Professional Documents
Culture Documents
أحبتي الطلبة..
بالرغم من أن العنوان يميل الى البساطة ،ولكنه يحتاج الى حوار واسترسال طويل،
كونه يحمل أفكار ومضامين متعددة االتجاهات ،لذا ارتأينا أن يكون موضوع التذوق الموسيقي
للقوالب العربية لمحاضرتين ،بكونه يحمل صفة العوامل المزاجية والنفسية والمتغيرات الكثيرة
للنفس ولشخصية االنسان.
كون األصوات المحيطة بنا ليست كلها صالحة لالستخدام ،فمنها ما يساهم في التثقيف
وبناء الفكر ومنها ما يسيء له ،لذا يجب التمييز ما بين الصفتين والى ماذا يصغي األنسان من
النمطية أو الهيكلية الموسيقية ،وأن يكون منصف في إطعام أذنه التي تحمل أعظم لسان لتغذية
منظومته العقلية ،كما يجب التمييز بين القوالب الموسيقية وصفة كل منها.
أن تذوق الموسيقى يتغير بين األفراد حسب متبدالت الحياة وتقلباتها الثقافية والفكرية،
وهذا التغيير طبيعي جراء المدخالت الصوتية المتكررة من مصادر الحياة الجديدة ،فالدراسة
األكاديمية لمناهج الموسيقى واالستفادة من فهم اصول ومكونات القوالب الموسيقية والغنائية
العربية ،تساعد على فهم تلك المتبدالت التركيبية التي تيسر عملية الفهم واالستيعاب ،وتمييز
المادة الموسيقية الجادة منها والضارة ،فالموسيقى الجادة ،هي نوع يحمل مواصفات فكرية
وذوقية جميلة وذات صلة بحدث مهم أو تعبر عن حالة مهمة أو لها ربط أو صلة بمعنى إنساني
قيم ،إن الوعي يسموا ويعلوا حسب ما يتلقاه من الفكر والفن والعلم ،لذا علينا أن ال نخلط
موسيقى المناسبات ذات العالقة بالترفيه المحض وال سيما ما يبتعد منها عن األسس األخالقية
السائدة في المجتمع ،وبين الموسيقى الجادة ذات الخصائص والسمات والمالمح األكاديمية التي
تدغدغ العقل فتحاوره بمنطق نافع ،كما وتنعكس فكرة التمايز العقالني حتى على احترام الكثير
من الحاالت فتكون مهيمنة على شخصية الفرد الذي يرتوي من الموسيقى الجادة فتدخل في
جمالية الروح واختيار ما يتناسب مع المنطق والمناخ العام ،إن الفنان الفطري يختلف عن
األكاديمي على أقل تقدير من حيث عدم قدرته على تمييز قواعد المسؤولية التثقيفية للفن ،لذلك
نجد الفنانين التقليديين الذين تداولوا الموسيقى بالفطرة وبحسب الرغبة الحسية ،ال يقيمون
اعتبار إال لما هو راقص من الفنون الغنائية الشعبية.
والتذوق ألموسيقي هو العملية المشتركة بين المصدر والمتلقي ،أي بين المادة الصوتية
الصادرة من وسيلة معينة( ،جهاز مسموع او جهاز مرئي ،او مسرح ،او أمسية ،او أي مصدر
كان) ،ثم الحكم عليه من قبل المتلقي ،مستعينا ً بـ (الثقافة ،والعمر ،والبيئة ،والتكرار والميول)،
ويمكن شرحها منفصلةً.
6 القوالب العربية ..تأليف وإعداد ( أ .م .د .وليد حسن الجابري )
-1الثقافة الموسيقية :ونعني هنا المتذوق المتخصص( ،دارس اللغة الموسيقية ،أو الممتهن
فيها) ،إذ يكون الحكم للمادة المسموعة ضمن تفاصيل دقيقة ،بل يسمعها تحليليا ً من جانب:
(نظامها اللحني ،نظامها االيقاعي ،انتقاالتها السلّمية ،قفزات الميلودي ،المساحة الصوتية
المستخدمة كأعلى أو أدنى نغمة ،المرتبطات الهارمونية ،المرتبطات الكونترابوينتية ،كيفية
تركيب اللحن على النص ..وغيرها) ،كل هذا يكون فيه حكما وتذوقا ً عكس المتلقي الذي يسمع
المادة بعفوية وبساطة.
-2العمر :هنا يكون للعمر الزمني دور في اعطاء الحكم على المادة الموسيقية حسب الذاكرة
التراكمية ،فكلما أمتد العمر يكون المتذوق واالستمتاع أكثر والحكم أدق ،بسبب تراكم الصور
واشتغال الذاكرة .فاالستماع للموسيقى غالبا ما يدعونا الى المادة أو االغاني التي سمعناها منذ
مرحلة الطفولة والمراهقة بعد مرور عقود من الزمان ,بل نجد انه من الصعب في بعض
االحيان نسيانها وابعادها عن اذهاننا ،وهي ما تهيئنا للذة نفسية في أيقاض كم هائل من الصور
واالحداث ،وقد تساعد هذه المتراكمات الصورية من أن تخلق ذهنا ً أكثر هدوء ،فالموسيقى لها
دور في تخفيف حدة القلق ،ومنع تسلل ذلك الشعور الذي يعوق قدرة التفكير العملي الذي
يستخدمه االشخاص طوال الوقت والذي يقل بتقدم العمر ،ويطلق على هذا النوع من التفكير
الذاكرة العاملة ,وهو نظام (الذاكرة قصيرة المدى) ،التي تعمل دائما على معالجة البيانات
المطلوبة ألداء العديد من المهام اليومية بكفاءة وحضور.
-3البيئة :في الغالب يكون الحكم وفق البيئة طبقا ً للمادة الموسيقية ،فالمتلقي المنحدر من الريف
يقيّم ويتقرب ويفهم ويتأثر في الغناء الجنوبي (الريفي) ،أكثر من غناء البادية ،وبالعكس.
-4التكرار :تكرار المادة الموسيقية تساعد على فهم مكوناتها ،فطريا ً أو حفظ المحتوى.
-5الميول :الميول الذوقي العام لنمط موسيقي معين ،يكون فيه الحكم والتمتع به إيجابيا،
باختالف البناء العام للمطروح الموسيقي وفق سرعة االيقاع الزماني( ،موسيقى العصر(*)).
(*) موسيقى العصر :هي الموسيقى الناجمة عن تفسير الظواهر الحياتية اآلنية ،ولكل فترة زمنية موسيقاها الخاصة.