
‫والخفيف والرمل والمتقارب والهزج ‪.‬‬
‫ويالحظ أن البحور التامة كانت تأتى مجزوءة إذا أعدها الشاعر للغناء ‪.‬‬
‫ولعل أهم شاعر قام بجهد وافر فى هذا الجانب هو عمر بن أبى ربيعة ‪ ،‬فقد‬
‫عرف كيف يلين األوزان لهذا الغناء الجديد ‪ ،‬ولعله من أجل ذلك كان أقرب‬
‫شعراء الحجاز إلى ذوق المغنين ‪ ،‬فقد كانوا يعجبون به وبأشعاره ‪.‬‬
‫وروى أبو الفرج – كثيرا من أصواتهم فى مقطوعاته فمن ذلك صوت ابن‬
‫سريج وهو من مجزوء الخفيف ‪:‬‬
‫قبل شحط النوى غدا‬ ‫قل لهند وتِ ْربِها‬
‫س َّهدَا‬‫بت ليلى ُم َ‬ ‫إن تجودى فطالما‬
‫ـــــ ومن ذلك أيضا صوته وهو من مجزوء الوافر‪:‬‬
‫لمواله لها ظهرا‬ ‫أليست بالتى قالت‬
‫إذا هو نحونا خطرا‬ ‫أشيرى بالسالم له‬
‫ـــــ ومن ذلك صوت ابن محرز وهو من مجزوء الرمل ‪:‬‬
‫راجع الحب الغريضا‬ ‫أصبح القلب مهيضا‬
‫أن رأى برقا وميضا‬ ‫وأجد الشوق وهنا‬
‫ـــــ وفى العصر العباسى د‬
‫توثقت الصلة بين العروض العربى والغناء العربي ‪ ،‬واتسعت دائرة تطور‬
‫األشكال الشعرية ‪ ،‬وبدأ الشعراء يجددون مع المغنين فى أوزانهم ‪ ،‬وهذه الظاهرة‬
‫التى تجسد العالقة بين مؤلفى الشعر وبين من يتغنون به ‪ ،‬تعد صدى للخاصية‬
‫التى تميز الغناء العربى القديم عن غيره كما يقول الجاحظ حيث يرى أن العرب‬
‫تقطع األلحان الموزونة على األشعار الموزونة ‪ ،‬فتضع موزونا على موزون ‪،‬‬
‫‪133‬‬
‫والعجم تمطط األلفاظ فتقبض وتبسط حتى تدخل فى وزن اللحن ‪ ،‬فتضع موزونا‬
‫على غير موزون ‪.‬‬
‫ومن ثم نسطيع أن نفهم الصلة بين العروض العربى والغناء العربى ‪ ،‬فإن األول‬
‫فيما يظهر ألف على أساس رقم الغناء ( النوت الموسيقية ) التى عرفت فى العصر‬
‫العباسى ‪ ،‬ومما يؤيد ذلك ما يقوله إخوان الصفا من أن قوانين الموسيقى مماثلة‬
‫لقوانين العروض ‪.‬‬
‫والخليل بن أحمد صاحب " علم العروض " ألف فى علم األصوات كتابين كما‬
‫ورد فى معجم األدباء ‪.‬‬
‫ويقول ابن خلكان عن الخليل بن أحمد " إن معرفته باإليقاع هى التى أحدثت له‬
‫علم العروض ‪.‬‬
‫ولعلنا من أجل ذلك كنا نجد كثيرا من ألفاظه االصطالحية التى وضعها فى‬
‫العروض شائعة فى الغناء من مثل ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫( السناد – والنصب – والثقيل والخفيف والهزج والرمل ) ( )‬
‫‪ 2‬ـــــ استحداث أوزان جديدة د‬
‫ومن هذه األوزان التى استحدثها الشعراء فى العصر العباسى وزن بحر‬
‫المقتضب وبحر المضارع ‪ ،‬وقد سجلهما الخليل بن احمد وليس لهما أصل فى‬
‫الشعر القديم كما يقول أبو العالء المعرى ‪.‬‬
‫وأيضا استحدث الوليد بن يزيد وزن بحر المجتث فى العصر األموى ‪ ،‬وقد أكثر‬
‫منه العباسيون إذ نجده كثيرا عند بشار ومطيع بن إيس ‪ ،‬وأبى نواس وأبى العتاهية‬
‫وأضرابهم ‪.‬‬
‫ـــــــ يقول الوليد بن يزيد من الوزن المستحدث " بحر المجتث " وتفاعيله (‬
‫مستفع لن فاعالتن )‪:‬‬ ‫مستفع لن فاعالتن‬
‫برنَّه‬
‫ورا المصلى َ‬ ‫إنى سمعتُ بليل‬
‫يَ ْندبن وا ِلدَ ُهنَّه‬ ‫إذا بنات هشام‬
‫قد كان يعضد ُهنَّه‬ ‫يندبن قَ ْر ًما جليال‬
‫ـــــــ ومن بحر المقتضب وهو مستحدث فى العصر العباسى‪ ،‬وتفاعيله (‬
‫مفعوالت مستعلن ‪ -‬مفعوالت مستعلن )‬
‫يقول أبو نواس ‪:‬‬
‫الطرب‬
‫ُ‬ ‫يستخفُّه‬ ‫حام ُل الهوى تعب‬
‫سبب‬
‫ُ‬ ‫منك جاءنى‬ ‫كلما انقضى سبب‬
‫لعجب‬
‫ُ‬ ‫تعجبين د من سقمى صحتى هى ا‬
‫ــــــ ومن بحر المضارع وهو وزن مستحدث فى العصر العباسى وتفاعيله ‪( :‬‬
‫مفاعيلن فاع التن )‬ ‫مفاعيلن فاع التن‬

‫‪ -1‬املرجع الرسابق ص ‪ ، 71‬وانظر البيان والتبني للجاحظ ‪.‬‬


‫‪134‬‬
‫يقول سعيد بن وهب ‪:‬‬
‫بت العيش يانوار‬ ‫لقد قلت حين قر‬
‫فلم يربعو وساروا‬ ‫قفو فاربعوا قليال‬
‫‪ 3‬ـــــ مقلوب البحور د‬
‫وقد نظم على هذا الشكل العروضى أبو العتاهية رغبة منه فى التجديد فقد أتى‬
‫بعكس بحر البسيط حيث يحكى عنه ابن قتيبة قائال ‪:‬‬
‫وكان لسرعته وسهولة الشعر عليه ربما قال شعرا موزونا يخرج به عن‬
‫أعاريض الشعر وأوزان العرب ‪ ،‬وقعد يوما عند قصار فسمع صوت مدقة فحكى‬
‫ذلك فى ألفاظ شعره وهو عدة أبيات ‪ ،‬وهى جاءت على وزن عكس بحر البسيط ‪،‬‬
‫ومنها ‪:‬‬
‫هن ينتقيننا واحد فواحدا‬ ‫للمنون دائرات يدرن صرفها‬
‫فاعلن متفعلن فاعلن متفعلن‬ ‫فاعلن متفعلن فاعلن متفعلن‬
‫ونظم أبو العتاهية أيضا – شعرا على عكس بحر المديد ‪ :‬فيقول‪:‬‬
‫ال أراه أتانى زائرا مذ ليالى‬ ‫عتْب ما للخيال خبرينى ومالى‬ ‫ُ‬
‫وتقطيع البيت هكذا‬
‫ال أراه أتانى زائرا مذ ليالى‬ ‫عتب ما للخيال خبرينى ومالى‬
‫فاعلن فاعالتن فاعلن فاعالتن‬ ‫فاعلن فاعالتن فاعلن فاعالتن‬
‫‪ 4‬ـــــ األراجيز د‬
‫وهو نوع من التجديد والتطوير فى موسيقى الشعر العربى – إذ ال يظل الشاعر‬
‫أسير القافية الواحدة بل ينظم األرجوزة الطويلة من بحر " الرجز " مستفعلن "‬
‫ويجعل لكل بيت قافية مصرعة – أو يجئ البيت مجزوءا ‪.‬‬
‫وتميز نوع من الشعر المنظوم على هذا القالب الموسيقى وعرف باسم "‬
‫األراجيز " ‪ ،‬وعرف الشعراء الذى ينظمون على هذا القالب باسم " الرجاز "‬
‫وارتبط إيقاع بحر الرجز " بالحداء والحماسة والحروب والسقى من اآلبار ‪.‬‬
‫وعلى موسيقى هذا البحر ‪ ،‬وفى قالب األرجوزة كثر نظم العلوم والحكم ‪،‬‬
‫والتاريخ واألمثال ‪.‬‬
‫ومن ذلك قول أبى النجم من ديوانه الذى جاء معظمه فى قالب األرجوزة ‪ ،‬يقول‬
‫فى وصف الحديقة ‪:‬‬
‫فالروض قد نور فى عزائه‬
‫مختلف األلوان فى أسمائه‬
‫نورا تخال الشمس فى حمرائه‬
‫مكلال بالورد من صفرائه (‪)1‬‬

‫‪ -1‬ديوان أىل النجم العجلى ص ‪. 19‬‬


‫‪135‬‬
‫ومن ذلك قول أبى العتاهية من أرجوزته " ذات األمثال التى بلغت أربع آالف بيت‬
‫كلها أمثال محكم ‪:‬‬
‫ما أكثر القوت لمن يموت‬ ‫حسبك مما تبتغيه القوت‬
‫ما أطول الليل على من لم ينم‬ ‫لكل ما يؤذى وان قل ألم‬
‫وخير ذخر المرء حسن فعله‬ ‫ما انتفع المرء بمثل عقله‬
‫مفسدة للمرء أى مفسده‬ ‫ان الشباب والفراغ والجده‬
‫‪ 5‬ــــــ المزدوج ‪:‬‬
‫وهو يتالقى مفهومه مع منظومة أبى العتاهية السابق ذكر بعض أبيات منها وقد‬
‫عرفه علماء العروض بأنه هو " أن يؤتى ببيتين من مشطور أى بحر مقفين ‪،‬‬
‫وبعدهما غيرهما بقافيه أخرى وهكذا ‪ ،‬ويكثر هذا فى الشعر التعليمى ‪ ،‬والشعر‬
‫الفلسفى ‪ ،‬ومن ذلك مزدوجة طويلة لمحمد بن ابراهيم الفزازى فى " الفلك "‬
‫ومطلعها ‪:‬‬
‫ذى الفضل والمجد الكبير األكرم‬ ‫الحمد هلل العلى األعظم‬
‫الواحد الفرد الجواد المنعم‬
‫والشمس يجلو ضوؤها إلغساقا‬ ‫الخالق السبع العلى طباقا‬
‫والبدر يمأل نوره اآلفاقا‬
‫س َّمط ‪:‬‬
‫‪ 6‬ــــ ال ُم َ‬
‫وهو أن يبتدئ الشاعر ببيت مصرع ثم يأتى بأربعة أقسمة من غير قافيته ثم‬
‫يعيد قسما واحدا من جنس ما ابتدأ به ‪ ،‬وهكذا إلى آخر القصيدة ‪.‬‬
‫ـــــ ومن ذلك قول امرئ القيس " فيما نسب إليه " ‪:‬‬
‫عفاهن طول الدهر فى الزمن الخالى‬ ‫توهمت من هند خلت معالم أطالل‬
‫يصيح بمغناها صدى وعوازف‬ ‫مرابع من هند خلت ومصايف‬
‫وكل مسف ثم آخر رادف‬ ‫وغيرها هوج الرياح العواصف‬
‫بأسحم من نوء السماكين هطال‬
‫وقد يكون المسمط بأقل من أربعة أقسمة وبال بيت مصرع ‪ ،‬مثل قول ميخائيل‬
‫نعيمة فى قصيدته " التائه " ‪:‬‬
‫فى مهم ٍة سحيق‬ ‫أسير فى طريقى‬
‫ورائدى الفضا‬ ‫ووحدتى رفيقى‬
‫وخوذتى السحاب‬ ‫مطيتى التراب‬
‫ورائدى القضا‬ ‫ودرعى السراب‬
‫‪ 7‬ـــــ المخمس ‪:‬‬
‫وهو أن يؤتى بخمسة أقسمة كلها من وزن واحد وخامسها بقافية مخالفة لألربعة‬
‫قبله ثم بخمسة أخرى من الوزن دون القافية لألقسمة األربعة األولى (‪ )1‬ويتحد‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬ميزان الذهب ىف صناعة شعر العرب ص ‪. 138‬‬


‫‪136‬‬
‫القسيم الخامس مع الخامس من األولى فى القافية – ومنه قول ابن زيدون يعبر عن‬
‫شوقه إلى قرطبة ويناجيها ‪:‬‬
‫أقرطبة الغراء هل فيك مطمع ؟‬
‫وهل كبد حرى لبينك تنفع ؟‬
‫وهل للياليك الحميدة مرجع ؟‬
‫واذ كنف الدنيا لديك موطأ‬
‫( ميسر ومذلل )‬
‫***‬
‫نهارك وضاح وليلك ضحيان‬
‫وتربك مصبوح وغضنك نشوان‬
‫وأرضك تكسى حين جوك عريان‬
‫ورياك روح للنفوس وريحان‬
‫وحسب الملنى ظلك المتفيأ (‪)1‬‬

‫‪ 8‬ــــ الرباعيات د‬
‫وهو نظام شعرى تتعدد فيه القافية – فى كل بيتين بحيث تتكون الرباعية من‬
‫أربع شطرات ‪ ،‬تتحد فيها قافية الشطرة األولى والثانية والرابعة – ومنه قول عمر‬
‫الخيام فى رباعياته التى ترجمها " أحمد رامى " ونظمها من بحر " السريع " ‪:‬‬
‫وال يآتى العيش قبل األوان‬ ‫ال تشغل البال بماضى الزمان‬
‫فليس فى طبع الليالى األمان‬ ‫واغنم من الحاضر لذاته‬
‫‪ 9‬ـــــ الموشحات ‪:‬‬
‫الموشحة ‪ :‬منظومة غنائية ال تسير فى موسيقاها على المنهج التقليدى ‪ ،‬الملتزم‬
‫لوحدة الوزن ورتابة القافية ‪ ،‬وإنما تعتمد على منهج تجديدى متحرر نوعا ‪ ،‬بحيث‬
‫يتغير الوزن وتتعدد القافية ‪ ،‬ولكن مع التزام التقابل فى األجزاء المماثلة ‪.‬‬
‫والموشحات قد نشأت فى األندلس ‪ ،‬أواخر القرن الثالث الهجرى " التاسع‬
‫الميالدى " وكانت نشأتها فى هذه السنين التى ازدهرت فيها الموسيقى وشاع الغناء‬
‫من جانب‪ ،‬وقوى احتكاك العنصر العربى بالعنصر األسبانى من جانب آخر ‪ ،‬وقد‬
‫أحس األندلسيون بتخلف القصيدة الموحدة ‪ ،‬إزاء األلحان المنوعة ‪ ،‬وشعروا‬
‫بجمود الشعر فى ماضيه التقليدى الصارم ‪ ،‬أمام النغم فى حاضره التجديدى المرن‬
‫‪ ،‬وأصبحت الحاجة ماسة إلى لون من الشعر جديد ‪ ،‬يواكب الموسيقى والغناء فى‬

‫‪ 1‬ديوان ابن زيدون ص ‪. 39 ، 38‬‬


‫‪137‬‬
‫تنوعهما واختالف ألحانهما ‪ ،‬ومن هنا ظهر هذا الفن الشعرى الغنائى الذى تتنوع‬
‫فيه األوزان وتتعدد القوافى والذى تعد الموسيقى أساسا من أسسه ‪ ،‬فهو ينظم ابتداء‬
‫للتلحين والغناء " (‪)1‬‬
‫وتعد الموشحات تطورا فنيا للمسمطات والمخمسات التى عرفت منذ العصر‬
‫العباسى األول ‪.‬‬
‫وكان المخترع لها فى األندلس " مقدم بن معافى القبرى من شعراء األمير عبد‬
‫هللا بن محمد المروانى ‪ ،‬وأخذ عنه ذلك ابن عبد ربه صاحب كتاب " العقد الفريد "‬
‫‪ ،‬ولم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر ‪ ،‬وكسدت موشحاتهما ‪ ،‬فكان أول من برع‬
‫فى هذا الشأن بعدهما ‪ ،‬عبادة القزاز " شاعر المعتصم من صمادح " صاحب "‬
‫المرية " ‪.‬‬
‫ويقول ابن بسام فى كتابه " الذخيرة " إن الموشحات القديمة لم يكن فيها تضمين‬
‫وال أغصان ‪ ،‬فلما جاء الرمادة " أكثر من التضمين فى المراكز ثم جاء " " عبادة‬
‫بن ماء السماء " فاعتمد مواقف الوقف فى األغصان يضمنها " (‪)2‬‬
‫البناء الفنى للموشحة د‬
‫الموشحة ‪ :‬سميت بذلك لما تتضمنه من نظام بديع وموسيقى مؤثرة " فالوشاح‬
‫حلية ذات خطين يسلك فى أحدهما اللؤلؤ وفى اآلخر " الجوهر " ‪ ،‬أو هو جلد‬
‫عريض مرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقها وكشحها ‪ ،‬والثوب الموشح هو‬
‫الثوب المزين ‪ ،‬فالفكرة إذن ‪ :‬كما يقول د‪ /‬احمد هيكل فى فكرة التجميل المنوع‬
‫المعتمد على التقابل ‪ ،‬وهكذا الموشح أو الموشحة أيضا ‪ ،‬فهى تزدان بالقوافى‬
‫المنوعة واألوزان المتعددة ‪ ،‬ولكن مع التقابل فى أجزائها المتماثلة ‪.‬‬
‫والموشحة فى بنائها الفنى ‪ :‬تتألف من خمس فقرات ‪ ،‬تسمى كل فقرة بيتا ‪،‬‬
‫والبيت فى الموشحة ليس كالبيت فى القصيدة ‪ ،‬ألن بيت الموشحة فقرة ‪ ،‬أو جزء‬
‫من الموشحة يتألف من مجموعة أشطار ‪ ،‬ال من شطرين فقط كبيت القصيدة ‪.‬‬
‫ـــــ وكل فقرة من فقرات الموشحة الخمس ينقسم إلى جزأين ‪:‬‬
‫الجزء األول ‪ :‬مجموعة أشطار تنتهى بقافية فيما بينها ومغايرة فى الوقت نفسه‬
‫للمجموعة التى تقابلها فى فقرة أخرى من فقرات‬
‫الموشحة ‪.‬‬
‫أما الجزء الثانى ‪ :‬من جزأى الموشحة فهو شطران – أو أكثر – تتحد فيهما القافية‬
‫فى كل الموشحة ‪ ،‬والجزء األول الذى‬
‫تختلف فيه القافية من بيت إلى بيت يسمى غصنا ‪ ،‬والجزء اآلخر‬
‫الذى تتحد قافيته فى كل الموشحة يسمى‬

‫‪ -1‬األدب األندلسى من الفتح إىل سقوط اخلالفة ص ‪. 147‬‬


‫‪ -2‬انظر الفن ومذاهبه ىف الشعر العرىب ص ‪ ، 452 ، 451‬وانظر الذخرية البن بسام ‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫" قفال " (‪ )1‬فالموشحة تتكون من ثالثة أجزاء ‪ 1 :‬ــــــ المطلع ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـــــ القفل ‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـــــــ الغصان ‪.‬‬
‫ــــــــ ومن الموشحات المأثورة فى هذا الفن الشعرى ‪ :‬موشحة ابن سهل‬
‫اإلشبيلى ‪ ،‬وهو من شعراء القرن التاسع عشر الهجرى ‪ .‬وهذا جزء منها ‪:‬‬
‫ب حلَّه عن َمكنَ ِس‬ ‫قلب ص ٍ‬ ‫أن قد حمى َ‬ ‫ظبي الحمى‬
‫ُ‬ ‫هل درى‬
‫‪2‬‬
‫()‬
‫َ‬
‫صبا بالقبَ ِس‬ ‫ل ِعبَتْ ري ُح ال َّ‬ ‫وخفق مثلما‬
‫ٍ‬ ‫حر‬
‫فهو في ٍ‬
‫***‬
‫المذنب‬
‫ُ‬ ‫وهو‬
‫َ‬ ‫ب‬
‫لي جزا ُء الذن ِ‬ ‫أيها السائ ُل عن ُجرمي عليه‬
‫ب‬
‫غر ُ‬ ‫للشمس فيه َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫شرقا‬
‫َم ِ‬ ‫ْ‬
‫شمس الضحى من وجنتيه‬ ‫ُ‬ ‫أخذتْ‬
‫وله خدٌّ بلحظي َمذ َه ُ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي أشواقي إل ْيه‬ ‫ذَ َّهبَتْ دمع َ‬
‫لحظتْهُ ُمقلتي في ال ُخلَ ِس‬ ‫يُنبِتُ الوردَ بغَرسي كُلما‬
‫ذلك الوردَ على ال ُمغت َ ِر ِس‬ ‫شيء حرما‬ ‫ٍ‬ ‫ليتَ شعري أي‬
‫***‬
‫ين ما يشا‬ ‫كل ِح ٍ‬ ‫ْ‬
‫ضرا ْم تَلتظي في ِ‬ ‫نار في‬‫ي ٌ‬ ‫أنفدَتْ دمع َ‬
‫ق في الحشا‬ ‫ضر وحري ٌ‬ ‫و هي ٌّ‬ ‫ي في َخديه بَردٌ وسال ْم‬ ‫ه َ‬
‫أسدًا وردا ً ‪ ،‬وأهواهُ رشا‬ ‫حكم الغرا ْم‬ ‫أتقي منه على ِ‬
‫حرس‪:‬‬‫ِ‬ ‫و هو من ألحاظ ِه في‬ ‫قلتُ لما أن تبدى معلما (‪)3‬‬
‫الوص َل َمكانَ ال ُخ ُم ِس (‪)4‬‬ ‫اجع ِل َ‬ ‫اآلخذُ قلبي َمغنَما‬
‫أيها ِ‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬الدب األندلسى من الفتح إىل سقوط اخلالفة ص ‪ ، 143‬وارجع إىل ابن سناء امللك ىف كتابه " دار‬
‫الطراز "‬
‫‪- 2‬الوكنس ‪ :‬ما يسترت فيه الظىب كاكناس أى املكان الذى خيتبئ فيه الظىب ؟‬
‫‪- 3‬األسد الورد ‪ :‬اجلرئ ‪ ،‬والرشا ‪ :‬الظىب ‪ :‬إذا قوى ومشى مع أمه ‪.‬‬
‫‪- 4‬الفارس املعلم ‪ :‬من يتخذ عالمة مميزة حىت ال خيفى ‪.‬‬
‫‪139‬‬

‫" ظواهر التطور فى موسيقى شعر التفعيلة "‬


‫" الشعر الحر "‬
‫إن حركة التجديد فى الشعر الحر – لم تلتزم باإلطار الموسيقى والعروضى‬
‫لشعر الشطرين الذى تحركت فى إطاره حركات التجديد فى موسيقى الشعر منذ‬
‫العصر األموى إلى العصر الحديث ‪.‬‬
‫فأوزان الشعر الحر خرجت عن نظام العروض الخليلى خروجا كامال ‪ ،‬بحيث‬
‫لم يعد البيت مكونا من شطرين متساويين ‪ ،‬وملتزما بتفاعيل البحر – وأعاريضه‬
‫وأضربه وزحافته وعلله ‪ ،‬فى كل تشكيالته – التى تطرأ عليه – ولكن نجد أن‬
‫الشعر الحر يخرج على نظام البيت التام والمجزوء – والمشطور ‪.‬‬
‫ويخرج عن ظواهر التطور فى موسيقى الشعر التقليدى شعر الشطرين ‪ ،‬فال‬
‫هو يتبع موسيقى البحور المجزوءة وال نظام المزدوجات وال الرباعيات ‪،‬‬
‫والمخمسات وال الموشحات ‪ ،‬وال األراجيز ‪.‬‬
‫وإنما أصبحت التفعيلة هى النظام الموسيقى فى الشعر " الحر "‬
‫ولذلك أوثر أن نطلق عليه ‪ " :‬شعر التفعيلة " ‪ ،‬أو شعر " الشطر الواحد "‬
‫وحتى لو اتبع الشعر الحر نظام الشطر الواحد ‪ ،‬فإن األشطر تكون غير متساوية‬
‫وتسمى " السطر الشعرى " فمثال يمكن أن نجد القصيدة مكونة من عدة أسطر‬
‫شعرية تتفاوت فى عدد التفعيالت ‪.‬‬
‫ــــ فمثال تقول " نازك المالئكة " من قصيدتها " طريق العودة " ‪:‬‬
‫‪ -1‬وكنا نسميه دون ارتياب طريق األمل ‪.‬‬
‫‪ -2‬فما لشذاه أفل ؟‬
‫‪ -3‬وفى لحظة عاد يدعى طريق الملل ‪.‬‬
‫و حين نقطع األبيات السابقة وهى من تفعيلة بحر المتقارب " فعولن " نعثر على‬
‫عدد التفعيالت فى كل سطر شعرى ‪.‬‬
‫التقطيع ‪:‬‬
‫طريق األمل‬ ‫‪ -1‬وكنا نسميه دون ارتياب‬
‫" ‪ 6‬تفعيالت "‬
‫فعولن فعولن فعو‬ ‫فعولن فعولن فعولن‬
‫‪ -2‬فمـــــا لشذاه أفل ( ‪ 3‬ثالث تفعيالت )‬
‫فعول فعولن فعو‬
‫طريق الملل‬ ‫‪ -3‬وفى لحظة عاد يدعى‬
‫" ‪ 5‬تفعيالت "‬
‫‪140‬‬
‫فعولن فعو‬ ‫فعولن فعولن فعولن‬
‫وهكذا يصبح الشاعر حرا فى اختيار عدد التفعيالت فى كل سطر شعرى‬
‫كما وجدنا فى النموذج السابق ‪ ،‬فالسطر األول مكون من ست تفعيالت‬
‫والثانى مكون من ثالث تفعيالت والثالث مكون من خمس تفعيالت ‪.‬‬
‫وأهم المعالم العروضية لموسيقى الشعر الحر هى د‬
‫أوال – بحور الشعر الحر هى بحور الشعر العمودى ويجوز أن يجتمع فى‬
‫القصيدة الواحدة أكثر من بحر‪.‬‬
‫ولكن الشعر الحر ينظم أغلبه على تفعيالت البحور الصافية المكونة من‬
‫تفعيلة واحدة ‪ ،‬ويندر أن تجئ قصائد منه على تفعيالت البحور الممتزجة‬
‫أو المركبة ‪.‬‬
‫ثانيا – تنقسم تفعيالت الشعر الحر إلى حشو وضرب فقط ‪ ،‬فالضرب هو التفعيلة‬
‫األخيرة فى البيت والحشو هو ما سوى ذلك ثالثا – يتكون البيت فى الشعر الحر‬
‫من شطر واحد فقط ويسمى سطرا شعريا ‪ ،‬وأحيانا يمتد هذا السطر فى تدفق‬
‫موسيقى إلى‬
‫عدة أسطر ويسمى حينئذ " جملة شعرية " وأحيانا يطلق على هذا الشكل "‬
‫التدوير الشعرى " ‪.‬‬
‫رابعا – تجئ الوحدة الموسيقية تفعيلة واحدة فى البحور البسيطة ‪ ،‬ومجموعة‬
‫تفعيالت فى البحور المركبة ‪ ،‬بغير قيد فى عددها‬
‫فى كل بيت ‪ ،‬فقد تكون واحدة فى بيت وقد تصل إلى أكثر من عشرة فى‬
‫آخر بغير انتظام ‪.‬‬
‫خامسا – دخلت تفعيالت كثيرة فى الشعر الحر ‪ ،‬لم ترد فى الشعر العربى القديم ‪،‬‬
‫وإنما كانت ترد فى النثر العربى ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك ‪ :‬فاعل ‪ ،‬وفعلت ‪ ،‬أربعة‬
‫متحركات متوالية ‪.‬‬
‫سادسا – ال يعترف الشعر الحر بوحدة الضرب ‪ ،‬بل يجوز للشاعر أن يستعمل ما‬
‫شاء من ضروب البحر فى القصيدة الواحدة‬
‫علما بأنه قد دخلت ضروب كثيرة جدا لم يعرفها الشعر العربى من قبل ‪.‬‬
‫سابعا – كل ما يجرى من تغييرات فى تفعيالت الشعر يعد زحافا من حيث عدم‬
‫اللزوم سواء حصل ذلك فى الحشو أم فى‬
‫الضرب ‪.‬‬
‫ثامنا – ليس فى الشعر الحر التزام فى القافية ‪ ،‬وقد تجئ بشكل غير منتظم ‪.‬‬
‫تاسعا – هناك ما يعرف بظاهرة الجريان وهو استمرار الوحدة الموسيقية دون‬
‫توقف بالتضمين والتدوير إلى أكثر من جريانها‬
‫‪141‬‬
‫العادى فى قصائد الشعر العربى ‪ ،‬وقد يستغرق هذا االستمرار بعض‬
‫القصيدة الحرة أو كلها " (‪. )1‬‬
‫وهذه المعالم الفنية لموسيقى الشعر " الحر " ال يعترف بها بعض النقاد انطالقا‬
‫من رفضه الكامل لهذا اللون من الشعر ‪.‬‬
‫فهم يرفضون تسمية هذا اللون شعرا ‪ ،‬وينادون بالبحث عن مسمى آخر له غير‬
‫مصطلح " الشعر " ‪.‬‬
‫وبعض المبدعين يتطرف فى موقفه المضاد لموقف النقاد الرافض للشعر " الحر‬
‫" فيرفض هذا البعض وبخاصة " الشباب " أى قيود على الفن الشعرى فالشاعر‬
‫حر فى اختيار أوزانه ‪ ،‬وحر فى الخروج على هذه األوزان ‪ ،‬ومنهم من نادى‬
‫باطراح قضية الوزن جانبا ‪ ،‬ونادى بما يسمى " قصيدة " " النثر " وأصبح لها‬
‫مبدعوها والمدافعون عنها ‪.‬‬
‫ولكن تظل القيود مرفوضة ‪ ،‬وكذلك يظل االنفالت مرفوضا ‪ ،‬وكذلك التعصب‬
‫ال يجد له مكانا فى ساحة الفن ‪ ،‬وبالقدر نفسه ليس لالدعاء والزيف أرض يقف‬
‫عليها ‪ ،‬مهما قدم من حيل ‪ ،‬ومهما زيف من حقائق ‪.‬‬
‫وتبقى " التفعيلة " فى الشعر ‪ ،‬هى المعيار الموسيقى الذى نحتكم إليه ‪.‬‬
‫وبرغم جدية اآلراء التى ساقتها نازك المالئكة فى كتابها " قضايا الشعر المعاصر‬
‫‪ ،‬فإنها قد شددت الحصار على أصحاب الشعر الحر‪ ،‬ورمتهم باالستهانة بالقواعد‬
‫‪ ،‬وبضعف الحس الموسيقى ‪.‬‬
‫ونادت بأن الشعر الحر هو شعر الشطر الواحد ورفضت " التدوير " فى هذا‬
‫اللون من الشعر ‪ ،‬وهذا رأى صارم ‪ ،‬فالشعر الحر يتبع فى صياغته عدة تشكيالت‬
‫استقرت ‪ ،‬ورسخت ونحن نحتكم إلى النتاج اإلبداعى بعد استقراء الظاهرة‬
‫والوصول إلى الظواهر الفنية العامة ‪.‬‬
‫أ ــــــ السطر الشعرى ‪ .‬ب ــــ الجملة الشعرية ‪.‬‬ ‫ومن هذه التشكيالت د‬
‫جــ ـــــ التدوير ‪.‬‬
‫وتفرق نازك المالئكة بين شعر الشطرين وبين شعر الشطر الواحد ‪ ،‬وتؤكد أن‬
‫أبرز الفوارق العروضية بينهما فارقان اثنان هما ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن القافية ‪ ،‬سواء كانت موحدة أم ال ‪ ،‬ترد فى نهاية كل شطر من‬
‫الشعر ذى الشطر الواحد بينما ترد فى آخر الشطر الثانى من البيت فى أسلوب‬
‫الشطرين ‪ ،‬ومعنى هذا أن الشطر األول من البيت يعفى من القافية ‪ ،‬فى حين‬
‫يتمسك كل سطر من الشعر الحر فيها ألنه شعر ذو شطر واحد ‪.‬‬
‫الثانى ‪ :‬أن الشطرين فى البيت ال يتساويان تساويا عروضيا ‪ ،‬وإنما قد يباح فى‬
‫الشطر األول ما ال يباح فى الثانى ‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر نقض أصول الشعر احلر امساعيل جربائيل العيسى ‪.‬‬


‫‪142‬‬
‫ومن ثم فإن قصيدة " الشطرين تحتاج أحيانا إلى تشكيلتين اثنتين ‪ ،‬تجريان على‬
‫نسق ثابت بحيث ترد التشكيلة عينها فى صدور األبيات والتشكيلة األخرى فى‬
‫األعجاز ‪.‬‬
‫وهذه الحرية ‪ ،‬حرية إيراد تشكيلتين ‪ ،‬غير مباحة فى الشعر الحر ‪ ،‬ألنه ذو‬
‫شطر واحد ‪ ،‬وسبب هذا المنع أن عدم انتظام وجود شطرين فى هذا الشعر‬
‫يضعف من إحساس السمع بموسيقى تشكيلتين اثنتين تتعاقبان ويعطى كل منهما‬
‫وقعا معينا يختلف عن وقع األخرى ‪ ،‬فإذا أعطينا القصيدة تشكيلتين بدال من واحدة‬
‫‪ ،‬وكان شطر منها فوق ذلك طويال وآخر أقصر وثالث أطول ‪ ،‬اجتمع على‬
‫ا لقصيدة تعقيدان ‪ ،‬تعقيد وجود تشكيلتين تستوعبان اهتمام الذهن ‪ ،‬وتعقيد األطوال‬
‫المختلفة ‪ ،‬ويؤدى ذلك إلى أن يفقد السمع إحساسه بالموسيقى ‪ ،‬ويتيه بين تنوع‬
‫الطول وتنوع التشكيلة " (‪.)1‬‬
‫وعلينا أن نتذكر أن الشعر " الحر " ليس خروجا على قوانين األذن العربية‬
‫والعروض العربى ‪ ،‬وإنما ينبغى أن يجرى تمام الجريان على تلك القوانين خاضعا‬
‫لكل ما يرد من صور الزحاف والعلل والضروب والمجزوء والمشطور وأن أى‬
‫قصيدة حرة ال تقبل التقطيع الكامل على أساس العروض القديم – الذى ال عروض‬
‫سواه لشعرنا العربى – لهى قصيدة ركيكة الموسيقى مختلة الوزن ‪ ،‬ولسوف‬
‫ترفضها الفطرة العربية السليمة ولو لم تعرف العروض ‪.‬‬
‫وتؤكد نازك المالئكة أن هذا الرأى ليس معاداة للتجديد ‪ ،‬بل ألن تفعيالت الشعر‬
‫ومثلها النسب فى الموسيقى شئ ثابت فى كل لغة ثبوت األرقام فى الرياضيات ‪،‬‬
‫فمهما تجددت العصور واألفكار ونمت وصعدت فإن األرقام ونسب الشعر‬
‫والموسيقى تبقى ثابتة ال تتغير ‪ ،‬وأما ما يتغير فهو األشكال واألنماط التى تبنى من‬
‫تلك النسب ‪ ،‬ذلك كمثل قوس قزح ‪ ،‬يبقى إلى األبد محتفظا باأللوان كلها ‪ ،‬وال‬
‫يصنع الفنانون المجددون إال خلط تلك األلوان والتجديد فى وصفها ومزجها‬
‫والتصوير بها " (‪)2‬‬
‫وحين نتصفح بعض دواوين الشعر الحر ‪ ،‬نعثر على قصائد تتبع نظام السطر‬
‫الشعرى ‪ ،‬وقصائد تتبع نظام " الجملة الشعرية " وقصائد تتبع نظام " التدوير " ‪.‬‬
‫وقصائد ال توجد فيها قواف وال فواصل على اإلطالق ‪ ،‬بل تستمر فى أسلوبها‬
‫وتتابعاتها حتى نهاية القصيدة ‪.‬‬
‫وفى كثير من الدواوين نبصر القصائد التى تتشكل مادتها الموسيقية من تفعيالت‬
‫البحور المختلفة ‪.‬‬
‫أوال – السطر الشعرى د‬

‫‪ - 1‬قضااي الشعر املعاصر ص ‪ 94293‬انزك املالئكة‬


‫‪ -2‬املصدر السابق ص ‪92‬‬
‫‪143‬‬
‫وهذا النظام هو نظام الشطر الواحد الذى نادت به نازك المالئكة ورفضت كل‬
‫نموذج عداه ‪.‬‬
‫ومن ذلك قصيدة " طائر يحترق " من ديوان " مرايا النهار البعيد " للشاعر "‬
‫محمد ابراهيم أبو سنة " وهى من تفعيلة " بحر المتدارك " يقول " أبو سنة " ‪:‬‬
‫منذ حط شحوب المساء‬
‫فوق هذى النوافذ – هذا الحديد‬
‫لم يعد طائرى للظهور ‪ /‬فاعلن فاعلن فاعالن‬
‫لم يلح طائر فى األفق ‪ /‬فاعلن فاعلن فاعالن‬
‫المدى غارق فى الغسق ‪ /‬فاعلن فاعلن فاعلن‬
‫والفؤاد القلق ‪ /‬فاعلن فاعلن‬
‫فاعلن فاعالن‬ ‫فى انتظار الرفيف ‪/‬‬
‫فى انتظار األلق ‪ /‬فاعلن فاعلن‬
‫والربيع البعيد ‪ /‬فاعلن فاعالن‬
‫طائر يحترق ‪ /‬فاعلن فاعلن‬
‫فى مدى من جليد ‪ /‬فاعلن فاعالن‬
‫طائر يحترق ‪ /‬فاعلن فاعلن‬
‫ثانيا – الجملة الشعرية د‬
‫والجملة الشعرية ال تتمسك فى إيقاعها الموسيقى بنظام السطر الشعرى الذى‬
‫ينتهى بقافية ‪ ،‬وغالبا ما يكون الكالم تاما مفيدا فى آخر الشطر ‪.‬‬
‫" ولما وجد أن السطر الشعرى عاجز عن استيعاب الدفقة الشعورية لجأ الشاعر‬
‫الحديث " إلى الجملة الشعرية ليتمكن من صب مشاعره وأحاسيسه مهما امتدت‬
‫الدفقة الشعورية فى نفسه ‪ ،‬والجملة الشعرية بنية موسيقية مكتفية بذاتها ‪ ،‬وإن‬
‫مثلت فى الوقت نفسه جزئية من بنية عضوية أعم وهى القصيدة ‪ ،‬وقد تمكن‬
‫الشاعر الحديث عن طريق الجملة الشعرية فى امتدادها أن يقدم ما ال يستطيعه‬
‫الشاعر القديم فى إطار البيت التقليدى محدود الطول ‪.‬‬
‫وقد كان التخاذ الشعراء المحدثين الجملة بدال من البيت التقليدى أثره على‬
‫موسيقى الشعر فى القصيدة كلها ‪ ،‬فقد التغت الرتابة الزمنية التى نلحظها فى‬
‫القصيدة القديمة ‪ ،‬وأصبح الشاعر يتحكم فى زمن القصيدة ‪ ،‬وليس زمن القصيدة‬
‫هو الذى يتحكم به ‪ ،‬وأصبحت التفعيالت فى القصيدة الحديثة وحدات زمنية‬
‫متغيرة باستمرار فى حين كانت القصيدة وحدات زمنية مغلقة‬
‫والقصيدة " الحرة " فى ظل ذلك النظام ‪ ،‬وفى ظل نظام التدوير تعد نفسا واحدا‬
‫‪ ،‬والوقفات أو القوافى فيها ترتبط بالعاملين الفسيولوجى والنفسى ‪ ،‬ومن ثم فإن‬
‫اختيار أماكنها ‪ ،‬واختيار أنسب األصوات إيقاعيا لها أمر بالغ الخطورة ‪ ،‬وينبغى‬
‫‪144‬‬
‫أن يأتى هذا كله طواعية تبعا لمقتضيات فنية أو نفسية خاصة ‪ ،‬بعيدا عن الطريقة‬
‫الصارمة التى جرى عليها الشعر العربى التقليدى " (‪)1‬‬
‫ونالحظ أن معظم النتاج الشعرى فى هذا اللون الجديد " شعر التفعيلة " يجمع‬
‫بين السطر الشعرى والجملة الشعرية ‪.‬‬
‫ومن هذا اللون قول الشاعر " أحمد سويلم " فى ديوانه " قراءة فى كتاب الليل "‬
‫من قصيدة " لحظة صمت "‪:‬‬
‫‪ -1‬أيها اليم " هات المفاتيح " ‪.‬‬
‫‪ -2‬كل المغاليق توشك أن تصدأ اآلن ‪.‬‬
‫‪ -3‬لن تجد اليوم من يمنح القلب والعيد والصلوات ‪.‬‬
‫‪ -4‬استو اآلن فوق األكف ‪.‬‬
‫‪ -5‬حماما ألحلى الرسائل ‪.‬‬
‫‪ -6‬نحن إليك انتماء ‪.‬‬
‫‪ -7‬ونحن احتراق ‪.‬‬
‫‪ -8‬ونحن ارتخاء على الموج ‪.‬‬
‫‪ -9‬حين غرقنا انصهرنا مع العد ‪.‬‬
‫‪ -10‬لم يجرؤ الصمت أن يتمضى مع الليل ‪.‬‬
‫‪ -11‬كنت األمان لنا والطيور ‪.‬‬
‫‪ -12‬وكنت الجنون – الفتون – العبير ‪.‬‬
‫فالقصيدة تكون أسطرها المتعددة جملتين شعريتين‪ ،‬والجملة األولى مكونة من‬
‫األسطر الثالثة األولى ‪ .‬والجملة الثانية مكونة من األسطر التسعة األخيرة ‪.‬‬
‫وحين نقرأ هذه القصيدة ‪ ،‬قراءة فنية متأنية ال نستطيع أن نقف إال عند كلمة "‬
‫الصلوات " ثم كلمة " العبير " وهى من تفعيلة بحر المتدارك ‪ ،‬فاعلن فاعلن ‪.‬‬
‫والشاعر " محمد ابراهيم أبو سنة " يجمع بين السطر الشعرى وبين " الجملة‬
‫الشعرية " ومن ذلك قوله ‪:‬‬
‫سطر شعرى‬ ‫كان يأتي لنافذتى طائر من ضمير الحقول‬
‫كان يشكو التوحد مثلى ‪..‬‬
‫جملة شعرية‬ ‫ولكنه كان يحمل للقلب بعض العزاء‬
‫كان يشكو التغرب مثلى ‪..‬‬
‫جملة شعرية‬ ‫ولكنه كان يملك هذا الفضاء (‪)2‬‬
‫ثالثا – التدوير د‬

‫‪ -1‬عضوية املوسيقى ىف النص الشعرى ص ‪ 299 ، 298‬وانظر كتاب " الشعر العرىب املعاصر ‪ ،‬والتفسري‬
‫النفسى لألدب " د‪ /‬عز الدين امساعيل " كتاب الشعر بني الرؤاي والتشكيل ‪ ،‬د‪ /‬عبد العزيز املقاحل ‪.‬‬
‫‪ -2‬ديوان ‪ :‬مرااي النهار البعيد ‪ ،‬حممد ابراهيم ابو سنة‬
‫‪145‬‬
‫إن التدوير فى الشعر المقفى يختلف عن التدوير فى الشعر الحر ‪.‬‬
‫فمفهومه فى الشعر المقفى أن تتصل الشطرة األولى من البيت بالشطرة الثانية‬
‫بحيث تنقسم الكلمة بين الشطرين ‪.‬‬
‫فالبيت المدور هو ذلك الذى اشترك شطراه فى كلمة واحدة بأن يكون بعضها‬
‫فى الشطر األول وبعضها فى الشطر الثانى " ومن ذلك قول أبى العالء المعرى "‬
‫‪:‬‬
‫صاح هذى قبورنا تمأل الرحـــــ ـــــــب فأين القبور من عهد عاد‬
‫فكلمة ‪ " :‬الرحب " يتقاسمها الشطران ألن البيت من بحر الخفيف ‪:‬‬
‫صاح هذى قبورنا تمأل الرحـــــ ـــــــب فأين القبور من عهد عاد‬
‫فعالتـــــــن متفـــــع لــــــــــن فاعالتـــن‬ ‫فاعالتن متفع لن فاعالتن‬
‫أما التدوير فى الشعر الحر ‪ ،‬فهو مبنى على تتابع التفعيالت فى عدة أسطر‬
‫شعرية بال قواف فاصلة بينها ‪ ،‬حتى ينتهى الشاعر إلى قافية بعد عدة أسطر ‪ ،‬ثم‬
‫يبدأ مقطعا جديدا ‪ ،‬ويختمه بقافية مماثلة أو مخالفة لقافية المقطع األول ‪ ،‬وقد أكثر‬
‫الشعراء من استخدام هذا اللون إلى حد ضياع اإليقاع الشعرى فى خضم هذه‬
‫التفاعيل الكثيرة ‪.‬‬
‫ومن هذا اللون قصيدة الشاعر " أحمد سويلم " " الملكة " ‪.‬‬
‫ــــــ مملكتى العشق ‪ ،‬وأنت التيجان الوردية – أنت الشارات األوسمة ‪ ،‬وأنت‬
‫الملكة ‪.‬‬
‫ــــــــ عندك ذاكرة الماضى تسقط ‪ ،‬كى تتجدد فى شطيك سطور من ألق ‪ ،‬خطوا‬
‫ممتدا ‪ ،‬نقشا جمرا ال يهدأ مطرا يغسلنى تأتى غيمته من عينيك ‪ ،‬يطهرنى ‪،‬‬
‫ويعطرنى ويلقننى كل طقوس الحب ‪ ،‬ويفسح لى فى اآلفاق ‪ ،‬فيلقانى ملك يحملنى‬
‫فوق جناحيه من صحراء الحيرة ‪ ،‬يسألنى عن وردتك األولى أنزعها من صدرى‬
‫‪ ،‬تتفتح فى هذا األلق العلوى ‪ ،‬أطوف به أتالشى ‪ ،‬أشعر بالرعدة ‪ ،‬أسأل عنك ‪،‬‬
‫فيأتينى صوتك عبر الريح يسامرنى ‪ ،‬أعبر لحظتها الصخر ‪ ،‬البحر األسالك‬
‫القاتلة ‪ ،‬وكتب الموتى األحياء ‪ ،‬ويعاودنى الصوت ‪ ،‬فأعبر ال توقفنى أوجاع‬
‫القدم ين ‪ ،‬وال تكسرنى الرعشة ‪ ،‬يقترب الصوت ‪ ،‬فأصعد سببا سببا ‪ ،‬أغزو‬
‫األسوار ‪ ،‬ينازلنى صوتك ‪ ،‬أبتلع النار ‪ ،‬فأخترق الكون بال ريح عاتية حتى ألقاك‬
‫‪ ،‬وبين يدى وردتك األولى أرشقها فى صدرك (‪. )1‬‬
‫‪ ‬والشاعرة ‪ /‬وفاء وجدى فى بعض قصائدها تتجه إلى هذا التشكيل‬
‫وقصيدة " البحر والصخر " بديوانها " ميراث الزمن‬
‫المرتد " نموذج متميز لظاهرة التدوير فى شعر التفعيلة ‪.‬‬
‫تقول ‪ ،‬وفاء وجدى ‪:‬‬

‫‪ -1‬ديوان ‪ " :‬قراءة ىف كتاب الليل " أمحد سويلم من ( ‪) 14 – 13‬‬


‫‪146‬‬
‫سادر فى ضمير الزمان‬
‫استشهاد الصخور لموج من البحر يغرقها‬
‫فيحول صمت الجفاف‬
‫إلى همسة اللين –‬
‫عشق النداوة للبحر‬
‫لمس الطراوة للفجر‬
‫ــــــ حين يكون الوجود ابتداء‬
‫***‬
‫يولد الصخر فى البحر‬
‫يولد من بين شق الصخور‬
‫اندفاعك يا بحر‬
‫تمتد موجاتك الهادرات‬
‫تغطى رمال الشطوط أناشيدك –‬
‫العاشقات‬
‫تقطرن ملح الحياة‬
‫‪1‬‬
‫ــــــ تصير الحياة اشتهاء ( ) ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن التدوير شاع فى الشعر الحديث ‪ ،‬وأصبح ظاهرة ال‬
‫يستهان بها ‪ ،‬وال يستطيع النقاد إغفالها ‪ ،‬فإن " نازك المالئكة " تقول فى حزم‬
‫وصرامة وكأنها تقف فى وجه هذه الموجات العتية القوية من النتاج الشعرى‬
‫الهائل المتدفق ‪ ،‬تقول ‪:‬‬
‫ينبغى لنا أن نقرر أن التدوير يمتنع امتناعا تاما فى الشعر الحر ‪ ،‬فال يسوغ‬
‫للشاعر على االطالق أن يورد شطرا مدورا ‪.‬‬
‫ومبالغة من نازك المالئكة وحرصا على توثيق رأيها دللت على رأيها وعددت‬
‫أسباب رفضها لمصطلح التدوير فى الشعر الحر " وأرجعت هذه األسباب إلى " ‪:‬‬
‫أ ـــــ أن التدوير مالزم للقصائد التى تنظم بأسلوب الشطرين وحسب ‪.‬‬
‫ب ــــ أن التدوير يعنى أن يبدأ الشطر الثانى بنصف كلمة تفعيلة ‪ ،‬وذلك غير‬
‫مقبول فى سطر مستقل ‪ ،‬وإنما ساغ فى الشطر الثانى من البيت ألن الوحدة هناك‬
‫هى البيت الكامل ال شطره ‪ ،‬وأما فى الشعر الحر ‪ ،‬فإن الوحدة هى الشطر ‪،‬‬
‫ولذلك ينبغى أن يبدأ دائما بكلمة ال بنصف كلمة كما فى فقرة " جورج غانم "‬
‫الغالية من المتقارب ‪.‬‬
‫ألهتف قبل الرحيل‬
‫ترى يا صغار الرعاة يعود الر‬
‫رفيق البعيد ( ثالثة أسطر شعرية )‬

‫‪- 1‬ديوان ‪ :‬مرياث الزمن املرتد ص ‪ / 38 ، 37‬وفاء وجدى‬


‫‪147‬‬
‫ــــــ والنموذج السابق يمكن كتابته هكذا ‪:‬‬
‫فعولن – فعولن ‪ -‬فعول‬ ‫ألهتف قبل الرحيل‬
‫فعولن – فعولن ‪ -‬فعولن‬ ‫ترى يا صغار الرعاة‬
‫فعولن – فعولن – فعولن‬ ‫يعود الرفيق البعيد‬
‫وبهذا التقسيم ال يكون فى هذا الجزء من القصائد تدوير كما قالت " نازك‬
‫المالئكة " وكثير من القصائد فى الشعر الحر يمكن توزيع أبياتها توزيعا متسقا مع‬
‫المعنى النفسى والشعورى حسب اإليقاع الموسيقى لها ‪.‬‬
‫( و) إن شعر الشطر الواحد ينبغى أن ينتهى كل شطر فيه بقافية " أو على األقل‬
‫بفاصلة تشعر بوجود قافية " ‪.‬‬
‫ومن خصائص التدوير أنه يقضى على القافية ألنه يتعارض معها تمام التعرض‬
‫وهذه حقيقة تفوت الشعراء الناشئين وبسببها يضيعون قوافيهم التى يجهدون لها‬
‫أحيانا ‪.‬‬
‫( د ) يمتنع التدوير فى الشعر الحر ألنه شعر حر ‪ ،‬أعنى أن الشاعر فيه قادر‬
‫على أن ينطلق من القيود ‪ ،‬ومن ثم فإن ذلك يجعله فى غير حاجة إلى التدوير ‪.‬‬
‫وما التدوير ‪ ،‬لو تأملنا ‪ ،‬إال لون من الحرية يلتمسه الشاعر الذى كان مقيدا‬
‫بأسلوب الشطرين ‪ ،‬حيث الشطر األول ذو طول معين ال ينبغى أن يزيد ‪ ،‬فكأن‬
‫الشاعر يطيله بالتدوير ليملك بعض الحرية ‪ ،‬ومن ثم فلماذا يريد الشاعر تدوير‬
‫أشطره فى القصيدة الحرة ؟؟ ‪.‬‬
‫الحقيقة أنه ليس من سبب يبرر على اإلطالق ‪ ،‬فالشعر الحر يبيح للشاعر أن‬
‫يطيل الشطر وفق حاجته ‪ ،‬وبذلك يتخطى الشطر القديم الذى كان يقيد الشاعر ‪،‬‬
‫وإذا كان الشاعر قبل " فى الشعر المقفى " يستمعل تدويرا يطيل به الشطر األول ‪،‬‬
‫فإن الشاعر الحر يستطيع أن يطيل شطره دون تدوير " (‪. )1‬‬
‫ومن القصائد المدورة قصيدة " السنبل والرياح " وهى تتكون من مقطعين ‪،‬‬
‫والمقطع الثانى ينتهى بقافية تماثل قافية المقطع األول ‪.‬‬
‫أنمو مع األيام د‬
‫تُسلمنى الموانئ للموانئ ‪ ،‬والرياح إلى الرياح‬
‫وتستبيح العاديات دمى‬
‫فتنحرها خطاى‬
‫السافحات دم الوهن‬
‫والتربة العذراء تحبل بالمدائن والقرى‬
‫‪ ..‬وتمور فيها الكائنات ‪..‬‬
‫وأمتطى عرش التكاثر‬
‫‪ ..‬إذ فضضت بكارة التوقيت ‪..‬‬

‫‪ -1‬انظر " قضااي الشعر املعاصر " ص ‪ " 122 116‬انزك املالئكة "‬
‫‪148‬‬
‫‪ ..‬مكتشفا مدارات الزمن (‪)1‬‬
‫وبعض الدواوين الشعرية تسيطر عليها فى صياغتها اإليقاعية " نزعة التدوير "‬
‫ومن هذه الدواوين ‪ :‬ديوان " شجرة الحلم " للشاعر ‪ /‬حسين على محمد فالديوان‬
‫يتكون من إحدى عشرة قصيدة ‪ ،‬طغت على أغلبها ظاهرة " التدوير " ‪ ،‬وقد أشاد‬
‫بهذه الظاهرة عند الشاعر د‪ /‬على عشرى زايد ‪ ،‬فى مقدمته للديوان فقال بعد أن‬
‫حذر من مغبة الوقوع فى النثرية والركاكة الموسيقية ( ولكن شاعرنا واحد من‬
‫الشعراء الشباب القليلين الذين ينجحون – فى معظم األحيان – فى السيطرة على‬
‫هذا األسلوب " التدوير " وتجاوز مزالقه ‪ ،‬خاصة وإن رؤيته الشعرية فى هذه‬
‫المجموعة فيها من التدفق واالطراد ‪ ،‬ما يالئم هذا األسلوب الموسيقى " ‪.‬‬
‫ويقول الشاعر من قصيدته " األميرة تنتصر " ‪:‬‬
‫وردة نار تخرج من جوف الفارس ‪ ،‬تصهل ‪ ،‬توضع فى العروة ‪ ،‬والفارس –‬
‫هذا التابع – يسقط عن كاهله أحزان سنين القهر ‪ ،‬ويرحل فوق جواد الفجر‬
‫الصاهل فى مدن الريح ‪ ،‬وفى دفتره كلمات قد حفرت بالنار على غصن الشجرة‬
‫" (‪)2‬‬
‫رابعا – االزدواج الموسيقى بين الشعر المقفى وشعر التفعيلة د‬
‫ومن التجارب الشعرية فى الشعر المعاصر ‪ ،‬ما يزاوج فيها أصحابها بين "‬
‫شعر الشطرين " و " شعر التفعيلة " بحيث تختم القصيدة بأبيات من " شعر‬
‫الشطرين " أو تتخلل القصيدة بعض المقاطع الشعرية من " شعر الشطرين " ‪.‬‬
‫وهذه األبيات ال تمثل عبئا على التجربة الشعرية بل تمثل إحدى " البنى "‬
‫األساسية فى هيكل القصيدة ومعمارها الفنى – الموسيقى والشعورى واللغوى –‬
‫‪ ‬وقد تكون هذه األبيات من شعر الشاعر ‪.‬‬
‫‪ ‬وقد تكون مقتبسة من شاعر آخر ‪ .‬قديم أو حديث ‪.‬‬
‫" مشاهد من ملحمة العشق‬ ‫وقد اجتمعت هاتان الظاهرتان فى قصيدة ‪:‬‬
‫والبطولة "‬
‫حيث تصور هذه القصيدة مأساة البطل المسلم ‪ /‬محمد بن القاسم الثقفى " الذى قاد‬
‫جيش المسلمين فى العصر األموى وفتح " بالد الهند والسند " ولكنه اغتيل فى‬
‫سجن واسط بالعراق بعد أن عزل من قيادة الجيش ‪ ،‬ودبرت له التهم ومات شابا‬
‫وهو فى سن الرابعة والعشرين " فى عهد سليمان بن عبد الملك " ‪.‬‬
‫يقول كاتب هذه السطور فى المشهد األخير من هذه القصيدة وهو بعنوان ‪" :‬‬
‫الصراع "‬

‫‪ -1‬ديوان " احللم والسفر والتجول " للمؤلف ص ‪119‬‬


‫‪ -2‬ديوان " شجرة احللم " د‪ /‬حسني على حممد ‪ ،‬ص ‪. 64 ، 25‬‬
‫‪149‬‬
‫ويسافر فى زمن الدم الحجاج‬
‫‪ ..‬ويبقى السيف – الموت – اللعنة ‪..‬‬
‫ب على‬ ‫قصةُ ٍ‬
‫عدم ت ْنص ُّ‬
‫والكرسى – الحكم – العدل – المنصب – ميزان مكسور !!!‬
‫وسليمان كل األشياء مسخرة لهواه الموتور‬
‫حتى التاريخ ضمير الثوار – الرأى لديه ‪..‬‬
‫مفاوز موت ورياض حياة‬
‫والصم – البكم – كبار مشيريه وسمار الليل‬
‫والموت هو الظلم الحاكم‬
‫ـــــ من أين يمر الموتى األحياء ؟!!‬
‫ـــــ من هذا المنعطف المحموم المتمرد‬
‫‪1‬‬
‫" تحل دماء المسلمين لديهم ‪ ،‬وويحرم طلع النخلة المتهدل " ( )‬
‫ــــــ واألحياء الموتى من شرفة هذا البيت يطلون ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫" وبدا الصباح كأن غرته " وجه الخليفة حين يمتدح ( )‬
‫والسمار ينوحون ‪ ،‬الحجاج الغائب موجود ‪ ..‬وسليمان " يهوى "‬
‫ووحوش البيد تخطف منسأته‬
‫وأنا‬
‫مسجون يرهبه السلطان‬
‫ضوء نارى خلف القضبان‬
‫السجن أفقى والسالسل سدتى والحب فى زمن الضياع هويتى‬
‫قد أينعت رأسى وحان قطافها لكنهم ال يقطفون إرادتى‬
‫الطائرون د الريح ضد هواهم والقابعون د على ضفاف الجنة‬
‫‪3‬‬
‫ء ولن يعوق الصخر عنف مسيرتى ( )‬ ‫إنى أنا النهر المسافر بالعطا‬
‫*****‬
‫خامسا د الجمع بين تفعيلة بحر " المتدارك " " فاعلن " وبين تفعيلة بحر "‬
‫المتقارب " " فعولن "‬
‫وهذا المزج بين تفعيلتى هذين البحرين يكاد يمثل ظاهرة فى موسيقى الشعر "‬
‫الحر " وقد يرجع ذلك الخلط والمزج إلى التشابه التكوينى بين التفعيلتين ‪ ،‬فتفعيلة‬
‫المتدارك " فاعلن " تتكون من سبب خفيف ( فا ) ‪ ،‬ووتد مجموع " علن " ‪،‬‬
‫وتفعيلة بحر المتقارب " فعولن " تتكون من وتد مجموع " فعو " وسبب خفيف "‬
‫لن " ‪ ،‬وأحيانا يحدث عند االنتقال من سطر شعرى إلى سطر شعرى آخر أن‬

‫‪- 1‬هذا البيت لشاعر آل البيت ‪ /‬الكميث بن زيد األسدى وهو من شعراء العصر األموى ‪.‬‬
‫‪- 2‬هذا البيت لشاعر من العصر األموى ميدح اخلليفة ‪.‬‬
‫‪- 3‬ديوان " احللم والسفر والتحول " ‪ :‬ص ‪ ، 13 ، 12‬د‪ /‬صابر عبد الدامي‬
‫‪150‬‬
‫يحذف الوتد المجموع من آخر " فاعلن " ‪ ،‬ويبدأ السطر الثانى بوتد مجموع تكملة‬
‫للسطر السابق ‪ ،‬ثم يذكر الشاعر سببا خفيفا – بداية للتفعيلة الثانية – فيتكون من‬
‫الوتد المجموع والسبب الخفيف تفعيلة جديدة هى فعولن ‪ ،‬ويستمر الشاعر فى هذا‬
‫اإليقاع ‪ .‬ـ ولذلك هناك بعض القصائد يمكن قراءتها مرتين ‪:‬‬
‫مرة على وزن " فاعلن " ‪ ،‬ومرة أخرى على وزن فعولن بعد بداية القصيدة‬
‫بسطر واحد أو عدة أسطر ‪.‬‬
‫وقصيدة " الشاعر " محمد ابراهيم أبو سنة " المدى ينتحب " فى ديوانه " مرايا‬
‫النهار البعيد " ‪.‬‬
‫تمثل هذه الظاهرة اإليقاعية فى موسيقى الشعر الحر ‪ ،‬فالقصيدة تتكون من‬
‫أربع لوحات ‪ ،‬وضع الشاعر لكل لوحة شعرية عنوانا ‪.‬‬
‫‪.3‬الغياب ‪.‬‬ ‫‪.2‬صوت اليمام ‪.‬‬ ‫‪ -1‬السنديان ‪.‬‬
‫‪.4‬أقبلى ‪.‬‬
‫وفى لوحة " الغياب " ولوحة " أقبلى " يمزج الشاعر بين البحرين "‬
‫المتدارك والمتقارب " ‪.‬‬
‫إنه يبدأ لوحة الغياب بإيقاع بحر المتدارك " فاعلن "‪:‬‬
‫مرة قد أخذت النهار إلى غرفتى‬
‫والتالل المحيطة والنهر ‪ ،‬بعض البساتين ‪..‬‬
‫كنت أريد أقدم بعض الهدايا إليك ‪..‬‬
‫ونالحظ أننا لو جعلنا الكاف ساكنة فى " إليك " فإننا نبدأ جملة شعرية جديدة بوزن‬
‫جديد " فعولن " ‪:‬‬
‫وكان الزمان يسافر بين الرياحين‬
‫وجهك يسطع فوق مرايا الدماء‬
‫ولو استمر التدفق الشعرى واإليقاعى – حيث تنطق " إليك " بكسر كاف‬
‫الخطاب ‪ ،‬لما تغير الوزن ‪ ،‬بل تظل " فاعلن " هى الوحدة الموسيقية للقصيدة‪.‬‬
‫ولكن الشاعر بعد ذلك غير التفعيلة إلى " فعولن " حيث يقول بعد األبيات السابقة ‪.‬‬
‫جلست انتظرتك حتى انطفاء الكواكب‬
‫فتسكين الباء فى آخر السطر الشعرى السابق جعله يبدأ سطرا شعريا جديدا ‪،‬‬
‫وظاهرة التدوير تشيع فى شعره كثيرا يقول بعد ذلك ‪:‬‬
‫ماجئت سال الحنين‬ ‫ومرت جميع المواكب‬
‫فعولن فعولن فعول )‬ ‫( فعولن فعولن فعول‬
‫ــــــ وفات زمان األياب ( فعولن – فعولن – فعول )‬
‫جلست انتظرتك ما جئت ‪ ،‬جاء " الغياب "‬
‫وعلقنى عاريا فى جناحى غراب‬
‫والسطور الشعرية السابقة جاءت على وزن " فعولن "‬
‫‪151‬‬
‫واللوحة الرابعة من القصيدة " أقبلى " يبدأ الشاعر الجزء األول منها بإيقاع بحر‬
‫" المتقارب " " فعولن "‬
‫" قرأتك فى الريح ‪ ،‬كان المطر‬
‫يحاول نقش مالمح وجهك فى ليلة باكية "‬
‫وهو فى اللوحة السابقة ‪ :‬بدأ بتفعيلة بحر " المتدارك " وانتهى بتفعيلة بحر "‬
‫المتقارب " " فعولن " ‪ .‬ولكنه هنا يعكس اإليقاع ‪ ،‬فيبدأ بالمتقارب " فعولن "‬
‫وينتهى بالمتدارك " فاعلن "‬
‫ولهذا تبريره الفنى – فالشاعر ال يريد أن يجعل من كل لوحة قصيدة " منفصلة "‬
‫‪ ،‬فبدأ اللوحة الثالثة باإليقاع الذى انتهت به اللوحة الثانية " فاعلن " ‪ ،‬وبدأ اللوحة‬
‫الرابعة باإليقاع الذى انتهت به اللوحة الثالثة " فعولن " وجعل نهاية اإليقاع فى‬
‫اللوحة الرابعة متسقا ومنسجما مع بداية اإليقاع فى اللوحة األولى ‪ ،‬وهو بهذا‬
‫التصرف اإليقاعى أعطى للقصيدة صفة التماسك والوحدة الشعورية ‪ ،‬وأضفى‬
‫على المزج بين هذين البحرين الصيغة الفنية المالئمة لروح التجربة ‪.‬‬
‫يقول الشاعر فى اللوحة الرابعة ‪:‬‬
‫" اقبلى "‬
‫قرأتك فى الريح ‪..‬‬
‫‪ ..‬كان المطر‬
‫يحاول نقش مالمح وجهك فى ليل ٍة باكية‬
‫و لكن بعض حروفك ناقصةُ‬
‫‪ ..‬و الوجوه التى تعبر اآلن ‪..‬‬
‫سط المدينة ال يقن ُع القلب ‪..‬‬ ‫‪ ..‬و ْ‬
‫‪ ..‬أن يتوقف ال تشبهين الجميع‬
‫طلبتك فى الليل ‪..‬‬
‫‪ ..‬حاولت صنعك لكننى‬
‫اإلشارة فى الحلم‬
‫ِ‬ ‫ما رجعت بغير‬
‫بعض الهواجس فى الروح‬
‫بعض الجروح‬
‫فهل أنت كامنة فى الرحيق‬
‫" يا تُرى "(‪)1‬‬
‫ت الطريق‬‫أم ضلل ِ‬
‫ب ‪..‬‬ ‫ب الوقوف أمام الضبا ِ‬ ‫أح ُ‬‫ال ِ‬
‫الماء و الرم ِل‬
‫ِ‬ ‫‪ ..‬على حاف ِة‬
‫ُ‬
‫حيث القواق ُع خالية فى انتظار البروقْ‬

‫‪- 1‬هنا ينتقل الشاعر إىل تفعيلة حبر املتدارك " فاعلن " ( اي ترى )‬
‫‪152‬‬
‫من زمان سحيق‬
‫الوقوف‬
‫ْ‬ ‫ال أحب‬
‫أقبلى كالشروق‬
‫أقبلى فى العبير‬
‫أقبلى فى اللهب‬
‫أقبلى فى الهدوء‬
‫أقبلى فى الصخب‬
‫أقبلى فى الرضا‬
‫أقبلى فى الغضب‬
‫المدى ينتحب‬
‫‪1‬‬
‫المدى ينتحب ( )‬

‫وقصيدة " من فتوحات الغربة " (‪ )2‬لكاتب هذه السطور تجمع بين تفعيلتى "‬
‫المتدارك " و " المتقارب " ‪ ،‬ويمكن أن نقرأها قراءة إيقاعية مزدوجة ‪ ،‬ومنها هذا‬
‫المقطع ‪:‬‬
‫فامنحينى البراءة حتى أعود إليك ‪..‬‬
‫على شفتى الغناء‬
‫وفى قدمى الرخاء‬
‫وفى ساعدى الضياء‬
‫وفى مقلتى الرجاء‬
‫سادسا – قصيدة " النثر " د‬
‫وهذا اللون من التعبير له أنصاره وله مبدعوه ‪ ،‬وهم حريصون على ترسيخ‬
‫أسسه الفنية ‪ ،‬ويصرون على تسميته شعرا ‪ ،‬وهذا اإلصرار يبدو فى قولهم "‬
‫قصيدة وأرى أنهم يجمعون بين الضدين أو " المتناقضين " " الشعر والنثر "‬
‫فكيف يكون الكالم شعرا و نثرا فى وقت واحد ‪ ،‬وقد وضحت رأيى فى هذه‬
‫القضية بالتفصيل فى غير هذا الموضع (‪.)3‬‬
‫فقصيدة النثر ‪ ،‬كما أطلق عليها أنصارها ومبدعوها ال تتبع فى إيقاعها نظام "‬
‫التفعيلة " فهى خارجة على الوزن الشعرى خروجا كامال " ‪.‬‬

‫‪ -1‬ديوان " مرااي النهار البعيد " ‪ :‬حممد ابراهيم أبو سنة ص ‪. 25 – 19‬‬
‫‪- 2‬انظر نص القصيدة الكامل بديوان " املرااي وزهرة النار " للمؤلف ‪.‬‬
‫‪- 3‬انظر هذا الرأى ابلتفصيل ىف كتابنا " التجربة اإلبداعية ىف ضوء النقد احلديث " ‪ " .‬نشر مكتبة اخلاجنى " ‪..‬‬
‫ابلقاهرة ‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫ومن أشد المناوئين لهذه الدعوة الفنية " الشاعرة الناقدة " " نازك المالئكة "‬
‫على الرغم من نزعتها التجديدية ‪ ،‬ومشاركتها فى ريادة الدعوة إلى الشعر " الحر‬
‫" والمجاهدة فى هذا السبيل تنظيرا وإبداعا ‪.‬‬
‫تقول نازك المالئكة فى الرد على أصحاب الدعوة إلى " قصيدة النثر " على‬
‫أى وجه تريد دعوة النثر أن تسمى النثر شعرا ؟ وما هذه الفوضى فى المصطلح‬
‫والتفكير لدى الجيل الذى يقلد أوروبا فى كل شئ تاركا تراث العرب الغنى المكتنز‬
‫‪ ،‬إن المضمون الواضح لهذه الحماسة من أصحاب الدعوة هو أن النثر سائر ‪ ،‬فى‬
‫رأيهم ‪ ،‬إلى أن يقتل الشعر ‪ ،‬وإن دولة الوزن ستدول فيكتب شعراء األمة العربية‬
‫نثرا وننتهى من الوزن ‪.‬‬
‫وهكذا يذهب هؤالء المتحمسون الخياليون إلى أن الشعر شئ عتيق ينبغى أن‬
‫يزول ويحل محله النثر ‪.‬‬
‫" انتبه أيها القارئ فإنهم يشترطون شروطا " على أن يحتفظوا بالكلمات "‬
‫شعر " و " شاعر " و " وزن " ألنهم يريدونها لتسمية النثر والناثر وما يكتب ‪،‬‬
‫وهذا يبدو من أعجب المفارقات ‪.‬‬
‫وأرجعت " نازك المالئكة " حماس أصحاب هذا االتجاه إلى الدافع النفسى حيث‬
‫أنهم ال يحترمون النثر ‪ ،‬مهما كان سموقه الفنى ‪ ،‬ويهربون إلى مسمى آخر لفنهم‬
‫‪ ،‬فيقولون " قصيدة " " للنثر " ‪.‬‬
‫وذهبت نازك المالئكة إلى أن اللغة ال تجيز باطالق الشئ وضده على مسمى‬
‫واحد قصيدة " النثر " فلكل جنس تعبيرى خصائصه ‪ ،‬وال يلغى أحدهما اآلخر ‪،‬‬
‫وهذا الرأى نفسه هو الذى ارتأيته وذهبت إليه فى المعركة األدبية التى دارت بينى‬
‫وبين أنصار هذا اللون على صفحات الجرائد فى المملكة العربية السعودية "‬
‫جريدة الجزيرة وجريدة عكاظ " فى عام ‪1986‬م ‪ .‬وتركز الناقدة على عنصر‬
‫الوزن فى التجربة ‪ ،‬وتؤكد أن " الوزن هو الروح التى تكهرب المادة األدبية‬
‫وتصيرها شعرا ‪ ،‬فال شعر من دونه مهما حشد الشاعر من صور وعواطف ‪ ،‬ال‬
‫بل إن الصور والعواطف ال تصبح شعرية بالمعنى الحق ‪ ،‬إال إذا لمستها أصابع‬
‫الموسيقى ‪ ،‬ونبض فى عروقها الوزن " ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من هذه المعارضة لهذا اللون من التعبير فإن الشعراء مازالوا‬
‫يصرون على هذه التسمية ومازالوا يبدعون من هذا اللون اللوحات الفنية تحت‬
‫مسمى " من قصائد النثر "‬
‫ومن هذا اللون " مقطوعة نثرية بعنوان " " عازف الناى " يقول فيها صاحبها‬
‫عازف الناى‬
‫أيها العمالق األبله‬
‫لك أصابع الجن‬
‫وأظافر العقاب‬
‫من أعماق حنجرة الدهور‬
‫‪154‬‬
‫ترسل صوت الخير حينا‬
‫وصوت الشر حينا‬
‫يا عازف الناى‬
‫متى عرفت السماء‬
‫يا عازف الناى‬
‫يا ساحر الحيات‬
‫يا من له أظافر العقاب‬
‫تداعب أصابعك الناى‬
‫فى لمس كالهمس‬
‫لقد تركتنى الحورية‬
‫الحورية المؤمنة يا عازف الناى‬
‫وتداعب أعمدة الهيكل‬
‫فاعزف أيها األبله‬
‫أنا اآلن وحدى‬
‫أعزف (‪)1‬‬

‫‪ -1‬انظر ‪ :‬قصائد عربية ‪ :‬كتاب أصوات أكتوبر سنة ‪ ، 1982‬والقصيدة من شعر " البري أديب " صاحب جملة‬
‫" األديب "‬
‫‪155‬‬
‫وبعد ‪...‬‬
‫فإن الشعر العربى فى مسيرته التجديدية مازال يدفع بالموجة تلو الموجة ‪ ،‬وتبقى‬
‫الموجات األصلية ثابتة فى ساحة التيارات بكل التقلبات الفنية ‪ ،‬ويظل التجديد‬
‫الموسيقى مشدود الخطى إلى الوزن الشعرى فى صورتيه ( التراثية والمعاصرة )‬
‫شعر الشطرين وشعر التفعيلة ‪ ،‬وفى هذا اإلطار للشاعر حرية التشكيل اإليقاعى ‪،‬‬
‫والتلوين النغمى إثراء لتجربته الشعرية المؤثرة ‪.‬‬
‫ومثل هذا الثراء اإليقاعى نعثر عليه فى قصائد كثيرة فى ديوان الشعر المعاصر‬
‫‪ ،‬ومن ذلك قول الشاعر " فاروق شوشة " من قصيدته " موعد مع النجوم " (‪. )1‬‬
‫يالهفة السنين فى أعماقنا‬
‫ودفقة الرجاء فى أحداقنا‬
‫إنا هناك‪ ،‬عند بابك األمين‬
‫نشفق أن تصدنا‬
‫مشردين – مجهدين – غارقين فى السنين‬
‫فهل تضمنا رحابك الفساح ؟‬
‫من لوعة القفار والبطاح‬
‫من ثورة الهجير والرياح‬
‫ياغامر الطريق باألشواق واألفراح‬
‫وساكب الضياء فى القلوب والعيون‬
‫كأنه صباح‬

‫تم بحمد هللا وتوفيقه‬


‫د‪ .‬صابر عبد الدايم‬ ‫" الزقازيق "‬
‫‪17‬من ربيع اآلخر سنة ‪ 1413‬هــ‬
‫‪14‬من أكتوبر سنة ‪ 1992‬م‬

‫‪ -1‬ديوان " لؤلؤة ىف القلب " فاروق شوشة ص ‪. 53‬‬


‫‪156‬‬

‫فهرس المحتويات‬
‫المحتويات‬
‫مقدمة‪1 ...............................................................................................................‬‬
‫الفصل األول‪3.....................................................................................................‬‬
‫أبعاد العالقة بين الموسيقى والشعر‪3...........................................................‬‬
‫الفصل الثانى‪12 ................................................................................................‬‬
‫القيم الصوتية فى النص الشعرى ودورها فى بناء التجربة الشعرية ‪12 .........‬‬
‫الفصل الثالث‪30.................................................................................................‬‬
‫ظواهر الثبات فى موسيقى الشعر‪30................................................................‬‬
‫" مصطلحات وتقسيمات " ‪33 ............................................................................‬‬
‫الزحافات والعلل‪39 ...........................................................................................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬أوزان البحور‪49 .........................................................................‬‬
‫‪ 1‬ـ بحر " الهزج "‪52............................................................................................‬‬
‫‪2‬ـ الوافر‪54 ........................................................................................................‬‬
‫‪3‬ـ الكامل ‪56 .....................................................................................................‬‬
‫‪ 4‬ـ الرجز‪59 .........................................................................................................‬‬
‫‪5‬ـ الرمل‪61..........................................................................................................‬‬
‫‪ 6‬ـ المتقارب‪63 .................................................................................................‬‬
‫‪ "7‬المتدارك "‪65 ...............................................................................................‬‬
‫‪ "8‬البسيط "‪68.................................................................................................‬‬
‫‪ "9‬الطويل "‪71 ..................................................................................................‬‬
‫‪ "10‬المديد "‪74 ..................................................................................................‬‬
‫‪ "11‬الخفيف "‪78 ................................................................................................‬‬
‫‪157‬‬
‫‪ "12‬المنسرح "‪83 .............................................................................................‬‬
‫‪ "13‬السريع "‪87 ..............................................................................................‬‬
‫‪ "14‬المجتث "‪91 .................................................................................................‬‬
‫‪"15‬المقتضب "‪94 ...............................................................................................‬‬
‫‪ "16‬المضارع "‪97 ..............................................................................................‬‬
‫موسيقى القافية‪101 .........................................................................................‬‬
‫ظواهر التطور فى موسيقى الشعر " المقفى "‪131 .............................................‬‬
‫" ظواهر التطور فى موسيقى شعر التفعيلة "‪139 ..........................................‬‬
‫فهرس المحتويات‪156 .......................................................................................‬‬

You might also like