You are on page 1of 62

‫انتكاسة‬

‫رواية‬

‫منال الهمامي‬
‫مقدمة‬

‫قد تهرب من الجميع أال ذاتك تجلدك بسوط "‬


‫" الذاكرة أينما هربت تجد نفسك في حضرتها‬

‫إهداء‬
‫إلى من يجرون خلفهم ماضي ال يكف يرجمهم‬
‫بالذكريات‬
‫إلى ضحايا الماضي ومذنبين الحاضر‬
‫كفروا عن ذنوبكم بالحب‬
‫شيطان الحرمان‬

‫تعيس هو ذلك اليوم منذ الصباح حين أفزعني كلب أسود كان نائما تحت السيارة مرور بيوم‬
‫طويل قضيته في المحكمة و صدور حكما أحبط معنوياتي بخصوص قضية شغلتني أسابيع‬
‫أتصل بصديقي صابر ألخبره أنني لن أتي للندوة التي عقدتها عمادة المحامين اليوم فال‬
‫مزاج لي ألسمع خطابات الزمالء و نقدهم للوضع المزري للبلد فالتعاسة التي أراها كل يوم‬
‫كافية و لست بحاجة لمن يذكرني بها هذا المساء فهيا تتجلى أمامي في كل مكان‬

‫‪« « « « ‬‬

‫ركنت السيارة على جانب الطريق ألتفادى الوقوع في براثن الشنقال اللعين اقتنيت قارورة‬
‫نبيذ فاخرة مصنوعة في ايطاليا أن تثمل بمفعول نبيذ إيطالي بمثابة السباحة في المحيط‬
‫دلفت إلى محل لشراء باقة ورد و هو الحل األفضل دائما إِل سعاد قلب المرآة استقبلتني‬
‫البائعة بابتسامة عريضة مزيفة لحد بعيد أشرت للورد المفضل لليلى األقحوان اذكر أنني في‬
‫فترة األزدهار في زواجنا أهديتها باقة أزهار من األقحوان بمناسبة مرور سنة على زواجنا‬
‫حيث أمضت ساعات تلعب لعبة يحبني ال يحبني تم أتالف الباقة و تلفت فيهم أعصابي أخر‬
‫ورقة من أخر زهرة حكمت أنني ال أحبها وهذا ليس عادال على اإلطالق‬

‫بعد العشاء جلست في مكاني المخصص للقراءة بجانب المكتبة التي تحتل جدار كامل من‬
‫الصالون أخذت أطالع رواية لي دستويفسكي كم أحب هذا الكاتب له قدرة على أن يالمس‬
‫البؤس الذي يعشش في داخلنا ال يمرر لنا األوهام و المشاعر الزائفة ال يقدم لنا غير الحقيقة‬
‫حقيقتنا المشوهة قدمت لي ليلى و هيا تجلس على الكنبة بجانبي فنجان من القهوة العربي‬
‫التي داعبت رائحتها أنفي يلهيني الجمال جالس بقربي عن الرواية أضع األخيرة جانبا‬
‫أتأملها في كل مرة أنظر لها أكتشف مواطن جمال جديدة لطالما سحرتني زرقة عينيها كل‬
‫يوم أغرق أكثر في البحر الذي يسكنهما ترفع رأسها عن هاتفها فتحمر وجنتيها خجال من‬
‫نظراتي التي تكاد تخترقها‬
‫ما هذه النظرات يا عزيزي_‬

‫تمتد يدي لتالمس خصالت شعرها األسود‬


‫ال تلوميني سيدتي فأنا أغرق منذ سنوات أغرق وأغرق وال يزيدني هذا إلى ثبات _‬
‫ويزودني بالحياة ال تلومينني فأنا المسكين الذي سلبتيه أنتي الوعي واإلدراك مجرد أنا‬
‫أمامك من كل شئ فال يضاهي هذا الجمال شئ‬
‫منذ سنوات لم تقل لي شعرا يا حبيبي_‬

‫هل تذكرين القصائد التي كنت اكتبها لكي ظالمة أنت كنت تحكمين عليا في كل لقاء أن_‬
‫أكتب لك قصيدة‬
‫لكنك عشاش العديد من المرات كنت تقول لي قصيدة لمحمود درويش أو لنزار القباني و_‬
‫تدعي أنك أنت من كتبها‬
‫لقد كنت أجهد نفسي لساعات كي أكتب لك شئ جميال و عندما أعجز عن ذلك كنت ألجأ_‬
‫للدواوين التي أمتلكها عليك تقدر مجهودي عزيزتي‬
‫"""‬

‫ال مرافعات لي اليوم في المحكمة تجاوزت الساعة الحادية عشر عندما نهضت من‬
‫السرير كنت أعد قهوتي في المطبخ عندما دخلت ليلى تفاجأة من قدومها اليوم الخميس‬
‫عادة ما تعمل دوام كامل في المستشفى بدت لي حزينة لحقت بها لغرفة النوم أظن أنها لم‬
‫تتفطن لوجودي اقتربت منها جلست على السرير ال تحرك ساكنا‬
‫هل أنت بخير عزيزتي قليلة هي األيام التي ال تكوني فيها مبتهجة ماذا حدث_‬

‫هل تريد مني أطفال يا زياد_‬

‫أطفال عن ماذا تتحدثين يا ليلى _‬

‫لقد كنت في المستشفى اليوم _‬

‫وما الجديد أنت تعملين هناك _‬

‫منذ فترة الحظت تغيرات جسدي لم أعر األمر في البداية أهمية_‬

‫مثل ماذا هل أنت بخير لماذا لم تخبريني بهذا _‬


‫أنها أشياء نسائية لن تفهمها يا زياد لقد زرت قسم طب النساء اليوم تحدثت مع الطبيب عن_‬
‫الحرارة التي تصيبني فجأة عن الدوار و تأخر العادة الشهرية و أشياء أخرى أنا لن أكون‬
‫قادرة على اإلنجاب بعد األن‬
‫ما الذي تتحدثين عنه يا ليلى أنت الزلت شابة_‬

‫أنا في السادسة والثالثون لقد توقفت الدورة الشهرية ألمي و هيا في أخر الثالثينات و_‬
‫هذا ما يحصل لي غالبا أنا متعبة يا زياد في داخلي أشياء تنهار أنا أشعر بالبرد‬
‫وضعت عليها لحاف بعد أن تكورت على نفسها فوق السرير و غادرت المنزل مسرعا‬
‫صعدت في السيارة قدت مسرعا بدون وعي أهرب من ليلى من كلماتها التي تالحقني كل‬
‫شئ ينهار حولي كم أتمني لو يبتلعني الطريق لو انه يفعل كم أتمنى لو يفعل لكن هل تتخلى‬
‫األقدار عن شخص بائس مثلي هيا ال تفعل إذ بت شريكها في نشر األلم ال أستطيع حتى‬
‫تخيل أنني من كسرت ليلى ذلك االنكسار الذي رأيته في عينيها لم أكن أعتقد أن هناك شئ‬
‫أبشع من مواجهة الماضي لكن ها أنا أواجه شئ أبشع بكثير أنا كنت الضحية دائما أما أن‬
‫أنا الظالم و هذا يخلق في داخلي ألم مختلف هذه المرة ألم غريب حيث ال يحق لي طلب‬
‫الرحمة ألنني من قطعها‬
‫مرت ساعات أراقب فيها أمواج البحر الهائج أمامي اشعر كأنني مراهقة فقدت عذريتها للتو‬
‫كشيخ أنتهك توبته بتجرعه للخمر كيف لي أن أعيش مع هذا الذنب مع هذه الخطيئة التي‬
‫تثقل روحي أشعر أنني فقدت جزء من إنسانيتي اليوم كيف خولت لي نفسي أن أمنع أمرآة‬
‫من أمومتها من غريزتها أنا قاتل كل أطفال ليلى التي لم ترزق بهم أنا شيطان الحرمان‬

‫الطفولة‬

‫كنت أشعر بالملل الشديد في منزل يتكون من ثالث طوابق فأبي يقضي يومه في عمل ه و‬
‫كنت أرافقه في بعض األحيان لمحل البركة لكن ني س رعان م ا أض جر من تأم ل الخ واتم و‬
‫الحلي و لم أكن أصغي لكلمة واحدة من كالم أبي و هو يحدثني عن أنواع الذهب و األلماس‬
‫كان يفعل ذلك و هو يستعمل مجموعة من رشات النع ام ل يزيح الغ برة من على قط ع الحلي‬
‫يرفع بصره فيراني أنصرف لتأمل المارة فيصمت و خيبته ت زداد ك ل م رة و ه و يح اول‬
‫تمرير هذا الش غف لوريث ه الوحي د لكن س رعان م ا يتهل ل وجه ه وه و ي رحب بزبائن ه و‬
‫خاص ة و أن ك ان زب ون من الزب ائن الخاص ين رغم أن عص ام مس اعد أبي يق وم بعم ل‬
‫ممتاز وهذا بشهادة أبي الذي يمدحه في المنزل لكنه ال تسمعه يبوح بذلك أمام ه قليل ة هي ا‬
‫المرات التي يتخلف فيها أبي عن الذهاب للمحل مع أن عص ام ب رهن للجمي ع ان ه‬
‫محل للثقة و األمانة كما أنه يجيد التسويق و له قدرة تفوق ق درة أبي على أقن اع الزب ائن‬
‫كأنه قادر على معرفة الحلي ال ذي يكم ل أنوث ة ك ل ام رآة يتأم ل الزبون ة و ه و يبتس م ثم‬
‫يتفحصها كأنه يبحث عن نقص فيها تمتد يده لصندوق محدد يقدمه للزبون ة بثق ة كب يرة كمن‬
‫يقدم لها ما تحتاجه لتتألق على عرش أنوثتها فتتوقف عينيه ا على تأم ل األرف ف و تتح ول‬
‫الحيرة التي في عينيها لقناعة تام بما في يديها و ما أن ي رى عص ام ه ذا ح تى ين اظرني‬
‫بفرحة و هنا أتابع بحماس معه حوار الزبونة مع مرافقها و هو دائما ما يكون ح وار ممت ع‬
‫و شيق كما أنه يختلف على حسب نوع العالقة التي تجمع بينهما فأن كان ا حبي بين س يكون‬
‫حوار ملئ سعادة و الحب فخرج الحبيب محفظة نقوده بحماس و هو يتأمل فرحة حبيبت ه و‬
‫يدفع ثمن الثمن الذي عادة م ا يك ون ب اهض فعص ام ل ه ق درة خارق ة و هي ا االطالع على‬
‫جيب الزبون و قدرته الشرائية و على حسب هذا يخت ار ط اقم المج وهرات ال ذي س يقدمه‬
‫للزبونة فأن كان الثنائي تجمعهما خطوبة و مقبلين على الزواج ستجده يسحب حافظة نقوده‬
‫بتردد و ارتباك لكنه في النهاية يدفع الثمن على مضض و يتصنع ابتس امة ص فراء تخفي‬
‫شعوره بالسخط و اإلحتقان أمام حماس و فرح ة خطيبت ه لكن ه ذا الموق ف ق د يتح ول إلى‬
‫شجار إذ كان الثنائي م تزوج و خاص ة إذا م ر على زواجهم ا عق د أو أك ثر فس تجد ال زوج‬
‫يستشيط غضبا و يرفض دفع المبل غ لكن الزوج ة ليس ت مس تعدة لتتخلى عن الط اقم ال ذي‬
‫وقعت في غرامه و ترفض تبريراته و هن ا ينس ى ه ذا الثن ائي وجودن ا فتح اول الزوج ة‬
‫التمسك بحليها و تنعت زوجها بالشح و توقفه عن حبها و قد تتهمه بالخيانة و أنفاقه أمواله‬
‫على عشيقاته و يحاول هو التمسك بنقوده و ينعته ا بالمس تهترة و المب ذرة و الش كاكة و ق د‬
‫يتطور الشجار إلى ماال يحمد عقباه لكنه في أغلب األحيان ينتهي بانتصار الزوج ة فتغ ادر‬
‫هيا فرحة بمجوهراتها و هيا تتخيل نفسها تكيد صديقاتها و قريباتها أما هو فيغادر متحس را‬
‫على نقوده التي راح أبي يعدها برضا‬
‫عندما أتحدث عن أبي ال يمكنني التحدث عنه كشخص واح د ب ل شخص ين أح دهما أكن ل ه‬
‫شئ ضائل من الحب فتات الذكريات التي تجمعني به تمنع ني من كره ه لم يكن ه ذا الوج ه‬
‫ألبي الذي ال يظهر إلى نهار كثير الكالم يغادر في الصباح الباكر إلى المحل و ال يع ود أال‬
‫مساء يمضي ساعات في الحديق ة ب دون أن تس مع ل ه ص وت يط الع الجري دة أو كت اب من‬
‫مكتبته العريقة التي ورث معظم عناوينها من أبيه الذي كان مهووس بجم ع الكتب و خاص ة‬
‫النادرة منها يسقي األزهار و يقتل ع األعش اب الض ارة ك ان طوي ل القام ة ل ه ش عر أس ود‬
‫تتخلله بعض الشعيرات البيضاء لم تزده إلى جمال و ما أن تغيب الشمس حتى يغادر لم أكن‬
‫أعلم حينها إلى أين يذهب أبي لكنني كنت أكره ذلك المكان في ساعة متأخرة من الليل أسمع‬
‫خطوات أبي على السلم أسمعه يدندن أغنية ما لنبيهة كراولي تستقبله أمي عاق دة ي ديها عن د‬
‫صدرها أراقبهما من ثقب الباب تلعنه أمي تشتمه بشتائم لم أكن أفهم أغلبها في ذل ك ال وقت‬
‫لكنه ال يكترث بل يكمل الغن اء بص وت أق وى و يم د ي ده ليالمس وجهه ا الغاض ب لكنه ا‬
‫تدفعه بعي دا عنه ا يمس ك أبي بوجهه ا و يض غط علي ه مم ا يجع ل أمي تح اول التخلص من‬
‫قبضته ال تي تك اد أن تحطم فكيه ا ثم يغل ق الب اب و ال أس تطيع أن أرى ش ئ أخ ر لكن في‬
‫العديد من المرات أرى أبي و هو يصفعها أو يجرجرها من ش عرها للغرف ة كنت متأك د أن‬
‫أختي سمر أيضا تراقبهما من ثقب الباب لكن ال أنا و ال هي و ال أمي نتحدث عن م ا ج رى‬
‫في الغد بل نتعامل بشكل عادي مع األب الهادئ الذي يتناول معنا الفطور لكن عينان أمي و‬
‫الحزن الدائم الذي يسكنهما يح دثنا عن األلم ال ذي ب داخلها س نوات طفول تي أمض يتها و أن ا‬
‫أحاول فهم الصفقة التي برمها والداي كيف اس تطاعت أمي أن تبتس م ص باحا في وج ه من‬
‫يهينها ليال لماذا تخفي أنكسرها بذلك البرد و االبتسامة الخالي ة من الحي اة تل ك لم يس توعب‬
‫عقلي لألن أن ذلك الوحش هو نفسه أبي الحنون و الزوج الطيب كيف للخص ال المتناقض ة‬
‫أن تجتمع في شخص واحد‬

‫انتكاسة‬

‫قضيت عند صابر يومان احتسيت فيهما من الخمر ما تثمل أمة كاملة ال أعلم كيف‬
‫وجدني صابر على ذلك الشاطئ أخبرني أن أحد أصدقائنا وهو قاضي في محكمة تونس‬
‫أرتاد معنا كلية الحقوق بالمنار شاهدني أشتري كمية كبيرة من الخمر من مركز التسوق‬
‫في المرسى و أخبره أنه كلمني وألقى عليا السالم لكنني لم أرد مع أنني ال أذكر أي من هذا‬
‫مما جعل الصديق يتصل بصابر بما أنه معروف علينا أننا أصدقاء مقربين من أيام الكلية‬
‫تفاجأ صابر و أعلمه أنني بالتأكيد لم أقصد تجاهله وال داعي ألخذ موقف مني لكن الصديق‬
‫كان غاضب فقد شعر باإلحراج من هذا الموقف أمام زوجته حتى أنني اكتشفت أنه محاني‬
‫من قائمة أصدقاءه على فايسبوك شعرت بالحزن على هذا فالصديق وأن لم يعد صديق كان‬
‫يتحفني بالمنشورات التي ينشرها على حسابه الخاص والتي تمجد الخوانجية أذكر مرة‬
‫أنني كتبت تعليق على فيديو وضعه على صفحته ألحد النواب يحسب على الخوانجية‬
‫يتهم كتلة سياسية بالفساد كتبت حينها أن هذا الفيديو بمثابة فيلم قصير يتراشق فيه الفاسدين‬
‫بالتهم وللطرفين ماضي أسود ال يمحى الاليف بل على العكس هذا األخير كشف لنا‬
‫المستوى األخالقي المتدني لهوالء النواب تفاجأة بعد دقائق برد أضحكني أكثر مما‬
‫أغضبني فوجدت الصديق يدافع على صاحب الفيديو بحماس لو دافع بمثله على القضية‬
‫الفلسطينية لتحررت القدس منذ زمن و إتهمني أنني أنقد نبيه هذا ألنني يساري و الزلت‬
‫أحقد على األخوان من أيام الجامعة‬
‫لم يستغرق صابر الكثير من الوقت ليستنتج أنني أمر بانتكاسة عاطفية شرائي للخمر و‬
‫بقربي من البحر و هاتفي المغلق دالئل تثبت أنني سأخذ الخمر مسكننا و البحر مالذ و هذا‬
‫ما أفعله دائما فالبحر الوحيد القادر على مخاطبة األلم الذي داخلنا وضعت السيارة قبالة‬
‫البحر الهائج بقيت أراقب األمواج العالية لو موجة واحدة تأتي على ما في قلبي من نار ال‬
‫أذكر كم من دمعة بكيتها و ال كم من صرخة صرختها و ال كم من قارورة خمر شربتها‬
‫لم يرضى صابر على تركي بمفردي في المنزل و أخذ أجازة ستحدد انتكاستي مدتها مع‬
‫أنني لم أطلب منه ذلك قدم لي فنجان من القهوة و هو يزيح قوارير الخمر الفارغة حتى‬
‫يجلس بجانبي‬
‫ماذا فعلت حتى أنهكت ليلى روحك لهذا الحد_‬

‫كيف يتمكن المجرمين من التعايش مع خطاياهم يا صابر_‬

‫التعايش مع الذنوب ليس حكرا على المجرمين كل واحد يتعايش مع أخطاءه بطريقته ها_‬
‫نحن نتقبل الذنوب التي نورثها و نكسبها فالنفس البشرية تتألم و تؤلم تتأذى و تؤذي تبكي و‬
‫تبّكي فكلنا نشتكي من األخر و ننسى أن األخر هو نحن لكننا ال نكف عن تصويره في شكل‬
‫شيطان وننسى أن لكل منا شيطانه الخاص‬
‫لكن خطيئتي كبيرة يا صديقي_‬

‫هون عليك لكل منا ذنوب كبيرة فلولها لما كنا الذنوب هيا من تصنع ذواتنا أما الطهورية _‬
‫فهيا وهم نوهم به أنفسنا قبل األخر‬
‫ال أعتقد أنني سأستطيع أن أتقبل فكرة أنني حرمة ليلى أمومتها فأنا متأكد أنها ستصبح _‬
‫أفضل أم حظيا بها طفل يوما‬
‫أعذرني يا زياد لكنكما منذ البداية تعلمان أن هذا سيحصل لما تتفاجأ األن_‬
‫عندما تزوجت بليلى كان كل واحد منا يجر ماضي قاسي وراءه لكل منا ذكرياته المؤلمة_‬
‫و لنا جروح عميقة حسبتها قد شفيت مع مرور السنوات لكنها لم تفعل لم نتحدث في‬
‫موضوع اإلنجاب كثيرا كل واحد منا وجد ما ينقص روحه لتزدهر و ازدهرنا فعال كنت‬
‫أبحث عن الحنان و عن حب غير مزيف عن مشاعر غير متناقضة ووجدت كل هذا فيها و‬
‫أكثر‬
‫و هيا كانت تبحث عن األمان أمان رجل حقيقي و عن انتماء عاطفي و أنت كنت أهل_‬
‫لهذا‬
‫ملىء صابر فنجانه من آلة لقهوة للمرة الثالثة فأنا أعتبره مدمن عليها و قد حاول عديد من‬
‫المرات أن يقلع عنها بسبب أضرارها الصحية‬
‫اتصلت بي سلمى قالت أن العمل تراكم هناك و عليك الذهاب للعمل يكفيك أنعزل عن _‬
‫العالم هنا‬
‫أخبرها أن تختار مدرب أو أثنين من الملفات المتراكمة في مكتبها ليساعداها أما أنا فال _‬
‫أريد أن أخطوا خطوا واحدة من ذلك الباب‬
‫سأغادر األن يا صديقي أرتفع ضغط أبي البارحة سأذهب لزيارته _‬

‫أبلغه تحياتي يا صابر_‬

‫ال تنسى أن تقفل الباب بعد أن تخرج _‬

‫أنا لن أخرج سأكتفي بالشرب والنوم ال طاقة لي لفعل شئ أخر_‬

‫كيف هذا ألم أخبرك أنني أخبرت سلمى أن تعقد لك اجتماع مع موكلة وهو تقريبا بعد_‬
‫عشرون دقيقة من األن‬
‫ال أعلم ما شئ الذي رميته على صابر لكنه غادر وهو يقهقه متفاديا ما رشقته‬
‫أنت حقير كبير يا صابر لن أمررها لك_‬

‫وجدته قد وضع لي طاقم على فراشه و لعله الطاقم الوحيد الذي يمكنني ألبسه من خزانته‬
‫فاختياراتنا في المالبس مختلفة تمام ما ارتديه أنا للذهاب للمكتب ال يرتديه صابر إلى إذ‬
‫كان ذاهب لحفل زفاف أما ما يلبسه صابر ال أرتدي أنا حتى للذهاب لتسوق و هذا يعود‬
‫لعدت أسباب قالت لي أمي قبل أن يتوفها هللا أنني أشبه والدي في األناقة كلنا أتذكر أن‬
‫كالمها أحزنني يومها لكنني أكتفيت أمامها بأبتسامة صفراء وكم تمنيت أن أصيح أمامها و‬
‫أرفض هذا التشبيه فأنا ال أريد أن أشبه ذلك الرجل في أي شي حتى صابر لماضيه دور في‬
‫أختيارته فهو ينحدر من عائلة فقيرة و قد حرمته الحياة من أن يتمنع بطفولته من أن يختار‬
‫مالبس العيد أو يرتدي ثياب ملونة كباقي األطفال كل ما كان يتحصل عليه هو ثياب أخوته‬
‫الكبار التي ال تصل له إلى بالية بعد أن تناقلت على ثالث أخوة فوجد نفسه يميل لأللوان و‬
‫األشياء التي حرما منها عجيب هو الماضي يتحكم حتى بأختياراتنا في المالبس‬

‫عوارض انسحاب‬
‫لم تسألني سلمى عن أسباب غيابي فهيا تعمل في المكتب منذ أكثر من أحدى عشر عاما و‬
‫أصبحت تعلم أن انكساري و انتكاسي دائما مربوط بليلى قدمت لي رزمة من الفواتير و‬
‫الظروف أشرت لها أن ترحمني من هذا العذاب‬
‫دخلت المكتب قد تقضي فيه ساعات تبحث عن حبة غبرة و لن تعثر فسكرتيرتي سلمى‬
‫مهووسة بالنظافة و هيا أنسانة تعبد العمل عبادة و لولها لما أستطاع هذا المكتب أن يكتسب‬
‫هذه السمعة حتى أنني أضطررت قبل خمس سنوات أن أعطيها أجازة أثر والدتها و أتيت‬
‫بأخرى لتعوضها و سائت األمور في المكتب مما جعل سلمى تعود للعمل بعد أسبوعين‬
‫لتلملم الفوضى التي تسببت بها األخرى‬
‫شعرت بصداع رهيب بعد مرور ساعة و نصف و الموكلة تسرد لي نزوات زوجها و‬
‫أستهلكت السيدة صندوق المحارم لتمسح دموعها الممزوجة بالكحل أما أنا فأستهلكت‬
‫صبر أيوب شرحت لها مراحل الطالق و طمأنتها أن الحكم في صفها غادرة الموكلة بعد‬
‫أن أنهكت روحي تقدمت سلمى و قدمت لي ظرف‬
‫ألم أقل لكي يا سلمى أن مزاجي ال يحتمل مراجعة أي فاتورة أعفيني من هذا أرجوكي _‬

‫قالت سلمى بهدوئها المعتاد‬


‫أنه ليس فاتورة بالظرف مكتوب عليه ال يفتحه إال السيد زياد عبد الناصر السندي _‬
‫أخذت أقلب الظرف لم تتزحزح سلمى من مكانها كأنها تريد قول شئ ما‬
‫ما بكي يا سلمى قولي أنا أعرف هذه النظرات _‬

‫سيد زياد اليوم عيد ميالد فارس أتسال أن كان يمكنني الخروج قبل ساعة_‬

‫ما لذي تفعلينه هنا يا سلمى أنه عيد ميالد فارس لما لم تخبريني من قبل ما كان عليك أن _‬
‫تأتي اليوم كم سيبلغ ذلك الشقي‬
‫سيكمل عامه الخامس ال أصدق كم يكبر األطفال بسرعة _‬

‫حررت لها شيك بمئة و خمسون دينار و أخبرتها أن تشتري له هدية بأسمي لم يبقى في‬
‫المكتب اال أنا و الظرف لم يكن مكتوب عليه أي شئ غير تلك الجملة أصابني الفضول‬
‫ألكتشف ما يحمله هذا الظرف فتحته بتأني كانت به ورقتين فتحت األولى كانت ورقة‬
‫بيضاء مكتوب فيها بقلم جاف "ماذا يريد شخص غير أن يرقد في قبره بسالم و عليك أنت‬
‫" تحقيق هذا السالم‬
‫أذهلتني الجملة كل كلمة منها سكبت عليا وابال من األسئلة فتحت الورقة الثانية و هيا‬
‫مضمون ميالد لشخص أسمه إسماعيل بن رجب أصيل والية جندوبة من مواليد‬
‫األربعينات دونت اسم الشخص على ورقة مالحظات ودسستها في جيبي و غادرة المكتب‬
‫الذهاب للمنزل أمر غير محتمل كل شئ في داخلي يمنعني من الذهاب خوفي من أن أرى‬
‫أنهيارها ذاك تغلب على شوقي لها و أنا أتجول في الشوارع بالسيارة شعرت بالغربة كأنني‬
‫طردت من الجنة كيف ال و ليلى هيا جنتي أنا متيقن أن هذا الحزن ليس كالذي قبله في‬
‫العادة أركض لها منهار تمام بعد أيام أقضيها مشتت األفكار و المشاعر واألحاسيس‬
‫فتحتوي هيا روحي بحب عاشقة و بحنان أم و بأمان وطن تغفر لي نزوتي و غضبي و‬
‫كل حماقاتي لكن هذه المرة كل شئ مختلف شئ بداخلي يقول لي أن هذا الجرح ليس‬
‫كالجراح السابقة ما رايته في عيني ليلى ذلك اليوم كان مرعبا عرفت من تلك اللحظة أن‬
‫رحمتها لن تشفع لي هذه المرا تساقطت الدموع من عيني بكيت وبكيت و أنا أقود في‬
‫الطريق السريع بكيت حبي لها شوقي و عشقي لكل تفصيلة فيها‬
‫لم أرد على أتصاالت صابر أكتفيت بأرسال موقعي له كنت أعلم أنه سيأتي فهو أكثر‬
‫شخص يعلم اليتم الروحي الذي أعيشه عندما لمحته من نافذة الحانة كنت قد بدأت بشرب‬
‫القارورة الثانية رمقني بنظرات الئمة و هو يجلس‬
‫أنت تسرف في الشرب يا زياد_‬

‫أنت لست مضطرا للعب دور األم يا صابر_‬


‫أكتفى صابر بكأس واحد طيلة الليلة حاول المسكين أن يخرجني بكل الطرق من حالة‬
‫األكتئاب التي أعيشها تذكرنا ذكريات الكلية لكن ظل ليلى كان حاضر يذكرني بحزني‬
‫يمنعني من الضحك يزيد من رغبتي بالشرب‬
‫ألتحق بنا صديق زكرياء و أكمل معنا السهرة التي أضاف قدومه القليل من البهجة على‬
‫األقل لصابر قدمت له الورقة التي كتبت فيها األسم من الظرف الذي وصلني طلبت منه أن‬
‫يقوم لي ببحثا عنه فهو يعمل في الداخلية و عدني زكرياء بأن يجمع كل المعلومات في‬
‫يومان ليس أكثر و أكتفيت باألبتسام الذي وجدته شاقا كي ال أكون مصدر للنكد بعد أن‬
‫تحسن مزاج الجلسة‬

‫معلومات‬
‫ترك زكرياء المعلومات التي طلبتها منه عند سلمى كنت قد نسيت الموضوع اال أن‬
‫ذكرني أتصاله بذلك الظرف الغريب ذهبت بعد الظهر للمكتب و كنت قد قضيت الصباح في‬
‫المحكمة فتحت الملف و أنا أرتمي على الكرسي نزعت ربطت العنق أيضا أعحبت بعمل‬
‫زكرياء فالبحث كان موسع و منظم لحد كبير كتب على الورقة أسم أسماعيل بن رجب و‬
‫أذ به شخص أصيل قرية الزهوى و عاش بها حتى توفى في ألفين و تسعة بسبب التهاب‬
‫الكبد و قد ملك هذا الكثير من العقارات في المنطقة و أراض شاسعة في القرية كتب‬
‫زكرياء مالحظة قال فيها " قال لي زميل لي من نفس الدفعة أن هذا الشخص كان ذو جاه‬
‫مال كثير في القرية " ذكرى أيضا انه كان متزوج بأبنة عمه و لم يرزق باألطفال بسبب‬
‫" عقم زوجته‬
‫لم يزدني هذا التقرير الى حيرة أستخرجت ورقة بيضاء ألرتب بها أفكاري مع أنني كنت‬
‫واثق أنني لن أتوصل ألي شئ وضعت أسم الشخص في أعلى الورقة أستوقفني سبب‬
‫موت أسماعيل التهاب الكبد هذا يعني أنه كان يشرب الخمر كثيرا أن لم يكن مدمن عليه‬
‫وقعت عيني على الورقة التي رافقة مضمون الميالد الذي انتهت صالحيته منذ سنوات‬
‫" ماذا يريد شخص غير أن يرقد في قبره بسالم و أنت عليك تحقق هذا السالم"‬

‫قبل التمرد‬
‫جسد هزيل و عقل شارد و خوف دائم هذا ما يحتاجه أحد لينبذ و يتعرض للتنمر و أنا لي‬
‫كل هذا و أكثر بكثير قد تمر حصة كاملة و ال ينتبه المربي لوجودي أصال دائما ما يداعب‬
‫النعاس عيناي بسبب ليلة صاخبة قد أذوب في مكاني إذ أشار المربي لي لقراءة أو لقيام‬
‫بشئ ما أشعر بالترتر من نظرات األخرين أتردد حتى في الوقوف يزيد المعلم من مرارة‬
‫خيبتي و يعفيني و يختار شخص أخر من بين األيادي التي رفعت أتفادى زمالئي في القسم‬
‫فالتردد الذي أشعر به تجاه أي شئ يمنعني من ذلك و في الحقيقة هم من يتفادونني جسدي‬
‫الهزيل و الخوف الذي تسرب لعيناي جعال مني فريسة سهلة ليظهر األخرين من خاللها‬
‫السواد الذي في داخلهم و لي يمارسوا عليا وحشيتهم و لهذا كنت حريص على أنجاز‬
‫فروضي المدرسية كي أتجنب غضب المربي كنت محميا لحد السنة الثالثة أبتداءي إلى أن‬
‫أنتقلت سمر لألعدادي كانت األخيرة تبقيني تحت نظرها طوال الفسحة قريبا منها و‬
‫زميالتها فال يحتاج ضعفي الكثير من التركيز ليراه الناظر ما أن ذهبت حتى سحب عنى‬
‫رداء األمان ألجدني فريسة عارية بين وحوش متلهفة لتبرهن للجمع عبر أمثالي أي أنهم‬
‫أقوياء‬
‫كنت أتبول عندما رأيت ظلهم على الجدار أمامي سمعت همساتهم و ضحكاتهم من خلفي لم‬
‫أشعر الى بيد أحدهم ترمي بي على األرض أعجبت كيف له أن يطرحني أرضا وهو ال‬
‫يكبرني اال بسنتين فأنا ال جهد لي على أسقاط نملة أو أفقادها توازنها حتى حاولت عبثا أن‬
‫أقفل السحاب فيدي المرتعشة لم تسمح لي بذلك كم كنت هشا في تلك اللحظة أرعبني صدى‬
‫ضحكاتهم من حولي تكورت على نفسي في ركن الحمام كأنني أريد أن أبتلع نفسي و أنهي‬
‫هذا الخوف و الضعف المخزي تلقيت صفعات عديدة لم أحصها تناوبا الثالثة على صفعي‬
‫حيث تنافسوا حول تحقيق أقوى صفعة ثم أقوى ركلة و ختموا بأقوى لكمة في البطن‬
‫عندما عدت للصف كان الجميع قد رحلوا دسيت األدباش في المحفظة و غادرة المدرسة‬
‫أجر خيبتي منعت دموعي بصعوبة شديدة و أنا في طريق العودة للمنزل و ضعت كفي‬
‫على فمي ألمنع شهقاتي مسحت بكمي الدموع التي لم أستطع منعها من أخذ خدي المحمر‬
‫مسربا لها ألقيت على أمي سالم باردا و أنا على السلم صعدت إلى غرفتي و أقفلت الباب‬
‫ثم أنفجرت باكيا بكيت و بكيت بحرقة على طفولتي المهدورة على الخوف الذي ينهش‬
‫روحي و يجعلها جبانة و هشة في نظري ما بالك في نظر األخرين‬

‫هذيان الشوق‬
‫حمقاء تلك الليلة بعثت فيها برسائل ال تعد لليلى أطلب العفو و المغفرة كتبت لها عن األلم‬
‫الذي أشعر به و الضياع الذي أعيشه من بعدها أرسلت لها تسجيل صوتي بكيت فيه‬
‫ترجيتها أن تسامحني أن ترحمني من هذا العذاب حدثتها عن أختناق روحي ببعدي عنها‬
‫عن الشوق الذي يكاد ينهيني‬
‫لم أغضب من نفسي بقدر ما تألمت عليها و أنا أراجع الرسائل صباحا أحسست بشعور‬
‫مختلف اليوم خجلت في البداية من األمل الذي قرر اليوم أن يظهر فجأة‬
‫شئ بداخلي يحثني على جبر ما كسر نزلت باكرا من منزل صابر الذي أمكث فيه من‬
‫حوالي ثالثة أسابيع وجدتني أقود للمنزل ركنت السيارة بجانب العمارة المجاورة كي ال‬
‫تراني ليلى بقيت أراقب العمارة ما يقارب الساعة تأملت نوافذ الشقة التي تتطل من علو‬
‫أربع طوابق رأيت المحابس لم أستطع أن أميز حالها لكنني كنت متأكد أنها ذبلت مثلي تماما‬
‫كم تحب ليلى النباتات تمضي المساء و هيا تزيل األوساخ عن المحابس التي تشغل النوافذ‬
‫تقس األوراق الميتة و تضفي قليال من األسمدة غضبت منها عدة مرات كنت أنتظر نهايات‬
‫األسبوع لنقضيها في أحد النزل أو القيام بشئ يزيح عنا تعب العمل طوال األسبوع لكنها‬
‫كانت تسجل نفسها في حصص للعناية بالنبتات تترك لي ورقة على باب الثالجة تتأسف لي‬
‫و توعدني بقضاء سهرة جميلة و تطبع قبلة على طرف الورقة أعاتبها عندما تعود‬
‫من هذه التي تترك زوجها في نهاية األسبوع لتحضر حصص ال يحضرها إلى األغبياء_‬
‫لما تحضرينها أصال و نحن ال نمتلك حديقة‬
‫لكنني فاشل في العتاب فقبلة واحدة كافية لتفقدني الذاكرة سألتها مرة و أنا أتاملها و هيا‬
‫تسقي نبتاتها‬
‫عالقتك مع النبات ال أفهمها مهما حاولت _‬

‫ما يميز النبتة يا عزيزي هو ثباتها مثال لو نأتي بحيوان أليف كلب مثل ألضطرارنا_‬
‫ألقفال الباب وربطه أحيانا كي ال يهرب حتى العصفور يوضع في القفص و أن فتحت له‬
‫باب سيطير بدون تردد أما النبتة نحن ال نحتاج إلى وسيلة إلبقائها بل هيا من تمد جذورها‬
‫و تتمسك بمكانها و بنا كما أنها تشبه األنثى يحيها االهتمام و يقتلها األهمال‬
‫ما أن رايتها تنزل من العمارة حتى كادت حماقتي تدفعني ألفتح باب السيارة و أركض لها‬
‫أحتضنها و أبكي خيبتي و أنكساري و شوقي الجنوني لها منعت نفسي من التهور رأيت‬
‫الشال األحمر مرميا على كتفيها يقيهما برد الصباح تبعد خصلة شعرها المموج و ترميها‬
‫للخلف صعدت في سيارتها ال شك أنها فتحت أغنية لفيروز فصباحها فيروزي جدا أقود‬
‫خلفها ببطء محاولة مني أن ال أجعلها تتفطن لي تتوقف لتشتري قهوتها من المقهى المعتاد‬
‫قبالة المستشفى تلقي السالم على زمالءها ضاحكة أراقبها و هيا تجتاز الباب بعد أن‬
‫صعدت في السيارة ينتابني شعور أنني مت أشعر أنني لست على قيد الحياة ال أثر لي في‬
‫ليلى ال أرى فيها شئ مما أعيشه أنا بعد هذا الفراق‬
‫أترشف فنجان القهوة الذي أعدته سلمى و أنا أراجع ملف قضية طالق أصابني بالضجر‬
‫تذكرت المتدرب الذي يعمل هنا منذ يومان رايته صباحا و هو منكب على العمل في مكتب‬
‫صغير في طرف قاعة األستقبال أرتبك صباحا و هو يلقي عليا التحية و تهجمي زاده توترا‬
‫طرق الباب مرتين قبل أن يدخل بدا هزيل الجسم مالمحه هادئة جدية أشرت له بالجلوس‬
‫كيف العمل البد أن سلمى ترهقك أليس كذلك‪-‬‬

‫ال بالعكس سيدي أنا سعيد بالعمل هنا و السيدة سلمى تساعدني كثيرا كما أنني متلهف‪-‬‬
‫لممارسة المهنة‬
‫بدا متحمس و هو يتحدث تبسمت قليال ألخفف من توتره الواضح‬
‫مد لي ظرف و قال‬
‫أرسلته لحضرتك السيدة سلمى لقد وصل هذا الظرف صباحا مع الفواتير‪-‬‬

‫"ال يفتحه إلى السيد زياد عبد الناصر السندي"‬


‫وجدت بداخله ورقة قديمة رثة عبث بيها الغبار فتحتها وإذ هيا مذكرة ضياع لشخص تحت‬
‫أسم يوسف ورغي تم أستخراج هذه الوثيقة عام اثنان تسعون و هو أصيل نفس القرية في‬
‫جندوبة قرية الزهوى والزمت الوثيقة نفس الجملة "ماذا يريد اإلنسان غير أن يموت بسالم‬
‫و أنت من ستحقق هذا السالم" أضفت الوثيقة الجديدة للملف تقبل زكرياء طلبي بكل مودة‬
‫كالعادة ووعدني بالقيام بقيام ببحث حول يوسف الورغي تعرف على زكرياء في الكلية‬
‫ودامت صداقتنا حتى بعد أن أنضم لسلك الشرطة فهو شخص طيب و فطن جدا مما جعله‬
‫يحصل على عدة ترقيات بفترة وجيزة رفعت نظري للساعة على الجدار تفاجأة و أنا أرى‬
‫العقارب تشير للثالثة و نصف بعد الظهر‬
‫أدرت المفتاح في القفل قد يعتقد أي شخص أن المكان هادئ هذه هيا الحقيقة لكن ليس‬
‫بالنسبة لي ما أن فتحت الباب حتى أمتالء المكان بالضجيج يصلني صوت ضحكها أسمع‬
‫همسي في أذنها و أنا أحتضنها يصلني صوتها من المطبخ و أسمعها تناديني من غرفة النوم‬
‫يشتم أنفي رائحة عطرها التي تشبه رائحة زهرة الليمون أرى نفسي تتجول هنا و هناك‬
‫أرى نفسي التي كنت عليها أرى زياد السعيد و أن لم يكن يعي مقدار سعادته حينها و ها أنا‬
‫أعي تمام أنني كنت سعيدا ألبعد الحدود أشتقت لنفسي بقدر ما أشتقت ليلى مألت كل‬
‫أغراضي في حقيبة كبيرة تذكرت بعض الملفات التي كنت أعمل عليها في المنزل ذهبت‬
‫لمكتبي ألجلبها وجدتني أحمل معي صورة تجمعنا طوقت خصرها في الصورة بذراعي كم‬
‫كنا سعداء‬
‫سمعتها تدير المفتاح في قفل الباب ناظرتني باعين ال أعرفهما لم أرى فيهما الحب الذي‬
‫أعهده‬
‫لقد جاءت ألخذ أغراضي‪-‬‬

‫أوماءت براسها بهدوئ‬


‫كيف أنت يا ليلى‪-‬‬
‫رفعت عينيها عني كأنها تتحاشى النظر أليا‬
‫أحاول أن أكون بخير و أن ال أستسلم للخيبة أقاومها في كل ثانية أحاول جبر أنكسار ال–‬
‫يجبر‬
‫هل ستسامحني يوما ما من كسركي‪-‬‬

‫هل تعلم لما ال يلوم العباد هللا على البالء ألنهم من يبتلون أنفسهم كوني فرطت في أمومتي‪-‬‬
‫منذ البداية و سمحت لك أن تسلبني أيها بكامل أرادتي سلمتك أنوثتي لتجردها من ثمارها‬
‫كنت أتفادى التحدث في الموضوع كي ال أفسد السهرة أو أزعجك كل يوم أحدث نفسي‬
‫أخبرها أن قلبك سيلين أن جروحك ستشفى كنت أنتظر أن تجتاز عتبة الماضي أنتظرت أن‬
‫تفاتحني أنت في الموضوع أن تطلب مني أن أحبل ننجب طفل يضفي لحياتنا السعادة طفل‬
‫يا زياد يكبر في داخلي في رحمي الذي لن يعرف الحبل أبدا أتعلم ما معنا أن ننجب طفل‬
‫هو أن يكون مزيج مني و منك هو أن نتحدى الحياة بشجاعة و نمنعها من أن تمارس‬
‫بشاعتها عليه لكن لألسف األمومة غريزة يا زياد و األبوة تجربة لن تفهمها‬
‫لكنني ال أتحمل فراقك أنني أموت يا ليلى ذنبي هذا يقتلني‪-‬‬

‫أنت أناني يا زياد أناني جدا و هذا بعض من جزاءك‪-‬‬

‫وحش‬
‫في السنة الخامسة إبتدائي يدرسني معلم أسمه خليل وكان شابا طويل له شعر أسود يكاد‬
‫يالمس كتفيه مع قدوم هذا المعلم ساعدني على تخطي عتبة الرهبة قليال كان يصر أصرارا‬
‫على أن أقراء أعمالي التي كانت تنال أعجابه و يصيح على البقية عندما تتعالى همساتهم و‬
‫ضحكاتهم المكتومة و مع الوقت و التشجيع الذي لقيته من سيد خليل أكتسبت بعض الثقة في‬
‫نفسي و تناقص التوتر و الخوف كان يأتي لي ببعض القصص كهدية و كنت أفرح بهذا‬
‫فرحة تمتد ألسابيع حدثته عن المكتبة التي يملكها والدي و عن العناوين النادرة التي فيها‬
‫رويت له ما كانت أمي ترويه عن جدي والد أبي كيف كان يحضر المزاد ليشتري‬
‫المذكرات األصلية والكتب الثمينة و عندما رأيت أعجابه الكبير بحديثي أصبحت أطلب من‬
‫أمي أن تحدثني أكثر عن ذلك الجد الذي لم أعرفه يوما و عند المساء يغادر أبي فأختلي‬
‫بنفسي في المكتبة أقراء العناوين و بعض الصفحات فرحت و أنا أرى أندهاش السيد خليل‬
‫بعد أن أخبرته انه في مكتبتنا نسخة موقعة من كتاب وداعا للسالح لهمنغواي رأيت في‬
‫عينيه أعجاب كبير بي‬
‫سمح لي السيد خليل بالذهاب للحمام و ياليته لم يفعل ما أن دخلت الحمام حتي وجدت‬
‫هؤالك الحمقا متجمعين حول صبي من الصف الثاني تكور األخير على نفسه وترجاهم أن‬
‫" يتركوه يذهب تأملني أحد المتعطشين للضرب " ماذا أيها األخرق هل تتأسف لحاله‬
‫لم أشعر إلى بكلمة "أجل" تجتاز حنجرتي التفت الثالثة إليا تمكن الصبي من الهرب أما أنا‬
‫فتلقيت ضرب مبرحا بسبب شجاعتي الحمقاء و مع كل ذلك األلم لم أشعر بالندم أنني دافعت‬
‫عن ذلك الصبي المسكين و أن أصبحت مسكينا أكثر منه فجأة سحبا الصبيان من فوقي‬
‫توقفت الركالت رفعت نظري ألرى الحارس يصيح بهم و يتوعدهم مسحت أنا دموعي‬
‫بكمي و لم أتحرك من مكاني سرافهم و التفت لي "أيها الصغير المسكين " نظر أليا‬
‫بنظرات عطف مسح على شعري األسود وساعدني على النهوض " يجب أن تتعلم مدافعة‬
‫عن نفسك من هوالء الحمقى "نفض عني غبار الرضية الذي علق بمالبسي ربت على كتفي‬
‫مبتسما و أخذ يتفحص جسدي بيديه أعتقدت أنه كان يتحسس مكان الكدمات لكنه لم يكن‬
‫يفعل هذا بل يوهمني بهذا أختفت األبتسامة وحل محلها عينان مقرفان و يدان تتالمس‬
‫جسدي بعنف تملصت منه بصعوبة بالغة و ركضت لصفي كان كل زمالء قد غادروا‬
‫القاعة و لحسن حظي لم يكن السيد خليل قد غادر بعد توقفت أمامه الهث أرتميت عند‬
‫قدميه باكيا سألني ما لذي حل بي بدا قلق " أخبرني يا زياد ما لذي حصل لما وجهك‬
‫مخطوف هكذا " ترددت في البداية لكنني رويت له الحادثة كاملة بكل قرفها بدا مندهشا‬
‫تملكه الغضب و مسح لي دموعي بمنديله و قال " هذا العالم أكثر قسوة مما نعتقد " صعق‬
‫الحارس و هو يدخل القاعدة لم يكن يتوقع أن يجد السيد خليل لم يمهله األخير الكثير من‬
‫الوقت ليستوعب و قام بضربه بقوة حتى سقط أرضا ناداني السيد خليل " تعال يا زياد "‬
‫تقدمت منه و قد تحليت بشجاعة عظيمة أشار سيدي بأن أركل ذلك الحقير مثلما يفعل‬
‫هجمت عليه بكل قوتي محاول تقليده توقفنا عن ضربه و نحن نلهث‬
‫" و األن أن أردت أخبر الجميع لماذا تلقيت هذا الضرب "‬

‫أبتسم لي و مسك بيدي و أخذنا أغراضنا و غادرنا القاعة تاركين ذلك الوحش يتاوه على‬
‫األرضية‬
‫في األسبوع الخير من تلك السنة الدراسية تقدمت من السيد خليل خالل الفسحة و هو يجلس‬
‫على مكتبه في القاعة و كان الجميع قد خرج ليلعب في الساحة قدمت له كيس صغير و قلت‬
‫مبتسما " أنها هدية " ضحكا و هو يتفحص الكيس " هنيأ لي بتلميذ كهذا " أتسعت عيناه من‬
‫الصدمة و هو يرى نسخة نادرة موقعة من كتاب وداعا للسالح كنت قد أمضيت أسبوع‬
‫كامل أخطط لهذا أستطعت أن أدخل المكتبة تحديدا األرفف المحرمة و التي يمنع علينا‬
‫األقتراب منها ترددت و أنا أقدم على عمل كهذا لكن السيد خليل يستحق هذا أقنعت نفسي و‬
‫أخفيت الكتاب بين طيات ثيابي خرجت ثيابي‬
‫بالتأكيد والدك ال يعلم أنك تهديني هذا الكنز يا صغيري " ابتسمت له و قلت بصوت خافت"‬

‫" هذا الكنز هو سرنا يا سيدي "‬


‫لهذا المعلم فضل كبير عليا أستطاع أن يخلق فيا الشجاعة كما أنه خلصني من توتر و‬
‫الرهبة التي تتملكني من كل شئ بعد شهرين تفطن أبي ألختفاء الكتاب و تم أستجواب‬
‫الجميع أنا لم تحوم حولي الكثير من الشبوهات وكدت أندم على فعلتي عندما أتهم أبي‬
‫الخادمة بذلك لكن أمي أقنعته أنها امرآة العالقة لها بالكتب هنا تأكد أبي أن أحد أصدقاءه‬
‫هو الفاعل و كان قد زاره قبل فترة و أعجب بالكتاب فتنهدت أمي و قالت أنه صديق‬
‫سوء خسرانه منفعة لنا و بعد أن مرت العاصفة خير مرور تلذذت بطعم األنتصار كنت‬
‫أشعر أنه أنتصار على ماذا ال أعلم لكنه كان أنتصار يحتسب لعله أنتصار على الخوف‬
‫الذي في داخلي‬

‫زوايا دائرة‬
‫لم يزدني الظرف األخير الى حيرة فيوسف ورغي و هو األسم الذي تحمله بطاقة ضياع‬
‫أخبرني زكرياء أن هذا الشخص مفقود منذ عام عام اثنان و تسعون وال أحد يعلم عنه شيئ‬
‫وأقفل الملف بعد عدة أشهر بدون أن يبذل فيه أي جهد لم تكن المعلومات كافية لتفك‬
‫طالسيم هذا اللغز المحير و كأنني في مزاج مالئم ألركض وراء هذا الغموض‬
‫طلبت من أحمد أن يراجع ملف هذا اللغز الذي أطارده لعله هو من يطاردني لعله يجد شئ‬
‫ما لم يتفطن له عقلي الشارد على الدوام مما يجعلني أفقد تركيزي المعتاد على التفاصيل‬
‫بدى أحمد متلهف للملف أستاذنني ليطيل البقاء في المكتب مساءا ليدرس الموضوع أكثر‬
‫بدى كأنه يمارس شغف ما بالصحافة األستقصائية تقدم مني في اليوم الموالي بدى متعب‬
‫بسبب السهر‬
‫هل درست الملف جيدا ال أخفيك أنه متشابك بعض الشئ_‬

‫لقد سهرت عليه لساعة متأخرة من الليل لألسف يا سيدي لم تكن أستنتجاتي بذات أهمية _‬
‫شح المعلومات يعيقنا حتى على فهم ما نبحث عنه لكن يا سيدي المفتاح الذي ممكن أن‬
‫يوصلنا لحقيقة الموضوع واضح‬
‫ماهو_‬

‫القرية قرية الزهوى _‬


‫عموما أشكرك يا أحمد لم أكن أنتظر شئ أكثر من هذا فالملف فعال يحوم حوله الكثير من_‬
‫الغموض و هو معقد كثيرا لكن موضوع الذهاب للقرية هذا أتركه لي أنا سأفكر بالموضوع‬

‫الفراق‬

‫ما معنى أن تكون وفيا ال أعرف عن الوفاء الكثير بمقدار ما يعرفه رجل عن مصطلح'‬
‫كهذا لقد تخليت عن الكثيرين والبقية رحلوا قبل أن أفعل من هوالء عدد البأس به من‬
‫العشيقات اللواتي تعرفت عليهن قبل و بعد الزواج فأن لم أكن وفيا ألصدقائي و لزوجتي لما‬
‫"أنا وفيا للذكرى وفيا للماضي ألحزانه و أالمه التي ال تحصى و ال تعد‬
‫أراقب عقارب الساعة الجدارية المعلقة في المكتب كم يخطف الموت من أحد في هذه‬
‫اللحظة كم من مصيبة تحدث كم من زلة لسان ستخلق الكثير من الندم للناطق بها والكثير‬
‫من األلم لمتلقيها وستخلق جفاء قد يدوم لألبد كل هذا يحدث وعقارب الساعة تدور و تدور‬
‫كان شئ ال يحدث تقع عيني على صورة لي مع ليلى في رحلتنا األولى الى باريس أتاملها‬
‫أرى فيها الكثير من الحب و الفرحة أراهما في عينيها أستقيق من شرودي مع دخول سلمى‬
‫تناظرني بأستغراب وهيا ال ترى أي من الملفات مفتوح أمامي بل الزالت أكوام على‬
‫طرف المكتب مثلما وضعتها في الصباح تعلمني بوصول ليلى أذنت لها بالدخول شعرت‬
‫أنني أريد أن أركض ألقفل الباب بالمفتاح ألتخلص من ليلى وسلمى والجميع لكن لقد فات‬
‫األوان و هاهيا تجلس أمامي أتفادى النظر اليها أالحظ ابتسامة سلمى وهيا واقفة بجانب‬
‫الباب‬
‫سيد زياد هل أقدم لكما شئ لتشرباه_‬
‫ال سلمى شكرا عودي الى عملكي _‬
‫ترفع ليلى رأسها تتأمل المكان كأنها تراه ألول مرة يكسر سؤالها الصمت الذي ساد المكتب‬
‫أنت تعلم أن عالقتنا أنتهت لما تتشبث بحب ميت_‬

‫شعرت أنني أتعرى أمامها من قناع المكابرة و أنها قادرة أن تتطلع على داخلي المشوه‬
‫تلخبطت مشاعري شعرت بالذل و األنكسار و الخوف من الماضي الذي تسرب أال‬
‫الحاضر لم تكن ليلى التي أمامي بل كانت الحياة‬
‫أنا أتألم يا ليلى أخر شئ أريده في هذه الحياة هو أن نفترق _‬
‫ماذا تعرف عن األلم يا زياد أنا من أشعر أنني أفقد أنوثتي هل تستطيع أن تتخيل هذا حتى_‬
‫أنا أنهار في داخلي أشياء أشعر أنها غريبة عني فجأة و منها حبنا سأتنقل الى منزل‬
‫صديقتي مروى فالتعود أنت الى منزلك و كفاك تشتت‬

‫ليس هذا ما أردت سماعه أطالقا نظرت أليها وهيا ترقع حقيبتها و تتجه نحو الباب رأيت‬
‫عينيها اذ هما ليسا بالعينين في الصورة ال ألمح فيهما أي حب و ال أثر فيهما للفرح أطالع‬
‫الصورة مرة أخرى أتاكد من صحة ما رأيت ال أتفاجاء و كيف أفعل اذ أنا من أغتال الحب‬
‫و طرد الفرح بحمقاته التي ال تعد‬

‫البيت يكرهني‬

‫لم أكن أتصور أنني سأستطيع دخول هذا البيت و ال أثر فيه لليلى ال عطرها و ال مالبسها‬
‫أخذت كتبها من المكتبة و هيا معظمها روايات بالغة األيطالية و كتب لتعلم اللغة الروسية‬
‫فهيا شغوفة باألدب الروسي و تطمح أن تقراء أعمال دستويفسكي بالغة األصلية و تملك‬
‫أيضا عدد البأس به من كتب الزراعة لملمت كل شئ يعود لها كأنها أقسمت أن ال تترك‬
‫شئ منها لقد أقسمت حقا فالبيت حزين كأنه في حداد على الراحلة البد أنه يلعنني ال هو‬
‫ليس بهذه القسوة أنه البيت الذي كان شاهدا على لحظات العشق و الفرح بيننا لكنه شاهدا‬
‫أيضا على نذالة أعمالي و خذالني لها لعله يكرهني الحمد هلل أن هذه الجدرأن صامتة لو‬
‫نطقت لرجمتني بوابل من اللعنات فهيا من أحتوت بكاءها أثر الفراق متيقا أنها بكت هنا‬
‫على هذا السرير الكئيب أدخلت مع صابر و هو يحاول أقناعي لعدم العودة للمنزل على‬
‫األقل في هذه الفترة‬
‫" لقد تعودت عليك في المنزل لقد أصبحت مثل أرملة حزينة تعيش معي"‬
‫فتحت آلة الموسيقى الكالسيكية التي ورثتها بعد موت والدي كان فيها أسطوانة السمفونية‬
‫التاسعة لبيتهوفن عرفت اذا أن بيتهوفن كان ونيسها في ليالي الفراق كل شئ في المنزل‬
‫أشعر أنه كان وسيط طقوس أخراجي من قلبها أمقت نفسي لهذا التفكير الساذج و كأن‬
‫كرهها لي يحتاج مجهودا أصال قال صابرّ‬
‫ال أحب بيتهوفن هذا كثيرا في كل مرة أسمعه أعيش صراع بين الحواس و المشاعر_‬

‫أنه يعمق ملك أحساسك في كل مرة لكن غالب ما يفصلك عن مشاعرك تجاه أي شئ و_‬
‫يضعك في مواجهة مع نفسك تواجه ندوبك و ذنوبك في كل مرة أسمعه يغوص بك الى‬
‫" عمق الينتهي من حزنك يرمي بك الى جحيم الذات كما يرمى الحطب الى النار‬

‫يكفيني جحيم األخرة يا صديقي أليه المقصد بدون شك لما العجلة _‬

‫المراهقة‬

‫عندما أنتقلت لألعدادي أستطعت أن أكتسب بعض األصدقاء و أكتسبت وزن مما جعل‬
‫جسمي يتخطى مرحلة الهزل الشديد تغيرت األوضاع في المنزل أيضا لألسواء شئ ما‬
‫يحدث جعل الصفاء الكاذب الذي نلعبه في النهار يتالشى شئ فشئ لكننا لم نكن نتحدث عن‬
‫هذه المستجدات التي تجعل أمي أكثر شحوبا أكثر حزنا من العادة حتى قناع البرود الذي‬
‫يتصنعه أبي نهارا بدى ينقشع على األقل عندما يتالقى مع أمي و ترمقه بنظراتها المعاتبة و‬
‫الغاضبة أحيانا أخرى يناظرها غاضب و ينفر منها حتى سمر بدت بعيدة عنا و هيا بييننا لم‬
‫تعد تلك الطفلة التي تحاول جاهدة أدخال البسمة لوجوهنا العابسة لم تعد تلبي نداءي للعب‬
‫في الحديقة لم تعد تشاركني التسلل لمكتبة أبي في الدور الثالث أترجها مرار لتلعب معي‬
‫الشطرنج رغم أنني أكره هذه اللعبة و هيا من كانت تترجاني لعبها معها بدت تنسحب شئ‬
‫فشئ تنكمش على نفسها خلقت حياة أخرى لم أكن جزء منها لكنني مع الوقت رضيت على‬
‫هذا فقد كنت معجب بالتغيرات التي طرأت على شخصيتها باتت أكثر قوة أكثر نضجا‬
‫عندما بلغت الرابعة عشر الحظت بنيت جسدي التي أصبحت أضخم لم أعد ذلك الصغير‬
‫الهزيل الحظت ذلك التغير عندما بلغني ذلك الظرف الصغير سلمتني أيه أسماء زميلتي في‬
‫الصف أشارت الى فرح ما رأتني انظر لها حتى ركضت مع صديقاتها تفاجئة بجراءتها‬
‫كتبت أنها معجبة بي منذ السنة الفارطة و عدم تجاوبي مع نظراتها و تلميحاتها دفعها الى‬
‫أرسال هذه الرسالة لها الفضل جعلتني أتجاوب مع الرجولة التي أقتحمتني و خلصتني تماما‬
‫من أشالء الطفولة العالقة بي منذ ذلك اليوم أصبحت أنظر الى نفسي رجل مختلف كليا عن‬
‫ذلك الطفل الهش الضعيف أصبحت أكره ما كنت عليه أكره ذلك الطفل المنكسر هذا قبل أن‬
‫أتصالح مع طفولتي المحبطة وأتقبلها و أهديها شجاعة بت أكسبها أعود للحديث عن فرح‬
‫بسبب عالقاتي المحدودة مع الناس لم أكن أعلم كيف أسير تلك العالقة الغرامية التي بت‬
‫أحد أطرافها لكن فرح أنارت لي الطريق عندما نكون في الصف تالزمني دائما تجلس‬
‫بقربي ال نفترق في الساحة يتجمع حولنا األصدقاء فتمسك بيدي و ضحكتها تمأل المكان لم‬
‫تنزعج أبدا من قلة خبرتي و كانت سعيدة كونها من تسير تلك العالقة تطلب مني أن أمسك‬
‫بيدها و تذكرني بعيدها و أنه عليا أن أهديها هدية حتى أنها طلبت مني مرة أن أطبع قبلة‬
‫على خدها ونحن عائدان من المدرسة و مع مرور األسابيع بت خير خبير في أدارة العالقة‬
‫و اكتسبت أيضا الدهاء جميلة تلك الفترة التي جمعتني بفرح كان جمالها يفوق سنواتها‬
‫الرابعة عشر بياضها الناصع و البسمة التي ال تفارق وجهها كانت كتلة من الحماس أهديتها‬
‫مرة بروش صغير من الفضة كان ذلك في عيد ميالدها الخامس عشر صنعه لها عصام من‬
‫قطع فضة صغيرة جمعها من بواقي القطع التي كان يصنعها للزبائن كان يتابع هذه العالقة‬
‫خطوة بخطوة و ساعدني بدوره على تدارك وضعي المزري كحبيب حينها كان ينتظرني‬
‫كل مساء ألروي له المستجدات‬

‫الوحدى‬

‫لم يكن من السهل أستيعاب ذلك القدر من الوحدى منذ فراق ليلى رغم قضايا المكتب‪ ‬رغم‬
‫اللغز الذي أقتحم أيامي الزال لدي وقت فراغ لعلني أنا من أسرع طيلة اليوم ألحظى بهذا‬
‫الوقت حيث ال يبقى للقلب غير الحنين و للعقل غير أجراس الندم التي ال تهدئ رغم‬
‫وجود صابر الذي ال يكف يربحني في لعبة الشطرنج يقول أنني أضحي بالجنود و أحتفظ‬
‫بفيلين دائما ما أخسر بهما هكذا أغلبنا يضحي بالجميع في سبيل أحد أما أن يخذلنا و أما أن‬
‫تخذله الحياة حتى زكرياء يأتي و يشاركنا السهرة أهرب أحيانا الى الفايسبوك تهاجمني‬
‫منشورات بذيئة و مقرفة و أنفر من تراشق التهم بين األصدقاء على قائمتي بين يساري و‬
‫أسالمي و بين شيوعي و قومي ال أعلم حتى كيف أجتمع كل هوالء على صفحتي أكتشفت‬
‫أن ليلى محتني من عندها حرمتني من مراقبة منشوراتها و تعليقاتها يزيدني هذا ضجرا‬
‫فأهرب للملفات المتراكمة أمامي أقلب الصفحات أدون مالحظات أراجع ملفات الطالق‬
‫أسخر من أسباب الطالق التافهة هذه لم تعد تطيق زوجها ألنه يستشير والدته في كل‬
‫قراراته و أخر ينعت زوجته بالمبذرة تجيبه أخرى في ملف تتهم زوجها بأنفاقه أمواله على‬
‫عشيقاته تجتاحني موجة من الجبن ماذا عن سبب فرقنا نحن بأي نظرة سيرمقني‬
‫القاضي سيلعنني الحضور ألف مرة أنا القاتل الوحيد الذي يخرج من أسوار المحكمة لن‬
‫أنال أي عقاب شافي ماذا لو أحتسبوا عدد البويضات التي لم أسمح لها بأن تلقح لو أنال‬
‫عقوبة القتل على كل بويضة كيف ال ألم أمنع أنا من نفخ الروح فيهم‬

‫التمرد‬
‫ال أنا و ال سمر أعتدنا التحدث عما نعيشه أعتدنا أن نحترق في صمت ونداري الحزن‬
‫بأبتسامة فارغة من الصدق و نخفي اضطراب أيامنا خلف جدار الصمت الذي يكمم‬
‫أرواحنا لم استطع تحمل الصراخ أكثر أنتفضت من السرير و مكثت خلف الباب‬
‫أنت حقير لدرجة مخزية أال تراعي مشاعر أ بنتك " تتردد شهقات أمي بينما يعلو صوت "‬
‫" أبي " اللعنة عليك و على ابنتك‬
‫تجمدت مكاني و أنا أسمع باب غرفة سمر يفتح كنت كمن يلتحق على مشاهدة فيلم في‬
‫النصف الثاني كنت مسعوق بشجاعتها هل قلت شجاعة يعني مكوثي خلف الباب جبن من‬
‫القسوة التي تتجسد في الخارج بدى صوت سمر قويا لم يكن بهذه القوة من قبل أخذ يصدع‬
‫في المكان" ألم تكتفي بعد من الفساد والفجور أنتهكت بعدم نضجك هذا طفولتي مألت‬
‫داخلي بالخوف من صوتك الذي يعصف كل يوم مثل الرعد من رائحتك المقرفة من القناع‬
‫الكاذب الذي أضعه نهارا " أستقرت صفعة قوية تردد صدها في المكان على خد سمر‬
‫مدتني السماء بقوة كافية و فتحت الباب لم تكن سمر منكسرة بل بدت قوية لدرجة مخيفة و‬
‫كأن روحها قد كسرت قيد الخوف لألبد سرى فجأة النشاط في الجسد المترنح مع أنه‬
‫سكران الى أنني أستطعت أن أرى وجهه الحقيقي بدون عالمات السكر و بدون قناع البرود‬
‫بدى لي صاحيا مخيفا و عاريا تمام من النفاق و التصنع دخل في هستيريا و هو يرى‬
‫النظام الذي صنعه ينهار ألول مرة يواجه التمرد هجم على سمر التي ترمقه متحدية "لن‬
‫نخضع لك هذه المرة " و كأن كلماتها وقودا تزيد ناره تأجج نار لم تعد تحرقنا بل ستحرق‬
‫نفسها تلقت سمر صفعتين سقطت أرضا مع شفاه دامية تمسكت به أمي باكية تترجاه أن‬
‫يتوقف عن ضربها لكننه لم يكن هو بل كانا في حضر ت شيطان‬
‫تحررت من جمودي و حررت من تحت يديه سمر تشبثت بي باكية أما أمي فضلت تبكي‬
‫بحرقة و هيا تتأمل أبي و صدره يعلوا و ينزل من الغضب في تلك اللحظة اكتشفت أن‬
‫األبواب المغلقة التي نحتمي بها تشبه الخمرة تخفف عنا وطئ اللحظة لكنها تنخر أرواحنا‬
‫ببساطة أنزواء كل منا خلف جدران روحه الهشة هو ضربا من الغباء‬
‫التحقت سمر بكلية الطب منذ ثالث سنوات بدت سعيدة بذلك التخصص ألنه سيمكنها من‬
‫األستقاللية رغم التعب الذي كان باديا عليها في فترات األمتحانات صارحتني من بعد تلك‬
‫الليلة أنها تحب وليد زميلها في الكلية رأيت الحب يحوم في عينيها و بريق العشق يسكنهما‬
‫كانت قد صارحت أمي قبل عدة أشهر و ما أن علمت أمي بهذا الموضوع حتى طلبت منها‬
‫وضع العالقة في أطارها الصحيح و أنه على وليد هذا أن يتقدم لخطبتها لكن سمر متخوفة‬
‫من ردت فعله اذ علم أن أبيها سكير و مقامر و منذ ذلك اليوم سكنت الهواجس أمي الى‬
‫اليوم الذي صارحت فيه أبي قبل تلك الليلة المشؤومة بيوم طلبت منه أن يكف من كونه‬
‫مصدر للخجل ألبناءه أن يكون رجل تفتخر به أبنته أمام الناس يومها غادر مسرعا هاربا‬
‫من كلمات أمي التي تدمي كبرياءه‬
‫" المساجد "‬

‫هش هو األنسان كورقة شجر تعبث بها الرياح قد تغرق به ذكرى واحدة في بحر ال قاع "‬
‫له من األلم و قد ترفعه أبتسامة واحدة للسماء السابعة غريب حاله هو األنسان ضعيف هو‬
‫" بقدر ما يدعي القوة حزين بقدر ما يبتسم صاخب هو بمقدار صمته‬
‫لم يستطع عقلي أن يزيح كالم أحمد و توالدت في داخلي رغبة في الذهاب للقرية قرية‬
‫الزهوى في جندوبة التي سكنها أبطال اللغز أحدهم أمتلك فيها الكثير و أخر مفقود منذ‬
‫قرابة ثالثون عام شيئ من العقالنية يحاول عبثا أقناعي بتجاوز هذا الموضوع لكن كلما‬
‫وليت تفكيري هاربا من بحر ليلى الذي أصبح خطر هذه الفترة حيث تكاد أمواج الشوق‬
‫تبتلعني و في محاولة مني بالتشبث باليابسة أهرب لهذا الموضوع لعله ينتشلني من ألم‬
‫القلب‬
‫في تمام الساعة السابعة صباحا كان أحمد واقف أمام العمارة التي أسكنها بدا لي متحمس‬
‫جدا و لم أكن أحبذ الذهاب بمفردي للقرية و هو متحمس لمواكبة مستجدات هذا اللغز‬
‫أستسلمنا للطريق لم نواجه أي أزدحام في صبيحة األحد لكن الصداع سرعان ما داهمني‬
‫بسبب ليلة أمضيتها أطارد أشباح ذكريات تطاردني و لسوء حظي لم يتوقف أحمد عن‬
‫الثرثرة يعلق على أي شئ يعترضنا في الطريق من الفتات أشهار لعلب الطماطم و‬
‫المعجنات َإلى الشعارات السوقية المطبوعة على السيارات و صوال إلى العائالت السورية‬
‫التي تتسول على الطرقات كنت مصغيا إلى ثرثرت أحمد بصدر رحب إال أن دعست على‬
‫الفرامل فقد كدت أدعس رجل مسن ال أعلم كيف وصل إلى وسط الطريق أقترب من‬
‫شباك السيارة فتحت الباب ألنزل إال إنه أعترض و أقفل الباب‬
‫يا بني كدت أموت وأنا بصدد دخول بيت هللا ألصلي الظهر_‬
‫أشار إلى باب المسجد في الشارع المقابل‬
‫أسف فعال يا سيدي أرجو أن تتقبل أسفي أعذر شرودي_‬

‫هز الرجل رأسه مبتسما ابتسامة رضا‬


‫ال عليك يا ولدي فمن ال يريد أن يموت و هو قاصد الصالة في أمان هللا رافقتك السالمة _‬
‫أكملت الطريق تاركا ذلك المسن الغريب يكمل طريقه للمسجد هز أحمد كتفيه‬
‫الناس من تبني هذه المساجد بأموال التبرعات لقد تم فتح مسجد جديد في الحي الذي _‬
‫تسكنه لم يشهد الحي عمل تضامني كهذا من قبل‬
‫التبرع لبناء مسجد يدفعنا لهذا الوازع الديني لكن لهذا أنعكاسات سلبية أيضا _‬

‫أنت تقول كالم غريب يا سيدي _‬

‫أنا لست كاثوليكي أو بوذي ي ا أحم د و حتم ا لس ت ملح دا له ذا ال ترمق ني بتل ك النظ رة _‬
‫أخبرني أنت من يضمن نوع الخطاب الذي سيقدم للناس و هل الخطيب هذا ه ل ه و مؤه ل‬
‫إلمامة الناس أغلب هذه المساجد ليست تحت رقاب ة وزارة الش ؤون الديني ة ال تي ب دورها ال‬
‫تبذل المجهود المطلوب لمراقبة المعلومة التي يتلقها رواد المساجد و ه ذا ليس هين ا ب ل ه و‬
‫خطير جدا فأغلب نواة اإلرهابية تنش أ في تل ك الجلس ات ال تي يتعم د مس يرها إيقاع ك في‬
‫براثن الفكر الخطير تسمى هذه مغالطة يعني أنها تقوم بوعي مرتكبها بشناعة فعلته و يوج د‬
‫أيضا الغلط مثال يمكن أن يكون الشخص الذي و قع عليه اإلختي ار في المس جد و ه و ع ادة‬
‫كبير الحي قد يكون هذا الشخص متعصب حيث يكون هو نفسه ضحية ذلك التفك ير الخط اء‬
‫لهذا ال أحد يضمن ما يقدم في هذه المساجد لكن هذا قد يقع في أي ميدان و قشة النج اة هي ا‬
‫وعي اإلنسان بدينه‬
‫لكن يا سيدي إن كانت الناس تدفع تبرعات لتبني هذه المساجد يعني أنها متعطشة ل دينها و_‬
‫تسعى لتتقرب إلى هللا‬
‫كالمك صحيح لكن الناس يتوقف سعيها لتتقرب إلى هللا بهذا قلة قليلة من تجده يسعى لفهم _‬
‫دينه و توسيع زاده المعرفي األغلبية معرفتهم بالدين معرفة سطحية هل تعلم لماذا‬

‫لماذا _‬
‫ألنهم يخافون السؤال و الحيرة يكتفون بما أنزل و يهملون ما وهبنا إيه هللا أي العقل ال _‬
‫يفهم الناس أن الدين يدفعنا للتساؤل الذي يولد بدوره النتيجة التي تكون دوما أكثر أقناعا و‬
‫ترتقي بنا في سلم الديني و الفكري أما األخذ باالستنتاجات الجاهزة هو إحباط لشعلة‬
‫التساؤل التي تأجج اإليمان مثال على هذا يتدافع الناس للتبرع لبناء المساجد لماذا ال يتبرعوا‬
‫لبناء مدرسة التي بدورها تأسس للعلم لما ال يتبرعوا إلنشاء مكتبات التي تشجع على‬
‫المعرفة هل يتبرع الناس لبناء مستشفى ال ألننا نركض إلرضاء الجانب الديني الذي ال‬
‫نكف نجرده من الجانب اإلنساني عندما يفصل اإلنسان الدين عن اإلنسانية سيفقدهما االثنان‬

‫القرية أخيرا‬

‫بسبب شح المعلومات عن قرية الزهوى بدى الوصول لها صعب المنال‬


‫و ما زاد من تأزمي هو الشمس التي تقتحم السيارة كلما توقفت ألسال أحد المارة عن القرية‬
‫التي بدت غريبة عن معضمهم‬
‫الشمس التي تتكبد السماء و السوق األسبوعي الذي تسبب في أزدحام مزعج و أصوات‬
‫الباعة التي تشتت التركيز كل هذا يدفعني لوضع حد لهذه الرحلة التي ترهقني تكلم أحمد و‬
‫هو يالحظ سخطي على الوضع المزري‬
‫هل تود أن أسوق بدل عنك يا سيدي وأنت خذ قسط من الراحة الطريق يحتاج مجهود و_‬
‫تركيز‬
‫هل لديك رخصة سياقة_‬

‫هل يخالف طالب قانون القانون يا سيدي_‬


‫الثانية بعد الظهر وصلنا إلى القرية كنا قد واجهنا صعوبة بالغة حتى تمكنا من بلوغ القرية‬
‫التي أستقرت في منطقة نائية حذو الجبل بفضل الوثيقة التي حملت أسم المعتمدية استطعنا‬
‫أن نبلغ األخيرة ثم لم يبقى أسم قرية الزهوى نكرة لدى السامعين مشينا حوالي عشر‬
‫كيلومترات في طرقات أغلبها غير معبد حتى بلغنا القرية التي تحيط بها أراضي فالحية‬
‫من ثالث أطراف و الطرف الرابع و هو الخلفي محاذي للجبل توغلنا في القرية و نحن‬
‫نتفحص المكان بأعيننا أغلب المنازل قديمة من الطين و في الجانب الشرقي للقرية تركزت‬
‫فيه منازل بدت جديدة التصميم ذات طابع عصري و جدنا أنفسنا في ساحة كبيرة بالسيارة‬
‫التي مرت بصعوبة بين األزقة الترابية و الملتوية كانت في الساحة شجرة تين كبيرة ال يقل‬
‫عمرها عن أربعين عاما جلس تحتها رجال مسنين تجمعوا في دائرة يلعبون الورق و‬
‫الخربقة و حولهم األطفال يلعبون و يركضون في الساحة حرقت الشمس جلدهم و طغى‬
‫عليهم لون السمار و كست أجسادهم الغبار ركنت السيارة بينما جميع األعين تتفحصنا‬
‫أشار أحمد إلى مقهى على الناحية الغربية للقرية مقهى جزمت انه الوحيد في القرية أرتميت‬
‫على أحدى الكراسي على رصيف المقهى كان خلفنا مجموعة من الشباب يلعبون الشكبا لم‬
‫يكن باديا على احد األنزعاج من الشمس الحارقة حينا المراهقون بأعين فضولية شربت‬
‫نصف قارورة المياه التي أتاني بها العامل‬
‫اسمع يا أخي هل لنا أن نتحدث ألحد من المتساكنين القدامة في القرية_‬

‫ضحك العامل حتى ظهر ضرسه المكسور‬


‫يا سيدي الكريم كل السكان قداما فمن الواضح على مالمح القرية أنها ال تجذب السكان_‬
‫لهذا من تراه هنا غالب لقد ولد هنا مثلما فعل أبيه و جده و أنت يا سيدي حدثني عن طلبك‬
‫وسأوفره لك في الحال‬
‫لم أعرف ماذا أسال بالتحديد وقع حدسي على يوسف‬
‫أسال عن يوسف ورغي_‬
‫بدت عالمات الحيرة على العامل نطق أحد رواد المقهى الذي كان يسترق السمع مثلما يفعل‬
‫أغلب الحضور‬
‫و هللا يا سيدي ال أحد هنا هذا األسم_‬

‫لقد عاش هنا منذ خمس عشرون عام_‬

‫عليك بسؤال كبار القرية هم من يجلسون تحت شجرة التين هناك حتى أن ذاكرتهم أقوى _‬
‫من ذاكرتنا‬
‫قهقه الجميع بينما أكتفيت أنا بابتسامة مجاملة أشرت الحمد ان يبقى جالس و اقتربت أنا من‬
‫الشيوخ راحوا يترفسونني من بعيد‬
‫سالم عليك يا سادة _‬

‫أجاب أحدهم بدا بشوشا بوجه يدل على طيبة الشخص يعتلي كبوس أحمر بهت من الشمس‬
‫تفضل يا بني أهال بك _‬
‫يا سيدي جأت أسالكم عن شخص أسمه يوسف ورغي عاش هنا منذ مدة طويلة_‬

‫لعلك تتحدث عن ذلك الغالم ابن أمينة الذي هج ألراضي بعيد تاركا أمه تعاني أالم_‬
‫الفراق التي أرقدتها القبر واحسرتاه على خلفة مثل هذه‬
‫ماذا تعني أنه هج_‬
‫استخرجت إعالن الضياع واريته لهم‬
‫وهللا يا ولدي بعد شهور من أختفاءه حسب ما اذكر انتشرت أخبار تقول انه سافر إلى _‬
‫الجزائر و أخرى تقول أنه سافر إلى أوروبا راكبا البحر و قيل أيضا أنه أنظم إلى اإلرهاب‬
‫في الجزائر و قتل أبرياء و هللا أن هذه األخبار هيا من سرعت بوفاة تلك المغبونة أمينة‬
‫أرتميت على الكرسي البالستيكي في المقهى إلى أن أصدر صرير لم أكترث له تلقفني احمد‬
‫لقد تعرف أحدهم على يوسف ورغي قال لي أن إبن عمه يسكن في طرف القرية و هو _‬
‫مستعد أن يأخذنا له‬
‫التفت إلى الشاب الذي أبتسم لي بأستحباب لم يكن من الممكن التحدث ولو نصف كلمة بدون‬
‫أن يسمع الفضوليين من رواد المقهى لهذا أشرت للشاب بالذهاب فبدا متحمس و سبقنا‬
‫للساحة ال وجود ألي طريق معبد لهذا علقت األتربة في أحذيتنا وأما الشاب الذي يرتدي فخا‬
‫خفيف غلفت رجليه طبقة من الغبار‬
‫أن ابن عمه هذا يسكن في طرف القرية انه رجل مسن ربما قد ال يتذكر بسبب السن لكن _‬
‫يا سيدي زوجته خالتي مبروكة رغم سنها الزالت في كامل صحتها تصور أنها تعول مئة‬
‫كيلو من الكسكسي في أمسية واحدة أمي تقول هذا‬

‫سلكنا أنهج عديدة و مررت على مساحات خضراء توقف الشاب أمام منزل متهالك وراءه‬
‫الجبل بكامل هيبته طرق الغالم الباب الخشبي المتأكل سلم احمد ورقة نقدية قيمتها عشرة‬
‫دنانير مكافأة على مساعدته بدا سعيد بها رغم انه رفضها في البداية لكن احمد أصر ان‬
‫يأخذها فطر اعائد للمقهى ظهرت سيدة سبعينية من خلف الباب تطايرت شعيرات بيضاء‬
‫ناصعة من تحت فولراتها ناظرتنا باستغراب‬
‫عسالمة وليدي _‬

‫يسلمك يا حاجة هل نستطيع أن نقابل العم يحي _‬


‫دلفنا إلى صحن الدار رحبت بنا السيدة‬
‫تفضال يا أوالدي ال تخجال _‬

‫جلسنا في غرفة فرشت بالمرقوم كان الشيخ يحي متربع في ركن الغرفة يقرأ في المصحف‬
‫رحب بنا بوجه بشوش‬
‫نريد أن نسال حضرتك عن يوسف ورغي قيل لنا أنك إبن عمه _‬
‫ترفس في وجوهنا بأستغراب‬

‫يوسف أين نحن من أخبار ذلك الغالم ه لقد عبث الغبار على ذكراه _‬

‫أال تحدثنا عنه يا سيدي أن كان هذا ال يسبب لك أي أزعاج _‬

‫إزعاج ماذا يا ولدي أنتما ضيوفي و لكما ما تطلبون _‬


‫إعتدل العجوز في جلسته‬
‫لقد كنت أكبره بعقدين تقريبا فقد المسكين والده و هو اليزال في المهد مما جعل الحال _‬
‫يزدد فقرا و الحقيقة أن والدي تخمده هللا برحمته كان يمد ألمه يد العون لكنه وقت صعيب‬
‫على الجميع اه‬
‫تنهد الشيخ كأن الذكريات كبست على نفسه و أكمل‬
‫لقد كان ذلك الغالم كقطعة السكر أضيفت لمرارة أيام والدته المسكنة يشهد هللا أن كل _‬
‫أهل القرية يحبونه لدماثة أخالقه و الجميع يكن له المودة و العطف إال أن أختفى لليوم ال‬
‫أفهم لما فعل ذلك ترك أمه تعاني أالم الفراق دفعت و أبي أموال كثيرة لعلنا نعثر على أثره‬
‫لكن سدى سامحه هللا أين ما كان و أن كان ميتا أو حي يرزق‬
‫تحسر الشيخ و قال مستدركا‬
‫أخبرني يا ولدي لماذا تسأالن عنه _‬

‫لم أكن أعرف ماذا أقول أنا نفسي ال أعرف لما أسأل عنه قطع صوت أحمد سلسة أفكاري‬
‫و هو يحاول تدارك صمتي الذي كاد أن يخلق التخوف لدى الشيخ يحي‬
‫نحن نحقق في ملفات األشخاص المفقودين نحن متطوعين في جمعية السيد زياد محامي _‬
‫و أنا مساعده‬
‫رمقت احمد بنظرات غاضبة تفادها لم أكن أفضل الكذب على هذا الشيخ الطيب الذي‬
‫أستقبلنا في منزله‬
‫دخلت الحاجة مبروكة محملة كبيرة و ضعتها أمامنا حملت الصينية ببراد التاي و حذوه‬
‫النعناع الذي مالءت رائحته الغرفة و صحن زيت زيتون و صحفة من الفخار بالزيتون‬
‫المملح و خبزتين طابونة عربي صحن من الهروس و أربع بيضات مسلوقة من منتوجات‬
‫دجاجاتها‬
‫تامل أحمد الصينية و قد كاد لعابه أن يسيل‬
‫لما أنهكت نفسك حاجة _‬

‫كال يا أوالدي وهللا لو علمت بقدومكما لذبحت لكما دجاجة _‬

‫هز الحاج رأسه مؤيد‬


‫وهللا لتكون لهما عشاء أنكما ضيفان لدينا و لكما عندنا حسن الضيافة _‬

‫إستأذنت و أحمد لكن الشيخ يحي أصر أن يصطحبنا في جولة في القرية تمشينا في البساتين‬
‫التي تنوعت منتوجاتها من بقول إلى نبتات ورقية تمشينا تحت األشجار الزيتون و اللوز‬
‫حتى بلغنا ساحة القرية راح الشيخ يلقي التحية على كل المترجلين بسعادة ورضا لم تكن‬
‫القرية ذات كثافة سكانية عالية قد ال يتجاوز عدد السكان حسب تقدير الشيخ الخمس مئة‬
‫ساكن و هو عدد في تناقص بسبب النزوح الريفي ألقينا التحية على الشيوخ تحت شجرة‬
‫الكرم و تجوزنهم لنبلغ الطرف األخر من القرية وصوال إلى منزل فخم من طابقين قال‬
‫الشيخ و هو يقطع علينا تأملنا لهذا المنزل المختلف عن البقية بهيبته و فخامته رغم‬
‫اإلهمال الواضح‬
‫ستسمع بعد قليل صياح األطفال هنا السكان يعتقدون أن هذا المنزل مسكون بالجن لهذا _‬
‫يتجمع األوالد هنا كل مساء للعب حولها و أستفزاز شجاعة بعضهم البعض بسذاجة‬
‫قال احمد‬
‫و هل هيا فعال مسكونة باألشباح اقصد _‬

‫ضحك الشيخ‬
‫الناسي يا ولدي في هذه القرية الصغيرة ال يكفون عن إشاعة السخافات و إشاعات _‬
‫لقد توفى‬ ‫محاولين خلق بعض المتعة و إضافة عامل التشويق ليكسروا رتابة أيامهم‬
‫صاحبها قبل عشرة أعوام و لحقت به زوجته بعد عدت أشهر و لم يكن لهما أطفال فبقيى‬
‫المنزل هكذا إال أن تتصرف فيه الدولة‬
‫ال بد أن صاحبه غنيا فرغم تواتر السنوات الزال المنزل يحتفظ بعالمات الرقي والفخامة _‬
‫حتى أنه مختلف عن بقيت المنازل‬
‫نعم لقد تعب صاحبه على تشييده و أنفق الكثير من المال في سبيل أن يكون على ما هو _‬
‫عليه لقد حرم من البنين و ترك مال سايب و قتها تعرف أهمية األبناء‬
‫و أنت يا سيد يحي هل لديك أبناء _‬

‫تنهد و أجاب _نعم لي ابن يعيش في فرنسا‬


‫رغم أنك لديك أبن إال انك تعيش حيدا مع زوجتك ما حاجة األبناء لو لم يكونوا ونيسا لك _‬
‫في دنياك‬
‫ناظرني احمد متوتر‬
‫فقلت معتذرا‬
‫أسف يا سيدي لم أقصد أن أزعجك بكالمي أنا لي موقف مختلف من األبناء لهذا قد أكون _‬
‫أنفعلت قليال‬
‫ال عليك يا ولدي كالمك منطقي يا أبني زياد حتى السيد أسماعيل لم يكن يكترث لألبناء _‬
‫تحمل عقم زوجته ورضا بحكمة هللا‬
‫تالقت عيني مع عيني احمد نطقنا معا بدون أدراك‬
‫أسماعيل بن رجب _‬
‫نظر لنا الرجل باستغراب‬
‫نعم اسماعيل مالك هذا المنزل هل تعرفانه _‬

‫قال احمد‬
‫لقد سمعنا عنه قيل لنا أنه كان صاحب نفوذ في المنطقة _‬
‫أنحدرت الشمس معلنة عن إقتراب الليل لم أالحظ مرور كل هذا الوقت أشرت ألحمد الذي‬
‫راح يتأمل المنزل بأنه علينا الرحيل‬

‫هل نجد نزل قريب فعملنا لم ينتهي بعد _‬


‫ضحك الحاج يحي‬
‫نزل ماذا يا ولدي و أنما بيوتنا تحل فيها البركة اذ حل فيها ضيف أوعابر سبيل ال تكونا _‬
‫فضيين و هيا بنا للبيت كسكسي مبروكة ينتظرنا هيا‬
‫لم يسمح لنا الجاج يحي أن نعترض مررنا على السيارة التي ركنها في الساحة تفقدنها‬
‫وعدنا للدار حيث فاحت رائحة الكسكسي وفي الطريق سمعنا األفواه تتهامس عنا و عن‬
‫أسباب زيارتنا للقرية التي قليل أن يزورها الغرباء‬
‫أنسحب احمد إلى صحن الدار ليتصل بوالدته ويخبرها انه لن يعود للبيت لكنه عاد بعد‬
‫عدت دقائق متوتر‬
‫يا سيدي لو انك تحدث أمي و تأكد لها كالمي أنها ال تصدقني تعتقد أنني أسهر مع رفاقي _‬
‫الذي تعتبرهم رفاق السوء طبعا‬

‫جلست و احمد نتحدث بعد أن انسحب الحاج يحي ليصلي المغرب في المسجد‬
‫هل أنت مرتاح لهذا الوضع يا سيدي هل سنتوصل لشيأ ما _‬
‫نظرت لوجهه الدائري ذو المالمح الطفولية‬
‫وهللا ال اعلم يا احمد لم نتوصل لالن ألي شئ و إن استمر الوضع هكذا سأعود أدراجي _‬
‫لدي قضايا مهمة‬

‫أخرجت هاتفي ألتفقده وجدت رسالتين من صابر يسأل فيهما عن مكان وجودي و رسالة‬
‫من سلمى تسألني عن أوراق إن كنت قد قمت بأمضائهم‬
‫لم يكن أي من هذا يدفعني إلجابة و لو بكلمة مؤلم شعور أن ال يخلف رحيلك أو غيابك‬
‫القلق في قلب أحدهم و أنا أواجه هذا الشعور القاسي قفزت إال ذهني أبيات قصيدة كم أنت‬
‫وحدك لمحمود درويش‬
‫إن أسوء ما يخيف الروح هو الوحدى حيث تبحث عن كل شئ ال تجد غير نفسك متهالكة‬
‫تناظرك بأنكسار عندما تتعود على الوحدى تتأزم عالقتك مع ذاتك قد تبكي حالك اليوم و قد‬
‫تنقم على نفسك في الغد مع مرور الوقت تتجنب نفسك تتوقف عن محادثة روحك تتخلى‬
‫عن تعزيتها ومواساتها يحتويك الفراغ‬

‫"""‬
‫هز أحمد كتفي يسألني عن سبب شرودي كان الحاج قد عاد من المسجد بدا فرحا بوجودنا‬
‫وزعت علينا الحاجة مبروكة كوؤس تاي بالنعناع وقالت و هي تترشف كأسها‬
‫أخبرني يحي أنكما تبحثان عن يوسف _‬

‫تكلم أحمد و قد بدا صادقا جدا بذلك الوجه الطفولي‬


‫نحن يا سيدتي العزيزة إنما نعود ألسماء األشخاص المفقودين منذ زمن و نقوم بجهدنا في _‬
‫البحث عنهم لعلنا نكون وسيلة لنعيد بعضهم ألحضان عائالتهم و نكشف حقيقة أختفائهم‬
‫طالعته السيدة بدهشة و أعجاب‬
‫بارك هللا فيكم يا أوالدي _‬
‫قلت و أنا أحاول قشع الغموض قليال عن هذا السر‬
‫أنت يا سيدتي حسب أعتقادك ما هي حقيقة إختفاء يوسف _‬

‫بدت عالمات الحيرة على وجه المراءة و قالت بعد تفكير‬


‫وهللا يا ولدي ماذا أقول لم أعرف يوسف إال لسنوات قليلة عندما تزوجت من عمك يحي _‬
‫كان ذلك الغالم يجوب القرية مع أقرانه ركضا و زهوا و هللا أنه كان يضفي الفرحة لكل‬
‫المجالس التي يدخلها و قد أثبت للجميع منذ أن بداء العمل أنه جدير بالثقة و أستطاع أن‬
‫يعيل والدته بدت فخورة به مع أنه خذلها سريعا ال يعلم األبناء مقدار األسى الذي يخلقونه‬
‫فينا بتعجرفهم قلب األم ال يكسره أال األبناء‬
‫قال احمد‬
‫هل كان يوسف يعمل أليس صغير السن حينها لم يكن يتجاوز الخامسة عشر _‬

‫قال الشيخ تاركا الحاجة مبروكة تغرق في حسرتها‬


‫أبي من جلب له ذلك العمل كان في سن الرابعة عشر حينها أنت تعلم يا ولدي أن ذلك _‬
‫الزمان غير هذا لم يكن من الصواب تركه يحوم في البساتين هكذا عمل في التحطيب سنتين‬
‫أي أال تاريخ أختفاءه وهللا أنه خذلنا جميعا خذل أمه التي حسبته رجل سيعيلها و أبي الذي‬
‫رباه منذ ان كان في المهد و خذل اسماعيل‬
‫اسماعيل هل تقصد صاحب ذلك المنزل في طرف القرية _‬

‫هو نعم اسماعيل هو الحطاب الذي عمل عنده يوسف الرجل الطيب شغله كأبن لديه و _‬
‫ليس كشغيل كان يعطيه حقه و أكثر حسبه عوضا من هللا‬
‫قال احمد‬
‫البد أن هناك سبب لرحيله الناس ال تختفي بدون سبب مقنع _‬

‫قالت الحاجة مبروكة‬


‫نحن كأقربائه لم نرى عليه أي سبب أو مشكلة تدفعه للرحيل عن أهله و ناسه لكن بعد _‬
‫فترة أنتشرت أخبار في القرية أحدهم يقول أنه عشق فتاة ما و ذهب وراءها و أخر يقول‬
‫أنه هرب من التجنيد حتى أنهم قالوا أنه مسحور و هج من القرية مع جن يلبسه و العياض‬
‫باهلل أسترنا يا رب‬
‫قال الشيخ يحي ممتعض‬
‫باهلل عليك يا مبروكة ال ترددي السخافات التي يختلقها هوالء الناس الجهالء أسمع يا _‬
‫ولدي انه غالم صغير ال يعرف من أخطار الحياة ما جعله حذر البد أنه وقع في براثن‬
‫خطيئة ما دفعته للرحيل و قد يكون أصابه مكروه غفر له و سامحه هللا أين ما كان فوق‬
‫األرض أو تحتها‬
‫يا سيدي أليس اسماعيل هذا ثريا كيف عمل في التحطيب _‬

‫آه اسماعيل كان رجل حكيما يا ولدي وعندما يحرمنا هللا من شئ يرزقنا بأضعافه حرما _‬
‫من البنين و رزقه باألموال بفضل حكمته و حسن تدبيره و في أشهر قليلة أستطاع ذلك‬
‫الفقير ان يكتسب مبالغ مهمة بفضل عمله في الفالحة قد أستثمر بعض من أموال أدخرها‬
‫في أعمال مختلفة في العاصمة و عادت عليه أضعاف األضعاف‬
‫منزل االشباح‬
‫لم أرد على إتصاالت صابر طوال الصباح لم أكن قادرا على تبرير سبب وجودي هنا و لم‬
‫أكن مضطرا لذلك ناد احمد ذلك الغالم الذي دلنا على منزل السيد يحي أخذنا في جولة في‬
‫الغابة كان المكان كثيف الشجار و األعشاب ستضيع وحدك لو قررت أن تأتي بمفردك‬
‫ستنسى الطريق الذي أتيت منه ألن جميع األتجاهات متشابهة سمعنا أصوات حيوانات‬
‫مختلفة صوت الذئب و رأينا آثار خنزير على األرض‬
‫أشرت ألحمد أن يبداء في الكالم‬
‫حدثنا الشيخ يحي عن منزل اسماعيل هل هو فعال مسكون البد أنك دخلته من قبل _‬
‫أبعد الغالم عدة أغصان لنتمكن من العبور‬
‫و قال ضاحكا‬
‫إنها أقاويل يا سيدي بعض الشبابيك مكسورة في الطابق العلوي لهذا تصدر صفير عندما _‬
‫تعصف الرياح هذا ما يقوله كبار القرية لكنني و رفاقي سمعنا أصوت غريبة تصدر منه‬

‫قال أحمد و هو يحاول تصنع الدهشة على التفاهات التي ينطق بها الشاب‬
‫هل نستطيع الدخول إلى هناك ال نريد أن نفوت علينا تجربة مثل هذه _‬

‫هذه مخاطرة كبيرة كبار القرية حرموا علينا الدخول الى المنزل يقولون أن هذا إنتهاك _‬
‫لحرمة السيد اسماعيل لكن في الحقيقة هم يخافون أن يمس الجن أحد المتطفلين‬
‫تكلمت و قد بداء صبري ينفذ‬
‫سنعطيك مئة و خمسون دينار ما رأيك _‬
‫أجاب الغالم متحمس‬
‫سأكسر القفل بسهولة و ستكونان بالدخل رفقة الجن و األشباح _‬

‫ودعنا الشيخ يحي و الحاجة مبروكة و غادرنا القرية بالسيارة تجولنا في شوارع جندوبة و‬
‫أكلنا الغداء بنهم في مطعم على ناصية الطريق و ما أن حررنا موعد االنطالق للقرية‬
‫أنطلقنا فيجب أن نصل في الليل تحت ستر الظالم وصلنا بعد الغروب للقرية دخلنا من‬
‫طريق خلفي حتى نتجنب األعين المتطفلة كدنا نجزم أن ذلك الغالم مرزوق قد تخلف عن‬
‫الموعد لكنه ظهر بين األشجار التي حول ذلك المنزل كنا قد تركنا السيارة خلف القرية‬
‫أشار لنا بأن نتقدم تمشينا بحذر حتى ال نصدر أي صوت يعكر هدوئ القرية تسللنا للقرية‬
‫لو لم ينتبه أحمد لنصف زجاجة الخمر التي كادت أن تنغرس في رجلي لكانت كل هذه‬
‫القصة أنتهت بصرخة مني بسبب األلم‬
‫فتح الشاب الباب الخارجي بكسره السلسلة التي التفت على طرقي الباب تقدمنا و سط‬
‫األعشاب التي تسبب بها األهمال أوحت لنا الحديقة حول المنزل عن عدد البأس به من‬
‫الحيونات من النمل وصول إلى األفاعي و الجرذان صعدنا الدرجات الثالث شرع الغالم‬
‫يحاول فتح الباب الخشبي المزخرف مرت بضع دقائق و هو يحاول جاهدا كسر القفل تقدم‬
‫أحمد بعد أن توتر أخذ يساعده على كسر القفل فتحا الباب بقوة قال األخير بأرتباك‬
‫هكذا لن يغلق الباب مرة أخرى _‬
‫أجابه الغالم هازئا‬
‫ال تقلق يا سيدي لن يكترث أحد لهذا الباب فالسراق كثر هذه الفترة لقد تم سرقت منزلين _‬
‫في طرف القرية في عز النهار و يقال أن‬
‫أسمع يا مرزوق سندخل األن لن نتأخر _‬

‫هز رأسه مطيعا مع أنه أظهر رغبة في الدخول معنا تقدمت و أحمد بحذر شديد مع‬
‫تسرب ضوء القمر من النوافذ المكسورة أشعلنا أضواء الهواتف حتى نتمكن من السير‬
‫تقدمت و الغبار حولي من كل النواحي تجولت في الطابق األرضي ما أن تقدمت قليال في‬
‫البهو حتى وجدت نفسي غرفة الجلوس بدت قطع األثاث المتهالكة المتفرقة في الغرفة‬
‫الواسعة في الغرفة الواسعة لم يكن فيها شئ غير تلك القطع الرثة تلك كستها طبقة سميكة‬
‫من الغبار وسكنها العنكبوت علقت على الجدران بعض اللوحات التي عبث بها الزمان و‬
‫أتلفها كانت مالمح المكان توحي أنه تعرض للنهب أقدم أحمد من الخزانة في الركن األيمن‬
‫للغرفة أصدر صوت صرير مزعج و هو يفتح األدراج البد أن السكك قد أكلها الصديد لم‬
‫يكن فيها بالشئ المفيد تفدينها و تقدمنا للدرج ذو األدراج الرخامية قال احمد و هو يصعد‬
‫الدرجات األولى للدرج‬
‫هل ما نفعله صواب يا سيدي _‬

‫قلت في محاولة تثبيت عزيمتي قبل عزيمة أحمد‬

‫ال أعلم يا أحمد نحن نبحث عن حقيقة ليس أال _‬

‫أشرت له أن يبحث عن أي شئ في الغرفة المقابلة و تقدمت أنا في البهو واذ بي في غرفة‬


‫نوم اسماعيل كان فيها سرير ضخم و تخطي الجدار المقابل خزانة متهالكة تعرضت‬
‫أبوابها للخلع غالب ترددت في الدخول هل أفعل الصواب كيف أسمح لنفسي بأختراق‬
‫خصوصية هذا الشخص لو تعلم ليلى الذنب الذي أقترفه وهيا من تقدس الحرية الفردية‬
‫حتى أنها تدافع عن أي شخص مسيحي كان أو مسلم حتى ملحد أو بوذي ال تقبل أن يستهزء‬
‫بأي شخص بسبب أختاره عن قناعة يكفي أن يحترم حرية غيره تسر بدون كلل أن توضح‬
‫مسائلة انفصال اليهودية عن الصهيونية تحدثني لساعات عن تعايش األديان تنقد جهل‬
‫المسلم باألنجيل و التورات و تقول أنهما من كالم هللا أيضا و حتى إن حرفا يبقيان‬
‫محافظان عن الروح السموية لليلى صليب تحتفظ به نحتفل بعيد ميالد المسيح و لها عدة‬
‫نسخ من التورات و االنجيل تضمها للقران في ركن المكتبة أذكر في سهرة في الحمامات‬
‫مع األصدقاء كان أحد الجالسين شبه زميل لنا سابقا في الكلية بالمثلي قلت له بأستهزاء "من‬
‫" المخزي األستهزاء بشخص كانت له الشجاعة الكافية ليتعايش مع أختالفه‬

‫لو أنها تراني األن انتهك حرية احدهم أدنس ما تبقى منه للقنتني درس في األحترام و‬
‫االنسانية أو لعلها لم تعد تستغرب أي شئ من أفعالي الشنيعة يا الهي كم اكره نفسي عندما‬
‫انظر لي بعينيها‬
‫نفضت عني هذه األفكار مثلما نفضت الغبار من على قميصي تقدمت بأصرار على‬
‫أكتشاف شئ ما لقد طال هذا الغموض أكثر مما يجب لم يكن في األدراج أي شئ ذو قيمة‬
‫بعض الجرائد القديمة جمعتها و قد أوحت لي المقاالت المقصوصة أنها قد تفيدنا ثم فتحت‬
‫بصعوبة الباب الوحيد المقفل في خزانة المالبس كانت فارغة إال من أقمشة بالية مهترأة‬
‫نبشت في األرفف لعلني أجد شئ لكن عبثا لم أتصل إال على الغبار و العنكبوت أيقضني‬
‫صوت أحمد من األحباط الذي بداء يتسرب‬
‫لقد فتشت غرفة المعيشة أنها شبه فارغة لكن وجدت غرفة أنها مكتب اسماعيل هيا البد _‬
‫انه فيها شئ ما‬
‫تقدم في البهو مسرع الخطى كان المكتب يحتوي على مكتب خشبي فخم و خزانة على‬
‫طول الحائط تقدمت للمكتب لم يكن للكرسي أي أثر مما يأكد لنا أن أيادي السكان امتدت إال‬
‫هنا و هذا يقلل من فرص أيجدنا شئ ينير لنا عتمة الغموض لم اسمح لهذه األفكار أن‬
‫تحبطني و تقدمت أنبش في األدراج بضوء الهاتف نبش أحمد في الخزانة لكن سرعان ما‬
‫التحق بي وجدت أوراق مبعثرة من أوصال أستخالص للمياه و الكهرباء تعود لسنوات‬
‫مضت سحبت الدرج األخير لكنه لم يكن بنفس مساحة بقيت األدراج سحبته لكنه أبا عكس‬
‫البقية ما أن أسحبها حتى تجدها في يدك‬
‫أنتظر يا سيدي سأقلب المكتب _‬

‫قلت متوتر‬
‫هيا أسرع ال نريد أن نتورط هنا _‬
‫كان الدرج مثبت بمسامير في هيكل المكتب أستعمل احمد كل قوته ليزيحه لكن سدى‬
‫ساعدته في فصله عن المكتب نجحنا بعد تهشم جزء من الدرج سقطت عدت أشياء على‬
‫األرض صوبت عليها ضوء الهاتف رفعها أحمد ووضعها على المكتب أفزعنا صوت‬
‫مرزوق الحاد‬
‫لقد اعتقدت أن األشباح قد نالت منكما لقد تأخرتما _‬

‫لملم أحمد األشياء بسرعة خرجنا مسرعين دفعنا لمرزوق المبلغ المتفق عليه و دعنا و هو‬
‫يعد النقود بفرح لم يكن يبالي ال بل المنزل و ال األشباح كان سعيد بالمبلغ و في عقله‬
‫تتزاحم أفكار المراهقة أصر أن يأخذ رقم أحمد حتى إذ نزل للعاصمة ساعده في العثور‬
‫على عمل لب األخير طلبه برحابة صدر طمأننا أن ما حصل الليلة سيموت مع بزوغ الفجر‬
‫قدت بسرعة السيارة مبتعدا عن القرية كان شئ ما يدفعني للرحيل من هناك‬
‫لم أتوقف إال أمام باب العمارة لقد غفى احمد في الطريق‬
‫لم يستيقظ كليا بل بالقدر الذي يمكنه من النزول من السيارة و صعود المصعد ثم االرتماء‬
‫على األريكة التي لم يسمح لي بتجهيزها ما هيا إال ثواني حتى وصلني صوت تنفسه بدا‬
‫مثل طفل‬
‫رميت كل األشياء أتي جلبنها على الطاولة لم أطالع أي منها أسرعت إلى حوض االستحمام‬
‫وجدت صابون ليلى في الرف لقد نسته حتما أو لعلها عمدا لتثير شهوتي و تعذبني أكثر‬
‫يألهي كم أشتهي أن أحضنها حضن يطول دهرا عناق يجردني من هذا الحزن الثقيل لو‬
‫فقط أرى عينيها الذين يسكنهما حب و حنان ليس العينين التي رأيتهما في المرة الفارطة‬
‫كانت قاسية كغصن زيتون هيا التي عشقت خضرت النبات حتى أزهرت لي عمري‬
‫لسنوات جاء اليوم الذي انقلبت فيه عليا كنبتة صحراوية‬
‫وجدت نفسي بحماقة أرسل لها رسالة قصيرة " أشتقتك " لقد سكرت بعطر صابونها أنا‬
‫أشتاقها لحد الجنون غيابها مؤلم أنا هش من بعدها كورقة شجر تعبث بها الرياح ال غصن‬
‫يحتويني‬
‫تمددت ساعتين تقريبا لكن بدون جدوى لم يزرني النوم أبدا أنا أعرف هذه الليالي ليالي‬
‫الشوق يهجرها النوم أعددت كوبا من القهوة و جلست حول طاولة تحاذي المكتبة رحت‬
‫أقلب في األوراق التي جلبنها من المنزل‬
‫مقاالت يعود تاريخ أقربها قبل خمسة عشر عام 'االراضي التونسية و المواد المنجمية ' و‬
‫أخرى فقر فوق األرض و ثروات وفي باطن األرض ' أموال تلدها األرض تذهب لخرينة‬
‫الدولة ' شغلني تقرير طبي مدسوس في ظرف عليه تاريخه يعود إال عشرون عام مضت‬
‫من معهد باستور يقول التقرير إن صاحب هذه العينات يعاني من العقم أنه اسماعيل من‬
‫الفضيع ان يوهم الناس إن زوجته من تعاني من العقم ليظهر في صورة الرجل الذي رضا‬
‫بحكمة هللا‬

‫انهيار‬

‫ورقة الطالق التي وصلتني جديرة بإفقادي طاقة يوم كامل ما إن تقدمت لي سلمى بالورقة‬
‫أنسحبت بهدوئ حتى ذهلت تمام الفوضى داخلي كانت عارمة الحزن و الدهشة األنكسار‬
‫كل هذه المشاعر تتنافس بعنف داخلي رغبة في البكاء و رغبة في الصراخ لكنني لم‬
‫أحرك ساكنا بقيت صامتا و جامدا ال أعلم كم ساعة أمضيتها على ذلك الحال كنت أسبح في‬
‫الفراغ ال شئ حولي ال شئ‬
‫اتصلت سلمى بصابر تستنجده حالتي المتأزمة تحدث صابر كثيرا عن أشياء ال حصر لها‬
‫تجول مرارا في المكتب بدا غاصب ثم مصدوم بعدها أظهر المباالت ثم راح يستهزأ‬
‫بالنساء جمعاء لكنني بقيت صامتا أي كلمة تعجز عن وصف مقدار خوفي من فقدان ليلى‬
‫عبثا أنطق بها‬
‫لم أعاني من أثار الثمالة بتلك الطريقة في حياتي تقيأت مرارا حتى كدت أتقيأ روحي‬
‫المتهالكة كقميص يتيم لم ترحمه الحياة لم يصمد جسدي إلى ثالث أيام وخذلني كما تخذل‬
‫األوطان شعبها‬

‫فتحت عيني ببطئ شديد كأنني كنت أسير عقلي لمدة لم يخولني األخير على تحديدها‬
‫خرج صوتي متعبا‬
‫ماذا حدث ال أذكر شئ _‬
‫ما أن سمع صابر صوتي حتى ركض بأتجاه وقد كان يطالع هاتفه على كرسي أمامي‬
‫سمعت ضجيج من البهو طل عليا أحمد بوجهه الطفولي لكنه غادر الغرفة متحمس‬
‫زياد صديقي لقد أخفتنا عليك _‬

‫_‬

‫لقد فقدت وعيك و قال الطبيب أن نسبة الكحول في دمك مرتفعة جدا أعطاك مصل و _‬
‫أدوية كثيرا و أنت نائم من ثالثة أيام‬
‫سمعت ضجيج عند البهو ألتفت بصعوبة‬
‫زياد عزيزي _‬

‫سمر_‬
‫قال صابر‬
‫أنا من أتصلت بها عندما تعبت صحتك و ما هيا إال ساعات حتى أتت من كندا _‬

‫لقد أرعبتني عليك يا أخي _‬

‫ال عليك أنا بخير _‬

‫هيا تعال يا أحمد و ساعدني في تحظير الغداء لقد أعددت أشهى األطباق _‬

‫آه يا سمر أرجوك ال تفعلي الزلت أذكر مقرونتك أنها األسوء على األطالق _‬
‫األطباق الشهية ألحمد و صابر أما أنت فلك حساء الخضار ساعده يا صابر على _‬
‫النهوض انه يعاني من الدوار على رسلك‬
‫ما إن انسحبت سمر حتى قال صابر مبتسما‬
‫إعتقدتك ستغضب عندما تجدها _‬

‫أنا كنت سأعتقد هذا _‬


‫لو سألني صابر أن يستدعي سمر لغضبت منه وأنهيته عن األمر بالكاد نتواصل في‬
‫السنوات األخيرة لم أرها منذ خمس سنوات في جنازة والدي التي حضرنها على مضض‬
‫ارتميت بصعوبة شديدة على األريكة في الصالون بدا جسدي منهك لم أكن أقوى على السير‬
‫ألكثر من بضعت أمتار كل مفصل في جسدي يؤلمني أما الصداع آه من الصداع أنه ينهش‬
‫دماغي‬
‫ذهب صابر لمكتبه ووعدني أن يمر عليا مساء أما أحمد فأنسحب ايضا ليساعد سلمي في‬
‫المكتب‬
‫قدمت لي سمر عدة كبسوالت و كأس من الماء جلست على طرف األريكة و ضلت تتأملني‬
‫و على وجهها شبه أو شبح إبتسامة‬
‫ما هذه النظرة يا سمر _‬

‫لقد إشتقتك لقد مرت خمس سنوات على أخر لقاء منذ أن دفنا والدنا لعلنا أردنا أن ندفت _‬
‫أوجاعنا معه التي كان جزء ال يتجزء منها نحن ال نريد أن نرى أطالل الماضي التي‬
‫تحضر كل مرة نلتقي فيها‬
‫نحن ال نستطيع دفن أحزاننا يا سمر بل هيا تسكننا قد نتوهم أننا تحررنا منها لكن ال أنها _‬
‫فينا ال تغادرنا‬
‫هل األوضاع سيئة لهذه الدرجة مع ليلى _‬

‫كسرتها كسر ال يجبر _‬

‫حدثني صابر عن ما حدث _‬


‫عندما صمتت أكملت بتردد‬
‫ما رأيك أن تقنعها بل السفر لكندا تحاوال األنجاب لي الكثير من األطباء أصدقائي في _‬
‫اإلختصاص هذا قد‬
‫يكفي يا سمر المشكلة ليست عدم اإلنجاب بل مسائلة خذالن أنا فشلت في أن أقدم لها _‬
‫أبسط ما كانت تطلبه مني عينيها ما تتمناه أي مرآة أقحمتها في عقدي ضلت تمهلني الوقت‬
‫إال أن مر الزمن أسرع مما تخيلت خيالي ال يتجرأ ليفكر بالغفران حدثيني عنك أنت دعك‬
‫مني‬
‫حسننا ستدخل زينب إلى الجامعة ال أصدق أنها كبرت بهذه السرعة فشلت ووالدها في _‬
‫أقنعها بدراسة الطب قالت أنه يكفي وجود جراح عظام و طبيبة أمراض جلدية في العائلة و‬
‫كي تمنع المنزل من التحول إلى مركز طبي قررت دراسة الحقوق تريد أن تكون محامية‬
‫مثلك يا عزيزي أما مروان ال يكف عن أرتكاب المشاكل في المدرسة انه شقي إلى أبعد حد‬
‫ماذا عنك و وليد كيف عالقتكما _‬

‫تكدر و جه سمر و همت باألجابة إال أن طرق الباب فهرعت إليه تستنجد به للتهرب من‬
‫األجابة على سؤالي‬
‫دخل صابر بدا متوتر و هو يتقدم نحوي ظهرت سمر مرتبكة أعتدلت في جلستي بصعوبة‬
‫و ما إن رافعت رأسي حتى رأيت زرقت عينيها‬

‫إقتربت من األريكة الجلدية المقابلة لي شعرت بالخجل من نظراتي التي تتفحصها لم تلتقي‬
‫عينيها بعيني ظلت تهرب بنظرها إلى الجدران و اللوحات المعلقة التي إخترنها سويا البد‬
‫أنها الحظت كم أصبح المنزل كئيب من بعدها خاليا من الحياة من الفرحة بات يستفز‬
‫حاضري بحنينه للماضي لم أالحظ إنسحاب صابر و سمر فعيناي كانت تتفحصها تتأمل كل‬
‫تفصيلة فيها عينيها أصبحت أكثر سحر شعرها األسود إزداد طوال ما إن رفعت نظري‬
‫عنها حتى شعت بالخجل أن تزورك من صنعت بك كل هذا حضورها يخجلني جدا‬
‫عندما سمعت أنك مريض لم أستطع منع نفسي من المرور و لألطمأنان عليك _‬
‫لو لم أرى عينيها ألخذت كالمها على نحو أخر لحسبتها تحن مثلي لكن ال أثر للشوق في‬
‫"عينيها كدت أصرخ فيها " لقد كسرتك يا ليلى و ألنت تطمئني عليا‬
‫لكنني نطقت بغير هذا‬
‫و ضعي ليس مزري لدرجة أن يكسر الجفاء الذي بيننا _‬

‫وكأن الخجل أزيح عنها فجأة‬


‫الذي بيننا ليس مجرد جفاء بل أكثر بكثير لكن السنوات الكثيرة التي عشنها معا فيها من _‬
‫العشرة ما يشفع لي هذه الزيارة‬
‫محاوالتها الغير مقصودة في المحافظ على مالئكيتها ترفع من درجة دنائتي إلى مستوى‬
‫عالي جدا‬
‫أنا ال أستحق هذا _‬

‫عندما تحدثنا المرة السابقة هنا عن الفراق هذا كنت أتألم فقدان أثمن شئ كنت أرثي أبناء _‬
‫لن أنجبهم أنا ثكلى أبناء رحمي الذي لن يروا النور أنا لم أشفى من هذا األلم الفضيع لكنني‬
‫تعودت عليه أتعايش معه‬
‫أرجوك يا ليلى كفا أنت ال تعلمين كم أصبحت هش ال تأنبنني أكثر أنا أقوم بهذا نيابتا _‬
‫عنك أقوم به كل يوم و لن أكف أبدا‬
‫أنا شريكة لك في هذا الذنب كنت أتفادى التحدث في موضوع األنجاب كي ال اعكر _‬
‫صفوى أيامنا كنت أخاف منك و عليك من هذا الموضوع الذي تتحسس منه كان عليا أن‬
‫أتحدث فيه كل يوم أما أقنعك أو أنسحب قبل فوات األوان على األقل‬
‫ال تحاولي لوم نفسك حتى يا ليلى أنا وحدي من سأتحمل هذا الذنب ال تسمحي لطيبتك أن _‬
‫تقحمك في هذه الدوامة أنت الضحية هنا أما أنا فالجالد‬
‫وقفت ليلى مرتبكة لم أستطع منع نفسي و وقفت مسرعا حتى كدت أهوي على األرض‬
‫مسكت راسي بسبب األلم الفضيع يعصف بي ترددت بأن تساعدني لكنها لم تفعل همت‬
‫بالمغادرة‬

‫هل ستسامحيني يا ليلى _‬

‫توقفت دون أن تستدير نحوي _‬

‫_ ال اعتقد ذلك‬
‫ذهبت مسرعة هاربة مني كدت أهوي على األرض أستطاعت يد صابر أن تمسكني أصبح‬
‫كل شئء مشوش من بعد تلك اللحظة كلمات صابر السقف الذي أخذ يدور وجه سمر‬
‫المرتبك الحقنة السقف الذي ال يكف يدور و يدور‬

‫عرس‬
‫ال سمر و ال أنا و خاصة أمي أعتقدنا أن زواج سمر سيكون بذلك البرود في ليلة التعرف‬
‫كان البيت جاهز ألستقبال وليد أما سمر لم تغادر غرفتها لساعات تتزين وامي الزمت‬
‫المطبخ تعد أشها األطباق أستقبلنا وليد عند الساعة السابعة ليال أخذت منه أمي باقة الورد‬
‫الفخمة ووضعتها على المنضدة أخذ يتحدث كثيرا مع أمي عن الطقس الخريفي الذي يطرد‬
‫أخر مالمح الصيف ألتحقت بنا سمر التي أخذت ترمقه بنظرات حب خجولة‬
‫غادر أبي منذ الصباح و قد صرح برفضه مقابلة وليد حتى سمعت صوته بتردد في البهو‬
‫في الصباح "لن تري وجهي في هذه الزيجة ابدا فل يأخذك رخيسة مثل امك" كان التناقض‬
‫بين الليل اختفى تماما أبي الذي كان يرعبنا ليال تخلى عن قناعه نهارا لكنه لم يعد يرعبنا‬
‫ال ليال ال نهارا حاول وليد إضافة شئ من البهجة في الجلسة ليخفف من التوتر الذي كان‬
‫جليا على أمي وسمر بسبب غياب أبي أخذ يحدثني كأنني رجل البيت بقينا نتحدث في‬
‫مواضيع عامة إال أن أكتشفت أنه يعشق برشلونة مثلي فتحدثنا كثيرا عن الفريق و بطوالته‬
‫األخيرة‬
‫ما هيا غال بضعت أشهر و تزوجت سمر تعمد أبي السفر بالباخرة إلى أسبانية حتى ال‬
‫يحضر الزفاف الذي كان مضيقا جداوهذا بعد إلحاح سمر لم يكن العرس يشبه بقيت‬
‫األعراس التونسية بسخبها و أجواءها االحتفالية مع أن امي لم توفت أي تفصيلة للعرس من‬
‫الحلويات المتنوعة و الحناء و الحرقوس الذي إمتالء المنزل برائحتهما اإلى االغاني و‬
‫الزينة المعلقة وصوال إلى شهقات سمر على كتف أمي قبل ذهاب الى الحمام رفقت‬
‫صديقتيها‬
‫لكان أفضل لي لو كنت يتيمة إنه ال يكف يسقيني أالم ال طاقة لي على تحملها " اقتصرت "‬
‫ليلة الزفاف على ساعتين في قصر البلدية في المرسى‬
‫بعد ثالثة أشهر سافرت سمر مع وليد إلى كندا قالت لنا في أخر زيارة للمنزل قبل السفر‬
‫"لم أعد أطيق زيارة هذا المنزل أنني أختنق وليد هو متنفسي الوحيد سأسافر معه لكندا‬
‫" تحصل له أخوه عمل في أحدى المستشفيات و أنا سأكمل تعليمي هناك هذا خير لي‬
‫بعد شهرين من سفرها أخبرتنا عبر الهاتف أنها حامل لم أرى أمي فرحة بتلك الدرجة‬
‫في حياتي كلها بكت حينها و هيا تطلق زغروطة في الهواء أحتضنتني بقوة و هيا تقول "‬
‫سمر حامل يا زياد أنها حامل " رأيت ظل أبي و أنا أضع ذقني على كتف أمي أنسحب‬
‫بهدوئ لألعلى‬

‫نسخ‬
‫مر أسبوع أكتسبت فيه من الطاقة ما مكنني من العودة للعمل فرغم عمل سلمى الدؤب و‬
‫أحمد الذي يتنقل مثل النحلة من المكتب إلى المحكمة و المنزلي ألتمكن من توقيع بغض‬
‫األوراق لم يكن من الممكن التغيب أكثر من هذا حتى أن المنزل ينهشني ال يكف يضعني‬
‫في مواجهة مع الماضي رغم أن وجود ساعدني كثير ألتعافى‬
‫جلسنا في مقهى مطار قرطاج الدولي نشرب بعض من القهوة الساخنة‬
‫لوال قدومك لما تحسنت صحتي بهذه السرعة _‬

‫لماذا ال تزورني في كندا دائما ما تعدني لكنك ال تأتي _‬


‫كانت تتجنب أن تلتقي أعيننا حتى تكبت دموعها التي تألالئت في عينيها لم يكن هذا الحزن‬
‫الذي يسكنهما بسبب هذا الوداع‬
‫لما أنت حزينة يا سمر حدثيني أنا زياد أخوك الوحيد األقرب لكي تحدثي دعي تلك _‬
‫الكلمات تندفق للخارج حرري نفسك من هذا الحزن‬
‫وكأن كلماتي حركت صفوى حزنها الراكد تساقطت من عينيها دمعة تلبي النداء‬
‫لم أستطع أن أكون ما أدعيه كل هذه السنوات تلك العقد أو األحزان تالحقني مثلما تالحقك _‬
‫هنيأ لك لست مضطرا لمدارات أشالء الماضي العالقة بك أما أنا فأسعى ألثبت أنني سمر‬
‫القوية التي أنتصرت على الماضي سمر األم و الزوجة المثالية و الطبيبة المتألقة قبل‬
‫شهرين أتهمت وليد بالخيانة لم تألمني خيانته بقدر ألمني بقوله " أنت مهووسة بماضيك أنا‬
‫وليد ولست أبيك "لقد رأيته بأم عيني يقبل ممرضة شقراء في ممر المستشفى لن أحدثك‬
‫عن السفر و ما يحصل في بيت الساحل أتعرف أكثر ما أخافه هو أن أصبح انا أمي إذ‬
‫أصبح هو أبي‬
‫أياك أن تسمحي بهذا أن يحصل _‬

‫و كأنك لم تسمحه له أن يحدث _‬

‫بكت سمر كثيرا و هيا تودعني كأنها لن تراني مرة أخرى لقد بدت مثل أمي فعال تبا للقدر‬
‫الذي يحولنا لنسخ من والدينا إنه يكسرها مثل ما فعل مع أمي و يجعلني أكسر مثلما كان‬
‫أبي يفعل‬

‫والدة عشق‬
‫أنا رجل ال أنتماء لي أحتويني مثلما يحتوي الكأس الماء أقبلي أن أعتنقك بكل ذرة عقل "‬
‫" أملكها‬
‫قلت لها هذه الكلمات على شاطئ البحر حيث ألتقينا أول مرة قدمت لها يومها منديل كانت‬
‫تبكي بحرقة عرفت فيما بعد أنها فقدت أمها التي ربتها أما التي ولدتها فقد ماتت منذ زمن لم‬
‫نتحدث ذلك المساء أبدا ظلت تبكي بلوعة لم تعترض على جلوسي بقربها على الرمل‬
‫أخبرتني في ما بعد أنها كانت بحاجة إلى شخص ال يدنس قداسة حزنها بكلمات األسف‬
‫المبتذلة كانت تحتاج إلى من يشعرها بوجوده حولها بعد ساعات من البكاء رحلت قمعت‬
‫نفسي بصعوبة كي ال ألحق بها رحلت تاركا لي صدى شهقاتها بقيت أقصد ذلك المكان طيلة‬
‫شهرين أبحث عن أثرها كنت متأكد أنني سنلتقي مرة أخرى فمالبسها كانت توحي أنها تسكن‬
‫في ضواحي المنطقة صادفتها مرة تجلس على كثيب من الرمال قبالة البحر الهائج‬
‫أنكمشت على نفسها بخجل ما أن رأتني أمامها و كنت أتبسم كمن عثر على جوهرة أمضى‬
‫عمرا في أثرها كانت تقراء كتاب أستطعت لمح عنوانه "زوربا اليوناني " شعرت باألرتباك‬
‫من وقوفي حذوها كأنني سأنقض عليها و ما عزز أرتباكي نظرتها التي توحي بأنني منبوذ‬
‫كانت تشبه الطفلة بمالمح بريئة و شعر أسود يتطاير به الهواء كأنه يشتهي معه رقصة و‬
‫قفت متوترة و ذهبت متعثرة بعيدا بعد أشهر قلية تعودت على قدومي لم نكن نتحدث كثيرا‬
‫و مع الوقت بت أالحظ أنها هي أيضا لم تعد تأتي لتجالس البحر وتدع أمواجه تالمس‬
‫قدميها أصبحت تأتي لمالقاتي كال منا وجد االنسجام و الهدوء الذي يبحث عنه ثم صارت‬
‫تراني في سيارتي أمام باب كلية التمريض في باب سعدون مرة أكتفي بتأملها و مرات‬
‫أخرى ال أكاد ألقي عليها السالم حتى تهرب بخجل مع صديقاتها تاركة لي عنفوان عطرها‬
‫و شبح أبتسامتها الخجولة يتالعب بي‬
‫في ذلك اليوم وجدته أمام الكلية الحزن الذي كان باديا على مالمحها دفعني ألحدثها لم‬
‫تهرب مني كعادتها لم أرى ضحكتها المكتومة بل صعقتني دمعة على خدها كان أنفها‬
‫محمرا بسبب البكاء تكلمت من بين شهقاتها " أبناء ليال مريم سيطردونني من المنزل " لم‬
‫أكن أعلم من مريم و من أبناءها علمت من بعدها أن ليال مريم هيا المرآة التي ربت ليلى‬
‫ما أن توفت والدتها اثر والدتها ربتها لتأنس وحدتها ما أن هاجر أبناءها للخارج و توفى‬
‫زوجها من سنوات إلى تاريخ موت المرآة حيث قرر أبناءها أن يبيعوا جميع األمالك‬
‫طمأنتها بعد أن داعب خوفها رجولتي شعرت أنها مسؤولة مني منذ تلك اللحظة منذ ذلك‬
‫اليوم أصبحت ليلى شئ مني بعد ستة أشهر تزوجنا زواج ملئ بالحب و اللهفة زواج لم‬
‫يحضرها إال األصدقاء أهديتها سوار مرصع بالزمرد كانت أمي أعطتني أياه ألقدمه‬
‫لزوجتي قبل أيام من وفاتها بسبب األنسداد في أوعية القلب كان قد مر على وفاتها تسعة‬
‫أشهر حينها‬

‫هذا األلم مختلف‬


‫لم تكن بداية أسبوع موفقة توفت صباح االثنين والدة أحمد اتصلت به صباح فكان منهار و‬
‫مع تمام الساعة الواحد ظهرا ذهبت مع سلمى لتقديم واجب العزاء جلست على أحدى‬
‫الكراسي التي نشرت أمام المنزل أما سلمى فدخلت إلى الداخل بدا البيت متهالك ظهرت‬
‫عليه عالمات الندى تأكل الجدران و مثل كل األحياء الشعبية كان هناك مجموعة من‬
‫األطفال يتراكضون في كل مكان أصابني الصداع مرت ربع ساعة ولم تلمح عيني أحمد‬
‫فتح رجال الحي أحاديث كثيرة من تلك‬
‫هم السابقون و نحن اللحقون _‬

‫يتهاتف اإلنسان على الدنيا وهو فاني رحمتك يا هللا _‬

‫من التراب و إلى التراب يا ابن ادم _‬

‫ظهر أحمد بوجه شاحب خالي من الحياة كأن مالمحه الطفولية قد ماتت لألبد ما أن راني‬
‫حتى ارتمى على كتفي يبكي بحرقة ربت على كتفه بيد و مسحت باألخرى دمعة لم أستطع‬
‫كبحها منظره المنكسر يشعرني بالحزن آه من األم الحزن الذي يخلفه رحيلها ال يشبهه أي‬
‫حزن أخر انه فريد مثلها تمام حزن بقدر الحب و الحنان و العناية ألتي تزودنا بهم بدون‬
‫أن تنتظر منا أي مقابل ما أن تنجب المرآة طفل حتى تتحول إلى رب حامي له لهذا رحيله‬
‫يرجنا رجة عنيفة كأنها صفعة من الحياة تقام عاصفة داخلك من المشاعر كأن رياح تجتاح‬
‫داخلك تبعث فيك الخوف و الرهبة عندما تموت األم كأن تسلب من رداءك في قلب‬
‫العاصفة الرب الذي في األرض قد أختفى علك بالذي في السماء قد يسمعك تركني أحمد‬
‫للحظات ثم عاد و معه طفلين ولد في الحادية عشر و فتات في التاسعة من عمرها "هذه‬
‫مالك و هذا أخي أسامة " كان الشبه واضح بين الثالثة كم كان اليتم واضحا على وجوههم‬
‫اضطررت للنهوض عندما ظهرت سلمى عند رؤؤسنا سلمت على أحمد عزته بكلمات‬
‫مواسية تتخللها آيات و أحاديث دينية من تلك التي كانت تتردد بين الجمع بجانبي‬

‫موت األم مختلف‬


‫ما أبشع هذا اليوم رغم الشمس المشرقة رأيت عند المساء غيوم سوداء تتكبد السماء كم‬
‫تمنيت أن تمطر لو أن السماء تبكي أمي مثلما أفعل و تفعل مالك في غرفتها و يفعل أسامة‬
‫في الحمام أنه يصر على كتمان حزنه و التظاهر بالقوة ال يعلم أن موت األم هو انهيار‬
‫مشروع لو تتضامن معنا السماء لو تنحدر النجوم التي تتصدرها كأنها ال تبالي بمقدار ألمنا‬
‫كل األيادي التي طبطبت على كتفي اليوم زادت من ألمي ال تكف تذكرني برحيلها كأنني‬
‫سأنسى ذلك وحدها يد سيد زياد تفاعل معها حزني الذي كاد يخنقني ما أن رأيته حتى‬
‫تزاحمت الدموع في عيني تفأجات بيده التي دست لفة من النقود في جيبي كم أنا معجب به‬
‫بعمله حتى بأحزانه‬
‫رحل الجميع أصبح المنزل فارغا كأنه يترصد بنا رغم الجدران المتراصة و السقف الذي‬
‫يخطي رؤؤسنا اشعر أنني في العراء إذ بالديار ليست جدران أنها أمي ترددت كثيرا قبل‬
‫غلق الباب لعلها تعود مثلما تفعل عندما كانت تعمل لو أنها تعود هل اترك لها الباب‬
‫مواربا مثلما تفعل هيا عندما أطيل بالسهر مع الرفاق بكيتها بحرقة على األريكة التي‬
‫تمددت فيها أخر مرة خرج الطفل الذي سكنني و تربع على عرش وجودي وبكى ما‬
‫استطاع مسحت دموعي ما أن اقتربت مني مالك تلتمس مني حضننا ظهر أسامة أيضا‬
‫همست لهما أن ننام في فراش أمي ركضنا في البهو الصغير نتسابق نحاول أحتضان‬
‫الذكرى و رائحة الزالت عالقة في الوسادة‬
‫داهمني شعورا مستفز ابعد النوم من عيني هل روح أمي سترقد بسالم مثلما أرادت يا ألهي‬
‫كيف تركت راحة أمي رهينة التشريق و البحث عن اإلثارة لقد طلبت مني ألخباره‬
‫بطريقة اضمن بها سالمتنا من متاعب و المالحاقات لكنني لم استطع كبت حس المغامرة‬
‫لدي سهرت الليالي أفكر بطريقة أتقرب بها منه ارمي له الطعم تركته يالحق األحداث لكن‬
‫كلما تقدم في البحث أيقنت أنه ال أحد ينافس القدر في الحبكة إلى أن انتكس وتخلى عن‬
‫البحث حاولت عبثا أقنعه بمواصلة البحث وراء هذا اللغز تمنيت لو احدث السيدة سمر‬
‫دفعة واحدة ارمي لهما هذا الحمل على عاتقيهما و أزيحه عني و أمي و ألدفع ثمن حماقتي‬
‫توفت امي قبل أن يعلم سيد زياد الحقيقة مثلما تمنت‬

‫خديجة‬
‫نادتني أمي يوما ما و صعقتني بهذه الحكاية كانت أمي تسكن في قرية الزهوى تزوجت‬
‫بأبن عمها ورثت من أمها عملها و هو جمع األكليل و الزعتر و األعشاب من الجبل عندما‬
‫تزوجت كانت في السادسة عشر و ما إن مر على زواجها سنة واحدة حتى ماتت والدتها‬
‫بسبب الحصبة و حزنت على موتها حزن أرقدها الفراش أليام و تسبب بموت جنينها و‬
‫أنجر عن هذا نزيف قوي كاد يأتي عليها أخبرتها قابلة القرية أنه من الصعب أن تنجب‬
‫مرة أخرى و أكد أطباء المنطقة هذا االحتمال و إن حملت يوما فهذا يتطلب معجزة من‬
‫الخالق‬
‫تحسنت حالتها بفضل رعاية أبي فرغم القروش القليلة التي يكسبها من عمله في الطاحونة‬
‫جلب لها أفضل األطباء في المنطقة لم يكن موضوع اإلنجاب عائق لحب الزوجين الذي‬
‫قوته األزمات الحب في ذلك الوقت كان يتجلى في األحترام المتبادل اضطرت خديجة‬
‫للعودة إلى العمل و كان هدفها تجميع المال لزيارة أطباء في العاصمة لإلنجاب لم يكن‬
‫شوقها لألطفال يفوق شوق زوجها الذي يكبرها بأحد عشر عاما‬
‫مرت أشهر كانت تبيع ما تجمعه من الجبل إلى ثالث دكاكين في القرية يتولى زوجها‬
‫إيصال لطالبيات ألصحاب الدكاكين عملت أيضا في تقطير الزهر و الفليوا و العطرشية‬
‫كانت امرآة نشيطة رغم مرض فقر الدم بسبب انتكاستها الصحية‬
‫ذات يوم موعود خرجت خديجة قبل الفجر أطعمت دجاجاتها ثم قصدت الجبل قبل أن‬
‫تتزحزح النجوم من السماء حتى فاليوم انتظرته ألشهر طويلة اليوم موعدها مع الطبيب‬
‫في العاصمة رغم هذا الحدث العظيم لم يكن من الممكن أن ال تقصد الجبل لتجمع الطالبيات‬
‫فكثيرات من يعملنا في هذا المجال و ما أن تبدي احدهن الكسل لن تجد مكانها في السوق‬
‫في الغد ودعت خديجة زوجها و أسدلت شالها على رأسها يقيها الصرد و الندوى تسربت‬
‫خديجة من القرية و ذهنها مشغول بزيارة الطبيب عليها أن تكمل عملها في وقت وجيز‬
‫تقدمت بين األعشاب جمعت النافع منها تقدمت مسرعة كي ال تفوت قطار الثامنة ربطت‬
‫رزمة األكليل بحبل متين على ظهرها تقدمت من مكان معتم كانت صخرة كبيرة اعتادت‬
‫أن تجلس عليها لتأخذ استراحة تسرب الضوء من بين األشجار معلن عن يوما جديد توقفت‬
‫ما أن سمعت أصوات رجالية من خلف الصخرة أحتارت ماذا تفعل هل تكمل طريقها أم‬
‫تتراجع ماذا لو كانوا خطرين جلست خلف الصخرة ببطء وبعد أن وضعت رزمة االكليل‬
‫أرضا كانت دقات قلبها تتضاعف مع كل كلمة تسمعها وضعت يدها على فمها كي ال‬
‫تتسبب شهقاتها بفضح أمرها‬
‫يا سيدي هدئ من روعك انه نكرة لن يكترث له احد ثانيا الغابة كبيرة قد تقضي فيها _‬
‫عمرا و ال تتعرف على كل جزء منها انظر يا سيدي أنت أصال لم تالحظ أي شئ الحفرة‬
‫كبيرة جدا أطمأن يا سيدي ال شئ يدعوا للقلق‬
‫تجمدت خديجة في مكانها أي خوفا شعرت به في تلك اللحظات تكلم أخر‬
‫مثلما أخبرتك لي ثلث المبلغ فلوالي لما تعرفت على السيد عبد الناصر فال يمكن لوبش _‬
‫مثلك أن يطال معرفة عبد الناصر السندي لكنت احترت كيف تتصرف بسبايك الذهب التي‬
‫أخرجتها لما كان احد سيعطيك هذا الثمن‬
‫تكلم شخص ثالث توحي نبرته انه ينتمي لبيئة مختلفة‬
‫أنا هنا ألتسلم الذهب و ارحل فورا و بعدها تناقشا عن اقتسام النقود و األن هيا لنرحل _‬
‫دعوا هذا الغالم المسكين يرقد بسالم يا لحظه العاثر هو من أشار لك للرخام الظاهر في‬
‫الحفرة فكان نصيبه أن يرقد فيها هل كان عليك قتله لما لم تسكته ببعض المال‬

‫يا سيدي هوالء الفتية ال يسكتهم مال قارون كان سيخلف لنا المتاعب ال تقلق لقد فعلت ما _‬
‫يتوجب عليا فعله‬

‫انسحب الثالثة عند الربوة ميزت خديجة وجه ذلك النجس اسماعيل بمالبسه الرثة ينتاقر مع‬
‫أخر ذو لحية طليقة بسبب اإلهمال أما ثالثهم فكان رجل طويل القامة يرتدي مالبس أنيقة‬
‫ظل يمسح حذائه باستمرار من التربة إلى أن ابتعدوا عن مدى نظرها‬
‫انهارت خديجة تبكي حظها الذي أتى بها لهذا المكان في هذا الزمان ركضت بسرعة و‬
‫شهقاتها تتردد بين األشجار تعثرت مرارا بين الحجارة كانت األفكار تتزاحم في ذهنها‬
‫سكبت على رأسها سطل من الماء من المنجل لعل هذه القشعريرة تزيح لكن عبثا‬

‫الحقيقة‬

‫امشي في المكتب مثل المجذوم أسأل نفسي أسأل المكتب و الجدران لكنها ال تجيب أسألها‬
‫أما أن تحولني جماد مثلها و تعفيني من ألم الشعور هذا لو تنفي ما ينطق به أحمد هذا‬
‫هجمت عليه و هو يبكي مثل الطفل انه طفل حقا انه يكذب بالتأكيد مسكته بعنف من قميصه‬
‫حتى فصلت منه أحدى األزوار‬
‫تكلم يا أحمد قل أنك تمزح _‬

‫لكنه يهز رأسه باكيا اليزال مصر على قوله مثلما تصر الحياة على إصابتي بالجنون اهجم‬
‫عليه ثانيتا أهزه لعل الحقيقة تسقط منه‬
‫تكلم يا احمد باهلل عليك قل أنك تمزح لقد بكيت في جنازته هل تعلم ما معنى هذا لقد بكيت _‬
‫على موت أحد القتلى لقد تستر على الجريمة أنه قاتل مثل اسماعيل‬
‫كم وددت لو أركض للنافذة المفتوحة و أحتضن الطريق وأخلص نفسي من لعبة األقدار هذه‬
‫في داخلي مشاعر اكبر من أن تحتويها أحرف ومن تنسجها أسطر في داخلي ألم أكثر من‬
‫أن ابكيه ال تنفك الحياة تفاجأني بقدرتها على أحزاني بهذا القدر‬
‫تجرعت كأس من الماء بيد مرتعشة و كان الماء سيساعدني على هضم هذه الصدمة‬
‫لما لم تخبرني منذ البداية لما أخفيت حقيقة أن يوسف الذي يلومه أهل القرية لألن على _‬
‫هجرانه أتهموه بالجنون حتى و هو طوال هذه السنوات يرقد بجانبهم يرقد في حفرة‬
‫أستبدلته بالذهب الذي زاد من وساخة هوالء‬
‫تكلم أحمد و هو يجلس كأن رجليه لم تعد قادرة على جمله‬
‫عندما رأت أمي كل هذا علمت بعد أيام أن الضحية هو يوسف كانت القرية مستنفرة على _‬
‫أختفاءه لم يكن ألمي الشجاعة الكافية للبوح بالحقيقة خافت على نفسها و على أبي من يد‬
‫اسماعيل الطائلة فهو كان عين الشرطة في القرية يرسل لهم المعلومات التي يريدونها‬
‫أقنعت أبي و باعت كل ما تملك السماعيل الذي تكالب على شراء األراضي والبيوت في‬
‫القرية حسبت أنها هربت من تلك الواقعة لكن مع مرور الوقت علمت انه ذنب تتقاسمه‬
‫معهم هيا األخرى و ما هيا إلى أشهر حتى أتت معجزة رحمها األولى و انغمست مجدد في‬
‫شوؤن الحياة لم يكن من السهل عليها بناء حياة جديدة في بيئة مختلفة عملت بجهد لتساعد‬
‫أبي على إعالة العائلة التي أخذت بالتوسع و لي تمنعه من خلق األعذار للعودة للقرية‬
‫مرت السنوات ومات أبي تاركا لها ابن في الجامعة و طفلين في االبتدائي و ما أن عرفت‬
‫حقيقية المرض الذي ينهش في جسمها وإن ما ا تبقى لها اقل مما كانت تعتقد رمت بهذا‬
‫الحمل على عاتقي لكنها جعلتني أقسم أن أوصل الحقيقية لشخص يتحمل عناء إظهارها‬
‫للعلن كانت تخشى أن تالحقنا يد اسماعيل أو يد القانون لتكتمها عن الجريمة من هنا بحثت‬
‫عن اسم عبد الناصر السندي االسم الذي لم تنساه أمي طوال هذه السنوات أحترت كيف‬
‫أرمي لك بالطعم لكن منذ أول لقاء أكتشفت شخصيتك تعجبت كيف أنك بذرة نفس الشخص‬
‫الذي تستر على مقتل غالم صغير لم أستطع كبت نفسي و ركضت وراء حس المغامرة‬
‫لدي‬
‫شعرت لوهلة أن أحمد ال يعي مقدار الذنب الذي نتحدث عنه الذي تورطنا فيه بطريقة و‬
‫بأخرى‬
‫مغامرة نحن نتحدث عن مقتل غالم مسكين مات كي ال يفسد غبتة األخرين بالمال و _‬
‫الصفقة الهائلة و أنت تقول مغامرة‬
‫شعر أحمد باإلرتباك من كالمي و نظراتي الغاضبة لم يكن يمتلك حجة تغفر له ذنب‬
‫التستر عن الحقيقة طوال هذه األشهر أكملت‬
‫كل يوم يمر على موت هذا الغالم هو ذنب يقع على عاتق أحدنا _‬

‫لم تكن لي طاقة للوم احمد أكثر من هذا كنت منهك القوى عمري كله قضيته أحارب كرهي‬
‫ألبي أقمع هذه األفكار كل ما داهمتني أحاول جاهدا إسكات الطفل الذي ال يكف يروي‬
‫عذاب الطفولة و خوف الماضي الذي الزال يسكن دهاليز قلبي ال أصدق أنني سمحت‬
‫لنفسي أن أحبه حتى للحظات تلك األمسيات التي يشتري لي البوظة و الهريسة اللوز حين‬
‫يحدثني عن الذهب اذكر أنني أحببته عندما بكى و نحن ندفن عصام عندما توفى بمرض‬
‫السل أحببته في اليوم الذي أهداني فيه الكمان ووعدني أن يعلمني العزف عليه لكنه لم يفعل‬
‫بل في نفس ذلك اليوم هز صراخه جدران المنزل مما جعلني أتبول في السرير من شدت‬
‫الخوف‬
‫تمنيت لو أبتلع الطريق ال أتحمل ثانية واحدة و هذا الذنب على عاتقي حذرني أحمد مرارا‬
‫ألخفف من السرعة لكنني لم أكترث له دخلت مكتب زكرياء في بشوشة تعابير وجهي‬
‫قمعت أبتسامته أخذت أحرق السجائر بينما احمد يري له القصة كاملة قاطعتهما‬
‫هل لي بسيجارة يا زكرياء _‬
‫ملئت السجائر المنفضة رمى زكرياء علبته و هو يصغي بذهول لكلمات أحمد ناظرني‬
‫األخير متوتر كأنه يسألني السؤال الذي أستفزني‬
‫قل الحقيقة كاملة يا أحمد كاملة _‬

‫ما أن أكمل كالمه حتى شعرت ببعض الراحة لكن لم يختفي الضيق الذي في صدري‬
‫اقتربت من النافذة ألتمس الهوء تقدم مني زكرياء‬
‫أنت تحرق نفسك ال السجائر يا صديقي هون عليك بحق السماء ال ذنب يقع عليك _‬
‫هذا الموضوع يرهقني كثيرا _‬

‫دعه لي يا صديقي ساهتم به _‬

‫انا اتلقى كم هائل من الصفعات _‬

‫ابتسم زكرياء نصف أبتسامة و هو يرمي نصف السيجارة التي في يدي من النافذة _‬

‫هنيئا لك بهذا الضمير لو كان شخص غيرك لما باح بالحقيقة خوفا على سمعته أنت ال _‬
‫تكف عن أبهاري كل فترة يا صديقي‬
‫عن أي أبهار تتحدث يا زكرياء بحق السماء أنا أسوء مما تعتقد بكثير _‬

‫يوسف‬
‫اقترب مني الحاج يحي كان كم هائل من الناس ينتشرون بين األشجار بأعين فضولية‬
‫وشوشتهم ال تسكت كان المكان ملئ برجال الشرطة و الحرس قال و هو يطلق تنهيدة‬
‫طويلة أثلجت صدري‬
‫غريبة هيا الحياة يا ولدي أنه ال يبعد عن بيته إال بضعت مئات من األمتار طوال هذه _‬
‫السنوات‬
‫لم أكن قادر وضع عيني بعينه كيف اخبره أنني ابن واحد من هوالء القتلى اقترب زكرياء‬
‫و هو يتفحص المكان بعينيه الثاقبين التي هيا كافية أن تعلمك انه محقق في سلك الجريمة‬
‫سينبشون بالتركس األن ثم سينقلونه لمقبرة القرية ليرقد مع عائلته _‬
‫قال الحاج يحي‬
‫فلتحترق في نار جهنم يا اسماعيل فلتحترق آه عليك يا يوسف كم قست عليك الحياة _‬
‫ثمانون عام لي على قيدها و ال زالت ترعبني ببشاعتها‬
‫ترددت كلماته في المكان أنتفضت من مكاني حتى فزع زكرياء و أحمد رحت أتمشى حول‬
‫المكان ال أطيق صبرا لتنتهي هذه المهمة كم أردت الصراخ ملئ حنجرتي أنا بحاجة ليلى‬
‫في هذا اللحظات أن تالمس كتفي تخبرني بطيبتها أن كل هذا سيمر مثلما تمر الغيوم‬
‫السوداء في السماء‬
‫عندما عدت كان صابر قد أتى‬
‫أردت أن أكون معك في هذا اليوم _‬

‫ربت على كتفي بتأسف‬


‫لم يكن عليك حضور هذا _‬
‫األعين جميعها تراقب الحفرة التي أخذت تتسع بينما تركزت جميع األعين على الحفرة ما‬
‫أن توقفت التراكس ركض العمال بأتجاه الحفرة مفسحين المجال للخبراء أما أعوان األمن‬
‫ركضوا لسد الجماهير التي دفعهم فضولهم لالطالع على الجثة قال الحاج يحي‬
‫يا بني دعني أرى عظامه على األقل _‬

‫ال اعلم من منا كان يسند األخر كنت أشده كي ال يتعثر في الحجارة و هو يمسكني كي ال‬
‫أعود للخلف هاربا من المشهد البشع أستنجدني احمد و صابر و أسندوه معي قبل أن‬
‫يهوى على األرض من هول المشهد الذي رائه‬
‫ظهر لنا مرزوق ذلك الغالم‬
‫سيدي سيدي شكرا إلظهارك الحقيقة لقد ساعدت روح يوسف المسكين لتلقى طريقها _‬
‫إلى النور‬
‫لوح له أحمد و غادرنا المكان كنت سعيد رغم حزني العميق غادرنا قرية الزهوى تاركين‬
‫يوسف يرقد حذو أمه و أبيه شعرت بالفرح ألن أهل القرية عرفوا الوجه الحقيقي ألسماعيل‬
‫أما الشخص الثالث الذي تحدثت عنه خديجة ظلت هويته مجهولة لكنه هو من جمع‬
‫شيطانين على الدناسة و الشر أشعر أنني خفيف جدا على عكس الشهر الذي قضيته‬
‫أستعجل زكرياء على أستكمال التحقيق اتصلت فيه بسمر حدثتها عن الحادثة لم أستطع كبت‬
‫نفسي بكت عبر الهاتف‬
‫لم أتوقع أن يكون أبي بكل هذه الدناسة _‬
‫بقينا نتحدث كل يوم كانت تستفسر عن سير التحقيق أخبرتها بدوري أن تأخذ قرار بشأن‬
‫عالقتها مع وليد في أخر مكالمة كانت سعيدة قالت لي " عندما أكف اتحول إلى نسخة من‬
‫" أمي لن يصبح وليد كأبي‬

‫الصفعة األخيرة‬
‫كنت أتفقد حقيبة السفر ألخر مرة حجزت تذكرة سفر إلى كندا الزور سمر لمدة أسبوعين‬
‫أخبرتني في أخر مكالمة أن المنزل عندها مستنفر ألستقبالي‬
‫كانت سعيدة أخبرتني أن عالقتها مع وليد تحسنت تحدثوا كثنائي متحضر تفاجأة بمجيء‬
‫زكرياء تشير الساعة بدا مرتبك و هو يجلس على الكنبة طلب مني الجلوس ورفض كأس‬
‫النبيذ الذي سكبته له و بعد الكثير من التمهيدات التي ايقضت إنذار الخطر لدي قال‬
‫باحت لي زوجتي اليوم و هيا كما تعلم تعمل طبيبة مقيمة في نفس المستشفى الذي تعمل _‬
‫به ليلى‬
‫تحدث يا زكرياء ما بها ليلى _‬

‫أنها ستخضع لعملية جراحية لقد أوصت زوجتي بأن ال تبوح ألحد لكن مريم عندما علمت _‬
‫بخطورة العملية رأت انه من األفضل لو تكون أنت معها في هذا الوقت العصيب‬
‫تجولت في الصالون مثل المجنون‬
‫عملية ماذا يا زكرياء _‬

‫انه أنه ورم في الرحم _‬


‫ورم ظلت هذه الكلمة تتردد في ذهني طوال الطريق إلى المستشفى فكرت في الدقائق التي‬
‫تفصل البيت عن المستشفى في كل األحتماالت ماذا لو لم تنجوا هل سأنجوا من بعدها و‬
‫ماذا يعني لي العالم بدونها ستنجوا بالتأكيد ستفعل ال يمكن للحياة أن تسلبني أيها يكفيني‬
‫أوجاع هي لي لن ترحل يكفيني أن يتردد نفسها في أي مكان على العالم هذا يكفيني‬
‫أخبرني الممرض المداوم أنها دخلت إلى العملية منذ ساعة تقريبا صرح بفرحته لقدومي‬
‫كان متفاجأ لقدومها بمفردها لعملية كهذه تمنت لها موظفة األستقبال العافية و طمأنتني‬
‫بكلماتها‬
‫الممرضات هن من يخففن أوجاع المرضى لهذا ال تخف سيرعها هللا‬
‫مرت ساعات و مع كل ثانية تمر يتضاعف خوفي من فقدانها دعوت هللا في الممر أن‬
‫يخرجها لي سالمة رجوته أن ال يحرمني منها بقيت اردد في داخلي " لن اتركها بعد األن‬
‫سأجعلها تسامحني بأي ثمن في تلك اللحظات كادت مخاوفي أن تبتلعني‬
‫قاربت الساعة السادسة مساء عندما خرج الطبيب من غرفة العمليات ركضت نحوه أسأله‬
‫بلهفة عنها عن روحي التي الزالت تستقر خلف الجدران هذه‬
‫لقد نزعنا الورم بصعوبة بالغة الساعات القادمة ستحدد مصيرها _‬
‫ساعات كيف لي أن أنتظر ساعات ظهرت على سرير متحرك كان وجهها شاحبا جدا ال‬
‫اثر للحمرة التي تسكن وجنتيها أخبرتني الممرضة أنها نائمة بسبب البنج و ال داعي للفزع‬
‫لكن حتى هذا الذعر أصابني باالرتياب سرت معها للغرفة لكن األخيرة منعتني من‬
‫المكوث حدها ترجيتها عبثا قالت بقيت أراقبها من النافذة البلورية لو تخترق يدي هذا البلور‬
‫و تالمس يدها لو اهمس في أذنها أنني بقربها أنني أحبها ال اعلم كم مر من الوقت أصيبت‬
‫الممرضة المكلفة برعيتها بالجنون من كثرة أسألتي" لما لم تستفق لالن هل نومها لالن‬
‫طبيعي لما ال تستدعي الطبيب ليفحصها لما وجهها شاحب جدا لما تشير تلك االجهزة "‬
‫غادرت الممرضة و أتت أخرى مكانها اخبرني الطبيب أن الخطر قد زال األن بدا متفائل‬
‫طمأنني بأبتسامة و ما أن ذهب الطبيب الشاب حتى عادت المخاوف تنهشني بت فريسة‬
‫سهلة للخوف انزلقت دموعي و أنا احدث سمر عبر الهاتف بكت هي األخرى‬
‫بعد ساعة تقريبا قدم احمد وصابر و زكرياء ثم التحقت بنا زوجته بعد أن استفسرت‬
‫الطبيب أكثر عن حالتها و ساني الجميع مدركين مقدار خوفي عليها طمأنتني مريم أن‬
‫وضعها مستقر األن غادر زكريا و مريم أما احمد وصابر أبوا أن يتركوني بمفردي لقد‬
‫كان حالي مزري حقا‬
‫تقدمت نحوها و أنا امسح الدموع التي لم استطع منعها من النزول‬
‫ال تبكي أنا لم أمت بعد _‬

‫رأيت شبه ابتسامة على وجهها الشاحب‬


‫ربت على شعرها‬
‫لن أتركك من بعد األن يا ليلى روحي تموت منذ أن افترقنا اتركيني أحيا بقربك يا نبتتي _‬
‫الحلوى‬
‫منذ زمن لم تناديني بهذا اللقب _‬

‫أنا أعشقك يا ليلى أتنفسك أرجوك سامحيني على كل ذنوبي ال حياة لي احيها من دونك _‬

‫شرط واحد يا زياد _‬


‫دب الخوف في قلبي‬
‫روحي في دائك _‬

‫أريد أن أتبنى طفل _‬

‫ال يا ليلى دعينا نتبنى أطفال أملئ بيتنا أطفال أريدك أن تصنعي مني األب الذي تريدني _‬
‫أن أكونه‬
‫أريد شئ أخر _‬

‫لقد قلت شرط واحد لكن تكلمي لقد أصبحت متطلبة يا ليلى _‬
‫ضحكنا سويا‬
‫أريد حديقة كبيرة سأزرع لكل واحد منا شجرة لك شجرة لوز و لي شجرة برتقال ولي _‬
‫أطفالنا أشجار مختلفة‬
‫موافق لكن لنستبدل شجرة اللوز بشجرة عنب حتى نخمر ثمارها و هكذا لن نشتري _‬
‫الخمر أبدا‬
‫أيها السكير لن تشرب قطرة واحدة من بعد اليوم لقد اخترت لك شجرة اللوز ألن ثمرتها _‬
‫قاسية من الخارج لكن ما أن تبذل جهدا لنفتحها حتى يظهر جوهرها الثمين تماما مثلك‬
‫هل زال مفعول المخدر يا ترى _‬

‫اعتقد هذا _‬

‫ال اعتقد فأنا لم أتعود على الكالم المعسول هذا لهذا أظن أنك تهذين _‬

‫ضحكنا سويا كم من أوجاع عشنها في الفترة األخيرة ألمنا بعضنا بخنجر الفراق لكن ما أن‬
‫أزحنا ستار العتاب حتى تبخر كل الحزن قد يتخاصم العشاق دهرا لكن دقيقة حب واحدة‬
‫قادرة أن تهدم كل ذلك الجفاء‬

‫دخل الطبيب و الممرضين تقدمت منه أساله عن وضعها‬


‫أكتشفت منذ أشهر أنها تعاني من ورم خبيث قمنا بكثير من فحوصات لقد شككت باألمر _‬
‫ما أن أخبرتني أن أمها عانت من ورم في الرحم و أنقطاع العادة الشهرية في سن السادسة‬
‫و الثالثون لم يكن عالمة خير بعد الفحوصات تأكدت شكوكي ال أخفيك كانت عمليتها‬
‫صعبة جدا و لألسف اضطررنا ألزالت الرحم الورم كان كبير و المحافظة على الرحم‬
‫كان احتمال مستحيل‬
‫المهم أن ليلى بخير هذا أهم شئ لي في الحياة _‬

‫يسعدني يا سيد زياد أن تتقبل خبر إزالة الرحم بهذا التفهم هنيئا للسيدة ليلي بك صادفة _‬
‫رجال أخرين استشاطوا غضب عندما سمعوا أن زوجاتهم فقدن أرحامهن‬
‫طلب مني الطبيب أن انتظر في الخارج حتى يفحصوها قبلتها من جبينها ثم خرجت ما أن‬
‫رأيت صابر و أجمد حتى عانقتهما أخبرتهما أن ليلى سامحتني قال صابر مازحا "يكفيك‬
‫" حزن يا صديقي بت اعتقد بينك و بين الحياة عدوا‬

‫ابتسامة واحدة منها قادرة أن تمحي كل أحزاني لن اكترث للماضي أنا ابن اليوم تجرعت‬
‫شئ من الماء مدني أياه احمد كان فرحا لسعادتي خرج اثنين من الممرضين تراكضوا في‬
‫البهو بدوا مرتبكين تعالت األصوات من الداخل سحبت ممرضة بوجه متوتر الستار من‬
‫على النافذة مسكني احمد وصابر كي ال أقتحم الغرفة‬
‫واحد اثنان ثالث أصعق واحد اثنان ثالثة أصعق _‬
‫سكتت األصوات فجأة لكن ذلك الصوت لم يسكت تيت تيت تييييت أصبحت أسمع الصدى‬
‫كل األصوات رأيت وجه أحمد مرعوبا أما صابر فتحاشى نظراتي ظهر أخيرا الطبيب بدا‬
‫حزينا هز رأسه و هو يربت على كتفي‬
‫فجأنا نزيف حاد لم نستطع توقيفه لقد فقدنها كان هللا في عونك _‬

‫تيييت تييت أقفلوا ذلك الجهاز المعطل رجاء أنه ينقب طبلة أذني ترددت كلمات الطبيب‬
‫الذي أنسحب مسرعا بقيا الممرضون يتوافدون إلى الغرفة تييت تييت ذلك الصوت ال‬
‫يتوقف لم يفلتني صابر أما أحمد ظل يتحدث كثيرا لم أسمع أي كلمة مر ذلك الطبيب‬
‫الشاب إلى الغرفة كان يمشي ببطء متحاشيا النظر لي تيت تيت ذلك الصوت ال يسكت أنه‬
‫يدفعني للجنون‬

You might also like