You are on page 1of 17

‫رابعا ‪-‬عالقة الشخصيات بالمكونات السردية األخرى في وادي الجن ‪:‬‬

‫‪-1‬عالقة الشخصية بالحدث ‪:‬‬

‫يعتبر الحدث من أهم العناصر األساسية في بناء الشخصية ‪ ،‬واليمكن أن يقوم‬


‫الحدث بدون وجود الشخصية ‪ ،‬فهما عنصران يستحيل الفصل بينهما‪ " ،‬يرتبط‬
‫الحدث الروائي ارتباطا وثيقا بالشخصية ‪ ،‬فهي التي تُسيره و تحركه وتبعث فيه‬
‫الحياة ‪ ،‬وتعمل على تطوره تدريجيا عبر تفاعله معه ‪ ،‬وبالمقابل فإن الحدث نفسه‬
‫بطبيعة اتصاله الوثيق بالشخصية وتفاعله معها ُيظهر األبعاد الداخلية لها من جانب‬
‫ويحدد سلوكها من جانب آخر ‪ ،‬فقد يكون سلوكها إيجابيا تجاهه وقد يكون سلبيا "‪.1‬‬

‫أما عن عالقة الشخصية باألحداث في رواية وادي الجن ‪ ،‬فإن الروائي مبروك‬
‫دريدي يقدم لنا شخصية البطل فريد المليئة بالمغامرة وهذا مايجعل القارئ يعيش في‬
‫حيرة وتشوي ق لما سيحدث ‪ ،‬وتظهر لنا هذه الشخصية من خالل تتبع األحداث من‬
‫مر بحياة ممزوجة بالفرح والحزن واألمل‬
‫بداية الرواية حتى نهايتها ‪ ،‬فنجد البطل ّ‬
‫والخيبة ‪ ،‬وحلمه الكبير في الحصول على ملكية وادي الجن ُليصبح صاحب ثروة ‪،‬‬
‫كنا اليوم فيما نحن فيه من الجاه والمال والسلطان ؟ الحياة‬
‫تمهلت هل ّ‬
‫يقول ‪" :‬لو ّ‬
‫ياصاحبي مغامرة كبرى ‪ ،‬خطر ّ‬
‫البد منه ‪ ،‬لقد تعلمت أن لحظة انتظار واحدة كافية‬
‫ألن تكون فاصلة هزيمة تكسر طموحك ‪ ،‬وتدفن آمالك "‪ ، 2‬وكان متخرجا من‬
‫الجامعة إال أنه يؤمن بأن تلك الشهادة ال تنفعه في شيء ‪ ،‬وال تجعله يحصل على‬
‫وظيف عمل ‪ ،‬وهذا مايظهر في قوله ‪ " :‬هذه األرض مسقية بدماء الضعفاء ‪..‬‬
‫إن جريك وراء الوظيفة ليس حدثا تهلك فيه آمالك وجهدك‬
‫الضعفاء فقط ‪ ،‬قلت لك ّ‬

‫‪ - 1‬حسن سالم هندي إسماعيل ‪ :‬الرواية التاريخية في األدب العربي الحديث ‪ ،‬دراسة في البنية‬
‫السردية ‪ ،‬دار الحامد للنشر والتوزيع ‪ ،‬عمان ‪( ،‬ط‪2014 ، )1‬م ‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬مبروك دريدي ‪ :‬وادي الجن " فصل من سيرة فريد الجحش " ‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ ..‬الفرق بينهما أنني ال أطلب الوظيفة بتلك الشهادة التي يساوي حبرها أكثر منها ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫أن العلم ينجز شيئا ال أن يصير أكوام ورق ‪"...‬‬
‫لقد تعلمت وفهمت ّ‬

‫كما كان لجدته مسعودة دور هام في وضع الحدث باعتبارها العفريتة التي أدخلته‬
‫وادي الجن أول مرة ‪ ،‬وبعدها أصبح هو أيضا غفريتاً ‪ ،‬في قوله ‪:‬‬

‫" آمنت باالنتحار منذ زيارتي األولى إلى الجدة مسعودة ‪... ،‬جاذبية من فوالذ شدتني‬
‫إلى بيتها هناك حيث فم الوادي المرعب كغول أسطوري ‪ ،‬بقيت جملتها ستزورني‬
‫يكبر صداها "‪.2‬‬

‫حيث استمد شجاعته من اليوم الذي دخل فيه الوادي ‪ ،‬وأصبح يحب المخاطرة‬
‫والمغامرة وال يخشى شيء ويواصل مبروك دريدي في ذكر األحداث التي عملت‬
‫ف على الفتاة نهى عبر الفايس بوك ‪ ،‬والتي‬
‫على خلق الشخصية وذلك عندما تعر ّ‬
‫غيرته و حركت أحاسيسه ومشاعره بعدما كانت حياته خالية من النساء ‪ ،‬ولم يشعر‬
‫بحب أو إعجاب اتجاه ّأية امرأة في شبابه ‪ ،‬ويوضح ذلك من خالل قوله ‪ " :‬كانت‬
‫مرحلة شبابي األول خالية تماما من ّأية امرأة ‪،‬كنت أرفع كتفي عن كل المتسلقات ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫في الجامعة صارت البنات عن قرب شديد مني ولكنني لم أشم عطر واحدة ‪"..‬‬

‫وهكذا ساهمت نهى على تغيير هذه الشخصية فتحول إلى عاشق ومما أدى إلى‬
‫تطور أحداث الرواية ‪ ،‬يقول " كان كالمي هذا كافيا حين التقيت نهى لتحكم عليّ‬
‫بأني لم أكتشف الرجل الذي بداخلي ‪ ،‬كانت تقول لي أنا من يجعلك تعرف أن‬
‫النساء لسن سواء "‪ ، 4‬وأيضا مساهمتها في الحدث الكبير وهو اكتشاف السر الكبير‬

‫‪-1‬مبروك دريدي ‪ :‬وادي الجن " فصل من سيرة فريد الجحش " ‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫‪-2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫الذي يخبئه وادي الجن ‪ ،‬وهذا من أهم األحداث في الرواية ‪ ،‬حيث يجعل القاريء‬
‫يشعر باإلثارة والتشويق عند قراءته ‪ ،‬يقول في هذا الصدد ‪ " :‬تقول لي نهى أن‬
‫النص مطابق لكثير من آثار عديدة مكتومة لدى من يعرفها فقط ‪ ،‬وتخبرني أن‬
‫األحجار التي في الوادي شاهد على كنز مقبور في بطنه ‪ ،...‬هل يعقل أن في‬
‫‪1‬‬
‫الوادي كنز عريق ُمهرب من الحضارات البائدة ؟ ‪" .‬‬

‫كما ساهمت شخصية الماريشال في تطور األحداث ‪ ،‬فقد كان يبدو قاسيا بعد‬
‫ولديه ‪ ،‬لنكتشف فيما بعد أن له جانب ضعيف وطيب ‪ ،‬ورحلة‬
‫قتل زوجته وهروب ّ‬
‫فريد للبحث عنهما وتحقيق أمنية الماريشال في رؤيتهما قبل موته ‪ ،‬قائال ‪ ":‬كل هذا‬
‫ولدي هما من يغمض عيني على الومض األخير منهما‬
‫ّ‬ ‫ليس مهماً ‪ ...‬تمنيت لو أن‬
‫‪ ،‬ومن ذلك ال تعني الجثة شيئا " ‪.2‬‬

‫تعرض فريد لمواقف كثيرة تشكلت على إثرها شخصيته ‪ ،‬فبعد رحيل زوجته‬
‫نهى وأخذها البنتهما ماريا ‪ ،‬وموت الجدة مسعودة ‪ ،‬فقد كانت كل هذه األحداث‬
‫التي سارت على نهجها الرواية ‪ ،‬يقول ‪ " :‬تركتموني يتيما ‪ ..‬عاريا تماما من كل‬
‫دفء ‪ ..‬جوعان إلى حليب أطعمه من يديك ساخنا وشافيا " ‪ ،3‬فقد اختار الكاتب‬
‫األحداث التي تكون سببا في تفاعل الشخصيات وتكون أجوائها مشبعة ومليئة‬
‫بالتشويق والمغامرة ‪.‬‬

‫‪ -2‬عالقة الشخصية بالزمان ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مبروك دريدي ‪ :‬وادي الجن " فصل من سيرة فريد الجحش " ‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫‪ -3‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫يعتبر الزمن مكونا أساسيا وعنص ار هاما في بناء الرواية ‪ ،‬وقد ارتبطت الشخصية‬
‫بالزمن ارتباطا وثيقا ‪ ،‬فهي تعيش الماضي والحاضر والمستقبل ‪ ،‬وتتطور في كل‬
‫األزمنة ‪ ،‬والزمن هو اآلخر يؤثر في الشخصيات وطبائعها وسلوكاتها ‪ " ،‬فهو الخيط‬
‫‪1‬‬
‫الوهمي الذي يربط األحداث ويؤسس لعالقات الشخصيات بعضها ببعض "‬

‫وبما أن الزمن يتطور من الماضي إلى الحاضر وصوال إلى المستقبل ‪ ،‬كيف‬
‫استطاع الروائي ربطه بالشخصيات في رواية وادي الجن ؟‬

‫ومن أجل معرفة العالقة التي تربط الشخصية الروائية بعناصر الزمن وأثرها في‬
‫تجسيد الشخصية ‪ ،‬وجب دراسة حركتي االسترجاع واالستباق ‪.‬‬

‫• االسترجاع ‪:‬‬

‫ويسمى أيضا بالسرد االستذكاري وعودة الروائي للوراء واسترجاع ذكريات‬


‫مرت ‪ ،‬أو استذكار أحداث وقعت في الماضي ‪ "،‬فكل عودة تشكل بالنسبة للسرد ‪،‬‬
‫استذكا ار يقوم به لماضيه الخاص ‪،‬وتحيلنا من خالله إلى أحداث سابقة عن النقطة‬
‫التي وصلتها القصة "‪ ، 2‬وينقسم االسترجاع إلى قسمين هما االسترجاع الداخلي ‪،‬‬
‫واالسترجاع الخارجي ‪.‬‬

‫أ‪-‬االسترجاع الداخلي ‪:‬‬

‫هو استرجاع ذكريات وأحداث حدثت أو وقعت في زمن الرواية أي بعد بدايتها ‪،‬‬
‫عندما يسرد الروائي أحداث الرواية يبدأ في استرجاع ذكريات ماضية ‪ " ،‬هو الذي‬

‫‪-1‬عبد المالك مرتاض‪ :‬في نظرية الرواية‪ ،‬بحث في تقنيات السرد ‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪،‬‬
‫الكويت ‪( ،‬دط) ‪ ،1998،‬ص ‪.178‬‬
‫‪ -2‬حسن البحراوي‪ :‬بنية الشكل الروائي(الفضاء‪،‬الزمن‪،‬الشخصية)‪،‬المركز الثقافي العربي‪،‬‬
‫(ط‪1992،)1‬م ‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫يستعيد أحداثا وقعت ضمن زمن الحكاية أي بعد بدايتها"‪ 1‬ونحن اآلن أمام رواية‬
‫وادي الجن و نالحظ فيها االسترجاع الداخلي وبكثرة ‪ ،‬حيث قام الراوي باسترجاع‬
‫عمار‬
‫أحداث و مواقف التي عاشها في طفولته وتذكره أيام الجامعة مع صديقه ّ‬
‫ويتضح لنا في هذا المقطع " كنا ندرس بالجامعة واألمل يدفعنا نحو أحالمنا ‪ ،‬لم‬
‫نكن نعلم أن سنوات الجامعة ستصبح خيبة للعمر ‪ ،‬وفراغا طعن وقتنا بأمل كاذب ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫عمار طالبا في معهد اإللكترونيك "‪.‬‬
‫كنت طالب بيولوجيا وكان ّ‬

‫عمار األيام األولى التي‬


‫ونالحظ استرجاع داخلي في مقطع آخر عندما تذكر ّ‬
‫تعرف فيها على فريد وكيف كان يخاف االقتراب منه " كنت أسمع عن فريد الجحش‬
‫ّ‬
‫وأنا صغير ‪ ،‬وحين انتقلنا إلى المدرسة الثانوية في المدينة هناك خارج وادي الجن‬
‫كنت أخافه و أبتعد عن طريقه ‪ ..،‬وكنت أراقبه من بعيد ‪ ،‬فتى كالوحش ال أحد في‬
‫الثانوية يجرؤ على أن يصارعه "‪.3‬‬

‫ونجد أيضا استرجاع عمار ذكريات حزينة عاشها في صغره في هذا المقطع‬
‫عمار في خواطر من ذكرياته ‪ ،‬أعرف صاحبي ‪ ،‬تسكن كل هذه الربوع في‬ ‫"يغرق ّ‬
‫قلبه ‪ ،‬يتذكر ُيتمه وآالمه ‪ ،‬يتذكر كيف عاش في كفالة الشيخ درويش إمام الجامع ‪،‬‬
‫النحس "‪.4‬‬
‫تسميه ّ‬
‫وال ينسى قسوة زوجته التي كانت ّ‬

‫ومن االسترجاعات الداخلية أيضا نلمح في هذا المقطع الذي يدل هو اآلخر‬
‫على رغبته الكبيرة في دخول وادي الجن " منذ أن كنت طفال وأنا أحترق شوقا ورغبة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬شعبان عبد الحكيم محمد ‪ :‬الرواية العربية الجديدة ‪ ،‬دراسة في آليات السرد وقراءات نصية‪،‬‬
‫الوراق للنشر والتوزيع ‪( ،‬ط‪2004 ، )1‬م ‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬مبروك دريدي‪ :‬وادي الجن " فصل من سيرة فريد الجحش " ‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫في أمرين ‪ ،‬نزول الوادي واعتالء قمم بوبرنوس ألشهد جنة الوادي من فوق ‪ ..‬كنت‬
‫أقول ألمي بأني سأفعلها ‪ ،‬وكانت تهتز خوفا وترتعب محذرة إياك أن تفعل ‪ ،‬في هذا‬
‫‪1‬‬
‫الوادي غيالن ووحوش وجن ‪."..‬‬

‫ب‪ -‬االسترجاع الخارجي ‪:‬‬

‫هو استرجاع أحداث وقعت أو حدثت قبل بداية الرواية ‪ ،‬أي يحيلنا إلى زمن‬
‫سابق للرواية ‪ ،‬من أجل إعطاء معلومات عن الشخصيات ليتمكن القاريء من فهم‬
‫الرواية ‪ " ،‬هو الذي يستعيد أحداثا تعود إلى ماقبل بداية الحكاية "‪ 2‬ومن أمثلته في‬
‫هذه الرواية عندما استرجعت الجدة مسعودة ذكرياتها مع صديقتها رحمة جدة فريد في‬
‫أيام االحتالل وكيف احتضنتا معاً الثورة ‪ " ،‬أفقت من النوم على نحيب أمي وعويلها‬
‫كذئبة جريحة ‪ ...‬لم أشهد أبي يضحك أبدا ‪ ،‬كانت كل جملة لعنات على المحتلين‬
‫الفرنسيين وظلمهم "‪. 3‬‬

‫ويظهر االسترجاع الخارجي أيضا في مقطع آخر " كنت الولد البكر ألبي‬
‫وأمي ‪ ،‬تركتهما اللعنة وحيدين ‪ ،‬حين ضرب الطاعون أوالد سيدي المرعوش ‪ .‬نجت‬
‫أمي من بين جميع أهلها ‪ ،‬ونجا أبي من جميع أهله ‪ ،‬حين صا ار شابين تزوجا وبنى‬
‫أبي من فقره بيتا من خشب ‪ ...‬ولكن اللعنة عادت مرة أخرى ‪ ...‬ذات شتاء اشتعل‬
‫عمار عن والديه وكيف عاشا‬
‫في لمح البصر كل شيء " ‪ .‬في هذا المقطع يحكي ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مبروك دريدي ‪ :‬وادي الجن " فصل من سيرة فريد الجحش " ‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ -2‬شعبان عبد الحكيم محمد ‪ :‬الرواية العربية الجديدة ‪ ،‬دراسة في آليات السرد وقراءات نصية‪،‬‬
‫ص‪. 107‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬مبروك دريدي ‪ :‬وادي الجن " فصل من سيرة فريد الجحش " ‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫عمار وحده وعاش يتيما‬
‫وتزوجا وبعدها ماتا عندما اندلع الحريق في منزلهما ونجا ّ‬
‫منذ صغره‪.‬‬

‫• االستباق ‪:‬‬

‫هو توقع حصول أحداث في المستقبل ‪ ،‬ويعرف أنه " كل مقطع حكائي يروي‬
‫أحداثا سابقة عن أوانها أو يمكن توقع حدوثها ‪ ...‬ويقضي هذا النمط من السرد بقلب‬
‫نظام األحداث في الرواية عن طريق تقديم متواليات حكائية محل أخرى سابقة عليها‬
‫في الحدوث ‪ ،‬أي القفز على فترة مامن زمن القصة ‪ ...،‬والتطلع إلى ماسيحصل‬
‫من مستجدات في الرواية "‪.1‬‬

‫حيث يستعمل الراوي هذه التقنية من أجل التلميح أو اإلخبار عن حدث سابق ألوانه‪،‬‬
‫والتنبؤ والتطلع إلى ماسيحدث في المستقبل ‪.‬‬

‫ونجد في رواية وادي الجن العديد من االستباقات من بينها في هذا المقطع "‬
‫وعمار تزرعان نباتا غريبا عن الوادي ‪ ،‬وحين ينضج تحصدانه ذهبا ‪،‬‬
‫رأيتك أنت ّ‬
‫ولكن حين تغادران تنبت مكانه رؤوس شياطين صغيرة تصرخ ليلة كاملة ثم تشرق‬
‫عليها الشمس فتحترق "‪.2‬‬

‫وعمار بزراعة‬
‫كانت هذه الرؤية األولى للجدة مسعودة وتحققت فعال عندما قام فريد ّ‬
‫بذور القنب في وادي الجن من أجل الحصول على المخذرات ‪.‬‬

‫وأيضا نجد االستباق في المقطع التالي " ورؤيتها الثانية كانت يوم زرتها بعد‬
‫عودتي من رحلتي األولى إلى ستوكهولم ‪ ،...‬قالت ‪ :‬رأيتك في المنام ‪ ،‬في بلد يلفه‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬محمد عزام ‪ :‬شعرية الخطاب السردي‪ ،‬دراسة من منشورات إتحاد الكتاب العرب‪،‬‬
‫(دط)‪2005،‬م ‪ ،‬ص‪110‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬مبروك دريدي ‪ :‬وادي الجن " فصل من سيرة فريد الجحش " ‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫الصقيع مع امرأة شابة سمراء بوجه أبلج كصحراء ‪ ،‬ورأيتك تضع طفلة رضيعة على‬
‫سرير من الجليد " ‪ ،1‬في هذا المقطع نجد الرؤية الثانية للجدة مسعودة ‪ ،‬وكانت‬
‫تعرف فريد على نهى وأحبها ثم تزوجها ‪ ،‬و أنجبت طفلة اسمها‬
‫رؤيتها صادقة ‪ ،‬فقد ّ‬
‫إليس ماريا ‪.‬‬

‫وعمار تهربان من حريق مهول‬


‫وهناك استباق آخر في هذا المقطع " رأيتك أنت ّ‬
‫اشتعل بالوادي ‪ ،‬كنتما في وسطه ‪ ،‬وحاصرتكما النار من كل الجهات ‪ ،‬جئت أجري‬
‫ووقفت على الضفة ‪ ،‬كان كل شيء يشتعل ورؤوس الشياطين الصغيرة تصرخ ‪،‬‬
‫رعبت للمنظر وأنتما هناك في الوسط والنار تقترب منكما ‪ ،‬صرخت بصوت الرعد ‪:‬‬
‫ادخال إلى الماء ‪ ..‬اسحبا في مجراه حتى تخرجا "‪ ، 2‬كانت هذه الرؤية الثالثة للجدة‪.‬‬

‫من خالل ماسبق نستنتج أن الزمن مكون أساسي في بناء الشخصية ‪ ،‬وهو‬
‫الذي يحدد عالقته بباقي الشخصيات األخرى ‪ ،‬كما أن تقنية االسترجاع واالستباق‬
‫ساهمت كثي ار في سيرورة األحداث وتطويرها و تحريك الشخصيات داخل الزمن‬
‫باستذكار لبعض الحوادث أو الشخصيات المرتبطة بزمن الرواية ‪.‬‬

‫‪-3‬عالقة الشخصية بالمكان‪:‬‬

‫يشكل المكان أهمية في بناء العالم الروائي ‪ ،‬ويلعب دو ار كبي ار في تشكيل‬


‫الشخصية الروائية ‪ ،‬فهناك عالقة مباشرة بين المكان والشخصيات " ألن كل حادثة‬
‫البد أن تقع في مكان معين ال على أساس أنه ( موقع ) الحدث فحسب بل على‬
‫أساس أنه دافع ومحرك للحدث ومسبب لكل ماتقوم به الشخصيات من حركة داخل‬
‫العمل األدبي ‪ ،‬بل هو واحد من العناصر التي يتخلق وعي اإلنسان وتتشكل تجاربه‬

‫‪ -1‬مبروك دريدي ‪ :‬وادي الجن " فصل من سيرة فريد الجحش "‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪ -2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫عبر تماسه معها بذلك ليس وعاءا مجردا لوقوع الحدث ‪ ،‬أو حيز للحياة فحسب بل‬
‫صورة مهمة من صور وجودها "‪ ، 1‬يعتبر المكان العمود الفقري الذي يربط أجزاء‬
‫العمل الروائي ببعضها البعض‬

‫وهكذا تتضح العالقة الوطيدة بين المكان والشخصيات الروائية ‪ ،‬فالروائي ال‬
‫يستطيع تشكيلها بعيدا عنه‪ ،‬والتستطيع العيش دونه ‪ ،‬فهو بيئتها التي تتحرك فيه‬
‫يحتضنها بكل ما أوتي من قوة ‪.‬‬

‫وإذا ما نظرنا في رواية وادي الجن سنجد تماثال في توظيف المكان ‪ ،‬حيث تعددت‬
‫األماكن وتنوعت وفقا لألحداث المسرودة ‪ ،‬بين أماكن مغلقة و أماكن مفتوحة ‪.‬‬

‫أ‪ -‬األماكن المغلقة ‪:‬‬

‫يؤدي هذا النوع من األمكنة في رواية وادي الجن دو ار مهما في تشكيل الشخصية‬
‫الروائية ‪ ،‬حيث نجدها " مليئة باألفكار و الذكريات واآلمال والترقب وحتى الخوف‬
‫والتوجس ‪ ،‬فهي تولد المشاعر المتناقضة المتضاربة في النفس ‪ ،‬وتخلق لدى‬
‫اإلنسان صراعا داخليا بين الرغبات والمواقع ‪ ،‬وتوحي بالراحة و األمان ‪ ،‬وفي الوقت‬
‫نفسه بالضيق والخوف "‪ 2‬ومن أهمها ‪:‬‬

‫• البيت ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬ضياء غني لفتة ‪ :‬البنية السردية في شعر الصعاليك ‪ ،‬دار الحامد للنشر‪،‬‬
‫األردن‪(،‬ط‪2016،)1‬م ‪ ،‬ص‪.117‬‬
‫‪ -2‬حفيظة أحمد‪ :‬بنية الخطاب في الرواية النسائية الفلسطينية ‪ ،‬منشورات مركز أو غاريت‬
‫الثقافي ‪ ،‬رام هللا ‪ ،‬فلسطين ‪(،‬ط‪2007 ،)1‬م ‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫البيت له ارتباطا وثيق باإلنسان ‪ ،‬وله دور مهم في تشكيل العمل الروائي ‪ ،‬وهو‬
‫عند جاستون باشالر " البيت جسد وروح وهو عالم اإلنسان األول " ‪ ،1‬فهو المكان‬
‫الوحيد الذي يلجأ إليه اإلنس ان وفيه يصب آالمه وأحزانه‪،‬فهو يمثل مكان االحتماء‬
‫واالستقرار والهروب من الخارج ‪ ،‬ونالحظ في رواية وادي الجن أن الكاتب قدم لنا‬
‫وصفا جميال لبيته ‪ ،‬قائال‪ " :‬بيت جميل مرتب وكل شيء في مكانه ‪ ،‬نظيف ورائحة‬
‫فواح ‪ ،‬على الجدار زربية صغيرة عليها‬ ‫النعناع المغروس بحوشه تتنفس بعطر ّ‬
‫رسمة الكعبة ‪ ،‬وعلى الجدار المقابل بندقية قديمة معلقة ‪ ، 2"..‬وفي البيت تُقام‬
‫مأدوبات للطعام يجتمع فيها األهل واألحباب واألصدقاء ‪ ،‬في قوله ‪ " :‬وفي الحديقة‬
‫فرشت الزرابي ووضعت طاوالت الغداء الفاخر ‪ ..‬كل صنوف ماتعشقه الكروش من‬
‫‪3‬‬
‫اللحم والطعام والفاكهة ‪"...‬‬

‫البيت هو المكان الذي يحمل الذكريات واآلالم واألحالم ‪ ،‬وفيه يتذكر المرء كل‬
‫لحظاته الماضية من حزن أو فرح ‪ ،‬في قوله ‪ " :‬مفتاح أنجبت به عودة إلى داخل‬
‫البيت الذي غرست فيه شتلة من روحي ‪ ،‬ومخطوط من إلهة غرست خلودا بعمري ‪،‬‬
‫وصورة إلبنتي إليس ماريا ‪ ،‬أعود على مالمحها طفال نقيا من كل الدنس‪،4"..‬معنى‬

‫هذا القول أن بعد عودة فريد إلى بيته ولم يجد زوجته وابنته ماريا ‪ ،‬بدأ بتذكر‬
‫اللحظات التي عاشها فيه ‪ ،‬فالبيت يعتبر المكان المفضل كونه يحتوي على لحظات‬
‫الفرح والسرور ‪ ،‬وحين نبتعد عنه نشعر بالحنين إليه ‪ ،‬في قوله ‪ " :‬في الزيارة ‪،...‬‬

‫‪-1‬غاستون باشالر‪ :‬جماليات المكان ‪ ،‬ترجمة غالب هلسا ‪،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‬
‫والتوزيع ‪،‬بيروت‪-‬لبنان‪( ،‬ط‪1984،)2‬م ‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬مبروك دريدي ‪ :‬وادي الجن "فصل من سيرة فريد الجحش " ‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.149‬‬
‫هناك في الحوش المبّلط بالرخام الناصح تفتح أمي ذراعيها لعناق صغيرها‪،...‬‬
‫أعانقها ورنين ذهبها ينبس من كل جهة "‪. 1‬‬

‫من خالل كل هذا نستنتح أن للبيت أهمية كبيرة في هذه الرواية ‪ ،‬حيث قام‬
‫الروائي بتوظيفه في أشكال مختلفة ومتعددة ‪.‬‬

‫• السيارة ‪:‬‬

‫تعتبر السيارة مكان مغلق ووسيلة نقل من مكان إلى آخر ‪ ،‬وتعد من األماكن‬
‫المغلقة التي تؤثر على اإلنسان بصورة إيجابية وسلبية ‪ ،‬فمن خالل زجاج السيارة‬
‫الالمع يتأمل ويفكر في ماضيه ومستقبله ‪ ،‬حيث كانت السيارة في رواية "وادي‬
‫وعمار ويتشاركان في آالمهما وأحزانهما‬‫ّ‬ ‫الجن" المكان الذي يجتمع فيه فريد‬
‫ويسترجعان ذكريات من طفولتهما وأيام من الجامعة ‪ ،‬في قوله ‪ " :‬ندخل بالسيارة في‬
‫عمار في خواطر من‬ ‫دروب عند سفح الجبال ونأخذ في التسلق رويدا ‪ ...‬يغرق ّ‬
‫ذكرياته ‪...‬يتذكر يتمه وآالمه ‪ 2".‬وأيضا كانت المكان الذي تشاركا فيه فرحتهما‬
‫عمار ‪ ...‬تركض بنا السيارة‬
‫بالحصول على ملكية وادي الجن ‪ ،‬قائال ‪ :‬أنطلق رفقة ّ‬
‫‪3‬‬
‫كمهرة في شدة الفرح ‪ ،‬هذا اليوم مشهود ‪ ..‬يوم تاريخي " ‪.‬‬

‫• المستشفى ‪:‬‬

‫هو مكان لعالج المرضى أمال في الشفاء ‪ " ،‬يتخذ المستشفى في الواقع شكل‬
‫مكان للعالج وال يركن بزواره المؤقتين يأتونه من أمكنة مختلفة بحثا عن الشفاء ثم‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مبروك دريدي ‪ :‬وادي الجن " فصل من سيرة فريد الجحش " ‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.39-38‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫يغادرونه ‪ ،‬يعيش حركة تجعله مكان انتقال مفتوح على الناس "‪ ، 1‬فهو المكان الذي‬
‫يقدم أكثر الخدمات اإلنسانية ‪ ،‬وقد ذكر الكاتب مبروك دريدي المستشفى عدة مرات‬
‫عند زيارة البطل للماريشال الذي كان على فراش الموت ‪ ،‬في قوله ‪ " :‬أزور موالنا ‪،‬‬
‫ممدد في سرير مرضه ‪ ،‬خيوط وأنابيب‬ ‫في هذه المرة أراه كما لم أره من قبل ‪ّ ،‬‬
‫تنغرس بلحم جسمه وعروقه ‪ ،‬يتنفس بصعوبة بين فاصلة وأخرى من أنفاسه يأخذ‬
‫قناع األوكسجين ويضعه على فمه وأنفه "‪ ، 2‬وذكره أيضا عندما وضعت نهى‬
‫مولودها ‪ ،‬قائال ‪ " :‬ذهبت إلى المستشفى لتضع مولودها ‪ ،‬زرتها قبل ثالثة أيام وقد‬
‫‪3‬‬
‫وضعت بنتا كأنها الشمس ‪ ..‬عدت ألطمئن عليها فأخبروني أنها خرجت‪".‬‬

‫• المصنع ‪:‬‬

‫هو عبارة عن مبنى أو مجموعة مباني التي تصنع فيها المنتجات ‪ ،‬حيث تختلف‬
‫أحجامها ‪ ،‬ويتم فيه تحويل المواد الخام واألجزاء إلى منتجات جاهزة لإلستخدام ‪،‬‬
‫وفي هذه الرواية البطل يريد استغالل المصنع في تجارة المخدرات تحت غطاء‬
‫مصنع لمواد البناء ‪ ،‬نالحظ أنه قدم لنا وصفا دقيقا له في قوله ‪ " :‬وبدأ المصنع‬
‫ينبت وتتضح معالمه ‪ ،‬شركة بناء أجنبية صممته وفقا للطلب ‪ ،‬وتبنيه بكل مرافقه‪..‬‬
‫وحدة اإلنتاج ووحدات التجميع ‪ ،‬وحفر مناجم الخام ‪ ...،‬وأمام المصنع مستودعات‬
‫التخزين ‪ . 4"..‬وبعدها اكتمل بناء المصنع وبدأ بمشروعه في قوله " اكتمل بناء‬
‫المصنع ‪ ،‬وتم وضع كل شيء فيه موضع اإلنتاج ‪ ،‬اشتغلت اآلالت ‪.5"..‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬الشريف حبيلة ‪ :‬بنية الخطاب الروائي ‪ ،‬ص ‪.238‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬مبروك دريدي ‪ :‬وادي الجن ‪ ،‬ص ‪.104‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.148‬‬
‫‪ -4‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫• المقهى ‪:‬‬

‫يعتبر من األماكن المغلقة التي وظفها الكاتب في روايته ‪ ،‬فهو " مكانا جماليا‬
‫مطروقا وزيادة على ذلك فإن المقهى كمكان جمالي يعتبر عالمة من عالمات‬
‫اإلنفتاح اإلجتماعي والثقافي ‪ ،‬فنالحظ أن المقاهي انتشرت في كتابات العديد من‬
‫الروائيين العرب ‪ ،‬كما يعد المقهى مسرح الحياة الشعبية ‪ ،‬وهو مكان اللعب ‪ ،‬لعب‬
‫األفكار واللغو‪ ..‬والتأمل والترويج عن النفس التي ضاقت بالحاضر وهمومه وأغالله‬
‫اإلجتماعية والسياسية والفكرية "‪ .1‬حيث كان المقهى في رواية وادي الجن المكان‬
‫الذي يلتقي فيه البطل مع أصدقائه من بينهم يوسف اليهودي الذي ساعده كثي ار في‬
‫الحصول على بذور القنب ‪ ،‬في قوله ‪ " :‬زرته مرات في مقهى المدينة وصاحبته‬
‫‪،‬شيخ متقاعد من عمله لنصف قرن بفرنسا ‪.2"...‬‬

‫وقوله أيضا ‪ " :‬دخلت مقهى المدينة باك ار وجلست في صمت أنتظر قهوتي‪...‬‬
‫جاءني النادل بقهوتي "‪ .3‬فهو الملجأ الوحيد الذي يجد فيه اإلنسان راحته ‪ ،‬ويجتمع‬
‫فيه مع أحبته ‪ ،‬عند سفر البطل فريد إلى باريس لجأ إلى المقهى المفضل لديه ‪،‬‬
‫المحبب في باريس ‪" ،‬مقهى فوكتس" الذي‬
‫ّ‬ ‫قائال ‪ " :‬أركب سيارة أجرة إلى مقهاي‬

‫يفوق عمره المئة عام ‪ ...‬في مقهى "فوكتس" أخذت وجبة فطور ‪ ،‬تعقب قهوة‬
‫أرابيكا ‪.4"...‬‬

‫‪-1‬شاكر النابلسي‪ :‬جماليات المكان في الرواية العربية ‪ ،‬دار فارس للنشر والتوزيع ‪(،‬ط‪،)1‬‬
‫‪1994‬م ‪ ،‬ص‪.195-194‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬مبروك دريدي ‪ :‬وادي الجن " فصل من سيرة فريد الجحش " ‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪ -4‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫نستنتج أن توظيف الروائي مبروك دريدي لألمكنة المغلقة في رواية " وادي‬
‫الجن " قد زادها فنية جمالية وأن هناك ثراء نسبي في األمكنة ‪ ،‬وتعددها واختالفها‬
‫ينعكس على وظائفها ‪ ،‬ولها دالالت تعكسها على نفسية الشخصيات ‪.‬‬

‫ب‪-‬األماكن المفتوحة ‪:‬‬

‫" يوحي المكان المفتوح باالتساع والتحرر ‪ ،‬وال يخلو األمر من مشاعر الضيق‬
‫والخوف والسيما إذا كان المكان المفتوح في أمكنة الشتات والمنافي والمخيمات‪،‬‬
‫ويرتبط المكان المفتوح بالمكان المغلق ارتباطا وثيقا ولعل حلقة الوصل بينهما هي‬
‫اإلنسان الذي ينطلق من المكان المغلق إلى المكان المفتوح ‪ ،‬توافقا مع طبيعته‬
‫الراغبة دائما في االنطالق و التحرر " ‪ ،1‬فهي األمكنة التي فيها حرية التنقل دون‬
‫قيود ‪ ،‬ومتاحة للجميع ‪ ،‬وتشكل مع األمكنة المغلقة ثنائيات ضدية‪ ،‬وقد وظف‬
‫الكاتب العديد من األماكن المفتوحة في هذه الرواية أهمها ‪:‬‬

‫• المدينة ‪:‬‬

‫لم تعد المدينة مجرد "مكان لألحداث بل استحالت موضوعا‪،‬خاصة مع تنامي‬


‫العوامل الداخلية والخارجية فمن الناحية االجتماعية تعد ذات كثافة سكانية كانت‬
‫سبب مظاهر كثيرة ومشكالت نفسية واجتماعية ومن ناحية أخرى أصبحت المدينة‬
‫‪2‬‬
‫ملتقى التيارات الفكرية والفلسفية العالمية الواردة إليها من جهات مختلفة من العالم "‬

‫تتحرك األحداث والشخصيات في بيئة مدنية في أغلبها ‪ ،‬وأحيانا في أكثر من مدينة‬


‫واحدة ‪ ،‬ونجد أن رواية وادي الجن غنية باألماكن فالكاتب مبروك ذكر العديد من‬
‫المدن وهي ‪ ( :‬باريس‪ ،‬مدريد ‪ ،‬ستوكهولم ‪ ،‬طوكيو ‪ ،‬فيينا ‪ ،‬نيويورك ‪،‬شيكاغو‪.)...‬‬

‫‪-1‬شاكر النابلسي ‪ :‬جماليات المكان في الرواية العربية ‪ ،‬ص‪.166‬‬


‫‪-2‬الشريف حبيلة ‪ :‬بنية الخطاب الروائي ‪ ،‬ص‪.256‬‬
‫تحدث الكاتب عن مدينة ستوكهولم ‪ ،‬المدينة التي تعيش فيها نهى التي تعرف‬
‫عليها‪ ،‬حيث سافر فريد إليها ليلتقي بها ‪ ،‬يقول ‪ " :‬ستوكهولم ‪ ..‬أرخبيل السحر ‪..‬‬
‫شهقتي هنا من أنفاس نهى ‪ ،‬تالمس الطائرة أرضية المطار‪ ...‬أجيئك ياستوكهولم"‪.1‬‬

‫س افر البطل فريد إلى جنيف لزيارة موالنا الذي هو طريح في المستشفى ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫"أستقل القطار إلى جنيف ‪ ..‬المدينة األنيقة ‪ ،‬مدفن كنوز الجنوب ‪ ،‬وملتقى حقوق‬
‫اإلنسان " ‪.2‬‬

‫وأيضا سافر البطل إلى باريس في قوله ‪ " :‬تحط الطائرة بمطار شارل ديغول في‬
‫باريس عاصمة الجن والمالئكة ‪ ،‬عرفتها في زوايا الليل والنهار ‪ ،‬ومنها نسجت‬
‫دروبا عديدة هنا ‪ ،‬وانطلقت منها إلى عواصم كثيرة ‪ ،‬سائحا و تاج ار " ‪.3‬‬

‫كذلك سفره وتجوله في دول أوروبا كلها وهذا مايتضح لنا في قوله ‪ " :‬في عباءة‬
‫أحج إلى‬
‫الغريب تجولت في كل أوروبا ‪ ،‬أبيت ليلتي هنا بباريس وعند خيط الفجر ّ‬
‫سويس ار ‪..‬إلى جنيف "‪. 4‬‬

‫وعند هروب زوجته وابنته ‪ ،‬سافر وتنقل بين بلدان العالم باحثا عنهما ‪ ،‬ولكن‬
‫دون جدوى فلم يستطع العثور عليهما و كأن األرض ابتلعتهما قائال ‪ " :‬عدت إلى‬
‫البلد بعد شهور أنفقتها في البحث عن نهى ‪ ..‬من ستوكهولم إلى فيينا إلى أمستردام‬

‫‪-1‬مبروك دريدي‪ :‬وادي الجن " فصل من سيرة فريد الجحش " ‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪ -2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪ -3‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.84‬‬
‫‪ -4‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫إلى سان بطرس بورغ إلى روما ‪ ..‬ومنها إلى نيويورك وشيكاغو وكواال النبور وهونغ‬
‫كونك "‪. 1‬‬

‫ومنه يتضح لنا أن المدينة من األماكن المفتوحة وأهم مكان تلتقي فيه شخصيات‬
‫الرواية ‪.‬‬

‫• القرية ‪:‬‬

‫من األمكنة المفتوحة ‪ ،‬وتعد أكثر ثراء فني في الرواية المعاصرة ‪ ،‬وهي " ذلك‬
‫الحيز المكاني الخصب الذي يؤثر في اإلنسان وتشده إلى األرض وتتميز جغرافيا‬
‫بامتداد حقولها ‪ ،‬وببساطة أبنيتها التي تعكس حياة أصحابها "‪. 2‬‬

‫تعتبر القرية مكانا له عالقة بشخصيات الرواية ‪ ،‬حيث ذكر الكاتب قريتين قرية‬
‫عمار‪،‬‬
‫سيدي الوزاني التي عاش فيها فريد وقرية سيدي المرعوش التي عاش فيها ّ‬
‫وكان يفصلهما الوادي ‪ ،‬في قوله ‪ " :‬في قريتنا وفي القرى المجاورة من أوالد سيدي‬
‫الوزاني وسيدي المرعوش اتفق الناس على الحكاية الواحدة ‪ ..‬وادي الجن للجن "‪. 3‬‬

‫• وادي الجن ‪:‬‬

‫يمتد الوادي بين السهول والهضاب والجبال ‪ ،‬وتسيل األنهار والسيول التي تتدفق في‬
‫األودية ‪ ،‬تدريجيا من األراضي الداخلية إلى المحيط ‪ ،‬حيث تتميز أراضي األودية‬
‫بخصوبتها ‪ ،‬مما يجعلها صالحة للزراعة ‪ ،‬ويعتبر في هذه الرواية أهم مكان تحدث‬
‫عنه الروائي ‪ ،‬والذي أراد البطل فريد الحصول على ملكيته ليستغله في زراعة بذور‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مبروك دريدي ‪ :‬وادي الجن " فصل من سيرة فريد الجحش " ‪ ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬حنان محمد موسى حمودة ‪ :‬الزمكانية وبنية الشعر المعاصر ‪ ،‬أحمد عبد المعطي نموذجا‪،‬‬
‫عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع ‪( ،‬ط‪2006 ، )1‬م ‪.29،‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬مبروك دريدي ‪ :‬وادي الجن " فصل من سيرة فريد الجحش " ‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫ا لقنب من أجل تجارة المخدرات ‪ ،‬ويصفه في قوله ‪ " :‬يتدفق وادي الجن من سفح‬
‫وتضج شرايينه بماء زالل على مدى مئة وخمسين كيلومتر‪ ...‬حيث‬
‫ّ‬ ‫جبال بوبرنوس‬
‫تذوب عذوبة الماء في مطحنة الملح ‪ ...،‬وعلى طول الضفاف تنتشر قرى إلى‬
‫اليسار نزوال إلى البحر ‪" 1.‬‬

‫ويعد هذا الوادي الفاصل بين القريتين ‪ ،‬قرية سيدي المرعوش وقرية سيدي‬
‫ومحرم اجتيازه ‪،‬‬
‫حد فاصل بينهما ّ‬
‫الوزاني ‪ ،‬في قوله ‪ " :‬وتقول الحكاية أن الوادي ّ‬
‫وعلى مدى زمن طويل تكاثر األبناء وتفسحوا في أرض الضفتين "‪. 2‬‬

‫وأيضا هو المكان الذي كانت تسرح فيه الجدة مسعودة عنزاتها السبعة ‪ ،‬وكانت‬
‫الوحيدة التي تدخله دون خوف ‪ ،‬يقول ‪:‬‬

‫" كان بيتها أقرب بيت إلى الوادي ‪ ،‬كانت تقيم على ضفة بعيدة عن كل أوالد‬
‫سيدي الوزاني ‪ ،‬وكان الناس يحكون فيها العجب ‪ ..‬يقولون بأنها صديقة الجن "‪. 3‬‬

‫وفي األخير نالحظ أن هناك تنوع في األماكن المغلقة والمفتوحة ‪ ،‬وأنها لم‬
‫توظف كديكور يؤطر األحداث فقط بل لها دور ووظيفة وهو المشاركة في األحداث‬
‫وساعدت في تفاعل الشخصيات معها ‪ ،‬من أجل تشكيل المعنى العام للرواية‪ ،‬لهذا‬
‫لجأ إليها الروائي ليؤسس بها عمله السردي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مبروك دريدي ‪ :‬وادي الجن " فصل من سيرة فريد الجحش " ‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.29‬‬

You might also like