You are on page 1of 121

‫إهداء‬

‫إلى من كلل ت أنامله ليقدم لنا لحظة سعادة‬


‫إلى من حصد الوشواك عن دربي ليمهد لي طريق العلم‬
‫إلى من علمني النجاح والصبر‪ ...‬والدي العزيز‬
‫إلى رمز الحب وبلسم الشفاء‬
‫إلى من كان ت عونا ودفء بين أضلعي‬
‫إلى القلب الكبير‪ ....‬والدتي ا لحبيبة‬
‫إلى إخوتي و باقي أفراد أسرتي ‪..‬‬
‫إلى أساتذتي الكرام‪...‬‬
‫إلى رفقاء الدراسة صديقاتي ‪ ..‬زمليئي و زميلتي ‪...‬‬
‫أهدي لكم جميعا ثمرة جهدي ونجاحي ‪ ,‬التي ها أنا أقف لقطفها بعد أن ينع ت‬
‫لي‪ ,‬وهذه الثمرة هي تخرجي ‪ ,‬في انتظار قطف المزيد بإذن ال ‪..‬‬

‫وشيبان إبتسام‬
‫يوم‪2016\05\14 :‬‬
‫المقدّمة‬

‫المسرح هو أبو الفنون وأكثرها تأثي ار في نفوس الناس وثاني أقدم أشكال الفن بعد الشعر‪.‬وسمي‬
‫ّ‬
‫عدة أنشطة إنسانية ‪ ,‬و يجمع أكثر من فن‪ ,‬فهناك فن الكتابة األدبية التي‬
‫ألنه يختصر ّ‬
‫كذلك ّ‬

‫النص المسرحي‪ ،‬وهناك فن التمثيل وفن اإلخراج‪ ،‬والفن التشكيلي المتمثل في‬
‫تتمثل في كتابة ّ‬

‫تصميم وتنفيذ الديكور والمالبس المسرحية وفن اإلضاءة وتصميم الرقصات‪ ..‬وفن الموسيقى‪،‬‬

‫وتجتمع كل هذه الفنون لتنتج لنا في النهاية عرضا مسرحيا متناغما ومتناسقا ذا وحدة فنية واحدة‬

‫تخصصه ‪.‬‬
‫كل حسب ّ‬
‫عدة عقول مبدعة ّ‬
‫تشكلها مجموعة أفكار ل ّ‬
‫ّ‬

‫يرتبط المسرح ارتباطا وثيقا بالدين والثقافة والمجتمع اإلنساني والمدارس الفلسفية والمذاهب‬

‫األدبية ‪ ,‬إذ كان وما يزال هو نقطة االنطالق المعتادة ‪ ،‬لش اررة البداية المعرفية والثقافية نحو‬

‫التطور والوعي اإلنساني للمساعدة في معالجة القضايا االجتماعية في سبيل تطوير المجتمعات‪،‬‬

‫والوصول بها إلى أفضل حال ‪.‬‬

‫وحسب قول عميد المسرح االنجليزي وليام شكسبير ‪ ":‬الدنيا مسرح كبير‪ ،‬وكل الرجال والنساء‬

‫ما هم إال العبون على هذا المسرح‪ "..‬والمقولة الشهيرة ‪ ":‬أعطيني مسرحا أعطك شعبا عظيما"؛‬

‫فالمسرح ضروري لألفراد و المجتمعات و يلعب دو اًر كبي اًر في التوعية والتوجيه وتبصير الناس‪.‬‬

‫كونه أكثر الفنون تأثي اًر في النفوس ‪ ,‬فالعرض المسرحي ال يكتمل دون جمهور مشاهد يتلقى‬

‫ويتفاعل مع المسرحية ‪ ,‬حيث يجسد الممثلون جانباً من التجربة اإلنسانية أمام المشاهد فتضيف‬

‫تغير نظرته الكونية و مواقفه الحياتية ‪.‬‬


‫إلى رصيده المعرفي وتؤثر في نفسّيته وسلوكه وقد ّ‬

‫~ ~‬
‫المقدّمة‬

‫الزمان للتغيير والتعديل والتشكيل سواء كان ذلك في شكل خشبته‪،‬‬


‫مر ّ‬‫وقد خضع المسرح على ّ‬

‫أم في شكل العروض التي تمثل داخله‪ ،‬بل إن دور التمثيل نفسها كانت موضعاً للتغيير والتبديل‪،‬‬

‫ومر بمراحل كثيرة حتى أقيمت‬


‫فن المسرحي في الميادين‪ ،‬وخارج المعابد‪ ،‬وداخل الكنائس‪ّ ،‬‬
‫فقدم ال ّ‬
‫ّ‬

‫يميز المسرح هو مكانه الخاص الذي غالبا ما يكون في منصة‬


‫له دور التمثيل الحالية‪ .‬وما ّ‬

‫مرتفعة عن األرض نسبيا و الناس ينظرون للمسرح من أسفل هذه المنصة‪ ,‬لمشاهدة الممثلين‬

‫الذين يقومون بأداء الشخصيات الموجودة في ّ‬


‫النص المسرحي‪ .‬هكذا هو المسرح كما نعرفه‪ ,‬ولكنه‬

‫بالتأكيد لم تكن هكذا بدايته‪ .‬إذ وجد قبل آالف وآالف السنين و نظ ار لالرتباط الوثيق للمسرح‬

‫وممثليه بالجمهور ‪ ،‬ودوره في معالجة قضايا المجتمعات ‪ ,‬فهو مقدر له أن يعيش ما عاش‬

‫اإلنسان ‪.‬‬

‫فعالة في‬
‫تطوره ‪ ,‬ما جعله وسيلة ّ‬
‫شعبيا ارتجاليا منذ نشأته إلى حين ّ‬
‫ّ‬ ‫كان المسرح الجزائري‬

‫ألنه أقرب الفنون إلى نفوس الشعب ‪ ,‬لهذا‬


‫الترويج للثورة ونشر الوعي السياسي أثناء االحتالل ‪ّ ,‬‬

‫الدوافع لدراستنا موضوع المسرح هو‬


‫لعل أهم ّ‬
‫تطرقنا إليه للبحث فيه واستكشافه لمعرفة أصوله ‪ ,‬و ّ‬
‫ّ‬

‫النفس وعدم وجود دراسات كثيرة‬


‫قّلة تداوله في بحوث الطلبة من جهة‪ ,‬وشغفي وفضولي لعلم ّ‬

‫المذكرة ب‪ :‬سيكولوجية‬
‫ّ‬ ‫تجمع بين علم النفس والمسرح من جهة أخرى‪ ,‬وقد وسمنا عنوان‬

‫الشخصية في المسرح الجزائري مسرحية ياقوت والخفاش ألحمد بودشيشة أنموذجا ‪ ,‬فالشخصية‬

‫أهم عناصر البناء المسرحي وأحداث الموضوع ناتجة عن أفكار الشخصيات ‪ ,‬ولكن هل‬
‫المسرحية ّ‬

‫الدفينة و الشعور مبدعها ؟‬


‫النفسي لهذه الشخصيات بعيدا عن األغوار ّ‬
‫بإمكاننا تحليل الجانب ّ‬

‫~ ~‬
‫المقدّمة‬

‫النظريات السيكولوجية المعروفة أو حتّى جزءا‬


‫وان كان كذلك هل نستطيع إسقاط أو تطبيق ّ‬

‫النفس‬
‫منها على شخصياتنا المسرحية المختارة ؟؟ وكيف يمكن للمسرح أن يلتحم مع علم ّ‬

‫للمساهمة في معالجة القضايا النفسية واالجتماعية ؟‬

‫تتكون من‬
‫النفسي مع رسم خطة للبحث ّ‬
‫ولإلجابة عن هذه التساؤالت حاولنا تطبيق المنهج ّ‬

‫فن المسرح بصفة‬ ‫كل فصل يحتوي على ثالثة مباحث ؛ حيث تناولنا في الفصل ّ‬
‫األول ّ‬ ‫فصلين و ّ‬

‫عامة ‪ ,‬من تعريف للمسرحية وأشكالها وتقنيات العمل المسرحي وهيكله العام ‪ ,‬باإلضافة إلى‬

‫المواضيع المدرجة في المسرح الجزائري ونشأة المسرح عند العرب بصفة عامة وفي الجزائر بصفة‬

‫خاصة وكذلك نشأته في الغرب ‪.‬‬


‫ّ‬

‫أما الفصل الثاني فقدمنا فيه مفهوم السيكولوجيا وبعض النظريات في الشخصية ألشهر علماء‬
‫ّ‬

‫النفس (فرويد ‪ ,‬آدلر ‪ ,‬يونج) وعنص ار عن المسرح النفسي الذي يبرز جانبا من عالقة المسرح بعلم‬

‫النفس ‪ ,‬وأيضا تعريف الشخصية المسرحية بأبعادها وأنواعها ‪ ,‬كما قدمنا كذلك تعريف وتحليل‬

‫وتحدثنا أيضا‬
‫لشخصيات مسرحية ياقوت والخفاش المختارة ‪ ,‬وقراءة بين سطور هذه المسرحية ‪ّ ,‬‬

‫المتوصل لها من خالل هذا‬


‫ّ‬ ‫أهم االستنتاجات‬
‫عن زمانها ومكانها ‪ .‬لنصل إلى الخاتمة التي تضم ّ‬

‫وملخص للمسرحية ‪ ,‬وقد استعنا ببعض المصادر‬


‫ّ‬ ‫يضم تعريف بسيط للمؤّلف‬
‫البحث مع ملحق ّ‬

‫أهمها ‪ :‬مسرحية ياقوت والخفاش ألحمد بودشيشة ‪ ,‬المسرح في الجزائر‬


‫والمراجع في بحثنا ّ‬

‫لمحمد مياسا ‪ ,‬المسرح والشعر محمد عناني ‪,‬‬


‫ّ‬ ‫لصالح لمباركية ‪ ,‬موسوعة علم النفس‬

‫الشخصية لمأمون صالح ‪ ...,‬وغيرها‪.‬‬

‫~ ~‬
‫المقدّمة‬

‫و كأي بحث جديد فقد اعترضتنا بعض الصعوبات أبرزها ندرة أو تقريبا عدم وجود الدراسات‬

‫التي تجمع بين المسرح وعلم النفس كذلك المراجع المتعلقة بهذا الموضوع وكذلك قّلة الكتب‬

‫الدارسة للمسرح الجزائري وصعوبة إيجاد نسخ كثيرة من األعمال المسرحية في كل المكتبات‬
‫ّ‬

‫الصبر‬
‫المجاورة ‪ .‬لكن على العموم لوال الصعوبات لفقد البحث بريقه ومتعته فبسببها نتعلم ّ‬

‫ونصر على المثابرة من أجل بلوغ أهدافنا وكسب التحديات التي نواجهها ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫واالجتهاد‬

‫وال ننسى تقديم فائق عبارات ال ُشكر والتقدير لمن أعطى من حصيلة فكره وأضاء بعلمه عقول‬

‫تفضل باإلشراف على بحثنا المتواضع ‪ ,‬وأفادنا‬


‫طلبته ‪ ,‬أستاذنا " الدكتور سمير إدريسي" ‪ ,‬الذي ّ‬

‫بتوجيهاته وخبرته العلمية ‪.‬‬

‫~ ~‬
‫المقدّمة‬

‫~ ~‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫المسرح والمسرحية‪:‬‬
‫تعريف المسرحية‪:‬‬
‫لغة‪:‬‬
‫" يعد المسرح من أعرق الفنون و أقدمها‪ ,‬و كلمة مسرح )‪ )Théatre‬تعود في معناها‬

‫االشتقاقي إلى األصل اليوناني )‪ )Theatron‬التي تعني مكان الشاهدة‪...‬وقد أخذت الكلمة عبر‬

‫التاريخ دالالت معينة‪ ,‬فهي فن من فنون الشعر في الحضارة اليونانية‪ ,‬و نص مكتوب يؤديه ممثلون‬

‫عند الرومان "‪.1‬‬

‫ويعرف المسرح في لسان العرب البن منظور؛ " المسرح ‪ :‬بفتح الميم‪ :‬المرعى الذي تسرح فيه‬

‫كالسباح "‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫المسارح‬ ‫للرعي وجمعه المسارح‪ ,‬ومنه قوله‪ :‬إذا عاد‬
‫الدواب ّ‬
‫ّ‬

‫أما في معجم المنجد في اللغة العربية المعاصرة " فالمسرح‪:‬ج مسارح ؛ مكان السرح ‪ :‬القرية‬

‫معدة للتمثيل؛مسرح‬
‫مسرح طفولتي‪ ,‬مكان تمثل عليه المسرحيات‪ ,‬ذهب الى المسرح ‪ ,‬أخشاب مرتفعة ّ‬

‫وجيد‪ ,‬صعد إلى المسرح ‪ ,‬ومنه فالمسرحية‪:‬ج مسرحيات ‪ ,‬تمثيلية رواية تمثل على مسرح ألف‬
‫فسيح ّ‬

‫مسرحية "‪.3‬‬

‫‪: 1‬الكبير الداديسي ‪ ,‬تحليل الخطاب السردي والمسرحي ‪ ,‬دار الراية ‪ ,‬عمان ‪,‬ط‪, 2004 , 1‬ص‪. 91‬‬
‫‪: 2‬ابن منظور ‪ ,‬لسان العرب ‪ ,‬مادة س رح ‪ ,‬م‪ , 7‬دار صادر بيروت ط‪, 1‬ص ‪. 123‬‬
‫‪: 3‬انطوان نعمة وآخرون ‪ ,‬المنجد في اللغة العربية المعاصرة ‪ ,‬دار المشرق ‪,‬بيروت ‪ , 2007 ,‬ص‪. 751‬‬

‫‪5‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫أن المسرح ‪ " :‬مكان مرتفع من خشب‪ ,‬في قاعة أو في ساحة تمثل عليه‬
‫الرائد ّ‬
‫وجاء في معجم ّ‬

‫شكسبير"‪,‬أما‬
‫ّ‬ ‫الروايات‪,‬قاعة عرض المسرحيات‪,‬جملة ما يخّلفه األديب من روايات تمثيلية"مسرح‬
‫ّ‬

‫المسرحية فهي رواية تمثل على المسرح "‪.1‬‬

‫فإن المفهوم الّلغوي للمسرح هو مكان وقوع حدث ما‪ ,‬أو التمثيل فيه‪ّ ,‬‬
‫اما المسرحية فهي‬ ‫ومنه ّ‬

‫تمثيل رواية على خشبة ذلك المسرح‪.‬‬

‫اصطالحاً‪:‬‬
‫للداللة على المكان الذي‬
‫" أصل المسرح‪ :‬المكان المعروف لعرض المسرحيات ‪ ,‬ثم استعير ّ‬

‫وقع فيه حدث ما‪ ,‬على التشبيه بالمسرح الذي تجري فوقه أحداث المسرحية ‪ ,‬فيقال‪ :‬مسرح األحداث‪,‬‬

‫مسرح الجريمة ‪ ,‬مسرح العمليات‪ ...‬إلخ "‪.2‬‬

‫الفن يترجم فيه الممثلون ّ‬


‫نصا مكتوباً إلى عرض‬ ‫ويعرف كذلك المسرح على ّأنه " شكل من أشكال ّ‬
‫ّ‬

‫تمثيلي على خشبة المسرح‪ ,‬يقوم الممثلون عادة بمساعدة المخرج على ترجمة شخصيات و مواقف‬

‫النص التي ابتدعها المؤلف‪.‬‬


‫ّ‬

‫وتعرف الموسوعة البريطانية المسرح على أّنه فن من التمثيل المسرحي أو االحتفالي ‪ ,‬وهو واحد‬
‫ّ‬

‫لكنه يؤدى بدرجات‬


‫أدبي‪ّ ,‬‬
‫ّ‬ ‫من الفنون الواسعة االنتشار في الثقافات ‪ ...‬والمسرح ّ‬
‫بالدرجة األولى فن‬

‫متفاوتة في األفعال‪ ,‬الغناء‪,‬الرقص‪ ,‬و العرض" ‪.3‬‬

‫الرائد معجم لغوي عصري ‪ ,‬دار العلم للماليين ‪,‬بيروت ‪ ,‬ط‪ , 2001 , 8‬ص‪. 158‬‬ ‫‪ :‬جبران مسعود ‪ّ ,‬‬
‫‪1‬‬

‫محمد داود ‪ ,‬معجم التعبير االصطالحي في العربية المعاصرة ‪ ,‬دار غريب ‪ ,‬القاهرة ‪ , 2003 ,‬ص‪. 499‬‬
‫محمد ّ‬
‫‪ّ :‬‬
‫‪2‬‬

‫الراية ‪,‬عمان ‪ ,‬ط‪ , 2008, 1‬ص‪. 38‬‬


‫‪:‬لينا نبيل أبومغلي ‪ ,‬الدراما والمسرح في التعليم ‪ ,‬دار ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪6‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫مسرحية له معنيان‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أما مصطلح "‬
‫ّ‬

‫الفن المعروف‪ :‬عرض التلفزيون‪ ,‬مسرحية (هاملت) ‪.‬‬


‫َعلم على ّ‬ ‫‪‬‬

‫االدعاءات الكاذبة‪,‬وتصوير األمور على غير حقيقتها للتمويه‪ :‬ما تزعمه الواليات المتّحدة‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬

‫الدمار الشامل‪ ,‬مسرحية مكشوفة ‪.‬‬


‫األمريكية عن امتالك العراق ألسلحة ّ‬

‫موفق‬
‫الفني‪ .‬وهو تعبير ّ‬
‫تتحرك فيه شخوص العمل ّ‬
‫تعبير مستحدث للداللة على الفن المعروف‪ّ ...,‬‬

‫ظهور‪ ,‬كما تفيد ترجمة ابن منظور للمادة ‪ ,‬اللسان \ س ر‬


‫لداللة الفعل على الحركة و السرعة‪ ,‬و ال ّ‬

‫االدعاء و‬
‫للداللة على ّ‬
‫ثم استيعرت المسرحية ّ‬
‫ح‪ ,‬وكّلها مالمح داللية تصف العرض المسرحي بدّقة‪ّ .‬‬

‫بأن ما‬
‫ألن المسرحية فن يقوم على الخيال و اإليهام ّ‬
‫التظاهر وتصوير األمور على غير حقيقتها ّ‬

‫يجري على المسرح هو الواقع الحقيقي"‪. 1‬‬

‫والمسرحية في مدلولها العام ‪ " ,‬نموذج أدبي وشكل فني يتطلب لكي ُيحدث تأثي اًر حقيقيا كامال‪,‬‬

‫الشخصيات‪,‬‬
‫الصراع ‪ّ ,‬‬
‫الدرامي‪ ,‬الحركة و ّ‬
‫أهمها الحبكة والبناء ّ‬
‫اشتراك عدد من العناصر األدبية‪ ,‬من ّ‬

‫الحوار‪...‬مع عدد من العناصر غير األدبية ومنها المالبس‪ ,‬اإلضاءة‪ ,‬الموسيقى‪ ....,‬و المسرحية‬

‫الصراع الذي ينمو شيئا فشيئا‬


‫تتميز بالتفاعل و الحركة و ّ‬
‫عملية تغيير ديناميكية قوسية أو هرمية‪ّ ,‬‬

‫ثم ينحصر بعد ذلك و ينتهي بحل المشكلة سبب الصراع "‪. 2‬‬
‫حتّى يصل إلى الذروة ّ‬

‫قصة من خالل حديث شخصياتها وأفعالهم‪,‬حيث يقوم ممثلون يتقمصن‬


‫فني يروي ّ‬
‫وهي كذلك"شكل ّ‬

‫هذه الشخصيات أمام الجمهور في مسرح أو أمام آالت تصوير ليشاهدهم الجمهور في المنازل"‪. 3‬‬

‫محمد داود ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 500‬‬


‫محمد ّ‬‫‪ّ :‬‬
‫‪1‬‬

‫‪:‬لينا نبيل أبومغلي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 49‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ :‬وليد البكري ‪ ,‬موسوعة أعالم المسرح والمصطلحات المسرحية ‪ ,‬دار أسامة ‪,‬األردن‪-‬عمان ‪ , 2003,‬ص ‪. 49‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪7‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫ويقصد بالمسرحية أيضاً ؛ " النص الذي سبق إعداده ‪ ,‬ويستخدم فيها المالبس والديكورات‬

‫قصة أو حادثة‬
‫واإلضاءة‪ ,‬وجميع األدوات الالزمة لعمل المسرحية‪ ,‬كما يتناول موضوع المسرحية ّ‬

‫تطور حياة‬
‫تطور حياة شخصية من الشخصيات أو ّ‬
‫تاريخية أو حياة شخصية من الشخصيات‪,‬أو ّ‬

‫الشعوب أو مشكلة من المشكالت االجتماعية " ‪.1‬‬

‫عرف بعض األعالم المسرحية تعريفات ال تختلف كثي اًر عن بعضها بقدر ما تتفق ‪,‬يقول‬
‫وقد ّ‬

‫يتكون من الفن األدبي و اإلخ ارج‬


‫مركب ّ‬
‫إن المسرحية ليست أدبا خالصا بل هي فن ّ‬
‫أحمد أمين‪ّ " :‬‬

‫ألنها مستقّلة عن هذه الفنون" ‪.2‬‬


‫الرواية ّ‬
‫المسرحي واألداء التمثيلي‪ ,‬وبهذا تختلف عن ّ‬

‫تتكون عادة من ّ‬
‫عدة عناصر‬ ‫أن المسرحية فن متميز عن باقي الفنون األخرى ّ‬
‫‪,‬ألنها ّ‬ ‫بمعنى ّ‬

‫تتمثل في الفن األدبي واإلخراج المسرحي واألداء التمثيلي ‪ ,‬والتي تسهم بدورها في تحقيق وحدة فن‬

‫المسرحية‪.‬‬

‫حد كبير ال يتحكم فيه‬


‫فن المسرحية‪ّ " :‬إنه فن جماعي تعاوني إلى ّ‬
‫ويقول علي أحمد باكثير في ّ‬

‫طر‪ ,‬أي يراعي اعتبارات كثيرة فمنها الممثلون‪..‬‬


‫القصة ألنه مض ّ‬
‫صاحبه كما يفعل كاتب ّ‬

‫المادية لإلخراج ومنها المخرج الذي كثي ار ما يحرص أن تكون له األولوية في‬
‫ومنها اإلمكانيات ّ‬

‫النص‪..‬ثم هناك الجمهور‪.3".....‬‬


‫تفسير ّ‬

‫‪ :‬أمير ابراهيم القرشي ‪ ,‬المناهج والدخل الدرامي ‪ ,‬أميرة للطباعة ‪ ,‬ط‪ , 2001, 1‬ص‪. 101‬‬ ‫‪1‬‬

‫النهضوي في المسرح العربي الحديث ‪ ,‬عالم الكتب الحديث ‪,‬األردن ‪ , 2013 ,‬ص‪ , 15‬نقال عن‬
‫‪:‬محمد السندباد ‪ ,‬الخطاب ّ‬
‫‪2‬‬

‫أحمد أمبن ‪ ,‬النقد األدبي ‪.‬‬


‫‪:‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص ن ‪ ,‬نقال عن علي أحمد باكثير ‪ ,‬فن المسرحية ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪8‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫تحكمات المؤلف إذ‬


‫ّ‬ ‫عدة عناصر إلنجاحه ‪ ,‬فهو مستقل عن‬
‫أن المسرح فن تشترك فيه ّ‬
‫أي ّ‬

‫أن أولوية‬
‫حرية التأويل إالّ ّ‬
‫تراعى فيه اإلمكانيات المادية و البشرية‪,‬كما يعطي هذا الفن للجمهور ّ‬

‫التأويل والتفسير تعطى للمخرج قبله‪.‬‬

‫فيقول‪":‬إن المسرحية تستعين بالمسرح وال يمكن أن تنهض بدونه‪ ,‬وهي تكتب‬
‫ّ‬ ‫أما شوقي ضيف‬
‫وّ‬

‫ّأوال ثم تُمثل ولكن كاتبها يالحظ أنه يقوم بعمل مسرحي‪ ,‬عمل يسمع بينما يرى من طرف جمهور‬

‫غفير" ‪.1‬‬

‫أن للمسرحية ميزة أساسية ‪ ,‬فهي عمل أدبي في صورة صوتية سمعية ‪ ,‬يشاهدها‬
‫وهذا يعني ّ‬

‫الجمهور المتلقي ‪ ,‬شرط أن تكون مكتوبة ّأوال ثم تُمثّل اذ ال يمكن أن تمثل ثم يقوم المؤلف بكتابتها ‪.‬‬

‫ونالحظ في قول شوقي ضيف إشارة لعدم استقالل المسرح عن المسرحية‪ ,‬فال يمكن لهذه األخيرة‬

‫أن تنهض بدون وجود المسرح رغم استعانتها به ؛ " فعالقة المسرح بالمسرحية عالقة الخاص بالعام‪,‬‬

‫أو بمعنى آخر النص األدبي المسرحي أحد موضوعات المسرح وليس العكس"‪. 2‬‬

‫بمعنى أنه بالرغم من كون الكلمتين المسرح والمسرحية تستخدمان عادة لنفس المعنى‪ّ ,‬إال ّ‬
‫أن‬

‫أن المسرح هو‬


‫أن المسرحية جزء من المسرح ‪ ,‬حيث ّ‬
‫بالكل‪ ,‬وهذا يعني ّ‬
‫ّ‬ ‫العالقة بينهما عالقة الجزء‬

‫تؤدى عليها المسرحية كنص أدبي‪ ,‬إذن يمكننا القول أن المسرح‬


‫مكان العرض أو الخشبة التي ّ‬

‫والمسرحية وجهان لعملة واحدة‪.‬‬

‫‪ :‬محمد السندباد ‪,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪ , 15‬نقال عن شوقي ضيف ‪ ,‬في النقد األدبي ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬وليد البكري ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 49‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪9‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫أن المسرح شكل من أشكال الفنون األدبية الذي يرتبط ارتباط وثيقا بالجمهور‪ ,‬إذ‬
‫نستنتج مما سبق ّ‬

‫نص المسرحية المكتوب إلى عرض تمثيلي على خشبة المسرح‪ ,‬بالتعاون مع‬
‫يترجم فيه الممثلون ّ‬

‫أن المسرحية ليست للقراءة فحسب بل تكتب‬


‫المخرج وهيكل المسرح العام (ديكور‪ ,‬إضاءة‪ ,)...,‬أي ّ‬

‫يميزها عن الفنون األدبية األخرى‪ ,‬كما تتناول ّ‬


‫قصة أو حادثة‬ ‫فن أدائي و هذا ما ّ‬
‫للمشاهدة باعتبارها ّ‬

‫معينة أو مشكلة من المشكالت االجتماعية أو السياسية في مواضيعها معتمدة على الحوار في‬
‫ّ‬

‫تقديمها‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫أشكال المسرحية‪:‬‬
‫عدة اجمع عليها الباحثون‪ ,‬و فيما يلي عرض مختصر لكل شكل من األشكال‬
‫للمسرحية أشكال ّ‬

‫فنية‪,‬رأينا انه‬
‫التي تتخذها المسرحية‪,‬عدا آخر نوعين فهما مسرحيات أو تمثيليات عالجية أكثر منها ّ‬

‫من الواجب اإلشارة لهذا النوع من باب وجود عالقة بين علم النفس و فن المسرح‪.‬‬

‫‪ .1‬المأساة أو التراجيديا‪:‬‬

‫الجادة البعيدة عن اإلضحاك ‪ ,‬إذ " يرى النقاد المحدثون أن األصل في‬
‫ّ‬ ‫تمثل نوع المسرحيات‬

‫الصراعات األخالقية و‬
‫الرئيسي فيها تحت تأثير مجموعة من ّ‬
‫المأساة أنها نوع من الدراما يقع البطل ّ‬

‫التي تنتهي بكارثة كأن يموت البطل نفسه"‪ ,1‬فهي تستمد مواضيعها و شخصياتها من واقع حياة‬

‫أهم ميزة‬
‫المجتمع العادي ال من حياة اآللهة وأنصاف اآللهة كما كان في القديم (التراجيديا القديمة)‪,‬و ّ‬

‫لهذا النوع موت البطل ونهايته المأساوية‪.‬‬

‫‪ .2‬الملهاة أو الكوميديا‪:‬‬

‫السخرية منه‬
‫"هي المسرحية الفكاهية والتي تنتهي عادة بنهاية مفرحة‪,‬ويتم فيها نقد المجتمع و ّ‬

‫لكن الملهاة قد تطرح بين المواقف المضحكة‬


‫بأسلوب خفيف مرح‪,‬وفيها أحداث وشخصيات فكاهية ‪ّ ,‬‬

‫الجدية" ‪ ,2‬وهذا ما يميزها عن المأساة فبالرغم من تناولها مواضيع وأحداث‬


‫موضوعات في غاية ّ‬

‫وجدية‪,‬إال أنها تنقدها بطريقة خفيفة وطريفة وتنتهي غالبا بنهاية سعيدة ومفرحة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مهمة‬

‫‪ :‬محمد زغلول سالم ‪ ,‬المسرح والمجتمع ‪ ,‬منشأة المعارف باالسكندرية ‪ ,‬ص‪. 17‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬لينا نبيل أبومغلي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 50‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪11‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ .3‬الميلودراما‪:‬‬

‫"ولدت كنوع أدبي في المسرح الفرنسي‪ّ ,‬إبان الثورة الفرنسية‪,‬وفي السنوات العشر األولى من القرن‬

‫التاسع عشر راجت الميلودراما في فرنسا وانجلت ار كشكل تاريخي أو قصصي أطلق عليه آنذاك‬

‫الشعب‪ " .‬وهي في األصل تعني المسرحية الموسيقية‪,‬‬


‫المسرحية الشعبية" ‪ ,‬فشخصياتها من عامة ّ‬
‫‪1‬‬

‫فهي مسرحية تعتمد على األحداث أكثر من اعتمادها على الشخصية‪ ,‬وتهتم بالموسيقى و األغاني‬

‫والسخرية واالستهزاء‪...,‬تلتزم مواضيع هامشية وحوا ار بسيطا"‪ .2‬كما أنها مزيج من الملهاة و المأساة‬

‫الشر واالضطهاد ّإال أن النهاية تكون فيها الغلبة لفضيلة ّ‬


‫وقوة الخير‪.‬‬ ‫قوة ّ‬‫(الدراما) إذ بالرغم من ّ‬

‫‪ .4‬المسرحية الغنائية (أوبريت) ‪:‬‬

‫هي نوع من الموسيقى الغنائية المسرحية‪",‬نشأت في إيطاليا في أوائل القرن السابع عشر ّ‬
‫وكونت‬

‫األساس الذي حذت حذوه البلدان األخرى"‪ ,3‬وما يميز هذا النوع من المسرحيات‪ ,‬أن حوار شخصياتها‬

‫ال يكون كالما وانما يقومون بالغناء متداولين ألدوارهم‪,‬تصاحبهم أوركست ار أ وفرقة موسيقية‬

‫المؤدى ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫صغيرة(جوقة) تعزف موسيقى متناسقة مع نوع الغناء‬

‫‪ :‬كمال الدين عيد ‪ ,‬أعالم ومصطلحات المسرح األوروبي ‪ ,‬دار الوفاء ‪ ,‬االسكندرية ‪ ,‬ط‪ , 2006 , 1‬ص‪. 164‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬لينا نبيل أبومغلي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 51‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص ن ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪12‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ .5‬السوسيودراما(‪:)Sociodrama‬‬

‫أو ما يعرف بتمثيليات المشكالت االجتماعية‪ " ,‬وترتبط موضوعات هذا النوع من التمثيليات‬

‫فعالة لدراسة المشكالت االجتماعية المعّقدة"‪.1‬‬


‫تعد هذه التمثيليات وسيلة ّ‬
‫بالمشكالت االجتماعية‪ ,‬و ّ‬

‫فهي تزيد من حساسية الفرد وتأثّره باآلخرين وما يواجهونه من صراعات فتجعله يتخيل نفسه في نفس‬

‫موقف اآلخرين‪,‬ما يخلق في المجتمع عنصر إحساس أفراده ببعضهم وتضامنهم وتعاطفهم بمشكالت‬

‫وتفهم ظروفه‪,‬وهذا لما تتميز به السوسيودراما من قدرة على إثارة الخيال والمساعدة‬
‫كل واحد فيهم ّ‬

‫على التنفيس عن المشاعر واالنفعاالت من خالل المشاكل المتناولة‪.‬‬

‫‪ .6‬السيكودراما(‪:)Psychodrama‬‬

‫النفس مدى تأثير‬


‫أو ما يعرف بتمثيليات المشكالت النفسية‪,‬وظهر هذا النوع عندما الحظ علماء ّ‬

‫التمثيل في معالجة بعض المشكالت السلوكية والنفسية عند بعض األفراد‪ ,‬وتعتبر" السيكودراما أسلوب‬

‫النفسي الجماعي‪ ,‬الذي يعتمد على نشاط‬


‫أهم أساليب العالج ّ‬
‫ويعد ّ‬
‫ابتكره مورينو (‪ّ )Moreno‬‬

‫المفحوص‪ ,‬حيث يقوم المفحوص بأداء أدوار مختلفة على المسرح‪ ,‬تحت إشراف المعالج‪ ,‬وبذلك فهي‬

‫الحر‪,‬وعلى التنفيس االنفعالي‬


‫تُعد نوع من أنواع األداء المسرحي الذي يعتمد على التعبير الّلفظي ّ‬

‫التلقائي"‪ ,2‬أي أن المريض النفسي يمكنه االستعانة بالتمثيل على المسرح كنوع من العالج النفسي‬

‫يمكنه من اكتشاف ذاته من خالل الشخصيات‬


‫الذي يساعده على إخراج مكبوتاته وانفعاالته‪ ,‬كما َ‬

‫وحريته في التعبير اللفظي تجعله أكثر انفتحا على اآلخرين و تبعده عن التقوقع و‬
‫التي يؤديها ّ‬

‫‪ :‬أمير ابراهيم القرشي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 86‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :2‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 90‬‬

‫‪13‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫الراحة فيلقى بذلك‬ ‫ِ‬


‫النفسي الذي ُيشعره باألمان و ّ‬
‫اإلنطواء وذلك باحتكاكه مع أفراد جدد عدا معالجه ّ‬

‫راحته مع أشخاص آخرين ‪.‬‬

‫كماليات المسرح‪:‬‬
‫الهيكل العام للمسرحية‪:‬‬
‫تتكون المسرحية من فصول ّ‬
‫عدة منسجمة ومتناسقة فيما بينها تتحدد في الهيكل العام للمسرحية‬ ‫ّ‬

‫والمتمثل في مجموعة من العناصر هي‪:‬‬

‫العرض‪ :‬وفيه ُي ّ‬
‫عرف بموضوع المسرحية و أهم الشخوص فيها‪ ,‬كما يخلق عن طريق‬ ‫‪)1‬‬

‫التشويق والتطلع واالنتظار للحوادث المقبلة‪ ,‬ويكون عادة في الفصل ّ‬


‫األول من المسرحية‪,‬وال تظهر‬

‫فيه الشخصيات الثانوية‪ ,‬ويعد بداية لألحداث دون اإليحاء بالنتيجة أو الحل ‪.‬‬

‫العقدة‪ :‬وهي ذروة الصراع ولحظة التوتر القصوى‪ ,‬اذ تمثل قلب موضوع القصة والطريق‬ ‫‪)2‬‬

‫التي تسير فيها المسرحية وتتابع األحداث‪,‬أي نقطة التأزم واشتداد أحداث المسرحية وبالتالي يتوق‬

‫المشاهد إلى معرفة الحل لها‪ ,‬ويرتبط بعقدة المسرحية مفهومين هما‪:‬‬

‫الصراع‪ :‬هو المسؤول عن إنتاج العقدة الصغيرة التي تتراكم إلى أن تكون العقدة الكبيرة‪,‬كما‬
‫ّ‬ ‫أ)‬

‫ّأنه األساس الذي تقوم عليه المسرحية‪ ,‬وهو أنواع أهمها الصراع المتصاعد‪.‬كما يتطلب الصراع إرادة‪,‬‬

‫هجوم ‪,‬هجوم مضاد وشخصيات متكافئة ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫الناجحة تنبع من األشخاص‪,‬لذا وجب على‬


‫الشخصية‪ :‬هي أهم عناصر الشخصية‪,‬فالعقدة ّ‬ ‫ب)‬

‫المؤلف أن ينسق بين شخصياته حتّى تسير على الخط المرسوم لها لنجاح المسرحية‪.‬‬

‫الحل‪ :‬نجده عادة في آخر فصل من فصول المسرحية‪,‬و يقصد به النهاية الهادئة المقنعة‬ ‫‪)3‬‬

‫والمنطقية للصراع الشديد الذي نشب بين الشخصيات في الفصول السابقة وينجح الحل إذا كانت‬

‫ومتدرجة إلى حين انفراجها‪,‬كما ال يجب أن يكون قريبا من الخيال والمبالغة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫األحداث واضحة‬

‫تكتسب المسرحية قدرة تعبير فائقة إذا ما كان هيكلها العام مستوفيا لمتطّلباته الصحيحة لكن يزيد‬

‫إشعاعها بإدراج تقنيات العمل المسرحي والتي سنتطرق إليها بعد توضيحنا السابق لهيكلة المسرحية‪,‬‬

‫إذ تخلق هذه التقنيات تفاعال بين األحداث و األضواء والموسيقى مع الشخصيات(الممثلين) والمالبس‬

‫يحول المسرحية إلى سيمفونية تعزف بقيادة 'مايسترو' هو المخرج فتصبح عزفا‬
‫والماكياج والديكور‪ ,‬ما ّ‬

‫بصريا مرئيا بعد أن كانت عمال فنيا يسمع ويشاهد ‪.‬‬

‫تقنيات العمل المسرحي‪:‬‬


‫الديكور‪ :‬هو عبارة عن تركيبات خاصة قد تصنع من الخشب والقماش أو البالستيك أو‬ ‫‪)1‬‬

‫لوحات كبيرة مرسومة تعطي شكال لمكان و زمان أحداث المسرحية‪ ,‬فالديكور يضيف عنص ار جماليا‬

‫على العمل المسرحي كما يساعد على "إخفاء المنطقة الواقعة خلف المسرح‪ ,‬والتي يقف فيها الممثلون‬

‫تمهيدا لدخولهم على المسرح"‪ ,1‬وتتطلب عملية تغيير المناظر سرعة كبير لذا وجب أن تكون الّلوحات‬

‫فن تصميم المشهد‬


‫خفيفة يمكن تحويلها لالستفادة منها في مسرحيات أخرى‪ .‬وقصد بالديكور أيضا" ّ‬

‫‪ :‬أمير ابراهيم القرشي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 168‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪15‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫على خشبة المسرح من خالل إضفاء نوع من المصداقية على أشياء غير حقيقية "‪ ,1‬ما يعني أن‬

‫صحيحة قد توحي بالحقيقة رغم زيف المناظر واصطناعها‪.‬‬


‫توظيف األلوان والرسومات واألشكال ال ّ‬

‫المالبس‪ :‬يجب أن تكون مناسبة ألدوار الشخصيات ومتناسقة مع الديكور إذ ترتبط أشكال‬ ‫‪)2‬‬

‫بعدة أشياء تتعلق بتفاصيل تلك‬


‫وألوان مالبس الشخصيات بأحداث المسرحية‪ ,‬فهي توحي للمشاهد ّ‬

‫الشخصيات قد ال تذكر في الحوار القائم بينها‪.‬‬

‫اإلضاءة‪ :‬ظهرت اإلضاءة المسرحية في" أواخر القرن التاسع عشر و ّأول من أضاء مسرحه‬ ‫‪)3‬‬

‫الصناع"‪ ,2‬فهي توجه أنظار المشاهدين وتساعدهم على التركيز واالنتباه إلى‬
‫ّ‬ ‫العربي بالكهرباء يعقوب‬

‫الجو العام للمسرحية‬


‫كل ما هو هام علة خشبة المسرح واغفال ما هو زائد‪,‬كما تساعد" على تصوير ّ‬

‫ألن لكل موقف من المواقف التمثيلية إسقاطات ضوئية‬


‫سواء كانت مسرحية كوميدية أو تراجيدية ّ‬

‫يعبر عن الحزن‬
‫يعبر عن السرور والفرح‪ ,‬والضوء األزرق الخافت ّ‬
‫معينة‪ ,‬فالضوء األبيض الباهر ّ‬

‫الشر"‪ ,3‬وتستخدم اإلضاءة كذلك للداللة على وقت األحداث ( الليل‬


‫يعبر عن ّ‬
‫واألحمر الخافت ّ‬

‫النهار) كما يستعان بها في تعتيم المسرح ُليغيَّر الديكور وفق كل مشهد دون اللجوء إلى إسدال‬
‫أو ّ‬

‫الستار في كل وقت‪.‬‬

‫‪ :‬أمير ابراهيم القرشي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 168‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬لينا نبيل أبومغلي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪. 54‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ :‬أمير ابراهيم القرشي ‪ ,‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 169‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪16‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ )4‬الموسيقى‪ّ :‬‬
‫تكمل العرض المسرحي وتوجهه إذ تساعد‪ ,‬الممثل غل تعميق أداءه وتزيد ق ّوته‬

‫في اإليحاء‪ ,‬والمشاهد عل اإلحساس و التأثر بالمشهد‪ ,‬وذلك بشرط أن تكون مالئمة‬

‫للنص(حزن أو فرح‪,‬أصوات حيوانات‪,‬رصاص‪ )...‬ومؤقتة مع كلمات و أداء الممثل لدعم ّ‬


‫الجو‬ ‫ّ‬

‫النفسي العام للمسرحية‪.‬‬

‫‪ )5‬الماكياج‪ :‬يرتبط الماكياج بالمالبس وينتظم مع اإلضاءة حتى يؤدي دوره في اإليحاء والتأثير‪,‬‬

‫فالماكياج يعرف "بأنه فن التجميل و التنكر"‪ ,1‬والهدف منه إبراز المالمح التي تعبر عن‬

‫الشخصية‪ ,‬وقد يتطلب في بعض األحيان االستعانة باألقنعة‪.‬‬

‫النص المسرحي‬ ‫‪ )6‬اإلخراج‪ :‬يمسك المخرج بخيوط العرض المسرحي و ّ‬


‫يحركها‪ ,‬إذ يختار ّ‬

‫طة التي سيقوم عليها‬


‫تصور العرض المسرحي أو الخ ّ‬
‫ويوزع عليهم األدوار‪,‬كما يضع ّ‬
‫والممثلين ّ‬

‫هذا العرض من تحديد للموسيقى والديكور وطريقة إلقاء الممثلين‪ ,‬فهو بمثابة 'مايسترو' يقود‬

‫أوركست ار كبيرة لتعزف مقطوعة موسيقية بكل تناغم و انسجام أال وهي المسرحية‪ ,‬حتى تعرض‬

‫األول و صاحب القرار أثناء العملية‬


‫على الجمهور في أحسن صورة‪ ,‬كما أنه المسؤول ّ‬

‫المسرحية في جميع جوانبها‪.‬‬

‫‪ :‬أمير ابراهيم القرشي‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 171‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪17‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫مواضيع المسرح الجزائري‪:‬‬


‫تنوعت مواضيع المسرح الجزائري باختالف القضايا المتداولة فيه‪ ,‬إذ ّ‬
‫شكلت بدورها أنواع‬ ‫ّ‬

‫مر الزمن‪ ,‬إذ تُطرح‬


‫تطورت المواضيع المسرحية واختلفت على ّ‬
‫مستقلة من المسرح في الجزائر‪ ,‬وقد ّ‬

‫في كل فترة زمنية جديدة قضية جديدة فيقوم المسرح بطرحها وبالتالي ينتج لنا موضوع مختلف في‬

‫كل فترة من تاريخ الجزائر‪.‬‬

‫تأليفيا كبي ار في الفن المسرحي‪ ,‬ومن أبرز‬


‫ّ‬ ‫فقبل الثورة التحريرية‪ 1954‬عرفت الجزائر نشاطا‬

‫الدين باش تارزي‪,‬‬


‫األدباء الذين كتبوا في المسرح الجزائري نذكر‪ :‬عالّلو‪ ,‬رشيد القسنطيني‪ ,‬محي ّ‬

‫الصالح رمضان‪ ,‬محمد التوري‪ ,‬أحمد توفيق المدني‪ ,‬عبد الرحمن الجياللي ‪,‬أحمد رضا‬
‫محمد ّ‬

‫حوحو‪ ,‬محمد العيد آل خليفة‪ ,‬وغيرهم كثير‪.‬‬

‫و قد تميز مواضيع هؤالء المتناولة في نصوصهم المسرحية خاصة المكتوبة قبل الثورة المجيدة‬

‫بالطابع اإلصالحي و الديني واالجتماعي و كذلك التاريخي ‪ ,‬فقد عالجت عدة قضايا ؛ كمشاكل‬

‫الدجل و الشعوذة والفقر و غيرها من المواضيع التي تهم المجتمع الجزائري ‪ .‬و التي ّ‬
‫نميزها‬ ‫األسرة و ّ‬

‫فيمايلي ‪:‬‬

‫‪ .1‬المواضيع االجتماعية‪:‬‬

‫"إن المسرح االجتماعي في الجزائر كان الغالب منذ البدايات األولى لهذا الفن‪ ,‬وقد كانت‬

‫عال لو و رشيد القسنطيني‬ ‫ِ‬


‫السمة الشعبية البسيطة هي موضوعات ّ‬
‫الموضوعات الجتماعية ذات ّ‬

‫كل‬
‫األول من رجال المسرح الجزائرّيين‪ ,‬ثم تبعهم في ذلك ّ‬ ‫ومحي الدين باش تارزي‪ ,‬وهم ّ‬
‫الرعيل ّ‬

‫‪18‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫الذين أحبوا هذا الفن واشتغلوا به‪ ,‬وان كانوا يعتمدون على االرتجال والعفوية في أعمالهم المسرحية‬

‫سواء بالّلهجة الجزائري ّ‬


‫الدارجة أو باللغة العربية الفصحى"‪ّ ,1‬إال أنهم سّلطوا الضوء على أهم القضايا‬

‫التي تهم المجتمع الجزائري‪.‬‬

‫الناجحة التي تناولت المواضيع االجتماعية وطرحتها بأسلوب كوميدي ساخر‬


‫ومن بين المسرحيات ّ‬

‫نذكر‪ :‬مسرحية(امرأة األب) ألحمد بن ذياب ومسرحية (بوحدبة) لمحمد ال ّتوري وكذلك‪(":‬البارح و‬

‫اليوم)‪(,‬نكار الخير)‪(,‬الفلوس)‪(,‬دار المهابل) ‪(,‬مصايب بوزيد) ‪(,‬المشحاح)‪(,‬بوكريشة) ‪( ,‬الشباب‬


‫ّ‬

‫ِّ‬
‫السكير)‪(,‬عالش رايك تالف)‪(,‬فاطمة المقرونة)‪( ,‬زعيط ومعيط ونقاز الحيط)‪( ,‬دولةالنساء) ‪,‬‬
‫ّ‬

‫(السحار) ‪( ,‬كيد الّنساء)‪.2 " ....,‬‬


‫ّ‬

‫‪ .2‬المواضيع التاريخية‪:‬‬

‫التليد‬ ‫النظام االستعماري في الجزائر قطع ّ‬


‫الصلة بين الجزائريين وتاريخهم الحاضر و ّ‬ ‫" لقد حاول ّ‬

‫حيث كانت محاوالته من ّأيام االحتالل األولى طمس التاريخ العربي اإلسالمي واستبداله بتاريخ فرنسا‬

‫أن إدراك رجال اإلصالح في الجزائر لهذا السعي جعلهم َي ْن َكّبو َن على تاريخ الج ازئر‬
‫المتمدنة‪ّ ,‬إال ّ‬

‫للناشئة في المدارس التعليمية وكان‬


‫قدمت خصيصا ّ‬
‫القديمة لبعثه و إحيائه في كتابات مسرحية ّ‬

‫األمة واستحضار أبطاله لالقتداء بهم و اتّباع آثارهم"‪ .3‬وحتى يتخذون‬


‫هدفهم األسمى هو إحياء تاريخ ّ‬

‫منهم أبطاال لكن من ماضي أجدادهم ليحذوا حذوهم في الكفاح والمقاومة وعدم االستسالم‪ ,‬هذا ما‬

‫قويا لمواجهة االستعمار والتمسك بقيم األجداد وتقاليدهم الموروثة‪.‬‬


‫سيشكل لهم حاف از ّ‬

‫‪ :‬صالح لمباركية ‪ ,‬المسرح في الجزائر ‪ ,‬دار البهاء الدين ‪,‬قسنطينة ‪ ,‬الجزائر ‪ ,‬ط‪ , 2007, 2‬ص‪. 129‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص ن ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪:‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 137‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪19‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫معمقة‪ ,‬كما تفرض على الكاتب أن يكون على‬


‫و الكتابة في التاريخ القديم تستلزم معرفة ودراسة َّ‬

‫ولعل ّأول من تصدى لمثل هذه المواضيع أحمد توفيق‬


‫دراية كاملة بتفاصيل األحداث و الوقائع‪ّ " ,‬‬

‫المدني في مسرحية حنبعل؛ التي قدمتها فرقة هواة المسرح العربي التي أنشأها محمد الطاهر فضالء‪,‬‬

‫الصحراء ليوسف وهبي‪ ,‬و الكاهنة لعبد هللا‬


‫حيث قدمت عدة مسرحيات ذات االتجاه نفسه كمسرحية ّ‬

‫ناقلي‪ ,‬و الكاهنة األوراس لمحمد البشير اإلبراهيمي ‪ ,‬و روما لعبد الرحمن ماضوي"‪ .1‬وهذه‬

‫جسدت أحداثا تاريخية ُرِّسخت في تاريخ الجزائر القديم ‪.‬‬


‫المسرحيات ّ‬

‫‪ .3‬المواضيع الدينية‪:‬‬

‫الديني فقد أولوا اهتماما كبي ار بالتراث العربي اإلسالمي حيث‬


‫لم يغفل رجال اإلصالح عن الجانب ّ‬

‫طابع الديني وذلك " بقصد إحياء مناسبات دينية بعينها‪ ,‬كعيد‬
‫قدمت الكثير من المسرحيات ذات ال ّ‬

‫المولد الّنبوي‪ ,‬وعيد عاشوراء‪ ,‬و قدوم رمضان و انتهائه و الهجرة النبوية‪ ,‬وتاريخ الغزوات في‬

‫اإلسالم كغزوتي بدر و أحد" ‪.2‬‬

‫و من بين هذه المسرحيات نذكر مسرحية الخنساء لمحمد الصالح الصديق ‪ ,‬و مسرحية بالل بن‬

‫رباح لمحمد العيد خليفة ‪ ,‬و كذلك بعض عناوين مسرحيات مثل‪ " :‬أميرة االندلس ‪ ,‬صالح الدين ‪,‬‬

‫‪ :‬صالح لمباركية ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 137‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪ , 148‬نقال عن نصر الدين صبيان ‪ ,‬اتجاه المسرح العربي في الجزائر ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪20‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫جل هذه المسرحيات ضاعت رغم ّأنها‬ ‫الدر‪ ,‬هارون ّ‬


‫الرشيد" ‪ ,‬لكن ّ‬ ‫طارق بن زياد ‪ ,‬األميرة شجرة ّ‬
‫‪1‬‬

‫قد عرضت في زمانها على المسارح وذلك بسبب عدم اهتمام أصحابها بالتوثيق و الطبع في وقتها‪.‬‬

‫أما بعد الثورة التحريرية" توقف المشتغلون بالمسرح الجزائري عن رسالتهم ّ‬


‫النضالية‪ ,‬فكل الذين‬ ‫ّ‬

‫اهتموا بالتأليف و الكتابة والتمثيل ‪ ,‬كانوا يواجهون اإلدارة الفرنسية و قوانينها الجائرة بكل عزم وثبات‪,‬‬

‫الرواد الفضل في بقاء عناصر تهتم بالمسر و تكافح من أجل بقائه‪ ,‬ومن هؤالء‬
‫وقد كان لهؤالء ّ‬

‫األستاذ مصطفى كاتب الذي أنشأ فرقة مسرحية من الهواة سنة ‪ 1940‬أطلق عليها اسم فرقة المسرح‬

‫عدة أعمال داخل الوطن وخارجه حتى سنة ‪.2" 1957‬‬


‫الجزائري‪ ,‬وقدمت ّ‬

‫" وقد تحدد العمل المسرحي ّإبان الثورة التحريرية‪ ,‬وهو المشاركة مع الثورة و العمل على إبرازها‬

‫بأعمال فنية يكون المنطلق فيها الكفاح و مقاومة االستعمار ‪ ,‬يقول عبد الحليم رايس‪ّ :‬‬
‫إن المسرح‬

‫بالنسبة لنا يمثل إطار للكفاح ‪ ,‬ألن المسرح الجزائري مسرح ملتزم يعمل في صميم الثورة ‪ ,‬و إننا‬

‫بالنسبة لنا نحن كفنانين ان نفكر و أن نفعل‬


‫نمثل مسرحا شعبيا يعيش في حالة حرب ومن الطبيعي ّ‬

‫كمناضلين و في هذه المرحلة من الكفاح الوطني ‪ ,‬إننا نترجم عبره واقع الشعب الجزائري"‪ .3‬بمعنى‬

‫الدافع األكبر للكتابة في المسرح بهدف بعث روح المقاومة والكفاح ضد االستعمار ‪,‬‬
‫أن الثورة كانت ّ‬

‫أن المسرح هو كذلك نافذة للمفكرين يرمون من خاللها بسهام الوعي‬


‫اذ يرى عبد الحليم رايس ّ‬

‫‪ :‬صالح لمباركية ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 149‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 160‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص ن ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪21‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫ألنهم يقومون بترجمة واقع ّ‬


‫الشعب الجزائري وهو تحت وطأة‬ ‫والثورة على السلطة االستعمارية ّ‬

‫ضد هذا االستعمار للتحرر من أغالله‪.‬‬


‫االستعمار لذا ُوجب توجيه المسرح صوب الثورة ّ‬

‫ألن مؤلفيها تمكنوا‬


‫ومن بين المسرحيات التي أّلفت أثناء الثورة و التي كانت تمثل ظرفا معينا ‪ّ ,‬‬

‫طغاة) لعبد هللا‬


‫النارية نذكر‪ :‬مسرحية ( مصرع ال ّ‬
‫من تحويل فن المسرح إلى سالح يكافئ األسلحة ّ‬

‫الركيبي و مسرحية( التراب) ألبي العيد دودو ‪ ,‬ومسرحيات (أبناء القصبة) و(دم األحرار) لعبد الحليم‬

‫رايس‪.‬‬

‫‪ .4‬المواضيع السياسية‪:‬‬

‫العامة كالبيروقراطية و المحسوبية و االنتهازية هي التي استقطبت اهتمام‬


‫إن" القضايا السياسية ّ‬
‫ّ‬

‫المؤلفين المسرحيين الذين تابعوا حياة المجتمع الجزائري و رصدوها بكل أمانة و صدق"‪1‬حيث كان‬

‫هويته الثقافية من بقايا سياسة‬


‫هدف المسرح السياسي في الجزائر هو محاولة إنقاذ الشعب و تحرير ّ‬

‫االستعمار و تحقيق سيادة الشعب‪ .‬ونذكر كأمثلة للمسرحيات السياسية مسرحية ( الغولة)‬

‫و(البوابون) لرويشد و مسرحية ( االنتهازية ) ( محمد مرتاض) و كذلك ( في انتظار نوفمبر‬

‫جديد) لجندي خليفة‪.‬‬

‫‪ : 1‬صالح لمباركية ‪ ,‬المرجع السابق ‪,‬ص‪. 199‬‬

‫‪22‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ .5‬المواضيع الفكرية (أو الذهنية)‪:‬‬

‫" لم تبرز الموضوعات الفكرية في الفن المسرحي في الجزائر ّإال في مرحلة متأخرة ‪ ,‬و هي‬

‫موضوعات ولج اليها عدد قليل من الكتّاب الجزائريين‪ ,‬ألن الموضوعات الفكرية عادة ما تكون ّ‬
‫مادتها‬

‫المجنح أو الفلسفة العميقة أو موضوعات ميتافيزيقية بعيدة عن الواقع"‪ّ ,1‬إال أن هذه المواضيع‬
‫ّ‬ ‫الخيال‬

‫تركز على الفكر و تؤثر مباشرة في عقل المتلقي وتتناول أفكار تتعّلق بنفسيات اإلنسان وتناقض‬

‫النص المسرحي الذهني تجربة‬


‫أحاسيسه و تضارب األفكار المتناقضة في العقل البشري‪ " .‬ويبقى ّ‬

‫طلعوا على اآلداب الغربية‪,‬‬


‫تمرسوا على الكتابة المسرحية وا ّ‬
‫حاول بعض األدباء المثقفين الذين ّ‬

‫فأعجبوا به و كتبوا على منواله"‪ .2‬وكمثال على هذا النوع من المسرحيات نذكر مسرحية الهارب‬

‫عبر بها عن مبادئ و إيديولوجيات كانت تتمخض في الجزائر قبل االستقالل‬


‫للطاهر وطار "والتي ّ‬

‫سنة ‪ 3"1961‬حيث طرحت قضية اليأس و القنوط البشري في هذه المسرحية‪.‬‬

‫وكذلك مسرحية البشير ألبي العيد دودو‪ " ,‬التي أّلفها سنة ‪ ,1971‬وهي نموذج للتركيبة‬

‫االجتماعية في الجزائر و التي اختلطت فيها القيم البالية بالقيم الجديدة و اإلف ارزات المرضية التي‬

‫أصابت المجتمع"‪.4‬‬

‫‪ :‬صالح لمباركية ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 251‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص ن ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 252‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص ن ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪23‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫نشأة المسرح‪:‬‬
‫نشأة المسرح عند العرب‪:‬‬
‫هناك من يرجع بدايات المسرح العربي األولى إلى مصر باعتبار الحضارة الفرعونية ّأول‬

‫أتم اإلغريق‬
‫أن " المسرح الفرعوني قام بدور الوالدة للمسرح العالمي في حين ّ‬
‫الحضارات اإلنسانية‪ ,‬و ّ‬

‫الشعائر الدينية إلى فضاء معالجة شؤون‬


‫هذا الدور وذلك بتطوير هذا الفن و الخروج به من دائرة ّ‬

‫الشعائر الدينية و الرقص و‬ ‫أن المسرح مقترن بال ّ‬


‫طقوس و ّ‬ ‫المجتمع و تناقضاته" ‪ ,‬وذلك باعتبار ّ‬
‫‪1‬‬

‫بالتالي لم تخلو الحضارة الفرعونية منها ‪ ",‬فالشعائر و الطقوس الدينية قد أخذت شكل فرجات كما‬

‫يبدو ذلك لدى المصريين القدماء حيث ثبت حضور فنون األداء باإلضافة إلى حضور المخطوطات‬

‫تضمنت توجيهات المخرجين و الممثلين أو كقطع‬


‫ّ‬ ‫النقوش (المسالت) تتجلى ككراسات‬
‫(البرديات) و ّ‬

‫أن مصر‬
‫نص عرف بالدراما المنفية و هذا ما يسمح باستنتاج ّ‬
‫مسرحية تتناول أخبار اآللهة‪ ,‬أقدمها ّ‬

‫مهد المسرح و رائدته األولى"‪.2‬‬

‫الدين ‪ ,‬وما‬
‫الدارسين على أن " المسرح لم يصبح مسرحا إ ّال بعد تخّلصه من ّ‬
‫هذا إذا ما لم يجمع ّ‬

‫ألن ما نشأ بين ذراعي‬


‫الدين ليس ّإال وهما كبي ار ّ‬
‫الدارسين عن نشأة المسرح في أحضان ّ‬
‫روجه بعض ّ‬
‫ّ‬

‫فنا مسرحيا "‪.3‬‬


‫الدين ال يعد ّ‬
‫ّ‬

‫بالرغم من عدم معرفتهم به‬


‫لفن المسرح في تراثهم ّ‬
‫و هذا ال يمنعنا القول بأن العرب عرفوا مالمح ّ‬

‫‪ :‬محمد السندباد ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 20‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص ‪. 19‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص ‪. 20‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪24‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫يفسر مؤرخوا الدراما ذلك‬


‫طالعهم عليه ‪ ,‬و" ّ‬
‫كف ّن قائم بذاته اذ لم يمارسوه في البداية حتّى بعد ا ّ‬

‫بأن العرب كانوا يعتزون بأدبهم وبالغتهم ‪ ,‬وصناعة الكالم التي جلوا لها سوقا (سوق عكاظ)‬

‫الذي كان يشهد المناظرات الشعرية والخطب التي كانت تجري بين الشعراء العرب ‪ ,‬لذلك فعندما‬

‫طلعوا على‬
‫الرثاء ‪ ,‬وعندما ا ّ‬
‫طلعوا على المأساة والتراجيديا اإلغريقية اعتبروها تقابل عندهم شعر ّ‬
‫اّ‬

‫يفسر لنا سبب‬


‫الملهاة أو الكوميديا ‪ ,‬اعتبروها تقابل عندهم شعر الهجاء ‪ ,‬و هو األمر الذي ّ‬

‫الشعوب األخرى"‪.1‬‬
‫الفن كغيرهم من ّ‬
‫إحجام العرب قديما عن ممارسة مثل هذا ّ‬

‫أن العرب عرفوا‬


‫الدارسين في أعمال بعض األدباء سمات مسرحية فذكروا ّ‬
‫" كما وجد كثير من ّ‬

‫الراشدين الواحد‬
‫المسرح عن طريقها ‪ ,‬كمحكمة (ابن بشير) التي عقدتها و أفضى فيها إلى الخلفاء ّ‬

‫النقاد على شكل هذه‬


‫تلو اآلخر‪ ,‬إذ راح يحاورهم و يحاكمهم بأسلوب تمثيلي ‪ ,‬و قد اعتمد هؤالء ّ‬

‫المحاكمة ‪ ,‬إذ اشتملت على الشخصيات و الموضوع والجمهور "‪ .2‬ومن بين أبرز األشكال المسرحية‬

‫ظل و الكاراكوز و المقامات ‪ ",‬كما كانت هناك بعض‬


‫التي كانت عند العرب نجد مسرح خيال ال ّ‬

‫األشكال الفنية التي كانت تُعد ارهاصات للفن التمثيلي في البالد العربية و من هذه األشكال ‪:‬‬

‫شاعر الربابة ‪ :‬الذي كان يروي القصص الشعبية مصحوبة ببعض من أبيات ّ‬
‫الشعر المّلحن على‬

‫آلة الربابة‪.‬‬

‫الحكواتي ‪ :‬الذي كان يسرد القصص مع قيامه بتقليد شخصياتها و أحداثها‪.‬‬

‫‪ :‬أمير ابراهيم القرشي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 26‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬صالح لمباركية ‪ ,‬المرجع السابق ‪,‬ص ‪, 15‬نقال عن أحمد شوقي هاشم ‪ ,‬المسرح االسالمي وروافده ومناهجه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪25‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫الناس في مكان عام ‪ ,‬ويقوم أحد األشخاص أو المؤدي‬


‫السامر‪ :‬الذي كان يجتمع فيه جمع من ّ‬
‫ّ‬

‫بتقليد شخصية معينة ‪ ,‬ثم يقوم الجميع بالغناء ‪.‬‬

‫يتم‬ ‫ق‬
‫صندو الدنيا ‪ :‬و هو عبارة عن عرض متتابع لمجموعة من صور األحداث و األبطال‪ّ ,‬‬

‫ألن عارض‬
‫النمط يدخل في باب التمثيل على سبيل المجاز‪ّ ,‬‬
‫تكبيرها عن طريق عدسات ‪ ,‬و هذا ّ‬

‫الصور التي يعرضها على‬


‫الصور يقوم بدور المنشد أو القصاص في سرد األحداث التي تدور حول ّ‬
‫ّ‬

‫الجمهور" ‪.1‬‬

‫أن هذه الفنون ّ‬


‫الشعبية ‪ ,‬كان لها أكبر أثر في تهيئة الشعوب العربية لتقبل الفن‬ ‫"و واقع األمر ّ‬

‫المسرحي عن دول الغرب وذلك ابتداء من القرن التاسع عشر ‪ ,‬عندما قام اللبناني مارون الّنقاش‬

‫مرة في البالد العربية ‪ ,‬و‬


‫ألول ّ‬
‫(‪1855/1817‬م) بإدخال الفن المسرحي بشكله المعروف اآلن ‪ّ ,‬‬

‫الذي اقتبسه من ايطاليا ‪ ,‬وذلك من خالل تقديم مسرحية (البخيل) و التي تم وضعها في قالب من‬

‫الشهير موليير وقد قام مارون‬


‫الشعر العربي ّإال أنها مأخوذة من مسرحية (البخيل) للكاتب الفرنسي ّ‬
‫ّ‬

‫النقاش بتقديم المسرحية على مسرح أقامه في بيته في بيروت عام ‪ ,1848‬وفي مصر بدأت نهضة‬
‫ّ‬

‫المسرح المصري منذ أيام الخديوي إسماعيل حيث سارعت ِ‬


‫الفرق المسرحية الى الحضور الى مصر‬

‫استعدادا الفتتاح قناة السويس وسط احتفاالت فنية ضخمة ‪ ,‬لذلك هاجر الى مصر بعض الفنانين‬

‫الشام ومنهم سليم الّنقاش (ابن أخ مارون) وفرقته المسرحية ‪ ,‬التي ّ‬


‫قدمت عددا من‬ ‫المسرحيين من ّ‬

‫المسرحيات على مسرح زيزنيا ‪ ,‬كما قام يعقوب صنوع بإنشاء ّأول مسرح في مصر بالقاهرة عام‬

‫‪ :‬أمير ابراهيم القرشي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 28‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪26‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ 1876‬م"‪ , 1‬وال ننسى اسهامات توفيق الحكيم األدبية التي ساهمت في تطور المسرح‪" .‬اذ خلط‬

‫عامة في صلة الفرد‬ ‫الرمزي في بعض مسرحياته بقضايا اجتماعية ّ‬


‫عامة وآراء فلسفية ّ‬ ‫طابع ّ‬
‫ال ّ‬

‫الرمزية "‪.2‬‬
‫بالمجتمع كما في مسرحيته أهل الكهف وكان من أبرع من نجحوا في المسرحيات ّ‬
‫وكذلك جورج األبيض و فرقته اذ ِ‬
‫قدم من باريس سنة ‪ " 1910‬لينشئ ّأول فرقة تقدم التّراث‬

‫العالمي في المسرح على أسس ثابتة و معروفة ‪ ,‬بعد أن أصبح جورج ذاته ّأول ممثل عربي يتلقى‬

‫عدة مسرحيات‬ ‫فنون التمثيل بطريقة علمية على يد ّ‬


‫فنان فرنسي كبير هو سليفان " ‪ ,‬حيث قام بتقديم ّ‬
‫‪3‬‬

‫كانت أغلبها مترجمة وذلك في القاهرة و اإلسكندرية ‪.‬‬

‫أما المسرح في األردن فقد بدأ" قبل الستينات في شكل تجمعات صغيرة تمارس عملها داخل‬
‫ّ‬

‫النوادي و المدارس ‪ ,‬ومن بين أهم التمثيليات التي أقيمت‬


‫المؤسسات الحكومية و االجتماعية و في ّ‬

‫دماء في الجزائر"‪ , 4‬إذ قام مجموعة من الشباب بمساعدة المخرج هاني صنوبر بتقديم مسرحية الفخ‬

‫النصوص المعروضة نصوص أجنبية ‪ ,‬و تلتها بعد‬


‫البوليسية ‪ ,‬حيث لقت نجاحا كبي ار ‪ ,‬و كانت ّ‬

‫ذلك مسرحيات عربية في السبعينيات تنقل اإلطار العام لمشاكل و قضايا المجتمع األردني ‪.‬‬

‫القباني ‪ ,‬إذ‬
‫أما ما يتعلق بسوريا فإن " ّأول من نهض بالفن المسرحي فيها هو أحمد أبو خليل ّ‬
‫وّ‬

‫استطاع أن يخطو بالمسرح خطوة إلى األمام ‪ ,‬فقد أنشأ مسرحا عرض فيه بعض روايات غنائية من‬

‫لكنه صادف عنتا من القوى المتزمتة بدمشق‪,‬‬


‫وضعه وتلحينه ‪,‬اقتبس حوادثها من ألف ليلة و ليلة ‪ّ ,‬‬

‫‪ :‬أمير ابراهيم القرشي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪. 28‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬محمد غنيمي هالل ‪ ,‬األدب المقارن ‪ ,‬نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ‪ ,‬ص‪. 147‬‬ ‫‪2‬‬

‫الراعي ‪ ,‬المسرح في الوطن العربي ‪ ,‬عالم المعرفة ‪ ,‬الكويت ‪ ,‬ط‪, pdf, 2‬ص‪. 198‬‬
‫‪ :‬علي ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪ :‬لينا نبيل أبومغلي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪. 47‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪27‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫فاستصدرت أم ار من السلطان بإغالق مسرحه ولم تكتف بذلك بل أحرقت مسرحه وحاولت أن تكيد له‬

‫فكانت تحاصره في منزله ‪ ,‬فترك سوريا و لجأ إلى مصر وبها عرض عددًا من المسرحيات كمسرحية‬

‫عنترة واألمير محمود نجل شاه العجم ‪ ,‬ناكر الجميل ‪ ,‬هارون ّ‬


‫الرشيد وأنيس الجليس"‪.1‬‬

‫تحدثنا عن المسرح السوري أال و هو سعد هللا‬


‫وال ننسى أكبر اسم في سوريا ‪ ,‬إذ يذكر إذا ما ّ‬

‫ونوس الي أغنى الثقافة المسرحية العربية بنصوصه الدرامية المتقنة ‪.‬‬

‫أما في فلسطين" فقد تأثر المسرح الفلسطيني بالحركة المسرحية في األقطار العربية ‪ ,‬وجرت في‬
‫ّ‬
‫الفن و تنشيطه ‪ ,‬فظهرت مسرحية قاتل أخيه لجميل البحري‬
‫حيفا محاوالت من أجل إحياء هذا ّ‬

‫مستمدة من التّاريخ‬
‫ّ‬ ‫‪ 1919‬وقد عرضت م ار ار من قبل عشاق التمثيل‪ ,‬و كانت موضوعات مسرحهم‬

‫العربي و ما ارتبط به من القضايا اجتماعية ‪ ,‬ومن بين الكتاب المسرحيين في فلسطين نجد ‪ :‬نصري‬

‫الجوزي ‪ ,‬نجيب ّ‬
‫نصار ‪ ,‬محمد عزة دروزة ‪ ,‬حنه شاهين ‪ ,‬محي الدين الحاج عيسى الصفدي و‬

‫غيرهم "‪.2‬‬

‫تطوره‬
‫فن المسرح ّإال بعد مرور سنوات طويلة من ّ‬
‫يتعرفوا على ّ‬
‫أن العرب لم ّ‬
‫نستخلص مما سبق ّ‬

‫وتبلوره عند الغرب رغم وجود بوادره في التراث العربي القديم و مرجع ذلك شغفهم بشعرهم العربي‬

‫البليغ ‪ ,‬ورغم ذلك استطاعوا من تبني المسرح و بلورته على الطريقة العربية بعد اجتيازهم مراحل‬

‫الترجمة و االقتباس و المحاكاة لمسرح الغربي ‪ ,‬كما برز العديد من المؤلفين لهذا الفن الذين أسسوا‬

‫كيان المسرح العربي و نهضوا به لمجابهة المسرح العالمي‪.‬‬

‫‪ :‬علي الراعي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 32‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬يحيى البشتاوي ‪ ,‬بناء الشخصية في العرض المسرحي المعاصر ‪ ,‬دار الكندي ‪ ,‬األردن ‪,‬ط‪ , 2004, 1‬ص‪. 67‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪28‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫نشأة المسرح في الجزائر‪:‬‬


‫إن المتتبع لنشأة المسرح في الجزائر سيجد نفسه ال محالة يرتد حقبا زمنية بعيدة تضرب بجذورها‬
‫" ّ‬

‫تأصل هذا الفن في‬


‫في أعماق التاريخ الذي بقيت آثاره قائمة إلى اليوم ‪ ,‬شاهدة على رسوخ و ّ‬

‫متأخرة نتيجة االحتكاك و‬


‫ّ‬ ‫الجزائر‪ ,‬ولترد على مزاعم أولئك الذين يرجعون ظهور هذا الفن إلى عهود‬

‫التأثير و التّأثر "‪. 1‬‬

‫إذ " يرجع العديد من الباحثين المهتمين بشؤون المسرح ‪ ,‬ظهوره و نشأته في المغرب العربي إلى‬

‫الرومانية مستدلين على ذلك بتلك اآلثار التي تؤكد على وجود مسارح اشتهرت بها مدن رومانية‬
‫الفترة ّ‬

‫مما يجعل‬
‫في شمال إفريقيا ‪ّ ,‬إال أنه لألسف لم يستدلوا على ذلك بنصوص مسرحية تؤيد دعواهم ‪ّ ,‬‬

‫هذا الرأي ضعيف اإلسناد "‪ . 2‬وقد نستشهد في الجزائر بمدينة تيمقاد التي" بناها الفيلق الثالث من‬

‫متفرج ‪ ,‬هذا‬
‫القواّت العسكرية الرومانية سنة ‪168‬م وأقاموا في المدينة مسرحا يتّسع لخمسة آالف ّ‬

‫المقدمة في‬
‫النصوص في المسرحية ّ‬
‫أما بالنسبة للنصوص المسرحية ‪ ,‬واضحة عن ّ‬
‫بالنسبة للهياكل ّ‬

‫شيدها الرومان آنذاك وبقيت آثارها إلى‬


‫أن المسرح و جد كبناية ّ‬
‫تلك الحقبة " ‪ ,‬وهذا يجعلنا نلحظ ّ‬
‫‪3‬‬

‫يعبر عن أفكار و معتقدات حضارتهم التي اندثرت دون أن يستغلها ّ‬


‫سكان المنطقة‬ ‫حد اآلن و لكنه ّ‬
‫ّ‬

‫المحتّلة لهذا ال نجد أي مخطوطات قديمة ّتدل على وجود نصوص مسرحية في تلك الحقبة ‪.‬‬

‫‪ :‬صالح لمباركية ‪,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪. 9‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 10‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 11‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪29‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫و إذا ما بحثنا في ثنايا التّاريخ الجزائري "فإننا نلحظ وجود أنشطة شعبية مشابهة للمسرح سواء‬

‫الدينية و‬
‫الزردة ‪ ,‬واحتفاالت األعياد ّ‬
‫الراوية الشعبي و الحلقة و ّ‬
‫كالمداح‪ّ ,‬‬
‫ّ‬ ‫منها األشكال التراثية‬

‫السنة كال ّت ِّويزة وبوغنجة و بوسعدية‪.‬‬


‫المناسبات الفصلية الفالحية التي كانت تقام على طول شهور ّ‬

‫ظل و مسرح القاراقوز كانت تؤدى بالجزائر في شهر رمضان داخل قصور‬
‫وتمثيليات خيال ال ّ‬

‫الظل في‬
‫الرحالة الفرنسيين سنة ‪ 1835‬ألعاب القاراقوز وخيال ّ‬
‫الدايات و البشوات ‪ ,‬وقد شهد بعض ّ‬
‫ّ‬

‫الجزائر ‪ ,‬وبقيت هذه األلعاب تُمارس من ِقبل ال ّ‬


‫طبقات الشعبية و تلقى رواجا كبي ار ‪ ,‬و تمثل في‬

‫الغالب أمام جمهور من األطفال ‪ ,‬يستمتعون بحكايات عن الغول و قصص خرافية ‪ ,‬وما فتئ خيال‬

‫ظل و القاراقوز قائما في الجزائر حتّى منتصف القرن التاسع عشر "‪ , 1‬حتّى "منع هذا النوع من‬
‫ال ّ‬

‫النقد ‪ ,‬وخشي‬
‫التمثيل بقرار من الحكومة الفرنسية ‪ ,‬ذلك أن هذا الشكل من المسرح كان يقوم بدور ّ‬

‫الحكام الفرنسيون من أن يصبح أداة للثورة على االحتالل و أصحابه فمنعوه ‪ ,‬لذلك اندثر هذا المسرح‬

‫السمات الحضارية‬
‫بعد ذلك " ‪ ,‬وهذا ما أراده االستعمار من خالل محاوالته على القضاء على جميع ّ‬
‫‪2‬‬

‫وتعبر عن هويته العربية‬


‫تميزه ّ‬ ‫و الثقافية للشعب الجزائري بل و حتّى عاداته و تقاليده ّ‬
‫الشعبية التي ّ‬

‫الصعلكة و المجون و بعيدة كل البعد عن التّحضر‬


‫حجتهم في ذلك ّأنها تمثّل ّ‬
‫الجزائرية ‪ ,‬وكانت ّ‬

‫والتّمدن ‪.‬‬

‫‪ :‬صالح لمباركية ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪ , 21‬نقال عن نصر الدين صبيان اتجاه المسرح العربي في الجزائر ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬عبد هللا الركيبي ‪ ,‬تطور النثر الجزائري الحديث‪ ,‬دار الكتاب‪ ,2009,‬ص‪.253‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪30‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫الدارسين للمسرح الجزائري" على أن انطالق المسرح بدأ سنة ‪ ,1926‬و هي السنة‬
‫يجمع بعض ّ‬

‫التي حاول فيها الجزائريون خلق مسرح عربي يستخدم الّلغة العربية الفصحى وسيلة للتعبير والتمثيل ‪,‬‬

‫رواد المسرح العربي في بلدان أخرى ‪ ,‬مثل‬


‫وهذه المحاولة تندرج في مجال المحاوالت التي قام بها ّ‬

‫النهضة الحديثة التي تستفيد من‬


‫سوريا ومصر ‪ ,‬وهذه المحاولة تنبع من الفكرة التي تدعو إلى ّ‬

‫الغرب‪ ,‬و من تقدمه الثقافي و الحضاري ّ‬


‫ولعل زيارة جورج األبيض كان لها أثرها في تشجيع‬

‫المهتمين بقيام مسرح جزائري يتخذ العربية الفصحى أداة للتعبير ‪ ,‬فقد مثلت هذه الفرقة مسرحيات‬

‫تاريخية أو مترجمة بلغة عربية فصحى "‪ , 1‬ومن بين تلك المسرحيات التاريخية ‪ " ,‬نجد مسرحية‬

‫حداد ‪ ,‬غير أن الفرقة لم تلق من النجاح في الجزائر ما‬


‫صالح الدين األيوبي و ثارات العرب لجورج ّ‬

‫ألن صفوة المثقفين الجزائريين كانوا‬


‫خاصة تونس و ذلك ّ‬
‫لقيته في سائر بالد شمال إفريقيا و ّ‬

‫يتوجهون بفكرهم و أرواحهم نحو فرنسا ‪ ,‬فلم تكن المسرحيات العربية ّ‬


‫تهمهم في كثير أو قليل ‪ ,‬بينما‬ ‫ّ‬

‫لم تجد جمهرة الشعب الجزائري في مسرحيات تعرض باللغة الفصحى كثي ار من المتعة "‪ .2‬ومرد ذلك‬

‫ضعف مستوى الّلغة العربية الفصحى للجزائريين لعدم تداولها بينهم ‪ ,‬وانشغالهم بمشاكلهم مع السلطة‬

‫الفرنسية ‪ ,‬إضافة إلى بعد قاعة المسرح عن األماكن التي يقطنها الجزائريين إذ كان جّلهم في‬

‫األرياف‪.‬‬

‫طلع‬
‫للدراسة فقد ا ّ‬
‫ولعل سبب زيارة فرقة جورج األبيض ‪ ,‬األمير خالد الذي" بحكم وجوده بفرنسا ّ‬

‫األمة فطلب من الممثل المصري (جورج األبيض) أن يبعث له ببعض‬


‫أهمية المسرح في إيقاظ ّ‬
‫على ّ‬

‫‪ :‬عبد هللا الركيبي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 255‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬ادريس قرقوة ‪,‬التراث في المسرح الجزائري ‪,‬مكتبة االرشاد ‪ ,‬الجزائر‪ ,‬ط‪ ,2009, 1‬ص‪. 60‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪31‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫محمد ع ّفت المسرحي ‪,‬‬


‫المسرحيات لتمثيلها في الجزائر ‪ ,‬منها مسرحية ماكبث لشكسبير تعريب ّ‬

‫ومسرحية المروءة و الوفاء لخليل اليازجي ‪ ,‬ومسرحية شهيد بيروت للشاعر حافظ ابراهيم ‪ .‬و أسس‬

‫السنة نفسها ثالث جمعيات فنية ‪ ,‬قامت بتقديم عروض مسرحية و نشاطات طوال‬
‫األمير خالد في ّ‬

‫السنوات الالّحقة"‪. 1‬‬

‫وكان هدفه إدراج فن المسرح ضمن الوسائل التثقيفية في األوساط الشعبية و نجح في ذلك مع‬

‫النهوض بالدولة الجزائرية و ذلك ببعث روح المقاومة و نشر الوعي‬


‫من أرادوا محاربة االستعمار و ّ‬

‫نارية ‪ ",‬حيث كان المسرح‬


‫بين أهالي الجزائر معتمدين في ذلك على جميع الوسائل ثقافية كانت أو ّ‬

‫ألنه أقرب الفنون إلى روح ّ‬


‫الشعب و قد ارته على‬ ‫الوسيلة الّفعالة للترويج للثورة و إعداد الجزائريين لها ّ‬

‫الفنية حتّى و إن لم تكن سهلة "‪.2‬‬


‫إيصال رسالته الوطنية و ّ‬

‫لقد أنشا الفرنسيون " مسرحا فرنسيا في الجزائر ّ‬


‫ليعبروا عن حياتهم و بيئتهم ‪ ,‬ولذلك كانت‬

‫مسرحياتهم األولى تحمل أسماء من الواقع االجتماعي الجزائري مثل ‪ :‬العربي والبدوي والبربري و‬

‫ثم أسماء نسائية مثل ‪ :‬عائشة و اليهودية‬


‫عروج وخالد ‪ّ ,‬‬
‫المزابي واليهودي و سالم والتومي و بابا ّ‬

‫قدور وعيسى‪ .‬وقد أوحت الجزائر لكتاب المسرحيين‬


‫محمد و ّ‬
‫و الكاهنة ‪ ,‬باإلضافة إلى أسماء ّ‬

‫بالقوات‬
‫الفرنسيين بما ال يقل عن ثالثة و أربعين مسرحية بين سنوات(‪1925/1830‬م) ‪ ,‬مما ّأدى ّ‬

‫االستعمارية الفرنسية إلى التّفكير في بناء مسارح بلدية في كبريات المدن الجزائرية المحتلة ‪,‬‬

‫وتم تقديم عروض مسرحية‬


‫كالعاصمة و وهران و قسنطينة و عّنابة و سطيف و باتنة و سكيكدة ‪ّ ,‬‬

‫‪ :‬صالح لمباركية ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 37‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 9‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪32‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫داخل هذه المسارح كمسرحية (عبد القادر في باريس) التي عرضت حتى في باريس سنة ‪1842‬‬

‫قدمت على خشبة‬


‫عروج لصاحبها جوبيان ‪ Jupin‬التي ّ‬
‫الداي و مسرحية بابا ّ‬
‫ومسرحية أسير ّ‬

‫مسرح العاصمة "‪.1‬‬

‫المؤلفة من قبل الكتاّب الجزائريين و الكتّاب الفرنسيين كّلها ساهمت في بناء‬


‫إن األعمال المسرحية ُ‬
‫ّ‬

‫الشعب و القائمين على هذا الفن‬


‫بالرغم من ركوده أثناء الثورة النشغال ّ‬
‫كيان الفن المسرحي بالجزائر ّ‬

‫النهضة بعد االستقالل‬


‫بمجريات الثورة و ترقب ما سيترتب عنها ‪ ,‬إلى حين دخول الجزائر مرحلة ّ‬

‫الفن من كثرة المسرحيات المؤلفة وعرضها على كافة أقطار الجزائر ما ساعد‬
‫يتطور هذا ّ‬
‫لينمو و ّ‬

‫أيضا على تدوين وحفظ البعض منها ‪.‬‬

‫أن المسرح في الجزائر كان مسرحا شعبيا ‪ ,‬فقد رأى مصطفى كاتب أن نشأة‬
‫و هذا ال يمنعنا القول ّ‬

‫المسرح في الجزائر في تلك الفترة (قبل االستقالل) قد ارتكز على عنصرين اثنين هما ‪:‬‬

‫تجسد في العروض الشعبية الجماهيرية و أداته الغناء و الفكاهة ‪,‬‬


‫أن المسرح في الجزائر ّ‬
‫" ّ‬

‫وغايته التسلية و الترفيه و التثقيف ‪.‬‬

‫الرسمية وهو أساسا‬


‫الفنية ّ‬
‫أن المسرح في الجزائر مسرح شعبي ارتجالي بعيد عن القوالب األدبية و ّ‬
‫ّ‬

‫عصاميون يجهلون‬
‫ّ‬ ‫يعتمد على الموهبة و العفوية و لم يقترن أبدا بالمدارس األوروبية ‪ ,‬وأصحابه‬

‫حتّى الكتابة و القراءة ‪.‬‬

‫و هذا ما يجعلنا ال نعثر على نصوص مسرحية تم تمثيلها في تلك الفترة ‪ ,‬بل رّبما لم تكتب أصال‬

‫تدون ‪ ,‬ولم يعط للتدوين اهتماما كبي ار من قبل المؤلفين و الممثلين ‪ ,‬ألن ّ‬
‫جل المسرحيات كانت‬ ‫و لم ّ‬

‫‪ :‬صالح لمباركية ‪ ,‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪ , 23‬نقال عن أبو القاسم سعد هللا ‪ ,‬تاريخ الجزائر الثقافي ج‪. 5‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪33‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫رواد المسرح الجزائري ‪ ,‬إذ‬


‫العامية" ‪ ".‬و هذا حسب شهادة عالّلو نفسه الذي يعد ارئدا من ّ‬
‫‪1‬‬
‫بالّلغة ّ‬

‫النص المسرحي كان مرتبطا بالعرض فقط "‪.2‬‬


‫أشار إلى أنه كان التمثيل يعتمد على االرتجال ‪ ,‬و ّ‬

‫المقدم بالّلهجة العامية‪.‬‬


‫خاصة ّ‬‫وهذا جعل النص المسرحي يضيع و ّ‬

‫هامة للمسرح في الجزائر و التي لم تلق اهتماما كبي ار أال و هي المسرح‬


‫وجدير بنا أن نذكر حلقة ّ‬

‫الجزائري بلسان فرنسي و قد تحدث عنه الباحث و المسرحي أحسن ثليالني في كتاب مختارات من‬

‫المسرح الجزائري الجديد و الذي قام بتأليفه مع مجموعة من المؤلفين الجزائريين المقيمين بالخارج ‪,‬‬

‫أن "‪ 70‬بالمائة من مضمون كتاب مختارات من المسرح الجزائري الجديد ‪ ,‬هو مضمون سياسي‬
‫إذ ّ‬

‫يتطرق أكثر إلى المأساة الوطنية األخيرة ‪ ,‬ليس من خالل الشعارات ‪ ,‬بل بعمق و تحليل ‪ ,‬ليجد‬
‫و ّ‬

‫القارئ رؤية واضحة ‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد قال األستاذ (أحسن ثليالني) ‪ :‬إن الكاتب المغترب البعيد عن ارض الوطن يرى‬

‫كنا جزاءا من المأساة بينا الكاتب المغترب كان معنيا بها وجدانيا ‪.‬‬
‫أوضح منا ‪ ,‬ذلك أننا ّ‬

‫أن الكتاب باللغة الفرنسية ‪ّ ,‬إال ّأنه مرتبط بالواقع الجزائري ‪ ,‬و عموما فإن األدب‬
‫الرغم من ّ‬
‫على ّ‬

‫قوة و عمقا و‬ ‫الجزائري المكتوب بالفرنسية ‪ ,‬هو أكثر قربا من األدب المكتوب بالعربية ‪ّ ,‬‬
‫ألنه أكثر ّ‬

‫قربا ر شجاعة و جماال (حسب قول األستاذ)‪.‬‬

‫و نصوص مسرحيات الكتاب ذات مستوى راق رغم مضمونها القاسي أحيانا ‪ ,‬وهي ال تعني أبدا‬

‫الصنعة الفنية ‪.‬‬


‫أن المؤلفين تحكموا في ّ‬
‫تبعيتها لألدب اإلستعجالي ‪ ,‬ذلك ّ‬

‫‪ :‬صالح لمباركية ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 46‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪ , 47‬نقال عن مصطفى كاتب ‪ ,‬النص المسرحي – مخطوطة‪. -‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪34‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫الشعري منذ بداياتها مع كاتب ياسين في‬


‫تميزت بالطابع ّ‬
‫إن المسرحية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية ّ‬
‫ّ‬

‫جبار ‪ ,‬كما دعا من جهة أخرى ‪ ,‬أهل‬


‫الجثة المطوقة و المرأة المتوحشة وكذلك في كتابات آسيا ّ‬

‫النصوص واالستلهام منها ‪ ,‬وعليها ‪ -‬كما قال‪ -‬أن نستعيد هذا‬


‫المسرح عندنا إلى االلتفات إلى هذه ّ‬

‫المسرح المهاجر ليستفيد و يتمتع به الجمهور الجزائري ‪ ,‬ألن محتوى هذا المسرح يبقى جزائريا‬

‫محضا رغم تعدد لغاته"‪.1‬‬

‫بالرغم من تعدد‬
‫لكنه مترجم إلى لغة غير لغته األم و بالتالي فانتماءه واحد ّ‬
‫فهو مثل أي مسرح ّ‬

‫لغاته المكتوب بها ‪.‬‬

‫نستنتج مما سبق أ ّن للمسرح في الجزائر جذور تمتد إلى أعماق التاريخ ‪ ,‬كما كانت له بدايات‬

‫أولى تجّلت في بعض التقاليد الشعبية ‪ ,‬ثم تبلورت بعد ذلك إلى فن مسرحي قائم بذاته و ذلك بوقوف‬

‫الفن و إرخاء دعائمه ‪ ,‬فقد كان المسرح الج ازئري مسرحا شعبيا‬
‫الرواد و قيامهم بتأسيس هذا ّ‬
‫بعض ّ‬

‫فعالة في ترويج الثورة و نشر الوعي بين األهالي م‬


‫ارتجاليا قريبا إلى روح شعبه ما جعله وسيلة ّ‬

‫خالل مواضيعه المختلفة و صموده ساهم في البناء الثقافي و األدبي للجزائر إذ خطا نحو االزدهار‬

‫النمو بعد ذلك ليحتل مكانة عربية و عالمية في الساحة الفنية و األدبية ‪.‬‬
‫و ّ‬

‫‪ :‬مريم ن ‪ ,‬من مختارات المسرح الجزائري الجديد السعي الى استعادة مسرح المهاجر ‪ ,‬جزايرس ‪ ,‬نشر في المساء يوم‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 2008/12/5‬‬

‫‪35‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫المسرح عند الغرب‪:‬‬


‫الدينية آنذاك وكانت‬
‫ترجع بدايات المسرح عند الغرب إلى اليونان ‪ ,‬إذ ارتبط هذا الفن بالطقوس ّ‬

‫النماء والمرح والخمر‪,‬‬


‫المسرحية تمثل جزءا من " إحياء طقوس عبادة اإلله ديونيسوس إله الخصب و ّ‬

‫تحرر المسرح بعد ذلك من تلك الطقوس ليصبح‬


‫والتي لم تكن تعرض ّإال في أعياد هذا اإلله" ‪ .‬ثم ّ‬
‫‪1‬‬

‫الديني فقد ظل المؤّلفون اإلغريق يقومون بإدراج‬


‫تتحرر من الطابع ّ‬
‫كيانا فنيا ّإال أن المواضيع لم ّ‬

‫موضوع صراع اآللهة فيما بينها و بين بطل م البشر مؤكدة على قضية القضاء و القدر و وجود قوى‬

‫قدم " أيسكولوس ّأول عروضه التراجيدية في مدينة‬


‫خارقة للطبيعة تتحكم في حياة اإلنسان ‪ ,‬و بعدها ّ‬

‫الشعري ‪,‬‬
‫الفن التمثيلي لدى اإلغريق يعتمد على الحوار ّ‬
‫(أثينا) على الجمهور المشاهدين ‪ ,‬و كان ّ‬

‫تطور المسرح بعد ذلك ‪ ,‬و أخذ الشكل الدرامي المتعارف‬


‫وكان اإللقاء عبارة عن أناشيد منغمة ‪ ,‬وقد ّ‬

‫عليه على يد كل من أيسكولوس و سوفوكلوس" ‪ ,2‬ومنه فإن الحضارة اإلغريقية تعتبر هي واضعة‬

‫الّلِبنات األولى ّ‬
‫لفن المسرح و غيره من الفنون بجميع تطوراتها األولى و أخذت عنها باقي شعوب‬

‫بالقوة ‪.‬‬
‫الرومانية التي ورثت حضارة اليونان ّ‬
‫العالم خاصة الحضارة ّ‬

‫قدمها‬
‫الروماني تأث ار كبي ار بالمسرح اإلغريقي ‪ّ ,‬إال أن األعمال الدرامية التي ّ‬
‫إذ " تأثر المسرح ّ‬

‫قوة اإلمبراطورية الرومانية آنذاك"‪ , 3‬فقد أضافوا‬


‫الرومان كانت تتسم باألّبهة و العظمة التي تعكس ّ‬

‫أما في الجانب‬
‫إلى المسرح ما يعكس حضارتهم في بناء المسرح من نقوش معمارية و زخارف ‪ّ ,‬‬

‫الدين و بالعنف لكثرة الحروب التي خاضوها ‪,‬‬


‫تميزت مسرحياتهم ببعدها عن ّ‬
‫الفني فقد ّ‬
‫ّ‬

‫‪ :‬لينا نبيل أبومغلي ‪,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 40‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬أمير ابراهيم القرشي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 24‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪:‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 25‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪36‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫ومن " كتّاب المأساة نجد سنكا ومن أشهر كتّاب الملهاة بلوتس ترتس "‪ ,1‬وقد اعترى المسرح بعد‬

‫الرومان من فوضى غوغائية‬


‫جراء ما تسبب فيه ّ‬
‫الضعف و اّلركود بسبب محاربة الكنائس له ‪ّ ,‬‬
‫ذلك ّ‬

‫إذ كانوا يتناولون الخمرة أثناء العرض المسرحي ما جعلهم يرتكبون الفواحش ‪ " ,‬حتّى كانت الصدفة‬

‫الغريبة أن تكون الكنيسة هي الباعث للمسرح من رقدته ّإال أنها أخضعته لتعاليمها "‪ 2‬وقدمت مشاهد‬

‫عن صلب المسيح ومسرحيات شعبية حول االحتفاالت الدينية الخاصة بالمسيحية ‪.‬‬

‫عمت‬
‫النهضة و ّ‬
‫الدين طيلة العصور الوسطى إلى حين إطالل " عصر ّ‬
‫و ظّلت المسرحية حبيسة ّ‬

‫الرخاء االقتصادي ‪ ,‬ونشأت الطبقة الوسطى مما دفع المستوى‬


‫مما أثّر على ّ‬
‫الثورة الصناعية أوروبا ّ‬

‫الثقافي إلى األمام ومن ضمنه المسرح "‪ 3‬حيث انفتحت مواضيعه على التيارات االجتماعية و بعثت‬

‫الحياة في المسرح من جديد ‪.‬‬

‫الرواد الفرنسيين‬
‫الفن ‪ ,‬ومن أبرز ّ‬
‫عدت فرنسا أم المسرح كونها أكثر البلدان احتضانا لهذا ّ‬
‫وقد ّ‬

‫فإن ازدهار المسرح‬


‫نذكر راسين ‪ Racine‬و كورناي ‪ Corneille‬وأيضاً موليير ‪ , Molière‬ومنه ّ‬

‫الفرنسي كان باعتماده على المبادئ األرسطية رغم بعض محاوالت اختراقها والخروج عنها من قبل‬

‫تطو اًر ‪.‬‬


‫الرواد الذين تركوا بصمتهم في هذا الفن و زادته ّ‬
‫أكبر ّ‬

‫‪ :‬لينا نبيل أبومغلي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 41‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 42‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪:‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 43‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪37‬‬
‫ّ‬
‫فن المسرح‬ ‫الفصل األول‬

‫جراء ما‬
‫ألوروبية رغم انحطاطه في بعض الفترات ّ‬
‫ّ‬ ‫الدول ا‬
‫بالنمو في سائر ّ‬
‫فن المسرح ّ‬
‫وهكذا أخذ ّ‬

‫أهم أعالم‬
‫الدول من حروب أهلية ّإال ّأنه ينهض بعدها و يرجع إلى خط سيره ‪ ,‬ومن ّ‬
‫عانته بعض ّ‬

‫المسرح في انجلت ار كريستوفر مارلو ‪ Christopher marlowe‬وشكسبير ويليام ‪Wiliam‬‬

‫الرواد هم ‪ :‬لوبي دي فيكا ‪ Lope De Vega‬وبيدرو‬


‫أما في اسبانيا فكان أبرز ّ‬
‫‪ّ ,Sheckspire‬‬

‫كالديرون ‪ ,Pedro Calderon‬وغيرهم كثير في شتّى أرجاء أوروبا ‪.‬‬

‫الرومانية و حذوها مبادئ‬


‫إذن كانت نشأة المسرح في أوروبا تتبلور على اثر المسرحية اإلغريقية و ّ‬

‫األولين ‪.‬‬
‫ّ‬

‫للنهضة األوروبية أثر في المسرح األوروبي كما في باقي دول العالم من ضمنها أمريكا ‪,‬‬
‫وقد كان ّ‬

‫النظريات السيكولوجية وعلى‬


‫إذ " اتّجه المسرح األمريكي في معالجة المواقف الدرامية معتمدا على ّ‬

‫أن المسرح األمريكي أولى اهتمامه بالمشاهد إذ أعطيت حرّية‬


‫االتجاهات الطبيعية الواقعية " ‪ .‬بمعنى ّ‬
‫‪1‬‬

‫الدور للمثل إلرضاء الجمهور والتأثير فيه ‪ ,‬هذا ما جعلهم يعتمدون على تلك ّ‬
‫النظريات‬ ‫أداء ّ‬

‫واالتجاهات التي تساعدهم على بلوغ هدفهم أال وهو التأثير في المتلقي وترك بصمة في داخله تجعله‬

‫يتطور إلى األحسن ‪.‬‬


‫ّ‬

‫‪ :‬لينا نبيل أبومغلي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 43‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪38‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫السيكولوجيا و المسرح ‪:‬‬

‫مفهوم السيكولوجيا ‪:‬‬

‫الدراسات العلمية للسلوك و العقل و التّفكير الخاص باإلنسان ‪ ,‬وذلك بهدف‬


‫النفس هو ّ‬
‫إن علم ّ‬
‫ّ‬

‫طبيعة‬
‫ألنه يدرس ال ّ‬
‫أهمها ّ‬
‫السلوك و تفسيره و التّنبؤ به ‪ ,‬و هذا العلم من أصعب العلوم و ّ‬
‫فهم هذا ّ‬

‫البشرية ‪.‬‬

‫تتكون كلمة علم ّ‬


‫النفس في اللغة االنجليزية ‪ Psychology‬من مقطعين األولى " ‪Psyche‬‬ ‫ّ‬

‫الروح ‪ ,‬و الثانية ‪ Logos‬وتفيد معنى العلم أي البحث الذي له أصول‬


‫وهي تشير إلى الحياة أو ّ‬

‫منهجية علمية "‪.1‬‬

‫النفس‬
‫ظواهر النفسية ‪ ,‬و له فروع متعددة مثل علم ّ‬
‫النفس هو دراسة السّلوك اإلنساني و ال ّ‬
‫" وعلم ّ‬

‫الصناعي ‪ ,‬و الوصف هو سيكولوجي ‪ Psychological‬أو نفسي "‪.2‬‬


‫العام ‪ ,‬اإلكلينيكي ‪ّ ,‬‬

‫النظرية‬
‫النفس الذي تبلورت على يده مالمح ّ‬
‫األول لعلم ّ‬
‫الرائد ّ‬
‫عد فرويد أبرز األعالم و ّ‬
‫و ُي ّ‬

‫النفسية‬
‫الدراسات السيكولوجية والتحليلية ّ‬
‫السيكولوجية و على إثر انجازاته العلمية ظهرت العديد من ّ‬

‫مست األدب و الفن ‪.‬‬


‫حتّى ّأنها ّ‬

‫‪ :‬موسوعة ويكيبيديا االلكترونية ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫النفسية انجليزي‪-‬عربي ‪,‬دار ّ‬


‫النهضة العربية ‪ ,‬بيروت‪,‬ط‪, 2001, 1‬‬ ‫‪ :‬لطفي الشربيني ‪ ,‬موسوعة شرح المصطلحات ّ‬
‫‪2‬‬

‫ص‪. 292‬‬

‫‪40‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫النقاد الذين ينتمون إلى‬


‫النظرية قد تمّثلت في كتابات ّ‬
‫المبكرة لهذه ّ‬
‫" كانت البدايات أو اإلرهاصات ّ‬

‫الناقد الفرنسي‬
‫الرومانسية و االنطباعية وال ّذاتية ‪ ,‬وكان ّ‬
‫اتجاه جمع تيارات من نظريات أدبية مثل ّ‬

‫قمة هذا التيار"‪ ,1‬و تسّلط الّنظرية‬


‫الشهير سانت بيف (‪ )1869\1804()Saint-Beuve‬على ّ‬
‫ّ‬

‫الفني الذي يتأثر‬


‫الدالالت الباطنية للعمل األدبي و ّ‬
‫النقد و على ّ‬
‫السيكولوجية الضوء على اإلبداع و ّ‬

‫للفنان ‪.‬‬
‫بالعقل الباطن ّ‬

‫النظرية السيكولوجية يعتبرون العمل األدبي أو الفني تعبي ار مباش اًر عن شخصية‬
‫" وأصحاب ّ‬

‫مبدعه‪ ,‬و لذلك فهم يتخذون من العمل وسيلة للكشف عن هذه الشخصية ‪ ,‬والقاء األضواء على‬

‫النفس باستكشافاتهم‬
‫النظرية السيكولوجية علم ّ‬
‫الدفينة ‪ ,‬و قد يفيد أصحاب ّ‬
‫معالمها المختلفة و أغوارها ّ‬

‫القاص الفرنسي جي دي‬


‫ّ‬ ‫الدرجة ‪ ,‬مثل‬ ‫المؤكد ّأنهم ال يفيدون اإلبداع و ّ‬
‫النقد بنفس ّ‬ ‫ّ‬ ‫النفسية ‪ ,‬لكن من‬
‫ّ‬

‫موباسان اّلذي كان مصابا بمرض خبيث عقد نفسيته تجاه المرأة ‪ ,‬لذلك فهو يتحامل عليها أحيانا في‬

‫النفس ‪ ,‬و لكن من المشكوك فيه جدا أنه يساعد‬


‫قصصه ‪ ,‬كل هذا و غيره مفيد للباحث في علم ّ‬

‫قصة من قصص موباسان ‪ ,‬واستيعابها كعمل فني له وحدته الجمالية "‪ .2‬لهذا‬ ‫القارئ على ّ‬
‫تفهم ّ‬

‫كانوا حريصين على معرفة ّأدق األشياء في حياة الكاتب ‪ ,‬ألنها تساعدهم في بحثهم و فهمهم و‬

‫تقييمهم للعمل نفسه ‪.‬‬

‫‪ :‬نبيل راغب ‪ ,‬موسوعة النظريات األدبية ‪ ,‬لونجمان للنشر ‪ ,‬القاهرة ‪,‬ط‪ ,2003, 1‬ص‪. 355‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 357‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪41‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫الناقد أيضا ؛‬
‫نفسية المبدع فحسب ‪ ,‬بل تمتد لنفسية ّ‬
‫النظرية السيكولوجية على تحليل ّ‬
‫" وال تقتصر ّ‬

‫يفسر العمل األدبي كتعبير عن‬


‫الناقد هو أن ّ‬
‫يهم ّ‬
‫فإذا كان األدب تعبي ار مباش ار عن الفرد ‪ ,‬فإن الذي ّ‬

‫األحاسيس و المشاعر التي تجتاح نفس األديب ‪ ,‬وكذلك العقد التي تتحكم فيها ‪ ,‬و ينطبق نفس‬

‫الناقد الذي يملك نفس الحق في التعبير عن أحاسيسه و مشاعره التي‬


‫المعيار السيكولوجي على ّ‬

‫الفني ‪ ,‬وعلى قدرة هذه اإلثارة أو هذا األثر يكون حكم النّاقد و تقييمه للعمل "‪ .1‬وذلك‬
‫أثارها العمل ّ‬
‫باعتبار األدبي تعبير مباشر من ذات األديب ‪ ,‬و بالتالي فحكم النّاقد يكون هو تعبير عن األثر‬
‫السيكولوجي الذي خلّفه هذا العمل في ذاته ‪.‬‬
‫إن الفن يعيد تنظيم اإلحساسات التي أصابتها اضطرابات الحياة باّلتشوش والتنافر ‪ ,‬والوظيفة‬
‫" ّ‬

‫النفوس التي تجتاحها الفوضى ‪ ,‬ويشحنها بطاقات‬


‫النظام إلى ّ‬
‫للفن الذي يعيد ّ‬
‫السيكولوجية الفعلية ّ‬

‫تجعلها أكثر قدرة و أعمق بصيرة لمواجهة حياتها العملية ‪ ,‬فالعمل الفني في نهاية األمر هو تجربة‬

‫الفنانون من إبداعهم أصبح ملكا للمتلقين عبر العصور"‪.2‬‬


‫يمر بها المتلقي‪ ,‬فمتى انتهى ّ‬
‫سيكولوجية ّ‬

‫أن سيكولوجية األدب مجال يبحث في عمق و طبيعة العالقة بين أثر مضمون‬
‫نستنتج مما سبق ّ‬

‫خاصة بالعقل‬
‫مذكرات ّ‬
‫العمل األدبي و الفني و العالم الباطن للذات الكاتبة ‪ ,‬باعتبار هذا العمل ّ‬

‫الالشعورية لذاته ‪.‬‬


‫الباطن للكاتب‪ ,‬تكشف الخبايا ّ‬

‫‪ :‬نبيل راغب ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 359‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 363‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪42‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫نظريات علماء النّفس في الشخصية ‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬عند فرويد (‪: )S.Freuid‬‬


‫ّ‬

‫أن السّلوك له دافع داخلي من قوى ال‬ ‫" يرى (سيجموند فرويد) مؤسس نظرية التحليل ّ‬
‫النفسي ّ‬

‫أن ما يصدر‬
‫خاصة من خالل عالقته بوالديه ‪ ,‬و ّ‬
‫الشخص و حياته و ّ‬
‫تكونت عبر تاريخ ّ‬
‫شعورية ّ‬

‫النفسية‬
‫من الشخص من فعل أو تفكير أو شعور ناتج في الحقيقة عن تفاعل دينامي بين األنظمة ّ‬

‫الثالثة و هي ‪ :‬الهو(الذات الدنيا) (‪ , )Id‬و األنا (الذات الوسطى) (‪ , )Ego‬واألنا األعلى (الذات‬

‫فإن ذلك‬ ‫العليا) (‪ , )Super Ego‬و إذا حدث أي اختالل في توازن أي من هذه األنظمة ّ‬
‫النفسية ّ‬

‫الصراع‬
‫ليضادوه فينتج عنه ّ‬
‫ّ‬ ‫النظامين اآلخرين معه و نشاطهما‬
‫يؤدي إلى اختالل في تفاعل ّ‬
‫ّ‬

‫الداخلي"‪.1‬‬
‫ّ‬

‫كأنه محكوم بالغرائز التي تقع في مجموعتين اثنين وهما االيروس‬


‫صور فرويد اإلنسان و ّ‬
‫" إذ ّ‬

‫األولي للشخصية و هو الهو (‪)Id‬‬


‫حدد البناء البدائي ّ‬
‫‪ , Eros‬والثاناتوس ‪ , Thanatos‬و قد ّ‬

‫األولية و األنا (‪ )Ego‬التي تمسك بالهو و تجعله تحت‬


‫التي تعمل طبقا لمبدأ الّلذة و العمليات ّ‬

‫السيطرة و تعمل حسب مبدأ الواقع عند مستوى العمليات الثانوية‪ ...‬و األنا األعلى (‪)Super Ego‬‬

‫السائدة في المجتمع ويعمل طبقا لمبدأ األخالقية "‪.2‬‬


‫و هو نتيجة امتصاص القيم و المعايير الخلقية ّ‬

‫‪ :‬مأمون صالح ‪ ,‬الشخصية ‪ ,‬دار أسامة ‪ ,‬ص‪.61‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬بام بالن ‪ ,‬نظريات الشخصية ‪,‬تر عالء الدين كفافي وآخرون ‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬ص‪. 109‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪43‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫أن سلوك الفرد ينتج‬


‫للشخصية و ّ‬
‫المركب األساسي ّ‬
‫النفسية الثالث هي ّ‬
‫بمعنى أن هذه األنظمة ّ‬
‫النفسية‪.‬‬
‫من دافع محّقق لرغبة غريزية داخل الفرد ويظهر من خالل ديناميكية تلك األنظمة ّ‬

‫أن كل جانب في هذا التكوين‬


‫و حسب فرويد " فالشخصية في األعماق بناء ثالثي التكوين ‪ ,‬و ّ‬

‫النهاية وحدة متفاعلة و متماسكة‬


‫أن الجوانب الثالثة تؤلف في ّ‬
‫خاصة ‪ ,‬و ّ‬
‫يتمتع بصفات و ميوالت ّ‬

‫الشخصية ‪ ,‬هذه الجهات أو الجوانب الثالثة هي ‪:‬الهو ‪ ,‬األنا ‪ ,‬األنا األعلى "‪.1‬‬
‫هي ّ‬

‫إن البحث في‬


‫بالرجوع إلى شعوره ‪ّ ,‬‬
‫يقول فرويد ‪ّ ":‬إننا نقع في المحذور عند دراسة شخص ما ّ‬

‫الالشعور‬
‫الشخص تكمن في ّ‬
‫الداللة الحقيقية لما يسلكه ّ‬
‫أغوار الشخصية هو التكنيك المناسب ‪ ,‬إذ أ ّن ّ‬

‫الشخصية في فهمها ‪ ,‬بل قد يكون ما في شعور‬ ‫ظاهر الشعوري ّ‬


‫معب ار عن ّ‬ ‫يعد السلوك ال ّ‬
‫‪ ,‬و ال ّ‬

‫الالشعور "‪.2‬‬
‫الشخص نقيضا لما في ّ‬

‫أن فرويد لم يهتم بالصفات الظاهرة في الشخصية ّإال من حيث داللتها و ال بالسلوك‬
‫بمعنى ّ‬

‫ظاهر للفرد ‪ ,‬الذي قد يكون في بعض األحيان مناقضا للسلوك الشعوري ّ‬


‫الصادر‬ ‫الواضح الشعوري ال ّ‬

‫الشخصية ‪.‬‬
‫عن نفس ّ‬

‫الدراسة‬
‫منا لهذا جاءت ّ‬ ‫الداخلي يكون في الغالب في نفس ّ‬
‫كل ّ‬ ‫النزاع أو التناقض ّ‬
‫و هذا ّ‬

‫األهمية ‪ ,‬فهي مقاربة للحقائق اليومية‬


‫ّ‬ ‫السيكولوجية للشخصية لفرويد مساهمة عظيمة و بالغة‬

‫الدراسة ساعدت في‬


‫يحقق رغبة ‪ ,‬و هذه ّ‬
‫ّ‬ ‫أن كل سلوك‬
‫بافتراضه وجوب صدور كل سلوك من دافع و ّ‬

‫أن الغريزة‬
‫الشخصية ‪ ,‬و هذا ما نستخلصه من نظرية فرويد التي تقوم أساسا على ّ‬
‫حل المشاكل ّ‬
‫ّ‬
‫‪ :‬محمد مياسا ‪ ,‬موسوعة علم النفس ‪ ,‬دار الجيل ‪ ,‬بيروت ‪ ,‬ط‪, 1997, 1‬ص‪. 57‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المصدر نفسه ‪ ,‬ص ن ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪44‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫ولكن هل هناك عوامل‬


‫الرئيسي لسلوك اإلنسان ‪ّ .‬‬
‫المحرك ّ‬
‫ّ‬ ‫الداخلي للفرد هو‬
‫الصراع ّ‬
‫ّ‬ ‫الجنسية و‬

‫محركة لسلوك‬
‫خارجية مؤثّرة على هذه الغريزة ؟ وان كان كذلك هل يمكننا اعتبار تلك العوامل ّ‬

‫الرئيسي لسلوك اإلنسان ‪.‬‬


‫المحرك ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلنسان ؟ كونها تؤثّر في الغريزة التي هي باألساس‬

‫ثانياً‪ :‬عند آدلر(‪: )A.Adler‬‬

‫تحرك سلوك اإلنسان ‪,‬‬


‫أن الحوافز االجتماعية ّ‬
‫النفس الفردي ‪ّ ,‬‬
‫"يفترض آدلر مؤسس مدرسة علم ّ‬

‫أن األنماط‬ ‫أن االهتمام االجتماعي فطري فيه ّ‬


‫بالرغم من ّ‬ ‫و هو كائن اجتماعي في أساسه ‪ ,‬و اعتبر ّ‬

‫تتكون ‪ ,‬ت ّ‬
‫حددها طبيعة المجتمع الذي يولد فيه‬ ‫النظم االجتماعية التي تظهر و ّ‬
‫النوعية للعالقات و ّ‬
‫ّ‬

‫أهمية الجنس"‪.1‬‬
‫اإلنسان ‪ ,‬وقّلل من ّ‬

‫السائدة االيجابية في الحياة ‪,‬‬


‫القوة ّ‬
‫الدافع الجنسي هو ّ‬
‫أن حافز توكيد ال ّذات ‪ ,‬و ليس ّ‬
‫" إذ يعتقد ّ‬

‫يتعرض للتثبيط من قبل المحيط و من قبل حساسية الفرد الخاصة ‪ ,‬و‬


‫و ّأنه تبعا لذلك ّأنه هو الذي ّ‬

‫هكذا يكون هذا الحافز منبع كل إنتاج من جهة ‪ ,‬كما يكون مصدر السلوك الخاطئ وعدم التالؤم من‬

‫حب التّفوق و تحقيق األهداف المنشودة هي العامل ّ‬


‫الرئيسي في توجيه‬ ‫أن ّ‬
‫جهة أخرى" ‪ .‬بمعنى ّ‬
‫‪2‬‬

‫أن المحيط االجتماعي يؤثر بدوره في تحريك ذلك السلوك باعتبار اإلنسان كائن‬
‫سلوك الفرد ‪ ,‬و ّ‬

‫اجتماعي ولم يهتم بالطبيعة الجنسية له ‪.‬‬

‫‪ :‬مأمون صالح ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 68‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬موسوعة علم النفس للتربية والتعليم ‪, creps international ,‬لبنان‪, 2009\2008,‬ص‪. 33‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪45‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫يقول آدلر ‪ّ ":‬أنه من غير المستطاع تقدير العوامل الجنسية بصورة صحيحة ّإال في صلتها بطريقة‬

‫المتشبعة وتردداتها و‬
‫ّ‬ ‫النفوذ ببصرنا إلى حياة الفرد الجنسية بكل طرقها‬
‫حياة الفرد ‪ّ ...‬إننا ال نستطيع ّ‬

‫مداراتها ّإال بمقدار ما نستطيع معرفة طريقة حياته "‪.1‬‬

‫الدافع الجنسي فقط لفهم مشاكله ومعالجتها هو‬


‫أن دراسة وتحليل حياة اإلنسان على أساس ّ‬
‫بمعنى ّ‬

‫تحليل ناقص و ال يّلم بجميع جوانب حياته و بالتالي ال يعطينا صورة صحيحة عنه ‪.‬‬

‫أن السلوك‬
‫موجه لتحقيق هدف ‪ ,‬و ّ‬ ‫ويرى آدلر " ّ‬
‫أن السلوك له معنى اجتماعي و غرضي ‪ ,‬و ّأنه ّ‬

‫كلية و يتبع نمطا ‪ ,‬و هو في نفس الوقت نتيجة إلدراكاتنا ال ّذاتية "‪.2‬‬
‫وحدة ّ‬

‫موجهة لحل ثالثة مهام‬


‫تطور المشاعر االجتماعية ‪ ,‬و هي ّ‬
‫"و مفهومه هو الميل االجتماعي و ّ‬

‫الروحية‬
‫حياتية ‪ :‬المجتمع ‪ ,Society‬العمل ‪ ,Work‬الحب ‪ ,Love‬و يمكن أن تضاف إليها ّ‬

‫الموجهة‬
‫‪ , Sprituality‬ال ّذات ‪ . Self‬وجهود األفراد الفريدة نحو تحقيق األهداف ال ّذاتية أو ّ‬

‫بالذات هي أسلوب حياتهم ‪ ,‬و قوانين حركتهم هي التّوجهات التي يؤخذ بها في ممارسة االختيار‬

‫القوة اإلبداعية للفرد يصنع أفكاره األصلية عن‬


‫الحر واستغالل مهاراتهم " ‪ .‬بمعنى ّأنه من خالل ّ‬
‫‪3‬‬
‫ّ‬

‫نفسه‪.‬‬

‫‪ :‬موسوعة علم النفس للتربية والتعليم ‪ ,‬ص‪. 35‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬بام بالن ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 109‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 184‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪46‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫إن نظرية آدلر " تعكس وجهة نظر بيولوجية ال تختلف عن وجهة نظر فرويد و يونج حيث‬
‫ّ‬

‫الخالقة التي‬
‫تشكل شخصيته ‪ ,‬و أضاف آدلر فكرة ال ّذات ّ‬
‫أن لإلنسان طبيعة فطرية ّ‬
‫يفترض الثالثة ّ‬

‫متوسطا بين المثيرات و‬


‫السيادة في بناء الشخصية و اعتبرها شيء يحتل مكانا ّ‬
‫اعتبرها هي صاحبة ّ‬

‫أكد على تفرد الشخصية‬


‫أن اإلنسان هو الذي يصنع شخصيته ويبنيها ‪ ,‬و ّ‬
‫االستجابات للشخص ‪ ,‬و ّ‬

‫الصفات و االهتمامات والقيم ‪ ,‬إذ‬


‫الدوافع و ّ‬
‫كل شخص هو عبارة عن صياغة فريدة من ّ‬
‫أن ّ‬
‫فاعتبر ّ‬

‫الشعور‬
‫أن ّ‬‫المتميز في الحياة ‪ .‬كما اعتبر آدلر ّ‬
‫ّ‬ ‫الخاص و‬
‫ّ‬ ‫كل فعل لإلنسان يحمل طابع أسلوبه‬
‫أن ّ‬
‫ّ‬

‫أن اإلنسان هو كائن شعوري يعرف أسباب ّ‬


‫تصرفاته و يشعر بنقائصه و‬ ‫الشخصية ‪ ,‬و ّ‬
‫هو مركز ّ‬

‫األهداف التي يحاول بلوغها " ‪.1‬‬

‫الدور التكويني رغما عن اختالفهما في الذي‬


‫طفولة هي ّ‬
‫فآدلر و فرويد " يتّفقان في اعتبار ال ّ‬

‫األهمية فيما بعد "‪.2‬‬


‫ّ‬ ‫الدور مما يكون له أعظم‬
‫يتكون أثناء هذا ّ‬
‫ّ‬

‫أن آدلر رفض الجنسية و اهتم بالعوامل االجتماعية أكثر من اهتمامه بالعوامل‬
‫نستخلص مما سبق ّ‬

‫الشعور باعتباره مركز الشخصية ‪ ,‬و اعتبر أ ّن السلوك البشري تُ ّ‬


‫حركه‬ ‫ركز على ّ‬
‫الداخلية ‪ ,‬و ّ‬
‫النفسية ّ‬
‫ّ‬

‫الداخلية ‪ .‬ولكن كيف سيكون سلوك اإلنسان إذا ما بلغ‬


‫أهداف خارجية أكثر من اندفاع الفرد بغرائزه ّ‬

‫الدافع لسلوكه ؟ ‪.‬‬


‫جميع أهدافه ؟ هل ستبقى الغريزة هي ّ‬

‫‪ :‬مأمون صالح ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪. 68‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬موسوعة علم النفس للتربية والتعليم ‪ ,‬ص‪. 36‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪47‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫ثالثا ‪ :‬عند يونج (‪: )G.Jung‬‬

‫الالشعور الجمعي‬
‫النفس فكرة ّ‬
‫النفس التحليلي إلى علم ّ‬
‫" أضاف يونج مؤسس مدرسة علم ّ‬

‫(‪ )Collective Unconscious‬الذي يجمع ذكريات اآلباء و األجداد وخبراتهم ويعتبره األساس‬

‫العنصري الموروث للبناء الكّلي للشخصية وعليه يبنى األنا و ّ‬


‫الالشعور الشخصي و جميع‬

‫الشخصية هي األنا و‬
‫الرئيسية التي تتألف منها ّ‬ ‫المكتسبات الفردية األخرى ‪ .‬ويرى يونج ّ‬
‫أن األنظمة ّ‬

‫الالشعور الجمعي و القناع (‪ )Persona‬ثم األنيما(‪ )Anima‬أو األنيموس‬


‫الالشعور الشخصي و ّ‬
‫ّ‬

‫ظل (‪ , )Shadow‬واالتّجاهات االنطوائية و االنبساطية و وظائف التفكير و‬


‫(‪ )Animus‬و ال ّ‬

‫الوجدان و اإلحساس و الحدس و ال ّذات التي هي الشخصية المتكاملة ‪.‬‬

‫يتكون من المدركات الشعورية و الذكريات واألفكار‬


‫الشعوري و ّ‬ ‫و يرى يونج ّ‬
‫أن األنا يمثل العقل ّ‬

‫الشخصية ‪ ,..‬و‬
‫بهويته و استم ارريته ‪ ,‬وهو مركز ّ‬
‫و المشاعر ‪ ,‬و هو المسؤول عن شعور المرء ّ‬

‫الشخصي يتمثل في الخبرات المكبوته ‪ ,‬وهي تماثل الشعور عند فرويد حيث يمكن للشعور‬
‫الالشعور ّ‬
‫ّ‬

‫أما‬
‫الشخص للعالم من حوله ‪ّ ,..‬‬
‫العامة التي يظهرها ّ‬
‫أما القناع فيمثل الشخصية ّ‬
‫أن يصل إليها ‪ّ ,‬‬

‫النمط الذكري لدى المرأة ‪ ,...‬و يعمل‬ ‫األولي األنثوي ّ‬


‫للرجل ‪ ,‬و األنيموس هو ّ‬ ‫النمط ّ‬
‫األنيما فهو ّ‬

‫كل جنس الى االستجابة ألفراد الجنس اآلخر و‬


‫النمطان معا باعتبارهما صو ار جمعية تدفع ّ‬
‫هذان ّ‬

‫فهمهم "‪.1‬‬

‫الشخصية و تصبح بناء كلي متكامل‪.‬‬


‫المكونات التي تتركب منها ّ‬
‫ّ‬ ‫أن األنماط المذكورة هي‬
‫بمعنى ّ‬

‫‪ :‬مأمون صالح ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪. 67‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪48‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫التفرد هو‬
‫النفسية األربع ‪ ,‬و ّ‬
‫وقد افترض يونج " مفهومي االنبساط و االنطواء مع الوظائف ّ‬

‫النفس بمساعدة وظيفة‬


‫بقية ّ‬
‫تميز ال ّذات عن ّ‬
‫الشخص فردا سيكولوجيا ‪ ,‬إنها ّ‬
‫العملية التي يصبح بها ّ‬

‫التنامي " ‪.1‬‬

‫الشعوري أو قل خلف‬
‫الشخص المنطوي مثال ‪ ,‬إلى جانب و ضعه ّ‬
‫يقول يونج ‪ " :‬يوجد في حالة ّ‬

‫الشعوري الوحيد ‪ ,..‬وهكذا يكون‬ ‫لشعوري ‪ ,‬وضع الشعوري منبسط ّ‬


‫يعوض آليا جانبه ّ‬ ‫و ضعه ا ّ‬

‫لالشعور ‪ ,‬بحسب ما نرى ؛ وظيفة تعويضية بالنسبة للشعور "‪.2‬‬


‫ّ‬

‫الالشعورية و‬
‫الخاصة بهم ‪ ,‬انطوائيين في حياتهم ّ‬
‫الشعورية ّ‬
‫أن األفراد المنبسطين في الحياة ّ‬
‫بمعنى ّ‬

‫العكس كذلك ‪.‬‬

‫ويعتقد يونج " ّأنه من الممكن التفريق بين نموذجين من األفراد ‪ :‬واحد منهما يفضل أن يتركز‬

‫اهتمامه و انتباهه حول ذاته و اآلخر يتّجه انتباهه إلى الخارج ‪ ,‬إلى المحيط االجتماعي و الما ّدي"‪.3‬‬

‫أن المنطوي يتّجه إلى داخل ذاته ‪ ,‬و المنبسط يتّجه إلى الخارج (خارج ذاته ) ‪.‬‬
‫بمعنى ّ‬

‫‪ :‬بام بالن ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 146‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬محمد مياسا ‪ ,‬المصدر السابق ‪ ,‬ص‪. 44‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ :‬المصدر نفسه ‪ ,‬ص‪. 43‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪49‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫أشد‬
‫أهمية عمل فرويد و آدلر ‪ ,‬بل على العكس كان مهتما ّ‬
‫ط التقليل من ّ‬
‫" لم يحاول يونج ق ّ‬

‫تسببه رغبة جنسية‬


‫االهتمام بجمع ما قااله في نظرية واحدة ‪ .‬فرويد يعتبر الحلم أو العصاب أم ار ّ‬

‫الدافعين‬ ‫التفوق ‪ ,‬و إذا كان ّ‬


‫كل واحد من هذين ّ‬ ‫حب ّ‬ ‫أن السبب هو ّ‬
‫مكبوتة ‪ ,‬في حين آدلر يعتقد ّ‬

‫حل يونج المشكلة عن طريق‬


‫فإن التوفيق بينهما هو األمر العسير ‪ .‬و قد ّ‬
‫يبدو معقوال لوحده ‪ّ ,‬‬

‫الناس يتأثرون على طريقة فرويد و البعض‬


‫النماذج السيكولوجية ‪ ,‬فبعض ّ‬
‫نظرّيته المشهورة عن ّ‬

‫اآلخر على طريقة آدلر "‪. 1‬‬

‫الداخلي و ليس الغريزة الجنسية كما يزعم‬


‫صراع ّ‬
‫يحركه ال ّ‬
‫أن سلوك اإلنسان ّ‬
‫و نستخلص مما سبق ّ‬

‫الخاصة به ‪ ,‬باعتبار‬
‫ّ‬ ‫يميز بين نمطين من األفراد حسب نظرية االنبساط و االنطواء‬
‫فرويد ‪ ,‬كما ّ‬
‫اإلنسان المنبسط مدفوع بليبدو فرويد وسيطرة العاطفة على ال ّ‬
‫شخصية أ ّما المنطوي فهو مدفوع بحبّ‬
‫التّفوق آلدلر و سيطرة التفكير و األحالم وتحقيق األهداف على الشخصية ‪ ,‬و هكذا جمع يونج بين‬
‫نظريتي فرويد و آدلر ‪.‬‬

‫‪ :‬محمد مياسا ‪ ,‬المصدر السابق ‪ ,‬ص‪. 43‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪50‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫المسرح النّفسي ‪:‬‬

‫" المسرح الّنفسي (الدراما السيكولوجية) ّتيار حديث في المسرح الغربي ‪ .‬وهو تيار لم تكتمل‬

‫صورته بعد ‪ ,‬بل ّإنه –كما يقول جون راسل تيلور‪ -‬في كتابه الموجة الجديدة (‪ -)1979‬مازال في‬

‫البد منها قبل أن يفرض نفسه على‬


‫تمر بمرحلة التبلور التي ّ‬
‫مرحلة التشكيل ‪ ,‬و مازالت مالمحه ّ‬

‫متذوقي المسرح و دارسيه ‪.‬‬


‫ّ‬

‫ألن كل عمل مسرحي ‪ ,‬بل كل عمل أدبي‬


‫ورّبما كانت تسمية المسرح الّنفسي تسمية غير دقيقة ؛ ّ‬

‫األول ؛ و لكن التسمية الزمة للتفريق بينه وبين سائر‬


‫فني ‪ ,‬يعتمد على الحركة الّنفسية في المقام ّ‬
‫أو ّ‬

‫األعمال المسرحية التي تنتمي إلى الدراما الكالسيكية بمفهوماتها المتعارف عليها "‪. 1‬‬

‫وللتعريف أكثر بهذا الّلون المسرحي الجديد وجب علينا االنطالق من نقطة التّصور للشخصية‬

‫داخل أعمال هذا التيار المسرحي الحديث ‪ ,‬يقول الفيلسوف االنجليزي الحديث (س‪.‬ا‪.‬م‪.‬جود) في‬

‫أن للشخصية‬
‫إن المفهوم القديم كان يعتمد على الثبات أي على ّ‬
‫كتابه دليل الى الفكر المعاصر ‪ّ ":‬‬

‫بمجرد أن‬
‫ّ‬ ‫أن القارئ يستطيع أن ّ‬
‫يتنبأ بما سوف تقوله أو تفعله‬ ‫اإلنسانية مالمح ثابتة و محددة ‪ ,‬و ّ‬

‫الرواية أو المسرحية )‬
‫تطور هذه الشخصية في أعطاف ّ‬
‫يراها أو يق أر عنها ( مهما كانت درجة ّ‬

‫الرواية في القرن التاسع عشر ‪,‬‬


‫فالشخصيات التي خلقها كبار كتاب المسرح قديما ‪ ,‬ثم كبار كتاب ّ‬

‫شخصيات تكاد – لثباتها و وضوح مالمحها – أن تقف خارج حدود العمل األدبي "‪. 2‬‬

‫الشعر ‪ ,‬مكتبة غريب ‪ ,‬ص‪. 7‬‬


‫‪ :‬محمد عناني ‪ ,‬المسرح و ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.7‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪51‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫النفس‬ ‫يبين لنا هذا الفيلسوف االنجليزي من خالل قوله مدى ّ‬


‫تغير وعي الكتّاب بسبب غزو علم ّ‬ ‫ّ‬

‫يركز على مفهوم الشخصية عند كبار الكتاب في القرن التاسع عشر ومفهوم الشخصية‬
‫لألدب ‪ ,‬و ّ‬

‫عند الروائيين في بداية القرن العشرين ‪ ,‬إذ زاد وعيهم أكثر بتصوير الشخصية اإلنسانية في األدب ‪,‬‬

‫الدراسات الفلسفية التي تبين‬


‫النفس الحديث و ّ‬
‫إذ يقول (س‪.‬ا‪.‬م‪.‬جود) أيضا ‪" :‬نتيجة لمستكشفات علم ّ‬

‫أن محاوالت تثبيت‬


‫الدوام ‪ ,‬و ّ‬
‫تؤكد أنه يتغير على ّ‬
‫أن الحركة الباطنة له ّ‬
‫ّأنه ليس كيانا مستقال و ّ‬

‫لكنها تخرج‬
‫الشخصية في األدب تعين الفنان على تحقيق أهدافه فحسب وأهمها التركيز و البلورة ‪ ,‬و ّ‬

‫لنا شخصيات يصعب تصديقها و التعاطف معها "‪.1‬‬

‫أن الكاتب يفرض قيود فنية تجعل الشخصية اإلنسانية في األدب بعيدة كل البعد عنها في‬
‫بمعنى ّ‬

‫الخاصة لها ما يجعلها غير قادرة على تحريك‬


‫ّ‬ ‫الواقع إذ يقوم برسم صورتها حسب متطلباته و رؤيته‬

‫عواطف المتلقي ‪.‬‬

‫مميزة أو معالم نفسية أو خلقية أو فكرية ‪ ,‬يجمعها جميعا تحت اسم‬


‫يصور مالمح ّ‬
‫إن األدب ّ‬
‫" ّ‬

‫أن البشر يشتركون في صفات ّ‬


‫عامة ال‬ ‫الشخصية فاألديب يفترض ّ‬
‫محدد ‪ ,‬يصير علما على هذه ّ‬

‫تتطلب التخصيص و تدعوه لالتّكاء عليها ‪.‬‬

‫وتتغير‬
‫ّ‬ ‫متطورة في العمل األدبي (أي تنمو‬
‫ّ‬ ‫الشخصية‬
‫الصدد ‪ :‬سواء كانت ّ‬
‫يقول نوفاليس في هذا ّ‬

‫استجابة للموقف أو الحدث الدرامي الذي تشترك في صنعه ) أو كانت نمطية (بمعنى تصويرها‬

‫‪ :‬محمد عناني ‪ ,‬المرجع السابق‪ ,‬ص ‪.9‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪52‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫فإنها في الحالتين ال تمثل إالّ‬


‫تتطور في العمل األدبي) ّ‬
‫النفس البشرية ال ّ‬
‫لجانب ثابت من جوانب ّ‬

‫عدة جوانب متجانسة أو متكاملة) من الشخصية اإلنسانية التي توجد في الحياة الحقيقية "‪.1‬‬
‫جانبا (أو ّ‬

‫الشخوص‬
‫بمعنى ّأنه من غير الممكن أن نجد شخصا يشترك في جميع صفاته مع إحدى ّ‬
‫المميزة‬
‫ّ‬ ‫الصفات‬
‫يركز عليها األديب محاولة منه للتقريب بين ّ‬‫أن الصفات التي ّ‬
‫األدبية ‪ ,‬ذلك ّ‬
‫العامة المشتركة بين البشر ‪ ,‬و هذا ما يجعل القارئ مدركا إإلمكانية‬
‫الصفات ّ‬‫الفنية و ّ‬
‫للشخصية ّ‬
‫محل‬
‫تخيله لنفسه ّ‬
‫ثم إمكانية ّ‬
‫الشخصيات في محيطه و وجود التناقضات فيها ومن ّ‬
‫وجود هذه ّ‬
‫الشخصيات التي يضعها الكاتب في مواقف درامية مختلف ‪.‬‬
‫ّ‬

‫الشخصيات كما لو ّأنها نماذج بشرية حقيقية ‪ " ,‬مثلما‬


‫النقاد إلى تحليل هذه ّ‬
‫وقد عمد بعض ّ‬
‫فعل ( ا‪.‬س‪.‬برادلي ) ‪ ,‬الذي يناقش في كتابه ( التراجيديا الشكسبيرية ) كال من الشخصيات‬
‫الرئيسية (بل الثانوية كذلك) في التراجيديات األربع الكبيرة ( ماكبث و هاملت وعطيل والملك‬
‫ّ‬
‫لير ) بوصفها شخوصا مستقلة و ربما احتجنا هنا إلى الوقوف لحظة عند تعريف (الشخصية‬
‫يصورها األدب للتفريق بينها و بين (الشخصية الّنفسية ) ؛ أي‬
‫الفنية) ؛ أي الشخصية التي ّ‬
‫الشخصية التي توجد في الحياة الحقيقية من حولنا ‪ .‬وليس معنى ذلك أننا لن نجد من بين‬
‫البشر من يشترك مع هاملت مثال في استغراقه الفكري أو نزوعه إلى التأمل ‪ ,‬و من ثم للتردد‬
‫يركز شكسبير‬
‫بالسرعة و الحسم المطلوبين ؛ ولكن هذه الصفات هي التي ّ‬
‫وعدم اتخاذ ق ارره ّ‬
‫تميز بينه و بين اإلنسان العادي ‪ -‬في نظره‪.2" -‬‬
‫لكي تصبح علما على هاملت ‪ ,‬و لكن ّ‬

‫‪ :‬محمد عناني ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 8‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص ن ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪53‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫النفس الحديث (مثل التي أتى بها فرويد عن‬


‫للنفس و العقل في علم ّ‬
‫لقد ظهرت مفاهيم جديدة ّ‬

‫الالشعور و العقل الباطن) في فترة ما قبل الحرب العالمية األولى طغت غلى المفاهيم القديمة ‪" ,‬وقد‬
‫ّ‬

‫ساعد على انتشار الجديدة منها ‪ ,‬اتساع نطاق العلم الطبيعي و اإلدراك الجديد لعملية اإلبداع األدبي‬

‫يصر على تخليص العمل األدبي من‬


‫النقد ‪ ,‬والذي ّ‬
‫شجع االتجاه الجديد في ّ‬
‫؛ وهو اإلدراك الذي ّ‬

‫النظر إلى العمل األدبي ال بوصفه وثيقة نفسية‬


‫النفسية لمبدعه ‪ ,‬أي ّأنه يتمثّل في محاولة ّ‬
‫الصفات ّ‬
‫ّ‬

‫الشخصيات التي أبدعها في داخل العمل المستقل ‪ ,‬والتي‬


‫النفسية لدى ّ‬
‫للكاتب ‪ ,‬بل وثيقة للحاالت ّ‬

‫غير من عمل إلى آخر بل من لحظة إلى أخرى في داخل العمل نفسه "‪.1‬‬
‫تت ّ‬

‫بالهزات‬
‫الناس ّ‬
‫المتوقعة ‪ ,‬نتيجة النشغال ّ‬
‫" ولكن هذه المفاهيم لم تجد سبيلها إلى المسرح بالسهولة ّ‬

‫االجتماعية العنيفة التي صاحبت نشوب الحرب العالمية الثّانية ‪ ,..,‬إذ أخذ أحيانا صورة المسرح‬

‫التقليدي و أحيانا صورة المسرح الملحمي ‪ ,‬و أحيانا أخرى صورة المسرح العبثي ‪ّ ,‬‬
‫ولكنه لم يقترب‬

‫تتخذ صور‬
‫النفسي ّإال في أواخر الستينيات ثم في السبعينيات‪ .‬هذه القضايا بدأت ّ‬
‫أبدا من المسرح ّ‬

‫حاالت نفسية مصوغة في قالب جديد من االضطرابات العاطفية أو الوجدانية و ال ّذهنية التي تتخذ‬

‫النفسي الذي يشيع في مسرح (هارولد بّنر) و (دافيد‬


‫صور األمراض المعروفة أحيانا ‪ ,‬وصور التّهرؤ ّ‬

‫ستوري) على وجه الخصوص " ‪.2‬‬

‫النفسي للشخصيات ‪,‬‬


‫النوع من التّصوير ّ‬
‫النماذج في األدب العالمي تناولت هذا ّ‬
‫وهناك من ّ‬

‫‪ :‬محمد عناني ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.9‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 10‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪54‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫حد كبير من‬


‫أعم وأشمل وأبعد إلى ّ‬
‫"لكن عدم إدراكنا في الماضي لمعناها جعلنا نضعها في أطر ّ‬

‫المحدد ‪ ,‬و يكفي أن نذكر بعض روايات و قصص (ديستويفسكي) و(سترندبرج)‬


‫ّ‬ ‫النفسي‬
‫اإلطار ّ‬

‫النفسية التي يمكن رصدها‬


‫البد أن نشير أيضا إلى بعض مالمح االضطرابات ّ‬
‫و(سيرفانتيس) ‪ ,‬بل و ّ‬

‫في أعمال عالمية ال توحي بها للوهلة األولى – بما في ذلك أبطال شكسبير الذين ذكرناهم "‪.1‬‬

‫النفسي هو انتقاء وجود حدث بالمعنى التقليدي‬


‫الدرامي الجديد في المسرح ّ‬
‫إن ّأول مظاهر البناء ّ‬
‫" ّ‬

‫‪ ..‬وهذا الحدث أو الفعل ينبع بصورة حتمية من تكوين الشخصية كما يكشف عنها في الوقت نفسه ‪,‬‬

‫فإن الحدث الباطن ال‬


‫النفسي ّ‬
‫أما في المسرح ّ‬
‫بحيث تصبح ذروة الحدث هي أيضا ذروة الكشف ‪ّ .‬‬

‫ولكنه يدور في أنصاف دوائر تتك ّون ّ‬


‫كل منها من لحظة تقابل‬ ‫طي نحو الذروة ‪ّ ,‬‬
‫يسير في إطار خ ّ‬

‫تتقدم مع الحدث زمنيا ‪ ,‬بل تدور مع المشاعر‬


‫بين إحساس واحساس أو بين فكرة و فكرة ‪ ,‬بحيث ال ّ‬

‫مرة ثانية إلى نقطة البداية‬


‫و األفكار لتعود إلى نقطة البداية ‪ ,‬ثم نسير ثانيا في دورة جديدة لنعود ّ‬

‫ثانيا و هكذا "‪.2‬‬

‫وقد استخدم دافيد ستوري في هذا ّ‬


‫النمط من الحوار ال ّدائري " موضوعات ّ‬
‫متكررة مثل اإلشارة إلى‬

‫الستار نرى أمامنا رجلين هما هاري و‬


‫الزوجة في بداية مسرحية (البيت) ؛ فعندما يرتفع ّ‬
‫السحاب و ّ‬
‫ّ‬

‫محدد ‪ ,‬أو على األقل ال يفصح عنه المؤّلف ‪ .‬و يبدو‬


‫ّ‬ ‫جاك ‪ ,‬وهما يعانيان من مرض نفسي غير‬

‫أن‬
‫كل منهما صاحبه ‪ ,‬ومن ثم يبدأ الحوار الذي نعرف منه ّ‬
‫ّأنهما يعرفان أحدهما اآلخر إذ ينادي ّ‬

‫‪ :‬محمد عناني ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 10‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 11‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪55‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫أن هاري كان‬


‫محل للبيع بالجملة ‪ ,‬و ّ‬
‫جاك كان يعمل (قبل هذا المرض) بتوزيع األغذية المعّلبة في ّ‬

‫ويستمر الحوار بينهما على‬


‫ّ‬ ‫يعمل مهندس تدفئة ‪ ,‬ونعرف أيضا ّأنهما من أُسر مشتّتة وحسب ‪.‬‬

‫الشخصية توقف نهائيا‬ ‫مستوى خارجي ‪ ,‬أي ّأنه يدور حول موضوعات ّ‬
‫عامة ‪ ,‬فإذا اقترب من الحياة ّ‬

‫األول دون حدوث أي شيء بالمعنى‬


‫وانتقل فجأة وفي سرعة إلى موضوع آخر ‪ ,‬حتّى ينهي المشهد ّ‬

‫ألنه يفصح عن عجز ال ّذهن الواعي ألي منهما على‬


‫ولكن هذا نفسه هو بمنزلة الحدث ؛ ّ‬
‫المفهوم ‪ّ .‬‬

‫الخاصة به "‪.1‬‬
‫ّ‬ ‫الشخصية‬
‫الخوض في المأساة ّ‬

‫فيقدم لنا امرأتين هما مارجوري و كاثلين وهما تعانيان من أمراض‬


‫ثم في المشهد الثّاني ‪ّ " ,‬‬
‫ّ‬

‫الصريح ؛ ومن ثم فهما‬


‫ّ‬ ‫الرجلين في ّأنهما تفرطان في الحديث المباشر‬
‫ولكنهما تختلفان عن ّ‬
‫مماثلة ‪ّ ,‬‬

‫أن‬ ‫تمثّالن الوجه المقابل للحديث المقتضب الملتوي الذي في المشهد ّ‬


‫األول ‪ .‬ونحن نفهم من حوارهما ّ‬

‫الخاصة ‪ .‬والمؤّلف يص ّورهما تصوي ار هو أقرب إلى التّصوير‬


‫بالرجال بطريقتها ّ‬
‫كلتيهما مشغولة ّ‬

‫محددة واضحة ‪ ,‬ويرصد مأساة كل منهما على مراحل‬


‫الدراما التقليدية ‪ ,‬فيهبهما أبعادا ّ‬
‫المألوف في ّ‬

‫تتخّللها إشارات واضحة إلى الموضوع الذي يشغلهما ؛ أال هو الجنس اآلخر ‪ .‬وبعد أن يلتقي‬

‫األربعة (حين يدخل هاري وجاك إلى المسرح) يتّخذ الحديث بينهما طابعا مزدوجا ؛ فاإلشارات‬

‫الرمزية من جانب هاري وجاك ‪ ,‬تقابل إشارات واضحة من جانب المرأتين "‪.2‬‬
‫الملتوية ّ‬

‫‪ :‬محمد عناني ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 12‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 14‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪56‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫السطح دون‬
‫اميا إلى ّ‬
‫عامة ‪ ,‬تبرز در ّ‬
‫وعند انتهاء المشهد الثّاني " تتّضح لنا أبعاد حالة نفسية ّ‬

‫حدث تقليدي ‪ ,‬ودون صراع بالمعنى المفهوم ؛ إذ أن األربعة يشتركون في صنعها ويسهمون في‬

‫تكوينها ‪.‬‬

‫تهرؤ نفسي يتّخذ صورتين متكاملتين ؛ ّأولهما صورة ال ّذهن العاجز عن مواجهة‬
‫إننا أمام ّ‬

‫السبل ‪ ,‬ويفقد‬
‫النفسية األساسية ‪ ,‬ال ّذي يهرب لهذا السبب من مواجهتها ‪ ,‬فتنقطع به ّ‬
‫المشكالت ّ‬

‫ممزق ‪ ,‬يتناول‬ ‫الحيوية بما حوله ؛ وهو ما يترجمه دافيد ستوري ‪ -‬در ّ‬
‫اميا‪ -‬إلى حوار ّ‬ ‫ّ‬ ‫صالته‬

‫النفسي ّإال إفصاحا غير مباشر ‪ ,‬وذلك عن طريق التيمات‬


‫المشكالت وال يفصح عن المرض ّ‬

‫األول ‪.‬‬
‫المتكررة في المشهد ّ‬
‫ّ‬

‫صورة الثّانية هي صورة ال ّذهن الذي واجه هذه المشكالت وهزم أمامها ‪ ,‬وأيقن ّأنه ال مهرب له‬
‫وال ّ‬

‫قصر اهتمامه على‬


‫النفسية ‪ .‬ولذلك فقد ّ‬
‫المصحات ّ‬
‫ّ‬ ‫من العّلة التي يّئن تحت نيرها ‪ ,‬مهما اختلف إلى‬

‫الصورة التي‬
‫مطولة غير مترابطة – وهي ّ‬
‫يتحدث أحاديث ّ‬
‫من هم حوله في محيطه المباشر ‪ ,‬وانطلق ّ‬

‫يقدمها المؤّلف في المشهد الثّاني "‪.1‬‬


‫ّ‬

‫السيطرة على‬
‫الدرامي من خالل محاولة كل منهما على ّ‬
‫الصراع ّ‬
‫الصورتان ينشأ ّ‬
‫ومن خالل التقاء ّ‬

‫يصرح بها‬
‫لكن المؤّلف ال ّ‬
‫للشخصيات ‪ّ ,‬‬
‫النفسية ّ‬
‫الجو العام ‪ ,‬وقد نالحظ بعض أعراض األمراض ّ‬
‫ّ‬

‫مباشرة ‪.‬‬

‫‪ :‬محمد عناني ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.16‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪57‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫النفسية المعالجة فيها ‪ ":‬ليست هذه‬


‫وقد قال دافيد في نهاية المسرحية تعليقا على األمراض ّ‬

‫كنا ال ندرك ّأننا مرضى ‪,‬‬


‫المصحة ؛ فهي أمراض نعاني منها جميعا وان ّ‬
‫ّ‬ ‫خاصة بمرضى‬
‫األمراض ّ‬

‫ولكننا قد تعّلمنا أن نحيا بها ؛ أي أن نتقبّلها و ال نلتفت‬


‫منا بذور هذه األمراض ‪ّ ,‬‬
‫كل ّ‬
‫أن بداخل ّ‬
‫وّ‬

‫طبيب ورّبما‬
‫طر في الّنهاية إلى الّلجوء إلى ال ّ‬
‫تشتد حالته و يض ّ‬
‫إليها ‪ ,‬بل إن من يلتفت إليها قد ّ‬

‫المصحة أيضا "‪.1‬‬


‫ّ‬ ‫دخول‬

‫أن معظمنا ينسى وجودها أو‬


‫منا أمراض و عقد نفسية قابعة في أعماقنا ‪ّ ,‬إال ّ‬
‫أن لكل ّ‬
‫بمعنى ّ‬

‫المصحة ليتعّلم‬
‫ّ‬ ‫فإنها تقوده إلى الطبيب أو‬
‫يتعايش معها ‪ ,‬ومن ال يقدر على ذلك ويبقى مرك از عليها ّ‬

‫التعايش معها ‪.‬‬

‫ألنه يعتمد‬
‫فإنه يتبع منهجا مختلفا في مسرحيته (العزلة) أو (األرض الحرام) ؛ ّ‬
‫أما هارولد بّنر ّ‬
‫" ّ‬

‫أهم هذه المفهومات‬


‫النفس الحديث ‪ ,‬تمتد جذورها إلى فرويد و ّ‬
‫محددة أتى بها علم ّ‬
‫على مفهومات ّ‬

‫التفرد – عند يونج ؛ ومفهوم عالقة ال ّذهن الواعي بالعالم الخارجي‬


‫الشخصية ‪ ,‬وعملية ّ‬
‫مفهوم تكامل ّ‬

‫و باألذهان الواعية األخرى على أساس سيطرة أحدهما على اآلخر"‪. 2‬‬

‫الصراع‬
‫النفسية في إخراج نوع من ّ‬
‫المادة ّ‬
‫الرؤية الدرامية لهارولد بّنر باستخدام ّ‬
‫وقد امتزجت ّ‬

‫النفس الواحدة ‪ ,‬ليظهر صراعها‬


‫تجسد جانبا من جوانب ّ‬
‫الداخلي ‪ ,‬يتمثّل في ّشخصيات مستّقلة ّ‬
‫ّ‬

‫يحس بها الفرد ‪.‬‬


‫الداخلية التي ّ‬
‫الحركة ّ‬

‫‪ :‬محمد عناني ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 17‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 18‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪58‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫يقدم لنا الكاتب بطلين هما (هيرست) و (سبونر) بحيث يكونان معا نفسا‬
‫" وفي مسرحية العزلة ّ‬

‫مقدم الكهولة ‪ ,‬فيظل‬


‫نفسيين ‪ّ ,‬أولهما يرفض التغيير مع ّ‬
‫ّ‬ ‫واحدة ؛ أي ّأنهما يمثّالن نزعتين أو جانبين‬

‫الزمن الذي ال يرحم ؛ والثّاني يقبل التغيير ويتصالح‬


‫الشباب الغارب ‪ ,‬تعسا ‪ ,‬يعاني من سطوة ّ‬
‫حبيس ّ‬

‫طما برغم سعادته البادية ‪ .‬والستحالة التوفيق بين هذه الجانبين يظل البطل‬
‫الزمن فيغدو فقي ار مح ّ‬
‫مع ّ‬

‫للصراع المحتوم في داخله "‪.1‬‬


‫ضحية ّ‬
‫ّ‬ ‫ممزقا و‬
‫في المسرحية ّ‬

‫تمكنوا فيه من‬ ‫كانت مسرحية هارولد بّنر و دافيد ستوري نموذج متكامل للمسرح ّ‬
‫النفسي ‪ ,‬إذ ّ‬

‫بالرغم من الغموض و التعقيد الذي أحاط بالمسرحية منذ بداياتها‬


‫النفس البشرّية ‪ّ ,‬‬
‫الغوص في أعماق ّ‬

‫إلى نهايتها ‪.‬‬

‫النفس‬
‫النكتة كوميديا و تراجيديا ‪ ,‬وا ّن علم ّ‬
‫ويجسد سيكولوجية ّ‬
‫ّ‬ ‫" لقد استطاع المسرح أن يعمل‬

‫كل المجاالت العلمية و منها المسرح‪.‬‬


‫ألنه دخل في ّ‬
‫اإلبداعي استعار من المسرح الكثير لوضع أسس ّ‬

‫ألن هذا العلم‬


‫الشخصية اإلبتكارية المبدعة ‪ّ ,‬‬
‫الشخصية‪ّ /‬‬
‫النفس في سيكولوجية ّ‬
‫فاإلبداع يرتبط بعلم ّ‬

‫الالشعور‪,‬‬
‫الشعور و ّ‬
‫الفن لكونه يدرس سلوكيات اإلنسان في حالة ّ‬
‫كل المهتمين في مجال األدب و ّ‬
‫يثير ّ‬

‫في حاالت مرضية أو حاالت طبيعية بل ّإنه يذهب إلى أبعد من ذلك فنجده يبحث في الممثّل وكيف‬

‫التفوق وابراز‬
‫أهمها اإلبداع و ّ‬
‫المتفرج من خالل جوانب عديدة ّ‬
‫ّ‬ ‫الدور وما هو تأثيره على‬
‫يتوحد مع ّ‬
‫ّ‬

‫للنظرية ‪-‬التي‬
‫الفن وهو أيضا أساس ّ‬
‫النفس اإلبداعي و ّ‬
‫الموهبة ‪ , ...‬لذلك هناك تكامل بين علم ّ‬

‫يهتم بجانب‬
‫النفساني ّ‬
‫الفني – ّ‬
‫إن التحليل و اإلبداع ّ‬
‫التحليلية ‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫عمل عليها العبقري ستانسالفسكي‪-‬‬

‫‪ :‬محمد عناني ‪ ,‬المرجع السابق ‪,‬ص‪. 18‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪59‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫الفني "‪ .1‬وهنا تكمن العالقة بين‬


‫ويمس الموضوع ّ‬
‫ّ‬ ‫للفنان‬
‫الفني وما يحدث ّ‬
‫الفني واإلبداع ّ‬
‫التّقدير ّ‬

‫فنية ‪ ,‬هذه العقدة يمكن أن تكون سياسية‬


‫الشخصيات المسرحية بها عقدة ّ‬
‫ألن ّ‬
‫النفس ‪ّ ,‬‬
‫المسرح و علم ّ‬

‫أو اجتماعية أو شخصية منحرفة أو شخصية مريضة ‪ ,‬فنتقابل مع شخصيات الممثلين التي هي‬

‫تقمص‬
‫خاصة ‪ ,‬لذا وجب على الممثلين امتالك ثقافة نفسية تساعدهم على ّ‬
‫كذلك لها تركيبات نفسية ّ‬

‫الشخصية المسرحية بعد انتهاء العرض ‪.‬‬


‫الشخصيات ألداء أدوارهم و عدم البقاء في ثوب ّ‬
‫ّ‬

‫النفسي يختلف عن المسرح التقليدي من خالل نقل الحدث إلى باطن‬


‫أن المسرح ّ‬
‫نستنتج مما سبق ّ‬

‫سوي‬
‫الشخصيات ‪ ,‬وما يجعل االختالف بار از أكثر هو جعله هذا الباطن أو عمق الشخصية غير ّ‬
‫ّ‬

‫وفن المسرح و ال‬


‫النفس ّ‬
‫يعد بمثابة همزة وصل بين علم ّ‬
‫أن الممثّل ّ‬
‫فيه عاهة نفسية ‪ ,‬كما نالحظ ّ‬

‫الفن المسرحي ‪,‬‬


‫النفس اإلبداعي و ّ‬
‫أسست لهذه العالقة أعني عالقة علم ّ‬
‫ننسى ال ّذات الكاتبة التي ّ‬

‫والتي تظهر من خالل الممثلين ‪.‬‬

‫النور ‪. 6/11/2010,‬‬
‫‪ :‬نعمة سوداني ‪ ,‬نافذة على المسرح‪ ..‬علم النفس اإلبداعي والمسرح ‪ ,‬مجّلة ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪60‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫الشخصية المسرحية ‪:‬‬

‫تعريف الشخصية ‪:‬‬

‫أهم عناصر المسرحية " فعالم المسرح صورة للعالم الكبير‪ ,‬ال عزلة فيه وال حياة‬
‫عد الشخصية من ّ‬
‫تُ ّ‬

‫فنية للمسرحية ما لم تتفاعل الشخصيات ‪ ,‬ومن هذا التفاعل في شتّى صوره تتوّلد بنية المسرحية ‪,‬‬

‫ومن خالله تنمو الشخصيات مع الحدث‪ ,‬في حساب فني محكم يبدو في دّقة إحكامه ّأنه تلقائي‬

‫الشخصيات تحيا في‬ ‫تقوي المسرحية و تبعث فيها روح الحركة و التّفاعل ‪ّ .‬‬
‫ألن ّ‬ ‫فهي‬ ‫ن‬ ‫إذ‬ ‫‪.‬‬ ‫طبيعي "‬
‫‪1‬‬
‫ّ‬

‫عرفها فيليب هارمون ّ‬


‫بأنها "عبارة عن كائنات‬ ‫النص أو بالعرض المسرحي وتموت بانتهائهما فقد ّ‬
‫ّ‬

‫يؤدون األحداث ّ‬
‫الدرامية في المسرحية‬ ‫الناس الذين ّ‬
‫بأنها الواحد من ّ‬
‫عرفها إبراهيم حمادة ّ‬
‫وي ّ‬
‫ورقية ‪ُ ,‬‬

‫المكتوبة ‪ ,‬أو على المسرح ف صورة الممثلين "‪.2‬‬

‫الشخصية ّأنها قناع يلبسه الممثّل ألداء دوره المسرحي فهي‪" :‬الوجه‬
‫ومن المدلوالت األدبية لمفهوم ّ‬

‫الفن المسرحي‪,‬‬
‫لشخصية مباشرة مع ّ‬
‫الشخص أمام الغير ؛ لذلك فقد اقترنت ا ّ‬
‫المستعار الذي يظهر به ّ‬

‫الشخصية المراد تمثيلها على خشبة المسرح ‪ ,‬أي تمثيلها فنيا ‪ ,‬يتم نقلها من‬
‫والغرض هو تشخيص ّ‬

‫الفن "‪.3‬‬
‫الواقع إلى مجال ّ‬

‫‪ :‬محمد غنيمي هالل ‪ ,‬النقد األدبي الحديث ‪ ,‬نهضة مصر للطباعة ‪ , 2001,‬ص‪. 568‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬يحيى البشتاوي‪ ,‬بناء الشخصية في العرض المسرحي المعاصر ‪ ,‬ص‪. 15‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ :‬صالح لمباركية ‪ ,‬المسرح في الجزائر‪ ,‬ص‪. 277‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪61‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫الناس‬
‫الشخصية ببساطة هي " العنصر الثّابت في التّصرف اإلنساني و طريقة المرء في مخالفة ّ‬
‫و ّ‬

‫التميز بها عن اآلخرين " ‪.1‬‬


‫و التّعامل معهم ‪ ,‬و ّ‬

‫فتميزه وتثبت‬
‫فالشخصية إذن في معناها االصطالحي سلوك ُمحاكى من الواقع يلبسها الفرد ّ‬
‫ّ‬

‫وجوده‪.‬‬

‫الشخصية في المسرح ‪: Character in Theatre‬‬


‫ّ‬

‫بأنها ‪":‬‬
‫عرفها حمادة ّ‬
‫الشخصية في المسرح عن معناها االصطالحي العام ‪ ,‬فقد ّ‬
‫ال يختلف تعريف ّ‬

‫يؤدون األحداث الدرامية في المسرحية المكتوبة ‪ ,‬أو على المسرح في صورة‬


‫الناس الذين ّ‬
‫الواحد من ّ‬

‫الممثلين "‪.2‬‬

‫بأنها ‪ ":‬ذلك االنتقاء في قيم التّنظيم الحيوي ّ‬


‫للشخصية اإلنسانية‬ ‫وتعرفها الباحثة البياتي كذلك ّ‬
‫ّ‬

‫معينة متوخيا وضعها في‬


‫مجردة أو صور ذهنية أو آراء ّ‬
‫الفنان المسرحي لتقديم أفكار ّ‬
‫الذي يستخدمه ّ‬

‫المتفرج ‪ ,‬حيث يستعار لهذا التنظيم جسم الممثل‬


‫ّ‬ ‫قالب جمالي مليء بالتشويق و ميسور الفهم من قبل‬

‫متصور) إلى تنظيم (فعلي – عياني) في العرض المسرحي "‪.3‬‬


‫ّ‬ ‫وأدواته لتحويله من تنظيم (انتقائي‪-‬‬

‫‪ :‬صالح لمباركية ‪,‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪. 277‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬يحيى البشتاوي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪. 15‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص ن ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪62‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫الشخصية في علم النّفس (‪: )Personality/Personalité‬‬


‫ّ‬

‫كل تعريف يختلف عن اآلخر حسب وجهة نظر‬


‫النفس ‪ّ ,‬‬
‫للشخصية تعريفات كثيرة عند علماء ّ‬
‫ّ‬

‫المحددة لها ولكن على العموم فجميعهم يرون ّأنها‬


‫ّ‬ ‫الشخصية والعوامل‬
‫مكونات وتراكيب ّ‬
‫العالم إلى ّ‬

‫طريقة سلوك الفرد في شتّى المواقف التّي يواجهها ‪.‬‬

‫بأنها ‪ ":‬نظام ثابت من الخصائص‬


‫فيعرفها فريدنبرغ في كتابه علم نفس الشخصية والتوافق ّ‬
‫ّ‬

‫هوية نمط الفرد "‪.1‬‬


‫تتعين ّ‬
‫المعّقدة الذي عن طريقه يمكن أن ّ‬

‫النفسية التي‬
‫الموحد للخصائص ّ‬ ‫أما روشكا فيرى ّ‬
‫بأنها ‪ " :‬التنظيم الدينامي المتكامل أو التركيب ّ‬ ‫ّ‬

‫الخاص باإلنسان"‪. 2‬‬


‫ّ‬ ‫متضمنة المظهر العقلي‬
‫ّ‬ ‫تتصف بالثبات و بدرجة عالية من االستقرار‬
‫ّ‬

‫الشخصية ‪ ,‬بينما تعتبر طريقة‬


‫يحدد معالم ّ‬
‫أن الشخصية عند (فريدنبرغ) نظام سمات ثابت ّ‬
‫بمعنى ّ‬

‫يتعرض لها في حياته االجتماعية‬


‫استجابة الفرد (الذي هو ثابت) ‪ ,‬وفق الظروف و العوامل التي ّ‬

‫عند (روشكا) ‪.‬‬

‫السمات ‪ Traits‬التي ّتوجه سلوك الفرد ‪,‬‬


‫وهناك تعريف آخر للشخصية وهو ّأنها ‪ " :‬مجموعة ّ‬

‫والتي تتفاعل مع مجموعة القيم و االتّجاهات واألفكار و العواطف لديه ‪ ,‬وكذلك مع قدراته وميوله‬

‫‪ :1‬يحيى البشتاوي ‪ ,‬المرجع السابق‪,‬ص‪, 14‬نقال عن الجبوري محمد محمود‪ ,‬الشخصية في ضوء علم النفس‪.‬‬
‫‪ :2‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص ن ‪ ,‬نقال عن روشكا ألكسندر ‪ ,‬اإلبداع العام والخاص ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫المتفردة في توافقه مع‬


‫ّ‬ ‫تعبر عن طريقته‬
‫ليشكل هذا التّفاعل وحدة متكاملة ّ‬
‫ودوافعه وخبراته المكتسبة ‪ّ ,‬‬

‫البيئة من حوله ‪ ,‬تعبي ار يمكن إخضاعه للمالحظة والقياس ويسمح بالتنبؤ "‪. 1‬‬

‫الشخصية موضوعا للقياس في االتجاه العلمي ودراستها دراسة دقيقة‬


‫بمعنى ّأنه يمكن اعتبار ّ‬

‫أي موقف ‪ ,‬فهي ثابتة في سلوكها العام‬


‫ومعمقة ‪ ,‬ما يجعلها قابلة للتنبؤ بكل ردود أفعالها في ّ‬
‫ّ‬

‫كل فرد مع قدراته ودوافعه وخبراته المكتسبة‪.‬‬


‫وتختلف من فرد آلخر باختالف تفاعل عواطف و ميول ّ‬

‫وتضم‬
‫المميزة للفرد أو الجماعة ‪ّ ,‬‬
‫ّ‬ ‫وكتعريف آخر فالشخصية هي ‪ ":‬مجموعة الخصائص ال ّذاتية‬

‫السمات ‪ Traits‬والتّرعات السلوكية واالنفعالية للشخص في حياته اليومية في األحوال‬


‫الصفات أو ّ‬
‫ّ‬

‫مستقرة ‪ Stable‬ومتوّقعة ‪.2" Predictable‬‬


‫ّ‬ ‫المعتادة بصورة‬

‫السمات الذاتية‬
‫أن الشخصية هي تفاعل مجموع ّ‬
‫وهذا األخير كسابقه من التّعاريف إذ تجمع على ّ‬

‫المميزة للفرد مع أفكاره وعواطفه وميوله والتي ّتوجه سلوكه وطريقة انفعاله أو ردود أفعاله تجاه‬
‫ّ‬

‫تصرفاتها وسلوكها العام يجعلها‬


‫المتعرضة له في الحياة ‪ ,‬ودراسة هذه الشخصية و مالحظة ّ‬
‫ّ‬ ‫المواقف‬

‫النفس ‪.‬‬
‫التنبؤ باستجابتها من قبل علماء ّ‬
‫مستقرة وثابتة في بعض األحيان وكذلك متوقعة ويمكن ّ‬
‫ّ‬

‫‪ :‬محمد مياسا ‪,‬المصدر السابق ‪ ,‬ص‪. 55‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬لطفي الشربيني ‪ ,‬المصدر السابق ‪ ,‬ص‪. 271‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪64‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫لتشكل لنا ما‬


‫الصفات الجسمية والعقلية والوجدانية تجتمع وتتفاعل فيما بينها ّ‬
‫مما سبق أن ّ‬
‫نستنتج ّ‬

‫تكمل بعضها وتجعل صاحبها بتفاعل هو اآلخر مع‬


‫الصفات أو العناصر ّ‬
‫يسمى بالشخصية فهذه ّ‬
‫ّ‬

‫يميز شخصية عن أخرى ‪.‬‬


‫بيئته االجتماعية و هذا ّ‬

‫الشخصية ‪:‬‬
‫أبعاد ّ‬

‫وتميزها عن غيرها ‪ ,‬وهذه األبعاد تساعد‬


‫للشخصية أبعاد ثالثة ضرورية إلتمام صورة كل شخصية ّ‬

‫بأنها فعال شخصيات‬


‫يخيل لنا ّ‬
‫الشخصيات مقنعة أكثر وذلك لمحاكاتها من الواقع وبالتالي ّ‬
‫على جعل ّ‬

‫حية ‪.‬‬
‫ّ‬

‫المادي ( الفيسيولوجي ) ‪:‬‬


‫‪ .1‬البعد ّ‬

‫المادي للشخصية أو الصفات الجسدية ‪ ,‬من طول وقصر ‪ ,‬نحافة وبدانة ‪ ,‬لون‬
‫يحدد الكيان ّ‬
‫وفيه ّ‬

‫يحدده المؤّلف‬
‫أهمية البعد الجسدي الذي ّ‬
‫البشرة ‪ ,‬جمال وقبح وغيرها من المالمح ‪ " ,‬ومن هنا تأتي ّ‬

‫الشخصيات أو عند ظهور كل شخصية‬


‫عادة في اإلرشادات التي يكتبها للمخرج ‪ ,‬سواء في قائمة ّ‬

‫الصحيحة‬
‫الشخصية ّ‬
‫شوهة الخلقة لها نفسية غير نفسية ّ‬
‫الم ّ‬
‫على خشبة المسرح ‪ .‬فالشخصية ُ‬

‫السوية"‪.1‬‬
‫ّ‬

‫‪ :‬محمد مندور ‪ ,‬األدب وفنونه ‪ ,‬نهضة مصر للطباعة والنشر‪,‬ط‪ , 2002, 2‬ص‪. 99‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪65‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫‪ .2‬البعد االجتماعي( السوسيولوجي) ‪:‬‬

‫طبقي ومستوى التعليم ‪ ,‬وطبيعة‬


‫للشخصية ‪ ,‬والمتمثّل في الوضع ال ّ‬
‫يحدد الكيان االجتماعي ّ‬
‫وفيه ّ‬

‫تحدد المركز االجتماعي والثّقافي ‪,‬‬


‫المقومات التي ّ‬
‫األسرة المنتمية إليها ‪ ,‬ونوع العمل وغيرها من ّ‬

‫الشخصية والمهنة التي تزاولها ‪ -‬لها‬


‫طبقة التي تنتمي إليها ّ‬
‫االجتماعية و ال ّ‬
‫ّ‬ ‫" فاألسرة و البيئة‬

‫فإن البعد‬
‫التصرف في المواقف والتّعامل مع الغير‪ّ -‬‬
‫ّ‬ ‫السلوك البشري وطريقة‬
‫كّلها أثر كبير في ّ‬

‫العامة للشخصية "‪. 1‬‬


‫الصورة ّ‬
‫أهميته في تحديد ّ‬
‫االجتماعي له هو أيضا ّ‬

‫‪ .3‬البعد النّفسي ( السيكولوجي ) ‪:‬‬

‫الداخلي أو الشعوري ّ‬
‫للشخصية ‪ ,‬ويتمثّل في ميوالتها ومشاعرها ‪ ,‬سلوكها‬ ‫يتحدد الكيان ّ‬
‫وفيه ّ‬

‫بالنسبة للسلوك‬
‫أهميته الواضحة ّ‬
‫النفسي ّ‬
‫وطبائعها‪ ,‬مزاجها من حيث االنفعال و الهدوء ‪ " ,‬وللبعد ّ‬

‫الرجل‬
‫الحسي غير ّ‬
‫الرجل ّ‬
‫الرجل االنفعالي المندفع ‪ ,‬و ّ‬
‫المتأمل غير ّ‬
‫ّ‬ ‫المفكر‬
‫فالرجل ّ‬
‫والتّصرفات ‪ّ ,‬‬

‫الروحي ‪ ,‬والعصبي غير اللمفاوي وهكذا "‪.2‬‬


‫ّ‬

‫أن البعد‬
‫السالفة ال ّذكر متداخلة و مؤثّرة في بعضها ‪ ,‬حيث ّ‬
‫أن األبعاد الثالثة ّ‬
‫نستنتج ّما سبق ّ‬

‫للشخصية والعكس كذلك ‪ ,‬كأن تكون ّ‬


‫الشخصية‬ ‫ويحدد البعد االجتماعي ّ‬
‫للشخصية يؤثّر ّ‬
‫المادي ّ‬
‫ّ‬

‫أن‬
‫حسنة المظهر ما يجعلها محبوبة في الوسط االجتماعي أو العكس ( قبيحة‪ /‬مذمومة) ومنه نجد ّ‬

‫المادي الممتاز تكون في‬


‫طبقة العليا ذات المستوى ّ‬
‫هناك تأثير وتأثّر متبادل بين البعدين كصاحب ال ّ‬

‫‪ :‬محمد مندور ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 100‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 99‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪66‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫تدل على مكانتها االجتماعية (مصاغ ‪ ,‬لبس غالي‪ ,‬مركبات فخمة ‪,‬إلى غير‬
‫الغالب هناك مظاهر ّ‬

‫الشخصية وسلوكاتها وعواطفها‬


‫يحدد ميول ّ‬
‫للشخصية ّ‬
‫المادي واالجتماعي ّ‬
‫فإن البعد ّ‬
‫ذلك )‪ ,‬وبالتالي ّ‬

‫النفسي‬
‫أن البعد ّ‬
‫وأفكارها ونظرتها إلى األشياء وعالقتها ببيئتها وبالمحيطين بها ‪ ,‬هذا ما يجعلنا نقول ّ‬

‫الشخصية ‪.‬‬
‫يركز على أعماق ّ‬
‫ألنه ّ‬
‫أهمية هذا البعد ّ‬
‫يؤكد على ّ‬
‫السابقين ‪ ,‬وبالتالي ّ‬
‫هو ثمرة البعدين ّ‬

‫الشخصيات ‪:‬‬
‫أنواع ّ‬
‫سمها الباحثون ك ّل حسب وجهة نظره ‪ ,‬وتعدّدت هذه‬ ‫هناك أنواع عديدة لل ّ‬
‫شخصيات ‪ ,‬إذ ق ّ‬
‫شخصيات الفنّية أو األدبية‬ ‫التّقسيمات نظرا لمدى تعقيد ال ّ‬
‫شخصية اإلنسانية و غموضها باعتبار ال ّ‬
‫محاكاة للواقعية منها ‪ ,‬ولكل شخصية أسلوب وطريقة في معالجة الحياة و أحداثها فيرسمها المؤلّف‬
‫بقلمه كما يريد لها أن تظهر في عمله الفنّي ‪ .‬ونذكر بعض هذه التقسيمات ألنواع الشخصية ‪:‬‬

‫األول ‪:‬‬
‫التقسيم ّ‬

‫‪ )1‬الشخصية المرّكبة أو ال ّنامية ‪:‬‬

‫" وهي ال ّ‬
‫شخصية التي تنطوي في داخلها على مواقف عدّة تظهر حسب الموقف الذي تكون فيه ‪,‬‬
‫فهي تنمو مع األحداث و سرعتها ‪ .‬والشخصية المر ّكبة تكون رئيسية في الق ّ‬
‫صة وقد تأخذ دور‬
‫صة صراع سيكولوجي ‪ .‬فهي شخصية تظهر موقفين متعارضين ولها حيّز واسع‬
‫البطولة في ق ّ‬
‫تصرف جديد يكشف لنا عن‬
‫ّ‬ ‫فتتطور من موقف لموقف ‪ ,‬ويظهر لها في ك ّل موقف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الظهور "‪", 1‬‬
‫جانب منها " ‪.2‬‬

‫‪ :‬قيس عمر محمد ‪ ,‬البنية الحوارية في النص المسرحي ‪,‬دار غيداء‪ ,‬عمان‪ ,‬ط‪, 2012, 1‬ص‪. 149‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص ن ‪ ,‬نقال عن عز الدين إسماعيل ‪ ,‬األدب وفنونه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪67‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫تحوالت على هذه‬


‫الرمضاني ‪ ,‬إذ تطرأ ّ‬
‫وكمثال نجد " شخصية أمادو في مسرحية أمادو لناهض ّ‬
‫تتعرض لها ‪ .‬فهي تظهر أكثر من موقف تجاه األحداث‬
‫ّ‬ ‫الشخصية بسبب األحداث والمواقف التي‬
‫التي تجري في النّص "‪.1‬‬

‫‪ )2‬الشخصية المسطّحة ‪:‬‬

‫شخصية المر ّكبة فهي تظهر خاصيّة واحدة و مواقف ثابتة على طول النّص؛ ألنّها‬
‫"وهي عكس ال ّ‬
‫شخصية تتّسم بالثبات في مواقفها "‪ .2‬وخير مثال على ذلك " في مسرحية أمادو شخصية بسيطة هي‬
‫شخصية (ال ّ‬
‫ظابط) ‪ ,‬فهي شخصية نمطية لها موقف واحد وثابت تجاه األحداث التي تجري أمامها ‪.‬‬
‫شخصية في إظهار القيم السلوكية و النّفسية للشخصيات األخرى "‪.3‬‬
‫وتكمن مه ّمة هذه ال ّ‬

‫الدائرية ‪:‬‬
‫‪ )3‬الشخصية ّ‬
‫" وهي شخصية تجمع بين البسيطة و المر ّكبة ‪ ,‬وهذا التعبير ّ‬
‫يعرف الشخصية بأنّها ذات ثالثة‬
‫تطور وتميّز بما يكفي‬ ‫ّ‬
‫المسطحة ‪ ..‬وهي تلك التي ّ‬ ‫أبعاد ويميّزها عن ال ّ‬
‫شخصية ذات البعدين أي‬
‫صة دائما "‪. 4‬‬
‫لجعلها حقيقة وحيّة في نظر المشاهد وهي شخصية رئيسية في الق ّ‬
‫وخير مثال على ذلك نجده " في مسرحية نديم شهريار تكون شخصية شهريار شخصية دائرية‬
‫بسبب ما يميّزها عن ال ّ‬
‫شخصية ذات البعدين ‪ .‬وهذه الشخصية تمتلك في بعض األحيان مواقف‬
‫تمر به "‪.5‬‬
‫متغيّرة حسب الحدث الذي ّ‬

‫‪:‬ينظر قيس عمر محمد ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 159-161‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 163‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 167‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 168‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 169‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪68‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫التقسيم الثّاني‪:‬‬

‫‪ )1‬الشخصيات غير العاديّة ‪:‬‬

‫العادية ‪ ,‬فباإلضافة‬
‫ّ‬ ‫إن مؤلفي المسرح ‪ ,‬قطعوا شوطا نحو خلق هذه الشخصيات الدرامية غير‬
‫" ّ‬

‫فإن الشخصيات الدرامية بشكل عام ؛ تمثّل اإلنسان‬


‫إلى تجسيدهم ألدوار ذات اعتبار أو مقام وهيبة ‪ّ ,‬‬

‫سلوكياته وأفعاله ‪ .‬فمثال ليدي‬


‫ّ‬ ‫رجال كان أو امرأة ‪ ,‬في أسوأ أو أحسن حاالته ‪ ,‬ويبدو ذلك واضحا في‬

‫سيدة نبيلة ‪ ,‬هي أيضا أكثر نساء العالم طموحا ‪ ,‬وقد ظهر ذلك‬
‫ماكبث ‪ ,‬باإلضافة إلى كونها ّ‬

‫وتصرفاتها وأفكارها في المسرحية "‪.1‬‬


‫ّ‬ ‫بوضوح من أفعالها‬

‫‪ )2‬الشخصيات النّموذجية ‪:‬‬

‫ألنها شخصيات عادية‬


‫الشخصيات ال يمكن اعتبارها شخصيات شاذة أو استثنائية ّ‬
‫النوع من ّ‬
‫وهذا ّ‬
‫كونها تمثّل " نموذجا لقطاع كبير وهام من البشر ‪ ,‬وبدال من أن تكون مميزة مثال إ‬
‫بسمة األسوأ أو‬ ‫ّ‬

‫متميزون بطريقة تجسيدهم بسمات شخصيات من‬


‫الشخصيات ّ‬ ‫األحسن أو بسمات أخرى ‪ّ ,‬‬
‫فإن هؤالء ّ‬

‫الجماعة الكّلية التي يعيشون وسطها "‪.2‬‬

‫متجول آلرثر ميللر ‪ ,‬حيث شخصية ويلي لومان‬


‫ّ‬ ‫ونجد كمثال على ذلك في " مسرحية موت بائع‬

‫الجوالين اّلذين يرسمون البسمة على وجوههم ويلبسون األحذية ّ‬


‫الالمعة ‪ .‬لقد‬ ‫نموذج لكل الباعة ّ‬

‫‪ :‬شكري عبد الوهاب ‪ ,‬النص المسرحي ‪ ,‬مؤسسة حورس الدولية ‪ ,‬اإلسكندرية ‪ , 2007,‬ص‪. 79‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 80‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪69‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫أن النجاح يتحقق ‪ ,‬إذا ما أحسن االهتمام بهيئته وهكذا كان ويلي نموذجا‬
‫استسلم لحلم زائف مفاده ّ‬

‫لكل من هم على شاكلته "‪.1‬‬

‫‪ )3‬الشخصيات النّمطية المألوفة ‪:‬‬

‫كل مسرحية ‪ ,‬جرسون في‬


‫إن الشخصيات المعتادة التي تقوم بأدوار تافهة هي نموذج يسود ّ‬
‫" ّ‬

‫سري ‪ّ ,‬‬
‫كل هذه الشخصيات نمطية وأحيانا يلجأ‬ ‫مقهى ‪,‬طالب جامعي ‪,‬أب ظالم ‪,‬أم سلبية ‪,‬مخبر ّ‬

‫المؤّلف عند تسميته لشخصية نمطية مثال أن يكون االسم داللة على الوظيفة التي تلعبها ّ‬
‫الشخصية ‪,‬‬

‫الشيال ‪ ....,‬الخ "‪.2‬‬


‫مثل ‪ ,‬الحلواني ‪ّ ,‬‬

‫‪ )4‬الشخصيات الجانبية المصاحبة ‪:‬‬

‫" قد يلجأ مؤلف ما عند خلق شخصياته ‪ ,‬إلى عمل توليفة بين شخصيتين ليصل إلى سمات‬

‫لكل شخصية ‪.‬‬


‫هامة ّ‬
‫محدودة ‪ ,‬وابراز صفات ّ‬

‫الشخصية المناوئة له‬


‫أما ّ‬
‫وعلى سبيل المثال مسرحية عطيل لشكسبير‪ ,‬كان عطيل هو البطل ‪ّ ,‬‬

‫أما‬
‫الشخصيتين تبرز لنا سمات كل منهما ‪ّ .‬‬
‫الصراع بين هاتين ّ‬
‫فهو ياجو الخصم ‪ .‬ومن خالل ّ‬

‫الشخصيات الثانوية المصاحبة ‪ ,‬فهي تلك التي تلعب أدوا ار صغيرة في الحدث ‪ ,‬ولكن لدورها هذا أثره‬

‫الرئيسية ‪,‬‬
‫التطور وتدعم الشخصيات ّ‬
‫في تطوير الحدث ‪ ,‬إذ تساعد الحبكة على التقدم و ّ‬

‫‪ :‬شكري عبد الوهاب ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 81‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ : 2‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.82‬‬

‫‪70‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫و لنضرب مثال على ذلك في مسرحية هاملت هناك ضابطان يتحاوران مع بداية المسرحية أثناء‬

‫محركان لبداية الحدث "‪.1‬‬


‫نوبة حراسة ‪ّ ,‬إنهما ّ‬

‫‪ )5‬الشخصية المحورية أو البطل التراجيدي ‪:‬‬

‫كل المحاور ويطلق عليه‬


‫الرئيسية فيه ‪ ,‬وهو الذي تدور حوله ّ‬
‫الشخصية ّ‬
‫النص هو ّ‬
‫" البطل في ّ‬

‫الدافع لتط ّور الحدث والموضوع ‪.‬‬


‫الصراع ‪ ,‬و ّ‬
‫البروتاجونست هذا البطل هو خالق ّ‬

‫كل المسرحية ‪ ,‬بل هناك مقابل لها ‪ ,‬شخصيات رئيسية تتواجد‬


‫الشخصية المحورية ‪ ,‬ليست هي ّ‬
‫و ّ‬

‫الشخصية‬ ‫بالضرورة لتدخل في صراع متكافئ وقوي معها ‪ّ ,‬إنها شخصيات يمكن أن ّ‬
‫نسميها خصوم ّ‬

‫المحورية "‪.2‬‬

‫أن هذه األخيرة هي المركز الذي يتمحور حوله ص ارع المسرحية وتقابله شخصية الخصم‬
‫بمعنى ّ‬

‫الصراع المسرحي ‪.‬‬


‫التي تمثل الطرف الثاني في ّ‬

‫‪ :‬شكري عبد الوهاب ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪. 82‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 83‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪71‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫الشخصيات في مسرحية ياقوت والخفاش ‪:‬‬

‫شخصيات المسرحية ‪:‬‬

‫شخصية ياقوت ‪ :‬هي الشخصية المحورية والبطلة في العمل المسرحي ‪ ,‬إذ تدور حولها‬ ‫‪.1‬‬

‫الصراع فيه ‪.‬‬


‫األحداث وهي أساس ّ‬

‫ويمكننا تحديد البعد الفيسيولوجي لهذه الشخصية من خالل ما جاء عنها في المسرحية ‪ ,‬فهي امرأة‬

‫أخاذ ‪ ,‬أنعم عليا خالقها سبحانه وتعالى بأبرز عالمات جمال األنثى ‪ ,‬كالعينين‬
‫تتميز بجمال طبيعي ّ‬
‫ّ‬

‫الشعر المنسدل‬
‫النضرة ‪ ,‬الخدود الوردية ‪ ,‬و ّ‬
‫الصغير ‪ ,‬البشرة ّ‬ ‫الواسعتين ‪ ,‬القوام الممشوق ‪َ ,‬‬
‫المبسم ّ‬

‫تؤكده‬
‫الرجال ‪ ,‬وهذا ما ّ‬
‫الدوار ‪ ,‬سلبت عقول ّ‬
‫الناعم كالحرير ‪ ,‬وبالتالي فهي امرأة فاتنة و أجمل نساء ّ‬
‫ّ‬

‫هذه المقتطفات من حوار المسرحية ‪:‬‬

‫الكل يشهد بذلك ‪.‬‬


‫دوارنا ‪ ,‬هذه حقيقة ال مراء فيها يا عزيزتي ‪ّ ,‬‬
‫"( زعرة ‪ :‬أنت أجمل امرأة في ّ‬

‫ط األنظار من قبل ‪.‬‬


‫(محاولة تذكيرها بما مضى) ألم تكوني مح ّ‬

‫‪...‬‬

‫زعرة ‪ :‬أنت جميلة يا بنت أمي ‪ ,‬لست في حاجة إلى المدح ‪).‬‬

‫طاب يتهافتون عليك ‪ ..,‬هذا يذهب وذاك‬


‫( زعرة ‪ ... :‬إذا أردت فارجعي إلى الخلف ‪ ,‬كان الخ ّ‬

‫يجيء ‪ ,‬ولم يفز بك أحد ‪) .‬‬

‫‪72‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫صح ‪ ..‬كنت عمياء ‪ ..‬دعيني يا بؤبؤ عيني أنظر إليك ‪ ..‬حّقا ّإنك أجمل امرأة في‬
‫( برنية ‪ :‬هذا ّ‬

‫الرجال لمعذورون فيك ‪ ,‬لو كنت رجال‬


‫إن ّ‬‫الدنيا بأسرها ‪ ,‬حّقا ّإنك لفاتنة ‪ّ ,‬‬
‫الدوار ‪ ,‬بل في ّ‬
‫هذا ّ‬

‫لضحيت بنفسي من أجلك ‪).‬‬

‫مرة ) أنت جميلة ‪,‬‬ ‫( برنية ‪ (.. :‬تتوقف عن الكالم وتنبري في ّ‬


‫النظر إليها كما لو ّأنها تراها ّأول ّ‬

‫نعم ‪ّ ,‬إنك جميلة حّقا ‪ ,‬وال أرغب اليوم إالّ أن أراك عروسا البن ابنتي الجايح ‪. 1").‬‬

‫الشفافة‬
‫إن اسم ياقوت أكثر شيء ّيدل على حاملته ‪ ,‬فهو يطلق على نوع من األحجار الكريمة ّ‬
‫ّ‬

‫الحَلي للتّزُين ‪.‬‬ ‫الزاهية و الجميلة ‪ ,‬تستعمل في‬


‫ذات األلوان ّ‬
‫ُ ّ‬
‫سمى به غالبا المرأة الجميلة ‪ ,‬ولكن‬
‫باإلضافة ‪ ,‬هذا االسم معروف في منطقة المغرب العربي تُ ّ‬

‫كان هذا في الماضي وليس في عصرنا الحالي ‪ ,‬إذ أصبحت هناك أسماء مختلفة ّتدل على جمال‬

‫تسمى بها ‪.‬‬


‫جداتنا ّ‬
‫صاحبتها ‪ ,‬عن تلك التي كانت ّ‬

‫سمى فتيات‬
‫طبقة االجتماعية التي تنتمي إليها ياقوت ‪ ,‬إذ ال تُ ّ‬
‫يحدد لنا هذا االسم البيئة و ال ّ‬
‫كما ّ‬

‫الدوار‪ -‬وبالتاّلي فهي من‪ ,‬أسرة بسيطة‬


‫الريف – أو كما يقال بنت ّ‬
‫سمى بها بنت ّ‬
‫المدينة بمثل التي تُ ّ‬

‫الريف الذي يعيشون‬ ‫‪ ,‬والدها فالّح وكذلك زوجها وابنها ‪ ,‬يقومون بحرث و زرع أراضيهم كباقي ّ‬
‫سكان ّ‬

‫الريفية التي تصنع مستلزماتها من‬


‫الديس يتناسب مع متطّلبات الحياة ّ‬
‫فيه ‪ ,‬بيتها عبارة عن كوخ من ّ‬

‫الطبيعة التي تعيش في أحضانها ‪.‬‬

‫‪ :‬أحمد بودشيشة ‪ ,‬ياقوت والخفاش ‪ ,‬دار الهدى ‪ ,‬ص ‪. 37-23-14-13‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪73‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫الشك‬
‫النفسية ومتوتّرة تتمّلكها الحيرة و ّ‬
‫الناحية ّ‬
‫تظهر شخصية ياقوت في المسرحية مضطربة من ّ‬

‫حول حقيقة ما تعانيه من إغماء وغثيان ‪ ,‬فتجد نفسها في صراع نفسي ‪ ,‬وحسب نظرية فرويد في‬

‫المكونة لل ّذات (‬
‫ّ‬ ‫للشخصية هو اختالل تفاعل األنظمة الّنفسية‬
‫الداخلي ّ‬
‫الصراع ّ‬
‫أن سبب ّ‬
‫الشخصية ّ‬
‫ّ‬

‫أن ال ّذات الدنيا‬


‫الهو [ال ّذات الدنيا] ‪ ,‬األنا [ال ّذات الوسطى] ‪ ,‬األنا األعلى [ال ّذات العليا] ) حيث ّ‬

‫بأن ما تعانيه أعراض وحم‬


‫الخاصة بها ‪ ,‬إذ تؤمن ّ‬
‫ّ‬ ‫(الهو) لشخصية ياقوت تعمل وفق غريزة األمومة‬

‫يتكون فقد سبق لها اإلنجاب واإلحساس بمثل هذا ّ‬


‫الشعور من قبل ‪ ,‬إضافة إلى‬ ‫أن في داخلها جنين ّ‬
‫وّ‬

‫طفل الذي سيولد بعد أشهر‪.‬‬


‫وتبشرها بفرحة ال ّ‬
‫تؤكد لها وحمها ّ‬
‫رأي أختها زعرة التي ّ‬

‫بالنسبة لياقوت واقع‬


‫للشخصية فتعمل حسب مبدأ الواقع وهنا فالواقع ّ‬
‫أما ال ّذات الوسطى ( األنا) ّ‬
‫ّ‬

‫مر‬
‫الدوار على ّ‬
‫حقيقي الذي هو في حقيقة األمر مزّيف ‪ ,‬قامت العجوز برنية بإقناعها به كونها داية ّ‬

‫سنين وبالتالي فهي تملك خبرة كبيرة و ّأنها تعاني من مرض خبيث استفحل في أحشائها وقد تموت‬

‫بعد أشهر ‪ ,‬فال يمكنها التشكيك في رأيها ‪.‬‬

‫للشخصية التي نتيجة امتصاص القيم والمعايير الخلقية‬


‫وبالنسبة لل ّذات العليا ( األنا األعلى ) ّ‬
‫ّ‬

‫المثل العليا وياقوت امرأة محترمة وخلوقة‬


‫السائدة في المجتمع ‪ ,‬فهي تعمل طبقا لمبدأ األخالقيات و ُ‬
‫ّ‬

‫وبالتالي فمن المستحيل بالنسبة إليها أن تخون زوجها وتهرب مع الجايح أو أن تُنجب ابنا من‬

‫أن ابنها فاتح منه ‪ ,‬وهو‬


‫شخص آخر غير زوجها ‪ ,‬إذ نجد الجايح يقنعها بمساعدة العجوز برنية ّ‬

‫ثمرة اغتصابه لها ليلة عرسها ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫فكل ذات‬
‫النفسية لشخصية ياقوت ال تسير في حركة ديناميكية حسب ما هو مفروض ّ‬
‫إن األنظمة ّ‬
‫ّ‬

‫في اتّجاه مختلف عن ال ّذات األخرى ‪ ,‬وسبب ميل ّ‬


‫الشخصية إلى الحيرة والتشكيك في نفسها وحملها‬

‫أما سلوكها المضطرب وتوتّرها و اكتئابها طيلة‬


‫هو سيطرة ال ّذات الوسطى على ال ّذات الدنيا (الهو) ‪ّ ,‬‬

‫فسره اختالل تفاعل هذه األنظمة في ذاتها ‪.‬‬


‫المسرحية ُي ّ‬

‫وجل‬
‫عز ّ‬‫للا ّ‬
‫قوتها وصمودها أمام الجايح لحظة مداهمته لها في غرفتها هو أملها الكبير في ّ‬
‫لكن ّ‬

‫و رغبتها في حماية بيتها آلخر لحظة وهذا ما ّيدل عليه اسمها ؛ فالياقوت إلى جانب كونه حجر‬

‫كريم جميل إالّ ّأنه من أكثر المعادن صالبة ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫طحة في العمل المسرحي ‪ ,‬إذ نجدها ثابتة في موقفها‬ ‫شخصية زعرة ‪ :‬هي ّ‬
‫الشخصية المس ّ‬ ‫‪.2‬‬

‫خاصية واحدة هي يقينها‬


‫ّ‬ ‫وحم أختها ياقوت ‪ ,‬طيلة المسرحية ‪ ,‬كما تبرز لها‬
‫المتمثّل في تأكيد َ‬

‫وايمانها بحمل أختها ‪.‬‬

‫الشخصية ‪ ,‬فال يوجد وصف دقيق لها سوى ّأنها أكبر ّ‬


‫سنا‬ ‫ال يمكننا تحديد البعد الفيسيولوجي لهذه ّ‬

‫نص المسرحية قولها كالتالي ‪:‬‬


‫من ياقوت ‪ ,‬إذ جاء في ّ‬
‫فإنك أكبر مني عقال إ‬
‫وسعة بال ‪) .‬‬ ‫إ‬
‫سنا ‪ّ ,‬‬
‫كنت أكبر منك ّ‬
‫"( زعرة ‪ ... :‬لئن ُ‬

‫(زعرة ‪ :‬أتقولين هذا الكالم على شقيقتك الكبرى ؟! )"‪. 1‬‬

‫الشخصية فهي حتما تشبه أختها ولو بالقليل ‪,‬‬


‫المادي لهذه ّ‬
‫ويمكننا إعطاء وصف تقريبي للكيان ّ‬

‫ومنه في امرأة عادية حسنة الخلقة ‪ ,‬نضرة البشرة قد تكون في أواخر الثالثينات أو بداية األربعينيات‪,‬‬

‫الزراعة ‪,‬‬
‫يدل على ّأنها فرد من عائلة بسيطة تعمل في مجال ّ‬
‫السعيد ‪ ,‬وهذا ما ّ‬
‫بفالح اسمه ّ‬
‫متزوجة ّ‬
‫ّ‬

‫الدوار‪.‬‬
‫لديها بنت اسمها نزيهة ‪ ,‬وبالتالي فحالتها االجتماعية عادية وبسيطة كغيرها من أهل ّ‬

‫يعبر عن‬ ‫إن اسم زعرة اسم تقليدي ‪ ,‬وسبب إدراجه في هذه المسرحية كون معناه ّ‬
‫الداللي ّ‬ ‫ّ‬

‫معرفا في المعاجم ؛ " ُّ‬


‫الزعرة ‪( :‬ح) ‪ ,‬طائر ال ُيرى إالّ‬ ‫المسماة به في المسرحية ‪ ,‬إذ نجده ّ‬
‫ّ‬ ‫الشخصية‬
‫ّ‬

‫قلقاً "‪ .2‬تماما مثل الشخصية في المسرحية إذ نجدها قلقة دائماً على أختها ‪ ,‬كونها األخت الكبرى‬

‫أمها مسؤولة عنها ‪ ,‬ومن واجبها مساندتها وحمايتها حتّى من نفسها ‪,‬‬
‫فهي تعتبر نفسها مكان ّ‬

‫‪ :‬أحمد بودشيشة ‪ ,‬المصدر السابق ‪ ,‬ص ‪. 53-11‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المنجد في اللغة واإلعالم ‪ ,‬دار المشرق ‪ ,‬بيروت ‪,‬ط‪ , 1969, 20‬ص‪. 298‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪76‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫يبين ذلك ‪:‬‬


‫وهذا المقتطف ّ‬

‫كل هذا ؟ ! ‪ ..‬ال‪,‬ال‪ ,‬أنت تظلمينني ‪ ..‬وتقسين علي ‪ .‬أنت‬


‫"( ياقوت ‪( :‬في استغراب) أنا فعلت ّ‬
‫ّ‬
‫للا يرحمها ‪.‬‬ ‫أختي الكبرى ‪ ..‬أنت في مكان ّ‬
‫أمي ّ‬

‫السبب الذي يغفر لك عندي‪.1") .‬‬


‫زعرة ‪ :‬وهذا هو ّ‬

‫المعبر عن‬
‫ّ‬ ‫يبين سلوكها‬
‫فتصرفاتها وكالمها في المسرحية ّ‬
‫ّ‬ ‫الشخصية ‪,‬‬
‫يفسر سلوك هذه ّ‬
‫وهذا ما ّ‬

‫أن للسّلوك‬
‫الشخصية ‪ ,‬إذ تنطبق عليها نظرية آدلر في الشخصية (المذكورة سابقا) ؛ إذ اعتبر ّ‬
‫ذات ّ‬

‫أن معنى قلق زعرة هو خوفها و‬


‫معين ‪ ,‬حيث ّ‬
‫معنى اجتماعي ناتج إلدراكاتنا ال ّذاتية لتحقيق هدف ّ‬

‫التصرفات‬
‫ّ‬ ‫حرصها على أختها ‪ ,‬وهو ناتج إلدراكها حقيقة كونها أخت كبرى تحاول القيام ببعض‬

‫فإننا نجد‬
‫المشككة ‪ .‬وبالتالي ّ‬
‫ّ‬ ‫كل سوء حتّى من ذاتها‬
‫الغريزّية لألم الغائبة ‪ ,‬بهدف حماية أختها من ّ‬

‫أن هناك‬
‫النفسي لها ‪ ,‬أي ّ‬
‫أن العوامل االجتماعية لشخصية زعرة هي المؤثّر األساسي في الجانب ّ‬
‫ّ‬

‫ألنها ليست‬
‫الداخلية ّ‬
‫شخصيتها ولم تكن مندفعة بغرائزها ّ‬
‫ّ‬ ‫المعبر عن‬
‫ّ‬ ‫تحرك سلوكها‬
‫أهداف خارجية ّ‬

‫األم الفعلية لياقوت ‪.‬‬

‫‪ :‬أحمد بودشيشة ‪ ,‬المصدر السابق ‪ ,‬ص ‪. 10‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪77‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫المركبة التي تظهر موقفين متعارضين حسب موضعها في‬


‫ّ‬ ‫شخصية برنية ‪ :‬هي ّ‬
‫الشخصية‬ ‫‪.3‬‬

‫وم إّفندة له بعد ذلك أي بعد مجيء حفيدها الجايح‬


‫مؤيدة لحمل ياقوت في البداية ُ‬
‫المسرحية ‪ ,‬إذ نجدها ّ‬

‫صح القول‬
‫الشك و الوساوس داخل عقل ياقوت في غفلة من أختها زعرة ‪ ,‬وان ّ‬
‫‪ ,‬وبذلك تقوم بزرع ّ‬

‫كالسوس الذي ينخر‬


‫أما في باطنها فهي ّ‬
‫المهتمة ّ‬
‫ّ‬ ‫تتلون كالحرباء ‪ ,‬إذ تظهر بمثابة ّ‬
‫الجدة الحنونة‬ ‫فهي ّ‬

‫ظفر بياقوت‪.‬‬
‫ططها مع حفيدها لل ّ‬
‫الداخل حتّى يسقط شتاتا ‪ ,‬وهذا إلنجاح مخ ّ‬
‫األشياء من ّ‬

‫متجمدة‬
‫ّ‬ ‫الناحية الفيسيولوجية امرأة طاعنة في ال ّسن ‪ ,‬سوداء البشرة ‪,‬‬
‫وتظهر هذه العجوز من ّ‬

‫طي الوشم أكبر مساحة من جسدها ‪ ,‬تبدو نشطة في مشيتها مقارنة مع‬
‫متخشبة اليدين ُيغ ّ‬
‫ّ‬ ‫الوجه ‪,‬‬

‫حادتان ينبعث منهما الخبث و الغدر ‪ ,‬هذا حسب ما جاء في إحدى صفحات‬
‫سنها ‪ ,‬عيناها ّ‬
‫ّ‬

‫المسرحية ‪.‬‬

‫إن اسم برنية غريب نوعا ما غير معروف ولكن يمكننا القول ّأنه مشتق من كنية شعبية تطلق‬
‫ّ‬
‫الشخص الغريب الذي ال تربطنا به إ‬
‫صلة قرابة وغير محبوب عندنا فيقال فالن ّبراني أو فالنة‬ ‫على ّ‬

‫الدوار كونها قابلة‬


‫فبالرغم من ّأنها تعرف جميع أهل ّ‬
‫ّبرانية ‪ ,‬وهذا ما ينطبق على هذه العجوز ‪ّ ,‬‬
‫إ‬
‫النسوة يعرفونها ويحسنون إليها ّ‬
‫ألنها وحيدة ال تملك أقارب ‪.‬‬ ‫وبالتالي فجميع ّ‬

‫الريف البسيطة والهادئة ‪.‬‬


‫تعيش هذه العجوز مثل باقي جيرانها حياة ّ‬

‫التحكم في سلوكها فكونها شخصية‬


‫ّ‬ ‫بأنها تستطيع‬
‫النفسي لشخصية برنية يظهرها لنا ّ‬
‫إن الجانب ّ‬
‫ّ‬

‫مركبة تنطوي في داخلها على موقفين متعارضين ‪ ,‬تظهر أحدهما حسب ما يسمح لها الوضع الذي‬
‫ّ‬

‫الشيطان الموسوس ‪ ,‬إذ تزرع الشكوك بعقل ياقوت بشأن‬ ‫تكون فيه ‪ ,‬حيث تقوم هذه ّ‬
‫الشخصية بدور ّ‬

‫‪78‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫بأنه من حفيدها الجايح الذي نال منها ليلة عرسها ‪ ,‬كما تحاول إقناعها‬
‫وحمها ونسب ابنها فاتح ّ‬

‫السر لزوجها هذا من جهة ‪.‬‬


‫مهددة بفضح هذا ّ‬
‫بالهروب معه ّ‬

‫ظاهر فقط وأمام زعرة‬ ‫أما من جهة أخرى ‪ ,‬فتظهر رئيفة مسكينة تكترث ألمر ياقوت ّ‬
‫‪,‬كل هذا في ال ّ‬ ‫ّ‬

‫النسوة علما بمثل هذه األمور فال‬


‫دوار و أكثر ّ‬
‫مهمتها بنجاح كونها قابلة ال ّ‬
‫وما يساعدها على أداء ّ‬

‫يتجر أحد على التشكيك بها أو بكالمها وهذا المقتطف خير دليل على هذا الكالم ‪:‬‬
‫ّأ‬

‫تشكين في قدرة العجوز برنية ‪.‬‬


‫أظنك ّ‬
‫"( ياقوت ‪ :‬ال ّ‬

‫مجربة وقابلة ماهرة ‪ ,‬ال يمكن ألحد أن يستغني عنها ‪. 1") .‬‬
‫زعرة ‪ :‬هي عجوز ّ‬

‫ظهر مقص } لما تقوم به من‬


‫الشعبي { في الوجه مراية وفي ال ّ‬
‫الشخصية ينطبق عليها المثل ّ‬
‫وهذه ّ‬

‫بالشك في قلب ياقوت ‪ ,‬وهي‬


‫فإنها تغرز بأشواكها المسمومة ّ‬
‫ظاهر ّأم خلف زعرة ّ‬
‫حسن وطيبة في ال ّ‬

‫مثال للعديد من األشخاص في حياتنا من عصرنا الحالي ‪.‬‬

‫مفر لها من هذا الموقف‬


‫ألن ال ّ‬
‫فإنها تكشف موقفها الحقيقي أمام الجميع ّ‬
‫أما في آخر المسرحية ّ‬
‫ّ‬

‫إذ يتحتّم عليها الوقوف إلى جانب حفيدها وتأكيد رأيه ولو كان مخطئا ‪ ,‬فهي ترفض االستسالم وتقبل‬

‫الحقيقة ‪ ,‬إالّ ّأنها تعود أدراجها مخذولة حفاظا على حياتها وحياة حفيدها ‪.‬‬

‫‪ :‬أحمد بودشيشة ‪ ,‬المصدر السابق ‪ ,‬ص‪. 56‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪79‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫‪ .4‬شخصية نزيهة ‪ :‬هي أحد الشخصيات الثانوية المصاحبة ‪ ,‬إذ تلعب دو ار صغي ار في‬

‫الدور أثر مهم في تطوير أحداث هذا العمل المسرحي ‪ ,‬فلوال تدخّلها‬
‫أن لهذا ّ‬
‫المسرحية إالّ ّ‬

‫مشوه أو كما أسمته هي الغول األحمر ‪ ,‬لما‬


‫بإخبار والدها بما رأته هي و فاتح عن رجل ّ‬

‫السعيد للجايح وسارع إلنقاذ ياقوت ‪.‬‬


‫طن ّ‬‫تف ّ‬

‫أمها وخالتها‬
‫السعيد وخطيبة فاتح ‪ ,‬تساعد ّ‬
‫فإن نزيهة ابنة زعرة و ّ‬
‫وحسب ما جاء في المسرحية ّ‬

‫في عمل البيت وجمع أغراض البيت ‪ ,‬وكونها خطيبة فاتح الذي هو في عشرينيات عمره فبالتالي‬

‫يزوجون الفتيات وهم في هذا ّ‬


‫السن في‬ ‫السابعة عشر إذ كانوا ّ‬
‫فعمرها في حدود األربعة عشر و ّ‬

‫الماضي ‪.‬‬

‫الصراع في‬
‫النفسية فشخصية نزيهة تتمتع بالبراءة و العّفة فهي بعيدة ونزيهة عن ّ‬
‫الناحية ّ‬
‫أما من ّ‬
‫ّ‬

‫تدخلها كان عن غير قصد فقد كانت تحاول‬


‫العمل المسرحي رغم تأثيرها في سير األحداث ‪ ,‬ولكن ّ‬

‫صورته في خيالها مع ّأنه إنسان في‬


‫السعيد ‪ ,‬خوفا من الغول الذي ّ‬
‫سرد ما رأته لخالتها ياقوت وأبيها ّ‬

‫السعيد أيضا ‪:‬‬


‫الواقع ‪ ,‬ويظهر هذا في حوارها مع ياقوت ومع ّ‬

‫"( نزيهة ‪( :‬تستولي عليها قشعريرة غريبة مفاجئة)‬

‫لقد لمحت رجال مخيفا قادما إلى ‪ ...‬إلى هنا ‪.‬‬

‫ياقوت ‪( :‬تنهض مفزعة) رأيت رجال ؟ أين ؟‬

‫وللا العظيم ‪.‬‬


‫الدود ‪ّ ,‬‬
‫نزيهة ‪ :‬لقد رأيته بعيني هاتين الّلتين سوف يأكلهما ّ‬

‫(تبلع ريقها لتبّلل حلقها الذي يبس ‪ ,‬وتتنّفس بصعوبة كبيرة) )‬

‫‪80‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫تصور ؟‬
‫لكنه هرب منها ّ‬
‫( زعرة ‪ :‬أنا أخبرك ما رأته ‪ ..‬تقول ‪ ..‬أو تزعم ّأنها رأت غوال ‪ّ ,‬‬

‫نزيهة ‪ :‬لم تصفيه ألبي كما يجب ‪.‬‬

‫البد ّأنه مأل قلبك خوفا ‪.‬‬


‫مهتما) أكملي أنت إذن ‪ّ ,‬‬
‫السعيد ‪( :‬إلى ابنته ّ‬
‫ّ‬

‫نزيهة ‪ّ :‬إنه غول أحمر ‪.‬‬

‫السعيد ‪( :‬في اندهاش) أحمر ؟ ‪.1") .‬‬

‫السكن الجديد في القرية ‪ ,‬ويظهر هذا في‬


‫للرحيل إلى ّ‬
‫كما ّأنها تشبه شخصية فاتح في االستعجال ّ‬

‫حوارها مع أبيها ‪:‬‬

‫"( نزيهة ‪ :‬متى نرحل من هنا يا أبي ؟‬

‫السعيد ‪( :‬مبتسما) يبدو ّأنك اشتقت إلى المسكن الجديد ؟‬


‫ّ‬

‫يقشعر من هذا المكان ‪ ,‬لقد أضحى موحشا ومخيفا‬


‫نزيهة ‪( :‬في انكماش وارتعاد) لقد صار جلدي ّ‬

‫ورهيبا ‪.‬‬

‫للا ‪..‬‬ ‫السعيد ‪ :‬اصبري يا ّ‬


‫بنيتي ‪ ,‬سيتم ذلك في الغد إن شاء ّ‬ ‫ّ‬

‫الرحيل ‪. 2") .‬‬


‫ليقشعر من البطء في ّ‬
‫ّ‬ ‫إن جلدي‬
‫نزيهة ‪ّ :‬‬

‫وبالتالي فهي شخصية متطّلعة نحو المستقبل ال تريد الغرق في أطالل الماضي األليم و الحزين‬

‫السير نحو الحياة الجديدة للعيش في سعادة وسالم ‪.‬‬


‫فهي تريد ّ‬

‫‪ :‬أحمد بودشيشة ‪ ,‬المصدر السابق ‪ ,‬ص‪.81- 62‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المصدر نفسه ‪ ,‬ص‪.79-78‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪81‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫شخصية فاتح ‪ :‬هي أحد ّ‬


‫الشخصيات الثانوية المصاحبة ‪ ,‬لها دور صغير في العمل‬ ‫‪.5‬‬

‫المشوه الذي‬
‫ّ‬ ‫الرجل الغريب‬
‫مهم ومؤثّر على سير األحداث ‪ ,‬فحين يخبر نزيهة عن ّ‬
‫لكنه ّ‬
‫المسرحي ّ‬

‫أمه ياقوت وباقي أفراد العائلة ‪ ,‬فتقوم نزيهة بإخبار والدها عن الغول‬
‫التقى به ‪ ,‬وأخذ يسأله عن ّ‬

‫بأن الجايح قد عاد‬ ‫يؤكد ظنون ّ‬


‫السعيد ّ‬ ‫الرجل الذي التقى به فاتح ‪ ,‬ما ّ‬
‫األحمر الذي رأته إذ يشبه ّ‬

‫التصدي لهذا الغول ‪.‬‬


‫ّ‬ ‫فيسرع إلنقاذ ياقوت و‬

‫للشخصية ومدى تأثيره في تطوير األحداث ‪.‬‬


‫الصغير ّ‬
‫الدور ّ‬
‫أهمية هذا ّ‬
‫وهنا تكمن ّ‬

‫الصفات الجسدية لشخصية فاتح ؛ فهو شاب عشريني أشقر طويل ‪ ,‬هذا حسب‬
‫ويمكننا تحديد ّ‬

‫وصف الكاتب له في إحدى صفحات المسرحية إذ نجد ‪:‬‬

‫بالشمس "‪.1‬‬
‫" يدلف فاتح ‪ ..‬وهو شاب في العشرين من عمره ‪ ..‬يميل إلى الشقرة ‪ ..‬بشرته ملوحة ّ‬

‫يعمل في الحقل مع أبيه ‪ ,‬ويظهر ذلك في هذا المقتطف ‪:‬‬

‫عمي ّإنه ينتظرك في الحقل ‪ّ ..‬إنه جائع ‪.‬‬


‫هيا إلى ّ‬
‫هيا ‪ّ ..‬‬
‫"( نزيهة ‪ّ :‬‬

‫الراحة ‪ ..‬هذا من حّقي ‪.‬‬


‫فاتح ‪ :‬دعيني آخذ قسطا من ّ‬

‫نزيهة ‪ :‬خذه في الحقل مع أبيك ‪..‬‬

‫عمي ‪.‬‬
‫ثمة ظل يا بنت ّ‬
‫فاتح ‪ :‬تحت أشعة الشمس المحرقة ؟‪ّ ..‬إنه ال يوجد ّ‬

‫‪...‬‬

‫‪ :‬أحمد بودشيشة ‪,‬المصدر السابق ‪ ,‬ص‪. 41‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪82‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫صدقتك‪.1") ..‬‬
‫نزيهة ‪ :‬قم‪ ..‬قم وامش إلى الحقل ‪ ..‬لقد ّ‬
‫أما من الناحية النفسية فهو شخصية مفعمة بالتّفاؤل والنشاط ‪ ,‬ال تطيق صب ار في المضي نحو ٍ‬
‫غد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫النار‬
‫أجمل ‪ ,‬ويظهر هذا في استعجاله للرحيل إلى البيوت الجديدة وتحضيره لعلبة الكبريت إلضرام ّ‬

‫في األكواخ ‪ ,‬إذ هذا ما قالته والدته ياقوت عنه ألختها ‪:‬‬

‫"( ياقوت ‪ :‬لقد تذكرت ولدي فاتحا ‪.‬‬

‫زعرة ‪ :‬ما الذي فكرك فيه ‪ ,‬في هذه اّللحظة ؟‬

‫هيأ علبتي كبريت ‪.‬‬


‫ياقوت ‪ :‬لقد ّ‬

‫متخوفة) ماذا سينوي فعله بهما ؟‬


‫ّ‬ ‫زعرة ‪( :‬تمسك صدرها‬

‫النار في األكواخ ‪.‬‬


‫ياقوت ‪ :‬حتّى ال يسبقه أحد إلى إضرام ّ‬

‫طفل ؟‪. 2") ..‬‬


‫زعرة ‪ :‬يا له من شقي هذا ال ّ‬

‫فإن فاتح شخصية تريد التخّلص من الماضي الموحش و األليم ألجداده والمضي قدما لبناء‬
‫ومنه ّ‬

‫مسمى اسمه فاتح ويفتتح الغد المشرق لحياة جديدة ملؤها‬


‫مستقبل أفضل وبذلك يكون اسم على ّ‬

‫السالم ‪.‬‬
‫التّفاؤل و ّ‬

‫‪ :‬أحمد بودشيشة ‪ ,‬المصدر السابق ‪ ,‬ص‪. 49-45‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المصدر نفسه ‪ ,‬ص‪. 12‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪83‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫السعيد ‪ :‬وهو ّ‬
‫الشخصية المساندة أو المساعدة‪ ‬في المسرحية ‪ ,‬إذ نجده‬ ‫شخصية ّ‬ ‫‪.6‬‬

‫النيل منها في ليلة عرسها‪,‬‬


‫لما أراد الجايح ّ‬
‫للعدو دائماً ‪ ,‬حيث قام بإنقاذ ياقوت في الماضي ّ‬
‫مترصدا ّ‬
‫ّ‬

‫مهم‬
‫لكنه ّ‬
‫بالرئيسي في العمل المسرحي ّ‬
‫مرة ثانية ‪ .‬ليس دوره ّ‬
‫وينقذها اآلن من قبضته ألخذها معه ّ‬

‫جدا كونه دور مصيري في حياة ّ‬


‫الشخصية البطلة ياقوت ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫متوسط البنية ‪ ,‬يعمل في‬


‫تصوره رجل طويل ّ‬
‫الشخصية لكن يمكننا ّ‬ ‫لم إ‬
‫يرد وصفا فيسيولوجيا لهذه ّ‬

‫الدوار ويحيا حياتهم البسيطة ‪.‬‬


‫فالحة األرض يعيش بين أهل ّ‬

‫يدل على دوره في‬


‫النفسي ‪ ,‬وبالفعل فاسمه ّ‬
‫السرور واالرتياح ّ‬
‫يدل على البهجة و ّ‬
‫السعيد ّ‬
‫إن اسم ّ‬
‫ّ‬

‫يحل المشاكل وينتصر وبالتالي يكون سببا في‬


‫العدو ‪ ,‬إذ ّ‬
‫ّ‬ ‫المسرحية فهو دائما المنقذ والواقف في وجه‬

‫السعادة والفرح ‪.‬‬


‫الغمة وحلول ّ‬
‫الهم و ّ‬
‫زوال ّ‬

‫الصمود والتّحدي ‪ ,‬يتمتع‬ ‫إ‬


‫قوية ال تخشى مواجهة األعداء ‪ ,‬تملؤها روح العزم و ّ‬
‫فهو شخصية فطنة ّ‬

‫بدهاء خارق إذ ّ‬
‫يترصد دائما للخطر الذي يدنو من أهله ‪ ,‬ونجد هذا في المقتطفات التّالية من‬

‫المسرحية إذ يكشف الجايح وأكاذيبه ‪:‬‬

‫إن‬
‫"( الجايح ‪ :‬مهما يكن ‪ ..‬لقد وصلت إلى مبتغاي ‪ ..‬وحّققت غرضي ‪ ..‬ونلت ما أصبو إليه ّ‬

‫لي معها ابنا ‪.‬‬

‫نمو الحدث القصصي وبلورة معناه واإلسهام في تصوير الحدث‪ ,‬ويالحظ أن‬ ‫‪ :‬على الشخصية المساعدة أن تشارك في ّ‬
‫‪‬‬

‫أقل قيمة من وظيفة الشخصية الرئيسية رغم ّأنها تقوم بأدوار مصيرية أحيانا في حياة الشخصية الرئيسية‪( .‬من كتاب‬
‫وظيفتها ّ‬
‫القصة الجزائرية المعاصرة ‪ ,‬دار القصبة للنشر‪ , 2009,‬ص‪). 45‬‬ ‫الفنية في ّ‬
‫تطور البنية ّ‬
‫شريبط أحمد شريبط‪ّ ,‬‬

‫‪84‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫ويهدئها ثم‬
‫السعيد يحول بينها وبين ذلك ‪ّ ,‬‬ ‫(تمرق ياقوت حاملة فأسا تريد أن تهوي بها عليه ‪ّ ,‬‬
‫لكن ّ‬

‫يخرجها ويعود)‬

‫السعيد ‪ :‬أنت لم تنل شيئا ‪.‬‬


‫ّ‬

‫أن القذيفة أصابتني بعيد ما نلت بغيتي ‪.‬‬


‫الجايح ‪ :‬ال تنسى ّ‬

‫السعيد ‪( :‬ينفعل مغضبا) أنت تكذب ‪ ..‬كنت خلفك ‪ ,‬و أنت تتسّلق الجدران للوصول إلى غرفة‬
‫ّ‬

‫السماء ‪ ..‬وأصبت أنا بجروح خفيفة ‪ ..‬بينما نجت‬


‫العروس ‪ .‬ولكن ما أن بلغت الباب حتّى طرت في ّ‬

‫العروس بأعجوبة ‪ ,‬وقد خلع باب حجرتها من مكانه ‪.‬‬

‫‪...‬‬

‫مني ‪ ..‬قل لي ‪ ..‬دعني ‪ ..‬لماذا تتبع خطواتي ؟‬


‫الجايح ‪( :‬مرتعد الفرائص) ماذا تريد ّ‬

‫الشظية أصابتك واعتقدت ّأنك مت ‪,‬‬


‫المرة التي سبقت أحاول قتلك ‪ .‬لكن ّ‬
‫السعيد ‪ :‬كنت في ّ‬
‫ّ‬

‫عدونا وحبيبك ‪ .‬فتركتك وغادرت المكان بعد ما‬


‫شرك على يد ّ‬
‫وتخّلصنا جميعا –أنت و نحن‪ -‬من ّ‬

‫تبين‬
‫السنين ّ‬
‫كل هذه ّ‬
‫أنقذت ياقوت منك ‪ ,‬واطمأننت عليها من أي خطر قد يصيبها منك ‪ .‬ولكن بعد ّ‬

‫أن أسيادك حملوك مع جرحاهم ليعالجوك في مستشفياتهم ‪ ,‬ليصنعوا منك بطال وهميا في نظرك ‪,‬‬

‫كل ذلك باء بالفشل ‪).‬‬


‫وأداة في يدهم الستخدامك عند الحاجة إليك ‪ ,‬لكن ّ‬

‫( ‪...‬‬

‫‪85‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫السعيد ‪ :‬ما كان ليصل إليها لقد كنت له بالمرصاد مثل اليوم ‪. 1").‬‬
‫ّ‬

‫السعيد هي بمثابة الجدار العازل أو المالك الحارس لشخصية ياقوت ؛ يقوم‬


‫وبالتالي فشخصية ّ‬

‫يمتص شرف و كرامة أهل‬


‫ّ‬ ‫شر ومن قبضة أنياب الخّفاش (الجايح) الذي يريد أن‬
‫كل ّ‬
‫بحمايتها م ّ‬

‫الدوار ‪.‬‬
‫ّ‬

‫شخصية الجايح ‪ :‬وهي الشخصية التي تقابل الشخصية المحورية للعمل المسرحي أو كما‬ ‫‪.7‬‬

‫الصراع في المسرحية إذ تحاول جاهدة خلق‬ ‫يطلق عليها إخصم ّ‬


‫الشخصية المحورية ‪ ,‬فهي صانعة ّ‬

‫العراقيل والوقوف في طريق الشخصية البطلة ‪ ,‬حيث تمثل القوى المعارضة أو الشريرة في الصراع‬

‫طرفين ‪.‬‬
‫الكائن بين ال ّ‬

‫متوسط القامة ‪,‬‬


‫ومن خالل ما جاء في المسرحية من وصف مادي لشخصية الجايح ؛ فهو رجل ّ‬

‫مستعار ‪ ,‬يعرج في مشيته ‪ ,‬أنيق المظهر‪.‬‬


‫ا‬ ‫مشوه الخلقة ‪ ,‬يرتدي شع ار أحم ار‬
‫أشقر يميل إلى الحمرة ‪ّ ,‬‬

‫للقوات االستعمارية الفرنسية الغاشمة كونها كانت تدفع الكثير‬


‫مردها وظيفته كعميل ّ‬
‫وأناقته هذه ّ‬

‫العدو ‪ ,‬وبالتاّلي فحالته االجتماعية‬


‫ّ‬ ‫لمن يبيع وطنه ويخونه ‪ ,‬والجايح كان خائنا لوطنه ومتواطئا مع‬

‫قوتهم من عرق‬
‫الدوار الذين كانوا وال يزالون يجمعون ّ‬
‫كانت مترفة نوعا ما ولم تكن بسيطة كباقي أهل ّ‬

‫جبينهم ‪.‬‬

‫الشخص الفاشل الذي ال يعتمد عليه وال يستطيع انجاز‬


‫إن اسم الجايح صفة شعبية تطلق على ّ‬
‫ّ‬

‫مرتين ؛ األولى في‬


‫شيء يكّلف به ‪ ,‬وهذا ينطبق على الشخصية في المسرحية إذ فشل الجايح ّ‬

‫‪ :‬أحمد بودشيشة ‪ ,‬المصدر نفسه ‪ ,‬ص ‪. 107-104‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪86‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫الدوار ليلة عرس‬


‫الدبابات إلطالق وابل قنابلها على ّ‬
‫المؤامرة التي قام بها مع االستعمار بتحريض ّ‬

‫السحر على‬
‫النيل منها ‪ ,‬لكن باءت محاولته بالفشل وانقلب ّ‬
‫ياقوت ألجل محاولته في اغتصابها و ّ‬

‫جدته لزرع‬
‫الساحر فقد انفجرت قنبلة قي وجهه قبل أن يتمكن من بلوغ هدفه ‪ .‬والثّانية حين تآمر مع ّ‬
‫ّ‬

‫ظفر بها للهرب معه وذلك من‬


‫الشك في عقل ياقوت من أجل التفريق بينها وبين زوجها وأهلها ‪ ,‬وال ّ‬
‫ّ‬

‫تتوحم ‪ ,‬لكن شاءت األقدار أن تنكشف كذبته ويكون‬


‫بأن فاتح ليس ابنها و ّأنها ال ّ‬
‫خالل إيهامها ّ‬

‫بأنه لم يطل قالمة ظفر منها ‪ ,‬لينتصر بذلك‬


‫الدليل على براءة ياقوت إذ يثبت للجايح ّ‬
‫السعيد هو ّ‬
‫ّ‬

‫عليه ويكون قد ُهزم ّ‬


‫للمرة الثانية ‪.‬‬

‫ويحب التمّلك ‪ ,‬ال‬


‫ّ‬ ‫الضمير ‪ ,‬أناني‬
‫النفسية فالجايح يمتلك شخصية سيكوباتية ‪ ,‬عديم ّ‬
‫الناحية ّ‬
‫من ّ‬

‫ضحى بوالدته من أجل مصلحته ‪ ,‬ويمكننا االستدالل ببعض أقواله في الحوار‬


‫حس المسؤولية ‪ّ ,‬‬
‫يملك ّ‬

‫المسرحي ‪:‬‬

‫ألول وهلة ّأنه قدم من‬


‫يفكر في ‪ ,‬لم يأت من أجلي ‪ ,‬ظننت ّ‬
‫أمه لم ّ‬
‫جدته ّأم ّ‬
‫"( برنية ‪ ...:‬حتّى أنا ّ‬

‫أجلي ‪( ..‬تمسح دموعها الكاذبة)‬

‫إن ريح عشقه لك هي التي قادته إلى هنا ‪).‬‬


‫لكنه رجع من أجلك ‪ّ ..‬‬
‫ّ‬

‫( الجايح ‪( :‬بتصميم) لقد خلقت لي يا ياقوت ولم تخلقي لغيري ‪ ,‬ولن ّ‬


‫أفرط في حّقي مهما تكن‬

‫األسباب ‪.‬‬

‫عني ‪.‬‬
‫ياقوت ‪ :‬اخرس وابتعد ّ‬

‫‪87‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫المدة التي غبت فيها عن هذا المكان ‪ ,‬حتّى وأنا في‬


‫الجايح‪ :‬أنا لم أسلُك أو أنسك طوال هذه ّ‬

‫فراش الموت ‪ّ ,‬إنني أختنق ‪ ..‬ياقوت‪..‬ياقوت إن لم تستجيبي لمطلبي بذهابك معي فإنك ستحكمين‬

‫علي بالموت‪) .‬‬


‫ّ‬
‫( الجايح ‪( :‬يبرز عينيه في غضب عارم) هكذا إذن ‪ ..‬فأنت ال تحبين أن تفهمي أبدا علي وعلى‬
‫ّ‬
‫أعدائي إذن ‪).‬‬

‫بأن موتك إهانة لي! ‪ ..‬بل هزيمة نكراء لن أغفرها لك وال لي ‪ ,‬وأنا في هذا‬
‫أما علمت ّ‬
‫( الجايح ‪ّ :‬‬

‫كل ذلك من أجل‬


‫الناس جميعا حتّى والدتي من أجلك أنت ‪ ,‬نعم ّ‬
‫حية ‪ ,‬لقد قتلت ّ‬
‫المتقدم أريدك ّ‬
‫ّ‬ ‫العمر‬

‫حية يا ياقوت ‪.‬‬


‫أن تظّلي أنت ّ‬

‫حية أنا وحدي ‪ ,‬هل تسمعينني ياقوت‬


‫تضرع) فال تموتي أرجوك ‪ّ ,‬إني أرغب في أن تبقي لي ّ‬
‫(في ّ‬

‫؟ )"‪.1‬‬

‫الدكتور أحمد‬
‫الشخصية السيكوباتية ‪ ,‬يقول ّ‬
‫النفس أبرز العالمات التي ّتدل على ّ‬
‫حدد علماء ّ‬
‫وقد ّ‬

‫للشخصية السيكوباتية ال تمثّل مجموع سمات هذه‬ ‫هارون ّ‬


‫الشريف ‪ ":‬يوجد خمس سمات أساسية ّ‬

‫الشخصية المضطربة ‪ ,‬واّنما تمثّل الخطوط العريضة لسمات مرضية عديدة ‪ ,‬وهي ‪:‬‬
‫ّ‬

‫أنانيته ‪.‬‬
‫أناني وال يعرف سبب ّ‬ ‫‪‬‬

‫الناس ‪.‬‬
‫المودة مع غيره من ّ‬
‫عاجز عن تكوين عالقات دائمة من ّ‬ ‫‪‬‬

‫سريع االندفاع واالستثارة ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ :‬أحمد بودشيشة ‪,‬المصدر نفسه ‪ ,‬ص‪. 99-95-94-27‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪88‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫الشعور بال ّذنب أو اإلثم ‪.‬‬


‫قليل أو عديم ّ‬ ‫‪‬‬

‫يسبب في الغالب معاناة لمن حوله في األسرة أو العمل ‪. 1".‬‬ ‫‪‬‬

‫الدال‬
‫وهذا تماما ما ينطبق على الجايح ‪ ,‬وباإلضافة إلى كونه شخصية سيكوباتية فأساس سلوكه ّ‬

‫حبه لها‬
‫الرغبة في ياقوت ‪ ,‬وهذا بسبب ّ‬
‫عليها ناتج عن دافع يريد تحقيق رغبة غريزية ‪ ,‬أال وهي ّ‬

‫فحبه المزعوم‬
‫النيل منها ‪ّ ,‬‬
‫يحبها بقدر ما يريد امتالكها و ّ‬
‫لكن في الحقيقة هو ال ّ‬
‫حسب ما ّيدعي ‪ّ ,‬‬

‫ألن من‬ ‫المحبة إلى فضاء الجنون والهوس بامتالك ما ترغب فيه ّ‬
‫النفس ‪ّ ,‬‬ ‫الغش و ّ‬ ‫تجاوز حدود إ‬
‫الوّد و ّ‬

‫يحب رؤيته يعيش في سالم وسعادة على عكس الجايح ال ّذي يريد تخريب حياة ياقوت‬
‫يحب شخصا ّ‬
‫ّ‬

‫واختطافها من أهلها وتشويه صورتها أمام ابنها وزوجها وباقي األفراد ‪ .‬ومنه فشخصية الجايح‬

‫حركها غريزتها وال شعورها الذي أعماه عن إ‬


‫رؤية حقيقة الوضع الحقيقي للموقف ‪.‬‬ ‫شخصية تُ ّ‬

‫فالحا‬ ‫شخصية مسعود ( أو سعد) ‪ :‬ويمثّل في المسرحية زوج ياقوت وأخو ّ‬


‫السعيد ‪ ,‬يعمل ّ‬ ‫‪.8‬‬

‫الشخصية تظهر‬
‫الدوار‪ ,‬هذه ّ‬
‫سكان ّ‬
‫وعادية كباقي ّ‬
‫ّ‬ ‫في الحقل ‪ ,‬وبالتّالي فهو رجل يعيش حياة بسيطة‬

‫الشخصيات عنها في العمل المسرحي مثل هذه المقتطفات ‪:‬‬


‫من خالل حديث ّ‬

‫سر بيننا‬
‫"( زعرة ‪ :‬ماذا تقولين يا بلهاء ؟‪ ..‬هل ُبحت بهذا األمر ألحد ؟‪ ..‬ألم نتّفق على أن يبقى ّا‬

‫نحن اإلثنين فقط ؟‬

‫(الضد مجتمعية) ‪ ,‬ملتقى الدكتور أحمد هارون للعالج ّ‬


‫النفسي‬ ‫‪ :‬أحمد هارون الشريف ‪ ,‬اضطراب الشخصية السيكوباتية ّ‬
‫‪1‬‬

‫والصحة النفسية ‪ 21 ,‬مارس ‪. 2013‬‬

‫‪89‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫بأني ‪..‬‬
‫(تهز رأسها بالموافقة بعد أن مسحت دموعها بتالبيبها ) لم أطق صب اًر ‪ ,‬أنبأته ّ‬
‫ياقوت ‪ّ :‬‬

‫هدية‬
‫إن هذا هو أغلى ّ‬
‫أتوحم ‪ّ ,‬إنه زوجي ‪ ,‬لم أقدر على كتمان عنه هذا الخبر الذي يفرحه ‪ّ ,‬‬
‫بأني ّ‬
‫ّ‬

‫كنت أطمح أن أهديها ّإياه ‪).‬‬

‫تقدري كم كانت فرحته طاغية ‪ ,‬و أنا أسمعه هذا ّ‬


‫النبأ‬ ‫( ياقوت ‪ :‬آه يا أختاه ‪ ,‬ليس بوسعك أن ّ‬

‫العظيم ‪.‬‬

‫زعرة ‪ :‬وهل كنت تنتظرين منه أن ال يفرح ؟‬

‫وجل أن سيقيم عرسين ‪ ..‬عرسا بمناسبة رحيلنا إلى القرية ‪ ,‬وآخر‬


‫عز ّ‬‫ياقوت ‪ :‬لقد حلف باهلل ّ‬

‫كال وهللا لم‬


‫تتوحم ؟ ّ‬
‫بمناسبة حملي ‪ .‬هل سمعت في حياتك عن أحد يقيم عرسا بمناسبة أن زوجته ّ‬

‫تسمعي ‪)...‬‬

‫يحبني ‪ ,‬قضينا أزيد من عشرين سنة معاً ‪ ,‬ما سمعت منه كلمة سوء‬
‫( ياقوت ‪ :‬مسعود ‪ ,‬زوجي ّ‬

‫ظالم وأعيش معه تحت مظّلة‬


‫أن أخونه اليوم ‪ ,‬وأذهب مع عابر سبيل في جنح ال ّ‬
‫مني ّ‬
‫ط ‪ ,‬أتريدين ّ‬
‫قّ‬

‫الح ارم ؟‬

‫برنية ‪( :‬في سخرية) مسعودك هذا ليس ولوداً ‪ّ ,‬إنه عقيم و حّقك عليه أن يطّلق ‪ ,‬إن لم يكن ذلك‬

‫وبالقوة ‪ ,‬وا ّن فاتحا ليس ابنه لقد جاء أبوه الحقيقي‪.1") .‬‬
‫ّ‬ ‫بإرادته أجبر عليه جب ار‬

‫إن شخصية مسعود ليس لديها حضور أو دور في هذه المسرحية ‪ ,‬فقد كانت غائبة تماماً ‪ُ ,‬يشار‬
‫ّ‬

‫الشخصيات عنها فقط ‪ ,‬فكون مسعود زوج ياقوت يحتّم علينا طرح تساؤالت كثيرة ‪,‬‬
‫إليها في حديث ّ‬

‫‪ :‬أحمد بودشيشة ‪ ,‬المصدر نفسه ‪,‬ص‪. 30-9-7‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪90‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫غيبه‬
‫الدور ّإال أن الكاتب ّ‬
‫أهمية هذا ّ‬
‫فبالرغم من ّ‬
‫مثل لماذا ال يقوم هو بإنقاذ زوجته بدل أخيه ؟! ّ‬

‫الرمزية التي يرمي إليها‬


‫الداللة ّ‬
‫الشخصية من أحداث المسرحية وما ّ‬
‫تماما ‪ ,‬فماذا يقصد بتغييب هذه ّ‬

‫الشخصية ؟؟! ‪.‬‬


‫الكاتب من خالل هذه ّ‬

‫‪91‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫بين سطور المسرحية ‪:‬‬

‫لقد استطاع أحمد بودشيشة التّعبير عن مرحلة حرجة عاشتها الجزائر من خالل مسرحية ياقوت‬

‫يذكرنا فيها بما عاشه الجزائرّيون ّإبان الثّورة التحريرية وما عانته الجزائر بعد‬
‫والخّفاش بامتياز ‪ ,‬إذ ّ‬

‫كل هذا بواسطة شخصيات هذه‬


‫المقتنص ‪ّ ,‬‬
‫ذلك من تشكيك في ثورتها العظيمة واستقاللها (المجيد ) ُ‬

‫المسرحية ورموزها ‪.‬‬

‫ماهية العالقة بين ياقوت والخّفاش ؟ وما إذا كان ياقوت‬


‫فالعنوان وحده يدعونا إلى التّساؤل عن ّ‬

‫وبمجرد‬
‫ّ‬ ‫اسم امرأة ؟ و بالتالي ما المقصود بالخّفاش وما هي داللته ؟ أهو توظيف رمزي أم حقيقي ؟‬

‫أن ياقوت اسم شخصية (امرأة) ولكن ال نجد أي إشارة للخّفاش ّإال في‬
‫قراءتنا للمسرحية نكتشف ّ‬

‫أن‬
‫أن أسبقية اسم ياقوت على الخفاش في العنوان ّتدل على ّ‬
‫المشهد الثالث من الفصل الثاني ‪ ,‬حيث ّ‬

‫الترصد إذ يقال‬ ‫ظل التابع لها كون مدلول كلمة خفاش يوحي ّ‬
‫بالسواد والظلمة و ّ‬ ‫هذا األخير بمثابة ال ّ‬

‫الدسائس ‪ ,‬وهذا ما جعل الكاتب يضع عنوانه بهذا المثل بدال من‬
‫ظالم أي أصحاب ّ‬
‫خفافيش ال ّ‬

‫الخفاش وياقوت ‪.‬‬

‫النفيسة وهذا ما جعله يختاره اسم للشخصية البطلة التي‬


‫إن ياقوت اسم لنوع من األحجار الكريمة ّ‬
‫ّ‬

‫وجدته‬
‫أما الخفاش أو كما أطلق عليه في المسرحية الجايح فيمثّل هو ّ‬
‫رمز بها إلى الجزائر الغالية ‪ّ ,‬‬

‫وتضرروا من استقالل الجزائر ‪ ,‬فأصبحوا‬


‫ّ‬ ‫ضد الثورة‬
‫العجوز برنية األطراف الخارجية وكل من وقفوا ّ‬

‫يشككون في شرف ّ‬
‫وحرية واستقالل الجزائر‬ ‫يشعرون بالحقد عليها وعلى ّ‬
‫الثوار ‪ ,‬وهذا ما جعلهم ّ‬

‫النصر الذي حّققه الجزائريون ‪ ,‬ويستخّفون بضريبة ّ‬


‫الدم التي‬ ‫ويروجون لهذه األكذوبة بهدف إجهاض ّ‬
‫ّ‬

‫‪92‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫وتجسد ذلك من خالل التشكيك في نسب فاتح الشخصية التي‬


‫ّ‬ ‫الحرية ‪,‬‬
‫دفعها اهل الجزائر في سبيل ّ‬

‫ترمز إلى استقالل البالد وتاريخها الثوري المليء بالّنضال ومغالطة الجايح لياقوت في نسب ابنها‬

‫فاتح هي تشكيك في الثّورة وفي الشخصيات الثورية التي صنعت استقالل بالدها ‪ ,‬ومحاولة لتفنيد‬

‫الشعب الجزائري على االستعمار الفرنسي ‪.‬‬


‫النصر األسطوري الذي حّققه ّ‬
‫ّ‬

‫تتوحم واّنما‬
‫بأنها ال ّ‬
‫جسدت شخصية العجوز برنية التي قامت باالحتيال على ياقوت واقناعها ّ‬
‫وقد ّ‬

‫أما محاولتها في‬


‫عما قريب ‪ ,‬دور فرنسا الغاشمة ّ‬
‫سيؤدي إلى وفاتها ّ‬
‫تعاني من أعراض مرض خبيث ّ‬

‫تكذيب وحمها هي تشكيك في إمكانية الجزائر من صنع مستقبل زاهر ألبناءها ‪ ,‬إذ قامت بزرع‬

‫الوساوس والشكوك في عقلها كما فعلت فرنسا التي زرعت روح التشكيك في الشعب وسعيها إلى‬

‫بكل الطرق ‪ ,‬يقول مفدي زكرياء‪:‬‬


‫الزاخر باألمجاد والبطوالت على ّأنه خيال وسراب ّ‬
‫تصوير تاريخه ّ‬

‫بما اجترحت من ِخداع ومكر ‪.‬‬ ‫ودان ِ‬


‫القصاص فرنسا العجوز‬ ‫ِ‬

‫الشخصيات ّأنه قد مات تستوقفنا أمام أسطورة‬


‫وظن باقي ّ‬
‫السنوات ّ‬
‫إن عودة الجايح بعد مرور هذه ّ‬
‫ّ‬

‫التحكم في البالد‬
‫ّ‬ ‫يدل على استم اررّية‬
‫طائر الفينق (العنقاء) التي توحي باالنبعاث بعد الموت وهذا ّ‬

‫الصراع فيها حتّى بعد موت السلطة االستعمارية داخلها ‪ ,‬فتفجيرات رّقان واصرار فرنسا‬
‫وخلق ّ‬

‫المتواصل على عدم الكشف عن خرائط األلغام التي زرعت منها حقوال وحقوال على مدى أراضي‬

‫ألن هذه األلغام ال تزال تحصد أرواح الجزائريين وتبتر أعضائهم‬


‫ضد اإلنسانية ّ‬
‫الجزائر ‪ ,‬هي جريمة ّ‬

‫أن االستعمار موجود في الجزائر ولكن بشكل آخر ‪.‬‬


‫الساعة ‪ ,‬وذلك يعني ّ‬
‫حد ّ‬‫إلى ّ‬

‫‪93‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫السعيد الذي‬
‫كذلك فشخصية (زعرة ) ومساندتها ألختها ياقوت وايمانها بشرفها ووحمها ‪ ,‬وشخصية ّ‬

‫جسدها الكاتب رم از إلرادة الحرّية‬


‫وجدته ‪ّ ,‬‬
‫شر الجايح ّ‬
‫كان بمثابة المالك الحارس والمنقذ لياقوت من ّ‬

‫وكل مناضل حارب وال يزال يجاهد ويواجه األعداء من أجل حماية وطنه ‪ ,‬مفعما بروح‬
‫الصمود ّ‬
‫و ّ‬

‫السعيد للجايح وكشف كذبته التي‬


‫ترصد ّ‬
‫مسه وهذا من خالل ّ‬
‫شر يحاول ّ‬
‫مترصدا لكل ّ‬
‫ّ‬ ‫اليقظة والفطنة‬

‫أما شخصية سعد أو مسعود‪ -‬زوج ياقوت (الجزائر)‪ -‬الغائبة عن ساحة‬


‫حاول إقناع ياقوت بها ‪ّ ,‬‬

‫السعيد ‪ ,‬هي رمز‬


‫أهميتها وأحّقيتها في أخذ دور المنقذ بدال من ّ‬
‫بالرغم من ّ‬
‫الصراع في المسرحية ّ‬
‫ّ‬

‫الخفية في غفلة منه ‪ ,‬وعدم إعالمه بها حتّى ال‬


‫ّ‬ ‫المغيب الذي تجري األحداث و ّ‬
‫الصراعات‬ ‫ّ‬ ‫للشعب‬
‫ّ‬

‫الصراعات دون إقحام ّ‬


‫الشعب فيها ‪ ,‬رّبما سبب لعدم‬ ‫يتصدى لمثل هذه ّ‬
‫ّ‬ ‫يحاربها ‪ ,‬ولكن وجود من‬

‫الشعب ليحتضنها '' ‪ ,‬فلو علإم زوج‬


‫الشهيد العربي بن مهيدي ‪ '' :‬ألقوا بالثورة إلى ّ‬
‫تفاقمها ‪ ,‬فقد قال ّ‬

‫ياقوت بالتهديدات التي تلّقتها من الجايح وبرنية لحمل بندقية وأفرغها في رأس كل منها باعتباره رجل‬

‫طاهرة‬
‫ويدنس األرض ال ّ‬
‫سيتهور ّ‬
‫ّ‬ ‫ريف يخاف على عرضه وشرفه ويفديه بروحه ‪ ,‬وبالتالي كان‬

‫السالح‬
‫بقوة ّ‬
‫فجرها وأخذ استقالله وحرّيته عنوة ّ‬
‫الشعب الثورة ّ‬
‫الشهداء فحين احتضن ّ‬
‫المشبعة بدماء ّ‬

‫وسفكت دماء كثيرة بريئة ‪.‬‬

‫الصراع في المسرحية فقد رمز بها الكاتب‬


‫كل ّ‬‫أما بالنسبة لشخصية نزيهة فهي نزيهة وبريئة من ّ‬
‫ّ‬

‫الصراعات الماضية التي خاضها أجداده وهذا م‬


‫كل ّ‬‫إلى الجيل الجديد جيل االستقالل البعيد عن ّ‬

‫الرحيل لعيش الحياة‬


‫الرحيل إلى البيوت الجديدة وكثرة سؤالها عن موعد هذا ّ‬
‫خالل استعجالها على ّ‬

‫الجديدة ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫السعيد على الجايح وانقاذ ياقوت من قبضته ( أي انتصار إرادة‬


‫وتنتهي المسرحية بانتصار ّ‬

‫النكراء وانتشار‬
‫جدته مخذوالن تفوح منهما رائحة الهزيمة ّ‬
‫الحرية على االستعمار ) حيث انسحب مع ّ‬
‫ّ‬

‫الفرحة بين ياقوت وباقي أفراد العائلة ‪ ,‬يقول مفدي زكرياء في إلياذته ‪:‬‬

‫فطاولها ر ّخنا فانتصرنا‬ ‫" وديغول ألقى بيادقه‬

‫‪1‬‬
‫وخاف الحواجز تحمي الغالة‪ ,‬وتبكي فرنسا لها ‪ ..‬فضحكنا ‪" ..‬‬

‫الحق‬
‫ّ‬ ‫ظلم واالستغالل وبزوغ شمس‬
‫الحرية على االستعمار ‪ ,‬وانقشاع غيوم ال ّ‬
‫وبالتالي انتصار إرادة ّ‬

‫على المكان ‪.‬‬

‫توحد مشاعر وأحاسيس أفراد الوطن الواحد الذي‬


‫النظر إلى التّاريخ الماضي كذكريات مشتركة ّ‬
‫إن ّ‬‫ّ‬

‫السعيد الوارد في المسرحية كالتالي ‪:‬‬


‫وهويته ‪ ,‬وقول ّ‬
‫تمثّل ذاكرته ّ‬

‫أتخيل كما لو‬


‫إنني ّ‬
‫يابنيتي في هذا المكان ما لم يقاسه أحد من قبلنا ‪ّ ,‬‬
‫السعيد ‪ :‬لقد قاسينا كثي ار ّ‬
‫"( ّ‬

‫الروح إلى خالقها ‪ ,‬أو حريقا‬


‫كان يقع ذلك اآلن ‪ ,‬وفي هذا المكان بال ّذات جثثا متناثرة ومسجاة فقدت ّ‬

‫بالرصاص مثل المطر ‪ ,‬فيسقطون‬


‫السماء ‪ ..‬نساء وأطفاال وشيوخا يزخون ّ‬
‫ألسنة لهبه تبلغ عنان ّ‬
‫النفس مشاعر الحزن‬
‫إن هذا المكان لزاخر بال ّذكريات األليمة التي توقظ في ّ‬
‫بالدماء‪ّ .‬‬
‫مضرجين ّ‬
‫ّ‬

‫والكآبة ‪ ,‬وعندما أحول نظري ‪ ,‬بل وكل حواسي إلى ذلك المسكن الجديد األبيض أو إلى مئذنة‬

‫تتحول ذكريات الحزن إلى ذكريات جميلة لذيذة ممتعة ‪,‬‬


‫المسجد التي ينبعث منها كلمة ( هللا أكبر ) ّ‬

‫نتذكره‬
‫ّ‬ ‫يعتز بها كل من عاش وناضل من أجل هذا المكان الذي صار رم از نحاول أن‬
‫أعتز بها كما ّ‬
‫ّ‬

‫‪ :‬مفدي زكرياء ‪ ,‬إلياذة الجزائر ‪,‬المعهد التربوي الوطني ‪ ,‬الجزائر ‪ ,‬ص‪. 66‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪95‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫الدار الجميلة ‪ ,‬التي َحلم بها من‬


‫ألنه السبب في أننا نرحل إلى تلك ّ‬
‫يوما بعد يوم ‪ .‬أتدرين لماذا ؟ ‪ّ ,‬‬
‫‪1‬‬
‫يابنيتي ‪".‬‬
‫سبقونا ولم يسكنوها‪ ..‬لكن هللا رزقهم دا ار أفضل منها ّ‬

‫مجرد تسجيل للحوادث أو معلم تذكاري على‬


‫األمة ‪ ,‬وال يعتبر ّ‬
‫أن التّاريخ جزء من حياة أفراد ّ‬
‫مفاده ّ‬

‫ما مضى ‪ّ ,‬إنما هو وسيلة تكشف حاضرهم لتبني مستقبلهم الذي طالما حلم به األجداد ألحفادهم في‬

‫ضحوا بأنفسهم من أجل حرّيته ‪.‬‬


‫وطن ّ‬

‫زمان ومكان المسرحية ‪:‬‬

‫قسم الكاتب هذا‬ ‫حدد الكاتب زمن المسرحية بيوم واحد ‪ ,‬إذ تجري أحداثها في وضح ّ‬
‫النهار وقد ّ‬ ‫ّ‬

‫أما الفصل الثالث و األخير فيحتوي‬


‫الوقت على ثالثة فصول ‪ ,‬يحتوي ّأول فصلين على ثالثة مشاهد ّ‬

‫على مشهدين فقط ‪.‬‬

‫الدوار في ذلك الوقت حيث‬


‫(الصباح) هو غياب جميع رجال ّ‬
‫وسبب اختيار هذا الوقت من اليوم ّ‬

‫يكونون في الحقول وبالتالي ال يستطيع أحد رؤية الجايح وهو يتسلل إلى بيت ياقوت لينّفذ ّ‬
‫مهمته‬

‫الدنيئة دون أن ينقذها منه أحد ‪ ,‬إذ قال في المسرحية ‪:‬‬


‫ّ‬

‫الرجال ‪.‬‬
‫"( ياقوت ‪ :‬إن لم تخرج ناديت ّ‬

‫الرجال !!‪ ..‬أهؤالء رجال يا ياقوت !‬


‫الجايح ‪( :‬في شبه سخرية) ّ‬

‫(تدوي قهقهته المزعجة ‪ ,‬ثم ال يلبث أن يكتمها وهو ينظر حواليه خشية أن يسمعه أحد)‬
‫ّ‬

‫السابق ‪ ,‬ص‪.79‬‬
‫‪ :‬أحمد بودشيشة ‪ ,‬المصدر ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪96‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫ّإنهم في الحقل ‪ ..‬مهما صرخت فلن يسمعك أحد منهم ‪ ..‬كّلهم منكبون على األرض ‪. 1").‬‬

‫للسعيد من الحقل ‪ ,‬لما علم بأمر الجايح وذهب إلنقاذ ياقوت ونستدل على‬
‫الرجوع المفاجئ ّ‬
‫ولوال ّ‬

‫هذا الكالم بهذا المقتطف من المسرحية ‪:‬‬

‫"( نزيهة ‪ :‬أبي عاد من الحقل ‪ ,‬إنه قادم إلى هنا يا أمي ‪.‬‬

‫زعرة ‪( :‬وهي تبحلق في ابنتها مستغربة) ليس من عادته العودة في مثل هذا الوقت ! )‬

‫الناس ؟‬
‫قل لي ما الذي أتى بك باك ار يا ولد ّ‬
‫( زعرة ‪ ... :‬إذن ّ‬

‫المتصبب على جبينه براحة يده ) شعرت ببعض التّعب‬


‫ّ‬ ‫السعيد ‪ ( :‬فيما هو يسمح العرق‬
‫ّ‬

‫المفاجئ)"‪. 2‬‬

‫وجدته مخذوالن غارقان في‬


‫طته وواجه كذبه وانتصر عليه ‪ ,‬لينسحب الجايح ّ‬
‫وبالتالي كشف خ ّ‬

‫النكراء ‪.‬‬
‫الهزيمة ّ‬

‫إن المكان الذي تجري فيه األحداث قد ّ‬


‫حدده الكاتب في كوخ مسقوف باّلديس والدفلى ‪ ,‬تحيط به‬ ‫ّ‬

‫أن هذا المكان كان عام ار يوما وأصبح اآلن عبارة عن أطالل ‪ ,‬ينبثق‬
‫تدل على ّ‬
‫بعض الخرائب التي ّ‬

‫النافذة مرفوعة كّلتها ‪ ,‬كما توجد أغراض وأثاث‬


‫كوة صغيرة تشبه ّ‬
‫نور الشمس داخل الكوخ من خالل ّ‬

‫للرحيل ‪ ,‬وحصيرة قديمة من الحلفاء مفترشة في صدر الكوخ ‪.‬‬


‫تدل على استعداد أصحابها ّ‬
‫مجموعة ّ‬

‫‪ :‬أحمد بودشيشة ‪ ,‬المصدر السابق ‪ ,‬ص ‪. 92‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ :‬المصدر نفسه ‪ ,‬ص‪.78‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪97‬‬
‫سيكولوجية الشخصية المسرحية‬ ‫الفصل الثّاني‬

‫وهذا المنظر ال يختلف كثي ار باختالف مكان تواجد الشخصيات فيه إذ حصرها الكاتب بين الكوخ‬

‫الذي تسكنه ياقوت والكوخ الذي تسكنه زعرة ‪ ,‬وكالهما مصنوع بنفس البساطة والوسائل القديمة ‪,‬‬

‫وهذا لسهولة تغيير الديكور الخاص بكل مشهد أثناء تمثيل المسرحية ‪.‬‬

‫طياتها‬
‫إن الوصف المكاني الذي جاء في المسرحية يوحي بسمات اجتماعية ونفسية تحمل في ّ‬
‫ّ‬

‫الدالة على بساطة العيشة‬


‫لسكانه ‪ ,‬وأبرز المفردات ّ‬
‫البؤس والفقر الّلذان يعكسان الحالة االجتماعية ّ‬

‫بالديس والحلفاء ‪ ,‬حصيرة قديمة من الحلفاء ‪ ,‬غداء الكسرة والّلبن ‪ ,‬هذا‬


‫التقليدية ؛ كوخ مسقوف ّ‬

‫النفسية فمفردات الخرائب ‪ ,‬األطالل ‪ ,‬تعكس صورة ذلك‬


‫الناحية ّ‬
‫أما من ّ‬
‫الناحية االجتماعية ّ‬
‫من ّ‬

‫المضرج بدماء من كانوا يسكنونه وبالتالي‬


‫ّ‬ ‫المكان الموحش الذي بات معلما لذكريات الماضي األليم‬

‫فحالة الحزن واألسى على من كانوا أمام أعينهم وأصبح القلب مثواهم وحالة الحقد والغضب على من‬

‫السكان وال تفارقهم ‪.‬‬


‫تخيم على نفسي ّ‬
‫كانوا سببا لفقدانهم ّ‬

‫ويبقى السؤال قائما‪ ,‬لماذا ال توجد هناك أعمال مسرحية نفسية عربية عموما وباألخص جزائرية؟ ‪,‬‬

‫الفن! ‪ .‬ما حدود إمكانية‬


‫جادة في هذا ّ‬
‫على الرغم من وجود أعمدة جزائرية كثيرة كانت لها مساهمات ّ‬

‫االستفادة من علم النفس؟ ‪ ,‬وهل يمكن للمسرح الجزائري أن يستفيد من الدراسات النفسية في معالجة‬

‫قضايا مجتمعنا ؟‬

‫‪98‬‬
‫الخاتمة‬

‫الراقي ليس مجرد‬


‫الفن ّ‬
‫أن هذا ّ‬
‫بعد غوصنا في أعماق المسرح واستكشافنا لجوانبه المختلفة نجد ّ‬

‫وسيلة ترفيهية‪ ،‬وانما يتخطى دوره ذلك‪ ,‬فهو يعتمد في جوهره على حصيلة المعرفة في شمولها‬

‫العام‪ ،‬وعلى قدرة اإلنسان على االستكشاف والتعجب والتأمل ‪ ,‬إذ يلبي احتياجات اإلنسان الجمالية‬

‫والذهنية فاألحداث المعروضة من قبل الممثلين سواء بطريقة واقعية أو مصطنعة ‪ ,‬وفقا لما نريد‬

‫إيصاله أو ما نحاول اإلقناع به من خالل صدق الخيال‪ ,‬تنظم في جملتها عرضا من الوجود‬

‫اإلنساني الذي يسمح لكل واحد ألن يسائل صورته الخاصة‪ ,‬وتجعله يفكر من خالل هذه المرآة‬

‫أهمها ‪:‬‬
‫العاكسة‪ .‬استطعنا أن نحصر مجموعة من االستنتاجات نذكر ّ‬

‫أن المسرح شكل من أشكال الفنون األدبية الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالجمهور‪ ,‬إذ يترجم فيه‬
‫‪ّ o‬‬

‫نص المسرحية المكتوب إلى عرض تمثيلي على خشبة المسرح‪ ,‬بالتعاون مع المخرج‬
‫الممثلون ّ‬

‫أن المسرحية ليست للقراءة فحسب بل تكتب‬


‫وهيكل المسرح العام (ديكور‪ ,‬إضاءة‪ ,)...,‬أي ّ‬

‫يميزها عن الفنون األدبية األخرى‪ ,‬كما تتناول ّ‬


‫قصة أو‬ ‫فن أدائي و هذا ما ّ‬
‫للمشاهدة باعتبارها ّ‬

‫معينة أو مشكلة من المشكالت االجتماعية أو السياسية في مواضيعها معتمدة على‬


‫حادثة ّ‬

‫الحوار في تقديمها‪.‬‬

‫بالكل ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ o‬أن المسرح والمسرحية وجهان لعملة واحدة ‪ ,‬و العالقة بينهما عالقة الجزء‬

‫تطوره وتبلوره عند الغرب‬


‫فن المسرح ّإال بعد مرور سنوات طويلة من ّ‬
‫يتعرفوا على ّ‬
‫أن العرب لم ّ‬
‫‪ّ o‬‬

‫رغم وجود بوادره في التراث العربي القديم و مرجع ذلك شغفهم بشعرهم العربي البليغ ‪ ,‬ورغم‬

‫ذلك استطاعوا من تبني المسرح و بلورته على الطريقة العربية بعد اجتيازهم مراحل الترجمة‬

‫~ ‪~ 99‬‬
‫الخاتمة‬

‫و االقتباس و المحاكاة للمسرح الغربي ‪ ,‬كما برز العديد من المؤلفين لهذا الفن الذين أسسوا‬

‫كيان المسرح العربي و نهضوا به لمجابهة المسرح العالمي‪.‬‬

‫أن للمسرح في الجزائر جذور تمتد إلى أعماق التاريخ ‪ ,‬كما كانت له بدايات أولى تجّلت‬
‫ّ‬ ‫‪o‬‬

‫في بعض التقاليد الشعبية ‪ ,‬ثم تبلورت بعد ذلك إلى فن مسرحي قائم بذاته و ذلك بوقوف بعض‬

‫الفن و إرخاء دعائمه ‪ ,‬فقد كان المسرح الجزائري مسرحا شعبيا‬


‫الرواد و قيامهم بتأسيس هذا ّ‬
‫ّ‬

‫فعالة في ترويج الثورة و نشر الوعي بين األهالي من‬


‫ارتجاليا قريبا إلى روح شعبه ما جعله وسيلة ّ‬

‫خالل مواضيعه المختلفة و صموده ساهم في البناء الثقافي و األدبي للجزائر إذ خطا نحو‬

‫النمو بعد ذلك ليحتل مكانة عربية و عالمية في الساحة الفنية و األدبية ‪.‬‬
‫االزدهار و ّ‬

‫الروماني‬
‫أن النشأة االوروبية للمسرح في تبلورت من خالل العمل المسرحي اإلغريقي و ّ‬
‫ّ‬ ‫‪o‬‬

‫األولين ‪.‬‬
‫و حذت مبادئ ّ‬

‫أن سيكولوجية األدب مجال يبحث في عمق و طبيعة العالقة بين أثر مضمون العمل‬
‫ّ‬ ‫‪o‬‬

‫خاصة بالعقل الباطن‬


‫مذكرات ّ‬
‫األدبي و الفني و العالم الباطن للذات الكاتبة ‪ ,‬باعتبار هذا العمل ّ‬

‫الالشعورية لذاته ‪.‬‬


‫للكاتب‪ ,‬تكشف الخبايا ّ‬

‫الشخصيات ‪,‬‬
‫النفسي يختلف عن المسرح التقليدي من خالل نقل الحدث إلى باطن ّ‬
‫أن المسرح ّ‬
‫‪ّ o‬‬

‫سوي فيه عاهة‬


‫وما يجعل االختالف بار از أكثر هو جعل هذا الباطن أو عمق الشخصية غير ّ‬

‫نفسية ‪.‬‬

‫~ ‪~ 100‬‬
‫الخاتمة‬

‫ملما بكل ما يتعّلق‬


‫وفن المسرح إذا كان ّ‬
‫النفس ّ‬
‫يعد بمثابة همزة وصل بين علم ّ‬
‫أن الممثّل ّ‬
‫‪ّ o‬‬

‫النفس‬
‫أسست لهذه العالقة أي عالقة علم ّ‬
‫بالدور الموجه إليه ‪ ,‬و ال ننسى ال ّذات الكاتبة التي ّ‬
‫ّ‬

‫الفن المسرحي ‪ ,‬والتي تظهر من خالل الممثلين ‪.‬‬


‫اإلبداعي و ّ‬

‫يسمى‬
‫لتشكل لنا ما ّ‬
‫الصفات الجسمية والعقلية والوجدانية تجتمع وتتفاعل فيما بينها ّ‬
‫‪ o‬أن ّ‬

‫تكمل بعضها وتجعل صاحبها يتفاعل هو اآلخر مع‬


‫الصفات أو العناصر ّ‬
‫بالشخصية فهذه ّ‬

‫يميز شخصية عن أخرى ‪.‬‬


‫بيئته االجتماعية و هذا ما ّ‬

‫الشخصية و سلوكاتها وعواطفها وأفكارها‬


‫يحدد ميول ّ‬
‫للشخصية ّ‬
‫المادي واالجتماعي ّ‬
‫‪ o‬أ ّن البعد ّ‬

‫النفسي‬
‫أن البعد ّ‬
‫ونظرتها إلى األشياء وعالقتها ببيئتها وبالمحيطين بها ‪ ,‬هذا ما يجعلنا نقول ّ‬

‫يركز على أعماق‬


‫ألنه ّ‬
‫أهمية هذا البعد ّ‬
‫يؤكد على ّ‬
‫السابقين ‪ ,‬وبالتالي ّ‬
‫هو ثمرة البعدين ّ‬

‫الشخصية ‪.‬‬
‫ّ‬

‫النفسية لتلك‬
‫ومعبر عن التركيبة ّ‬
‫أن اختيار أحمد بودشيشة ألسماء شخصياته مناسب ّ‬
‫‪ّ o‬‬

‫الشخصيات ‪ ,‬وكذلك مكان المسرحية مناسب تماما ألحداثها ‪.‬‬

‫النفسي للشخصية البطلة‪.‬‬


‫الصراع ّ‬
‫عما يريد بتجسيده داخل ّ‬
‫أن الكاتب أحسن التعبير ّ‬
‫ّ‬ ‫‪o‬‬

‫وختاماً أسأل هللا العلي العظيم أن يجعل هذا البحث بذرة تضاف إلى حقول البحث والدراسات‬

‫الخاصة بمسرحنا الجزائري ‪ .‬وقد كان هذا جهدنا‪ ,‬نرجو ّ‬


‫أننا قد وفقنا في اإللمام بالعناصر التي‬

‫يقتضيها هذا البحث ونكون قد فتحنا المجال آلفاق بعيدة المدى لمثل هذا النوع من الدراسات‪.‬‬

‫~ ‪~ 101‬‬
‫الخاتمة‬

‫وفي النهاية نقترح إدراج تخصص في مجال المسرح بقسم األدب العربي في جامعتنا حتى‬

‫نثري البيئة الثقافية واالجتماعية والتاريخية وهذا ليس غريبا عن جغرافيتنا قصدت المسارح‬

‫الرومانية ( تيمقاد ‪ ,‬جميلة ‪ ,‬قالمة ) ونفتح الطريق إلى األجيال الجديدة القادمة ونحافظ على تراثنا‬

‫المسرحي ‪.‬‬

‫~ ‪~ 102‬‬
‫الملحق‬

‫التعريف بالكاتب ‪:‬‬

‫هو أحمد بودشيشة ولد عام ‪1951‬م بعين مليلة ‪ ,‬زاول دراسته بمدينة قسنطينة ‪ ,‬اقتحم هذا الكاتب‬

‫المعاصر مجال القصة والرواية والمسرح ‪ .‬ومن بين مؤلفاته نذكر ‪:‬‬

‫في القصة ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫آدم يهبط إلى المدينة ( مجموعة قصصية ) ط‪ 1984 ,1‬المؤسسة الوطنية للكتاب ‪.‬‬

‫القضبان الذهبية ( قصة لألطفال ) ط‪ 1986 ,1‬المؤسسة الوطنية للكتاب ‪.‬‬

‫شفرة حالقة وعلبة كبريت (مجوعة قصصية) ط‪ 1989, 1‬المؤسسة الوطنية للكتاب ‪.‬‬

‫في المسرح ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وفاة الحي الميت ( مسرحيتان ) ط‪ 1984, 1‬المؤسسة الوطنية للكتاب ‪.‬‬

‫الصعود إلى السقيفة (خمس مسرحيات ) ط‪ 1984, 1‬دار البعث قسنطينة ‪.‬‬

‫المغص‪-‬الّلعبة (مسرحيتان ) ط‪ 1985, 1‬منشورات مجّلة آمال ‪.‬‬

‫المصيدة (مسرحية للفتيان ) ط‪ 1986, 1‬المؤسسة الوطنية للكتاب ‪.‬‬

‫البواب (خمس مسرحيات) ط‪ 1986, 1‬المؤسسة الوطنية للكتاب ‪.‬‬

‫محفظة نجيب (مسرحية للفتيان ) ط‪ 1986, 1‬المؤسسة الوطنية للكتاب ‪.‬‬

‫المخفر ‪,‬ط‪ 2000, 1‬شركة دار الهدى ‪.‬‬

‫ياقوت والخفاش ‪ ,‬ط‪ 2000 , 1‬شركة دار الهدى ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫الملحق‬

‫الرواية ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫التراب األخرس ج ‪. 1‬‬

‫مخطوطات تحت الطبع ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫المجاهد الصغير ( مسرحية للفتيان ) ‪.‬‬

‫عطب ثغرة وحب (مسرحية) ‪.‬‬

‫قطعة قماش بيضاء (مسرحية) ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫الملحق‬

‫ملخص المسرحية ‪:‬‬

‫جراء‬
‫تدور أحداث المسرحية حول البطلة ياقوت وما تعرضها من ضغوطات نفسية طيلة العمل ّ‬

‫تخص ابنها فاتح ‪ ,‬مع العلم ّأنها لم تنجب بعده طيلة عشرين سنة ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مشكلة‬

‫بأن ما تعانيه من غثيان‬


‫سماة برنية بإدخال الوساوس إلى عقل ياقوت ّ‬
‫الم ّ‬
‫حيث تقوم العجوز ُ‬

‫تفشى في جسمها ولهذا هي دائمة التوتّر‬


‫الراهن ليس أعراض وحم واّنما مرض ّ‬
‫واغماء في الوقت ّ‬

‫ويتكون ‪ ,‬وهذا إلنجاح المؤامرة التي تحيكها مع‬


‫ّ‬ ‫بأن ما في أحشائها جنين ينمو‬
‫تشك ّ‬
‫والقلق ‪ ,‬إذ ّ‬

‫حبا كبي ار في‬


‫أحبها ّ‬
‫ألنه ّ‬
‫حفيدها الجايح من أجل أخذ ياقوت من زوجها لتهرب معه إلى فرنسا ‪ّ ,‬‬

‫بأن فاتح ابنها منه وليس‬


‫مدعيا ّ‬
‫السنوات ‪ ,‬وقد جاء السترجاعها ّ‬
‫حبه لها مع مضي ّ‬
‫الماضي وازداد ّ‬

‫تمكن منها ليلة عرسها وهي فاقدة‬


‫بأنه قد ّ‬
‫جدته برنية ّ‬
‫من زوجها ‪ ,‬كما يحاول إقناعها بمساعدة ّ‬

‫مستدال على ذلك‬


‫ّ‬ ‫الدوار إلنقاذها ‪,‬‬
‫للوعي بعد انفجار القنبلة أمام غرفتها قبل وصول زوجها ورجال ّ‬

‫أن زوجها عقيم وفاتح ابنه في قوله ‪:‬‬


‫بأنها لم تنجب طيلة العشرين سنة ؛ ما يعني ّ‬
‫ّ‬

‫لما حاصر الجنود الفرنسيون ّ‬


‫الدوار‪ ,‬وشرعوا في قصفه بمدافعهم‪ ..‬كان ذلك اليوم هو‬ ‫"(الجايح ‪ّ :‬‬

‫وفضلته علي ‪ .‬فكان من‬


‫يوم عرسك‪ ..‬وكان يومها مأتمي‪ ..‬نعم‪ ..‬كنت تُّزفين إلى ذلك الذي اخترته ّ‬
‫ّ‬
‫دوي المدافع كنت أتسّلل إليك مخاط ار بنفسي وجازفا بها‪ ..‬بينما كان‬
‫الطبيعي أن أنتقم لنفسي ‪ .‬فعلى ّ‬

‫الناس يهربون و يلجأون إلى المخابئ حذر الموت ‪ ..‬كنت أنا أقابل القصف بصدر عار‪ ..‬كان ذلك‬
‫ّ‬

‫مني ‪ ..‬عروستي المتواطئة مع أعدائي‬


‫من أجلك ‪ ..‬كنت أروم الّلحاق بعروستي التي اختطفت ّ‬

‫مستسلمة لهم ‪ ..‬بل قبلت أن تكون عروسا ألحدهم بطواعية ‪ ..‬فكان يجدر بي أن أتخّلص من‬

‫ولما اقتربت من الوصول إليك ‪ ,‬لمحت ابن‬


‫أعدائي ‪ ..‬وكذلك من خائنتي التي هي أنت (ياقوت) ‪ّ ,‬‬

‫‪105‬‬
‫الملحق‬

‫عمومتي ‪(..‬مسعودا) خارجا من عندك هاربا في ليلة عرسه تاركا عروسه الجميلة وحدها تتلّقى‬

‫عناقيد القنابل والقذائف ‪ .‬كان آنئذ الصباح قد أخذ يتعالى مختلطا بالعويل والبكاء واألنين ‪ ,‬وصار‬

‫الداخل ‪ .‬قد‬
‫كل واحد يصيح (نفسي نفسي) ‪ ..‬وفجأة ُنسف باب غرفتك الذي كان موصدا بمتاريس م ّ‬
‫ّ‬

‫تكون هذه فكرته أعرفه جبانا ‪.‬‬

‫(يمسح لعابه)‬

‫قلت ‪ ,‬فنسف بابك بقذفة مدفع ‪ ..‬في تلك الّلحظة أُغمي عليك ‪ ..‬فلم تفطني لما حدث لك بعد‬

‫ذلك ‪.‬‬

‫طي وجهها من هول ما تسمعه منه) هذا كذب ‪ ..‬هذا كذب‪..‬‬


‫ياقوت‪( :‬تغ ّ‬

‫تمكنت منك ‪.‬‬


‫الجايح‪ :‬بل الحقيقة ا ّلناصعة يا بنت عمومتي ‪ ,‬لقد ّ‬

‫ياقوت‪( :‬في عويل مقزز) ماذا فعلت يا مجنون ؟‬

‫الجايح ‪ :‬ما يجب أن يقوم به حبيب تجاه حبيبته ‪ ,‬كنت مجب ار على التدخل حتّى ال تضيع مني‬

‫‪1‬‬
‫تنكرت لي‪"(.‬‬
‫خطيبتي ‪ ,‬كان جدي ار بي أن أترك عالمة تعرفني إليها في حالة ما إذا ّ‬

‫دوار في حال ما رفضت الهروب معه‪.‬‬


‫السر لزوجها وأمام أهل ال ّ‬
‫حيث يقوم بتهديدها بكشف هذا ّ‬

‫الشك من عقلها ‪ ,‬ومساعدتها على‬


‫ّ‬ ‫كما نجد زعرة تساند أختها ياقوت وتحاول تأكيد وحمها وازالة‬

‫النفسي والتوتّر الذي سيطر عليها ‪ .‬ليكون بذلك ّ‬


‫السعيد زوج زعرة هو المنقذ بعد‬ ‫اجتياز االضطراب ّ‬

‫أن تروي له ابنته نزيهة عن الغول األحمر الذي رأته بالقرب من بيت خالتها ياقوت الذي هو نفسه‬

‫أن الجايح قد عاد إذ‬


‫شكه في ّ‬
‫‪,‬ليتأكد ّ‬
‫ّ‬ ‫أمه وباقي أفراد العائلة‬
‫الرجل ال ّذي التقى به فاتح وسأله عن ّ‬
‫ّ‬

‫‪ :‬أحمد بودشيشة ‪ ,‬ياقوت والخفاش ‪ ,‬ص‪. 97‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪106‬‬
‫الملحق‬

‫الدوار ‪ ,‬ليسرع إلى بيت ياقوت لمواجهته فيكشف الحقيقة‬


‫طنا له منذ أن وطأت قدمه أرض ّ‬
‫كان متف ّ‬

‫جدته برنية ويبطل ّادعاءاته الكاذبة ‪ ,‬بدليل ّأنه كان دائما له بالمرصاد و ّأنه قد رآه يطير‬
‫أمامه وأمام ّ‬

‫بعيدا عن غرفة ياقوت قبل أن يدخلها اثر انفجار القنبلة ‪ ,‬فال يجد الجايح مخرجا ّإال االنسحاب في‬

‫جدته االستسالم واإلقرار بالحقيقة ‪.‬‬


‫هدوء خوفا على حياته رغم رفض ّ‬

‫بالسعادة واتّفاق ياقوت وزعرة على االحتفال بثالثة أعراس أال وهي رحيلهم من‬
‫وتنتهي المسرحية ّ‬

‫تتمناه وأخي ار ُعرس فاتح من‬


‫األكواخ إلى البيوت الجديدة في القرية ‪ ,‬والدة المولود الجديد الذي كانت ّ‬

‫نزيهة ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ .1‬المصادر‪:‬‬
‫أحمد بودشيشة ‪ ,‬ياقوت والخفاش ‪ ,‬دار الهدى‪,‬عين مليلة ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫مفدي زكرياء ‪,‬إلياذة الجزائر ‪ ,‬المعهد التربوي الوطني ‪ ,‬الجزائر ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪ .2‬المعاجم والموسوعات ‪:‬‬


‫ابن منظور ‪ ,‬لسان العرب ‪ ,‬مادة س ر ح ‪ ,‬م‪ , 7‬دار صادر‪,‬ط‪ , 1‬بيروت ‪.‬‬ ‫‪)1‬‬

‫المنجد في اللغة واألعالم ‪ ,‬دار المشرق ‪ ,‬بيروت ‪,‬ط‪. 1969, 20‬‬ ‫‪)2‬‬

‫انطوان نعمة وآخرون ‪ ,‬المنجد في اللغة العربية المعاصرة ‪ ,‬دار المشرق‪ ,‬بيروت‪. 2007,‬‬ ‫‪)3‬‬

‫جبران مسعود‪ ،‬الرائد معجم لغوي عصري‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2001 ،8‬‬ ‫‪)4‬‬

‫النفسية انجليزي‪-‬عربي ‪ ,‬دار النهضة العربية‬


‫لطفي الشربيني ‪ ,‬موسوعة شرح المصطلحات ّ‬ ‫‪)5‬‬

‫‪ ,‬بيروت‪,‬ط‪. 2001, 1‬‬

‫محمد محمد داود‪ ،‬معجم التعبير االصطالحي في العربية المعاصرة ‪,‬دار غريب‪ ,‬القاهرة ‪,‬‬
‫ّ‬ ‫‪)6‬‬

‫‪. 2003‬‬

‫محمد مياسا ‪ ,‬موسوعة علم النفس ‪ ,‬دار الجيل ‪,‬بيروت ‪,‬ط‪. 1997, 1‬‬ ‫‪)7‬‬

‫موسوعة علم النفس للتربية و التعليم ‪. 2008-2009,creps international ,‬‬ ‫‪)8‬‬

‫النظريات األدبية ‪ ,‬لونجمان للنشر ‪ ,‬القاهرة ‪,‬ط‪. 2003, 1‬‬


‫نبيل راغب ‪ ,‬موسوعة ّ‬ ‫‪)9‬‬

‫‪ )10‬وليد البكري ‪ ,‬موسوعة أعالم المسرح والمصطلحات المسرحية ‪ ,‬دار أسامة للنشر ‪,‬‬

‫األردن‪-‬عمان ‪. 2003,‬‬

‫‪108‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ .3‬المراجع ‪:‬‬
‫السردي والمسرحي‪ ,‬دار الراية‪ ,‬عمان‪,‬ط‪. 2004, 1‬‬
‫الكبير الداديسي‪,‬تحليل الخطاب ّ‬ ‫‪)1‬‬

‫الكساسبة رضا عبد الغني‪ ,‬التشكيل الدرامي في مسرح شوقي وعالقته بشعره الغنائي‪ ,‬دار‬ ‫‪)2‬‬

‫الوفاء لدنيا الطباعة والنشر‪ ,‬اإلسكندرية‪ ,‬مصر‪,‬ط‪. 2004 ,1‬‬

‫أمير ابراهيم القرشي ‪ ,‬المناهج والمدخل الد ارمي ‪ ,‬أميرة للطباعة ‪ ,‬ط‪.2001 , 1‬‬ ‫‪)3‬‬

‫إدريس قرقوة‪ ،‬التراث في المسرح الجزائري‪ ،‬مكتبة اإلرشاد للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪)4‬‬

‫الجزائر‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪.2009 1‬‬

‫بام بالن ‪ ,‬نظريات الشخصية ‪ ,‬تر عالء الدين كفافي وآخرون ‪ ,‬دار الفكر ‪.‬‬ ‫‪)5‬‬

‫حلمي بدير‪ ,‬فن المسرح‪ ,‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ‪,‬اإلسكندرية‪ ,‬ط‪. 2003, 1‬‬ ‫‪)6‬‬

‫شريبط أحمد شريبط ‪ ,‬تطور البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة ‪ ,‬دار القصبة‬ ‫‪)7‬‬

‫للنشر‪. 2009 ,‬‬

‫شكري عد الوهاب‪ ،‬النص المسرحي‪ ،‬مؤسسة حورس الدولية للنشر والتوزيع اإلسكندرية‪،‬‬ ‫‪)8‬‬

‫‪.2007‬‬

‫شكري عبد الوهاب‪ ,‬المكان المسرحي‪ ,‬دار فلور للنشر والتوزيع‪. 2002,‬‬ ‫‪)9‬‬

‫‪ )10‬شغاف خيون الشمري‪ ,‬سايكولوجيا اإلبداع الفني في العرض المسرحي المعاصر‪,‬دار‬

‫الكندي للنشر والتوزيع‪ ,‬عمان‪ ,‬ط‪. 2014, 1‬‬

‫‪ )11‬صالح لمباركية‪ ،‬المسرح في الجزائر‪ ،‬دار بهاء الدين للنشر والتوزيع‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬الجزائر‪،‬‬

‫ط‪.2007 ،2‬‬

‫‪109‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ )12‬عبد هللا الركيبي‪ ،‬تطور النشر الج ازئري الحديث‪ ،‬دار الكتاب العربي للطباعة والنشر‪،‬‬

‫الجزائر‪.2009 ،‬‬

‫الراعي‪ ,‬المسرح في الوطن العربي ‪ ,‬عالم المعرفة ‪ ,‬الكويت ‪,‬ط‪.pdf, 2‬‬


‫‪ )13‬علي ّ‬

‫قيس عمر محمد ‪ ,‬البنية الحوارية في النص المسرحي ‪ ,‬دار غيداء للنشر والتوزيع ‪ ,‬عمان‬ ‫‪)14‬‬

‫‪,‬ط‪. 2012 , 1‬‬

‫‪ )15‬كمال الدين عيد ‪ ,‬أعالم ومصطلحات المسرح األوروبي‪,‬دار الوفاء ‪ ,‬اإلسكندرية ‪,‬ط‪, 1‬‬

‫‪. 2006‬‬

‫لينا نبيل أبو مغلي ‪ ,‬الدراما والمسرح في التعليم ‪ ,‬دار الراية ‪ ,‬عمان ‪ ,‬ط‪. 2008 , 1‬‬ ‫‪)16‬‬

‫مأمون صالح ‪ ,‬الشخصية ‪ ,‬دار أسامة ‪.‬‬ ‫‪)17‬‬

‫‪ )18‬محمد السندباد ‪,‬الخطاب النهضوي في المسرح العربي الحديث‪,‬عالم الكتب الحديثة‪ ,‬األردن‪,‬‬

‫‪. 2013‬‬

‫‪ )19‬محمد زغلول‪ ,‬المسرح والمجتمع ‪ ,‬منشأة المعارف ‪ ,‬اإلسكندرية‪.‬‬

‫‪ )20‬محمد زكي العشماوي‪ ,‬دراسات في النقد المسرحي واألدب المقارن‪ ,‬دار المعرفة الجامعية‪,‬‬

‫‪. 1999‬‬

‫‪ )21‬محمد غنيمي هالل‪ ،‬األدب المقارن‪ ،‬نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ‪.‬‬

‫محمد غنيمي هالل‪ ،‬النقد األدبي الحديث‪ ،‬نهضة مصر للطباعة والتوزيع‪ ،‬مصر‪.2001،‬‬ ‫‪)22‬‬

‫‪ )23‬محمد عناني ‪ ,‬المسرح والشعر ‪ ,‬دار غريب ‪ ,‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ )24‬محمد مندور‪ ،‬األدب وفنونه ‪ ،‬نهضة مصر للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪. 2002 , 2‬‬

‫‪110‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ )25‬يحيى البشتاوي ‪ ,‬بناء الشخصية في العرض المسرحي المعاصر ‪ ,‬دار الكندي ‪,‬‬

‫األردن‪,‬ط‪.2004, 1‬‬

‫المواقع اإللكترونية‪:‬‬

‫النور االلكترونية ‪.‬‬


‫‪ ‬مجّلة ّ‬
‫‪ ‬موسوعة ويكيبيديا ‪.‬‬
‫‪ ‬موقع جزايرس ‪.‬‬
‫‪www.DrHaroune.blogspot.com ‬‬

‫‪111‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫فـهــــرس المــوضوعـــات‬
‫المقدمة‪.........................................................................‬أ_ب_ت‬
‫فن المـســرح‬
‫األول‪ّ :‬‬
‫الفصل ّ‬
‫المبحث األول‪ :‬المسرح والمسرحية‪05 ..............…..…....………...............‬‬
‫‪ .1‬تعريف المسرحية‪05..........................................................‬‬
‫أ) لغة‪05...................................................................‬‬
‫ب) اصطالحا‪06............................................................‬‬
‫‪ .2‬أشكال المسرحية‪11 ……...................…….... ……….............‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬كماليات المسرح‪14...................................................‬‬
‫‪ .1‬هيكل المسرحية العام‪14................................................ .....‬‬
‫‪ .2‬تقنيات العمل المسرحي‪15...................................................‬‬
‫‪ .3‬مواضيع المسرح الجزائري‪18.................................................‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬نشأة المسرح‪24.......................................................‬‬
‫‪ .1‬نشأة المسرح عند العرب‪24...................................................‬‬
‫‪ .2‬نشأة المسرح في الجزائر‪29 ..................................................‬‬
‫‪ .3‬المسرح عند الغرب‪36........................................................‬‬
‫الفصـــــل الثاني‪ :‬سيكولوجية الشخصية المسرحية‪.‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬السيكولوجيا و المسرح ‪40.............................................‬‬
‫‪ .1‬مفهوم السيكولوجيا‪40.........................................................‬‬
‫‪ .2‬نظريات علماء النفس في الشخصية‪43.........................................‬‬
‫أ) نظرية فرويد‪43................................................................‬‬
‫ب) نظرية آدلر‪45.................................................................‬‬
‫ت) نظرية يونج‪48.............................................................. ...‬‬

‫‪112‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫‪ .3‬المسرح النفسي‪51 .............................................................‬‬


‫المبحث الثاني ‪ :‬الشخصية المسرحية‪61..................................................‬‬

‫‪ .1‬تعريف الشخصية المسرحية‪61.................................................‬‬


‫أ) لغة‪61............................................................................‬‬
‫ب) الشخصية في المسرح‪62..........................................................‬‬
‫ت) الشخصية في علم النفس‪63.......................................................‬‬
‫‪ .2‬أبعاد الشخصية‪65.............................................................‬‬
‫‪ .3‬أنواع الشخصية‪67 ............................................................‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬الشخصيات في مسرحية ياقوت والخفاش‪72............................‬‬
‫‪ .1‬شخصيات المسرحية‪72 ......................................................‬‬
‫أ) شخصية ياقوت‪72..............................................................‬‬
‫ب) شخصية زعرة‪76................................................................‬‬
‫ت) شخصية برنية ‪78...............................................................‬‬
‫ث) شخصية نزيهة ‪80..............................................................‬‬
‫ج) شخصية فاتح‪82...............................................................‬‬
‫ح) شخصية السعيد‪84 ............................................................‬‬
‫خ) شخصية الجايح‪86.............................................................‬‬
‫د) شخصية مسعود ‪89............................................................‬‬
‫‪ .2‬بين سطور المسرحية‪92......................................................‬‬
‫‪ .3‬زمان ومكان المسرحية‪96.....................................................‬‬
‫الخاتمة‪99..............................................................................‬‬

‫‪113‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫الملحق‬
‫‪ .1‬تعريف الكاتب‪103....................................................................‬‬
‫‪.2‬ملخص المسرحية‪105................................................................‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪108............................................ .................‬‬


‫فهرس الموضوعات‪112..................................................................‬‬

‫‪114‬‬

You might also like