Professional Documents
Culture Documents
رواية
منال الهمامي
مقدمة
إهداء
إلى من يجرون خلفهم ماضي ال يكف يرجمهم
بالذكريات
إلى ضحايا الماضي ومذنبين الحاضر
كفروا عن ذنوبكم بالحب
شيطان الحرمان
تعيس هو ذلك اليوم منذ الصباح حين أفزعني كلب أسود كان نائما تحت السيارة مرور بيوم
طويل قضيته في المحكمة و صدور حكما أحبط معنوياتي بخصوص قضية شغلتني أسابيع
أتصل بصديقي صابر ألخبره أنني لن أتي للندوة التي عقدتها عمادة المحامين اليوم فال
مزاج لي ألسمع خطابات الزمالء و نقدهم للوضع المزري للبلد فالتعاسة التي أراها كل يوم
كافية و لست بحاجة لمن يذكرني بها هذا المساء فهيا تتجلى أمامي في كل مكان
« « « «
ركنت السيارة على جانب الطريق ألتفادى الوقوع في براثن الشنقال اللعين اقتنيت قارورة
نبيذ فاخرة مصنوعة في ايطاليا أن تثمل بمفعول نبيذ إيطالي بمثابة السباحة في المحيط
دلفت إلى محل لشراء باقة ورد و هو الحل األفضل دائما إِل سعاد قلب المرآة استقبلتني
البائعة بابتسامة عريضة مزيفة لحد بعيد أشرت للورد المفضل لليلى األقحوان اذكر أنني في
فترة األزدهار في زواجنا أهديتها باقة أزهار من األقحوان بمناسبة مرور سنة على زواجنا
حيث أمضت ساعات تلعب لعبة يحبني ال يحبني تم أتالف الباقة و تلفت فيهم أعصابي أخر
ورقة من أخر زهرة حكمت أنني ال أحبها وهذا ليس عادال على اإلطالق
بعد العشاء جلست في مكاني المخصص للقراءة بجانب المكتبة التي تحتل جدار كامل من
الصالون أخذت أطالع رواية لي دستويفسكي كم أحب هذا الكاتب له قدرة على أن يالمس
البؤس الذي يعشش في داخلنا ال يمرر لنا األوهام و المشاعر الزائفة ال يقدم لنا غير الحقيقة
حقيقتنا المشوهة قدمت لي ليلى و هيا تجلس على الكنبة بجانبي فنجان من القهوة العربي
التي داعبت رائحتها أنفي يلهيني الجمال جالس بقربي عن الرواية أضع األخيرة جانبا
أتأملها في كل مرة أنظر لها أكتشف مواطن جمال جديدة لطالما سحرتني زرقة عينيها كل
يوم أغرق أكثر في البحر الذي يسكنهما ترفع رأسها عن هاتفها فتحمر وجنتيها خجال من
نظراتي التي تكاد تخترقها
ما هذه النظرات يا عزيزي_
هل تذكرين القصائد التي كنت اكتبها لكي ظالمة أنت كنت تحكمين عليا في كل لقاء أن_
أكتب لك قصيدة
لكنك عشاش العديد من المرات كنت تقول لي قصيدة لمحمود درويش أو لنزار القباني و_
تدعي أنك أنت من كتبها
لقد كنت أجهد نفسي لساعات كي أكتب لك شئ جميال و عندما أعجز عن ذلك كنت ألجأ_
للدواوين التي أمتلكها عليك تقدر مجهودي عزيزتي
"""
ال مرافعات لي اليوم في المحكمة تجاوزت الساعة الحادية عشر عندما نهضت من
السرير كنت أعد قهوتي في المطبخ عندما دخلت ليلى تفاجأة من قدومها اليوم الخميس
عادة ما تعمل دوام كامل في المستشفى بدت لي حزينة لحقت بها لغرفة النوم أظن أنها لم
تتفطن لوجودي اقتربت منها جلست على السرير ال تحرك ساكنا
هل أنت بخير عزيزتي قليلة هي األيام التي ال تكوني فيها مبتهجة ماذا حدث_
أنا في السادسة والثالثون لقد توقفت الدورة الشهرية ألمي و هيا في أخر الثالثينات و_
هذا ما يحصل لي غالبا أنا متعبة يا زياد في داخلي أشياء تنهار أنا أشعر بالبرد
وضعت عليها لحاف بعد أن تكورت على نفسها فوق السرير و غادرت المنزل مسرعا
صعدت في السيارة قدت مسرعا بدون وعي أهرب من ليلى من كلماتها التي تالحقني كل
شئ ينهار حولي كم أتمني لو يبتلعني الطريق لو انه يفعل كم أتمنى لو يفعل لكن هل تتخلى
األقدار عن شخص بائس مثلي هيا ال تفعل إذ بت شريكها في نشر األلم ال أستطيع حتى
تخيل أنني من كسرت ليلى ذلك االنكسار الذي رأيته في عينيها لم أكن أعتقد أن هناك شئ
أبشع من مواجهة الماضي لكن ها أنا أواجه شئ أبشع بكثير أنا كنت الضحية دائما أما أن
أنا الظالم و هذا يخلق في داخلي ألم مختلف هذه المرة ألم غريب حيث ال يحق لي طلب
الرحمة ألنني من قطعها
مرت ساعات أراقب فيها أمواج البحر الهائج أمامي اشعر كأنني مراهقة فقدت عذريتها للتو
كشيخ أنتهك توبته بتجرعه للخمر كيف لي أن أعيش مع هذا الذنب مع هذه الخطيئة التي
تثقل روحي أشعر أنني فقدت جزء من إنسانيتي اليوم كيف خولت لي نفسي أن أمنع أمرآة
من أمومتها من غريزتها أنا قاتل كل أطفال ليلى التي لم ترزق بهم أنا شيطان الحرمان
الطفولة
كنت أشعر بالملل الشديد في منزل يتكون من ثالث طوابق فأبي يقضي يومه في عمل ه و
كنت أرافقه في بعض األحيان لمحل البركة لكن ني س رعان م ا أض جر من تأم ل الخ واتم و
الحلي و لم أكن أصغي لكلمة واحدة من كالم أبي و هو يحدثني عن أنواع الذهب و األلماس
كان يفعل ذلك و هو يستعمل مجموعة من رشات النع ام ل يزيح الغ برة من على قط ع الحلي
يرفع بصره فيراني أنصرف لتأمل المارة فيصمت و خيبته ت زداد ك ل م رة و ه و يح اول
تمرير هذا الش غف لوريث ه الوحي د لكن س رعان م ا يتهل ل وجه ه وه و ي رحب بزبائن ه و
خاص ة و أن ك ان زب ون من الزب ائن الخاص ين رغم أن عص ام مس اعد أبي يق وم بعم ل
ممتاز وهذا بشهادة أبي الذي يمدحه في المنزل لكنه ال تسمعه يبوح بذلك أمام ه قليل ة هي ا
المرات التي يتخلف فيها أبي عن الذهاب للمحل مع أن عص ام ب رهن للجمي ع ان ه
محل للثقة و األمانة كما أنه يجيد التسويق و له قدرة تفوق ق درة أبي على أقن اع الزب ائن
كأنه قادر على معرفة الحلي ال ذي يكم ل أنوث ة ك ل ام رآة يتأم ل الزبون ة و ه و يبتس م ثم
يتفحصها كأنه يبحث عن نقص فيها تمتد يده لصندوق محدد يقدمه للزبون ة بثق ة كب يرة كمن
يقدم لها ما تحتاجه لتتألق على عرش أنوثتها فتتوقف عينيه ا على تأم ل األرف ف و تتح ول
الحيرة التي في عينيها لقناعة تام بما في يديها و ما أن ي رى عص ام ه ذا ح تى ين اظرني
بفرحة و هنا أتابع بحماس معه حوار الزبونة مع مرافقها و هو دائما ما يكون ح وار ممت ع
و شيق كما أنه يختلف على حسب نوع العالقة التي تجمع بينهما فأن كان ا حبي بين س يكون
حوار ملئ سعادة و الحب فخرج الحبيب محفظة نقوده بحماس و هو يتأمل فرحة حبيبت ه و
يدفع ثمن الثمن الذي عادة م ا يك ون ب اهض فعص ام ل ه ق درة خارق ة و هي ا االطالع على
جيب الزبون و قدرته الشرائية و على حسب هذا يخت ار ط اقم المج وهرات ال ذي س يقدمه
للزبونة فأن كان الثنائي تجمعهما خطوبة و مقبلين على الزواج ستجده يسحب حافظة نقوده
بتردد و ارتباك لكنه في النهاية يدفع الثمن على مضض و يتصنع ابتس امة ص فراء تخفي
شعوره بالسخط و اإلحتقان أمام حماس و فرح ة خطيبت ه لكن ه ذا الموق ف ق د يتح ول إلى
شجار إذ كان الثنائي م تزوج و خاص ة إذا م ر على زواجهم ا عق د أو أك ثر فس تجد ال زوج
يستشيط غضبا و يرفض دفع المبل غ لكن الزوج ة ليس ت مس تعدة لتتخلى عن الط اقم ال ذي
وقعت في غرامه و ترفض تبريراته و هن ا ينس ى ه ذا الثن ائي وجودن ا فتح اول الزوج ة
التمسك بحليها و تنعت زوجها بالشح و توقفه عن حبها و قد تتهمه بالخيانة و أنفاقه أمواله
على عشيقاته و يحاول هو التمسك بنقوده و ينعته ا بالمس تهترة و المب ذرة و الش كاكة و ق د
يتطور الشجار إلى ماال يحمد عقباه لكنه في أغلب األحيان ينتهي بانتصار الزوج ة فتغ ادر
هيا فرحة بمجوهراتها و هيا تتخيل نفسها تكيد صديقاتها و قريباتها أما هو فيغادر متحس را
على نقوده التي راح أبي يعدها برضا
عندما أتحدث عن أبي ال يمكنني التحدث عنه كشخص واح د ب ل شخص ين أح دهما أكن ل ه
شئ ضائل من الحب فتات الذكريات التي تجمعني به تمنع ني من كره ه لم يكن ه ذا الوج ه
ألبي الذي ال يظهر إلى نهار كثير الكالم يغادر في الصباح الباكر إلى المحل و ال يع ود أال
مساء يمضي ساعات في الحديق ة ب دون أن تس مع ل ه ص وت يط الع الجري دة أو كت اب من
مكتبته العريقة التي ورث معظم عناوينها من أبيه الذي كان مهووس بجم ع الكتب و خاص ة
النادرة منها يسقي األزهار و يقتل ع األعش اب الض ارة ك ان طوي ل القام ة ل ه ش عر أس ود
تتخلله بعض الشعيرات البيضاء لم تزده إلى جمال و ما أن تغيب الشمس حتى يغادر لم أكن
أعلم حينها إلى أين يذهب أبي لكنني كنت أكره ذلك المكان في ساعة متأخرة من الليل أسمع
خطوات أبي على السلم أسمعه يدندن أغنية ما لنبيهة كراولي تستقبله أمي عاق دة ي ديها عن د
صدرها أراقبهما من ثقب الباب تلعنه أمي تشتمه بشتائم لم أكن أفهم أغلبها في ذل ك ال وقت
لكنه ال يكترث بل يكمل الغن اء بص وت أق وى و يم د ي ده ليالمس وجهه ا الغاض ب لكنه ا
تدفعه بعي دا عنه ا يمس ك أبي بوجهه ا و يض غط علي ه مم ا يجع ل أمي تح اول التخلص من
قبضته ال تي تك اد أن تحطم فكيه ا ثم يغل ق الب اب و ال أس تطيع أن أرى ش ئ أخ ر لكن في
العديد من المرات أرى أبي و هو يصفعها أو يجرجرها من ش عرها للغرف ة كنت متأك د أن
أختي سمر أيضا تراقبهما من ثقب الباب لكن ال أنا و ال هي و ال أمي نتحدث عن م ا ج رى
في الغد بل نتعامل بشكل عادي مع األب الهادئ الذي يتناول معنا الفطور لكن عينان أمي و
الحزن الدائم الذي يسكنهما يح دثنا عن األلم ال ذي ب داخلها س نوات طفول تي أمض يتها و أن ا
أحاول فهم الصفقة التي برمها والداي كيف اس تطاعت أمي أن تبتس م ص باحا في وج ه من
يهينها ليال لماذا تخفي أنكسرها بذلك البرد و االبتسامة الخالي ة من الحي اة تل ك لم يس توعب
عقلي لألن أن ذلك الوحش هو نفسه أبي الحنون و الزوج الطيب كيف للخص ال المتناقض ة
أن تجتمع في شخص واحد
انتكاسة
قضيت عند صابر يومان احتسيت فيهما من الخمر ما تثمل أمة كاملة ال أعلم كيف
وجدني صابر على ذلك الشاطئ أخبرني أن أحد أصدقائنا وهو قاضي في محكمة تونس
أرتاد معنا كلية الحقوق بالمنار شاهدني أشتري كمية كبيرة من الخمر من مركز التسوق
في المرسى و أخبره أنه كلمني وألقى عليا السالم لكنني لم أرد مع أنني ال أذكر أي من هذا
مما جعل الصديق يتصل بصابر بما أنه معروف علينا أننا أصدقاء مقربين من أيام الكلية
تفاجأ صابر و أعلمه أنني بالتأكيد لم أقصد تجاهله وال داعي ألخذ موقف مني لكن الصديق
كان غاضب فقد شعر باإلحراج من هذا الموقف أمام زوجته حتى أنني اكتشفت أنه محاني
من قائمة أصدقاءه على فايسبوك شعرت بالحزن على هذا فالصديق وأن لم يعد صديق كان
يتحفني بالمنشورات التي ينشرها على حسابه الخاص والتي تمجد الخوانجية أذكر مرة
أنني كتبت تعليق على فيديو وضعه على صفحته ألحد النواب يحسب على الخوانجية
يتهم كتلة سياسية بالفساد كتبت حينها أن هذا الفيديو بمثابة فيلم قصير يتراشق فيه الفاسدين
بالتهم وللطرفين ماضي أسود ال يمحى الاليف بل على العكس هذا األخير كشف لنا
المستوى األخالقي المتدني لهوالء النواب تفاجأة بعد دقائق برد أضحكني أكثر مما
أغضبني فوجدت الصديق يدافع على صاحب الفيديو بحماس لو دافع بمثله على القضية
الفلسطينية لتحررت القدس منذ زمن و إتهمني أنني أنقد نبيه هذا ألنني يساري و الزلت
أحقد على األخوان من أيام الجامعة
لم يستغرق صابر الكثير من الوقت ليستنتج أنني أمر بانتكاسة عاطفية شرائي للخمر و
بقربي من البحر و هاتفي المغلق دالئل تثبت أنني سأخذ الخمر مسكننا و البحر مالذ و هذا
ما أفعله دائما فالبحر الوحيد القادر على مخاطبة األلم الذي داخلنا وضعت السيارة قبالة
البحر الهائج بقيت أراقب األمواج العالية لو موجة واحدة تأتي على ما في قلبي من نار ال
أذكر كم من دمعة بكيتها و ال كم من صرخة صرختها و ال كم من قارورة خمر شربتها
لم يرضى صابر على تركي بمفردي في المنزل و أخذ أجازة ستحدد انتكاستي مدتها مع
أنني لم أطلب منه ذلك قدم لي فنجان من القهوة و هو يزيح قوارير الخمر الفارغة حتى
يجلس بجانبي
ماذا فعلت حتى أنهكت ليلى روحك لهذا الحد_
التعايش مع الذنوب ليس حكرا على المجرمين كل واحد يتعايش مع أخطاءه بطريقته ها_
نحن نتقبل الذنوب التي نورثها و نكسبها فالنفس البشرية تتألم و تؤلم تتأذى و تؤذي تبكي و
تبّكي فكلنا نشتكي من األخر و ننسى أن األخر هو نحن لكننا ال نكف عن تصويره في شكل
شيطان وننسى أن لكل منا شيطانه الخاص
لكن خطيئتي كبيرة يا صديقي_
هون عليك لكل منا ذنوب كبيرة فلولها لما كنا الذنوب هيا من تصنع ذواتنا أما الطهورية _
فهيا وهم نوهم به أنفسنا قبل األخر
ال أعتقد أنني سأستطيع أن أتقبل فكرة أنني حرمة ليلى أمومتها فأنا متأكد أنها ستصبح _
أفضل أم حظيا بها طفل يوما
أعذرني يا زياد لكنكما منذ البداية تعلمان أن هذا سيحصل لما تتفاجأ األن_
عندما تزوجت بليلى كان كل واحد منا يجر ماضي قاسي وراءه لكل منا ذكرياته المؤلمة_
و لنا جروح عميقة حسبتها قد شفيت مع مرور السنوات لكنها لم تفعل لم نتحدث في
موضوع اإلنجاب كثيرا كل واحد منا وجد ما ينقص روحه لتزدهر و ازدهرنا فعال كنت
أبحث عن الحنان و عن حب غير مزيف عن مشاعر غير متناقضة ووجدت كل هذا فيها و
أكثر
و هيا كانت تبحث عن األمان أمان رجل حقيقي و عن انتماء عاطفي و أنت كنت أهل_
لهذا
ملىء صابر فنجانه من آلة لقهوة للمرة الثالثة فأنا أعتبره مدمن عليها و قد حاول عديد من
المرات أن يقلع عنها بسبب أضرارها الصحية
اتصلت بي سلمى قالت أن العمل تراكم هناك و عليك الذهاب للعمل يكفيك أنعزل عن _
العالم هنا
أخبرها أن تختار مدرب أو أثنين من الملفات المتراكمة في مكتبها ليساعداها أما أنا فال _
أريد أن أخطوا خطوا واحدة من ذلك الباب
سأغادر األن يا صديقي أرتفع ضغط أبي البارحة سأذهب لزيارته _
كيف هذا ألم أخبرك أنني أخبرت سلمى أن تعقد لك اجتماع مع موكلة وهو تقريبا بعد_
عشرون دقيقة من األن
ال أعلم ما شئ الذي رميته على صابر لكنه غادر وهو يقهقه متفاديا ما رشقته
أنت حقير كبير يا صابر لن أمررها لك_
وجدته قد وضع لي طاقم على فراشه و لعله الطاقم الوحيد الذي يمكنني ألبسه من خزانته
فاختياراتنا في المالبس مختلفة تمام ما ارتديه أنا للذهاب للمكتب ال يرتديه صابر إلى إذ
كان ذاهب لحفل زفاف أما ما يلبسه صابر ال أرتدي أنا حتى للذهاب لتسوق و هذا يعود
لعدت أسباب قالت لي أمي قبل أن يتوفها هللا أنني أشبه والدي في األناقة كلنا أتذكر أن
كالمها أحزنني يومها لكنني أكتفيت أمامها بأبتسامة صفراء وكم تمنيت أن أصيح أمامها و
أرفض هذا التشبيه فأنا ال أريد أن أشبه ذلك الرجل في أي شي حتى صابر لماضيه دور في
أختيارته فهو ينحدر من عائلة فقيرة و قد حرمته الحياة من أن يتمنع بطفولته من أن يختار
مالبس العيد أو يرتدي ثياب ملونة كباقي األطفال كل ما كان يتحصل عليه هو ثياب أخوته
الكبار التي ال تصل له إلى بالية بعد أن تناقلت على ثالث أخوة فوجد نفسه يميل لأللوان و
األشياء التي حرما منها عجيب هو الماضي يتحكم حتى بأختياراتنا في المالبس
عوارض انسحاب
لم تسألني سلمى عن أسباب غيابي فهيا تعمل في المكتب منذ أكثر من أحدى عشر عاما و
أصبحت تعلم أن انكساري و انتكاسي دائما مربوط بليلى قدمت لي رزمة من الفواتير و
الظروف أشرت لها أن ترحمني من هذا العذاب
دخلت المكتب قد تقضي فيه ساعات تبحث عن حبة غبرة و لن تعثر فسكرتيرتي سلمى
مهووسة بالنظافة و هيا أنسانة تعبد العمل عبادة و لولها لما أستطاع هذا المكتب أن يكتسب
هذه السمعة حتى أنني أضطررت قبل خمس سنوات أن أعطيها أجازة أثر والدتها و أتيت
بأخرى لتعوضها و سائت األمور في المكتب مما جعل سلمى تعود للعمل بعد أسبوعين
لتلملم الفوضى التي تسببت بها األخرى
شعرت بصداع رهيب بعد مرور ساعة و نصف و الموكلة تسرد لي نزوات زوجها و
أستهلكت السيدة صندوق المحارم لتمسح دموعها الممزوجة بالكحل أما أنا فأستهلكت
صبر أيوب شرحت لها مراحل الطالق و طمأنتها أن الحكم في صفها غادرة الموكلة بعد
أن أنهكت روحي تقدمت سلمى و قدمت لي ظرف
ألم أقل لكي يا سلمى أن مزاجي ال يحتمل مراجعة أي فاتورة أعفيني من هذا أرجوكي _
سيد زياد اليوم عيد ميالد فارس أتسال أن كان يمكنني الخروج قبل ساعة_
ما لذي تفعلينه هنا يا سلمى أنه عيد ميالد فارس لما لم تخبريني من قبل ما كان عليك أن _
تأتي اليوم كم سيبلغ ذلك الشقي
سيكمل عامه الخامس ال أصدق كم يكبر األطفال بسرعة _
حررت لها شيك بمئة و خمسون دينار و أخبرتها أن تشتري له هدية بأسمي لم يبقى في
المكتب اال أنا و الظرف لم يكن مكتوب عليه أي شئ غير تلك الجملة أصابني الفضول
ألكتشف ما يحمله هذا الظرف فتحته بتأني كانت به ورقتين فتحت األولى كانت ورقة
بيضاء مكتوب فيها بقلم جاف "ماذا يريد شخص غير أن يرقد في قبره بسالم و عليك أنت
" تحقيق هذا السالم
أذهلتني الجملة كل كلمة منها سكبت عليا وابال من األسئلة فتحت الورقة الثانية و هيا
مضمون ميالد لشخص أسمه إسماعيل بن رجب أصيل والية جندوبة من مواليد
األربعينات دونت اسم الشخص على ورقة مالحظات ودسستها في جيبي و غادرة المكتب
الذهاب للمنزل أمر غير محتمل كل شئ في داخلي يمنعني من الذهاب خوفي من أن أرى
أنهيارها ذاك تغلب على شوقي لها و أنا أتجول في الشوارع بالسيارة شعرت بالغربة كأنني
طردت من الجنة كيف ال و ليلى هيا جنتي أنا متيقن أن هذا الحزن ليس كالذي قبله في
العادة أركض لها منهار تمام بعد أيام أقضيها مشتت األفكار و المشاعر واألحاسيس
فتحتوي هيا روحي بحب عاشقة و بحنان أم و بأمان وطن تغفر لي نزوتي و غضبي و
كل حماقاتي لكن هذه المرة كل شئ مختلف شئ بداخلي يقول لي أن هذا الجرح ليس
كالجراح السابقة ما رايته في عيني ليلى ذلك اليوم كان مرعبا عرفت من تلك اللحظة أن
رحمتها لن تشفع لي هذه المرا تساقطت الدموع من عيني بكيت وبكيت و أنا أقود في
الطريق السريع بكيت حبي لها شوقي و عشقي لكل تفصيلة فيها
لم أرد على أتصاالت صابر أكتفيت بأرسال موقعي له كنت أعلم أنه سيأتي فهو أكثر
شخص يعلم اليتم الروحي الذي أعيشه عندما لمحته من نافذة الحانة كنت قد بدأت بشرب
القارورة الثانية رمقني بنظرات الئمة و هو يجلس
أنت تسرف في الشرب يا زياد_
معلومات
ترك زكرياء المعلومات التي طلبتها منه عند سلمى كنت قد نسيت الموضوع اال أن
ذكرني أتصاله بذلك الظرف الغريب ذهبت بعد الظهر للمكتب و كنت قد قضيت الصباح في
المحكمة فتحت الملف و أنا أرتمي على الكرسي نزعت ربطت العنق أيضا أعحبت بعمل
زكرياء فالبحث كان موسع و منظم لحد كبير كتب على الورقة أسم أسماعيل بن رجب و
أذ به شخص أصيل قرية الزهوى و عاش بها حتى توفى في ألفين و تسعة بسبب التهاب
الكبد و قد ملك هذا الكثير من العقارات في المنطقة و أراض شاسعة في القرية كتب
زكرياء مالحظة قال فيها " قال لي زميل لي من نفس الدفعة أن هذا الشخص كان ذو جاه
مال كثير في القرية " ذكرى أيضا انه كان متزوج بأبنة عمه و لم يرزق باألطفال بسبب
" عقم زوجته
لم يزدني هذا التقرير الى حيرة أستخرجت ورقة بيضاء ألرتب بها أفكاري مع أنني كنت
واثق أنني لن أتوصل ألي شئ وضعت أسم الشخص في أعلى الورقة أستوقفني سبب
موت أسماعيل التهاب الكبد هذا يعني أنه كان يشرب الخمر كثيرا أن لم يكن مدمن عليه
وقعت عيني على الورقة التي رافقة مضمون الميالد الذي انتهت صالحيته منذ سنوات
" ماذا يريد شخص غير أن يرقد في قبره بسالم و أنت عليك تحقق هذا السالم"
قبل التمرد
جسد هزيل و عقل شارد و خوف دائم هذا ما يحتاجه أحد لينبذ و يتعرض للتنمر و أنا لي
كل هذا و أكثر بكثير قد تمر حصة كاملة و ال ينتبه المربي لوجودي أصال دائما ما يداعب
النعاس عيناي بسبب ليلة صاخبة قد أذوب في مكاني إذ أشار المربي لي لقراءة أو لقيام
بشئ ما أشعر بالترتر من نظرات األخرين أتردد حتى في الوقوف يزيد المعلم من مرارة
خيبتي و يعفيني و يختار شخص أخر من بين األيادي التي رفعت أتفادى زمالئي في القسم
فالتردد الذي أشعر به تجاه أي شئ يمنعني من ذلك و في الحقيقة هم من يتفادونني جسدي
الهزيل و الخوف الذي تسرب لعيناي جعال مني فريسة سهلة ليظهر األخرين من خاللها
السواد الذي في داخلهم و لي يمارسوا عليا وحشيتهم و لهذا كنت حريص على أنجاز
فروضي المدرسية كي أتجنب غضب المربي كنت محميا لحد السنة الثالثة أبتداءي إلى أن
أنتقلت سمر لألعدادي كانت األخيرة تبقيني تحت نظرها طوال الفسحة قريبا منها و
زميالتها فال يحتاج ضعفي الكثير من التركيز ليراه الناظر ما أن ذهبت حتى سحب عنى
رداء األمان ألجدني فريسة عارية بين وحوش متلهفة لتبرهن للجمع عبر أمثالي أي أنهم
أقوياء
كنت أتبول عندما رأيت ظلهم على الجدار أمامي سمعت همساتهم و ضحكاتهم من خلفي لم
أشعر الى بيد أحدهم ترمي بي على األرض أعجبت كيف له أن يطرحني أرضا وهو ال
يكبرني اال بسنتين فأنا ال جهد لي على أسقاط نملة أو أفقادها توازنها حتى حاولت عبثا أن
أقفل السحاب فيدي المرتعشة لم تسمح لي بذلك كم كنت هشا في تلك اللحظة أرعبني صدى
ضحكاتهم من حولي تكورت على نفسي في ركن الحمام كأنني أريد أن أبتلع نفسي و أنهي
هذا الخوف و الضعف المخزي تلقيت صفعات عديدة لم أحصها تناوبا الثالثة على صفعي
حيث تنافسوا حول تحقيق أقوى صفعة ثم أقوى ركلة و ختموا بأقوى لكمة في البطن
عندما عدت للصف كان الجميع قد رحلوا دسيت األدباش في المحفظة و غادرة المدرسة
أجر خيبتي منعت دموعي بصعوبة شديدة و أنا في طريق العودة للمنزل و ضعت كفي
على فمي ألمنع شهقاتي مسحت بكمي الدموع التي لم أستطع منعها من أخذ خدي المحمر
مسربا لها ألقيت على أمي سالم باردا و أنا على السلم صعدت إلى غرفتي و أقفلت الباب
ثم أنفجرت باكيا بكيت و بكيت بحرقة على طفولتي المهدورة على الخوف الذي ينهش
روحي و يجعلها جبانة و هشة في نظري ما بالك في نظر األخرين
هذيان الشوق
حمقاء تلك الليلة بعثت فيها برسائل ال تعد لليلى أطلب العفو و المغفرة كتبت لها عن األلم
الذي أشعر به و الضياع الذي أعيشه من بعدها أرسلت لها تسجيل صوتي بكيت فيه
ترجيتها أن تسامحني أن ترحمني من هذا العذاب حدثتها عن أختناق روحي ببعدي عنها
عن الشوق الذي يكاد ينهيني
لم أغضب من نفسي بقدر ما تألمت عليها و أنا أراجع الرسائل صباحا أحسست بشعور
مختلف اليوم خجلت في البداية من األمل الذي قرر اليوم أن يظهر فجأة
شئ بداخلي يحثني على جبر ما كسر نزلت باكرا من منزل صابر الذي أمكث فيه من
حوالي ثالثة أسابيع وجدتني أقود للمنزل ركنت السيارة بجانب العمارة المجاورة كي ال
تراني ليلى بقيت أراقب العمارة ما يقارب الساعة تأملت نوافذ الشقة التي تتطل من علو
أربع طوابق رأيت المحابس لم أستطع أن أميز حالها لكنني كنت متأكد أنها ذبلت مثلي تماما
كم تحب ليلى النباتات تمضي المساء و هيا تزيل األوساخ عن المحابس التي تشغل النوافذ
تقس األوراق الميتة و تضفي قليال من األسمدة غضبت منها عدة مرات كنت أنتظر نهايات
األسبوع لنقضيها في أحد النزل أو القيام بشئ يزيح عنا تعب العمل طوال األسبوع لكنها
كانت تسجل نفسها في حصص للعناية بالنبتات تترك لي ورقة على باب الثالجة تتأسف لي
و توعدني بقضاء سهرة جميلة و تطبع قبلة على طرف الورقة أعاتبها عندما تعود
من هذه التي تترك زوجها في نهاية األسبوع لتحضر حصص ال يحضرها إلى األغبياء_
لما تحضرينها أصال و نحن ال نمتلك حديقة
لكنني فاشل في العتاب فقبلة واحدة كافية لتفقدني الذاكرة سألتها مرة و أنا أتاملها و هيا
تسقي نبتاتها
عالقتك مع النبات ال أفهمها مهما حاولت _
ما يميز النبتة يا عزيزي هو ثباتها مثال لو نأتي بحيوان أليف كلب مثل ألضطرارنا_
ألقفال الباب وربطه أحيانا كي ال يهرب حتى العصفور يوضع في القفص و أن فتحت له
باب سيطير بدون تردد أما النبتة نحن ال نحتاج إلى وسيلة إلبقائها بل هيا من تمد جذورها
و تتمسك بمكانها و بنا كما أنها تشبه األنثى يحيها االهتمام و يقتلها األهمال
ما أن رايتها تنزل من العمارة حتى كادت حماقتي تدفعني ألفتح باب السيارة و أركض لها
أحتضنها و أبكي خيبتي و أنكساري و شوقي الجنوني لها منعت نفسي من التهور رأيت
الشال األحمر مرميا على كتفيها يقيهما برد الصباح تبعد خصلة شعرها المموج و ترميها
للخلف صعدت في سيارتها ال شك أنها فتحت أغنية لفيروز فصباحها فيروزي جدا أقود
خلفها ببطء محاولة مني أن ال أجعلها تتفطن لي تتوقف لتشتري قهوتها من المقهى المعتاد
قبالة المستشفى تلقي السالم على زمالءها ضاحكة أراقبها و هيا تجتاز الباب بعد أن
صعدت في السيارة ينتابني شعور أنني مت أشعر أنني لست على قيد الحياة ال أثر لي في
ليلى ال أرى فيها شئ مما أعيشه أنا بعد هذا الفراق
أترشف فنجان القهوة الذي أعدته سلمى و أنا أراجع ملف قضية طالق أصابني بالضجر
تذكرت المتدرب الذي يعمل هنا منذ يومان رايته صباحا و هو منكب على العمل في مكتب
صغير في طرف قاعة األستقبال أرتبك صباحا و هو يلقي عليا التحية و تهجمي زاده توترا
طرق الباب مرتين قبل أن يدخل بدا هزيل الجسم مالمحه هادئة جدية أشرت له بالجلوس
كيف العمل البد أن سلمى ترهقك أليس كذلك-
ال بالعكس سيدي أنا سعيد بالعمل هنا و السيدة سلمى تساعدني كثيرا كما أنني متلهف-
لممارسة المهنة
بدا متحمس و هو يتحدث تبسمت قليال ألخفف من توتره الواضح
مد لي ظرف و قال
أرسلته لحضرتك السيدة سلمى لقد وصل هذا الظرف صباحا مع الفواتير-
هل تعلم لما ال يلوم العباد هللا على البالء ألنهم من يبتلون أنفسهم كوني فرطت في أمومتي-
منذ البداية و سمحت لك أن تسلبني أيها بكامل أرادتي سلمتك أنوثتي لتجردها من ثمارها
كنت أتفادى التحدث في الموضوع كي ال أفسد السهرة أو أزعجك كل يوم أحدث نفسي
أخبرها أن قلبك سيلين أن جروحك ستشفى كنت أنتظر أن تجتاز عتبة الماضي أنتظرت أن
تفاتحني أنت في الموضوع أن تطلب مني أن أحبل ننجب طفل يضفي لحياتنا السعادة طفل
يا زياد يكبر في داخلي في رحمي الذي لن يعرف الحبل أبدا أتعلم ما معنا أن ننجب طفل
هو أن يكون مزيج مني و منك هو أن نتحدى الحياة بشجاعة و نمنعها من أن تمارس
بشاعتها عليه لكن لألسف األمومة غريزة يا زياد و األبوة تجربة لن تفهمها
لكنني ال أتحمل فراقك أنني أموت يا ليلى ذنبي هذا يقتلني-
وحش
في السنة الخامسة إبتدائي يدرسني معلم أسمه خليل وكان شابا طويل له شعر أسود يكاد
يالمس كتفيه مع قدوم هذا المعلم ساعدني على تخطي عتبة الرهبة قليال كان يصر أصرارا
على أن أقراء أعمالي التي كانت تنال أعجابه و يصيح على البقية عندما تتعالى همساتهم و
ضحكاتهم المكتومة و مع الوقت و التشجيع الذي لقيته من سيد خليل أكتسبت بعض الثقة في
نفسي و تناقص التوتر و الخوف كان يأتي لي ببعض القصص كهدية و كنت أفرح بهذا
فرحة تمتد ألسابيع حدثته عن المكتبة التي يملكها والدي و عن العناوين النادرة التي فيها
رويت له ما كانت أمي ترويه عن جدي والد أبي كيف كان يحضر المزاد ليشتري
المذكرات األصلية والكتب الثمينة و عندما رأيت أعجابه الكبير بحديثي أصبحت أطلب من
أمي أن تحدثني أكثر عن ذلك الجد الذي لم أعرفه يوما و عند المساء يغادر أبي فأختلي
بنفسي في المكتبة أقراء العناوين و بعض الصفحات فرحت و أنا أرى أندهاش السيد خليل
بعد أن أخبرته انه في مكتبتنا نسخة موقعة من كتاب وداعا للسالح لهمنغواي رأيت في
عينيه أعجاب كبير بي
سمح لي السيد خليل بالذهاب للحمام و ياليته لم يفعل ما أن دخلت الحمام حتي وجدت
هؤالك الحمقا متجمعين حول صبي من الصف الثاني تكور األخير على نفسه وترجاهم أن
" يتركوه يذهب تأملني أحد المتعطشين للضرب " ماذا أيها األخرق هل تتأسف لحاله
لم أشعر إلى بكلمة "أجل" تجتاز حنجرتي التفت الثالثة إليا تمكن الصبي من الهرب أما أنا
فتلقيت ضرب مبرحا بسبب شجاعتي الحمقاء و مع كل ذلك األلم لم أشعر بالندم أنني دافعت
عن ذلك الصبي المسكين و أن أصبحت مسكينا أكثر منه فجأة سحبا الصبيان من فوقي
توقفت الركالت رفعت نظري ألرى الحارس يصيح بهم و يتوعدهم مسحت أنا دموعي
بكمي و لم أتحرك من مكاني سرافهم و التفت لي "أيها الصغير المسكين " نظر أليا
بنظرات عطف مسح على شعري األسود وساعدني على النهوض " يجب أن تتعلم مدافعة
عن نفسك من هوالء الحمقى "نفض عني غبار الرضية الذي علق بمالبسي ربت على كتفي
مبتسما و أخذ يتفحص جسدي بيديه أعتقدت أنه كان يتحسس مكان الكدمات لكنه لم يكن
يفعل هذا بل يوهمني بهذا أختفت األبتسامة وحل محلها عينان مقرفان و يدان تتالمس
جسدي بعنف تملصت منه بصعوبة بالغة و ركضت لصفي كان كل زمالء قد غادروا
القاعة و لحسن حظي لم يكن السيد خليل قد غادر بعد توقفت أمامه الهث أرتميت عند
قدميه باكيا سألني ما لذي حل بي بدا قلق " أخبرني يا زياد ما لذي حصل لما وجهك
مخطوف هكذا " ترددت في البداية لكنني رويت له الحادثة كاملة بكل قرفها بدا مندهشا
تملكه الغضب و مسح لي دموعي بمنديله و قال " هذا العالم أكثر قسوة مما نعتقد " صعق
الحارس و هو يدخل القاعدة لم يكن يتوقع أن يجد السيد خليل لم يمهله األخير الكثير من
الوقت ليستوعب و قام بضربه بقوة حتى سقط أرضا ناداني السيد خليل " تعال يا زياد "
تقدمت منه و قد تحليت بشجاعة عظيمة أشار سيدي بأن أركل ذلك الحقير مثلما يفعل
هجمت عليه بكل قوتي محاول تقليده توقفنا عن ضربه و نحن نلهث
" و األن أن أردت أخبر الجميع لماذا تلقيت هذا الضرب "
أبتسم لي و مسك بيدي و أخذنا أغراضنا و غادرنا القاعة تاركين ذلك الوحش يتاوه على
األرضية
في األسبوع الخير من تلك السنة الدراسية تقدمت من السيد خليل خالل الفسحة و هو يجلس
على مكتبه في القاعة و كان الجميع قد خرج ليلعب في الساحة قدمت له كيس صغير و قلت
مبتسما " أنها هدية " ضحكا و هو يتفحص الكيس " هنيأ لي بتلميذ كهذا " أتسعت عيناه من
الصدمة و هو يرى نسخة نادرة موقعة من كتاب وداعا للسالح كنت قد أمضيت أسبوع
كامل أخطط لهذا أستطعت أن أدخل المكتبة تحديدا األرفف المحرمة و التي يمنع علينا
األقتراب منها ترددت و أنا أقدم على عمل كهذا لكن السيد خليل يستحق هذا أقنعت نفسي و
أخفيت الكتاب بين طيات ثيابي خرجت ثيابي
بالتأكيد والدك ال يعلم أنك تهديني هذا الكنز يا صغيري " ابتسمت له و قلت بصوت خافت"
زوايا دائرة
لم يزدني الظرف األخير الى حيرة فيوسف ورغي و هو األسم الذي تحمله بطاقة ضياع
أخبرني زكرياء أن هذا الشخص مفقود منذ عام عام اثنان و تسعون وال أحد يعلم عنه شيئ
وأقفل الملف بعد عدة أشهر بدون أن يبذل فيه أي جهد لم تكن المعلومات كافية لتفك
طالسيم هذا اللغز المحير و كأنني في مزاج مالئم ألركض وراء هذا الغموض
طلبت من أحمد أن يراجع ملف هذا اللغز الذي أطارده لعله هو من يطاردني لعله يجد شئ
ما لم يتفطن له عقلي الشارد على الدوام مما يجعلني أفقد تركيزي المعتاد على التفاصيل
بدى أحمد متلهف للملف أستاذنني ليطيل البقاء في المكتب مساءا ليدرس الموضوع أكثر
بدى كأنه يمارس شغف ما بالصحافة األستقصائية تقدم مني في اليوم الموالي بدى متعب
بسبب السهر
هل درست الملف جيدا ال أخفيك أنه متشابك بعض الشئ_
لقد سهرت عليه لساعة متأخرة من الليل لألسف يا سيدي لم تكن أستنتجاتي بذات أهمية _
شح المعلومات يعيقنا حتى على فهم ما نبحث عنه لكن يا سيدي المفتاح الذي ممكن أن
يوصلنا لحقيقة الموضوع واضح
ماهو_
الفراق
ما معنى أن تكون وفيا ال أعرف عن الوفاء الكثير بمقدار ما يعرفه رجل عن مصطلح'
كهذا لقد تخليت عن الكثيرين والبقية رحلوا قبل أن أفعل من هوالء عدد البأس به من
العشيقات اللواتي تعرفت عليهن قبل و بعد الزواج فأن لم أكن وفيا ألصدقائي و لزوجتي لما
"أنا وفيا للذكرى وفيا للماضي ألحزانه و أالمه التي ال تحصى و ال تعد
أراقب عقارب الساعة الجدارية المعلقة في المكتب كم يخطف الموت من أحد في هذه
اللحظة كم من مصيبة تحدث كم من زلة لسان ستخلق الكثير من الندم للناطق بها والكثير
من األلم لمتلقيها وستخلق جفاء قد يدوم لألبد كل هذا يحدث وعقارب الساعة تدور و تدور
كان شئ ال يحدث تقع عيني على صورة لي مع ليلى في رحلتنا األولى الى باريس أتاملها
أرى فيها الكثير من الحب و الفرحة أراهما في عينيها أستقيق من شرودي مع دخول سلمى
تناظرني بأستغراب وهيا ال ترى أي من الملفات مفتوح أمامي بل الزالت أكوام على
طرف المكتب مثلما وضعتها في الصباح تعلمني بوصول ليلى أذنت لها بالدخول شعرت
أنني أريد أن أركض ألقفل الباب بالمفتاح ألتخلص من ليلى وسلمى والجميع لكن لقد فات
األوان و هاهيا تجلس أمامي أتفادى النظر اليها أالحظ ابتسامة سلمى وهيا واقفة بجانب
الباب
سيد زياد هل أقدم لكما شئ لتشرباه_
ال سلمى شكرا عودي الى عملكي _
ترفع ليلى رأسها تتأمل المكان كأنها تراه ألول مرة يكسر سؤالها الصمت الذي ساد المكتب
أنت تعلم أن عالقتنا أنتهت لما تتشبث بحب ميت_
شعرت أنني أتعرى أمامها من قناع المكابرة و أنها قادرة أن تتطلع على داخلي المشوه
تلخبطت مشاعري شعرت بالذل و األنكسار و الخوف من الماضي الذي تسرب أال
الحاضر لم تكن ليلى التي أمامي بل كانت الحياة
أنا أتألم يا ليلى أخر شئ أريده في هذه الحياة هو أن نفترق _
ماذا تعرف عن األلم يا زياد أنا من أشعر أنني أفقد أنوثتي هل تستطيع أن تتخيل هذا حتى_
أنا أنهار في داخلي أشياء أشعر أنها غريبة عني فجأة و منها حبنا سأتنقل الى منزل
صديقتي مروى فالتعود أنت الى منزلك و كفاك تشتت
ليس هذا ما أردت سماعه أطالقا نظرت أليها وهيا ترقع حقيبتها و تتجه نحو الباب رأيت
عينيها اذ هما ليسا بالعينين في الصورة ال ألمح فيهما أي حب و ال أثر فيهما للفرح أطالع
الصورة مرة أخرى أتاكد من صحة ما رأيت ال أتفاجاء و كيف أفعل اذ أنا من أغتال الحب
و طرد الفرح بحمقاته التي ال تعد
البيت يكرهني
لم أكن أتصور أنني سأستطيع دخول هذا البيت و ال أثر فيه لليلى ال عطرها و ال مالبسها
أخذت كتبها من المكتبة و هيا معظمها روايات بالغة األيطالية و كتب لتعلم اللغة الروسية
فهيا شغوفة باألدب الروسي و تطمح أن تقراء أعمال دستويفسكي بالغة األصلية و تملك
أيضا عدد البأس به من كتب الزراعة لملمت كل شئ يعود لها كأنها أقسمت أن ال تترك
شئ منها لقد أقسمت حقا فالبيت حزين كأنه في حداد على الراحلة البد أنه يلعنني ال هو
ليس بهذه القسوة أنه البيت الذي كان شاهدا على لحظات العشق و الفرح بيننا لكنه شاهدا
أيضا على نذالة أعمالي و خذالني لها لعله يكرهني الحمد هلل أن هذه الجدرأن صامتة لو
نطقت لرجمتني بوابل من اللعنات فهيا من أحتوت بكاءها أثر الفراق متيقا أنها بكت هنا
على هذا السرير الكئيب أدخلت مع صابر و هو يحاول أقناعي لعدم العودة للمنزل على
األقل في هذه الفترة
" لقد تعودت عليك في المنزل لقد أصبحت مثل أرملة حزينة تعيش معي"
فتحت آلة الموسيقى الكالسيكية التي ورثتها بعد موت والدي كان فيها أسطوانة السمفونية
التاسعة لبيتهوفن عرفت اذا أن بيتهوفن كان ونيسها في ليالي الفراق كل شئ في المنزل
أشعر أنه كان وسيط طقوس أخراجي من قلبها أمقت نفسي لهذا التفكير الساذج و كأن
كرهها لي يحتاج مجهودا أصال قال صابرّ
ال أحب بيتهوفن هذا كثيرا في كل مرة أسمعه أعيش صراع بين الحواس و المشاعر_
أنه يعمق ملك أحساسك في كل مرة لكن غالب ما يفصلك عن مشاعرك تجاه أي شئ و_
يضعك في مواجهة مع نفسك تواجه ندوبك و ذنوبك في كل مرة أسمعه يغوص بك الى
" عمق الينتهي من حزنك يرمي بك الى جحيم الذات كما يرمى الحطب الى النار
المراهقة
عندما أنتقلت لألعدادي أستطعت أن أكتسب بعض األصدقاء و أكتسبت وزن مما جعل
جسمي يتخطى مرحلة الهزل الشديد تغيرت األوضاع في المنزل أيضا لألسواء شئ ما
يحدث جعل الصفاء الكاذب الذي نلعبه في النهار يتالشى شئ فشئ لكننا لم نكن نتحدث عن
هذه المستجدات التي تجعل أمي أكثر شحوبا أكثر حزنا من العادة حتى قناع البرود الذي
يتصنعه أبي نهارا بدى ينقشع على األقل عندما يتالقى مع أمي و ترمقه بنظراتها المعاتبة و
الغاضبة أحيانا أخرى يناظرها غاضب و ينفر منها حتى سمر بدت بعيدة عنا و هيا بييننا لم
تعد تلك الطفلة التي تحاول جاهدة أدخال البسمة لوجوهنا العابسة لم تعد تلبي نداءي للعب
في الحديقة لم تعد تشاركني التسلل لمكتبة أبي في الدور الثالث أترجها مرار لتلعب معي
الشطرنج رغم أنني أكره هذه اللعبة و هيا من كانت تترجاني لعبها معها بدت تنسحب شئ
فشئ تنكمش على نفسها خلقت حياة أخرى لم أكن جزء منها لكنني مع الوقت رضيت على
هذا فقد كنت معجب بالتغيرات التي طرأت على شخصيتها باتت أكثر قوة أكثر نضجا
عندما بلغت الرابعة عشر الحظت بنيت جسدي التي أصبحت أضخم لم أعد ذلك الصغير
الهزيل الحظت ذلك التغير عندما بلغني ذلك الظرف الصغير سلمتني أيه أسماء زميلتي في
الصف أشارت الى فرح ما رأتني انظر لها حتى ركضت مع صديقاتها تفاجئة بجراءتها
كتبت أنها معجبة بي منذ السنة الفارطة و عدم تجاوبي مع نظراتها و تلميحاتها دفعها الى
أرسال هذه الرسالة لها الفضل جعلتني أتجاوب مع الرجولة التي أقتحمتني و خلصتني تماما
من أشالء الطفولة العالقة بي منذ ذلك اليوم أصبحت أنظر الى نفسي رجل مختلف كليا عن
ذلك الطفل الهش الضعيف أصبحت أكره ما كنت عليه أكره ذلك الطفل المنكسر هذا قبل أن
أتصالح مع طفولتي المحبطة وأتقبلها و أهديها شجاعة بت أكسبها أعود للحديث عن فرح
بسبب عالقاتي المحدودة مع الناس لم أكن أعلم كيف أسير تلك العالقة الغرامية التي بت
أحد أطرافها لكن فرح أنارت لي الطريق عندما نكون في الصف تالزمني دائما تجلس
بقربي ال نفترق في الساحة يتجمع حولنا األصدقاء فتمسك بيدي و ضحكتها تمأل المكان لم
تنزعج أبدا من قلة خبرتي و كانت سعيدة كونها من تسير تلك العالقة تطلب مني أن أمسك
بيدها و تذكرني بعيدها و أنه عليا أن أهديها هدية حتى أنها طلبت مني مرة أن أطبع قبلة
على خدها ونحن عائدان من المدرسة و مع مرور األسابيع بت خير خبير في أدارة العالقة
و اكتسبت أيضا الدهاء جميلة تلك الفترة التي جمعتني بفرح كان جمالها يفوق سنواتها
الرابعة عشر بياضها الناصع و البسمة التي ال تفارق وجهها كانت كتلة من الحماس أهديتها
مرة بروش صغير من الفضة كان ذلك في عيد ميالدها الخامس عشر صنعه لها عصام من
قطع فضة صغيرة جمعها من بواقي القطع التي كان يصنعها للزبائن كان يتابع هذه العالقة
خطوة بخطوة و ساعدني بدوره على تدارك وضعي المزري كحبيب حينها كان ينتظرني
كل مساء ألروي له المستجدات
الوحدى
لم يكن من السهل أستيعاب ذلك القدر من الوحدى منذ فراق ليلى رغم قضايا المكتب رغم
اللغز الذي أقتحم أيامي الزال لدي وقت فراغ لعلني أنا من أسرع طيلة اليوم ألحظى بهذا
الوقت حيث ال يبقى للقلب غير الحنين و للعقل غير أجراس الندم التي ال تهدئ رغم
وجود صابر الذي ال يكف يربحني في لعبة الشطرنج يقول أنني أضحي بالجنود و أحتفظ
بفيلين دائما ما أخسر بهما هكذا أغلبنا يضحي بالجميع في سبيل أحد أما أن يخذلنا و أما أن
تخذله الحياة حتى زكرياء يأتي و يشاركنا السهرة أهرب أحيانا الى الفايسبوك تهاجمني
منشورات بذيئة و مقرفة و أنفر من تراشق التهم بين األصدقاء على قائمتي بين يساري و
أسالمي و بين شيوعي و قومي ال أعلم حتى كيف أجتمع كل هوالء على صفحتي أكتشفت
أن ليلى محتني من عندها حرمتني من مراقبة منشوراتها و تعليقاتها يزيدني هذا ضجرا
فأهرب للملفات المتراكمة أمامي أقلب الصفحات أدون مالحظات أراجع ملفات الطالق
أسخر من أسباب الطالق التافهة هذه لم تعد تطيق زوجها ألنه يستشير والدته في كل
قراراته و أخر ينعت زوجته بالمبذرة تجيبه أخرى في ملف تتهم زوجها بأنفاقه أمواله على
عشيقاته تجتاحني موجة من الجبن ماذا عن سبب فرقنا نحن بأي نظرة سيرمقني
القاضي سيلعنني الحضور ألف مرة أنا القاتل الوحيد الذي يخرج من أسوار المحكمة لن
أنال أي عقاب شافي ماذا لو أحتسبوا عدد البويضات التي لم أسمح لها بأن تلقح لو أنال
عقوبة القتل على كل بويضة كيف ال ألم أمنع أنا من نفخ الروح فيهم
التمرد
ال أنا و ال سمر أعتدنا التحدث عما نعيشه أعتدنا أن نحترق في صمت ونداري الحزن
بأبتسامة فارغة من الصدق و نخفي اضطراب أيامنا خلف جدار الصمت الذي يكمم
أرواحنا لم استطع تحمل الصراخ أكثر أنتفضت من السرير و مكثت خلف الباب
أنت حقير لدرجة مخزية أال تراعي مشاعر أ بنتك " تتردد شهقات أمي بينما يعلو صوت "
" أبي " اللعنة عليك و على ابنتك
تجمدت مكاني و أنا أسمع باب غرفة سمر يفتح كنت كمن يلتحق على مشاهدة فيلم في
النصف الثاني كنت مسعوق بشجاعتها هل قلت شجاعة يعني مكوثي خلف الباب جبن من
القسوة التي تتجسد في الخارج بدى صوت سمر قويا لم يكن بهذه القوة من قبل أخذ يصدع
في المكان" ألم تكتفي بعد من الفساد والفجور أنتهكت بعدم نضجك هذا طفولتي مألت
داخلي بالخوف من صوتك الذي يعصف كل يوم مثل الرعد من رائحتك المقرفة من القناع
الكاذب الذي أضعه نهارا " أستقرت صفعة قوية تردد صدها في المكان على خد سمر
مدتني السماء بقوة كافية و فتحت الباب لم تكن سمر منكسرة بل بدت قوية لدرجة مخيفة و
كأن روحها قد كسرت قيد الخوف لألبد سرى فجأة النشاط في الجسد المترنح مع أنه
سكران الى أنني أستطعت أن أرى وجهه الحقيقي بدون عالمات السكر و بدون قناع البرود
بدى لي صاحيا مخيفا و عاريا تمام من النفاق و التصنع دخل في هستيريا و هو يرى
النظام الذي صنعه ينهار ألول مرة يواجه التمرد هجم على سمر التي ترمقه متحدية "لن
نخضع لك هذه المرة " و كأن كلماتها وقودا تزيد ناره تأجج نار لم تعد تحرقنا بل ستحرق
نفسها تلقت سمر صفعتين سقطت أرضا مع شفاه دامية تمسكت به أمي باكية تترجاه أن
يتوقف عن ضربها لكننه لم يكن هو بل كانا في حضر ت شيطان
تحررت من جمودي و حررت من تحت يديه سمر تشبثت بي باكية أما أمي فضلت تبكي
بحرقة و هيا تتأمل أبي و صدره يعلوا و ينزل من الغضب في تلك اللحظة اكتشفت أن
األبواب المغلقة التي نحتمي بها تشبه الخمرة تخفف عنا وطئ اللحظة لكنها تنخر أرواحنا
ببساطة أنزواء كل منا خلف جدران روحه الهشة هو ضربا من الغباء
التحقت سمر بكلية الطب منذ ثالث سنوات بدت سعيدة بذلك التخصص ألنه سيمكنها من
األستقاللية رغم التعب الذي كان باديا عليها في فترات األمتحانات صارحتني من بعد تلك
الليلة أنها تحب وليد زميلها في الكلية رأيت الحب يحوم في عينيها و بريق العشق يسكنهما
كانت قد صارحت أمي قبل عدة أشهر و ما أن علمت أمي بهذا الموضوع حتى طلبت منها
وضع العالقة في أطارها الصحيح و أنه على وليد هذا أن يتقدم لخطبتها لكن سمر متخوفة
من ردت فعله اذ علم أن أبيها سكير و مقامر و منذ ذلك اليوم سكنت الهواجس أمي الى
اليوم الذي صارحت فيه أبي قبل تلك الليلة المشؤومة بيوم طلبت منه أن يكف من كونه
مصدر للخجل ألبناءه أن يكون رجل تفتخر به أبنته أمام الناس يومها غادر مسرعا هاربا
من كلمات أمي التي تدمي كبرياءه
" المساجد "
هش هو األنسان كورقة شجر تعبث بها الرياح قد تغرق به ذكرى واحدة في بحر ال قاع "
له من األلم و قد ترفعه أبتسامة واحدة للسماء السابعة غريب حاله هو األنسان ضعيف هو
" بقدر ما يدعي القوة حزين بقدر ما يبتسم صاخب هو بمقدار صمته
لم يستطع عقلي أن يزيح كالم أحمد و توالدت في داخلي رغبة في الذهاب للقرية قرية
الزهوى في جندوبة التي سكنها أبطال اللغز أحدهم أمتلك فيها الكثير و أخر مفقود منذ
قرابة ثالثون عام شيئ من العقالنية يحاول عبثا أقناعي بتجاوز هذا الموضوع لكن كلما
وليت تفكيري هاربا من بحر ليلى الذي أصبح خطر هذه الفترة حيث تكاد أمواج الشوق
تبتلعني و في محاولة مني بالتشبث باليابسة أهرب لهذا الموضوع لعله ينتشلني من ألم
القلب
في تمام الساعة السابعة صباحا كان أحمد واقف أمام العمارة التي أسكنها بدا لي متحمس
جدا و لم أكن أحبذ الذهاب بمفردي للقرية و هو متحمس لمواكبة مستجدات هذا اللغز
أستسلمنا للطريق لم نواجه أي أزدحام في صبيحة األحد لكن الصداع سرعان ما داهمني
بسبب ليلة أمضيتها أطارد أشباح ذكريات تطاردني و لسوء حظي لم يتوقف أحمد عن
الثرثرة يعلق على أي شئ يعترضنا في الطريق من الفتات أشهار لعلب الطماطم و
المعجنات َإلى الشعارات السوقية المطبوعة على السيارات و صوال إلى العائالت السورية
التي تتسول على الطرقات كنت مصغيا إلى ثرثرت أحمد بصدر رحب إال أن دعست على
الفرامل فقد كدت أدعس رجل مسن ال أعلم كيف وصل إلى وسط الطريق أقترب من
شباك السيارة فتحت الباب ألنزل إال إنه أعترض و أقفل الباب
يا بني كدت أموت وأنا بصدد دخول بيت هللا ألصلي الظهر_
أشار إلى باب المسجد في الشارع المقابل
أسف فعال يا سيدي أرجو أن تتقبل أسفي أعذر شرودي_
أنا لست كاثوليكي أو بوذي ي ا أحم د و حتم ا لس ت ملح دا له ذا ال ترمق ني بتل ك النظ رة _
أخبرني أنت من يضمن نوع الخطاب الذي سيقدم للناس و هل الخطيب هذا ه ل ه و مؤه ل
إلمامة الناس أغلب هذه المساجد ليست تحت رقاب ة وزارة الش ؤون الديني ة ال تي ب دورها ال
تبذل المجهود المطلوب لمراقبة المعلومة التي يتلقها رواد المساجد و ه ذا ليس هين ا ب ل ه و
خطير جدا فأغلب نواة اإلرهابية تنش أ في تل ك الجلس ات ال تي يتعم د مس يرها إيقاع ك في
براثن الفكر الخطير تسمى هذه مغالطة يعني أنها تقوم بوعي مرتكبها بشناعة فعلته و يوج د
أيضا الغلط مثال يمكن أن يكون الشخص الذي و قع عليه اإلختي ار في المس جد و ه و ع ادة
كبير الحي قد يكون هذا الشخص متعصب حيث يكون هو نفسه ضحية ذلك التفك ير الخط اء
لهذا ال أحد يضمن ما يقدم في هذه المساجد لكن هذا قد يقع في أي ميدان و قشة النج اة هي ا
وعي اإلنسان بدينه
لكن يا سيدي إن كانت الناس تدفع تبرعات لتبني هذه المساجد يعني أنها متعطشة ل دينها و_
تسعى لتتقرب إلى هللا
كالمك صحيح لكن الناس يتوقف سعيها لتتقرب إلى هللا بهذا قلة قليلة من تجده يسعى لفهم _
دينه و توسيع زاده المعرفي األغلبية معرفتهم بالدين معرفة سطحية هل تعلم لماذا
لماذا _
ألنهم يخافون السؤال و الحيرة يكتفون بما أنزل و يهملون ما وهبنا إيه هللا أي العقل ال _
يفهم الناس أن الدين يدفعنا للتساؤل الذي يولد بدوره النتيجة التي تكون دوما أكثر أقناعا و
ترتقي بنا في سلم الديني و الفكري أما األخذ باالستنتاجات الجاهزة هو إحباط لشعلة
التساؤل التي تأجج اإليمان مثال على هذا يتدافع الناس للتبرع لبناء المساجد لماذا ال يتبرعوا
لبناء مدرسة التي بدورها تأسس للعلم لما ال يتبرعوا إلنشاء مكتبات التي تشجع على
المعرفة هل يتبرع الناس لبناء مستشفى ال ألننا نركض إلرضاء الجانب الديني الذي ال
نكف نجرده من الجانب اإلنساني عندما يفصل اإلنسان الدين عن اإلنسانية سيفقدهما االثنان
القرية أخيرا
عليك بسؤال كبار القرية هم من يجلسون تحت شجرة التين هناك حتى أن ذاكرتهم أقوى _
من ذاكرتنا
قهقه الجميع بينما أكتفيت أنا بابتسامة مجاملة أشرت الحمد ان يبقى جالس و اقتربت أنا من
الشيوخ راحوا يترفسونني من بعيد
سالم عليك يا سادة _
أجاب أحدهم بدا بشوشا بوجه يدل على طيبة الشخص يعتلي كبوس أحمر بهت من الشمس
تفضل يا بني أهال بك _
يا سيدي جأت أسالكم عن شخص أسمه يوسف ورغي عاش هنا منذ مدة طويلة_
لعلك تتحدث عن ذلك الغالم ابن أمينة الذي هج ألراضي بعيد تاركا أمه تعاني أالم_
الفراق التي أرقدتها القبر واحسرتاه على خلفة مثل هذه
ماذا تعني أنه هج_
استخرجت إعالن الضياع واريته لهم
وهللا يا ولدي بعد شهور من أختفاءه حسب ما اذكر انتشرت أخبار تقول انه سافر إلى _
الجزائر و أخرى تقول أنه سافر إلى أوروبا راكبا البحر و قيل أيضا أنه أنظم إلى اإلرهاب
في الجزائر و قتل أبرياء و هللا أن هذه األخبار هيا من سرعت بوفاة تلك المغبونة أمينة
أرتميت على الكرسي البالستيكي في المقهى إلى أن أصدر صرير لم أكترث له تلقفني احمد
لقد تعرف أحدهم على يوسف ورغي قال لي أن إبن عمه يسكن في طرف القرية و هو _
مستعد أن يأخذنا له
التفت إلى الشاب الذي أبتسم لي بأستحباب لم يكن من الممكن التحدث ولو نصف كلمة بدون
أن يسمع الفضوليين من رواد المقهى لهذا أشرت للشاب بالذهاب فبدا متحمس و سبقنا
للساحة ال وجود ألي طريق معبد لهذا علقت األتربة في أحذيتنا وأما الشاب الذي يرتدي فخا
خفيف غلفت رجليه طبقة من الغبار
أن ابن عمه هذا يسكن في طرف القرية انه رجل مسن ربما قد ال يتذكر بسبب السن لكن _
يا سيدي زوجته خالتي مبروكة رغم سنها الزالت في كامل صحتها تصور أنها تعول مئة
كيلو من الكسكسي في أمسية واحدة أمي تقول هذا
سلكنا أنهج عديدة و مررت على مساحات خضراء توقف الشاب أمام منزل متهالك وراءه
الجبل بكامل هيبته طرق الغالم الباب الخشبي المتأكل سلم احمد ورقة نقدية قيمتها عشرة
دنانير مكافأة على مساعدته بدا سعيد بها رغم انه رفضها في البداية لكن احمد أصر ان
يأخذها فطر اعائد للمقهى ظهرت سيدة سبعينية من خلف الباب تطايرت شعيرات بيضاء
ناصعة من تحت فولراتها ناظرتنا باستغراب
عسالمة وليدي _
جلسنا في غرفة فرشت بالمرقوم كان الشيخ يحي متربع في ركن الغرفة يقرأ في المصحف
رحب بنا بوجه بشوش
نريد أن نسال حضرتك عن يوسف ورغي قيل لنا أنك إبن عمه _
ترفس في وجوهنا بأستغراب
يوسف أين نحن من أخبار ذلك الغالم ه لقد عبث الغبار على ذكراه _
لم أكن أعرف ماذا أقول أنا نفسي ال أعرف لما أسأل عنه قطع صوت أحمد سلسة أفكاري
و هو يحاول تدارك صمتي الذي كاد أن يخلق التخوف لدى الشيخ يحي
نحن نحقق في ملفات األشخاص المفقودين نحن متطوعين في جمعية السيد زياد محامي _
و أنا مساعده
رمقت احمد بنظرات غاضبة تفادها لم أكن أفضل الكذب على هذا الشيخ الطيب الذي
أستقبلنا في منزله
دخلت الحاجة مبروكة محملة كبيرة و ضعتها أمامنا حملت الصينية ببراد التاي و حذوه
النعناع الذي مالءت رائحته الغرفة و صحن زيت زيتون و صحفة من الفخار بالزيتون
المملح و خبزتين طابونة عربي صحن من الهروس و أربع بيضات مسلوقة من منتوجات
دجاجاتها
تامل أحمد الصينية و قد كاد لعابه أن يسيل
لما أنهكت نفسك حاجة _
إستأذنت و أحمد لكن الشيخ يحي أصر أن يصطحبنا في جولة في القرية تمشينا في البساتين
التي تنوعت منتوجاتها من بقول إلى نبتات ورقية تمشينا تحت األشجار الزيتون و اللوز
حتى بلغنا ساحة القرية راح الشيخ يلقي التحية على كل المترجلين بسعادة ورضا لم تكن
القرية ذات كثافة سكانية عالية قد ال يتجاوز عدد السكان حسب تقدير الشيخ الخمس مئة
ساكن و هو عدد في تناقص بسبب النزوح الريفي ألقينا التحية على الشيوخ تحت شجرة
الكرم و تجوزنهم لنبلغ الطرف األخر من القرية وصوال إلى منزل فخم من طابقين قال
الشيخ و هو يقطع علينا تأملنا لهذا المنزل المختلف عن البقية بهيبته و فخامته رغم
اإلهمال الواضح
ستسمع بعد قليل صياح األطفال هنا السكان يعتقدون أن هذا المنزل مسكون بالجن لهذا _
يتجمع األوالد هنا كل مساء للعب حولها و أستفزاز شجاعة بعضهم البعض بسذاجة
قال احمد
و هل هيا فعال مسكونة باألشباح اقصد _
ضحك الشيخ
الناسي يا ولدي في هذه القرية الصغيرة ال يكفون عن إشاعة السخافات و إشاعات _
لقد توفى محاولين خلق بعض المتعة و إضافة عامل التشويق ليكسروا رتابة أيامهم
صاحبها قبل عشرة أعوام و لحقت به زوجته بعد عدت أشهر و لم يكن لهما أطفال فبقيى
المنزل هكذا إال أن تتصرف فيه الدولة
ال بد أن صاحبه غنيا فرغم تواتر السنوات الزال المنزل يحتفظ بعالمات الرقي والفخامة _
حتى أنه مختلف عن بقيت المنازل
نعم لقد تعب صاحبه على تشييده و أنفق الكثير من المال في سبيل أن يكون على ما هو _
عليه لقد حرم من البنين و ترك مال سايب و قتها تعرف أهمية األبناء
و أنت يا سيد يحي هل لديك أبناء _
قال احمد
لقد سمعنا عنه قيل لنا أنه كان صاحب نفوذ في المنطقة _
أنحدرت الشمس معلنة عن إقتراب الليل لم أالحظ مرور كل هذا الوقت أشرت ألحمد الذي
راح يتأمل المنزل بأنه علينا الرحيل
جلست و احمد نتحدث بعد أن انسحب الحاج يحي ليصلي المغرب في المسجد
هل أنت مرتاح لهذا الوضع يا سيدي هل سنتوصل لشيأ ما _
نظرت لوجهه الدائري ذو المالمح الطفولية
وهللا ال اعلم يا احمد لم نتوصل لالن ألي شئ و إن استمر الوضع هكذا سأعود أدراجي _
لدي قضايا مهمة
أخرجت هاتفي ألتفقده وجدت رسالتين من صابر يسأل فيهما عن مكان وجودي و رسالة
من سلمى تسألني عن أوراق إن كنت قد قمت بأمضائهم
لم يكن أي من هذا يدفعني إلجابة و لو بكلمة مؤلم شعور أن ال يخلف رحيلك أو غيابك
القلق في قلب أحدهم و أنا أواجه هذا الشعور القاسي قفزت إال ذهني أبيات قصيدة كم أنت
وحدك لمحمود درويش
إن أسوء ما يخيف الروح هو الوحدى حيث تبحث عن كل شئ ال تجد غير نفسك متهالكة
تناظرك بأنكسار عندما تتعود على الوحدى تتأزم عالقتك مع ذاتك قد تبكي حالك اليوم و قد
تنقم على نفسك في الغد مع مرور الوقت تتجنب نفسك تتوقف عن محادثة روحك تتخلى
عن تعزيتها ومواساتها يحتويك الفراغ
"""
هز أحمد كتفي يسألني عن سبب شرودي كان الحاج قد عاد من المسجد بدا فرحا بوجودنا
وزعت علينا الحاجة مبروكة كوؤس تاي بالنعناع وقالت و هي تترشف كأسها
أخبرني يحي أنكما تبحثان عن يوسف _
هو نعم اسماعيل هو الحطاب الذي عمل عنده يوسف الرجل الطيب شغله كأبن لديه و _
ليس كشغيل كان يعطيه حقه و أكثر حسبه عوضا من هللا
قال احمد
البد أن هناك سبب لرحيله الناس ال تختفي بدون سبب مقنع _
آه اسماعيل كان رجل حكيما يا ولدي وعندما يحرمنا هللا من شئ يرزقنا بأضعافه حرما _
من البنين و رزقه باألموال بفضل حكمته و حسن تدبيره و في أشهر قليلة أستطاع ذلك
الفقير ان يكتسب مبالغ مهمة بفضل عمله في الفالحة قد أستثمر بعض من أموال أدخرها
في أعمال مختلفة في العاصمة و عادت عليه أضعاف األضعاف
منزل االشباح
لم أرد على إتصاالت صابر طوال الصباح لم أكن قادرا على تبرير سبب وجودي هنا و لم
أكن مضطرا لذلك ناد احمد ذلك الغالم الذي دلنا على منزل السيد يحي أخذنا في جولة في
الغابة كان المكان كثيف الشجار و األعشاب ستضيع وحدك لو قررت أن تأتي بمفردك
ستنسى الطريق الذي أتيت منه ألن جميع األتجاهات متشابهة سمعنا أصوات حيوانات
مختلفة صوت الذئب و رأينا آثار خنزير على األرض
أشرت ألحمد أن يبداء في الكالم
حدثنا الشيخ يحي عن منزل اسماعيل هل هو فعال مسكون البد أنك دخلته من قبل _
أبعد الغالم عدة أغصان لنتمكن من العبور
و قال ضاحكا
إنها أقاويل يا سيدي بعض الشبابيك مكسورة في الطابق العلوي لهذا تصدر صفير عندما _
تعصف الرياح هذا ما يقوله كبار القرية لكنني و رفاقي سمعنا أصوت غريبة تصدر منه
قال أحمد و هو يحاول تصنع الدهشة على التفاهات التي ينطق بها الشاب
هل نستطيع الدخول إلى هناك ال نريد أن نفوت علينا تجربة مثل هذه _
هذه مخاطرة كبيرة كبار القرية حرموا علينا الدخول الى المنزل يقولون أن هذا إنتهاك _
لحرمة السيد اسماعيل لكن في الحقيقة هم يخافون أن يمس الجن أحد المتطفلين
تكلمت و قد بداء صبري ينفذ
سنعطيك مئة و خمسون دينار ما رأيك _
أجاب الغالم متحمس
سأكسر القفل بسهولة و ستكونان بالدخل رفقة الجن و األشباح _
ودعنا الشيخ يحي و الحاجة مبروكة و غادرنا القرية بالسيارة تجولنا في شوارع جندوبة و
أكلنا الغداء بنهم في مطعم على ناصية الطريق و ما أن حررنا موعد االنطالق للقرية
أنطلقنا فيجب أن نصل في الليل تحت ستر الظالم وصلنا بعد الغروب للقرية دخلنا من
طريق خلفي حتى نتجنب األعين المتطفلة كدنا نجزم أن ذلك الغالم مرزوق قد تخلف عن
الموعد لكنه ظهر بين األشجار التي حول ذلك المنزل كنا قد تركنا السيارة خلف القرية
أشار لنا بأن نتقدم تمشينا بحذر حتى ال نصدر أي صوت يعكر هدوئ القرية تسللنا للقرية
لو لم ينتبه أحمد لنصف زجاجة الخمر التي كادت أن تنغرس في رجلي لكانت كل هذه
القصة أنتهت بصرخة مني بسبب األلم
فتح الشاب الباب الخارجي بكسره السلسلة التي التفت على طرقي الباب تقدمنا و سط
األعشاب التي تسبب بها األهمال أوحت لنا الحديقة حول المنزل عن عدد البأس به من
الحيونات من النمل وصول إلى األفاعي و الجرذان صعدنا الدرجات الثالث شرع الغالم
يحاول فتح الباب الخشبي المزخرف مرت بضع دقائق و هو يحاول جاهدا كسر القفل تقدم
أحمد بعد أن توتر أخذ يساعده على كسر القفل فتحا الباب بقوة قال األخير بأرتباك
هكذا لن يغلق الباب مرة أخرى _
أجابه الغالم هازئا
ال تقلق يا سيدي لن يكترث أحد لهذا الباب فالسراق كثر هذه الفترة لقد تم سرقت منزلين _
في طرف القرية في عز النهار و يقال أن
أسمع يا مرزوق سندخل األن لن نتأخر _
هز رأسه مطيعا مع أنه أظهر رغبة في الدخول معنا تقدمت و أحمد بحذر شديد مع
تسرب ضوء القمر من النوافذ المكسورة أشعلنا أضواء الهواتف حتى نتمكن من السير
تقدمت و الغبار حولي من كل النواحي تجولت في الطابق األرضي ما أن تقدمت قليال في
البهو حتى وجدت نفسي غرفة الجلوس بدت قطع األثاث المتهالكة المتفرقة في الغرفة
الواسعة في الغرفة الواسعة لم يكن فيها شئ غير تلك القطع الرثة تلك كستها طبقة سميكة
من الغبار وسكنها العنكبوت علقت على الجدران بعض اللوحات التي عبث بها الزمان و
أتلفها كانت مالمح المكان توحي أنه تعرض للنهب أقدم أحمد من الخزانة في الركن األيمن
للغرفة أصدر صوت صرير مزعج و هو يفتح األدراج البد أن السكك قد أكلها الصديد لم
يكن فيها بالشئ المفيد تفدينها و تقدمنا للدرج ذو األدراج الرخامية قال احمد و هو يصعد
الدرجات األولى للدرج
هل ما نفعله صواب يا سيدي _
لو أنها تراني األن انتهك حرية احدهم أدنس ما تبقى منه للقنتني درس في األحترام و
االنسانية أو لعلها لم تعد تستغرب أي شئ من أفعالي الشنيعة يا الهي كم اكره نفسي عندما
انظر لي بعينيها
نفضت عني هذه األفكار مثلما نفضت الغبار من على قميصي تقدمت بأصرار على
أكتشاف شئ ما لقد طال هذا الغموض أكثر مما يجب لم يكن في األدراج أي شئ ذو قيمة
بعض الجرائد القديمة جمعتها و قد أوحت لي المقاالت المقصوصة أنها قد تفيدنا ثم فتحت
بصعوبة الباب الوحيد المقفل في خزانة المالبس كانت فارغة إال من أقمشة بالية مهترأة
نبشت في األرفف لعلني أجد شئ لكن عبثا لم أتصل إال على الغبار و العنكبوت أيقضني
صوت أحمد من األحباط الذي بداء يتسرب
لقد فتشت غرفة المعيشة أنها شبه فارغة لكن وجدت غرفة أنها مكتب اسماعيل هيا البد _
انه فيها شئ ما
تقدم في البهو مسرع الخطى كان المكتب يحتوي على مكتب خشبي فخم و خزانة على
طول الحائط تقدمت للمكتب لم يكن للكرسي أي أثر مما يأكد لنا أن أيادي السكان امتدت إال
هنا و هذا يقلل من فرص أيجدنا شئ ينير لنا عتمة الغموض لم اسمح لهذه األفكار أن
تحبطني و تقدمت أنبش في األدراج بضوء الهاتف نبش أحمد في الخزانة لكن سرعان ما
التحق بي وجدت أوراق مبعثرة من أوصال أستخالص للمياه و الكهرباء تعود لسنوات
مضت سحبت الدرج األخير لكنه لم يكن بنفس مساحة بقيت األدراج سحبته لكنه أبا عكس
البقية ما أن أسحبها حتى تجدها في يدك
أنتظر يا سيدي سأقلب المكتب _
قلت متوتر
هيا أسرع ال نريد أن نتورط هنا _
كان الدرج مثبت بمسامير في هيكل المكتب أستعمل احمد كل قوته ليزيحه لكن سدى
ساعدته في فصله عن المكتب نجحنا بعد تهشم جزء من الدرج سقطت عدت أشياء على
األرض صوبت عليها ضوء الهاتف رفعها أحمد ووضعها على المكتب أفزعنا صوت
مرزوق الحاد
لقد اعتقدت أن األشباح قد نالت منكما لقد تأخرتما _
لملم أحمد األشياء بسرعة خرجنا مسرعين دفعنا لمرزوق المبلغ المتفق عليه و دعنا و هو
يعد النقود بفرح لم يكن يبالي ال بل المنزل و ال األشباح كان سعيد بالمبلغ و في عقله
تتزاحم أفكار المراهقة أصر أن يأخذ رقم أحمد حتى إذ نزل للعاصمة ساعده في العثور
على عمل لب األخير طلبه برحابة صدر طمأننا أن ما حصل الليلة سيموت مع بزوغ الفجر
قدت بسرعة السيارة مبتعدا عن القرية كان شئ ما يدفعني للرحيل من هناك
لم أتوقف إال أمام باب العمارة لقد غفى احمد في الطريق
لم يستيقظ كليا بل بالقدر الذي يمكنه من النزول من السيارة و صعود المصعد ثم االرتماء
على األريكة التي لم يسمح لي بتجهيزها ما هيا إال ثواني حتى وصلني صوت تنفسه بدا
مثل طفل
رميت كل األشياء أتي جلبنها على الطاولة لم أطالع أي منها أسرعت إلى حوض االستحمام
وجدت صابون ليلى في الرف لقد نسته حتما أو لعلها عمدا لتثير شهوتي و تعذبني أكثر
يألهي كم أشتهي أن أحضنها حضن يطول دهرا عناق يجردني من هذا الحزن الثقيل لو
فقط أرى عينيها الذين يسكنهما حب و حنان ليس العينين التي رأيتهما في المرة الفارطة
كانت قاسية كغصن زيتون هيا التي عشقت خضرت النبات حتى أزهرت لي عمري
لسنوات جاء اليوم الذي انقلبت فيه عليا كنبتة صحراوية
وجدت نفسي بحماقة أرسل لها رسالة قصيرة " أشتقتك " لقد سكرت بعطر صابونها أنا
أشتاقها لحد الجنون غيابها مؤلم أنا هش من بعدها كورقة شجر تعبث بها الرياح ال غصن
يحتويني
تمددت ساعتين تقريبا لكن بدون جدوى لم يزرني النوم أبدا أنا أعرف هذه الليالي ليالي
الشوق يهجرها النوم أعددت كوبا من القهوة و جلست حول طاولة تحاذي المكتبة رحت
أقلب في األوراق التي جلبنها من المنزل
مقاالت يعود تاريخ أقربها قبل خمسة عشر عام 'االراضي التونسية و المواد المنجمية ' و
أخرى فقر فوق األرض و ثروات وفي باطن األرض ' أموال تلدها األرض تذهب لخرينة
الدولة ' شغلني تقرير طبي مدسوس في ظرف عليه تاريخه يعود إال عشرون عام مضت
من معهد باستور يقول التقرير إن صاحب هذه العينات يعاني من العقم أنه اسماعيل من
الفضيع ان يوهم الناس إن زوجته من تعاني من العقم ليظهر في صورة الرجل الذي رضا
بحكمة هللا
انهيار
ورقة الطالق التي وصلتني جديرة بإفقادي طاقة يوم كامل ما إن تقدمت لي سلمى بالورقة
أنسحبت بهدوئ حتى ذهلت تمام الفوضى داخلي كانت عارمة الحزن و الدهشة األنكسار
كل هذه المشاعر تتنافس بعنف داخلي رغبة في البكاء و رغبة في الصراخ لكنني لم
أحرك ساكنا بقيت صامتا و جامدا ال أعلم كم ساعة أمضيتها على ذلك الحال كنت أسبح في
الفراغ ال شئ حولي ال شئ
اتصلت سلمى بصابر تستنجده حالتي المتأزمة تحدث صابر كثيرا عن أشياء ال حصر لها
تجول مرارا في المكتب بدا غاصب ثم مصدوم بعدها أظهر المباالت ثم راح يستهزأ
بالنساء جمعاء لكنني بقيت صامتا أي كلمة تعجز عن وصف مقدار خوفي من فقدان ليلى
عبثا أنطق بها
لم أعاني من أثار الثمالة بتلك الطريقة في حياتي تقيأت مرارا حتى كدت أتقيأ روحي
المتهالكة كقميص يتيم لم ترحمه الحياة لم يصمد جسدي إلى ثالث أيام وخذلني كما تخذل
األوطان شعبها
فتحت عيني ببطئ شديد كأنني كنت أسير عقلي لمدة لم يخولني األخير على تحديدها
خرج صوتي متعبا
ماذا حدث ال أذكر شئ _
ما أن سمع صابر صوتي حتى ركض بأتجاه وقد كان يطالع هاتفه على كرسي أمامي
سمعت ضجيج من البهو طل عليا أحمد بوجهه الطفولي لكنه غادر الغرفة متحمس
زياد صديقي لقد أخفتنا عليك _
_
لقد فقدت وعيك و قال الطبيب أن نسبة الكحول في دمك مرتفعة جدا أعطاك مصل و _
أدوية كثيرا و أنت نائم من ثالثة أيام
سمعت ضجيج عند البهو ألتفت بصعوبة
زياد عزيزي _
سمر_
قال صابر
أنا من أتصلت بها عندما تعبت صحتك و ما هيا إال ساعات حتى أتت من كندا _
هيا تعال يا أحمد و ساعدني في تحظير الغداء لقد أعددت أشهى األطباق _
آه يا سمر أرجوك ال تفعلي الزلت أذكر مقرونتك أنها األسوء على األطالق _
األطباق الشهية ألحمد و صابر أما أنت فلك حساء الخضار ساعده يا صابر على _
النهوض انه يعاني من الدوار على رسلك
ما إن انسحبت سمر حتى قال صابر مبتسما
إعتقدتك ستغضب عندما تجدها _
لقد إشتقتك لقد مرت خمس سنوات على أخر لقاء منذ أن دفنا والدنا لعلنا أردنا أن ندفت _
أوجاعنا معه التي كان جزء ال يتجزء منها نحن ال نريد أن نرى أطالل الماضي التي
تحضر كل مرة نلتقي فيها
نحن ال نستطيع دفن أحزاننا يا سمر بل هيا تسكننا قد نتوهم أننا تحررنا منها لكن ال أنها _
فينا ال تغادرنا
هل األوضاع سيئة لهذه الدرجة مع ليلى _
تكدر و جه سمر و همت باألجابة إال أن طرق الباب فهرعت إليه تستنجد به للتهرب من
األجابة على سؤالي
دخل صابر بدا متوتر و هو يتقدم نحوي ظهرت سمر مرتبكة أعتدلت في جلستي بصعوبة
و ما إن رافعت رأسي حتى رأيت زرقت عينيها
إقتربت من األريكة الجلدية المقابلة لي شعرت بالخجل من نظراتي التي تتفحصها لم تلتقي
عينيها بعيني ظلت تهرب بنظرها إلى الجدران و اللوحات المعلقة التي إخترنها سويا البد
أنها الحظت كم أصبح المنزل كئيب من بعدها خاليا من الحياة من الفرحة بات يستفز
حاضري بحنينه للماضي لم أالحظ إنسحاب صابر و سمر فعيناي كانت تتفحصها تتأمل كل
تفصيلة فيها عينيها أصبحت أكثر سحر شعرها األسود إزداد طوال ما إن رفعت نظري
عنها حتى شعت بالخجل أن تزورك من صنعت بك كل هذا حضورها يخجلني جدا
عندما سمعت أنك مريض لم أستطع منع نفسي من المرور و لألطمأنان عليك _
لو لم أرى عينيها ألخذت كالمها على نحو أخر لحسبتها تحن مثلي لكن ال أثر للشوق في
"عينيها كدت أصرخ فيها " لقد كسرتك يا ليلى و ألنت تطمئني عليا
لكنني نطقت بغير هذا
و ضعي ليس مزري لدرجة أن يكسر الجفاء الذي بيننا _
عندما تحدثنا المرة السابقة هنا عن الفراق هذا كنت أتألم فقدان أثمن شئ كنت أرثي أبناء _
لن أنجبهم أنا ثكلى أبناء رحمي الذي لن يروا النور أنا لم أشفى من هذا األلم الفضيع لكنني
تعودت عليه أتعايش معه
أرجوك يا ليلى كفا أنت ال تعلمين كم أصبحت هش ال تأنبنني أكثر أنا أقوم بهذا نيابتا _
عنك أقوم به كل يوم و لن أكف أبدا
أنا شريكة لك في هذا الذنب كنت أتفادى التحدث في موضوع األنجاب كي ال اعكر _
صفوى أيامنا كنت أخاف منك و عليك من هذا الموضوع الذي تتحسس منه كان عليا أن
أتحدث فيه كل يوم أما أقنعك أو أنسحب قبل فوات األوان على األقل
ال تحاولي لوم نفسك حتى يا ليلى أنا وحدي من سأتحمل هذا الذنب ال تسمحي لطيبتك أن _
تقحمك في هذه الدوامة أنت الضحية هنا أما أنا فالجالد
وقفت ليلى مرتبكة لم أستطع منع نفسي و وقفت مسرعا حتى كدت أهوي على األرض
مسكت راسي بسبب األلم الفضيع يعصف بي ترددت بأن تساعدني لكنها لم تفعل همت
بالمغادرة
_ ال اعتقد ذلك
ذهبت مسرعة هاربة مني كدت أهوي على األرض أستطاعت يد صابر أن تمسكني أصبح
كل شئء مشوش من بعد تلك اللحظة كلمات صابر السقف الذي أخذ يدور وجه سمر
المرتبك الحقنة السقف الذي ال يكف يدور و يدور
عرس
ال سمر و ال أنا و خاصة أمي أعتقدنا أن زواج سمر سيكون بذلك البرود في ليلة التعرف
كان البيت جاهز ألستقبال وليد أما سمر لم تغادر غرفتها لساعات تتزين وامي الزمت
المطبخ تعد أشها األطباق أستقبلنا وليد عند الساعة السابعة ليال أخذت منه أمي باقة الورد
الفخمة ووضعتها على المنضدة أخذ يتحدث كثيرا مع أمي عن الطقس الخريفي الذي يطرد
أخر مالمح الصيف ألتحقت بنا سمر التي أخذت ترمقه بنظرات حب خجولة
غادر أبي منذ الصباح و قد صرح برفضه مقابلة وليد حتى سمعت صوته بتردد في البهو
في الصباح "لن تري وجهي في هذه الزيجة ابدا فل يأخذك رخيسة مثل امك" كان التناقض
بين الليل اختفى تماما أبي الذي كان يرعبنا ليال تخلى عن قناعه نهارا لكنه لم يعد يرعبنا
ال ليال ال نهارا حاول وليد إضافة شئ من البهجة في الجلسة ليخفف من التوتر الذي كان
جليا على أمي وسمر بسبب غياب أبي أخذ يحدثني كأنني رجل البيت بقينا نتحدث في
مواضيع عامة إال أن أكتشفت أنه يعشق برشلونة مثلي فتحدثنا كثيرا عن الفريق و بطوالته
األخيرة
ما هيا غال بضعت أشهر و تزوجت سمر تعمد أبي السفر بالباخرة إلى أسبانية حتى ال
يحضر الزفاف الذي كان مضيقا جداوهذا بعد إلحاح سمر لم يكن العرس يشبه بقيت
األعراس التونسية بسخبها و أجواءها االحتفالية مع أن امي لم توفت أي تفصيلة للعرس من
الحلويات المتنوعة و الحناء و الحرقوس الذي إمتالء المنزل برائحتهما اإلى االغاني و
الزينة المعلقة وصوال إلى شهقات سمر على كتف أمي قبل ذهاب الى الحمام رفقت
صديقتيها
لكان أفضل لي لو كنت يتيمة إنه ال يكف يسقيني أالم ال طاقة لي على تحملها " اقتصرت "
ليلة الزفاف على ساعتين في قصر البلدية في المرسى
بعد ثالثة أشهر سافرت سمر مع وليد إلى كندا قالت لنا في أخر زيارة للمنزل قبل السفر
"لم أعد أطيق زيارة هذا المنزل أنني أختنق وليد هو متنفسي الوحيد سأسافر معه لكندا
" تحصل له أخوه عمل في أحدى المستشفيات و أنا سأكمل تعليمي هناك هذا خير لي
بعد شهرين من سفرها أخبرتنا عبر الهاتف أنها حامل لم أرى أمي فرحة بتلك الدرجة
في حياتي كلها بكت حينها و هيا تطلق زغروطة في الهواء أحتضنتني بقوة و هيا تقول "
سمر حامل يا زياد أنها حامل " رأيت ظل أبي و أنا أضع ذقني على كتف أمي أنسحب
بهدوئ لألعلى
نسخ
مر أسبوع أكتسبت فيه من الطاقة ما مكنني من العودة للعمل فرغم عمل سلمى الدؤب و
أحمد الذي يتنقل مثل النحلة من المكتب إلى المحكمة و المنزلي ألتمكن من توقيع بغض
األوراق لم يكن من الممكن التغيب أكثر من هذا حتى أن المنزل ينهشني ال يكف يضعني
في مواجهة مع الماضي رغم أن وجود ساعدني كثير ألتعافى
جلسنا في مقهى مطار قرطاج الدولي نشرب بعض من القهوة الساخنة
لوال قدومك لما تحسنت صحتي بهذه السرعة _
بكت سمر كثيرا و هيا تودعني كأنها لن تراني مرة أخرى لقد بدت مثل أمي فعال تبا للقدر
الذي يحولنا لنسخ من والدينا إنه يكسرها مثل ما فعل مع أمي و يجعلني أكسر مثلما كان
أبي يفعل
والدة عشق
أنا رجل ال أنتماء لي أحتويني مثلما يحتوي الكأس الماء أقبلي أن أعتنقك بكل ذرة عقل "
" أملكها
قلت لها هذه الكلمات على شاطئ البحر حيث ألتقينا أول مرة قدمت لها يومها منديل كانت
تبكي بحرقة عرفت فيما بعد أنها فقدت أمها التي ربتها أما التي ولدتها فقد ماتت منذ زمن لم
نتحدث ذلك المساء أبدا ظلت تبكي بلوعة لم تعترض على جلوسي بقربها على الرمل
أخبرتني في ما بعد أنها كانت بحاجة إلى شخص ال يدنس قداسة حزنها بكلمات األسف
المبتذلة كانت تحتاج إلى من يشعرها بوجوده حولها بعد ساعات من البكاء رحلت قمعت
نفسي بصعوبة كي ال ألحق بها رحلت تاركا لي صدى شهقاتها بقيت أقصد ذلك المكان طيلة
شهرين أبحث عن أثرها كنت متأكد أنني سنلتقي مرة أخرى فمالبسها كانت توحي أنها تسكن
في ضواحي المنطقة صادفتها مرة تجلس على كثيب من الرمال قبالة البحر الهائج
أنكمشت على نفسها بخجل ما أن رأتني أمامها و كنت أتبسم كمن عثر على جوهرة أمضى
عمرا في أثرها كانت تقراء كتاب أستطعت لمح عنوانه "زوربا اليوناني " شعرت باألرتباك
من وقوفي حذوها كأنني سأنقض عليها و ما عزز أرتباكي نظرتها التي توحي بأنني منبوذ
كانت تشبه الطفلة بمالمح بريئة و شعر أسود يتطاير به الهواء كأنه يشتهي معه رقصة و
قفت متوترة و ذهبت متعثرة بعيدا بعد أشهر قلية تعودت على قدومي لم نكن نتحدث كثيرا
و مع الوقت بت أالحظ أنها هي أيضا لم تعد تأتي لتجالس البحر وتدع أمواجه تالمس
قدميها أصبحت تأتي لمالقاتي كال منا وجد االنسجام و الهدوء الذي يبحث عنه ثم صارت
تراني في سيارتي أمام باب كلية التمريض في باب سعدون مرة أكتفي بتأملها و مرات
أخرى ال أكاد ألقي عليها السالم حتى تهرب بخجل مع صديقاتها تاركة لي عنفوان عطرها
و شبح أبتسامتها الخجولة يتالعب بي
في ذلك اليوم وجدته أمام الكلية الحزن الذي كان باديا على مالمحها دفعني ألحدثها لم
تهرب مني كعادتها لم أرى ضحكتها المكتومة بل صعقتني دمعة على خدها كان أنفها
محمرا بسبب البكاء تكلمت من بين شهقاتها " أبناء ليال مريم سيطردونني من المنزل " لم
أكن أعلم من مريم و من أبناءها علمت من بعدها أن ليال مريم هيا المرآة التي ربت ليلى
ما أن توفت والدتها اثر والدتها ربتها لتأنس وحدتها ما أن هاجر أبناءها للخارج و توفى
زوجها من سنوات إلى تاريخ موت المرآة حيث قرر أبناءها أن يبيعوا جميع األمالك
طمأنتها بعد أن داعب خوفها رجولتي شعرت أنها مسؤولة مني منذ تلك اللحظة منذ ذلك
اليوم أصبحت ليلى شئ مني بعد ستة أشهر تزوجنا زواج ملئ بالحب و اللهفة زواج لم
يحضرها إال األصدقاء أهديتها سوار مرصع بالزمرد كانت أمي أعطتني أياه ألقدمه
لزوجتي قبل أيام من وفاتها بسبب األنسداد في أوعية القلب كان قد مر على وفاتها تسعة
أشهر حينها
ظهر أحمد بوجه شاحب خالي من الحياة كأن مالمحه الطفولية قد ماتت لألبد ما أن راني
حتى ارتمى على كتفي يبكي بحرقة ربت على كتفه بيد و مسحت باألخرى دمعة لم أستطع
كبحها منظره المنكسر يشعرني بالحزن آه من األم الحزن الذي يخلفه رحيلها ال يشبهه أي
حزن أخر انه فريد مثلها تمام حزن بقدر الحب و الحنان و العناية ألتي تزودنا بهم بدون
أن تنتظر منا أي مقابل ما أن تنجب المرآة طفل حتى تتحول إلى رب حامي له لهذا رحيله
يرجنا رجة عنيفة كأنها صفعة من الحياة تقام عاصفة داخلك من المشاعر كأن رياح تجتاح
داخلك تبعث فيك الخوف و الرهبة عندما تموت األم كأن تسلب من رداءك في قلب
العاصفة الرب الذي في األرض قد أختفى علك بالذي في السماء قد يسمعك تركني أحمد
للحظات ثم عاد و معه طفلين ولد في الحادية عشر و فتات في التاسعة من عمرها "هذه
مالك و هذا أخي أسامة " كان الشبه واضح بين الثالثة كم كان اليتم واضحا على وجوههم
اضطررت للنهوض عندما ظهرت سلمى عند رؤؤسنا سلمت على أحمد عزته بكلمات
مواسية تتخللها آيات و أحاديث دينية من تلك التي كانت تتردد بين الجمع بجانبي
خديجة
نادتني أمي يوما ما و صعقتني بهذه الحكاية كانت أمي تسكن في قرية الزهوى تزوجت
بأبن عمها ورثت من أمها عملها و هو جمع األكليل و الزعتر و األعشاب من الجبل عندما
تزوجت كانت في السادسة عشر و ما إن مر على زواجها سنة واحدة حتى ماتت والدتها
بسبب الحصبة و حزنت على موتها حزن أرقدها الفراش أليام و تسبب بموت جنينها و
أنجر عن هذا نزيف قوي كاد يأتي عليها أخبرتها قابلة القرية أنه من الصعب أن تنجب
مرة أخرى و أكد أطباء المنطقة هذا االحتمال و إن حملت يوما فهذا يتطلب معجزة من
الخالق
تحسنت حالتها بفضل رعاية أبي فرغم القروش القليلة التي يكسبها من عمله في الطاحونة
جلب لها أفضل األطباء في المنطقة لم يكن موضوع اإلنجاب عائق لحب الزوجين الذي
قوته األزمات الحب في ذلك الوقت كان يتجلى في األحترام المتبادل اضطرت خديجة
للعودة إلى العمل و كان هدفها تجميع المال لزيارة أطباء في العاصمة لإلنجاب لم يكن
شوقها لألطفال يفوق شوق زوجها الذي يكبرها بأحد عشر عاما
مرت أشهر كانت تبيع ما تجمعه من الجبل إلى ثالث دكاكين في القرية يتولى زوجها
إيصال لطالبيات ألصحاب الدكاكين عملت أيضا في تقطير الزهر و الفليوا و العطرشية
كانت امرآة نشيطة رغم مرض فقر الدم بسبب انتكاستها الصحية
ذات يوم موعود خرجت خديجة قبل الفجر أطعمت دجاجاتها ثم قصدت الجبل قبل أن
تتزحزح النجوم من السماء حتى فاليوم انتظرته ألشهر طويلة اليوم موعدها مع الطبيب
في العاصمة رغم هذا الحدث العظيم لم يكن من الممكن أن ال تقصد الجبل لتجمع الطالبيات
فكثيرات من يعملنا في هذا المجال و ما أن تبدي احدهن الكسل لن تجد مكانها في السوق
في الغد ودعت خديجة زوجها و أسدلت شالها على رأسها يقيها الصرد و الندوى تسربت
خديجة من القرية و ذهنها مشغول بزيارة الطبيب عليها أن تكمل عملها في وقت وجيز
تقدمت بين األعشاب جمعت النافع منها تقدمت مسرعة كي ال تفوت قطار الثامنة ربطت
رزمة األكليل بحبل متين على ظهرها تقدمت من مكان معتم كانت صخرة كبيرة اعتادت
أن تجلس عليها لتأخذ استراحة تسرب الضوء من بين األشجار معلن عن يوما جديد توقفت
ما أن سمعت أصوات رجالية من خلف الصخرة أحتارت ماذا تفعل هل تكمل طريقها أم
تتراجع ماذا لو كانوا خطرين جلست خلف الصخرة ببطء وبعد أن وضعت رزمة االكليل
أرضا كانت دقات قلبها تتضاعف مع كل كلمة تسمعها وضعت يدها على فمها كي ال
تتسبب شهقاتها بفضح أمرها
يا سيدي هدئ من روعك انه نكرة لن يكترث له احد ثانيا الغابة كبيرة قد تقضي فيها _
عمرا و ال تتعرف على كل جزء منها انظر يا سيدي أنت أصال لم تالحظ أي شئ الحفرة
كبيرة جدا أطمأن يا سيدي ال شئ يدعوا للقلق
تجمدت خديجة في مكانها أي خوفا شعرت به في تلك اللحظات تكلم أخر
مثلما أخبرتك لي ثلث المبلغ فلوالي لما تعرفت على السيد عبد الناصر فال يمكن لوبش _
مثلك أن يطال معرفة عبد الناصر السندي لكنت احترت كيف تتصرف بسبايك الذهب التي
أخرجتها لما كان احد سيعطيك هذا الثمن
تكلم شخص ثالث توحي نبرته انه ينتمي لبيئة مختلفة
أنا هنا ألتسلم الذهب و ارحل فورا و بعدها تناقشا عن اقتسام النقود و األن هيا لنرحل _
دعوا هذا الغالم المسكين يرقد بسالم يا لحظه العاثر هو من أشار لك للرخام الظاهر في
الحفرة فكان نصيبه أن يرقد فيها هل كان عليك قتله لما لم تسكته ببعض المال
يا سيدي هوالء الفتية ال يسكتهم مال قارون كان سيخلف لنا المتاعب ال تقلق لقد فعلت ما _
يتوجب عليا فعله
انسحب الثالثة عند الربوة ميزت خديجة وجه ذلك النجس اسماعيل بمالبسه الرثة ينتاقر مع
أخر ذو لحية طليقة بسبب اإلهمال أما ثالثهم فكان رجل طويل القامة يرتدي مالبس أنيقة
ظل يمسح حذائه باستمرار من التربة إلى أن ابتعدوا عن مدى نظرها
انهارت خديجة تبكي حظها الذي أتى بها لهذا المكان في هذا الزمان ركضت بسرعة و
شهقاتها تتردد بين األشجار تعثرت مرارا بين الحجارة كانت األفكار تتزاحم في ذهنها
سكبت على رأسها سطل من الماء من المنجل لعل هذه القشعريرة تزيح لكن عبثا
الحقيقة
امشي في المكتب مثل المجذوم أسأل نفسي أسأل المكتب و الجدران لكنها ال تجيب أسألها
أما أن تحولني جماد مثلها و تعفيني من ألم الشعور هذا لو تنفي ما ينطق به أحمد هذا
هجمت عليه و هو يبكي مثل الطفل انه طفل حقا انه يكذب بالتأكيد مسكته بعنف من قميصه
حتى فصلت منه أحدى األزوار
تكلم يا أحمد قل أنك تمزح _
لكنه يهز رأسه باكيا اليزال مصر على قوله مثلما تصر الحياة على إصابتي بالجنون اهجم
عليه ثانيتا أهزه لعل الحقيقة تسقط منه
تكلم يا احمد باهلل عليك قل أنك تمزح لقد بكيت في جنازته هل تعلم ما معنى هذا لقد بكيت _
على موت أحد القتلى لقد تستر على الجريمة أنه قاتل مثل اسماعيل
كم وددت لو أركض للنافذة المفتوحة و أحتضن الطريق وأخلص نفسي من لعبة األقدار هذه
في داخلي مشاعر اكبر من أن تحتويها أحرف ومن تنسجها أسطر في داخلي ألم أكثر من
أن ابكيه ال تنفك الحياة تفاجأني بقدرتها على أحزاني بهذا القدر
تجرعت كأس من الماء بيد مرتعشة و كان الماء سيساعدني على هضم هذه الصدمة
لما لم تخبرني منذ البداية لما أخفيت حقيقة أن يوسف الذي يلومه أهل القرية لألن على _
هجرانه أتهموه بالجنون حتى و هو طوال هذه السنوات يرقد بجانبهم يرقد في حفرة
أستبدلته بالذهب الذي زاد من وساخة هوالء
تكلم أحمد و هو يجلس كأن رجليه لم تعد قادرة على جمله
عندما رأت أمي كل هذا علمت بعد أيام أن الضحية هو يوسف كانت القرية مستنفرة على _
أختفاءه لم يكن ألمي الشجاعة الكافية للبوح بالحقيقة خافت على نفسها و على أبي من يد
اسماعيل الطائلة فهو كان عين الشرطة في القرية يرسل لهم المعلومات التي يريدونها
أقنعت أبي و باعت كل ما تملك السماعيل الذي تكالب على شراء األراضي والبيوت في
القرية حسبت أنها هربت من تلك الواقعة لكن مع مرور الوقت علمت انه ذنب تتقاسمه
معهم هيا األخرى و ما هيا إلى أشهر حتى أتت معجزة رحمها األولى و انغمست مجدد في
شوؤن الحياة لم يكن من السهل عليها بناء حياة جديدة في بيئة مختلفة عملت بجهد لتساعد
أبي على إعالة العائلة التي أخذت بالتوسع و لي تمنعه من خلق األعذار للعودة للقرية
مرت السنوات ومات أبي تاركا لها ابن في الجامعة و طفلين في االبتدائي و ما أن عرفت
حقيقية المرض الذي ينهش في جسمها وإن ما ا تبقى لها اقل مما كانت تعتقد رمت بهذا
الحمل على عاتقي لكنها جعلتني أقسم أن أوصل الحقيقية لشخص يتحمل عناء إظهارها
للعلن كانت تخشى أن تالحقنا يد اسماعيل أو يد القانون لتكتمها عن الجريمة من هنا بحثت
عن اسم عبد الناصر السندي االسم الذي لم تنساه أمي طوال هذه السنوات أحترت كيف
أرمي لك بالطعم لكن منذ أول لقاء أكتشفت شخصيتك تعجبت كيف أنك بذرة نفس الشخص
الذي تستر على مقتل غالم صغير لم أستطع كبت نفسي و ركضت وراء حس المغامرة
لدي
شعرت لوهلة أن أحمد ال يعي مقدار الذنب الذي نتحدث عنه الذي تورطنا فيه بطريقة و
بأخرى
مغامرة نحن نتحدث عن مقتل غالم مسكين مات كي ال يفسد غبتة األخرين بالمال و _
الصفقة الهائلة و أنت تقول مغامرة
شعر أحمد باإلرتباك من كالمي و نظراتي الغاضبة لم يكن يمتلك حجة تغفر له ذنب
التستر عن الحقيقة طوال هذه األشهر أكملت
كل يوم يمر على موت هذا الغالم هو ذنب يقع على عاتق أحدنا _
لم تكن لي طاقة للوم احمد أكثر من هذا كنت منهك القوى عمري كله قضيته أحارب كرهي
ألبي أقمع هذه األفكار كل ما داهمتني أحاول جاهدا إسكات الطفل الذي ال يكف يروي
عذاب الطفولة و خوف الماضي الذي الزال يسكن دهاليز قلبي ال أصدق أنني سمحت
لنفسي أن أحبه حتى للحظات تلك األمسيات التي يشتري لي البوظة و الهريسة اللوز حين
يحدثني عن الذهب اذكر أنني أحببته عندما بكى و نحن ندفن عصام عندما توفى بمرض
السل أحببته في اليوم الذي أهداني فيه الكمان ووعدني أن يعلمني العزف عليه لكنه لم يفعل
بل في نفس ذلك اليوم هز صراخه جدران المنزل مما جعلني أتبول في السرير من شدت
الخوف
تمنيت لو أبتلع الطريق ال أتحمل ثانية واحدة و هذا الذنب على عاتقي حذرني أحمد مرارا
ألخفف من السرعة لكنني لم أكترث له دخلت مكتب زكرياء في بشوشة تعابير وجهي
قمعت أبتسامته أخذت أحرق السجائر بينما احمد يري له القصة كاملة قاطعتهما
هل لي بسيجارة يا زكرياء _
ملئت السجائر المنفضة رمى زكرياء علبته و هو يصغي بذهول لكلمات أحمد ناظرني
األخير متوتر كأنه يسألني السؤال الذي أستفزني
قل الحقيقة كاملة يا أحمد كاملة _
ما أن أكمل كالمه حتى شعرت ببعض الراحة لكن لم يختفي الضيق الذي في صدري
اقتربت من النافذة ألتمس الهوء تقدم مني زكرياء
أنت تحرق نفسك ال السجائر يا صديقي هون عليك بحق السماء ال ذنب يقع عليك _
هذا الموضوع يرهقني كثيرا _
ابتسم زكرياء نصف أبتسامة و هو يرمي نصف السيجارة التي في يدي من النافذة _
هنيئا لك بهذا الضمير لو كان شخص غيرك لما باح بالحقيقة خوفا على سمعته أنت ال _
تكف عن أبهاري كل فترة يا صديقي
عن أي أبهار تتحدث يا زكرياء بحق السماء أنا أسوء مما تعتقد بكثير _
يوسف
اقترب مني الحاج يحي كان كم هائل من الناس ينتشرون بين األشجار بأعين فضولية
وشوشتهم ال تسكت كان المكان ملئ برجال الشرطة و الحرس قال و هو يطلق تنهيدة
طويلة أثلجت صدري
غريبة هيا الحياة يا ولدي أنه ال يبعد عن بيته إال بضعت مئات من األمتار طوال هذه _
السنوات
لم أكن قادر وضع عيني بعينه كيف اخبره أنني ابن واحد من هوالء القتلى اقترب زكرياء
و هو يتفحص المكان بعينيه الثاقبين التي هيا كافية أن تعلمك انه محقق في سلك الجريمة
سينبشون بالتركس األن ثم سينقلونه لمقبرة القرية ليرقد مع عائلته _
قال الحاج يحي
فلتحترق في نار جهنم يا اسماعيل فلتحترق آه عليك يا يوسف كم قست عليك الحياة _
ثمانون عام لي على قيدها و ال زالت ترعبني ببشاعتها
ترددت كلماته في المكان أنتفضت من مكاني حتى فزع زكرياء و أحمد رحت أتمشى حول
المكان ال أطيق صبرا لتنتهي هذه المهمة كم أردت الصراخ ملئ حنجرتي أنا بحاجة ليلى
في هذا اللحظات أن تالمس كتفي تخبرني بطيبتها أن كل هذا سيمر مثلما تمر الغيوم
السوداء في السماء
عندما عدت كان صابر قد أتى
أردت أن أكون معك في هذا اليوم _
ال اعلم من منا كان يسند األخر كنت أشده كي ال يتعثر في الحجارة و هو يمسكني كي ال
أعود للخلف هاربا من المشهد البشع أستنجدني احمد و صابر و أسندوه معي قبل أن
يهوى على األرض من هول المشهد الذي رائه
ظهر لنا مرزوق ذلك الغالم
سيدي سيدي شكرا إلظهارك الحقيقة لقد ساعدت روح يوسف المسكين لتلقى طريقها _
إلى النور
لوح له أحمد و غادرنا المكان كنت سعيد رغم حزني العميق غادرنا قرية الزهوى تاركين
يوسف يرقد حذو أمه و أبيه شعرت بالفرح ألن أهل القرية عرفوا الوجه الحقيقي ألسماعيل
أما الشخص الثالث الذي تحدثت عنه خديجة ظلت هويته مجهولة لكنه هو من جمع
شيطانين على الدناسة و الشر أشعر أنني خفيف جدا على عكس الشهر الذي قضيته
أستعجل زكرياء على أستكمال التحقيق اتصلت فيه بسمر حدثتها عن الحادثة لم أستطع كبت
نفسي بكت عبر الهاتف
لم أتوقع أن يكون أبي بكل هذه الدناسة _
بقينا نتحدث كل يوم كانت تستفسر عن سير التحقيق أخبرتها بدوري أن تأخذ قرار بشأن
عالقتها مع وليد في أخر مكالمة كانت سعيدة قالت لي " عندما أكف اتحول إلى نسخة من
" أمي لن يصبح وليد كأبي
الصفعة األخيرة
كنت أتفقد حقيبة السفر ألخر مرة حجزت تذكرة سفر إلى كندا الزور سمر لمدة أسبوعين
أخبرتني في أخر مكالمة أن المنزل عندها مستنفر ألستقبالي
كانت سعيدة أخبرتني أن عالقتها مع وليد تحسنت تحدثوا كثنائي متحضر تفاجأة بمجيء
زكرياء تشير الساعة بدا مرتبك و هو يجلس على الكنبة طلب مني الجلوس ورفض كأس
النبيذ الذي سكبته له و بعد الكثير من التمهيدات التي ايقضت إنذار الخطر لدي قال
باحت لي زوجتي اليوم و هيا كما تعلم تعمل طبيبة مقيمة في نفس المستشفى الذي تعمل _
به ليلى
تحدث يا زكرياء ما بها ليلى _
أنها ستخضع لعملية جراحية لقد أوصت زوجتي بأن ال تبوح ألحد لكن مريم عندما علمت _
بخطورة العملية رأت انه من األفضل لو تكون أنت معها في هذا الوقت العصيب
تجولت في الصالون مثل المجنون
عملية ماذا يا زكرياء _
أنا أعشقك يا ليلى أتنفسك أرجوك سامحيني على كل ذنوبي ال حياة لي احيها من دونك _
ال يا ليلى دعينا نتبنى أطفال أملئ بيتنا أطفال أريدك أن تصنعي مني األب الذي تريدني _
أن أكونه
أريد شئ أخر _
لقد قلت شرط واحد لكن تكلمي لقد أصبحت متطلبة يا ليلى _
ضحكنا سويا
أريد حديقة كبيرة سأزرع لكل واحد منا شجرة لك شجرة لوز و لي شجرة برتقال ولي _
أطفالنا أشجار مختلفة
موافق لكن لنستبدل شجرة اللوز بشجرة عنب حتى نخمر ثمارها و هكذا لن نشتري _
الخمر أبدا
أيها السكير لن تشرب قطرة واحدة من بعد اليوم لقد اخترت لك شجرة اللوز ألن ثمرتها _
قاسية من الخارج لكن ما أن تبذل جهدا لنفتحها حتى يظهر جوهرها الثمين تماما مثلك
هل زال مفعول المخدر يا ترى _
اعتقد هذا _
ال اعتقد فأنا لم أتعود على الكالم المعسول هذا لهذا أظن أنك تهذين _
ضحكنا سويا كم من أوجاع عشنها في الفترة األخيرة ألمنا بعضنا بخنجر الفراق لكن ما أن
أزحنا ستار العتاب حتى تبخر كل الحزن قد يتخاصم العشاق دهرا لكن دقيقة حب واحدة
قادرة أن تهدم كل ذلك الجفاء
يسعدني يا سيد زياد أن تتقبل خبر إزالة الرحم بهذا التفهم هنيئا للسيدة ليلي بك صادفة _
رجال أخرين استشاطوا غضب عندما سمعوا أن زوجاتهم فقدن أرحامهن
طلب مني الطبيب أن انتظر في الخارج حتى يفحصوها قبلتها من جبينها ثم خرجت ما أن
رأيت صابر و أجمد حتى عانقتهما أخبرتهما أن ليلى سامحتني قال صابر مازحا "يكفيك
" حزن يا صديقي بت اعتقد بينك و بين الحياة عدوا
ابتسامة واحدة منها قادرة أن تمحي كل أحزاني لن اكترث للماضي أنا ابن اليوم تجرعت
شئ من الماء مدني أياه احمد كان فرحا لسعادتي خرج اثنين من الممرضين تراكضوا في
البهو بدوا مرتبكين تعالت األصوات من الداخل سحبت ممرضة بوجه متوتر الستار من
على النافذة مسكني احمد وصابر كي ال أقتحم الغرفة
واحد اثنان ثالث أصعق واحد اثنان ثالثة أصعق _
سكتت األصوات فجأة لكن ذلك الصوت لم يسكت تيت تيت تييييت أصبحت أسمع الصدى
كل األصوات رأيت وجه أحمد مرعوبا أما صابر فتحاشى نظراتي ظهر أخيرا الطبيب بدا
حزينا هز رأسه و هو يربت على كتفي
فجأنا نزيف حاد لم نستطع توقيفه لقد فقدنها كان هللا في عونك _
تيييت تييت أقفلوا ذلك الجهاز المعطل رجاء أنه ينقب طبلة أذني ترددت كلمات الطبيب
الذي أنسحب مسرعا بقيا الممرضون يتوافدون إلى الغرفة تييت تييت ذلك الصوت ال
يتوقف لم يفلتني صابر أما أحمد ظل يتحدث كثيرا لم أسمع أي كلمة مر ذلك الطبيب
الشاب إلى الغرفة كان يمشي ببطء متحاشيا النظر لي تيت تيت ذلك الصوت ال يسكت أنه
يدفعني للجنون