Professional Documents
Culture Documents
الموسيقى هي لغة النفوس واأللحان ،نسمات لطيفة تهز أوتار العواطف ،وهي أنامل رقيقة تطرق باب
المشاعر وتنبه الذاكرة ،فتنشر ما طوته الليالي من حوادث أثرت فيها بماض غبر،فاإلنسان ال يعرف ما
يقوله العصفور فوق أطراف األغصان ،وال يفهم أيضا ما يقوله النسيم لزهور الحقل ،ولكنه يشعر وكأن
إحساسه يفقه ويتفهم جميع هذه األصوات ،فيهتز تارة لعوامل الطرب ويتنهد طورا بفواعل األسى
والكآبة .فالموسيقى ليست لغة العواطف فحسب بل لغة الفكر والفهم أيضا ،فهي تسمو بسمو اإلنسان
وترقى برقيه ،فالقوم الذين تحررت نفسيتهم وارتقت فإن موسيقاهم تعبر عن عواطف تسمو عن الشهوات
وتعلو عن األغراض الحيوانية الذاتية وتعد الموسيقى وسيلة للتسلية وللترويح عن النفس وتعمل على
خلق تيارات وموجات عارمة من المشاركة الوجدانية ،ولها وظيفة تربوية هامة إذ تعد أداة لترقية
المشاعر والتسامي بالحس نتيجة إدراك االنسجام الفني في روائع األعمال الموسيقية ،ولها دور وطني
فهي تعمل على إلهاب حماس الجماهير فتهرع إلى النضال وتحقيق أهداف الوطن .فالموسيقى بطبيعتها
أكثر الفنون استقالال فهي ليست فنا تصويريا أو تشكيليا لموضوعات يمكن اإلشارة إليها ،وال فنا تستمد
عناصره من الواقع الخارجي مباشرة ،كما أنها ال يمكن أن تفهم عن طريق ترجمتها إلى وسيلة أخرى
من وسائل التعبير ،فالموسيقى تتميز عن سائر الفنون بأنه ال تصور وال تقلد شيئا ،فبينما نجد الرسم فنا
تصويريا ،و النحت له صلة بتصوير الواقع الخارجي عن طريق أبعاده الثالثة ،و األدب يمثل الواقع
عن طريق الرموز اللغوية ،فإن الموسيقى ال تقلد وال تمثل شيئا .
كما تعزف بواسطة مختلف اآلالت :منها العضوية (كصوت اإلنسان و التصفيق) ،و كذا آالت النفخ
(التي تتكون من الناي و الصفارة) ،ونجد اآلالت الوترية (مثل :العود ،القيثارة و الكمان) ،و أيضا
اإللكترونية (كاألورغ) .كما تتفاوت األداءات الموسيقية بين موسيقى منظمة بشدة في أحيان ،إلى
موسيقى حرة غير مقيدة بأنظمة في أحيان أخرى .والموسيقى ال تتضمن العزف فقط بل أيضا القرع في
الطبول وموسيقي الهرمونيكا والباليه فهو أيضا يعتبر من الموسيقى نظارا للحركات الهادئة التي توحي
بأنها موسيقى صامتة .والموسيقي لكونها فن وعلم ولغة ،قد تسهم إسهاما جذريا في العملية التربوية
شاملة من الناحية التربوية والتعليمية بعناصرها األربعة وهي :اللحن و اإليقاع وكذا الطابع الصوتي
إضافة إلى الهارموني .كما إن الحركة هي جوهرة الحياة فكونك تتحرك فإن هذا يعني أنك حي ألن
جميع سلوكياتنا المعلنة أو المضمرة تعكس في شكل ما من أشكال الحركة ،لذلك فاألداء الحركي هو
جانب من السلوك الحركي فهو يتميز بأه هادف وموجه لتحقيق الهدف .
إذن إلى أي حد يمكن توظيف الكتابة الموسيقية من أجل تطوير األداء الحركي ؟
التدوين الموسيقي
يعتبر التدوين الموسيقي أداة من األدوات لمعالجة الموسيقى من الناحية العلمية وذلك مع نوعية الموسيقى
التي لم تعتمد في نشأتها على التدوين كما هو الحال في موسيقى الشعوب التقليدية التي ال تستخدم التدوين
في إحياء وتوارث موسيقاها .أما نوعية الموسيقى األخرى التي تعتمد في بنائها األولي على التدوين
يعتبر التدوين هنا أساس البناء التكويني وهو هنا يعتبر وسيلة نقل األفكار الموسيقية النغمية واإليقاعية
بواسطة أسلوب معين من الكتابة .والتدوين الموسيقي يمكن تشبيهه باللغة ،فهو يتكون من حروف ومن
خالل تجميع هذه الحروف الموسيقية يمكن تكوين الجملة الموسيقية .والحروف الموسيقية تختلف عن
الحروف األبجدية بأنها محددة الزمن من خالل الزمن اإليقاعي لكل حرف موسيقي الذي يحدد قيمته
الزمنية .وهناك أسلوبين في التدوين الموسيقي ال وهما :
-التدوين الموسيقي الذي ينتج عنه عزف قطعة موسيقية والذي يسمى في هذه الحالة ( تأليف موسيقي) .
-التدوين الموسيقي الذي يكتب بناء على سماع قطعة موسيقية قد عزفت من قبل ولم تحتاج في نشأتها
إلى التدوين الموسيقي.
وقد بدأت الحاجة إلى التدوين الموسيقي منذ أقدم العصور عندما استعمل اليونان الحروف الهجائية للداللة
على ارتفاع النغمات الموسيقية وانخفاضها ،ثم جاء بعدهم الرومان الذين أطلقوا على النغمات الموسيقية
السبع التي تتكون منها موسيقاهم الحروف الالتينية األولى ،استمر التطوير في تحسين التدوين الموسيقي
بعد ذلك على مر العصور إلى أن وصل إلى ماهو عليه اآلن من استعمال لعالمات وأشكال خاصة يمكن
من خاللها تدوين األعمال الموسيقية وقراءتها بكل دقة ،وهذه العالمات الموسيقية بمثابة حروف الهجاء
في اللغات األبجدية ،فمثال الكاتب يستعمل الحروف لصياغة مؤلفاته األدبية في شكل مفردات وجمل
خطابية ،كذلك الحال في الموسيقى ،فاألعمال الفنية ليست سوى درجات موسيقية ،متآلفة في األداء و
التوقيع.
نقلت الموسيقى مثل جميع اللغات من جيل آلخر عن طريق الحفظ والنقل الشفاهي ،قبل أن يتم اختراع
طرق التدوين ،وظهرت الحاجة إلى تدوين القوانين والشعر و األحداث وذلك في مرحلة من تطور
الحضارات ،وكذا الرغبة في تدوين الموسيقى من خالل إيجاد نظام من الرموز يصلح لتحديد طبقة
صوت وايقاع اللحن ،كما تعود جذور نظام التدوين األوروبي إلى الحروف ،التي كانت مستعملة في
التدوين اإلغريقي أو الشرقي القديم المسمى بنظام التدوين التذكيري المستعمل لمساعدة المرتل على تذكر
اللحن الموسيقي ،وثم تطوير نظام كامل للتدوين كن هذه الحروف والرموز خالل الفترة بين القرنين
الخامس والسابع الميالديين ،مما ساعد على اإلشارة إلى الخطوط األساسية للحن ولو بصورة ضعيفة،
إذ عرفت هذه الرموز بكلمة يونانية األصل أال وهي نيوم أي التنفس وهذا النظام هو مجرد وسيلة
لمساعدة الذاكرة على تذكر اللحن ،في حين لم يحدد الطبقة الصوتية بل قدم فكرة عامة عن اللحن
ليساعد المغني على التذكر ،كما ظهرت خطوط السطر الموسيقي خالل القرن التاسع الميالدي ،فكان
في البداية خط واحد أفقي ملون بعد ذلك تم إضافة خط آخر ملون حتى اقترح جيدو األرتسي استعمال
ثالثة أو أربعة خطوط ،وتم وصف هذه الخطوط بالسطر التقليدي لتدوين األغاني الكريكورية كما يزال
استعماله ليومنا هذا ،إذ يعتبر السطر هو الخط أو مجموعة الخطوط المستعملة لتحديد نغمة ما.
في حين قد حصل تطور كبير في األلحان و الهارموني وكذا اإليقاع خالل القرن الثالث عشر الميالدي
مما دعا الموسيقيين و المنظرين إلى االهتمام بالتدوين فبرز فيليب دو فيتري وهو من آباء التدوين
الموسيقي البارزين والباحثين النظريين الكبار ،حيث أوضح في بحثه " الفن الجديد " أسس هذا الفن
الذي يتعارض مع الفن القديم ،مقترحا اتباع أسلوب جديد في التدوين يقترب كثيرا من النظام المستعمل
حاليا ،وبالرغم من وجود السطر الموسيقي خماسي الخطوط المستعمل اليوم منذ القرن الحادي عشر
الميالدي لزم مرور مئات السنين قبل اتفاق الموسيقيين على استعماله كما ارتأى بعض المؤلفين استعمال
السطر بخطوط أكثر من خمسة كفرسكوبالدي و سويلينك إذ دعا إلى استعمال أسطر بستة أو ثمانية
خطوط
كان لإلغريق الفصل في ابتكار نوع من أنواع التدوين يتلخص في استخدام الحروف األبجدية اإلغريقية
وذلك بتدوين كل صوت بحرفين مختلفين أحدهما لآلالت و اآلخر لألصوات البشرية ،ولم يكن لها بالطبع
مدلوال زمنيا أيضا بال تحديد للطبقة الصوتية المعينة للصوت الواحد فهي مجرد طريقة للداللة على طبقة
صوتية معينة تقاس بالنسبة لألصوات األخرى في الجنس الواحد.أما التدوين الكروماتي فيكون بتغير
وضع الحرف بأن يكون مقلوبا أو معكوسا وإذا تعذر الداللة على هذا التدوين بإجراء معروف يكون
بشكل آخر يتفق عليه وقد واجهت الموسيقى الكنسية في البداية مشكلة تذكر موسيقى و ألحان التراتيل
حين بلغت من الضخامة والكثرة قدرا أصبحت تنوء به الذاكرة في حين انه ظلت بقايا التدوين اإلغريقي
متداولة حتى القرن الرابع ثم اختلفت تماما وتدريجيا بعد أن أسيىء استخدامها وفهمها لذلك كان البد من
العثور على حل عملي لهذه المشكلة بحيث يكون كافيا بقدر اإلمكان للداللة على الدرجة الصوتية والطبقة
والقيمة الزمنية وبالتدريج بدأ يتكون نظامان أو طريقتان للتدوين ليساهما في معاونة الذاكرة الموسيقية .
التدوين الموسيقي عند العرب :
وقد كان للعرب فضل السبق في وضع قواعد السلم الموسيقي وتحليله ودراسته بفضل جهود الكندي،
والفارابي ،واألرموي وإخوان الصفا ...
ولعل أول وصف واضح لشيء ملحن بالنوتة العربية هو ما جاء في كتاب األغاني ألبي الفرج
األصفهاني (ت 356هـ) ،أن إسحاق الموصلي (ت 235هـ) كتب إلى إبراهيم المهدي بجنس صوت
صنعه فوصل خبره إلى إبراهيم المهدي فكتب يسأله عنه ،فكتب إليه بشعره وإيقاعه وبسيطه ومجراه،
وتجزئته وأقسامه ومخارج نغمه ومواضع مقاطعه ومقادير أدواره وأوزانه فعرفه إبراهيم وغناه كما
وضع لحنه إسحاق.
الفارابي (ت 239هـ) يعد الفيلسوف أبو نصر محمد بن إسحاق بن طرخان الفارابي أفضل من كتب عن
الموسيقى العربية ،وهو صاحب كتاب الموسيقى الكبير الذي يعد أكمل ما كتبه العرب عن الموسيقى منذ
ذلك التاريخ إلى وقتنا هذا ،والفارابي في كتابه الموسيقى الكبير يفتح آفاقا واسعة إلجراء تركيبات استند
فيها إلى أسلوب رياضي يعرف حاليا بالمتوافقات والمتبادالت ،في تشكيل مجموعات إيقاعية معقدة
استنادا إلى خاليا إيقاعية أصغر ،ويطلق الفارابي على األجناس الموسيقية اسم (البعد الذي باألربعة)
بنوعيه األسفل واألعلى :الذي يحيط بأربع نغم من المتجانسات اللحنية والنسبة بين طرفيه بالحدين 3/4
وهو أصغر األبعاد التي تحيط بأقل أبعاد النغم المتجانسة ،وفي مكان آخر يطلق عليها اسما مغايرا
(الطرائق :وهو مما تنتظم به األلحان) التي تتكون من عدة أجناس موسيقية ،في اختالف فكري ومعرفي
عن سابقيه ،وقد اخترع الفارابي آالت موسيقية وحسن البعض اآلخر ،وينسب إليه اختراع آلتي الرباب
والقانون ،وكان الفارابي يسمى في الغرب الفارابيوس وله تأثير هائل في ثقافة أوروبا في العصور
الوسطى وقد سمي المعلم الثاني -بعد أرسطو -وأكبر فالسفة المسلمين.
أما الفيلسوف يعقوب بن إسحق الكندي (ت256هـ ) فكان غزير اإلنتاج في التأليف ،لم يترك ناحية من
نواحي العلم إال كتب فيها ،وقدمت رسائل ومؤلفات الكندي الموسيقية ذخائر معرفية ونظريات موسيقية
غير مسبوقة ،ومن هذه األعمال القيمة :كتاب في خبر صناعة التأليف وكتاب (المصوتات الوترية)
وكتاب (الرسالة الكبرى في التأليف) وكتاب (في أجزاء خبرية في الموسيقى) وغيرها من مؤلفات بحث
فيها علوم ونظريات متقدمة ساهمت في تأطير الممارسة الموسيقية .ويتناول الكندي موضوع الموسيقى
من مختلف النواحي :النغمات ،ما يتفق منها وما يتنافر عند التأليف .اإليقاعات وعدد نقراتها وما يوافق
كل منها من األلحان ،أثر الموسيقى في النفس وما تبعثه الحانها فيها من سرور وحزن وشجاعة .أثر
األلحان المختلفة في الصحة والمزاج ،النسبة بين األوتار والنغمات واألجرام السماوية وغير ذلك ،فيضع
لكل هذه األمور ،الدساتير التي ينبغي أن يسير بموجبها الموسيقار الباهر ،مؤيداً أقواله بالبراهين
الرياضية ،واألدلة المنطقية.من مخطوطة الكندي (في ُخبْر تأليف األلحان) وفيها طريقته في تدوين
العالمات الموسيقية ويعتبر الكندي أول من أدخل الموسيقى إلى الثقافة العربية ،فأصبحت ضمن المناهج
الدراسية العلمية ،وجزءاً من الفلسفة الرياضية .وكان هذا بطبيعة الحال نتيجة التأثر بالمدرسة اإلغريقية،
بما نقله العرب من العلوم اليونانية إلى العربية في مختلف نواحي المعرفة ومنها الموسيقى فصارت كلمة
(الموسيقى) باللغة العربية تعني علم الموسيقى بينما كلمة (الغناء) التي كانت تعني قديما أداء األلحان
والموسيقى بصورة عامة ،أصبحت تطلق على الفن العملي فقط .والكندي هو أول من دون الموسيقى
باألحرف األبجدية ،وذلك من خالل اتباع طريقة تتمثل في تحديد الوتر والنغمات المراد أداؤها والمشار
إليها باألحرف األبجدية العربية وكان يزاوج بين الطرح النظري الموسيقي وبين استخراج السلم
الموسيقي حسب األصوات ،واألنغام واللحون المستخرجة ويشهد على ذلك السلم الموسيقي الذي دونه في
مخطوطته الموسيقية وذلك نسبة إلى أوتار العود .وكان من بين إسهاماته موضوع السلم الموسيقي
والمنظومة المقامية العربية التي أطلق عليها كما هو مثبت في هذه المؤلفات القيمة اسم "الطنينات"
مفردها طنين وتعني في مصطلحات ذاك العصر"المقام" ،وأحيانا كان يسميها "اللحون" مفردها لحن
ليخلص في دراسته المعمقة لهذا السلم الموسيقي إلى اعتباره مسارا لحنيا يشتمل على اثنتي عشرة نغمة
ذات أنصاف األبعاد الطنينية ،أطلق عليها أسماء األحرف األبجدية من األلف إلى الالم (رسالة الكندي
في خبر صناعة التأليف) بعد أن أخضعها إلى نظام األجناس الذي انبنت عليه موسيقات الحضارات
القديمة وهذه األنغام االثنتي عشرة الذي يتكون منها الديوان الموسيقي العربي كما أورده هذا الفيلسوف
متفقة (كما يرى العديد من البحاثة) كل االتفاق مع نسب األبعاد التي يتكون منها سلم «فيثاغورث»:
القرن السادس ق.م (في انعكاس قوي وبيّن لألبحاث الموسيقية اإلغريقية التي ترجمها وحل رموزها بعد
أن تبحر في علومها ليمنح النظرية الموسيقية العربية مفردات جديدة غير مسبوقة كان لها عظيم األثر في
ارتقاء الحياة الموسيقية العربية وفي تثوير الفكر الموسيقي بعطاءات مهمة انعكست على الكتابة والبحث
في السلم الموسيقي وفي منظومته المقامية رياضيا وذوقيا .ويعطي الكندي وصفا دقيقا للنغمات التي
يقدمها في 7نغمات (مطلق البم ،سبابة البم ،وسطى البم أو بنصره ،خنصر المثلث وهي أيضا ً مطلقة
المثلث ،سبابة المثلث ،وسطى المثلث أو بنصره ،خنصر المثلث وهي أيضا ً تعرف بمطلق المثنى).
وكذلك وجدت مخطوطة للكندي سجل فيها لحنا مدونايضعه كتمرين أول للتلميذ الذي يتعلم الضرب على
العود .وهذا اللحن يعتبر أقدم وثيقة موسيقية للحن مدون .ال عند العرب فقط بل في تاريخ العود الذي
كان معروفا ً منذ األلف الثاني قبل الميالد .وقد خلل هذا اللحن ووضع نغماته في إطار إيقاعي حسب
السلم الموسيقي الحديث وعلق عليه األستاذ زكريا يوسف حيث قال( :نالحظ من هذا التمرين أن الكندي
يبدأ منذ الدرس األول في تعويد التلميذ على ضرب نغمتين في وقت واحد كي يدرب أذنه على تفهم
االتفاقات وتعويد أصابع يده على وضعها في األماكن الصحيحة على األوتار لتخرج النغم من الوتر
المزموم باإلصبع متفقة مع النغمة الثانية في الوتر المطلق أحيانا ً والمزموم أيضا ً أحياناً .وهذا أحدث ما
يتبع في تدريس الضرب على اآلالت الموسيقية .وهذا اللحن مجسداً بالعالمات الموسيقية الحديثة).
هذا الشكل خاص بنموذج لمؤلفات الكندي الموسيقية الخاصة بآلة العود وهذا حسب ما تعرض له يوسف
زكريا من تحليل وشرح وتحقيق لرسالة الكندي في اللحون والنغم.
أما إخوان الصفا (القرن الرابع الهجري ) ،فقد أعطوا في رسالتهم الموسيقية مبدأ آخر للتركيب سيكون
له تطبيقاته الشعرية بعد مئات السنين ،حيث طلبوا من الموسيقي الحاذق إذا أحس بملل الناس أن يغير
اإليقاع حسب أسلوب فريد ،يتلخص في التوقف عند خلية إيقاعية صغيرة من خاليا اإليقاع المركب
المتداول (كانت اإليقاعات المتداولة ثمانية إيقاعات) ،ثم المتابعة في إيقاع آخر تكون الخلية المذكورة
سابقا ً موجودة في بداية تركيبه .أليس هذا مبدأ شعر التفعيلة الحديث اليوم حين ينتقل الشاعر من تفعيلة
إلى أخرى ضمن نفس القصيدة وقد تحدث إخوان الصفا عن أجناس الموسيقى وأنها ثمانية أجناس هي
أصل وقوانين الغناء العربية وألحانها.
ونجد أيضا صفي الدين األرموي البغدادي (ت 693هـ )صفي الدين عبد المؤمن بن يوسف بن فاخر
األرموي البغدادي باحث موسيقي عربي ،ولد وتوفي في بغداد ،وهو فارسي األصل يعود نسبه ِإلى بلدة
أرمية (الرضائية -اليوم) ،في أذربيجان ،وكان صفي الدين ذا ثقافة واسعة ،وقد عمل في كثير من العلوم
والفنون واآلداب ،وجاد فيها مثل :التاريخ ،وعلم الكالم ،والشعر ،وأتقن فن الخط العربي حيث عد من
أفضل خطاطي عصره .وقد قد بزغ فجر موسيقي جديد مع (المدرسة المنهجية في الموسيقى العربية)
التي تزعمها العالم الموسيقي (صفي الدين األرموي البغدادي) الذي قدم إنجازات فكرية ومعرفية غير
مسبوقة وتحديداً في مجال النظرية الموسيقية القديمة وتثوير مفرداتها وبخاصة األدوار الموسيقية
(المقامات) كما نرى في كتابه القيم (األدوار في الموسيقى) حيث يؤكد على أن :أهل الصناعة الموسيقية
أطلقوا على األدوار -المقامات -اسم الشدود -جمع شد وهي تسمية تدل على االنتقال من نغمة إلى النظير
المشابه األقرب لها اتفاقا ً بالقوة سواء رفعت النغمة إلى طبقة أحد أو خفضت إلى طبقة أثقل ولكل دور
أصل يبنى عليه.
واألرموي في أبحاثه النظرية التي احتواها كتابه األدوار أدخل باإلضافة إلى التركيبات الرياضية
لإليقاع ،فكرة استخدام الدوائر لتمثيل اإليقاع (كما فعل الخليل في دوائره العروضية) ،ومن ثم تدوير
الدائرة بمقدار نبضة إيقاعية واحدة بحيث قد ينتج عن ذلك إيقاع جديد ،وابتدع أسلوبا ً جديداً في تركيب
المقامات الموسيقية ،معتمداً على أسلوب الفارابي الرياضي في تركيب اإليقاعات ،وذلك انطالقا ً من
خاليا موسيقية تماثل األجناس في مصطلحات اليوم .رتب صفي الدين هذه المقامات الناتجة في دوائر تم
ترقيمها ليصل عددها إلى نحو مئة مقام موسيقي .استخدم صفي الدين أيضا ً أسلوب الخليل في تبديل
موقع النبضة اإليقاعية البتداع بحور جديدة ،لكي يبتدع مقامات جديدة أيضا ً عبر تحريك موقع درجة
االستقرار على دائرة المقام .مثال ذلك اعتماد دائرة مقام الحجاز على الدوكاه ومن ثم التوقف على درجة
استقرار أخرى كالراست مثالً فيتم تحقيق مقام جديد هو مقام النكريز ،أو تحريك درجة االستقرار في
مقام الكرد على الدوكاه إلى درجة الحسيني عشيران ،فيتم تحقيق تصوير لمقام الالمي عليها.
ولعل شهرة كتابه األدوار ترجع إلى أنه أول كتاب بالعربية يحاول تدوين نغم األلحان بأجناسها
وإيقاعاتها ،وقد استخدم الحروف الهجائية دالة على النغم ثم قرنها باألعداد لتدل على اإليقاعات
واألوزان ،وهذه التجربة ُتعتبر من أقدم التجارب لتدوين الموسيقى.
وتجدر اإلشارة إلى أن أسلوب صفي الدين في التركيب ال يزال معموال به في مقاماتنا الحالية ،فمثالً إن
ركبنا جنس سيكاه على السيكاه مع الحجاز نوا نتج مقام الهزام ،بينما لو كان التركيب مع الراست على
النوا لحصلنا على مقام السيكاه ،ولو كان النهاوند لحصلنا على مقام ماية ،ولو كان الصبا ،لحصلنا على
مقام بستنكار على السيكاه وهكذا.
لقد كان صفي الدين األرموي نابغة من النوابغ في علم الموسيقى والغناء واألدب والخط والتاريخ .وكان
همزة الوصل بين علماء الموسيقى العرب القدامى كالكندي والفارابي وابن سينا ،وبين األجيال الحديثة
التي جاءت بعده من الموسيقيين والذين اعتمدوا في مؤلفاتهم على نظرياته وآرائه في الموسيقى العربية.
وصفه العالم اإلسكتلندي هنري جورج فارمر ،بأنه أحد الذين أضاؤوا صفحات تاريخ الموسيقى العربية،
كما يعتبر سلمه الموسيقي أكمل سلّم على اإلطالق ،وقد بقيت مؤلفاته المرجع األساسي للموسيقيين
النظريين عدة قرون.