You are on page 1of 7

‫تقديم‬

‫الموسيقى هي لغة النفوس واأللحان‪ ،‬نسمات لطيفة تهز أوتار العواطف‪ ،‬وهي أنامل رقيقة تطرق باب‬
‫المشاعر وتنبه الذاكرة‪ ،‬فتنشر ما طوته الليالي من حوادث أثرت فيها بماض غبر‪،‬فاإلنسان ال يعرف ما‬
‫يقوله العصفور فوق أطراف األغصان‪ ،‬وال يفهم أيضا ما يقوله النسيم لزهور الحقل‪ ،‬ولكنه يشعر وكأن‬
‫إحساسه يفقه ويتفهم جميع هذه األصوات‪ ،‬فيهتز تارة لعوامل الطرب ويتنهد طورا بفواعل األسى‬
‫والكآبة‪ .‬فالموسيقى ليست لغة العواطف فحسب بل لغة الفكر والفهم أيضا‪ ،‬فهي تسمو بسمو اإلنسان‬
‫وترقى برقيه‪ ،‬فالقوم الذين تحررت نفسيتهم وارتقت فإن موسيقاهم تعبر عن عواطف تسمو عن الشهوات‬
‫وتعلو عن األغراض الحيوانية الذاتية وتعد الموسيقى وسيلة للتسلية وللترويح عن النفس وتعمل على‬
‫خلق تيارات وموجات عارمة من المشاركة الوجدانية‪ ،‬ولها وظيفة تربوية هامة إذ تعد أداة لترقية‬
‫المشاعر والتسامي بالحس نتيجة إدراك االنسجام الفني في روائع األعمال الموسيقية‪ ،‬ولها دور وطني‬
‫فهي تعمل على إلهاب حماس الجماهير فتهرع إلى النضال وتحقيق أهداف الوطن‪ .‬فالموسيقى بطبيعتها‬
‫أكثر الفنون استقالال فهي ليست فنا تصويريا أو تشكيليا لموضوعات يمكن اإلشارة إليها ‪،‬وال فنا تستمد‬
‫عناصره من الواقع الخارجي مباشرة ‪ ،‬كما أنها ال يمكن أن تفهم عن طريق ترجمتها إلى وسيلة أخرى‬
‫من وسائل التعبير ‪ ،‬فالموسيقى تتميز عن سائر الفنون بأنه ال تصور وال تقلد شيئا ‪ ،‬فبينما نجد الرسم فنا‬
‫تصويريا ‪ ،‬و النحت له صلة بتصوير الواقع الخارجي عن طريق أبعاده الثالثة ‪ ،‬و األدب يمثل الواقع‬
‫عن طريق الرموز اللغوية ‪ ،‬فإن الموسيقى ال تقلد وال تمثل شيئا ‪.‬‬

‫كما تعزف بواسطة مختلف اآلالت‪ :‬منها العضوية (كصوت اإلنسان و التصفيق) ‪ ،‬و كذا آالت النفخ‬
‫(التي تتكون من الناي و الصفارة) ‪ ،‬ونجد اآلالت الوترية (مثل‪ :‬العود‪ ،‬القيثارة و الكمان)‪ ،‬و أيضا‬
‫اإللكترونية (كاألورغ)‪ .‬كما تتفاوت األداءات الموسيقية بين موسيقى منظمة بشدة في أحيان‪ ،‬إلى‬
‫موسيقى حرة غير مقيدة بأنظمة في أحيان أخرى‪ .‬والموسيقى ال تتضمن العزف فقط بل أيضا القرع في‬
‫الطبول وموسيقي الهرمونيكا والباليه فهو أيضا يعتبر من الموسيقى نظارا للحركات الهادئة التي توحي‬
‫بأنها موسيقى صامتة ‪ .‬والموسيقي لكونها فن وعلم ولغة‪ ،‬قد تسهم إسهاما جذريا في العملية التربوية‬
‫شاملة من الناحية التربوية والتعليمية بعناصرها األربعة وهي‪ :‬اللحن و اإليقاع وكذا الطابع الصوتي‬
‫إضافة إلى الهارموني ‪ .‬كما إن الحركة هي جوهرة الحياة فكونك تتحرك فإن هذا يعني أنك حي ألن‬
‫جميع سلوكياتنا المعلنة أو المضمرة تعكس في شكل ما من أشكال الحركة ‪،‬لذلك فاألداء الحركي هو‬
‫جانب من السلوك الحركي فهو يتميز بأه هادف وموجه لتحقيق الهدف ‪.‬‬

‫إذن إلى أي حد يمكن توظيف الكتابة الموسيقية من أجل تطوير األداء الحركي ؟‬

‫التدوين الموسيقي‬

‫يعتبر التدوين الموسيقي أداة من األدوات لمعالجة الموسيقى من الناحية العلمية وذلك مع نوعية الموسيقى‬
‫التي لم تعتمد في نشأتها على التدوين كما هو الحال في موسيقى الشعوب التقليدية التي ال تستخدم التدوين‬
‫في إحياء وتوارث موسيقاها‪ .‬أما نوعية الموسيقى األخرى التي تعتمد في بنائها األولي على التدوين‬
‫يعتبر التدوين هنا أساس البناء التكويني وهو هنا يعتبر وسيلة نقل األفكار الموسيقية النغمية واإليقاعية‬
‫بواسطة أسلوب معين من الكتابة‪ .‬والتدوين الموسيقي يمكن تشبيهه باللغة‪ ،‬فهو يتكون من حروف ومن‬
‫خالل تجميع هذه الحروف الموسيقية يمكن تكوين الجملة الموسيقية‪ .‬والحروف الموسيقية تختلف عن‬
‫الحروف األبجدية بأنها محددة الزمن من خالل الزمن اإليقاعي لكل حرف موسيقي الذي يحدد قيمته‬
‫الزمنية‪ .‬وهناك أسلوبين في التدوين الموسيقي ال وهما ‪:‬‬

‫‪ -‬التدوين الموسيقي الذي ينتج عنه عزف قطعة موسيقية والذي يسمى في هذه الحالة ( تأليف موسيقي) ‪.‬‬

‫‪ -‬التدوين الموسيقي الذي يكتب بناء على سماع قطعة موسيقية قد عزفت من قبل ولم تحتاج في نشأتها‬
‫إلى التدوين الموسيقي‪.‬‬

‫وقد بدأت الحاجة إلى التدوين الموسيقي منذ أقدم العصور عندما استعمل اليونان الحروف الهجائية للداللة‬
‫على ارتفاع النغمات الموسيقية وانخفاضها‪ ،‬ثم جاء بعدهم الرومان الذين أطلقوا على النغمات الموسيقية‬
‫السبع التي تتكون منها موسيقاهم الحروف الالتينية األولى‪ ،‬استمر التطوير في تحسين التدوين الموسيقي‬
‫بعد ذلك على مر العصور إلى أن وصل إلى ماهو عليه اآلن من استعمال لعالمات وأشكال خاصة يمكن‬
‫من خاللها تدوين األعمال الموسيقية وقراءتها بكل دقة ‪ ،‬وهذه العالمات الموسيقية بمثابة حروف الهجاء‬
‫في اللغات األبجدية‪ ،‬فمثال الكاتب يستعمل الحروف لصياغة مؤلفاته األدبية في شكل مفردات وجمل‬
‫خطابية‪ ،‬كذلك الحال في الموسيقى‪ ،‬فاألعمال الفنية ليست سوى درجات موسيقية‪ ،‬متآلفة في األداء و‬
‫التوقيع‪.‬‬

‫نقلت الموسيقى مثل جميع اللغات من جيل آلخر عن طريق الحفظ والنقل الشفاهي ‪ ،‬قبل أن يتم اختراع‬
‫طرق التدوين‪ ،‬وظهرت الحاجة إلى تدوين القوانين والشعر و األحداث وذلك في مرحلة من تطور‬
‫الحضارات‪ ،‬وكذا الرغبة في تدوين الموسيقى من خالل إيجاد نظام من الرموز يصلح لتحديد طبقة‬
‫صوت وايقاع اللحن‪ ،‬كما تعود جذور نظام التدوين األوروبي إلى الحروف‪ ،‬التي كانت مستعملة في‬
‫التدوين اإلغريقي أو الشرقي القديم المسمى بنظام التدوين التذكيري المستعمل لمساعدة المرتل على تذكر‬
‫اللحن الموسيقي‪ ،‬وثم تطوير نظام كامل للتدوين كن هذه الحروف والرموز خالل الفترة بين القرنين‬
‫الخامس والسابع الميالديين‪ ،‬مما ساعد على اإلشارة إلى الخطوط األساسية للحن ولو بصورة ضعيفة‪،‬‬
‫إذ عرفت هذه الرموز بكلمة يونانية األصل أال وهي نيوم أي التنفس وهذا النظام هو مجرد وسيلة‬
‫لمساعدة الذاكرة على تذكر اللحن ‪ ،‬في حين لم يحدد الطبقة الصوتية بل قدم فكرة عامة عن اللحن‬
‫ليساعد المغني على التذكر ‪ ،‬كما ظهرت خطوط السطر الموسيقي خالل القرن التاسع الميالدي‪ ،‬فكان‬
‫في البداية خط واحد أفقي ملون بعد ذلك تم إضافة خط آخر ملون حتى اقترح جيدو األرتسي استعمال‬
‫ثالثة أو أربعة خطوط‪ ،‬وتم وصف هذه الخطوط بالسطر التقليدي لتدوين األغاني الكريكورية كما يزال‬
‫استعماله ليومنا هذا‪ ،‬إذ يعتبر السطر هو الخط أو مجموعة الخطوط المستعملة لتحديد نغمة ما‪.‬‬

‫في حين قد حصل تطور كبير في األلحان و الهارموني وكذا اإليقاع خالل القرن الثالث عشر الميالدي‬
‫مما دعا الموسيقيين و المنظرين إلى االهتمام بالتدوين فبرز فيليب دو فيتري وهو من آباء التدوين‬
‫الموسيقي البارزين والباحثين النظريين الكبار‪ ،‬حيث أوضح في بحثه " الفن الجديد " أسس هذا الفن‬
‫الذي يتعارض مع الفن القديم‪ ،‬مقترحا اتباع أسلوب جديد في التدوين يقترب كثيرا من النظام المستعمل‬
‫حاليا‪ ،‬وبالرغم من وجود السطر الموسيقي خماسي الخطوط المستعمل اليوم منذ القرن الحادي عشر‬
‫الميالدي لزم مرور مئات السنين قبل اتفاق الموسيقيين على استعماله كما ارتأى بعض المؤلفين استعمال‬
‫السطر بخطوط أكثر من خمسة كفرسكوبالدي و سويلينك إذ دعا إلى استعمال أسطر بستة أو ثمانية‬
‫خطوط‬

‫كان لإلغريق الفصل في ابتكار نوع من أنواع التدوين يتلخص في استخدام الحروف األبجدية اإلغريقية‬
‫وذلك بتدوين كل صوت بحرفين مختلفين أحدهما لآلالت و اآلخر لألصوات البشرية‪ ،‬ولم يكن لها بالطبع‬
‫مدلوال زمنيا أيضا بال تحديد للطبقة الصوتية المعينة للصوت الواحد فهي مجرد طريقة للداللة على طبقة‬
‫صوتية معينة تقاس بالنسبة لألصوات األخرى في الجنس الواحد‪.‬أما التدوين الكروماتي فيكون بتغير‬
‫وضع الحرف بأن يكون مقلوبا أو معكوسا وإذا تعذر الداللة على هذا التدوين بإجراء معروف يكون‬
‫بشكل آخر يتفق عليه وقد واجهت الموسيقى الكنسية في البداية مشكلة تذكر موسيقى و ألحان التراتيل‬
‫حين بلغت من الضخامة والكثرة قدرا أصبحت تنوء به الذاكرة في حين انه ظلت بقايا التدوين اإلغريقي‬
‫متداولة حتى القرن الرابع ثم اختلفت تماما وتدريجيا بعد أن أسيىء استخدامها وفهمها لذلك كان البد من‬
‫العثور على حل عملي لهذه المشكلة بحيث يكون كافيا بقدر اإلمكان للداللة على الدرجة الصوتية والطبقة‬
‫والقيمة الزمنية وبالتدريج بدأ يتكون نظامان أو طريقتان للتدوين ليساهما في معاونة الذاكرة الموسيقية ‪.‬‬
‫التدوين الموسيقي عند العرب ‪:‬‬
‫وقد كان للعرب فضل السبق في وضع قواعد السلم الموسيقي وتحليله ودراسته بفضل جهود الكندي‪،‬‬
‫والفارابي‪ ،‬واألرموي وإخوان الصفا ‪...‬‬

‫ولعل أول وصف واضح لشيء ملحن بالنوتة العربية هو ما جاء في كتاب األغاني ألبي الفرج‬
‫األصفهاني (ت ‪356‬هـ)‪ ،‬أن إسحاق الموصلي (ت ‪235‬هـ) كتب إلى إبراهيم المهدي بجنس صوت‬
‫صنعه فوصل خبره إلى إبراهيم المهدي فكتب يسأله عنه‪ ،‬فكتب إليه بشعره وإيقاعه وبسيطه ومجراه‪،‬‬
‫وتجزئته وأقسامه ومخارج نغمه ومواضع مقاطعه ومقادير أدواره وأوزانه فعرفه إبراهيم وغناه كما‬
‫وضع لحنه إسحاق‪.‬‬

‫الفارابي (ت ‪239‬هـ) يعد الفيلسوف أبو نصر محمد بن إسحاق بن طرخان الفارابي أفضل من كتب عن‬
‫الموسيقى العربية‪ ،‬وهو صاحب كتاب الموسيقى الكبير الذي يعد أكمل ما كتبه العرب عن الموسيقى منذ‬
‫ذلك التاريخ إلى وقتنا هذا‪ ،‬والفارابي في كتابه الموسيقى الكبير يفتح آفاقا واسعة إلجراء تركيبات استند‬
‫فيها إلى أسلوب رياضي يعرف حاليا بالمتوافقات والمتبادالت‪ ،‬في تشكيل مجموعات إيقاعية معقدة‬
‫استنادا إلى خاليا إيقاعية أصغر ‪،‬ويطلق الفارابي على األجناس الموسيقية اسم (البعد الذي باألربعة)‬
‫بنوعيه األسفل واألعلى‪ :‬الذي يحيط بأربع نغم من المتجانسات اللحنية والنسبة بين طرفيه بالحدين ‪3/4‬‬
‫وهو أصغر األبعاد التي تحيط بأقل أبعاد النغم المتجانسة‪ ،‬وفي مكان آخر يطلق عليها اسما مغايرا‬
‫(الطرائق‪ :‬وهو مما تنتظم به األلحان) التي تتكون من عدة أجناس موسيقية‪ ،‬في اختالف فكري ومعرفي‬
‫عن سابقيه‪ ،‬وقد اخترع الفارابي آالت موسيقية وحسن البعض اآلخر‪ ،‬وينسب إليه اختراع آلتي الرباب‬
‫والقانون‪ ،‬وكان الفارابي يسمى في الغرب الفارابيوس وله تأثير هائل في ثقافة أوروبا في العصور‬
‫الوسطى وقد سمي المعلم الثاني ‪-‬بعد أرسطو‪ -‬وأكبر فالسفة المسلمين‪.‬‬

‫أما الفيلسوف يعقوب بن إسحق الكندي (ت‪256‬هـ ) فكان غزير اإلنتاج في التأليف‪ ،‬لم يترك ناحية من‬
‫نواحي العلم إال كتب فيها‪ ،‬وقدمت رسائل ومؤلفات الكندي الموسيقية ذخائر معرفية ونظريات موسيقية‬
‫غير مسبوقة‪ ،‬ومن هذه األعمال القيمة‪ :‬كتاب في خبر صناعة التأليف وكتاب (المصوتات الوترية)‬
‫وكتاب (الرسالة الكبرى في التأليف) وكتاب (في أجزاء خبرية في الموسيقى) وغيرها من مؤلفات بحث‬
‫فيها علوم ونظريات متقدمة ساهمت في تأطير الممارسة الموسيقية‪ .‬ويتناول الكندي موضوع الموسيقى‬
‫من مختلف النواحي‪ :‬النغمات‪ ،‬ما يتفق منها وما يتنافر عند التأليف‪ .‬اإليقاعات وعدد نقراتها وما يوافق‬
‫كل منها من األلحان‪ ،‬أثر الموسيقى في النفس وما تبعثه الحانها فيها من سرور وحزن وشجاعة‪ .‬أثر‬
‫األلحان المختلفة في الصحة والمزاج‪ ،‬النسبة بين األوتار والنغمات واألجرام السماوية وغير ذلك‪ ،‬فيضع‬
‫لكل هذه األمور‪ ،‬الدساتير التي ينبغي أن يسير بموجبها الموسيقار الباهر‪ ،‬مؤيداً أقواله بالبراهين‬
‫الرياضية‪ ،‬واألدلة المنطقية‪.‬من مخطوطة الكندي (في ُخبْر تأليف األلحان) وفيها طريقته في تدوين‬
‫العالمات الموسيقية ويعتبر الكندي أول من أدخل الموسيقى إلى الثقافة العربية‪ ،‬فأصبحت ضمن المناهج‬
‫الدراسية العلمية‪ ،‬وجزءاً من الفلسفة الرياضية‪ .‬وكان هذا بطبيعة الحال نتيجة التأثر بالمدرسة اإلغريقية‪،‬‬
‫بما نقله العرب من العلوم اليونانية إلى العربية في مختلف نواحي المعرفة ومنها الموسيقى فصارت كلمة‬
‫(الموسيقى) باللغة العربية تعني علم الموسيقى بينما كلمة (الغناء) التي كانت تعني قديما أداء األلحان‬
‫والموسيقى بصورة عامة‪ ،‬أصبحت تطلق على الفن العملي فقط‪ .‬والكندي هو أول من دون الموسيقى‬
‫باألحرف األبجدية‪ ،‬وذلك من خالل اتباع طريقة تتمثل في تحديد الوتر والنغمات المراد أداؤها والمشار‬
‫إليها باألحرف األبجدية العربية وكان يزاوج بين الطرح النظري الموسيقي وبين استخراج السلم‬
‫الموسيقي حسب األصوات‪ ،‬واألنغام واللحون المستخرجة ويشهد على ذلك السلم الموسيقي الذي دونه في‬
‫مخطوطته الموسيقية وذلك نسبة إلى أوتار العود ‪.‬وكان من بين إسهاماته موضوع السلم الموسيقي‬
‫والمنظومة المقامية العربية التي أطلق عليها كما هو مثبت في هذه المؤلفات القيمة اسم "الطنينات"‬
‫مفردها طنين وتعني في مصطلحات ذاك العصر"المقام"‪ ،‬وأحيانا كان يسميها "اللحون" مفردها لحن‬
‫ليخلص في دراسته المعمقة لهذا السلم الموسيقي إلى اعتباره مسارا لحنيا يشتمل على اثنتي عشرة نغمة‬
‫ذات أنصاف األبعاد الطنينية‪ ،‬أطلق عليها أسماء األحرف األبجدية من األلف إلى الالم (رسالة الكندي‬
‫في خبر صناعة التأليف) بعد أن أخضعها إلى نظام األجناس الذي انبنت عليه موسيقات الحضارات‬
‫القديمة وهذه األنغام االثنتي عشرة الذي يتكون منها الديوان الموسيقي العربي كما أورده هذا الفيلسوف‬
‫متفقة (كما يرى العديد من البحاثة) كل االتفاق مع نسب األبعاد التي يتكون منها سلم «فيثاغورث»‪:‬‬
‫القرن السادس ق‪.‬م (في انعكاس قوي وبيّن لألبحاث الموسيقية اإلغريقية التي ترجمها وحل رموزها بعد‬
‫أن تبحر في علومها ليمنح النظرية الموسيقية العربية مفردات جديدة غير مسبوقة كان لها عظيم األثر في‬
‫ارتقاء الحياة الموسيقية العربية وفي تثوير الفكر الموسيقي بعطاءات مهمة انعكست على الكتابة والبحث‬
‫في السلم الموسيقي وفي منظومته المقامية رياضيا وذوقيا‪ .‬ويعطي الكندي وصفا دقيقا للنغمات التي‬
‫يقدمها في ‪ 7‬نغمات (مطلق البم‪ ،‬سبابة البم‪ ،‬وسطى البم أو بنصره‪ ،‬خنصر المثلث وهي أيضا ً مطلقة‬
‫المثلث‪ ،‬سبابة المثلث‪ ،‬وسطى المثلث أو بنصره‪ ،‬خنصر المثلث وهي أيضا ً تعرف بمطلق المثنى)‪.‬‬

‫وكذلك وجدت مخطوطة للكندي سجل فيها لحنا مدونايضعه كتمرين أول للتلميذ الذي يتعلم الضرب على‬
‫العود‪ .‬وهذا اللحن يعتبر أقدم وثيقة موسيقية للحن مدون‪ .‬ال عند العرب فقط بل في تاريخ العود الذي‬
‫كان معروفا ً منذ األلف الثاني قبل الميالد‪ .‬وقد خلل هذا اللحن ووضع نغماته في إطار إيقاعي حسب‬
‫السلم الموسيقي الحديث وعلق عليه األستاذ زكريا يوسف حيث قال‪( :‬نالحظ من هذا التمرين أن الكندي‬
‫يبدأ منذ الدرس األول في تعويد التلميذ على ضرب نغمتين في وقت واحد كي يدرب أذنه على تفهم‬
‫االتفاقات وتعويد أصابع يده على وضعها في األماكن الصحيحة على األوتار لتخرج النغم من الوتر‬
‫المزموم باإلصبع متفقة مع النغمة الثانية في الوتر المطلق أحيانا ً والمزموم أيضا ً أحياناً‪ .‬وهذا أحدث ما‬
‫يتبع في تدريس الضرب على اآلالت الموسيقية‪ .‬وهذا اللحن مجسداً بالعالمات الموسيقية الحديثة)‪.‬‬

‫هذا الشكل خاص بنموذج لمؤلفات الكندي الموسيقية الخاصة بآلة العود وهذا حسب ما تعرض له يوسف‬
‫زكريا من تحليل وشرح وتحقيق لرسالة الكندي في اللحون والنغم‪.‬‬

‫أما إخوان الصفا (القرن الرابع الهجري ) ‪،‬فقد أعطوا في رسالتهم الموسيقية مبدأ آخر للتركيب سيكون‬
‫له تطبيقاته الشعرية بعد مئات السنين‪ ،‬حيث طلبوا من الموسيقي الحاذق إذا أحس بملل الناس أن يغير‬
‫اإليقاع حسب أسلوب فريد‪ ،‬يتلخص في التوقف عند خلية إيقاعية صغيرة من خاليا اإليقاع المركب‬
‫المتداول (كانت اإليقاعات المتداولة ثمانية إيقاعات)‪ ،‬ثم المتابعة في إيقاع آخر تكون الخلية المذكورة‬
‫سابقا ً موجودة في بداية تركيبه‪ .‬أليس هذا مبدأ شعر التفعيلة الحديث اليوم حين ينتقل الشاعر من تفعيلة‬
‫إلى أخرى ضمن نفس القصيدة وقد تحدث إخوان الصفا عن أجناس الموسيقى وأنها ثمانية أجناس هي‬
‫أصل وقوانين الغناء العربية وألحانها‪.‬‬

‫ونجد أيضا صفي الدين األرموي البغدادي (ت ‪693‬هـ )صفي الدين عبد المؤمن بن يوسف بن فاخر‬
‫األرموي البغدادي باحث موسيقي عربي‪ ،‬ولد وتوفي في بغداد‪ ،‬وهو فارسي األصل يعود نسبه ِإلى بلدة‬
‫أرمية (الرضائية‪ -‬اليوم)‪ ،‬في أذربيجان‪ ،‬وكان صفي الدين ذا ثقافة واسعة‪ ،‬وقد عمل في كثير من العلوم‬
‫والفنون واآلداب‪ ،‬وجاد فيها مثل‪ :‬التاريخ‪ ،‬وعلم الكالم‪ ،‬والشعر‪ ،‬وأتقن فن الخط العربي حيث عد من‬
‫أفضل خطاطي عصره‪ .‬وقد قد بزغ فجر موسيقي جديد مع (المدرسة المنهجية في الموسيقى العربية)‬
‫التي تزعمها العالم الموسيقي (صفي الدين األرموي البغدادي) الذي قدم إنجازات فكرية ومعرفية غير‬
‫مسبوقة وتحديداً في مجال النظرية الموسيقية القديمة وتثوير مفرداتها وبخاصة األدوار الموسيقية‬
‫(المقامات) كما نرى في كتابه القيم (األدوار في الموسيقى) حيث يؤكد على أن‪ :‬أهل الصناعة الموسيقية‬
‫أطلقوا على األدوار‪ -‬المقامات‪ -‬اسم الشدود‪ -‬جمع شد وهي تسمية تدل على االنتقال من نغمة إلى النظير‬
‫المشابه األقرب لها اتفاقا ً بالقوة سواء رفعت النغمة إلى طبقة أحد أو خفضت إلى طبقة أثقل ولكل دور‬
‫أصل يبنى عليه‪.‬‬

‫واألرموي في أبحاثه النظرية التي احتواها كتابه األدوار أدخل باإلضافة إلى التركيبات الرياضية‬
‫لإليقاع‪ ،‬فكرة استخدام الدوائر لتمثيل اإليقاع (كما فعل الخليل في دوائره العروضية)‪ ،‬ومن ثم تدوير‬
‫الدائرة بمقدار نبضة إيقاعية واحدة بحيث قد ينتج عن ذلك إيقاع جديد‪ ،‬وابتدع أسلوبا ً جديداً في تركيب‬
‫المقامات الموسيقية‪ ،‬معتمداً على أسلوب الفارابي الرياضي في تركيب اإليقاعات‪ ،‬وذلك انطالقا ً من‬
‫خاليا موسيقية تماثل األجناس في مصطلحات اليوم‪ .‬رتب صفي الدين هذه المقامات الناتجة في دوائر تم‬
‫ترقيمها ليصل عددها إلى نحو مئة مقام موسيقي‪ .‬استخدم صفي الدين أيضا ً أسلوب الخليل في تبديل‬
‫موقع النبضة اإليقاعية البتداع بحور جديدة‪ ،‬لكي يبتدع مقامات جديدة أيضا ً عبر تحريك موقع درجة‬
‫االستقرار على دائرة المقام‪ .‬مثال ذلك اعتماد دائرة مقام الحجاز على الدوكاه ومن ثم التوقف على درجة‬
‫استقرار أخرى كالراست مثالً فيتم تحقيق مقام جديد هو مقام النكريز‪ ،‬أو تحريك درجة االستقرار في‬
‫مقام الكرد على الدوكاه إلى درجة الحسيني عشيران‪ ،‬فيتم تحقيق تصوير لمقام الالمي عليها‪.‬‬

‫ولعل شهرة كتابه األدوار ترجع إلى أنه أول كتاب بالعربية يحاول تدوين نغم األلحان بأجناسها‬
‫وإيقاعاتها‪ ،‬وقد استخدم الحروف الهجائية دالة على النغم ثم قرنها باألعداد لتدل على اإليقاعات‬
‫واألوزان‪ ،‬وهذه التجربة ُتعتبر من أقدم التجارب لتدوين الموسيقى‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن أسلوب صفي الدين في التركيب ال يزال معموال به في مقاماتنا الحالية‪ ،‬فمثالً إن‬
‫ركبنا جنس سيكاه على السيكاه مع الحجاز نوا نتج مقام الهزام‪ ،‬بينما لو كان التركيب مع الراست على‬
‫النوا لحصلنا على مقام السيكاه‪ ،‬ولو كان النهاوند لحصلنا على مقام ماية‪ ،‬ولو كان الصبا‪ ،‬لحصلنا على‬
‫مقام بستنكار على السيكاه وهكذا‪.‬‬

‫لقد كان صفي الدين األرموي نابغة من النوابغ في علم الموسيقى والغناء واألدب والخط والتاريخ‪ .‬وكان‬
‫همزة الوصل بين علماء الموسيقى العرب القدامى كالكندي والفارابي وابن سينا‪ ،‬وبين األجيال الحديثة‬
‫التي جاءت بعده من الموسيقيين والذين اعتمدوا في مؤلفاتهم على نظرياته وآرائه في الموسيقى العربية‪.‬‬
‫وصفه العالم اإلسكتلندي هنري جورج فارمر‪ ،‬بأنه أحد الذين أضاؤوا صفحات تاريخ الموسيقى العربية‪،‬‬
‫كما يعتبر سلمه الموسيقي أكمل سلّم على اإلطالق‪ ،‬وقد بقيت مؤلفاته المرجع األساسي للموسيقيين‬
‫النظريين عدة قرون‪.‬‬

You might also like