You are on page 1of 21

‫الدولة الأموية‬

‫تُع ّد الدولة الأموية أولى دول‪ ‬الخلافية الإسلامية‪ ،‬ويع ّد معاوية بن أبي سفيان ‪-‬رضي الله عنه‪-‬‬
‫مؤسّ سها؛ فبعد مقتل عليّ بن أبي طالب ‪-‬رضي الله عنه‪ ،-‬تولّى ولده الحسن الخلافة‪ ،‬ثم ّ تنازل عنها‬
‫لمعاوية بن أبي سفيان ‪-‬رضي الله عنه‪ ،-‬على أن ترجع إليه بعد وفاة معاوية‪ ،‬إلا أنه توفى قبل معاوية‪،‬‬
‫واس تمرت الخلاف ة الس فيانية‪ ‬لب ني أمي ّة ‪ ،‬ح تى ت وفي معاوي ة الث اني بن يزي د بن معاوي ة‪ ،‬فث ار عب د الله بن‬
‫الزبير‪ ،‬ونادى بنفسه خليفة للمسلمين‪ ،‬ووقعت في عهده الفتنة الثانية بين المسلمين‪ ،‬فوصلت الخلافة لعبد‬
‫الملك بن مروان‪ ،‬وهو مؤسس المروانية من الأسرة الأموية‪ ،‬وظل الملك فيهم حتى تولى مروان بن محمد‬
‫بن مروان‪ ،‬الذي سقطت في عهده خلافة بني أمية على يد العباسيين‪ ،]١[.‬وفيما يأتي عرض التاريخ‬
‫السياسي للدولة الأموية‬

‫التاريخ السياسي للدولة الأموية‬

‫ن الحديث عن التاريخ السياسي للدولة الأموية لا يظهر ولا يت ّضح إلى من خلال التطر ّق إلى ما مرت‬
‫إ ّ‬
‫به الدولة الأموية من أحداث‪ ،‬منذ نشأتها وربما قبل ذلك‪ ،‬حتى القضاء عليها‪ ،‬ولا يمكن ف َهم الأسباب‬
‫المؤدّية إلى قيام الدولة العباسية التالية لها‪ ،‬إلا من خلال قراءة التاريخ السياسي للدولة الأموية‪ ،‬والذي‬
‫ستعرض له المقالة فيما يأتي‪.‬‬

‫تأسيس الدولة الأموية‬

‫يذكر التاريخ السياسي للدولة الأموية ما شهدته الخلافة الإسلامية قبل تأسيسها من فتن داخلية ابتدأت‬
‫من عهد‪ ‬عثمان بن عفان‪ ‬وأدّت إلى مقتله‪ ،‬ثم انتقلت إلى خلافة‪ ‬علي بن أبي طالب‪ ،‬وأثارت الكثر‬
‫من القلاقل التي لم يقدر على إنهاء أغلبها‪ ،‬فأدّت إلى قتله على يد الخارجي على يد‪ ‬عبد الرحمن بن ملجم‪،‬‬
‫وكان هذا الأخير قد اتفق مع الخارجيين البرك بن عبد الله التميم ّي على قتل معاية بن أبي سفيان‪،‬‬
‫وعمرو بن بكر التميم ّي السعديّ على قتل عمر بن العاص‪ ،‬فنجح الأول فيما خطط له‪ ،‬وفشل الآخران‬
‫[‪]٢‬‬
‫في مهمّتهما‪.‬‬

‫فكان لخلافة علي بن أبي طالب أن تنتهي‪ ،‬وتبدأ خلافة جديدة رفض فيها معاوية بن أبي سفيان ‪-‬وهو‬
‫الأحق بالخلافة من بعده رغم الخلاف بينه وبين علي بن أبي طالب في معركة صفّين‪ -‬ترك ولايته‬
‫الشام‪ ،‬فبايع أهل العراق الحسن بن الحسين على الخلافة‪ ،‬وبايع أهل الشام‪ ‬معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬فما‬
‫رفض القتال ودعا إلى الصلح‪ ،‬وبايع معاوية بن‬
‫َ‬ ‫كان من معاوية إلا أن سار بجيشه إلى الحسن الذي‬
‫أبي سفيان على الخلافة‪ ،‬فسُمّي ذلك العام بعام الجماعة‪ ،‬لاتفاق المسلمين على خليفة لهم بعد خلاف‬
‫[‪]٢‬‬
‫طويل دام سنوات بين معاوية وعليّ‪.‬‬

‫خلافة معاوية بن أبي سفيان‬

‫بدأت الدولة الأموية ًّ‬


‫فعلًي ّا من الصلح الذي جرى بين معاوية بن أبي سفيان والحسن بن الحسين عام‬
‫‪ 41‬هـ عام الجماعة‪ ،‬ومن هنا يبدأ التأريخ الفعلي للتاريخ السياسي للدولة الأموية‪ ،‬الذي شهدت فيه الدولة‬
‫الأموية نجاح ًا‪ ،‬لما تمتع به معاوية بن سفيان من خبرة في الحكم‪ ،‬استمرت لعشرين عام ًا من ولايته للشام‪،‬‬
‫ولما تمتع به من العلم والحكم والذكاء والدهاء الذي ساعده على قيادة هذا المنصب‪.‬‬
‫[‪]٣‬‬

‫وقد شهدت خلافة معاوية بن أبي سفيان والإجماع عليه عودة للفتوحات الإسلامية والحرب‬
‫على‪ ‬البيزنط يين‪ ‬في إفريقي ا والبح ر‪ ،‬بع د توق ف حرك ة الفتوح ات الإس لامية نهائ ًًّي ّ ا من ذ قي ام فتن ة مقت ل‬
‫عثمان سنة ‪ 35‬هـ‪ ،‬وخلافة علي بن أبي طالب‪ .‬كما عادت فتوحات المشرق في سجستان وخراسان‬
‫وبلاد ما وراء النهر‪ ،‬والأناضول حتى عمورية‪ ،‬فتمكن من استعادة أرمينيا التي خسرها المسلمون أيام‬
‫[‪]٣‬‬
‫الفتنة‪.‬‬

‫يرك ّز التاريخ السياسي للدولة الأموية على الفتوحات الإسلامية على الغزوات والحملات التي شنّها معاوية‬
‫بن أبي سفيان‪ ،‬ففي عام ‪ 49‬هـ أرسل ‪-‬بقيادة سفيان بن عوف الأزديّ ‪ -‬حملته الأولى‬
‫لفتح‪ ‬القس طنطينية‪ ،‬ولكنه ا ع ادت خاس رة لحل ول الش تاء وص عوبة ظ روف القت ال‪ ،‬فك ان ممن قتل وا في‬
‫[‪]٣‬‬
‫الحملة الصحابيّ أبو أيوب الأنصاري‪.‬‬

‫في عام ‪ 53‬هـ أرسل معاوية حملته الثانية بقيادة فضالة بن عبيد الأنصاري‪ ،‬فتمكّن أسطوله في طريقة‬
‫للقسطنطينية في طريقه من فتح جزيرتي أرواد ورودس على ساحل آسيا الغربيّ‪ ،‬وفيهما أسس المسلمون‬
‫مرة أخرى في حملتهم‪ ،‬لما شهده‬
‫قاعدة لحصار القسطنطينية منها وأقاموا فيها سبع سنين‪ ،‬ولكنّهم فشلوا ّ‬
‫المسلمون من صمود الروم في المدينة التي كانوا يُحاصرونها خلال الصيف ويرحلون عنها إلى أن سحب‬
‫[‪]٣‬‬
‫معاوية بن أبي سفيان أسطوله‪ ،‬وأعاده دون فتح القسطنطينية عام ‪ 60‬هـ‪.‬‬

‫لم تقتصر فتوحات معاوية على ما سبق‪ ،‬بل وضع عقبة بن نافع قائد ًا على جيش المغرب‪ ،‬فقاد َ العديد‬
‫من الحملات فيه ا‪ ،‬وب نى ب إذن معاوي ة مدين ة‪ ‬الق يروان‪ ‬بين س نتي ‪ 50‬و‪ 55‬هـ لتك ون مرك زًا لانطلاق‬
‫غزوات المسلمين تنطلق منه قواتهم للغزوات‪ .‬كما عمل عقبة بن نافع على عقد الكثير من المصالحات‬
‫مع أمازيغ المغرب‪ ،‬وأدخل الكثير من قبائلهم في الإسلام‪ ،‬واستمرت الفتوحات الإسلامية فيها حتى‬
‫وصلت تلمسان‪ .‬ولم تتوقف غزواتهم هنا‪ ،‬بل كان له أن يفتح مرار ًا وتكرار ًا في جبهة الشرق‪ ،‬سجستان‬
‫فقوهستان في سنتي ‪ 43‬ـ ‪ 45‬هـ‪ ،‬وغزو بلاد ما وراء النهر والسند وجبال الغور‪ ،‬التي ع ُرف أهلها‬
‫بنكث العهد‪.‬‬
‫[‪]٣‬‬

‫ل عاصمة‬
‫كان من أبرز التغ ي ّرات في التاريخ السياسي للدولة الأموية في عهد معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬أنه نق َ‬
‫الدولة من الكوفة التي اختارها علي بن أبي طالب إلى دمشق‪ ،‬مما أثار س َ‬
‫خط بعض أهل العراق والحجاز‪،‬‬
‫كما شهدت الدولة في عهده فترة من الاستقرار والرخاء[‪ ،]٢‬التي ظهرت في المناسبات فيذكر في التاريخ‬
‫ن الملسمين أتاحوا المجال لأهل الذمة للاحتفال بأعيادهم في‬
‫السياسي للدولة الأموية والتاريخ الأموي أ ّ‬
‫جو من الحرية والتسامح‪ ،‬وكلن ما يميزها عن احتفالات أحل الذمة في أيام الخلافة الراشدية وأيام‬
‫الرسول‪ ،‬استرجاع ولاة الأمصار للمواكب تقليدا للفرس والروم‪ ،‬واتخاذ معاوية بن أبي سفيان حرسا‬
‫يرفعون السيوف عند مقصورته والحراب بين يديه؛ خوفا من الاغتيال‪ ،‬ويذكر أنه بني مقصورة ً خاصة ً‬
‫في المسجد يُصلي بها بعيدا عن الناس بعد محاولة قتله هو وعلي بن أبي طالب وعمرو بن الخاص من‬
‫[‬
‫الخوارج‪ ،‬وقد قلده ولاته من بعده‪ ،‬كزياد بن أبيه في العراق‪ ،‬خاصة المسير بالحربة حتى أصبح تقليدًا‪.‬‬
‫‪]٤‬‬

‫ويذكر فيما يذكر التاريخ السياسي للدولة الأموية أن وسائل التسلية للأمويين كالصيد‪ ،‬كانت سبيل ًا‬
‫لتدريب الجند على الركض والكر ّ والفروسية والرمي بالنشّاب والضرب بالسيف والدبوس‪ ،‬ويقلل‬
‫[‪]٤‬‬
‫المبالاة بإراقة الدماء‪.‬‬

‫وقد شهد التاريخ السياسي للدولة الأموية في عهد معاوية إلغاء نظام مجلس الشورى‪ ،‬وإنشاء نظام للشرطة‬
‫للحماية والحراسته كان يُعِي ِّّنه هو بنفسه‪ ،‬كما ط ََّو ّر ديوان البريد وأنشأ ديوان ًا جديد ًا لتنظيمه أكثر هو ديوان‬
‫الخاتم‪ ،‬كما حو ّل نظام الخلافة إلى نظام وراثي عندما عيّن ابنه يزيد بن معاوية وليًا للعهد من بعده‪،‬‬
‫[‪]٢‬‬
‫وذلك بعد أن كان نظام الخلافة قائمًا بالشورى‪.‬‬

‫خلافة المروانيين‬

‫خاض معاوية بن أبي سفيان خلال التاريخ السياسي للدولة الأموية العديد من المعارك ضد ثورات‬
‫ل حال الدولة مستقرًا إلى وفاته عام ‪ 60‬هـ‪،‬‬
‫الخوارج‪ ،‬حتى تمكن من إخماد ثورتهم عام ‪ 45‬هـ‪ ،‬فظ ّ‬
‫وتولّى الخلافة بعده ابنه وليّ العهد يزيد الذي بايعه أهل الشام عام ‪ 50‬هـ‪ ،‬ولمّا كان يزيد بن معاوية‬
‫خارج دمشق عندما توفّى والده‪ ،‬فقد أخذ الضحاك بن قيس البيعة له‪ ،‬وبعدها عاد إلى دمشق‪،‬‬
‫[‪]٢‬‬
‫وقدمت الوفود لتعزيته بوفاة أبيه وتهنئت ِه بالخلافة‪.‬‬

‫فما كان من‪ ‬يزيد بن معاوية‪ ‬إلا أ ْن ح َذا ح َ ْذو َ أبيه في تعيين عقبة بن نافع قائد ًا لجيوش المغرب‪ ،‬الذي‬
‫استمر بحملاته حتى وصل فيها إلى مدينة طنجة عام ‪ 62‬هـ‪ ،‬ولكنْ ما لبث أن قتل هذا الأخير‪ ،‬بعد‬
‫تحالف الروم‪ ‬والأمازيغ‪ ‬بقيادة كسيلة بن كمرم على قتله عام ‪ 63‬هـ‪ ،‬وكان ممن قتل معه القائد المغربي‬
‫أبو المهاجر دينار‪ ،‬فتمكّن كسيلة من استعادة أرض أفريقية ومدينة القيروان‪ ،‬وقد حقّق يزيد في عهده‬
‫فتوحات محددة‪ ،‬كفتح بعض مناطق المشرق في خراسان وما وراء النهر‪.‬‬
‫[‪]٢‬‬

‫شهد عهد يزيد الكثير من الفتن والقلاقل واحدة من أبرز الوقائع التاريخي ّة‪ ،‬التي أثرت في تاريخ الدولة‬
‫الأموية والدولة الإسلامية‪ ،‬وأدّت إلى انقسامات كبيرة فيها حتى سمي عهده بعهد الفتنة الثانية‪ ،‬ففيه‬
‫وقعت‪ ‬معركة كربلاء‪ ‬عام ‪ 61‬هـ ‪ ،‬ذلك أن أهل الكوفة رفضوا خلافة يزيد بن معاوية‪ ،‬واتفقوا على‬
‫مبايعة الحسين بن علي بالخلافة ‪-‬وكان الأخير رافضًا لمبايعة يزيد‪ ،-‬وشج ّعه عبد الله بن الزبير على ذلك‬
‫بعد أن حذره عبد الله بن العباس‪ ،‬ولكن الحسين ارتأى أن يأخذ بنصيحة عبد الله بن الزبير‪ ،‬فأخذ‬
‫عمه مسلم بن عقيل البيعة له من ‪ 12,000‬كوفي‪ .‬وما إن وصل الخبر ليزيد حتى سارع بعزل النعمان‬
‫بن بشير عن ولايتها وعَيَّ ّن عبيد الله بن زياد مكانه‪ ،‬فقبض عبيد الله على مسلم وقتله‪ ،‬وعندما علم رجال‬
‫الحسين بذلك أص ُُّرّوا على الثأر لمسلم‪ ،‬والتقوا بجيش بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص قربَ كربلاء‪،‬‬
‫وهناك طلب عمر من الحسين تسلين نفسه كأسير حرب‪ ،‬إلا أن الحسين رفض‪ ،‬فوقعت واقعة كربلاء‬
‫[‪]٢‬‬
‫التي قتل فيها الحسين وكل من كان معه‪.‬‬

‫ل الحسين استغ َّ ّ‬
‫َل‪ ‬عبد الله بن الزبير‪ ‬الأمر لي ُحر ّض أهل الحجاز على يزيد بن معاوية‪ ،‬فبايعه أهل‬ ‫عندما قُت َ‬
‫الحجاز ومصر‪ ،‬وحاصروا بني أمية في المدينة في منزل مروان بن الحكم‪ ،‬فأرسل يزيد إلى المدينة جيشا ً‬
‫بقيادة مسلم بن عقبة‪ ،‬وأمره بمحاصرتهم ثلاثة أيام‪ ،‬وعندما بلغ َها المدينة دخلها من جهة ت ُس ََّمّى الحرة‪،‬‬
‫فكانت موقعة الحرة سنة ‪ 61‬هـ التي ه ُزم فيها أهل المدينة‪ ،‬بعد أن رفضوا مبايعة يزيد‪ ،‬وأجبروا على‬
‫المبايعة بالق ََّو ّة‪ ،‬ومنها انتقل مسلم إلى مكة للقضاء على ثورة ابن الزبير‪ ،‬وقد توف ََّيّ مسلم في الطريق إلى‬
‫مكة‪ ،‬وأخذ القيادة عنه الحصين بن نُمير‪ ،‬وعند وصولهم إلى مكة وصلت أنباء وفاة يزيد‪ ،‬فاضرب‬
‫[‪]٢‬‬
‫الجيش‪ ،‬وتركوا عبد الله بن الزبير دون قتله وعادوا إلى الشام‪.‬‬

‫عند وفاة يزيد طالَبَ ‪ ‬مروان بن الحكم‪ ‬بالخلافة لنفسه وبايعه أهل المدينة واليمن‪ ،‬وقضى على الفتنة التي‬
‫ن نفسه خليفة في الآن ذاته مع مروان‪ ،‬في معركة مرج راهط‪،‬‬
‫أثارها عبد الله بن الزبير عندما أعل َ‬
‫واستعاد مصر دون قتال‪ ،‬وبُويع مروان‪ ،‬كما واجه مروان عبيد الله بن زياد وقضى على ثورة التوابين‪،‬‬
‫وتوفي بعدها عام ‪ 65‬هـ‪.]٢[.‬‬

‫استلم عبد الملك بن مروان الحكم من بعده‪ ،‬لكن ّه واجه العديد من الانقسام في الدولة الأموية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الدولة الأموية في مصر والشام‪ ،‬ودولة ابن الزبير في الحجاز والعراق‪ ،‬وثورة المختار الثقفي الذي ثار وسيطر‬
‫على الكوفة‪ ،‬وبعض الخوارج بعد ثورتين على إقليمي الأهواز والنجدات‪ ،‬وثورة مصعب بن الزبير بعد‬
‫قضائه على المختار الثقفي‪ ،‬فالتقى عبد الملك مع مصعب بن الزبير في معركة دير الجاثليق عام ‪ 71‬هـ‬
‫فاستعاد فيها العراق‪ ،‬وفي عام ‪ 73‬هـ سي ّر جيشا إلى مك ّة بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي‪ ،‬قُتل فيه ابن‬
‫َّ ّ‬
‫استتَب الحكم لخليفة واحد في البلاد‪ ،‬وسُم ّي عام‬ ‫الزبير‪ ،‬فكوفئ َ الحجاج بأن عين واليًا للعراق والمشرق‪،‬‬
‫‪ 73‬هـ بعام الجماعة الثاني‪.]٢[.‬‬

‫عمر بن عبد العزيز واتساع الدولة الأموية‬

‫ع ُرف عهد‪ ‬عمر بن عبد العزيز‪" ‬الخليفة الزاهد" ‪ 101‬هـ بالرخاء والاستقرار‪ ،‬حتى قيل ما بقي فقير ولا‬
‫محتاج في عصره‪ ،‬وقد عرف من عدله بخامس الخلفاء الراشدين‪ ،‬وقامت سياسة حكمه على وقف‬
‫الفتوحات نظرًا لاتساع الدولة الكبير‪ ،‬والعمل على توطيد الحكم وإصلاحه وإصلاح أمور الناس‪،‬‬
‫ودعوة أهل المناطق المفتوحة إلى الإسلام‪ ،‬وإعادة ما في أيدي بني أمي ّة من مال إلى بيت مال‬
‫المسلمين‪ ،‬بالإضافة إلى إصلاحه الأراضي الزراعية واستصلاحها‪ ،‬وحفر الآبار وتمهيد الطرقات‪ ،‬وبناء‬
‫الفنادق لأبناء السبيل‪ ،‬وبناء المساجد‪ ،‬كما شهد َ عهده أول تحرك جديدٍ للخوارج منذ أيام عبد الملك‬
‫بقيادة بسطام اليشكوري‪ ،‬ولكنه راسله وأقنعه بعدم التمر ّد‪ ،‬وقد استمرت لعامين ونصف تقريبًا‪.‬‬
‫[‪]١‬‬

‫تولّى الخلافة من بعده ابن عِم ِّّه يزيد بن عبد الملك ‪ 105‬هـ الذي حاول السير على خطى عمر بن عبد‬
‫العزيز‪ ،‬ولم يفلح لقلة خبرته‪ ،‬وصغر سنه‪ ،‬وإحاطته برفقاء السوء‪ ،‬وكان من الممكن لعهده أن ي َشهد‬
‫انحطاطًا كبير ًا للدولة لولا بعض رجالها كمسلمة بن عبد الملك الذين حاولوا الحفاظ على قو ّتها‪ ،‬وساعدوه‬
‫على غزو إقليم الصغد في ما وراء النهر ع َّ َّدة مرات بعد أن نقض أهله عهدهم مع المسلمين في عامي‬
‫‪ 102‬و‪ 104‬هـ‪ ،‬والقيام ببعض الغزوات ضد البيزنطيين في موقعتين كبيرتين في فرنسا‪ :‬معركة تولوز‬
‫التي ه ُزم المُسلمون فيها‪ ،‬وأخرى فتح فيها سبتمانيا وليون وتوغل في منطقة بورغونيا‪ ،‬وغزا في فترة قريبة‬
‫محمد بن يزيد جزيرة صقلية‪ ،‬كما شهد عهده ثورة ضخمة للخوارج بقيادة يزيد بن المهلب للوصول إلى‬
‫الخلافة‪ ،‬وبايعه أهل البصرة‪ ،‬ولكنه ما لبث أن ه ُزم َ وقتله مسلمة بن عبد الملك في معركة عفر عام‬
‫[‪]١‬‬
‫‪ 102‬هـ‪.‬‬
‫عندما توف ََّيّ يزيد بن عبد الملك استلم الحكم أخوه هشام‪ ،‬الذي ع ُرف في التاريخ السياسي للدولة الأموية‬
‫بقوته وخبرته السياسية وحنكته سياسية‪ ،‬وأدار الدولة بكفاءة عالية‪ ،‬وحافظ على استقرارها طيلة‬
‫حكمه‪ ،‬واستمر بالغزوات الواسعة على الجبهة الشرقية في السند وما وراء النهر والشمال في الأناضول‬
‫والقوقاز والغرب في الأندلس وجنوب غالة فرنسا‪ ،‬وشهد َ عهده بلوغ الدولة الأموية ذروة اتساعها‬
‫وأقصى حدودها على الرغم من عدم تغير حدود الدولة الأموي ّة بضم مناطق جديدة إليها‪ ،‬فامت َّ َّدت‬
‫ح دودها من أط راف الص ين ش رقًا إلى جن وب فرنس ا غرب ًا‪ ،‬وك انت معرك ة‪ ‬بلاط الش هداء‪ ‬من أهم‬
‫المعارك التي خاضها المسلمون في عهد هشان بن عبد الملك‪ ،‬بالإضافة إلى العديد من الغزوات على البلاد‬
‫التي فتحها المسلمون ونكثت عهدها معهم كبلاد ما وراء النهر التي غزاها المسلمون ثلاث مرات عام‬
‫[‪]١‬‬
‫‪ 121‬هـ ومرتين سنة ‪ 123‬هـ‪.‬‬

‫كما شهد التاريخ السياسي للدولة الأموية في عهد هشام بن عبد الملك‪ ،‬الكثير من ثورات الخوارج‪ ،‬وفي‬
‫بقاع مختلفة من الدولة الأموية‪ ،‬ومن أبرز ثوراتهم عليه ثورة شبيب بن صحاري‪ ،‬وثورة زيد بن علي بن‬
‫الحسين‪ ،‬وتمكّن هشام من قتلهما وإخماد ثورتيهما‪.‬‬
‫[‪]١‬‬

‫نظام الحكم الأموي‬

‫عرف نظام الحكم خلال التاريخ السياسي للدولة الأموية منصبين مهمين في الدولة‪ ،‬الأول عام الوالي أو‬
‫العامل‪ ،‬والثاني الكاتب‪ ،‬أما الوالي أو العامل فيتبع للنظام الإداري‪ ،‬الذي كان الأمويين فيه يختارون‬
‫عربيا أصيلا ليول ّوه على ولاية من الولايات المترامية للدولة ويعطوه سلطات مطلقة في ولايته‪ ،‬وعرف‬
‫الوالي باسم العامل أيضًا‪ ،‬ومن أبرز الولاة في الدولة الأموية‪ :‬عمرو بن العاص واليًا لمصر‪ ،‬وزياد بن أبيه‬
‫[‬
‫واليًا للبصرة والكوفة‪ ،‬والحجاج بن يوسف‪ ‬الذي كان واليًا من بعد زياد على العراقين الشمالي والجنوبي‪.‬‬
‫‪]٢‬‬

‫وكانت مهمة الوالي تتمثل في قيادة الجيش وإمامة الصلاة وجباية الخراج وإدارة البريد وإدارة أعمال‬
‫الولاية قضائ ًًّي ّا والمالية التي أداروا من خلالها مصاريف الولاية التي أخذت من الضرائب المحلية‪ ،‬مع‬
‫[‪]٢‬‬
‫إرسال الفائض منها إلى دمشق ليوضع في بيت المال‪.‬‬

‫الخطب السياسية في الدولة الأموية‬


‫كان للخطب السياسية التي وصلت إلى هذا الوقت دور كبير في كشف التاريخ السياسي للدولة الأموية‪،‬‬
‫خاصة لما شهده فن الخطابة من ازدهار ورواج في هذه الدولة‪ ،‬وكانت الخطب السياسة من أبرز أنواع‬
‫الخطب التي عرفت في الدولة الأموية‪ ،‬ومن أسباب ازدهارها‪:‬‬

‫كثرة الخلافات المذهبية والأحزاب السياسية‪ ،‬منذ نشأة الدولة الأموية؛ كالشيعة‪ ‬والخوارج‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫خاصة الخوارج وفرقهم؛ فقد كانت الخطابة السياسية عبر التاريخ السياسي للدولة الأموية الفن‬
‫الأول للخوارج الذي استخدموه لمصالحم‪ .‬ومن فرق الخوارج التي ع ُرفت في الدولة الأموية‪:‬‬
‫الأزارقة في فارس‪ ،‬والإباضية في اليمن وحضرموت‪ ،‬والنجدات في اليمامة وحضرموت‬
‫[‪]٥‬‬
‫والبحرين‪ ،‬والصفرية في الموصل وشمالي العراق‪.‬‬
‫كثرة الفتن الداخلية وتتابعها‪ ،‬كثورة عبد الله بن الزبير‪ ،‬وحركة ابن الأشعث‪ ،‬وثورة المختار‬ ‫‪‬‬
‫[‪]٦‬‬
‫الثقفي‪ ،‬فكانت الخطابة وأداة للدعاية وحربا ضد الخصوم‪.‬‬
‫[‪]٦‬‬
‫اتساع حركة الفتوحات الإسلامية‪ ،‬خلال التاريخ السياسي للدولة الأموية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وقوع الجدل بين الفرق الدينية واحتدامه‪ ،‬فكانت الخطابة السياسية وسيلة لكسب تأييد الناس‬ ‫‪‬‬
‫لجماعة دون أخرى‪.‬‬
‫[‪]٦‬‬

‫تكاثر الوفود القادمة على الخلفاء وولاة الدولة فترة التاريخ السياسي للدولة الأموية؛ لمبايعتهم أو‬ ‫‪‬‬
‫لتهنأتهم بالمناسبات الدينية والسياسية‪ ،‬كانتصارهم في غزواتهم وفتوحاتهم‪.‬‬
‫[‪]٦‬‬

‫كان ل ِما امتلكه الخطباء من ثقافة لغوية ودينية‪ ،‬وعنايتهم بما حفظوه من السابقين‪ ،‬وإقبالهم على‬ ‫‪‬‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬دور كبير في ازدهار الخطابة السياسية في تاريخ الدولة الإسلامية‪ ،‬وربطها‬
‫[‪]٦‬‬
‫بالدين‪ ،‬إذ كان الخليفة إمامهم‪ ،‬وتنتظم مصالحم به‪.‬‬

‫سقوط الدولة الأموية‬

‫توفّي َ‪ ‬هشام بن عبد الملك‪125 ‬هـ‪ ،‬وآل الحكم من بعده إلى الأحفاد‪ ،‬وكانت تلك بداية انحطاط الدولة‬
‫في التاريخ السياسي للدولة الأموية؛ إذ َّ‬
‫توَق ّفت الفتوحات الإسلامية‪ ،‬وسيطرت الصراعات الداخلية على‬
‫الدولة‪ ،‬وتولّى الخلافة وليّ العهد الوليد بن يزيد الذي لم يكن أهلا لها لما عرف عنه من لهو وترف‪،‬‬
‫فأخذ الوليد بن يزيد بملاحقة من أ ََّي ّد تنصيب مسلمة بن هشام وليًا للعهد مكانه‪ ،‬فقتلهم‪ ،‬حتى ثارت‬
‫[‪]١‬‬
‫قبائلهم واستمالت يزيد بن الوليد‪ ،‬الذي قاد جيشا سار به إلى الوليد بن يزيد وقتله‪.‬‬

‫استلم يزيد بن الوليد الحكم من بعده‪ ،‬فأثارت سياسة حكمه الكثير من الفتن الداخلية‪ ،‬بعد أن حاول‬
‫التقشف‪ ،‬وأعاد َ رواتب الجند إلى ما كانت عليه بعد أن رفعها الوليد في عهده‪ ،‬فغضب الجند ولقّبوه‬
‫بالناقص‪ ،‬كما رفض آخرون مبايعته بعد تفجّ عهم بمقتل يزيد‪ ،‬مما سرّع من تدهور الدولة الأموية إلى أن‬
‫توفّى واستلم من بعده أخوه إبراهيم بن الوليد ولاية العهد بناء ً على طلب القدرية‪ ،‬وهنا رفض الكثير من‬
‫أساسَي ّين عن مقتل الوليد والفتن التي فَجَّ ّرها‪ ،‬فتدخل‬
‫َّ‬ ‫الناس مبايعته‪ ،‬على اعتبار أنه وأخيه يزيد مسؤولين‬
‫ابن عم ّهما مروان بن َّ‬
‫محَم ّد والي أرمينيا وأذربيجان‪ ،‬وسار َ بجيش إلى دمشق وخلع الخليفة‪ ،‬وبويع مروان‬
‫[‪]١‬‬
‫بالخلافة‪.‬‬

‫ويُذكر في التاريخ السياسي للدولة الأموية أن ّه عندما بُويع مروان بالخلافة كانت الدولة قد سقطت بالفعل‬
‫تحت النزاعات والخلافات‪ ،‬وفات الأوان لإصلاحها‪ ،‬فقام مروان بنقل العاصمة من دمشق إلى مدينة‬
‫حران في الجزيرة؛ لعدم ثقته بمن في الشام‪ ،‬فثار عليه أهل الشام‪ ،‬ولكنه س ُرعان ما قمع الثورة‪ ،‬ولكنّها لم‬
‫تكن الثورة الأخيرة‪ ،‬فقامت واحدة في الجزيرة واليمن عام ‪ 127‬هـ‪ ،‬وأخرى في الموصل عام ‪ 129‬هـ‪،‬‬
‫ثم في أفريقيا بين عام َ ْي ‪ 132 -131‬هـ‪ ،‬وقد أنهكت هذه الثورات المتتالية مروان في محاولة السيطرة‬
‫عليها‪ ،‬حتى تفاجأ بالم ّد العباسي في خراسان فالعراق‪ ،‬فواجهه في معركة الزاب الكبير عام َ ‪ 132‬هـ‪،‬‬
‫ولكن ّه خسر المعركة‪ ،‬وكانت نهاية الدولة الأموية وسُقوطها ونهاية التاريخ السياسي للدولة الأموية في‬
‫ل مكان‪ ،‬وقتلوا على يد العباسيّين بعد‬
‫ل مروان بعدها بشهور‪ ،‬ولوحق بنو أمية في ك ّ‬
‫المشرق العربي‪ ،‬وقُت َ‬
‫قيام دولتهم‪.‬‬
‫[‪]١‬‬

‫المراجع[‪]-‬‬

‫‪.2019-07-01‬‬ ‫بتاريخ‬ ‫عليه‬ ‫اطّ لع‬ ‫^‪ ‬أ‪ ‬ب‪ ‬ت‪ ‬ث‪ ‬ج‪ ‬ح‪ ‬خ‪ ‬د‪" ‬أمويون"‪،www.marefa.org  ،‬‬ ‫‪.1‬‬

‫بتصرّف‪.‬‬
‫^‪ ‬أ‪ ‬ب‪ ‬ت‪ ‬ث‪ ‬ج‪ ‬ح‪ ‬خ‪ ‬د‪ ‬ذ‪ ‬ر‪ ‬ز‪ ‬س‪" ‬الدولة الأموية"‪ ،www.wikiwand.com  ،‬اطّ لع عليه بتاريخ ‪-01‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪ .2019-07‬بتصرّف‪.‬‬
‫^‪ ‬أ‪ ‬ب‪ ‬ت‪ ‬ث‪ ‬ج‪" ‬خلافة معاوية بن أبي سفيان"‪ ،islamstory.com  ،‬اطّ لع عليه بتاريخ ‪-07-01‬‬ ‫‪.3‬‬

‫‪ .2019‬بتصرّف‪.‬‬
‫^‪ ‬أ‪ ‬ب‪" ‬المناسبات في العصر الأموي"‪ ،islamstory.com  ،‬اطّ لع عليه بتاريخ ‪.2019-07-01‬‬ ‫‪.4‬‬

‫بتصرّف‪.‬‬
‫↑‪" ‬الخطابة في العصر الأموي"‪ ،www.almerja.com  ،‬اطّ لع عليه بتاريخ ‪.2019-07-01‬‬ ‫‪.5‬‬

‫بتصرّف‪.‬‬
‫^‪ ‬أ‪ ‬ب‪ ‬ت‪ ‬ث‪ ‬ج‪" ‬الخطابة في العصر الأموي"‪ ،www.alukah.net  ،‬اطّ لع عليه بتاريخ ‪-07-01‬‬ ‫‪.6‬‬

‫‪ .2019‬بتصرّف‪.‬‬
‫المجتمع في العهد الاموي‬

‫يُمكن القول أن المجتمع في عهد الدولة الأموية ‪ -‬على الرغم من عدم امتلاكه تدرجا ً اجتماعيا ً‬

‫دقيقا ً أو صارما ً ‪ -‬قد تألف من خمس طبقات أساسية‪ ،‬هي‪ :‬الخلفاء والولاة والعلماء والأثرياء‬

‫والعامة‪ .‬فالطبقة الأولى هي الخلفاء وعائلاتهم‪ ،‬وهم أصحاب السلطة والسيادة العليا في الدولة ولهم‬

‫الصلاحيات المطلقة بها‪ .‬ثم يليهم كبار الولاة والقادة وكاتبو الدواوين‪ .‬فالعلماء‪ ،‬الذين مع أنهم يأتون‬

‫في الطبقة الثالثة فقد كان احترام العامة لبضعهم يفوق احترامهم وتقديرهم للولاة والخلفاء أنفسهم‪.‬‬

‫ثم كبار الأثرياء من التجار وشيوخ العشائر‪ .‬وأخيرا ً تأتي الطبقة الخامسة وهي عامة الناس‪ ،‬مثل‬

‫المزارعين والحرفيين وغيرهم‪]153[.‬‬

‫عاش العرب بشكل عام حياة بسيطة في أيام الإسلام وقبله‪ ،‬فكان طعامهم على سبيل المثال يتألف‬

‫من بضعة أصناف فحسب‪ ،‬أفخرها على الإطلاق هو اللحم مع الثريد‪ .‬لكن مع توسع الفتوحات في‬

‫العصر الأموي وترامي أطراف الدولة وازدهارها اختلفت الحال‪ ،‬إذ اقتبس العرب عادات الكثير‬

‫من الثقافات التي احتكوا بها نتيجة الفتوحات‪ ،‬فأصبحوا يستخدمون أدوات فخارية وخشبية لتناول‬

‫الطعام كانت تأتيهم من الصين مثل الشوك والملاعق‪ ،‬وأصبحوا يتناولون طعامهم على موائد‬

‫وكراس خشبية بدلا ً من أن يجلسوا على الأرض ويتناولوه بأيديهم كما في السّابق‪ .‬وقد ساهم في‬

‫نقل مثل هذه العادات الحياتية والاجتماعية إلى العرب إحضارهم الكثير من الجواري إلى‬

‫بلادهم‪ ،‬فنقلن إلى العرب عادات وتقاليد شعوبهن‪]154[.‬‬


‫كانت المناسبات الإسلامية وأبرزها عيدا الفطر والأضحى ذات صدى كبير في أنحاء الدولة‬

‫الأموية‪ ،‬فكان يَخرج الخليفة في موكب مهيب وسط رجال الدولة الكبار يتقدمهم الجند لأداء صلاة‬

‫العيد‪ .‬كما أن الأعراس والأفراح وبعد أن كانت بسيطة جدا ً في عهود الخلفاء الراشدين وما قبل‬

‫الإسلام باتت مترفة جدا ً وتُنفق عليها أموال طائلة‪ ،‬فكانوا يقيمون ولائم عظيمة في الأعراس‪ ،‬ثم‬

‫يلعب الفتيان بالرامح ويتسابقون بالخيل فيما تجلس النساء يتحدثن إلى بعضهن البعض‪ ،‬وأما العروس‬

‫فكانت تزين بزينة عظيمة‪ ،‬ويُحيط بها خدمها ي ُغنون لها حتى تذهب إلى بيت زوجها‪ ]155 [.‬وقد‬

‫كان من وسائل الترفيه والتسلية الشائعة في تلك الحقبة جلب المغنين أو «المضحكين» الذين يلقون‬

‫النكات ويضحكون الناس‪ .‬كما كانت ألعاب النرد والشطرنج شائعة أيضاً‪ ،‬اللتين أخذهما العرب من‬

‫الفرس‪ .‬كما كانوا يرفهون عن أنفسهم بالصيد والرياضة‪ ،‬وأقامت الدولة في عهد هشام بن عبد الملك‬

‫سباقات كبيرة للخيل بلغ عدد المشاركين فيها ‪ 4,000‬حصان في إحداها‪]156[.‬‬

‫بشكل عام امتاز المجتمع في العصر الأموي بالترف الكثير على النقيض من عهود الإسلام السابقة‪.‬‬

‫ولم ينعكس ذلك على المناسبات والعادات الاجتماعية فحسب‪ ،‬إنما على ملابس العامة أيضاً‪،‬‬

‫فتنافس الناس وخصوصا ً الخلفاء وكبار رجال البلاط في شراء الملابس الجديدة والفاخرة والمتميزة‪،‬‬

‫ح الجميع يرتدون جبابا ً وأردية وسراويل وعمائم وقلانس‪ .‬ثم ومع ازدياد الإسراف أصبح‬
‫وأصب َ‬

‫التجار يجلبون معهم إلى البلاد الإسلامية مختلف أنواع الحرير والصوف بين موش ّى ومطر ّز ومحاك‬

‫بالذهب والفضة ومرصع بالأحجار الكريمة‪ ]157[.‬وكان خلفاء بني أمية يرتدون ملابس بيضاء على‬

‫الأغلب ومن أفخر أنواع القماش المطرز‪ ]158[.‬وكان من قطع الملابس التي ارتداها الأمويون‪:‬‬

‫القباء (رداء أو زي خارجي مفتوح عند الرقبة أو يقفل بأزرار وهو ضيق الكمين وفي بعض‬

‫الأحيان متوسط الاتساع) والدراعة (جبة مشقوفة من الأمام) والطيلسان (الطرح التي تغطي‬
‫الرأس) والغلالة (ثوب رقيق شفاف يشبه القميص الذي ترتديه المرأة) الملحفة (ملاية) والإزار‬

‫(لباس لستر العورة) والشاشية (قبعة) والتكة (رباط السروال)‪ ]159[.‬كما أن أسلوب إنتاج‬

‫الأقمشة الخاصة المطرزة في المناسج الملكية ولد في العصر الأموي‪ ،‬ثم تطور لاحقا ً وساد في أنحاء‬

‫الدولة الإسلامية خلال العصور الوسطى‪ ،‬وكان أول خليفة أموي يؤسس مصانع خاصة للنسيج‬

‫ح غير‬
‫المطرز هشام بن عبد الملك‪ ]160[.‬وقد كان من الظواهر المهمة في العصر الأموي أن أصب َ‬

‫المسلمين يرتدون ملابس العرب الفاخرة‪ ،‬حتى جاء عهد عمر بن عبد العزيز الذي حَرّم على أهل‬

‫الذمة ارتداء لباس الرأس العربي ومنه العمامة والعصب والطيلسان والملابس العسكرية العربية‬

‫والأردية الخاصة مثل القبعة‪ ،‬وكان على هؤلاء أن يرتدوا حزاما ً متميزا ً يسمى المنِ ْطَق وأحيانا ً الز ُن ّار‬

‫الفئات الاجتماعية التي اعتمدت عليها الدولة الأموية‪:‬‬

‫بنو أمية‪:‬‬

‫تولية الأمويين المناصب‪:‬‬

‫كان خلفاء الدولة الأموية يقومون بتعيين من هم من بنو أمية في مناصب سياسية معينة‪ ،‬وكان معاوية‬
‫بن أبي سفيان يقوم بتعيين بني حرب وبني العاص ولاة ً للحجاز‪ ،‬وكان تركيزه على تعيين الأشخاص من‬
‫بنو أمية فقط على الحجاز؛ وذلك ليقضي على طموحاتهم في السياسة‪ ،‬وكان يح ّد من طموحاتهم بأنه لم‬
‫طويل‪.‬‬ ‫لوقت‬ ‫واليا ً‬ ‫أمية‬ ‫بنو‬ ‫من‬ ‫أحدا ً‬ ‫يبقي‬ ‫يكن‬

‫وعيَ ّن معاوية بن أبي سفيان أخيه عنبسة وأمه عاتكه بنت أبي أزيهر لولاية الطائف‪ ،‬وبعدها قام بعزله‬
‫ووضع أخيه الثاني عتبة وأمه هند بنت عتبة‪ ،‬وعندما سأله عنبسه عنن سبب عزله له على الرغم من أنه‬
‫لم يكن خائنا ً أو مقصراً‪ ،‬فأجابه معاوية بأن أمه هي هند‪ ،‬وأيضا ً َ‬
‫عي ّن مروان بن الحكم بن أبي العاص‬
‫أمية‪.‬‬ ‫بن‬ ‫العاص‬ ‫بن‬ ‫سعيد‬ ‫وعيَ ّن‬ ‫عزله‬ ‫ثم‬ ‫المدينة‬ ‫على‬

‫وقام معاوية بتعيين عبد الملك بن مروان على ديوان المدينة وذلك بطلب مروان بن الحكم‪ ،‬ولام سعيد‬
‫بن عثمان معاوية بن أبي سفيان لعدم تولي ِّه لأي من المناصب وعلى الرغم من تخليهم للخلافة له‪،‬‬
‫وغضب سعيد غضبا ً شديدا ً بعد أن جعل معاوية ولاية العهد لابنه يزيد‪ ،‬ولأنه هو الأحق فيها لأن أبوه‬
‫عفان‪.‬‬ ‫بن‬ ‫عثمان‬ ‫وهو‬ ‫مظلوما ً‬ ‫خليفة ً‬ ‫كان‬ ‫هو‬

‫وتجاهل معاوية بن أبي سفيان مطالب سعيد بن عثمان‪ ،‬ولم يقم معاوية بتعيين أي أحد من أقاربه على‬
‫الولايات المهمة كولاية العراق باستثناء ابن أخته عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي‪ ،‬وكان قد َ‬
‫عي ّنه بعد‬
‫سيرته‪.‬‬ ‫سوء‬ ‫بسبب‬ ‫الكوفة‬ ‫أهل‬ ‫طرده‬ ‫ولكم‬ ‫أبيه‪،‬‬ ‫بن‬ ‫زياد‬ ‫وفاة‬

‫وكان معاوية خائفا ً من تعيين أي أحد من أقاربه على الولايات الهامة؛ خوفا ً من أن يحتفظوا بأموال‬
‫الخراج ويستقلوا على حسابه‪ ،‬وكان يزيد بن معاوية يسير على سياسة أبيه‪ ،‬ولم يعين أي أحد من أقاربه‬
‫على ولاية العراق‪ ،‬واستمر هذا النهج في عهد المروانيين‪.‬‬

‫ثراء الأمويين‪:‬‬

‫كان الخلفاء يمنحون أقربائهم الأموال والقطائع‪ ،‬فقد قام يزيد بن معاوية بن عبد الملك بن مروان بقطع‬
‫أرض كان يملكها معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬واشتراها بعض اليهود وهي في وادي القرى‪ ،‬وكانت بداية‬
‫سياسة توزيع الأراضي في عهد عثمان بن عفان وأكملها من بعده معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬حيث قام‬
‫أمية‪.‬‬ ‫لبنو‬ ‫الصوافي‬ ‫أراضي‬ ‫من‬ ‫قطائع‬ ‫بمنح‬ ‫معاوية‬

‫وكان مسلمة بن عبد الملك من أثرياء الدولة‪ ،‬وكانت ثرواته بإمكانها مساعدة الخليفة‪ ،‬فقد عمل على‬
‫تسليم أمواله وقيامه بمشروع مقابل إقطاع الطساسيج‪.‬‬
‫الأشراف في الدولة الأموية‪:‬‬

‫أشراف الشام‪:‬‬

‫كان معاوية بن أبي سفيان يهتم كثيرا ً لأشراف الشام؛ لأنه كان واليا ً على الشام في عهد عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬وكانت الشام مقرا ً رئيسي للخلافة الأموية‪ ،‬وكان معاوية قد قام بزيادة الرابط مع قبيلة كلب‬
‫وهي أهم فرع في قضاعة‪ ،‬فتزوج بنت بحدل الكلبية أم يزيد بن معاوية‪.‬‬

‫أشراف الكوفة‪:‬‬

‫كان معاوية بن أبي سفيان قد َ‬


‫كل ّف أشراف الكوفة للقضاء على ثورة المستورد بن علفة‪ ،‬فاستجاب له‬
‫الأشراف وقضوا على الثورة‪ ،‬وكان خلفاء الدولة الأموية يعتمدون على الأشراف ليجذبوا عشائرهم‬
‫وقبائلهم وأسيادها‪ ،‬وقد ضعفت طبقة الأشراف في الكوفة بعد ثورة ابن الأشعث‪ ،‬خاصة ً بعد أن‬
‫ناصر َ الأشراف لهذه الثورة‪ ،‬فأمر الحجاج بن يوسف بقتلهم‪.‬‬

‫أشراف البصرة‪:‬‬

‫حاول معاوية بن أبي سفيان جاهدا ً أن يضمن أشراف البصرة‪ ،‬وقد دفع لهم الكثير من الأموال لشراء‬
‫ضمائرهم‪ ،‬وأجلس منهم على سريره كالأحنف بن قيس وكان يحترمه لشدة حكمته‪ ،‬وظ َ ّ‬
‫ل أشراف‬
‫البصرة موالين للخلافة الأموية في عهد الخليفة يزيد بن معاوية‪.‬‬

‫أشراف خراسان‪:‬‬

‫كان معاوية بن أبي سفيان يحترم عقل شريف خراسان حضين بن المنذر الرقاشي من شيبان‪.‬‬

‫أشراف الحجاز‪:‬‬

‫قام الخليفة يزيد بن معاوية بإكرام أشراف المدينة عندما أتوا إليه‪ ،‬وأغدق على الأشراف الكثير من‬
‫الأموال والعطايا؛ لأنهم ينتمون أساسا ً لقبيلة قريش‪ ،‬وواصل يزيد السير في خطى والده لتوثيق‬
‫العلاقات مع أشراف الحجاز‪ ،‬ود َعّم الخلفاء السفيانيون علاقاتهم مع أشراف مصر‪.‬‬

‫أشراف مصر‪:‬‬
‫أكرم معاوية بن أبي سفيان أشراف مصر‪ ،‬فمنحهم الدور كعمير بن وهب بن عمير‪ ،‬وكان أشراف مصر‬
‫يرافقون عتبة بن أبي سفيان والي مصر عند ذهابه للخليفة معاوية بن أبي سفيان‪.‬‬

‫الفقهاء في الدولة الأموية‪:‬‬

‫الفقية هو شخص له القدرة على استخراج واستنباط أحكام جديدة من القرآن الكريم والسنة النبوية‪ ،‬ولم‬
‫يكن لدى الفقهاء ارتباط في سلطة الدولة الأموية حتى عهد عمر بن عبد العزيز‪ ،‬وقد درس عمر على يد‬
‫المسي ّب‪ ،‬وعروة بن ُأذينة‪،‬‬
‫َ‬ ‫أكبر علماء المدينة كعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن معسود‪ ،‬وسعيد بن‬
‫وأبي سلمة بن عبد الرحمن‪ ،‬وسالم بن عبد الله بن عبد الله بن عمر‪ ،‬والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق‪،‬‬
‫والزهري‪.‬‬

‫وعندما تولَ ّى عمر بن عبد العزيز الخلافة أرسل للحسن البصري ولمطرف بن عبد الله الشخير ليعظوه‪ ،‬وقد‬
‫ردوا عليه بأن يتمسك بحبل الله تعالى‪ ،‬وألا تغويه الدنيا‪.‬‬

‫اقتصاد الدولة الأمو ية‬


‫من ويكيبيديا‪ ،‬الموسوعة الحرة‬
‫اذهب إلى التنقلاذهب إلى البحث‬

‫الدولة الأموية في أقصى اتساعها خلال عهد‪ ‬هشام بن عبد الملك‪( ‬باللون الأخضر الفاتح)‪ ،‬ويوضح‬
‫موقعها في الخريطة وقوع أغلب الطرق التجارية الأساسية في العالم القديم ضمن أراضيها‪.‬‬

‫ازدهر‪ ‬الاقتصاد في عهد‪ ‬الدولة الأموية‪ ‬ازدهارا ً كبيرا ً نتيجة‪ ‬للفتوحات الإسلامية‪ ‬الكبيرة التي أ ََّدّت‬


‫إلى توسيع رقعة الدولة َّ‬
‫ووَف ّرت لها موارد هائلة أغنتها ووفرت لها كل حاجاتها‪ .‬يُوجد عدد محدود ٌ من‬
‫المصادر التاريخية التي تتناول موضوع الاقتصاد الأمويّ ‪ ،‬غير أن مثل هذه الكتب ترك ّز على الاقتصاد‬
‫من الناحية الفقهية‪ ،‬وأما المصادر التي تبحث ميزانية الدولة وأحوالها المالية في العصر الأموي فهي‬
‫معدومة تماماً‪ ،‬ولذلك فإن الوسيلة الأساسية لمعرفة الأحوال الاقتصادية في عصر الدولة الأموية هي في‬
‫[‪]1‬‬
‫ي العامّ للأفراد مما نقلته كتب التاريخ‪.‬‬
‫دراسة المستوى المعيش ّ‬

‫وعموما ً فقد كان الاقتصاد الأمويّ كبيرا ً ومزدهراً‪ ،‬حيث غذته كثيرا ً‪ ‬الفتوحات الإسلامية‪ ‬الواسعة‪،‬‬
‫فأصبحت الدولة الأموية مسيطرة على أغلب الطرق التجارية الأساسية في العالم القديم‪ ،‬وسيطرت من‬
‫ث ََّم ّ على الحركة التجارية فيها‪ ،‬فضلا ً عن أن ربوعها شملت الكثير من المراكز الزراعية والصناعية الهامة‬
‫ح نمو حركة تجارية ضخمة بين ولاياتها بدون عوائق‪،‬‬
‫التي أغنت وأثرت اقتصادها‪ ،‬مكا أن توسعها أتا َ‬
‫[‪]2‬‬
‫جعلت نقل البضائع والمتاجرة بها سهلا ً ويسيراً‪ ،‬فازدهرت الحركة التجارية في الدولة‪.‬‬

‫المصادر[عدل]‬

‫يُوجد عدد محدود ٌ من المصادر التاريخية التي تتناول موضوع الاقتصاد الأمويّ ‪ ،‬مثل كتابي‬
‫"الخراج"‪ ‬لأبي يوسف‪ ‬و"الأموال"‪ ‬لأبي عبيد القاسم‪ ،‬غير أن مثل هذه الكتب ترك ّز على الاقتصاد من‬
‫الناحية الفقهية‪ ،‬وأحكام‪ ‬الغنائم‪ ‬والجزية‪ ‬والخراج[؟]‪ ‬وما إلى ذلك‪ ،‬وأما المصادر التي تبحث ميزانية الدولة‬
‫وأحوالها المالية في العصر الأموي فهي معدومة تماماً‪ ،‬ولذلك فإن الوسيلة الأساسية لمعرفة الأحوال‬
‫ي العامّ للأفراد عبر التقص ّي عن‬
‫الاقتصادية في عصر الدولة الأموية هي في دراسة المستوى المعيش ّ‬
‫مستوى الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية والحركة العمرانية في ذلك العصر‪ ،‬وغيرها من الأمور‬
‫التي تعب ّر عن مدى غنى الأفراد في المجتمع‪.‬‬
‫[‪]1‬‬

‫الزراعة[عدل]‬

‫اهتَم ّ العرب والمسلمون عموما ً بالزراعة اهتماما ً عظيما ً وأولوها اهتماما ً كبيرا ً جداً‪ ،‬ولم يَش َّ َّذ الأمويون عن‬
‫َّ‬
‫الريّ‬ ‫بأنظمة‬ ‫فاعتنوا‬ ‫كبيراً‪،‬‬ ‫اهتماما ً‬ ‫بها‬ ‫فاهتموا‬ ‫القاعدة‪،‬‬ ‫هذه‬
‫وأق اموا‪ ‬الجس ور[؟]‪ ‬والس دود‪ ‬وش قوا‪ ‬ال ترع[؟]‪ ‬وطهوره ا موس ميا ً َّ‬
‫وعَم ّروا‪ ‬القن اطير[؟]‪ ‬والنواع ير‪ ‬والط واحين‪ ،‬وق د‬
‫ازده رت به ذا الزراع ة ونمت في أص قاع الدول ة‪ ]4[]3[.‬كم ا بن وا مقاييس ا ً كث يرة ك انت تس تخدم في قي اس‬
‫ارتف اع منس وب‪ ‬نه ر الني ل‪ ]5[،‬فب نيت في مص ر مق اييس أنص نا (في عه د‪ ‬معاوي ة بن أبي‬
‫س فيان)‪ ‬وحل وان‪( ‬في عه د‪ ‬عب د العزي ز بن م روان)‪ ‬والروض ة‪( ‬س نة‪ 97 ‬هـ ‪ ‬في عه د‪ ‬أس امة بن زي د)‪.‬‬
‫‪ ]3‬وأما من القناطير فبُنيت قنطرة‪ ‬قرطبة‪ ‬في‪ ‬الوادي الكبير‪ ‬على يد‪ ‬السمح بن مالك الخولاني‪ ‬سنة‪101 ‬‬
‫[‪]5‬‬
‫هـ‪ ‬بأمر الخليفة‪ ‬عمر بن عبد العزيز‪ ،‬وكانت من أعظم قناطير الدنيا آنذاك‪.‬‬

‫ومن ضمن المحاصيل التي جرت زراعتها في العصر الأموي ‪ -‬والكثير منها لم تكن ت ُزر َع في هذه المناطق‬
‫ب ال‬ ‫يات‪ ‬والقطن‪ ‬وقص‬ ‫ابقا ً ‪ -‬الحمض‬ ‫س‬
‫البيضاء‪ ‬والحبوب‪ ‬والبقول‪ ‬والكرمة[؟]‪ ‬والفستق‪ ‬والزيتون‪ ‬والنخيل‪ ‬والأرز ومن أبرز المناطق التي ز ُرعت‬
‫وعني َ بها‪ ‬مصر‪ ‬خصوصا ً ضفاف نهر النيل ‪ -‬التي قاس‪ ‬عبيد الله بن الحبحاب‪ ‬مساحة أراضيها الزراعية‬
‫فبلغت ‪ 100‬ف دان‪ - ‬والع راق‪ ‬وغوط ة دمش ق‪ ]3[.‬كم ا أن من الأراض ي الش هيرة ال تي استص لحها وزرعه ا‬
‫الأمويون أرض الموات في الشام التي زرعها معاوية بن أبي سفيان وجعل منها بساتين زاهرة‪.‬‬

‫اعتنى الأمويون بالأراضي وشجعوا على استصلاحها لكي يزيد‪ ‬الخراج[؟]‪ ‬ويزداد بدوره دخل الدولة‪ ،‬كما‬
‫أنهم عنوا بعمال الخراج وفصلوا ولاية الخراج عن الولاية العادية ‪ -‬وهو أمر كان غير معتاد آنذاك ‪-‬‬
‫للتركيز عليه أكثر‪ .‬وقد وضعوا نظاما ً لجباية الخراج يَتض ََّمّن ثلاثة مبادئ أساسية هي المحاسبة والمقاسمة‬
‫خصيص جزء‬
‫ٌ‬ ‫واللالتزام‪ ،‬فالأول هو قياس مساحة الأرض ونوع غلتها لتحديد قدر الخراج‪ ،‬والثاني هو ت‬
‫من المحصول يبلغ الثلث أو الربع تقريبا ً لوضعه في‪ ‬بيت مال المسلمين‪ ،‬وأما الثالث فهو تحمل أحد أثرياء‬
‫[‪]5‬‬
‫قرية أو مدينة أو إقليم مسؤولية جباية الخراج من منطقته لمدة سنة كاملة‪.‬‬

‫ومن الأمثلة على اهتمام الأمويين بالزراعة أن‪ ‬الحجاج بن يوسف الثقفي‪ ‬كتبَ إلى‪ ‬عبد الملك بن‬
‫مروان‪ ‬ليستأذنه في أخذ الفضل من الفلاحين‪ ،‬فأجابه الخليفة‪" :‬لا تكن على درهمك المأخوذ‬
‫أحرص منك على درهمك المتروك‪ ،‬وأب قِ لهم لحوما ً يعقدون عليها شحوما ً" ‪ .‬وقد تدهور الاقتصاد‬
‫في فترة من فترات ولاية الحجاج على العراق وتراجعت الزراعة وتولّد نقص في المواد الغذائية‪ ،‬وذلك‬

‫نتيجة لهجرة الفلاحين في أنحاء الدولة من القرى والحقول إلى المدن وترك العمل في الزراعة‪ ،‬فأمرَ‬
‫[‬
‫هو‪ ‬وقرة بن شريك العبسي‪ - ‬والي مصر آنذاك ‪ -‬بعودة الفلاحين إلى حقولهم في ولايتي مصر والعراق‬
‫‪ ]6‬لتأمين الغذاء اللازم للدولة وإنعاش الزراعة من جديد‪ ،‬لكن مع ذلك فقد لاقى القرار سخطا ً شعبيا ً‬
‫في الدولة لإجبار الناس على العمل بالزراعة دون رغبتهم بها‪ ]4[.‬وبالإضافة إلى ذلك فقد كان الأميوون‬
‫يُقدمون المعونات إلى الفلاحين في أوقات الفتن والاضطرابات التي تُصعب عملهم‪ ،‬ومن ضمن ذلك أن‬
‫ق َّ َّدم الحجاج إلا مزارعي العراق مليوني‪ ‬درهم‪ ‬لمساعدتهم على زراعة أراضيهم خلال ولايته على الإقليم‪.‬‬
‫وفي عهد عمر بن عبد العزيز بقي القليل من المال في بيت المال المسلمين بالعراق فكتب عمر إلى‬
‫ُف عن أرضه‪ ،‬فأسلفه ما يقوى به‬
‫ضع َ‬
‫واليها‪"  :‬أن ظ ِر ْ من كانت عليه جزية (خراج الأرض) ف َ َ‬
‫على عمل أرضه؛ فإنا لا نريدهم لعام ولا لعامين" ‪.‬‬
‫[‪]7‬‬
‫الصناعة[عدل]‬

‫بعد أن سيطرت الدولة الأموية على مصر والمغرب العربي الذين كانا خاضعين لسلطة‪ ‬الإمبراطورية‬
‫البيزنطية‪َّ  ‬‬
‫استمَر ّت بدعم بعض الصناعات الأساسية التي كانت سائدة في العهد البيزنطي والاستفادة‬
‫منها‪ ،‬مثل صناعة الأقمشة وصبغها ‪ -‬خصوصا ً‪ ‬باللون الأرجواني[؟]‪ - ‬وصناعة‪ ‬ورق البردي‪ ،‬وقد زادت‬
‫ح لها أسواقا ً جديدة‪،‬‬ ‫هذه الصناعات من النشاط الاقتصاديّ في الدولة‪ ،‬كما أن ُّ‬
‫توُسّ ع الدولة الأموية فت َ‬
‫ح يُص َّ َّدر إلى‪ ‬الحجاز‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وعموما ً ازدهر َ‬
‫فمثلا ً بدلا ً من تصدير‪ ‬القمح‪ ‬من‪ ‬مصر‪ ‬إلى‪ ‬القسطنطينية‪ ‬أصب َ‬
‫[‪]8‬‬
‫النشاط الاقتصاديّ بين مصر وجنوب وجنوب شرقي الدولة الإسلامية كثيرا ً في العهد الأمويّ ‪.‬‬

‫وعموما ً من الصناعات البارزة التي ازدهرت في العصر الأمويّ الصناعات الحربية والعسكرية كاف ّة‪ ،‬مثل‬
‫الحراب والخوذ والسيوف وغيرها من أدوات القتال‪ ،‬بالإضافة إلى صناعة السفن للمعارك البحرية التي‬
‫يد‬ ‫اط‪ ‬ورش‬ ‫كندرية‪ ‬ودمي‬ ‫ل‪ ‬الإس‬ ‫احلية مث‬ ‫دن الس‬ ‫ير من الم‬ ‫رت في الكث‬ ‫ازده‬
‫مص ر‪ ‬وعك ا‪ ‬وص ور[؟]‪ ‬وص يدا‪ ‬وب يروت‪ ‬في الش ام‪ .‬كم ا ازده رت الص ناعات الخش بية للعم ارة وص نع أث اث‬
‫المنازل‪ ،‬وصناعات النسيج التي كانت الأكثر ازدهارا ً في مصر والشام والعراق وفارس وما وراء النهر‬
‫[‪]9‬‬
‫وشملت موادا ً مختلفة مثل الصوف والقطن والكتان والحرير‪.‬‬

‫التجارة[عدل]‬

‫شهدت الدولة الأموية حركة تجارية نشطة عبر َ أنحائها المختلفة الواسعة ومع الدول والإمبراطوريات‬
‫الأخرى المجاورة على حد سواء‪ .‬ولم تُقم الدولة أي قيود من أي شكل على كافة أشكال التجارة بين‬
‫ولايات الدولة نفسها‪ ،‬كما لم تفرض قيودا ً أو تقنن بأي شكل التداولات التجارية مع الدول المجاورة‪،‬‬
‫ولم تحتكر أي نوع من البضائع التجارية‪ ،‬وبذلك فإن القوانين التجارية لم تختلف في العهد الأموي كثيرا ً‬
‫[‪]5‬‬
‫عما كانت عليه في عهد‪ ‬الخلافة الراشدة‪.‬‬

‫قبل الإسلام كان دور العرب التجاريّ يَقتصر بشكل أساسي على كونهم وسيطا ً وأراضيهم معبرا ً هاما ً‬
‫ين‪ ‬إلى‪ ‬‬ ‫د‪ ‬والص‬ ‫ُُّر ّ من‪ ‬الهن‬ ‫تي تم‬ ‫ية ال‬ ‫ة الأساس‬ ‫رق التجاري‬ ‫للط‬
‫قوافلها‪ ‬التوابل‪ ‬والبخور‪ ‬والحرير‪ ‬من المشرق إلى القارة الأوروبية حيث الطلب عليها كبير‪ .‬أما في العصر‬
‫ل النشاط‬
‫الأموي فقد أصبحت الطرق التجارية بأكملها تقريبا ً تحت سيادتهم‪ ،‬وسيطر المسلمون على ج ّ‬
‫التجاري في العالم القديم‪ ،‬إذ أصبحوا يُصدّرون بضائعهم إلى الشرق والغرب‪ ،‬فالصين لها على سبيل‬
‫المث ال المنس وجات‪ ‬الص وفية‪ ‬والقطني ة‪ ‬والكتاني ة‪ ‬والبس ط والمع ادن وخ ام‪ ‬الحدي د‪ ‬وس بائك‪ ‬ال ذهب‪ ‬والفض ة‬
‫فيما استورد المسلمون منها الحرير بدورهم‪ .‬وفضلا ً عن الدور الكبير الذي لعبه هذا النشاط التجاريّ‬
‫الواسع في تنشيط وتقوية الاقتصاد الأمويّ ‪ ،‬فقد انتعش الاقتصاد أكثر بما يُشبه رسوما ً جمركية كانت‬
‫تفرضها الدولة على القوافل التجارية الما ََّرّة بأراضيها‪ ،‬وقد جعلها ذلك أكثر ثراء ً وقوة على الصعيد‬
‫[‪]10‬‬
‫الاقتصاديّ ‪.‬‬

‫ٌس ٌّفن بحرا ً‬ ‫وقد كان للقوافل التجارية في الدولة الأموية طريقان أساسيان ُّ‬
‫تمُر ّ عبرهما‪ ،‬الأول تعبر فيه ال ّ‬
‫ح تى تبل غ‪ ‬مض يق ب اب المن دب‪ ،‬فإم ا أن تواص ل إبحاره ا ع بر َ‪ ‬البح ر الأحم ر‪ ‬ح تى تبل غ‬
‫مين اء‪ ‬القل زم‪ - ‬الس ويس‪ ‬فتنق ل بض ائعها من هن اك ع بر القواف ل البري ة إلى الم وانئ المتوس طية‬
‫مث ل‪ ‬الإس كندرية‪ ‬فتنق ل بح را ً إلى أوروب ا‪ ،‬وإم ا أن تف رغ بض ائعها في‪ ‬ع دن‪ ‬ب اليمن‪ ‬ثم تنقله ا ب را ً ع بر‬
‫س احل‪ ‬ش به الجزي رة العربي ة‪ ‬م رورا ً‪ ‬بمك ة‪( ‬ال تي ك انت مرك زا ً تجاري ا ً هام ا ً) وح تى‪ ‬غ زة‪ ‬في‪ ‬فلس طين‪ ‬حيث‬
‫تت ابع بح را ً إلى أوروب ا‪ ،‬وق د ك انت تم ُُّر ّ ع بر ه ذا الطري ق أغلب البض ائع المُص َّ َّدرة إلى‪ ‬ش مال‬
‫أفريقي ا‪ ‬والأن دلس‪ ‬وأوروب ا الغربي ة‪ .‬وأم ا الطري ق الث اني فتم ُُّر ّ في ه الس فن ع بر‪ ‬الخليج الع ربي‪ ‬ح تى تف رغ‬
‫بض ائعها في مين اء الأيل ة ق ربَ ‪ ‬البص رة‪ ،‬ومن هن اك تت ابع قواف ل ال بر طريقه ا ع بر َ‪ ‬الع راق‪ ‬ثم إلى‪ ‬الش ام‪،‬‬
‫وهن اك تف رغ الحمول ة في الم وانئ المتوس طية مث ل‪ ‬عك ا‪ ‬وص ور[؟]‪ ‬وص يدا‪ ‬وب يروت‪ ‬واللاذقي ة‪ ‬وأنطاكي ا‪ ‬حيث‬
‫تُنق َل إلى أوروبا‪ ،‬وهو الطريق الذي كانت تُنق َل عبره أغلب البضائع المُص َّ َّدرة إلى‪ ‬أوروبا‬
‫الشرقية‪ ‬والجنوبية‪ ‬قادمة من‪ ‬الصين‪ ‬عبر بلاد‪ ‬ما وراء النهر‪.‬‬
‫[‪]11‬‬

‫الموارد الاقتصادية[عدل]‬

‫كان من موارد الاقتصاد الأمويّ الأساسية‪ ‬الخراج[؟]‪ ‬الذي فرضته الدولة الأموية على الأراضي‬
‫المفتوحة‪ ،‬فبدلا ً من توزيعها على الجنود أصبحت ملكا ً للدولة‪ ،‬وت ُرك َ مزارعوها يعملون بها مقابل الخراج‬
‫ال ذي يُؤ ََّدّون ه للحكوم ة‪ .‬كم ا ك ان من م وارد الدول ة الب ارزة الأخ رى‪ ‬الغن ائم‪ ،‬حيث تقض ي‬
‫أحكام‪ ‬الإسلام‪ ‬بوضع خمسها في‪ ‬بيت مال المسلمين‪ ‬وتقسيم الباقي على الجنود‪ ،‬بالإضافة إلى‪ ‬الجزية‪ ‬التي‬
‫فرضتها الدولة الأموية على أهالي المناطق المفتوحة غير المسلمين‪ ،‬حيث تلزمهم بدفع قدر من المال ق َّ َّدره‬
‫الفقه اء بـ ‪ 48‬درهم ا ً‪ ‬للأغني اء و‪ 24‬للمتوس ّ طين و‪ 12‬للفق راء الق ادرين على الكس ب‪ ،‬فيم ا ع ُفي منه ا‬
‫الشيوخ والأطفال والنساء والفقراء العاجزون عن الكسب (الذين خُصّ ص لهم عطاء من بيت المال)‪.‬‬

‫وأما من موارد الأرض فقد كان هناك‪ ‬الركاز ‪ ،‬وهو كل ما ي ُستخرج من باطن الأرض‬
‫ج من أرض خاص ة ف إن للدول ة خمس قيم ة الم واد‪،‬‬
‫مث ل‪ ‬ال ذهب‪ ‬والفض ة‪ ‬والنح اس‪ ،‬وفي ح ال اس تخر َ‬
‫وأما إن كانت أرضا ً للدولة فإن كل ريعها يكون لبيت المال‪.‬‬
‫وأيضا ً نظرا ً إلى وقوع الدولة الأموية على معظم الطرقات التجارية الأساسية في العالم القديم وسيطرتها‬
‫عليها فقد كان من مواردها المالية الأساسيات الضرائب التي فرضتها على القوافل التجارية التي تدخل‬
‫حدودها أو تخرج منها‪ .‬بلغت قيمة هذه الضرائب ربع عشر قيمة البضائع للتجار المسلمين (ما يعادل ‪1‬‬
‫من ‪ 40‬منها)‪ ،‬ونصف العشر للتجار من‪ ‬أهل الذمة‪ ‬الذين يُعدون رعايا للدولة (‪ 1‬من ‪ ،)20‬والعشر‬
‫[‪]12‬‬
‫للكفار الذين من أهل الحرب‪.‬‬

‫الأوضاع الاقتصادية[عدل]‬

‫في داخل الدولة[عدل]‬

‫ازدهرت التجارة بين مصر وجنوب وجنوب شرقي الدولة الإسلامية كثيرا ً خلال العهد الأمويّ ‪،‬‬
‫وذلك بتصدير مواد عديدة من أبرزها القمح المصري‪ .‬وبعد َ ظهور الدولة الأموية وتوسّ عها في‬
‫منطقة‪ ‬الشرق الأدنى‪ ‬عادت الحركة التجارية مع المناطق المجاورة إلى الانتعاش‪ ،‬إذ كان َت التعاملات‬
‫التجاري ة مح دودة ج دا ً بينه ا وبين من اطق نف وذ الدول ة البيزنطي ة قب ل ذل ك خلال عه د‪ ‬الإمبراطوري ة‬
‫الساس انية‪ ‬وحربه ا م ع البيزنط يين‪ ‬في‪ ‬الق رن الس ادس‪ ‬للميلاد‪ ،‬وأم ا بع د أن أص بحت أغلب من اطق‬
‫ح من الممكن للحركة التجارية‬
‫الإمبراطوريتين كلاهما جزءا ً من أراضي الدولة الأموية الشاسعة فقد أصب َ‬
‫أن تأخذ طريقها بحرية عبر َ أصقاع الدولة‪ .‬وقد كان لانفتاح الأبواب هذا أمام التجارة في أنحاء الدولة‬
‫الأموية دور ٌ كبيرا ً في إثراء مصر وازدهارها الاقتصاديّ الكبير في هذا العصر‪ ،‬والذي دام طوال‬
‫الق رنين‪ ‬الس ابع‪ ‬والث امن‪ ‬الميلاد ََّي ّين‪ ،‬وأص بحت خلال ه‪ ‬الإس كندرية‪ ‬كم ا وص فها المؤرخ ون مدين ة ع امرة‬
‫ل هذا الازدهار الاقتصاديّ أيضا ً‪ ‬بلاد الشام‪،‬‬
‫وواسعة فيها بضائع ومستوردات من كل البلاد‪ ،‬كما شم َ‬
‫فض لا ً عن‪ ‬المغ رب الع ربي‪ ‬ال ذي ك ثر في ه‪ ‬ال ذهب‪ ‬ور ُبيت في ه الكث ير من‪ ‬الخي ول‪ ‬والإب ل‪ ‬وازده رت‬
‫[‪]8‬‬
‫تجارة‪ ‬الحبوب‪ ‬التي تشتهر المنطقة بها‪.‬‬

‫ومن بين كافة مناطق الدولة الأموية الواسعة لم تشهد سوى منطقة واحدة ركودا ً وضعفا ً اقتصاد ََّي ّين في‬
‫ه ذا العص ر‪ ،‬وهي‪ ‬ش به الجزي رة الأيبيري ة‪ ‬وجن وب‪ ‬غال ة‪( ‬إس بانيا‪ ‬والبرتغ ال‪ ‬وجن وب‪ ‬فرنس ا‪ ‬حالي ا ً)‪ ،‬وذل ك‬
‫بعد أن ركدت الحركة التجارية التي كانت موجودة سابقا ً بين الموانئ الفرنسية والشامية‪ ،‬بالإضافة إلى‬
‫انخفاض الطلب على الرقيق السلافي الذي كان من أهم موارد التجارة في فرنسا‪ ،‬وبعد أن استبدل‬
‫[‪]8‬‬
‫بالرقيق‪ ‬التركي‪ ‬والأفريقي‪.‬‬

‫بلغ الاقتصاد الأمويّ ذروة ازدهاره في عهد الخليفة‪ ‬عمر بن عبد العزيز‪ ،‬حتى أنه يُحكى عن عهده أن‬
‫عمال الصدقات كانوا ي َبحثون عن فقراء ليعطوهم المال فلا يَجدون‪ .‬وقد وف ّرت الدولة في عهده للأفراد‬
‫خدمات كثيرة وساعدت على توفير العلاج وإعالة المحتاجين‪ ،‬كما ساعدت الشباب على الزواج وأعانت‬
‫[‪]1‬‬
‫من يريد تأدية‪ ‬الحج[؟]‪ ،‬وغير ذلك من الحاجات‪.‬‬

‫مع دول الجوار[عدل]‬

‫في الحقيقة فإن الفتوحات الإسلامية لم تعطل الحركة التجارية في العالم القديم‪ ،‬إنما ح ََّرّكت اتجاهها‬
‫َّ‬
‫استمَر ّت فيها الحركات التجارية‬ ‫وغيرته لتغذي الدولة نفسها أكثر من خارجها‪ .‬والمناطق الوحيدة التي‬
‫نش طة بش كل ملح وظ خ ارج الدول ة الأموي ة بع د فتوحاته ا الكب يرة هي‪ ‬بيزنط ة‪ ‬وإيطالي ا‪ ‬وبلاد الخ زر‬
‫وبشكل عام فقد كانت أغلب المبادلات التجارية في العالم القديم تدور بين أراضي الدولتين الأموية‬
‫والبيزنطية الكبيرتين المتنازعتين‪ ،‬وقد أ ََّدّت القطيعة بينهما نتيجة الحرب إلى شلل كبير في الحركة‬
‫[‪]8‬‬
‫الاقتصادية خصوصا ً في منطقة حوض المتوسط‪.‬‬

‫عقد َ الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان في سنة‪ 69 ‬هـ‪ ‬صلحا ً مع البيزنطيين التزموا بموجبه بدفع مبالغ‬
‫كبيرة من المال إلى الإمبراطور البيزنطيّ‪ ،‬حيث كان عبد الملك مشغولا ً بنزاعات الدولة الداخلية‬
‫وعاجزا ً عن الدفاع عن حدودها‪ .‬لكن عندما جاء َ وقت تأدية الأموال أرسل عبد الملك إلى‬
‫الإمبراطور جستنيان الثاني الدنانير العربية التي بدأ بضربها حديثا ً في دمشق بدلا ً مما اعتادته المنطقة من‬
‫دنانير رومانية‪ ،‬فغضب جستنيان وبدأ حربا ً ضد الأمويين‪ ،‬وقد تقل ّصت إثر َ هذه الحرب المبادلات‬
‫التجاري ة كث يرا ً بين ال دولتين‪ ،‬مث ل‪ ‬ورق ال بردي‪ ‬ال ذي أوقفت مص ر تص ديره إلى البيزنط يين‪ ،‬ونفس‬
‫الشيء في الولايات البيزنطية‪ ،‬غير أن الولايات البيزنطية في‪ ‬آسيا الصغرى‪ ‬رفض ت موق ف الإمبراطور‬
‫[‪]8‬‬
‫ولم تلتزم بالمقاطعة فاستمر ّت بتصدير‪ ‬الخشب‪ ‬إلى مصر كما في السابق‪.‬‬

‫ولاحقا ً زادت المقاطعة أكثر‪ ،‬ففي‪ ‬القرن الثامن‪ ‬الميلادي دخلت الإمبراطورية البيزنطية في قطيعة‬
‫كاملة مع الدولة الأموية وحظرت تصدير كافة أشكال السلع التجارية إليها‪ ،‬وذلك على ُّ‬
‫الُر ّغم من أن‬
‫الأمويين لم يردوا على ذلك بأي إجراءات‪ .‬ومع الوقت ازدادت سيطرة البيزنطيين على الحركة التجارية‬
‫في المنطق ة‪ ،‬وتمكّنت أس اطيلهم البحري ة من الهيمن ة على الحرك ة البحري ة عس كريا ً وتجاري ا ً في‪ ‬البح ر‬
‫الأبيض المتوس ط‪ ‬والبح ر الأس ود‪ ‬خلال ف ترات كب يرة من الق رن الث امن‪ ،‬خصوص ا ً بع د‪ ‬حمل ة‬
‫القسطنطينية‪ ‬التي استنفذت أساطيل الدولة البحرية كثيرا ً وأنهكتها‪ ،‬ولم تلتئم القوة البحرية الأموية من‬
‫جراح هذه الحملة حتى عهد‪ ‬هشام بن عبد الملك‪ ‬في منتصف القرن الثامن‪ .‬منذ ثلاثينيات هذا القرن‬
‫بدأ البحر المتوسط بالانقسام إلى شطرين منفصلين معزولين عن بعضهما تجارياً‪ ،‬واحد تحتَ السيطرة‬
‫الإسلامية والآخر تحتَ السيطرة البيزنطية‪ ،‬وذلك نتيجة للحرب بين الأمتين‪ .‬ويعتبر المؤرخون أن‬
‫الإمبراطورية البيزنطية كانت تستخدم العزلة الاقتصادية كسلاح ضد عدوّتها الدولة الأموية لإنهاكها‬
‫[‪]8‬‬
‫وهزمها في الحرب‪.‬‬

‫المراجع[عدل]‬

‫↑‪ ‬تعدى إلى الأعلى ل‪ :‬أ ‪ ‬ب ‪ ‬ت ‪ ‬موسوعة سفير للتاريخ الإسلاميّ‪ ،‬الجزء الثاني "العصر الأموي"‪،‬‬ ‫‪.1‬‬

‫ص‪ .82‬دار سفير‪ ،‬سنة ‪.1996‬‬


‫^‪ ‬موسوعة سفير للتاريخ الإسلاميّ‪ ،‬الجزء الثاني "العصر الأموي"‪ ،‬ص‪ .88-82‬دار‬ ‫‪.2‬‬

‫سفير‪ ،‬سنة ‪.1996‬‬


‫↑‪ ‬تعدى إلى الأعلى ل‪ :‬أ ‪ ‬ب ‪ ‬ت ‪ ‬الزراعة عند العرب‪ .‬موقع أرض الحضارات‪ .‬تاريخ الولوج ‪-05‬‬ ‫‪.3‬‬

‫‪ .2012-05‬نسخة محفوظة‪ 02 ‬أكتوبر ‪ 2017‬على موقع‪ ‬واي باك مشين‪.‬‬


‫ل‪ :‬أ ‪ ‬ب ‪ ‬موسوعة سفير للتاريخ الإسلاميّ‪ ،‬الجزء الثاني "العصر الأموي"‪،‬‬ ‫تعدى إلى الأعلى‬
‫↑‪ ‬‬ ‫‪.4‬‬

‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.85‬‬


‫ل‪ :‬أ ‪ ‬ب ‪ ‬ت ‪ ‬ث ‪ ‬الزراعة والتجارة في العصر الأموي‪ .‬موقع قصة‬ ‫الأعلى‬ ‫إلى‬ ‫تعدى‬
‫↑‪ ‬‬ ‫‪.5‬‬

‫الإسلام‪ ،‬لراغب السرجاني‪ .‬تاريخ النشر ‪ .2010-04-28‬تاريخ الولوج ‪ .2012-05-05‬نسخة‬


‫محفوظة‪ 17 ‬نوفمبر ‪ 2016‬على موقع‪ ‬واي باك مشين‪.‬‬
‫^‪ ‬الحياة الاقتصادية في الخلافة الأموية‪ .‬موقع قصة الإسلام‪ ،‬لراغب السرجاني‪ .‬تاريخ‬ ‫‪.6‬‬

‫النش ر ‪ .2006-05-01‬تاريخ الولوج ‪ .2012-05-09‬نس خة محفوظة‪ 13 ‬ديس مبر ‪ 2016‬على‬


‫موقع‪ ‬واي باك مشين‪.‬‬
‫^‪ ‬الحياة الاقتصادية في الخلافة الأموية[وصلة مكسورة]‪ .‬تاريخ الولوج ‪.2012-05-05‬‬ ‫‪.7‬‬

‫ل‪ :‬أ ‪ ‬ب ‪ ‬ت ‪ ‬ث ‪ ‬ج ‪ ‬ح ‪ [ ‬حوض البحر المتوسط‪ :‬صراع تجاري بين بيزنطية‬ ‫تعدى إلى الأعلى‬
‫↑‪ ‬‬ ‫‪.8‬‬
‫‪ ‬مراجعة مرجع‬
‫والعرب]‪ .‬موقع الحكواتي‪ .‬تاريخ الولوج ‪.2012-05-05‬‬
‫^‪ ‬موسوعة سفير للتاريخ الإسلاميّ‪ ،‬الجزء الثاني "العصر الأموي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪.9‬‬

‫‪.86‬‬
‫^‪ ‬موس‬ ‫‪.10‬‬

You might also like