You are on page 1of 101

‫نَ َ‬

‫قار َ‬
‫ا َلأدبََالمَ أَ‬
‫َ‬

‫جماليةَ‬
‫ترجمةََ أَ‬
‫أَ‬
‫أَتفعيلََ أَمهارةََالمَقارنةََالنَصيَة‬

‫تأليف‬

‫َََأ‪.‬د‪.‬سيدَمحمدالسيدَ َ‬
‫َ‬

‫أ‪.‬د‪.‬جاللَأبوزيد‬

‫‪1‬‬
‫ََ‪َ-‬الدبَالمقارنَ َ‬

‫ََ‪َ-‬ترجمةَجمالية‬

‫ََ‪َ-‬تفعيلَمهارةَالمقارنةَالنصية َ‬

‫َ‪َ-‬أ‪.‬د‪َ.‬سيدَمحمدَالسيد َ‬

‫َ‪َ-‬أ‪.‬د‪.‬جاللَأبوَزيدَهليل َ‬

‫َ‪َ-‬الطبعةَالولى َ‬

‫َ‪َ-‬سبتمبرَ‪2023‬م َ‬

‫َ‪1445َ-‬هـَ‪1739َ-‬ق َ‬

‫‪َ-‬مكتبةَأوزوريس‪َ-‬القاهرة َ‬

‫‪َ-‬طبعةَالكترونيةَخاصةَبالتدريسَمحظورَطباعتهاَورقياًَ‪َ-‬كلهاَأوَ‬

‫بعضها‪َ-‬بأيةَصورةَمنَالصور‪َ ..‬‬

‫‪2‬‬
‫إه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـداء‬

‫إىل الذين أثروا مكتبة األدب املقارن‬


‫حممد عبد الرمحن شعيب وأمني سامي واصف‬
‫وسالمة حممد سليمان وحمب سعد‬
‫ونادية مجال الدين وحممد أبو العطا‬
‫ومجال الرفاعي وإميان إمساعيل‬
‫ودائما لرواد التنوير‬
‫أمحد حسن الزيّات وأمحد لطفي السيد‬
‫وطه حسني وعبّاس العقاد واملازني وزكي مبارك‬
‫وتوفيق احلكيم وحييى حقي وزكي جنيب حممود‬
‫الذين أرسوا معاجلة البيان من اسرتاتيجية حضارية‬
‫تنطلق من رؤية رحبة ال تقيم قطيعة أو تقابل بني‬
‫احمللي والعاملي‬
‫وإىل أبناء األلســــــــــــــــــــــن‬
‫إينما كانت كلياتهم وبراجمهم‬
‫*********************‬

‫‪3‬‬
‫شكر ًا‬

‫لكل من يطالع الكتاب وحياوره‬


‫وحياول أن ينتفع بالفكرة احملورية له‬
‫وهي التعامل مع التعبري البشري‬
‫مبوضوعيةٍ عقالنيةٍ ومشاعرَ صافيةٍ‬
‫وفرضيةٍ باحثةٍ عن املشرتك الثقايف‬
‫والتعدد التكاملي والتقارب الذهين‬
‫بني األمم‪.....‬‬

‫املؤلفــان‬

‫َََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََالخميس َ‬
‫َََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََ‪ََ21‬سبتمبرَ‪2023‬م َ‬
‫َكليةَاللسن–َجامعةَعينَشمس َ‬

‫‪4‬‬
‫افتتاحية‬
‫الدبَترجمة‬
‫والدبَالمقارنََتحليلَثقافيَلألبجدياتَالتعبيرية‬

‫الدبَالمقارن‪َ:‬استراتيجيةَمقرر‪َ :‬‬

‫لكلَمقررَرؤيةَورسالة‪َ :‬‬

‫رؤيةَمقررَالدبَالمقارن‪َ :‬‬
‫لماذا ندرس األدب المقارن ونحن نتعّلم اللغات والترجمة؟‬
‫ندرس األدب المقارن في برامج تعليم اللغات من أجل غايات متعددة‬
‫منها الترجمة ألن النصوص األدبية هي المثال النموذجي الذي تتجّلى‬
‫فيه اللغات‪ ،‬والمقارنة بين النصوص هي النسق الذي ينتج الترجمة‪.‬‬
‫رسالةَمقررَالدبَالمقارن‪َ:‬‬
‫يهدف هذا المقرر لتنمية الرصيد الفكري والجمالي لدارس اللغات‬
‫الذي سيمارس مهنة الترجمة بصور متعددة شفوية فورية وتتابعية‬
‫وتحريرية في المجاالت المعرفية السائدة في السياق المحيط به‪ ،‬والتنمية‬
‫ال تحدث إال بفهم أحوال الوجود البشري والعالقات بين اإلنسان‬
‫واآلخر‪،‬وبين اإلنسان والكون‪ ،‬وبين اإلنسان ونفسه‪،‬واآلداب هي المادة‬
‫تعبر‬
‫الجامعة لنماذج كثيرة من أشكال الوجود واألفكار والعالقات ألنها ّ‬
‫عن العالم الحيوي‪ ،‬والدرس المقارن لآلداب يستطيع أن‪:‬‬
‫يزيد خبرة الدارس بأشكال الوجود البشري‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫يرفع رصيد الدارس من األساليب التعبيرية‪.‬‬
‫يوّفر للدارس مساحات للمقارنة بين الثقافات‪.‬‬
‫يقيم أجواء من المعايشة بين المجتمعات تتجاوز في عمقها‬
‫وجماليات تعبيرها سيولة العالم االفتراضي‪.‬‬
‫يقارب بين األفكار والمجتمعات‪.‬‬
‫يدعم قيمة الحوار الثقافي‪.‬‬
‫ّ‬
‫يزيل النفور الذي يمكن أن يكون مترسبا بين الثقافات بسبب الجهل‬
‫باآلخر‪.‬‬
‫يحترم الخصوصيات التي تنشأ عن االختالف البيئي بين الثقافات‬
‫واللغات‪.‬‬

‫َََرؤية كل البرامج األكاديمية (التعليم الجامعي) تتصل برؤية الجامعة‪:‬‬


‫ماَالصفاتَالتيَتميزَالطالبَالجامعي؟‬

‫إن العلم يقوم على نظرية معرفية تجمع التخصصات واالتجاهات‬


‫المتنوعة‪َ َ.‬‬
‫ّ‬ ‫الدراسية‬
‫ورسالة الجامعة هي توفير مساحات معرفية حوارية لتكوين فكر‬

‫رصين عقالني منهجي يحترم اإلنسان أينما كانت لغته وفكره‬

‫وأساليبه في الحياة‪،‬ويفيد من التراث الحضاري المشترك والقيم‬

‫اإليجابية بين الثقافات‪ ،‬ويدرك وحدة المعرفة وغاياتها ومناهجها‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫وبذلك يكون الدارس الجامعي نموذجا للرقي والرصانة والعقالنية‬

‫والمنهجية في حياته االجتماعية والمهنية أينما كان‪.‬‬

‫لماذاَندرسَاآلدابَوالفنونَفيَالجامعة؟ َ‬

‫اآلداب نصوص لغوية جمالية تتجّلى فيها نواتج التأثر الوجداني‬

‫يعبرون عن أنفسهم ألغراض ثقافية متعددة‬


‫والذهني للبشر وهم ّ‬

‫كالمشاركة الشعورية بين أبناء السياق الواحد‪ ،‬ونقل األفكار‪،‬‬

‫تصورات لبرامج الحياة‪.‬‬


‫وصياغة ّ‬

‫كما يساعد األدب في تنمية اإلدراك المعرفي باكتشاف طاقات اللغة‬

‫في التعبير والتلقي‪،‬والتعامل التحليلي مع النصوص فيتم إنتاج‬

‫خطابات كثيرة متعددة الرؤى‪ ،‬ونتيجة تأمل األعمال األدبية لتحديد‬

‫شخصيات المتكلمين‪،‬واستخالص عالقاتهم داخل العمل‪ ،‬ينشأ علم‬

‫علم‬ ‫وينتفع‬ ‫التاريخ‪،‬‬ ‫علم‬ ‫االجتماع‪،‬ويتطور‬


‫ّ‬ ‫النفس‪،‬وعلم‬

‫األنثربولوجيا– الذي يدرس أنماط الحضارات اإلنسانية األولى– من‬

‫‪7‬‬
‫طور‬
‫المادة األدبية‪ ،‬فاألدب مادة تغذي الفروع العلمية المتعددة‪ ،‬وت ّ‬

‫النظريات المعرفية لألمم‪.‬‬

‫كما أن فهم األدب القومي المحلي يتطلب معرفة األدب اإلنساني‬

‫بلغاته المختلفة‪،‬والترجمة تقوم بهذا الدور المهم في حياتنا الثقافية‪.‬‬

‫نموذجَتمثيليَعصري‪َ :‬‬

‫دراسة األدب المقارن تماثل بمفهوم الحياة العصرية االطالع على‬

‫المتنوعة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫خطط أداء مباريات كرة القدم وفقا للمدارس الكروية‬

‫مثلما تلعب الفرق المحلية مع فرق مختلفة في طرق اللعب عبر‬

‫القارات فإن دراسة األدب المقارن تسير على النسق نفسه بغرض‬

‫التعرف على أشكال وجود اآلخر وطرائقه في الحياة والقيم التي تفيد‬
‫ّ‬

‫من التفاعل معه‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الرسالةَاإلنسانيةَلمقررَالدبَالمقارن‪َ :‬‬

‫يؤدي الدرس المقارن إلى استخالص المشترك بين الثقافات وتقدير‬

‫أوجه االختالف‪،‬واإلفادة من المنتج الجمالي الجديد في التعبير‬

‫ويتطور األدب‬
‫فتتعمق العالقات بين اللغات والثقافات‪ّ ،‬‬
‫والتفاهم‪ّ ،‬‬

‫المحلي بما يفيده من نتائج الدرس األدبي المقارن‪.‬‬

‫من هذا المنظور فإن األدب المقارن يحقق للمجتمع اإلنساني الكبير‬
‫سبال للتعارف والتفاهم والسالم‪،‬ويقارب بين الرؤى واألفكار‪،‬ويقنع‬
‫ويدعم مفهوم قبول اآلخر والحوار معه أيا‬
‫ّ‬ ‫الناس بتقدير االختالف‪،‬‬
‫كانت ثقافته‪ ،‬وكثي ار ما تختلف الناس بسبب التشابه العميق بينها‬
‫وهي ال تدرك ذلك‪.‬‬

‫الدبَالمقارنَتحفيزَللمهارةَالذهنية‪َ :‬‬

‫األدب نشاط ذهني معرفي ومادة دافعة للمقارنة‪،‬وهذا مدخل‬


‫استراتيجي في الدراسات المقارنة‪ .‬هل تعرف لماذا؟‬

‫للتأمل يعالجها اإلدراك‬


‫ألن المادة التي ينتجها األدباء مساحة ّ‬
‫العقلي عند المتلقي بخاصة الباحث الدارس لألدب المقارن‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫عبرت عن‬ ‫العمليات الشعورية والذهنية التي ّ‬
‫ّ‬ ‫فيجد فيها طرائق‬
‫موقف األديب من العالم بأبعاده المتعددة‪ ،‬الكونية الطبيعية‪،‬‬
‫واالجتماعية‪ ،‬واللغة التعبيرية أيضا‪ ،‬تلك اللغة التي نرى فيها‬
‫وسيطا اتصاليا بينها وبين العقول األخرى التي تشاركها الرحلة‬
‫الكونية في السياق االجتماعي المحيط بها‪،‬أو في سياقات‬
‫متجددة في األزمنة واألمكنة‪.‬‬

‫في اإلنتاج األدبي يتم التعبير عن المشاعر واألفكار‪.‬‬

‫التعبير عن المشاعر واألفكار يعني ترجمتها من حالة التوتر‬


‫الدائر في العقل إلى خطاب شفهي أو مكتوب‪ ،‬لذلك فاألدب هو‬
‫ترجمة في المقام األول‪ ،‬ألنه عملية نقل محتوى ذهني إلى‬
‫الكالم‪.‬‬

‫تجليات العالم فتنعكس صور ما نراه في تيار مشاعرنا‪ ،‬أو‬


‫نستقبل ّ‬
‫تنعكس صور متعددة لما نظن أننا نراه‪،‬أو ما نتمنى رؤيته‪ ،‬ونحتفظ‬
‫بالصور كلها في ذاكرة شاسعة‪ ،‬عميقة‪ ،‬تفوق إمكانات العصر الرقمي‪.‬‬

‫تعالج أذهاننا وأحالمنا وأخيلتنا تلك المادة التي ال حصر لها‪ ،‬وتتالقى‬
‫عمليات ذهنية جديدة‪ ،‬فتولد األفكار من األفكار‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المعطيات لتدخل في‬
‫تستمر بعضها‪ ،‬تمرض بعضها وتتعافى‪ ،‬وترحل بعضها إلى قارة‬
‫النسيان بمحيط الالوعي‪ ،‬لكنها ال تتعرض للحذف‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫هناك آخر يوجد بالقرب منا‪..‬‬
‫ويوجد بعيدا عنا‪..‬‬
‫هناك آخر يوجد بالفعل حولنا‪..‬‬
‫ويوجد بالقوة في آفاق الزمان والمكان‪..‬‬
‫ويوجد في إدراكنا الذهني حينما نبدع‪.‬‬
‫ونحن آخر لآلخرين‪.‬‬
‫غيرات الزمانية والمكانية‪ ،‬فأنت اآلن‬
‫ونحن آخر ألنفسنا في المت ّ‬
‫تختلف عن أنت طفل الكي جي‪ ،‬وأنت تلميذ االبتدائي‪ ،‬وأنت طالب‬
‫إعدادي‪ ،‬وأنت القلق في الثانوية العامة‪.‬‬
‫وأنت اآلن هنا تختلف عن أنت المحتمل بعد سنوات قليلة أو كثيرة‬
‫كثير من أمنياتك لنفسك‬
‫ا‬ ‫حين تعمل مترجما بمؤسسة كبرى‪ ،‬وتحقق‬
‫وأهلك ووطنك وإنسانيتك‪ ،‬وتسعد أصدقاءك‪ ،‬وتساعد أجياال‪،‬ويتخذك‬
‫كثير من الشباب فيهم قدوة لهم‪.‬‬
‫وهكذا األحوال‪ ،‬مقارنات‪.‬‬
‫إننا نحاول التعبير عما يجول بأذهاننا لآلخرين‪ ،‬وعملية التعبير عن‬
‫األحوال الشعورية والذهنية تعني نقل المادة التي تشغلنا‪،‬ونهتم بها‪،‬‬
‫ونفهمها وحدنا‪ ،‬إلى وحدات اتصالية اتفق عليها السياق االجتماعي‪،‬‬
‫ننقل بها ما يدور في عالمنا الداخلي لآلخرين حولنا في العالم‬
‫مخيلة‬
‫المحيط بنا‪،‬فيحدث بيننا وبينهم حوار‪ ،‬فاألدب حوار ينتقل من ّ‬
‫تتشكل الثقافة َبما تحمل من َمفاهيم‬
‫ّ‬ ‫صاحبه إلى اآلخرين‪،‬وبذلك‬
‫وتطورها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وتتكون األفكار التي تقيم الحضارات‬
‫ّ‬ ‫اجتماعية وإنسانية‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫وعملية صياغة مشاعر الذات وأفكارها في لغة اتصالية هي حوار‬
‫بين الذات بفرديتها واللغة باجتماعيتها‪.‬‬
‫وال يوجد عقل بمعزل عن محيطه‪.‬‬
‫وال يوجد فرد مستقل عن مجتمعه‪.‬‬
‫وال يوجد مجتمع بمعزل عن العالم بل هو جزء منه‪.‬‬
‫وال يوجد أدب إقليمي محلي ال يتأثر باآلداب األخرى وال يؤثر فيها‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أن التجارب مشتركة بين البشر‬
‫تجارب الذات مع العائلة واألصدقاء والجيران‪ ،‬تجارب الصداقة‪،‬‬
‫تجارب األجيال المتفاعلة والمتصادمة والمتحابة‪ ،‬تجارب التحقق‬
‫واإلخفاق‪ ،‬تجارب المودة والغيرة‪ ،‬تجارب االختيار من متعدد محدود‬
‫ومن خارج الصندوق‪ ،‬تجاربنا واحدة تقريبا‪ ،‬تتخذ أحيانا حضو ار‬
‫مختلفا نتيجة اختالفات في الثقافة تتجّلى في أساليب الحياة‬
‫يعبر عن التجربة البشرية التي تلتقي مع‬
‫ومنظومة القيم‪ ،‬واألدب ّ‬
‫غيرها عبر الحدود والمواقيت‪.‬‬
‫لذلك األدب المقارن موجود‪.‬‬
‫لذلك األدب المقارن مرتبط بالترجمة ألنها تنشر األشكال‬
‫والمواضيع والطرق التعبيرية بين األمم‪.‬‬
‫لذلك األدب المقارن مدين للترجمة ألنها تمنحه مادة للتأثير والتأثر‪.‬‬
‫وألنها تنشر الجديد الذي يتعّلم منه األدباء‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫مفهومَالمقارنةَوأهميتهَفيَالتحليلَالمنهجي‪َ :‬‬
‫مفهوم المقارنة هو أنها عملية إدراك تقوم بها الذات العاقلة‬

‫الستخالص أوجه االلتقاء واالختالف بين الرؤى ا ّ‬


‫لمتنوعة التي‬
‫وجدت في رموز التواصل المعرفي مستق ار لها‪.‬‬
‫عمليات المهارة الذهنية التي يهتم كل مقرر تعليمي‬
‫ّ‬ ‫المقارنة من‬
‫بقياسها‪.‬‬

‫المقارنةَعمليةَإدراكيةَذهنيةَلكلَدارس‪:‬‬
‫تنطلق المقارنة من سؤال بصدد ماهية ظاهرة لها انعكاس في‬
‫الذهن يطرح على الذات المفكرة صيغتين مرتبطتين بتلك الظاهرة‪.‬‬
‫هذا السؤال يعني أن العقل يعمل بحثا عن المعرفة‪.‬‬
‫تبين أن المدخالت المعرفية تضع أمامه صورتين‬
‫وأن العقل قد ّ‬
‫للعالم‪.‬‬
‫تصو ار واحدا للظاهرة‪ ،‬لكن‬
‫ّ‬ ‫إن لدى الذات العاقلة في األمر‬
‫المدخالت المعرفية وضعتها في موقف التساؤل عن طريق‬
‫تجليات التشابه واالختالف‪.‬‬
‫استراتيجية المقارنة القائمة على ّ‬
‫وتحاول الذات العاقلة استخالص عناصر التشابه واالختالف بين‬
‫الصورتين‪.‬‬
‫إن إجراء استخالص التشابه واالختالف يقوم على آلية تحديد‬
‫العنصر المختلف من سياق التشابه‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫في البداية يتلقى الذهن الصورة الكلية وتظهر أمامه مساحة‬
‫يوجه الذهن‬
‫التشابه واضحة‪ ،‬لكن العنصر المختلف هو الذي ّ‬
‫للمقارنة‪ ،‬فاالختالف أساسي في المقارنة‪ ،‬لماذا؟‬

‫ألن االختالف هو نقطة اإلدراك األولى التي تستنتجها الذات‬


‫العاقلة‪ ،‬فلوال االختالف لكانت هناك صورة واحدة وليست‬
‫صورتين‪ ،‬أي أن مادة المقارنة ال تستنسخ نفسها‪ ،‬وإنما هي‬
‫متعددة‪ ،‬وهذا هو مبرر المقارنة‪.‬‬

‫نتذكر دور المقارنة في التنمية اإلدراكية لدى اإلنسان في مرحلة‬


‫الطفولة‪ ،‬وما يتّصل بها من تنمية التأمل الذهني‪ ،‬فنجد صور‬
‫استخراج االختالفات مادة مهمة في تحفيز إدراك الطفل‪،‬‬
‫ويصبح استكمال قائمة االختالفات اختبا ار ماتعا لنسق اإلدراك‬
‫التنوع‪.‬‬
‫المتطور من األحادية إلى ّ‬
‫ّ‬
‫وفي إجراء تحديد العناصر المختلفة تحدث قراءات أكثر عمقا‬
‫للصورة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫العملياتَاإلجرائيةَللمقارنة‪َ :‬‬

‫تقوم المقارنة على متوالية مراحل محورية مثل التجارب اإلدراكية‬


‫المختلفة‪ ،‬وهذه المراحل هي ‪:‬‬

‫التذكر‬
‫‪ّ -‬‬

‫‪ -‬التحليل‬

‫‪ -‬التصنيف‬

‫‪ -‬التركيب‬

‫للتصورات المستقرة في الذهن‪.‬‬


‫ّ‬ ‫المرجعيات السابقة‬
‫ّ‬ ‫التذكر يستحضر‬
‫ّ‬

‫التحليل يفكك عناصر التشكيل‪.‬‬

‫التص ن نننيف يض ن ننع ال ن ننذهن العناص ن ننر المستخلص ن ننة م ن ننن إجن ن نراءات‬
‫النش نناط اإلد ارك نني ف نني قن نوائم تحدي نند ماهي ننة الكيان ننات‪ ،‬فمعطي ننات‬
‫العننالم بالنسننبة لخصائصننها التنني اكتشننفها اإلنسننان هنني مجموعننة‬
‫من الكيانات التي تشمل اإلنسان أو الطبيعة أو األشياء وهكذا‪.‬‬

‫التصور الجديد الذي حدث نتيجة وجود العناصر‬


‫ّ‬ ‫التركيب يستقبل‬
‫المختلفة‪.‬‬

‫عمليات‪:‬‬
‫من هذا التوصيف نجد أن المقارنة تساعد على ّ‬

‫‪15‬‬
‫التصورات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التذكر‪ :‬الستحضار‬

‫التحليل‪ :‬الستخالص العناصر‪.‬‬

‫التصنيف‪ :‬لرد العناصر لخاناتها في قوائم الكيانات‪.‬‬

‫لتصور التركيب الدمجي الذي حدث بوجود العناصر‬


‫ّ‬ ‫التركيب‪:‬‬
‫المختلفة بين صورتين تشتركان في مساحة تشكيلية شاسعة‪.‬‬

‫هذه العناصر مهمة في عملية الترجمة وفي كل نشاط إدراكي‪.‬‬

‫إن األفكار تطير في األثير‪،‬وتحتاج من يقتنصها في قوارير‬


‫العطور صانعا منها اآلداب والفلسفات والعلوم والفنون‪،‬ويطرحها‬
‫في أسواق البيان نصوصا جميلة وتطبيقات مفيدة وبرامج تنمية‪،‬‬
‫تتسع بخرائط العقل والشعور‪.‬‬

‫يتأمل اإلنسان مواضيع عالمه مستخرجا العالقات بينها‪.‬‬

‫تدخل الظواهر في مقارنات‪.‬‬

‫تتطور إجراءات اإلدراك ونواتجه‪.‬‬

‫يبتكر الوعي طرقا جديدة للتعبير والتواصل تناسب مدركاته‪ ،‬وتراعي‬


‫حالة السياق المحيط به‪.‬‬

‫تحمل هذه الطرق ناتج الرؤى المركبة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫تصبح الطرق التعبيرية نفسها ظاهرة للتأمل اإلدراكي‪.‬‬

‫تجد الذات‪-‬المتفاعلة مع نواتج الفكر وأشكال التعبير– أن الجمال‬


‫صوبة خصبة لغرس األفكار‪ ،‬تنمو أشجار البان في اللغة‪ ،‬ترتوي من‬
‫وتتشكل المشاعر في‬
‫أنهار المشاعر‪،‬وتتألق األوراق بخطوط الرموز‪ّ ،‬‬
‫شعر يتدفق في بحور متدافعة األمواج‪ ،‬ويرتفع شراع األفكار‪.‬‬

‫كثير من الظواهر المحيطة به عن طريق المقارنة‪ ،‬ويتفهم‬


‫يدرك اإلنسان ا‬
‫هويته ويحدد ماهية اآلخر بالنسبة له بوضع ناتج رؤيته وناتج رؤى‬
‫اآلخرين في مرايا فكره‪ ،‬مستخلصا من عملية المقارنة ما يستطيع أن‬
‫الهويات‬
‫ّ‬ ‫يسعفه في صياغة استراتيجية وجوده‪،‬وطرائق تعامله مع‬
‫المحيطة به‪ ،‬والتي لم يكن يظن أنها تشبهه إلى حد كبير‪.‬‬

‫************************‬

‫‪17‬‬
‫جائزةَنوبلَ َ‬

‫نموذجَلهميةَالدبَالمقارنَفيَالثقافةَالعالمية َ‬

‫محفوظَوالدبَالمقارنَ َ‬

‫هل كان نجيب محفوظ يعرف من نماذج األدب العربي القديم الرواية‬
‫التاريخية لكي يكتب ثالثيته الفرعونية(عبث األقدار‪،‬ورادوبيس‪،‬وكفاح‬
‫طيبة) ‪...‬‬

‫ورواية األجيال لكي يكتب ثالثيته الواقعية(بين القصرين ‪،‬وقصر‬


‫الشوق‪،‬والسكرية)‪،‬ورواية الباقي من الزمن ساعة ‪،‬ورواية يوم قتل‬
‫الزعيم‪ ،‬والرواية النفسية لكي يكتب السراب‪..‬‬

‫والرواية السياسية كي يكتب السمان والخريف‪..‬‬

‫والرواية البوليفونية (رواية تعدد األصوات) لكي يكتب ميرامار‪،‬والعائش‬


‫في الحقيقة‪...‬‬

‫وأدب العبث لكي يكتب ثرثرة فوق النيل‪ ،‬والرواية الوجودية لكي يكتب‬
‫الطريق ‪،‬وأسلوب تيار الوعي لكي يكتب اللص والكالب‪..‬‬

‫والواقعية السحرية لكي يكتب الحرافيش‪...‬‬

‫ما الذي جعله يكتب هذه األشكال واالتجاهات واألنواع؟‬

‫‪18‬‬
‫الترجمةَوالنقدَالدبيَوالنماذجَالعالمية َ‬

‫لو لم يعرف محفوظ األدب العالمي ويق أر األعمال الروائية المترجمة‬


‫ويطالع المفاهيم النقدية عبر الثقافات ما استطاع أن يكون أديبا‬
‫عالميا يقارن النقاد بينه وبين تشارلز ديكنز وفيكتور هيجو وجوجول‬
‫وديستوفسكي وتولستوي وجابرييل جارثيا ماركيز‪.‬‬
‫بالطبع كان عليه أن يق أر ويقارن ويتعّلم فنون السرد‬
‫ولكي يحصل األديب المصري العربي على جائزة نوبل العالمية في‬
‫األدب كان البد من مقارنة أدبه بأدباء نوبل طبقا للمعايير النقدية‬
‫للجائزة‪.‬‬
‫بمعنى أن اللجنة التي منحت نجيب محفوظ جائزة نوبل كان‬
‫أعضاؤها يمارسون األدب المقارن‪.‬‬
‫وكانوا يقارنون بين أعمال نجيب محفوظ المصري العربي وغيره من‬
‫أدباء ينتمون ألوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقيا‪.‬‬
‫وقد فضلوا ‪-‬عام ‪1988‬م‪ -‬نجيب محفوظ على أدباء العالم بلغاتهم‬
‫المختلفة وأشكالهم المتعددة وأساليبهم الجميلة‪.‬‬
‫وهناك دراسات مقارنة كثيرة عن أدب نجيب محفوظ في أقسام‬
‫اآلداب العالمية‪.‬‬
‫وبالطبع هناك دراسات مقارنة عن أدب نجيب محفوظ في أقسام‬
‫األلسن المختلفة‪ ،‬وسنعرض بعض عناوين الدراسات المقارنة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫كلياتَاللسنَوالدبَالمقارنَ َ‬

‫َ‬

‫‪ -‬هل لكليات األلسن مكانة خاصة في دراسة األدب المقارن؟‬


‫‪ -‬بالطبع‪...‬نعم‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا؟‬
‫‪ -‬ألن رؤية كليات األلسن هي دراسة اللغات األجنبية وإتقانها‬
‫للعمل بها في المجاالت المناسبة محليا وعالميا‪.‬‬
‫واألدب في برامج تدريس اللغة مقرر مهم‪.‬‬
‫وألن األدب هو الدرجة المثالية التي تتحقق فيها جماليات اللغة‬
‫وإمكاناتها‪.‬‬
‫‪ -‬بالتالي يجد طالب األلسن– أيا كان مكانها وأيا كانت اللغات التي‬
‫يتعّلمها– نفسه مهتما بأكثر من أدب‪ ،‬فهو يدرس‪:‬‬
‫أدب لغته األم‬
‫أدب اللغة األجنبية األولى‬
‫أدب اللغة األجنبية الثانية‪.‬‬
‫والبد أن يكون لديه المقرر الذي يربط بين هذه اللغات وآدابها‪.‬‬

‫منَنماذجَالدراساتَالدبيةَالمقارنةَفيَاللسن‪َ :‬‬
‫‪ -‬المرأة عند تشيخوف وإدريس– رسالة ماجستير للباحثة زينب محمد‬
‫إبراهيم خضر– قسم اللغة العربية‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ -‬السيرة الذاتية عند توفيق الحكيم وأصولها في األدب العربي‬
‫والفرنسي– رسالة ماجستير للباحث أحمد محمد يوسف عاشور –‬
‫قسم اللغة العربية‪.‬‬
‫‪ -‬قصة األجيال في ثالثية نجيب محفوظ وأمجاد فورسايت لجالزورثي‬
‫–رسالة ماجستير للباحثة فايزة محمد سعد أحمد– قسم اللغة العربية‪.‬‬
‫‪ -‬البناء الدرامي بين سرفانتس والمويلحي– رسالة ماجستير للباحثة‬
‫سعاد أمين محمد السيد – قسم اللغة العربية‪.‬‬
‫التمرد بين ثروت أباظة في "شيء من الخوف"‬ ‫‪ -‬ثنائية الطغيان و ّ‬
‫وبزرج علوي في "موريانة‪ :‬داّبة األرض"– رسالة ماجستير للباحثة‬
‫عواض خليفة – قسم اللغة العربية‪.‬‬
‫شيماء محمود ّ‬
‫‪ -‬الوطن في المسرح السياسي بين علي أحمد باكثير في "شيلوك‬
‫الجديد"وصادق هدايت في "المازيار"– رسالة دكتوراه للباحثة شيماء‬
‫عواض خليفة – قسم اللغة العربية‪.‬‬
‫محمود ّ‬
‫‪ -‬صورة األندلس في اإلبداع الشعري والمسرحي عند أحمد شوقي‬
‫همام عبد اللطيف عبد‬
‫وأنطونيو جاال–رسالة ماجستير للباحث ّ‬
‫الحليم – قسم اللغة العربية‪.‬‬
‫‪ -‬أثر النوادر العربية في كتاب"األيكة"اإلسباني– دراسة مقارنة– رسالة‬
‫همام عبد اللطيف عبد الحليم– قسم اللغة العربية‪.‬‬
‫دكتوراه للباحث ّ‬
‫‪ -‬صورة المرأة في شعر فابرتسيو ديه أندريه ونزار قباني‪:‬رسالة‬
‫ماجستير للباحث إسالم فوزي محمد عبد الحميد‪ -‬قسم اللغة‬
‫اإليطالية‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ -‬الواقع والحلم في أشعار مختارة لسالفاتوري كوازيمودو وجبران‬
‫الوهاب حمزة – قسم‬
‫خليل جبران– رسالة دكتوراه للباحثة منى عبد ّ‬
‫اللغة اإليطالية‪.‬‬
‫‪ -‬جحا في القصص العربي واإليطالي دراسة مقارنة‪-‬رسالة دكتوراه‬
‫للباحثة لمياء علي مصيلحي محمد – قسم اللغة اإليطالية ‪.‬‬
‫‪ -‬البحث عن األب بين روايتي "األخرس" ألوتو فالتر" و"الطريق"‬
‫لنجيب محفوظ – رسالة ماجستير للباحثة سمر منير علي خليل –‬
‫قسم اللغة األلمانية‪.‬‬
‫الحظ أن قسم اللغة العربية شريك أساسي في رسائل األدب المقارن‬
‫السابقة كلها‪.‬‬
‫لماذا؟‬
‫ألن أقسام األلسن كلها تدرس اللغة العربية‪.‬‬
‫وألن اللغة العربية هي التي يفهمها طالب األلسن جميعا ولديهم خبرة‬
‫بآدابها‪.‬‬
‫وألن ما يمنح العربي الذي يدرس اللغات األجنبية واألدب المقارن‬
‫مكانته في العمل األكاديمي والثقافي العالمي هو إجادته اللغة‬
‫العربية وقدرته على المقارنة بين منجزها ومنجز غيرها بمنهجية‬
‫موضوعية‪.‬‬
‫الحظ أن األستاذ الذي تخصص في األدب المقارن إيطالي‪/‬عربي وهو‬
‫في قسم اللغة اإليطالية ستكون الحاجة إليه في إيطاليا أكثر في قسم‬

‫‪22‬‬
‫اللغة العربية ألنه يتقنها ويتقن آدابها مع اللغة اإليطالية وآدابها‪،‬‬
‫وكذلك الحال في قسم اللغة الصينية أو الروسية أو التشيكية‪.‬‬
‫‪ -‬هل يستطيع الطالب الذي تخرج في برنامج شعبة اللغة العربية أن‬
‫يتخصص في األدب المقارن؟‬
‫‪ -‬أجل ‪..‬بالطبع‪.‬‬
‫‪ -‬تذكر أن كثي ار من أساتذة األدب المقارن تخرجوا في كليات‬
‫للدراسات العربية مثل‪:‬‬
‫األستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن شعيب‬
‫األستاذ الدكتور الطاهر مكي‬
‫األستاذ الدكتور إبراهيم عبد الرحمن‬
‫األستاذ الدكتور صالح فضل‬
‫األستاذ الدكتور رجاء عبد المنعم جبر‬
‫األستاذ الدكتور سليمان العطار‬
‫األستاذ الدكتور صالح السروي‬
‫وفنني كليننة األلسننن هننناك أسنناتذة تخرجنوا فنني قسننم اللغننة العربيننة واختنناروا‬
‫تخصننص األدب المقننارن مثننل النندكتور أحمنند يوسننف والنندكتورة فننايزة‬
‫س ن ننعد وال ن نندكتورة س ن ننعاد أم ن ننين وال ن نندكتور هم ن ننام عب ن نند اللطي ن ننف عب ن نند‬
‫الحليم‪،‬وغيرهم‪..‬‬
‫‪ -‬هل يستطيع الدارس في برنامج اللغة العربية لغير الناطقين بها‬
‫التخصص في األدب المقارن؟‬
‫‪ -‬بالطبع‪..‬نعم‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ -‬لماذا؟‬
‫‪ -‬ألنه يجيد لغته األجنبية األم واللغة العربية ولديه إحاطة بأدبيهما‪.‬‬
‫‪ -‬وهل يفيده هذا التخصص؟‬
‫‪ -‬هو أكثر التخصصات إفادة له ألنه يوفر له سبل العمل في‬
‫األكاديميات الوطنية ببالده في أقسام اللغة العربية ويمنحه فرصة‬
‫للعمل باألكاديميات العربية المتعددة في مجال الدراسات المقارنة‪،‬‬
‫وكذلك المؤسسات الثقافية المختلفة في مجاالت اإلعالم وتحليل‬
‫الخطاب ‪ ،‬بل يمكن لبعض الدارسين المتميزين في هذا المجال‬
‫العمل في المجال الدبلوماسي كأن يكون مستشا ار ثقافيا أو ملحقا‬
‫ثقافيا بين البلدين‪ ،‬وهذه المهمة مارسها كثير من األلسنيين الذين‬
‫أصبحوا سفراء لبلدهم في كثير من الدول األجنبية‪.‬‬
‫‪ -‬وقد تخرج في برنامج اللغة العربية لغير الناطقين بها عدد كبير من‬
‫الباحثين بعد حصولهم على درجتي الماجستير والدكتوراه‪ ،‬ويمثلون‬
‫حلقات وصل بين معاهدهم األكاديمية في بالدهم والحياة الثقافية‬
‫العربية‪.‬‬

‫*********************‬

‫‪24‬‬
‫الدبَالمقارنَوالنقدَالدبي‬

‫النقد األدبي مجال علمي لدراسة النصوص األدبية‪،‬‬


‫جمالياتها وأفكارها‪ ,‬أي هو قراءة النصوص إلنتاج‬
‫ّ‬ ‫واستخالص‬
‫نصوص معرفية بصددها‪ ،‬يغلب عليها العلمية في التفسير وربط‬
‫النص بسياق إنتاجه االجتماعي والنفسي‪.‬‬
‫واألدب المقارن يفعل ذلك ولكن بين النصوص التي تنتمي‬
‫لثقافات لسانية متعددة‪ ،‬بالتالي ال يمكن أن يدرس الباحث في‬
‫متعمقا في النقد األدبي وبخاصة‬
‫ّ‬ ‫األدب المقارن دون أن يكون‬
‫التطبيقي‪.‬‬
‫النقد األدبي أداة بحثية مهمة للمتخصص في األدب المقارن أيا‬
‫كانت المدرسة المقارنة التي يستخدم منهجها (فرنسية أو‬
‫أمريكية)‪.‬‬

‫ماَعالقةَالدبَالمقارنَبالفلسفةَوالنظرياتَالمعرفية؟‬
‫ال يقف األمر في التأثير والتأثر عند عالقة نص بنص‪ ،‬أو أديب‬

‫بأديب‪ ،‬وإنما يمتد إلى تاريخ ترجمة األفكار والنظريات األدبية‪،‬‬

‫واألفكار وليدة الفلسفة‪،‬والنظريات األدبية وليدة النظريات‬

‫المعرفية؛لذلك ال يستطيع الباحث في األدب المقارن إغفال‬

‫المرجعية الفلسفية والمعرفية لألفكار‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫من هذا المنظور ندرك أن مفهوم الجامعة هو المعرفة الشاملة‪.‬‬

‫وأن مفهوم الكلية هو دراسة فلسفة المعارف واتجاهاتها قبل اإلغراق‬

‫في التخصص الدقيق‪.‬‬

‫وكل تخصص دقيق ال ينفصل عن العلوم الجامعة والمعارف الكلية‪.‬‬

‫ميالدَالدبَالمقارن‪َ :‬‬

‫ظهر األدب المقارن بعد الكشوف الجغرافية وظهور الدراسات‬

‫جليات البدائية للمجتمعات‬


‫األنثروبولوجية التي تهتم بدراسة الت ّ‬

‫اإلنسانية القديمة‪ ،‬ومع الحركات االستعمارية التي تنشر الثقافات‬

‫المحلية للحضارت المتفوقة خارج حدودها‪.‬‬

‫حدث التقاء ثقافي بين الشرق والغرب في القرن التاسع عشر‬

‫وقد مّثل األديب األلماني جوته هذا االتجاه‪ ،‬وصاحب ذلك‬

‫تطور في النقد األدبي‪ ،‬تمّثل في استخدام المنهج التاريخي بعمق‬


‫ّ‬

‫عند سانت بيف – صاحب حديث االثنين الذي أّلف طه حسين‬

‫على نسقه كتاب حديث األربعاء – كذلك ظهر العامل الجغرافي‬

‫‪26‬‬
‫الثقافي الذي يدرس عالقة األدب بالبيئة عند هيبوليت تين‪ ،‬وهذا‬

‫ليس جديدا تماما فعالقة األدب بالبيئة لها وجود في النقد األدبي‬

‫سالم الجمحي صاحب كتاب طبقات فحول‬


‫العربي عند ابن ّ‬

‫الشعراء‪.‬‬

‫فالحقل المحّفز لدراسة األدب المقارن بدأ في القرن التاسع عشر‬

‫حين استقبلت فرنسا مثقفي العالم في اآلداب والموسيقى والفن‬

‫التشكيلي‪،‬وصاحب ذلك دراسات نقدية تبحث عن التشابه‬

‫واالختالف بين الرؤى المتعددة‪.‬‬

‫لكن األدب المقارن بمناهجه العلمية حديث نسبيا إذ يعود في‬

‫فرنسا إلى بول فان تيجم (‪1948 -1871‬م) وهو أستاذ في‬

‫السوربون له إنتاج غزير وعميق في التاريخ والنظرية األدبية‬

‫وتحليل النصوص‪ ،‬وهذه المحاور التقت معا فنتج عنها علم‬

‫تطو ار هو األدب المقارن‪.‬‬


‫أكثر ّ‬

‫‪27‬‬
‫سؤال‪:‬‬

‫بماذاَتفسرَنشأةَعلمَالدبَالمقارنَفيَفرنساَعلىَوجهَالتحديد؟‬

‫ألن باريس ملتقى حضارات‪ ،‬ومحط أنظار المثقفين‪ ،‬يذهب إليها‬

‫أدباء العالم‪ ،‬ويلتقي فيها أصحاب النظريات اإلبداعية‪ ،‬ويتحاور‬

‫تطور يعبر عن العالمية‬


‫أهل التجديد فينشأ من هذا الحوار ّ‬

‫المشتركة بين شعوب الكرة األرضية‪ ،‬فقد اهتم أدباء باريس‬

‫بمؤلفات جوته‪ ،‬وهاجر إليها الشاعر األلماني هنريش هاينه‪،‬‬

‫وكانت اللوحات الفنية تعكس تجاور األدباء والفنانين في‬

‫الصالونات الباريسية‪ ،‬باإلضافة إلى الرحالت التي كان يقوم بها‬

‫المبدعون‪ ،‬وقد أمدت األدب بمادة طريفة للمقارنة‪ ،‬فضال عن‬

‫انتشار الصحافة وحاجة الصحف إلى مراسلين في الخارج‪ ،‬وقام‬

‫بهذه الوظيفة بعض األدباء مثل هاينه نفسه‪.‬‬

‫وفي هذا المقام يجب أن نشير لذهاب أعالم الثقافة المصرية‬

‫العربية إلى باريس في زمن الريادة التي انتقلت بها الدولة‬

‫‪28‬‬
‫المصرية إلى العصر الحديث‪ ،‬وزمن التأصيل للحداثة‪ ،‬ويمثل‬

‫زمن الريادة رفاعة الطهطاوي مؤسس مدرسة الترجمة (‪1835‬م)‬

‫التي أصبحت في العام التالي مدرسة األلسن للترجمة ثم‬

‫أصبحت عام ‪1957‬م مدرسة األلسن العليا ثم أصبحت عام‬

‫‪1974‬م كلية األلسن بجامعة عين شمس ثم تعددت الكليات‬

‫األلسنية في أنحاء مصر‪ ،‬ومنها كلية األلسن بجامعة قناة‬

‫كليات األلسن على‬


‫السويس ومقرها مدينة اإلسماعيلية‪ ،‬وتسير ّ‬

‫الئحة ذات مرجعية واحدة وهي تعّلم ثالث لغات واإلعداد لمهنة‬

‫الترجمة‪ ،‬مع مراعاة الهوية اإلقليمية لكل كلية‪.‬‬

‫وفي مرحلة التأصيل للحداثة نجد عميد األدب العربي طه‬

‫حسين يدرس للدكتوراه في باريس‪.‬‬

‫ويذهب توفيق الحكيم األديب المسرحي الروائي إلى باريس لدراسة‬

‫القانون‪ ،‬فتتاح له دراسة اآلداب والفنون في عاصمتها العالمية‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ويحيي حقي األديب المترجم عاش في باريس فترة خصبة تركت‬

‫أثرها في تصوراته لآلداب والفنون والحياة‪.‬‬

‫وليس كل من ذهب إلى مدينة عالمية سيعود مكلال بالنجاح فمن‬

‫الممكن أن يتخبط في الفشل وقد عبر طه حسين عن الموقفين‬

‫في روايتين‪ ،‬فقصة النجاح في سيرته الذاتية "األيام" وقصة‬

‫الفشل في روايته المهمة "أديب"‪.‬‬

‫وقد رّسخ األدب المقارن في األكاديميات العلمية في فرنسا نتيجة‬

‫الجهود النقدية المنهجية لفان تيجم بطابعها الذي ينظر إلى‬

‫األدب األوروبي بوصفه وحدة جغرافية ممتدة‪ ،‬لذلك يمكن القول‬

‫إن األدب المقارن ساعد على تنمية مفهوم الوحدة األوروبية في‬

‫زمن مبكر‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫مدارسَالدبَالمقارنَ‬

‫المدرسةَالفرنسية‪َ:‬مدرسةَالتأثيرَوالتأثر‪:‬‬

‫ََََالمدرسة الفرنسية في األدب المقارن هي المرجعية األولى في‬

‫العصر الحديث لهذا الفرع العلمي‪ ،‬وتعتمد المدرسة الفرنسية التي صاغ‬

‫نظريتها فان تيجم على دراسة التأثير والتأثر‪،‬وطرائق انتقال األفكار‪،‬‬

‫تعبر عنها‪ ،‬وما تضيفه كل خبرة أدبية للشكل‬


‫واألشكال األدبية التي ّ‬

‫الفني أو للفكرة‪.‬‬

‫القيمةَالمميزةَللترجمةَفيَالمدرسةَالفرنسيةَلألدبَالمقارن‪َ َ:‬‬

‫تعد الترجمة في نظر المدرسة الفرنسية محو ار أساسيا في دفع‬

‫األفكار واألشكال بين الثقافات‪،‬باعتبار الترجمة أحد الجسور‬

‫لعمليات التأثير والتأثر‪،‬ومن هذا المنطلق ال يستطيع‬


‫ّ‬ ‫الكبرى‬

‫دارس األدب المقارن من منظور المدرسة الفرنسية أن يهمل‬

‫حركة الترجمة‪،‬أو يتجاوز عن نقل عمل من ثقافة إلى ثقافة‬

‫‪31‬‬
‫أخرى‪،‬ويكون هذا العمل مشتركا في الرؤية أو الموضوع أو‬

‫التقنيات الفنية مع عمل يدرسه الباحث بمنهج المدرسة الفرنسية‪.‬‬


‫ّ‬

‫عناوين َالتأثير َوالتأثر َمؤشر َالمدرسة َالفرنسية َفي َالدراساتَ‬

‫المقارنة‪َ :‬‬

‫أثر ألف ليلة وليلة في الرواية الفرنسية‪.‬‬


‫أثر المعري في شعر عمر الخيام‪.‬‬
‫أثر حي بن يقظان البن طفيل في رواية روبنسن كروزو لدانيال‬
‫ديفو‬
‫أثر جان جاك روسو في فكر محمد حسين هيكل وفنه الروائي‪.‬‬
‫أثر الرومانسية االنجليزية في شعر العّقاد‪.‬‬
‫أثر الرومانسية الفرنسية في شع ارء أبوللو‪.‬‬
‫أثر تشيخوف في القصة القصيرة عند يوسف إدريس‪.‬‬
‫أثر فيكتور هيجو في قصص يحيي حقي‪.‬‬
‫أثر الرواية الروسية في الروايات الواقعية لنجيب محفوظ‪.‬‬
‫المؤثرات العربية في األدب الروسي‪ ،‬وهو موضوع أنجزته األستاذة‬
‫الدكتور مكارم الغمري‪.‬‬
‫أثر مفهوم التحوالت في ألف ليلة وليلة في أدب كافكا‪.‬‬
‫أثر تحوالت كافكا في مصير صرصار لتوفيق الحكيم‪.‬‬
‫أثر األديب األمريكي جون شتاينبك في دراما أسامة أنور عكاشة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫تأثر التأليف الدرامي التليفزيوني عند محمد جالل عبد القوي بمفهوم‬
‫المأساة في المسرح األغريقي‪.‬‬
‫أثر مسرحية بيت الدمية لألديب النرويجي هنريك إبسن في األدب‬
‫النسوي العربي‪.‬‬
‫تأثر محمود سالم في سلسلة المغامرين الخمسة بقصص المغامرات‬
‫االنجليزية‪.‬‬
‫تأثر شعر الطبيعة عند إيليا أبو ماضي بشعر األمريكي والت‬
‫وايتمان‪.‬‬
‫أثر جي دي موباسان في فن القصة القصيرة عند محمود تيمور‪.‬‬
‫المؤثرات الوجودية لسارتر في كتابات أنيس منصور‪.‬‬
‫أثر جيمس جويس في كتاب تيار الوعي في الرواية المصرية‪.‬‬
‫أثر فرجينيا وولف في التيار النسوي في الرواية المصرية‪.‬‬
‫أثر رواية سوزانا تامارو اذهب حيث يقودك قلبك في رواية منى‬
‫عارف مقاعد مخصصة للسيدات‪.‬‬
‫كل هذه األعمال تنتمي إلى المدرسة الفرنسية ألنها تنطلق من‬
‫مفهوم التأثير والتأثر‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫المدرسة َالمريكية َفي َالدب َالمقارن‪َ :‬مدرسة َالتشابهَ‬

‫واالختالف‬

‫انتقل األدب المقارن إلى أمريكا وظهرت المدرسة األمريكية في‬

‫األدب المقارن مع جهود الناقد رينيه ويليك (‪1995 -1903‬م)‬

‫وهو أمريكي من أصل نمساوي وجذور تشيكية‪.‬‬

‫المدرسة األمريكية ال تنظر إلى التأثير والتأثر‪،‬وإنما تنطلق من‬

‫عالمية األدب بوصف األدب رؤية إنسانية يلتقي فيها البشر‬

‫عبر الثقافات مع اختالف البيئات في األزمنة واألمكنة‬

‫التوجهات الفكرية‪،‬فتضع المدرسة األمريكية مفهوم التشابه‬


‫و ّ‬

‫واالختالف محل مفهوم التأثير والتأثر‪،‬لكنها تراعي ظروف نشأة‬

‫األفكار والسياقات المحيطة بها‪ ،‬وإن لم يكن هناك التأثير والتأثر‬

‫بين الثقافات بشكل مرجعي دقيق‪ ،‬لماذا؟‬

‫ألن حركة الفكر اإلنساني بطابعها تنتقل بطرق واضحة أو‬

‫بالتفاعل بين البشر في سياقات حيوية من ناحية‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫وألن العقل اإلنساني له طريقته في العمل مع اختالف البيئات‬

‫الثقافية من ناحية ثانية‪.‬‬

‫وألن الظروف الحضارية المتشابهة تسمح بإنتاج أعمال متشابهة‬

‫من ناحية ثالثة‪.‬‬

‫َََعناوينَالدراساتَالدبيةَالمقارنةَالتيَتخلوَمنَاتخاذَالتأثيرَ‬

‫والتأثرَمنهجيةَللمقارنةَتنتميَإلىَالمدرسةَالمريكيةَمثل‪َ :‬‬

‫‪ -‬االختيا ر في أدب السيرة الذاتية بين جان بول سارتر في سيرته‬


‫الكلمات وتوفيق الحكيم في سيرته سجن العمر‪.‬‬
‫‪ -‬شخصية األب بين دوستويفسكي في األخوة كارامازوف ونجيب‬
‫محفوظ في الثالثية (بين القصرين وقصر الشوق والسكرية)‪.‬‬
‫‪ -‬صورة المرأة بين ألبرتو مورافيا وإحسان عبد القدوس‪.‬‬
‫‪ -‬عقدة إلكت ار بين روايتي مرحبا أيها الحزن لفرنسوار ساجان وال أنام‬
‫إلحسان عبد القدوس‪.‬‬
‫‪ -‬الغربة بين صحراء التتار لألديب اإليطالي دينو بوتساتي وواحة‬
‫الغروب لألديب المصري بهاء طاهر‪.‬‬
‫‪ -‬رواية المدينة بين مدينة المعجزات لألديب اإلسباني إدواردو‬
‫ورواية ال أحد ينام في اإلسكندرية لألديب المصري‬ ‫مندوثا‬
‫إبراهيم عبد المجيد‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ -‬الواقع والحلم في شعر كوازيمود وخليل جبران وهذه الدراسة‬
‫أنجزتها الدكتورة منى عبد الوهاب بقسم اللغة اإليطالية بألسن‬
‫عين شمس بالتعاون مع قسم اللغة العربية‪.‬‬
‫‪ -‬صورة المرأة بين فابرتسيو دي أندريه اإليطالي ونزار قباني وهذه‬
‫الدراسة أنجزها الباحث إسالم فوزي بألسن عين شمس كذلك‪.‬‬

‫*****************************‬
‫َ‬

‫المدرسةَالسالفية‪َ:‬البيئةَالثقافية‬
‫تهتم هذه المدرسة بالطابع االجتماعي للبيئات الثقافية التي‬
‫تنشأ فيها األفكار واألشكال التعبيرية‪،‬وقد تأثر ظهور هذه‬
‫المدرسة بفترة االشتراكية في روسيا‪ ،‬وكانت االشتراكية تهتم‬
‫بالبعد االجتماعي لألدب‪ ،‬وتعد اآلداب بينية سطحية للعالقات‬
‫االقتصادية والصراع الطبقي‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫المدرسةَالعربية‬
‫عالقةَالدبَالعربيَبالدبَالعالمي‬

‫لدينا َمحاولة َلصياغة َمدرسة َعربية َفي َالدب َالمقارن َقام َبهاَ‬
‫الناقدَعبدَالحميدَإبراهيم‪َ.‬‬
‫والمنطلق الذي تصدر عنه رؤية هذه المدرسة هو النظر إلى‬
‫حركة تفاعل األدب العربي مع اآلداب العالمية‪ ،‬لتحديد المشترك‬
‫وتجليات اإلبداع الحضاري في‬
‫ّ‬ ‫الجامع بين العقل العربي المبدع‬
‫العالم كافة‪ ،‬وفي الوقت نفسه استخالص الهوية الثقافية للذات‬
‫العربية من خالل الحوار الذهني للعقل العربي مع الثقافات‬
‫األخرى‪،‬ويفيد هذا في فهم طرق معالجة المبدع العربي لمواضيع‬
‫إنسانية مشتركة على نحو معين متصل ببيئته وميراثه‬
‫الحضاري‪.‬‬
‫َََإنَالمدرسةَالكثرَشيوعاَاآلنَفيَالدراسةَالدبيةَالمقارنةَهيَ‬
‫المدرسةَالمريكية‪.‬‬
‫انتشار َالمدرسة َالمريكية َفي َالدرس َالمقارنَ‪:‬االبتعاد َعنَ‬
‫السياقاتَالتاريخية‪:‬‬
‫‪ -‬تنطلق المدرسة األمريكية باألدب المقارن من حدود ضيقة إلى‬
‫رحاب عالمية‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ -‬تبتعد المدرسة األمريكية عن الجدل العنصري الذي يحدث‬
‫في الدراسات المقارنة أحيانا في ضوء التركيز على التأثير‬
‫والتأثر ألن الباحثين ينحازون أحيانا لثقافة على حساب أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬ال تغفل المدرسة األمريكية السياق التاريخي بل تحرص على‬
‫تحديد أسباب حدوث الظاهرة األدبية في السياق الثقافي‪.‬‬
‫‪ -‬تهتم المدرسة األمريكية بالتحليل النقدي التفسيري لألعمال‬
‫األدبية موضوع الدرس المقارن‪.‬‬
‫رفَالعربَقديماَالدبَالمقارن؟ َ‬
‫ًَ‬ ‫هلَع‬
‫األدب المقارن بوصفه منطقة بحث علمي منهجي نشأ في النصف‬
‫األول من القرن العشرين في فرنسا‪.‬‬
‫لكن الثقافات اإلنسانية عرفت المقارنات األدبية الثقافية بالطبع‪،‬‬
‫وهذا ما حدث في المرجعية التاريخية للثقافة‪.‬‬
‫عرفَالعربَمفهومَالموازنة‪ ،‬وتختلف الموازنة عن المقارنة في أنها‬
‫معالجة لعملين ينتميان للثقافة نفسها‪.‬‬
‫من أشهر الموازنات األدبية العربية تحكيم األديبة العربية أم جندب‬
‫بين شعر امرئ القيس وشعر علقمة‪.‬‬
‫وقد شاع عند العرب تصنيف كل شاعر في غرض معين‪،‬أو تأكيد‬
‫إجادته حين تتاح له حالة نفسية بعينها‪ ،‬بالتالي فمفهوم المقارنة بدأ عند‬
‫العرب في شكل الموازنة‪ ،‬وقد أّلف الناقد العربي اآلمدي كتابا معروفا‬
‫في الموازنة بين أبي تمام والبحتري‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫الدبَالمحليَوالدبَالعالمي‪:‬‬

‫ََََحين يتأثر السياق المحلي بالثقافة األجنبية لدرجة كبيرة يقوم بعض‬

‫الباحثين بإعادة قراءة التراث المحلي إلثبات أن األفكار الجديدة ليست‬

‫بغريبة عن ثقافاتهم المحلية‪ ،‬وهذا ما فعله الناقد أبو عبد هللا اليمني في‬

‫كتابه مضاهاة أمثال كليلة ودمنة‪ ،‬فأثبت في دراسته أن أفكار حكايات‬

‫كليلة ودمنة لها ما يشبهها في الشعر العربي القديم‪.‬‬

‫ويعد كتاب مضاهاة أمثال كليلة ودمنة ألبي عبد هللا اليمني عمال‬

‫رائدا في البحث األدبي المقارن؛ألنه أّلفه في منتصف القرن الرابع‬

‫الهجري للخليفة الفاطمي المعز لدين هللا في مصر‪ ،‬أي أن األدب‬

‫المقارن له وجوده في الدراسات األدبية العربية القديمة في مصر‪ ،‬ومن‬

‫فوائد األدب المقارن إعادة قراءة األدب المحلي‪ ،‬وهذا واضح من كتاب‬

‫أبي عبد هللا اليمني مضاهاة أمثال كليلة ودمنة‪.‬‬

‫ومن المواضيع المهمة في األدب المقارن دراسة العالقات الثقافية‬

‫بين األمم في سياقات تفاعلها الحضاري‪ ،‬ويعد المفكر المصري‬

‫‪39‬‬
‫عباس محمود العّقاد رائدا في الدرس األدبي المقارن بالمعنى‬
‫ّ‬

‫العام الذي يرى أن األدب هو اإلنتاج الثقافي الشامل‪ ،‬فأّلف‬

‫العّقاد كتابه المهم ‪:‬أثر العرب في الحضارة األوروبية‪ ،‬لكنه لم‬

‫يكتف بتحديد المؤثرات العربية في اآلداب الغربية‪ ،‬وإنما حدد‬

‫المؤثرات العالمية الشرقية والغربية في األدب العربي أيضا‪.‬‬

‫إن المقارنات األدبية رؤية ومنهج عند المفكر صاحب الثقافة‬

‫العالمية الرحبة‪ ،‬وهذا ما يتمتع به طه حسين‪ ،‬ونجده واضحا في‬

‫كتابه ‪ :‬ألوان‪ ،‬فيحلل رؤية ابن حزم لفلسفة الحب‪ ،‬ويقارنها برؤية‬

‫التطور الحضاري بين‬


‫ّ‬ ‫األديب الفرنسي ستندال‪ ،‬مع مراعاة سياق‬

‫األديبين‪ ،‬كما يحلل طه حسين فلسفة التشاؤم عند أبي العالء‬

‫المعري واألديب التشيكي كافكا باالستناد إلى أدب أبي العالء‬

‫الشعري وأدب كافكا السردي‪ ،‬وهذه رؤية عصرية تتجاوز الرؤية‬

‫المحدودة التي ترى أن المقارنة تكون بين إنتاج أدبي من شكل‬

‫واحد‪ ،‬وفي عصر متقارب‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫وينطلق طه حسين في كتابه ألوان من األدب المقارن إلى‬

‫الدراسات الثقافية العالمية المقارنة‪ ،‬وهذا هو االتجاه اآلني في‬

‫الدراسات الثقافية‪ ،‬وليس هذا األمر بغريب بل هو يصل األدب‬

‫بالحضارة والفنون‪.‬‬

‫أردنا أن نؤكد قيمة الدرس األدبي المقارن في سياقه الثقافي‬

‫الشامل‪،‬وعالقة الدراسات الثقافية المقارنة بالتطور الفكري للعقل العربي‪،‬‬

‫لذلك قدمنا أمثلة من العّقاد وطه حسين في هذا المقام‪ ،‬فاهتمام هذين‬

‫المفكرين بالدراسات المقارنة عالمة على قيمة األدب المقارن في‬

‫المشروع الفكري ألعالم الثقافة العربية‪ ،‬وقد تجاوز العّقاد النقد األدبي‬

‫المقارن إلى النقد الثقافي المقارن حين قارن بين تمثال نهضة مصر‬

‫للفنان المثّال محمود مختار ونظير له في فرنسا‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫رسالةَالكتابةَبينَمنىَعارفَ َ‬
‫وسوزاناَتامارو َ‬
‫َ‬

‫ََََََََََفعلَاالتصالَفيَروايتيَ"مقاعدَمخصصةَللسيدات"َ‬
‫و"اذهبَحيثَيقودكَقلبك"َقراءةَمقارنة َ‬
‫َ‬

‫السؤال‪:‬‬
‫كيف يمكن احتمال الحياة بعد رحيل األحبة؟‬
‫الروايتان‪:‬‬
‫هذا السؤال تطرحه رواية األديبة المصرية منى عارف‬
‫"مقاعد مخصصة للسيدات"‬
‫ورواية األديبة اإليطالية سوزانا تامارو"اذهب حيث يقودك قلبك"‬
‫التقنية‪:‬‬
‫تعتمدَالروايتانَعلىَتقنيةَالرسائل‪َ:‬‬
‫في الرواية المصرية تخاطب األم ابنتها التي ابتعدت عنها بالزواج‬
‫في أعقاب وفاة الجدة (الجيل األول)‪.‬‬
‫وفي الرواية اإليطالية تخاطب الجدة حفيدتها التي هاجرت إلى‬
‫أمريكا وتركتها وحيدة بعد موت األم (جيل الوسط)‪.‬‬
‫الديبتان‪:‬‬
‫الديبةَالمصريةَمنىَعارف‪:‬‬
‫تخرجت منى عارف في قسم اللغة الفرنسية بكلية اآلداب جامعة‬
‫اإلسكندرية‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫حصلت على جوائز عن روايتها "وشوشات الودع"‪.‬‬
‫كذلك قصة "الشراع األبيض"‪.‬‬
‫وقصة "أنشودة العصافير"‪.‬‬
‫وتحولت قصص مجموعتها "روائح الزمن الجميل" إلى دراما إذاعية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وبالمثل قصتها "الياقوتة الحمراء" كما جاء في سيرتها الملحقة برواية‬
‫"مقاعد مخصصة للسيدات" طبعة دار العين بالقاهرة‪.‬‬
‫ومن الواضح أن األديبة مشغولة بالجغرافيا والتاريخ‪:‬‬
‫بالتاريخ‪َ:‬‬
‫أي بتصوير أساليب الحياة في الماضي القريب محاولة أن‬
‫تضع جينات الهوية في فضاء الواقع الثقافي لتستمر الشخصية‬
‫عبر الزمان‪.‬‬
‫بالجغرافيا‪:‬‬
‫أن تمنح القارئ صورة بيئتها التي تنتمي إليها‪ ،‬وتعيش في‬
‫أجوائها من ناحية أخرى لذلك تتخذ من أيام النوات تأريخا‬
‫تعبر عما يمكن أن نطلق عليه الجغرافيا‬
‫لرسائل الرواية وكأنها ّ‬
‫النفسية‪.‬‬
‫الديبةَاإليطالية‪َ:‬سوزاناَتامارو‪:‬‬
‫صاحبة الرواية اإليطالية "اذهب حيث يقودك قلبك" هي األديبة‬
‫سوزّانا تامارو‪.‬‬
‫ولدت في ترييستي بإيطاليا يوم الثاني عشر من ديسمبر عام سبع‬
‫وخمسين وتسعمائة وألف (‪1957 /12 / 12‬م)‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫وكانت دراستها في صناعة السينما‪.‬‬
‫وعملت باإلخراج التليفزيوني‪.‬‬
‫ولها أعمال أدبية منها قصص لألطفال‪.‬‬
‫وروايتها "اذهب حيث يقودك قلبك" صدرت عام ‪1994‬م‪.‬‬
‫والرواية من أكثر األعمال رواجا‪.‬‬
‫ولها ترجمات إلى لغات متعددة‪.‬‬
‫وكانتَلهذهَالروايةَأكثرَمنَترجمةَإلىَالعربية‪:‬‬
‫ترجمها طلعت الشايب ونشرتها دار شرقيات بالقاهرة عام ‪1999‬م‬
‫بعنوان "اتبعي قلبك" وهي ترجمة عن اإلنجليزية‪.‬‬
‫ثم ترجمتها أماني فوزي حبشي بعنوان "اذهب حيث يقودك قلبك"‬
‫ونشرت بالكويت عام ‪2014‬م‪ ،‬وعن دار مدارك بالرياض‬
‫‪2018‬م‪.‬‬
‫وهكذا يوجد للعمل األدبي المترجم أكثر من عنوان‪ ،‬ألن الترجمة‬
‫قراءة من وجهة نظر المترجم‪.‬‬
‫ترجمة العمل عن اإلنجليزية جاءت مطابقة للعنوان في الترجمة‬
‫اإلنجليزية ‪heart your follow‬‬
‫والعنوان اإليطالي للرواية هو ‪coure il porta ti dove ’Va‬‬
‫هذا العنوان يمكن أن تكون له احتماالت في الترجمة مثل‬
‫اتبعي قلبك‬
‫أو اذهب حيث يقودك قلبك‬
‫لذلك يتعدد العنوان في الترجمات طبقا الختيار المترجم‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫منَوجهةَنظرك‪:‬‬
‫هل يحتمل العنوان صياغات أخرى؟‬
‫اقترح‪..‬‬
‫واذكر األسباب‪..‬‬
‫متأثر بالترجمة اإلنجليزية فنجد‬
‫ا‬ ‫إذا كان اختيار طلعت الشايب‬
‫أنه قام بخطوة إضافية تتجاوز الترجمة اإلنجليزية حين جعل‬
‫الضمير بصيغة المؤنث في ترجمة العنوان‪ ،‬مع أن ضمير‬
‫المخاطب في اإلنجليزية ال يفرق بين المؤنث والمذكر‪.‬‬
‫اختارت أماني فوزي حبشي وضع الضمير في صيغة المذكر مع‬
‫أن الرواية خطاب من مؤنث إلى مؤنث‪ ،‬من الجدة إلى الحفيدة‪.‬‬
‫وللصديق العزيز إسالم فوزي دراسة عن ترجمة أماني فوزي‬
‫حبشي للرواية بالعدد ‪ 17‬من مجلة األلسن للترجمة‪ ،‬يرى فيها‬
‫أن المترجمة اختارت صيغة المذكر لتمنح العنوان الطابع‬
‫الشمولي‪.‬‬
‫التوجه النسوي‬
‫ّ‬ ‫وفي المقابل نرى أن طلعت الشايب فطن إلى‬
‫وعبر عنه في عنوان الرواية‪.‬‬
‫ّ‬
‫الترجمة الذكورية توجهت إلى المؤنث‪.‬‬
‫الترجمة النسوية توجهت إلى التعميم‪.‬‬
‫وهذه مفارقة‪.‬‬
‫في كل رواية ثالثة أجيال من النساء جدة وأم وحفيدة‪ ،‬الرواية‬
‫المصرية تنطلق من فعل االتصال الذي تقوم به األم‪ ،‬صوت‬

‫‪45‬‬
‫جيل الوسط الرابط بين جيلين‪ ،‬األم التي عاشت دور االبنة من‬
‫قبل ولها صلة نفسية عميقة بأمها الراحلة تجعلها تستحضرها‬
‫كثير وهي تخاطب ابنتها البعيدة‪ ،‬وفي الرواية اإليطالية تقوم‬
‫ا‬
‫الموجه إلى الحفيدة التي تعيش في قارة‬
‫ّ‬ ‫الجدة بفعل االتصال‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وفي كلتا الروايتين ال يوجد رد من الفتاة التي تمّثل الجيل‬
‫الثالث‪ ،‬فالرسائل مكتوبة بدافعية االستمرار في المحافظة على‬
‫حياة لها جمالها وتاريخها ونقوشها الغائرة في النفس‪،‬إن القصة‬
‫التي تحكيها الخطابات في كل رواية هي الوجود الذي تصر‬
‫متغيرات الزمن‪.‬‬
‫عامر على الرغم من ّ‬‫ا‬ ‫حاضر‬
‫ا‬ ‫المرأة أن يظل‬
‫عنوان "مقاعد مخصصة للسيدات" فيه تحديد يشير إلى عالم المرأة‪.‬‬
‫مميز‪ ،‬احتياج للتواصل عبر‬
‫إن النساء لهن حضور خاص‪ ،‬وجود ّ‬
‫األجيال يضم نساء األسرة الواحدة لتحدث عملية تغذية الهوية‬
‫واستمرارها‪.‬‬
‫لذلك ترسل األم خبراتها إلى االبنة وفي الوقت نفسه تستحضر‬
‫تركز على شخصية الجدة‬
‫الجدة دائما‪ ،‬منذ اإلهداء‪ ،‬وفي الكتابة ّ‬
‫بوصفها مرسلة الخبرة إليها‪،‬تتحدث عن أساليبها في صناعة‬
‫الطعام‪،‬في التسوق‪ ،‬في االهتمام بالجانب الجمالي مثلما تهتم‬
‫بالجانب الغذائي‪،‬فالم أرة هي التي تضع الثقافة المنزلية‪،‬ثقافة‬
‫األسرة‪ ،‬ثقافة البيت الواحد الكبير الراسخ في مكانه‪،‬والممتد في‬
‫الزمان‪ ،‬ولو انتقل أهله من قارته إلى قارة أخرى‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫إن التعبير الذي اختارته منى عارف عنوانا لروايتها "مقاعد‬
‫مخصصة للنساء" يتجاوز كونه عبارة مباشرة نستمع إليها في‬
‫أحاديثنا اليومية‪،‬إنه حاضر في الواقع بالفعل من خالل الترام‬
‫السكندري والمترو القاهري‪.‬‬
‫بل إنه يشير إلى مقاعد المرأة في مجلسي النواب والشيوخ‪ ،‬لكنه‬
‫في الرواية ال يقصد استحضار الظاهرة الواقعية فقط بل يصبح‬
‫كناية‪ ،‬أي يضع التعبير في مجال تصويري‪.‬‬
‫المقاعد مكان حضور يحدد الوجود وطرائقه‪،‬أماكن تحدد أسلوب‬
‫الحياة‪ ،‬النساء تتجاور معا‪ ،‬هناك رصيد من الخبرات االجتماعية‬
‫والنفسية‪،‬لهن إدراك جمالي خاص‪،‬لهن أسلوب حكائي ينطلق من‬
‫أصواتهن ويصل بينهن‪،‬لهن المواضيع التي تجمع بينهن‪ ،‬لديهن‬
‫رغبة في التواصل الذي ينقل صورة الذات الفردية بكل مقوماتها‬
‫وتتبين مالمحها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وتكويناتها إلى ذات أخرى سترى تلك الصورة‬
‫وتستمد منها أفضل ما فيها لتحتفظ به وتضيفه إلى قائمة مقادير‬
‫الهوية النسوية‪.‬‬
‫الكتابة في الرواية النسوية العربية واإليطالية أداة للعبور من‬
‫الفردية الخاصة إلى الجمعية كي تظل سمات التكوين مستمرة‬
‫في صيرورة كالنهر‪.‬‬
‫في الوقت نفسه فإن الكتابة تعد أداة مقاومة ضد الوحدة والعزلة‪.‬‬
‫فأن تكتب الذات لشخصية لها حضورها في عالمها الداخلي‬
‫العميق‪ ،‬وتجمعها بها حياة اجتماعية وشعورية‪ ،‬يعني أن الكاتبة‬

‫‪47‬‬
‫تعاني من الوحدة في لحظة الترسل‪ ،‬إنها في حاجة إلى تواصل‬
‫حقيقي غير موجود اآلن‪.‬‬
‫إنها تزيح شكل الوجود الفارغ من حولها لتنطلق في عالمها‬
‫الثري المتدفق الباحث عن إطار يستوعبه‪.‬‬
‫فعل االتصال بالكتابة يعني أن الواقع عاجز عن إتاحة سبل‬
‫التفاعل بين الذات واآلخر‪.‬‬
‫بل إن كل واحد من البشر في حاجة إلى التواصل مع نفسه‪ ،‬في‬
‫حاجة إلى حوار يستمع فيه إلى صوته‪.‬‬
‫المرأة أكثر معاناة في ذلك‪ .‬لماذا؟‬
‫ألن عالمها االجتماعي يزداد ضيقا برحيل أهل المنزل‪ ،‬إن هويتها‬
‫في حبها ألهل بيتها‪ ،‬وفي عالقتها بالبيت الذي أقامته بما يحقق‬
‫شخصيتها‪.‬‬
‫هناك حوار لشخصية أنيسة بدوي في مسلسل أسامة أنور‬
‫عكاشة ليالي الحلمية (الجزء الخامس) يعلن عن اكتساب المرأة‬
‫هويتها من شقتها بكل ما فيها من جمال وروح‪.‬‬
‫حذر في التفاعل مع اآلخرين‪.‬‬
‫وربما ألنها أكثر ا‬
‫ومتغيرات الزمان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وربما ألنها أكثر إحساسا بروح المكان‬
‫وربما ألنها اعتادت ممارسة فنون صياغة الحياة على نحو من‬
‫الكمال‪،‬فاألشياء لها أماكنها وأوقاتها‪،‬واألزياء لها مناسباتها‬
‫وألوانها‪،‬واحتياجات من حولها طلبات تحاول تلبيتها بدرجة عالية‬
‫من الدقة‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫كل هذه التفاصيل تشغل ذاكرتها ومواقيت حياتها‪.‬‬
‫وكلها في حاجة ألن تكون رسالة تغوص المرأة في نفسها‬
‫الستخالص مكوناتها‪،‬وتسعى ألن تنقلها ألقرب الناس إليها‬
‫بخاصة بناتها الالتي تنظر إليهن بوصفهن الكائن الحيوي الذي‬
‫سيحتفظ بوجودها في ذاكرته وفكره وسلوكه‪.‬‬
‫وسيقوم بنقل هذه الرسالة للجيل اآلتي‪.‬‬
‫لذلك تنطلق الروايتان من لحظة المرض‪ .‬لماذا؟‬
‫ألن فعل الكتابة يستخلص مقومات الحياة ويبعثها البنة أو حفيدة‬
‫عبر الحدود المكانية والزمانية أيضا‪.‬‬
‫ويمكن أن تكون الرواية المصرية قد تأثرت بالرواية اإليطالية‬
‫السابقة عليها زمنيا وكانت مترجمة قبل إبداع منى عارف بفترة‪.‬‬
‫أي يمكن دراسة الروايتين بمنهجية المدرسة الفرنسية‪.‬‬
‫لكننا هنا ندرسهما بمنهجية المدرسة األمريكية التي تستخلص أوجه‬
‫التشابه واالختالف بين الكاتبتين بوصف كلتيهما تمّثل ثقافتها‬
‫من خالل التحليل األدبي للعملين من منظور ثقافي‪.‬‬
‫تهتم الرواية المصرية بتكثيف جماليات العالقة بين األم التي‬
‫تروي والجدة الراحلة فتتقمص األم شخصية الجدة وتستعيد‬
‫سيرتها في سلوك يومي‪.‬‬
‫فتتعمق في العالقة اإلشكالية بين األجيال‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أما الرواية اإليطالية‬
‫ّ‬
‫وتستقصي الجدة ‪-‬التي تكتب الرسائل لحفيدتها‪ -‬األخطاء التي‬

‫‪49‬‬
‫ارتكبتها في حق الجيل الثاني‪،‬أي األم الراحلة بما ينقل الرواية‬
‫إلى أدب االعتراف فضال عن كونها رواية رسائل‪.‬‬
‫وتلقي الرواية اإليطالية الضوء على السياق السياسي فالجدة‬
‫عانت في زمن الفاشية حين كانت شابة قبل الحرب العالمية‬
‫الثانية وأثنائها‪.‬‬
‫واألم التي ماتت في حادث شاركت في ثورة شباب الستينيات‬
‫التي أعقبت مسرحية جون أوسبورن "انظر وراءك في غضب"‬
‫وعبر عنها أنيس منصور هنا في كتابه "مذكرات شاب غاضب"‬
‫ّ‬
‫بينما خفتت الخلفية التاريخية السياسية في رواية "مقاعد‬
‫مخصصة للسيدات"‪.‬‬
‫وإطالق الرسائل بقلم الجدة في الرواية اإليطالية محاولة لوصل‬
‫الجيل الثالث الغريب‪ /‬المغترب باألصول‪.‬‬
‫وغياب األم يقابله حضور المؤلفة سوزانا تامارو بوصفها حلقة‬
‫الوصل التي ال تفرض رؤيتها بل تترك المساحة المكتوبة لجيل‬
‫األمهات‪.‬‬
‫لقد حررت سوزانا السرد من الذاتية‪ ،‬باعدت بين مرجعيتها‬
‫الشخصية وقلم صاحبة الرسائل‪،‬واكتفت بأن تكون روحا راعية‬
‫للجدة‪ ،‬فمنحت السرد درجة عالية من الموضوعية‪.‬‬
‫أما رواية "مقاعد مخصصة للسيدات" فإن األم التي تكتب‬ ‫ّ‬
‫الرسائل قريبة بدرجة كبيرة من جيل المؤلفة نفسها‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫أي أن الكاتبة اختارت أن تكون األم التي تق أر نفسها في فعل‬
‫الكتابة ممثلة لجيلها‪،‬مما أضفى على السرد طابعا حيويا فيه‬
‫الحنين إلى زمن األم الكبيرة‪ ،‬وجمالّيات الحياة التي كادت تختفي‬
‫التغير؛لتكون الرسائل شاهدة على عصر أحبته‬ ‫ّ‬ ‫في عواصف‬
‫مخيلة االبنة التي بدأت‬
‫الكاتبة نفسها وحاولت رسم صورته أمام ّ‬
‫حياتها في بالد غريبة ال تدرى عنها األم‪ -‬التي جابت أوروبا‬
‫كلها تقريبا وأخذت معها االبنة في رحالتها كلها – شيئا‪.‬‬
‫لقد اختلفت الخريطة واالهتمامات‪،‬وأصبحت األم حريصة على أن‬
‫ترى االبنة رحلة الحياة التي سا ار فيها معا وستكملها االبنة يوما‬
‫ما وحدها أو مع ابنتها‪ ،‬كما كانت األم صاحبة الرسائل من قبل‬
‫بصحبة أمها الراحلة‪.‬‬
‫وتلتقي المؤلفة مع شخصية األم داخل الرواية حين تكتب اإلهداء‬
‫إلى األم‪ ،‬فكأنها تدمج صوتها بصوت الشخصية الروائية التي‬
‫تكتب رسالتها إلى االبنة في غربتها‪.‬‬
‫في الرواية اإليطالية لم تكن االبنة تحب اصطحاب األم في رحلتها‪.‬‬
‫كان صراع اإلرادة متحكما بينهما‪.‬‬
‫لذلك يظل السرد هو مساحة التعّلم التي يمكن أن تلتقي فيها األجيال‬
‫في لحظة مصارحة يحققها فعل الكتابة‪.‬‬
‫تنتهي الرسائل في الروايتين بالوصايا‪ ،‬فالكتابة ذاكرة الهوية ورسالة‬
‫الذات المبدعة‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫ثقافةَاآلالتَوتسليعَالذات‬

‫رمزَالسيارةَونسقيَالتحكمَواالمتالك‬

‫فيَقصتيَ"سطرَمغلوط"َإلحسانَكمالَو"ميكانيكي"َلجوفريديَباريزيَ‬

‫أسلوب الحياة العصري يقود الذات إلى أن تصبح ماكينة‪،‬فاإلنسان‬


‫يتعامل مع اآلالت طوال الوقت‪.‬‬
‫أصبح اإلنسان يرى الماكينات رم از لحضارة التقدم‪ ،‬إنها السلعة الغالية‬
‫التي تجذب المشاعر والعقول‪ ،‬فتقع الذات في أسرها‪.‬‬
‫جوفريديَباريزيَفيَقصةَ"ميكانيكي"‪:‬‬
‫هذا ما حدث في قصة "ميكانيكي" للكاتب اإليطالي جوفريدي‬

‫باريزي الذي ّ‬
‫صور شخصية تتعامل مع اآلخر كما تتعامل مع‬
‫الموتور‪.‬‬
‫القصة‬ ‫أعالم‬ ‫من‬ ‫لنماذج‬ ‫مترجمات‬ ‫ضمن‬ ‫والقصة‬
‫اإليطالية‪..‬اختارها وترجمها األستاذ الدكتور سالمة محمد‬
‫سليمان أحد أعالم الدراسات األدبية اإليطالية‪،‬واألدب المقارن‬
‫بين اإليطالية والعربية– رحمه هللا– وهو أستاذ أجيال من دارسي‬
‫األدب المقارن بين اإليطالية والعربية في كلية األلسن‪:‬‬
‫"أغلقت الباب الحديدي وأخذت ماريو من يده وكان كل ما فيه يرتعد‬
‫وعرضت رأسه لبعض التيار الكهربي أمال في أن يفيق عقله‬
‫النائم كما حدث في مرات كثيرة أخرى‬

‫‪52‬‬
‫وال أعرف‪ ،‬ربما كان التيار أكثر من الالزم‬
‫المهم أن ماريو توقف عن العمل بعد ذلك‬
‫أصبح كالبطارية تماما‬
‫ليست فقط فارغة وإنما يلزم تغييرها بالكامل‬
‫وراح عنه كل شغف بالمرة‪.‬‬
‫واآلن آمل أن يكون حكم العدالة منصفا حقا فتأخذ في اعتبارها‬
‫أن توّقف ماريو عن العمل لم يكن بالتأكيد غلطتي أنا‪ ،‬كما أنها‬
‫ليست غلطتي إذا انشرخ عامود لسوء صهره أو استهلك "تاكيه"‬
‫في أي لحظة من اللحظات‪.‬‬
‫إن واجبي قد قمت به سواء بالنسبة للعامود أو لماريو أو التاكيه‬

‫دون ّ‬
‫تحيز‬
‫والشك أن العدالة ستضع نصب عينيها قيامي بهذا الواجب‬
‫وتطبيقي لقواعد الميكانيكا على أحسن وجه‬
‫وستخلصني من مذلة البقاء في قفص المجانين هذا‪".‬‬
‫القصة رائعة بخاصة استخدام ضمير المتكّلم الذي يجعل المأساة‬
‫أم ار عاديا ال ينتبه إليها الفاعل‪.‬‬
‫النموذج التمثيلي الذي أقام عالقة بين اإلنسان والسيارة سهل ممتنع‬
‫يدين الحضارة كلها ال الميكانيكي القاتل فقط‪.‬‬
‫القصة أقرب إلى الكوميديا السوداء فيها روح أدب البحر األبيض‬
‫المتوسط‪.‬‬
‫ترجمة األستاذ الدكتور سالمة محمد سليمان عبقرية في اختيار‬

‫‪53‬‬
‫القصةَنفسهاَبفكرتهاَالعميقةَوجمالياتهاَالفنية‪َ َ.‬‬
‫اللفاظَالدالةَعلىَبنيةَالسيارةَعلىَلسانَالميكانيكي‪َ .‬‬
‫والتراكيب َالبسيطة َالمناسبة َللشخصية َبما َيحاكي َلغة َالحياةَ‬
‫اليومية‪َ .‬‬
‫إن َالمهنة َالمرتبطة َارتباطا َوثيقا َبمتغيرات َالعصر َتفرض َنمطاَ‬
‫ثقافياَعلىَالذات‪َ َ.‬‬
‫تنفصلَتلكَالذاتَعنَمرجعيتهاَاإلنسانيةَ َ‬
‫وتدخلَفيَبرنامجَتنميطَصناعيَ َ‬
‫يعيدَصياغةَمنظومتهاَالفكريةَوالسلوكية‪َ َ.‬‬
‫تتحكمَثقافةَالتطبيقاتَاآلليةَفيَالعالمَدونَأنَندريَأنَإنسانيتناَ‬
‫فيَخطر‪َ َ.‬‬
‫لقدَسيطرتَعلىَإنسانَالعصرَثقافةَآليةَلنهَيتعاملَمعَاآللةَ‬
‫التيَتحددَلهَمهنتهَومكانته َ‬
‫بلَإنَاآللةَأصبحتَرمزاَللثروةَوالجمالَمعاَ َ‬
‫إن َالسيارة َلم َتعد َقرينة َدالة َعلى َصاحبها َمن َحيث َالمستوىَ‬
‫الطبقي َالسائد َفي َالتصنيف َاالجتماعي َفقط َلكنها َأصبحتَ‬
‫شخصيةَمؤثرةَتقومَبدورَالمرسلَالذيَيغذيَاإلنسانَبرسائلَ‬
‫فكريةَتتحولَإلىَسلوكَيومي َ‬
‫بل َإن َالسيارة َاكتسبت َأهمية َتفوق َصاحبها َوتمنحه َدالالتَ‬
‫جمالية َفي َالسياق َالثقافي َالذي َسيطرت َعليه َالهويةَ‬
‫الميكانيكيةَاالقتصاديةَالتيَتمثلهاَاآلالت‪َ .‬‬

‫‪54‬‬
‫إحسانَكمالَفيَقصةَ"سطرَمغلوط"‪َ:‬‬
‫يتجلى طغيان النسق الثقافي اآللي على إنسان العصر في تعامله‬
‫مع العالقة الزوجية التي ال يتحقق لها النجاح إال على أساس‬
‫السكن النفسي القائم على تضافر المودة والرحمة‪.‬‬
‫تقدم لها وهي منهمكة في عمل‬
‫تسمع المرأة من الرجل الذي ّ‬
‫"التريكو" لصناعة "بلوفر" من أجله‪ -‬يدل على محبتها له‪-‬‬
‫تشبيها يدل على كونها سلعة مادية يمتلكها‪ ،‬فتغلط في غزلها‪:‬‬
‫"إنه يحاسبني من اآلن على مرتبي‪..‬وعندما أبديت دهشتي حاول أن‬
‫يبدي سماحته‪:‬‬
‫"تستطيعين أن تتبحبحي هذه األشهر الباقية على الزواج‪".‬‬
‫"وبعدها‪..‬؟"‬
‫ظّللت أستدرجه وكان رأيه مذهال‪:‬‬
‫"وقت الزوجة ملك لزوجها ومنزلها فإذا استغّلت هذا الوقت في عمل‬
‫ما يعود أجره لصاحب الوقت األصلي‪،‬مالك السيارة مثال له حق‬
‫يشغلها تاكسي‪".".‬‬
‫إيرادها عندما ّ‬
‫إن السيارة أصبحت بنية تشبيهية للحياة العاطفية واالجتماعية‪ ،‬ليس‬
‫في شكلها أو لونها أو قدرتها على االنتقال في فضاء رحب وإنما‬
‫تحولت‬
‫بما تدره على صاحبها من دخل حين يستثمرها‪،‬لقد ّ‬
‫العالقات اإلنسانية إلى أنماط من االستهالك االقتصادي فقط‪.‬‬
‫إن التشبيه اليوم لم يعد يستخدم الشمس والقمر‬

‫‪55‬‬
‫لم يعد الجمال االستعاري القديم حاض ار في الصورة التشكيلية‬
‫الثقافية اآلنية بقدر ما احتلت السيارة تلك المكانة بتكوينها‬
‫الصناعي المعدني وسرعتها وما توفره للشخصية من خصوصية‬
‫في التنقل عبر األمكنة‪،‬أو االستماع لما تشاء من برامج التسلية‬
‫اإلعالمية‪ ،‬وبأعطالها أيضا‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫تيمةَالعودةَ‬
‫بينَخليلَالجيزاويَفيَقصةَ"الطحان"َ َ‬
‫ومويانَفيَقصةَ"لقاءَبمحضَالصدفة"‬

‫قصةَ"مسعودَالطحان"َلخليلَالجيزاوي‪:‬‬
‫يكتب خليل الجيزاوي في قصته مسعود الطحان‪:‬‬
‫"في رحلة العودة من المدينة البعيدة والقاسية‪ ،‬حيث علوم الشهادة‬
‫العالية‬
‫أشاهد األعمدة الخرسانية‪ ،‬تأكل الحقول الخضراء على طريق‬
‫أباظة شيئا فشيئا‬
‫وما تبقى من األرض الخضراء– خلف الفيالت المزركشة– تم‬
‫زراعتها بخطوط العنب البناتي‪ ،‬حدائق وبساتين‪..‬‬
‫من نافذة الميكروباص"التويوتا"على طريق البلد– أباظة– كنت‬
‫أفتش عن فالح واحد– من أهل قريتنا– يلبس قميصه المعروق‪،‬‬
‫المنقوش بكفاح الزمن وفالحة األرض‬
‫يحمل فأسه على كتفه‪ ،‬يشد وسطه بشملته الصوف‪..‬‬
‫لكني أطالع وجوها مغسولة‪،‬وذقونا ناعمة حليقة‪ ،‬وشعو ار مفروقة‪،‬‬
‫ومدهونة بكريمات المعة‪ ،‬جماعات جماعات‪ ،‬تتمشى بالجالليب‬
‫البيضاء‪ ،‬تشد أنفاس المارلبورو األحمر‪..‬‬
‫تتهامس‪،‬تمضغ العصاري بعيدا عن خنقة الدور األسمنتية‪ ،‬حتى‬
‫تنتهي شهور اإلجازة من العمل في بالد الحجاز‪".‬‬

‫‪57‬‬
‫يمكنَأنَنبحثَعنَثالثَوظائفَفيَالخطاب‪َ،‬هذهَالوظائفَهي‪َ:‬‬
‫الوظيفةَالمعرفية‬
‫الوظيفةَالجماليةَأوَالشعرية‬
‫الوظيفةَالثقافيةَ‬
‫الوظيفةَالمعرفية‪َ:‬‬
‫هي محتوى النص‪ ،‬ويتمّثل في تحديد المعلومات أو تلخيصها‪،‬‬
‫وكل نص يخبرنا عن أشياء في عالمنا‪ ،‬وعن أشياء في نفوسنا‪،‬‬
‫وعن عالقاتنا االجتماعية‪ ،‬فال يوجد نص ال يحمل معرفة‪.‬‬
‫الوظيفةَالشعرية‪َ:‬‬
‫تمنح النص السردي في القصة القصيرة بخاصة قصص العودة‪،‬‬
‫خطين تشكيليين‪:‬‬
‫الخطَالولَغنائيَ‬
‫الخطَالثانيَدرامي‪.‬‬
‫الخطَالغنائي‪َ:‬‬
‫يضرب السرد به في الجذور البعيدة لإلبداع وكأنه يتخذ طابعا‬
‫أسطوريا مغاي ار للغة االتصال المألوفة ويحلق به في أفق روحي‬
‫ليلتقي في إيقاع القص مع مشاعر المتلقي‪.‬‬
‫الخطَالدرامي‪:‬‬
‫رسم السرد به مالمح العالم المتخيل الذي يماثل مرجعية العالم‬
‫الواقعي في تجارب المبدع والمتلقي أيضا‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫لكن المهم هو المصداقية الشعورية التي يعايشها المتلقي وهو يرى‬
‫المخيلة ليكون موضوعا جماليا للتأمل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هذا العالم يشغل فراغ‬
‫الوظيفةَالثقافية‪:‬‬
‫تكتشف الوظيفة الثقافية األفكار السائدة في فعل االتصال‪ ،‬وفي‬
‫القصة القصيرة تلتقط الفجوة بين الظاهر والخفي‪.‬‬
‫إنها تنير منطقة تتشابك فيها الخطابات المتوارية في سياق نفسي‬
‫متغير‪.‬‬
‫متوتر وسياق اجتماعي ّ‬
‫المقطع السابق لخليل الجيزاوي من قصته "مسعود الطحان" قدم لنا‬
‫الوظائف الثالث للخطاب‪.‬‬
‫ونفصلها فيما يأتي‪:‬‬
‫ّ‬
‫أوال‪َ:‬الوظيفةَالمعرفيةَفيَالقصة‪َ :‬‬

‫الوظيفة المعرفية هي األخبار التي يتضمنها المحتوى النصي‪.‬‬

‫هذه األخبار هنا هي عودة الشخصية إلى القرية من رحلة التعّلم‪.‬‬

‫إنها إجابة عن سؤال ماذا يقول النص؟‬

‫إننا نعرف من هذا السياق أن القرية تخلو من الكليات والمعاهد‬


‫العالية‪.‬‬

‫وأن فترة الدراسة التي أمضتها الشخصية لم تكن قليلة ألن األحوال‬
‫تغيرت‪ ،‬فطغت المباني على الحقول‪ ،‬وظهرت أنواع مختلفة من‬
‫ّ‬
‫النباتات لم تكن هي الموجودة من قبل‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫يعبر عن الرفاهية نتيجة سفر الفالحين‬‫أصبح الشكل العام للحياة ّ‬
‫للخليج وتركهم الزراعة في قريتهم‪.‬‬

‫التغير‪.‬‬
‫وتأثرت أحوال الناس وسلوكهم بهذا ّ‬
‫ودخلت القرية البضائع المستوردة‪.‬‬

‫ولم يجد العائد نموذجا إنسانيا واحدا يمّثل له نمط الحياة الذي ترّبى‬
‫عليه واعتاد رؤيته قبل أن يسافر إلى المدينة ليحصل على‬
‫شهادته األكاديمية‪.‬‬

‫ثانيا‪َ:‬الوظيفةَالشعريةَفيَالقصة‪َ :‬‬

‫يتشكل بها النص بما يندرج‬


‫ّ‬ ‫الوظيفة الشعرية هي الطرائق التي‬
‫وتقنيات‪.‬‬
‫في هذه الطرائق من أساليب ّ‬
‫إنها إجابة عن سؤال كيف يقول النص؟‬

‫تسير الوظيفة الشعرية في قصص العودة هنا على خطين يتوازيان‬


‫ويتقاطعان هما‬

‫الخطَالغنائيَ َ‬

‫الخطَالدرامي َ‬

‫الخطَالغنائيَفيَالقصة‪َ َ:‬‬

‫‪60‬‬
‫يجد القارئ في بعض األحيان نوعا من الشعرية اإليقاعية في لغة‬
‫السرد ال تقل بحال من األحوال عن إيقاع الشعر وربما تفوق‬
‫إيقاع قصيدة النثر‪.‬‬

‫واألديب يحتاج إلى اإليقاع للتعبير عن انفعاالته ورؤاه وأفكاره أيضا‬


‫تعبر عن لحظة نفسية‬
‫في مواقف تتطلب لغة موسيقية عالية ّ‬
‫غارقة في التوتر تبحث عن سّلم موسيقى تتصاعد عبر درجاته‬
‫بخاصة تلك الدرجة التي تصل بين النفسي والجمعي‪ ،‬أو تضع‬
‫التحوالت االجتماعية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الذات في مواجهة مع‬

‫يعبر الخط الغنائي عن انفعال المتكلم‪ ،‬وعواطفه‪ ،‬وعالقته النفسية‬


‫ّ‬
‫تحرك في أعماقه الشجن‪.‬‬
‫باللحظة التي ّ‬
‫وتضع –هذه الغنائية‪-‬أمامنا المتكلم المتأثر بالموقف ألقصى‬
‫درجات التأثر‪.‬‬

‫تغير‬
‫وفي السياق السابق تأتي الشعرية في إيقاع غنائي يولد من ّ‬
‫أسلوب الحياة مما يشعر المتكلم بالفقد المؤلم فيقع فريسة لعالم‬
‫ال يعرفه نتيجة ضياع عالم يختزنه في ذاكرته لم يعد له وجود‪.‬‬

‫فكأنه شاعر يقف على األطالل‪.‬‬

‫إن اإليقاع يولد من صيغ األلفاظ والتراكيب النحوية مثل‪:‬‬

‫القاسية ‪ /‬العالية‬

‫‪61‬‬
‫المعروق‪ /‬المنقوش‬

‫كفاح‪ /‬فالحة‬

‫وجوها‪ /‬ذقونا‪ /‬شعو ار‬

‫مغسولة‪ /‬مفروقة‪ /‬مدهونة‬

‫والتكرار المباشر مثل‪:‬‬

‫الخضراء‪ /‬الخضراء‬

‫أباظة‪ /‬أباظة‬

‫جماعات‪ /‬جماعات‬

‫أو التكرار الداللي مثل‪:‬‬

‫الخرسانية‪ /‬األسمنتية‬

‫البلد ‪ /‬قريتنا‬

‫والتعبير بضمير جماعة المتكلمين في‪ :‬قريتنا‬

‫كل هذه عناصر تمنح النص تشكيال يرفع إيقاع الغنائية فيه‬

‫باإلضافة إلى التعبير بضمير المتكلم المفرد الدال على حضور‬


‫الراوي بعينه وصوته ليكون شاهدا على ما يحدث في قريته من‬

‫‪62‬‬
‫تحوالت اجتماعية لها أكبر األثر في خطاب جيله الذي يتوارى‬
‫من خريطة الواقع مع ما يتوارى من قيم عاشها أبناء ذاك الجيل‪.‬‬

‫ويصل الخط الغنائي القصة بعنوان المجموعة "نشيد الخالص"‬


‫فالنشيد تعبير غنائي‪.‬‬

‫بالتالي ال ينفصل عنوان المجموعة عن المحتوى القصصي‬


‫لنصوصها‪.‬‬

‫تحوالت الواقع‬
‫فالذات في عصرها مغتربة بغنائيتها الشاعرية عن ّ‬
‫االقتصادية‪.‬‬

‫يكرس‬
‫وخالصها في استعادة خطابها الذي سحقه خطاب آخر ّ‬
‫لثقافة الغربة والرفاهية بنظرة سطحية تفصل بين الذات واألرض‬
‫مقومات هويتها‪.‬‬
‫فتفقد الذات أهم ّ‬
‫الخطَالدراميَفيَالقصة‪:‬‬
‫عكست لنا اللغة دراما اللحظة بما فيها من صراع خارجي وداخلي‬
‫بين عالمين َ‬
‫أحدهما الماضي المتوتر في ذاكرة الراوي َ‬
‫المتغير الذي يراه أمامه َ‬
‫ّ‬ ‫اآلخر الواقع‬
‫تقوم المفارقة بين المشهدين‪َ :‬‬
‫المخيلة بخطابه االنتمائي َ‬
‫ّ‬ ‫المشهد المختزن في‬
‫المشهد المتجلي أمام عين الراوي بخطابه االغترابي‪َ .‬‬

‫‪63‬‬
‫وهذا هو المحور الدرامي في التشكيل النصي‪َ .‬‬
‫الحظ َأهمية َتقنية َالمقارنة َبوصفها َاستراتيجية َفي َإنتاج َالنصَ‬
‫الدبيَتشكيلياَوفكريا‪َ،‬فالخطابَالسرديَيقارنَبينَحالين‪َ َ:‬‬
‫ماَقبلَالخروج َ‬
‫ماَبعدَالعودة َ‬
‫وكلَحالَنموذجَثقافي َ‬
‫والراويَينتميَلنموذجَماَقبلَالخروج‪َ .‬‬
‫لقد وضعنا هذا النمط القصصي في تصنيف "أدب العودة"‪.‬‬
‫وفي هذا التصنيف األدبي يرجع البطل إلى مسقط رأسه‪ ،‬بلدته‪،‬‬
‫المتغيرات كثيرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫منزله األول‪ ،‬فيجد‬
‫وتقدم الفقرة السردية بضمير المتكّلم‪.‬‬
‫ّ‬
‫الراوي هو البطل العائد‪.‬‬
‫هذا يسمح للراوي بالمقارنة بين‪:‬‬
‫معطيات عالم ما قبل الخروج الذي يحمله في وجدانه‪ ،‬ويعبر عنه‬
‫من مخزون صور الذاكرة‪ ،‬ويعيش شعور الحنين إليه من ناحية‪.‬‬
‫عالم ما بعد العودة الذي يشاهده بعينه وينقله بالصورة المرئية أمامه‬
‫من ناحية أخرى‪.‬‬
‫وقد تصاعدت الدراما بالفعل "تأكل" في التعبير‪":‬أشاهد األعمدة‬
‫الخرسانية‪ ،‬تأكل الحقول الخضراء على طريق أباظة شيئا فشيئا‪،‬‬
‫وما تبقى من األرض الخضراء‪.".‬‬
‫فهذا الفعل هو المفتاح الذي أدار الوظيفة الدرامية‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫جماليا يسمح للقارئ باالنتقال إلى الوظيفة‬
‫ّ‬ ‫أصبح االلتهام تعبي ار‬
‫الثقافية‪.‬‬

‫ثالثا‪َ:‬الوظيفةَالثقافيةَللخطابَالسردي‪:‬‬

‫الوظيفة الثقافية هي الضوء الكاشف عن عالقة النص بالسياق الذي‬


‫ينتجه‪.‬‬

‫إنها إجابة عن سؤال لماذا يقول النص ذلك؟‬

‫متغيرات سلبية‬
‫قدم صورة لما يحدث في القرية المصرية من ّ‬
‫والنص ّ‬
‫نتيجة انصراف أهلها عن نمط الحياة الزراعي واالندفاع في‬
‫سلوك العولمة الذي يمنحهم لذة تشبه لذة المخدرات‪.‬‬

‫لذلك تأتي تعبيرات مثل‪:‬‬

‫الفيالت المزركشة‬

‫التويوتا‬

‫كريمات المعة‬

‫المارلبورو األحمر‬

‫لتعلن عن نمط الحياة االستهالكي الذي تسلل إلى حياة الفالح‪،‬‬


‫فانصرف عن أرضه بحثا عن المال في بالد الغربة ليعمل أجي ار‬
‫تاركا أرضه تبور‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫لقد كان المؤلف في غاية الذكاء حينما استخدم مجموعة من‬
‫العالمات الثقافية الدالة على منتج مستورد لم يكن سائدا في‬
‫القرية‪.‬‬

‫وتعد كلمة "التويوتا" التي تصف الميكروباص عالمة ثقافية‬


‫لالستيراد من الشرق‪.‬‬

‫تغير نمط حياة الفالح لكن المجتمع لم ينتج النمط الجديد من‬
‫لقد ّ‬
‫داخله وإنما يستورده‪ ،‬من أقصى الشرق‪.‬‬

‫أما عبارة "المارلبورو األحمر" فهي عالمة ثقافية على استيراد المنتج‬
‫ّ‬
‫االستهالكي من أقصى الغرب للتباهي به مع أنه مدمر للصحة‬
‫التي يحتاجها الفالح للعمل في أرضه‪.‬‬

‫وقد كان لأللوان دالالت في التشكيل الجمالي والثقافي للنص‪،‬‬


‫بالتالي ال ينفصل الجمال عن الفكرة‪ ،‬فاأللوان تكوين جمالي‪،‬‬
‫ودالالتها مفاهيم ثقافية‪ ،‬ويمكن تحديد الدالالت الثقافية لآللوان‬
‫كاآلتي‪:‬‬

‫اللون األخضر يدل على الخصوبة التي تكاد تنقرض النصراف‬


‫الفالح عن أرضه‪.‬‬

‫اللون األحمر عالمة تحذير من استخدام المنتج الضار الذي‬


‫يخطف األبصار ويدمر الطاقة اإلنسانية‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫اللون األبيض في تعبير "الجالليب البيضاء" يشير إلى تخلي الفالح‬
‫المصري عن جلبابه األزرق‪،‬أي انصرافه عن زي العمل‪،‬‬
‫فاالهتمام أصبح منصبا على األناقة والتباهي ولم يعد يحترم‬
‫العمل وأدواته‪.‬‬

‫وإذا كان الحضور على السطح ألدوات الزينة والتأنق والتفاخر‬


‫والمتعة فإن الصورة الغائبة في الذهن تستدعي القميص‬
‫المعروق والفأس والشملة الصوفية‪.‬‬

‫بالتالي فإن ثنائية الغياب والحضور في المشهد الجمالي الدرامي‬


‫أصبحت عالمة ثقافية دالة على تكريس سلوك االستهالك‬
‫والمتعة واختفاء سلوك العمل والمعاناة‪.‬‬

‫إن اإلبداع النثري يضع أمامنا في تجلياته السردية القصصية‬


‫متناثرات حياتنا لنراها وقد اجتمعت في تشكيل جمالي يخاطب‬
‫مشاعرنا وعقولنا كي نفيد من ناتج القراءة في تشكيل منظومتنا‬
‫الثقافية على نحو إيجابي نستلهم منه الرؤى والطاقة للعمل النافع‬
‫الذي يعيد األرض الثقافية خضراء مانحة للخير والجمال‪.‬‬

‫واللغة هي أشجارنا الزاهية التي نهذبها ونرويها لنصنع منها زادنا‬


‫وتجرفها‪.‬‬
‫الثقافي في مواجهة أنساق تفكير تستهلك حياتنا ّ‬

‫‪67‬‬
‫العودةَعندَمويان(الصيني)َفيَقصةَ"لقاءَبمحضَالصدفة"‪:‬‬

‫قصة "لقاء بمحض الصدفة" لمويان يمكن تصنيفها في موضوع‬


‫قصص العودة‪ ،‬وإن كانت تنتمي لتصنيف قصة الطريق أيضا‪،‬‬
‫فهي تلتقي مع قصة مسعود الطحان في‪:‬‬

‫َالتصنيفَ َ‬

‫وفي القراءة المقارنة للذات‪ ،‬أي ثنائية الخروج والعودة من خالل‬


‫تيمة الرحلة‪.‬‬

‫قصة العودة يمكن أن نعرفها بأنها رجوع الشخصية إلى موطنها من‬
‫غربة أيا كانت أسبابها فيحدث تفاعل بين الثقافة التي اكتسبتها‬
‫من رحلتها من ناحية والثقافة األم التي كانت قد غادرتها وظنت‬
‫أنها تجاوزتها من ناحية أخرى‪.‬‬

‫ويقابل قصة العودة قصة الخروج التي تعد قصة "النداهة" ليوسف‬
‫إدريس نموذجا لها‪.‬‬

‫العودة ليست مكانية فحسب إنما ثقافية أيضا‪.‬‬

‫هذا ما يتحدث عنه مويان كما تحدث الجيزاوي وإن كانت الرؤية‬
‫الفكرية تعرضت لقضيتين مختلفتين‪.‬‬

‫في بداية قصة مويان "لقاء بمحض الصدفة" يتحدث الراوي عن‬
‫رجوعه ليال إلى موطنه الريفي متجاو از المخاوف التي تتحدث‬

‫‪68‬‬
‫محدثا‬
‫عنها السرديات المحلية الشعبية‪ ،‬معت از بفلسفته المادية‪ّ ،‬‬
‫نفسه‪:‬‬

‫"انظر إلى نفسك يا معّلم اللنينية الماركسية‪ ،‬هل تستحق أن تكون‬


‫جدي ار بهذه المكانة؟‬

‫المفترض أن تكون مقتنعا بالمادية‪،‬وهي في صميمها وق اررة‬


‫مضمونها تتناقض مع الشعور بالخوف‬

‫والشيوعي الحق ال يهاب الموت نفسه‪ ،‬فهل هناك شيء آخر‬


‫يمكن بعد الموت أن يخيفه؟"‬

‫يم ضي الشاب محدثا نفسه التي يتصارع فيها خطابان أحدهما‬


‫الماركسية والثاني الميراث الثقافي الشعبي‪.‬‬

‫إن المونولوج الذي يدور داخل نفس الشاب في قصة مويان هو‬
‫تمثيل سردي لصراع الخطابات في أعماقه‪.‬‬

‫والمونولوج حوار داخلي‪ ،‬في هذا النص يحاول العائد أن تتخّلص‬


‫فيه من االزدواجية التي تجّلت في طريق الرجوع‪،‬ازدواجية‬
‫المادية الشيوعية من ناحية‪ ،‬والروحانية القروية التاريخية من‬
‫ناحية أخرى‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫لذلك يعد الطريق الذي يسير فيه ليال وحده استعارة للطريق‬
‫الحضاري الذي تمر به الهوية في مرحلة تعيد فيها اكتشاف‬
‫ذاتها ما بين‪:‬‬

‫توجهها األيديولوجي الذي اتخذ من الثقافة الغربية خطابا سياسيا‬


‫من ناحية‬

‫والميراث الثقافي العميق ألمة لها تاريخها العريق من ناحية أخرى‪.‬‬

‫إذا أضفنا إلي الحوار الداخلي لغة الجسد التي تأتي في وصف‬
‫الشاب لنفسه‪ ،‬نصل إلى البراعة الفنية التي يجيدها مويان في‬
‫التعبير عن الصراع النفسي داخل الفرد بوصف الفرد نموذجا‬
‫لحالة إعادة اكتشاف الذات التي تمر بها الشخصية المحلية‪.‬‬

‫إن الصراع الظاهري يتجه إلى تأييد الماركسية لكن الحوار مستمر‪.‬‬

‫والجسد يتحدث بلغته المادية رافضا صوت الماركسية الذي يحاول‬


‫الشاب أن ينتصر له‪ ،‬فكأن الجسد جزء من ثقافة المكان‪:‬‬

‫"ترى أيكون في هذه المناطق وحوش مفترسة؟‬

‫ال‪ ..‬مستحيل!‬

‫هذه أشياء ال أساس لها في الواقع‬

‫‪70‬‬
‫لكن البسطاء وضعاف العقول هم الذين يتصورونها بخيالهم‬
‫المريض‪...‬‬

‫لكني بكل موضع في جسمي‪ ،‬من رأسي إلى كعب قدمي مازلت‬
‫مشدودا‪...‬‬

‫أسناني تصطك وفي رأسي تتوالي خياالت ما كنت أسمعه في‬


‫الطفولة من قصص أشباح الليل‪".‬‬

‫على أعتاب البلدة يلتقي بأحد جيرانهم الذي يبعث معه بمبسم ألبيه‬
‫مقابل دين قديم‪.‬‬

‫وحينما يصل لمنزله ويعطي المبسم لألب تتعجب أمه وتخبره أن‬
‫هذا الجار مات من يومين‪.‬‬

‫فالماركسية لم تتمكن من المجتمع ومن الشاب اليساري‬

‫هناك خطاب جدلي يدل على ازدواجية شخصية الشاب‬

‫تلك الشخصية التي تنتمي إلى اليسار الماركسي‪.‬‬

‫والماركسية أيديولوجيا مستوردة من الثقافة الغربية‪.‬‬

‫في حين أن شخصية ذاك الشاب نشأت في بيئة صينية شرقية لها‬
‫موروث محلي‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫يتجلى الموروث المحلي في سرديات تداولية تنقل الخبرات الثقافية‬
‫ال شعبية بين أبنائها عبر األجيال مهما بدا لبعض المثقفين أنهم‬
‫تخلصوا من ثقافاتهم القديمة‪.‬‬

‫الطريف أن العقل الجمعي يسيطر على سردياته طبقا للمواقف التي‬


‫يمر بها وما تتطلبه من خطاب‪ ،‬وحينما يعود الشاب الماركسي‬
‫بقصة سحرية عن شبح الجار الراحل الذي قابله‪ ،‬يرفض األب‬
‫واألم تلك القصة‪:‬‬

‫"بدهشة كبيرة سألني الوالد‪ :‬من؟‪ ...‬قلت إنك قابلت من؟‬

‫قلت‪ :‬العم جاو‪ ،‬جارنا المقيم لصق بيتنا‪.‬‬

‫قال أبي‪ :‬يبدو أن نظرك ما عاد مثل األول‪..‬هل ضعف بصرك‬


‫إلى هذه الدرجة؟‬

‫قلت‪ :‬أبدا‪..‬أنا متأكد أني رأيته‪..‬بل ظللت أتحدث معه لفترة‬


‫وأعطيته سيجارة‪ ،‬وكما قلت لك‪..‬طلب مني أن أوصل إليك هذا‬
‫المبسم الذي تراه‪.‬‬

‫ومددت يدي إليه أناوله إياه‪ ،‬فتردد ولم يشأ أن يتسلمه مني‪.‬‬

‫قالت أمي‪ :‬العم جاو توفي فجر أول أمس‪".‬‬

‫إن الثقافات المحلية تعرف كيف تتعامل مع مروياتها‪ ،‬تعرف ما‬


‫الذي تقول في أسمار العائدين من الحقول‪ ،‬تعرف أن تلك‬

‫‪72‬‬
‫الحكايات الشعبية تبلور أحالمهم ومخاوفهم وتقيم بينهم نسيجا‬
‫يصل أوقاتهم وأفكارهم‪.‬‬

‫لكن الشاب الماركسي فشل في التعامل مع الواقع‪ ،‬إنه حائر بين‬


‫القشرة اليسارية المستوردة والسرديات الشعبية التي ظن أنها‬
‫تحكم تفكير أهله‪.‬‬

‫هناك حل ثالث وهو اإلفادة من المنهجية العلمية في التعامل مع‬


‫المادة بوعي ومن أجل الثقافة الجمعية التي تصل أبناء المجتمع‬
‫الواحد معا‪.‬‬

‫لقد عبر الشاب الطريق الليلي مع كل ما مر به من رعب‬

‫لكنه عاد طفال يتعامل مع ميراثه الشعبي بنوع من التطابق بين‬


‫الرمز والواقع‬

‫فهو مازال في طريق التعّلم‬

‫تبين له أن الطبقة الجيولوجية السطحية‬


‫مازال يق أر ثقافته األم بعد أن ّ‬
‫التي اتخذها رؤية أيديولوجية لم تمح شخصية الفتى الشعبي‬
‫التي يحملها في أعماقه‬

‫لقد عاد إلى بلدته مستأنفا مرحلة لم يغادرها‪ ،‬ومشاركا في صياغة‬


‫حكايات القرية أو ليصبح مروية من تلك المرويات التي كان‬
‫يظن أنها تخص البسطاء وضعاف العقول‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫فالثقافة الغربية شغلت الطبقة السطحية من الثقافات الشرقية‬

‫تتعمق في طبقات هذه الثقافات التي تعيد اكتشاف نفسها‪،‬‬ ‫لكنها لم ّ‬


‫مع أنها تعاني من اتخاذ اآلخر معيا ار ثقافيا لها‬

‫فاسم اآلخر أصبح نمطا لتصنيف المبدع أو المبدعة في الشرق‬


‫مثل قولنا على تيمور موباسان الشرق‪.‬‬

‫مثلما تسيطر رموز الثقافة الغربية على تصنيف حركة اإلبداع‬


‫العربي نجد األمر نفسه في الثقافة الصينية فيتحدث د‪.‬محسن‬
‫فرجاني مترجم قصص األديبة الصينية تسان شيوي عن تصنيف‬
‫تلك األديبة في اإلطار الغربي بإدراجه تحت نمط كافكا قائال إن‬
‫تسان شيوي‬

‫"صاغ لها النّقاد أحكاما فخمة جدا من قبيل أعظم مبدعة صينية‬
‫حداثية‪ ،‬أخطر متمردة على التقاليد‪ ،‬نموذج التيار الطليعي في‬
‫المتفردة في ساحة اإلبداع الصيني‬
‫ّ‬ ‫الرواية المعاصرة‪ ،‬الروائية‬
‫المعاصر‪ ،‬صانعة المتاهات‪ ،‬كافكا الصين‪".‬‬

‫ويتخذ السياق من الثقافة الغربية نمطا حداثيا آخر لقياس حداثة‬


‫تسان شيوي القصصية هو نمط بيكاسو مواصال توصيف‬
‫اتجاهها القصصي وفقا للمعيار الغربي الذي يسود الذهن الثقافي‬
‫للشرق‪:‬‬

‫‪74‬‬
‫"إن قصصها عالمة على الكتابة المحتشدة بالغموض وهذاءات‬
‫المفككة مثل لوحة "الجرنيكا"‬
‫ّ‬ ‫الالمعقول والصور المبعثرة‬
‫لبيكاسو‪".‬‬

‫إن م رحلة التأثر بالنمط الغربي مازالت تفرض نفسها على السياق‬
‫الشرقي اإلبداعي مع الوضع في االعتبار أهمية التفاعل بين‬
‫الثقافات‬

‫لكن العالمة الغربية تضع الشيء الذي يتم تحديده بها في تصنيف‬
‫حضاري آخر بحكم سيطرة الحضارة الغربية على الشرق‪،‬‬
‫ومعاناة الشخصية الشرقية من تبعية ما بعد االستعمار‪.‬‬

‫واتخاذ الرمز الغربي عالمة تصنيف يرفع قيمة المنتج األدبي في‬
‫المجتمعات الشرقية بوضع هذا المنتج في مجال حضارة أخرى‬
‫يتباهى المثقف الشرقي بمعرفتها‬

‫وهذا األمر له أبعاده المادية في مجال تسويق العمل بوصفه منتجا‬


‫مستوردا من بيئة تنتج األفضل بحكم تقدمها العلمي‬

‫وتسويق العمل األدبي يعني تسويق صاحبه أو المؤسسة التي تتولى‬


‫عملية توزيعه‬

‫مما يجعل الحديث يعود إلى طبيعة العالقة المعقدة بين المادي‬
‫والجمالي‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫االتصالَبالعالم‪َ/‬االتصالَبالقصيدة‬

‫نموذجَمقارنةَشعريَ‬
‫عليَمنصورَيقابلَ‬
‫دييجوَبالبيرديَديَبيينا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫افتتاحيةَقبلَالدخولَإلىَالعالمَالشعري‪:‬‬

‫ماذا يصنع الشاعر؟‬


‫ماذا يصنع الناقد؟‬
‫مهما تعددت منطلقات التيارات الشعرية في ضوء السياقات المعرفية‬
‫التي تولد فيها النظريات األدبية‬
‫ومهما تنوعت االتجاهات النقدية بتوجهاتها الجمالية واأليديولوجية‬
‫وخلفياتها الفلسفية والسياسية وأجهزتها االصطالحية وهياكلها اإلجرائية‬
‫فإن للشعر والنقد غاية واحدة وإن اختلفت السبل وتباينت أبجدية الشعراء‬
‫وتصوراتهم ومقوالت النقاد وخططهم هي اكتشاف الجوهر البشري‬
‫الكامن في إنسانيتنا‬
‫فالنشاط الروحي الذهني اإلبداعي الذي تمارسه ذات تمتلك القدرة على‬
‫كشف العمق اإلنساني النابض خلف كل سلوك نفسي واجتماعي‬
‫ذات تستطيع تحرير النظام اللغوي من أثقال المرجعية التقليدية‪ ،‬لتعاد‬
‫صياغة العالقات بين أبجدية الخريطة الكونية والمفاتيح الدالة على‬
‫عناصر تضاريسها‬

‫‪76‬‬
‫هذا النشاط يعد عملية تجديد– وتجميل‪ -‬لألفق الرمزي الذي تسير فيه‬
‫اإلنسانية‬
‫ومع أن كل المبدعين يرتدون قفازات الجراحين الشعورية وهم يقومون‬
‫بهذه العملية‬
‫فإن كل تجربة إنتاج صورة جديدة للعالمات‪ ،‬تظل مستقلة وفريدة‬
‫تظل في إطار غرفة العمليات المبطنة بحاجز صوت مخملي ال يكشف‬
‫شيئا مما يدور في هذا الفضاء السحري الذي يضع األبجدية على‬
‫طاولة المخيلة‪،‬ويتعامل معها بمشرط الذهن؛ ليصل إلى جهازها‬
‫العصبي‪ ،‬ويحرره من خمول الرتابة التي تفرز سلوكا جافا يصل إلى‬
‫حد القسوة‬
‫هذا النشاط يستمد إلهاما من التاريخ الثوري للتمرد اإلنساني على‬
‫السكون‪ ،‬تمرد المبدعين على خطوط الوجوه الداكنة التي تفقد حيويتها‬
‫في دوائر التواصل المفتقدة لسريان التيار الكهربائي‪،‬إنه ثورة على‬
‫خطوط أطالل مرت عليها القوافل واعتصرت ما فيها من عطر الزمان‬
‫هذا النشاط غايته وضع صورتنا الداخلية في عمق المداد‪ ،‬ليحتفظ بها‬
‫في صفحة التماس مع ألباب أخرى تصافحها‪ ،‬تطالعها‪ ،‬تمد إليها اليد‬
‫بالسالم لتنضم إلى إخوان الصفا‪.‬‬
‫والشاعر يحاول أن يقوم بصناعة مرآة خاصة به‬
‫مرآة مكتوب فيها اسمه‬
‫هذه المرآة مصنوعة من زجاج قديم‬
‫ولكنه انصهر في آتون (فرن‪ /‬وهج) اإلبداع‬

‫‪77‬‬
‫تماما كما يقوم صانع المرايا والتحف الزجاجية بإعادة استخدام الزجاج‬
‫القديم‪ ،‬ليصنع كيانا شفافا نرى فيه مالمحنا‬
‫الشاعر يقوم بالمهمة نفسها‬
‫يلتقط اللغة‪ ،‬تلك القطع الزجاجية التي استعملها قبله البشر عبر آالف‬
‫السنين‬
‫ويعيد صياغتها تحت درجة ح اررة روحية وذهنية ووجدانية عالية‬
‫ويضع أمامنا في نهاية تجربته مرآة من الكلمات‬
‫ننظر فيها فنرى بعض حقيقتنا‪ ،‬والناقد كذلك‪ ،‬لكن مهمته تبدأ من نهاية‬
‫تجربة الشاعر‬
‫إن على الناقد أن ينظر إلى الصورة اإلنسانية التي تقدمها‬
‫القصيدة‪/‬المرآة‬
‫ويستخلص سمات هذا العالم الساكن في قلب ذاك الكيان الشفاف‬
‫ذاك الكيان الذي ال يمكن الحصول على ما في داخله‬
‫ومن الذي يستطيع أن يقبض على شبح يسكن المرآة؟!‬
‫الناقد يحاول الوصول إلى تلك المناطق السحيقة ذات العمق الخرافي‬
‫ليمسك بأشباح القصيدة‬
‫تلك األشباح التي تصرخ بحقيقة البشر فتقول كل ما تسكت السياقات‬
‫االجتماعية عنه‬
‫وال تستطيع النفوس المنقادة لوجودها االجتماعي أن تبوح به‬
‫إنها األشباح التي تتحول إلى حقيقة في حين يتحول وجودنا االجتماعي‬
‫حينما نقارنه بوجودنا في اإلبداع‪ ،‬في القصيدة‪ ،‬إلى كيان عابث يفتقد‬

‫‪78‬‬
‫كل عمق‪ ،‬كيان يتشبث بمنطق شكلي ليحافظ على وجود باهت ال يمت‬
‫بصلة ألشواقه واحتياجاته الداخلية‪.‬‬
‫الشاعر والناقد‬
‫كالهما صانع للصور‬
‫كي يضع في قلب كل صورة مالمحه‬
‫ومالمح إنسانيته الساكنة في اإلبداع‬
‫وفي أعماق النفوس الصامتة أيضا‪.‬‬
‫تبدو القصيدة مثل عالم المثل األفالطوني‬
‫ويبدو الوجود االجتماعي مثل ظل متعلق بالحقيقة‬
‫ولكنه مفارق لها‬
‫ظل مسكين صامت حزين يتمنى التوحد بحقيقته وال يستطيع‬
‫ال يستطيع سوى في لحظة واحدة‬
‫لحظة اإلبداع ذاتها فقط‬
‫لحظة االحتراق في ذاك الموقد الذي تنصهر فيه الروح‬
‫لتعيد تشكيل اللغة‬
‫أو تعيد إليها حريتها‪.‬‬
‫هنا نصل إلى مفهوم القصيدة المرئية‬
‫أو القصيدة الرؤية‬
‫أو القصيدة المرآة‬
‫تلك هي غاية الشاعر‬
‫صناعة – أو صياغة‪ -‬القصيدة المرآة‬

‫‪79‬‬
‫بينما تكون مهمة الناقد رصد الكيانات الذاهبة في أعماق تلك المرايا‬
‫أو محاولة اإلمساك بأشباح الحقيقة الصارخة في جوف الرموز‬
‫هنا– أيضا‪ -‬نكون قد وصلنا إلى تفسير مقنع لعنوان مجموعة الشاعر‬
‫اإلسباني دييجو بالبيردى بيينا‪:‬‬
‫"المرآة التي كتب عليها اسمي"‬
‫ونكون قد حاولنا اإلمساك ببعض مكونات المدلول الشعري الساكن في‬
‫أعماق مرايا دييجو بالبيردي‪.‬‬
‫إن المرايا هي القصائد‬
‫لقد كتب بالبييردي اسمه على رؤيته‬
‫وعلينا أن نسبح فى تلك المرايا‬
‫وصوال إلى تلك الصور التي تركها بالبييردي فى مراياه‬
‫وهي صور تخصنا بالطبع‬
‫لماذا؟!‬
‫ألن الذي يقف أمام المرايا هو القارئ‬
‫لقد صورنا بالبيردي‬
‫ووضع إمضاءه على تلك الصور‬
‫تاركا لنا مهمة البحث عن مالمحنا‬
‫كما يراها‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫الذاتَوالزمن‪:‬‬
‫مواقيتَللرؤيةَواإلبداع‪:‬‬

‫من أهم الرؤية التي ينطلق منها الشاعر دييجو بالبييردي‬


‫عالقته بالزمن‬
‫إن الشاعر يتمنى أن يواكب األزمان كلها‬
‫أن يعايش التحوالت‬
‫دورات الحياة‪ ،‬كأنه الفصول ذاتها‬
‫يريد أن يتذوق رحيق كل فصل‬
‫أن يكون في كل حدث‬
‫أن يلمس كل تاريخ‬
‫أن يشعر بحالة الميالد المتجدد في الطبيعة‬
‫هكذا تحدث بالبييردي الذي يفتقد الربيع‬
‫يفتقد الوجود في قلب الميالد‬
‫متطلعا لتذوق طعم الحياة عندما تولد فيها الكائنات ليعادل ذلك رغبة‬
‫الشاعر الدائمة في االكتشاف‬
‫في لمس الحياة وهي تتنفس‬

‫يقولَدييجو‪ََََََََََ:‬‬

‫"قلبَفيَالشتاء َ‬
‫هذا العام لم أشهد صيفا‬

‫‪81‬‬
‫الصيف هنا مطير ومتقلب‬
‫يعد الشتاء بشمس في الصباح‬
‫ويفي ببرد قارس بعد المغيب‬
‫هذا العام لم أشهد صيفا‬
‫وهاهي األعوام تمر دون تغير في الفصول‬
‫هال أذبت جليد قلبي‬
‫وأحضرت لي الربيع"‬
‫في معنى متشابك مع هذا المعنى يقول الشاعر المصري علي‬
‫منصور تحت عنوان‪:‬‬
‫"كماَأنَالطيورَتهاجرَبصحبةَالفصول"‪:‬‬
‫من ذا الذي فكر مثلي‬
‫في أن كانون الثاني‬
‫ود لو جاء مرة فى الصيف‬
‫من ذا الذي فكر‬
‫أنه يغبط جمادى اآلخرة‬
‫ويقول‪:‬‬
‫"يا حظكن أيتها الشهور القمرية‬
‫تعرفن الفصول كلها‪..‬‬
‫وتصاحبنهن"‬

‫‪82‬‬
‫يبحث الشاعر اإلسباني عن الصيف‪ ،‬ينتظر الربيع الذي ال يأتي‪،‬‬
‫الفصول ال تتغير‪،‬التحوالت ال تتم‪،‬الميالد ال يحدث‪،‬الخصوبة ال تنمو‪،‬‬
‫الدفء ال يسرى‪.‬‬
‫أمنية الشاعر معايشة التحوالت والميالد والدفء والخصوبة‪ ،‬أمنيته أن‬
‫يكون في قلب كل زمان‪.‬‬
‫وهذا ما فطن إليه علي منصور حين قارن بين الشهور الشمسية‬
‫والشهور القمرية‪.‬‬
‫الشهور القمرية تصاحب الفصول كلها‪ ،‬تأتى في كل األزمان‪ ،‬تشهد‬
‫الفصول األربعة‪.‬‬
‫عنوان مقطوعة علي من صور يشير إلى الطيور التي تصاحب كل‬
‫الفصول‪.‬‬
‫والطيور هي الدال الذي يستحضر الشعراء أنفسهم‪.‬‬
‫يستحضر األرواح المحلقة في أفضية المعاني التي ال حدود لها‪ ،‬فغاية‬
‫الشاعر هنا معايشة كل الحاالت‪،‬غايته اقتناص األزمنة المستحيلة‬
‫ليكون في قلب كل حالة‪ ،‬ومدركا لكل حس إنساني يعايش تجربة تطلق‬
‫في النفس مشاعر الميالد‪.‬‬
‫فكم من حاالت الميالد المعنوي التي يمر بها البشر والتي يريد الشاعر‬
‫أن يعايشها لكي يضع مالمحها في مراياه‪.‬‬
‫التجربة عند الشاعرين تعبر عن غاية واحدة تتصل اتصاال وثيقا‬
‫بطبيعة الشعر وطبيعة الشاعر‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫الشعر رؤية‪،‬والشاعر ذات تمر بحاالت ميالد متجددة تلمس فيها‬
‫ألوان التجارب اإلنسانية المختلفة‬
‫بإيجاز يمكن القول إن الشاعر يحاول أن يلمس قلب الحياة‬
‫في هذه المحاوالت الدائبة يشعر بمدى ما يعانيه من قصور في‬
‫أدوات المعرفة ومساحات التجارب‬
‫هذا اإلدراك الذي يتحقق لدى الشاعر يوضح لنا النقص الخطير‬
‫الذي نعاني منه نحن البشر على المستوى المعرفي‬
‫إننا ال نكاد نلمس أعماقنا‬
‫ال نكاد نعرف أنفسنا‬
‫وال نعترف بذلك‬
‫لكن الشاعر يدرك هذا عن تجربة‬
‫ألنه يحاول أن يلمس المناطق البعيدة التي تنطوي فيها بعض‬
‫الحقائق‬
‫ويعرف مع كل محاولة كم هي عميقة تلك المناطق‬
‫وكم هي سحيقة تلك الخزائن التي ال يمكن اقتناص كل ما فيها‬
‫بل علينا فقط أن نقنع بلمسها أو االقتراب منها‪ ،‬حتى نضع في مرايا‬
‫اإلبداع رحيق المحاولة‬
‫ويسعى قارئ مغامر ألن يلمس تجربتنا الروحية إذا استطاع أن‬
‫يتأمل تلك المرايا وينفذ من زجاجها السحري مرتحال في فضائها‬
‫الالنهائي‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫المبدع يرى مفردات الكون المتناثرة في صفحته عالمات متناسقة‬
‫في صورة كلية‪ ،‬فتصبح الصورة نموذجا تعبيريا له‬
‫وينتقل اإليقاع من البنية الصوتية إلى الفضاء المرئي‪،‬والصور‬
‫الكونية حافلة بعناصر التشكيل التي يلتقط منها المبدع عالماته‬
‫لكنه ال ينقل وإنما يكتشف أحد القوانين الجمالية التي تدعم تناسق‬
‫الصورة الكلية‪ ،‬ويتخذ من الفضاء الكوني قيمة جمالية للوحته‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫صعوبةَرحلةَالمعرفة‪:‬‬

‫لماذا ال نصل إلى الحقيقة؟‬


‫لماذا ال نتوحد مع ما نريده؟‬
‫يطرح الشاعران دييجو بالبييردي وعلي منصور تلك القضية‪ ..‬فيقول‬
‫دييجو‪:‬‬

‫"متروَشيكاغو‬
‫على مدار الرحلة‬
‫تفر منك حبيبة العمر عدة مرات‬
‫دائما على الجانب اآلخر من شريط القطار‬
‫على الرصيف اآلخر‬
‫فى الطابور اآلخر‬
‫تخرج من المتحف أو المطعم فيما تدخل أنت‬
‫لحظة تردد واحدة تكفى"‬

‫ويقول علي منصور في محاورة شعرية تتجاوز الفضاء (المكاني‪/‬‬


‫الزماني) لتلتقي مع رؤية بالبييردي كما يلتقي األصدقاء في‬
‫حديث خاص‪:‬‬
‫ََََ‬

‫"فيَالبعيد‪..‬‬
‫المئذنة عالية ومطمئنة‬
‫كأنها تنتظرني‬

‫‪86‬‬
‫دقيقة واحدة‪..‬‬
‫من الغصن إلى هناك‬
‫إال أن أسالكا كهربائية عديدة‬
‫تعوق حركة الفرشاة"‬

‫إن اآللية الصناعية التي حققت لإلنسان مساحة خرافية في فضاء‬


‫التواصل هي ذاتها التي تعوق التواصل‪،‬المفردات عند الشاعرين‬
‫تؤكد ذلك‪ ،‬لكن القضية أبعد من هذا ففي كل العصور يسعى‬
‫اإلبداع إلى تواصل روحي أعمق‪،‬تواصل يتجاوز كل إمكانية‬
‫مادية‪ ،‬تلك طبيعة اإلبداع‪ ،‬إنه محاولة للمس المحال‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫اكتشافَوجود‪َ:‬تشخيصَالذاتَوإدراكهاَفيَالمكتوب‪:‬‬
‫أنسنةَالكتاب‪:‬‬
‫هنا يصبح الوجود الحقيقي هو الوجود في الفن‪ ،‬في الكلمات‪،‬‬
‫تصبح الذات كتابا‪،‬قصيدة تبحث عن القارئ الذي يكتشفها‪،‬يقول‬
‫بالبييردي‪:‬‬

‫"مثلَكتاب‬
‫تائها‬
‫مهمال وسط صفوف غريبة‬
‫رهين آخرين عارضين يفهمون لغة أخرى‬
‫ضحية "صدفة" أمين مكتبة ساخر‬
‫أو يد بال خبرة‬
‫وحيدا ومتجنبا‬
‫إلى أن يجدني أحد"‬

‫عند علي منصور تتحول رحلة التواصل المعرفي من االستهالك‬


‫إلى اإلنتاج في سياق يستحضر الوطن الذي يرجو الشاعر له‬
‫حضو ار إبداعيا في خريطة الواقع‪:‬‬

‫"بينماَيفكر‬
‫إن كان الوطن أيضا في مهب الريح‬
‫مثل طائرة ورقية ملونة‬

‫‪88‬‬
‫تنتظر عطلة الصيف‬
‫كي تلهو مع الصبي فوق سطح البيت‬
‫تسهر القصيدة المتيمة‬
‫ليلة بعد ليلة‬
‫حتى يعثر قلبي على أول الخيط‬
‫فتفرح وتمضي تتدلل"‬

‫بالبييردي كتاب ينتظر االكتشاف المعرفي‪.‬‬


‫وعلي منصور تنتظره القصيدة‪ ،‬الكتاب والطائرة الورقية‪.‬‬
‫والكيان المحلق في انتظار من يسعى إليه‪.‬‬
‫وبالطبع فإن الدالالت في الخطاب الشعري متعددة‪.‬‬
‫كل دال موجود في القصيدة يدخل في دائرة استبدالية واسعة‬
‫ولكن الجوهر الداللي واحد‪ ،‬الذات الفردية أو الجمعية‪ ،‬اإلبداعية أو‬
‫النقدية‪،‬تسعى للتواصل التام‪،‬تسعى الكتشاف حقيقي‪،‬تسعى‬
‫للتوحد مع نفسها من خالل فعل إبداعي يحقق لها هويتها‬
‫وحريتها‪.‬‬
‫ذات المبدع في الحقيقة تسعى إلى الحضور في فعل إبداعي تتألق‬
‫فيه‪،‬تعيش من خالله ذروة وجودها‪،‬تطلق جوهرها المتألق‬
‫المتوهج في هذا الفعل فيكون اإلبداع‪،‬يتشكل كيان جمالي جديد‪،‬‬
‫كيان جمالي اقتنص حقيقة اإلنسان الذي أنتجه وحقيقة اإلنسان‬
‫الذي سيجد فيه شيئا من نفسه‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫إن المبدع يحقق وجوده في عمله مرة‬
‫وهذا الوجود يعيد تحقيق نفسه مرات ال حصر لها حينما يجد‬
‫المتلقي المبدع الذي يستطيع القيام بعملية تحقيق لوجوده الذهني‬
‫والوجداني في صحبته‬
‫حينما يعيش مع العمل الفني الراقي‬
‫ويشارك في اكتشاف العالم‪.‬‬
‫إن تشكيل القصيدة يعد مقياس رسم بدرجة ما يشير إلى الخريطة‬
‫المرئية من اللوحة الكونية كما تصورها المبدع في تجربته‬
‫الشعورية وبحث لها عن نموذج تعبيري في القصيدة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫ََََ‪َ-‬التواصلَقبلَالذكاءَاالصطناعي‪:‬‬

‫قدمنا نموذجا للحوار الشعري بين ثقافتين‪،‬هذا الحوار يعد عالمة‬


‫على عالمية الشعر‪،‬إن اإلبداع مدينة كونية يسكن فيها هؤالء الذين‬
‫يعبرون عن اإلنسانية من األجناس كافة‪،‬وهناك نماذج كثيرة يمكن‬
‫اإلشارة إليها لمزيد من الدراسات المقارنة بين األدب العربي واآلداب‬
‫األجنبية‪ ،‬من ذلك بيت عنترة الذي يتحدث فيه عن حصانه‪:‬‬
‫لو كان يدري ما المحاورة اشتكى‬
‫َ‬ ‫ولكان لو علم الكالم مكلمي‬

‫الحصان هنا لم يتحدث بصوته لكنه تحدث بلسان الحال وقام عنترة‬
‫بترجمة لسان الحال إلى تعبير شعري حين لمس شكوى الحصان‬
‫من المحاورة بين الفارس وأعدائه‪،‬لكن الحصان الذي يجيد‬
‫المحاورة في الميدان وإن كان يشقى منها ال يجيد المحاورة‬
‫باللسان وإن كاد ينطق بمشاعره لصديقه الفارس‪.‬‬
‫الكائنات األخرى التي تشاركنا الحياة في هذا الكون أمم أمثالنا‬
‫وعلينا أن نفهم عالمها وندرس أنظمتها ونترجم سلوكها إلى‬
‫لغتنا‪.‬‬
‫وقد عرف العرب مثل غيرهم من الشعوب القصص التي تتحدث‬
‫فيها الحيوانات وتقول األمثال ليتعلم منها البشر‪،‬ومن أمثال‬
‫العرب المشهورة ذاك المثل الذي جاء على لسان الحية حين‬
‫قالت لمن خان عهده معها "كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟"‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫وإذا كان الحصان في بيت عنترة يكاد يشكو لصاحبه فإن صاحب‬
‫الحصان أحيانا هو الذي ال يجد سوى حصانه لينصت إلى‬
‫شكواه حين ينصرف عنه الناس وال يجد من يشاركه أحزانه‪.‬‬
‫عبر عنه األديب الروسي أنطون تشيخوف (‪– 1860‬‬ ‫هذا ما ّ‬
‫"أيونا"‬
‫‪1904‬م) في قصة شهيرة اسمها "الشقاء" تحكي عن ّ‬
‫الحوذي الذي يموت ابنه فيتألم ألما شديدا ويحاول أن يتحدث‬
‫مع زبائنه فيقص عليهم قصته‬
‫ولكنهم ينفرون منه فال يجد آخر اليوم سوى حصانه فيذهب ويحدثه عن‬
‫ابنه الراحل ويبكي في صحبة الحصان‪.‬‬

‫***************************‬

‫‪92‬‬
‫ماَيستعصيَعلىَاالختيار‪:‬‬

‫تصور العالقات بين الشخصيات فينشأ‬


‫يتميز األعشى برؤية درامية ّ‬
‫الموقف‬
‫وبالنظر في أبيات األعشى اآلتية نالحظ كيف تتعدد النماذج‬
‫اإلنسانية التي تعيش تجربة الحب‬
‫ونتيجة الختالف المشاعر التي تربط بين الشخصيات نشأ الموقف‬
‫الدرامي الذي يعد من منظور السيميوطيقا (علم العالمات – علم‬
‫دراسة طرق التواصل ولغاتها وعالقاتها بالمرسل والمتلقي وقواعد‬
‫التعبير) مؤش ار داال على حركة الدفع في الحياة‪:‬‬
‫"عنّلنقنتنهنا عنرضنا‪ ،‬وع ّنلنقنت رجننال‬

‫غنينري‪ ،‬وع ّنلق أخنرى غيرها َّ‬


‫الرجل‬
‫وعن ّنلننقننتننه فننتنناة منا يننح نناول ننهننا‬
‫مننن أه نل نهننا من ّنيننت يهنذي بها وهل‬
‫وع ّنلنقنتننني أخنيننرى منا تننالئنمنننني‬
‫نب كن ُّنلننه تننبل‬
‫نب حن ّ‬
‫ف نناجننتنمنع النحن ّ‬
‫فنكنّلنننا منغنرم يننهننذي بننصنناحننبننه‬
‫ان‪ ،‬ومننحننبننول ومننحننتننبل‬ ‫نن ٍ‬
‫ناء ود ٍ‬
‫المعنى العام لألبيات أن هناك من يحب شخصا ال يحبه وهذا‬
‫الشخص يحب شخصا آخر‬
‫واآلخر ال يشعر بمن يحبه ولكنه يحب آخر‬

‫‪93‬‬
‫وهكذا ينشأ الموقف الدرامي أمام المتلقي الذي يرى أمامه مشهدا‬
‫مسرحيا متعدد الشخصيات‪ ،‬متصاعد األحداث‬

‫فيَصحبةَهاينه‪:‬‬
‫وحينما ننظر إلى أبيات الشاعر األلماني هاينرش هاينه (‪– 1797‬‬
‫‪1856‬م) التي ترجمها مصطفى ماهر– عميد الدراسات األدبية‬
‫المقارنة بين العربية واأللمانية‪ -‬إلى العربية‪،‬سنالحظ الشبه‬
‫الكبير بين ما قاله األعشى وما قاله هاينه‪:‬‬

‫"فتى أحب فتاة‪ ..‬فاختارت فتى آخر‬


‫اآلخر أحب أخرى‪ ..‬وتزوجها‬
‫الفتاة تزوجت عن ٍ‬
‫غيظ‬
‫أول ٍ‬
‫رجل صادفته في الطريق‬
‫وساءت حال الفتى‬
‫تلك حكاية قديمة‬
‫ولكنها ما تزال جديدة‬
‫إذا ما جرت على إنسان‪ ..‬حطمت قلبه‪".‬‬
‫التقى األعشى وهاينة مع اختالف اللغة والزمن والثقافة‬
‫واستطاعا أن يدركا شقاء اإلنسان الذي لم يستطع أن يخرج من‬
‫خناق الدائرة العاطفية التي ال يمسك بطرفها‪.‬‬
‫فالعالم شاسع‪ ،‬وتجمعنا بالبشر عالقات لم نتوقعها‪.‬‬
‫نحصل على ما ال نريد‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫ونفتقد ما نريد‪.‬‬
‫والشاعر العربي القديم يدرك ذلك‪.‬‬
‫والشاعر األلماني بعد قرون يدرك ذلك‪.‬‬
‫الطريف أن ديوان األعشى حققه المستشرق األلماني جاير‪.‬‬
‫وظل أربعين عاما يعمل فيه‪.‬‬
‫هل اطلع هاينه على األعشى‪.‬‬
‫كان ذلك متاحا له‪.‬‬
‫وهذا الموضوع يمكن دراسته طبقا لمنهجية المدرسة الفرنسية‪.‬‬
‫ألنها تهتم بالتأثير والتأثر‪.‬‬

‫**************************‬

‫‪95‬‬
‫‪ -‬ماَبعدَاإلبداع‪:‬‬

‫فخرَالمتنبي‪:‬‬

‫من النصوص التي نجد بينها تشابها كبي ار ما يقوله المتنبي عن‬
‫شعره‪:‬‬

‫أنا الذي نظر األعمى إلى أدبي‬

‫وأسمعت كلماتي من به صمم‬

‫أنام ملء جفوني عن شواردها‬


‫ويسهر الخلق جراها ويختصم‬

‫‪96‬‬
‫اضيا‪:‬‬
‫لوركاَالشاعرَر ًَ‬

‫يقول الشاعر اإلسباني فيدريكو غرسيه لوركا في قصيدة عنوانها‬


‫"نم"‪:‬‬
‫"نم‪ ..‬ال تخش‬
‫النظرة الشاردة‬
‫نم‪ ..‬وال الفراشة‪ ..‬وال الكلمة‬
‫وال الشعاع المتلصص‬
‫الساقط من ثقب الباب‬
‫لن يجرحوك‬
‫نم‪..‬‬
‫كقلبي‬
‫أنت مرآتي‬
‫بستان فيه الحب ينتظرني‬
‫نم‪ ..‬وال تهتم"‬
‫الغريب أن حياة المتنبي الصاخبة وموته المأساوي في معركة غير‬
‫متكافئة وتحوله إلى "أيقونة" للعبقرية‪،‬أمور تتشابه مع سيرة الشاعر‬
‫اإلسباني األشهر فيدريكو غرسيه لوركا‪.‬‬
‫كال الشاعرين المتنبي ولوركا يقول ما يريده‬
‫كال الشاعرين المتنبي ولوركا ال يحفل باآلخر الذي ال يرضى عن‬
‫إنجاز الشاعر‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫كال الشاعرين أصبح رم از في ثقافته والثقافة العالمية لنرجسية المبدع‬
‫وإحساسه بالتفوق وتحقيق وجوده في اإلبداع الشعري بصرف‬
‫النظر عن اآلخرين الذين ال يفهمون ما يقال‪ ،‬أو الذين يحقدون‬
‫على المبدع بسبب تلك النعمة التي وهبها هللا له‪.‬‬
‫كال الشاعرين له وجود في اإلبداع الشعري والدرامي‪،‬يستلهم‬
‫المبدعون رؤيتهما وحياتهما‪.‬‬
‫كال الشاعرين يدرسه المؤرخون والنّقاد وستظل سيرة كليهما موضوعا‬
‫للتأمل واستخالص أسرار اإلبداع‪.‬‬

‫****************************‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫‪98‬‬
‫المحتويات َ‬
‫َ‬
‫َ‬

‫الصفحةَ َ‬ ‫الموضوع َ‬
‫‪َ3‬‬ ‫‪ -‬اإلهداء‬
‫‪َ4‬‬ ‫‪َ-‬الشكر َ‬
‫‪َ5‬‬ ‫‪ -‬افتتاحية‪ :‬األدب ترجمة واألدب المقارن تحليل ثقافي‬
‫لألبجديات التعبيرية‬
‫‪َ6‬‬ ‫تميز الطالب الجامعي؟‬
‫‪َ-‬ما الصفات التي ّ‬
‫‪َ7‬‬
‫‪َ-‬لماذا ندرس اآلداب والفنون في الجامعة؟ َ‬

‫‪َ9‬‬
‫‪َ-‬الرسالة اإلنسانية لمقرر األدب المقارن َ‬

‫‪َ 13‬‬ ‫‪ -‬مفهوم المقارنة وأهميته في التحليل المنهجي‬

‫‪َ 15‬‬
‫العمليات اإلجرائية للمقارنة‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫‪َ 18‬‬
‫‪ -‬جائزة نوبل ‪ -‬نموذج ألهمية األدب المقارن في الثقافة‬
‫العالمية‪ -‬محفوظ واألدب المقارن‬
‫‪َ 19‬‬
‫‪ -‬الترجمة والنقد األدبي والنماذج العالمية َ‬

‫‪99‬‬
‫‪َ 20‬‬ ‫‪َ-‬كليات األلسن واألدب المقارن‬
‫‪َ 25‬‬ ‫‪َ-‬األدب المقارن والنقد األدبي‬
‫‪َ 26‬‬ ‫‪َ-‬ميالد األدب المقارن َ‬

‫‪َ 28‬‬ ‫‪ -‬نشأة علم األدب المقارن في فرنسا‬


‫‪َ 31‬‬ ‫‪ -‬مدارس األدب المقارن‬

‫‪َ 31‬‬ ‫‪َ-‬المدرسة الفرنسية‪ :‬مدرسة التأثير والتأثر َ‬


‫‪َ 32‬‬ ‫‪-‬عناوين التأثير والتأثر مؤشر المدرسة الفرنسية في الدراسات‬
‫المقارنة َ‬
‫‪َ 34‬‬ ‫‪-‬المدرسة األمريكية في األدب المقارن‪:‬مدرسة التشابه‬
‫واالختالف‬
‫‪َ 36‬‬ ‫‪ -‬المدرسة السالفية‪ :‬البيئة الثقافية‬
‫‪َ 37‬‬ ‫‪َ-‬المدرسة العربية‪:‬عالقة األدب العربي باألدب العالمي‬
‫‪َ 39‬‬ ‫‪ -‬األدب المحلي واألدب العالمي‬
‫‪َ 42‬‬ ‫‪ -‬رسالة الكتابة بين منى عارف وسوزانا تامارو‬
‫فعل االتصال في روايتي "مقاعد مخصصة للسيدات"‬
‫و"اذهب حيث يقودك قلبك" قراءة مقارنة َ‬
‫‪َ 52‬‬ ‫التحكم‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬ثقافة اآلالت وتسليع الذات‪-‬رمز السيارة ونسقي‬
‫واالمتالك في قصتي "سطر مغلوط" إلحسان كمال‬
‫و"ميكانيكي" لجوفريدي باريزي‬

‫‪100‬‬
‫‪ -‬تيمة العودة بين خليل الجيزاوي في قصة "الطحان" ومويان ‪َ 57‬‬
‫َ‬ ‫في قصة "لقاء بمحض الصدفة"‬
‫‪َ 76‬‬ ‫‪ -‬االتصال بالعالم‪ /‬االتصال بالقصيدة‪ -‬نموذج مقارنة‬
‫شعري ‪-‬علي منصور يقابل دييجو بالبيردي دي بيينا‬

‫‪َ 81‬‬ ‫‪ -‬الذات والزمن‪:‬مواقيت للرؤية واإلبداع‬


‫‪َ 85‬‬ ‫‪ -‬صعوبة رحلة المعرفة‬
‫‪َ 88‬‬ ‫‪ -‬اكتشاف وجود‪ :‬تشخيص الذات وإدراكها في المكتوب‪:‬‬
‫أنسنة الكتاب‬
‫‪َ 91‬‬ ‫‪َ-‬التواصل قبل الذكاء االصطناعي‬
‫‪َ 93‬‬ ‫‪ -‬ما يستعصي على االختيار‬
‫‪َ 96‬‬ ‫‪ -‬ما بعد اإلبداع‪:‬فخر المتنبي‬
‫‪َ 97‬‬ ‫‪ -‬لوركا الشاعر راضيا‬
‫‪َ 99‬‬ ‫‪ -‬المحتويات‬

‫مت حبمد اهلل تعاىل وتوفيقه‬

‫‪101‬‬

You might also like