You are on page 1of 276

‫َات خ َِط َر ٌة‬

‫عنوان الكتاب ‪َ :‬عالق ٌ‬


‫املؤلف ‪ :‬د‪ُ .‬م َح َّمد طهَ‬
‫املراجعة اللغوية ‪ :‬عبد الهادي عباس‬
‫تصميم الغالف واإلخراج الداخيل ‪:‬‬
‫رشا عبدالله‬
‫رقم اإليداع ‪2016 / 23244 :‬‬
‫ردمك ‪978-977-6549-18-0 :‬‬
‫الطبعة الثانية‪ :‬مايو ‪2017‬‬

‫املدير العام ‪ :‬هاله البشبييش‬


‫املدير التنفيذي ‪ :‬رشيف الليثي‬

‫جميع حقوق الطبع والنرش محفوظة للدار‬


‫ات َ‬
‫خ ِط َرةٌ‬ ‫َع َ‬
‫الق ٌ‬
‫م َّمد َطه‬
‫د‪َ ُ .‬‬
‫د‪ .‬حممد طه صديق‬

‫الطــب ال َّنفــي‪ -‬كليــة الطــب‪ -‬جامعــة‬


‫ِّ‬ ‫ •استشــاري و ُمــد ِّرس‬
‫املنيــا‪ -‬مــر‬
‫ •نائــب رئيــس الجمعيــة املرصيــة للعــاج النفــي الجمعــي‬
‫(ســابقًا)‬
‫ •زميل الكلية امللكية الربيطانية لألطبا ِء النفسيني‬
‫ •عضو الجمعية األمريكية للعالج النفيس الجمعي‬
‫ •عضو الجمعية العاملية للعالج النفيس الجمعي‬
‫ـات و ُرؤى‬
‫ـادات وتحليـ ٌ‬
‫ـاب هــو اجتهـ ٌ‬ ‫ـوب يف هــذا الكتـ ِ‬ ‫ك ُُّل مــا هــو مكتـ ٌ‬
‫شــخصية بحتــة‪ ،‬مبني ـ ٌة عــى تجربتــي الحيات َّيــة الخاصــة (كإنســان)‪،‬‬
‫(كطبيــب‬
‫ٍ‬ ‫وعــى خــريت العلم َّيــة والتعليم َّيــة والعالج َّيــة املتواضعــة‬
‫نفــي وعضــو هيئــة تدريــس جامعــي)‪..‬‬
‫كل كلمـ ٍة هنــا تحتمـ ُـل الخطــأ َّ‬
‫والصــواب‪ ..‬وتخضـ ُـع للنقــد والتفنيــد‪..‬‬ ‫ُّ‬
‫ـدف ســوى نــر التوعيــة‬ ‫أي هـ ٍ‬
‫ويُؤخــذ منهــا ويُــرد عليهــا‪ ..‬وليــس لهــا ُّ‬
‫اجتهــدت يف‬
‫ُ‬ ‫ومفــردات بســيط ٍة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫النفســ َّية باســتخدام لغــ ٍة ســهل ٍة‬
‫فهمها واستيعابها وتوصيلها قدْ ر املُستطاع‪ .‬‬
‫ ‬
‫ُم َح َّمد طه‬

‫‪5‬‬
‫إهداء‪..‬‬

‫إىل‬
‫كريم‪..‬‬
‫ وإىل سلمى‪..‬‬

‫لكما كل عمرى‪ ..‬وحياتى‪ ..‬ورحلتى‪..‬‬

‫‪7‬‬
‫ال ِف ْه ِرس‬

‫‪13‬‬ ‫املقدمة‬
‫‪19‬‬ ‫اسمع جسمك‬ ‫‪-1‬‬
‫‪31‬‬ ‫يا رجال‪ ..‬ما تحرموش نفسكم من أنوثتكم‬ ‫‪-2‬‬
‫‪45‬‬ ‫التالتة اليل عايشني جواك‬ ‫‪-3‬‬
‫‪59‬‬ ‫إنت شايفني؟‬ ‫‪-4‬‬
‫‪67‬‬ ‫إوعى تلبس‬ ‫‪-5‬‬
‫‪75‬‬ ‫أنا إنتي؟‬ ‫‪-6‬‬
‫‪83‬‬ ‫انتبه‪ ..‬أنت ترجع إىل الخلف‬ ‫‪-7‬‬
‫‪91‬‬ ‫أنا بعشق البحر‬ ‫‪-8‬‬
‫‪99‬‬ ‫أنت تكرهني‪ ..‬إذن أنا موجود‬ ‫‪-9‬‬
‫‪109‬‬ ‫كرباج (الزم)‪ ..‬وحبل (املفروض)‬ ‫‪-10‬‬
‫‪115‬‬ ‫الحزن األزرق الدايف‬ ‫‪-11‬‬
‫‪131‬‬ ‫قبول املوت‪ ..‬حياة‬ ‫‪-12‬‬
‫‪143‬‬ ‫ثقوب نفسية‬ ‫‪-13‬‬

‫‪9‬‬
ً
‫‪236‬‬ ‫‪1818‬العالقة مع مجموعة‬
‫‪239‬‬ ‫‪1919‬عالقة كبش الفداء‬
‫‪241‬‬ ‫‪2020‬عالقة تحقيق النبوءة‬
‫‪243‬‬ ‫‪2121‬عالقة البلع‬
‫‪245‬‬ ‫‪2222‬العالقة مع شخص انطوايئ‬
‫‪247‬‬ ‫‪2323‬العالقة مع نسخة قدمية من نفس الشخص‬
‫‪249‬‬ ‫‪2424‬عالقتك بدورك يف املجتمع‬
‫‪253‬‬ ‫‪2525‬العالقة مع شخص مستغل‬
‫‪255‬‬ ‫‪2626‬عالقة التقمص اإلسقاطي‬
‫‪258‬‬ ‫‪2727‬عالقة الزواج‬
‫‪262‬‬ ‫‪2828‬العالقة الجنسية‬
‫‪266‬‬ ‫‪2929‬إيه فيك اليل بيعمل عالقة؟‬
‫‪269‬‬ ‫‪3030‬العالقة الحقيقية‬

‫‪11‬‬
‫ُمقدِّمة‬

‫ُممكن تكون أعقد حاجة يف الدنيا هي العالقات بني البرش‪..‬‬


‫مش بس أعقد‪ ..‬ال‪ ..‬هي كامن أخطر‪ ،‬وطب ًعا أصعب‪..‬‬
‫العالقــات بــن البــر زي مــا هــي أحــد األســباب املهمــة للســعادة‬
‫والبهجــة واإلقبــال عــى الحيــاة‪ ..‬ســاعات بتكــون أحــد أهــم مصــادر‬
‫التعاســة واألمل‪ ..‬ممكــن عالقــة تطلعــك ســابع ســا‪ ،‬وعالقــة تانيــة‬
‫تنزلــك ســابع أرض‪ ..‬الــي بيبــوظ ويشــوه ويــؤذي النــاس عالقــة‪..‬‬
‫والــي بيصلــح ويغــر ويعالــج النــاس برضــه عالقــة‪ ..‬إحنــا بنكــر مــن‬
‫خــال عالقاتنــا مــع بعــض‪..‬‬
‫فيــه دراســة اتعملــت يف جامعــة هارفــارد واتنــرت قريــب‪ ..‬الدراســة‬
‫دي اســتمرت ‪ 75‬ســنة‪ ،‬أجيــال مــن الباحثــن وأجيــال مــن البــر‪..‬‬
‫كانــوا بيشــوفوا هــو إيــه الــي فــرق يف حيــاة النــاس بعــد الســنني‬
‫الطويلــة الــي عاشــوها هــا وأوالدهــم وأحفادهــم‪ ..‬معظمهــم‬
‫كانــوا متصوريــن يف األول إن الــي هايفــرق يف حياتهــم هــو الفلــوس‬
‫والشــهرة وغريهــا‪..‬‬

‫‪13‬‬
‫بــس اكتشــف الباحثــون يف آخــر الدراســة إن أكــر حاجــة فرقــت‬
‫يف صحــة النــاس النفســية والجســدية‪ ،‬وطــول أعامرهــم ومــدى‬
‫ســعادتهم وقدرتهــم عــى مقاومــة األم ـراض واألح ـزان والشــيخوخة‬
‫وغريهــا‪ ..‬هــي وجــود عالقــات طيبــة يف حياتهــم‪ ..‬عالقــات فيهــا قــرب‬
‫وحــب وتراحــم وتفاهــم‪ ..‬عالقــات كان الطــرف التــاين فيهــا متــاح‬
‫وموجــود يف عــز األوقــات الصعبــة‪ ..‬وعــى العكــس‪ ..‬النــاس الــي مــا‬
‫كانــش عندهــم عالقــات بالشــكل ده يف حياتهــم‪ ..‬أعامرهــم كانــت‬
‫أقــر‪ ..‬نســبة إصابتهــم باألم ـراض املختلفــة كانــت أكــر‪ ..‬قدرتهــم‬
‫عــى تحمــل األمل النفــي والجســدي كانــت أقــل‪ ..‬وجالهــم كــان‬
‫ألزهاميــر يف شــيخوختهم‪..‬‬
‫العالقــات الطيبــة هــي أكســر الحيــاة‪ ..‬وهــي الرتيــاق الوحيــد ضــد‬
‫الذبــول الروحــي‪ ..‬واملــوت النفــي‪..‬‬
‫يف كتــاب (عالقــات خطــرة) هانتكلــم عــن أنــواع وأشــكال كتــر مــن‬
‫العالقــات‪ ..‬بــد ًءا مــن عالقتــك بنفســك‪ ..‬وانتهــاء بعالقتــك بــكل الــي‬
‫حواليــك‪ ..‬علشــان كــده الكتــاب مقســم إىل خمســة أقســام‪..‬‬
‫القســم األول (الفصــول مــن ‪ 1‬إىل ‪ )3‬يخــص تركيبتــك أنــت شــخص ًّيا‪..‬‬
‫الــي مهــم تعرفهــا وتبقــى واعــي بيهــا قبــل مــا تعمــل أي عالقــة مــع‬
‫أي حــد‪ ..‬هانتكلــم عــن عالقتــك بجســمك‪ ..‬وعــن تكوينــك النفــي‬
‫الرجــويل واألنثــوي‪ ..‬وعــن التــات أشــخاص الــي عايشــن جــواك‪..‬‬
‫القســم التــاين (الفصــول مــن ‪ 4‬إىل ‪ )6‬عــن بعــض الحاجــات املهمــة‬
‫جــدًّ ا يف عالقتــك باآلخريــن‪ ..‬هــو إنــت يف العالقــة دي بتكــون نفســك‬
‫والــا بتكــون حــد تــاين؟ طيــب هــو إنــت شــايف الــي قدامــك زي مــا‬
‫هــو والــا بتتعامــل مــع حــد غــره يف صورتــه؟ طيــب الــي قدامــك‬
‫نفســه بيتعامــل معــاك كــا أنــت‪ ،‬والــا بيلبســك صــورة حــد غــرك؟‬

‫‪14‬‬
‫القســم التالــت (الفصــول مــن ‪ 7‬إىل ‪ )10‬هانشــوف فيــه نتيجــة‬
‫اضط ـراب ولخبطــة بعــض عالقاتنــا مــع اآلخريــن‪ ..‬خاصــة القريبــن‬
‫مننــا‪ ..‬وإزاي ده ممكــن يخلينــا نرجــع يف تاريخنــا النفــي للخلــف‬
‫بحثًــا عــن لحظــ ٍة واحــد ٍة كنــا حاســن فيهــا باألمــان‪ ،‬أو نغــرق يف‬
‫خيــاالت وأوهــام أو أفــكار ووســاوس مالهــاش أي عالقــة بالواقــع‪ ،‬أو‬
‫نتمنــى حتــى الرجــوع للرحــم وحيــاة الجنــن علشــان ننفصــل عــن‬
‫الدنيــا‪ ،‬ونبعــد عــن أذى النــاس‪.‬‬
‫القســم الرابــع (الفصــول مــن ‪ 11‬إىل ‪ )19‬عــن التغيــر‪ ..‬عــن الشــفاء‬
‫وااللتئــام النفــي‪ ..‬عــن قبــول كل مشــاعرك وأجـزاءك مــن غــر نقــص‬
‫أو تشــويه أو اختـزال‪ ..‬عــن قبــول الحيــاة وقبــول املــوت‪ ..‬عــن امتــاء‬
‫كل الفراغــات النفســية الــي جــواك‪ ..‬والخــروج مــن الصنــدوق الضيق‬
‫املظلــم املغلــق عليــك مــن ســنني‪ ..‬عــن إنــك تكــون نفســك‪ ..‬وتســيب‬
‫كــان أثــر ط ِّيــب وراك‪ ..‬وطب ًعــا التغيــر ده مــش هايحصــل مــن‬
‫غــر مــا تشــوف الصــورة الكاملــة لــكل الــي فــات مــن حياتــك قــدام‬
‫عينيــك‪ ،‬وتقــرر إنــك تفضــل طــول عمــرك يف جهــاد نفــي رشيــف ال‬
‫يتوقــف‪ ،‬يف مواجهــة كل مــا قــد يصيــب نفســك بســوء‪ ..‬حتــى لــو‬
‫كانــت جيناتــك‪..‬‬
‫وأخـ ًرا‪ ..‬وبعــد مــا شــوفت وحســيت واتحركــت واتغــرت‪ ..‬وبعــد مــا‬
‫اتفكيــت واتج َّمعــت واتلملمــت والتأمــت‪ ..‬هانســتعرض يف الفصــل‬
‫العرشيــن واألخــر بعــض أنــواع وأشــكال العالقــات الــي مهــم تاخــد‬
‫بالــك منهــا يف رحلــة حياتــك‪ ..‬علشــان تبقــى واعــي بيهــا‪ ،‬وتعــرف‬
‫تلقطهــا وتشــوفها كويــس‪ ،‬وتحمــي نفســك منهــا بــكل شــجاعة‬
‫ومســئولية‪ ..‬مهــا كان التمــن‪..‬‬

‫‪15‬‬
‫الكتــاب عبــارة عــن وجبـ ٍة نفســي ٍة دســم ٍة‪ ،‬يُفضــل تناولها عــى فرت ٍ‬
‫ات‪،‬‬
‫ـات مناســب ٍة‪ ..‬ولــو حســيت يف أي لحظــة مبشــاعر زيــادة مــش‬ ‫وبجرعـ ٍ‬
‫عــارف تتــرف فيهــا‪ ،‬أو لقيــت جــواك أســئلة صعبــة مــش القــي‬
‫ليهــا إجابــة‪ ،‬أو اكتشــفت إن عنــدك مشــكلة نفســية محتاجــة عــاج‪..‬‬
‫أنصحــك وقتهــا إنــك تقعــد تفضفــض مــع أقــرب طبيــب نفــي‪ ..‬زي‬
‫مــا بيحصــل يف كل دول العــامل املتقــدم‪.‬‬
‫وزي كتــاب (الخــروج عــن النــص) الــي مــا كنتــش متوقــع نجاحــه‬
‫الكبــر وال متصــور انتشــاره الواســع‪( ..‬عالقــات خطــرة) مكتــوب‬
‫بالعام َّيــة املرصيَّــة‪ ،‬للتبســيط وال َّتيســر‪ ،‬وتوصيــل األفــكار واملعلومــات‬
‫النفســ َّية العميقــة واملُعقــدة يف بعــض األحيــان‪ ،‬باســتخدام لغــ ٍة‬
‫ـردات بســيط ٍة وقريبــة‪ ..‬أنــا بكتبلــك وكأىن قاعــد معــاك‪..‬‬
‫ســهل ٍة ومفـ ٍ‬
‫وبكلمــك بنفــس طريقتــى‪ ،‬ونفــس لهجتــى‪ ،‬ونفــس كالمــى‪..‬‬

‫عــاوز أقولكــم حاجــة مهمــة‪ ..‬كل الفضــل ىف هــذا الكتــاب وىف كل مــا‬
‫ســبقه أو تــاه مــن كتــب أو مقــاالت أو محــارضات يرجــع للراجــل‬
‫الــى علمنــى وربــاىن وســاعدىن إىن أتغــر خطــوة ورا خطــوة ويــوم‬
‫بعــد يــوم‪ ..‬الراجــل الــى علــم آالف النــاس غــرى‪ ،‬وعالــج آالف‬
‫أخــرى بأشــكال وطــرق مختلفــة مبــارشة وغــر مبــارشة‪ ..‬وصنــع حركــة‬
‫علميــة عالجيــة نفســية حقيقيــة وعميقــة ىف مــر والعــامل العــرىب‬
‫خــال الــكام ســنة الــى فاتــوا‪ ..‬وأنــا ‪-‬فقــط‪ -‬أحــد نواتجهــا‪ ،‬ولســت‬
‫أحســنها‪ ..‬الراجــل ده أنــا مديــن ليــه بعمــرى وحيــاىت وعلمــى وكل‬
‫عمــى الحقيقــي الطيــب‪ ..‬ألىن اتعلمــت منــه يعنــى إيــه حيــاة‪،‬‬
‫ويعنــى إيــه علــم‪ ،‬ويعنــى إيــه عمــل‪..‬‬

‫‪16‬‬
‫كل مــا تقــروا كلمــة مــن كالمــى أو تســمعوا منــى محــارضة أو نــدوة‬
‫أو لقــاء ىف أى ســياق‪ ..‬اعرفــوا إىن بالظبــط زى (البوســطجى)‪ ..‬مــش‬
‫باعمــل أى حاجــة أكــر مــن إىن أوصــل رســالة مــن صاحبهــا إىل‬
‫مســتقبلها‪ ..‬وافتكــروا إن الصاحــب الحقيقــي واألصيــل لــكل الرســايل‬
‫الــى بوصلهــا اســمه (د‪ .‬رفعــت محفــوظ)‪ ..‬أســتاذى وأىب الروحــى‪..‬‬
‫الــى قالــى ىف يــوم مــن األيــام "لو عــاوز تــرد ىل الجميــل‪ ..‬علــم الناس‬
‫الــى أنــا علمتهولــك"‪ ..‬والــى أحــد أهــم مبادئــه ىف التعليــم والعــاج‪:‬‬
‫"أنــا مصــدق إن أى حــد مــن الــى بعلمــه أو أعالجــه هايكــون ىف يــوم‬
‫مــن األيــام أحســن منــى‪ ..‬وده نجاحــى الحقيقــي"‪ ....‬احفظــوا االســم‬
‫ده كويــس‪ ..‬و ادعولــه بــكل خــر‪..‬‬

‫أخرياً‪..‬‬
‫الكتاب ده عنك‪..‬‬
‫وعن اليل حواليك‪..‬‬
‫وعن اليل بينكم‪..‬‬
‫الكتاب ده‪ ..‬مش ها يفارقك‪..‬‬
‫ألنه بكل بساطة‪..‬‬
‫ها يبقى حتة منك‪..‬‬
‫واحتامل تكتشف مع آخر صفحاته‪..‬‬
‫إنك شاركت يف كتابته‪..‬‬
‫يا لال بينا‪..‬‬

‫‪17‬‬
‫(‪)1‬‬

‫امسع جسمك‬

‫‪19‬‬
‫(‪)1‬‬

‫بتحب جسمك؟‬
‫سؤال غريب‪ ..‬مش كده؟‬
‫غال ًبا أول مرة حد يسألهولك‪..‬‬
‫بالرغــم مــن إنــه رفيــق عمــرك وصاحبــك مــن يــوم مــا اتولــدت‪..‬‬
‫وبالرغــم مــن إنــك ســاكن فيــه حتــى مــن قبــل مــا تتولــد‪ ..‬وبالرغــم‬
‫مــن إنــه يامــا شــاف واســتحمل معــاك!‬
‫بتحبه؟‬
‫طيب بتكرهه؟‬
‫قابله؟‬
‫مش قابله؟‬
‫بتحرتمه؟‬
‫بتحتقره؟‬
‫بتهتم بيه؟‬
‫بتهمله؟‬
‫والال أقولك‪ ..‬بالش إنت‪ ..‬خلينا فييك إنتي‪..‬‬
‫حاسة بجسمك؟‬
‫حاسة بوجوده؟‬
‫حاسة إنه جزء منك وإنك جزء منه؟‬
‫‪21‬‬
‫حاســة إنــه بينتمــي ليــي وإنــك بتنتمــي ليــه؟ والــا بتتعامــي معــاه‬
‫عــى إنــه حاجــة طالعالــك كــده ومضطــرة تتعايــي معاهــا؟‬
‫حاسة إنه فخر ونعمة وجامل والال بالء ونقمة وعار؟‬
‫إمتى آخر مرة سمعتيه؟‬
‫أو إمتى آخر مرة حاورتيه وأخديت وإديتي معاه؟‬
‫نجيب من اآلخر؟‬
‫هو فيه عالقة بينك وبني جسمك من أصله؟‬
‫طيب‪..‬‬
‫خالص‪..‬‬

‫(‪)2‬‬
‫جسمك أصدق منك‪..‬‬
‫آه‪ ..‬يعنــي ممكــن بــكل بســاطة تقــول بالــكالم إنــك مطمــن بــس‬
‫رجلــك الــي بتتهــز عــال عــى بطــال تقــول يف نفــس الوقــت إنــك‬
‫مليــان خــوف‪ ..‬ممكــن لســانك يقــول (صبــاح الخــر) بــس وشــك‬
‫املكــر بيقــول (صبــاح الــر)‪ ..‬ممكــن تدَّ عــي إنــك واثــق جــدًّ ا‬
‫مــن نفســك‪ ..‬لكــن هــزة صوتــك ورعشــة إيــدك تفضحــك‪ ..‬علشــان‬
‫أي تواصــل بينــك وبــن حــد‪ ،‬الــكالم مــش بيوصــل فيــه أكــر مــن‬
‫‪ 7‬يف امليــة بــس مــن الرســالة‪ ..‬وكل الباقــي بيوصــل بالطريقــة الــي‬
‫اتكلمــت بيهــا‪ ،‬ووضــع وحركــة وتعب ـرات جســمك وإنــت بتتكلــم‪..‬‬
‫تصــور!‬

‫‪22‬‬
‫ســيجموند فرويــد قعــد أكــر مــن ‪ 30‬ســنة يحلــل يف النــاس عــن‬
‫طريــق الــكالم الــي بيقولــوه وهــا ممدديــن قدامه عــى الشــيزلونج‪..‬‬
‫واكتشــف يف آخــر حياتــه إن بعــض الــي كان بيحكهولــه مرضــاه‬
‫ومريضاتــه عــن صدماتهــم الجنســية يف طفولتهــم كان محــض خيــال‪..‬‬
‫وبعدهــا بــدأ األملــاين (فريتــز بريلــز) يــد َّور عــى مصــدر أصــدق‬
‫مــن الــكالم ملعرفــة تركيبــة النفــس البرشيــة ومحتوياتهــا وأمراضهــا‬
‫وعالجهــا‪ ..‬لغايــة مــا لقــى ضالتــه يف (الجســد)‪ ..‬ولغتــه‪ ..‬ومعناهــا‪..‬‬
‫وعمــل مدرســة كاملــة يف العــاج النفــي اســمها (الجيشــتالت)‪.‬‬
‫واكتشــف (بريلــز) إن كتــر مننــا‪ ،‬كالمهــم منفصــل عــن جســمهم‪،‬‬
‫منفصــل عــن مشــاعرهم‪ ،‬منفصــل عــن أفكارهــم‪ ..‬يعنــي كالمــك يف‬
‫حتــة‪ ،‬وجســمك يف حتــة تانيــة‪ ،‬ومشــاعرك يف حتــة تالتــة‪ ،‬وأفــكارك يف‬
‫حتــة رابعــة‪ ..‬وكل حاجــة منهــم بتقــول معنــى غــر التــاين‪ ،‬وماشــية يف‬
‫اتجــاه غــر التــاين‪ ،‬وغال ًبــا مــش بيتقابلــوا‪ ..‬وإننــا لــو عاوزيــن نكــون‬
‫أصحــاء نفســ ًّيا‪ ..‬يبقــى مهــم إن الــي أفكــر فيــه‪ ،‬ميــي مــع الــي‬
‫حاســه‪ ،‬وإن الــي بقولــه بلســاين يكــون هــو الــي بقولــه بجســمي‪..‬‬
‫يعنــى أكــون كل واحــد صحيــح‪ ..‬مــش أجـزاء متفرقــة‪ ..‬كل جــزء فيهم‬
‫شــغال لوحــده‪ ..‬وعايــش مــع نفســه‪ ..‬ومــا لهــوش دعــوة بغــره‪..‬‬
‫(بريلــز) كان بيعالــج مرضــاه بإنــه يعرفهــم عــى جســمهم مــن أول‬
‫وجديــد‪ ..‬ويصالحهــم عليــه‪ ..‬ويرجعلهــم الــي فقــدوه منــه ومــن‬
‫نفســهم خاللــه (وطلــع بعدهــا العــاج بالحركــة والعــاج بالرقــص‬
‫والعــاج بالفنــون التعبرييــة)‪..‬‬
‫كان بيسألهم ويخليهم يسألوا نفسهم‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫جسمك بيقول إيه؟‬
‫جسمك عاوز يعمل إيه؟‬
‫جسمك ملك مني؟‬
‫جسمك ملك مني؟‬
‫جسمك ملك ميييييييني؟‬
‫تيجي تسأل نفسك السؤال ده‪ ..‬اسأل كده‪ :‬جسمي ملك مني؟‬
‫احتــال تكتشــف إنــك عشــت طــول عمــرك مســلم عقــد ملكيــة‬
‫جســمك لحــد تــاين‪ ..‬أبــوك‪ ..‬أمــك‪ ..‬املجتمــع‪ ..‬جــوزك‪ ..‬النــاس الــي‬
‫ماشــية يف الشــارع!!‬

‫(‪)3‬‬
‫مــا تســتغربش ملــا أقولــك إن جســمك ده فيــه متحــف حفريــات؟ آه‪..‬‬
‫جســمك فيــه متحــف حفريــات‪ ..‬مليــان تحــف غاليــة ومتاثيــل قدميــة‬
‫ولوحــات مــن عصــور ســابقة‪..‬‬
‫إزاي؟‬
‫كل مــرة كنــت راجــع مــن اللعــب يف الشــارع ورجلــك مــش نضيفــه‬
‫ومامتــك وقفتــك عــى البــاب وقالتلــك‪" :‬إوعــى تــدوس عــى‬
‫الســجادة"‪ ..‬رجلــك خزنــت الطاقــة الــي كانــت فيهــا واحتفظــت بيهــا‬
‫لغايــة النهــاردة‪..‬‬

‫‪24‬‬
‫كل مــرة كنــت هامتــد فيهــا إيــدك عــى األكل وإنــت يف زيــارة مــع‬
‫عيلتــك لحــد‪ ،‬وأبــوك بصلــك البصــة الــي نشــفت إيــدك مكانهــا‪..‬‬
‫عضــات إيــدك قــررت تفضــل فاكــرة الذكــرى دي لغايــة دلوقــت‪..‬‬
‫كل مــرة جيتــي تلبــي الفســتان وتوريــه ملامتــك (وإنتــي عنــدك‬
‫خمــس ســنني) وقالتلــك عيــب يــا بنــت ده ضهــره عريــان‪ ..‬ضهــرك‬
‫لســه فاكرهــا‪..‬‬
‫كل مــرة حبيتــي تكتشــفي أي حتــة يف جســمك (وإنتــي عنــدك تــات‬
‫ســنني)‪ ،‬وأخــديت قلــم محــرم عــى وشــك‪ ..‬عضــات وشــك مــش‬
‫ناســياها‪..‬‬
‫كل مــرة حــد حــاول يقــرب مــن جســمك بشــكل غريــب وغــر مريــح‪..‬‬
‫جســمك حافظهــا بــكل تفاصيلها‪..‬‬
‫ومتــر األيــام‪ ..‬وتعــدي الســنني‪ ..‬ونكــر‪ ..‬وكل حتــة يف جســمنا فيهــا‬
‫ذكــرى‪ ..‬وكل خليــة فيهــا حكايــة‪ ..‬وكل منطقــة ليهــا تاريــخ‪ ..‬وكل‬
‫واحــد وحظــه‪ ..‬وكل واحــد وطريقــة تعبــر جســمه عــن ذكرياتــه‬
‫وآالمــه القدميــة‪..‬‬
‫الــي يجيلــه قولــون عصبــي‪ ..‬والــي يحصلــه صــداع مزمــن‪ ..‬والــي‬
‫طريقــة مشــيته كأنــه متخشــب‪ ..‬والــي إيــده ترتعــش قــدام النــاس‪..‬‬
‫الــي تكــره جســمها فتهينــه وتبهدلــه وتعرضــه للبيــع‪ ..‬والــي ترفضــه‬
‫فتســيبه يزيــد ويتنفــخ‪ ..‬الــي تحتقــره فتبطــل تــاكل أو تتقيــأ األكل‬
‫الــي بتاكلــه‪ ..‬والــي مــش طايقــاه ومــش طايقــة فيــه نفســها فتقطعــه‬
‫باملــرط أو تخربشــه بضوافرهــا لغايــة مــا يســيل دم‪..‬‬

‫‪25‬‬
‫والــي تقــرر تنتقــم مــن كل الــي أذوهــا طــول حياتهــا‪ ،‬بأنهــا تنتقــم‬
‫منهــم يف جســمها‪ ،‬وتنقــل معركتهــا معاهــم ألرضــه‪..‬‬
‫الــي مــش شــايفة جاملهــا‪ ،‬والــي مــش مصدقــاه‪ ،‬والــي مســتكرتاه‬
‫عــى نفســها‪ ..‬الــي بتتكســف مــن جســمها‪ ،‬والــي مــش حاســة بيــه‪،‬‬
‫والــي بتســتغربه‪..‬‬
‫الــي شــعرها يســقط بــدون أي ســبب طبــي واضــح‪ ..‬أو دورتهــا‬
‫الشــهرية تتلخبــط بــدون أي تفســر‪ ..‬أو برشتهــا تقــوم بثــورة عليهــا‪..‬‬
‫أو تتجنــن لــو وزنهــا زاد كام ج ـرام‪..‬‬
‫الــي يجيلــه حساســية جلديــة مــن غــر تفســر‪ ..‬والــي يحصلــه‬
‫آالم مزمنــة يف كل حتــة يف جســمه رغــم كل الفحوصــات والتحاليــل‬
‫الســليمة‪ ..‬والــي وشــه يتمــى تجاعيــد قبــل األوان‪ ..‬ويف اآلخــر‪ ..‬الــي‬
‫جســمه يقــرر يخونــه ويقــع ويهــدم نفســه بنفســه بجلطــة يف املــخ أو‬
‫مبــرض مــن أم ـراض (املناعــة الذاتيــة)‪..‬‬
‫جسمك مش بينىس‪..‬‬
‫جسمك بيفتكر كل حاجة‪..‬‬
‫جسمك له كيان‪ ..‬وله وجود‪ ..‬وله ذاكرة‪..‬‬
‫جسمك له هيبة‪..‬‬
‫جسمك‪..‬‬
‫له‪..‬‬
‫هيبة‪..‬‬

‫‪26‬‬
‫(‪)4‬‬
‫مــن أكــر األمــراض النفســية املنتــرة يف مــر نــوع منهــا اســمه‬
‫(األم ـراض النفــس‪ -‬جســدية)‪ ..‬يعنــي األم ـراض الــي فيهــا املريــض‬
‫بيشــتيك بأعــراض جســانية‪ ،‬لكــن ســببها الحقيقــي نفــي مــش‬
‫عضــوي‪..‬‬
‫األمـراض دي بتنتــر يف بعــض املجتمعــات الــي بيكــون فيهــا التعبــر‬
‫عــن األمل النفــي أو املشــاعر النفســية الحقيقيــة غــر مقبول‪ ..‬علشــان‬
‫عيــب‪ ..‬أو غلــط‪ ..‬أو محــن‪ ..‬أو قلــة أدب‪ ..‬فيضطــر الجســم شــخص ًّيا‬
‫إنــه يعــر عــن األمل النفــي‪ ..‬بــس بلغتــه الخاصــة‪..‬‬
‫كتــر أوى مــن األطبــاء املرصيــن يف جميــع التخصصــات تقري ًبــا‬
‫بيالحظــوا ظاهــرة شــهرية جــدًّ ا يف العيــادات واملستشــفيات‪ :‬إن العيــان‬
‫مــش بيخــف (رغــم صحــة التشــخيص والعــاج)‪ ،‬أو مــش بيبطــل‬
‫يشــتيك (رغــم إنــه إكلينيك ًّيــا خــف)‪ ،‬أو إنــه مبجــرد مــا يظهــر عليــه‬
‫بــوادر تحســن يبطــل العــاج (رغــم تنبيــه الطبيــب عليــه)‪ ،‬أو إنــه‬
‫يخــف فعــا بــس يتعــب تــاين قبــل يــوم واحــد مــن زيــارة الطبيــب‬
‫لالستشــارة!‪ ..‬والســبب ورا ده بســيط جــدًّ ا‪ ..‬وهــو إن االحتيــاج‬
‫النفــي اإلنســاين البســيط الــي الجســم عـ َّـر عنــه باملــرض (النفــس‪-‬‬
‫جســدي) أو مــع املــرض (الجســدي) لســه مل يشــبع‪ ..‬االحتيــاج ده‬
‫اســمه‪ :‬االحتيــاج لالهتــام‪ ..‬االحتيــاج إين أتشــاف‪ ..‬وأتســمع‪ ..‬وأالقــي‬
‫حــد يهتــم بيــا‪..‬‬

‫‪27‬‬
‫الزوجــة الــي زوجهــا مشــغول عنهــا طــول الوقــت‪ ،‬شــوية يف شــغله‪،‬‬
‫وشــوية بيقـرا الجرايد‪ ،‬وشــوية بيشــوف األخبــار‪ ..‬عقلهــا الباطن عارف‬
‫كويــس قــوي إنــه غــر مســموح ليهــا تعــر عــن تذمرهــا وضيقهــا‬
‫(وإال الــي حواليهــا وأولهــم أهلهــا وناســها ومجتمعهــا هايســتنكروا‬
‫ده ويطلبــوا منهــا تحمــد ربنــا عــى الــي هيــه فيــه)‪ ..‬فيختــار جســمها‬
‫إنــه يعــر عــن الــي جواهــا بــأمل يف كل حتــة‪ ،‬ومشــاكل يف الهضــم‬
‫والتنفــس وبــذل املجهــود‪ ..‬وصعوبــات عضليــة وحســية وســاعات‬
‫كتــر جــدًّ ا جنســية‪..‬‬
‫التلميــذ الــي أهلــه مــش شــايفني منــه غــر درجاتــه ونتيجتــه يف‬
‫الثانويــة العامــة‪ ،‬مــش هايقولهــم (ارحمــوين) أو (شــوفوين أنــا مــش‬
‫نتيجتــي) أو (حـرام عليكــم اختزلتــوين يف أرقــام يــا والد الـــ‪ ..).....‬ال‪..‬‬
‫ـدل منــه وهايجيلــه (صــداع) مــا لهــوش تفســر‬ ‫جســمه هايتكلــم بـ ً‬
‫وال عــاج‪..‬‬
‫البنــت الــي اتعرضــت للتحــرش واالنتهــاك البــدين يف مجتمــع (متديــن‬
‫بطبعــه) بيوصــل للبنــت كل لحظــة إن جســمها (عــار) الزم تخجــل‬
‫وتتكســف منــه‪ ..‬وإن وجودهــا غــر مرغــوب فيــه مــن أساســه‪..‬‬
‫هاتخــاف تعــر عــن غضبهــا وإحباطهــا ورغبتهــا إنهــا تاخــد حقهــا‬
‫عــى مــرأى ومســمع مــن الجميــع‪ ..‬فجســمها يقــرر يقــوم باملهمــة دي‬
‫بدالهــا ويعلــن عــن عصيانــه ليهــا‪ ،‬وليهــم‪..‬‬
‫ونلــف عــى العيــادات‪ ..‬ونعمــل تحاليــل‪ ..‬ونصــور أشــعات‪ ..‬وتتلخبط‬
‫العالقــات‪ ..‬وتبــوظ الجــوازات‪ ..‬وتنتهــي العائــات‪ ..‬وال حــول وال قــوة‬
‫إال باللــه‪..‬‬

‫‪28‬‬
‫(‪)5‬‬
‫كتــر جــدًّ ا مــن التشــبيهات واالســتعارات اللغويــة هــي يف الحقيقــة‬
‫أوصــاف جســانية‪ ..‬بــس إحنــا مــن كــر مــا بنســتخدمها‪ ..‬نســينا‬
‫أصلهــا‪..‬‬
‫يعنــي يف (فكــرة حلــوة)‪ ..‬كلمــة (حلــوة) دي بتوصــف طعــم‪ ..‬أصلــه‬
‫حاســة التــذوق‪ ..‬ويف (راجــل خشــن)‪ ..‬الخشــونة دي ملمــس‪ ..‬أصلــه‬
‫حاســة اللمــس‪ ..‬ويف (صارخــة الجــال)‪ ..‬كلمــة (صارخــة) دي بتوصف‬
‫صــوت عــايل جــدًّ ا‪ ..‬أصلــه حاســة الســمع‪ ..‬وغريهــم كتــر‪..‬‬
‫إشمعنا؟ إيه دخل الكالم ده يف املوضوع؟‬
‫يف الحقيقة‪ ..‬هو ده املوضوع‪ ..‬هو ده كل املوضوع‪..‬‬
‫املوضــوع إننــا نســينا األصــل‪ ..‬وانشــغلنا بالفــرع‪ ..‬األصل هو جســمك‪..‬‬
‫الــي وجــوده وتعبــره ســبق بكتــر جــدا وجــود أي لغــة كالميــة‬
‫لفظيــة‪ ..‬والــي هــو الوعــاء الــي ربنــا اختارهولــك علشــان يســتودع‬
‫فيــه نفســك وروحــك‪ ..‬البحــر الواســع الــي بتمــي فيــه رشايينــك‬
‫وتســتقر فيــه أعضــاؤك‪ ..‬املنجــم الغــايل الــي هاتفضــل تستكشــف‬
‫الــي جــواه طــول عمــرك‪..‬‬
‫بــس إحنــا نســينا جســمنا لغايــة مــا بعدنــا عنــه وبقــي غريــب علينــا‪..‬‬
‫قمنــا بعقوقــه مبنتهــى الصفاقــة‪ ،‬ومــش بنبطــل نقولــه (أف لــك) ليــل‬
‫ونهــار‪ ..‬حرمنــاه مننــا‪ ..‬وحرمنــا نفســنا منــه‪..‬‬

‫‪29‬‬
‫تيجي نفتكره؟‬
‫طيب يالال‪ ..‬اسأل نفسك تاين‪:‬‬
‫بتعامــل جســمك إزاي؟ عالقتــك بجســمك إيــه؟ إيــه الرســايل الــي‬
‫وصلتــك عنــه‪ ..‬مــرة باســم الرتبيــة ومــرة باســم املجتمــع ومــرة‬
‫باســم الديــن‪ -‬زو ًرا وبهتانًــا؟ إيــه الرســايل الــي بتوصلــك منــه؟ وإيــه‬
‫الرســايل الــي انــت بتوصلهالــه؟‬
‫بتســمعه؟ بتعــرف تســمعه؟ بتعــرف تفهــم هــو عــاوز يقــول إيــه؟‬
‫بيــرخ إزاي؟ بيبــي إمتــى؟ بتحــس هــو محتــاج إيــه؟ بتشــوف‬
‫قراراتــه واختياراتــه؟ قــادر تســتوعب حكمتــه وفلســفته؟‬
‫إوعــى تكــوين فاكــرة إنــك هاتخــي طــول مانتــي بتكرهــي جســمك‪..‬‬
‫اقبليــه األول‪ ..‬هايخــس بعدهــا مبنتهــى البســاطة‪ ،‬وبأقــل مجهــود‪،‬‬
‫ومــن غــر دكاتــرة وال برامــج دايــت‪..‬‬
‫بــاش تتعامــل مــع جســمك عــى إنــه (ثــور) يف ســاقية‪ ،‬تحمــل عليــه‬
‫داميًــا وماتســمحش لــه إنــه ياخــد حقــه يف الراحــة واالســتجامم‪..‬‬
‫هايخونــك يف يــوم ومــش هاتقوملــه بعدهــا قومــة‪..‬‬
‫إوعــى تصدقــي إن جســمك (عــار)‪ ،‬وإنــه جرميــة‪ ،‬وإنــه قلــة أدب‪،‬‬
‫وإنــه هدفــه الوحيــد يف الوجــود هــو متعــة وإشــباع كائــن اســمه‬
‫(الرجــل)‪..‬‬

‫افهم جسمك‪ ..‬واحرتمه‪..‬‬


‫اسمعي جسمك‪ ..‬وحيس بيه‪..‬‬
‫عاملوا أجسامكم مبا تستحق‪ ..‬ألنها تستحق‪..‬‬

‫‪30‬‬
‫(‪) 2‬‬

‫يا رجال‪..‬‬
‫ماحترموش نفسكم من أنوثتكم‪..‬‬

‫‪31‬‬
‫(‪)1‬‬
‫بيولوج ًّيــا‪ ..‬كل واحــد فينــا فيــه هرمونــات ذكــورة وهرمونــات أنوثــة‬
‫بغــض النظــر عــن جنســه‪..‬‬
‫يعنــي الراجــل فيــه –بشــكل طبيعــي‪ -‬نســبة معينــة مــن هرمــون‬
‫الذكــورة (تستيســتريون) ونســبة أخــرى أقــل مــن هرمــون األنوثــة‬
‫(اســروجني)‪ ..‬وكذلــك املــرأة فيهــا نفــس النوعــن مــن الهرمونــات‬
‫بــس بنســب مختلفــة‪..‬‬
‫ده عــى مســتوى التكويــن الجســدي البيولوجــي‪ ..‬ومعظمنــا عــارف‬
‫الــكالم ده مــن أيــام دراســة األحيــاء يف ثانويــة عامــة‪..‬‬
‫لكــن الــي مادرســناهوش يف األحيــاء وال يف غريهــا ومــش عــارف ليــه‬
‫أو إزاي لغايــة دلوقــت‪ ..‬هــو إن كل واحــد فينــا جــواه عــى املســتوى‬
‫النفــي نفــس الرتكيبــة دي بالظبــط‪..‬‬
‫يعنــي –نفسـ ًّيا‪ -‬الرجــل جــواه رجولــة وأنوثــة‪ ،‬واملــرأة جواهــا رجولــة‬
‫وأنوثــة‪ ..‬بــس مبواصفــات ومعــاين ووظائــف نفســية مختلفــة‪ ..‬والكالم‬
‫ده معــروف ومكتــوب ومنشــور مــن أيــام الحضــارات اإلنســانية‬
‫القدميــة لغايــة يومنــا هــذا‪ ،‬مــروراً بعلــاء نفســيني كبــار زى كارل‬
‫جوســتاف يونــج ودونالــد وينيكــوت وهــارى جانــرب‪..‬‬
‫إيه النكتة الظريفة دي؟‬
‫إيه الكالم الغريب والصعب ده؟‬

‫‪33‬‬
‫يف الحقيقــة هــو مــش نكتــة وال كالم غريــب وال صعــب‪ ..‬بــس إحنــا‬
‫الــي ســاعات بنتجاهــل أبســط الحقايــق وأوضحهــا‪ ..‬ده إحنــا حتــى‬
‫يف كالمنــا اليومــي املعتــاد بنســتخدم كتــر تعبـرات زي (ســت مبيــت‬
‫راجــل)‪ ،‬و(راجــل منس ـوِن)‪..‬‬
‫إيه املوضوع؟!‬
‫املوضــوع ببســاطة هــي إن الرجولــة (النفســية) الــي جــوه حرضتــك‬
‫(كذكــر)‪ ،‬هــي املســئولة عــن صفــات زي الشــجاعة‪ ،‬والجدعنــة‪،‬‬
‫والشــهامة‪ ،‬واإلرصار‪ ،‬والتحــدي‪ ،‬واملثابــرة‪ ،‬ومــا إىل ذلــك‪ ..‬واألنوثــة‬
‫الــي جــوه حرضتــك (برضــه كذكــر)‪ ،‬مســئولة عــن صفــات زي الحنيــة‬
‫والقــرب واملــودة والرحمــة والطيبــة ورقــة القلــب وغريهــا‪..‬‬
‫نفــس الــكالم بالنســبة ليــي (كأنثــى)‪ ..‬الرجولــة (النفســية) الــي‬
‫جــوايك هــي الــي بتخليــي يف بعــض األوقــات واملواقــف شــجاعة‬
‫وجدعــة ومســئولة ومــش بتيــأيس وعنــدك اســتعداد تحــاريب وتتحــدي‬
‫الكــون كلــه علشــان توصــي لهدفــك‪ ..‬واألنوثــة الــي جــوايك‪ ،‬هــي اليل‬
‫يف مواقــف تانيــة بتطلــع منــك الحنــان والحــب والعطــف والقــرب‬
‫واألمومــة والرقــة والطيبــة والســاح‪..‬‬
‫ده بفــرض إن حرضتــك (رجــل طبيعــي)‪ ،‬وحرضتــك (أنثــى طبيعيــة)‪..‬‬
‫وســاعتها بنســمي دى (رجولــة حقيقيــة)‪ ،‬ونســمي دي (أنوثــة‬
‫حقيقيــة)‪ ..‬ويكــون موجــود جــواك وجــوايك خليــط متناســب مــن‬
‫االتنــن‪ ..‬فتكــون شــجاع ويف نفــس الوقــت حنــن‪ ،‬شــهم ويف نفــس‬
‫الوقــت خجــول‪ ،‬تعــرف تشــيل املســئولية ويف نفــس الوقت متســامح‪..‬‬
‫متحــدي ويف نفــس الوقــت قريــب وودود‪ ..‬وهكــذا‪..‬‬

‫‪34‬‬
‫وإنتــي تكــوين طيبــة ويف نفــس الوقــت حــدودك واضحــة‪ ،‬حنينــة بــس‬
‫صارمــة عنــد اللــزوم‪ ..‬رقيقــة ويف نفــس الوقــت جدعــة‪ ..‬عطوفــة ويف‬
‫نفــس الوقــت مــش بتســيبي حقــك‪ ..‬وهكــذا‪ ..‬وهكــذا‪ ..‬وهكــذا‪..‬‬
‫وكل مــا تكــون (كرجــل) قريــب مــن (األنوثــة الحقيقيــة) الــي جــواك‪..‬‬
‫كل مــا تكــون صفاتهــا جــزأ ال يتجــزأ منــك‪ ،‬ومــش صعــب عليــك يف‬
‫وقــت مــن األوقــات التعامــل بيهــا‪ ،‬وكل مــا تكــوين (كأنثــى) قريبــة‬
‫مــن (الرجولــة الحقيقيــة) الــي جــواىك‪ ..‬كل مــا تكــون خصائصهــا جز ًءا‬
‫أصيـ ًـا مــن مكوناتــك الشــخصية‪ ،‬وتســتخدميها يف أوقاتهــا املناســبة‪..‬‬

‫كل الــي فــات ده هــو الطبيعــي‪ ..‬الــي مــن املفــرض يكــون عندنــا‬
‫كلنــا‪ ..‬بشــكل تلقــايئ وفطــري وســليم مــن ســاعة مــا بنتولــد‪..‬‬
‫لكن‪..‬‬

‫وآآآآآآآاه عىل اليل بعد لكن‪..‬‬


‫ندخل عىل الوجع بقى‪..‬‬

‫بس بعد ما تاخد نفسك شوية‪..‬‬

‫‪35‬‬
‫(‪)2‬‬
‫مشهد ‪:1‬‬
‫‪ -‬طفــل عنــده ‪ 5‬ســنوات‪ ..‬حــد مــن أصحابــه رضبــه وهــو بيلعــب‬
‫معــاه‪..‬‬
‫‪ -‬األب‪ :‬إوعــى تعيــط‪ ،‬الرجالــة مــش بتعيــط‪ ..‬البنــات بــس الــي‬
‫بتعيــط! خليــك راجــل‪ ..‬خليــك خشــن‪..‬‬
‫‪ -‬يتكرر هذا املشهد مرات كترية ويف سياقات مختلفة‪..‬‬
‫‪ -‬بعــد ســنة‪ ..‬الطفــل ياخــد ق ـرار نفــي داخــي إنــه يدفــن مالمــح‬
‫أنوثتــه الحقيقيــة الــي جــواه علشــان وصلــه مــن أبــوه إنهــا ضعــف‪،‬‬
‫وإن الضعــف اإلنســاىن يشء غــر مقبــول‪ ..‬ومبــا أن األنوثــة الحقيقيــة‬
‫والرجولــة الحقيقيــة مرتبطــن (ومتعشــقني) يف بعــض بشــكل فطــري‪،‬‬
‫فهــو كــان هايدفــن رجولتــه الحقيقيــة ويســتبدلها (برجولــة‬
‫مزيفــة)‪ ..‬يعنــي يطلــع راجــل خشــن‪ ،‬قــايس‪ ،‬بيســتعرض عضالتــه‬
‫وقســوته وصوتــه العــايل وافـراءه وعنجهيتــه عــى خلــق اللــه‪ ،‬عـ َّـال‬
‫عــى بطَّــال‪..‬‬

‫مشهد ‪:2‬‬
‫‪ -‬بنــت عندهــا ‪ 6‬ســنوات‪ ،‬البســة فســتان جميــل بحــاالت‪ ،‬وفرحانــة‬
‫بشــعرها وجــال جســمها‪..‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ -‬األم‪ :‬إيــه يــا بنــت الــي إنتــي البســاه ده؟ بــاش مســخرة وقلــة‬
‫أدب‪ ..‬أمــال ملــا تكــري هاتعمــي إيــه؟‬
‫‪ -‬ويف مــرة أخــرى‪ ،‬حــد مــن قرايبهــا أو أصحــاب باباهــا أو جريانهــا ميــد‬
‫إيــده عــى جســمها بشــكل حيواين ســافل‪..‬‬
‫‪ -‬بعــد شــوية‪ ،‬ومــع كميــة رســايل يف نفــس االتجــاه‪ ،‬تصــل البنــت‬
‫إىل اســتنتاج بســيط جــدًّ ا‪ ،‬وهــو إن األنوثــة عيــب‪ ،‬أو األنوثــة حـرام‪،‬‬
‫أو األنوثــة (عــار)‪ ،‬وإن (األنوثــة) بتجيــب املشــاكل‪ ،‬وتجيــب الــكالم‪،‬‬
‫وتشــجع النــاس إنهــم ميــدوا إيديهــم عليهــا ويتحرشــوا بيهــا ويســيئوا‬
‫اســتغاللها‪..‬‬
‫‪ -‬تاخــد البنــت قـرار نفــي داخــي تفضــل عايشــة بيــه طــول عمرهــا‪،‬‬
‫وهــو إنهــا تدفــن أنوثتهــا الحقيقيــة وتعيــش بأنوثــة مزيفــة علشــان‬
‫تتعايــش مــع الــي حواليهــا‪ ..‬وكــان تدفــن رجولتهــا الحقيقيــة‪،‬‬
‫وتســتبدلها برجولــة مزيفــة‪..‬‬
‫‪ -‬نفــس البنــت عندهــا ‪ 20‬ســنة‪ ،‬قاصــة شــعرها قصــة رجــايل‪،‬‬
‫بتتكلــم بأســلوب فــج‪ ،‬البســة قميــص كارو‪ ،‬عــى بنطلــون شــبيه جــدًّ ا‬
‫بالبنطلونــات الرجــايل‪ ..‬وعندهــا يقــن (معــذورة جــدًّ ا فيــه) إنهــا لــو‬
‫مــا عملتــش كــده‪ ،‬وعاشــت راجــل (مزيــف طب ًعــا) يف هــذا املجتمــع‪،‬‬
‫فهــي مــش هاتاخــد حقهــا‪ ،‬وهايتــداس عليهــا‪ ،‬وهاتتبهــدل‪..‬‬
‫‪ -‬بنــت شــبهها واتعرضــت لنفــس التجربــة بالظبــط‪ ..‬تعيــش بأنوثــة‬
‫(مزيفــة)‪ ،‬مليانــة ميوعــة ومياصــة وإغــواء وصــوت ســافر وضحكــة‬
‫تجيــب آخــر الشــارع‪ ،‬ألنهــا قــررت بعقلهــا الباطــن تنتقــم مــن كل‬
‫الــي آذوهــا بأنهــا تخليهــم (يريِلــوا) مــن الجــري وراهــا باملعنــى‬
‫الحــريف‪..‬‬
‫‪37‬‬
‫قبــل مــا الدنيــا تتلخبــط‪ ،‬وتفقــد تركيــزك‪ ..‬أنــا هالخصلــك الــكالم ده‬
‫كلــه يف ســطرين‪..‬‬
‫إحنــا كلنــا بنتولــد وجوانــا رجولــة حقيقيــة (الجدعنــة والشــجاعة‬
‫واإلرصار وغريهــم)‪ ،‬وأنوثــة حقيقيــة (الحنيــة والقــرب واملــودة‬
‫وغريهــم)‪ ..‬والرســايل الــي بتوصلنــا مــن الرتبيــة واملجتمــع وســاعات‬
‫الفهــم غــر الصحيــح للديــن بتخلينــا ناخــد قـرارات نفســية مصرييــة‬
‫عنــد ســن معــن بدفــن أحدهــا أو كليهــا (ألنهــم مرتبطــن ببعــض)‬
‫واســتبدالهم برجولــة مزيفــة (قســوة وخشــونة وافــرا)‪..‬أو أنوثــة‬
‫مزيفــة (ميوعــة ومياصــة وإغــواء ســافر)‪ ..‬أو االتنــن‪ ..‬وده بيحصــل‬
‫عنــد الســتات والرجالــة عــى حــد ســواء‪..‬‬

‫حلو الكالم؟‬
‫إنت اسمك مكتوب؟‬
‫لقيتي اسمك برضه مكتوب؟‬
‫اكتشفت أي حاجة جديدة يف نفسك أو يف حد تعرفه؟‬

‫طيب‪..‬‬

‫‪38‬‬
‫(‪)3‬‬
‫مجتمعنا الجميل‪..‬‬
‫بيوتنا الرائعة‪..‬‬
‫إعالمنا املثايل‪..‬‬
‫بيوصل لينا إيه من الرسائل النفسية بخصوص املوضوع ده؟‬
‫بيقبــل صفــات األنوثــة الــي املفــرض تكــون موجــودة بشــكل طبيعــي‬
‫يف الرجالــة؟‬
‫بيقبــل صفــات الرجولــة الــي مهــم تكــون موجــودة بشــكل تلقــايئ يف‬
‫الســتات؟‬
‫بيشجع عىل الرجولة الحقيقية والال بيزرع فينا الرجولة املزيفة؟‬
‫بيحــرم األنوثــة الحقيقيــة والــا بيدفنهــا ويخلــق مكانهــا األنوثــة‬
‫املزيفــة وبــكل إرصار؟‬

‫أنا مش هاجاوب‪..‬‬
‫علشان اإلجابات أنتم عارفينها أكرت وأحسن مني‪..‬‬

‫‪39‬‬
‫(‪)4‬‬
‫مــن أجمــل أوصــاف األنوثــة (الحقيقيــة طب ًعــا) إنهــا هــي الـــ ‪،Being‬‬
‫يعنــي الوجــود‪ ..‬ليهــا عالقــة بأصــل الوجــود اإلنســاين وكينونتــه‪..‬‬
‫ولــو الحظــت هاتالقــي كل صفــات األنوثــة (الحقيقيــة) الــي قلناهــا‬
‫مرتبطــة بنوعيــة وجــود إنســاين معــن (الحنيــة‪ ،‬الــود‪ ،‬القــرب‪،)....،‬‬
‫ويف املقابــل‪ ،‬بتتوصــف الرجولــة (الحقيقيــة برضــه) بأنهــا مرتبطــة‬
‫بالـــ ‪ ،Doing‬يعنــي الفعــل‪ ..‬وليهــا عالقــة بالحركــة وطاقتهــا (اإلرصار‪،‬‬
‫الشــجاعة‪ ،‬التحــدي‪ ،).......‬واألجمــل واألجمــل إن الفعــل مــا ينفعــش‬
‫مــن غــر وجــود‪ ..‬يعنــي مهــم أكــون موجــود وأحــس بوجــودي األول‬
‫علشــان أقــدر أتحــرك وأفعــل وأنفــذ بعــد كــده‪..‬‬
‫الرجولــة مالهــاش أي معنــى أو وظيفــة لــو مــش مبنيــة ومتأصلــة عــى‬
‫وجــود وكيــان أنثــوي حقيقي‪..‬‬
‫علشــان كــده دور األم يف الرتبيــة مهــم وســابق جــدًّ ا عــن دور األب‪..‬‬
‫واألم هــي الــي بتقــوم يف أول ســنتني مــن عمــر الطفــل (ســنوات‬
‫الرضاعــة) برتســيخ وزرع شــعوره بكيانــه وبوجــوده مــن خــال كيانهــا‬
‫ووجودهــا وقربهــا الجســاين والشــعوري والحــي منــه‪ ..‬وبعدهــا‬
‫يجــي دور األب الــي بيــزرع فيــه طاقــة الفعــل ورد الفعــل والحركــة ‪..‬‬
‫أول ســؤال هايقفــز لذهنــك دلوقــت هــو إزاي يكــون الــكالم ده‬
‫صحيــح بالرغــم مــن إن حــواء خُلقــت بعــد آدم‪ ،‬وخُلقــت مــن ضلعه؟‬
‫وإجابتــي املتواضعــة –عــى حــد علمــي‪ -‬هــي أنهــا خُلقــت مــن ضلعه‪،‬‬
‫الــي كان (موجــود) مــن يــوم مــا ربنــا (بــث) فيــه مــن روحه‪..‬‬

‫‪40‬‬
‫(‪)5‬‬
‫زي مــا فيــه رجولــة وأنوثــة يف األفـراد‪ ..‬أنــا بأفــرض إنــه فيــه رجولــة‬
‫وأنوثــة يف املجتمعــات‪ ..‬مبعنــى إنــه فيــه مجتمــع (ذكــوري‪ -‬مــش‬
‫هاقــول رجــويل)‪ ..‬ومجتمــع (أنثــوي‪ -‬وده لســه مــا عرفهــوش أوي)‪..‬‬
‫وطب ًعــا إنتــوا عارفــن الــكالم الــي جــاي‪:‬‬
‫مجتمعنــا (ومجتمعــات تــاين كتــر) قــرر –مــن زمــان جــدًّ ا‪ -‬يرفــض‬
‫األنوثــة ويحاربهــا ويشــوهها ويدفنهــا‪ ،‬مــرة باســم الرتيبــة‪ ،‬ومــرة‬
‫باســم العــادات والتقاليــد‪ ،‬ومــرة باســم الفهــم املغلــوط للديــن‪..‬‬
‫مجتمعنــا قــرر يســتبدل األنوثــة الحقيقيــة‪ ،‬بأنوثــة مزيفــة تُــريض –يف‬
‫الظــام‪ -‬رجولتــه القاســية املتســلطة (املزيفــة برضــه)‪..‬‬
‫مجتمعنــا ‪-‬ىف رأيــي‪ -‬قــرر ‪-‬وبــكل بســاطة‪ -‬يحــرم نفســه مــن أجمــل‬
‫مــا فيــه‪ ،‬ويشــوه أروع خلقــه‪ ،‬وينتقــم مــن نفســه‪ ..‬يف نفســه‪..‬‬

‫إحنــا بنخــاف مــن املــرأة‪ ..‬بنخــاف مــن األنوثــة‪ ..‬علشــان كــده‬


‫بندفنهــا‪..‬‬
‫إحنــا مرعوبــن مــن وجودهــا وقدراتهــا وحيويتهــا‪ ..‬علشــان كــده‬
‫بنموتهــا بالحيــاة‪..‬‬
‫إحنــا مهدديــن مــن إحساســنا بالضعــف قدامهــا‪ ..‬علشــان كــده‬
‫بنســتقوي ونفــري عليهــا‪..‬‬

‫‪41‬‬
‫بنوصفهــا إنهــا متقلبــة املــزاج‪ ..‬رغــم إن الطبيعــة نفســها متقلبــة‬
‫املــزاج‪ ..‬وفيهــا ليــل ونهــار وصيــف وشــتا‪ ..‬األنوثــة برضــه فيهــا‬
‫ليــل ونهــار‪ ..‬وصيــف وشــتا‪ ..‬ألن وجودهــا مرتبــط بوجــود الطبيعــة‬
‫وكيانهــا وصفاتهــا‪..‬‬
‫بنشــوه جســمها باســم الديــن كذبــا وزورا وبهتانــا واف ـراء‪ ..‬علشــان‬
‫نحرمهــا مــن مجــرد الشــعور بجســمها واحتياجاتــه‪ ،‬الــي بنعتربهــا‬
‫مــش مــن حقهــا‪..‬‬
‫بنفــرض عليهــا بوصايتنــا الغاشــمة طريقــة كالم وطريقــة شــغل‬
‫وطريقــة عيشــة‪ ،‬هــي أقــرب للعبــد يف حــرة الســيد‪ ..‬علشــان نتغلب‬
‫عــى إحساســنا العميــق بالخــوف والضعــف والتهديــد مــن مجــرد‬
‫وجودهــا وكيانهــا وحياتهــا‪..‬‬

‫بنطفيها‪ ..‬ألننا خايفني نتحرق من نورها‪..‬‬


‫بنهينها‪ ..‬ألننا مرعوبني من إحساسها بكرامتها‪..‬‬
‫بنخنقها‪ ..‬ألننا مش قادرين نستحمل انطالقها وحريتها‪..‬‬

‫األنوثة هي اإلبداع‪..‬‬
‫هي اإللهام‪..‬‬
‫هي الحرية‪..‬‬

‫‪42‬‬
‫هي الوجود‪..‬‬
‫والجامل‪..‬‬
‫والنور‪..‬‬

‫هي ملعة العني‪ ..‬ونبضة القلب‪ ..‬وشهقة الدهشة‪..‬‬


‫هي األرض الخصبة‪ ..‬والسامء املحتوية الساترة‪..‬‬
‫هي البداية‪ ..‬والنهاية‪ ..‬والرحلة‪..‬‬

‫األنوثة هي رحم الحياة‪..‬‬

‫يا رجال‪..‬‬
‫ما تحرموش نفسكم من أنوثتكم‪..‬‬

‫‪43‬‬
‫(‪)3‬‬
‫التالتة اللي عايشني جواك‬

‫‪45‬‬
‫باختصــار شــديد‪ ..‬ومــن غــر أي مقدمــات‪ ..‬فيــه تــات بنــي آدمــن‬
‫غــر بعــض عايشــن جــواك يف اللحظــة الــي بكلمــك فيهــا دلوقــت‪..‬‬
‫يعنــي جســمك عامــل زي مــا يكــون شــقة مفروشــة فيهــا تــات أوض‬
‫منفصلــة‪ ..‬كل أوضــة فيهــم عايــش فيهــا بنــي آدم غــر التــاين‪ ..‬وكل‬
‫واحــد فيهــم ليــه حياتــه وذكرياتــه وترصفاتــه الخاصــة بيــه لوحــده‪..‬‬
‫ويف كل موقــف يف حياتــك‪ ،‬واحــد مــن التالتــة دول بيمســك زمــام‬
‫األمــور‪ ..‬ويكــون ليــه الغلبــة والســيطرة عــى االتنــن التانيــن‪..‬‬
‫وهكــذا‪..‬‬
‫الــي بيطلــع منــك وأنــت يف حفلــة‪ ،‬أو فــرح‪ ،‬أو رحلــة مــع أصحابــك‪..‬‬
‫اســمه (الطفــل) بتــاع حرضتــك‪ ..‬ســاكن جــواك مــن أيــام طفولتــك‪،‬‬
‫وبيطلــع ويشــم نفســه وقــت اللعــب واله ـزار والفــرح والتنطيــط‪..‬‬
‫الطفــل ده هــو نســخة منــك وأنــت صغــر‪ ،‬متخزنــة جــواك وبتمســك‬
‫زمــام نفســك يف الوقــت املناســب‪ ..‬وقتهــا الطفــل ده بيلبســك (زي‬
‫العفريــت كــده)‪ ..‬يعنــي بتكــون طفــل‪ ..‬بتكــون ىف حالــة طفوليــة‬
‫ســائدة‪ ..‬تســمع وتشــوف وتفهــم وتســتقبل وتتــرف زي مــا كنــت يف‬
‫طفولتــك بالظبــط‪ ..‬تتحــرك مبرونــة وليونــة وحريــة‪ ،‬تفهــم وتســتوعب‬
‫بالراحــة ومــن غــر تشــنج وال تعصــب‪ ..‬تتــرف بتلقائيــة وعفويــة‪..‬‬
‫تلعــب وترقــص وتــرح بخيالــك وتبــدع بــدون حــدود‪..‬‬
‫الشــكل ده مــن الطفــل الداخــي بتاعــك اســمه حالــة األنــا الطفليــة‬
‫‪ ..Child Ego State‬أو (الطفــل الحــر)‪ ..‬علشــان هــو فعــا حــر‪ ..‬زي‬
‫مــا خلقــه ربنــا عــى فطرتــه‪ ..‬قبــل مــا يــرىب ويتشــوه ويتكيــف عــى‬
‫الــي أبــوه وأمــه عاوزينــه‪ ..‬ســاعتها هايكــون ليــه اســم تــاين‪ ..‬وشــكل‬
‫تــاين‪ ..‬اســمه (الطفــل املتكيــف) أو (الطفــل املذعــن)‪ ..‬وده برضــه‬
‫موجــود جــواك‪ ..‬بــس دي النســخة الــي حرضتــك جيــت عنــد ســن‬
‫معــن وقــررت تتنــازل فيــه عــن تلقائيتــك وفطرتــك وحريتــك وصوتك‬
‫‪47‬‬
‫العــايل وحقــك يف االعـراض واالختيــار والقبــول والرفــض‪ ..‬وتتحــول إىل‬
‫طفــل لطيــف ظريــف بيســمع الــكالم ويــرب اللــن ومــا يقولــش‬
‫(أل) علشــان الــي حواليــه يســقفوله ويقبلــوه ويحبــوه ويهتمــوا بيــه‬
‫ويرضــوا عنــه‪ ..‬الطفــل ده صوتــه واطــي‪ ..‬وقعدتــه منحنيــة‪ ..‬وعينــه‬
‫مكســورة‪ ..‬وحرضتــك بتلبســه برضــه ملــا الظــروف الــي حواليــك تكون‬
‫قاســية وصعبــة وإنــت مــش عــارف تعمــل معاهــا أي حاجــة غــر إنــك‬
‫مــا تكونــش نفســك‪..‬‬
‫فيــه شــكل تالــت للطفــل الداخــي ده اســمه (الطفــل املتمــرد)‪ ..‬وده‬
‫الــي داميًــا رافــض ألي قواعــد أو قوانــن‪ ..‬داميًــا يف رصاع أو منافســة‬
‫مــع غــره‪ ..‬عنيــد وصعــب االنقيــاد ورسيــع الصــد والــرد‪.‬‬
‫ده الســاكن األول‪ ..‬الــي اســمه (الطفــل الداخــي)‪ ..‬الــي ممكن يكون‬
‫(طفــل حــر)‪ ..‬أو (طفــل متكيف‪/‬مذعــن) أو (طفــل متمــرد)‪ ..‬والــي‬
‫بتتحــول حرضتــك لواحــد منهــم يف مواقــف معينــة‪ ..‬وباملناســبة‪..‬‬
‫كلمــة تتحــول هنــا معناهــا تتحــول بجــد‪ ..‬باملعنــى النفــي والحضــور‬
‫العقــي والســلوك الجســدي‪..‬‬
‫الســاكن التــاين‪ ..‬اســمه (الوالــد)‪ ..‬أو (حالــة األنــا الوالديــة) ‪Parent‬‬
‫‪ Ego State‬زي مــا (إريــك بــرن) صاحــب النظريــة دي مــا بيســميها‪..‬‬
‫وده بقــى يــا ســيدي األب (أو األم)‪ ..‬الــي بيطلــع مــن جــواك وقــت‬
‫مــا تكــون يف موقــف يســتدعي الحنــان واألبــوة (أو األمومــة) وســعة‬
‫األفــق‪ ..‬موقــف محتــاج ســاح وعطــف وتفهــم وعطــاء‪ ..‬حالــة‬
‫مطلــوب تكــون فيهــا كبــر‪ ..‬بيســمع ويســمح ويطبطــب وينصــح‬
‫ويرشــد‪ ..‬تحــس بالــي قدامــك وتراعيــه وتســاعده وتقــدر احتياجاتــه‪..‬‬
‫زي األب مــا بيعمــل مــا ابنــه بالظبــط‪..‬‬

‫‪48‬‬
‫بــس زي مــا الطفــل الــي جــواك ليــه أكــر مــن صــورة‪ ..‬برضــه (الوالد)‬
‫الــي جــواك ليــه أكــر مــن صــورة‪ ..‬الصــورة األوىل الــي وصفناهــا دي‬
‫اســمها (الوالــد الراعــي)‪ ..‬وده شــكل طيــب وحنــن مــن صــورة األب‬
‫(أو األم) الــي اتكونــت عنــدك مــن صغــرك‪ ،‬مــن خــال تعاملــك مــع‬
‫أبــوك وأمــك ومدرســك وكل مــن كان ميثــل (والــد) بالنســبة لــك‪ ..‬فيــه‬
‫بقــى صــورة تانيــة للوالــد ده ممكــن برضــه تكــون اتكونــت عنــدك‬
‫مــن خــال والديــك أو مــن ميثلهــم اســمها (الوالــد الناقــد)‪ ،‬وده ملــا‬
‫بيطلــع مــن جــواك بيكــون شــخص قــايس وغاضــب ومــش بيعجبــه‬
‫العجــب‪ ..‬حــد مــش بيبطــل نقــد وال لــوم وال أوامــر وال تعليــات‪..‬‬
‫صــارم وقاطــع ومتســلط ومــش بــرىض أبــدً ا‪ ..‬الحالــة دي بتلبســك يف‬
‫املواقــف الــي بتســتفزك وتثــر غضبــك وتخرجــك بــره إطــار التفهــم‬
‫والحكمــة‪ ..‬ألنــك ســاعتها مــش بتســمع وال بتفهــم وال بتــدي فــرص‪..‬‬
‫أنــت بتكــون ثــور هائــج صلــب الــرأي مــا ينفعــش معــاه أخــد وال‬
‫عطــا‪ ..‬ربنــا يحفظنــا‪..‬‬
‫عــاوز أؤكــد إن كل شــخصية أو حالــة مــن دول ليهــا مــا مييزهــا مــن‬
‫طريقــة يف الــكالم‪ ..‬نــرة يف الصــوت‪ ..‬طريقــة يف الحركــة واملــي‬
‫والجلــوس‪ ..‬شــوية كلــات معينــة خاصــة بيهــا‪ ..‬تعبــرات وش‬
‫مختلفــة‪ ..‬طريقــة يف اســتقبال األحــداث والتعامــل معاهــا‪ ..‬وحتــى‬
‫بنــاء عصبــي خــاص يف املــخ‪ ..‬وكأنهــا فعــا شــخص منفصــل بذاتــه‪..‬‬
‫يعنــي ملــا تكــون يف حالــة (الطفل الحــر)‪ ..‬بتتحرك ببســاطة‪ ،‬بتســتقبل‬
‫بــدون نقــد وال ُحكــم‪ ،‬بتفكــر مبرونــة مــن غــر كالكيــع وال تعقيــدات‪،‬‬
‫كالمــك بيكــون فيــه كتــر مــن العفويــة والفكاهــة والبهجــة واملــرح‪..‬‬
‫بتعــر عــن نفســك وعــن مشــاعرك بتلقائيــة ومــن غــر تكليــف‪ ..‬وملــا‬
‫بتكــون يف حالــة (الطفــل املتكيف‪/‬املذعــن)‪ ،‬بتكــون هــادي جــدًّ ا‪..‬‬
‫منســحب‪ ..‬بتســمع الــكالم بــدون مناقشــة‪ ..‬بتخــاف تقــول (ال)‪..‬‬
‫‪49‬‬
ً
‫طب ًعــا الكلــات دي وغريهــا ممكــن تطلــع مــن أي حــد مــن الحــاالت‬
‫التالتــة‪ ..‬بــس الطريقــة الــي بتتقــال بيهــا واملعنــى املقصــود منهــا‬
‫وتعبــرات الجســم والــوش الــي بتصاحبهــا‪ ،‬بتختلــف مــن حالــة‬
‫للتانيــة‪..‬‬
‫يبقــى موجــود جــوه حرضتــك دلوقــت تــات حــاالت بنســميهم‬
‫(حــاالت األنــا) ‪ ..Ego States‬تــات بنــي آدمــن منفصلــن عايشــن‬
‫جــواك‪ ..‬كل واحــد ليــه تاريخــه وصفاتــه وســلوكه‪ ..‬وكل واحــد فيهــم‬
‫بيلبســك يف موقــف معــن‪ ..‬وســاعات ده بيكــون بينــك وبــن نفســك‬
‫يف شــكل صــوت داخــي‪ ..‬فكــرة ملحــة‪ ..‬رغبــة مجنونــة‪ ..‬إحســاس‬
‫بالذنــب‪ ..‬أو عنــد بعــض املــرىض وســاوس أو هــاوس أو ضــاالت‪..‬‬

‫باملناسبة التالت حاالت دول موجودين جوانا من وإحنا صغريين‪..‬‬


‫يعنــي كلنــا بنشــوف البنــت الصغــرة الــي بتتعامــل بــكل أمومــة‬
‫(حالــة الوالــد الراعــي) مــع العروســة بتاعتهــا (وســاعات مــع أمهــا‬
‫وأبوهــا)‪ ..‬وكلنــا بنشــوف الطفــل الــي عنــده خمــس أو ســت ســنني‬
‫وهــو بيعنــف أخــوه أو أختــه الصغــرة ويرفــع صباعــه (حالــة الوالــد‬
‫الناقــد) وهــو بيكلمهــا ويقولهــا املفــروض تعمــي كــذا أو الزم تقــويل‬
‫كــذا‪ ..‬أو ملــا ســاعات يلبــس نضــارة أبــوه ويبــدأ يتفلســف (حالــة‬
‫الراشــد) ويســأل أســئلة منطقيــة ويقــول كالم أكــر مــن ســنه مليــان‬
‫وقائــع وحقائــق وكأنــه حكيــم زمانــه‪..‬‬

‫‪51‬‬
‫مهــم نعــرف إنهــم مــش بــس تــات حــاالت أو تــات أشــخاص‪ ..‬أل‪..‬‬
‫هــا يف الحقيقــة أكــر مــن كــده بكتــر‪ ..‬بــس دي العناويــن الرئيســية‬
‫والحــاالت املهمــة‪..‬‬
‫وهنا السؤال‪ :‬هو أنا مني فيهم؟‬
‫واإلجابــة هــي إن حرضتــك كلهــم (عــى رأى شــرين‪ -‬أنــا كتــر)‪ ..‬بــس‬
‫يف كل موقــف حرضتــك بتكــون واحــد منهــم‪ ..‬وده الطبيعــي والصحــي‬
‫واملفيــد‪ ..‬لكــن لــو طلــع يف موقــف مــا‪ ،‬حــد مــن جــواك غــر مناســب‬
‫للموقــف‪ ..‬يبقــى ســاعتها ده مــرض نفــي ووضــع غــر طبيعــي وال‬
‫صحيــح‪ ..‬يعنــي ملــا يطلــع (الوالــد الناقــد) مــن جــواك يف حفلــة أو‬
‫رحلــة ويقعــد ينقــد ويلــوم ويتكلــم بلغــة (الزم) و(املفــروض)‬
‫يبقــى ده مــش طبيعــي‪ ..‬وملــا تلبــس حالــة (الطفــل الحــر) وإنــت‬
‫يف املحــارضة وتقــوم تتحــزم وترقــص يبقــى ده برضــه مــش طبيعــي‪..‬‬
‫وملــا تتحــول إىل (العاقــل الراشــد) وإنــت قاعــد مــع حبيبتــك وتكلمهــا‬
‫بلغــة الحقائــق واألرقــام والحســابات‪ ..‬يبقــى تطلــع عــى الدكتــور‬
‫النفــي عــى طــول‪..‬‬

‫أصحــاب املدرســة دي يف علــم النفــس (اســمها مدرســة التحليــل‬


‫املعامــايت) ‪ ..Transactional Analysis‬بيشــوفوا إن االكتئــاب هــو‬
‫(طفــل مذعــن) خاضــع خانــع طــول الوقــت‪ ..‬وان الهــوس هــو (طفــل‬
‫حــر) بزيــادة شــوية أو (طفــل متمــرد) قــرر يثــور عــى العــامل وعــى‬
‫الــي حواليــه‪ ..‬وإن الطبيعــي إن التــات حــاالت يتكاملــوا مــع بعــض‬
‫تحــت القيــادة الحكيمــة بتــاع (األنــا الراشــدة) الــي تســمح كل شــوية‬
‫بالتنــاوب وتبــادل األدوار‪..‬‬

‫‪52‬‬
‫طيب‪..‬‬
‫الــكالم ده كالم نظــري ومتخصــص وممكــن أي طالــب علــم نفــس‬
‫يق ـراه يف أي كتــاب أو مذكــرة أو صفحــة إنرتنــت‪ ..‬مالنــا إحنــا ومــال‬
‫القصــة دي‪..‬‬
‫أقولك‪..‬‬
‫القصــة دي تخــص حرضتــك شــخص ًّيا‪ ..‬ألن التالتــة دول عايشــن جــوه‬
‫كل حــد فينــا‪ ..‬ومهــم نعــرف نفســنا بــكل تفاصيلهــا وخباياهــا‪..‬‬
‫مــش بــس كــده‪ ..‬ده فيــه حاجــة يف منتهــى الخطــورة واألهميــة يف‬
‫املوضــوع ده‪ ..‬لدرجــة إنــه بيتــم تدريســه للنــاس الــي شــغالني يف‬
‫مجــال اإلعالنــات والدعايــة ورؤســاء الــركات واملخابـرات واملدربــن‬
‫وغريهــم‪ ..‬وهــي‪:‬‬
‫مني بيكلم مني؟‬
‫نعم؟‬
‫أيون‪..‬‬
‫مني من التالتة اليل جواك بيتكلم عىل لسانك؟‬
‫مني عندك بيكلم مني عند اليل قدامك؟‬
‫إنت بتخاطب مني يف غريك؟‬
‫بتحرك مني يف رشيك أو رشيكة حياتك؟‬
‫بتحض مني يف صاحبك أو مديرك أو زميلك؟‬ ‫ّ‬
‫مــن مــن التالتــة الــي جــواك بيتعامــل مــع مــن مــن التالتــة الــي‬
‫قصــادك؟‬

‫‪53‬‬
‫كالم غريب ومجنون‪..‬‬
‫بس يف الحقيقة‪ ..‬هو عني العقل‪..‬‬
‫إزاي؟‬

‫بص يا سيدي‪..‬‬
‫يف كل تفاعــل أو تعامــل مــع حــد‪ ،‬واحــد مــن التالتــة الــي جوانــا‬
‫بيكلــم واحــد مــن التالتــة الــي جــوه اآلخــر‪ ..‬والطبيعــي والســليم إن‬
‫الــي أوجــه لــه الــكالم هــو الــي يــرد عليــه‪ ..‬مــش أكلــم حــد ويــرد‬
‫عليــا حــد تــاين‪ ..‬لكــن لــو أنــا كلمــت حــد ورد عليــا حــد تــاين‪ ،‬ممكــن‬
‫تحصــل قفلــة وينتهــي التواصــل قبــل مــا يبــدأ‪..‬‬
‫يعنــي ملــا حرضتــك تبقــى راجــع البيــت بعــد يــوم شــغل وتعــب‬
‫وإرهــاق‪ ..‬وتقــول ملراتــك مبنتهــى الهــدوء والعقــل والواقعيــة (حالــة‬
‫األنــا الراشــدة)‪ :‬أنــا جعــان جــدًّ ا‪ ..‬عملتــي األكل؟ الطبيعــى إنهــا تــرد‬
‫عليــك بـــ (األنــا الراشــدة) الــي جواهــا برضــه‪ ،‬وتقولــك‪ :‬آه األكل‬
‫جاهــز‪ ..‬أو كنــت مشــغولة النهــاردة ومالحقتــش أجهــزه‪ ..‬ده اســمه‬
‫تفاعــل طبيعــي‪ ..‬لكــن ملــا تــروح رادة عليــك مبنتهــى الشــعور بالظلــم‬
‫واإلهانــة وعــدم التقديــر وتقولــك‪ :‬هــو إنــت مــش شــايف غــري؟ مــا‬
‫فيــش غــر أنــا الــي تتعــب وتشــقى وإنــت جــاي عــاوز تــاكل عــى‬
‫الجاهــز؟ مــش تقــدّ ر تعبــي شــوية؟ ح ـرام عليــك!! يبقــى (الطفــل‬
‫املذعــن‪ -‬املتكيــف) الــي جواهــا بــرد عــى (الوالــد الناقــد) الــي‬
‫عنــدك‪ ..‬وده يعمــل (قفلــة) فوريــة يف العالقــة‪ ..‬ولــو اتكــرر بالشــكل‬
‫ده (مــن ناحيتهــا أو مــن ناحيتــك) هايقطــع التواصــل بينكــم مــن‬
‫أساســه‪ ..‬ويبقــى اســمه تفاعــل (متقاطــع)‪..‬‬

‫‪54‬‬
‫لــو إنــت طالــب وبتمتحــن امتحــان شــفوي‪ ..‬والدكتــور بيكلمــك‬
‫بحالــة (الراشــد) وبيســألك مبنتهــى العقــل ســؤال بســيط‪ ..‬فالطبيعــي‬
‫إنــك تــرد عليــه رد برضــه (راشــد) ومنطقــي وواقعــي باإلجابــة‬
‫الســليمة (أو حتــى غــر الســليمة)‪ ..‬لكــن لــو رديــت عليــه وقولتلــه‪:‬‬
‫معلهــش يــا دكتــور أنــا مــا ذاكرتــش مادتــك كويــس‪ ،‬ومــش مســتعد‬
‫لالمتحــان‪ ..‬يبقــى إنــت كــده بتســتفز فيــه بــكل وضــوح (الوالــد‬
‫الناقــد)‪ ،‬وهاتالقيــه يــرد عليــك ويقولــك مبنتهــى الغضــب‪ :‬طيــب‬
‫خــد الصفــر ده وامــي يــا شــاطر‪..‬‬
‫لــو ابنــك بيكلمــك بـ(الطفــل الحــر) الــي جــواه وبيقولــك‪ :‬مــا تيجــي‬
‫تلعــب معايــا شــوية يــا بابــا‪ ..‬هــو بيكــون عــاوز (الوالــد الراعــي‪-‬‬
‫الحــاين) الــي جــواك يــرد عليــه ويقولــه‪ :‬ومالــه يــا حبيبــي‪ ،‬يالــا‬
‫بينــا‪ ..‬لكنــه أكيــد مــش عــاوز (الراشــد) بتاعــك يقولــه مبنتهــى املنطــق‬
‫وبــدون أي عواطــف‪ :‬أنــا مشــغول ومــش فــايض دلوقــت‪.‬‬
‫يبقــى مهــم تعــرف مــن جــواك بيكلــم أو بــرد عــى مــن جــوه الــي‬
‫بتتعامــل معــاه‪ ..‬علشــان ده ممكــن يســاعد جــدًّ ا عــى التفاهــم‬
‫والتواصــل (لــو الــي بكلمــه هــو الــي بــرد عليــا)‪ ،‬أو يكــون ســبب يف‬
‫ســوء التفاهــم وقطــع التواصــل (ملــا الــي يــرد يكــون غــر الــي اتوجــه‬
‫لــه الــكالم)‪..‬‬
‫طب ًعــا فيــه نــوع أهــم وأخطــر مــن النوعــن دول يف التواصــل‪ ..‬اســمه‬
‫(التفاعــل الخفــي)‪ ..‬وده فيــه اتنــن مــن عنــدك بيكلمــوا اتنــن مــن‬
‫عنــد الــي قدامــك يف نفــس الوقــت‪ ..‬حــد بيكلــم حــد بشــكل ظاهــر‬
‫وواضــح‪ ..‬بــس حــد تــاين مــن عنــدك بيوصــل رســالة خفيــة وغــر‬
‫ظاهــرة لحــد تــاين مــن الــي قدامــك‪ ..‬معلــش اســتحملني يف الجنــان‬
‫ده شــوية‪..‬‬

‫‪55‬‬
‫يعنــي األب بيقــول البنــه بـ(الوالــد الراعــي) بتاعــه‪ :‬يــا حبيبــي مــا‬
‫يهمكــش‪ ..‬ذاكــر واعمــل الــي عليــك‪ ،‬وادخــل الكليــة الــي إنــت‬
‫عايزهــا‪ ،‬والــي يجيبــه ربنــا كلــه كويــس‪ ..‬بــس مــن تحــت لتحــت‪،‬‬
‫بيقولــه بنظـرات عينــه وبترصفاتــه عــن طريــق (األب الناقــد)‪ :‬إوعــى‬
‫تدخــل غــر كليــة الطــب‪ .‬أو األم تقــول لبنتهــا بشــكل واضــح‪ :‬اكــري‬
‫بقــى واتجــوزي يــا حبيبتــى علشــان نفــرح بيــي‪ ..‬بــس يف نفــس‬
‫الوقــت وبشــكل خفــي (الطفــل) الــي جواهــا بيقــول للبنــت‪ :‬إوعــي‬
‫تكــري وتتخــي عنــي‪ ..‬إوعــي تكــري وتســيبيني‪ ..‬الرســايل املتناقضــة‬
‫الــي بالشــكل ده ممكــن تجنــن بجــد‪..‬‬

‫أقولــك نكتــة بقــى علشــان نعيــد ترتيــب مخنــا شــوية بعــد اللخبطــة‬
‫دي كلهــا‪ ..‬األجانــب ملــا بيحبــوا بعــض‪ ..‬بيدلعــوا بعــض‪ ..‬هــو يقولهــا‬
‫يــا (بيبــي)‪ ..‬وهــي تقولــه يــا (بيبــي)‪ ..‬الطفــل الــي جــواه بيســتدعي‬
‫ويحــر ويخاطــب ويطلــع الطفــل الــي جواهــا‪ ..‬والعكــس بالعكس‪..‬‬
‫أمــا عندنــا بقــى‪ ،‬تالقــى االتنــن الحلويــن أول مــا يتجــوزوا‪ ..‬هــو‬
‫يقولهــا يــا (مامــا)‪ ..‬وهــي تقولــه يــا (بابــا)‪ ..‬عرفتــوا إحنــا بنطلــع مــن‬
‫بعــض إيــه‪ ..‬وبنســتدعي إيــه عنــد بعــض؟؟!!‬

‫مهــم كــان نعــرف إن كل حالــة مــن دول ليهــا مفتــاح‪ ..‬وكل شــخصية‬
‫فيهــم ليهــا مدخــل‪ ..‬يعنــي ملــا يكــون واحــد قافــش وزعــان وقرفــان‬
‫مــن نفســه‪ ،‬وعايــش حالــة (الوالــد الناقــد) أو (الطفــل املذعــن‪-‬‬
‫املتكيــف)‪ ..‬ملــا تيجــي تكلمــه تعمــل حســابك إنــك تخاطــب فيــه‬
‫(الطفــل الحــر)‪ ..‬تهــزر معــاه‪ ..‬تزغزغــه‪ ..‬كــده يعنــي‪ ..‬مــش تقفــش‬
‫عليــه وتلومــه وتعاتبــه وتكرهــه يف نفســه أكــر مــا هــو كارههــا‪..‬‬

‫‪56‬‬
‫وملــا تكــون مراتــك فرحانــة وبتدلــع وتهــزر وتتنطــط قدامــك‪ ،‬وماليهــا‬
‫(الطفــل الحــر) بتاعهــا‪ ..‬مــا ينفعــش حرضتــك تكلمهــا بـ(الراشــد)‬
‫الحكيــم الفيلســوف املنطقــي الــي جــواك‪ ،‬وال تنقدهــا أو تحكــم‬
‫عليهــا بـ(الوالــد الناقــد) بتاعــك‪..‬‬
‫يف تعامالتــك مــع مرءوســيك‪ ..‬مهــم تكــون ســاعات والــد وســاعات‬
‫راشــد وســاعات طفــل حــر‪ ..‬ومهــم تحــرك فيهــم وتســتدعي كل دول‬
‫برضــه مــن عندهــم وقــت اللــزوم‪..‬‬
‫تفتكــر بقــى النــاس بتــوع الدعايــة واإلعالنــات بيكلمــوا ويســتدعوا‬
‫مــن جوانــا؟‬
‫الطفل الحر طب ًعا‪..‬‬
‫بيكلمــوه باألغــاين واملوســيقى واإلبــداع‪ ..‬بيســتدعوه بخفــة الــدم‬
‫والرشــاقة والجــال‪ ..‬بيحــروه باأللــوان والرســومات واألشــكال‬
‫املبهجــة‪ ..‬علشــان (الطفــل الحــر) ده هــو الــي عنــده رغبــة وتطلــع‬
‫وحــب اســتطالع‪ ..‬وهــو الــي هايشــري‪ ..‬ده مــا مينعــش طب ًعــا إنهــم‬
‫يف بعــض األوقــات القليلــة بيكلمــوا (الوالــد) أو (الراشــد)‪..‬‬

‫نكتة تاين‪..‬‬
‫فيــه ظاهــرة مشــهورة يف الشــعر الجاهــى وبعــض الشــعر الحديــث‪..‬‬
‫وهــي إن الشــاعر بيفتتــح أشــعاره بحاجــة بيســموها (مخاطبــة‬
‫الصاحبــن)‪ ..‬يعنــي يوجــه كالمــه وشــعره (التنــن) زي مثــا‪:‬‬
‫الصبا وأيام أُ ِ‬
‫نس)‪..‬‬ ‫(اختالف النها ِر والليلِ يُنيس‪ ..‬ا ْذكُ َرا يل ِّ‬
‫ُ‬

‫‪57‬‬
‫لغايــة النهــاردة مــا حــدش عنــده تفســر واضــح للحكايــة دي‪ ..‬ليــه‬
‫اتنــن‪ .‬اشــمعنا يعنــي؟ طيــب مــن هــا االتنــن دول؟ وليــه الحكايــة‬
‫دي بتتكــرر كتــر؟ متهيــأيل إن أوضــح تفســر للظاهــرة دي بعــد الكالم‬
‫الــي فــات هــو إن الشــاعر بيكــون يف حالــة مــن التــات حــاالت دول‬
‫(الطفل‪/‬الوالد‪/‬الراشــد) وبيكلــم (بعقلــه الباطــن) االتنــن التانيــن‬
‫الــي جــواه‪..‬‬
‫فيه حاجتني مهمني قبل ما أخلص‪..‬‬
‫ً‬
‫أول‪ ..‬يــا ريــت تكــون شــوفت إنــت عالقتــك إيــه بأجـزاءك الداخليــة‪..‬‬
‫عامــل إيــه مــع النــاس الــي عايشــة جــواك؟ حــاالت األنــا بتاعتــك‬
‫متفاهمــة ومتناســقة وبتحــب بعــض وبتعــرف تخــرج إمتــى ومــع‬
‫مــن؟ والــا إنــت يف خناقــة داخليــة عنيفــة‪ ..‬فيهــا أجــزاء نفســك‬
‫كارهــة بعضهــا وإنــت رافــض دي ومقاطــع دي وعــاوز تخلــص مــن‬
‫دي؟ قابــل نفســك كلهــا عــى بعضهــا بــكل حاالتهــا وأحوالهــا والــا‬
‫مقســمها ومجزءهــا ومخليهــا حتــت مــا لهــاش عالقــة ببعــض؟‬
‫ثان ًيا‪ ..‬اسأل نفسك‪ :‬مني بيطلع من جواك؟ وإمتى؟ ومع مني؟‬
‫شوف إنت بتكلم مني يف الشخص اليل قدامك؟‬
‫اعرف إنت بتوصل إيه عىل املكشوف؟ وإيه من تحت لتحت؟‬
‫اكتشف‪ ..‬مني بيتكلم عىل لسانك؟‬
‫اتعلم عن نفسك‪ ..‬واعرفها‪ ..‬واتعلم عن نفوس اآلخرين واعرفهم‪..‬‬
‫علشان ده مفتاح مهم جدًّ ا‪..‬‬
‫يف أي عالقة صحية‪..‬‬

‫‪58‬‬
‫(‪)4‬‬
‫إنت شايفين؟‬

‫‪59‬‬
‫(ســيجموند فرويــد) كان عنــده صاحــب وأســتاذ اســمه (برويــر)‪..‬‬
‫برويــر كان برضــه محلــل نفــي واشــتغل وكتــب مــع فرويــد شــوية‪..‬‬
‫وكان عنــده مريضــة مهمــة جــدًّ ا يف تاريــخ التحليــل النفــي اســمها‬
‫(أنّــا) بتشــديد النــون‪ ..‬كانــت بتعــاين مــن أعــراض نفســية كتــرة‬
‫وصعبــة اصطلــح عــى تســميتها وقتهــا (هيســترييا)‪..‬‬
‫(أنّــا) خــال رحلــة عالجهــا حســت مبشــاعر حــب وانجــذاب ناحيــة‬
‫الدكتــور بتاعهــا‪ ..‬واملشــاعر دي فضلــت تزيــد لغايــة مــا تحولــت‬
‫لرغبــة جنســية وأحــام بالــزواج‪( ..‬برويــر) كان بيحلــل ده نفســ َّيا‬
‫ويحــاول يحلــه ويعالجــه بهــدوء‪ ،‬لغايــة مــا (أنّــا) تصــورت إنهــا‬
‫حامــل منــه وبــدأت تطــارده‪ ..‬الراجــل توقــف عــن عالجهــا وح ّولهــا‬
‫للمستشــفى‪ ..‬ويقــال إنــه مــن وقتهــا ســاب املهنــة كلهــا‪..‬‬
‫املهــم‪ ..‬فرويــد كان رشيــك برويــر يف الشــغل والتحليــل النفــي‪..‬‬
‫وكان بيتابــع تحليــل وعــاج حالــة (أنّــا)‪ ..‬وقــدر مــن خــال ده إنــه‬
‫يكتشــف إن كل املشــاعر الــي كانــت (أنّــا) بتحســها ناحيــة (برويــر)‬
‫هــي يف الحقيقــة مشــاعر قدميــة ومتخزنــة جواهــا ناحيــة حــد تــاين‬
‫خالــص‪ ..‬افــرض إنــه أبوهــا‪ ..‬وإن املشــاعر دي فضلــت كامنــة ســاكنة‬
‫جواهــا لغايــة مــا جــه شــخص يف حياتهــا ميثــل دور األب (الــي هــو‬
‫كان املعالــج النفــي)‪ ..‬واتحركــت املشــاعر دي تــاين‪ ،‬وتــم إســقاطها‬
‫(طرحهــا) عــى شــخص (برويــر)‪ ،‬وبقــت حاســة إنهــا بتحبــه وبقــي‬
‫عندهــا الرغبــة الطفوليــة يف إنهــا تعيــش حياتهــا معــاه عــى طــول‪..‬‬
‫حالــة (أنّــا) باإلضافــة لكتــر مــن الحــاالت الــي كان بيعالجهــا فرويــد‬
‫وبرويــر ســاعدت عــى صياغــة مفهــوم اســمه (الطــرح) ودخولــه عــامل‬
‫التحليــل والعــاج النفــي لغايــة النهــاردة‪..‬‬

‫‪61‬‬
‫(الطــرح) معنــاه ببســاطة إعــادة توجيــه مشــاعر وأفــكار وســاعات‬
‫ســلوكيات ناحيــة حــد معــن يف الحــارض (بشــكل غــر واعــي) يف حــن‬
‫إن أصلهــا ناحيــة حــد تــاين خالــص يف املــايض‪ ..‬وليــه صــور كتــر جــدًّ ا‪..‬‬
‫ممكــن حــب‪ ..‬ممكــن كــره‪ ..‬ممكــن غضــب‪ ..‬ممكــن تقديــس‪..‬‬
‫وغــره وغــره‪..‬‬
‫املفاجــأة بقــى إن ظاهــرة (الطــرح) دي مــش بتحصــل بــس يف حجــرة‬
‫العــاج النفــي‪ ..‬ال‪ ..‬دي بتحصــل يف البيــت‪ ..‬ويف الشــارع‪ ..‬ويف‬
‫الشــغل‪ ..‬ويف أي حتــة‪..‬‬

‫أوباااااااااااااااااااااااااا‪..‬‬
‫إيه الكالم ده؟!‬
‫الــكالم ده معنــاه ببســاطة إن ممكــن حرضتــك تحــس مبشــاعر ناحيــة‬
‫حــد‪ ..‬وهــي يف الحقيقــة ناحيــة حــد تــاين خالــص !!‬

‫ملــا حرضتــك تشــوف واحــدة يف الشــارع ألول مــرة‪ ..‬وتحــس ناحيتهــا‬


‫بحــب مفاجــئ وقــوي ورسيــع ورهييييييــب‪ ..‬وتشــوف فجــأة إنهــا‬
‫أفظــع بنــت يف الدنيــا‪ ،‬وأروع كائــن يف الوجــود‪ ،‬وإنهــا مليانــة حنيــة‬
‫ورقــة ومالئكيــة‪ ،‬مــن غــر حتــى مــا تكلمهــا كلمــة واحــدة‪ ..‬يبقــى‬
‫ســاعتها فيــه احتــال كبــر إن املشــاعر دي تكــون قدميــة ومتخزنــة‬
‫جوالــك ناحيــة حــد تــاين خالــص‪ ..‬حبيبــة ســابقة‪ ..‬مدرســتك زمــان‪..‬‬
‫صــورة والدتــك املثاليــة يف ذهنــك‪ ..‬وهكــذا‪..‬‬

‫‪62‬‬
‫بــاش كــده‪ ..‬ملــا رئيســك أو مديــرك يف الشــغل يعــدي مــن قدامــك‬
‫وينــى يقولــك صبــاح الخــر‪ ..‬تقــوم حرضتــك تحــس بغضــب شــديد‪،‬‬
‫أو خــوف غــر مــرر‪ ،‬وتبــدأ تتعامــل معــاه بشــكل مليــان جفــاء‬
‫وعنــف‪ ،‬أو رهبــة ورعــب‪ ..‬يبقــى غال ًبــا املوقــف ده حــرك فيــك‬
‫مشــاعر قدميــة ناحيــة حــد تــاين يف حياتــك‪ ..‬مــن أول مدرســك يف‬
‫ثانــوي‪ ..‬لغايــة أبــوك‪..‬‬
‫ملــا تــروح بيتــك‪ ..‬وتحصــل بينــك وبــن مراتــك مناقشــة عاديــة جــدًّ ا‬
‫ألي ســبب تافــه‪ ..‬وتالقــي منهــا رد فعــل قــوي وعنيــف وغري متناســب‬
‫مــع املوقــف أو الســبب‪ ..‬يبقــى هــي غال ًبــا مــش بتكلمــك إنــت‪ ..‬دي‬
‫بتكلــم حــد تــاين قديــم يف شــخصك‪..‬‬
‫ومــا فيــش أشــهر مــن املثــل املتكــرر كل يــوم بــن الزوجــة وحامتهــا‪..‬‬
‫الــي بتقــوم فيــه الزوجــة عــادة بشــكل غــر واعــي بطــرح كل‬
‫مشــاعرها الســلبية الكامنــة يف عقلهــا الباطــن ناحيــة أمهــا (والــي‬
‫ممكــن هــي نفســها مــا تكونــش عارفــة إنهــا موجــودة وال عــرت‬
‫عنهــا قبــل كــده) وتعيــد توجيههــا ناحيــة حامتهــا‪ ..‬يف مشــهد متكــرر‬
‫بشــكل يثــر الدهشــة يف معظــم البيــوت تقري ًبــا‪ ..‬مــن غــر مــا حــد‬
‫يســأل‪ :‬هــو ده أصلــه إيــه؟‬
‫بعــض عاملقــة التحليــل النفــي بيقولــوا إنــه مــا فيــش عالقــة تخلــو‬
‫يف مرحلــة مــن مراحلهــا مــن جــزء (طرحــي)‪ ..‬وإن النمــو الصحــي‬
‫للعالقــات بيخــي الجــزء ده أقــل مــا يكــون‪ ..‬والجــزء الحقيقــي هــو‬
‫األكــر واألغلــب‪..‬‬

‫‪63‬‬
‫باملناســبة‪ ..‬أكــر وأشــهر أنــواع العالقــات اليل بتســهل عمليــة (الطرح)‬
‫دي هــي العالقــات عــر اإلنرتنــت أو التليفــون‪ ..‬الــي مــش بتكــون‬
‫شــايف فيهــا الطــرف التــاين وإنــت بتكلمــه‪ ..‬وده بيســاعد جــدًّ ا إنــك‬
‫ترمــي عليــه مــن جــواك كل الــي متخــزن ومــش القــي حــد يرتمــى‬
‫عليــه‪..‬‬
‫طب ًعــا املوضــوع أعقــد مــن كــده بكتــر‪ ،‬ألن كــان فيــه مســئولية‬
‫بتقــع عــى الجانــب اآلخــر يف تحريــك وتنبيــه وســاعات إثــارة بعــض‬
‫املشــاعر املتخزنــة جوانــا وتوجيههــا ناحيتــه‪ ..‬إىل جانــب إنــه ممكــن‬
‫حــد يتعامــل معــاك مبشــاعره ناحيــة نفســه هــو شــخص ًّيا أو ناحيــة‬
‫جــزء بيحبــه أو بيكــره فيهــا‪..‬‬

‫إحنا غالبة جدًّ ا‪..‬‬

‫تصــور إنــك يف بعــض األوقــات مــش بتكــون شــايف الــي قدامــك‬


‫وإنــت بتكلمــه‪ ..‬وبتكــون يف الحقيقــة شــايف جــواك حــد غــره‪..‬‬
‫وإن ســاعات حــد يكــون بيتعامــل معــاك عــى إنــك شــخص تــاين إنــت‬
‫مــا تعرفوش أص ـاً‪..‬‬
‫وإن عالقاتنا مع بعض مش إحنا بس الرشيك األسايس فيها‪..‬‬

‫‪64‬‬
‫طيــب‪ ..‬أعــرف منــن إذا كانــت مشــاعري وأفــكاري وســلوكيايت ناحيــة‬
‫حــد طبيعيــة والــا (طرحيــة)؟‬
‫طب ًعــا ده ســؤال صعــب وإجابتــه أصعــب‪ ..‬لكــن باختصــار‪ ..‬أول مــا‬
‫تالقــي مشــاعرك ناحيــة حــد كتــرة جــدًّ ا‪ ..‬ورسيعــة جــدًّ ا‪ ..‬ومــا لهــاش‬
‫أي مــرر‪ ..‬اعــرف فــو ًرا إنــك (غال ًبــا) مــش شــايف الحــد ده‪ ،‬ومــش‬
‫بتتعامــل يف الحقيقــة معــاه هــو‪ ..‬إنــت بتتعامــل مــع حــد تــاين‪ ،‬مــن‬
‫خاللــه‪ ..‬طب ًعــا فيــه حاجــات واحتــاالت وتفاصيــل تانيــة كتــر‪ ..‬بــس‬
‫مــش وقتهــا‪..‬‬

‫فيه دعاء شهري بيقول‪( :‬اللهم أرنا األشياء كام هي)‪..‬‬


‫يا رب‪..‬‬
‫أرنا األشياء كام هي‪..‬‬

‫‪65‬‬
‫(‪)5‬‬
‫إوعى تلبس‬

‫‪67‬‬
‫الفصل ده هو الوجه اآلخر للفصل السابق‪..‬‬
‫يعنــي هنــا مــش إنــت الــي عنــدك مشــاعر ناحيــة حــد وهــي أصــا‬
‫ناحيــة حــد تــاين‪..‬‬
‫ال‪..‬‬
‫هنــا أنــت الحــد الــي بترتمــى عليــه املشــاعر دي‪ ..‬وهــي أصـ ًـا مــش‬
‫تبعــك‪ ،‬وال متــت ليــك بصلــة‪..‬‬
‫بص يا سيدي‪..‬‬
‫ال‪ ..‬بص بجد‪..‬‬
‫عــاوزك كــده بهــدوء وببســاطة تبــص حواليــك‪ ..‬أو بصيغــة أدق‪..‬‬
‫تبــص عــى النــاس الــي حواليــك‪..‬‬
‫بالراحة كده‪..‬‬
‫بص كويس‪..‬‬
‫قرايبــك‪ ..‬حبايبــك‪ ..‬جريانــك‪ ..‬أصحابــك‪ ..‬مراتــك‪ ..‬جــوزك‪..‬أي حــد‬
‫تــاين‪..‬‬
‫كل واحــد مــن النــاس دي جــواه (غال ًبــا) ســيناريو قديــم‪ ..‬يعنــي‬
‫مجموعــة مــن األحــداث الحياتيــة الــي اتعــرض لهــا يف مرحلــة مــن‬
‫مراحــل عمــره‪ ،‬ومــا زالــت عايشــة جــواه كــا هــي بنفــس املشــاهد‬
‫واملشــاعر واألفــكار‪ ،‬كأنهــا لســه حاصلــة حــاالً‪ ..‬يعنــي حــد مــا زال‬
‫جــواه شــكل وتفاصيــل عالقتــه بأبــوه‪ ،‬وإزاي كان طيــب وحنــن‬
‫وصبــور‪ ..‬حــد لســه محتفــظ مبشــاعر خوفــه مــن أخــوه الكبــر‪ ..‬حــد‬
‫مفتقــد حبيبتــه األوىل‪..‬‬

‫‪69‬‬
‫واحــدة مــش قــادرة تنــى نظــرات الشــك واالرتيــاب الــي كانــت‬
‫بتشــوفها يف عــن أمهــا ملــا ترجــع البيــت متأخــر شــوية‪ ..‬واحــدة لســه‬
‫محفــور جواهــا األذى النفــي والبــدين الــي اتعرضــت ليــه وهــي‬
‫صغــرة عــى إيــد واحــد جبــان ونــدل اســتحل نفســها وجســمها‪..‬‬
‫واحــدة تالتــة مــش قــادرة تنــى الرعــب الــي كانــت حاســة بيــه ملــا‬
‫تاهــت عــن مامتهــا يف الســوق وهــي صغــرة‪..‬‬
‫وغريه‪ ..‬وغريها‪..‬‬
‫درامــا شــغالة جــوه كل واحــد أو واحــدة‪ ..‬مبنيــة عــى أحــداث قدميــة‬
‫عــدى عليهــا الزمــن وفــات‪ ..‬كل درامــا مــن دول ســايبة أثــر‪ ..‬وكل‬
‫حــدث أو مشــهد أو حكايــة مــن دول ســايبة رســالة نفســية مهمــة‬
‫وأساســية جــدًّ ا يف التكويــن النفــى بتــاع كل حــد فينــا‪ ..‬رســالة‬
‫بيعيــش بيهــا عمــره‪ ..‬وبيبنــي عليهــا حياتــه‪ ..‬وبيتعامــل عــى أساســها‬
‫مــع النــاس‪..‬‬
‫يا لهوي!!‬
‫يعني إيه؟‬
‫يعنــي حــد وصلتــه رســالة مضمونهــا "إنــت مــا تســتاهلش" بــكل‬
‫تنويعاتهــا‪ ،‬زي "إنــت مــا تســتاهلش تتحــب" أو "إنــت مــا تســتاهلش‬
‫تفــرح"‪ ..‬أو "إنــت مــا تســتاهلش غــر درجاتــك يف الثانويــة العامــة"‪..‬‬
‫أو "إنــت مــا تســتاهلش غــر الــي أنــا أســمحلك بيــه"‪..‬‬
‫حــد تــاين وصلتــه رســالة بتقــول "محــدش هايهتــم بيــك إال لــو كنــت‬
‫مريــض"‪ ..‬ويف قــول آخــر "محــدش هايعــرك أي اهتــام إال لــو كنــت‬
‫صانــع للمشــاكل"‪ ..‬ويف قــول ثالــث "عاوزانــا نشــوفك يبقــى تجــذيب‬
‫انتباهنــا عــى قــد مــا تقــدري"‪..‬‬

‫‪70‬‬
‫حــد ثالــث وصلتــه رســايل مجملهــا "مــا ينفعــش تعتمــد عــى نفســك‬
‫وأنــا موجــود"‪ ..‬أو "إنــت مــا تقــدرش لوحــدك"‪ ..‬أو "إنــت هاتفضــل‬
‫صغــر عــى طــول"‪..‬‬
‫حــد رابــع شــبع رســايل مــن نــوع "اعمــل كل حاجــة تخلينــي‬
‫أرىض"‪ ..‬أو "أنــا مــش هــارىض عنــك أبــدً ا"‪ ..‬أو "مهــا عملــت‪ ..‬كأنــك‬
‫ماعملتــش حاجــة"‪..‬‬
‫وهكذا‪ ..‬وهكذا‪..‬‬
‫كتــر مــن الــي وصلتــه رســايل بالشــكل ده‪ ..‬والــي جــواه درامــا‬
‫عاملــة كــده‪ ،‬مــا بيكونــش قدامــه وقــت مــا وصلتــه إال إنــه يصدقهــا‪،‬‬
‫ألنهــا غال ًبــا بتكــون وصلتــه مــن أقــرب النــاس ليــه‪ ..‬ويف وقــت وعمــر‬
‫وظــروف تخليــه مــا يقــدرش يعمــل أي حاجــة غــر إنــه يستســلم‬
‫ليهــا‪..‬‬
‫مــش بــس كــده‪ ..‬ده بيفضــل طــول عمــره عايــش بيهــا‪ ..‬وممحــور‬
‫حياتــه حواليهــا‪ ..‬وبيتــرف عــى أساســها‪..‬‬
‫واألصعــب مــن كل ده‪ ..‬هــو إنــه ســاعات بيســعى طــول الوقــت إنــه‬
‫يحققهــا‪ ..‬آه‪ ..‬يحققهــا‪ ..‬ويثبتهــا‪ ..‬وكأنهــا نبــوءة‪ ..‬مــا ينفعــش غــر‬
‫إنهــا تتحقــق‪ ..‬وده لســبب بســيط جــدااااااااا‪ ..‬هــو إنــه مــا عرفــش‬
‫عــن نفســه وعــن الــي حواليــه (وقتهــا) غــر كــده‪ ..‬ومــا اتعلمــش عن‬
‫الحيــاة والعالقــات (ســاعتها) غــر ده‪ ..‬ومــا كانــش عنــده أي بدائــل‬
‫يحمــي بيهــا نفســه‪ ..‬وال أي اختيــارات تانيــة يدافــع بيهــا عنهــا‪..‬‬
‫طب ًعــا ده يشء صعــب ومــؤمل جــدًّ ا‪ ..‬ومحتــاج شــهور ورمبــا ســنوات‬
‫مــن العــاج النفــي الحقيقي العميــق أو العالقــات الجيــدة الطيبة‪....‬‬

‫‪71‬‬
‫بــس يف الحقيقــة مــش هــو ده الــي عــاوز أتكلــم عنــه‪ ..‬أو ألفــت‬
‫االنتبــاه ليــه‪..‬‬
‫الــي عــاوز ألفــت االنتبــاه ليــه هــو الطــرف التــاين مــن القصــة‪..‬‬
‫الطــرف الــي هاتتحقــق النبــوءة عــى إيديــه‪ ..‬أيــون‪ ..‬الطــرف الــي‬
‫صاحــب النبــوءة هايختــاره علشــان يكمــل الحبكــة الدراميــة‪..‬‬
‫مــا هــو فيــه رســايل وصلــت‪ ..‬وفيــه مرسحيــة دراميــة متخزنــة‪ ..‬وفيــه‬
‫نبــوءة الزم تتحقــق‪ ..‬وفيــه بطــل للقصــة‪ ..‬يبقــى ناقــص مــن؟ قــول‬
‫إنــت بقــااااااااااا‪..‬‬
‫ناقــص الشــخص الــي هايختــاره البطــل علشــان يلعــب الــدور الــي‬
‫ناقــص‪ ..‬الشــخص الــي هايحافــظ عــى ســر األحــداث يف الخــط‬
‫املرســوم ليهــا‪ ..‬الشــخص الــي هايطمــن البطــل إن اختيــاره كان‬
‫صحيــح‪ ..‬وإنــه كان معــذور ملــا صــدق الــي وصلــه‪ ..‬وإنــه مــا كانــش‬
‫ومــا عــادش ينفــع َّإل إنــه يكــون كــده‪ ،‬ويفضــل كــده‪..‬‬
‫مبعنى‪..‬‬
‫معظــم الــي وصلتــه رســالة "إنــت مــا تســتاهلش"‪ ..‬هايــدور طــول‬
‫الوقــت عــى شــخص يعاملــه عــى إنــه مــا يســتاهلش‪ ..‬الشــخص ده‬
‫ممكــن يكــون صاحــب أو صديــق أو زوج أو زوجــة‪..‬‬
‫ومعظــم الــي وصلتــه رســالة "إنــت مــا تقــدرش لوحــدك" هايفضــل‬
‫طــول حياتــه يــدور عــى حــد يتســند عليــه ويعتمــد عــى وجــوده‪،‬‬
‫ومــن غــره يحــس إنــه ضعيــف قليــل الحيلــة‪ ..‬والحــد ده ممكــن‬
‫يكــون رئيســه يف الشــغل أو مراتــه أو حتــى ولــد مــن أوالده‪..‬‬

‫‪72‬‬
‫ومعظــم الــي وصلتــه رســالة "أنــا مــش هــارىض عنــك أبــدً ا"‪ ..‬مــش‬
‫هايســريح غــر ملــا يالقــي حــد ال يــرىض أبــدً ا مهــا عمــل أو بــذل‬
‫مجهــود‪ ،‬ويعمــل معــاه عالقــة‪ ،‬ويتشــعلق فيــه‪..‬‬

‫كل الــي فــات ده بقــى مقدمــة‪ ..‬ومقدمــة مختــرة جــدًّ ا لــي جــاي‬
‫دلوقــت‪ ..‬الــي عــاوز أقولــك فيــه وبــكل وضــوح‪:‬‬
‫كتــر أوي مــن النــاس الــي حواليــك بيــدور عــى حــد يلبســه أحــد‬
‫األدوار املهمــة واملؤثــرة يف مرسحيــة حياتــه‪ ..‬خــي بالــك أحســن حــد‬
‫يحــاول يلبســك دور غــر حقيقتــك‪..‬‬
‫هاتالقــي حــد بيقولــك إنــت أنــاين‪ ،‬مــش بتهتــم بيــا‪ ،‬ومــش شــايف‬
‫غــر نفســك‪ ..‬علشــان يلبســك دور النــدل األنــاين الطــاع‪ ..‬ويؤكــد‬
‫لنفســه رســالة "إنــت داميًــا مظلــوم"‪..‬‬
‫هاتالقــي حــد بيطلــع منــك كل رش‪ ..‬ويســتفز فيــك كل غضــب‪..‬‬
‫ويتصيــد ليــك كل خطــأ‪ ..‬علشــان يلبســك دور الرشيــر املتســلط‬
‫املفــري‪ ..‬ويؤكــد لنفســه رســالة "كل النــاس وحشــن‪/‬أرشار‪ ،‬وأنــا بــس‬
‫الــي طيــب"‪..‬‬
‫هاتالقــي حــد بيشــكرك عــال عــى بطــال‪ ..‬ويعربلــك عــن كل االمتنان‬
‫والعرفــان مــن غــر مــا تعمــل أي حاجــة‪ ..‬مــا يتحركــش إال بإذنــك‪..‬‬
‫ومــا يتنفســش إال مبشــورتك‪ ..‬علشــان يلبســك دور الشــخص القــوي‬
‫الباســل املخلــص‪ ..‬ويفضــل معتمــد عليــك‪ ،‬ويؤكــد لنفســه رســالة "مــا‬
‫ينفعــش تعتمــد عــى نفســك"‪..‬‬

‫‪73‬‬
‫هاتالقــي الــي بيحــاول يلبســك دور أبــوه الطيــب‪ ،‬ويحرمــك مــن‬
‫حقــك يف الغضــب والحنــق والرفــض أحيانًــا‪ ..‬هاتالقــي الــي بيحــاول‬
‫يلبســك دور حبيبتــه القدميــة‪ ،‬مــن غــر مــا يشــوفك ويشــوف‬
‫حقيقتــك األجمــل واألحــى‪ ..‬وهاتالقــي الــي بيحــاول يلبســك دور‬
‫املعتــدي املجــرم القــايس‪ ..‬بــدون أي وجــه حــق‪..‬‬
‫هاتالقــي الــي يحــاول يلبســك دور الجــاين‪ ..‬والــي يحــاول يلبســك‬
‫دور الضحيــة‪ ..‬والــي يحــاول يلبســك دور املنقــذ‪ ..‬وإنــت وال جــاين‬
‫وال ضحيــة وال منقــذ‪ ..‬إنــت شــخص عــادي طبيعــي غلبــااااااان‪..‬‬

‫خيل بالك بقى‪..‬‬


‫وف ّتح عينك كويس جداااااا‪..‬‬
‫إوعى تلبس أي دور حد يحاول يلبسهولك‪..‬‬
‫إوعى تكون إنت الشخص اليل هايحقق النبوءة املشئومة‪..‬‬
‫إوعــى تالقــي نفســك طــرف يف لعبــة دراميــة بائســة‪..‬ال هــي بتاعتــك‪..‬‬
‫وال إنــت قدّ هــا‪..‬‬
‫وإذا كان ده حصــل فع ـاً‪ ..‬فالحــق برسعــة وبــدون أي تــردد‪ ..‬اقلــع‬
‫الــدور ده فــوراااااااااااااا‪ ..‬وارجــع نفســك الــي كنــت تعرفهــا ومتأكــد‬
‫منهــا قبــل مــا تعــرف الشــخص ده مبــارشة‪ ..‬ومــا تســمحش لــه أو‬
‫لغــره إنــه يلبســك أي دور أو يدخلــك يف أي مرسحيــة حياتيــة هزلية‪..‬‬

‫إوعى تلبس‪..‬‬
‫إوعى تلبس‪..‬‬

‫‪74‬‬
‫(‪)6‬‬
‫أنا إنيت‬

‫‪75‬‬
‫ظبتــي نفســك قبــل كــده وإنتــي بتعمــي نفــس الــي مامتــك كانــت‬
‫بتعملــه معــايك وإنتــي صغــرة؟‬
‫كشــفت نفســك يف أي مــرة وإنــت يف أحــد املواقــف أو الترصفــات‪،‬‬
‫نســخة طبــق األصــل مــن حــد غــرك؟ أبــوك‪ ..‬أخــوك‪ ..‬حــد مــن‬
‫أصحابــك‪..‬‬
‫جربت الحكاية دي قبل كده؟‬
‫كشفت نفسك مرة وإنت حد تاين؟‬
‫قفشــت نفســك وإنــت بتكــرر نفــس الــي اتعمــل معــاك‪ ،‬بــس مــع‬
‫غــرك؟‬
‫كام مرة كنت (إنت) النهاردة؟‬
‫بص كده يف املراية‪..‬‬
‫هو إنت مني دلوقت؟‬

‫إحنــا ســاعات ملــا بنحــب حــد‪ ،‬خاصــة مــن املشــاهري وإحنــا يف ســن‬
‫الشــباب‪ ..‬بنلبــس زيــه‪ ،‬نــرح نفــس ترسيحتــه‪ ،‬وهكــذا‪ ..‬بنعمــل ده‬
‫بشــكل واعــي وواضــح‪ ..‬وده اســمه (تقليــد)‪..‬‬
‫لكــن ســاعات بيوصــل بينــا الحــب والشــغف درجــة كبــرة جــدًّ ا‪ ،‬مــع‬
‫عــدم قدرتنــا عــى الوصــول لــي بنحبــه‪ ،‬أو عــدم اســتطاعتنا إننــا‬
‫نكــون زيــه‪ ..‬وقتهــا ممكــن نعمــل حاجــة تانيــة غــر (التقليــد) اســمها‬
‫(تقمــص)‪ ..‬وده بيعملــه عقلنــا الباطــن بــدون وعــي كامــل مننــا‪..‬‬
‫فنتكلــم زي الحــد ده‪ ،‬منــي زيــه‪ ،‬نفكــر زيــه‪ ،‬نســتقبل زيــه‪ ،‬نفهــم‬
‫زيــه‪ ،‬نحــس زيــه‪ ،‬باختصــار‪ ..‬نتحــول لنســخة منــه‪ ..‬نبقــى (هــو)‪..‬‬

‫‪77‬‬
‫الحكايــة دي مهمــة جــدًّ ا يف بعــض األوقــات‪ ..‬مهــم إن الولــد يف ســن‬
‫معــن يتقمــص أبــوه علشــان يحــس إنــه بينتمــي لعــامل الرجــال‪،‬‬
‫ويتكــون جــواه الضمــر األبــوي الــي هايســتمر معــاه طــول حياتــه‪،‬‬
‫وكــان مهــم إن البنــت يف إحــدى مراحــل طفولتهــا تتقمــص أمهــا‬
‫علشــان تحــس إنهــا تنتمــي لعــامل اإلنــاث ويتكــون برضــه جواهــا‬
‫الضمــر اإلنســاين الــي هاتعيــش بيــه‪..‬‬

‫ســاعات بنتقمــص النــاس الــي بنحبهــم علشــان نحــس إننــا قريبــن‬


‫منهــم وكل حتــة فينــا تتونــس بيهــم‪ ..‬ســاعات بنتقمــص أســاتذتنا‬
‫وأصحابنــا وإخواتنــا وحبايبنــا‪ ..‬وغريهــم وغريهــم‪ ..‬التقمــص هنــا‬
‫بيكــون مطلــوب كشــكل مــن أشــكال القــرب أو التعلــم أو النمــو‬
‫النفــي‪ ..‬باتقمــص حــد‪ ،‬أقــرب منــه أو تونــس بيــه أو أتعلــم منــه‬
‫حاجــة‪ ،‬وبعديــن خــاص‪ ..‬زي الجاكيــت كــده الــي ممكــن ألبســه يف‬
‫وقــت معــن وأقلعــه بعدهــا بشــوية وألبــس غــره وهكــذا‪..‬‬

‫بــس الغريــب واملثــر للدهشــة‪ ..‬هــو إننــا ســاعات بنتقمــص النــاس‬


‫الــي بنكرههــم‪ ..‬النــاس الــي آذونــا‪ ..‬النــاس الــي اعتــدوا علينــا‬
‫وشــوهونا وتركــوا فينــا آثــار ســيئة‪ ..‬ده اســمه (تقمــص املعتــدي)‪..‬‬
‫أو (التوحــد مــع املعتــدي)‪Identification with the Aggressor ..‬‬

‫وهنا فصل الخطاب‪ ..‬ومحور الكالم‪ ..‬ولب الرسالة‪..‬‬

‫‪78‬‬
‫شوف شوية أمثلة‪..‬‬
‫طالــب يف لجنــة امتحــان شــفهي‪ ..‬والدكتــور كان غلــس وقــايس‬
‫وظــامل‪ ..‬وطلــع عــن الولــد وبهدلــه‪ ..‬وكان هايســقطه‪ ..‬تلــف األيــام‬
‫والســنني‪ ،‬ويبقــى الطالــب ده يف نفــس مــكان الدكتــور وبيمتحــن‬
‫طالــب عنــده‪ ..‬تالقيــه بــدل مــا يكــون لطيــف ومنصــف وعــادل‬
‫معــاه‪ ..‬يتحــول بقــدرة قــادر إىل نســخة طبــق األصــل مــن الدكتــور‬
‫الــي ظلمــه‪ ..‬وســاعات يكــون أقــى وأظلــم منــه‪..‬‬
‫طفــل اتعــرض لرتبيــة صعبــة وطريقــة قاســية يف التعامــل مــن أبــوه‬
‫وأمــه‪ ..‬يجــي ملــا يخلــف ويكــون عنــده أوالد‪ ..‬يتعامــل معاهــم‬
‫يف كتــر مــن املواقــف بنفــس القســوة الــي اتعــرض ليهــا‪ ..‬وكأنــه‬
‫بيتقمــص أبــوه أو أمــه‪ ..‬بــدال مــن عمــل العكــس‪..‬‬
‫حــد اتعــرض لقهــر وعنــف وذل‪ ..‬أول مــا تلــف األيــام وتــدور دورتهــا‪،‬‬
‫ويبقــى يف مــكان الــى قهــره وظلمــه‪ ،‬يتحــول لنســخة منــه‪ ..‬ورمبــا‬
‫أســوأ‪..‬‬

‫إحنــا ســاعات بنتقمــص الــي اعتــدى علينــا علشــان معرفنــاش ناخــد‬


‫حقنــا منــه‪ ..‬أو علشــان مــا نحســش بالضعــف والعجــز قــدام نفســنا‪..‬‬
‫أو علشــان يف نفــس الوقــت الــي كنــا فيــه بنكرهــه‪ ..‬كنــا برضــه‬
‫بنحبــه‪..‬‬

‫‪79‬‬
‫بص تاين كده يف املراية‪ ..‬واسأل نفسك كامن مرة‪..‬‬
‫كام مرة اتعاملت مع حد بنفس طريقة تعامل أبوك معاك؟‬
‫يف كام موقــف لقيتــي نفســك بتكــرري مــع بنتــك أو صاحبتــك نفــس‬
‫الــي كانــت والدتــك بتعملــه معــايك؟‬
‫إمتى آخر مرة تقمصت حد غريك ولعبت دوره؟‬
‫إمتى آخر مرة كنت مش إنت؟ كنت اليل ظلمك واعتدى عليك؟‬
‫يف الحقيقــة أكــر ظلــم ممكــن تظلمــه لنفســك هــو إنــك تكــون‬
‫نســخة مــن الــي آذاك‪..‬‬
‫وأكرب انتصار عليك من حد ظلمك‪ ..‬هو إنه يحولك لصورة منه‪..‬‬
‫مش بس كده‪..‬‬
‫ده كــان أكــر أذى ممكــن يؤذيهولــك حــد بتحبــه‪ ..‬هــو برضــه‬
‫إنــه يخليــك نســخة منــه‪ ..‬ألنــه هاميســح شــخصيتك فيــه‪ ،‬ويــد ّوب‬
‫مالمحــك جــواه‪ ،‬ويحرمــك مــن اختالفــك وتفــردك‪ ..‬هايخليــك زي‬
‫الوصــف املوجــود يف أغنيــة أصالــة (أنــا إنتــى)‪ ..‬وصــف شــكله جميــل‬
‫مــن بــره‪ ،‬لكنــه مليــان تشــويه وأذى مــن جــوه (وباقــي األغنيــة‬
‫بيؤكــد كــده)‪:‬‬
‫أنا حبك‪ ..‬أنا صاحبك‪ ..‬أنا عقلك وتفكريه‪..‬‬
‫ما أنا منك‪ ..‬وروح قلبك‪ ..‬وأخويك ملا تحكيله‪..‬‬
‫أنا فرحك‪ ..‬أمل تعبك‪..‬‬
‫أنا يف كل اليل بتحسيه حاسس بييك‪..‬‬
‫ما أنا إنتي‪ ..‬ما أنا إنتي‪..‬‬
‫‪80‬‬
‫مــا فيــش تشــويه أكــر مــن إنــك تالقــي نفســك بتعيــش بشــخصية‬
‫حــد تــاين‪ ..‬مهــا كان الحــد ده‪..‬‬

‫بص يف املراية مرة أخرية‪..‬‬


‫واوعد نفسك‪..‬‬
‫إنك هاتفضل طول الوقت (أنت)‪..‬‬
‫وإنك مش هاتكون يف أي وقت أي حد تاين غريك‪..‬‬
‫أي حد‪..‬‬

‫‪81‬‬
‫(‪)7‬‬
‫انتبه‪ ..‬أنت ترجع إىل اخللف‬

‫‪83‬‬
‫تفتكــر إيــه أصعــب حاجــة ممكــن الواحــد يعملهــا ملــا يتعــرض‬
‫لحــدث نفــي هائــل يفــوق قدراتــه النفســية عــى التحمــل‪ :‬حــادث‬
‫مفاجــئ‪ ..‬خــر وحــش‪ ..‬ظــروف صعبــة‪ ..‬أذى بــدين أو معنــوي‬
‫شــديد‪ ..‬تربيــة قاســية‪ ..‬فقــد يشء أو شــخص غــايل أو عزيــز (مــع‬
‫وجــود بعــض العوامــل الجينيــة‪ ،‬وبعــض االضطـراب الكيميــايئ باملــخ‪،‬‬
‫وبعــض الظــروف االجتامعيــة أو البيئيــة طب ًعــا)؟‬
‫يف الحقيقــة هــو ممكــن يعمــل (أو تحصــل لــه) حاجــات كتــر‪ ،‬منهــا‬
‫إنــه يصــاب مبــرض أو َع ـ َرض نفــي‪ ..‬اكتئــاب‪ ..‬توتــر‪ ..‬اضط ـراب مــا‬
‫بعــد الصدمــة‪ ..‬أو درجــات مختلفــة مــن غيــاب الوعــي‪ ..‬وســاعات‬
‫اضط ـراب يف الشــخصية‪ ،‬وممكــن جنــون‪ ..‬وغريهــم‪..‬‬

‫األمــراض النفســية ليهــا أشــكال وأنــواع كتــر جــدًّ ا‪ ..‬لدرجــة إن‬


‫أســاميها بتتغــر كل شــوية مــع االكتشــافات الجديــدة يف عــامل الطــب‬
‫النفــي‪ ..‬لكــن مــن وجهــة نظــر تحليليــة معينــة‪ ،‬بعــض األم ـراض‬
‫النفســية هــي يف الحقيقــة رجــوع للخلــف (نكــوص‪..)Regression /‬‬
‫مبعنــى‪ ..‬إنــه أمــام الصدمــة النفســية الشــديدة الــي ممكــن حــد‬
‫يقابلهــا أو ميــر بيهــا‪ ،‬بيقــرر عقلــه ‪ -‬يف بعــض األوقــات‪ -‬إنــه يرجــع‬
‫آلخــر مرحلــة عمريــة كان حاســس فيهــا باألمــان واالت ـزان النفــي‪..‬‬
‫عــادة بتكــون املرحلــة دي أثنــاء الطفولــة‪ ..‬يرجــع ســنة‪ ،‬اتنــن‪،‬‬
‫ثالثــة‪ ،‬عــرة‪ ،‬عرشيــن‪ ..‬هــو ونصيبــه‪ ..‬وبتظهــر عليــه وهــو كبــر‬
‫كل املواصفــات والخــواص النفســية الــي كانــت موجــودة عنــده يف‬
‫املرحلــة العمريــة الصغــرة دي (بــس وقتهــا كانــت موجــودة بشــكل‬
‫طبيعــي كجــزء مــن منــوه)‪..‬‬

‫‪85‬‬
‫تصــور بقــى لــو املريــض كل مــا يرجــع بعقلــه كام ســنة لــورا‪ ،‬يالقــي‬
‫املرحلــة الــي رجعلهــا مرتبطــة كــان بصدمــة نفســية تانيــة‪ ،‬وتالتــة‪،‬‬
‫وهكــذا‪..‬‬
‫ســاعتها هايضطــر يعمــل حاجــة صعبــة جــدًّ ا‪ ..‬وهــي إنــه هايفضــل‬
‫يرجــع لغايــة مــا يوصــل للمرحلــة النفســية الــي كان فيهــا وهــو‬
‫عنــده كام شــهر‪ ،‬ملــا كان بيتخيــل‪ /‬يهلــوس حاجــات مــش موجــودة‬
‫يســي بيهــا نفســه يف غيــاب أمــه (وإحنــا نقــول عليــه ده بيحــرك‬
‫عينيــه علشــان بيشــوف املاليكــة)‪ ..‬ونســمي ده يف علــم املــرض‬
‫النفــي رجــوع‪ /‬نكــوص غــايئ متقــدم ‪Progressive Teleological‬‬
‫‪ Regression‬يــؤدي إىل (الفصــام)‪ ..‬الجنــون يعنــي‪ ..‬وهــو مــن أعتــى‬
‫األم ـراض النفســية‪ ..‬لكنــه مــش أعتاهــا وال أصعبهــا عــى اإلطــاق‪..‬‬
‫األعتــى واألصعــب فعـ ًـا مــن الجنــون ومــن االكتئــاب ومــن اضطـراب‬
‫الشــخصية هــو إن املريــض يرجــع لــورا شــوية أكــر‪ ..‬آه‪ ..‬يرجــع كــان‬
‫قبــل الــكام شــهر األوالنيــن يف عمــره‪ ،‬علشــان حتــى دول مــا كانــش‬
‫حاســس فيهــم باألمــان (إهــال شــديد مــن األم‪ ،‬قســوة شــديدة مــن‬
‫األب أو األم‪ ،‬صدمــة نفســية شــديدة جــدًّ ا)‪ ..‬ســاعتها هايقــرر (بشــكل‬
‫غــر واعــي) إنــه يرجــع للرحــم‪ ..‬لحيــاة ووضــع وســلوك الجنــن‪..‬‬
‫فاكريــن مسلســل (ســارة)‪ ..‬أهــو هــو ده الــي كان حاصــل ليهــا‪..‬‬
‫ســارة كانــت عايشــة حيــاة الجنــن علشــان دي كانــت آخــر مرحلــة‬
‫هــي حســت فيهــا باألمــان يف حياتهــا‪ ..‬وملــا اطمنــت للعــامل وللنــاس‬
‫عــن طريــق الدكتــور الــي كان بيعالجهــا (د‪ .‬حســن)‪ ،‬كــرت شــوية‬
‫وبقــت تتكلــم وتتــرف زي األطفــال الصغرييــن‪ ..‬وتوالــت أحــداث‬
‫املسلســل‪..‬‬

‫‪86‬‬
‫كل ده أنا كاتبه يف الحقيقة علشان أمهد وأقدم للكالم الجاي‪..‬‬

‫إنــت عــارف إن الجنــن يف رحــم أمــه بيحــس وبيســتقبل رســايل كتــر‬


‫مــن العــامل الخارجــي؟ بيوصلــه حنــان أمــه ومشــاعرها‪ ..‬بيحــس هــي‬
‫مضايقــة والالفرحانــة‪ ،‬بيعــرف هــي مطمنــة والــا قلقانــة‪ ،‬بيوصلــه‬
‫هــي بتحبــه والــا أل‪ ،‬قابلــة وجــوده والالرافضــاه‪ ،‬عــاوزاه والالجــه‬
‫غلطــة‪ ..‬هــو بيحــس ويســتقبل كل ده بطــرق كتــر جــدًّ ا أبســطها‬
‫الهرمونــات الــي بيفرزهــا جســم األم يف حاالتهــا النفســية املختلفــة‬
‫وبتوصــل للجنــن مــن خــال املشــيمة‪ ..‬يعنــي حتــى ج ـ َّوه الرحــم‪..‬‬
‫ممكــن الجنــن يحــس بالحــب والعطــف والقبــول واألمــان‪ ..‬أو يحــس‬
‫بالكُــره والجفــاء والرفــض والتهديــد‪ ..‬ده مــش كالم فلســفي وال‬
‫أســطوري‪ ..‬ده كالم علمــي عليــه آالف األبحــاث والدالئــل الحديثــة‪..‬‬
‫املهــم‪ ..‬تصــور بقــى لــو حــد حصلــه صدمــة نفســية بــأي شــكل مــن‬
‫الــي وصفناهــم‪ ،‬وكل مــا عقلــه يُحــاول يرجــع آلخــر مرحلــة عمريــة‬
‫حــس فيهــا بأمــان مــا يالقيــش‪ ،‬وال حتــى يف الرحــم وهو جنــن‪ ..‬عارف‬
‫هايعمــل إيــه ؟ عــارف إيــه القـرار الــي عقلــه هاياخــده (بشــكلٍ غــر‬
‫واعــي طب ًعــا) وينفــذه ؟ ق ـرار يف منتهــى الصعوبــة والقســوة‪ ..‬ق ـرار‬
‫إنــه ينفصــل عــن العــامل‪ ..‬يخاصــم الحيــاة‪ ..‬يقفــل عــى نفســه أبــواب‬
‫نفســه‪ ..‬هــو مــش هاينتحــر أو ميــوت نفســه‪ ..‬ال‪ ..‬هــو هايعمــل حاجة‬
‫أصعــب‪ ..‬هــو هايعيــش ميــت‪ ..‬هايبقــى زيــه زي أي نبــات أو جامد‪..‬‬
‫ال يــاكل‪ ،‬وال يــرب‪ ،‬وال يتكلــم‪ ..‬تشــيله مــن هنــا وتحطــه هنــا‪ ..‬مــا‬
‫يتحكمــش يف أعصــاب وعضــات جســمه وال حتــى يف دخولــه الحامم‪..‬‬
‫لــو ســيبته واقــف هايفضــل واقــف‪ ..‬لــو خليتــه قاعــد هايفضــل‬
‫قاعــد‪ ..‬إنــت قــدام شــخص قــرر يفــارق الحيــاة وهــو عايــش‪..‬‬

‫‪87‬‬
‫بيســموا ده يف الطــب النفــي كتاتونيــا ‪ ،Catatonia‬وهــي كلمــة مــن‬
‫أصــل التينــي معناهــا جثــة‪ ..‬بنــي آدم ق ـ ّرر يتحــول لجثــة‪ ..‬علشــان‬
‫ده الوضــع الوحيــد الــي بيحــس فيــه باألمــان‪ ..‬وضــع الخــروج مــن‬
‫الحيــاة بــكل ســخافتها ورضاوتهــا ومخاوفهــا‪ ..‬هــو مــش بــس بيغيــب‬
‫بوعيــه زي حــاالت الهيســترييا واالنشــقاق‪ ..‬ال‪ ..‬ده كــان بيغيــب عــن‬
‫العــامل بجســمه‪ ..‬ومبشــاعره‪ ..‬وبأحاسيســه‪..‬‬

‫الكتاتونيــا هــي أصعــب مرحلــة مــن املراحــل الــي ممكــن يوصــل‬


‫ليهــا أي مريــض نفــي‪ ،‬وعالجهــا أصعــب منهــا‪ ،‬وفهمهــا والوصــول‬
‫ملعانيهــا املختلفــة مــن مريــض ملريــض أصعــب وأصعــب‪..‬‬

‫يف جلســة مــع إحــدى مريضــات الكتاتونيــا بعــد عالجهــا‪ ..‬قالــت‬


‫املريضــة للمعالــج بتاعهــا (اإليطــايل ســيلفانو آريتــي) إنــه مــن ضمــن‬
‫أســباب مرضهــا بعــدم الحركــة واالنفصــال عــن العــامل هــو شــعورها‬
‫بالذنــب‪ ،‬ألنهــا كانــت متصــورة إن أي حركــة هاتعملهــا ولــو بســيطة‬
‫هاتلخبــط موازيــن الكــون كلــه‪ ..‬كالم شــكله غريــب‪ ..‬لكــن يف‬
‫الحقيقــة‪ ،‬املريضــة دي وصلهــا طــول عمرهــا إن كل أفعالهــا غلــط‪..‬‬
‫وكل كالمهــا بيعمــل مشــاكل‪ ..‬وكل ترصفاتهــا بتلخبــط الدنيــا‪ ..‬الــي‬
‫وصلولهــا شــعور عميــق وســاحق بالذنــب عــى كل حاجــة‪..‬‬ ‫حواليهــا ّ‬
‫حســت إن وجودهــا نفســه يدعــو للشــعور بالذنــب‪..‬‬ ‫لدرجــة إنهــا ّ‬
‫فقــرر عقلهــا الباطــن إنــه يشــل هــذا الوجــود ويوقــف نشــاطه‬
‫ومينعــه مــن عمــل كل يشء وأي يشء‪ ..‬علشــان مــا تغلطــش ومــا‬
‫تتعرضــش للعقــاب‪ ..‬ومــا تحســش بالذنــب‪..‬‬

‫‪88‬‬
‫الكتاتونيــا هــي انعــدام الحيــاة النفســية بحثًــا عــن لحظــة أمــان‬
‫واحــدة فيهــا‪..‬‬
‫الكتاتونيا هي قرار بوقف الوجود‪ ..‬من شدة األمل والخوف‪..‬‬
‫الكتاتونيا هي أعمق درجة من درجات املوت النفيس‪..‬‬

‫لــو ليكــم أصحــاب‪ ..‬قربــوا منهــم وحبوهــم واســتقبلوا حبهــم‪..‬‬


‫احفــروا ذكرياتكــم الحلــوة معاهــم يف كل خليــة فيكــم‪..‬‬
‫لــو ليكــم أهــل‪ ..‬اقعــدوا معاهــم واســمعوهم وكلموهــم‪ ..‬ســامحوهم‬
‫واعذروهــم‪ ..‬احضنوهــم وحســوا بحضنهم‪..‬‬
‫وانتــو برتبــوا أوالدكــم‪ ..‬خلــوا فيــه بينكــم وبينهــم لحظــات حلــوة‬
‫كتــر‪ ..‬مواقــف طيبــة فيهــا قبــول وفرحــة ورحمــة‪..‬‬
‫علشان يف ٍ‬
‫وقت من األوقات‪..‬‬
‫لحظــة أمــان واحــدة‪ ..‬ممكــن تكــون هــي حائــط الصــد ضــد صدمـ ٍة‬
‫نفســي ٍة مفاجئـ ٍة‪..‬‬
‫موقــف طيــب بســيط‪ ..‬ممكــن يكــون هــو درع الحاميــة قصــاد‬
‫هجــوم املــرض النفــي ورشاســته‪..‬‬
‫حضــن دايف صغــر ‪ ..‬ممكــن يكــون هــو مكانــك األخــر عنــد اختفــاء‬
‫كل األماكــن‪..‬‬
‫كلمــة حلــوة‪ ..‬نظــرة قــرب‪ ..‬ابتســامة رضــا‪ ..‬ممكــن تكــون هــي امللجأ‬
‫واملــاذ واملنقــذ‪ ..‬وقــت طوفــان النفــس العنيف‪..‬‬
‫‪89‬‬
‫غمــض عينــك‪ ..‬حســهم‪ ..‬افتكرهــم‪ ..‬اســرجعهم‪ ..‬وامســكهم‬
‫بذاكرتــك‪ ..‬ومــا تفرطــش فيهــم أبــدً ا‪..‬‬

‫ولــو قليلــن أو مــش موجوديــن‪ ..‬الحــق اعملهــم وعيشــهم واســتمتع‬


‫بيهــم واحتفــظ بيهــم جــواك‪ ..‬ميكــن يكونــوا هــا الفرصــة األخــرة‪..‬‬
‫قبل الرجوع النفيس للخلف‪..‬‬

‫‪90‬‬
‫(‪)8‬‬
‫أنا بعشق البحر‬

‫‪91‬‬
‫حكايتنا مع املاية حكاية غريبة جدًّ ا‪..‬‬
‫أول عالقــة لينــا مــع املايــة كانــت يف الرحــم‪ ..‬ملــا كان كل واحــد فينــا‬
‫غرقــان يف الســائل األمنيــويس وعامــل زي الســمكة الــي عايشــة يف‬
‫البحــر‪ ..‬حالــة جميلــة مــن املتعــة والهــدوء والدفــا‪ ..‬األكل والــرب‬
‫بيوصــل لغايــة عنــدك‪ ..‬حــي األكســجني مــش بتبــذل أي مجهــود‬
‫علشــان تحصــل عليــه‪ ..‬قمــة األمــان واالطمئنــان والرفاهيــة‪ ..‬ملــك‬
‫متــوج عــى عــرش الرحــم‪ ..‬مــا فيــش خــوف‪ ..‬مــا فيــش أمل‪ ..‬مــا فيــش‬
‫مســئولية‪ ..‬جنــة كاملــة بــكل مواصفاتهــا وتفاصيلهــا‪..‬‬
‫لغايــة مــا يجــي اليــوم املوعــود‪ ..‬وتتزلــزل األرض مــن تحتــك‪ ..‬وتنهــار‬
‫الســا مــن فوقــك‪ ..‬وتنفجــر شــاالت امليــاه مــن كل ناحيــة‪ ،‬وتنقبــض‬
‫عليــك جــدران الرحــم بــكل قســوة‪ ،‬علشــان تطــردك مــن جنتــك زي‬
‫مــا أبــوك آدم اتطــرد مــن جنتــه بالظبــط‪ ..‬وتنــزل عــى األرض‪ ..‬ويبــدأ‬
‫الخــوف‪ ،‬واألمل‪ ،‬واملســئولية‪..‬‬
‫زي مــا قولنــا قبــل كــده‪ ،‬كتــر مــن األمـراض النفســية ميكــن تفســرها‬
‫مــن وجهــة نظــر معينــة عــى إنهــا رجــوع للخلــف ‪Regression‬‬
‫يف تاريــخ تطورنــا ومنونــا النفــي لغايــة آخــر لحظــة كنــا فيهــا يف‬
‫أمــان وتــوازن نفــي‪ ..‬ومــن أصعــب األمــراض دي مــرض الفصــام‬
‫الــي املريــض بريجــع فيــه لغايــة املرحلــة الفميــة مــن منــوه النفــي‬
‫(تبــدأ مــن الــوالدة حتــى ســن ســنتني)‪ ،‬والــي كان فيهــا بيهلــوس‬
‫ويتخيــل حاجــات مــش موجــودة يســي بيهــا نفســه يف غيــاب أمــه‪..‬‬
‫فيــه مــرىض قليلــن جــدًّ ا بريجعــوا أكــر شــوية لغايــة حيــاة الرحــم‪..‬‬
‫وتصيبهــم حالــة نفســية وجســدية نــادرة ياخــدوا فيهــا وضــع الجنــن‪..‬‬
‫علشــان ده الوضــع والوقــت واملــكان الوحيــد الــي كان فيــه أمــان‬
‫بالنســبة ليهــم‪..‬‬

‫‪93‬‬
‫فيــه ظاهــرة شــهرية جــدًّ ا يف بعــض املــرىض النفســيني الــي عندهــم‬
‫أمــراض زي الفصــام‪ ،‬والهــوس‪ ..‬وهــي إنهــم بيحبــوا املايــة ويبقــوا‬
‫عاوزيــن يرشبــوا مايــة كتــر جــدًّ ا‪ ..‬لدرجــة أن بعضهــم بيحصلّــه‬
‫مشــاكل عضويــة بســبب زيــادة نســبة املايــة يف الجســم (تســمم‬
‫امليــاه)‪ ..‬ورغــم إن فيــه تفســرات كتــر للظاهــرة دي‪ ..‬لكــن مــن‬
‫أهــم تفسـراتها النفســية هــي رغبــة املــرىض دول يف االتصــال باملايــة‬
‫والغــوص فيهــا زي مــا كانــوا زمــان يف الرحــم‪.‬‬
‫السؤال بقى‪ ..‬هو إحنا فاكرين حياتنا يف الرحم؟‬
‫هو عقلنا لسه محتفظ بذكرياتنا يف بطون أمهاتنا؟‬
‫هي قدرات ذاكرتنا تقدر توصل للدرجة دي؟‬
‫واإلجابة بكل وضوح ومبارشة‪ :‬نعم‪ ..‬أيون‪ ..‬فعالً‪ ..‬جدًّ ا‪..‬‬

‫فيــه عــامل نفــي شــهري اســمه ستانيســاف جــروف ‪،Stanislav Grof‬‬


‫عمــل مجموعــة هائلــة مــن األبحــاث والتجــارب عــى كتــر مــن الناس‬
‫يف ســبعينيات ومثانينيــات القــرن املــايض (ومــا زال لغايــة النهــاردة)‪،‬‬
‫باســتخدام طريقــة معينــة يخليهــم بيهــا يغيبــوا عــن الوعــي شــوية‪،‬‬
‫ويدخلــوا يف حالــة مــن الهــاوس ومــا يشــبه األحــام والــرؤى‪..‬‬
‫حســوا بإيــه‪ ..‬ويخليهــم‬ ‫ويســألهم ملــا يفوقــوا هــا شــافوا إيــه أو ّ‬
‫يســجلوا أو يرســموا الــي شــافوه‪ ..‬كتــر جــدًّ ا مــن النــاس كانــوا‬
‫بيوصفــوا إحساســهم بأنهــم كانــوا زي الســمكة يف البحــر‪ ..‬وبعضهــم‬
‫وصــف بشــكل تفصيــي إحساســه جــوه مــكان مغلــق مليــان مايــة‪،‬‬
‫وبعضهــم رســم بوضــوح شــديد رحــم مقفــول فيــه فتحــة صغــرة‬
‫داخــل منهــا نــور‪ ..‬بعــض النــاس كــان وصفــوا شــعورهم باالختنــاق‪..‬‬
‫أو بالضغــط الشــديد حواليهــم‪ ..‬أو بالزهــق والضيــق‪..‬‬

‫‪94‬‬
‫(جــروف) بيفــر ده بأننــا كلنــا عندنــا –عــى مســتوى مــا مــن‬
‫مســتويات وعينــا‪ -‬مخــزون هائــل مــن ذكريــات وجودنــا يف الرحــم‪،‬‬
‫ورغبــة دامئــة يف العــودة ليــه‪ ..‬والذكريــات دي مــش بــس موجــودة يف‬
‫ذاكرتنــا املُخّيــة‪ ..‬ال‪ ..‬دي موجــودة يف جســمنا وخاليانــا فيــا يُعــرف‬
‫حدي ًثــا باســم (الذاكــرة الخلويــة)‪ ..‬أو (ذكريــات الخليــة)‪ ..‬وأن الذاكرة‬
‫دي موجــود فيهــا كل الخــرات الــي م ّرينــا بيهــا يف الرحــم‪ ..‬الــي‬
‫بعضهــا ممكــن يكــون جيــد وجميــل وممتــع‪ ..‬وبعضهــا ممكــن يكــون‬
‫صعــب وســيئ نتيجــة رســايل نفســية بتوصــل للجنــن مــن األم (مــش‬
‫عاي ـزاك‪ ،‬إنــت جيــت غلطــة‪ ،‬يــا ريــت تنــزل) أو تغ ـرات كيميائيــة‬
‫بتحصــل يف الــدم الواصــل ليــه مــن خاللهــا مــع تغــر حاالتهــا النفســية‬
‫أو العضويــة‪.‬‬
‫مش بس كده‪ ..‬ده الكالم ده بيفرس حاجات كتري تاين‪..‬‬
‫عمرك حلمت أو تعرف حد حلم بالبحر؟‬
‫شــوفت يف املنــام قبــل كــده أو حــد حكالــك إنــه شــاف نفســه (أو حــد‬
‫تــاين) بيعــوم أو بيغرق؟‬
‫بتحب أو تعرف حد بيحب ينام يف وضع الجنني؟‬

‫كل ده ليــه نفــس التفســر‪ ،‬ونابــع مــن نفــس املصــدر الداخــي‪،‬‬


‫الــي محتفــظ بــكل ثانيــة وكل تفصيلــة مــن مرحلــة هامــة جــدًّ ا يف‬
‫وجــودك‪ ..‬مرحلــة حيــاة الجنــن‪ ..‬الــي كنــت بتعــوم فيهــا يف بحــر‬
‫الرحــم بأمواجــه ومــده وجــزره‪..‬‬
‫املرحلــة دي بتكــون (الــوالدة) بالنســبة لهــا مبثابــة (النهايــة)‪ ..‬نهايــة‬
‫الجنــة واملتعــة والنعيــم‪ ..‬علشــان كــده فيــه نظريــة كاملــة يف علــم‬
‫النفــس اســمها نظريــة (صدمــة الــوالدة)‪..‬‬

‫‪95‬‬
‫فيــه كــان حلــم شــهري بيتكــرر عنــد بعــض النــاس‪ ..‬بنســميه حلــم‬
‫نهايــة العــامل‪ ..‬بيكــون فيــه العــامل بينتهــي وبيتدمــر‪ ..‬ســاعات زلـزال‪..‬‬
‫ســاعات مايــة مــن كل ناحيــة تغــرق النــاس واملبــاين‪ ..‬ســاعات ريــاح‬
‫وعواصــف ومطــر‪ ..‬أحــد تفســرات الحلــم ده هــو إنــه وصــف‬
‫تفصيــي للحظــة الــوالدة الــي انهــار فيهــا عــامل الجنــن وانتهــت فيهــا‬
‫حيــاة الرحــم‪..‬‬
‫فيــه علــاء بيفــروا رغبــة بعــض النــاس يف املــوت بأنهــا أحــد صــور‬
‫رغبتهــم األعمــق يف العــودة للرحــم‪ ..‬املــكان املقفــول املظلــم الــي مــا‬
‫كانــش فيــه غــر الســكون والهــدوء والف ـراغ‪ .‬لكــن طب ًعــا دي صــورة‬
‫مريضــة جــدًّ ا تســتدعي العــاج النفــي املكثــف‪.‬‬
‫فيــه نــاس كــان بتقــول إن مجــرد (النــوم) هــو اســتعادة لذكريــات‬
‫الســبات العميــق داخــل الرحــم‪ ..‬وأنــا شــخص ًّيا شــايف إن (الحضــن)‬
‫هــو البديــل اليومــي الطبيعــي املتــاح الســرجاع مشــاعر حضــن‬
‫الرحــم‪.‬‬
‫واضــح إن املوضــوع كبــر جــدًّ ا‪ ..‬بــس مــش معنــاه عــى اإلطــاق إن‬
‫الــي بيحــب البحــر واملاية يبقــى عاوز يرجــع أو ينكــص‪ ..‬أو إن الحنني‬
‫للرحــم ده يشء مــريض أو مســتهجن‪ ..‬بالعكــس‪ ..‬دي حاجــة طبيعيــة‬
‫موجــودة عنــد كل النــاس يف أحــد مســتويات وعيهــم‪ ..‬وممكــن تكــون‬
‫دافــع للحركــة وطاقــة للنضــج وأرضيــة متجــددة للحيــاة‪..‬‬

‫طيب‪ ..‬إيه بقى ؟!‬


‫بص يا سيدي‪..‬‬

‫‪96‬‬
‫إحنــا يف رحلــة‪ ..‬بدأناهــا مختاريــن أو مضطريــن أو االتنــن‪ ..‬رحلــة‬
‫بدأناهــا يف الجنــة‪ ..‬جنــة آدم‪ ..‬وبنســعى يف حياتنــا إننــا نرجــع ليهــا‬
‫تــاين‪ ..‬بالعمــل واملشــقة والصــر‪ ..‬باملعاملــة الحســنة واألخــاق الطيبة‬
‫والقــرب الحقيقــي مــن نفســنا ومــن النــاس ومــن ربنــا‪.‬‬
‫بعــض النــاس عــاوزة تستســهل وتوصــل برسعــة‪ ..‬مــن خــال طــرق‬
‫مختــرة‪ ..‬تبعــد فيهــا عــن النــاس وتكرههــم وتحكــم عليهــم وتســئ‬
‫معاملتهــم تحــت ادعــاءات فارغــة‪ ،‬وتبعــد عــن نفســها وتحقــر مــن‬
‫شــأنها وتتفنــن يف ذلهــا مبســميات مغلوطــة‪ ،‬وتتصــور إن ده بيقربهــا‬
‫مــن ربنــا‪ ..‬مــع إنــه يف الحقيقــة مــش بيقربنــا مــن أي حاجــة‪..‬‬
‫فيــه صــورة مصغــرة للرحلــة دي‪ ..‬بدأناهــا يف الرحــم‪ ..‬وجوانــا رغبــة‬
‫دامئــة للعــودة ليــه‪ ..‬بعــض النــاس برضــه عــاوزة تستســهل وتوصــل‬
‫برسعــة‪ ..‬مــن غــر خــوف‪ ..‬مــن غــر أمل‪ ..‬مــن غــر مســئولية‪ ..‬مــرة‬
‫باملــرض النفــي‪ ..‬مــرة بالرغبــة يف املــوت‪ ..‬مــرة بالهــروب مــن‬
‫النــاس‪ ..‬لكــن ده يف اآلخــر مــش بيوصــل ألي حاجــة‪..‬‬
‫البحر حلو وجميل ومغري‪..‬‬
‫لكن علشان تعوم‪..‬‬
‫مهم تبذل شوية مجهود ومعافرة وكفاح‪..‬‬
‫ساعات هامتيش عكس التيار‪..‬‬
‫ساعات هاتقف يف وش املوج‪..‬‬
‫ساعات هاتقاوم بكل قوتك‪..‬‬

‫‪97‬‬
‫االستسالم للغرق سهل‪..‬‬
‫بس رحلة الحياة مليانة رشف‪..‬‬

‫بعــد مــا تخلــص الفصــل ده‪ ..‬عــاوزك تشــوف فيلــم (جرافيتــي)‬


‫‪ ،Gravity‬وتركــز يف املشــهد املبــدع الــي بتظهــر فيــه بطلــة الفيلــم‬
‫يف وضــع الجنــن داخــل مركبتهــا الفضائيــة‪ ،‬بعــد مــا انتهــت بيهــا‬
‫جميــع املحــاوالت‪ ..‬وضاقــت بيهــا كل الســبل‪ ..‬لكنهــا بعــد دقائــق‪..‬‬
‫تقــرر إنهــا مــا تستســلمش‪ ..‬وإنهــا تقبــل صعوبــة الحيــاة‪ ..‬وتتجــاوز‬
‫أمل الفقــد‪ ..‬وتغامــر وتجــازف وتقتحــم الخطــر‪ ..‬وتنــزل عــى األرض‪..‬‬
‫وتخطــو خطواتهــا األوىل نحــو الحيــاة‪ ..‬عــى شــاطئ البحــر‪ ..‬وكأنهــا‬
‫لســه بتتعلــم املــي‪ ..‬بــكل إرادة‪ ،‬وإرصار‪ ،‬وشــجاعة‪..‬‬

‫قــوم بقــى ارشب شــوية مايــة‪ ..‬وكأنــك بتــرب للمــرة األوىل‪ ..‬حــس‬
‫بيهــا‪ ..‬اســتطعمها‪ ..‬واكتشــف معايــا‪ ..‬إن املايــة مــش زي مــا كانــوا‬
‫بيعلمونــا يف املدرســة مــا لهــاش طعــم وال لــون وال رائحــة‪..‬‬
‫املاية –عىل رأي د‪ .‬مصطفى محمود‪ -‬ليها طعم الحياة‪..‬‬
‫يالال‪ ..‬هنا ودلوقت‪..‬‬
‫جدد عالقتك باملاية‪..‬‬
‫جدد عالقتك بالحياة‪..‬‬

‫‪98‬‬
‫(‪)9‬‬
‫أنت تكرهين‪ ..‬إذن أنا موجود‬

‫‪99‬‬
‫تص ـ ّور ملــا يكــون مصــدر إحساســك بنفســك يف الدنيــا هــو إن حــد‬
‫بيكرهــك‪..‬‬
‫تصـ ّور ملــا يكــون شــعورك بوجــودك مرهــون بوجــود نــاس بتحســدك‬
‫وبرتاقبــك وبتتآمــر عليــك‪..‬‬
‫تصــ ّور إنــك مــا تحســش بقيمتــك وبأهميتــك إال مــن خــال نــاس‬
‫عــاوزة تســ ّمك ومت ّوتــك وتخلــص منــك‪..‬‬

‫زي مــا قولنــا‪ ..‬مــن أصعــب األم ـراض النفســية عــى اإلطــاق مــرض‬
‫(الفصــام)‪ ،‬وهــو واحــد مــن فصيلــة أكــر مــن األمــراض اســمها‬
‫األم ـراض الذهانيــة‪ ..‬أول وأهــم عرضــن يف الفصــام (الجنــون) هــا‬
‫الضــاالت والهــاوس (فيــه طب ًعــا أعــراض أخــرى كتــر)‪ ..‬ضــاالت‬
‫يعنــي أفــكار خاطئــة وصاحبهــا مصدّ قهــا لدرجــة ال تقبــل الشــك‪،‬‬
‫وهــاوس يعنــي املريــض يســتقبل حاجــات مــش موجــودة يف‬
‫الحقيقــة‪ ..‬يســمع أصــوات غريبــة‪ ،‬يشــوف صــور ومشــاهد مــش‬
‫حقيقيــة‪ ،‬يحــس بحاجــات محــدش غــره يحــس بيهــا وهكــذا‪..‬‬
‫املهــم‪ ..‬كل دي أعــراض مرضيــة‪ ،‬معروفــة ومكتوبــة بشــكل أدق‬
‫وأفضــل يف كتــب الطــب النفــي وعلــم النفــس‪ ..‬لكــن‪ ..‬دي مــش كل‬
‫الحكايــة‪ ..‬ومــش غايــة املقصــد‪..‬‬
‫الحكايــة –مــن وجهــة نظــري‪ -‬هــي إيــه الــي ورا األع ـراض الغريبــة‬
‫دي‪ ،‬إيــه معناهــا وإيــه ســببها؟ جايــة منــن ورايحــة فــن؟ املريــض‬
‫عــاوز يقــول إيــه مــن خاللهــا؟‬

‫‪101‬‬
‫يعني إيه حد يبقى متأكد إن الناس بتكرهه وعاوزة متوته؟‬
‫ليه حد يتصور إن فيه كامريات برتاقبه أو فيه سم يف األكل؟‬
‫إزاي حــد يشــوف حاجــات مــش موجــودة‪ ،‬أو يســمع أصــوات مــش‬
‫حقيقيــة؟‬

‫طب ًعــا فيــه تفس ـرات كتــر‪ ،‬وإجابــات أكــر‪ ..‬منهــا الــورايث والجينــي‬
‫والبيولوجــي والكيميــايئ‪ ..‬وكلهــا قامئــة عــى نظريــات علميــة غايــة يف‬
‫الدقــة‪ ،‬لكــن األهــم واألدق منهــا جمي ًعــا هــو التفســر النفــي‪ ..‬الــي‬
‫ليــه علــم قائــم بذاتــه‪ ..‬اســمه علــم الســيكوباثولجي‪..‬‬

‫تصــور حــد وصلتــه رســائل نفســية يف طفولتــه وأثنــاء تربيتــه‬


‫‪-‬وســاعات يف معظــم فـرات حياتــه‪ -‬إنــه مــش مهــم‪ ..‬وإنــه مــا لهوش‬
‫قيمــة‪ ..‬رســائل مــن نوعيــة (إنــت مــا لكــش الزمــة)‪( ..‬يــا ريتنــا مــا‬
‫خلفنــاك)‪( ..‬كان غــرك أشــطر)‪( ..‬إنــت زي قلتــك)‪..‬‬
‫تصـ ّور حــد كل الــي شــافه مــن الــي حواليــه حــب بــروط‪ ،‬وقبــول‬
‫بــروط‪ ،‬واهتــام بــروط‪..‬‬
‫تصـ ّور حــد كان مضطــر طــول الوقــت إنه مــا يبقــاش نفســه‪ ،‬ويدفنها‪،‬‬
‫ويدفــن معاهــا حقيقتــه وتلقائيتــه وإبداعــه‪ ..‬علشــان خاطــر الــي‬
‫حواليــه يرضــوا ويقولولــه برافــو‪..‬‬
‫الشخص ده نفسيته هاتبقى عاملة إزاي؟‬

‫‪102‬‬
‫بالش كده‪..‬‬
‫حــد بيتقالــه بالــكالم اختــار مســتقبلك واعمــل الــي إنــت عــاوزه‪..‬‬
‫ويتقالــه بالترصفــات إوعــى تكــون غــر املــروع الــي أنــا عــاوزه‪..‬‬
‫أو واحــدة يتقالهــا بالــكالم إنتــي حــرة ومعــززة ومكرمــة‪ ..‬ويتقالهــا‬
‫بالترصفــات إنتــي عــار ووجــودك جرميــة وذنــب‪..‬‬
‫كل دول هايكونوا عاملني إزاي من جوه؟‬
‫إحساسهم بنفسهم هايكون إيه؟‬
‫عالقاتهم بنفسهم وبالعامل هاتاخد أي شكل؟‬

‫بــدون الدخــول يف تفاصيــل مؤملــة‪ ..‬دول هــم املــادة الخــام والرتبــة‬


‫الخصبــة للمــرض النفــي‪ ..‬كل واحــد منهــم هــو عبــارة عــن مــروع‬
‫مريــض نفــي مــن الدرجــة األوىل‪ ..‬قنبلــة موقوتــة مســتنية لحظــة‬
‫االنفجــار‪ ..‬يف وجــود بعــض العوامــل الجينيــة والبيولوجيــة طب ًعــا‪..‬‬

‫األمــراض النفســية باختصــار شــديد جــدًّ ا هــي إمــا جنــون‪ ،‬أو‬


‫دفاعــات ضــد الجنــون (عــى رأي د‪ .‬يحيــى الرخــاوي)‪ ..‬يعنــي الــي‬
‫هايقــدر منهــم يســتحمل واقعــه املــؤمل‪ ،‬ويحتفــظ ببعض مــن عقله يف‬
‫مواجهــة تربيتــه وظروفــه وجيناتــه‪ ،‬هايصــاب بأمـراض زي االكتئــاب‬
‫والقلــق والجســدنة واضطرابــات الشــخصية‪ ..‬أمــا الــي مــش هايقــدر‬
‫يســتحمل الواقــع والظــروف والضغــوط والصدمــات النفســية الــي‬
‫شــافها طــول عمــره‪ ،‬فــده الــي هايقــرر بشــكل واعــي أو غــر واعــي‬
‫إنــه ينفصــل (ينفصــم) عــن الواقــع ده متا ًمــا‪ ،‬ويخلــق الواقــع بتاعــه‬
‫هــو‪( ..‬علشــان كــده س ـ ّموه فصــام)‪..‬‬

‫‪103‬‬
‫وهنا لينا وقفة‪ ..‬عند جملة (يخلق الواقع بتاعه هو)‪..‬‬

‫الــي شــافه مريــض الفصــام مــن واقعــه وحياتــه والنــاس الــي حواليــه‬
‫أصعــب بكتــر مــن تحمــل قدراتــه النفســية والعقليــة‪ ..‬علشــان كــده‬
‫هــو بيقــرر إنــه يســيب العــامل ده كلــه عــى بعضــه‪ ،‬ويعيــش يف عــامل‬
‫خــاص بيــه هــو لوحــده‪ ..‬فيــه نــاس هــو الــي يصنعهــم‪ ،‬وأحــداث‬
‫هــو الــي يصيغهــا‪ ،‬وتفاصيــل هــو وحــده الــي يتحكــم فيهــا‪..‬‬
‫فيبــدأ يخلــق أشــكال وألــوان وبنــي آدمــن‪ ..‬ليهــم صــوت وصــورة‬
‫وحيــاة‪ ..‬وينســج حكايــات وروايــات وســيناريوهات‪ ..‬ويصــدق أفــكار‬
‫ومعتقــدات وشــكوك‪..‬‬
‫طيــب‪ ..‬املنطقــي إنــه طاملــا الــي شــافه قبــل كــده يف حياتــه حاجــات‬
‫وحشــة‪ ،‬وخ ـرات مؤملــة‪ ..‬يبقــى يخلــق شــخصيات جميلــة وطيبــة‪،‬‬
‫وأحــداث هاديــة ولطيفــة وخفيفــة‪ ..‬يف الحقيقــة ده ســاعات بيحصــل‪،‬‬
‫بــس مــش داميًــا‪ ..‬الــي بيحصــل أكــر هــو العكــس‪ ..‬ورغــم إن ده‬
‫غريــب‪ ..‬لكنــه مثــر للشــفقة ألقــى درجــة‪..‬‬
‫ليه؟‬
‫أقولك ليه‪..‬‬
‫مريــض الفصــام وصلتــه رســالة يف مرحلــة مــا يف حياتــه أنــه مرفــوض‪..‬‬
‫إن وجــوده مــش مرغــوب فيــه‪ ..‬إن كيانــه مالهــوش أي قيمــة وال‬
‫الزمــة وال أهميــة حتــى ألقــرب النــاس ليــه‪ ..‬يبقــى يف الحقيقــة هــو‬
‫مــن جــواه بيتمنــى أي شــكل مــن أشــكال الوجــود‪ ،‬وأي درجــة مــن‬
‫درجــات القيمــة واألهميــة‪ ..‬وهنــا الغلــب والوجــع الحقيقــي‪..‬‬

‫‪104‬‬
‫مريــض الفصــام بيتمنــى مــن جــواه إنــه يحــس بوجــوده‪ ..‬حتــى لــو‬
‫معنــى ده إن فيــه حــد بيكرهــه‪ ..‬حتــى لــو مــن خــال حــد هــو‬
‫بيخلقــه ويتصــور إنــه هايحطلــه الســم يف األكل‪ ..‬هــو يعنــي كان‬
‫عــرف يعنــي إيــه حــب مــن أصلــه؟ هــو لقــى حــب وقــال أل؟ هــو‬
‫العــامل الداخــي بتاعــه فيــه غــر كــده؟ ده يــا دوب بيــدور عــى أي‬
‫حــد‪ ..‬إن شــالله حــد يكرهــه ويتآمــر عليــه ويبقــى عــاوز ميوتــه‪ ..‬مــا‬
‫هــو معنــى كــده إنــه موجــود‪ ..‬وإنــه مهــم‪ ..‬وإنــه ليــه قيمــة‪ ..‬وقيمــة‬
‫كبــرة كــان‪ ..‬ده بعــض املــرىض مــن غلبهــم بيتصــوروا إنهــم أنبيــاء‬
‫أو (املهــدي املنتظــر) مــن كــر احتياجهــم الشــديد لالهتــام والشــعور‬
‫بالقيمــة واألهميــة‪ ..‬ال حــول وال قــوة إال باللــه‪..‬‬
‫تصــ ّور شــدة وعمــق االحتيــاج الــي يخــي حــد يخلــق أصــوات‬
‫مخيفــة‪ ،‬وأشــكال نــاس مرعبــة‪ ،‬ويصــدق إنهــم برياقبــوه‪ ،‬وبيكرهــوه‪،‬‬
‫وعاوزيــن يخلصــوا منــه‪ ،‬علشــان ده يحسســه بوجــوده وبقيمتــه‪..‬‬
‫تصــور ضعــف وغلــب حــد بيشــك إن أي اتنــن بيكلمــوا بعــض يبقــى‬
‫بيتكلمــوا عليــه ألنــه هاميــوت ويحــس إنــه مهــم عنــد أي حــد‪ ،‬حتــى‬
‫لــو هايتكلــم عليــه‪ ..‬مريــض الفصــام بيــرخ مــن خــال أعراضــه‬
‫ويقــول‪ :‬أنــاااا موجــوووووووودد‪..‬‬
‫وطب ًعــا املصــدر األســايس والرئيــي لــكل الهــاوس الــي بيخلقهــا وكل‬
‫الضــاالت الــي بينســجها هــو العــامل الداخــي بتاعــه‪ ،‬الــي مليــان‬
‫كائنــات مخيفــة وأشــكال مرعبــة وأصــوات صارخــة اتكونــت جــواه‬
‫مــن خــال كل الــي وصلــه عــن نفســه وعــن اآلخريــن طــول حياتــه‪.‬‬
‫ولــو مــا نفعــش كل ده‪ ..‬يرجــع يف عمــره العقــي شــوية‪ ،‬ويهلــوس‬
‫بامليــة والبحــر والغــرق‪ ..‬الــي بيفكــروه بالســائل الــي كان بيعــوم‬
‫فيــه يف املــكان الوحيــد الــي حــس فيــه باألمــان‪ ..‬رحــم أمــه‪..‬‬

‫‪105‬‬
‫ولــو ده كــان مــا نفعــش‪ ..‬ينفصــل متا ًمــا عــن الحيــاة‪ ..‬ويجيلــه‬
‫كتاتونيــا (تخشــب) تخليــه زي أي نبــات أو جــاد‪ ..‬ال يــاكل وال‬
‫يــرب وال يتحــرك‪..‬‬

‫طب ًعــا ده تفســر مبســط جــدًّ ا وال ميكــن تعميمــه‪ ..‬فيــه تفســرات‬
‫كتــر‪ ..‬وأع ـراض أكــر‪..‬‬

‫مريض الفصام مصاب يف أعمق أعامق نفسه‪..‬‬


‫مصاب يف وجوده ومعناه وقيمته وأهميته‪..‬‬
‫مصاب بشعوره الشديد بالرفض اليل وصله بشكل قايس ومتتابع‪..‬‬
‫إزاي ما يتجننش يعني؟‬

‫نرجــع هنــا تــاين بقــى‪ ..‬عنــدك وعنــدي‪ ..‬وعنــد أصحابنــا وحبايبنــا‬


‫وأوالدنــا وقرايبنــا‪ ..‬ونقــول ونعيــد كــان‪..‬‬
‫الدفــاع القــوي الناجــع ضــد كل األمــراض النفســية‪ -‬مهــا تطــور‬
‫العلــم وزادت األبحــاث‪ ،‬هــو وجــود إنســان (ولــو واحــد) قابلــك‬
‫ومهتــم بيــك وبيحبــك حــب حقيقــي غــر مــروط‪..‬‬
‫خــط الرجعــة األخــر ضــد االكتئــاب والقلــق واضطرابــات الشــخصية‪،‬‬
‫يف وجــود كل أنــواع األدويــة والعقاقــر‪ ،‬هــو عالقــة إنســانية يوصلــك‬
‫فيهــا إنــك مــن حقــك تكــون نفســك‪ ..‬مــن غــر مــا تدفــع أي متــن‪..‬‬

‫‪106‬‬
‫حائــط الصــد الصلــب ضــد الذهــان والفصــام والجنــون‪ ،‬بالرغــم مــن‬
‫نجــاح بعــض الطــرق األخــرى‪ ،‬هــو إنــك تصــدق إنــك تســتاهل تعيش‪،‬‬
‫وتســتاهل تفــرح‪ ،‬وتســتاهل تتحــب‪ ..‬وإن ده حقــك‪..‬‬

‫تستاهل تعيش‪..‬‬
‫وتستاهل تفرح‪..‬‬
‫وتستاهل تتحب‪..‬‬
‫وده حقك‪..‬‬

‫جرب تقول كده‪:‬‬


‫أنا أستاهل أعيش‪..‬‬
‫وأستاهل أفرح‪..‬‬
‫وأستاهل أتحب‪..‬‬
‫وده حقي‪..‬‬

‫‪107‬‬
‫(‪)10‬‬
‫كرباج (الزم)‪ ..‬وحبل (املفروض)‬

‫‪109‬‬
‫معظــم األم ـراض النفســية ليهــا أســباب بيولوجيــة معروفــة ومثبتــة‬
‫بدالئــل علميــة قويــة‪ ،‬إىل جانــب عامــل ورايث ال بــأس بيــه يف كتــر من‬
‫الحــاالت‪ ..‬لكــن‪ ..‬يف الحقيقــة األم ـراض النفســية مــش بتتفــر بــس‬
‫باألســباب البيولوجيــة‪ ،‬أو بالعوامــل الجينيــة‪ ..‬ده فيــه عـرات ورمبــا‬
‫مئــات العوامــل األخــرى الــي بتتداخــل مــع بعــض علشــان تــؤدي‬
‫يف اآلخــر لإلصابــة باملــرض ده أو غــره مــن أم ـراض النفــس‪ ..‬ومــن‬
‫أهــم العوامــل دي طريقــة الرتبيــة‪ ،‬ومعاملــة األب واألم‪ ،‬والرســايل‬
‫الــي وصلــت لألبنــاء مــن خاللهــم‪ ،‬والــي تأثريهــا تضامــن مــع باقــي‬
‫العوامــل لغايــة مــا أصبــح عندنــا مريــض نفــي‪..‬‬
‫زى ماعرفنــا قبــل كــده‪ ..‬كل واحــد فينــا بيوصلــه خــال تربيتــه‬
‫مجموعــة مــن الرســائل النفســية الــي مــع تكرارهــا وتأكيدهــا مــن‬
‫األب واألم كل شــوية تتحــول لجــزء ال يتجــزأ مــن التكويــن النفــي‬
‫لألبنــاء‪ ..‬لدرجــة أن الرســايل دي بعــد كــده تطلــع مــن جواهــم ليهــم‬
‫تلقائ ًّيــا وكأنهــا بتاعتهــم هــا شــخص ًّيا‪ ..‬يعنــي الــي وصلتــه رســايل‬
‫مــن نوعيــة (إنــت مــا تســتاهلش)‪( ..‬إنــت أقــل مــن غــرك)‪( ..‬شــوف‬
‫فــان أحســن منــك إزاي)‪ ..‬هايكــر وتفضــل الرســايل دي جــواه‪..‬‬
‫وهايطلعلــه صــوت مــن جــواه كل شــوية يقولــه (إنــت قليــل)‪( ..‬إنــت‬
‫وحــش)‪( ..‬فــان عمــل وإنــت مــا عملتــش)‪ ..‬وهكــذا‪..‬‬
‫إحنــا جوانــا جهــاز نفــي مهــم زي الريكــوردر متســجل فيــه كل‬
‫الرســايل الــي وصلتنــا يف طفولتنــا وصدقناهــا عــن نفســنا وعــن العــامل‬
‫وعــن اآلخريــن‪ ..‬الجهــاز ده شــغال ‪ 24‬ســاعة يف اليــوم‪ ..‬حتــى وإحنــا‬
‫ناميــن‪ ،‬ممكــن يبعتلنــا رســايله يف األحــام‪ ..‬الجهــاز ده حتــة منــك‪..‬‬
‫مــش حاجــة منفصلــة عنــك‪ ..‬وملــا الرســايل دي بتطلــع لوعيــك‪ ،‬بتكون‬
‫خــاص بقــت بتاعتــك‪..‬‬

‫‪111‬‬
‫تص ـ ّور بقــى حــد وصلتلــه رســايل نفســية وهــو صغــر (عــادة قبــل‬
‫ســن خمــس ســنوات) محتواهــا عبــارة عــن (إنــت مــا عملتــش الــي‬
‫عليــك)‪( ..‬إنــت داميًــا مقــر)‪( ..‬أنــا مــش رايض عنــك)‪( ..‬فيــه أحســن‬
‫مــن كــده)‪( ..‬لســه ناقــص شــوية‪ ..‬كمــل‪ ..)..‬ملَّــا الرســايل دي يصدقهــا‬
‫عــن نفســه ويخ ِّزنهــا جــواه‪ ..‬لدرجــة إنــه يبــدأ بعــد شــوية يتعامــل‬
‫بيهــا مــع نفســه‪ ..‬تفتكــر هايعمــل إيــه؟‬
‫بــكل بســاطة الشــخص ده عمــره مــا هايحــس إنــه عمــل الــي عليــه‪..‬‬
‫هاميــاه الشــك يف كل حاجــة بيعملهــا‪..‬‬
‫هايحــس بالذنــب والتقصــر عــى كل خطــوة بيخطيهــا‪ ..‬ألنهــا داميًــا‬
‫ناقصــة‪ ،‬ومــش كاملــة‪ ،‬وكانــت ممكــن تبقــى أحســن‪..‬‬
‫الشــخص ده كل مــا يعمــل حاجــة تطلــع لــه فكــرة ملحــة مــن جــواه‬
‫تقولــه‪( :‬لســه شــوية)‪( ..‬مــا تعملتــش صــح)‪( ..‬املفــروض كانــت‬
‫تتعمــل بشــكل أفضــل)‪( ..‬الزم تعيدهــا تــاين علشــان تطلــع أحســن)‪..‬‬
‫(أنــا لســه مــش رايض)‪( ..‬اعمــل الصــح)‪ ..‬فيعيــد ويزيــد الــي عملــه‬
‫علشــان يهــدى ويرتــاح‪ ،‬وترجــع الفكــرة تتكــرر تــاين‪ ..‬وهكــذا‪..‬‬
‫وهكــذا‪ ..‬بــا نهايــة‪..‬‬
‫املوضــوع ده ممكــن يحصــل يف النضافــة‪ ،‬الوضــوء‪ ،‬الصــاة‪ ،‬النظــام‪،‬‬
‫الرتتيــب‪ ،‬األكل‪ ،‬الــرب‪ ،‬االســتحامم‪ ،‬قفــل وفتــح البــاب‪ ،‬طريقــة‬
‫وتفاصيــل اللبــس‪ ..‬أي حاجــة‪ ..‬أي حاجــة‪ ..‬سلســلة ال نهائيــة مــن‬
‫الشــك واملراجعــة وعــدم الرضــا‪ ..‬واحــد اتــرىب عــى إنــه داميًا مشــكوك‬
‫فيــه‪ ..‬داميًــا مــا فيــش رضــا مــن أبــوه أو أمــه‪ ..‬مــا يشــكش يف نفســه‬
‫ويف أفعالــه ويعيدهــا ألــف مــرة كل يــوم ليــه يعنــي؟‬

‫‪112‬‬
‫الــى بنوصفــه ده هــو واحــد مــن أشــهر األم ـراض النفســية وأكرثهــا‬
‫انتشــا ًرا‪ ..‬اســمه (الوســواس القهــرى)‪ ..‬وســاعات بيتحــول إىل ســات‬
‫وخصائــص شــخصية عميقــة وطويلــة األمــد‪ ،‬ويبقــى صاحبهــا مصــاب‬
‫باضط ـراب (الشــخصية القهريــة)‪..‬‬
‫فيــه طب ًعــا شــكل تــاين مــن أعـراض املــرض ده‪ ..‬وهــي أفــكار متالحقــة‬
‫بتطلــب مــن املريــض إنــه يشــتم حــد أو يســئ إىل حــد‪ ..‬وســاعات‬
‫كتــر الحــد ده بيكــون ربنــا‪ ..‬ويف الحقيقــة ربنــا هنــا مــش بيكــون‬
‫مقصــود بيــه ربنــا نفســه قــد مــا هــو رمــز لــكل ســلطة أبويــة‪ /‬والديــة‬
‫اتعامــل معاهــا املريــض يف حياتــه ووصلــت ليــه رســايل قاســية‬
‫بالشــكل الــي وصفنــاه‪..‬‬
‫ســاعات كــان تتــوارد عــى ذهــن املريــض أفــكار أو صــور جنســية‬
‫ويحــاول يقاومهــا ويقــاوم االنســياق وراهــا‪ ،‬وده ســاعات بيكــون‬
‫برضــه شــكل مــن أشــكال االعــراض والتمــرد عــى تربيــة قاســية‬
‫وعنيفــة‪..‬‬
‫مريــض الوســواس القهــري بيكــون جــواه عمــاق نفــي ضخــم‪ ،‬صوته‬
‫عــايل وتأثــره قــوي‪ ..‬عمــاق جبــار ال يــرىض أبــدً ا‪ ..‬يف إيــده ســاحني‬
‫يف منتهــى القســوة‪ ..‬ســاح الشــك‪ ..‬وســاح الشــعور بالذنــب‪..‬‬
‫بيســتخدمهم علشــان يســلط عــى املريــض أفــكار وخيــاالت وصــور‬
‫بشــكل متالحــق ومتواتــر‪ ،‬ال يــكل وال ميــل‪ ..‬وطــول الوقــت بيعيــد‬
‫جــواه نفــس الرســايل القدميــة الــي وصلتــه‪( :‬إنــت مــا عملتــش الــي‬
‫عليــك)‪( ..‬إنــت داميًــا مقــر)‪( ..‬أنــا مــش رايض عنــك)‪( ..‬اعمــل‬
‫الصــح)‪..‬‬

‫‪113‬‬
‫العمــاق ده لغتــه ومفرداتــه كلهــا عبــارة عــن مشــتقات وتنويعــات‬
‫مــن (الزم) أو (املفــروض)‪ ..‬مجموعــة هائلــة مــن اللــوازم واملفروضات‬
‫الــى كل واحــدة فيهــم عاملــة زى الســيف الحــاد املســلط عــى نفــس‬
‫صاحبهــا بــدون راحــة أو هــوادة‪ ..‬والــى أصلهــم كلهــم تربيــة قاســية‬
‫وتنشــئة صعبــة‪..‬‬

‫عاوز أقولكم بكل معاين األمل والرجاء‪..‬‬


‫ارضوا من أوالدكم بأقل القليل‪..‬‬
‫بالش تعايروهم بالتقصري وعدم الكامل‪..‬‬
‫بالش تجلدوهم بكرباج (الزم)‪..‬‬
‫وبالش تشنقوهم بحبل (املفروض)‪..‬‬
‫سامحوهم واعذروهم واقبلوا خطأهم وضعفهم وفشلهم‪..‬‬

‫وقبلها‪..‬‬
‫سامحوا نفسكم‪ ..‬واعذروها‪ ..‬واقبلوا خطأكم وضعفكم وفشلكم‪..‬‬
‫إحنا بني آدمني‪..‬‬
‫إحنا مش ربنا‪..‬‬

‫‪114‬‬
‫(‪)11‬‬
‫احلزن األزرق الدايف‬
‫عن فيلم‬
‫‪Inside Out‬‬

‫‪115‬‬
‫باتخــض جــدًّ ا ملــا أشــوف كتــاب عنوانــه‪" :‬كيــف تتخلــص مــن‬
‫أحزانــك؟"‪ ..‬أو‪" :‬ال تقلــق"‪..‬‬
‫باتخــض أكــر ملــا أالقــي حــد عـ ّـال يطبطــب عــى حــد بشــكل مبالــغ‬
‫فيــه‪ ،‬أو يخفــف عنــه بطريقــة ســطحية مليانــة اختــزال ملشــاعره‬
‫بــكالم مــن نوعيــة‪" :‬مــا تزعلــش يــا راجــل"‪" ..‬اضحــي بــس كــده"‪..‬‬
‫"خليــك فرحــان عــى طــول"‪..‬‬

‫يعنــي إيــه مــا تزعلــش أو مــا تحزنــش أو مــا تتأملــش؟ الــي هــو إزاي‬
‫يعني ؟‬

‫الحــزن مشــاعر زيهــا زي الفــرح بالظبــط‪ ..‬واألمل تجربــة إنســانية‬


‫فريــدة بتكــر صاحبهــا وتفتــح عينــه وتغــره‪ ..‬هــو ينفــع أعيــش بجــزء‬
‫واحــد مــن إنســانيتي وألغــي باقــي األج ـزاء؟ هــو ينفــع إين أتجاهــل‬
‫شــعور مــن أهــم وأعمــق املشــاعر الحيــة عــى اإلطــاق وأعتــره مــش‬
‫موجــود أو حتــى وجــوده مرفــوض ملجــرد إنــه مــؤمل شــوية؟ أو بيوجــع‬
‫شــويتني؟‬

‫فيلــم ‪ Inside Out‬بيجــاوب ببســاطة شــديدة جــدًّ ا عــى األســئلة‬


‫دي‪ ..‬ويقولنــا بصــوت عــايل‪" :‬أل مــا ينفعــش"‪..‬‬

‫‪117‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أول رســالة اســتقبلتها (رايــي) الطفلــة املولــودة حدي ًثــا مــن أبوهــا‬
‫كانــت ‪":‬ألســتي قطعــة مــن الفــرح؟"‪ ..‬وكانــت الرســالة التانيــة‬
‫اللطيفــة جــدًّ ا الــي أمهــا بتوصلهــا ليهــا داميًــا وقــت الشــدة والحــزن‪:‬‬
‫"يجــب أن نبقــى مبتســمني فذلــك يســاعدنا"‪Keep smiling ..‬‬
‫‪happy girl‬‬
‫علشــان كــده (رايــي) الصغــرة قــررت تســلم دفــة عاملهــا الداخــي‬
‫لنــوع واحــد بــس مــن املشــاعر‪ ..‬النــوع الــي اتربــت واتعلمــت إنــه‬
‫الزم يفضــل موجــود عــى طــول‪ ..‬حتــى يف أشــد األوقــات وأحلــك‬
‫الظــروف‪ :‬مشــاعر (الفــرح)‪ ..‬وقــررت إنهــا تحــاول بــكل طريقــة‬
‫تخفــي أو تنكــر‪ -‬وســاعات تحــارب ‪ -‬أي نــوع تــاين مــن املشــاعر‬
‫اإلنســانية الطبيعيــة زي (الخــوف) و(الغضــب) و(االشــمئزاز)‪ ..‬وطب ًعــا‬
‫وبشــكل خــاص جــدًّ ا (الحــزن)‪( ..‬رايــي) ق ـ ّررت إنهــا مــا تحزنــش‪..‬‬
‫أبــدً ا‪..‬‬

‫(‪)2‬‬
‫مت ـ ّر األيــام وتكــر (رايــي) وتضطــر إنهــا تواجــه أول تجربــة (فقــد)‬
‫يف حياتهــا‪ ..‬ملّــا أرستهــا تقــرر تســيب البيــت الــي عاشــت فيــه ســنني‬
‫طويلــة وتنقــل لبيــت جديــد يف واليــة تانيــة‪ ..‬وبالرغــم مــن إن أي‬
‫طفــل يف موقــف زي ده مــن حقــه يحــزن ويتــأمل لفقــد مــكان طفولتــه‬
‫وذكرياتــه وأهــم وأجمــل ســنني عمــره‪ ،‬إال إن (رايــي) حاولــت‬
‫بــكل طريقــة توقــف الرسيــان الطبيعــي ملشــاعر الحــزن جواهــا‪..‬‬
‫واســتخدمت يف ســبيل ده كل مــا أوتيــت مــن وســائل دفاعية نفســية‪..‬‬
‫‪118‬‬
‫واســتحرضت كل ذكرياتهــا املبهجــة‪ ..‬قــرأت كتيبــات اإلرشــاد‪ ،‬وكتبــت‬
‫قامئــة بــكل األمــور الــي بتســعدها‪ ..‬وعافــرت نفســها بشــدة للتأقلــم‬
‫مــع الوضــع الجديــد‪ ..‬وكانــت شــعاراتها طــول الوقــت‪" :‬دامئًــا‬
‫هنــاك طريقــة لقلــب األمــور وإيجــاد املتعــة"‪" ..‬كــوين ســعيدة"‪..‬‬
‫"ال تقلقــي"‪" ..‬ســنتأكد أن غــدً ا هــو يــوم عظيــم آخــر"‪" ..‬وبــدوره‬
‫ســيصبح عا ًمــا جميـ ًـا‪ ،‬إىل أن تصبــح الحيــاة بأكملهــا جميلــة"‪..‬‬
‫(رايــي) ‪-‬ببســاطة‪ -‬مــا ديتــش نفســها (حــق الحــزن)‪ ،‬وحاولــت‬
‫تحجمــه ومتنعــه وتنكــره وتحــارصه يف دايــرة صغــرة جــوه حتــة‬
‫بعيــدة جواهــا‪( ..‬رايــي) مــا ســمحتش لنفســها تتــأمل (أمل الفقــد)‪ ،‬وال‬
‫حتــى تحســه‪ ..‬ولــو يف أحالمهــا‪ ..‬زي مــا شــافت‪ ،‬وزي مــا اتعلمــت‪..‬‬
‫وزي مــا وصلهــا مــن أبوهــا وأمهــا‪..‬‬
‫لكــن‪ ..‬وزي مــا هــو متوقــع‪ ..‬أي خناقــة بينــك وبــن نفســك هاتطلــع‬
‫منهــا خـران‪ ..‬وأي محاولــة لتجزئــة نفســك وتقســيمها والتخــي عــن‬
‫بعــض منهــا لــن تنتهــي إال بالفشــل‪ ..‬وأي إنــكار أو تحجيــم لجــزء‬
‫أصيــل مــن تكوينــك مــش هايكــون ليــه أي نتيجــة غــر االنهيــار‪..‬‬
‫وده الــي حصــل مــع (رايــي)‪ ..‬الــي عنــد لحظــة فارقــة‪ ،‬انهــارت‪..‬‬
‫واتلخبطــت‪ ..‬واتفككــت‪ ..‬ترصفاتهــا بقــت غريبــة‪ ،‬مشــاعرها بقــت‬
‫غــر مناســبة‪ ،‬وأفكارهــا بقــت مــش طبيعيــة‪ ..‬حتــى أحالمهــا‪ ..‬بقــت‬
‫ملخبطــة‪..‬‬
‫وبــدأت رحلــة (رايــي) جــوا نفســها‪ ..‬علشــان تشــوف حــل‪ ..‬وتــدور‬
‫عــى طريــق للرجــوع‪..‬‬
‫يف الرحلــة دي‪ ،‬كان عــى مشــاعر (الفــرح) ومشــاعر (الحــزن) إنهــم‬
‫يقربــوا مــن بعــض أكــر‪ ،‬ويعرفــوا بعــض أحســن‪ ،‬ويوصلــوا ‪-‬بــأي‬
‫شــكل‪ -‬لــر األمــان‪..‬‬
‫‪119‬‬
‫(‪)3‬‬
‫(الفــرح) يف الرحلــة دي كانــت بتــارس الــدور الــي هيــه عارفــاه‬
‫ومتعــودة عليــه ومــش بتلعــب غــره‪ ،‬وهــو إنهــا تبــذل مجهــود‬
‫رهيــب يف إضفــاء جــو البهجــة عــى كل يشء‪ ..‬والتخلــص مــن أي‬
‫(حــزن) عــى اإلطــاق‪ ..‬لكنهــا يف الحقيقــة بتكتشــف يف الرحلــة ‪-‬‬
‫وبنكتشــف معاهــا‪ -‬تفاصيــل جديــدة‪ ،‬ووجــوه مختلفــة‪ ،‬وأبعــاد‬
‫أخــرى‪( ..‬للحــزن)‪..‬‬
‫(الحــزن) كانــت مثقفــة أكــر‪ ..‬كانــت البســة نظــارة‪ ..‬مــن كــر شــغفها‬
‫بالقرايــة واملعرفــة‪ ..‬علشــان كــده كانــت مليانــة هــدوء وحكمــة‪..‬‬
‫أيــوه حكمــة‪..‬‬
‫(الحــزن) هــي الــي كانــت عارفــة طريــق العــودة ملقــر قيــادة العــامل‬
‫الداخــي‪ ،‬وكانــت بتقــوم بــدور املرشــد والدليــل‪ ..‬وســاعات املنقــذ‬
‫بعيــد النظــر‪..‬‬
‫(الحــزن) هــي الــي حســت (الصديــق الخيــايل‪ /‬الفيــل) وقــت مــا زعل‬
‫وتعاطفــت معــاه وإدتلــه الفرصــة يبــي ويتــأمل عــى (فقــد) عربيتــه‬
‫الجميلــة‪ ،‬عــى عكــس (الفــرح) الــي حاولــت‪ -‬كعادتهــا‪ -‬تطبطــب‬
‫عليــه وتشــغله عــن حقيقــة مشــاعره‪ ..‬علشــان تتحــول دموعــه لقطــع‬
‫جميلــة مــن الحلــوى‪ ..‬يف مشــهد رائــع ينتهــي بأنهــم يقــدروا يلحقــوا‬
‫قطــار األفــكار األخــر إىل مقــر القيــادة ‪.‬‬
‫(الحــزن) كانــت صاحبــة كل األفــكار اإلبداعيــة الجديــدة يف حلــم‬
‫(رايــي) علشــان تخليهــا تصحــى مــن النــوم‪..‬‬

‫‪120‬‬
‫ويف الوقــت الــي قــررت (رايــي) فيــه أنهــا ترجــع لــورا شــوية– تنكــص‬
‫بلغــة الطــب النفــي‪ -‬وتهــرب مــن بيتهــم الجديــد‪ ،‬وتــروح للبيــت‬
‫القديــم‪ ..‬يف محاولــة يائســة للهــروب مــن حــزن وأمل (الفقــد)‪ ..‬يجــي‬
‫أروع مشــاهد الفيلــم‪ ..‬الــي فيــه (الفــرح) تســمح لنفســها أخـرًا بـــ‬
‫(الحــزن)‪ ،‬وتســيب نفســها تتــأمل لفقــد بيتهــا القديــم‪ ،‬وفقــد طفولتهــا‬
‫الــي مــش هاترجــع تــاين‪ ،‬وفقــد أصدقاءهــا ووجودهــا معاهــم‪..‬‬
‫وتكتشــف (الفــرح) إن (الحــزن) ســاعات بيكــون معــاه شــجن‪..‬‬
‫وســاعات بيكــون معــاه ونــس مــن القريبــن‪ ..‬ومســاعدة مــن‬
‫اآلخريــن‪..‬‬
‫ويف درس عبقــري‪ ..‬يقــرر (الصديــق الخيــايل‪ /‬الفيــل) هــو كــان أنــه‬
‫يقبــل (الفقــد)‪ ،‬ويقبــل (الحــزن) ويقبــل (األمل)‪ ..‬ملــا يضحــي مبكانــه‬
‫يف عربيتــه الجميلــة الطائــرة‪ ،‬علشــان يخفــف عنهــا الحمــل‪ ،‬ويهــون‬
‫عليهــا الطـران‪ ..‬ويــزرع يف (الفــرح) األمــل مــن جديــد‪ ..‬أمــل معجون‬
‫(بالحــزن)‪..‬‬
‫وتتســلم (الحــزن) قيــادة دفــة (رايــي)‪ ..‬علشــان تديهــا مــن شــجنها‬
‫وثباتهــا وحكمتهــا‪ ..‬وتصبغهــا بلونهــا األزرق الــدايف‪ ..‬ويكــون الســاح‬
‫بوجودهــا هــو الطريقــة الوحيــدة الــي تثنــي (رايــى) عــن فكــرة‬
‫الهــروب وتر ّجعهــا ألرستهــا تــاين‪..‬‬
‫ويف مشــهد ختامــي رائــع‪ ..‬تســمح (رايــي) لنفســها بالتعبــر عــن‬
‫حزنهــا (لفقــد) بيتهــا‪ ،‬و(أملهــا) للبعــد عــن أصدقائهــا‪ ،‬و(اشــتياقها)‬
‫لطفولتهــا وذكرياتهــا‪ ..‬وتبــي (رايــي)‪ ..‬ودموعهــا تنهمــر زي اللؤلــؤ‬
‫عــى خدهــا‪ ..‬وتطلــب مــن أبوهــا وأمهــا بــكل رصاحــة إنهــم يحســوا‬
‫بيهــا ومــا يطلبــوش منهــا تفضــل (ســعيدة) عــى طــول‪ ..‬ومــا‬
‫يغضبــوش مــن (حزنهــا)‪ ..‬وإنهــم يدوهــا الحــق يف (األمل)‪..‬‬

‫‪121‬‬
‫وال ميلــك األبويــن يف اللحظــة دي غــر إنهــم يفتحــوا ليهــا قلوبهــم‪،‬‬
‫وعقولهــم‪ ..‬وكــان حضنهــم الشــايف‪ ..‬الــي بيجمعهــم مــن تــاين‪..‬‬
‫والــي يف نفــس الوقــت بيجمــع كل أجــزاء (رايــي) عــى بعــض يف‬
‫كل واحــد جديــد وجميــل‪( :‬الفــرح)‪( ..‬الخــوف)‪( ..‬الغضــب)‪..‬‬
‫(االشــمئزار)‪ ..‬و(الحــزن)‪..‬‬
‫(الحزن)‪ ..‬األزرق الدافئ‪..‬‬

‫(‪)4‬‬
‫حق الحزن‬
‫إليك هذه املفاجأة‪..‬‬
‫إنت من حقك تحزن‪ ..‬أيوه‪ ..‬تص ّور‪..‬‬
‫اتربينــا واتعلمنــا إن الحــزن عيــب‪ ..‬الحــزن ضعــف‪ ..‬الحــزن غلــط‪..‬‬
‫مــع إن الحــزن مشــاعر إنســانية ربنــا خلقهــا فينــا زيهــا زي الفــرح‬
‫وزي الغضــب وزي الخــوف‪ ..‬لكننــا بنهــوى نكــون آلهــة أو أنصــاف‬
‫آلهــة‪ ..‬ال تضعــف‪ ..‬وال تفشــل‪ ..‬وال تحــزن‪..‬‬
‫"خليــك راجــل‪ ،‬مــا تعيطــش"‪" ..‬يــا بنــت عيــب تدمعــي كــده قــدام‬
‫النــاس"‪" ..‬يــا جــدع اجمــد أمــال"‪ ..‬دي الرســايل الــي بتوصلنــا عــادة‬
‫خــال الرتبيــة‪ ..‬وخــال التعليــم‪ ..‬وطب ًعــا مــن خــال مجتمعنــا‬
‫الــي بيعودنــا منــارس إنســانيتنا وحقيقتنــا خلــف الجــدران‪ ،‬ومنــارس‬
‫تشــويهنا لنفســنا وتزييفنــا ليهــا يف الشــوراع وأمــام النــاس‪..‬‬

‫‪122‬‬
‫إمتى آخر مرة حرضتك حزنت؟ كتري جدًّ ا طب ًعا‪..‬‬
‫لكــن إمتــى آخــر مــرة حرضتــك ســمحت لنفســك تعيــش حزنــك‬
‫بجــد؟ قليــل جــدًّ ا‪..‬‬
‫طيــب إمتــى آخــر مــرة قبلــت حزنــك ومــا خفتــش منــه أو حاولــت‬
‫تنكــره؟ أقــل بكتييييــر‪..‬‬
‫أنــا طب ًعــا مــش باتكلــم عــن الحــزن الــي هــو العيــاط والســح‬
‫والشــحتفة‪ ..‬أنــا باتكلــم عــن الحــزن الــي هــو حالــة إنســانية عميقــة‬
‫جــدًّ ا مــن الشــجن واألمل‪ ..‬مليانــة مراجعــة للنفــس‪ ..‬وتأمــل داخــي‬
‫حقيقــي‪ ..‬وعــودة هادئــة إىل قواعــدك‪ ،‬تلتقــط فيهــا أنفاســك‪ ..‬لتبــدأ‬
‫مــن جديــد‪..‬‬
‫الحزن حق‪ ..‬زي ما الفرح حق‪ ..‬والخوف حق‪ ..‬والغضب حق‪..‬‬
‫مــا ينفعــش أقــص حتــة منــي بــكل بســاطة كــده‪ ،‬وأرميهــا أو أتخــى‬
‫عنهــا ملجــرد إنهــا بتوجــع‪ ..‬النهــاردة أقــص الحــزن‪ ..‬بكــرة أقــص‬
‫الخــوف‪ ..‬بعــده أقــص مــا تبقــى مــن إنســانيتي وطبيعتــى البرشيــة‬
‫الحقيقيــة الضعيفــة‪ ..‬ومــش هايفضــل منــي غــر شــتات‪ ..‬ورمــاد‪..‬‬
‫وبقايــا مهلهلــة‪..‬‬
‫مــن حقــك تحــزن‪ ..‬زي مــا هــو مــن حقــك تفــرح‪ ..‬ومــن حقــك‬
‫تغضــب‪ ..‬ومــن حقــك تخــاف‪..‬‬
‫ففــي بعــض الحــزن حكمــة‪ ..‬ويف بعــض الحــزن نــور‪ ..‬ومــن بعــض‬
‫الحــزن يولــد األمــل‪..‬‬

‫‪123‬‬
‫هاتســألنى دلوقــت‪ :‬يعنــي مطلــوب منــي أســيب نفــي للحــزن واألمل‬
‫كل شــوية؟‬
‫ال طب ًعــا‪ ..‬مــش ده املقصــود‪ ..‬املقصــود إنــك تســمح لنفســك تعيــش‬
‫مشــاعرك زي مــا هــي‪ ،‬يف وقتهــا وبجرعتهــا املناســبة‪ ..‬مــن غــر مــا‬
‫تهــرب منهــا‪ ،‬أو تنكرهــا‪ ،‬أو تعتربهــا مــش موجــودة‪ ،‬أو حتــى تغــرق‬
‫فيهــا لوحــدك‪ ..‬مطلــوب منــك تســمح لنفســك تعيــش إنســانيتك‬
‫وحقيقتــك‪ ..‬مــن غــر اختــزال أو تشــويه أو نقصــان‪ ..‬وبرضــه مــن‬
‫غــر مبالغــة أو تضخيــم أو اســتفزاز‪..‬‬
‫مــن حقــك تحــزن (مــن غــر شــحتفة)‪ ..‬زي مــا هــو مــن حقــك تفــرح‬
‫(مــن غــر خيــاء)‪ ..‬ومــن حقــك تغضــب (مــن غــر فجــور)‪ ..‬ومــن‬
‫حقــك تخــاف (مــن غــر مــا الخــوف يســحقك)‪..‬‬
‫جربت ده قبل كده؟‬
‫غال ًبا أل‪..‬‬
‫طيــب جــرب وهاتعــرف بنفســك إنــت كنــت حــارم نفســك مــن إيــه‪..‬‬
‫ومــا تنســاش توصــف‪ -‬وبدقــة شــديدة جــدًّ ا‪ -‬النفــس الطويــل العميق‬
‫الــي هــا تاخــده جنــب أول حــد يحــس بيــك ويونســك ويربــت عــى‬
‫كتفك‪..‬‬
‫دي مش دعوة للحزن‪..‬‬

‫دي دعــوة لقبــول (الحــزن) كشــعور إنســاين حقيقــي وأصيــل‪ ..‬مــش‬


‫الهــروب منــه‪ ..‬أو تجاهلــه‪ ..‬أو الغــرق فيــه ويف وحدتــه وســواده‪..‬‬

‫‪124‬‬
‫دعــوة إنــك ترجــع كل حتــة منــك ملكانهــا‪ ..‬وتســيبهم يقربــوا مــن‬
‫بعــض‪ ..‬ويتلملمــوا‪ ..‬ويلتحمــوا‪ ..‬ويلتأمــوا‪ ..‬يف كل واحــد صحيــح‪..‬‬
‫وجميــل‪ ..‬وحكيــم‪ ..‬ومبــدع‪..‬‬
‫دي دعوة للحياة‪..‬‬
‫ففي الفرح حياة‪..‬‬
‫ويف الحزن أيضً ا حياة‪..‬‬

‫(‪)5‬‬
‫الفقد األول‪ ..‬والفقد األخري‪..‬‬
‫أول تجربــة (فقــد) بنتعــرض ليهــا يف حياتنــا هــي تجربــة فقــد (األم)‪..‬‬
‫أو بألفــاظ أدق‪ :‬تجربــة الفقــد املحتمــل لــأم‪..‬‬
‫الطفــل بيعيــش فــرة مــن حياتــه (غال ًبــا أول ســت شــهور مــن عمــره)‬
‫يف حالــة رعــب فظيــع إنــه يفقــد أمــه‪ ..‬الــي هــي بالنســبة لــه كل‬
‫العــامل وكل النــاس‪ ..‬ويكــون جــواه ســيناريوهات وتخيــات كتــرة‬
‫جــدًّ ا عــن فقدهــا أو اختفاءهــا أو موتهــا‪ ..‬الفــرة دي بالنســبة لــه‬
‫فــرة خــوف وشــك وارتيــاب مــن أي عالقــة‪ ،‬وأي آخــر‪ ..‬يخــاف يقــرب‬
‫مــن أي حــد ‪ -‬حتــى منهــا هــي شــخص ًّيا‪ -‬أحســن يفقــده‪ ..‬ولــو قـ ّرب‪،‬‬
‫يخــاف يبعــد‪ ،‬أحســن يفقــد نفســه ويــدوب يف األمل‪ ..‬دوامــة رايحــة‬
‫جايــة مــن القــرب والبعــد‪ ،‬والكــر والفــر‪ ..‬والراحــة والوجــع‪ ..‬فــرة‬
‫صعبــة ومعقــدة ومليانــة مخــاوف وشــكوك ‪ ..‬لدرجــة إنهــم بيســموها‬
‫(املوقــف االرتيــايب)‪..‬‬

‫‪125‬‬
‫بــس بعــد شــوية‪ ..‬وعــي الطفــل بيوســع‪ ،‬وعقلــه بيكــر‪ ،‬ومداركــه‬
‫بتزيــد‪ ..‬ويبــدأ يكتشــف إنــه علشــان يعيــش يف الدنيــا دي‪ ،‬مهــم إنــه‬
‫يقبــل (الفقــد)‪ ..‬فقــد أمــه‪ ..‬فقــد اآلخــر‪ ..‬أي آخــر يقربلــه ويحبــه‬
‫ويطمــن لــه‪..‬‬
‫يكتشــف إن لعبــة الحيــاة لعبــة مؤملــة‪ ..‬وإن لــو ليهــا قوانــن‪ ..‬فــأول‬
‫قوانينهــا‪ ،‬هــو قانــون (الفقــد)‪ ..‬فقــد أي حــد‪ ..‬وأي حاجــة‪..‬‬
‫وبنكــون وقتهــا يف اختيــار صعــب جــدًّ ا‪ ..‬ميكــن أصعــب اختيــار يف‬
‫حياتنــا‪..‬‬
‫إمــا أننــا نرجــع لــورا‪ ..‬لنمــط عالقاتنــا القدميــة‪ ..‬الــي فيهــا يــا إمــا‬
‫نقــرب قــوي لغايــة مــا نــدوب يف الــي بنقربلــه‪ ،‬يــا إمــا نبعــد قــوي‪،‬‬
‫ومــا نعملــش عالقــة حقيقيــة أصــا‪..‬‬
‫أو إننــا نقبــل احتــاالت (الفقــد)‪ ..‬ونســتحمل (أملــه)‪ ..‬ونكمــل‪..‬‬
‫حتــى لــو موجوعــن‪..‬‬
‫أو نفضل مرتددين بني االختيارين‪ ..‬طول عمرنا‪..‬‬
‫الــي بيختــار االختيــار األول بيكــون مــروع مريــض نفــي جاهــز‬
‫للتنفيــذ يف أي لحظــة‪ ..‬الــي بيفضــل مــردد برضــه بيكــون مــروع‬
‫مريــض نفــي مــن نــوع آخــر‪..‬‬
‫أما اليل بيقرر إنه يقبل‪ ..‬ويستحمل‪ ..‬ويكمل‪..‬‬
‫فده هو اليل قرر (يحيا)‪..‬مش بس (يعيش)‪..‬‬
‫ودي أعــى درجــة مــن درجــات النمــو النفــي‪ ..‬واســمها ‪ -‬للمفاجــأة‪-‬‬
‫(املوقــف االكتئايب)‪..‬‬

‫‪126‬‬
‫اسم غريب‪ ..‬مش كده ؟‬
‫ال هو مش غريب وال حاجة‪..‬‬
‫هو اسمه (اكتئايب) علشان بيكون فيه أمل‪..‬‬
‫أمل رؤيــة الحيــاة بجوانبهــا الكتــر‪ ..‬الخــر والــر‪ ..‬األبيــض واألســود‪..‬‬
‫الصــح والغلــط‪..‬‬
‫أمل قبول (الفقد)‪ ..‬وقبول (التغيري)‪ ..‬وقبول (املوت)‪..‬‬
‫أمل قبول النفس بكل ما فيها‪ ..‬وقبول اآلخر بكل ما فيه‪..‬‬
‫أمل البصرية‪ ..‬أمل التأمل‪ ..‬أمل الحكمة‪..‬‬
‫ومــن وقتهــا‪ ..‬نتعلــم إن كل خطــوة يف حياتنــا بيكــون فيهــا (فقــد)‪..‬‬
‫وعلينــا إننــا نقبلــه‪..‬‬
‫نكرب ونشتغل ونتجوز ونخلف‪..‬‬
‫لكــن تفضــل احتــاالت الفقــد قامئــة كل يــوم‪ ..‬وكل ســاعة‪ ..‬وكل‬
‫لحظــة‪..‬‬
‫نفقد طفولتنا وذكرياتها‪..‬‬
‫نفقد لعبنا‪ ،‬وأوضتنا‪ ،‬ورسيرنا الصغري‪..‬‬
‫نفقد حبايبنا وقرايبنا وأهلنا‪..‬‬
‫نفقد بيتنا وشارعنا‪ ..‬وساعات بنهاجر‪ ..‬ونفتقد بالدنا‪..‬‬
‫ومهــا حاولنــا نهــرب مــن ده‪ ،‬أو ننكــره‪ ،‬أو نســتخدم شــوية دفاعــات‬
‫نفســية علشــان مــا نحســش بيــه‪ ..‬هاتفضــل الحقيقــة الــي مــا فيــش‬
‫منهــا أي مهــرب‪ ..‬أي مهــرب‪..‬‬

‫‪127‬‬
‫وتتحــول الحيــاة إىل حالــة مــن التأمــل الداخــي‪ ..‬املصبــوغ بــأمل‬
‫الرؤيــة‪ ..‬ودرجــة عاليــة مــن الســكينة والهــدوء‪ ..‬الــي فيهــم شــجاعة‬
‫الحــزن وبســالته‪ ..‬وقــدر هائــل مــن القبــول ‪ ..‬لــكل يشء‪ ..‬وأي يشء‪..‬‬
‫ارجــع كــده بقــى للفيلــم‪ ..‬واكتشــف معايــا إن العمــق الحقيقــي ليــه‬
‫مــش هــو أبــدً ا العبقريــة يف ترجمــة املعلومــات العلميــة إىل أحــداث‬
‫وشــخصيات ومشــاهد‪ ،‬مــن أول املشــاعر الخمســة‪ ،‬والذكريــات‬
‫األساســية‪ ،‬وجــزر الشــخصية‪ ،‬وقطــار األفــكار‪ ،‬وتكويــن ووظيفــة‬
‫األحــام‪..‬‬
‫كل ده ممكــن تقـراه يف أي كتــاب علمــي مبســط وملــون لألطفــال يف‬
‫أي مكتبــة عامــة يف شــوارع أي دولــة غربيــة‪..‬‬
‫العمــق الحقيقــى للفيلــم هــو‪( :‬قبــول الفقــد)‪ ..‬هــو لحظــات الـــ‬
‫‪.. Letting go‬‬
‫وراجع معايا كل املشاهد الفارقة يف الفيلم‪..‬‬
‫(راييل) تعبت علشان ما قبلتش (فقد) بيتها‪..‬‬
‫(رايــي) قــررت ترجــع وتنكــص وتتفــكك علشــان مــا قبلتــش فقــد‬
‫طفولتهــا وذكرياتهــا مــع أهلهــا وأصحابهــا‪..‬‬
‫أهلهــا ظلموهــا ملــا كانــوا مــش بيســمحوا ليهــا تعــر عــن حزنهــا وأملهــا‬
‫لفقــد أي حاجــة‪ ..‬وكانــوا بيعلموهــا وبيطلبــوا منهــا طــول الوقــت‬
‫إنهــا تفضــل ســعيدة ومبســوطة وبتضحــك‪..‬‬
‫لكن‪..‬‬

‫‪128‬‬
‫(راييل) اتغريت ملا قبلت فقد البيت والطفولة واألصحاب‪..‬‬
‫وصاحبهــا الخيــايل (الفيــل) ســاعدها ملــا هــو كــان قبــل يفقدهــا‬
‫ويفقــد عربيتــه الجميلــة الطائــرة‪..‬‬
‫وأهلهــا قدّ مــوا ليهــا أحــى هديــة ملــا ســمحوا ليهــا تكــون نفســها‬
‫وتحــس بــأمل وحــزن (الفقــد)‪ ..‬وحســوا بيــه معاهــا‪..‬‬

‫ده الفيلم‪ ..‬ودي رسالته‪..‬‬


‫ودي برضه رسالة الفصل ده‪..‬‬

‫الفقد حق‪..‬‬
‫الحزن حق‪..‬‬

‫قبول الفقد‪ ..‬نجاة‪..‬‬


‫قبول الحزن‪ ..‬حكمة‪..‬‬

‫‪129‬‬
‫(‪)12‬‬
‫قبول املوت‪ ..‬حياة‪..‬‬

‫‪131‬‬
‫(‪)1‬‬
‫طبيعــي جــدًّ ا يكــون جوانــا غريــزة للحيــاة‪ ..‬دافــع للبقــاء‪ ..‬حاجــة‬
‫بتحــرك كل واحــد فينــا لالســتمرار يف الدنيــا‪..‬‬
‫غريــزة الحيــاة دي بتعــر عــن نفســها بطــرق كتري جــدًّ ا‪ ..‬منهــا الجوع‪..‬‬
‫الــي بيدفعــك إنــك تــاكل علشــان متــد جســمك بشــوية طاقــة كل كام‬
‫ســاعة‪ ،‬والعطــش‪ ..‬الــي بيخليــك تــروي خاليــاك بوقــود الحيــاة طــول‬
‫الوقــت‪ ،‬والجنــس‪ ..‬الــي بيمنحــك متعــة جســدية ونفســية هائلــة‬
‫تســاعدك عــى تحمــل بعــض مشــاق املعيشــة‪ ،‬ويف نفــس الوقــت‬
‫بيحافــظ عــى اســتمرار النــوع البــري عــى األرض إىل مــا شــاء اللــه‪..‬‬
‫مش بس كده‪..‬‬
‫الحــب‪ ..‬هــو وجــه مــن وجــوه غريــزة الحيــاة‪ ..‬ألنــه بيقربــك مــن‬
‫النــاس‪ ..‬وده يف صالــح الحيــاة واســتمرارها وجودتهــا‪..‬‬
‫الصداقــة‪ ..‬وجــه تــاين مــن وجــوه غريــزة الحيــاة‪ ..‬علشــان بتخــي‬
‫حواليــك صــام أمــان مــن العالقــات الصحيــة الــي ممكــن تحميــك‬
‫(نفس ـ ًّيا) وقــت اللــزوم‪..‬‬
‫الشغل‪ ..‬السفر‪ ..‬االكتشاف‪ ..‬اإلبداع‪ ..‬النجاح‪ ..‬الفرحة‪..‬‬
‫وغريهم‪ ..‬وغريهم‪..‬‬
‫وجوه الحياة وغرائزها كتري جدًّ ا‪ ..‬وكل ده طبيعي ومفهوم‪..‬‬

‫‪133‬‬
‫الغريــب بقــى‪ ..‬هــو إنــه زي مــا فيــه جوانــا غريــزة للحيــاة‪ ..‬فيــه‬
‫برضــه جوانــا غريــزة للمــوت!!‬
‫يعنــي النــاس الــي بتنتحــر مث ـاً‪ ،‬دول نــاس انتــرت فيهــم غريــزة‬
‫املــوت عــى غريــزة الحيــاة‪ ..‬والنــاس الــي بتقتــل‪ ،‬دول قامــوا بتوجيــه‬
‫غريــزة املــوت الــي جواهــم لخارجهــم‪ ..‬والنــاس الــي برتهــب غريهــم‬
‫أو ترعبهــم‪ ،‬دول برضــه نــاس بيعــروا عــن غريــزة املــوت الــي جواهم‬
‫بهــذا الشــكل الفــج‪..‬‬

‫مش بس كده برضه‪..‬‬


‫أحد وجوه غريزة املوت‪ ،‬إن حد يستعذب األمل‪..‬‬
‫كلمة صعبة؟!‬
‫يســتعذب األمل يعنــي يســتمتع بــاألمل‪ ..‬وســاعات يســعى إليــه‪ ..‬وزي‬
‫مــا يكــون بيعمــل دمــاغ ملــا يتــأمل‪..‬‬
‫هو فيه كده؟‬
‫آه فيه كده!‬
‫ملــا حــد يتعــرض لتجربــة مؤملــة أو لخــرة مخيفــة‪ ،‬وبعــد مــا يطلــع‬
‫منهــا‪ ،‬يدخــل يف تجربــة زيهــا بالظبــط‪ ،‬وتكــون نهايتهــا برضــه مؤملــة‬
‫أو مخيفــة‪ -‬عــى األقــل بنفــس الدرجــة‪ ..‬ده وجــه مــن وجــوه غريــزة‬
‫املــوت الــي جــواه‪..‬‬

‫‪134‬‬
‫ملــا واحــدة تكــون دخلــت يف عالقــة حــب‪ /‬صداقــة‪ /‬زواج‪ ،‬طرفهــا‬
‫التــاين كان قــايس‪ ،‬ومهمــل ملشــاعرها‪ ،‬وغــر محــرم إلنســانيتها‪ ،‬وعاوز‬
‫يفصلهــا عــى مقاســه‪ ..‬وبعــد مــا تنتهــي العالقــة‪ ..‬تيجــي بكل بســاطة‬
‫تدخــل يف عالقــة جديــدة‪ ،‬تختــار فيهــا حــد لــه مواصفــات شــبه‬
‫الشــخص الــي فــات بالظبــط‪ ..‬ومتــي معــاه نفــس طريــق القســوة‬
‫واألمل تــاين‪ ..‬وتكــرر ده مـرا ًرا وتكـرا ًرا‪ ..‬ده أحــد وجــوه غريــزة املــوت‬
‫الــي جواهــا‪..‬‬
‫ملــا واحــد يقعــد يلــوم نفســه (بشــكل مــريض مبالــغ فيــه) عــال عــى‬
‫بطــال‪ ،‬مــع كل خطــوة‪ ،‬وكل فعــل‪ ،‬وكل حركــة‪ ..‬يعلــق لنفســه كل‬
‫يــوم مشــنقة‪ ،‬ويجلــد نفســه كل ليلــة كام جلــدة‪ ..‬أهــو ده بيــارس‬
‫غريــزة املــوت كل يــوم وكل ليلــة‪..‬‬
‫ملّــا حــد يتفنــن يف إيــام نفســه وإيذائهــا (ســواء نفسـ ًّيا أو جســان ًّيا)‪..‬‬
‫مــرة بالشــعور الزائــد واملــريض بالذنــب‪ ،‬ومــرة بإنــه يظلــم نفســه‬
‫بــأي شــكل وبــأي طريقــة‪ ،‬ومــرة بإنــه يتعــب نفســه ويهلــك أعصابــه‬
‫ويســتنزف كل وجــوده وحياتــه‪ ،‬يف شــغله أو عالقاتــه‪ ،‬عــى حســاب‬
‫نفســه وحقوقهــا‪ ..‬كل دي صــور ووجــوه كتــر جــدًّ ا لغريــزة املــوت‪..‬‬

‫طب ًعا فيه وجوه أقرب وأوضح وأشهر من كده بكتري‪..‬‬


‫اليأس وجه من وجوه املوت‪..‬‬
‫الكُره‪ ..‬الغضب‪ ..‬الحزن‪ ..‬االستسالم‪..‬‬
‫وطب ًعا‪ ..‬النوم‪ ..‬اليل بنموت فيه كل ليلة‪ ..‬ونصحى تاين يوم‪..‬‬

‫‪135‬‬
‫(‪)2‬‬
‫غال ًبــا اتكونــت عنــدك دلوقــت فكــرة عــن باقــي الفصــل‪ ..‬الــي‬
‫املفــروض أقولــك فيــه‪ :‬حافــظ عــى غريــزة الحيــاة‪ ..‬وتخلــص مــن‬
‫غريــزة املــوت‪ ..‬أو توقــع املــوت يف أي لحظــة واســتعد لــه‪ ..‬أو املــوت‬
‫علينــا حــق‪..‬‬
‫لكن يف الحقيقة‪ ..‬ده مش هايحصل‪..‬‬
‫مــش هايحصــل علشــان املــوت جــزء منــك‪ ..‬جــزء حــي‪ ..‬عايــش‬
‫جــواك‪ ..‬ومــا ينفعــش تتخلــص منــه‪ ..‬وال ينفــع تتجاهــل غريزتــه‬
‫الكامنــة داخلــك‪..‬‬
‫وعلشــان يف نفــس اللحظــة الــي بتتولــد يف جســمك خاليــا جديــدة‪..‬‬
‫بتمــوت قصادهــا خاليــا تانيــة‪ ..‬حتــى وإنــت بتســلم عــى حــد بإيدك‪،‬‬
‫بيمــوت اآلالف مــن خاليــا جلــدك مبجــرد االحتــكاك‪..‬‬
‫وعلشان إنت بتموت كل ليلة‪ ،‬وتصحى تاين يوم‪..‬‬
‫املوت جزء من تكوينك اإلنساين‪..‬‬
‫وجزء من تركيبك النفيس‪..‬‬
‫وساكن معاك يف نفس الجسد‪..‬‬

‫حــد ســأل نفســه مــرة ليــه أفــام جيمــس بونــد ومهمــة مســتحيلة‬
‫والــي زيهــم بيحققــوا أعــى دخــل ومبيعــات؟ اإلجابــة ببســاطة– كــا‬
‫أعتقــد‪ -‬هــي علشــان إن النوعيــة دي مــن األفــام بتخاطــب الغريزتــن‬
‫األساســيتني عنــد كل البــر‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫غريــزة الحيــاة (البنــت الحلــوة الــي داميًــا تيجــي مــع البطــل)‪،‬‬
‫وغريــزة املــوت (البطــل الــي طــول الفيلــم عــال يقتــل أعدائــه‬
‫ويتخلــص منهــم)‪..‬‬
‫ولنفــس الســبب نالقــي أغــاين الحــزن واألمل والعــذاب رائجة ومشــهورة‬
‫زيهــا زي أغــاين الفــرح والبهجــة واألمــل (إن مــا كانــش أكرت)‪..‬‬
‫وأفــام الرعــب ومصاصــن الدمــاء بتنتــر وبتزيــد ويتعمــل ملعظمهــا‬
‫جــزء تــاين وتالــت وحتــى ســابع‪ ..‬ألنهــا بتخاطــب‪ -‬عــى مســتوى‬
‫عميــق جــدًّ ا‪ -‬غريــزة املــوت الــي جوانــا‪ ..‬الــي جوانــا كلنــا‪..‬‬

‫إيه ده؟‬
‫فيه إيه؟‬
‫إهدى كده‪ ..‬وك ّمل بالراحة‪ ..‬وإنت تعرف فيه إيه!‬

‫(‪)3‬‬
‫إحنــا اتعلمنــا إن املــوت وحــش‪ ..‬رغــم إنــه حتــة مننــا‪ ،‬وحفظنــا إنــه‬
‫رش‪ ..‬رغــم إنــه بيصحــى معانــا وينــام معانــا‪ ،‬وصدقنــا إنــه بعيــد‪..‬‬
‫رغــم إنــه عايــش جــوا كل حــد فينــا‪..‬‬
‫تفتكر ينفع إننا نتخلص منه؟‬
‫ينفع إننا نقطعه ونرميه ونعتربه مش موجود؟‬

‫‪137‬‬
‫ينفــع إننــا نفضــل نتعامــل مــع أحــد أهــم حقائــق الكــون عــى إنهــا‬
‫وهــم؟‬
‫ما أعتقدش‪..‬‬
‫أمال إيه اليل ينفع؟‬

‫اليل ينفع بجد‪ ..‬هو إننا نقبله‪..‬‬


‫نقبل وجود املوت فينا‪ ..‬داخلنا‪..‬‬
‫ونشوفه عىل إنه الوجه اآلخر من وجودنا‪ ،‬مش نهاية وجودنا‪..‬‬
‫ونصدق إنه بيكمل الحياة‪ ..‬مش بياخد منها‪..‬‬
‫وإنه إضافة‪ ..‬مش نقصان‪..‬‬
‫ميكن ده يصالحنا شوية عىل املوت اليل ب َرانا‪..‬‬
‫موت األحبة والغاليني‪..‬‬
‫وموتنا إحنا شخص ًّيا‪..‬‬

‫فيــه فيلــم رائــع اســمه ‪ ،Meet Joe Black‬يف الفيلــم ده بيقــوم‬


‫العبقــري (أنتــوين هوبكنــز) بــدور رجــل أعــال كبــر وشــهري جــدًّ ا‬
‫بيفاجــأ بــأن ملــك املــوت جــاي يــزوره يف بيتــه ويقــي معــاه كــذا‬
‫يــوم‪ ،‬وبعدهــا هايقبــض روحــه‪ ..‬ومــن اللحظــة دي بتتقلــب حياتــه‬
‫رأســا عــى عقــب‪..‬‬
‫ً‬
‫(أنتــوين هوبكنــز) طــول الفيلــم كان يف رحلــة‪ ..‬رحلــة قبــول موتــه‪..‬‬
‫ويف اللحظــة الــي قبــل فيهــا موتــه‪ ..‬بطــل يخــاف منــه‪ ،‬وبطــل يرتقبــه‪،‬‬
‫وعــرف يعيــش‪ /‬يحيــا بجــد‪..‬‬
‫‪138‬‬
‫ورضب مثــل عميــق جــدًّ ا (حتــى مللــك املــوت نفســه‪ -‬كــا يدَ عــي‬
‫الفيلــم)‪ ،‬يف معنــى الحيــاة‪ ،‬ومعنــى الحــب‪ ،‬ومعنــى الوجــود‪..‬‬
‫وقــت مــا جــاءت النهايــة‪ ..‬هــو شــخص ًّيا الــي بــادر بأخــذ إيــد ملــك‬
‫املــوت (املزعــوم)‪ ..‬وســط أجــواء احتفاليــة تليــق برحلتــه‪..‬‬

‫زي ما قبول الضعف‪ ..‬قوة‪..‬‬


‫وقبول الفشل‪ ..‬نجاح‪..‬‬
‫وقبول الحزن‪ ..‬حكمة‪..‬‬
‫قبول املوت‪ ..‬حياة‪..‬‬

‫(‪)4‬‬
‫إحنا محتاجني‪..‬‬
‫ال‪..‬‬
‫أنا مش عاوز دلوقت أتكلم بصيغة إحنا‪ ..‬وال إنت‪..‬‬
‫ده مش وقت صيغة املخاطب‪ ..‬ده وقت صيغة املتكلم‪..‬‬
‫أنــا عــاوز أتكلــم بصيغــة (أنــا)‪ ..‬وعــاوزك تقــرا الــكالم الــي جــاي‬
‫بصــوت عــايل بنفــس الصيغــة‪..‬‬
‫صيغة (أنا)‪..‬‬

‫‪139‬‬
‫أنــا جوايــا مــوت‪ ،‬وجوايــا حيــاة‪ ..‬مــا ينفعــش أتخلــص مــن واحــدة‬
‫منهــم‪ ،‬أو أســتغنى عنهــا‪..‬‬
‫أنــا جوايــا مــوت‪ ،‬وجوايــا حيــاة‪ ..‬زي مــا جوايــا ضلمــة وجوايــا نــور‪..‬‬
‫االتنــن بيكملــوا بعــض‪ ..‬بياخــدوا مــن بعــض‪ ،‬ويــدوا بعــض‪..‬‬
‫أنــا جوايــا مــوت‪ ،‬وجوايــا حيــاة‪ ..‬متضفريــن يف بعــض‪ ،‬ماشــيني مــع‬
‫بعــض‪ ،‬وســاعات يف نفــس االتجــاه‪..‬‬
‫اللحظــة الــي هاقبــل فيهــا املــوت الــي جوايــا‪ ،‬هــي نفــس اللحظــة‬
‫الــي هأقبــل فيهــا غضبــي ومــا أســمحش لــه إنــه يتملكنــي ويســيطر‬
‫عليــا‪..‬‬
‫اللحظــة الــي هأقبــل فيهــا املــوت الــي جوايــا‪ ،‬هــي نفــس اللحظــة‬
‫الــي هأقبــل فيهــا خطــأي وفشــي وضعفــي وتقصــري ومــا قفــش‬
‫عندهــم وال أخليهــم يعطلــوين‪..‬‬
‫اللحظــة الــي هاقبــل فيهــا املــوت الــي جوايــا‪ ،‬هــي نفــس اللحظــة‬
‫الــي هايلتحــم فيهــا فجــوري بتقــواي‪..‬‬

‫هــي اللحظــة الــي هاســمح لنفــي فيهــا إين أحــزن يف هــدوء‪ ..‬وأتــأمل‬
‫يف حكمــة‪ ..‬وأصــر يف ثبــات‪..‬‬
‫هــي اللحظــة الــي هاقبــل فيهــا الخــوف واالنكســار وســاعات خيبــة‬
‫األمــل‪..‬‬
‫هي اللحظة اليل هاسامح فيها نفيس‪ ..‬وأسامح غريي‪..‬‬

‫‪140‬‬
‫هــي لحظــة مــا يجتمــع جوايــا كل أبيــض وأســود‪ ..‬ويتآلــف كل ميــن‬
‫وشــال‪ ..‬ويتصالــح كل نقيــض مــع نقيضــه‪..‬‬
‫هــي لحظــة إن نفــي تبقــى نفــي‪ ..‬كل كامــل متكامــل‪ ..‬ملتئــم‬
‫ملتحــم‪ ..‬رائــع بنقصانــه‪ ..‬وجميــل بفنائــه‪..‬‬
‫هي لحظة إين أكون بني آدم‪ ..‬أخ ًريا‪..‬‬

‫عــى فكــرة أنــا شــخص ًّيا مــا وصلتــش لســه للحظــة دي‪ ..‬ألنهــا مــش‬
‫لحظــة‪ ..‬هــي رحلــة‪ ..‬بــس أعتقــد إين حال ًيــا عــى نقطــة مــا يف الرحلــة‬
‫دي‪ ..‬واللــه املســتعان‪..‬‬

‫إوعى تكون بطلت تقرا بصوت عايل وبصيغة (أنا)‪..‬‬

‫طيب‪..‬‬
‫اقراها تاين من األول بصوتك‪..‬‬
‫وعن نفسك‪..‬‬

‫‪141‬‬
‫(‪)13‬‬
‫ثقوب نفسية‬

‫‪143‬‬
‫فيــه جــوه كتــر مننــا حتــة فاضيــة‪ ..‬حلقــة داخليــة مفرغــة‪ ..‬بنحــاول‬
‫منالهــا بحاجــات كتــر وبطــرق مختلفــة‪ ..‬بــس بــدون فايــدة‪..‬‬
‫حــد بيحــاول ميالهــا بنجاحــات مدويــة وخارقــة ومبهــرة‪ ..‬حــد بيحاول‬
‫ميالهــا بشــهرة ونظـرات إعجــاب يف عيــون النــاس‪ ..‬حــد يحــاول ميالهــا‬
‫بنهــم ورشه غــر مــرر للفلــوس أو للنفــوذ أو لألضــواء أو للبــس أو‬
‫حتــى لــأكل‪ ..‬حــد يحــاول بالدخــول يف قصــص حــب متكررة ســطحية‬
‫زائفــة‪ ..‬حــد تــاين بلبــس رداء علــم أو حكمــة أو ديــن مــن غــر عمــق‬
‫أو أصالــة أو حقيقــة‪ ..‬وكل ده مــش بيمــا وال يشــبع وال يســد هــذا‬
‫الفـراغ النفــي الداخــي الــي بيكــون عامــل زي الثقــب األســود الــي‬
‫بيبلــع أي حاجــة وأي حــد بــا نهايــة‪..‬‬

‫مــن اآلخــر‪ ..‬وبــكل رصاحــة ووضــوح‪ ..‬الف ـراغ ده مــش بيتمــي غــر‬
‫بحاجــة واحــدة بــس‪ ..‬هــي إنــك‪" :‬تصــدق إنــك تســتاهل"‪..‬‬
‫احتــال الجملــة دي تكــون مكــررة يف كتابــايت ومحــارضايت (ومــش‬
‫هازهــق وال هابطــل تكرارهــا وترديدهــا ألهميتهــا الشــديدة)‪..‬‬
‫أو تكــون غريبــة عليــك أو مــش متعــود تســمعها أو تقراهــا‪ ..‬بــس‬
‫هــي بســيطة وبديهيــة جــدًّ ا‪ ..‬وموجــودة يف تكوينــك النفــي مــن‬
‫يــوم مــا اتولــدت‪..‬‬
‫ســاعات الرتبيــة أو املجتمــع بيؤكــد عنــدك الرســالة دي‪" :‬إنــت‬
‫تســتاهل تتحــب"‪ ..‬وســاعات بيشــكك فيهــا‪ ..‬وســاعات بيوصلــك‬
‫عكســها‪..‬‬

‫‪145‬‬
‫يعنــي ممكــن يوصلــك مــن األب واألم يف بعــض األوقــات إنــك مــا‬
‫تســتاهلش حبهــم أو اهتاممهــم أو رعايتهــم أو قبولهــم‪ ..‬وإنــك‬
‫تســتاهل بــس بقــدر ســمعانك للــكالم وتنفيــذك لألوامــر‪..‬‬
‫وممكــن يوصلــك برضــه منهــم ومــن املدرســة والحصــص واملدرســن‬
‫إن قيمتــك يف الحيــاة تســاوي فقــط مجموعــك يف الثانويــة العامــة‪..‬‬
‫وطب ًعــا ممكــن يوصلــك مــن الشــارع والشــغل واملجتمــع والنــاس إنــك‬
‫مــا تســتاهلش تتحــب وال تفــرح وال تســتاهل تطمــن وال تســتاهل‬
‫تعيــش مــن أصلــه‪..‬‬
‫يف املواقــف الصعبــة واللحظــات الحاســمة دي‪ ..‬لــو إنــت مــا قاومتــش‬
‫ومــا ســمعتش صــوت فطرتــك وطبيعتــك كويــس‪ ..‬هاينخــر الثقــب‬
‫األســود نفســك‪ ..‬وهايكــر ويكــر‪ ..‬وتعيــش عمــرك كلــه تحــاول متــاه‬
‫ب ـراب ورا رساب ورا رساب‪..‬‬
‫إنجــح وهــات ألــف يف املايــة يف الثانويــة العامــة‪ ..‬مــش هاتــرىض وال‬
‫تفــرح مــن قلبــك وال تحــس بنجاحــك لــو إنــت مــش مصــدق إنــك‬
‫تســتاهل تنجــح وتفــرح‪..‬‬
‫عيــش دونجــوان عــرك وأوانــك‪ ..‬وادخــل كل يــوم يف قصــة حــب‪..‬‬
‫ود ّوب كل بنــات العــامل‪ ..‬مــش هاتشــبع وال تقنــع وال هايســتقر قلبــك‬
‫طــول مــا إنــت مــش مصــدق إنــك تســتاهل تتحــب وتتحــس ويهتــم‬
‫بيــك‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫اجــذب كل األضــواء‪ ..‬وشــد كل االنتبــاه‪ ..‬ومل كل البــر حواليــك‪..‬‬
‫إن شــالله تطلــع لنفســك جناحــات وتطــر يف الســا‪ ..‬كل ده مــش‬
‫هايكــون ليــه أي الزمــة‪ ..‬ومــش هاتحــس ليــه بــأي معنــى‪ ..‬لــو مــش‬
‫مصــدق إنــك تســتاهل تتشــاف وتتقــدر‪..‬‬

‫ماتســألنيش‪" :‬وإزاي أصــدق إين أســتاهل أتحــب وأنجــح وافــرح‬


‫وأتشــاف واتقــدر‪.....‬؟"‬
‫علشــان اإلجابــة عنــدك ويف فطرتــك وتكوينــك‪ ..‬مطلــوب بــس إنــك‬
‫تســمح لنفســك تشــوف ده فيهــا‪ ..‬وتصدقــه‪ ..‬وتقــول (أل) ألي حــد‬
‫وكل حــد يحــاول يوصلــك غريهــا‪..‬‬

‫إنت تستاهل‪..‬‬
‫صدق ده‪..‬‬
‫وكفاية بقى‪..‬‬

‫‪147‬‬
‫(‪)14‬‬
‫الصندوق‬

‫‪149‬‬
‫كتــر جــدًّ ا مننــا عايشــن حياتهــم جــوه صنــدوق‪ ..‬صنــدوق صغــر‬
‫مصنــوع مــن طريقــة معينــة يف التفكــر‪ ،‬طريقــة معينــة يف الشــعور‪،‬‬
‫طريقــة معينــة يف التــرف والتعامــل مــع اآلخريــن‪ ..‬فرضيــات معينــة‬
‫عــن الدنيــا والعــامل والنــاس‪ ..‬ردود فعــل جاهــزة عــى املواقــف‬
‫املختلفــة‪ ..‬وســاعات منــط ثابــت مــن املشــاعر املتكــررة عــى مــدار‬
‫الوقــت‪.‬‬
‫بعــض الصناديــق دي بتكــون َم َرضيــة‪ ..‬والــي عايــش جواهــا مريــض‬
‫أو مجموعــة مــن املــرىض‪ ..‬وبعضهــا مــش بيكــون َمــرىض‪ ..‬لكنــه يف‬
‫نفــس الوقــت مــش طبيعــي ومــش صحــي‪ ،‬حتــى لــو بــدا كذلــك‪..‬‬
‫ألنــه مــش الطبيعــي إننــا نعيــش حياتنــا جــوه صناديــق مغلقــة علينــا‬
‫وبــس‪..‬‬
‫الــي عنــده شــوية أفــكار أو معتقــدات أو مخــاوف وشــايف ومتصــور‬
‫ومصــدق إنــه هــو الوحيــد الــي صــح وكل النــاس غلــط‪..‬‬
‫اليل حابس نفسه يف كام فكرة‪ ،‬ومش رايض يشوف غريها‪..‬‬
‫واليل محبوس جوه مخاوفه ومش بيحرر نفسه منها‪..‬‬
‫والــي ســاجن عقلــه يف شــوية تصــورات ومعندهــوش أي اســتعداد‬
‫يســمع أي صــوت غــر صوتــه‪ ،‬وال يشــوف غــر الــي يف دماغــه‪،‬‬
‫وال يحــط أي احتــال غــر الــي هــو متأكــد إنــه حقيقــة ال تقبــل‬
‫التشــكيك‪..‬‬
‫كل دي صناديق‪..‬‬

‫‪151‬‬
‫الــي عايشــة مــع أوالدهــا يف دايــرة مغلقــة وموصلــة ليهــم إنهــا مصــدر‬
‫كل حاجــة يف الدنيــا مــن حــب وحنــان واهتــام وعطــاء (يف غيــاب أو‬
‫حتــى يف وجــود أبوهــم)‪..‬‬
‫الــي بيحبــوا بعــض ومســتغنيني ببعــض عــن الدنيــا كلهــا‪ ،‬وكل واحــد‬
‫فيهــم شــايف إن التــاين هــو املــايض والحــارض واملســتقبل‪..‬‬
‫الــي معيشــة جوزهــا يف اختبــارات نفســية طــول الوقــت علشــان‬
‫تشــوف قــد إيــه هــو بيحبهــا أو قــد إيــه هــو مســتحمل‪ ،‬أو قــد إيــه‬
‫نفســه طويــل‪..‬‬
‫الــي بيتعامــل مــع ابنــه أو بنتــه أو مراتــه عــى إنهــم ملكيــة خاصــة‬
‫ليــه‪ ..‬كل دي برضــه صناديــق‪..‬‬
‫صنــدوق النــاس واملجتمــع‪ ..‬صنــدوق العــادات والتقاليــد‪ ..‬صنــدوق إين‬
‫الزم أكــون األحســن يف كل حاجــة وإين مــا ينفعــش أغلــط أو أضعــف‬
‫أو أفشــل‪ ..‬صنــدوق التمســك والتعلــق بحــد عــى حســاب نفــي‪..‬‬
‫صنــدوق دور الضحيــة أو الجــاين أو املنقــذ‪ ..‬صنــدوق املغــاالة والتطرف‬
‫يف فهــم الديــن الســمح الرفيــق‪ ..‬صنــدوق الرفــض والشــك والخــوف‬
‫مــن اآلخــر طــول الوقــت‪ ..‬صنــدوق الطــاق الــي حاطــط يافطــة‬
‫جــواز‪ ..‬صنــدوق العيــال الــي هاضحــي بنفــي وبحيــايت علشــانهم‪..‬‬
‫صنــدوق الشــغل الــي غرقــان فيــه وأنــا أصــا مــا اخرتتهــوش ومــش‬
‫بحبــه‪..‬‬
‫صناديــق مغلقــة‪ ،‬ودوايــر مقفولــة‪ ،‬بيعيــش فيهــا أصحابهــا وهــا‬
‫مغميــن عنيهــم وســاعات عيــون الــي حواليهــم كــان‪ ..‬وممكــن‬
‫يفضلــوا كــده لغايــة مــا ميوتــوا‪ ..‬وهــا مــا يعرفــوش مجــرد معرفــة‬
‫إنــه فيــه عــامل تــاين مختلــف متا ًمــا بــره صناديقهــم‪ ..‬وإنــه فيــه حيــاة‬
‫كاملــة بــره ســجنهم‪..‬‬
‫‪152‬‬
‫عــى فكــرة‪ ..‬دي بــس مجــرد أمثلــة‪ ..‬لكــن يف الحقيقــة كل حاجــة‬
‫ممكــن تبقــى صنــدوق‪ ..‬كل حاجــة‪ ..‬إحنــا ممكــن نعمــل مــن كل‬
‫حاجــة وأي حاجــة صنــدوق ضيــق نعيــش فيــه ونتشــبث بجدرانــه‬
‫ونرفــض نتخــى عنهــا مهــا كانــت هشــة‪..‬‬
‫الــي ربنــا بقــى يكرمــه ويخــرج بــره صندوقــه‪ ،‬ويتحــرر مــن ســجنه‪..‬‬
‫هايحــس بالظبــط زي طفــل صغــر بيشــوف العــامل مــن أول وجديــد‪،‬‬
‫وبيكتشــف نفســه‪ ،‬والدنيــا‪ ،‬والنــاس‪..‬‬

‫طيب إزاي نخرج بره صناديقنا‪..‬‬


‫الــي يخرجنــا بــره صناديقنــا هــو أوال إننــا نصــدق إنــه فيــه عــامل‬
‫كامــل وجديــد ومختلــف عــن كل الــي نعرفــه وكل الــي عشــناه مهــا‬
‫كنــا مصدقينــه‪..‬‬
‫وثان ًيــا إننــا ننــوي ونقــرر نخــرج بــكل شــجاعة حتــى لــو كان الخــروج‬
‫مخاطــرة‪ ..‬هــو فيــه أي حاجــة مفيــدة مــا فيــش وراهــا مخاطــرة؟‬
‫وثالثًــا يــا ريــت مــا تكونــش لوحــدك‪ ..‬يكــون فيــه حــد معــاك‪،‬‬
‫يســاعدك وياخــد بإيــدك‪ ..‬يونســك ويوريــك الطريــق‪ ..‬ويكــون رفيقك‬
‫يف رحلتــك‪ ..‬الحــد ده ممكــن يكــون صديــق‪ ،‬زوج‪ ..‬زوجــة‪ ،‬معالــج‪ ،‬أو‬
‫حــد قابلتــه صدفــة‪ ..‬وطب ًعــا لــو مــا فيــش حــد معــاك‪ ..‬ربنــا موجــود‪..‬‬
‫ولــو مــش عــارف تبــدأ منــن وإزاي وفــن‪ ..‬هأقولــك مــا تســتعجلش‪.‬‬
‫ه ـ ّون عــى نفســك‪ ..‬مجــرد إنــك تشــوف إنــك كنــت عايــش جــوه‬
‫صنــدوق دي بدايــة كويســة جــدًّ ا‪ ..‬اصــر‪ ..‬والباقــي هايجــي لوحــده‬
‫ويف ميعــاده‪ ..‬صدقنــي‪..‬‬

‫‪153‬‬
‫أول بقــى مــا تخــرج بــره الصنــدوق‪ ..‬وتقــرر تفتــح عينيــك وودانــك‬
‫وقلبــك‪ ..‬هاتكتشــف الخدعــة الــي كنــت فيهــا‪ ..‬وهاتشــوف العــامل‬
‫الــي مــا كنتــش ســامح لنفســك تعــرف عنــه حاجــة‪ ..‬وهاتعمــل‬
‫عالقــات جديــدة بأفــكار ومشــاعر مختلفــة جــدًّ ا‪ ..‬هاتشــوف وتســمع‬
‫وتحــس كل حاجــة وكل حــد كأنــك أول مــرة تعيــش‪ ،‬وأول مــرة‬
‫تتنفــس‪ ،‬وأول مــرة تتولــد‪ ..‬مــا تســتغربش مــن التعبــر ده‪ ..‬إحنــا‬
‫ممكــن نتولــد مــن جديــد كل يــوم‪..‬‬

‫كفاية بقى صناديق‪..‬‬


‫ويالال نشوف النور‪..‬‬
‫يالال‪..‬‬
‫مستني إيه‪..‬‬

‫‪154‬‬
‫(‪)15‬‬
‫مصدقها‬
‫ّ‬ ‫تصدقش كل حاجة إنت‬
‫ما ّ‬

‫‪155‬‬
‫فيــه واحــد اســمه (ســولومون آش) عمــل تجربــة مهمــة جــدًّ ا يف‬
‫تاريــخ العلــم ســنة ‪..1951‬‬
‫( آش) جــاب عــدد مــن النــاس وحطهــم كلهــم يف اختبــار معــن وكان‬
‫متفــق معاهــم كلهــم مــا عــدا واحــد عــى اإلجابــة الــي هايقولوهــا‪.‬‬
‫كــ َّرر (آش) التجربــة دي ‪ 18‬مــرة‪ ،‬وكان اتفاقــه مــع املمثلــن إنهــم‬
‫يقولــوا اإلجابــة الصحيحــة يف أول مرتــن فقــط‪ ،‬وبعــد كــده كلهــم‬
‫هايقولــوا إجابــة خطــأ متفــق عليهــا ويشــوف الواحــد الباقــي هايقــول‬
‫إيــه‪ ..‬بعدهــا آش عمــل التجربــة دي مــع عــدد أكــر مــن النــاس‬
‫وبطــرق مختلفــة وطب ًعــا كانــت النتائــج مذهلــة‪..‬‬
‫ثلــث النــاس الــي اتعرضــوا للتجربــة قالــوا نفــس الــرأي الخطــأ الــي‬
‫ســمعوه مــن باقــي زمايلهــم يف كل التجــارب (كان داميًــا يكــون دورهم‬
‫يف الــرد هــو األخــر بعــد كل النــاس)‪ ..‬وثــاث أربــاع (يعنــي ‪ )%75‬مــن‬
‫النــاس قالــوا نفــس الــرأي الخطــأ يف تجربــة واحــدة عــى األقــل‪..‬‬

‫النــاس دي مــا قالتــش الــرأي الخطــأ بســبب خــوف أو تهديــد أو رغبــة‬


‫يف املوافقــة وخــاص‪ ..‬ال‪ ..‬النــاس دي اســتقبالهم للحقيقــة اتغــر‪..‬‬
‫يعنــي هــا كانــوا شــايفني ومصدقــن الــي قالــوه (اتعمــل معاهــم‬
‫كلهــم مقابــات فرديــة بعــد كــده)‪ ..‬هــا اتأثــروا فعــا بــرأي املمثلــن‬
‫املتفقــن مــع الباحــث لدرجــة إن رؤيتهــم وقراءتهــم وتفســرهم لــي‬
‫هــا شــايفينه بعنيهــم اتغــرت واختلفــت‪..‬‬

‫‪157‬‬
‫الكالم ده معناه إيه؟‬

‫معنــاه إن حرضتــك ملــا بتكــون يف وســط مجموعــة مــن البــر‪..‬‬


‫ممكــن بــكل بســاطة الــي إنــت شــايفه ومقتنــع بيــه ومصدقــه مــا‬
‫يكونــش إال تأثــر املجموعــة عليــك (ده بيســموه تأثــر املجموعــة‬
‫‪ ..)Group Influence‬ممكــن تكــون شــايف الشــال ميــن ألن كل‬
‫النــاس شــايفينه كــده‪ ..‬وتكــون شــايف اليمــن شــال علشــان إنــت‬
‫فعــا عينيــك ومــداركك وحــواس اســتقبالك اتأثــرت برؤيــة املجموعــة‬
‫أكــر مــن رؤيتــك إنــت الشــخصية‪..‬‬

‫املجموعــة دي ممكــن تكــون شــلة أصحــاب‪ ..‬زمــاء عمــل‪ ..‬عيلــة‪..‬‬


‫فريــق ريــاىض‪ ..‬وســاعات مجتمــع بحالــه‪..‬‬

‫أي مجموعة ممكن تقنع أي حد بأي حاجة‪..‬‬


‫ما تصدقش كل حاجة إنت مصدّ قها‪..‬‬

‫اقرا بقى الفصل السابق (الصندوق) من األول‪..‬‬


‫وبعده‪..‬‬
‫نتقابل تاىن‪..‬‬
‫يف الفصل الجاي‪..‬‬

‫‪158‬‬
‫(‪)16‬‬
‫الكارير شيفت‬

‫‪159‬‬
‫عشــت يف إنجلــرا ســنتني ملــا كنــت بحــر الدكتــوراه يف الطــب‬
‫النفــي‪ ..‬فوجئــت بعــد شــوية إن أحــد املرشفــن عل ّيــا كان بيشــتغل‬
‫عــازف جيتــار بعــد الضهــر‪ ..‬طب ًعــا وقتهــا كنــت‪ -‬مــا شــاء اللــه‪ -‬متحيل‬
‫بالعقليــة املجتمعيــة الرشقيــة العظيمــة‪ ..‬والراجــل نــزل مــن نظــري‪،‬‬
‫واكتأبــت‪ ،‬وبقيــت ببصلــه مــن فــوق لتحــت‪ ،‬وكانــت حالتــي حالــة‪..‬‬
‫فكــرة إن حــد يشــوف إنــه مــش بيحــب شــغله وإنــه اتفــرض عليــه‬
‫دي أصــا فكــرة محتاجــة قــدر كبــر جــدًّ ا مــن الشــجاعة والتحمــل‬
‫واإلقــدام وســاعات التهــور‪ ..‬خاصــة يف مجتمــع زي مجتمعنــا‪ ..‬لكنهــا‬
‫تــكاد تكــون حاجــة عاديــة جــدًّ ا يف مجتمعــات تانيــة زي أوروبــا‬
‫وأمريــكا والــدول املتقدمــة‪..‬‬

‫املهم‪ ..‬نجيب املوضوع من األول‪ ..‬هو إحنا بنشتغل ليه؟‬


‫وده مــش ســؤال عــام‪ ..‬املقصــود هنــا هــو إحنــا يف مجتمعنــا بنختــار‬
‫شــغلنا عــى أي أســاس؟‬

‫خد عندك يا سيدي‪..‬‬


‫جــزء ال بــأس بيــه مننــا بيختار شــغله بنــاء عــى الوجاهــة االجتامعية‪..‬‬
‫الــي كانــت لفــرة كبــرة مــن الزمــن‪ ،‬وال زالــت يف بعــض الرشائــح‬
‫تتوجــه ناحيــة الطــب والهندســة والصيدلــة ومــا يشــبههم‪..‬‬
‫جــزء تــاين بيختــار بنــاء عىل مــدى القــوة والتأثــر االجتامعــي للوظيفة‬
‫أو املنصــب‪ ،‬إىل جانــب الوجاهــة برضــه‪ ،‬وهنــا نالقــي وظائــف القضاء‬
‫والرشطــة والجيــش وغريهم‪..‬‬
‫‪161‬‬
‫وجــزء تالــت بيختــار بنــاء عــى مــدى مناســبة الشــغل لبعــض‬
‫الظــروف املكانيــة (قربــه مــن البيــت أو األرسة) أو النوعيــة (وظائــف‬
‫مناســبة أكــر للبنــات مثــا) أو العائليــة (اإلكــال يف نفــس مهنــة األب‬
‫أو األم)‪ ،‬وهكــذا‪..‬‬
‫وجــزء رابــع وخامــس وســادس وعــارش بيختــار الشــغل الــي مــا لقــاش‬
‫غريه‪..‬‬
‫وهنا ييجي السؤال األصعب‪..‬‬
‫هو إحنا أصال بنختار شغلنا؟‬
‫واإلجابة لألسف وبالفم املليان‪ :‬الاااااااااااااااااااااااااااااا‬

‫إحنــا الــي بيختــار شــغلنا هــو مكتــب التنســيق‪ ،‬الــي بيحــدد‬


‫مســتقبلنا هــو درجاتنــا يف الثانويــة العامــة‪ ،‬الــي بيخطــط حياتنــا هــو‬
‫مــدى قدرتنــا عــى حفــظ بعــض املعلومــات واســرجاعها ملــدة ثــاث‬
‫ســاعات يف لجنــة االمتحــان‪..‬‬
‫ولــو مكتــب التنســيق إدانــا بعــض االختيــارات‪ ،‬يبقــى ســاعتها الــي‬
‫هايختــار برضــه مــش إحنــا‪ ،‬الــي هايختــار غال ًبــا هايكــون أهلنــا‪..‬‬
‫األب الــي عــاوزك دكتــور قــد الدنيــا‪ ،‬أو وكيــل نيابــة مــايل مركــزك‪،‬‬
‫أو محاســب تكمــل املســرة بتاعتــه‪ ..‬واألم الــي عــاوزايك صيدالنيــة‬
‫علشــان الصيدليــة بتاعتهــا‪ ،‬أو مدرســة علشــان تقعــدي وتتســتتي يف‬
‫البيــت‪ ،‬أو موظفــة يف الحكومــة علشــان غــدر الزمــن وحوجــة األيــام‪..‬‬
‫والــي مــش بيدخــل يف دوامــة مكتــب التنســيق‪ ،‬بيشــتغل الــي ربنــا‬
‫بيســهل بيــه‪..‬‬

‫‪162‬‬
‫يبقــى غال ًبــا آخــر واحــد ليــه (فعــل) االختيــار يف حكايــة الشــغل دي‬
‫هــو إنــت‪ ..‬مــع إنــك أول واحــد ليــه (حــق) االختيــار فيهــا‪.‬‬
‫طب ًعــا املنظومــة دي فاشــلة مــن أولهــا آلخرهــا‪ ،‬وبتــؤدي لبــاوي كتــر‬
‫جــدًّ ا‪ ..‬أولهــا حالــة الســعار الرهيــب للوصــول إىل أعــى نقطــة يف‬
‫جبــل التنســيق علشــان يبقــى قدامــك كل األبــواب مفتوحــة‪ ..‬الســعار‬
‫ده بيصيــب األهــايل بالعتــه والجنــون والدخــول يف ســباق محمــوم‬
‫نحــو الــايشء‪ ،‬ويصيــب أبناءهــم باالكتئــاب والتوتــر والفصــام وكل‬
‫األم ـراض النفســية املكتوبــة يف الكتــب‪.‬‬
‫مالمــح هــذا الســعار أولهــا حمــى الــدروس الخصوصيــة‪ ،‬وآخرهــا‬
‫فــوىض الغــش والتزويــر والوســايط والرشــاوى‪ ،‬وبينهــم مــدارس‬
‫خاويــة عــى عروشــها‪..‬‬
‫ثانيهــا‪ ..‬اتفضــل يــا ســيدي‪ ..‬نجحــت؟ جيبــت مجمــوع؟ دخلــت‬
‫الكليــة؟ اتخرجــت؟ اشــتغلت؟ حــب بقــى شــغلك وانجــح وأبــدع‬
‫فيــه‪ ..‬ههههههههههههــه‪ ..‬إزاي بقــى والنبــي؟‬
‫عنــدك واحــد اشــتغل مــدرس‪ ،‬وكان نفســه يشــتغل دكتــور‪ ..‬بــس‬
‫قدراتــه عــى الحفــظ مــا ســاعدتهوش يبــخ الــكالم الــي حفظــه كلــه‬
‫يف ورقــة اإلجابــة‪..‬‬
‫وعنــدك واحــد اشــتغل دكتــور‪ ،‬بــس كان حلــم حياتــه يطلــع رســام‪،‬‬
‫ألنــه بيحــب الرســم‪ ،‬بــس جــاب مجمــوع عــايل وأهلــه اســتخرسوه‬
‫وأقنعــوه يدخــل طــب‪..‬‬
‫عنــدك واحــدة اشــتغلت صيدالنيــة علشــان تكمــل يف صيدليــة أبوهــا‪،‬‬
‫رغــم إنهــا كانــت حابــة تشــتغل يف مجــال الســياحة‪..‬‬

‫‪163‬‬
‫وعنــدك مهنــدس كان عــاوز يبقــى ظابــط‪ ..‬ومحاســب كان حابــب‬
‫يكــون محامــي‪ ..‬ومحامــي كان بيحلــم يبقــى وكيــل نيابــة‪ ..‬وصحفــي‬
‫كان نفســه يبقــى مذيــع‪ ..‬وغريهــم وغريهــم‪..‬‬
‫كلمنــي بقــى عــن التقــدم العلمــي واالنفتــاح البحثــي واخـراق القــرن‬
‫الواحــد وعرشين‪..‬‬

‫بالنســبة يل بقى كل ده مش مشــكلة‪ ..‬أو بكلامت أدق‪ ..‬مش مشــكلة‬


‫كبــرة‪ ..‬املصيبــة الكبــرة بالنســبة يل هــي إنــك –غال ًبــا‪ -‬هاتلبــس يف‬
‫الشــغالنة دي طــول عمــرك‪ ..‬واحتــال تصــدق إنــك بتحبهــا‪ ،‬رغــم‬
‫إنهــا مــش بتعــر عنــك‪ ..‬والصعوبــة األكــر يف الحكايــة دي كلهــا هــي‬
‫صعوبــة إنــك تســيبها وتشــتغل غريهــا‪ ..‬علشــان ده بيمثــل مخاطــرة‬
‫ماديــة ممكــن تهــددك وتهــدد بيتــك وأرستــك لــو إنــت متجــوز‪،‬‬
‫وإحنــا لســه مافيــش عندنــا املســارات التعليميــة البديلــة الــي تــدي‬
‫الفرصــة ألي حــد يتعلــم الحاجــة الــي هــو بيحبهــا وياخــد فيهــا‬
‫شــهادة تخليــه يشــتغل بيهــا مــن غــر مــا يعــدي عــى معبــد الثانويــة‬
‫العامــة ويديــن بديــن مكتــب التنســيق‪.‬‬
‫طيــب حــد جــه واكتشــف بعــد شــوية مــن شــغله إنــه مــش بيحبــه‪،‬‬
‫حتــى لــو كان بيحبــه فعــاً قبــل كــده‪ ،‬أو إنــه اختــاره يف ظــروف‬
‫نفســية أو عائليــة معينــة اتغــرت دلوقــت‪ ،‬أو إنــه شــاف إن الشــغل‬
‫ده مــش مناســب لطبيعــة حياتــه وشــخصيته يف الوقــت الحــايل‪ ..‬أو‬
‫لقــى نفســه يف شــغل تــاين‪ ..‬أو مجــرد إنــه حــب يغــر‪ ..‬يعمــل إيــه؟!‬
‫والله العظيم ما أعرف‪..‬‬

‫‪164‬‬
‫لكن‪..‬‬
‫الــي أعرفــه بجــد إنــك ملــا تشــوف حــد قــرر يغــر مهنتــه‪ ،‬اعــرف إنــك‬
‫–غال ًبــا‪ -‬قــدَّ ام شــخص عنــده قــدر مــن الشــجاعة والحكمــة وتحمــل‬
‫الحــرة وقبــول الغمــوض ومقاومــة التوهــان والصــر عــى عــدم‬
‫وضــوح الرؤيــة‪ ..‬شــخص ق ـ َّرر يكــون حقيقــي وســط زيــف ممكــن‬
‫يكــون عــاش فيــه ســنني طويلــة جــدًّ ا‪ ..‬شــخص مســتعد يتحمــل أمل‬
‫االنســاخ مــن جلــده القديــم علشــان يخــرج منــه بنــي آدم جديــد‬
‫متا ًمــا‪..‬‬

‫أنــا قولــت غال ًبــا علشــان ممكــن حــد يغــر مهنتــه ألســباب تانيــة‬
‫زي الــي قولتهــا يف األول بالظبــط (وجاهــة اجتامعيــة أو قــوة تأثــر‬
‫اجتامعــي أو ظــروف مكانيــة أو غريهــا) وتكــون ســاعاتها الحســابات‬
‫مختلفــة شــوية‪..‬‬

‫يف بعــض أنــواع العــاج النفــي العميــق بنتفــق مــع املريــض شــوية‬
‫اتفاقــات‪ ..‬منهــا إنــه فيــه احتــال أثنــاء أو بعــد العــاج إنــه يكتشــف‬
‫إن كل االختيــارات الــي اختارهــا يف حياتــه (شــغله‪ ،‬زواجــه‪ ،‬مــكان‬
‫معيشــته‪ ،‬طبيعــة عالقاتــه‪ )....‬كانــت اختيــارات مبنيــة عــى أساســات‬
‫هشــة غــر صحيحــة نفس ـ ًّيا‪ ..‬وإنــه وارد جــدًّ ا إنــه بعــد مــا يكتشــف‬
‫ده يقــرر يعمــل تغيــرات جذريــة يف حياتــه يف كل النواحــي دي‪..‬‬
‫ألنــه ســاعتها هايكــون إنســان جديــد‪ ،‬ليــه رؤيــة مختلفــة‪ ،‬ومــن حقــه‬
‫اختيــارات جديــدة‪ ..‬وده أحيانًــا بيحصــل فعـاً‪..‬‬

‫‪165‬‬
‫تغيري املهنة (الكاريري شيفت) مش داميًا دلع وفراغ وضياع‪..‬‬
‫مش داميًا فشل وال تعويض فشل وال نهايته فشل‪..‬‬
‫مش بالرضورة عدم فهم أو سوء تقدير‪..‬‬

‫ممكن يكون وراه حد بيحاول يكتشف نفسه من أول وجديد‪..‬‬


‫حد بيحاول يخرج بره الصندوق‪..‬‬
‫حد بيحاول يخرج عن النص‪..‬‬

‫حد قرر يعمل اليل بيحبه‪..‬‬


‫مهام كان التمن‪..‬‬

‫‪166‬‬
‫(‪)17‬‬
‫إنت مني؟‬

‫‪167‬‬
‫ــحرضتك بتشتغل إيه؟‬
‫ــدكتور‬
‫ــطيب اقلع‪!..‬‬
‫ــأقلع إيه بالظبط؟‬
‫ــاقلع وظيفتك!‬
‫ــإزاي يعني؟‬
‫ــيعنــي تخ ّيــل إنــك منــت وصحيــت لقيــت نفســك يف إجــازة‬
‫قرسيــة مــن مهنــة الطــب‪ ..‬أو إنــك اســتقلت منهــا‪ ..‬أو‬
‫حصــل مشــكلة يف مــكان شــغلك واترفــدت‪ ..‬إيــه الــي‬
‫هايفضــل منــك؟‬

‫ــوحرضتك؟‬
‫ــطالب يف كلية آداب‬
‫ــطيب اقلع‪!..‬‬
‫ــأقلع إيه أنا كامن؟‬
‫ــتصــور إنــك فجــأة لقيــت الكليــة قفلــت أو لغــوا الدراســة يف‬
‫كليات اآلداب أو‪ ..‬أو‪..‬‬

‫تيجــي تجــ ّرب الحكايــة دي‪ ..‬تيجــي تتخيــل معايــا إن وظيفتــك‬


‫اختفــت أو إنــك تخليــت عنهــا؟‬
‫تفتكر إيه اليل هايتبقى؟‬
‫إيه الطبقة اليل تحتها؟‬
‫‪169‬‬
‫عيلتك؟‬
‫هي عيلتك‪..‬‬
‫آه‪ّ ..‬‬
‫مراتك وأوالدك‪..‬‬
‫أو أبوك وأمك وإخواتك‪..‬‬
‫طيــب تص ـ ّور بقــى إنهــم فجــأة اختفــوا هــا كــان‪ ..‬صحيــت مــن‬
‫النــوم مــا لقيتهومــش‪ ..‬ســافروا‪ ..‬هاجــروا‪ ..‬مــا بقــوش موجوديــن‬
‫معــاك وال حواليــك! إيــه الــي هايتبقــى؟ إيــه الطبقــة الــي تحتهــم؟‬
‫أصحابك‪ ..‬جريانك‪ ..‬زمالء الشغل‪..‬‬
‫طيب دول كامن اختفوا وما بقوش موجودين‪ ..‬فاضل إيه تاين؟‬
‫فاضل إنت‪..‬‬
‫أيون‪..‬‬
‫إنت‪ ..‬زي ما إنت‪..‬‬
‫إنت لوحدك‪ ..‬وبس‪..‬‬
‫ــطيب إنت مني بقى؟ تيجي تعرف نفسك‪..‬‬
‫ــأحمد‪ ..‬حسن‪ ..‬نادين‪ ..‬مها‪ ..‬أي اسم؟‬
‫ــبــس ده مــش إنــت‪ ..‬ده اســمك‪ ..‬مــش بيعــر عــن أي‬
‫حاجــة يعنــي‪..‬‬
‫ــأنا دكتور‪ ..‬مهندس‪ ..‬مدرس‪ ..‬طالب‪..‬‬

‫‪170‬‬
‫ــمــا إحنــا اتفقنــا إن دول مــش موجوديــن خــاص‪ ..‬وبعديــن‬
‫دي مجــرد وظيفــة‪ ..‬دي مــش إنــت‪ ..‬دي وظيفتــك‪..‬‬
‫ــأنا طويل وعريض وأبيضاين شوية‪..‬‬
‫ــيا باشا ده شكلك‪ ..‬ده مش إنت خالص‪..‬‬
‫ــأنا ابن فالن وعالن وترتان‪..‬‬
‫ــمــا هــو برضــه دول خــاص‪ ..‬بــح‪ ..‬حتــى لــو لســه‬
‫موجوديــن‪ ..‬دول مــش إنــت برضــه‪..‬‬
‫ــأنا‪ ..‬أنا‪ ..‬مش عارف‪..‬‬
‫طيب خد نفسك بالراحة كده‪ ..‬واقرا اليل جاي بهدوء‪..‬‬

‫هــو إيــه الــي بيعرفنــا؟ إيــه الــي بيحــدد وجودنــا ويوصفــه ويديلــه‬
‫معنــى؟ إيــه الــي بيقــول أنــا مــن وإنــت مــن؟‬
‫ما أعتقدش إن فيه إجابة واحدة واضحة وقاطعة للسؤال ده‪..‬‬
‫بــس مــن وجهــة نظــري (الشــخصية البحتــة) إحنــا موجوديــن يف األثــر‬
‫الــي بنؤثــره يف غرينــا‪ ..‬يف البصمــة الــي بنرتكهــا ورانــا يف األماكــن‬
‫واألزمنــة‪..‬‬
‫أنــا ممكــن أحــس نفــي يف كلــايت الــي بتوصلــك دلوقــت‪ ..‬الكلــات‬
‫الــي بتحــركك وتحــررك وتخليــك تشــوف حاجــات جديــدة مــا كنتش‬
‫شــايفها قبل كــده‪..‬‬
‫إنــت ممكــن تحــس بوجــودك يف عيــون صاحبــك الــي بيفــرح أول مــا‬
‫بيشــوفك‪ ..‬ألنــك بالنســبة لــه مصــدر بهجــة وســعادة‪..‬‬

‫‪171‬‬
‫ممكــن تالقــي نفســك يف نظــرة الرضــا الــي بينظرهالــك تلميــذك أو‬
‫ابنــك ملــا تعلّمــه حاجــة جديــدة ويبــدأ ميارســها ويعــرف قيمتهــا‪..‬‬
‫ممكــن تكتشــف معنــى حياتــك يف بســمة بســيطة عــى شــفايف‬
‫مراتــك ملــا متــد إيــدك وتســاعدها يف البيــت‪..‬‬
‫كل ده أعمــق بكتــر مــن مجــرد الوظيفــة والدراســة واألهــل‬
‫واألصحــاب‪ ..‬ده أثــرك عليهــم وفيهــم كلهــم‪ ..‬وهــو ده– يف رأيــي‬
‫الحــايل‪ -‬الــي بيعرفــك ويوصفــك ويرســم أهــم مالمــح وجــودك‪..‬‬
‫ويخــي ليــه معنــى واتجــاه وهــدف‪..‬‬

‫فيه حد أثره بيكون كتاب‪..‬‬


‫فيه حد أثره بيكون مقطوعة موسيقية أو عمل فني‪..‬‬
‫وفيه حد بيكون أثره ناس اتعلمت واتغريت عىل إيده‪..‬‬

‫إحنا مش بس اسمنا وال شكلنا وال شغلنا وال أهلنا‪..‬‬


‫إحنــا كــان األثــر الــي بنســيبه يف النــاس واألشــياء واألماكــن‪ ..‬بعــد‬
‫مــا نتجــرد مــن كل طبقــات وجودنــا املؤقتــة‪..‬‬

‫إنت بقى‪..‬‬
‫مني؟‬

‫‪172‬‬
‫(‪)18‬‬
‫الصورة الكاملة‬

‫‪173‬‬
‫(‪)1‬‬
‫من أحد مشاهد مسلسل (سقوط حر‪ -‬رمضان ‪:)2016‬‬
‫ــالطبيب النفيس‪ :‬إيه اليل كان ممكن يسعدك؟‬
‫ــ والدة املريضة‪ :‬حاجات عادية‪ ..‬بيت‪ ..‬عيال‪ ..‬زوج‪..‬‬
‫ــ‪-‬الطبيــب النفــي‪ :‬طيــب مانتــي كان عنــدك بيــت وعيــال‬
‫وزوج!‬
‫ــوالــدة املريضــة‪ :‬بــس كان عنــدي حاجــة تخليــك مــا‬
‫تشــوفش معاهــا أي حاجــة تانيــة‪..‬‬
‫ــاليل هيه إيه؟‬
‫ــالخوف‪..‬‬

‫بعــض كتابــايت الســابقة كانــت برتكــز عــى دور الرســايل الــي بتوصــل‬
‫مــن اآلبــاء واألمهــات يف تكويــن صعوبــات وأعـراض وأمـراض نفســية‬
‫عنــد أبناءهــم‪ .‬وبالرغــم مــن إن ده مــش العامــل الوحيــد يف اإلصابــة‬
‫باملــرض النفــي (فيــه عوامــل جينيــة وبيئيــة وغريهــا كتــر)‪ ،‬لكنــه–‬
‫يف رأيــي‪ -‬عامــل مهــم جــدًّ ا‪ ..‬علشــان الرســايل دي بتتحــول بعــد‬
‫شــوية لجــزء ال يتجــزأ مــن التكويــن النفــي لألبنــاء‪ ..‬وبتكــون يف‬
‫قوتهــا وتأثريهــا أقــوى بكتــر مــن الجينــات والبيئــة والظــروف‪..‬‬
‫يف الحقيقــة كل ده هــو جــزء بســيط مــن الصــورة الكبــرة‪ ..‬الــي‬
‫هاحــاول أوضــح دلوقــت جــزء آخــر منهــا‪..‬‬

‫‪175‬‬
‫املــرة دي أنــا هاتكلــم عــن الجانــب اآلخــر مــن الحكايــة‪ ..‬جانــب‬
‫اآلبــاء واألمهــات الــي بيوصلــوا ألبناءهــم رســايل نفســية مؤذيــة‬
‫ومشــوهة بدرجــات مختلفــة‪..‬‬
‫للوهلــة األوىل بنشــوفهم عــى إنهــم نــاس قســاة جنــاة‪ ..‬جنــوا عــى‬
‫أوالدهــم‪ ..‬مقــدروش يحســوا بيهــم ويفهموهــم ويحبوهــم حــب‬
‫حقيقــي غــر مــروط‪ ..‬نــاس تفننــوا يف ســوء املعاملــة واإلهانــة‬
‫والــذل والبعــد‪ ..‬نــاس ضا ّريــن مؤذيــن معندهمــش قلــب وال رحمــة‪..‬‬
‫لكــن‪ ..‬الرؤيــة دي عاملــة زي الــي شــايف مشــهد واحــد مــن حكايــة‬
‫طويلــة عريضــة‪ ..‬أو بيبــص يف صــورة ثابتــة ليهــا بعديــن اتنــن فقــط‪..‬‬
‫رغــم إن فيــه تفاصيــل كتــر للحكايــة‪ ..‬وأبعــاد أكــر للصــورة‪..‬‬
‫باقي الحكاية موجود فيام يُســمى علم ًّيا باسم ‪Schizophrenogenic‬‬
‫‪ ،Mother‬أو األم املســببة للفصــام لــدى أبناءهــا‪ ،‬والــى بتمثلهــا األم‬
‫الــى ىف املشــهد الســابق‪..‬‬
‫األم دي عندهــا إحســاس رهيــب بالخــوف‪ ..‬رعــب مالهــوش حــدود‪..‬‬
‫فقــدان عميــق ألي درجــة مــن درجــات اإلحســاس باألمــان‪ ..‬ده‬
‫ممكــن يكــون نتيجــة ضغــوط حياتيــة صعبــة اتعرضــت ليهـاً‪ ..‬أو فقــد‬
‫لحــد غــايل جــدًّ ا‪ ،‬أو تربيــة قاســية هــي شــخص ًّيا عاشــتها‪ ..‬أو حاجــات‬
‫تــاين‪ ..‬أو كل دول مــع بعــض‪..‬‬
‫األم دي بتفضــل تقــاوم وتقــاوم لغايــة مــا توصــل للحظــة معينــة مــا‬
‫تقــدرش تعافــر فيهــا أكــر مــن كــده‪ ،‬بتكــون اســتنفدت كل طاقتهــا‪،‬‬
‫واســتخدمت كل أســلحتها‪ ،‬ونفَســها فعــا اتقطــع‪ ..‬فتضطــر إنهــا تاخد‬
‫قـرار صعــب جــدًّ ا هاتعيــش بيــه حياتهــا الــي جايــة كلهــا‪ ..‬قـرار هــو‬
‫األصعــب واألقــى عــى اإلطــاق‪ ..‬قـرار إنهــا تدفــن نفســها‪..‬‬

‫‪176‬‬
‫(‪)2‬‬
‫القـرار الــي بتاخــده األم هنــا هــو قـرار معقــد جــدًّ ا‪ ،‬تقــدر تقــول إنــه‬
‫تــات قـرارات يف بعــض‪ ..‬أو قـرار ليــه تــات مســتويات أو وجــوه‪:‬‬
‫بتقــرر أوالً إنهــا تدفــن أنوثتهــا الفطريــة الحقيقيــة الــي اتولــدت‬
‫وعاشــت بيهــا (شــوية)‪ ،‬وتتحــول (نفسـ ًّيا) لراجــل خشــن صلــب قــوى‬
‫تحــاول تحمــى بيــه نفســها وأوالدهــا‪ ،‬راجــل يقــدر يعمــل كل حاجــة‪،‬‬
‫ويعــرف يعمــل كل حاجــة‪ ،‬راجــل راجــل يعنــي‪ ..‬وطب ًعــا ســاعات‬
‫بتقــرر تطلــع أنثــى مزيفــة مبهرجــة مائعــة‪ ،‬تنتقــم بيهــا مــن كل‬
‫الرجالــة‪.‬‬
‫بتقــرر كــان إنهــا تلعــب دور املنقــذ لــأوالد‪ ،‬وده دور حيــايت درامــي‬
‫شــكله مــن بــره لطيــف جــدًّ ا‪ ،‬بتكــون فيــه الحــارس الهــام‪ ،‬والناصــح‬
‫األمــن‪ ،‬وحامــي الحمــى لــأوالد الضعــاف مــن كل يشء وأي يشء‪..‬‬
‫ويف الحقيقــة هــي مــش الزم تحــرم أبناءهــا مــن الحــب والحنــان‬
‫وال حاجــة‪ ،‬بالعكــس‪ ،‬األخطــر إنهــا تديهــم الحــب والحنــان بزيــادة‬
‫للدرجــة الــي تخليهــم مــا يقــدروش يســتغنوا عنهــا‪.‬‬
‫وتقــرر بقــى أخـرًا إنهــا تبلــع أوالدهــا‪ ..‬أيــون‪ ..‬تبلعهــم‪ ..‬مــا تتخضش‬
‫مــن التعبــر‪ ..‬تبلعهــم مبعنــى إنهــا تحاوطهــم مــن كل ناحيــة‪ ،‬ومتنــع‬
‫عنهــم امليــه والهــوا‪ ،‬تخــي نفســها هــي املصــدر الوحيــد للحــب‬
‫والحنــان والعطــاء واألمــان والفلــوس وكل حاجــة‪ ،‬تخليهــم محتاجينهــا‬
‫طــول الوقــت‪ ،‬ومعتمديــن عليهــا يف كل حاجــة بــدون حــدود‪..‬‬
‫تبعدهــم عــن كل النــاس (وســاعات عــن أبوهــم نفســه)‪ ..‬وتعمــل‬
‫كــده مبنتهــى الرباعــة علشــان دي الحاجــة الوحيــدة الــي ممكــن‬
‫تحــس مــن خاللهــا باألمــان (الزائــف طب ًعــا)‪..‬‬

‫‪177‬‬
‫الحاجــة األكــر واألخطــر والــي ممكــن تصيــب األوالد بالفصــام‬
‫يف بعــض األحــوال (مــن هنــا جــه االســم العلمــي للنــوع ده مــن‬
‫األمهــات)‪ ،‬هــو إن األم دي داميًــا بتوصــل ألوالدهــا رســالتني عكــس‬
‫بعــض يف نفــس الوقــت‪ ..‬يعنــي تقــول البنهــا (يالــا شــد حيلــك‬
‫علشــان تنجــح)‪ ،‬بــس مــن جواهــا وبترصفاتهــا بتوصلــه‪( :‬إوعــى تنجح‬
‫لحســن تتخــى عنــي)‪ ،‬وتقــول لبنتهــا‪( :‬إنتــي كــريت واحلويتــي وبقيتي‬
‫عــى وش جــواز)‪ ،‬بــس مــن تحــت لتحــت بتقولهــا‪( :‬إوعــى تتجــوزي‬
‫وتســيبيني)‪ ..‬األم هنــا مرعوبــة مــن الوحــدة‪ ،‬خايفــة مــن إحساســها‬
‫الرهيــب بعــدم األمــان‪ ،‬هاتتجنــن فعــا لــو بقــت لوحدهــا‪ ..‬األم هنــا‬
‫بجــد‪ ..‬أغلــب مــن الغلــب‪..‬‬

‫(‪)3‬‬
‫ــأنــا مــا لحقتــش أعيــش يــا دكتــور‪ ،‬أنــا مــا فرحتــش بحاجــة‪،‬‬
‫مــا فرحتــش بنفــي وأنــا بنــت لســه متجــوزة‪ ،‬وال فرحــت‬
‫بنفــي وأنــا أم‪ ..‬أنــا مــا عشــتش‪ ..‬أنــا ض ّيعــت عمــري كلــه‬
‫علشــان بنــايت يطلعــوا كويســن‪ ..‬ودي آخرتهــا‪..‬‬

‫مشــكلة القـرارات املركبــة الــي بتاخدهــا األم دي (وســاعات األب بــس‬


‫بتفاصيــل مختلفــة)‪ ،‬هــي إنهــا أوالً بتحرمهــا مــن أنوثتهــا الحقيقيــة‬
‫الــي كلهــا طيبــة وفرحــة وحيــاة وحنــان وحــب ورحمــة‪ .‬وثانيـاً‪ ..‬بعــد‬
‫شــوية هايتحــول دور املنقــذ الــي بــدأت بيــه‪ ،‬لــدور الضحيــة الــي‬
‫بتضحــي بــكل حاجــة يف حياتهــا وســنينها وعمرهــا علشــان غريهــا‪..‬‬

‫‪178‬‬
‫وده دور بائــس ويائــس وبيخــي صاحبــه طــول الوقــت مســتمتع‬
‫بتعذيــب نفســه وذلهــا وهوانهــا وحرمانهــا مــن كل حقوقهــا اإلنســانية‬
‫باســم التضحيــة يف ســبيل حــد تــاين (ومجتمعــات زي مجتمعنــا‬
‫بتشــجع وتســقف جــدًّ ا للــدور ده)‪..‬‬
‫وبعــد شــوية كــان هايكمــل الســيناريو بإنهــا تكــون هــي (الجــاين)‬
‫عــى أوالدهــا‪ ،‬الــي هاتكتشــف يف آخــر املشــوار إنهــا حرمــت نفســها‬
‫مــن الحيــاة بســببهم‪ ،‬وض ّيعــت نفســها علشــانهم‪ ..‬وتبــدأ تخليهــم‬
‫يدفعــوا متــن ده مــن وقتهــم وجهدهــم وتفكريهــم وأعصابهــم‪،‬‬
‫ونفســيتهم‪ ،‬وتبــدأ تحسســهم بالذنــب كل لحظــة بكلــات زي‬
‫(أنــا ض ّيعــت عمــري ودفنــت نفــي بالحيــا علشــانكم) و(أنــا مــا‬
‫عيشــتش علشــان إنتــوا تعيشــوا) و(أنــا مــا خدتــش مــن دنيتــي حاجــة‬
‫بســببكم)‪ ..‬ومــا تســتغربش ملــا أقولــك إن جســمها ســاعات بيكــون‬
‫طــرف يف اللعبــة ويجيلهــا ضغــط وســكر وجلطــات ونزيــف وأورام‪،‬‬
‫وده يخــي أوالدهــا يدفعــوا التمــن أضعــاف أضعــاف بجــد‪..‬‬

‫كام واحــد مننــا ســمع الــكالم ده (ببعــض التنويعــات طب ًعــا)؟ كام‬


‫واحــد شــاف الســيناريو ده بيتكــرر قدامــه؟ طيــب كام واحــدة أو‬
‫واحــد عاشــه بنفســه؟‬
‫ما فيش داعي لإلجابة‪..‬‬
‫طب ًعــا مــش النوعيــة دي مــن األمهــات هــي بــس الــي بتســاعد يف‬
‫وجــود أمـراض نفســية عنــد أوالدهــا‪ ،‬فيــه أنــواع كتــر مــن األمهــات‬
‫واآلبــاء غريهــا بيعملــوا كــده برضــه‪ ..‬بــس دي أعقدهــم وأخطرهــم‪..‬‬

‫‪179‬‬
‫(‪)4‬‬
‫فيــه نــوع مــن العــاج النفــي اســمه العــاج النفــي الدينامــي‬
‫‪ .. Dynamic Psychotherapy‬بيحــاول املعالــج يشــوف فيــه مــع‬
‫مريضــه إيــه الرســايل الــي وصلتــه يف طفولتــه وإزاي أثــرت فيــه لغاية‬
‫النهــاردة‪ ،‬وإزاي عالقتــه بأبــوه وأمــه منعكســة عليــه يف عالقته بنفســه‬
‫وباآلخريــن وســاعات بربنــا (يف ثقافتنــا طب ًعــا)‪ ..‬يف املراحــل األوىل مــن‬
‫العــاج بيشــوف املريــض قــد إيــه هــو اتعــرض لتشــويه وأذى ورضر‬
‫وإتــاف نفــي ومعنــوي مــن والديــه‪ ،‬وبيشــوف قــدّ إيــه أرضــه كانت‬
‫مســتباحة علشــان بــس يتحــب أو يتقبــل أو يُهتــم بيــه‪ ،‬وإنــه حتــى‬
‫ملــا كان ده بيحصــل‪ ،‬كان بيحصــل بــروط وقيــود ومتــن غــايل كان‬
‫الزم يدفعــه‪..‬‬
‫ملّــا املريــض بيشــوف ده‪ ،‬بيتفجــر جــواه طاقــة هائلــة مــن الغضــب‬
‫والعنــف وســاعات االنتقــام‪ ،‬وبيقــوم أحيانًــا بالتعبــر عــن ده بأشــكال‬
‫وأســاليب مختلفــة‪ ..‬وبيكــون مهــم جــدًّ ا وقتهــا إننــا – كأطبــاء‬
‫وكمعالجــن‪ -‬نقبلهــا ونحتويهــا‪..‬‬
‫لكــن‪ ..‬بعــد شــوية‪ ،‬بيكتشــف املريــض املفاجــأة املذهلــة‪ ..‬الــي‬
‫رأســا عــى عقــب‪..‬‬
‫بتقلــب موازينــه ً‬
‫بيكتشــف إن أبــوه وأمــه يف الحقيقــة أغلــب منــه مبراحــل‪ ،‬وإنهــم هام‬
‫شــخص ًّيا اتعرضــوا لتشــويه وأذى ورضر نفــي بيكــون ســاعات أقــوى‬
‫وأشــد مــن الــي اتعــرض ليــه املريــض نفســه منهــم‪ ..‬وبيكتشــف إنهم‬
‫قبــل مــا يــؤذوه‪ ،‬كانــوا ضحيــة لــأذى‪ ،‬وقبــل مــا يقســوا عليــه‪ ،‬كانــوا‬
‫ضحيــة للقســوة‪ ،‬وقبــل مــا يظلمــوه‪ ،‬هــا نفســهم اتظلمــوا كتــر‪..‬‬

‫‪180‬‬
‫بيكتشــف املريــض شــوية شــوية إن الــي عملــه معــاه أبــوه وأمــه‬
‫كان هــو الحاجــة الوحيــدة الــي شــافوها‪ ،‬والحاجــة الوحيــدة الــي‬
‫يعرفوهــا‪ ،‬والحاجــة الوحيــدة الــي اتربــوا عليهــا واتعلموهــا‪..‬‬
‫بيكتشــف إنهــم بؤســاء‪ ،‬وغالبــة‪ ،‬ومظلومــن‪ ..‬وإنهــم كانــوا لف ـرات‬
‫طويلــة جــدًّ ا خاضعــن لظــروف أقــى‪ ،‬ورســايل نفســية أعنــف‪..‬‬
‫مــش بــس كــده‪ ..‬ده بيكتشــف كــان إنــه ســاعات بيكــون مجــرد‬
‫حلقــة صغــرة يف سلســلة طويلــة مــن األجيــال املتعاقبــة الــي بتــورث‬
‫ألوالدهــا وأحفادهــا العقــد والصدمــات النفســية والســيناريوهات‬
‫البائســة (فيــه نظريــة كاملــة يف األم ـراض النفســية اســمها توريــث‬
‫الصدمــات عــر األجيــال)‪..‬‬
‫بيكتشــف‪ ،‬وبنكتشــف معــاه‪ ،‬إن فيــه وجــه تــاين للعملــة‪ ،‬وبعــد‬
‫ثالــث ورابــع للصــورة‪ ،‬وحكايــة طويلــة ورا املشــهد‪..‬‬
‫ســاعتها بيكــون عليــه إنــه يختــار مــا بــن إنــه يفضــل يف غضبــه‬
‫وعنفوانــه ورغبتــه الطفوليــة يف االنتقــام‪ ،‬ومــا بــن إنــه يشــوف‬
‫الصــورة الكاملــة‪ ،‬ويعــذر‪ ،‬ويســامح‪ ،‬ويرحــم‪ ،‬ويكــر‪..‬‬
‫وســاعتها بيشــوف مبــا ال يــدع مجــاالً للشــك‪ ،‬إنــه إذا كان أبــوه وأمــه‬
‫وصلولــه زمــان رســايل نفســية مؤذيــة‪ ،‬وهــو صدقهــا مضطـ ًرا‪ ..‬فهــا‬ ‫ّ‬
‫كــان وصلتهــم رســايل مؤذيــة‪ ،‬وصدّ قوهــا مضطريــن‪..‬‬
‫بيشــوف كــان إنــه هــو دلوقــت الشــخص الوحيــد املســئول عــن‬
‫االختيــار مــا بــن االســتمرار يف تصديــق الرســايل دي‪ ،‬أو اتخــاذ ق ـرار‬
‫عالجــي وجــودي مــا لهــوش بديــل‪ ..‬وهــو إنــه يتغــر‪ ..‬ويخــف‪..‬‬
‫أيون‪ ..‬املريض النفيس يقدر يقرر إنه يخف‪..‬‬
‫‪181‬‬
‫الرؤيــة دي طب ًعــا صادمــة‪ ،‬ومزعجــة‪ ،‬ومحــرة‪ ..‬بــس منطقيــة‪،‬‬
‫وحقيقيــة‪ ،‬ومفيــدة جــدًّ ا‪ ،‬ملــا تيجــي يف وقتهــا‪..‬‬

‫لو كان ده وقتها بالنسبة ليك‪..‬‬


‫لو كنت شايفة إن ده وقتها بالنسبة لييك‪..‬‬
‫تيجي نعذر نفسنا ونعذرهم؟‬
‫تيجي نسامح نفسنا ونسامحهم؟‬
‫تيجــي نشــوف احتياجاتنــا الــي اتحرمنــا منهــا‪ ،‬أو أخدناهــا بــروط‬
‫ونشــوف احتياجاتهــم الــي اتحرمــوا منهــا‪ ،‬أو أخدوهــا برضــه برشوط؟‬

‫تيجي نشوف الصورة الكاملة؟‬


‫تيجي نكون آخر جيل هايستلم اإلرث النفيس التقيل ده؟‬
‫تيجي مننع توريثه ألوالدنا وأحفادنا؟‬
‫تيجي نتغري؟‬

‫تيجي نبدأ بنفسنا‪ ..‬وبدايرتنا الصغرية؟‬


‫تيجــي نصــدق إن العــاج هــو الحــب‪ ..‬والرتيــاق هــو الســاح‪..‬‬
‫والطريــق هــو الرحمــة‪..‬‬

‫‪182‬‬
‫باملناســبة‪ ..‬فيــه نــوع تــاين مــن العــاج النفــي اســمه ‪Forgiveness‬‬
‫‪ Therapy‬أو العــاج بالتســامح‪ ،‬قائــم عــى فكــرة إنــه إزاي ملــا‬
‫بنســامح‪ ،‬ده بيخــي جروحنــا الداخليــة تندمــل‪ ..‬ورشوخنــا النفســية‬
‫تلتئــم‪ ..‬وطاقتنــا تتوجــه مــن الغضــب واالنتقــام الــي ممكــن ياكلنــا‪،‬‬
‫للحــب والحيــاة الــي ممكــن تســاعدنا‪..‬‬

‫طب ًعــا لــو ماكانــش ده الوقــت املناســب بالنســبة لــك‪ ،‬أو لــو مــا‬
‫كنتــش مســتعد دلوقــت‪ ..‬أو لــو كان الــي حصــل أكــر مــن قدرتــك‬
‫عــى اســتيعابه والتعامــل معــاه‪ ..‬مــا فيــش أي مشــكلة‪ ..‬ومــا فيــش‬
‫نفســا‬
‫أي داعــي للضغــط أو الغصــب أو االســتعجال‪ ..‬ال يكلــف اللــه ً‬
‫إال وســعها‪ ..‬وكل يشء بــأوان‪..‬‬

‫كفاية دلوقت إنك تحب نفسك وتسامحها وترحمها‪..‬‬


‫علشان برضه مع نفسك‪..‬‬
‫العالج هو الحب‪..‬‬
‫والرتياق هو السامح‪..‬‬
‫والطريق هو الرحمة‪..‬‬

‫‪183‬‬
‫(‪)19‬‬
‫جهاد اجلينات‬

‫‪185‬‬
‫كتــب الطــب بتقــول إن املــرض النفــي علشــان يحصــل عنــد حــد‬
‫بيكــون فيــه ثــاث حاجــات مهمــة (عــى األقــل)‪ ..‬األوىل هــي‬
‫اســتعداده الــورايث والجينــي‪ ،‬والتانيــة هــي طريقــة تربيتــه ومعاملــة‬
‫أهلــه ليــه يف طفولتــه‪ ،‬والتالتــة هــي تعرضــه لظــرف نفــي أقــوى‬
‫مــن قدرتــه عــى املقاومــة والتحمــل‪ ..‬التــات حاجــات دول بيــؤدوا‬
‫الختــال كيميــايئ ببعــض مناطــق املــخ‪ ..‬وظهــور األعـراض النفســية‪..‬‬
‫بــس بيحصــل كتــر إننــا نالقــي حــد عنــده كل مــا يؤهلــه إنــه يكــون‬
‫مريــض نفــي مــن الدرجــة األوىل‪ ..‬لكنــه مل ميــرض نفس ـ ًّيا بالرغــم‬
‫مــن كــده!‬
‫إيه بقى الحكاية؟‬
‫يف الحقيقــة‪ ..‬الحكايــة دي مهمــة جــدًّ ا‪ ..‬وأنــا كاتــب الــكالم الجــاى ده‬
‫كلــه علشــان اط ّمنــك‪ ..‬واونســك‪..‬‬
‫أوال‪ ..‬مهــم نعــرف إن العوامــل الــي بتــؤدي لحــدوث مــرض نفــي‬
‫هــي يف الحقيقــة أكــر مــن كــده بكتــر‪ ..‬عــرات ورمبــا مئــات‬
‫العوامــل‪ ..‬لكــن الــي نعرفــه منهــا وعنهــا قليــل جــدًّ ا‪ ..‬يــا دوب هــا‬
‫التالتــة دول وميكــن واحــد أو اتنــن تانيــن‪ ..‬والباقــي كلــه اللــه أعلــم‬
‫بيــه‪ ..‬إحنــا مــا نعرفــش كل حاجــة عــن أي حاجــة‪ ..‬العلــم لســه‬
‫قدامــه كتــر أوي‪..‬‬
‫ثان ًيــا‪ ..‬مهــم كــان نعــرف إنــه زي مــا فيــه عوامــل تــؤدي للمــرض‬
‫النفــي‪ ،‬فيــه كــان عوامــل بتحمــي مــن املــرض النفــي مهــا كانــت‬
‫الظــروف والضغــوط واالســتعداد الجينــي‪ ..‬زي مث ـاً وجــود حــد يف‬
‫العيلــة أو القرايــب أو األصحــاب بيقــوم بــدور صــام األمــان بالنســبة‬
‫للطفــل أثنــاء تربيتــه‪ ..‬الخــال‪ ..‬العمــة‪ ..‬األب يف حالــة قســوة األم‪..‬‬
‫‪187‬‬
‫األم يف حالــة إهــال األب‪ ..‬صديــق قريــب‪ ..‬جــار مخلــص‪ ..‬وهكــذا‪..‬‬
‫الحــد ده بيقــدم للطفــل (غال ًبــا مــن غــر ما يقصــد وال يعــرف) معظم‬
‫الــي هــو محتاجــه ومــا كانــش القيــه مــن مصــادره الطبيعيــة‪..‬‬
‫كــان مــدة وقــوة وتكــرار الرســايل املرضيــة الــي بتوصــل للطفــل‬
‫ممكــن تحــدد هايكــون مريــض نفــي والــا أل‪ ..‬يعنــي الــي بيتبهــدل‬
‫كل يــوم ويتشــتم ويــرب‪ ،‬غــر الــي بيتقالــه كلمتــن كل أســبوع‪..‬‬
‫والــي بتتعــرض العتــداء جســدي بشــكل قــايس ومتكــرر غــر الــي‬
‫اتعرضــت للتحــرش مــرة واحــدة وأخــدت حقهــا‪ ..‬وهكــذا‪..‬‬
‫ده غــر إن بعــض األطفــال حساســن أكــر مــن غريهــم‪ ..‬يعنــي فيــه‬
‫طفــل تفــرق معــاه كلمــة أو نظــرة‪ ..‬وطفــل تــاين مــا تفرقــش معــاه‬
‫كل حاجــة بنفــس الدرجــة‪..‬‬
‫وطب ًعــا مســتوى ذكاء الطفــل وقدرتــه عــى االســتيعاب والتحليــل‬
‫والفهــم ممكــن ينقــذه يف أوقــات كتــر مــن مــرض نفــي محقــق‪..‬‬
‫ولــو الطفــل ده مبــدع بــأي شــكل يف حاجــات زي الرســم أو الكتابــة‬
‫أو التصويــر أو غريهــا‪ ،‬فــده كــان ممكــن ياخــده بعيــد شــوية عــن‬
‫واقعــه الضاغــط املــؤمل‪..‬‬
‫وحاجــات تانيــة كتــر جــدًّ ا‪ ..‬املوضــوع معقــد ومتشــابك ألقــى‬
‫درجــة‪..‬‬

‫نيجي بقى للمهم‪..‬‬

‫‪188‬‬
‫فيــه عامــل مهــم جــدااااااااااااااااا‪ ،‬ويفــرق كتــر جــدااااا جــداااااا‬
‫يف عــدم حــدوث املــرض النفــي حتــى لــو اجتمعــت كل العوامــل‬
‫املؤديــة ليــه‪ ،‬أو يف حدوثــه حتــى لــو اجتمعــت كل العوامــل الــي‬
‫تحمــي ضــده‪..‬‬
‫والــكالم ده مو ّجــه ليــك‪ ..‬ليــك إنــت شــخص ًّيا‪ ..‬علشــان ببســاطة مــا‬
‫فيــش أي حــد مننــا مــا فيــش يف جيناتــه الــي متتــد ألجيــال وأجيــال‬
‫للــوراء درجــة ولــو بســيطة مــن االســتعداد للمــرض النفــي‪ ..‬ومــا‬
‫فيــش أي حــد مننــا مــا اتعرضــش لشــكل مــن أشــكال املعاملــة غــر‬
‫الصحيــة ولــو بنظــرة أو بكلمــة مــن األب أو األم‪ ..‬ومــا فيــش كــان أي‬
‫بنــي آدم مــا اتعرضــش لظــرف قــايس أو صعــب أو مــؤمل يف حياتــه‪..‬‬
‫إشــمعنا بقــى حــد يحصلــه مــرض نفــي ومــرض أل‪ ..‬ليــه يبقــى اتنــن‬
‫إخــوات تــوأم عندهــم نفــس الجينــات واتربــوا بنفــس طريقــة الرتبيــة‬
‫واتعرضــوا لظــروف حياتيــة متشــابهة جــدًّ ا‪ ..‬ونالقــي واحــد فيهــم‬
‫يصــاب بصعوبــات أو أع ـراض أو أم ـراض نفســية والتــاين أل!!‬
‫علشــان فيــه حاجــة اســمها (الق ـرار)‪ ..‬والــوش التــاين بتاعــه اســمه‬
‫(املقاومة‪/‬الصمــود) ‪ ..Reselience‬ودى بقــى الحاجــة الوحيــدة الــي‬
‫تقــدر تقــاوم الجينــات والرتبيــة والظــروف‪ ..‬أو تنصــاع ليهــم‪..‬‬
‫وهنــا الســؤال الصعــب واملحــر والــي اتعمــل فيــه كميــة هائلــة‬
‫مــن النظريــات واألبحــاث والكتــب واملناظ ـرات العلميــة واإلنســانية‬
‫والفلســفية عــى مــدى عــرات الســنني‪:‬‬
‫هو ممكن املرض النفيس بيجي بقرار؟‬

‫‪189‬‬
‫أقــدر أقولــك مــن خــال كل خــريت‪ ،‬ودراســتي جــ ّوه وبــ ّره مــر‪،‬‬
‫وقــراءايت وأبحــايث وأبحــاث غــري‪ :‬أيــون‪..‬‬
‫كتــر جــدًّ ا مــن مــدارس ونظريــات تكويــن األمـراض النفســية بتقــول‬
‫إن املــرض النفــي ممكــن ييجــي بق ـرار‪ ..‬والق ـرار ده ممكــن يكــون‬
‫عــى مراحــل‪ ..‬وده طب ًعــا ال ينفــي أهميــة العوامــل األخــرى‪ ..‬وال‬
‫يعنــي التعميــم عــى األمـراض النفســية الــي ســببها (وليــس نتيجتهــا)‬
‫اضط ـراب عضــوي يف املــخ أو باقــي أجهــزة الجســم‪.‬‬
‫قرار إزاي يعني؟‬
‫الطفــل الــي بيقعــد كــذا ســنة يســتقبل رســايل نفســية مؤذيــة‬
‫ومشــوهة‪ ،‬بييجــي عنــد ســن معــن (األبحــاث بتقــول مــن خمــس‬
‫إىل ‪ 7‬ســنني) ويقــرر (ســاعات بشــكل واعــي وســاعات بشــكل غــر‬
‫واعــي)‪ ،‬إنــه مــا يكونــش نفســه تــاين‪ ،‬ويكــون زي مــا أهلــه والــي‬
‫حواليــه عاوزيــن‪ ..‬يعنــي يقــرر– مضطـ ًرا‪ -‬إنــه يدفــن نفســه الحقيقية‬
‫الــي اتولــد بيهــا‪ ،‬ويطلَــع مــا نســميه بالنفــس املزيفــة علشــان يعفــي‬
‫نفســه مــن األذى ويعــرف يعيــش‪ ..‬وبيكــون بكــده وضــع حجــر‬
‫األســاس يف بنيــان املــرض النفــي الضخــم الــي هايتبنــي جــواه يــوم‬
‫ورا يــوم‪ ..‬معــذور طب ًعــا‪ ..‬بــس ده الــي حصــل‪..‬‬
‫ســاعات الق ـرار ده يفضــل متخــزن جــواه ســنني طويلــة‪ ،‬ويف الوقــت‬
‫املناســب وتحــت الظــروف املواتيــة وبالتضامــن مــع االســتعداد‬
‫الجينــي وغــره‪ ،‬يقــرر تــاين بوعــي أوبــدون وعــي) االستســام للواقــع‪،‬‬
‫والتســليم للضغــوط‪ ،‬واالنحنــاء النفــي أمــام األحــداث‪ .‬وســاعتها‬
‫يظهــر املــرض النفــي يف أوضــح صــوره‪..‬‬

‫‪190‬‬
‫الــي يقــرر يبقــى انطــوايئ‪ ..‬والــي يقــ ّرر يبقــى اعتــادي‪ ..‬والــي‬
‫تقــرر تبقــى هيســتريية‪ ،‬والــي تقــرر تكــره جســمها‪ ،‬والــي يقــرر‬
‫يكــره نفســه‪ ،‬والــي يقــرر يتجنــن‪ ..‬وهكــذا‪..‬‬
‫إحنا يف لحظة انطالق رشارة املرض النفيس بيكون قدّ امنا االختيار‪..‬‬
‫الــي عــدّ ى منكــم باللحظــة دي هايفتكرهــا كويــس‪ ..‬اللحظــة الــي‬
‫بيكــون قدّ امــي فيهــا قـرار مــن اتنــن‪ ..‬إمــا املقاومــة‪ ،‬وإمــا االستســام‬
‫لألفــكار وللوســاوس‪ ..‬إمــا التحمــل‪ ،‬وإمــا االستســهال والدخــول‬
‫يف كهــف االكتئــاب املظلــم‪ ..‬إمــا التعامــل مــع النــاس مهــا كان‬
‫ده صعــب‪ ،‬أو الغاؤهــم واختــاق صــور وأصــوات وأشــكال ونــاس‬
‫وهــاوس وضــاالت‪ ..‬إمــا الحيــاة‪ ،‬وإمــا املــوت‪..‬‬
‫طب ًعــا بعــض مــدارس الطــب النفــي بتعــرض عــى الــكالم ده‪،‬‬
‫وبتشــوف إن املــرض النفــي هــو مجــرد (لخبطــة يف الكيميــا بتاعــة‬
‫املــخ)‪ ،‬لكــن أنــا شــايف إن النظــرة دي (الــي بأحرتمهــا وبأحــرم‬
‫روادهــا) هــي نظــرة قــارصة ومختزلــة لــكل إمكانياتنــا اإلنســانية‬
‫الهائلــة‪ ..‬ولتكريــم ربنــا لينــا مبنحنــا الحريــة‪ ..‬واالختيــار‪ ..‬والق ـرار‪..‬‬

‫يعني إيه كل الكالم ده؟‬


‫أنــا رأيــي إن الــكالم ده بيفتــح بــاب األمــل والحيــاة والنــور‪ ..‬علشــان‬
‫ملــا نصــدّ ق إن املــرض النفــي ممكــن يبــدأ بق ـرار‪ ..‬فيبقــى نصــدّ ق‬
‫برضــه إن مقاومــة املــرض النفــي والعــاج منــه برضــه بتحصــل‬
‫بق ـرار‪..‬‬

‫‪191‬‬
‫يعنــي حرضتــك مهــا كان عنــدك مــن جينــات‪ ،‬ومهــا اتربيــت تربيــة‬
‫قاســية‪ ،‬ومهــا اتعرضــت لظــروف صعبــة‪ ،‬تقــدر مــا تبقــاش مريــض‬
‫نفــي‪ ..‬لــو عنــد اللحظــة الصعبــة الفاصلــة‪ ..‬لحظــة االختيــار بــن‬
‫االستســام أو املقاومــة‪ ،‬وبــن الحيــاة النفســية أواملــوت النفــي‪..‬‬
‫تقــرر إنــك تختــار تقــاوم‪ ،‬وتحيــا‪..‬‬
‫يعنــي كــان إنــك إنــت أو أي حــدّ عنــده أي صعوبــات أو أع ـراض‬
‫أو أم ـراض نفســية‪ ،‬تقــدر بقدرتــك وإمكاناتــك الشــخصية الــي ربنــا‬
‫منحهــا ليــك وبوجــود عالقــة واحــدة طيبــة (عــى األقــل) يف حياتــك‬
‫تونســك وتســاعدك‪ ،‬تقــدر تقــاوم وتتحــدى جيناتــك وتربيتــك‬
‫وظروفــك وأعراضــك‪ ..‬وتتغــر‪ ..‬أو تخــف‪ ..‬آه‪ ..‬تخــف‪..‬‬
‫ده مــش كالم يف الهــوا‪ ..‬أنــا شــوفت الــكالم ده بعنيــا عـرات املـرات‬
‫عــى مــدى كل ســنني خــريت املهنيــة‪ ..‬وكلنــا نعــرف إن فيــه حاجــة‬
‫اســمها التعبــر الجينــي ‪ ..Gene Expression‬يعنــي أي جينــات‬
‫بتاعــة أي حاجــة عنــدك‪ ،‬زي مــا هــي ممكــن تنشــط وتشــتغل‪..‬‬
‫ممكــن كــان تكمــن وتتعطــل‪ ..‬بنــاء عــى حاجــات كتــر‪ ..‬منهــا‬
‫قراراتــك النفســية والحياتيــة الواعيــة وغــر الواعيــة‪.‬‬
‫إحنــا ربنــا حــط فينــا بــؤرة نــور مــن يــوم والدتنــا لغايــة مــا منــوت‪..‬‬
‫ســميها الفطــرة‪ ..‬ســميها النفــس الحقيقيــة‪ ،‬ســميها قبــس مــن روح‬
‫اللــه‪ ..‬ســميها زي مــا تســميها‪ ..‬النــور ده مــش بينطفــي أبــدً ا مهــا‬
‫اتعــرض لريــاح وأعاصــر وزالزل نفســية مهــا كانــت عنيفــة‪ ..‬ممكــن‬
‫يخفــت شــوية‪ ،‬ممكــن يتوهــج شــوية‪ ..‬لكنــه مــش بينطفــي أبــدً ا‪..‬‬
‫وال حتــى باملــوت‪..‬‬

‫‪192‬‬
‫إحنــا جوانــا قــدرة هائلــة عــى املقاومــة‪ ..‬ودوافــع إنســانية فطريــة‬
‫جبــارة عــى التغيــر‪ ..‬وقــوة جــذب رهيبــة نحــو الحيــاة‪..‬‬
‫يف مــرة واحــد زميــي أول مــا ســمع قــد إيــه ممكــن الرتبيــة تــؤذي‬
‫األطفــال‪ ،‬راح ســأل أســتاذي العظيــم د‪ .‬رفعــت محفــوظ وهــو‬
‫مخضــوض جــدًّ ا وقــال لــه‪ :‬طيــب والــي ممكــن يكــون وصــل ألوالدنــا‬
‫غصــب عننــا‪ ،‬واألذى الــي ممكــن يكونــوا اتــأذوه وإحنا مــش واخدين‬
‫بالنــا؟ ده كل واحــد فينــا ممكــن يكــون عمــل بــاوي يف أوالده‪ ..‬دد‬
‫إحنــا ممكــن نكــون شــوهناهم بكلمــة أو نظــرة أو رد فعــل!!‬
‫ر ّد عليه دكتور رفعت بكل ثقة‪:‬‬
‫مــا تخافــش‪ ..‬فطــرة ربنــا مــش بتتشــوه بســهولة‪ ..‬البنــي آدمــن مــش‬
‫زجــاج بيتكــر مــع أول خبطــة‪ ..‬األطفــال أقــوى مــا نتصــور بكتــر‪..‬‬
‫كلنا أخدنا نفسنا‪ ..‬وقولنا‪ :‬الحمد لله‪..‬‬

‫حط بقى الكلمتني دول حلقة يف ودانك قبل ما تقوم‪..‬‬


‫إنت تقدر تتغري‪..‬‬
‫إنت تقدر ما تبقاش مريض نفيس‪..‬‬
‫وحتى لو مريض‪ ..‬إنت تقدر تخف‪..‬‬

‫إنت تقدر تقاوم جيناتك وتربيتك وظروفك‪..‬‬


‫وتقدر تتحكم يف تعبريك الجيني‪..‬‬

‫‪193‬‬
‫لو كان جهاد النفس ليه أشكال ومستويات‪..‬‬
‫فده شكل من أشكال جهاد النفس‪..‬‬
‫وأقدر أسميه بكل ثقة‪( :‬جهاد الجينات)‪..‬‬

‫مطلوب بس إنت تصدق ده‪..‬‬


‫وتنوي‪..‬‬
‫وتقرر‪..‬‬
‫وتختار الحقيقة‪..‬‬
‫والنور‪..‬‬
‫والحياة‪..‬‬

‫يالال بقى بصوت عايل جدًّ ا‪..‬‬


‫يسمع آخر الدنيا‪..‬‬
‫قول وأنا هاردد معاك‪:‬‬

‫أنا اخرتت الحقيقة‪..‬‬


‫أنا اخرتت النور‪..‬‬
‫أنا اخرتت الحياة‪..‬‬

‫‪194‬‬
‫(‪)20‬‬
‫عالقات خطرة‬

‫‪195‬‬
‫هانســتعرض يف الجــزء ده مــن الكتــاب ‪ 30‬عالقــة خطــرة‪ ..‬كل واحــدة‬
‫منهــم ليهــا مالمــح ومواصفــات وتفاصيــل‪..‬‬
‫لو ما أخدتش بالك‪ ..‬كل عالقة فيهم ممكن تكون مؤذية جدًّ ا‪..‬‬
‫ولــو فتحــت عينــك وأخــدت بالــك‪ ..‬يبقــى بتحمــي نفســك وبتحمــي‬
‫غــرك‪..‬‬
‫وبرتســم بإيــدك طريــق ســوي وممهــد‪ ..‬وخــايل‪ -‬إىل حــد كبــر‪ -‬مــن أي‬
‫ألغــام نفســية أو عاطفية‪..‬‬
‫هانعــرف مــع بعــض يعنــي إيــه عالقــة‪ ..‬وأي جــزء منــك هــو الــي‬
‫بتعمــل بيــه عالقاتــك مــع الــي حواليــك‪ ..‬وإيــه مالمــح بعــض‬
‫العالقــات يف حياتنــا وإيــه تأثريهــا علينــا وعــى غرينــا‪..‬‬
‫هانشوف العالقة االعتامدية وعالقة العمى وعالقة الحبل الرسي‪..‬‬
‫وهانتكلــم عــن العالقــة مــع حــد انطــوايئ أو حــد نرجــي أو موســوس‬
‫أو شكاك‪..‬‬
‫هانخــوض يف تفاصيــل العالقــات الــي بتتعمــل مــع شــخص ســيكوباث‬
‫أو شــخص مســتغل أو حــد مدمــن‪..‬‬
‫هانســتعرض عالقــة التقديــس وعالقــة التقمــص وعالقــة التقمــص‬
‫اإلســقاطي‪..‬‬
‫هانعــرف يعنــي إيــه عالقــة مــع الــايشء ويعنــي إيــه عالقــة البلــع‬
‫وإيــه هــي عالقــة تحقيــق النبــوءة‪..‬‬

‫‪197‬‬
‫هايظهرلــك إنــت إزاي ممكــن تعمــل عالقــة مــع نســخة قدميــة مــن‬
‫نفــس البنــي آدم‪ ،‬وإزاي بتعمــل عالقــة مــع دورك يف املجتمــع‪ ،‬وإزاي‬
‫بتكــون يف عالقــة مــع حــدّ عايــش دور الضحيــة أو دور الجــاين أو دور‬
‫املنقــذ‪..‬‬
‫هاتشــوف خطــورة العالقــة مــع مجموعــة‪ ،‬وهاتعــرف إيــه هــي‬
‫العالقــة الــي تحــر وإيــه العالقــة الــي تجنــن وإيــه العالقــة الــي مــا‬
‫تتســاش‪..‬‬
‫هانكتشــف مــع بعــض هــل الــزواج أصــا عالقــة‪ ..‬وهانتكلــم بشــكل‬
‫علمي‪-‬نفــي عــن العالقــة الجنســية‪..‬‬
‫ويف اآلخــر هانوضــح إيــه هــي العالقــة الصحيــة الطيبــة‪ ..‬الــي تغــر‪،‬‬
‫وتصلــح‪ ،‬وتعالــج‪..‬‬
‫بعــض العالقــات دي أنــا وصفتهــا يف كتابــايت الســابقة‪ ..‬بــس حبيــت‬
‫أس ـ ّجلهم هنــا تــاين بشــكل ُمج ّمــع‪ ،‬ألهميتهــم الشــديدة‪ ..‬وعلشــان‬
‫يكــون الفصــل ده مــن الكتــاب بالنســبة لــك زى املرجــع الــى ترجعلــه‬
‫ىف أى وقــت تحــس فيــه إنــك محتاجلــه‪..‬‬
‫للتوضيح‪:‬‬
‫‪ -‬بعــض العالقــات واألمثلــة مكتــوب بصيغــة املذكــر‪ ،‬وبعضهــا مكتوب‬
‫بصيغــة املؤنــث‪ ..‬دى فقــط أمثلــة توضيحيــة‪ ،‬ومــش معناهــا حــر‬
‫نــوع معــن مــن الشــخصيات ىف أحــد الجنســن‪..‬‬
‫‪ -‬ميكــن تعديــل أى عالقــة مــن العالقــات املذكــورة‪ ،‬عــن طريــق‬
‫خضــوع صاحبهــا للعــاج النفــي‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫(‪)1‬‬
‫العالقة مع شخص نرجسي‬

‫دي عالقة مستهلكة ومستنزفة عىل كل املستويات‪..‬‬


‫االســم مشــتق مــن نارسيســاس‪ ،‬وهــو كان شــاب إغريقــي وســيم‬
‫وجميــل جــدًّ ا‪ ..‬وكان عاجبــه جاملــه أوي لدرجــة إنــه كان بيحتقــر‬
‫باقــي النــاس‪ ،‬ألنهــم مــش عــى نفس الدرجــة مــن الوســامة والجامل‪..‬‬
‫حــدّ مــن أهــل بلــده وداه النهــر وخــاه يشــوف جــال وشــه عــى‬
‫ســطح امليــاه‪ ..‬نارسيســاس انبهــر وفضــل يتأمــل جاملــه لفــرة طويلــة‬
‫جــدًّ ا‪ ،‬لغايــة مــا مــات مــن حبــه املريــض لنفســه‪.‬‬
‫يف العالقــة دي‪ ،‬هاتالقــي نفســك مــع حــد بيحــب نفســه جــدااااااااااااا‪،‬‬
‫هــو مــش عيــب طب ًعــا إن الواحــد يحــب نفســه‪ ..‬بــس ده بيحــب‬
‫نفســه وبــس‪ ..‬بيعبــد نفســه ويقدّ ســها ألقــى حــدّ ‪ ،‬وشــايف إنهــا‬
‫أهــم حاجــة يف الدنيــا‪ ..‬وإن هــو ليــه األولويــة عــى أي حــد وأي‬
‫حاجــة مهــا كانــت‪..‬‬
‫هاتالقــي نفســك يف عالقــة مــع حــد بيتكلــم عــن نفســه كتــر أوي‪..‬‬
‫شــايف إن كل حاجــة بيعملهــا مهمــة‪ ..‬كل خطــوة بيخطيهــا ليهــا‬
‫معنــى‪ ..‬وإنــه يســتاهل أكــر بكتــر مــن الــي هــو فيــه دلوقــت‪.‬‬
‫حــد مســتعد يضحــي بــأي حاجــة يف أي وقــت علشــان خاطــر نفســه‪..‬‬
‫مســتعد يرمــي أي حــد وراه‪ ،‬مســتعد يــدوس عــى أقــرب وأحــب‬
‫النــاس ليــه‪ ،‬علشــان يطلــع ســلمة واحــدة لفــوق‪ ،‬أو خطــوة واحــدة‬
‫لقــدام‪..‬‬
‫‪199‬‬
ً
‫ممكــن يســتخدمك ويســتخدم أي حــد وأي حاجــة علشــان يوصــل‬
‫لــي هــو عــاوزه‪..‬‬

‫لو لقيتي نفسك يف عالقة مع شخص بالشكل‪..‬‬


‫ولو ماسمحش لنفسه بالعالج النفيس‪..‬‬
‫خدى ديلك يف سنانك‪..‬‬
‫واجري‪..‬‬

‫‪201‬‬
‫(‪)2‬‬
‫العالقة مع شخص اعتمادي‬

‫ده بقى حد هايخلص عليك‪..‬‬


‫الشــخص االعتــادي‪ -‬مــن اســمه كــده‪ -‬هايفضــل طــول الوقــت‬
‫معتمــد عليــك‪ ..‬عــاوزك تكــون جنبــه عــى طــول‪ ..‬ومــا تســيبهوش‬
‫لوحــده أبــدً ا‪..‬‬
‫هايفضــل داميًــا يطلــب منــك املشــورة والنصيحــة‪ ،‬وحتــى أخــد‬
‫القــرارات مكانــه‪ ،‬علشــان مــا يحملــش نفســه مســئولية أي حاجــة‬
‫بيعملهــا‪..‬‬
‫هايســألك يلبــس إيــه‪ ،‬ويــاكل إيــه‪ ،‬ويســهر فــن النهــاردة‪ ،‬وســاعات‬
‫يعيــش فــن ويشــتغل إيــه‪ ..‬هايســألك بطــرق كتــر وأشــكال مختلفــة‪،‬‬
‫مــن أول الســؤال الرصيــح‪ ،‬لغايــة الســؤال املتــداري يف هيئــة طلــب‬
‫أو نصيحــة أو مشــورة‪..‬‬
‫ســلبي جــدًّ ا‪ ..‬خـ ّواف ألقــى درجــة‪ ..‬ويخــاف جــدًّ ا يعــرض أو يقــول‬
‫(أل)‪..‬‬
‫يــد ّور عــى الــي يشــجعه ويلــزق فيــه‪ ،‬ممكــن يوافــق عــى حاجــة‬
‫هــو مــش مقتنــع بيهــا ملجــرد إنــه يــريض حــد ومــا يزعلهــوش منــه‪..‬‬
‫مشــكلته الكبــرة هــو إنــه بيخــاف يبقــى لوحــده ويعتمــد عــى‬
‫نفســه‪ ،‬ألنــه حاســس داميًــا إنــه ضعيــف‪ ،‬وقليــل الحيلــة‪..‬‬

‫‪202‬‬
‫علشــان كــده مســتعد يدفــع أي متــن يف مقابــل رضــا الــي معــاه‬
‫واســتمرار عالقتــه بيــه‪..‬‬
‫الشــخص الــي زي ده هايتعبــك وهايســتنزف طاقتــك وفكــرك‬
‫ومجهــودك ومشــاعرك‪ ..‬هايكــون عامــل يف عالقتــه معــاك زي الطفــل‬
‫الصغــر‪ ..‬داميًــا طلبــات واحتياجــات‪ ،‬وكأنــه مــش بيشــبع‪..‬‬
‫هايخليــك تفكــر مكانــه‪ ،‬وتحــس بدالــه‪ ،‬ويــا ســام لــو تعيــش بالنيابــة‬
‫عنه‪..‬‬

‫الشــخص ده لــو ماتعالجــش‪ ..‬إوعــى نفســك تنقــح عليــك وتعجبــك‬


‫الحكايــة وتتصــور بقــى إنــك إنــت ّ‬
‫حــال ال ُعقــد وقاهــر املشــاكل‬
‫وعبقــري عــرك وزمانــك‪ ،‬وتــروح واقــع يف دور املنقــذ ليــه‪ ..‬علشــان‬
‫دي عالقــة مرهقــة مهلكــة هاتــدي فيهــا وبــس‪ ..‬مــن غــر مــا تاخــد‪..‬‬
‫أي حاجــة‪..‬‬

‫‪203‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عالقة التقديس‬

‫يف العالقــة دي فيــه حــد بيقدســك‪ ..‬بيعبــدك‪ ..‬بيتعامــل معــاك عــى‬


‫إنــك شــخص خــارق‪ ..‬فظيــع‪ ..‬مالكــش حــل‪..‬‬
‫الحكايــة دي بتحصــل كتــر يف عالقــات الحــب‪ ..‬خاصــة يف أولهــا‪ ..‬ويف‬
‫عالقــات تانيــة غريهــا‪..‬‬
‫طب ًعــا إنــت نفســك ممكــن تعمــل الحكايــة دي مــع حــد تــاين‪ ..‬يعنــي‬
‫تشــوف واحــد أو واحــدة عــى إنهــا مــا فيهــاش غلطــة‪ ..‬مــاك نــازل‬
‫مــن الســا‪ ..‬وباقــي الــكالم الــي إنــت عارفــه ده‪..‬‬
‫مشــكلة العالقــة دي هــي إنهــا بتعميــك عــن الجوانــب التانيــة مــن‬
‫الشــخص الــي إنــت بتتعامــل معــاه‪ ..‬وتخليــك عايــش يف خيــال‬
‫ووهــم‪ ..‬تفــوق منــه عــى قلــم محــرم‪..‬‬
‫لــو العالقــة دي اتعملــت معــاك‪ ..‬بيكــون فيــه مشــكلة تانيــة‪ ،‬وهــي‬
‫إن الــي بيقدســك ده هايحــاول يعتمــد عليــك‪ ،‬ويخليــك مصــدر دائــم‬
‫لألمــان والحنيــة والعطــاء واملعرفــة‪ ..‬يبقــى زي الطفــل الــي بيــدور‬
‫عــى الرضعــة كل شــوية‪..‬‬
‫فيــه مشــكلة أكــر‪ ..‬وهــي إن الــي بيقدســك النهــاردة‪ ..‬غال ًبــا هاييجي‬
‫بكــره ويقلــب عــى الــوش التــاين‪ ،‬يعنــي لــو مــا لبيتــش كل طلباتــه‪،‬‬
‫وكنــت عنــد كل توقعاتــه‪ ،‬أو مــا كنتــش متــاح ليــه طــول الوقــت‪،‬‬
‫هايبــدأ يشــوفك بالشــكل العكــي متا ًمــا‪..‬‬

‫‪204‬‬
‫فتبقــى أســوأ واحــد يف الدنيــا‪ ،‬ومــا تعرفــش حاجــة‪ ،‬ومــش بتفهــم وال‬
‫تقــدر‪ ..‬والوضــع ينعكــس ‪ 180‬درجــة‪..‬‬
‫هــي لعبــة شــكلها حلــو عــى املــدى القصــر‪ ..‬لكــن عــى املــدى‬
‫الطويــل‪ ..‬مشــاكلها كتــر‪..‬‬

‫ما تفرحش بالتقديس‪..‬‬


‫وما تقدسش حد‪..‬‬
‫اليل يستاهل التقديس هو ربنا بس‪..‬‬
‫وإحنا برش‪ ..‬مش آلهة‪..‬‬

‫‪205‬‬
‫(‪)4‬‬
‫عالقة العمى‬

‫العالقة دي من العالقات املؤذية جدًّ ا بني الناس‪..‬‬


‫يف النــوع ده مــن العالقــات فيــه طــرف مــش شــايف الطــرف التــاين‬
‫أصــا‪ ..‬يعنــي بيكــون جـ ّواه مشــاعر قدميــة متخزنــة ناحيــة حــد تــاين‬
‫(حبيــب قديــم‪ ،‬مــدرس مــن زمــان‪ ،‬صديــق‪ ،‬ناحيــة حتــى أبــوه أو‬
‫أمــه) ويتعامــل مــع رشيكــه يف العالقــة بنفــس املشــاعر دي‪ ..‬مــش‬
‫بــس نفــس املشــاعر‪ ..‬ال ده كــان نفــس ردود الفعــل‪ ..‬ونفــس طريقــة‬
‫التفكــر واالســتقبال القدميــة‪ ،‬كأنــه شــايف وســامع وحاســس الحــد‬
‫التــاين ده بالظبــط‪ ..‬بــس وهــو مــش واخــد بالــه‪ ..‬والــي معــاه يف‬
‫العالقــة مــش واخــد بالــه برضــه‪..‬‬
‫يعنــي واحــد يشــوف واحــدة يف الشــارع وال يعرفهــا وال عمــره شــافها‬
‫قبــل كــده ويحــس ناحيتهــا بحــب رهييييــب مــن غــر أي ســبب‬
‫وبــدون أي مقدمــات‪ ..‬وهــو مــش عــارف إن الحــب ده قديــم جــدًّ ا‪،‬‬
‫وجــواه مــن زمــان ناحيــة حــد تــاين خالــص (مدرســته يف ابتــدايئ‪،‬‬
‫واحــدة قريبتــه‪ ،‬أو أمــه مثـ ًـا)‪ ،‬وهــو ل ّبــس البنــت املســكينة صــورة‬
‫الحــد ده‪..‬‬
‫أو حــد يحــس بغضــب شــديد جــدًّ ا ناحيــة حــد معملــش أي حاجــة‬
‫تســتاهل الغضــب‪ ..‬وهــو برضــه مــش عــارف إن ده غضــب مخــزون‬
‫جـ ّواه ناحيــة حــد تــاين خالــص (واحــد صاحبــه‪ ،‬حــد جريانــه‪ ،‬أو أبــوه‬
‫مثـ ًـا)‪ ،‬وهــو برضــه لبســه صــورة صاحبــه أو جــاره أو أبــوه‪..‬‬

‫‪206‬‬
‫كتــر أوي مــن عالقاتنــا بيحصــل فيهــا كــده‪ ..‬الحــب مــن أول نظــرة‪..‬‬
‫الكــره مــن أول كلمــة‪ ..‬الغضــب الــي مــا لهــوش ســبب‪ ..‬وكتــر مــن‬
‫الخناقــات واملشــاكل الزوجيــة‪ ،‬وســاعات كــان مشــاعر جنســية‪..‬‬
‫طيــب نعــرف إزاي إذا كانــت مشــاعرنا ناحيــة حــد مشــاعر حقيقيــة‬
‫ناحيتــه فعـ ًـا‪ ،‬والــا مشــاعر قدميــة مكبوتــة‪ ،‬بــس عملنالهــا إعــادة‬
‫توجيــه؟‬
‫أول مــا تالقــي مشــاعرك ناحيــة حــد كتــرة جــدًّ ا‪ ..‬ورسيعــة جــدًّ ا‪..‬‬
‫ومــا لهــاش أي مــرر‪ ..‬اعــرف فــو ًرا إنــك (غال ًبــا) مــش شــايف الحــد‬
‫ده‪ ،‬ومــش بتتعامــل يف الحقيقــة معــاه هــو‪ ..‬إنــت بتتعامــل مــع حــد‬
‫تــاين‪ ..‬مــن خاللــه‪..‬‬

‫ساعتها‪..‬‬
‫افتح عينيك‪ ..‬وشوف من جديد‪..‬‬
‫وافتح ودانك‪ ..‬واسمع من األول‪..‬‬
‫وافتح إحساسك‪ ..‬واستقبل صح‪..‬‬

‫‪207‬‬
‫(‪)5‬‬
‫حد موسوس‬
‫العالقة مع ّ‬

‫دي بقى العالقة اليل هاتحس فيها إنك تحت السيطرة‪..‬‬


‫هاتالقــي نفســك مــع حــد كل حاجــة عنــده بالورقــة والقلــم‪ ..‬كل‬
‫خطــوة محســوبة‪ ،‬كل يشء مــدروس‪ ..‬مــا فيــش أي فرصــة للخطــأ‪..‬‬
‫ولــو حصلــت منــك أو مــن غــرك أي غلطــة‪ ..‬ياويلــك يــا ســواد ليلــك‪..‬‬
‫لــوم وعتــاب وتعذيــب ضمــر بــا نهايــة‪..‬‬
‫الشــخص ده بيحــب كل حاجــة تبقــى منظمــة ومظبوطــة ويف وقتهــا‬
‫ويف مكانهــا‪ ..‬مــش بيحــب املفاجــآت وال الحاجــات غــر املتوقعــة‪..‬‬
‫ممكــن يقــي أوقــات طويلــة جــدًّ ا كل يــوم علشــان يرتــب أو يظبــط‬
‫أو ينضــف أي حاجــة‪..‬‬
‫مثــايل وضمــره صاحــي‪ ..‬بــس صاحــي زيــادة عــن اللــزوم‪ ..‬يقــف‬
‫عــى الواحــدة ومــا يفوتــش أي حاجــة‪ ..‬بيلتــزم بالقواعــد‪ ..‬ويســتغرق‬
‫يف التفاصيــل لغايــة مــا يتعــب‪ ،‬ويتعــب الــي حواليــه‪..‬‬
‫صــارم وســاعات قــايس وغضبــه صعــب جــدًّ ا‪ ..‬مــش بيعــر عــن‬
‫مشــاعره وعواطفــه كتــر ألنــه بيعتربهــا ســاعات نــوع مــن الضعــف‪..‬‬
‫معندهــوش أي مرونــة يف تفكــره وال ترصفاتــه‪ ..‬هــي كــده‪ ..‬يعنــي‬
‫هــي كــده‪..‬‬
‫حريص شوية‪ ،‬وبخيل شويتني‪..‬‬

‫‪208‬‬
‫يف الحقيقــة التعامــل مــع حــد بالشــكل ده صعــب‪ ،‬ويــا ســام لــو‬
‫إنــت مــن النــوع التلقــايئ شــوية‪ ..‬ألنــك هاتحــس طــول الوقــت إنــك‬
‫مضطــر تحســب حســابات كتــر قبــل مــا تقــول أي كلمــة‪ ،‬أو تتــرف‬
‫أي تــرف‪ ..‬ألنــه لــو معجبهــوش‪ ..‬هاتقــوم القيامــة‪ ..‬بجــد‪..‬‬
‫وكــان هاتتعــب جــدًّ ا معــاه عاطف ًّيــا‪ ،‬ألنــه بالرغــم مــن كونــه عنــده‬
‫مشــاعر جياشــة وحســاس أوي‪ ..‬لكنــه كتــوم ومــش بيحــب يظهــر‬
‫الــي جــواه بســهولة‪..‬‬
‫إىل جانــب إنــه مــش هايهتــم بيــك أو بيــي‪ ..‬ألنــه داميًــا فيــه حاجــة‬
‫أهــم هــو الاااااااازم يعملهــا‪..‬‬
‫مبناســبة الزم‪ ..‬هــو بيســتخدم كلمــة (الزم) وكلمــة (املفــروض) كتــر‬
‫أوي‪..‬‬

‫لــو لقيــت نفســك يف عالقــة مــع حــد بالشــكل ده‪ ..‬لــو لقيتــي نفســك‬
‫يف عالقــة مــع حــد بالشــكل ده (مــن غــر مــا يتعالــج)‪ ،‬خليكــوا‬
‫عارفــن‪ ..‬إنكــوا هاتخــروا تلقائيتكــم‪ ،‬وهاتدفنــوا إبداعكــم‪ ..‬وطــول‬
‫الوقــت‪ ..‬هاتشــكوا يف نفســكم‪..‬‬

‫‪209‬‬
‫(‪)6‬‬
‫العالقة مع الالشيء‬

‫دي بقى عالقة مع الهوا‪ ..‬مع الفراغ‪..‬‬


‫اليل غال ًبا بيكون الفراغ اإلليكرتوين‪..‬‬
‫أنــا شــفت كتــر نــاس بتعمــل عالقــات حــب أو صداقــة عــى اإلنرتنــت‬
‫مــع نــاس مــا شــافوهمش لغايــة النهــاردة‪ ..‬كتــر منهــا بتبقــى ظريفــة‬
‫ولطيفــة‪ ..‬بــس العالقــات الــي زي دي بيكــون فيهــا مشــكلة كبــرة يف‬
‫بعــض األوقات‪..‬‬
‫املشــكلة دي هــي إنــك بتحــط‪ ..‬بتضيــف‪ ..‬بتســقط عــى الطــرف‬
‫التــاين يف العالقــة صفــات وتخيــات وتوقعــات مــش بتاعتــه‪ ..‬ال‪..‬‬
‫دي بتاعتــك إنــت‪ ..‬يعنــي بتكمــل أج ـزاء الصــورة والشــخصية الــي‬
‫ناقصــة‪ ،‬مبواصفــات مــن خيالــك‪ ،‬بحاجــات ممكــن تكــون بعيــدة‬
‫ومــش حقيقيــة‪ ،‬وممكــن تكــون الحقيقــة عكســها متا ًمــا‪ ..‬ويــا ســام‬
‫لــو الطــرف التــاين عجبتــه الحكايــة وقــرر يكــون (قدامــك) زي مــا‬
‫إنــت عــاوزه أو عاوزهــا‪..‬‬
‫برصاحة‪ ..‬إنت هنا ممكن تكون عامل عالقة مع نفسك‪..‬‬
‫طب ًعــا األصعــب واألصعــب إن الطرفــن يعملــوا كــده مــع بعــض‪..‬‬
‫يعنــي هــو يشــوف فيهــا الصــورة الــي هــو رأســالها يف دماغــه‪ ..‬وهي‬
‫تتعامــل معــاه بالصــورة الــي هــي رأســالها يف دماغهــا‪ ..‬ويف الحقيقــة‬
‫كل واحــد فيهــم مــش عامــل عالقــة‪ ..‬غــر مــع نفســه‪ ..‬والــايشء‪..‬‬

‫‪210‬‬
‫العالقة دي فيها كتري من العمى‪..‬‬
‫والعالقات اليل زي دي عمرها قصري‪..‬‬

‫ولو طولت من غري ما الطرفني يستكشفوا بعض كويس‪..‬‬


‫ممكن تكون مؤذية جدًّ ا‪..‬‬

‫‪211‬‬
‫(‪)7‬‬
‫حتي‬
‫العالقة اللي َّ‬

‫العالقــة دي مــن أصعــب العالقــات الــي يف الدنيــا‪ ..‬وهــي العالقــة‬


‫مــع حــد عنــده شــخصية (بينيــة) أو (حديــة)‪ Borderline ..‬يعنــي‪..‬‬
‫يف العالقــة دي إنــت غال ًبــا مــع واحــدة أو واحــد كل يــوم بحــال‪..‬‬
‫النهــاردة إنــت بالنســبة لهــا أحســن واحــد يف الدنيــا‪ ،‬وأجــدع راجــل‬
‫يف التاريــخ‪ ..‬ومخلصهــا مــن كل رشور العــامل‪ ..‬وفاهمهــا وبتحبهــا‬
‫وحاســس بيهــا‪ ..‬أمــا بكــرة‪ ،‬فأنــت أســوأ بنــي آدم هــي عرفتــه‪ ،‬وأنــدل‬
‫شــخص عــى وجــه الكــرة األرضيــة‪ ..‬وال بتفهــم وال بتحــس وال بتعــرف‬
‫تحــب‪ ،‬وال تســتاهل تعيــش مــن أصلــه‪..‬‬
‫استنى بس ما تقولش كل البنات كده‪..‬‬
‫هــي كــان مندفعــة جــدًّ ا‪ ..‬الــي بيطلــع يف دماغهــا بتعملــه‪ ..‬مهــا‬
‫كان‪ ،‬وبــدون حســاب ألي عواقــب‪ ..‬ممكــن تــرف كل الــي معاهــا‬
‫يف ثانيــة واحــدة‪ ،‬حتــى لــو مــش هاتعــرف ترجــع بيتهــا‪ ..‬ممكــن‬
‫تدخــل يف عالقــة عاطفيــة وســاعات جنســية فجــأة وبــدون مقدمــات‪..‬‬
‫ممكــن تســافر أي مــكان يف أي وقــت ملجــرد إن الفكــرة طلعــت يف‬
‫دماغهــا‪ ..‬ممكــن تبقــى معــاك وفجــأة تســيبك ومتــي ومــا ترجعــش‬
‫تــاين‪ ،‬وإنــت مــا تعرفــش هــي راحــت فــن وال راحــت ليــه‪..‬‬
‫األدهــى واألمــر‪ ..‬إنهــا لــو طقــت يف دماغهــا تــؤذي نفســها أو تــؤذي‬
‫أي حــد بــأي شــكل‪ ،‬هايحصــل يف ثانيــة‪ ،‬مــن غــر مــا تفكــر أصـاً‪..‬‬

‫‪212‬‬
‫عــى فكــرة‪ ،‬هــي مــن جــوه غلبانــة جــدًّ ا‪ ،‬وحاســة إنهــا فاضيــة متا ًمــا‪،‬‬
‫رغــم مشــاعرها الــي بتظهــر كتــر وبشــكل مبالــغ فيــه‪..‬‬
‫الشــخصية دي غال ًبــا بتكــون اتعرضــت يف صغرهــا لصدمــة نفســية‬
‫شــديدة‪ ،‬فككــت أجزاءهــا‪ ..‬وخليتهــا عــى حافــة أكــر مــن مــرض‬
‫مــن األم ـراض النفســية‪ ..‬قلــق‪ ،‬تقلبــات م ـزاج‪ ،‬لخبطــة يف إحساســها‬
‫بنفســها‪ ،‬اضطرابــات جنســية‪ ،‬وحتــى اضطرابــات يف األكل والنــوم‬
‫والجســم‪ ،‬وغريهــا‪..‬‬
‫أصعــب حاجــة يف الشــخصية دي هــي إنهــا بتحطــك يف اختبــارات‬
‫صعبــة طــول الوقــت‪ ،‬علشــان تعــرف وتتأكــد قــد إيــه إنــت بتحبهــا‬
‫وقــد إيــه هاتســتحملها‪ ..‬وأول مــا حرضتــك تتعــب وتزهــق وتبقــى‬
‫خــاص هاتســيبها‪ ،‬ترجــع وتقــرب وتحــن ليــك‪ ،‬وكأنهــا طفلــة صغــرة‪..‬‬
‫وبعدهــا بشــوية‪ ،‬تحطــك يف اختبــارات تــاين‪ ..‬وغال ًبــا بتكــون أصعــب‪..‬‬

‫لو لقيت نفسك يف عالقة مع واحدة أو واحد بالشكل ده‪..‬‬


‫يبقى تاخدها أو تاخده عىل الدكتور النفيس فورااااااااااا‪..‬‬

‫‪213‬‬
‫(‪)8‬‬
‫العالقة اللي جتنن‬

‫يف العالقــة دي‪ ،‬إنــت بيوصلــك مــن الطــرف التــاين رســايل عكــس‬
‫بعــض‪ ،‬يف نفــس الوقــت‪..‬‬
‫يعنــي كالمــه يقولــك بحبــك‪ ..‬وترصفاتــه تقولــك بكرهــك‪ ..‬كالمــه‬
‫يقــول ميــن‪ ،‬ترصفاتــه تقــول شــال‪ ..‬الــي يجنــن يف ده‪ ،‬إنــه بيحصــل‬
‫يف نفــس ذات الوقــت‪..‬‬
‫يعنــي الراجــل يقــول البنــه مــا يهمكــش يــا حبيبــي‪ ،‬ذاكــر الــي تقــدر‬
‫عليــه واعمــل الــي عليــك والكليــة الــي يجيبهــا ربنــا تبقــى كويســة‪،‬‬
‫ويف نفــس الوقــت‪ ،‬يوصلــه مــن تحــت لتحــت بالترصفــات وســاعات‬
‫بالــكالم‪ :‬إوعــى تدخــل غــر كليــة الطــب!!!!‬
‫الســت تقــول لبنتهــا يالــا بقــى اكــري وشــدي حيلــك علشــان‬
‫تتجــوزي‪ ..‬ويف نفــس الوقــت فيــه رســالة تانيــة بتوصلهالهــا مبيــت‬
‫شــكل وطريقــة‪ :‬إوعــي تكــري وتســيبيني‪ ،‬إوعــي تتجــوزي وتتخــي‬
‫عنــي‪..‬‬
‫بيســموا الرســايل الــي عكــس بعــض بالشــكل ده ‪،Double message‬‬
‫وثبــت علم ًّيــا إنهــا بتجنــن‪ ..‬آه بجــد‪ ..‬الرســايل الــي زي دي لــو‬
‫وصلــت ألطفــال صغرييــن لفــرة معينــة مــن الوقــت‪ ،‬بتســاعد يف‬
‫إصابتهــم بالفصــام‪ ..‬الــي هــو الجنــون يعنــي‪..‬‬

‫‪214‬‬
‫باملناســبة إحنــا رســايلنا مــش بنوصلهــا لبعــض مبجــرد الــكالم‪..‬‬
‫بالعكــس‪ ..‬الــكالم بيوصــل ‪ 7‬يف امليــة بــس مــن أي رســالة‪ ..‬الباقــي‬
‫بيوصــل بتعبــرات الــوش‪ ،‬وتعبــرات الجســم‪ ،‬ونــرة الصــوت‪،‬‬
‫وحاجــات تانيــة كتــر أوي‪ ..‬فامتســتغربش ملــا تعــرف إنــك ممكــن‬
‫توصــل رســالتني عكــس بعــض يف نفــس الوقــت‪..‬‬
‫عــال تهــز يف رجلــك وتــاكل‬
‫يعنــي تقــول أنــا متطمــن‪ ..‬وإنــت ّ‬
‫ضوافــرك‪..‬‬
‫أو تقول أنا متضايق شوية‪ ،‬وإنت بتضحك‪..‬‬
‫أو أنا كويس أهو‪ ..‬ودموعك عىل خدك‪..‬‬
‫شــوف بقــى إحنــا يف عالقاتنــا اليوميــة فيــه قــد إيــه أمثلــة بالشــكل‬
‫ده‪..‬‬

‫حــاول توصــل رســالة واحــدة‪ ..‬حــاول توصــل نفــس الرســالة‪ ..‬بكالمــك‬


‫وجســمك ووشــك وأفكارك ومشــاعرك‪..‬‬
‫مهــا كانــت الرســالة دي صعبــة أو قاســية‪ ،‬فهــي أرحــم بكتــر مــن‬
‫رســالتني عكــس بعــض يف نفــس الوقــت‪..‬‬

‫‪215‬‬
‫(‪)9‬‬
‫العالقة مع سيكوباث‬

‫العالقة دي ممكن تحطمك‪..‬‬


‫الشخص ده بيكون جذاب جدًّ ا‪ ،‬وكذاب جدًّ ا يف نفس الوقت‪..‬‬
‫رغــم إنــه يبــدو ودود وحبــوب‪ ،‬لكنــه يف الحقيقــة مــش بيحــس‬
‫بيحــد ومــش بيتعاطــف مــع حــد ومــش بيحــب حــد‪ ،‬وال حتــى‬
‫بيحــب نفســه‪ ..‬ده عبــارة عــن كتلــة متحركــة مــن األذى لنفســه ولــي‬
‫حواليــه‪ ،‬مغلفــة بغــاف ســوليفان فاخــر‪..‬‬
‫بيتالعــب بالــكالم واملواقــف والترصفــات‪ ..‬يقــدر يقنعــك بالحاجــة‬
‫وعكســها‪ ،‬يقــدر يورطــك توريطــة مــا تعرفــش تطلــع منهــا‪ ،‬ممكــن‬
‫بــكل بســاطة يوقــع بينــك وبــن حــد تــاين وتالــت وعــارش‪ ،‬ممكــن‬
‫يوقــع مجموعــة نــاس يف بعــض‪..‬‬
‫كذبــه مالهــوش حــدود‪ ،‬يتفنــن يف أســاليب الخــداع والكــذب‬
‫واملامطلــة واملالوعــة‪ ..‬ممكــن يــؤذي أي حــد بــأي شــكل مــن أشــكال‬
‫األذى‪ ..‬مــن أول اإلهانــة بالــكالم لغايــة القتــل‪ ..‬وبيعمــل كل ده‪ ،‬مــن‬
‫غــر ذرة إحســاس بالنــدم أو األمل أو الذنــب‪ ..‬ممكــن يولــع الدنيــا‪،‬‬
‫مــن غــر مــا يحــس بالذنــب‪..‬‬
‫لــو حاولــت تلومــه أو تعاتبــه‪ ،‬يقلــب الرتابيــزة ويطلعــك إنــت‬
‫الغلطــان‪ ،‬لغايــة مــا يقنعــك إنــك تعتذرلــه‪ ..‬وتبــوس راســه كــان‪..‬‬

‫‪216‬‬
‫بيزهــق برسعــة‪ ،‬يبــدل وينــوع يف العالقــات كل شــوية‪ ،‬ويف عالقاتــه‬
‫بيكــون ليــه داميًــا اليــد العليــا والســيطرة والتحكــم يف اآلخريــن‪..‬‬
‫ويقــدر يعمــل ده مبنتهــى الهــدوء وإظهــار الطيبــة والـراءة الــي يف‬
‫الدنيــا‪..‬‬
‫أنــاين جــدًّ ا‪ ،‬وبيتعامــل مــع األشــخاص عــى إنهــم أشــياء‪ ..‬يســتخدمهم‬
‫شــوية وقــت مــا يحــب‪ ،‬وبعديــن يرميهــم يف أقــرب ســلة مهمــات‪.‬‬
‫عنيــف‪ ،‬وعنفــه ليــه أشــكال كتــر‪ ،‬بعضهــا مخفــي ورا قنــاع الطيبــة‬
‫الزائفــة‪ ،‬وبعضهــا ظاهــر واضــح قــايس مــا يعرفــش الرحمــة‪..‬‬
‫ورغــم إنــه بــارع يف الخــداع والكــدب واملالوعــة‪ ،‬لكنــه داميًــا بيقــع‬
‫ويتكشــف‪ ،‬ويبقــى عامــل زي الــي عــال يحفــر حفــرة كبــرة جــدًّ ا‪،‬‬
‫ويف اآلخــر يقــع فيهــا‪..‬‬
‫الخطــورة هنــا‪ ،‬إنــه مــش بيقــع لوحــده‪ ..‬أل‪ ..‬ده ســاعات بيوقــع نــاس‬
‫معــاه‪ ..‬خــي بالــك أحســن تكــون منهــم‪..‬‬

‫لو لقيت نفسك يف عالقة مع شخص سيكوباث‪..‬‬


‫يبقى يا إما تاخده عىل الدكتور النفيس فوراً‪..‬‬
‫أو‪ ..‬مش هاقولك خد ديلك يف سنانك وإجرى‪..‬‬
‫ال‪ ..‬سيب ديلك‪ ..‬واجري بكل رسعتك‪..‬‬

‫‪217‬‬
‫(‪)10‬‬
‫العالقة‪ ..‬اللي ما تتسماش‬

‫رغم إنه عنوان غريب‪ ،‬لكنه هايوضح مع الكالم‪..‬‬


‫فيــه كتــر عالقــات بأشــوفها مــش بيكــون ليهــا اســم معــن‪ ،‬وال مالمــح‬
‫محــددة‪ ..‬وده بيكــون مــن أكرب مشــاكلها‪..‬‬
‫يعني عالقة بني واحد وواحدة‪..‬‬
‫ــأقولها‪ :‬بتحبيه؟‬
‫ــتقويل‪ :‬يعني‪..‬‬
‫ــطيب هو بيحبك؟‬
‫ــلسه مش متأكدة‪..‬‬
‫ووقــت يضيــع ومشــاعر تنهــك‪ ..‬وإحنــا حتــى مــش عارفــن بنعمــل‬
‫إيــه‪..‬‬
‫واحدة تانيه بتحبه وبيحبها‪ ،‬طيب‪..‬‬
‫ــهاه‪ ..‬ناويني عىل إيه؟‬
‫ــال لسه مش عارفني!‬
‫ــيعني إيه مش عارفني؟ ناوي يتقدم ويخطبك إمتى؟‬
‫ــال هو لسه قدامه ‪ 4‬سنني لغاية ما يشوف هايعمل إيه؟‬
‫ــطيب يف األربع سنني دول هاتعملوا إيه؟‬
‫ــأدينا بنحب بعض!‬

‫‪218‬‬
‫يف الحقيقــة‪ ..‬دي مــش عالقــة‪ ..‬ده نزيــف مشــاعر‪ ..‬ماســاج عاطفــي‪..‬‬
‫أو يف أحســن األحــوال‪ ..‬تعلــق بالف ـراغ‪ ..‬علشــان بعــد أربــع ســنني‪،‬‬
‫غال ًبــا هــو هايكــون بنــي آدم تــاين وهــي هاتكــون بنــي آدمــة تانيــة‪..‬‬
‫حد ثالث‪..‬‬
‫ــأنا يف عالقة وتخطينا حدود كتري أوي مع بعض‪..‬‬
‫ــطيب ما اتجوزتوش ليه؟‬
‫ــال‪ ..‬إحنــا االتنــن عندنــا فــر أوف كومتمنــت ‪Fear of‬‬
‫‪ !! commitment‬أو هــو متجــوز وعنــده عيــال!!‬
‫ــأيوه يعني اليل إنتوا فيه ده اسمه إيه؟ إيه الخطوة الجاية؟‬
‫ــيعني!! مش عارفني لسه!!‬
‫العالقــات دي مالهــاش عنــوان‪ ..‬مــا تعرفــش تســميها إيــه‪ ..‬ال هــي‬
‫حــب‪ ،‬علشــان الحــب الحقيقــي عالقــة فيهــا مســئولية وووعــي‬
‫والتــزام‪ ..‬وال هــي خطوبــة‪ ،‬وال هــي جــواز‪ ..‬وال هــي أي حاجــة‪..‬‬
‫حاجــة مــا تتســاش كــده‪..‬‬
‫مهــم أوي يف أي عالقــة إنهــا تكــون واضحــة‪ ،‬وليهــا معــامل وليهــا‬
‫مســمى‪ ..‬ومهــم أكــر إن أصحابهــا يكونــوا عارفــن أولهــا مــن آخرهــا‪..‬‬
‫يعنــي عارفــن هانعمــل إيــه‪ ..‬إمتــى‪ ..‬مــش ســايبينها كــده زي مــا‬
‫تيجــي‪..‬‬
‫علشــان العالقــات الــي بالشــكل ده بتاخــد مــن طاقتنــا ومشــاعرنا‬
‫ومجهودنــا ونفســنا كتــر جــدًّ ا‪ ،‬لدرجــة فعــا مخيفــة‪..‬‬

‫كل حد فينا يسأل نفسه دلوقت‪..‬‬


‫العالقة اليل أنا فيها دي‪ ..‬اسمها إيه؟‬
‫‪219‬‬
‫(‪)11‬‬
‫عالقة الضحية واجلاني واملنقذ‬

‫بعــض النــاس ملــا بتدخــل يف عالقــة مــع حــد‪ ..‬بيختــاروا يلعبــوا دور‬
‫مــن ‪ 3‬أدوار‪ ..‬دور الضحيــة‪ ،‬أو دور الجــاين‪ ،‬أو دور املنقــذ‪..‬‬
‫تالقــي حــد يف عالقاتــه داميًــا بيض ِّحــي بنفســه‪ ،‬يعمــل كل حاجــة‬
‫علشــان يســعد الــي معــاه ويرضيــه مــن غــر أي مقابــل‪ ..‬يقــدم‬
‫الطــرف التــاين عــى نفســه طــول الوقــت‪ ..‬يــدّ ي باســتمرار ومــا‬
‫يســتناش ياخــد أبــدً ا‪ ..‬يــدوب كل ليلــة وكل يــوم علشــان غــره يتهنــى‬
‫ويرتــاح‪ ..‬وهــو ممكــن يكــون بيتحــرق وبينــزف مــن جــواه‪..‬‬
‫ده اسمه دور الضحية‪..‬‬
‫حــد تــاين ملــا بيدخــل يف عالقــة‪ ،‬تالقيــه يطلــب طلبــات ويــدِّ ي أوامــر‬
‫كتــر‪ ،‬ويبقــى داميًــا متوقــع مــن الطــرف التــاين إنــه يكــون مطيــع‬
‫ويســمع الــكالم ومــا يقولــش (أل)‪ ..‬بيبقــى شــايف إنــه مــن حقــه‬
‫يعمــل أي حاجــة يف أي وقــت‪ ،‬بغــض النظــر عــن تأثــر ده عــى غــره‪..‬‬
‫يســتنى داميًــا مــن اآلخريــن العطــاء والبــذل والســاح بــدون حــدود‪..‬‬
‫وهــو مــش بــرىض أبــدً ا‪ ..‬غضبــه صعــب وقــايس‪ ..‬محتــاج اعتــذار ورا‬
‫اعتــذار ‪ ..‬ومــش بيســامح‪ ..‬وإثبــات ورا إثبــات‪ ..‬ومــش بيصــدق‪..‬‬
‫وده‪ ..‬اسمه دور الجاين‪..‬‬
‫نــن‪ ،‬يســاعدك بــكل‬ ‫وفيــه حــد بقــى بيكــون لطيــف وطيــب و ِح ّ‬
‫ســخاء‪ ..‬يقدملــك حلــول جاهــزة‪ ..‬يجاوبلــك عــى األســئلة‪ ..‬يرميلــك‬
‫أطــواق النجــاة‪ ..‬وياخــد بإيديــك لــر األمــان‪..‬‬
‫‪220‬‬
‫شــخص محبــوب‪ ..‬مرغــوب‪ ..‬منتظــر‪ ..‬بيلعــب دور املخلــص‪ ،‬الــي‬
‫بيســمع للــكل‪ ،‬ويفهــم الــكل‪ ،‬يطبطــب عــى ده‪ ..‬وميســح دمــوع ده‪،‬‬
‫ويحــن عــى ده‪ ..‬شــخص هــادي وعاقــل ورزيــن‪ ..‬ناصــح‪ ..‬وقريــب‪..‬‬
‫وحكيــم‪..‬‬
‫وده بقى يا سيدي اسمه دور املُنقذ‪..‬‬
‫طب ًعــا علشــان تلعــب دور الضح َّيــة‪ ..‬بتــد َّور عــى حــد تنطبــق عليــه‬
‫مواصفــات دور الجــاين‪ ..‬وعلشــان تلعــب دور املُنقــذ‪ ..‬بتــد َّور عــى‬
‫الــي ينفــع يلعــب دور الضحيــة‪ ..‬وعلشــان تلعــب دور الجــاين‪..‬‬
‫بتختــار الــي يســمحلك تخليــه ضحيــة‪..‬‬
‫يعنــي لــو حــد ُمســتبيح كرامتــك‪ ،‬وبيــدوس عليــك‪ ،‬ويســتغلّك مــرة‬
‫واتنــن وتالتــة‪ ..‬هــو (غال ًبــا) شــاف فيــك اســتعدادك إنــك تلعــب دور‬
‫الضحيــة‪ ،‬ولعــب معــاك دور الجــاين‪ ،‬وإنــت ســمحتله بــده‪..‬‬
‫وبتوصلــه طــول الوقــت إنــه فــارس أحالمهــا‬
‫َّ‬ ‫والــي بتمــوت يف حبيبهــا‬
‫الــي هايخلصهــا مــن كل رشور العــامل وظلــم النــاس‪ ،‬وإن كل أحالمهــا‬
‫وأمانيهــا يف الدنيــا إنهــا تعيــش معــاه بــن أربــع حيطــان وبــس‪ ..‬هــي‬
‫يف الحقيقــة بتعيــش معــاه دور الضحيــة‪ ،‬وبتطلــع منــه دور املُنقــذ‪،‬‬
‫ويوصــل لنفســه‬
‫وصاحبنــا طب ًعــا يحــب الــدور‪ ،‬ويلعبــه زي الفــل‪َّ ،‬‬
‫وليهــا إنــه طيــب‪ ،‬وجــدع‪ ،‬وشــهم‪ ..‬وبعــد شــوية هايــدّ ي لنفســه‬
‫الحــق يف إنــه ميتلكهــا‪..‬‬
‫إوعــى تفتكــر إن فيــه دور فيهــم أحســن مــن التــاين‪ ..‬بالعكــس‪ ..‬كل‬
‫دور جــ َّواه كميــة هائلــة مــن املصايــب والبــاوي واألذى والــرر‪..‬‬
‫ليــك ولآلخريــن‪..‬‬

‫‪221‬‬
‫الــي بيلعــب دور الضحيــة بيلعبــه علشــان يثبــت لنفســه ويحــس‬
‫قدامهــا أنــه داميًــا مظلــوم ومغلــوب وعديــم الحيلــة‪ ..‬فيهــرب مــن‬
‫املســئولية واإلحســاس بالذنــب‪ ،‬ويرميهــم عــى غــره‪ ..‬والــي بيلعــب‬
‫دور املُنقــذ هــو يف الحقيقــة ب ُينصــب شــباكه حواليــك علشــان ميتلــكك‬
‫ـان ده‬
‫بعــد شــوية ويخليــك تعتمــد عليــه‪ ..‬والــي بيلعــب دور الجـ ِ‬
‫حــد بينتقــم مــن نفســه ومــن الحيــاة ومــن نــاس تانيــن يف شــخصك‪..‬‬
‫ومــن خاللــك‪..‬‬

‫تعمل إيه بقى؟‬


‫أوالً‪ ..‬و ّقــف فــو ًرا ُمامرســة األدوار دي‪ ..‬وعيــد ترتيــب حياتــك‪،‬‬
‫وعالقاتــك‪ ..‬وص َّحــح مســارها‪ ..‬وكفايــة أذى لغايــة كــده‪..‬‬
‫وثان ًيــا‪ ..‬مــا تســمحش ألي حــد إنــه ميــارس معــاك أي دور مــن األدوار‬
‫دي يف عالقتــك بيــه‪ ،‬ومــا تســمحش كــان لحــد إنــه يطلّــع منــك دور‬
‫منهــم متارســه معــاه‪..‬‬

‫ما تبقاش ضحية‪ ..‬وال جاين‪ ..‬وال منقذ‪..‬‬

‫‪222‬‬
‫(‪)12‬‬
‫ميا متهم‬
‫العالقة اللي تكون فيها دا ً‬

‫عمــر الحــب لوحــده مــا يكــون كايف لنجــاح أي عالقــة‪ ..‬إحنــا هنــا‬
‫بقــى‪ ،‬بنتكلــم عــن عالقــة ناقــص فيهــا حاجــة مهمــة جــدًّ ا‪ ..‬وهــي‬
‫الثقــة‪..‬‬
‫العالقة دي مع شخص شكاك‪ ..‬بارانويد‪..‬‬
‫الشخص ده هايطلّع عينيك بجد‪..‬‬
‫أول هــو بيشــك– مــن غــر أي دليــل حقيقــي‪ -‬يف ترصفاتِــك‪ ،‬يعنــي‬ ‫ً‬
‫اتكلم ِتــي مــع مــن يف التليفــون؟ طيــب صوتِــك كان واطــي ليــه؟ ليــه‬
‫دخلتــي األوضــة وطلعتــي تــاين؟ ليــه بتبصيــي كــده؟‬
‫ثان ًيــا هــو مــش بــس بيشــك يف ترصفاتِــك أو ترصفاتَــك‪ ،‬هــو كــان‬
‫بيشــك يف نوايــاك ونوايــا غــرك‪ ..‬يعنــي ملَّــا عملــت كــذا كنــت تقصــد‬
‫إيــه؟ ده هــو ملــا قــال كــذا كان يقصــد كــذا مــن تحــت لتحــت‪ ..‬وهــو‬
‫وال يقصــد أي تحــت وال فــوق حتــى!‬
‫بيوجــه أصبــع االتهــام لآلخريــن داميًــا‪ ،‬رغــم إن باقــي األصابــع موجهــة‬
‫ناحيتــه هو‪..‬‬
‫بيفرس أي حاجة باملعنى البعيد‪ ..‬عىل إنها إساءة أو عدم تقدير‪..‬‬
‫داميًــا متصــور إن النــاس بتتآمــر عليــه‪ ،‬بتدبــر لــه حاجــة‪ ،‬ناويــة نيــة‬
‫ســيئة‪ ،‬علشــان كــده طــول الوقــت بياخــد كل االحتياطــات‪ ،‬علشــان‬
‫ملــا تتنفــذ املؤامــرة املزعومــة‪ ،‬يكــون جاهــز ومســتعد‪..‬‬
‫‪223‬‬
‫حريــص يف كالمــه وترصفاتــه جــدًّ ا‪ ..‬علشــان مــا حــدَّ ش ياخــد عليــه‬
‫غلطــة‪ ،‬ويســتخدمها ضــده بعــد كــده‪..‬‬
‫غضبــه صعــب‪ ،‬ومــا بيســامحش‪ ..‬بالعكــس‪ ،‬بيخــزن كل كلمــة‪ ،‬وكل‬
‫تــرف‪ ،‬وكل رد فعــل‪ ،‬ويفتكرهــم ويحاســبك عليهــم‪ ..‬ولــو بعــد‬
‫ســنني‪..‬‬
‫وطب ًعــا هايشــك إنــك خايــن أو خاينــة‪ ،‬وهايكــون عنــده ميــت دليــل‬
‫وألــف برهــان‪..‬‬
‫الشــخصية دي متعبــة جــدًّ ا‪ ..‬ورغــم إنــه مــن جــ ّوه غلبــان ومــش‬
‫واثــق حتــى يف نفســه‪ ،‬لكنــه بيطلًــع ده عــى كل الــي حواليــه‪..‬‬

‫الشخص ده محتاج عالج‪..‬‬


‫وما ينفعش تكون يف عالقة معاه‪ ..‬من غري ما يتغري‪..‬‬

‫‪224‬‬
‫(‪)13‬‬
‫العالقة مع ُمدمن‬

‫الســام‪ ..‬تقــع‬ ‫دي بقــى العالقــة الــي عاملــة زي خيــوط العنكبــوت َّ‬
‫فيهــا وتلــف حواليــك ومــا تخرجــش منهــا إال مبنتهــى الصعوبــة‪..‬‬
‫أنــا مــش هاتكلــم عــن اإلدمــان وال عــن املدمنــن ألن ده مــش‬
‫موضوعنــا‪ ..‬لكنــي هاتكلــم عــن صعوبــة العالقــة مــع مدمــن‪..‬‬
‫إنــك تكــون يف عالقــة مــع حــد مســتعد يعمــل أي حاجــة علشــان‬
‫يحصــل عــى مــادة إدمانــه‪ ..‬ممكــن يبيــع أي حاجــة وأي حــد‪..‬‬
‫ممكــن يــؤذي نفســه أو أي حــد مــن الــي حواليــه‪ ..‬ممكــن يكــدب‪..‬‬
‫يــزور‪ ..‬يــرق‪ ،‬علشــان خمــس دقايــق نشــوة بعــد جرعتــه‪..‬‬
‫الــي بيكــون يف عالقــة مــع مدمــن بيتــأذى أشــد أنــواع األذى‪ ..‬نفسـ ًّيا‬
‫وبدن ًّيــا وعاطف ًّيــا وكل حاجــة‪..‬‬
‫أكــر مشــكلة شــوفتها يف العالقــات الــي بعــض النــاس‪ -‬خاصــة البنات‪-‬‬
‫بيعملوهــا مــع مدمنــن هــي إنهــا بتكــون مــش عــاوزة تســيبه‪ ..‬رغــم‬
‫كل الــي بيعملــه‪..‬‬
‫ــيا ستي ده بيؤذييك‬
‫ــهاستحمل علشان خاطره‬
‫ــيا ماما ده بيرسقك ويبيع دهبك علشان يدمن‬
‫ــطيب قوليل أعمل إيه‪ ..‬بحبه!‬
‫ــده بيخونك كل يوم‪..‬‬
‫ــبس لو رجعيل هاسامحه‪..‬‬

‫‪225‬‬
‫ده بالنســبة يل بيكــون غريــب ومســتفز أكــر مــن اإلدمــان نفســه‪..‬‬
‫ألنهــا بتحــاول تلعــب دور املنقــذ مــع حــد مــش نــاوي ينقــذ نفســه‬
‫أصـاً‪ ..‬وده بيســتهلك مشــاعرها ووقتهــا وفلوســها وطاقتهــا‪ ،‬وســاعات‬
‫حياتهــا كلهــا‪ ..‬بتدخــل يف دوامــة مــش بتعــرف تخــرج منهــا فعــا‪..‬‬

‫املدمــن مــا لهــوش حــل غــر إنــه يتعالــج‪ ..‬ومــا ينفعــش أكمــل معــاه‬
‫وهــو مدمــن أبــدً ا‪ ..‬أنــا مــش ربنــا وال أنــا نبــي وال أنــا منقــذ‪..‬‬
‫يتعالــج األول‪ ..‬واتأكــد إنــه اتعالــج كويــس‪ ،‬واطمــن إنــه مــا رجعــش‬
‫ومــش هايرجــع لإلدمــان تــاين‪ ..‬وبعديــن نبقــى نشــوف‪..‬‬
‫غــر كــده‪ ..‬يبقــى بتحرقــي نفســك‪ ..‬وبتبهدليهــا‪ ..‬وبتدفعــي‪-‬‬
‫وهاتفضــي تدفعــي‪ -‬متــن غــايل أوي‪..‬‬

‫‪226‬‬
‫(‪)14‬‬
‫العالقة اجلزئية‬

‫يف العالقــة دي حــد بيعمــل عالقــة مــع حتــة منــك‪ ..‬مــش معــاك كلــك‬
‫عــى بعضك‪..‬‬
‫يعني إيه؟‬
‫يعنــي حــد شــايف فيــك الحاجــات الحلــوة بــس‪ ..‬شــايفك مــاك‬
‫نــازل مــن الســا‪ ،‬مــش بتغلــط‪ ..‬تعــرف كل حاجــة وتفهــم كل حاجــة‬
‫وتحــس بــكل حاجــة‪ ..‬يقولــك إنــت رهيــب‪ ..‬إنــت فظيــع‪ ..‬يقولِــك‬
‫إنتــي مــا لكيــش حــل‪..‬‬
‫أو حــد تــاين شــايف منــك حاجــات وحشــة بــس‪ ..‬إنــت وحــش‪ ..‬مــش‬
‫كويــس‪ ..‬أنــاين‪ ..‬طـ َّـاع‪ ..‬مــش بتفهــم‪ ..‬مــش بتحــس‪ ..‬مهمــل‪ ..‬وكأنــك‬
‫شــيطان مليــان أخطــاء‪..‬‬
‫األخطــر مــن كــده إنــك إنــت شــخص ًّيا تعمــل عالقــة مــع نفســك‬
‫بالشــكل ده‪ ،‬يعنــي تشــوف يف نفســك الحاجــات الحلــوة وبــس‪..‬‬
‫وتحــس إنــك أحســن واحــد يف الدنيــا‪ ..‬أو تشــوف يف نفســك الحاجــات‬
‫الوحشــة وبــس‪ ،‬وتحــس إنــك أســوأ واحــد يف الدنيــا‪..‬‬
‫إحنا ساعات بنعمل كده حتى يف عالقتنا بالدين‪..‬‬
‫يعنــي مــا نشــوفش مــن الديــن إال القشــور واملظاهــر‪ ..‬ونســيب‬
‫الحقيقــة والعمــق والجوهــر واألصــل‪..‬‬

‫‪227‬‬
‫ســاعات كــان بنعمــل عالقــة مــع حــد مــن خــال موقــف واحــد‬
‫بــس‪ ..‬ونخــي املوقــف ده هــو كل حاجــة‪ ..‬يعنــي أحكــم عــى حــد‬
‫مــن موقــف واحــد إنــه فاشــل‪ ،‬إنــه كافــر‪ ..‬إنهــا عاهــرة‪ ..‬إنهــا مــا‬
‫تعرفــش ربنــا‪ ..‬وننــى إن فيــه مواقــف كتــر تانيــة‪ ،‬وإننــا يف رحلــة‬
‫طويلــة عريضــة مــا ينفعــش نختزلهــا يف مشــهد واحــد أو يف تــرف‬
‫منفــرد‪.‬‬
‫العالقــة الــي بالشــكل ده بتكــون عالقــة ناقصــة ومختزلــة ومــش‬
‫حقيقيــة وال مفيــدة‪..‬‬
‫إحنــا محتاجــن نتعلــم إن فيــه نوعــن مــن العالقــات‪ ..‬عالقــة جزئيــة‪-‬‬
‫الــي وصفناهــا دلوقــت‪ ..‬وعالقــة تانيــة اســمها عالقــة كليــة‪ ..‬يعنــي‬
‫أشــوف اآلخــر كلــه عــى بعضــه‪ ..‬بــكل حاجــة فيــه‪ ..‬زي مــا هــو‪ ،‬مــن‬
‫غــر مــا اختزلــه أو أشــوهه‪ ..‬ســواء باإليجــاب أو بالســلب‪ ..‬علشــان‬
‫إحنــا كلنــا فينــا ده‪ ،‬وفينــا ده‪..‬‬
‫ش��وف بقــى إنــت بتعمــل عالقــة مــع قــد إيــه مــن الــي حواليــك؟ مــع‬
‫قــدّ إيــه مــن صاحبــك؟ مــع أي حتــة مــن نفســك؟ مــع كام يف امليــة‬
‫مــن مراتــك؟‬

‫بــص للصــورة الكاملــة‪ ..‬بالطــول وبالعــرض‪ ..‬مــش لـ(حتــة) صغــرة‬


‫منهــا‪ ،‬وتســيب الباقــي‪..‬‬

‫‪228‬‬
‫(‪)15‬‬
‫عالقة احلبل السري‬

‫العالقــة دي عالقــة خادعــة‪ ،‬شــكلها حلــو جــدًّ ا مــن ب ـ َّره‪ ،‬ومنتــرة‬


‫جدًّ اااا‪..‬لكنهــا يف حقيقتهــا‪ ..‬كارثــة متحركــة‪..‬‬
‫الطرفــن هنــا بيقــرروا يعزلــوا نفســهم عــن العــامل‪ ..‬ويعيشــوا يف‬
‫حويصلــة نفســية صغــرة جــدًّ ا عــى مقاســهم هــا االتنــن وبــس‪..‬‬
‫واألدهــى واألمـ ّر‪ ،‬إنهــم كــان بيشــيلوا الحــدود النفســية مــا بينهــم‪،‬‬
‫ويلغــوا أي خصوصيــة أو اختــاف ألي حــد فيهــم‪ ،‬ويحســوا إنهــم–‬
‫قــال إيــه‪ -‬واحــد‪..‬‬
‫يجــي الواحــد مــن دول‪ ،‬يحــب واحــدة‪ ،‬ويتجوزهــا‪ ..‬يبــدأ يبعدهــا‬
‫عــن أصحابهــا‪ ،‬وهــي تبــدأ تبعــده عــن أهلــه‪ ..‬هــو يبقــى بالنســبة‬
‫ليهــا املصــدر الوحيــد للحــب واألمــان والعطــف والفلــوس‪ ،‬وهــي‬
‫بالنســبة لــه املصــدر الوحيــد للراحــة والحنــان واالهتــام‪ ..‬وتتقفــل‬
‫عليهــم دايــرة الحيــاة‪..‬‬
‫يجــي الشــاب الظريــف والشــابة اللطيفــة يدخلــوا يف عالقــة حــب‪،‬‬
‫يقولهــا أنــا مــا ليــش يف الدنيــا غــرك‪ ،‬وهــي تقولــه إنــت مــايل الدنيــا‬
‫عليــا‪ ..‬يقولهــا إنتــي كل حيــايت‪ ،‬تــرد عليــه‪ :‬إنــت كل وجــودي‪..‬‬
‫ويعيشــوا يف حويصلــة رومانســية خرافيــة خزعبليــة‪ ،‬منفصلــة متا ًمــا‬
‫عــن الواقــع والحيــاة والعــامل‪ ،‬والكــون كلــه‪..‬‬

‫‪229‬‬
‫عالقــة شــكلها مثــايل‪ ،‬ويبــدو فيهــا كتــر مــن التفاهــم والتالقــي‬
‫والتطابــق‪ ،‬اتنــن قريبــن لدرجــة االلتحــام‪ ،‬حاســن ببعــض لدرجــة‬
‫االخـراق‪ ،‬بــس منفصيلــن عــن العــامل لدرجــة االغـراب عــن كل يشء‬
‫غريهــم‪..‬‬
‫النتيجــة الحتميــة يف العالقــة الــي زي دي هــي إن الطرفــن هايدوبــوا‬
‫يف بعــض‪ ،‬وهاتختفــي مالمــح كل حــد فيهــم‪ ،‬ويبقــوا نســخ ممســوخة‬
‫مــن بعــض‪ ..‬نســخ قامتــة مشــوهة‪ ،‬بعــد شــوية هامتــرض‪ ،‬ومتــوت‪..‬‬
‫آه‪ ..‬النهايــة الغالبــة عــى النــوع ده مــن العالقــات هــي– وبــكل‬
‫رصاحــة‪ -‬املــوت‪ ..‬املــوت النفــي أو يف بعــض األحيــان املــوت‬
‫الجســدي‪ ..‬مــا تســتغربش‪ ،‬تصــور اتنــن قفلــوا عليهــم دايــرة الحيــاة‪،‬‬
‫وربطــوا بينهــم وبــن بعــض حبــل رسي ســميك وطويــل ومتحــرك‬
‫معاهــم مــكان مــا بريوحــوا‪ ..‬لــو حــدّ منهــم قـ ّرر يبقــى نفســه‪ ،‬ويفتح‬
‫عينــه عــى العــامل‪ ،‬يعــرف نــاس‪ ،‬يتحــرك هنــا وهنــاك‪ ،‬ويبقــى ليــه‬
‫حيــاة ووجــود وكيــان‪ ..‬تفتكــر الطــرف التــاين هايعمــل إيــه؟‬
‫هايعمــل– غال ًبــا‪ -‬حاجــة مــن اتنــن‪ ..‬يــا إمــا ميــوت نفسـ ًّيا (اكتئــاب‪،‬‬
‫وقلــق‪ ،‬وســاعات جنــون) أو جســد ًّيا (أمـراض صعبــة ومــا لهــاش أول‬
‫مــن آخــر) أو ميــوت الطــرف التــاين نفسـ ًّيا أو جســديًّا برضــه‪..‬‬
‫وخــد عنــدك طــاق‪ ،‬وفشــل درايس‪ ،‬وخيانــات زوجيــة‪ ،‬وأمــراض‬
‫نفســية وعقليــة وجســانية وبهدلــة وحكايــات أغــرب مــن الخيــال‪..‬‬
‫وطب ًعــا لــو فضلــوا زي مــا هــا‪ ،‬ومــا حــدّ ش منهــم قــرر يبقــى نفســه‬
‫أو يفتــح عينــه أو يعيــش حياتــه‪ ،‬فهاتفضــل العالقــة زي مــا كانــت‪،‬‬
‫بالشــكل الــى وصفنــاه‪..‬‬

‫‪230‬‬
‫ويف الحالتــن‪ ..‬دايــرة الحيــاة الــي قفلوهــا عــى نفســهم‪ ..‬بتتحــول‬
‫لدايــرة مــوت‪ ..‬والحبــل الــري الــي ربطــوا نفســهم بيــه‪ ،‬بيتلــف‬
‫حوالــن رقبتهــم‪ ..‬ويخنقهــم هــا االتنــن‪..‬‬

‫ما تعزلوش نفسكم عن األهل واألصحاب والحبايب‪..‬‬


‫ما تستغنوش ببعض عن العامل‪..‬‬
‫ما ينفعش يكون أي حد هو املصدر الوحيد لكل حاجة‪..‬‬
‫ما ينفعش بنتك تكون هي مصدر األمان لييك‪..‬‬
‫ما ينفعش صاحبك يكون هو كل حياتك‪..‬‬
‫ما ينفعش جوزك يبقى هو ربنا يف األرض‪..‬‬
‫إنت مش ملك حد‪ ..‬وال حد ملكك‪ ..‬‬
‫حتى أوالدكم مش ملككم‪..‬‬
‫دول‪ -‬عىل رأي جربان‪ -‬أوالد الحياة‪..‬‬

‫افتحوا الدايرة‪ ..‬‬
‫يرحمكم الله‪..‬‬

‫‪231‬‬
‫(‪)16‬‬
‫العالقة مع شخص متثيلي (‪)Histrionic‬‬

‫ده بقى شخص متثييل مرسحي متمكن‪..‬‬


‫هاتالقــي نفســك مــع حــد كل هدفــه يف الدنيــا إنــه يكــون تحــت‬
‫األضــواء ومحــط االنتبــاه ونقطــة الرتكيــز‪ ..‬ومســتعد يعمــل أي حاجــة‬
‫يف ســبيل ده‪..‬‬
‫يعنــي يتكلــم بطريقــة خطابيــة مرسحيــة‪ ،‬أو تتكلــم بطريقــة لطيفــة‬
‫جــدًّ ا‪ ،‬وجذابــة جــدًّ ا‪ ،‬ومغويــة جــدًّ ا جــدًّ ا‪..‬‬
‫يهتــم أو تهتــم مبظهرهــا الخارجــي بشــكل مبالــغ فيــه‪ ..‬ألــوان لبــس‬
‫مبهــرة‪ ،‬موضــات جديــدة‪ ،‬إكسســورات بتلمــع وتشــد النظــر والســمع‬
‫وكل حاجــة‪..‬‬
‫الشــخصية دي يف عالقاتهــا غريبــة جــدًّ ا‪ً ..‬‬
‫أول بتحمــل عالقاتهــا أكــر‬
‫مــا تحتمــل‪ ،‬يعنــي تكــون متصــورة إنــك معاهــا يف عالقــة قويــة‬
‫جــدًّ ا‪ ،‬والحقيقــة إنهــا بالنســبة لــك شــخص عــادي خالــص‪..‬‬
‫تعــر عــن مشــاعرها بصــورة ضخمــة وكبــرة وغــر مــررة أو مناســبة‪،‬‬
‫واو‪ ..‬يــاااااه‪ ..‬معقــول!!! وتتصــدم وتتفاجــأ مــن أقــل حاجــة أو مــش‬
‫مــن حاجــة أصــا‪..‬‬
‫ســهل تصــدق أي حاجــة ومتــي وراهــا وتقنــع نفســها بيهــا‪ ،‬مــن غــر‬
‫عقــل وال تفكــر وال حســابات‪..‬‬

‫‪232‬‬
‫رغــم املظهــر الخارجــي الفخــم املبهــر‪ ..‬إال إنهــا مــن جــوه فاضيــة‬
‫وأغلــب مــن الغلــب‪ ..‬وعندهــا احتيــاج نفــي أســايس وبســيط مــن‬
‫زمــان‪ ..‬هــو إنهــا تتشــاف ويتســقف لهــا‪ ،‬ويتقالهــا برافــو‪ ..‬إنتــي‬
‫موجــودة‪ ..‬ووجــودك مرحــب بيــه‪..‬‬
‫وعلشــان االحتيــاج ده مــا متــش إشــباعه وهــي صغــرة‪ ،‬فهــي بتحــاول‬
‫دلوقــت تحصــل عليــه بــأي شــكل‪ ،‬وبــكل صــورة‪ ..‬زي العطشــان الــي‬
‫بيــدور عــى نقطــة ميــه‪ ..‬بــس هــي بتــرب مــن البحــر‪ ..‬وعمرهــا‬
‫مــا بتشــبع‪..‬‬
‫مهــا حاولــت توصلهــا إنــك مهتــم بيهــا‪ ،‬هاتفضــل تــدور عــى اهتامم‬
‫أكــر‪ ،‬وأضــواء أكــر‪ ،‬وعالقــات أمتــع‪ . .‬لغايــة مــا تتعالــج‪..‬‬
‫هــي يف الحقيقــة بتكــون محتاجــة إنــك توصلهــا إنــك بتحبهــا ومهتــم‬
‫بيهــا مــش علشــان مظهرهــا وشــكلها‪ ،‬وإنهــا تســتاهل تتشــاف وتتقبل‬
‫مــن غــر مــا تدفــع أي متــن‪ ..‬وإن وجودهــا مبهــج ومرحــب بيــه زي‬
‫مــا هــو بــدون تجميــل‪..‬‬

‫ساعتها ممكن تتغري‪..‬‬


‫وتتح ّول لبني آدمة تاين‪..‬‬

‫‪233‬‬
‫(‪)17‬‬
‫عالقة التق ّمص‬

‫يف العالقــة دي إنــت مــش إنــت‪ ..‬إنــت البــس حــد‪ ..‬وبتعمــل عالقــة‬
‫مــع النــاس بحــد تــاين غــر نفســك‪..‬‬
‫يعنــي حــد إنــت بتحبــه وعــاوز تبقــى زيــه‪ ،‬أبــوك‪ ،‬صاحبــك‪ ،‬أســتاذك‪،‬‬
‫أي حــد‪ ..‬قــوم تتقمصــه‪ ..‬تتكلــم زيــه‪ ،‬تتــرف زيــه‪ ،‬تلبــس زيــه‪..‬‬
‫كــده يعنــي‪..‬‬
‫حــد إنــت بتحبــه ومــش عــارف توصلــه‪ ..‬ممثــل‪ ،‬مغنــي‪ ،‬برضــه‬
‫تتقمصــه وتبقــى نســخة منــي‪..‬‬
‫دي حاجــة غــر التقليــد‪ ..‬التقليــد إنــت بتعملــه وإنــت واعــي بيــه‪..‬‬
‫عــارف إنــك معجــب بفــان وبتقلــده‪ ..‬إمنــا التقمــص ده بيحصــل‬
‫بــدون وعــي‪ ،‬عقلــك الباطــن هــو الــي بيعملــه وإنــت مــش واخــد‬
‫بالــك‪..‬‬
‫ســاعات بقــى‪ -‬وده األصعــب‪ -‬بتتقمــص حــد إنــت مــش بتحبــه‪..‬‬
‫بالعكــس‪ ..‬إنــت بتكرهــه‪ ،‬وبتكرهــه جــدًّ ا كــان‪ ..‬وبيســموا ده‬
‫(تقمــص املعتــدي)‪ ..‬يعنــي حــد اتظلــم مثــاً‪ ..‬ييجــي بعــد شــوية‬
‫ميــارس نفــس الظلــم بالظبــط مــع حــد أضعــف منــه‪ ..‬مــع إن املتوقــع‬
‫إنــه يتعلــم ومــا يكــررش الــي حصــل معــاه‪ ..‬طالــب جامعــة جــه يف‬
‫لجنــة امتحــان الشــفوي والدكتــور بهدلــه وطلــع عينــه‪ ..‬تلــف األيــام‬
‫ويكــون يف نفــس مــكان الدكتــور‪ ،‬وبــدل مــا يعمــل العكــس ويكــون‬
‫طيــب وكويــس وعــادل‪ ..‬أل‪ ..‬ده يتقمــص الدكتــور الــي امتحنــه زمــان‪،‬‬

‫‪234‬‬
‫ويبقــى نســخة منــه‪ ،‬ويعمــل نفــس الــي اتعمــل معــاه بالظبــط‪..‬‬
‫يعنــي يكــون يف العالقــة دي مــش نفســه‪ ..‬يكــون حــد تــاين‪..‬‬
‫فيــه طب ًعــا أمثلــة أخــرى‪ ..‬تالقــي كتــر مــن اآلبــاء واألمهــات بيعملــوا‬
‫مــع أوالدهــم وبناتهــم نفــس الــي اتعمــل معاهــم بالظبــط‪ ..‬إنــت‬
‫ممكــن تكتشــف ده يف نفســك لــو عنــدك أوالد‪ ..‬يف موقــف معــن‬
‫تكتشــف وتقــول‪ :‬يــاه ده بالظبــط الــي كان أبويــا بيعملــه معايــا‪ ..‬أو‬
‫تكتشــفي إن ده نفــس الــكالم أو نفــس التــرف الــي كانــت بتعملــه‬
‫والدتــك معــايك‪ ..‬نســخة مكــررة مــن نفــس الســيناريو‪ ..‬وكأين باتقمص‬
‫أدوار اآلخريــن‪ ،‬وأعملهــا يف عالقــايت‪..‬‬
‫التقمــص ده ســاعات بيكــون مطلــوب كشــكل مــن أشــكال التعلــم أو‬
‫النمــو النفــي‪ ..‬باتقمــص حــد‪ ،‬أتعلــم منــه حاجــة‪ ،‬وبعديــن خــاص‪..‬‬
‫زي الجاكيــت كــده الــي ممكــن ألبســه يف وقــت معــن وأقلعــه‬
‫بعدهــا بشــوية وألبــس غــره وهكــذا‪ ..‬لغايــة مــا تتكـ ّون شــخصيتي‪،‬‬
‫ويبقــى ل َّيــا مالمــح بتاعتــي أنــا‪ ..‬إمنــا لــو تحـ َّول الجاكيــت ده لجاكيت‬
‫جبــس مــش بيتقلــع‪ ..‬يبقــى عمــى‪ ،‬وعــدم وعــي‪ ،‬وثبــات يف املــكان‪..‬‬
‫وســاعات أذى للنفــس أو الغــر‪..‬‬

‫ملَّــا تعمــل عالقــة مــع حــد‪ ..‬داميًــا اســأل نفســك‪ ..‬هــو يف العالقــة دي‪..‬‬
‫أو يف املوقــف ده‪ ..‬أنــا مــن؟‬
‫أنا مني؟‬

‫‪235‬‬
‫(‪)18‬‬
‫العالقة مع جمموعة‬

‫دي بقى من أخطر العالقات بجد‪..‬‬


‫مبدئ ًّيــا كــده أي مجموعــة مــن البــر هايجتمعــوا مــع بعــض‪ ،‬لــو‬
‫مــا كانــش فيــه هــدف معــن ليهــم‪ ،‬أو حاجــة معينــة هــا ناويــن‬
‫يعملوهــا بوعــى ‪-‬إن شــالله يخرجــوا يتفســحوا‪ -‬فاملجموعــة دي‬
‫ممكــن تــؤذي أصحابهــا‪..‬‬
‫مجموعــة يعنــى شــلة أصحــاب‪ ..‬زمــاء عمــل‪ ..‬قســم يف رشكــة أو‬
‫مستشــفى‪ ..‬اتحــاد مــاك يف عــارة‪ ..‬فريــق ريــاىض‪ ..‬أو أي جمــع‬
‫مــن البــر‪..‬‬
‫فيــه علــم كامــل اســمه ســيكولوجية املجموعــة (‪Group‬‬
‫‪ ،)Psychology‬العلــم ده بيــدرس بــكل تفصيــل ودقــة إيــه الــي‬
‫بيحصــل بــن النــاس لــو اتجمعــوا مــع بعــض‪ ..‬إيــه الــي بيحصــل عــى‬
‫املســتوى النفــي والعقــي والعاطفــي‪ ..‬ألن وجــود مجموعــة مــن‬
‫النــاس يف مجموعــة‪ ،‬زي مــا هــو ممكــن يطلّــع أحســن مــا فيهــم‪،‬‬
‫ممكــن كــان يطلّــع أســوأ مــا فيهــم‪..‬‬
‫فيــه ســت مخاطــر ممكــن يحصلــوا يف أي مجموعــة أو شــلة أو جمــع‬
‫مــن النــاس‪..‬‬
‫ممكــن املجموعــة‪ -‬بشــكل واعــي أو غــر واعــي‪ -‬تتعامــل مــع حــد‬
‫مــن أعضائهــا عــى إنــه أحســن واحــد فيهــم‪ ،‬بيفهــم أحســن منهــم‬
‫كلهــم‪ ،‬عنــده عقــل أو علــم أو إحســاس أو أي حاجــة أكــر منهــم‪،‬‬
‫‪236‬‬
‫وبالتــايل هايقدســوه ويؤلهــوه ويخلــوا وجــود املجموعــة وأفرادهــا‬
‫معتمــد عــى وجــوده‪ ..‬وســامة املجموعــة ونجاحهــا بإيــده لوحــده‪..‬‬
‫أول هاتخــي كل أفــراد املجموعــة‬ ‫خطــورة الحكايــة دي هــي إنهــا ً‬
‫يخلــوا مســئوليتهم عــن أي حاجــة تحصــل‪ ..‬مــا هــو الــي يعــرف‪ ..‬هــو‬
‫الــي فاهــم‪ ..‬إحنــا ماشــيني وراه‪ ،‬وثان ًيــا املجموعــة هاتحمــل الراجــل‬
‫ده فــوق طاقتــه‪ ،‬لغايــة مــا ينهــك ويتعــب ومــا يقــدرش يســتحمل‪،‬‬
‫ســاعتها املجموعــة بــكل بســاطة هاتبــدأ تهاجمــه وتتكالــب عليــه‬
‫وتخلــص منــه‪ ..‬ويجيبــوا غــره‪ ،‬يلعبــوا معــاه نفــس اللعبــة‪..‬‬
‫كــان ممكــن أي مجموعــة تتحوصــل حوالــن نفســها‪ ،‬وتنفصــل عــن‬
‫العــامل الخارجــي‪ ،‬ويتصــوروا إنهــم تحــت تهديــد مســتمر منــه‪..‬‬
‫ويعيشــوا يف وهــم الكــ ّر والفــ ّر‪ ..‬يعنــي يبقــوا يف حالــة كراهيــة‬
‫واســتنفار وحــرب رشســة مــع كل وأي حــد غريهــم‪ ..‬ألنهــم متصوريــن‬
‫إن الــكل بيتآمــر عليهــم‪ ،‬وغريهــم بيكرههــم‪ ..‬وده طب ًعــا بيخليهــم‬
‫مــا يعملــوش أي حاجــة حقيقيــة عــى أرض الواقــع‪ ،‬ومــا يقومــش كل‬
‫واحــد فيهــم مبســئوليته تجــاه نفســه وتجــاه املجموعــة‪ ،‬وال يشــوف‬
‫إنــه شــخص ًّيا مســئول‪ ،‬زيــه زي غــره‪.‬‬
‫وســاعات اتنــن أو أكــر مــن املجموعــة يقــرروا يعملــوا مــع بعــض‬
‫عالقــة خــارج املجموعــة وبــدون علمهــا‪ ،‬وبيكــون جــزء مــن العالقــة‬
‫دي الخــروج عــن القواعــد العامــة للمجموعــة مهــا كانــت بســيطة‪..‬‬
‫وممكــن العالقــة دي يف بعــض األوقــات تتــم تحــت ســمع وبــر‬
‫ومبباركــة املجموعــة نفســها‪ ،‬بــس دي قصــة كبــرة صعــب رشحهــا‬
‫دلوقــت‪..‬‬

‫‪237‬‬
‫ممكــن كــان املجموعــة مــا تبقــاش مجموعــة‪ ..‬يعنــي كل واحــد‬
‫فيهــم يبقــى أنــاين ومــش شــايف غــر نفســه ومصلحتــه وبــس‪ ..‬مــا‬
‫نســاعدش بعــض‪ ،‬مــا نشــيلش هــم بعــض‪ ،‬مــا نبقــاش مســئولني عــن‬
‫بعــض‪ ..‬وده يهــدد بقــاء وحيــاة ومصلحــة وحتــى متعــة أي مجموعة‪..‬‬
‫األخطــر واألخطــر‪ ..‬هــي إن املجموعــة تبقــى مجموعــة بزيــادة‪..‬‬
‫مبعنــى إن الفــوارق بــن أفرادهــا تــدوب‪ ،‬ومــا تبقــاش واضحــة‪ ،‬يبقــوا‬
‫شــبه بعــض‪ ،‬وكأنهــم شــخص واحــد‪ ..‬يتكلمــوا بنفــس الطريقــة‪،‬‬
‫يفكــروا بنفــس الشــكل‪ ،‬وســاعات حتــى يلبســوا زي بعــض‪ ،‬ويبقــوا‬
‫نســخ مــن بعــض‪ ..‬وده بيلغــي أي فــرص يف التلقائيــة واإلبــداع والتفرد‬
‫واالختــاف بــن أعضــاء املجموعــة دي‪.‬‬
‫الحاجــة السادســة واألخــرة‪ ،‬هــي إن املجموعــة زي مــا اختــارت يف‬
‫األول حــد تقدســه وتعتمــد عليــه‪ ،‬فهــي ممكــن تختــار حــد تخليــه‬
‫(كبــش فــداء) وتبقــى عايــزة تطــرده منهــا‪ ..‬وده فيــه كالم لوحــده‪..‬‬

‫الــي مينــع كل ده‪ ..‬الــي مينــع الســت حاجــات دول وغريهــم (فيــه‬
‫حاجــات تانيــة كتــر)‪ ..‬هــو أن كل حــد ىف أى مجموعــة مــن النــاس‬
‫يبقــى عــارف إنــه هــو شــخص ًّيا مســئول عــن نجــاح أو فشــل املجموعة‬
‫دى‪ ..‬وإنــه مطلــوب منــه يعمــل الــى عليــه بــكل إخــاص وصــدق‬
‫ووعــى‪ ،‬علشــان ده فيــه الفايــدة واملصلحــة والنجــاة‪ ..‬ليــه‪ ..‬ولــكل‬
‫مجموعتــه‪..‬‬
‫غري كده‪ ..‬العواقب ممكن تكون وخيمة‪ ..‬وخيمة جدًّ ا‪..‬‬

‫‪238‬‬
‫(‪)19‬‬
‫عالقة كبش الفداء‪..‬‬

‫فيــه ظاهــرة شــهرية جــدًّ ا بتحصــل يف كتــر مــن املجموعــات‪ ..‬اســمها‬


‫(كبــش الفــداء)‪..‬‬
‫النــاس يف املجموعــة بيختــاروا‪ -‬غال ًبــا بشــكل غــر واعــي‪ -‬حــد منهــم‬
‫ويبــدأوا يشــوفوه عــى إنــه أســوأ واحــد فيهــم‪ ..‬حــدّ يقــول عليــه‬
‫أنــاين‪ ..‬حــد تــاين يقــول عليــه خايــن‪ ..‬حــد تالــت يفتــش يف نيتــه‬
‫والــي ورا أفعالــه‪ ..‬ويف الحقيقــة كل واحــد فيهــم بريمي‪/‬بيســقط‬
‫عليــه الــي هــو مــش قابلــه يف نفســه شــخص ًّيا‪..‬‬
‫واحــد مــش قابــل ضعفــه ومــش عايــز يشــوفه يف نفســه فيســقطه عىل‬
‫(كبــش الفــدا) ويقولــك ده الضعيــف الــي فينــا‪ ..‬واحــد مــش عــاوز‬
‫يعــرف قــدام نفســه إنــه كاره وحقــود فريمــي ده عــى (كبــش الفــدا)‬
‫ويقــول ده الحقــود بتاعنــا‪ ..‬واحــد مليــان نرجســية وشــعور مريــض‬
‫بالعظمــة ينكــر ده يف نفســه ويشــوف (كبــش فــداء املجموعــة) عــى‬
‫إنــه شــخص منفــوخ ومغــرور وغــر مبــايل باآلخريــن‪..‬‬
‫شــوية شــوية تتعامــل املجموعــة مــع الشــخص ده عــى إنــه مصــدر‬
‫للمشــاكل وســبب للمتاعــب وســاعتها يكــون الحــل الوحيــد بالنســبة‬
‫لهــم هــو تطفيشــه والتخلــص منــه خــارج املجموعــة إىل األبــد‪،‬‬
‫بأســاليب كتــر جــدًّ ا‪ ..‬ودي حكايــة معروفــة ومشــهورة وبتتكــرر مــن‬
‫أول التاريــخ لغايــة نهايتــه‪..‬‬
‫بس فيه حاجتني مهمني‪..‬‬

‫‪239‬‬
‫الحاجــة األوىل هــي إن (كبــش الفــداء)‪ -‬الــي غال ًبــا بيكــون شــخص‬
‫طيــب وســاذج وحســن النيــة‪ -‬ســاعات بيصــدق الــي أســقط عليــه‬
‫ويســتقبل نفســه فعــا عــى إنــه إنســان ســيئ ومليــان بــكل العيــوب‬
‫الــي اتهمــوه بيهــا بــدون وجــه حــق‪ ..‬ويلبــس الــي اترمــى عليــه‪..‬‬
‫وســاعات يبقــاه ويتحــول ليــه فعــا‪..‬‬
‫الحاجــة التانيــة وهــي األهــم‪ ..‬إنــه يف أوقــات كتــر (كبــش الفــداء)‬
‫نفســه بيكــون ليــه دور يف إنــه يكــون (كبــش فــداء)‪ ..‬ألنــه ســكت‬
‫عــى األذى‪ ،‬وســمح بالــرر‪ ،‬وســاب حــدوده مفتوحــة لــكل مــن‬
‫هــب ودب‪ ،‬وخــى أرضــه مســتباحة لــكل الــي عايــز يرمــي فيهــا‬
‫نفايــات نفســه وقــاذورات حياتــه‪..‬‬
‫(كبــش الفــداء) مــش داميــا ضحيــة‪ ..‬بالعكــس‪ ..‬ســاعات بيكــون أحــد‬
‫املشــركني يف الجرميــة‪ ..‬وســاعات بيكــون هــو البــادئ الــي بيســتدعي‬
‫مــن الــي حواليــه الظلــم ويغريهــم بــاألذى‪ ..‬وبعديــن يشــتيك‪..‬‬
‫ويفضــل يشــتيك‪..‬‬

‫إذا كنــت يف يــوم (كبــش فــدا)‪ ..‬فشــوف مســئوليتك عــن حــدوث ده‬
‫أو عــن اســتمراره‪..‬‬
‫وإذا كنــت مــن الــي بيســتمتعوا بصنــع (كبــش فــدا) مــن الــي‬
‫حواليهــم‪..‬‬
‫فمن فضلك‪ ..‬بص يف املراية‪ ..‬وشيل شيلتك‪..‬‬

‫‪240‬‬
‫(‪)20‬‬
‫عالقة حتقيق النبوءة‬

‫هنــا‪ ..‬حــد بيعمــل معــاك عالقــة علشــان يحقــق نبــوءة خاصــة بيــه‪،‬‬
‫ويؤكــد حاجــة عايــز يثبتهــا لنفســه‪..‬‬
‫يعنــي واحــدة مصدقــة إن كل الرجالــة وحشــن وكدابــن وخاينــن‪،‬‬
‫تــروح تتجــوز واحــد‪ ،‬وتتعامــل معــاه بشــكل صعــب وغريــب‪ ،‬وتطلــع‬
‫منــه أســوأ مــا فيــه‪ ،‬لغايــة مــا يزهــق منهــا ويبــدأ يبــص لغريهــا‪،‬‬
‫وتتحقــق يف اآلخــر نبــوءة (كلهــم خونــة زي بعــض)‪..‬‬
‫واحــد مقتنــع إنــه فاشــل وإن مــا فيــش أمــل‪ ،‬يقــوم يشــتغل شــغالنة‬
‫مــش مناســبة ليــه وال ملؤهالتــه وال لقدراتــه‪ ..‬ويعمــل مشــاكل يف‬
‫عالقاتــه بزمايلــه ورؤســائه‪ ..‬بعــد شــوية يرتفــد مــن الشــغل‪ ،‬ويقــول‬
‫بينــه بــن نفســه (أهــه‪ ..‬أنــا كنــت عــارف كــده مــن األول‪ ..‬أنــا أصـ ًـا‬
‫فاشــل)‪..‬‬
‫كتــر مننــا بيبقــى عنــده (نبــوءة) داخليــة‪ ،‬وبيســعى طــول الوقــت‬
‫يف حياتــه وعالقاتــه إنــه يثبتهــا ويؤكدهــا‪ ..‬علشــان ده الــي وصلــه‬
‫يف تجــارب وعالقــات قبــل كــده‪ ..‬وده الــي اتعلمــه عــن نفســه‪ ،‬وده‬
‫الــي مــا يعرفــش غــره‪..‬‬
‫أشــهر النبــوءات دي‪( :‬أنــا مــا اســتاهلش‪ ،‬أنــا فاشــل‪ ،‬أنــا داميًــا ضحيــة‪،‬‬
‫النــاس كلهــا وحشــة‪ ،‬دول خاينــن‪ ،‬مــا فيــش أمــان لحــد‪ ،‬مــا حــدش‬
‫بيفهمنــي‪ ،‬وهكــذا)‪..‬‬

‫‪241‬‬
‫مشــكلة الحكايــة دي إن صاحبهــا بيقعــد يكررهــا عـ َّـال عــى بطَّــال‪،‬‬
‫وهــو مــش واخــد بالــه‪ ،‬وال حتــى النــاس الــي يف عالقــة معــاه واخدين‬
‫بالهم‪..‬‬

‫خيل بالك إنت بقى‪..‬‬


‫ما تخليش حد يحقق النبوءة بتاعته عىل إيديك‪..‬‬
‫ما تخليش حدّ يلبسك دور مش بتاعك يف عالقته بيك‪..‬‬

‫شوف اليل معاك عاوز يطلع منك إيه‪..‬‬


‫أحسن ما فيك‪..‬‬
‫والال أسوأ ما فيك‪..‬‬

‫الحكايــة دي بنتعلمهــا بالخــرة وبالتجربــة‪ ..‬فمفيــش مشــكلة إنــك‬


‫تكــون اتقرصــت مــرة والــا اتنــن‪..‬‬
‫اتعلم‪ ..‬وف ّتح عينك كويس بعد كده‪..‬‬

‫‪242‬‬
‫(‪)21‬‬
‫عالقة البلع‬

‫ىف العالقــة دى‪ ..‬طــرف بيحــاول يخــي نفســه املصــدر الوحيــد لــكل‬
‫حاجــة بالنســبة للطــرف التــاىن‪ ،‬الــى بيعتمــد عليــه اعتــا ًدا مطل ًقــا‪..‬‬
‫وتوصلهــم بــكل طريقــة‬
‫تصــوروا مثـاً أم بتعــزل أوالدهــا عــن العــامل‪َّ ،‬‬
‫إنهــا املصــدر الوحيــد لــكل حاجــة‪ ،‬يســمعوا كالمهــا هــي وبــس‪،‬‬
‫يطمنــوا ليهــا هــي وبــس‪ ،‬مــا يآمنــوش ألي حــد يف الدنيــا غريهــا‪..‬‬
‫هــي بــس الــي بتحميهــم‪ ،‬وتهتــم بيهــم‪ ،‬وتحبهــم‪ ..‬واملــكان الوحيــد‬
‫اآلمــن ىف الكــون هــو جنبهــا وبــن ايديهــا‪ ..‬النــاس وحشــة‪ ..‬األصحــاب‬
‫مــش كويســن‪ ..‬ماتخرجــوش‪ ..‬ماتســافروش‪ ..‬خليكــوا هنــا معايــا‪..‬‬
‫معايــا أنــا لوحــدى‪ ..‬جــوه أعمــق نقطــة ىف حضنــى‪..‬ويف نفــس الوقت‪،‬‬
‫تــزرع فيهــم خــوف وشــك وســاعات كتــر كــره ألي حــد تــاين يحــاول‬
‫يقــرب منهــم‪ ،‬إن شــالله يكــون أبوهــم شــخص ًّيا‪..‬‬
‫األم دي بيكــون عندهــا شــعور رهيــب بالوحــدة‪ ،‬وعــدم األمــان‪..‬‬
‫وبتحــاول تســتمد شــعورها باألمــان واالطمئنــان والراحــة مــن خــال‬
‫إحساســها إن أوالدهــا محتاجينهــا طــول الوقــت‪ ..‬فكــده يبقــى ليهــا‬
‫الزمــة‪ ،‬ووجودهــا يبقــى مهــم وليــه معنــى‪ ...‬منتهــى الغلــب‪ ..‬بتكــون‬
‫مــن ج َّواهــا عندهــا رغبــة دفينــة وغــر واعيــة إنهــا تر َّجــع األوالد دول‬
‫جــوه بطنهــا (رحمهــا) تــاين‪ ..‬ولــو طالــت تبلعهــم علشــان تعمــل‬
‫كــده– مــن كــر جوعهــا واحتياجهــا لألمــان‪ -‬يبقــى يــا ريــت‪ ..‬الــكالم‬
‫ده مــش ه ـزار‪..‬‬

‫‪243‬‬
‫ممكــن كــان زوجــة تبلــع جوزهــا‪ ..‬أو زوج يبلــع مراتــه‪ ..‬محــدش‬
‫بيحبــك غــرى‪ ..‬محــدش بيفهمــك زيــي‪ ..‬قولــى عــى كل حاجــة‬
‫وكل شــئ‪ ..‬كل تفاصيــل حياتــك الزم تبقــى عنــدى‪ ..‬إوعــى تتنفــس‪..‬‬
‫إوعــى حتــى ترمــش بعينيــك‪ ..‬ماتســيبنيش لوحــدى‪ ..‬وأنــا برضــه‬
‫مــش هاســيبك لوحــدك‪..‬‬
‫ممكــن أصحــاب يبلعــوا بعــض‪ ،‬وكل واحــد فيهــم يعمــى نفســه عــن‬
‫الحيــاة ومايشــوفش فيهــا غــر صاحبــه‪ ،‬الــى لــو بعــد عنــه‪ ..‬الدنيــا‬
‫تتهــد‪ ..‬وطبعــا كتــر مــن عالقــات الحــب‪ ..‬مليانــة بلــع‪..‬‬
‫النــوع ده مــن العالقــات بيــؤدى لنتيجــة واحــدة حتميــة مالهــاش‬
‫احتــاالت أخــرى‪ ..‬وهــى إنهــا مــن ناحيــة بتوقــف النمــو‪ ..‬بتمنــع‬
‫الكــران‪ ..‬بتخــى الطــرف اآلخــر داميــا ضعيــف وصغــر وخايــف‬
‫وقليــل الحيلــة‪ ..‬داميــا محتــاج الحاميــة واملوافقــة واالعتامديــة‪ ..‬عمــره‬
‫مــا يحــس بنفســه وال اختالفــه وال تفــرده‪ ..‬عمــره مــا يبقــى نفســه‪..‬‬
‫ألنــه داميــا هايبقــى نســخة ممســوخة مبلوعــة مشــوهة مــن كائــن‬
‫تــاىن غــره‪..‬‬
‫ومــن الناحيــة التانيــة بيتخلــق غــول بــرى ضخــم جعــان مــش‬
‫بيشــبع مــن بلــع البنــى آدميــن‪ ،‬وجرهــم إىل أفخاخــه النفســية‪..‬‬
‫ومــش بيكــون ليــه أى حــل غــر العــاج النفــي‪.‬‬
‫باملناســبة‪ ..‬ســاعات ده بيكــون املعنــى النفــى (ألمنــا الغولــة)‪..‬‬
‫و(للنداهــة) الــى بتنــده عــى ضحاياهــا ىف كل مــكان‪ ..‬علشــان‬
‫تلتهمهــم‪ ..‬ومتــا بيهــم بطنهــا‪..‬‬
‫حافظوا عىل حدودكم النفسية من االخرتاق واالقتحام واالختفاء‪..‬‬
‫قولوا (أل) ألى حد يحاول ميسح وجودكم ىف وجوده‪..‬‬
‫ماتسمحوش لحد يبلعكم‪ ..‬وماتبلعوش حد‪..‬‬

‫‪244‬‬
‫(‪)22‬‬
‫العالقة مع شخص انطوائي‬

‫العالقــة دي بتحــس فيهــا إنــك لوحــدك‪ ..‬علشــان الطــرف التــاين يف‬


‫العالقــة بيحــب طــول الوقــت إنــه يكــون لوحــده‪..‬‬
‫ده شــخص مــش مهتــم أصــا إنــه يعمــل عالقــة مــع حــد‪ ..‬هــو‬
‫لوحــده‪ ،‬ومبســوط إنــه لوحــده‪ ..‬بيحــب حتــى يتحــرك لوحــده‪،‬‬
‫ويســافر لوحــده‪ ،‬ويشــتغل لوحــده‪..‬‬
‫مــش بيســتمتع أوي بكونــه يف عالقــة مــع حــد‪ ،‬ومــش بيحــب وجــوده‬
‫يف وســط نــاس أو مجموعــة أو شــلة أصحــاب‪ ..‬هــو معنــدوش شــلة‬
‫أصحــاب أصــا‪.‬‬
‫مــا يفرقــش معــاه رأي حــد فيــه‪ ،‬وال باإليجــاب وال بالســلب‪ ،‬ألن أصــا‬
‫وجــود النــاس معــاه مــش فــارق‪ ..‬مــش بيعــر عــن مشــاعره أوي‬
‫ومــش بيظهــر أي تعاطــف أو تجــاوب أو تأثــر عاطفــي مــع أي حــد‪..‬‬

‫سيبك بقى من كل الكالم ده‪ ..‬ده الكالم املكتوب يف الكتب‪..‬‬


‫حســاس‬
‫يف الحقيقــة‪ ،‬مهــم تعــرف إنــه مــن جــوه جــدًّ ا‪ ،‬الشــخص ده َّ‬
‫ألقــى درجــة‪ ،‬وبيحــس ويتفاعــل مــع كل حاجــة‪ ،‬بــس ده مــش‬
‫بيظهــر عليــه‪..‬‬
‫هــو كــان عواطفــه ومشــاعره عميقــة وقويــة‪ ،‬بــس بيعــرف يتحكــم‬
‫فيهــا كويــس‪ ،‬ومــا يظهرهــاش‪..‬‬
‫‪245‬‬
‫هــو يف أعمــق أعامقــه محتــاج جــدًّ ا لوجــود النــاس حواليــه‪ ..‬محتــاج‬
‫لوجــود أي حــد وكل حــد‪..‬‬
‫بس‪..‬‬
‫واليل بعد (بس) هو املشكلة‪..‬‬

‫الشــخص ده جــ َّواه أمل نفــي رهيــب مــن نــاس قدميــة‪ ،‬مــن حــدّ‬
‫يف حياتــه قبــل كــده‪ ،‬األمل ده خــاه يقــرر مــا يقربــش مــن أي حــدّ‬
‫أحســن يتجــرح ويتــأمل تــاين‪ ..‬األمل ده جــ ّواه غال ًبــا مــن ســنني‪..‬‬
‫هــو بياخــد بالــه مــن كل حاجــة‪ ،‬وبيحــس بــكل حاجــة‪ ،‬وإحساســه‬
‫عــايل جــدًّ ا‪ ،‬ومشــاعره أعــى وأقــوى‪ ..‬بــس أملــه أكــر ومالهــوش‬
‫حــدود‪..‬‬

‫اعــذره‪ ..‬وقـ َّرب منــه بال َّراحــة‪ ،‬مــا تهجمــش عليــه وتخرتقــه‪ ،‬هاتالقيــه‬
‫أول مــا يطمنلــك‪ ،‬يفتحلــك أبــواب نفســه‪ ..‬ويقولــك اتفضــل‪..‬‬
‫ســاعتها طَ ّمنــه أكــر‪ ،‬واديلــه املســافة واملســاحة املناســبة‪ ،‬واقبلــه كلــه‬
‫عــى بعضــه مــن غــر رشوط وال حســابات‪..‬‬
‫هاتكسبه‪ ،‬وتكسب العالقة معاه‪..‬‬

‫‪246‬‬
‫(‪)23‬‬
‫العالقة مع نسخة قدمية من نفس الشخص‬

‫العالقــة دي بيكــون فيهــا ظلــم شــديد لــي إنــت عامــل معــاه عالقــة‪،‬‬
‫أو لــي عامــل معــاك عالقــة‪..‬‬
‫إنــت هنــا بتتعامــل مــع نســخة قدميــة للبنــي آدم الــي إنــت معــاه‪..‬‬
‫يعنــي يكــون حصــل بينكــم موقــف زمــان‪ ،‬وإنــت أخــدت صــورة‬
‫معينــة يف ذهنــك عــن الشــخص ده‪ ..‬أو يكــون الشــخص ده فعــا‬
‫كانــت ليــه صفــات وترصفــات أو طريقــة تفكــر قبــل كــده‪ ،‬واتغــرت‪..‬‬
‫لكــن إنــت مــا زلــت مثبتــه عنــد الصــورة القدميــة‪ ،‬ومــش رايض‬
‫تغريهــا‪..‬‬
‫مــع إن الحركــة هــي األصــل‪ ..‬والتغيــر هــو الطبيعــة‪ ..‬لكــن إحنــا‬
‫ســاعات بنث ّبــت نفســنا‪ ،‬ونث ّبــت غرينــا عنــد موقــف‪ ..‬أو تفاعــل‪..‬‬
‫أو كلمــة‪ ..‬أو نظــرة‪ ..‬أو غلطــة‪ ..‬أو لحظــة فشــل‪ ..‬أو حتــى لحظــة‬
‫نجــاح‪ ..‬ونحــرم نفســنا ونحــرم غرينــا مــن فرصــة جديــدة‪ ..‬ورؤيــة‬
‫ُمختلفــة‪..‬‬
‫علــاء مدرســة الجيشــتالت يف العــاج النفــي بيقولــوا إن الواحــد لــو‬
‫باصــص لشــجرة‪ ..‬عينيــه بتاخــد ليهــا أول لقطــة وتخزنهــا يف الذاكــرة‪..‬‬
‫وتبطــل تســتقبل منهــا أي صــورة تانيــة‪ ..‬لغايــة مــا يهــب شــوية ريــاح‬
‫يحركــوا ورقهــا‪ ..‬ويهــزوا أغصانهــا‪ ..‬فعينيــك تفــوق‪ ..‬وتبــدأ تســتقبل‬
‫الصــورة والصــوت مــن جديــد‪..‬‬

‫‪247‬‬
‫إحنــا بنحــب الراحــة‪ُ ..‬مدربــن عــى االستســهال‪ ..‬مــش عاوزيــن نبــذل‬
‫مجهــود نشــوف بيــه أي حاجــة جديــدة ُممكــن تلخبــط تصوراتنــا‬
‫القدميــة‪ ..‬أو تهــد بُنيــان بنينــاه عــى مــدار ســنني أو حتــى أيــام‪ ..‬ألن‬
‫ده معنــاه إين أنــا كــان أتغــر طاملــا الــي قدامــي بيتغــر‪ ..‬وأتحــرك‬
‫زي الــي قدَّ امــي مــا بيتحــرك‪ ..‬ويبقــى عنــدي اســتعداد أراجــع نفــي‬
‫يف كل تصــورايت وأفــكاري و ُمعتقــدايت‪ ،‬وأكتشــف إين غلــط‪ ..‬وأصحــح‬
‫نفــي‪ ..‬وده صعــب وعــاوز مجهــود ومســئولية‪..‬‬
‫فيبقــى األســهل إىن يف عالقــايت أخــي كل واحــد زي مــا هــو‪ ،‬يتغــر‬
‫ويتشــال ويتحــط‪ ..‬وأنــا مــش شــايف تغيــره‪ ،‬ومــش باتعامــل إال مــع‬
‫نســخته القدميــة الــي يف دماغــى‪..‬‬

‫زي ما بيتعمل أب ‪ -‬ديت لربامج الكمبيوتر‪..‬‬


‫إحنا محتاجني نعمل أب ‪ -‬ديت يومي لنفسنا ولآلخرين‪..‬‬
‫يف عالقاتنا مع بعض‪..‬‬

‫‪248‬‬
‫(‪)24‬‬
‫عالقتك بدورك يف املجتمع‬

‫إحنــا بنتولــد وجوانــا برنامــج إلهــي اســمه الفطــرة‪ ،‬بيحــدد حقيقتنــا‬


‫وهويتنــا‪..‬‬
‫اآلبــاء واألمهــات بعــد شــوية بيحطــوا فينــا برنامــج تــاين اســمه الرتبية‪،‬‬
‫بيحــدد كتــر من شــخصيتنا وســلوكنا‪..‬‬
‫شــوية كــان وييجــي املجتمــع الــي إحنــا عايشــن فيــه يــزرع جوانــا‬
‫برنامــج تالــت أخطــر‪ ..‬اســمه (الــدور املجتمعــي)‪ ..‬وده بتتوارثــه‬
‫األجيــال املتعاقبــة لغايــة مــا ينســوا أصلــه وأهدافــه ومعناهــا‬
‫وتوقيتهــا ومــدى مناســبتها لــكل زمــان ومــكان‪..‬‬
‫مــن أهــم األدوار املجتمعيــة الــي اتزرعــت فينــا (وال زالــت طب ًعــا)‬
‫دور الرجــل ودور املــرأة‪ -‬خاصــة يف مجتمعاتنــا الرشقيــة‪..‬‬
‫يف العــادة‪ ..‬أنــا باتكلــم عــن الــي بتتعرضــه األنثــى يف مجتمعاتنــا‬
‫الرشقيــة مــن قهــر وظلــم وتشــويه واختـزال‪ ..‬وعــن الرســايل النفســية‬
‫الســيئة واملؤذيــة الــي بتوصلهــا عــن نفســها وعــن جســمها وعــن‬
‫أنوثتهــا مــن البيــت واملدرســة والشــارع‪ ..‬وكل حتــة‪ ..‬والــي بتفضــل‬
‫تدفــع متنهــا بعــد كــده طــول عمرهــا‪ ..‬إال مــن رحــم ريب‪.‬‬
‫بــس دلوقــت‪ ..‬مهــم أتكلــم عــن الجانــب اآلخــر‪ ..‬وعــن طــرف‬
‫املعادلــة التــاين‪ ..‬عــن الرجــل‪ ..‬الــي يبــدو للوهلــة األوىل‪ ،‬وبالنظــرة‬
‫الســطحية غــر املتعمقــة إنــه هــو الجــاين‪ ،‬وهــو الظــامل‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫أيهــا الرجــل‪ ..‬لقــد ظلمتــك أمــك‪ ..‬وظلمــك أبــوك‪ ..‬وظلمــك هــذا‬
‫املجتمــع الفصامــي‪..‬‬
‫ظلمتــك أمــك (مــع حفــظ كل األلقــاب واالحــرام وكل حاجــة) ملــا‬
‫وصلــت ليــك بقصــد أو بــدون قصــد إنــك أفضــل مــن إخواتــك البنات‪،‬‬
‫وإنــك مــن حقــك تعــي صوتــك عــى أختــك‪ ،‬وتؤمرهــا‪ ،‬وتتحكــم‬
‫فيهــا‪ ،‬وتراقبهــا‪ ،‬ويف بعــض األوقــات متــد إيــدك عليهــا‪.‬‬
‫ظلمتــك ملَّــا فضلــت هــي وغريهــا تحمــل وتولــد وتحمــل وتولــد لغايــة‬
‫مــا تخلــف ولــد‪ ..‬راجــل‪ ..‬ينادوهــا باســمه‪ ،‬وتتــرف بوجــوده وســط‬
‫أهلهــا وقرايبهــا‪..‬‬
‫ظلمتــك ملَّــا فضلتــك عــى أختــك يف املعاملــة‪ ،‬والتعليــم‪ ،‬وحريــة‬
‫الحركــة‪ ،‬ومنحتــك حقــوق كتــر جــدًّ ا منعتهــا عنهــا‪..‬‬
‫ظلمتــك ملَّــا خلــت أختــك تنضــف وراك‪ ،‬وترتــب أوضتــك‪ ،‬وتغســلك‬
‫هدومــك‪.‬‬
‫ظلمتــك ملَّــا وصلــت ليــك إن وجــودك يف البيــت هــو املصــدر الوحيــد‬
‫لألمــان والحاميــة والقــوة والســر بعــد أو بــدل وجــود أبــوك‪..‬‬
‫اليل ظلمك هو كامن‪..‬‬
‫ظلمــك‪ ..‬ملَّــا علمــك إن الرجولــة هــي الصــوت العــايل والخشــونة‬
‫والقســوة‪..‬‬
‫ظلمــك‪ ..‬ملَّــا كان بيمســك إيــدك ويخــرج معــاك ويوديــك كل حتــة‬
‫هــو بريوحهــا‪ ،‬ومــا بيعملــش كــده مــع إخواتــك البنــات‪..‬‬

‫‪250‬‬
‫ظلمــك ملَّــا ف ِّهمــك إن الراجــل مــش بيضعــف ومــش بيبــي ومــش‬
‫بيحــن ومــش بــرق ومــش بيعـ ّـر عــن مشــاعره‪..‬‬
‫ظلمك ملَّا وصلك إن األنوثة ضعف‪ ،‬ومياعة‪ ،‬ودلع‪..‬‬
‫ظلمــك ملَّــا قالــك إن رشفــك مكانــه خارجــك‪ ..‬وإنــه يقبــع يف جســد‪..‬‬
‫هــو أصــا غــر جســدك‪..‬‬
‫وزي مــا أبــوك وأمــك ظلمــوك‪ ..‬فاملجتمــع كان ظلمــه ليــك أشــد‬
‫وأعظــم‪..‬‬
‫ملَّــا خرجــت الشــارع لقيــت ضــل راجــل وال ضــل حيطــة‪ ،‬والراجــل مــا‬
‫يعيبهــوش غــر جيبــه‪ ،‬والــكالم الجــد يعنــي‪ -‬فقــط‪ -‬كالم الرجالــة‪..‬‬
‫ملَّــا لقيــت نفســك بتعمــل الــي إنــت عــاوزه‪ ،‬تعــرف دي ومتــي مــع‬
‫دي‪ ،‬وأصحابــك يصقفولــك‪ ،‬وأهلــك يفرحــوا بيــك‪ ،‬وتبقــى واد جــدع‬
‫مقطّــع الســمكة وديلهــا‪.‬‬
‫ملَّــا اتعلمــت إن الزوجــة الشــاطرة الجدعــة هــي ســت البيــت املطيعــة‬
‫الــي بتغســل ومتســح وتنضــف وتســحل نفســها كل ليلــة وكل يــوم‬
‫علشــان خاطــر ســيادة ســعادة جنابــك‪..‬‬
‫ملَّا لقيت الراجل بيميش قدَّ ام مراته وأمه وإخواته البنات‪..‬‬
‫ملَّــا وصلــك إن الســبب يف التحــرش هــو البنــت ولبســها وكالمهــا‬
‫ومشــيتها‪..‬‬
‫ملَّــا وصلــك إن كل وظيفــة املــرأة عــر التاريــخ هــي إنهــا كائــن جنــي‬
‫مخلــوق إلشــباعك ومتعتــك‪ ،‬علشــان حرضتــك تــؤدي دورك املقــدس‬
‫يف الحيــاة‪..‬‬

‫‪251‬‬
‫ملَّا وصلك‬
‫إن األنوثــة إغــواء وإغــراء وانحــال‪ ،‬وإن األنثــى شــيطان رجيــم‬
‫بيســعى دامئًــا إلفســادك وإفســاد مجتمعــك املتديــن بطبعــه‪..‬‬
‫ملَّا وصلك إن املرأة هي أصل كل الرشور‪..‬‬
‫وحاجــات تانيــة كتــر أوي‪ ..‬أصعبهــا عــى اإلطــاق هــو إن كل ده‬
‫أو معظمــه عــى األقــل وصلــك زورا وبهتانــا باســم الديــن‪ ،‬الــى تــم‬
‫تســطيحه واختزالــه وســوء فهمــه إىل أقــى درجــة‪.‬‬

‫أنــا بقــول إنــك مظلــوم‪ ..‬لكــن مــش بقــول إنــك ضحيــة‪ ..‬ألنــك‬
‫مســئول عــن تصديقــك لــكل الرســائل دي‪ ،‬وعــدم مقاومتهــا‪ ،‬بــل‬
‫ومامرســتها بــكل إرصار ورعونــة‪..‬‬
‫إنــت صدّ قــت كل ده لغايــة مــا بقــى حتــة منــك‪ ،‬ومــن تفكــرك‪،‬‬
‫ومشــاعرك‪ ،‬وســلوكك‪ ،‬وبقــى أي صــوت مختلــف معنــاه هــدم‬
‫منظومــة هائلــة مــن تكوينــك الداخــي‪ ،‬وإعــادة مراجعــة رهيبــة‬
‫لكتــر مــن مســلامت حياتــك‪ ،‬ومســئولية إنســانية كبــرة جــدًّ ا ناحيــة‬
‫نفســك وناحيــة غــرك‪..‬‬

‫عزيزي الرجل‪..‬‬
‫ارفع الغاممة من عىل عينيك‪..‬‬
‫وشوف املصيبة اليل (إنت)‪ ..‬أقصد اليل (إحنا) فيها‪..‬‬

‫‪252‬‬
‫(‪)25‬‬
‫العالقة مع شخص مستغل ‪Abuser‬‬

‫طب ًعــا دي املــادة الخــام للعالقــات الخطــرة واملؤذيــة‪ ،‬ألن ممكــن أي‬
‫حــد مــن الــي بيعملــوا العالقــات الخطــرة الــي اتكلمنــا عليهــا قبــل‬
‫كــده‪ ،‬يتح ـ َّول يف عالقتــه إىل حــد مســتغل‪ Abuser ..‬يعنــي‪..‬‬
‫الرنجــي بيكــون مســتغل‪ ،‬الســيكوباث طب ًعــا مســتغل‪ ،‬املدمــن‪ ..‬آه‪..‬‬
‫مــن غــر كالم‪ ،‬وغريهــم وغريهــم‪..‬‬

‫أي حــد مــن دول‪ ،‬بيقــدر بــكل أشــكال التالعــب ســاعات‪ ،‬والضغــط‬
‫ســاعات‪ ،‬والحيلــة ســاعات‪ ،‬والرشــوة العاطفيــة ســاعات‪ ،‬إنــه‬
‫يســتغلك ويســتهلك مشــاعرك ووقتــك وفلوســك وطاقتــك‪ ،‬وحياتــك‬
‫كلهــا‪ ،‬لغايــة مــا تالقــي نفســك يف اآلخــر‪ ..‬مــش القــي نفســك أصـاً‪..‬‬
‫أكــر وأغــرب مشــكلة شــوفتها يف العالقــات دي‪ ،‬مــش بتكــون يف‬
‫املســت ِغل‪ ،‬ال‪ ..‬بتكــون يف الشــخص التــاين‪ ..‬الشــخص املســتغَل‪ ..‬الــي‬
‫بيخضــع لالســتغالل يعنــي‪ ..‬وهــي إنــه بيكــون اختــار العالقــة دي‪،‬‬
‫والبنــي آدم املــؤذي ده مــن بــن كل الدنيــا‪ ،‬علشــان يلــزق فيــه‪،‬‬
‫ويرتبــط بيــه‪ ،‬ويقــول يــا ده‪ ..‬يــا بــاش‪ ..‬وبريفــض كل وجهــات النظــر‬
‫والنصايــح ومحــاوالت الــي حواليــه إلنهــاء العالقــة دي‪ ..‬وبيفضــل‬
‫ر إنــه يكمــل فيهــا‪ ..‬بيكونــوا عاملــن زي املفتــاح والقفــل‪ ..‬مبجــرد‬
‫ُمـ ّ‬
‫مــا بيالقــوا بعــض‪ ،‬بيعرفــوا بعــض‪ ،‬ومــش بيســتغنوا عــن بعــض تــاين‪..‬‬

‫‪253‬‬
‫الشــخص ده (املســتغَل)‪ ..‬بيكــون جــ ّواه إحســاس عميــق إنــه مــا‬
‫يســتاهلش‪ ،‬إن قيمتــه قليلــة جــدًّ ا‪ ،‬إن وجــوده مالهــوش الزمــة‪ ..‬إنــه‬
‫آخــره كــده‪ ..‬وأحســن مــا ميكــن الحصــول عليــه هــو ده‪ ..‬علشــان‬
‫كــده بينتقــم مــن نفســه بأنــه يعمــل عالقــة مــع حــد مــؤذي يؤكدلــه‬
‫بالظبــط املعنــى ده‪ ..‬إنــت قليــل‪ ..‬إنــت مــا تســتاهلش غــر األذى‪..‬‬
‫ده آخــرك‪ ..‬وعلشــان كــده برضــه بيكمــل يف العالقــة دي‪ ،‬وبريفــض‬
‫يقطعهــا‪ ،‬ألنــه مــا صــدق لقــى الــي يؤذيــه بالنيابــة عــن نفســه‪..‬‬
‫حكاية صعبة ومعقدة‪ ،‬وبتتعب كل املعالجني واملحللني النفسيني‪..‬‬
‫اليل يحميك من العالقة اليل زي دي ‪ 3‬حاجات‪..‬‬
‫الحاجــة األوىل هــي إن حــدودك تبقــى واضحــة‪ ،‬وأي عالقــة يكــون‬
‫فيهــا أي أذى مــن أي نــوع تنهيهــا فــو ًرا‪..‬‬
‫الحاجــة التانيــة هــي إنــك تعــرف تقــول (أل) عنــد اللــزوم ألي حــد‬
‫مهــا كان‪ ..‬علشــان (أل) دي هــي الــي هاتحمــي بيهــا حــدودك مــن‬
‫أي اخ ـراق‪..‬‬
‫الحاجــة التالتــة واألهــم‪ ..‬هــي إنــك تصــدق طــول الوقــت إنــك‬
‫تســتاهل‪ ،‬وتعامــل نفســك بكــده‪ ..‬وتؤكــده لنفســك كل شــوية‪..‬‬
‫تســتاهل تتحــب‪ ،‬وتســتاهل تفــرح‪ ،‬وتســتاهل تعيــش‪ ،‬وتســتاهل‬
‫تُحــرم‪ ..‬وطــول مــا إنــت مصــدّ ق ده‪ ،‬كل اختياراتــك هاتكــون يف‬
‫نفــس اتجاهــه‪ ..‬وطــول مــا أنــت مــش مصدقــه‪ ،‬اختياراتــك هاتكــون‬
‫داميًــا يف اتجــاه األذى والــرر واالنكســار‪..‬‬

‫إحنا بنختار اليل إحنا مصدّ قني إننا نستاهله‪..‬‬


‫بنختار‪ ..‬اليل إحنا مصدّ قني‪ ..‬إننا نستاهله‪..‬‬
‫‪254‬‬
‫(‪)26‬‬
‫عالقة التقمص اإلسقاطي‬

‫اسمها صعب‪ ..‬مش كده؟‬


‫معلهش‪ ..‬هانفهمه دلوقت‪..‬‬
‫كام م َّرة حسيت إنك مستغرب مشاعرك؟‬
‫كام مـ َّرة ســألت نفســك الســؤال ده‪ :‬هــو أنــا حاســس كــده ليــه مــع‬
‫إن مــا فيــش حاجــة حصلــت تســتدعي اإلحســاس ده؟‬
‫كام مـ َّرة ظبطــت نفســك وإنــت متــأمل مــن غــر ســبب لــأمل‪ ..‬غضبــان‬
‫مــن غــر ســبب للغضــب‪ ..‬كاره بــدون ُمــرر للكُــره‪ ..‬أو حتــى بتحــب‬
‫بــدون مــرر للحــب‪..‬؟‬
‫كتــر جــدًّ ا مــن مشــاعرنا هــي يف الحقيقــة مــش مشــاعرنا‪ ..‬هــي‬
‫مشــاعر اتزرعــت فينــا‪ ..‬حــد تــاىن رماهــا مــن جــواه عليــك‪ ..‬يعنــي‬
‫أصلهــا مــش بتاعتــك‪ ..‬بتاعــة حــد غــرك‪..‬‬
‫ســاعات بيكــون فيــه حــد جــواه مشــاعر زهــق أو ضيــق‪ ،‬وهــو مــش‬
‫قابلهــا أو مــش مســتحملها‪ ،‬أو أصـاً بينكرهــا‪ ..‬تقعــد ســيادتك قدامــه‬
‫دقيقتــن‪ ..‬يقولــك بــص إنــت زهقــان‪ ..‬شــوف إنــت متضايــق‪ ..‬أديــك‬
‫عــال تبــص يف الســاعة‪ ..‬مكــر‪ ..‬مالــك كــده‬ ‫مــش مســتحمل‪َّ ..‬‬
‫مكتئــب؟ إنــت حزيــن ليــه؟ أو حتــى مــن غــر مــا يتكلــم ً‬
‫أصــا‪..‬‬
‫تالقــي نفســك زهقــت‪ ..‬وقرفــت‪ ..‬واكتئبــت‪ ..‬ومــش طايــق نفســك‪..‬‬

‫‪255‬‬
‫ســاعات حــد يكــون مليــان مــن جــواه خيانــة وكــدب وخــداع‪ ..‬ويبــدأ‬
‫يرمــي ده عليــك ويحسســك إنــك داميًــا مشــكوك فيــك وداميًــا موضــع‬
‫اتّهــام‪ ..‬لغايــة مــا حرضتــك تبــدأ تعمــل ده فعـ ًـا‪..‬‬
‫ممكــن حــدّ يكــون مليــان غضــب‪ ،‬بــس مــش بيعــر عنــه‪ ،‬أو حــب‬
‫ومــش بيعــر عنــه‪ ،‬أو حتــى كــره وبرضــه مــش بيعــر عنــه‪ ..‬وبنفــس‬
‫طريقــة الضغــط واإلقنــاع دي يوصلــك إنــت إنــك تعــر عــن الــي‬
‫جــواه هــو‪ ..‬وال إنــت واخــد بالــك‪ ..‬وال هــو كــان واخــد بالــه‪..‬‬
‫املوضــوع ده اســمه (التقمــص اإلســقاطي)‪ ..‬يعنــي حرضتــك‬
‫(بتتقمــص) الــي غــرك (بيســقطه) عليــك‪ ..‬وده بيحصــل كتــر يف‬
‫بعــض العالقــات‪ ..‬عــى مســتوى األف ـراد وعــى مســتوى املجموعــات‬
‫أو العائــات‪..‬‬
‫يعنــي واحــد يــزرع مشــاعره الــي مــش عــارف يقبلهــا يف نفســه أو‬
‫يحتويهــا‪ ،‬ج ـ ّوه واحــد تــاين‪ ..‬أو مجموعــة (أو عيلــة) تــزرع مشــاعر‬
‫ُمعينــة جــ َّوه واحــد أو جــ َّوه مجموعــة تانيــة‪ ..‬عيلــة تــزرع جــ َّوه‬
‫واحــد إنــه فاشــل‪ ..‬إنــه ســيئ‪ ..‬إنــه مــا يســتاهلش‪ ..‬وهــو يصــدّ ق ده‪،‬‬
‫وممكــن يعيــش حياتــه كلهــا بيــه‪..‬‬

‫وقعــت يف الفــخ ده قبــل كــده؟ حســيتي قبــل كــده بأحاســيس غريبــة‬


‫عليــي ومــش بتاعتك؟‬
‫طيب نعمل إيه؟!‬

‫‪256‬‬
‫خــي يف عالقاتــك فلــر‪ ..‬أيــوه فلــر‪ ..‬واســتخدمه كل يــوم‪ ،‬وبعــد‬
‫شــويه هاتتعلــم تســتخدمه كل ســاعة‪ ..‬وكل دقيقــة‪ ..‬وكل ثانيــة‪..‬‬

‫أول مــا تالقــي فيــه مشــاعر جــواك غريبــة عليــك وعــى فطرتــك‬
‫وطبيعتــك‪ ..‬عــى طــول اســرجع إيــه الــي حصــل قبلهــا‪ ..‬قابلــت مني؟‬
‫اتصلــت مبــن؟ شــوفت إيــه يف التليفزيــون‪ ..‬أو الســينام‪ ..‬أو الشــارع‪..‬‬
‫أو الشــغل؟ اتعاملــت مــع مــن‪ ..‬فــن‪ ..‬ليــه‪ ..‬إزاي؟ وابــدء اســتخدم‬
‫الفلــر‪ ..‬ونقّــي نفســك مــن شــوائب اآلخريــن الــي اتخلصــوا منهــا‬
‫عنــدك‪ ..‬وارمــي لــكل حــد حاجتــه الــي رماهــا جــواك‪ ..‬وابــدء دورة‬
‫جديــدة مــن تنقيــة نفســك‪ ..‬كل يــوم‪..‬‬
‫دورة جديدة‪ ..‬من تنقية نفسك‪ ..‬كل يوم‪..‬‬

‫‪257‬‬
‫(‪)27‬‬
‫عالقة الزواج‬
‫هل الزواج عالقة؟‬

‫طب ًعــا عالقــة الــزواج مــن أهــم العالقــات الــي ممكــن نتكلــم عنهــا‪..‬‬
‫بــس األول تعالــوا نســأل نفســنا‪ ..‬هــو الــزواج أصــا عالقــة؟ هــو‬
‫الــزواج يف حــد ذاتــه معنــاه نجــاح العالقــة بــن اتنــن؟ هــو الــزواج‬
‫ضــان الســتمرارية الحــب؟‬
‫الحقيقــة إن الــزواج يف حــد ذاتــه مــش عالقــة أصــا‪ ..‬الــزواج مجــرد‬
‫إطــار لعمــل عالقة‪ ..‬‬
‫يعني إيه؟‬
‫يعنــي الــزواج هــو بــس فرصــة لعمــل عالقــة‪ ..‬وســط مالئــم لعمــل‬
‫عالقــة بــن اتنــن‪..‬‬
‫وكل الــي قبــل الــزواج (مــن حــب أو اســتلطاف أو معرفــة صالونــات‬
‫أو غــره) يســتوي ويتشــابه يف أنــه طريــق ميهــد لوضــع الطرفــن يف‬
‫املــكان والظــروف املناســبة لصنــع وإنجــاح (أو إفشــال) العالقــة دي‪..‬‬
‫وهم وشطارتهم بقى‪..‬‬
‫ّ‬
‫يــا إ ّمــا يعملــوا مــع بعــض عالقــة حقيقيــة‪ ..‬مبعنــى إن كل واحــد‬
‫فيهــم يكــون نفســه‪ ،‬بكلــه وبكاملــه‪ ،‬بــدون رتــوش وال مخــاوف وال‬
‫حســابات‪ ..‬ويكــون قابــل الطــرف التــاين قبــول كامــل بــدون رشوط‬
‫وال تعجيــزات وال تهديــدات‪..‬‬
‫‪258‬‬
‫عالقــة فيهــا كل واحــد حـ ّر‪ ،‬ويف نفــس الوقــت منتمــي للــزواج ولألرسة‬
‫وللبيت‪..‬‬
‫عالقة فيها كل واحد عايش وسامح للتاين إنه يعيش‪..‬‬
‫عالقة فيها كل واحد رايض وسامح للتاين إنه يرىض‪..‬‬
‫عالقــة كل واحــد فيهــا ليــه دوايــره وذاتيتــه واســتقالله‪ ،‬مــع كتــر مــن‬
‫خطــوط التالقــي والتــوازي واالختــاف والتــاس مــع الطــرف اآلخــر‪..‬‬

‫أو تكون العالقة دي مش حقيقية‪..‬‬


‫فيختزلــوا بعــض‪ ..‬وكل حــد فيهــم يعيــش مــع التــاين بجــزء منــه‪،‬‬
‫ويــداري عنــه باقــي نفســه‪ ..‬وأجزائــه‪..‬‬
‫أو يخنقــوا بعــض‪ ..‬وكل حــد فيهــم يلــف حوالــن رقبــة التــاين حبــل‬
‫غليــظ مــن الهمــوم أو املشــاكل أو الشــكوك‪..‬‬
‫أو يعجــزوا بعــض‪ ..‬ومــا حــدّ ش فيهــم يقنــع وال يــرىض وال يبطــل‬
‫مطالــب ورشوط‪..‬‬
‫أو يتشــعبطوا يف بعــض‪ ..‬وكل حــد فيهــم يعلــق حياتــه ووجــوده‬
‫وســعادته ورضــاه عــى التــاين‪ ..‬مــش عــى ربنــا وال عــى العالقــة‬
‫نفســها‪..‬‬

‫الزواج هو اختبار لكونك حقيقي أو مزيف‪..‬‬

‫‪259‬‬
‫الــزواج هــو إنــك تختــار مــا بــن إنــك تكــرر ســيناريوهاتك القدميــة‪،‬‬
‫أو ســيناريوهات أرستــك أو قرايبــك أو معارفــك أو أصحابــك‪ ..‬أو إنــك‬
‫تكتــب ســيناريو جديــد متا ًمــا ليــك ولرشيــك حياتــك بكامــل وعيــك‬
‫وإرادتــك ومســئوليتك‪..‬‬

‫الــزواج (ونجاحــه أو فشــله) قـرار‪ ..‬بيتجــدد كل يــوم وكل دقيقــة وكل‬


‫لحظــة‪ ..‬زي ال َن َفــس‪ ..‬وزي نبضــات القلــب‪..‬‬
‫الزواج‪ ..‬مش هو نهاية القصة زي األفالم العريب‪..‬‬
‫الزواج بداية‪..‬‬
‫بداية حياة‪..‬أو بداية موت‪..‬‬
‫الزواج إما أرض خصبة لزرع الحب‪..‬‬
‫أو أرض وعرة لزرع الكراهية‪..‬‬

‫الزواج‪ ..‬إما روضة من رياض الجنة‪..‬‬


‫أو حفرة من حفر النار‪..‬‬

‫فيــه كلمتــن عاوزكــم تحفظوهــم‪ ..‬وترددوهــم‪ ..‬وتعتربوهــم قســم‬


‫وعهــد قــدّ ام نفســكم وقــدّ ام ربنــا ملــا تيجــوا تتجــوزوا‪ ..‬ممكــن حتــى‬
‫تقولوهــم بعــد الصيغــة الرســمية للــزواج مبــارشة‪ ..‬الــكالم ده لــكل‬
‫املقبلــن عــى الــزواج‪ ..‬ولــكل املتجوزيــن الــي عاوزيــن يجــددوا قـرار‬
‫جوازهــم مــع بعــض‪..‬‬

‫‪260‬‬
‫قول ورايا (وإنتى قويل بصيغة املؤنث)‪:‬‬
‫"أشهد الله وأشهدكم‪...‬‬
‫إين قابلــك كلــك عــى بعضــك‪ ..‬قبــول موقــف‪ ،‬مــا يتغــرش بتغــر‬
‫أحوالــك‪ ..‬قبــول لحســابك مــش لحســايب‪ ،‬قبــول بــدون رشوط‪..‬‬
‫وإين مــش هاخنقــك وال أطبقــك وال أعجــزك وال أختزلك‪ ،‬وال أســمحلك‬
‫تعميل معايا ده‪ ..‬‬
‫وإين مــش هامــارس معــايك يف يــوم مــن األيــام وال هاســمحلك متــاريس‬
‫معايــا دور الضحيــة وال دور الجــاين وال دور املنقــذ‪ ..‬وال غريهــم‪..‬‬
‫وإين أحرتمــك وأقــدرك وأهتــم بيــي‪ ..‬وأحبــك وأســامحك وأعــذرك‬
‫وأديلــك فــرص وســاح وبــرااااح‪..‬‬
‫وإين مــا اتشــعبطش فيــي وال أســمحلك تتشــعبطي فيا‪..‬وإننــا نكــر‬
‫وننضــج ونتحمــل املســئولية مــن خــال عالقتنــا ببعــض‪..‬‬
‫وإين أقبــل معــايك وأســاعدك تقبــي معايــا ضعفــي وضعفــك‪ ،‬وأملــي‬
‫وأملــك‪ ،‬ومــويت وموتــك‪..‬‬
‫وإين أحيــا معــايك بنفــي الحقيقيــة‪ ،‬وأســاعدك تحيــي معايــا بنفســك‬
‫الحقيقيــة‪ ،‬يف وجــود النــاس ويف وجــود ربنــا‪ ..‬مــن غــر مــا نلغــي أو‬
‫نجنــب أو نشــوه عالقتنــا بــأي حــد فيهــم‪..‬‬
‫وإين أفضــل مصــدّ ق إين أســتاهل‪ ،‬وأســاعدك تفضــي مصدّ قــة إنــك‬
‫تســتاهيل‪..‬‬
‫وإن حيــايت معــايك تكــون بدايــة جديــدة يف طريــق النــور‪ ..‬وخطــوة‬
‫جديــدة يف ســكة الحقيقــة‪..‬‬
‫آمني‪ ..‬آمني‪..‬‬

‫‪261‬‬
‫(‪)28‬‬
‫العالقة اجلنسية‬

‫مبدئ ًّيــا مهــم إننــا نعــرف إن الجنــس حاجــة‪ ،‬والعالقــة الجنســية‬


‫حاجــة تــاين خالــص‪..‬‬
‫الجنــس هــو فعــل جســدي‪ ،‬ميكانيــي يف معظمــه‪ ،‬مــش الزم يكــون‬
‫مرتبــط بــأي مشــاعر أو التزامــات نفســية أو معنويــة بــن الطرفــن‪..‬‬
‫يعنــي يف ثقافــات مختلفــة عننــا‪ ،‬ممكــن واحــد ميــارس الجنــس مــع‬
‫واحــدة مــا يعرفهــاش‪ ،‬ممكــن واحــدة متــارس الجنــس مــع واحــد مش‬
‫هاتشــوفه تــاين‪ ،‬ممكــن تتــم مامرســة الجنــس مبقابــل مــادي‪ ..‬ويف‬
‫بعــض األحيــان‪ ،‬ســاعات بيحصــل الجنــس تحــت الضغــط أو اإلك ـراه‬
‫أو بالقــوة أو االغتصــاب‪ ..‬كل ده اســمه جنــس‪ ..‬وبــس‪..‬‬
‫أمــا العالقــة الجنســية‪ ،‬فهــي عالقــة بــكل تفاصيــل ومعــاين الكلمــة‪..‬‬
‫يعنــي فيهــا مشــاعر‪ ،‬وأفــكار‪ ،‬والتزامــات أخالقيــة ونفســية وجســدية‪،‬‬
‫وقبلهــا طب ًعــا – ىف مجتمعنــا وثقافتنــا‪ -‬دينيــة‪ ،‬والجنــس فيهــا جــزء‬
‫مــش كل‪ ..‬الجنــس هنــا أداة للقــرب وللتواصــل وللتعبــر‪ ..‬مــش‬
‫هــدف أو غايــة يف حــد ذاتــه‪..‬‬
‫ورغــم إن االتنــن مــن بعيــد شــكلهم زي بعــض‪ ..‬لكــن تفاصيلهــم‬
‫ومحتواهــم غــر بعــض متا ًمــا‪..‬‬
‫العالقــة الجنســية مــن أدق وأخطــر وأعمــق العالقــات اإلنســانية‪،‬‬
‫ألنهــا ممكــن تكــون أحــد وســائل وطــرق الســعادة الحياتيــة بــن‬
‫الطرفــن‪ ،‬وممكــن تكــون أحــد أســباب التعاســة والبغــض والكراهيــة‬
‫وســاعات االنفصــال بينهــم‪..‬‬
‫‪262‬‬
‫ممكــن ترتفــع بيهــم وبأرواحهــم لســابع ســا‪ ،‬وممكــن تنــزل بيهــم‬
‫وبأجســادهم لســابع أرض‪ ..‬ممكــن تكــون جــزء مــن رحلــة جســدية‬
‫وروحيــة للجنــة‪ ،‬وممكــن كــان تكــون خطــوات منزلقــة متســارعة‬
‫للجحيــم‪..‬‬
‫مــا ينفعــش أقــول عــى عالقــة جنســية إنهــا (عالقــة) مــن غــر مــا‬
‫طرفيهــا يكونــوا بيحرتمــوا احتياجــات بعــض‪ ،‬وكل طــرف فيهــم يكــون‬
‫مهتــم بتلبيــة احتياجاتــه واحتياجــات الطــرف التــاين عــى حــد ســواء‪..‬‬
‫مــش حــد منهــم يســتخدم التــاىن شــوية دقايــق‪ ،‬بشــكل أنــاىن ذاتــوى‪،‬‬
‫مــن غــر أى مراعــاة أو انتبــاه أو اهتــام حقيقــي‪ ،‬وبعديــن يلــف‬
‫وشــه الناحيــة التانيــة‪ ،‬ويغــوص جــوه نفســه‪..‬‬
‫مهــم كــان إن الطرفــن يحرتمــوا جســم بعــض‪ ،‬ويتعاملــوا معــاه‬
‫معاملــة آدميــة راقيــة‪ ،‬مــش طــرف فيهــم يتعامــل مــع جســم التــاين‬
‫عــى إنــه مــكان متــاح لتفريــغ رغبــة رسيعــة أو غريــزة ملحــة‪..‬‬
‫و‪..‬خــاص‪..‬‬
‫كــان رضورى إن الطرفــن يكونــوا حابــن الــي بيعملــوه وموافقــن‬
‫عليــه ومســتمتعني بيــه‪ ..‬وإنــه محــدش منهــم يعتــر جســد التــاىن‬
‫ملــك ليــه دون صاحبه‪/‬صاحبتــه األصليــة‪ ،‬يعمــل بيــه الــى هــو‬
‫عــاوزه‪ ،‬وقــت ماهــو عــاوز‪ ،‬وزى ماهــو عــاوز‪ ،‬بــدون اســتعداد‬
‫وموافقــة الطــرف اآلخــر‪..‬‬
‫ومــا ينفعــش طب ًعــا تكــون (عالقــة) لــو أي طــرف فيهــا مــش مســتعد‬
‫لتحمــل مســئوليته األخالقيــة عنهــا‪ ،‬وانهــا تكــون هــي نفســها جــزء‬
‫مــن عالقــة إنســانية وحياتيــة أكــر بــن طرفيهــا (الزواج)‪..‬مــش مجــرد‬
‫اتصــال عابــر مافيــش قبلــه وال بعــده أى شــكل وأى درجــة مــن‬
‫املســئولية‪.‬‬
‫‪263‬‬
‫يف (العالقــة الجنســية) الحقيقيــة‪ ،‬الجنــس مــش بيكــون ليــه األولويــة‪،‬‬
‫إمنــا العالقــة نفســها هــي الــي بيكــون ليهــا األولويــة‪ ..‬الجنــس هنــا‬
‫بيوصــل معــاين الحــب والقــرب واملــودة‬ ‫بيكــون بــس زي اللغــة‪ّ ،‬‬
‫والرحمــة بأشــكال وأدوات مختلفــة‪ ..‬لكنــه أبــدً ا مــش بيكــون هــو‬
‫املضمــون وال املحتــوى‪ ..‬ألن ده لــو حصــل‪ ..‬يبقــى العالقــة الجنســية‬
‫اتفرغــت مــن حقيقتهــا‪ ،‬واخ ُتزلــت يف فعــل حــريك ُممــل‪ ..‬وبــكل‬
‫أســف‪ ،‬ده الواقــع ىف معظــم األحيــان‪..‬‬
‫ىف كتــر مــن مجتمعاتنــا‪ ،‬تــم اخت ـزال كل مــا هــو (عالقــة جنســية)‬
‫إىل (جنــس)‪ ..‬ومافيــش موضــوع حيــايت يومــي حصــل فيــه تشــويه‬
‫وتضليــل وســوء فهــم وســوء تعامــل زى مــا حصــل ىف ىف املوضــوع‬
‫ده‪ ..‬ولغايــة دلوقــت‪ ،‬مافيــش أى وســيلة طبيعيــة عاديــة مقبولــة‬
‫لتعليــم وتنويــر وتوعيــة العامــة بخصوصــه‪ ،‬غــر بعــض االجتهــادات‬
‫الفرديــة مــن خــال مواقــع انرتنــت أو محــارضات أو ورش عمــل‪..‬‬
‫وطبع ـاً النتيجــة واضحــة جــداً‪..‬‬
‫إحنــا عندنــا هــوس شــديد (بالجنــس) عــى حســاب (العالقــة‬
‫الجنســية)‪ ..‬ونهــم غريــب (لجنســنة) أى شــئ وأى فعــل‪ ،‬وأى حــد‪..‬‬
‫لدرجــة إننــا بننظــر للمــرأة مثـاً عــى إنهــا (كائــن جنــى)‪ ،‬وبنتعتــر‬
‫جســمها (آداة مثــرة جنســياً)‪ ،‬وبنتعامــل معاهــا عــى إنهــا (موضــوع‬
‫جنــى)‪ ..‬وبقــى أحــد أهــم أهــداف االرتبــاط أو الــزواج منهــا (هدف‬
‫جنــى)‪..‬‬
‫وىف الناحيــة التانيــة‪ ،‬كتــر مــن الرجالــة بيشــوفوا إن رجولتهــم‬
‫مســتمدة مــن آداءهــم الجنــي‪ ،‬وأن ده لوحــده هــو مقيــاس‬
‫أهميتهــم ونجاحهــم وســاعات وجودهــم كلــه‪..‬‬

‫‪264‬‬
‫وميكــن ده يكــون أحــد أســباب االســتخدام الرهيــب للمنشــطات‬
‫الجنســية ىف مجتمعاتنــا‪ ،‬و اننــا مــن أكــر النــاس الــى بتبحــث عــن‬
‫كلمــة (جنــس) عــى االنرتنــت‪ ..‬ده احنــا حتــى اقترصنــا مفهــوم‬
‫(الــرف) ملعنــى جنــى‪ ،‬وتجاهلنــا متام ـاً باقــى معانيــه وجوانبــه‪..‬‬
‫اختـزال (العالقــة الجنســية) إىل (جنــس) جــزء ال يتجــزأ مــن اختزالنــا‬
‫لكتــر مــن املعــاىن واملفاهيــم لصورتهــا البدائيــة األوىل‪..‬‬
‫لكــن يبقــى ىف اآلخــر إن (العالقــة الجنســية) أســمى وأشــمل وأبقــى‬
‫بكتــر مــن مجــرد (الجنس)‪..‬وانهــا عالقــة إنســانية ليهــا مواصفــات‬
‫ومراحــل ودرجــات وتفاصيــل ومســتويات‪ ..‬مــش مجــرد لقــاء جســدى‬
‫بــن اتنــن‪ ،‬أو خيــال مراهــق بيتحقــق عــى أرض الواقــع‪ ،‬أو حبــة زرقــا‬
‫توصــل لبعــض املتعــة‪..‬‬

‫املفتاح ىف (العالقة الجنسية)‪..‬‬


‫هو (العالقة)‪ ..‬ومعناها‪ ..‬وتفاصيلها‪..‬‬
‫مش الفعل‪ ..‬وبدايته‪ ..‬ونهايته‪..‬‬

‫الجنس وحده مش عالقة‪..‬‬


‫الجنس فقط لغة‪..‬‬
‫وآداة لتوصيل املعنى‪..‬‬
‫بني طرفني‪..‬‬
‫بينهم مودة‪ ..‬ورحمة‪..‬‬

‫‪265‬‬
‫(‪)29‬‬
‫إيه فيك اللي بيعمل عالقة؟‬

‫كل واحد فينا بيتولد وج َّواه احتياجات نفسية بسيطة جدًّ ا‪..‬‬
‫احتيــاج إنــك تتقبــل‪ ..‬إنــك تتحــب‪ ..‬إنــك يُه َتــم بيــك‪ ..‬إنــك تُحــرم‪..‬‬
‫إنــك تتشــاف‪ ..‬إنــك تتحــس‪ ..‬إنــك تتقــدّ ر‪ ..‬إنــك تقــول أل‪ ..‬وغريهــا‪..‬‬
‫وبتكــون الوظيفــة األساســية لــأم واألب أثنــاء الرتبيــة هــي تلبيــة‬
‫االحتياجــات دي بشــكل ُمناســب وبقــدر كايف‪ ..‬علشــان يحصــل النمــو‬
‫النفــي الســليم وتكتمــل الصحــة النفســية الســوية‪..‬‬
‫لكن يف الحقيقة‪..‬مش ده اليل بيحصل داميًا‪..‬‬

‫الطفــل عــاد ًة بيكتشــف أثنــاء الرتبيــة إنــه علشــان تتــم تلبيــة‬


‫احتياجاتــه األساســية الزم يكــون فيــه ُمقابــل‪ ..‬يعنــي (اســمع الــكالم‬
‫علشــان أحبــك)‪( ..‬ارشب اللــن علشــان تبقــى شــاطر)‪( ..‬مــا تقولــش‬
‫أل علشــان ربنــا يحبــك)‪ ..‬كل حاجــة بــروط‪ ..‬كل حاجــة مبقابــل‪..‬‬
‫ـس‬
‫يعمــل إيــه الطفــل الغلبــان بقــى علشــان يتحــب ويتقبــل ويتحـ ّ‬
‫ويُهتــم بيــه؟!‬
‫يضطّر يبقى زي ما ُهام عاوزين‪..‬‬
‫ألنّه‪ ..‬ببساطة شديدة‪ ..‬محتاج‪..‬‬

‫‪266‬‬
‫يقــرر الطفــل يف ســن ُمعــن (ال َّنظريــات واألبحــاث بتقــول حــوايل‬
‫خمــس ســنني) إنــه يعمــل عمليــة تجميــل لنفســه‪ ..‬آه عمليــة‬
‫تجميــل‪ ..‬علشــان يناســب الوضــع املُحيــط بيــه‪ ..‬يعنــي يعــدِّ ل نفســه‬
‫ويظبطهــا عــى مقــاس الــي حواليــه‪ ..‬عاوزينــه مقــاس ‪ 37‬يبقــى ‪،37‬‬
‫عاوزينــه مقــاس ‪ 39‬يبقــى ‪ ..39‬علشــان يوصلــه منهــم بعــض الحــب‪،‬‬
‫وقليــل مــن االهتــام‪ ،‬و ُرمبــا يشء مــن االح ـرام والتقديــر إلنســانيته‬
‫واحتياجاتــه‪.‬‬
‫يقـ ّرر يدفــن (نفســه الحقيقيــة) ال ِفطريــة الخالصــة الــي خلقهــا ربنــا‪،‬‬
‫علشــان يحميهــا ويحافــظ عليهــا يف مــكان رسي عميــق‪ ..‬ويعيــش‬
‫بـ(نفــس ُمزيفــة) ُمصطنعــة‪ ،‬تعــرف تتعامــل مــع الــي حواليــه‪..‬‬
‫الــي يقـ ّرر يدفــن تلقائيتــه‪ ،‬والــي يقـ ّرر يدفــن صوتــه العــايل‪ ،‬والــي‬
‫يقــ ّرر يدفــن تفكــره وإبداعــه‪ ،‬والــي تقــ ّرر تدفــن أنوثتهــا‪ ،‬والــي‬
‫تقــرر تدفــن عالقتهــا بجســمها‪ ،‬والــي تقـ ّرر تدفــن كلمــة (أل) الــي مــا‬
‫اتقبلتــش واترفضــت واتعاقبــت عليهــا‪..‬‬

‫طب ًعــا ده بيحصــل يف أشــكال وعالقــات تانيــة كتــر‪ ،‬أشــهرها عالقــات‬


‫الحــب‪ ،‬الــي كل واحــد مــن الطرفــن بيقولــك ‪-‬قــال إيــه‪ -‬هأتغــر‬
‫علشانه‪/‬علشــانها‪..‬‬
‫ونكــر ونحــب ونتجــوز ونخلــف‪ ،‬ونعمــل عالقــات مــع النــاس بنفــس‬
‫مزيفــة هــي أبعــد مــا تكــون عــن نفســنا الحقيقــة‪ ..‬عالقــات ناقصــة‬
‫ومشــوهة‪ ..‬ونعيــش ومنــوت‪ ..‬وإحنــا لســه مــا بقينــاش نفســنا أصــا‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫تفتكر‪ ..‬إنت يف عالقاتك وحياتك وشغلك وبيتك‪..‬‬
‫عايش بنفسك الحقيقية‪..‬‬
‫والال نفسك املزيفة؟‬

‫طيــب تفتكــر إيــه الــي يخــي (ال ّنفــس الحقيق ّيــة) الــي اتدفنــت‬
‫تطّمــن وتتونِّــس وتقـ ّرر تعــود للحيــاة مــن جديــد؟ إيــه الــي يخلينــي‬
‫أبقــى إنســان حقيقــي كامــل عايــش بنفــي الحقيق ّيــة كُلهــا بــدون‬
‫تشــويه أو اختــزال أو انتقــاص‪..‬‬
‫إقرا معايا‪ ..‬الفصل الجاي‪..‬‬
‫الفصل األخري‪..‬‬

‫‪268‬‬
‫(‪)30‬‬
‫العالقة احلقيقية‬

‫بعــد رحلتنــا الطويلــة يف العالقــات الخطــرة‪ ..‬آن األوان إننــا نتكلــم‬


‫وتكبنــا‬
‫تغينــا ّ‬ ‫عــن العالقــة الصحيــة الحقيقيــة‪ ..‬العالقــة الــي ّ‬
‫وتخلينــا أحســن‪ ..‬العالقــة الــي وجودهــا مهــم وأســايس ألي إنســان‬
‫عــى وجــه األرض‪ ..‬العالقــة الــي تســاعدنا نبقــى نفســنا الحقيقيــة‬
‫مــش نفســنا املزيفــة‪ ..‬هــو مــش الــي بيبــوظ يف النــاس عالقــة؟ يبقــى‬
‫الــي يصلحهــم ويســاعدهم ويعالجهــم ويغريهــم برضــه عالقــة‪..‬‬
‫فيــه دراســة اتعملــت يف جامعــة هارفــارد واتنــرت قريــب‪ ..‬الدراســة‬
‫دي اســتمرت ‪ 75‬ســنة‪ ،‬أجيــال مــن الباحثــن وأجيــال مــن البــر‪..‬‬
‫كانــوا بيشــوفوا هــو إيــه الــي فــرق يف حيــاة النــاس بعــد الســنني‬
‫الطويلــة الــي عاشــوها هــا وأوالدهــم وأحفادهــم‪ ..‬معظمهــم كانــوا‬
‫متصوريــن يف األول إن الــي هايفــرق يف حياتهــم هو الفلوس والشــهرة‬
‫وغريهــا‪ ..‬بــس اكتشــف الباحثــون يف آخــر الدراســة إن أكــر حاجــة‬
‫فرقــت يف صحــة النــاس النفســية والجســدية‪ ،‬وطــول أعامرهــم ومــدى‬
‫ســعادتهم وقدرتهــم عــى مقاومــة األم ـراض واألح ـزان والشــيخوخة‬
‫وغريهــا‪ ..‬هــي وجــود عالقــات طيبــة يف حياتهــم‪ ..‬عالقــات فيهــا‬
‫قــرب وحــب وتراحــم وتفاهــم‪ ..‬عالقــات كان الطــرف التــاين فيهــا‬
‫متــاح وموجــود يف عــز األوقــات الصعبــة‪ ..‬وعــى العكــس‪ ..‬النــاس‬
‫الــي مــا كانــش عندهــم عالقــات بالشــكل ده يف حياتهــم‪ ..‬أعامرهــم‬
‫كانــت أقــر‪ ..‬نســبة إصابتهــم باألمــراض املختلفــة كانــت أكــر‪..‬‬
‫قدرتهــم عــى تحمــل األمل النفــي والجســدي كانــت أقــل‪ ..‬وجالهــم‬
‫كــان ألزهاميــر يف شــيخوختهم‪..‬‬

‫‪269‬‬
‫إيــه يــا تــرى مواصفــات العالقــة الــي بالشــكل ده؟ وإيــه تفاصيلهــا؟‬
‫وإيــه أهــم مــا فيهــا؟‬
‫باختصــار شــديد‪ ..‬العالقــة الطيبــة الصحيــة الحقيقيــة املغــرة بــن‬
‫البنــي آدمــن‪ ،‬مهــم يكــون فيهــا ســبع حاجــات‪..‬‬
‫أوال‪ ..‬إن الطــرف التــاين يف العالقــة يحسســك إنــه حــارض وموجــود‬
‫ومهتــم‪ ،‬حتــى لــو كان مــش معــاك بجســمه داميًــا‪ ..‬مهــم تكــون‬
‫متطمــن إنــك يف وعيــه وإنــك بتخطــر عــى بالــه مــن وقــت للتــاين‪،‬‬
‫يفتكــرك‪ ،‬يســأل عليــك‪ ..‬يدعيلــك‪ ..‬وهكــذا‪..‬‬
‫الحاجــة التانيــة‪ ..‬هــي إنــه يجيــد ســاعك واإلصغــاء ليــك وقــت مــا‬
‫تحتــاج ده‪ ..‬ويبقــى متابــع ومهتــم ومتفاعــل‪ ،‬مــش ودانــه معــاك‪،‬‬
‫ودماغــه يف ألــف حتــة تانيــة‪ ،‬ده يوصلــك قــد إيــه هــو حاســس بيــك‬
‫وفاهمــك ومهتــم بوجــودك ومقــدره‪.‬‬
‫الحاجــة التالتــة‪ ..‬هــي إنــه يقبلــك ويحرتمــك بــدون رشوط‪ ،‬مــش‬
‫معنــى كــده إنــه يوافــق عــى كل الــي بتعملــه‪ ،‬القبــول حاجــة‬
‫واملوافقــة حاجــة تانيــة خالــص‪ ..‬لكنــه قابــل وجــودك‪ ،‬وقابــل عيوبــك‬
‫وأخطــاءك ومواطــن ضعفــك وعجــزك وفشــلك‪ ،‬وعنــده اســتعداد‬
‫يســاعدك علشــان تتغــر‪ ،‬مــن غــر مــا يضغــط عليــك‪ ،‬وال يحسســك‬
‫بالذنــب‪ ،‬وال يهــددك بالبعــد‪ ..‬ولــو مــا اتغريتــش‪ ،‬هايقبــل ويصــر ومــا‬
‫يســتعجلش عليــك‪..‬‬
‫راب ًعــا‪ ..‬مــش هايحكــم عليــك أي حكــم دينــي أو أخالقــي أو قانــوين‬
‫تحــت أي ظــرف مــن الظــروف‪ ..‬هــو هايشــاورلك ببســاطة وبالراحــة‬
‫عــى بعــض الحاجــات‪ ،‬لكنــه مــش هايتعامــل معــاك عــى إنــه قــايض‬
‫أو مصلــح اجتامعــي أو رجــل ديــن‪.‬‬
‫‪270‬‬
‫خامســا‪ ..‬هايحــط نفســه مكانــك داميًــا‪ ،‬فيحــس بيــك‪ ،‬ويفهمــك‪،‬‬ ‫ً‬
‫ويشــوف احتياجاتــك‪ ،‬ويرجــع مكانه تاين علشــان يعذرك‪ ،‬ويســامحك‪،‬‬
‫ويســاعدك‪ ..‬ويف نفــس الوقــت يســمحلك تعمــل كــده معــاه‪ ..‬انتــوا‬
‫اتنــن يف عالقــة رايحــة جايــة‪ ،‬مــش واحــد يف عالقــة مــع مرايــة‪..‬‬
‫الحاجــة السادســة‪ ..‬إنكــم تكونــوا حقيقيــن يف العالقــة‪ ،‬يعنــي كل‬
‫واحــد فيكــم يكــون نفســه‪ ،‬مــا منثلــش عــى بعــض‪ ،‬مــش كل واحــد‬
‫فينــا البــس قنــاع قــدام التــاين‪ ،‬يقلعــه مبجــرد بعــده عنــه‪ ..‬الــي جوانــا‬
‫نقولــه لبعــض‪ ..‬الــي نحســه نشــاركه مــع بعــض‪ ..‬الــي نشــوفه يف‬
‫نفســنا نوريــه لبعــض‪ ..‬مــن غــر تزييــف أو تلويــن‪..‬‬
‫الحاجــة الســابعة واألخــرة‪ ..‬هــي إن العالقــة مــا تكونــش بــن اتنــن‬
‫وبــس‪ ..‬عالقــة مقفولــة عــى اتنــن وخــاص‪ ،‬واالتنــن دول قــرروا‬
‫يعزلــوا نفســهم عــن العــامل والنــاس والعيلــة واألصحــاب‪ ..‬وقــال إيــه‬
‫بقــوا مكتفيــن ببعــض عــن كل حاجــة‪ ..‬وأنــا وإنــت وال حــد تالتنــا‪..‬‬
‫وإنتــي الدنيــا وإنــت الكــون‪ ..‬ومــا ليــش يف الدنيــا غــرك‪ ..‬وأنــا مــن‬
‫غــرك أمــوت‪ ..‬علشــان النــوع ده مــن العالقــات بيــؤذي أصحابــه‬
‫وبيخليهــم بعــد شــوية يخنقــوا بعــض ويعــدوا عــى بعــض األنفــاس‬
‫ويوقفــوا منــو بعــض‪ ،‬ومحــدش فيهــم يســمح للتــاين بالحيــاة والحريــة‬
‫والحركــة‪ ..‬وده بيصيــب أي عالقــة يف مقتــل‪.‬‬
‫وطب ًعــا قبــل وبعــد كل دول‪ ..‬مهــم ربنــا يكــون طــرف ثابــت يف أي‬
‫عالقــة‪ ،‬نحــب بعــض فيــه‪ ،‬ونحــس بوجــوده معانــا‪ ،‬ونتقيــه يف بعــض‪..‬‬
‫الســبع حاجــات دول لــو موجوديــن يف أي عالقــة‪ ،‬فهــي هاتكــون‬
‫عالقــة صحيــة مغــرة للطرفــن إىل األحســن‪ ..‬عالقــة صداقــة‪ ،‬عالقــة‬
‫حــب‪ ،‬عالقــة جــواز‪ ،‬عالقــة عمــل‪ ،‬عالقــة عالجيــة‪ ..‬أي عالقــة‪..‬‬

‫‪271‬‬
‫ســاعتها هاتبقــى نفســك‪ ..‬نفســك الحقيقيــة‪ ..‬أنــت زي مــا إنــت‪..‬‬
‫بكلــك وبكاملــك‪ ..‬بدون‪ ‬رتــوش‪ ..‬بــدون تجميــل‪ ..‬بــدون حســابات‪..‬‬
‫وبــدون تخوفــات‪ ..‬ألنــك عــارف إن الطــرف التــاين قابلــك زي مــا‬
‫إنــت‪ ..‬وبيحبــك بــدون رشوط‪ ..‬وبيحرتمــك وبيحــرم رحلتــك‪ ..‬وموقفه‬
‫منــك مــش بيتغــر بتغــر أحوالــك‪..‬‬

‫دي اسمها عالقة حقيقية‪..‬‬


‫تحس فيها إنك موجود‪ ..‬ومتقدر‪..‬‬
‫ووجودك فارق‪ ..‬وإنك تستاهل‪..‬‬
‫وإنك مش ُمضطر تدفع أي متن‪ ..‬علشان تريض أي حد‪..‬‬

‫وتغي‪..‬‬
‫العالقة دي تطمن‪ ،‬وتف ّرح‪ّ ،‬‬
‫العالقة دي تق َّربنا من نفسنا ومن الناس ومن ربنا‪..‬‬
‫العالقة دي فيها الدوا وفيها الشفا‪..‬‬

‫هي املفتاح‪ ،‬وهي الباب‪،‬‬


‫وهي البيت النفيس األصيل املنور الدايف‪..‬‬

‫ربنا يوهبها ليكم‪ ،‬ويرزقكم بيها‪..‬‬


‫آمني‪..‬‬
‫آمني‪..‬‬

‫‪272‬‬
‫محمد طه‬.‫للتواصل مع د‬

mohamedtsidik@yahoo.com
Dr. Mohamed Taha

You might also like