You are on page 1of 74

0

0
0
0
0
0
0
0
0
0
0
0

0
0
0
1
‫الحمد هلل والصالة والسالم على سيدنا ونبينا وموالنا محمد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعلى اله وصحبة اجمعين أما بعد‪:‬‬

‫الــــــــــــــــــواقع‪:‬‬

‫إن كتابات العالم‪ ،‬القطب‪ ،‬الفهامة‪ ،‬خطيب زمانه الشيخ عبد الحميد كشك لها في مكاتب العارفين مكانها المرموق‬
‫والمعتبر‪ ،‬وطلب ها من قبل أهل العلم كثير وبإلحاح شديد‪ .‬ذلك أن المؤلف الشيخ عبدالحميد كشك من الطراز الرفيع ومن‬
‫قامات الراسخين في العلم تميز رحمه هللا باإلخالص مع المعرفة الواسعة والنظرة الثاقبة والتأويل السديد‪ .‬رحم هللا الشيخ‬
‫واسكنه فيح جنانه‪.‬‬

‫اإلشكـــــــــالية‪:‬‬

‫ولما طبعت كتب الشيخ طبع منها لجيل واحد ثم غاب جديد االصدار منها‪ .‬فسعى اوائل المشـترين بما يسعهم من‬
‫الجهد أن يجعلوها في متناول قا دم األجيال من خالل تصويرها ضوئيا ورفعها على النت ليسهل التمكن منها‪ .‬لكن ألن هذه‬
‫الكتب كانت طباعتها قديمة والنوعية رديئة كانت بعد تصويرها ضوئيا قراءتها أصعب‪ .‬مما جعل البعض يعف عن قراءتها‬
‫والبعض االخر يقرأها بعد جهد جهيد‪.‬‬

‫الحـــــــــــــل‪:‬‬

‫إلى أن يخرجوا‬ ‫وفـق هللا وهدى مجموعة من الشباب الجامعيين الذين ضمهم فريق عمل اسموه ''إنا عاملون''‬
‫هذه الكتب من جمود نص التصوير الضوئي الى حيوية النص بصيغة الوورد وال ‪ pdf‬لتسهيل الطباعة والنسخ‪ .‬واعتمادها‬
‫كمصادر سهلة التعامل في البحوث العلمية لألخوة الطلبة‪.‬‬

‫شكرا لكل فريق العمل‪ .‬نحتسب عند هللا العلي القدير أجر هذا الجهد اليسير ونأمل أن يصل إلى كل إنسان يسعى إلى‬
‫أن يعيش حياته وفق المنهج االسالمي المنقول إلينا عن طريق رجاالت العلم الذين خرجوا لنا هذا المنهج بما يتوافق مع‬
‫الوضع االجتماعي الجديد وفق رؤية سليمة سلسة بسيطة‪.‬‬

‫تمت اللمسة األخير على الكتاب في الرابع من شهر رمضان المبارك ‪ 1436‬هجرية‪ .‬الموافق ل ‪ 21‬جوان ‪ 2015‬ميالدي‪.‬‬

‫لطلب جديد الكتب المعادة الكتابة نرجوا الطلب من صاحب االيميل التالي‪abbes010@gmail.com :‬‬

‫‪2‬‬
‫الشِيخ عَْبد احلَميد كشْك‬

‫فَضْلُ الذِّكر وَالدُّعَاء‬

‫‪3‬‬
‫بِسْـــــم اهللِ الرّمحن الرّحِــــــيم‬

‫﴿ رَبَّنَا اغـ ـ ـ ــْفِرْ لِي وَلِـ ـ ـوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِـ ـ ـنيَ يـَوْمََيقُ ـ ـ ـ ـ ـومُ الْحِسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـابُ ﴾‬

‫(اآلية ‪ 41‬من سورة إبراهيم)‪.‬‬

‫﴿ رَبِّ اغْ ـ ـ ـ ـفِرْ لِي وَلِـ ـ ـوَالِدَيَّ وَلِ ـ ـمَنْ دَخَـ ـ ـ ـلَ بَـيْـتِي مُـ ـ ـؤْمــِناً وَلِلْـ ـمُ ـ ـؤْمِنِنيَ‬

‫وَالْمُـ ـ ـ ـؤْمِنَاتِ وَالَ تَـ ـ ـ ـزِدِ الظَّ ـ ـ ـ ـالِمِـ ـ ـ ـنيَ إِالَّ تَبَـ ـ ـ ـاراً ﴾‬

‫( اآلية ‪ 28‬من سورة نوح)‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫بني يدي الكتاب‬

‫إمنا دفعين للكتابة يف هذا املوضوع‪ :‬ما الحظته من الكثريين الذين يريدون‬

‫أن يعرفوا كيفية الذكر على هدي رسول هللا دون اخرتاع أو ابتداع ‪ ،‬فيسلكوا السبيل‬

‫القومي على صواب وهدى ‪ ،‬فسألت هللا أن يوفقين للكتابة يف هذا املوضوع ‪ ،‬عسى‬

‫أن ينفع به كل سالك سبيل الرشد‪.‬‬

‫ولقد جلت بعقلي ووجداين يف كتاب هللا الكرمي وكتب السنة املطهرة‪،‬‬

‫وخرجت منها هبذه األحكام اليت تتعلق بذكر هللا جل شأنه‪.‬‬

‫عبد احلميد كشك‬

‫مـ ـا هو ال ـ ـ ـذكر؟‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـا هو ال ـ ـ ـ ـذكر؟‬
‫‪5‬‬
‫ال ـ ـ ـذكر‪ :‬هو ما جيري على اللسان والقلب من تسبيح هللا – تبارك وتعاىل – وتنزيهه ومحده‪ ،‬والثناء عليه‪،‬‬
‫ووصفه بصفات الكمال ونعوت اجلالل واجلمال‪.‬‬

‫وقد أمر هللا تعاىل ابإلكثار منه فقال‪        ﴿ :‬‬

‫(األحزاب‪.) 42 ، 41 :‬‬ ‫‪﴾    ‬‬

‫وأخ ـ ـرب أنه ي ـذكر من يـ ـذك ـره‪ ،‬فقال جل شأنه‪ ﴿ :‬ف ـَاذك ـرون َذك ـ ـركـ ـ ـم ﴾‪ ،‬وقال يف احلديث القدسي الذي‬
‫رواه البخاري ومسلم‪َ « :‬ان عند ظن عبدي يب‪ ،‬وَان معه حني يذكرن‪ :‬فإن ذكرن يف نفسه ذكرته يف نفسي‪ ،‬وإن‬
‫ذكرن يف مأل ذكرته يف مأل خري منه‪ ،‬وإن تقرب إيل شربا تقربت إليه ذراعا‪ ،‬وإن تقرب إيل ذراعا تقربت إليه‬
‫ابعا‪ ،‬وإن َاتن ميشي َتيته هرولة »‪.‬‬

‫وأنه ‪ -‬سبحانه – اختص أهل الذكر ابلتفرد والسبق‪ ،‬فقال رسول هللا ﷺ‪ « :‬سبق امل ـ ـفردون » قالوا وما‬
‫املفردون اي رسول هللا؟ قال‪ « :‬الذاكرون هللا كثريا والذاكرات » رواه مسلم‪.‬‬

‫وأن ـهم هم األحياء على احلقيقة‪ ...‬فعن أيب موسى ‪ -‬رضي هللا عنه – أن النيب ﷺ قال‪ « :‬مثل الذي يذكر‬
‫ربه والذي ال يذكر‪ :‬مثل احلي وامليت » رواه البخاري‪.‬‬

‫وال ـذكر رأس األعمال الصاحلة‪ :‬م ْن وفق له فقد أعطى م ـنشور الوالية‪ ،‬وهلذا ك ـ ـان رس ـ ـول هللا ﷺ ي ـذكر له‬
‫على كل أحيانه‪ ،‬ويوصي الرجل الذي قال له‪ :‬إن شرائع اإلسالم قد كثرت علي فأخربين بشيء أتشبث به‪ ،‬فيقول‬
‫له‪« :‬ال يزال فوك ‪ -‬فمك – رطبا من ذكر هللا »‪.‬‬

‫ويقول ألصحابه‪َ « :‬ال َنبئكم خبـ ـري َعمالكم وَزكاها عند مليككم‪ ،‬وَرفعها يف درجاتكم‪ ،‬وخري لكم من‬
‫إنفاق الذهب والورق‪ ،‬وخري لكم َن تلقوا عدوكم‪ ،‬فتضربوا َعناقهم ويضربوا َعناقكم؟ قالوا‪ :‬بلى اي رسول هللا‪،‬‬
‫قال‪ :‬ذكر هللا » رواه الرتمذي وأمحد واحلاكم‪.‬‬

‫والذكر سبيل النجاة ‪ ...‬فعن معاذ ‪ -‬رضي هللا عنه – أن النيب ﷺ قال‪ « :‬ما عمل آدمي عمال قط َجنى‬
‫–من عذاب هللا من ذكر هللا – عز وجل » رواه أمحد‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وقال أيضا‪ « :‬إن مـ ـا تذكرون من جالله – عز وجل – من التهليل والتكبري والتحميد يتعاطفن حول‬
‫دوي كدوي النحل‪ ،‬يذكرون لصاحبهن‪َ ،‬فال حيب َحدكم َن يكون له ما يذكر به »‪.‬‬
‫العرش‪ ،‬هلن ٌّ‬

‫فذكر هللا يف احلقيقة استحصال عظمة هللا – تعاىل – وجالله وكماله استحضارا قلبيا يبعث على اخلشية‬

‫واملراقبة‪ ،‬وال بد أن يكون الذكر مصحواب ابلفكر‪ ،‬كما قال تعاىل‪     ﴿ :‬‬

‫‪     ‬‬ ‫‪      ‬‬

‫‪            ‬‬

‫(آل عمران‪.)191، 190 :‬‬ ‫‪﴾   ‬‬

‫وقد أمر هللا عباده املؤمنني أن يذكروه كثريا‪ ،‬فقال عز من قائل‪     ﴿ :‬‬

‫( األحزاب‪.) 41 :‬‬ ‫‪﴾   ‬‬

‫ويف صحيح مسلم عن رسول هللا ﷺ « سب ـق املفردون‪ ،‬ق ـالوا وما املفردون اي رسول هللا؟ قال‪ :‬الذاكرون‬
‫هللا كثريا والذاكرات»‪.‬‬

‫قال النووي يف بيان الذكر الكثري‪ :‬ال يكون من الذاكرين هللا كثريا والذاكرات ح ـىت يذكر هللا انئما وقاعدا‬
‫ومضطجعا أي على كل حال يف حركاته ومشيه وسكونه ونومه‪ ،‬ومعىن ذلك أن يستحضر عظمة هللا وجالله وكماله‬
‫يف مجيع شئونه كما أخرب بذلك الصادق األمني ﷺ وهو جييب على سؤال جربيل‪ :‬ما اإلحسان؟ قال‪َ« :‬ن تعبد هللا‬
‫كأنك تراه فإن مل تكن تراه فإنه يراك»‪.‬‬

‫وليس الذكر قاصرا على حتريك األلسنة والشفاه‪ ،‬إمنا الذكر على سبعة أحناء‪ :‬فـ ـذكر العينني البكاء‪ ،‬وذكر‬
‫األذنني اإلصغاء‪ ،‬وذكر اللسان الثناء‪ ،‬وذكر اليدين العطاء‪ ،‬وذكر البدن الوفاء‪ ،‬وذكر الـ ـروح اخلوف والرجـ ـاء‪ ،‬وذكر‬
‫القلب التسليم والرضاء‪.‬‬

‫وقد أمر هللا ‪ -‬جل ذكره ‪ -‬أبن ي ْذكر ذكرا كثريا‪ ،‬ووصف أويل األلباب الذين ينتفعون ابلنظر يف آايته أبهنم‪:‬‬

‫( آل عمران‪.) 191 :‬‬ ‫﴿ ‪﴾       ‬‬

‫‪7‬‬
‫﴾‬ ‫‪          ‬‬ ‫﴿‬

‫( األحزاب‪.) 35 :‬‬

‫وقال جماهد‪ :‬ال يكون من الـ ـذاكرين هللا كثريا والـ ـذاكرات حىت يذكر هللا قائما وقاعدا ومضطجعا‪.‬‬

‫وسئل ابن الصالح عن الق ـ ْدر الذي يصري به من الذاكرين هللا كثريا والذاكرات‪ ،‬فقال‪ :‬إذا واظب على‬
‫األق ـ ـوال املأثورة صباحا ومساء‪ ،‬يف كل األوقات واألحوال املختلفة ليال وهنارا‪ ،‬كان من الذاكرين هللا كثريا والذاكرات‪.‬‬

‫وقال علي بن أيب طلحة عن ابن عباس – رضي هللا عنهما – يف هذه اآلايت قال‪ :‬إن هللا – تعاىل‪ -‬مل‬
‫يفرض على عباده فريضة إال جعل هلا حدا معلوما ‪ ،‬وعذر أهلها يف حال العذر غري الذكر‪ ،‬فإن هللا مل جيعل له حدا‬

‫ينتهي إليه‪ ،‬ومل يعذر أحدا يف تركه إال مغلواب على تركه فقال‪     ﴿ :‬‬

‫(النساء‪.) 103 :‬‬ ‫‪﴾  ‬‬

‫ب ـالليل والنهار‪ ،‬يف الرب والبحر‪ ،‬ويف السفر واحلضر‪ ،‬والغىن والفقر‪ ،‬والسقم والصحة‪ ،‬والسر والعالنية‪ ،‬وعلى‬
‫كل حال‪.‬‬

‫والذكر يشمل كـ ـل الطاعات‪ .‬قال سعيد بن جبري‪ :‬كـ ـل عـ ـامل هلل بطاعة فهو ذاكر هلل‪ .‬وأراد بعض السلف‬
‫أن يـخصص هذا العام فـقصر الذكر على بعض أنواعه‪،‬‬

‫منهم عطاء حيث يقول‪ :‬جمالس الذكر هي جمالس احلالل واحلرام‪ ،‬كيف تشرتي وتبيع‪ ،‬وتصلي وتصوم‪،‬‬
‫وتنكح وتطلق‪ ،‬وحتج‪ ،‬وأشباه ذلك‪.‬‬

‫وقال القرطيب‪ :‬جملس ذكر يعين جملس علم وتذكري وهي اجملالس اليت يذكر فيها اسم هللا وسنة رسوله وأخبار‬
‫السلف الصاحلني وكالم األئمة ال ـزهاد املتقدمني املربأة عن التصنع والبدع واملنزهة عن املقاصد الردية والطمع‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪8‬‬
‫فضل اإلكثار م ـن ذكر هللا‬

‫فضل اإلك ـ ــثار من ذكـ ــر هللا‬

‫أرشد هللا عباده إىل اإلكثار من ذكره ‪ ...‬كذلك جاءت األحاديث النبوية الشريفة مبينة ما أعده هللا‬
‫للذاكرين من أجر عظيم‪ ،‬وفضل عميم‪.‬‬

‫جاء يف احلديث القدسي قوله تعاىل‪ « :‬ال يذكرن عبد يف نفسه إال ذكرته يف مأل من مالئكيت‪ ،‬وال يذكرن‬
‫يف مإل إال ذكرته يف املأل األعلى » ‪.‬‬

‫وروى أبو هريرة – رضي هللا عنه – عن النيب ﷺ ‪ « :‬إن هللا ‪ -‬عز وجل – يقول‪َ :‬ان مع عبدي‪ ،‬إذا هو‬
‫ذكرن وحتركت يب شفتاه » رواه ابن ماجه‪.‬‬

‫واملعية هنا‪ :‬دليل التكرمي اإلهلي‪ ،‬والرفعة الرابنية للعبد الذاكر‪ ،‬وكفى مبعية هللا شرفا وقدرا‪.‬‬

‫ها هو ذا معاذ بن جبل – رضي هللا عنه – حيدثنا فيقول‪ « :‬إن آخر كالم فارقت عليه رسول هللا ﷺ َن‬
‫قلت‪َ :‬ي األعمال َحب إىل هللا؟ قال‪َ :‬ن متوت ولسانك رطب من ذكر هللا »‪.‬‬

‫وتعال معي أخي املسلم لنطوف هذه الطوفة املباركة‪ ،‬ونلقي بنظرة على رجل رآه سيد املرسلني ﷺ ليلة املعراج‬
‫وقد انل من الرفعة املكانة القصوى‪.‬‬

‫ي يب برجل مغيب يف نور العرش‪ ،‬قلت‪ :‬من هذا؟ َهذا ملك؟ قيل‪ :‬ال‪،‬‬ ‫يقول ﷺ‪ « :‬مررت ليلة َسر َ‬
‫قلت‪ :‬نيب؟ قيل‪ :‬ال‪ ،‬قلت‪ :‬من هو؟ قال‪ :‬هذا رجل كان يف الدنيا لسانه رطب من ذكر هللا‪ ،‬وقلبه معلق‬
‫ابملساجد‪ ،‬ومل يستسب لوالديه » رواه ابن أيب الدنيا‪.‬‬

‫وقد بلغ من مكانة الذكر عند هللا تب ارك وتعاىل أنه قرنه أبصول الدين‪ ،‬فجمع بينه وبني الوحدانية والصالة‬
‫والصوم والصدقة‪.‬‬

‫جاء يف حديث جامع وشامل أن رسول هللا ﷺ قال‪ « :‬إن هللا َوحى إىل حيي بن زكراي خبمس كلمات‪َ ،‬ن‬
‫يعمل هبن‪ ،‬وأيمر بين إسرائيل َن يعملوا هبن‪ ،‬فكأنه َبطأ هبن‪ ،‬فأاته عيسى فقال‪ :‬إن هللا َمرك خبمس كلمات َن‬
‫تعمل هبن‪ ،‬وأتمر بين إسرائيل َن يعملوا هبن‪ ،‬فإما َن ختربهم وإما َن َخربهم‪ ،‬فقال‪ :‬اي َخي ال تفعل فإن َخاف‬

‫‪9‬‬
‫ف يب َو َ َع َّذب‪ .‬قال‪ :‬فجمع بين إسرائيل ببيت املقدس حىت امتأل املسجد‪ ،‬وقعدوا‬
‫س َ‬
‫إن سبقتين هبن َن ُي َ‬
‫إيل خبمس كلمات َن َعمل هبن‪ ،‬وآمر بين إسرائيل َن يعملوا‬
‫على الشرفات مث خطبهم‪ ،‬فقال‪ :‬إن هللا َوحى َّ‬
‫هبن‪َ :‬وهلن‪ :‬ال تشركوا ابهلل شيئا ‪ ،‬فإن مثل من َشرك ابهلل كمثل رجل اشرتى عبدا من خالص ماله بذهب َو‬
‫َور ٍق مث َسكنه داراً فقال‪ :‬اعمل وارفع إيل‪ ،‬فجعل يعمل ويرفع إىل غري سيده‪ ،‬فأيكم يرضى َن يكون عبده‬
‫كذلك؟ فإن هللا خلقكم ورزقكم فال تشركوا به شيئا‪ ،‬وإذا قمتم إىل الصالة فال تلتفتوا‪ ،‬فإن هللا يـقبل ب ـوجهه‬
‫إىل وجه عبده ما مل يلتفت‪ .‬وَمركم ابلصيام‪ ،‬ومثل ذلك كمثل رجل يف عصابة معه ص َّرة مسك كلهم حيب َن‬
‫جيد رحيها‪ ،‬وإن الصيام َطيب عند هللا من ريح املسك‪ .‬وَمركم ابلصدقة‪ ،‬ومثل ذلك كمثل رجل َسـره العدو‬
‫فأوثقوا يـده إىل عنقه وقربوه ليضربوا عنقه‪ ،‬فجعل يقول‪ :‬هل لكم َن َفدي نفسي منكم؟ وجعل يعطي القليل‬
‫والكثري ح ـىت فدى نفسه‪ .‬وَمركم ب ـذكر هللا كثريا‪ ،‬ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سـ ـراعا يف َثره حىت َتى‬
‫حصناً حصيناً ف ـأح ـ ـرز نفسه فيه‪ ،‬وكذلك العبد‪ :‬ال ينجو من الشيطان إال بذكر هللا تعاىل » رواه الرتمذي‪.‬‬

‫أرأيت إىل الـ ـرباعة يف التشبيه‪ ،‬وإىل علو الطبقة يف التصوير‪ ،‬وكيف ضرب احلديث لكل ركن من هذه األركان‬
‫صـ ـورة جمسمة حمددة املعامل حىت وصل إىل احلصن احلصني والركن الركني‪ ،‬وهـ ـو ذكر هللا؟‬
‫لقد جاء يف هذا احلديث وصف الذكر على أنه حصن ‪ ...‬وحصن من أي شيء؟ م ـن الشيطان‪ ،‬وهل هناك‬
‫حصن أقوى من هذا الذي يـقي صاحبه وحيميه من كيد الشيطان‪ :‬إنسيا أو جنيا؟‬

‫( آل عمران‪.) 135 :‬‬ ‫قال سبحانه عن املؤمنني‪﴾     ﴿ :‬‬

‫وليس هناك شك يف أن العبد الذي يستحضر عظمة هللا يف قلبه‪ ،‬وي ـراقب هيمنة سلطانه األعلى على نفسه‬
‫ال شك أنه عبد حمفوظ ابلعناية‪.‬‬

‫قال تعاىل‪            ﴿ :‬‬

‫‪﴾             ‬‬

‫( األعراف‪.) 201 ، 200 :‬‬


‫هذا‪ ،‬وقد جاء يف احلديث الشريف ما يفيد أن الذكر أحد أربعة أشياء يقوم عليها خري الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫قال رسول هللا ﷺ‪َ « :‬ربع من َعطيَـهن فقد َعطى َخريي الدنيا واخآخرة‪ :‬قلباً شاكراً‪ ،‬ولساانً ذاكراً‪،‬‬
‫وبدانً على البالء صابراً‪ ،‬وزوجة ال تبغيه حوابً(‪ )1‬يف نفسها وماله » رواه الطرباين‪.‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫حواب‪ :‬أي إمثا‬

‫‪10‬‬
‫وروي عن معاذ – رضي هللا عنه – عن رسول هللا ﷺ أن رجال سأله فقال‪َ « :‬ي اجملاهدين َعظم َجرا؟‬
‫قال‪َ :‬كثرهم هلل – تبارك وتعاىل – ذكرا‪ ،‬مث ذكر الصالة والزكاة واحلج والصدقة‪ ،‬كل ذلك ورسول هللا ﷺ‬
‫يقول‪َ :‬كثرهم هلل – تبارك وتعاىل – ذكرا‪ ،‬فقال َبو بكر لعمر‪ :‬اي َاب حفص‪ ،‬ذهب الذاكرون بكل خري‪ ،‬فقال‬
‫رسول هللا ﷺ‪َ :‬جل » رواه أمحد والطرباين‪.‬‬
‫لقد دل هذا احلديث الشريف على أن معيار التفضيل‪ :‬هو كثرة الذكر مقرتان ابلعبادة‪ ،‬فكلما كثر ذكر العبد‬
‫مع أداء الفريضة ازداد فضال واغتنم خريا‪.‬‬
‫وها هي ذي صحابية جليلة‪ :‬أم أنس بن مالك – رضي هللا عنهما – تسأل رسول هللا ﷺ الوصية‪ ،‬فيوصيها‬
‫هبذه األشياء‪ ...‬قال هلا‪ « :‬اهجري املعاصي فإهنا َفضل اهلجرة‪ ،‬وحافظي على الفرائض فإهنا َفضل اجلهاد‪،‬‬
‫وَكثري من ذكر هللا فإنك ال أتتني هللا بشيء َحب إليه من كثرة ذكره » رواه الطرباين‪.‬‬
‫فإايك اي أخي والغفلة عن ذكر هللا‪ ،‬واحذر أن تفوتك ساعة تكون فيها غافال عن ذكره – تبارك وتعاىل –‬
‫سر َهل اجلنة إال على ساعة‬
‫فقد روى معاذ بن جبل – رضي هللا عنه – قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ « :‬ليس يَـتَ َح َّ‬
‫مرت هبم مل يذكروا هللا – تعاىل – فيها » رواه الطرباين‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪11‬‬
‫فضل جمالس الذكر‬

‫فضل جمـ ـ ـ ــالس ال ـ ــذكر‬

‫رغ ب اإلسالم يف اإلجتماع على ذكر هللا تعاىل يف صورة تليق جبالل الذكر‪ ،‬وال خترج عن حدود ما رمسه‬
‫الشرع احلكيم يف قوله تعاىل‪:‬‬

‫﴿ ‪           ‬‬

‫( األعراف‪.) 205 :‬‬ ‫‪﴾     ‬‬

‫وجمالس الذكر تغشاها الرمحة‪ ،‬وتنزل أبصحاهبا السكينة‪ ،‬وحتف هبا املالئكة املكرمون‪ .‬جاء يف احلديث‬
‫الشريف أن النيب ﷺ قال‪ « :‬إن هلل مالئكة‪ ،‬يطوفون يف الطريق يلتمسون َهل الذكر‪ ،‬فإن وجدوا قوما يذكرون‬
‫هللا تنادوا‪ :‬هلموا إىل حاجتكم‪ ،‬فيحفوهنم أبجنحتهم إىل السماء الدنيا‪ ،‬قال‪ :‬فيسأهلم رهبم – وهو َعلم هبم –‬
‫ما يقول عبادي؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬يسبحونك ويكربونك وحيمدونك وميجدونك‪ ،‬قال فيقول‪ :‬هل رَون؟ قال‬
‫فيقولون‪ :‬ال وهللا اي رب‪ ،‬ما رَوك‪ .‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬كيف لو رَون؟ قال‪ :‬يقولون‪:‬لو رَوك كانوا َشد لك عبادة‪،‬‬
‫وَشد لك متجيداً‪ ،‬وَكثر لك تسبيحاً‪ .‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬فما يسألون؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬يسألونك اجلنة‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪:‬‬
‫وهل رَوها؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬ال‪ ،‬وهللا اي رب ما رَوها‪ .‬قال‪ :‬فيقول‪:‬فكيف لو رَوها؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬لو َهنم رَوها‬
‫يتعوذون من النار‪ ،‬قال‪:‬‬
‫يتعوذون؟ قالوا‪َّ :‬‬
‫كانوا َشد عليها حرصاً‪،‬وَشد هلا طلبا‪ ،‬وَعظم فيها رغبة‪ .‬قال‪ :‬فَم َّم َّ‬
‫فيقول‪ :‬وهل رَوها؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬ال وهللا ما رَوها‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬فكيف لو رَوها؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬لو رَوها كانوا‬
‫َشد منها فراراً‪ ،‬وَشد هلا خمافة‪ .‬قال‪ :‬فيقول‪َ :‬شهدكم َن قد غفرت هلم‪ .‬قال‪ :‬يقول ملك من املالئكة‪ :‬فيهم‬
‫فالن ليس منهم‪ ،‬إمنا جاء حلاجة‪ ،‬قال‪ :‬هم القوم ال يشقى هبم جليسهم » رواه البخاري‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد خرج النيب ﷺ ذات يوم على حلقة من أصحابه‪ ،‬فقال‪ « :‬ما َجلسكم؟ قالوا‪ :‬جلسنا نذكر هللا‬
‫وم َّن به علينا‪ ،‬قال‪ :‬وهللا ما َجلسكم إال ذلك؟ قالوا‪ :‬وهللا ما َجلسنا إال ذلك‪.‬‬
‫وحنمده على ما هداان لإلسالم َ‬
‫قال‪َ :‬ما إن مل َستحلفكم تـهمة لكم‪ ،‬ولكن َاتن جربيل فأخربن َن هللا – عز وجل – يباهي بكم املالئكة »‬
‫رواه مسلم‪.‬‬

‫وعن أيب سعيد اخلدري – رضي هللا عنه – أن رسول هللا ﷺ قال‪ « :‬يقول هللا – عز وجل – يوم القيامة‪:‬‬
‫ومن َهل الكرم اي رسول هللا؟ قال‪َ :‬هل جمالس الذكر » رواه أمحد‪.‬‬
‫سيعلم َهل اجلمع َمن َهل الكرم‪ ،‬فقيل‪َ :‬‬

‫‪12‬‬
‫لقد بلغ من مكانة ال ـ ـذكر يف قلوهبم أهنم كانوا جيعلونه مبثابة اإلميان‪ ،‬وينزلونه منزلة اإلميان‪.‬‬
‫عن أنس بن مالك – رضي هللا عنه – قال‪ :‬كان عبد هللا بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحاب رسول هللا‬
‫ﷺ قال‪ :‬تعال نؤمن بربنا ساعة‪ .‬فقاهلا ذات يوم لرجل‪ ،‬فغضب الرجل‪ ،‬فجاء إىل النيب ﷺ فقال‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬أال‬
‫ترى إىل ابن رواحة يـ ْرغب عن إميانك إىل إميان ساعة؟ فقال ﷺ‪ « :‬يرحم هللا ابن رواحة‪ ،‬إنه حيب اجملالس اليت‬
‫تتباهى هبا املالئكة » رواه أمحد‪.‬‬
‫وعنه أيضا – رضي هللا عنه – عن رسول هللا ﷺ قال‪ « :‬ما من قوم اجتمعوا يذكرون هللا – عز وجل –‬
‫ال يريدون بذلك إال وجهه‪ ،‬إال انداهم مناد من السماء‪َ :‬ن قـوموا مغفورا لكم‪ ،‬قد بدلَت سيئاتكم حسنات»‬
‫رواه أمحد‬
‫وروي عن أنس – رضي هللا – أيضا عن النيب ﷺ قال‪ « :‬إن هلل سيَّ َارًة من املالئكة يطلبون حلَق الذكر‪،‬‬
‫فإذا َتوا عليهم حفوا هبم‪ ،‬مث يقفون وَيديهم إىل السماء‪ ،‬إىل رب العزة – تبارك وتعاىل – فيقولون‪ :‬ربنا َتَـينا‬
‫على عباد من عبادك يعظمون آالءك‪ ،‬ويتلون كتابك‪ ،‬ويصلون على نبيك حممد ﷺ ويسألونك خآخرهتم‬
‫ودنياهم‪ ،‬فيقول هللا تبارك وتعاىل‪ :‬غَشوهم رمحيت‪ ،‬فهم اجللساء ال يشقى هبم جليسهم » رواه البزار‪.‬‬
‫وقد مر رسول هللا ﷺ بعبد هللا بن رواحة‪ ،‬وهو يذكر أصحابه‪ ،‬فقال رسول هللا ﷺ‪َ « :‬ما إنكم املأل الذين‬

‫﴿ ‪      ‬‬ ‫َمرن هللا َن َصرب نفسي معكم‪ ،‬مث تال هذه اخآية‪:‬‬

‫‪                 ‬‬

‫‪ (﴾        ‬الكهف‪َ .) 28 :‬ما إنه ما جلس ع َّدتكم إال جلس‬

‫معهم ع َّدهتم من املالئكة‪ :‬إن سبَّحوا هللا – تعاىل ‪ -‬سبَّحوه‪ ،‬وإن َمحدوا هللا – تعاىل – َمحدوه‪ ،‬وإن َك َّربوا هللا –‬
‫صعدون إىل الرب ‪ -‬جل ثناؤه – وهو َعلم هبم‪ ،‬فيقولون‪ :‬اي ربنا‪ :‬عبادك سبَّحوك فسبَّحنا‪،‬‬
‫تعاىل – َك َّربوه‪ ،‬مث يَ َ‬
‫فح َمدان‪ ،‬فيقول ربنا جل جالله‪ :‬اي مالئكيت َشهدكم َن قد غفرت هلم »‪.‬‬
‫ومحدوك َ‬
‫فكربان‪َ ،‬‬
‫كربوك َّ‬
‫َّ‬
‫وقال رسول هللا ﷺ‪ « :‬إذا مررمت برايض اجلنة فارتعوا‪ ،‬قالوا وما رايض اجلنة اي رسول هللا؟ قال‪ :‬حلَق‬
‫الذكر‪ ،‬فإن هلل تعاىل سيَّارات من املالئكة يطلبون حلق الذكر‪ ،‬فإذا َتوا عليهم حفوا هبم »‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري وأيب هريرة رضي هللا عنهما أهنما شهدا على رسول هللا ﷺ أنه قال‪ « :‬ال يقعد قوم‬
‫يذكرون هللا تعاىل إال حفتهم املالئكة‪ ،‬وغشيتهم الرمحة‪ ،‬ونزلت عليهم السكينة‪ ،‬وذكرهم هللا فيمن عنده »‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪13‬‬
‫آداب الذكر‬

‫آداب ال ـ ـ ـ ــذكر‬

‫أما وقد علمنا فضل جمالس الذكر واالجتماع عليه‪ ،‬فإنه ينبغي أن نعلم أمورا خاصة مبراعاة الذكر‪.‬‬

‫واملقصود من الذكر‪ :‬تـ ـزكية األنفس‪ ،‬وتطهري القلوب‪ ،‬وإيقاظ الضمائر‪ .‬وإىل هذا تشري اآلية الكرمية‪:‬‬

‫﴿ ‪              ‬‬

‫( العنكبوت‪.) 45 :‬‬ ‫‪﴾    ‬‬

‫أي أن ذكر هللا يف النهي عن الفحشاء واملنكر‪ :‬أكرب من الصالة‪ ،‬وذلك أن الذاكر حني ينفتح لربه جنانه‪،‬‬
‫ويلهج بذكره لسانه‪ ،‬يـمـده هللا بنوره‪ ،‬فيزداد إمياان إىل إميانه‪ ،‬ويقينا إىل يقينه‪ ،‬فيسكن قلبه للحق ويطمئن به‪﴿ :‬‬

‫‪ (﴾             ‬الرعد‪.) 28 :‬‬

‫وإذا اطمأن القلب للحق اجته حنو املثل األعلى‪ ،‬وأخذ سبيله إليه‪ ،‬دون أن تلفته عنه ن ـ ـوازع اهلوى‪ ،‬وال دوافع‬
‫الشهوة‪ ...‬ومن َث‪ :‬عظم أمر ال ـ ـذكر‪ ،‬وجل خطره يف حياة اإلنسان‪.‬‬

‫ومن غري املعقول أن تـتـحقق هذه النتائج مبجرد لفظ يـلفظه اللسان‪ ،‬فـ ـإن حركة اللسان قليلة اجلدوى‪ ،‬ما مل‬
‫تكن مواطئة للقلب وموافقة له‪.‬‬

‫وقـ ـد أرشد هللا – تبارك وتعاىل – إىل األدب الذي ينبغي أن يكون عليه املرء أثناء الذكر فقال‪:‬‬

‫﴿ ‪            ‬‬

‫( األعراف‪.) 205 :‬‬ ‫‪﴾    ‬‬

‫وهذه اآلية الكرمية تشـ ـري إىل أنه يـستحب أن يكون الذكر سـ ـ ـرا ال تـ ـرتفع بـه األصـ ـوات‪.‬‬

‫وقد مسع رسول هللا ﷺ مجاعة من الناس رفعوا أصواهتم ب ـالدعاء يف بعض األسفار فقال‪ « :‬اي َيها الناس‪:‬‬
‫اربعوا على َنفسكم‪ ،‬فإنكم ال تدعون َصم وال غائباً‪ ،‬إن الذين تدعونه مسيع قريب‪َ ،‬ق ـرب إىل َحدكم من عنق‬
‫راحلته ‪.» ...‬‬

‫‪14‬‬
‫كما تش ـ ـري أيضا إىل حالة ال ـرغبة والرهبة ال ـ ـيت يـ ْحسن ابإلنسان أن يتصف هبا عند الذكر‪.‬‬

‫كذلك من األدب‪ :‬أن يكون الذاكر نظيف الثوب‪ ،‬طـ ــاهر البدن‪ ،‬طيب الرائحة‪ ...‬ف ـ ـإن ذلك مما يزيد‬
‫النفس نشاطا‪.‬‬

‫واألفضل أن يستقبل القبلة‪ ،‬فإن خري اجملالس‪ :‬م ـ ـ ـا استقبل به القبلة‪.‬‬

‫وللذكر آداب جيب مـ ـ ـراعاهتا‪ ،‬اجتمعت هذه اآلداب يف قوله تعاىل‪:‬‬

‫﴿ ‪            ‬‬

‫( األعراف‪.) 205 :‬‬ ‫‪﴾    ‬‬

‫إذ أن خشوع القلب متوقف على خشوع اجل ـ ـ ـوارح‪ ،‬فيستحب لذاكر هللا أن جيلس مستقبال القبلة كهيئة‬
‫التشهد يف الصالة‪ ،‬وأن يستحضر عظمة هللا تعاىل حىت يكون بني اللسان والقلب توافق وجتاوب فيخشع القلب‬
‫ويصدق اللسان‪.‬‬

‫روي عن عطاء رضي هللا عنه‪ :‬من صلى الصلوات اخلمس حبقوقها فهو داخل يف قوله تعاىل‪﴿ :‬‬

‫‪.﴾    ‬‬

‫وقد جاء يف حديث أيب سعيد اخلدري – رضي هللا عنه – قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ ‪ « :‬إذا َيقظ الرجل‬
‫َهله من الليل فصليا َو صلى ركعتني مجيعا‪ ،‬كتبا يف الذاكرين هللا كثريا والذاكرات » هذا حديث مشهور رواه أبو‬
‫داود والنسائي وابن ماجه يف سننهم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪15‬‬
‫َنـ ـ ـ ـ ـ ـواع ال ـ ـ ـذكر‬

‫َنـ ــواع ال ـ ـ ــذكر‬

:‫ومـ ـ ـن تـتـبع الكتاب والسنة وجد ما يلي‬

:‫أن الذكر يتمثل بثالث نو ٍاح‬

.‫ وذلك ذكر‬،‫ وهي استحضار نية العمل لـ ـ ـوجه هللا يف كل ما يفعله املسلم‬:‫ن ـ ـ ـ ـاحية عامة‬ -1
‫ وإبكماهلا يكون من‬،‫ وبدوهنا ال يكون اإلنسان ذاكرا‬،‫ هي الصالة فروضها وسننها‬:‫انحية َساسية‬ -2
.‫الذاكرين هللا كثريا والذاكرات‬
.‫ وهي األذك ـ ـار املأثورة ابختالف األح ـ ـ ـوال واحل ـ ـاالت واألوق ـ ـات و املناسبات‬:‫انحية متم َّمة‬ -3
،‫ أما الناحية األوىل وهي استحضار ال ـن ـيـة فإن نية املرء ت ـعترب عبادة ما دام ينوي بعمله وجه هللا تعاىل والتقرب إليه‬-
‫ « إذا َنفق املسلم على َهله نفقة‬:‫ وقال‬.» ‫ « إمنا األعمال ابلنيات وإمنا لكل امرئ ما نوى‬:‫ولذا قال ﷺ‬
.» ‫وهو حيتسبها كانت له صدقة‬

‫ وهذه‬.‫ وعزم صاحبها على تنفيذ ما نوى فإن هللا حياسبه على عزمه وتصميمه‬،‫فإذا حتولت النية من اخلري إىل الشر‬
:‫اآلايت البينات تبني لنا تلك القضية‬

            ﴿

            

             

               

              

﴾             

.) 30 -17 :‫( القلم‬ .

16
‫‪ -‬وأما من الناحية الثانية‪ ،‬وهي الصالة‪ :‬فإن الصالة كلها ذكر‪ ،‬لذلك قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَقم َّ‬
‫الصالَ َة لذكري ﴾‬

‫وقال تعاىل‪             ﴿ :‬‬

‫(اجلمعة‪.) 09 :‬‬ ‫‪﴾          ‬‬

‫ومبقدار م ـ ـا حيسن اإلنسان فيها يكون ذاكرا‪ ،‬ومبقدار ما يسيء أو يقصر يكون غافال‪ .‬قال تعاىل يف وصف‬

‫املنافقني‪                ﴿ :‬‬

‫( النساء‪.) 143 :‬‬ ‫‪﴾  ‬‬

‫ومن أتمل الصالة وجد أن دعـ ـاء االفتتاح فيها ذكر‪ ،‬ويف القيام ذكر‪ ،‬وقراءة القرآن ذكر‪ ،‬ويف الركوع ذكر‪،‬‬
‫ويف القيام منه ذكر‪ ،‬ويف السجود ذكر‪ ،‬ويف القعدتني ذكر‪ ،‬وأورادها الراتبة بـ ْعدها ذكر‪.‬‬

‫فإذا ما أدى اإلنسان الصلوات كلها فرائضها‪ ،‬وسننها‪ ،‬وما سن له فيها‪ ،‬وبعدها‪ ،‬وقبلها فإن ذلك وحده‬
‫جيعله من الذاكرين هللا كثريا والذاكرات‪ .‬وقد روي عن النووي ما يشري إىل ذلك‪.‬‬

‫فإذا مـ ـا أقام فريضة الصبح ون ـافلتها بني الفجر والشمس‪ ،‬وأقام سنة الضحى بـني الشمس والزوال‪ ،‬وأقام سنة‬
‫الظهر القبلية‪ ،‬وفريضة الظهر وسنتها البعدية بني الزوال والعصر‪ ،‬وأقام صالة العصر يف وقتها‪ ،‬واملغرب وسننها كذلك‪،‬‬
‫والعشاء وسننها‪َ ،‬ث القيام والتهجد والوتر‪ ،‬ك ـ ـ ـان ال شك من الذاكرين هللا كثريا والذاكرات‪.‬‬

‫ق ـ ـال عليه السالم‪ « :‬من قام بعشر آايت مل يكتب من الغافلني‪ ،‬ومن قام مبائة آية كتب من القانتني‪ ،‬ومن‬
‫قام أبلف آية كتب من املقنطرين »‪.‬‬

‫‪ -‬وأما من الناحية الثالثة‪ ،‬وهي األذكار املأثورة‪ :‬فإنه يسن للمؤمن أن يذكر هللا على كل حال‪ ،‬فقد كان رسول هللا‬
‫ﷺ يذكر هللا على كل أحواله‪ .‬وهذا الباب ليس فيه حتديد‪ ،‬بل على املسلم أن يذكر هللا بشكل مطلق وال يزال‬
‫لسانه رطبا من ذكر هللا‪.‬‬

‫قـ ـال ﷺ‪ « :‬جددوا إميانكم‪ ،‬قيل‪ :‬اي رسول هللا كيف جندد إمياننا؟ قال‪ :‬أكثروا من ذكر ال إله إال هللا »‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وقال موالان تبارك امسه‪            ﴿ :‬‬

‫‪           ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫( النور‪.) 36،37 :‬‬ ‫‪﴾         ‬‬

‫ومما جيب التنبيه عليه أن املسلم خيتار األمر الوسط دون إفراط أو تفريط‪ ،‬وه ـ ـذه سنة اإلسالم يف تشريعاته ال‬

‫يعرف اإلسراف وال التقتري ﴿‪          ‬‬

‫( الفرقان‪.) 67 :‬‬ ‫‪.﴾ ‬‬

‫ولذا فإن هللا سبحانه أيمر ب ـذكره ابلكيفية اليت ال تـعطل مصاحل العباد وقضاء حوائجهم‪ ،‬وتفريج كروهبم‬
‫وإغاثة ملهوفهم‪ ،‬ويف الوقت نفسه فإن اإلسالم ينهى عن الغفلة‪ ،‬ويوصي أبن يظل القلب حاضرا مع هللا‪ ،‬ي ـغذيه‬
‫اللسان بذكر هللا‪ .‬قال ﷺ‪ « :‬مثل الذي يذكر ربه والذي ال يذكر ربه كمثل احلي وامليت »‪.‬‬

‫﴿ ‪﴾             ‬‬

‫( الرعد‪.) 28:‬‬

‫قال ﷺ‪ « :‬ما قعد قوم مقعدا مل يذكروا هللا فيه‪ ،‬ومل يصلوا على النيب إال كان عليهم حسرة يوم القيامة‪،‬‬
‫فإن شاء عذهبم وإن شاء غفر هلم »‪.‬‬

‫وقال ﷺ‪ « :‬ما جلس قوم جملسا مل يذكروا هللا تعاىل فيه إال كان عليهم تـ ـ ـ َّرة‪ ،‬وما من رجل ميشي طريقا‬
‫فلم يذكر هللا – عز وجل – إال كان عليه ت ـرة »‪.‬‬

‫ومن فضل هللا تعاىل على عباده ورمحته هبم أنه ال يكلفهم مبا ال يطيقون‪ ،‬ومل يشق عليهم فيما أمرهم به‪ ،‬فقد‬
‫وردت يف الذكر صيغ جامعة موجزة يف مبناها‪ ،‬عظيمة يف أجرها وثواهبا ملن ذكر هللا هبا‪.‬‬

‫عن جويرية أم املؤمنني – رضي هللا عنها – أن النيب ﷺ خرج من عندها بكرة حني صلى الصبح وهي يف‬
‫مسجدها َث رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال‪ « :‬ما زلت اليوم على احلالة اليت فارقتك عليها؟ قالت‪ :‬نعم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬النيب ﷺ‪ :‬لقد قلت بعدك َربع كلمات ثالث مرات لو وزنت مبا قلت منذ اليوم لوزنته َّن‪ :‬سبحان هللا‬
‫وحبمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته »‪ .‬رواه مسلم‬

‫‪18‬‬
‫وعن ابن عباس أن رسول هللا ﷺ قال‪ « :‬من قال حني يصبح‪    ﴿ :‬‬

‫‪.﴾            ‬‬

‫( الروم‪َ .) 17،18 :‬درك ما فاته يف يومه ذلك‪ ،‬ومن قاهلا حني ميسي َدرك ما فاته يف ليلته » رواه أبو داود‪.‬‬

‫وهناك أذكار رأينا يف ذكرها التسهيل على العباد حىت ال حيرموا من ذلك اخلري العظيم والربكة والفضل‪.‬من‬
‫هذه األذكار‪:‬‬

‫‪ ‬االستغفار‪ ،‬وهو أن يقول العبد‪ :‬أستغفر هللا‪ ،‬أو أن يقول‪ :‬أستغفر هللا العظيم الذي ال إله إال هو وحده ال‬
‫شريك له‪،‬له امللك وله احلمد وهو على كل شيء قدير‪ ،‬فإن من قاهلا يف يوم مائة مرة كانت له عدل عتق‬
‫عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة‪ ،‬وحميت عنه مائة سيئة‪ ،‬وكانت له حرزا م ـن الشيطان ي ـومه ذلك حىت‬
‫ميسي‪ ،‬ومل أيت أحد أبفضل مما جاء به إال رجل عمل أكثر منه‪.‬‬
‫‪ ‬وكلنا نعلم أن هناك كلمتني خـفيفتني على اللسان ولكنهما ثقيلتان يف امليزان ومها‪ :‬سبحان هللا وحبمده‪،‬‬
‫سبحان هللا العظيم‪.‬‬
‫‪ ‬كما ال يفوتنا أن ن ـذكر وصية اخلليل إبراهيم اليت قاهلا للنيب ليلة املع ـ ـراج‪ « :‬اي حممد اقرئ أمتك مين السالم‬
‫وأخربهم أن اجلنة طيبة الرتبة‪ ،‬عذبة املاء‪ ،‬وأهنا قيعان وغراسها سبحان هللا واحلمد هلل وال إله إال هللا وهللا أكرب‬
‫»‪.‬‬
‫‪ ‬قال ﷺ‪ « :‬ال حول وال قوة إال ابهلل كنز من كنوز اجلنة»‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪19‬‬
‫ال ـذكـ ـ ـر شكـ ـ ـر‬

‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذكر ش ـك ــر‬


‫إعلم أبن الذكر والشكر قرينان متالزمان‪ .‬جاء يف احلديث القدسي اجلليل‪ « :‬اي ابن آدم‪ ،‬إنك إذا ذكرتين‬

‫شكرتين‪ ،‬وإذا نسيتين كفرتين »‪ .‬وهذا مصداق قوله تعاىل‪      ﴿ :‬‬

‫( البقرة‪.) 152 :‬‬ ‫‪﴾ ‬‬

‫عن زيد بن أسلم أن موسى عليه السالم قال‪ :‬اي رب كيف أشكرك؟ قال له رب ـه‪ « :‬تذكرين وال تـنسين‪ ،‬فإذا‬
‫ذكرتين فقد شكرتين‪ ،‬وإذا نسيتين فقد كفرتين »‪.‬‬

‫قال احلسن البصري‪ ،‬وأبو العالية‪ ،‬والسدى‪ ،‬والربيع بن أنس‪ « :‬إن هللا يذكر من يذكره‪ ،‬ويزيد من شكره‪،‬‬
‫ويعذب من كفره »‪.‬‬

‫وقال بعض السلف يف قوله تعاىل‪ ( ﴾     ﴿:‬آل عمران‪ .) 102 :‬قال‪ :‬أ ْن يطاع‬

‫فال يعصى‪ ،‬ويذكر فال ينسى‪ ،‬ويشكر فال يكفر‪.‬‬

‫وذكر ابن أيب حامت‪ :‬عن مكحول األزدي قال‪ :‬قلت البن عمر‪ « :‬أرأيت قاتل النفس وشارب اخلمر‬

‫والسارق والزاين يذكر هللا‪ ،‬وقد قال هللا تعاىل‪﴾    ﴿:‬؟ قال‪ :‬إذا ذكر هللا هنا‪ ،‬ذكـ ـره هللا بلعنته‬

‫حىت يسكت» ‪.‬‬

‫وقال احلسن البصري يف قوله تعاىل‪ ﴾   ﴿ :‬قال‪ « :‬اذكروين فيما افرتضت عليكم‪،‬‬

‫أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسي »‪.‬‬

‫وعن سعيد بن جبري« اذكروين بطاعيت أذكركم مبغفريت » ويف رواية « برمحيت »‪.‬‬

‫وعن ابن عباس يف قوله‪ ﴾   ﴿ :‬قال‪ « :‬ذكر هللا إايكم أكرب من ذ ْكركم إايه » ويف‬

‫احلديث الصحيح يقول هللا تعاىل‪ « :‬من ذكرين يف نفسه ذكرته يف نفسي‪ ،‬ومن ذكرين يف مأل ذكرته يف مأل خري منه‬
‫»‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫وروى اإلمام أمحد عن أنس قال‪ :‬قال رسـ ـول هللا ﷺ‪ « :‬قال هللا عز وجل‪ :‬اي ابن آدم‪ ،‬إن ذكرتين يف‬
‫نفسك ذكرتك يف نفسي‪ ،‬وإن ذكرتين يف مأل ذكرتك يف مأل من املالئكة – َو قال‪ :‬يف مأل خري منه – وإن‬
‫دنوت مين شربا دنوت منك ذراعا‪ ،‬وإن دنوت مين ذراعا دنوت منك ب ـاعاً‪ ،‬وإن َتيتين متشي َتيتك ه ـ ـرولة »‬
‫صحيح اإلسناد أخرجه البحرتي من حديث قتادة‪ ،‬وعنه قال قتادة‪ « :‬هللا أقرب ابلرمحة »‪.‬‬

‫وقوله‪ ﴾     ﴿ :‬أمر هللا تعاىل بشكره‪ ...‬ووعد على شكره مبزيد اخلري فقال‪:‬‬

‫﴿ ‪﴾             ‬‬

‫( إبراهيم‪.) 7 :‬‬
‫وروى اإلمام أمحد‪ :‬عن أيب رجاء العطاردي قال‪ :‬خرج علينا عمران بن حصني وعليه مطرف من خ ٍز مل نره‬
‫عليه قبل ذلك وال بعده‪ ،‬فقال‪ :‬إن رسول هللا ﷺ قال‪ « :‬من َنعم هللا عليه نعمة‪ ،‬فإن هللا حيب َن يرى َثر نعمته‬
‫على خلقه » وقال روح مرة‪ « :‬على عبده »‪.‬‬
‫حتـ ـ ـ ـ ـ ـى م ـ ـ ـ ـىت ف ـ ـ ـ ـوق األسـ ـ ـرة ترق ـ ـ ـ ـد‬ ‫قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم يف الدج ـ ـ ـ ـ ـ ـى أيهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا املتعب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـد‬
‫والصبح‪ ،‬و ْامض فقد دعاك املسجد‬ ‫ق ْم‪ ،‬و ْادع مـوالك الذي خلق الدج ـ ـ ـ ـى‬

‫ب رض ـ ـ ـ ـ ـ ـاه‪ ،‬فإن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ال حيق ــد‬


‫واط ـل ـ ـ ـ ْ‬ ‫واستغـ ـ ـف ـر اللـ ـ ـه العـ ـظـي ـ ـ ـ ـم ب ـ ـ ـذل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍة‬

‫ابألمس‪ ،‬واذكر ما جييء ب ـ ـه الغ ـ ـ ـد‬ ‫اندب ما مضى‬


‫اندم على ما فات‪ ،‬و ْ‬
‫و ْ‬

‫من دون عفوك ليس يل مـ ـا يـ ْعضـ ـ ـ ـد‬ ‫اضرع وق ـ ـ ـل‪ :‬ي ـ ـا رب عفـ ـوك إنن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي‬
‫و ْ‬

‫حتت الذنـ ـ ـوب‪ ،‬وأنت فوقي ترصـ ـ ـ ـد‬ ‫أسفـ ـا عل ـى عمـ ـ ـ ـري الـ ـذي ضيـ ـ ـ ـعت ـ ــه‬

‫عـ ـ ـن زلـ ـ ـ ـة‪ ،‬قـ ـ ـد طـ ـ ـ ـاب فيه ـ ـا امل ـ ـ ْورد‬ ‫ي ـ ـ ـا رب! مل أحسـ ـ ـب م ـ ـرارة مـ ـصـ ــدر‬

‫بـ ـ ـ ـإزاء عي ـ ـ ـ ـين ‪ ،‬ل ـ ـ ـ ـ ـم تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزل تتـ ـ ـ ـ ـردد‬ ‫يـ ـ ــا رب! ق ـ ـ ـ ـد ث ـ ـقل ـ ـ ـ ـت عل ـ ـي كب ـ ــائر‬

‫طمع ـ ـ ـ ـا ب ـ ـ ـ ـرمحتـ ـ ـ ـ ـك اليت ال تـ ـبـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـد‬ ‫يـ ـ ــا رب! إن أبْـ ـ ـعـ ـدت عنك فـ ـإن يل‬

‫ولعـ ـ ـلين عـ ـ ـ ـن بـ ـ ـ ـ ـ ـابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ال أطْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرد‬ ‫يـ ـ ــا رب! مـ ـ ـا يل غري لطفك مـ ـلج ـ ـأ‬

‫ديْـنا علي ب ـ ـ ـ ـه ج ـ ـ ـاللـ ـ ـ ـك ي ـشـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـد‬ ‫يـ ـ ــا رب! ه ـ ـ ـ ــب يل تـ ـوبة أقضي هبـا‬

‫بسالسـ ـ ـ ـ ـل الـ ـ ـ ـوزر الث ـ ـ ـقيـ ـ ـ ـ ـل مـ ـ ـق ـ ـي ـد‬ ‫أن ـ ـ ـ ـت اخلـ ـ ـ ـبري حب ـ ـ ـ ـال ع ـب ـ ـ ـدك إن ـ ـ ـ ـه‬

‫‪21‬‬
‫أن ـ ـ ـ ـت اجمل ـ ـيـ ـ ـ ـ ـر ل ـ ـكـ ـ ـل م ـ ـ ـن يستنجد‬ ‫داع ي ـلتجئ‬
‫أن ـ ـ ـ ـ ـت اجمليـ ـ ـ ـ ـب لـ ـ ـ ـكل ٍ‬

‫وألي بـ ـ ـاب غي ـ ـ ـر ب ـ ـ ـابـ ـ ـ ـك نـ ْق ـصـ ـ ـد؟‬ ‫مـ ـ ـن أي حب ـ ـ ـ ـ ٍر غي ـ ـ ـ ـر حبرك أستقي؟‬

‫وإذا كان الشكر هلل يتحقق يف ذكران له‪ ،‬فإن القلب الذاكر لربه شاكر له‪ ،‬وله مواصفات‪ .‬فمن مواصفات‬
‫القلب الذاكر‪ :‬أنه قلب رب ـ ـاين‪ ،‬إذا أحب أحب هلل‪ ،‬وإذا أبْـغض أبْـغض هلل‪ ،‬وإذا أعطى أعطى هلل‪ ،‬وإذا م ـنع م ـنع يف‬
‫هللا‪ ،‬فكل أحواله هلل‪.‬‬

‫قال ﷺ‪ « :‬من َحب هلل‪ ،‬وَبغض هلل‪ ،‬وَعطى هلل‪ ،‬ومنع هلل‪ ،‬فقد استكمل اإلميان »‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫احلب يف هللا رمرة من رمرات الذكـ ــر‬

‫وملا كان احلب يف هللا أساسا لكل خري وتعاون على كل ب ـ ـر‪ ،‬وإخالصا يف كل شيء‪ ،‬ووفاء صافيا‪ ،‬فإننا‬
‫نسجل هنا كلمة عن احلب يف هللا فنقول‪:‬‬

‫احلمد هلل الذي ألف بني قلوب املؤمنني فأصبحوا بنعمته إخواان‪ ،‬والصالة والسالم على رسوله حممد الذي‬
‫ضرب للمؤمنني املثل األعلى يف األخ ـ ـوة والوف ـاء‪ ،‬حىت أن كل صحايب من صحابته الكرام كان يشعر أنه أقرب الناس‬
‫إىل الرسول الكرمي ﷺ وأحب الناس إىل قلبه العظيم‪.‬‬
‫يقول اإلمام الغزايل رمحه هللا‪ « :‬إن احملبة هلل هي الغـ ـاية القصوى‪ ،‬والـ ـذروة العليا من الدرجات‪ ،‬فما بعد‬
‫إدراك احملبة َمر َّإال وهو رمرة من رمارها‪ ،‬واتبع من توابعها‪ ،‬كالش ـوق واألن ـس وال ـرضاء وَخ ـواهتا‪ ،‬وم ـا قبـل احملبة‬
‫مقام َّإال وه ـو مق ـ ـدمة من مقدماهتا‪ :‬كالتوبة والصرب والزهد وغريها »‪.‬‬
‫وأما حمبة هللا تعاىل فقد ع ـ ـز اإلميان هبا‪ ،‬وال معىن هلا إال ابملواظبة على طاعة هللا تعاىل‪ .‬وقد ذهب كثري من‬
‫العلماء إىل أن احلب هلل تعاىل ولرسوله ﷺ ف ـ ـرض‪ ،‬واحلب يـفسر بـ ـالطاعة‪ ،‬فهي مثرة له‪ ،‬فـ ـال ب ـد أن يـتـقدم احلب َث‬
‫بعد ذلك يطيع من أحب‪.‬‬

‫وهللا تعاىل يقول‪﴾          ﴿ :‬‬

‫(آل عمران‪.)31 :‬‬

‫‪22‬‬
‫( البقرة‪.) 165 :‬‬ ‫ويقول أيضا‪﴾       ﴿ :‬‬

‫والرسول ﷺ يقول‪ « :‬ال يؤمن َحدكم حىت يكون هللا ورسوله َحب إليه مما سوامها » رواه أمحد‪.‬‬

‫ويف حديث آخر‪ « :‬ال يؤمن العبد حىت َكون َحب إليه من َهله وماله والناس َمجعني » ( متفق عليه )‪.‬‬

‫ويف معرض التهديد واإلنكار على املؤمنني سلوكهم املخالف لإلميان‪ ،‬يبني هللا عز وجل مكانة حب هلل‬

‫ورسوله‪ ،‬فيقول‪          ﴿ :‬‬

‫‪  ‬‬ ‫‪          ‬‬

‫‪        ‬‬

‫‪           ‬‬

‫( التوبة‪.) 23،24 :‬‬ ‫‪﴾           ‬‬

‫ومـ ـن ذلك ت ـبني لنا أن أصل احلب ه ـ ـو هلل عز وجل‪ ،‬وحب الرسول ﷺ هو من حب هللا عز وجل‪ ،‬كما‬
‫يتبني لنا أن احلب الناشئ بني العبد والعبد‪ ،‬إمنا يقوم على أسـ ـ ـ ـاس احلب يف هللا‪.‬‬

‫ولقـ ـ د ورد يف حديث أخرجه البخاري يف فضائل الصحابة (ابب مناقب األنصار) ومسلم يف اإلميان ( ابب‬
‫الدليل على أن حب األنصار‪ -‬رضي هللا عنهم – من اإلميان ) عن الرباء بن عازب – رضي هللا عنهما – عن النيب‬
‫ﷺ أنه قـ ـال يف األنصار‪ « :‬ال حيبهم َّإال مؤمن‪ ،‬وال يبغضهم إال منافق‪ ،‬مـ ـن َحبهم َحبه هللا‪ ،‬ومن َبغضهم َبغضه‬
‫هللا»‪.‬‬

‫ويقول ال ـ ـ ـرسولﷺ‪ « :‬ال يؤمن َحدكم حىت حيب ألخيه ما حيب لنفسه » ( متفق عليه )‪.‬‬

‫ومن هذا احلديث يتبني لنا أن اإلميان ال يكون كامال إال إذا أحب املؤمن ألخيه ما حيب لنفسه‪ ،‬واحملبة يف‬
‫هللا تـمزج األرواح‪ ،‬وتـقرب القلوب‪ ،‬فال خيفى عن مسامعنا تلك القصة الشهرية اليت تظهر كيف حتول هذا احلديث‬
‫الشريف إىل واقع يف حياة مـ ـ ن عرفوا اإلسالم وطبقوه‪ ،‬حيث أهدى إىل أحد املسلمني رأس شاة فإذا هبذا املسلم‬
‫يقول‪ :‬إن أخي ف ـ ـالان أح ـق هبا مين‪َ ،‬ث ذهب وأعطاها له‪ ،‬وإذا ابلثاين يقول‪ :‬إن أخي فالان أحق هبا مين‪ ،‬وهكذا‬

‫‪23‬‬
‫حىت إىل سبعة من املسلمني ‪ ،‬وعادت إىل الشخص األول‪ ،‬وكان كل واحد منهم يعرب عن حمبته ألخيه بـ ـأن يؤثره على‬
‫نفسه‪ ،‬ح ـ ـىت دارت هذه الص ــدقة دورهتا على سبعة من املسلمني‪ ،‬وكل واحد منهم ي ـ ـؤثر اآلخر على نفسه‪.‬‬

‫َث القصة الثانية اليت ت ـب ني لنا كيف يكون احلب لآلخرين يف حالة املوت‪ ،‬حيث أقبل الساقي بشربة ماء إىل‬
‫أحد اجلرحى يف غزوة من الغزوات‪ ،‬فأشار إىل جـ ـ ـريح آخر ي ـؤثره بشربة املاء على نفسه‪ ،‬وهكذا أخذ الساقي ينتقل‬
‫بني اجلرحى حىت عاد إىل األول‪ ،‬فـ ـوجده قـ ـد فـ ـ ـ ـارق احلياة‪َ ،‬ث إىل الثاين فوجده أيضا قد فارق احلياة‪ ،‬والثالث حىت‬
‫آخرهم‪.‬‬

‫وال تقتصر مثرات احملبة قي هللا على خري يف الدنيا فقط‪ ،‬كأن يشعر املؤمن من تـحليه هبذه الصفة اجلليلة‬
‫بـحالوة اإلميان‪ ،‬كما أخرب هبا رسول هللا ﷺ يف احلديث الصحيح‪ « :‬ثالث من ك َّن فيه وجد حالوة اإلميان‪َ :‬ن‬
‫ب املرء ال يـحبه إال هلل‪ ،‬وَن يكره َن يعود يف الكفر بعد إذ‬
‫يكون هللا ورسوله َحب إليه مما سوامها‪ ،‬وَن يـح َّ‬
‫َنقذه هللا منه كما يكره َن يلقى يف النار » ( رواه البخاري )‪.‬‬

‫هذا وال ت ـ قتصر مثرات احلب يف هللا على اخلري الذي يناله العبد من الدنيا‪ ،‬ولكنها تكون أوضح ما يكون يوم‬
‫القيامة‪ ،‬ولقد وردت عدة أحاديث تبني فضل املتحابني وعلو منزلتهم‪ ،‬وعظيم أجرهم‪ .‬فنجد املتحابني يف هللا من‬
‫السبعة الذين يظلهم هللا يوم ال ظل إال ظله‪ ،‬كما أهنم يكونون يوم القيامة على منابر من نور‪ ،‬يـ ْغبطهم الـنبيون‬
‫والصديقون والشهداء‪ ،‬فـ ـرتى يف وجوههم ي ـوم القيامة ن ـورا‪ ،‬وال خيـ ـاف ـون إذا خـ ـاف الناس‪ ،‬وال حيزنون إذا ح ـزنوا‪.‬‬

‫ويكفيهم – كما ورد يف احلديث الصحيح – مـحبة هللا تـعاىل هلم‪ ،‬فقد ورد‪ « :‬أن رجال زار أخا لـ ـه يف قرية‬
‫أخرى‪ ،‬فأرصد هللا تعاىل على الطريق ملكا‪ ،‬فلما أتى قـ ـال‪ :‬م ـن تريد؟ قال‪ :‬أريد أخا يل يف هذه القرية‪ ،‬قال‪ :‬هل لك‬
‫عليه نعم تـمن هبا عليه؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬غري أين أحببته يف هللا تعاىل‪ ،‬قـ ـال‪ :‬إين رسول هللا إليك أبن هللا قد أحبك كما‬
‫أحببته فيه »‪.‬‬

‫إن من املتعارف عليه أن الناس قد فطروا على حمبة أشباههم الذين ت ـ ْقـرتب م ـيوهلم من ميوهلم‪ ،‬وطب ـاعهم من‬
‫طباعهم‪ ،‬فكل إنسان أينس إىل شكله‪ ،‬كما أن كل طري يطري مع جنسه‪ ،‬وقد رأى مالك – رضي هللا عنه – محامة‬
‫أع ـ ـرجان‪ ،‬فقال‪ :‬من هنا اتفقا!‬
‫وغرااب جمتمعني فتعجب‪ ،‬وقال‪ :‬اتفقا وليس من شكل واحد فلما طارا تبني أهنما ْ‬

‫وق ـ ـد تـبـني ابإلخـ ـتبار والتج ـربـة أن الناس ال ت ـقوم بينهم الصحبة‪ ،‬وال تنمو األلفة‪ ،‬وال يتـ ـولد بينهم احلب إال‬
‫لوج ـ ـود شـبـه يف ال ـطباع والـع ـ ـادات‪ ،‬ف ـإن وجدت الصحبة ومل يوجد إىل جانبها الت ـشابه‪ ،‬مل تلبث عـ ـ ـرى هذه احملبة أن‬
‫ت ـتفك‪ ،‬ومل يلبث الصاحبان أن ينفصال‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫إن ال ـ ـذين التقوا يف احلياة الـ ـدنيا على املصاحل واملنافع‪ ،‬ت ـ ـراهم يـ ـوم القيامة أعـ ـداء لبعضهم البعض‪ ،‬أما الذين‬
‫التقوا يف احلياة الدنيا على حمبة هللا فيكونون يوم القيامة أصدقاء وأحباء وهللا يرشدان إىل ذلك فيقول‪:‬‬

‫( الزخرف‪.) 67 :‬‬ ‫﴿‪﴾        ‬‬

‫وإذ كان ال ـعرج جيمع بني الطائرين على اختالف الفصيلة‪ ،‬فكيف ال جيمع احلب يف هللا بني املؤمنني؟‬

‫إن احملبة يف هللا ت ـرسي قـ ـواعد احلياة اإلجتماعية الفاضلة السعيدة‪ ،‬اليت يشعر فيها كل فرد من األفراد أبنه لـبنة‬
‫من بناء‪ ،‬وعضو من جسم‪ ،‬وج ـ ـزء من كل‪ ،‬فـ ـواجبه أن يكون متجاواب متعاوان مع إخوانه يف هللا‪ ،‬يتح ـابون ويرتامحون‪،‬‬
‫وحيـ ـرص كـ ـل واح ـ ـد منهم على مصلحة أخيه‪.‬‬

‫وبذلك يتحقق ق ـ ـول الرسول ﷺ‪ « :‬مثل املؤمنني يف توادهم وترامحهم وتعاطفهم مثل اجلسد إذا اشتكى‬
‫منه عضو تداعى لـ ـه سائر اجلسد ابلسهر واحلمى» ( متفق عليه )‪.‬‬

‫وال شك أن حمبة اخلري للغري كمحبة اخلري للنفس فضيلة عزيزة املنال‪ ،‬حتتاج إىل رايضة وجماهدة‪ ،‬واليبلغ مرتبة‬
‫التحلي هبا على وجهها إال الشخص املؤمن الذي يـطهر قلبه من الغل واحلسد‪ ،‬فإن احلسد أيكل احلسنات والطيبات‬
‫كما أتكل النار احلطب‪.‬‬

‫ومن البديهي أنـ ـه ال مـحبة إال بعد معرفة وإدراك‪ ،‬إذ إن اإلنسان ال يـحب إال ما يعرفه وي ــدركه‪.‬‬

‫والـم ْدركات تنقسم إىل ما يوافق طبع اإلنسان الـم ْدرك وما ي ـنافيه‪ ،‬فكل مـ ـا يف إدراكـه سعادة وراحة‪ ،‬فهو‬
‫حمبوب عند م ـ ـ ْدركه‪ .‬وملا كان احلب ت ـ ـابعا لإلدراك واملعرفة فبالتايل ينقسم احلب ابنقسام املدركات واحلواس‪ ،‬فلكل‬
‫حاسة إدراك من املدركات‪.‬‬

‫وهناك احلـ ـ ـاسة السادسة‪ ،‬اليت يعرب عنها إما ابلعقل أو النور أو القلب‪ ،‬فالبصرية الباطنة أقوى من البصر‬
‫الظاهر‪ ،‬والقلب أشد إدراكا من العني‪ ،‬ومجال املعاين الـم ْدركة ابلعقل أعظم من مجال الصور الظاهرة لألبصار‪ ،‬فتكون‬
‫ال حمالة هلذا القلب مبا يـدركـه مـ ـن األمور الش ـريفة اإلهلية‪ ،‬ال ـ ـيت تـجل ع ـن أن تدركها احلواس أتـم وأبلغ‪ ،‬فيكون مـْيل‬
‫الطبع السليم هلا‪.‬‬

‫والـمؤمن ابهلل مـتوازن الش ْخصية‪ ،‬تـ ْلـمح االعتدال يف سل ـوكه‪ ،‬ويف فكره‪ ،‬ويف شعوره‪ .‬متـ ـوازن ألن ط ـاقته كلها‬
‫تعمل وأتخذ نصيبها من احلياة‪ ،‬مت ـوازن ال يـ ْسبح يف بـ ـرج عاجي من األفكار واألحالم‪ ،‬وي ـرتك الـ ـواقع ألن ق ـوتـه‬
‫احل ـ ـيوية تـ ـرده عـ ـن التحليق الفارغ‪ ،‬وتـ ـوقـظه لـ ـواقع احلياة‪ ،‬متوازن ال يغـ ـرق يف مت ـاع األرض‪ ،‬وال يغ ـ ـرق يف عامل املادة‬

‫‪25‬‬
‫ألن روحه الـمتفتحة الطليقة تـْنشله مـ ـن هذه الـ ـوحدة‪ ،‬متوازن بـما فيه من ثـقله الطيين‪ ،‬فهو يستمتع بطيبات احلياة‬
‫دون تكـ ـالب عليها‪ ،‬وهـ ـ ـو عـ ـلى استـع ـداد دائ ـ ـم للتخلي عنها إذا دعا إىل ذلك داع من دواعـ ـي الـجهاد يف سبيل هللا‪.‬‬

‫الـمـحب شخص متوازن‪ ،‬ال تستطريه كل نظرية جديدة يسمعها‪ ،‬ح ـىت ي ـزنـها بـميزانه‪ ،‬ويـتـثـبت لـما فيها من‬

‫احلق‪ ﴿ :‬‬


‫‪               ‬‬

‫(اإلسراء‪.)36:‬‬ ‫‪﴾  ‬‬

‫ولكنه أيضا ال جيمد على كل قدي ـم ع نده‪ ،‬فاجلمود ليس من اإلميان‪ ،‬واالعرتاف بنعمة هللا تقتضي إعمال‬
‫الفكر الذي وهبه هللا لإلنسان للتدبر والـمعرفة‪ ،‬ومن الواجب أن يبحث اإلنسان عن احلق ويتبعه حاملا يـثْـبت له أنه‬
‫حق‪ ،‬وهـ ـو مبقتضى إيـجابيته وفاعليته شخص استقاليل النـ ـ ـزعة‪ ،‬استقاليل مبعىن أنه شـ ـاعر بـوجوده ووزنه يف احلياة‪،‬‬
‫وعامل مبقتضى ذلك الشعور‪ ،‬وه ـو ال يشعر ب ـأمهيته بـ ـوصفه ف ـالان ابن فالن‪ ،‬الـمعتز بـماله من احلسب والنسب‬
‫والقوة واملال‪ ،‬وإمنا يشعر أبمهيته ألنه مـ ـ ؤمن‪ ،‬مهتد إىل القوة احلقيقية يف هذا الكون‪ ،‬ومعتز هبذا اإلميان‪ ،‬وهذا اهلدي‬
‫جيعله قوة كـ ـونية فاعلة‪ ،‬ومن هنا حيس بقـ ـدرة اإلميان احلقيقي‪ ،‬ويقدر أمهيته هبذا امليزان‪.‬‬

‫وحـ ـينئذ يك ـ ـون استقاليل الن ـ ـزعة‪ ،‬ألنه حيـ ـس أنه ال يستمد وجوده من أسـ ـرة‪ ،‬وال م ـن وظيفة‪ ،‬وال من جمتمع‪،‬‬
‫ولكن من ذاته الـمهتديـ ـة ابهلل‪ ،‬واحملبة له وفي ـ ـ ـه‪ ،‬وهو مـ ـع استق ـالله بكيانه املنفرد شخص اجتماعي إىل أبعد احل ـ ـدود‪،‬‬
‫حيث ما ركب يف طبع امل ـ ـؤمن من التعاون على الرب والتقوى يقتضي بطبيعته االجتماع ابلناس‪،‬ليس معىن ذلك أن‬
‫يزعجهم برفع احلواجز كلها‪ ،‬أو برفع التكاليف ح ـيث أن اإلميان هتذيب لألخالق‪ ،‬هـ ـذا التهذيب قد جعل منه‬
‫شخصا حساسا‪ ،‬صـ ـ ـاحب ذوق‪ ،‬ال جيعل م ـ ـن حبه للناس ذريعة إلزعـ ـاجهم وإقالق راحتهم‪.‬‬

‫وليس طلب الوعد واحملافظة على االستئذان للزايرة إق ـ ـامة للحواجز‪ ،‬وتعطيال للمودة‪ ،‬بل هي حرص على‬
‫املودة أكرب‪ ،‬وإيثار للناس ابلـ ـ ـراحة‪ ،‬ومنطق احلب ليس إال اإليثار‪.‬‬

‫ومن املستحبات‪ :‬استحباب إعـ ـ ـالم الرجل من حيبه أنه حيبه‪ .‬وقد ورد عن النيب ﷺ أحاديث صحيحة‪،‬‬
‫يستفاد منها أن املسلم إذا أحب أخا له يف هللا‪ ،‬فعليه أن خيربه‪ ،‬فقد ورد يف سنن أبو داود والرتمذي أن النيب ﷺ‬
‫قال‪ «:‬إذا َحب الرجل َخاه‪ ،‬فليخربه َنه حيبه» قال الرتمذي‪ :‬هذا حديث صحيح‬

‫‪26‬‬
‫كما ورد يف سنن أيب داود عن أنس رضي هللا عنه أن رج ـ ـال ك ـ ـان عند النيب ﷺ فمر رجل‪ ،‬فقال‪ :‬اي رسول‬
‫هللا‪ ،‬إين ألحب هذا‪ ،‬فقال له النيب ﷺ‪ََ « :‬علَمته »؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪َ :‬علمه ف ـلحقه فقال له‪ :‬إين أحبك يف هللا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أحبك هللا الذي أحببتين فيه‬

‫ويف سنن أيب داود والنسائي عن معاذ بن جبل أن الرس ـ ـ ـول ﷺ أخذ بيده وقال‪ « :‬اي معاذ وهللا إن‬
‫ألحبك‪َ ،‬وصيك اي معاذ ال تـ ـدعن يف دبـ ـر كل صالة َن تقول‪ :‬اللهم َعين على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك‬
‫»‪.‬‬

‫ومن هذا احلديث يتضح أن الذي حيب إنساان‪ ،‬حيب له اخلري‪ ،‬ويدله على طريق اخلري‪ ،‬كما خيربه أنه حيبه‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(فضل الذكر والدعاء – م‪) 3‬‬

‫‪27‬‬
‫اذكـ ـ ـر هللا وال تنس امل ـ ـ ـ ـوت‬

‫اذكر هللا وال تنس املـ ـ ـ ــوت‬

‫القلب الشاكر قلب ذاكر هلل‪ ،‬وال ينسى لقاءه‪ ،‬ألنه يعلم أنه من أحب لقاء هللا أحب هللا لقاءه‪ ،‬ومن كره‬
‫لقاء هللا كره هللا لقاءه‪.‬‬

‫و ْاع ـص اهل ـ ـوى‪ ،‬ف ـاهلـ ـ ـوى م ـازال فت ـان ـــ ـا‬ ‫ي ـا نـ ـفـس تـ ـويب‪ ،‬ف ـ ـإن الـم ـــ وت ق ْد ح ـان ـا‬
‫ص ـرع ـ ـ ـ ـه آث ـ ـ ـ ـ ـار م ـ ـ ـ ـوتـ ـ ـانـ ـ ـ ـ ـ ـا‬
‫نـْن ـ ـسى مب ـ ـ ـ ْ‬ ‫يف كـ ـ ـ ـ ـل يـ ـ ـ ـ ـ ْوم لن ـ ـ ـا مـ ـيـ ـت نش ـيـ ـعـ ـ ـ ـ ـه‬
‫خـ ـلفي‪ ،‬وأخ ـ ـ ـ ـ ـرج م ـ ـ ـ ـ ـن دنياي ع ـ ـرايان‬ ‫يـ ـا نـ ـ ـ ْفس مـ ـ ـ ـا ل ـ ـي ول ـأل ْمـ ـ ـ ـوال أ ْكـ ـنـ ـزهـ ـ ـا‬
‫ننـ ـ ـ ـسى بـ ـغـ ـ ْفـ ـل ـتن ـ ـ ـ ـا م ـ ـ ـن لـْيـ ـس ينسانـ ـا‬ ‫مـ ـ ـ ـا بـ ـ ـالنـ ـ ـا ن ـتـ ـع ـ ـام ـ ـ ـى ع ْن مـ ـ ـص ـ ـارعـ ـنـ ـ ـ ـا‬
‫مـ ـ ـ ـ ـوتـ ـ ـا وق ـ ـ ـ ْد سـ ـ ـلبـ ـ ـوا ديـ ـنـ ـ ـا وإمي ـ ـانـ ـ ـ ـ ـ ـا‬ ‫فـ ـكـ ـم رأيْـ ـ ـن ـ ـ ـا أنـ ـ ـ ـاسا صـ ـ ـاحل ـني ق ـض ـ ـ ـ ـ ـواْ‬
‫بس ـ ـ ـ ـ ـ ـوء خ ـ ـ ـ ـ ـ ـامتـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍة لـلمـ ـ ـ ـ ـ ـ ْوت أعيانـ ـ ـ ـا‬ ‫اسـ ـت ـْبـ ـدلـ ـوا ال ـك ـ ْف ـر ب ـاإلميان‪ ،‬وانْـفصـل ـوا‬ ‫وْ‬
‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ْد بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـان تقص ـ ـ ـ ـريه ـ ـا قـ ـ ـ ـ ـ ـد بـ ـ ـ ـان ـ ـ ـ ـ ـا‬ ‫أب ـ ـ ْع ـ ـ ـد خْ ـ ـس ـ ـ ـني قـ ـ ـ ْد ق ـ ـض ـيتـ ـه ـ ـا ل ـ ـ ـعـب ـ ـ ـا‬
‫ك ـانـ ـ ـت ختـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر لـ ـ ـ ـ ـه األذقـ ـ ـان إذع ـ ـانـ ـ ـا‬ ‫أيْـ ـ ـن امل ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـوك وأبْـ ـن ـ ـاء املـ ـ ـلـ ـ ـوك وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْن‬
‫م ـستـب ـدلـ ـ ـني مـ ـ ـ ـ ـن األ ْوطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـان أوطان ـ ـ ـا‬ ‫ت هبـ ـ ْم حـادث ـات الد ْهر‪ ،‬فانْـقلب ـواْ‬ ‫صـاح ْ‬
‫استـ ـفـ ـرش ـ ـوا ح ـ ـفـ ـ ـ ـرا غـ ـ ـ ـربا‪ ،‬وقيعـ ـ ـانـ ـ ـ ـ ـا‬ ‫وْ‬ ‫أ ْخ ـ ـلـ ـ ـوا م ـنازل ك ـ ـ ـان الـ ـعـ ـ ـ ـ ـز م ـ ـ ـ ْف ـ ـرش ـه ـ ـا‬
‫وراف ـ ـ ـ ـال يف ثي ـ ـ ـاب الْغ ـ ـ ـ ـ ـي ن ـ ـ ْش ـ ـ ـوانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا‬ ‫يـ ـ ـا راك ـ ـضا يف ميـ ـ ـ ـادي ـ ـ ـن اهلـ ـ ـوى م ـ ـرح ـ ـا‬
‫يكفيك ما ق ْد مضى‪ ،‬ق ْد كان ما كاان‬ ‫مـ ـ ـضى الـ ـ ـزم ـ ـ ـان‪ ،‬ووىل الْع ْمـر يف ل ـع ـ ـ ـ ٍ‬
‫ب‬

‫وعن محزة بن عبد هللا قال‪ :‬شهدت أاب بكر الشاشي عند موته فقلت له‪ :‬كيف حالك؟ قال‪ :‬كسفينة تدور‬

‫على الغرق‪ ،‬فال أرى أأجنو ابلسالمة‪ ،‬وأتيت املالئكة ابلبشارة‪﴾      ﴿ :‬؟(فصلت‪) 30 :‬‬

‫أم تغرق السفينة‪ ،‬وأتيت املالئكة تقول‪﴾        ﴿:‬؟‬

‫(الفرقان‪.)22:‬‬

‫أي بعدا بعدا‪ ،‬فال تصلح لنا اي خبيث‪ ،‬اي عاصي ابْك على ظالم قلبك‪ ،‬فإنه يضيء‪ ،‬إذا بكى السحاب‬
‫على الرىب تبسمت‪ .‬وحيك! يقول أان اتئب وتتوقف اهنض وابدر فتالف خريا فات‪ ،‬إذا صدق التائب يف توبته‪ ،‬أنْس‬
‫هللا كـ ـاتـبـْيه مـ ـا كتـبا‪ ،‬وأوحى هللا تعاىل إىل األرض‪ :‬أن ا ْكتمي على عبدي‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫وارحم بعفوك من أخطأ ومن ندما‬ ‫اي رب قد تبت‪ ،‬فاغفر زليت كرما‬
‫عمري فخذ بيدي‪ ،‬اي خري من رمحا‬ ‫ال ع ْدت أفعل ما قد كنت أفعله‬
‫مل يظلم الناس‪ ،‬لكن نفسه ظلما‬ ‫ٍ‬
‫خائف‪ ،‬وج ٍل‬ ‫هذا مقام ٍ‬
‫ظلوم‪،‬‬
‫اجرتما‬
‫واغفر ذنوب مسيء‪ ،‬طاملا ْ‬ ‫فاصفح بعفوك عمن جاء معتذرا‬

‫واعلم اي ابن آدم أن الشيطان راصد يرصد مجيع املقاصد‪     ﴿ :‬‬

‫( النساء‪.) 71 :‬‬ ‫﴾‬

‫صحه فإنه غشاش‪ ،‬إمنا يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب‬


‫ال تسمعوا قوله فإنه كذاب أشر‪ ،‬وال تقبلوا ن ْ‬
‫السعري‪.‬‬

‫واعجبا ملن ك ـ ـان يف ظهر أبيه آدم كيف يدخل انرا وقودها الناس واحلجارة؟ اي ابن آدم إمنا طـ ـردان إبليس ألنه‬
‫مل يسجد ألبيك‪ ،‬فالعجب منك كيف صاحلته وهجرتنا!؟‪:‬‬

‫فليت شعري‪ ،‬مىت أتوب؟‬ ‫ال عذر يل‪ ،‬قد أتى املشيب‬
‫ومسين منهما اللغوب‬ ‫إبليس قد غرين ونفسي‬
‫جتددت بعده ذنوب‬ ‫إذا انقضى للشقاء ذنب‬
‫ساكنه مفرد غريب‬ ‫ومن ورائي حلول قرب‬
‫أاتين رسول ريب مبا أجيب‬ ‫إذا‬ ‫أدري‬ ‫ولست‬
‫أم يل يف انره نصيب؟‬ ‫أم أن ـ ــا يوم احلساب انج‬
‫مبنة منك‪ ،‬ال أخيب‬ ‫اي رب جد يل على رجائي‬

‫ويروى أن أخوين كان أحدمها عابدا‪ ،‬واآلخر مسرفا على نفسه‪ ،‬وكان العابد يتمىن أن يرى إبليس يف حمرابه‪،‬‬
‫فتمثل له يوما وقال له‪ :‬اي أسفا عليك! ضيعت من عمرك أربعني سنة يف حصر نفسك وإتعاب بدنك‪ ،‬وقد بقي من‬
‫عمرك مثل ما مضى‪ ،‬فأطلق نفسك يف شهواهتا وتلذذ‪َ ،‬ث تب بعد ذلك وعد إىل العبادة‪ ،‬فإن هللا غفور رحيم‪ .‬فقال‬
‫العابد‪ :‬أنْـ ـزل إىل أخي يف أسفل الدار وأوافقه على اهلوى واللذات عشرين سنة‪َ ،‬ث أتوب وأعبد هللا يف العشرين اليت‬
‫تبقى من عمري‪ .‬فنزل‪ ،‬وقال أخوه املسرف على نفسه‪ :‬قد أفنيت عمري يف املعصية‪ ،‬وأخي العابد يدخل اجلنة وأان‬
‫أدخل النار‪ ،‬وهللا ألتوبن وأصعد إىل أخي وأوافقه يف العبادة ما بقي من عمري‪ ،‬فلعل هللا يغفر يل‪ ،‬فطلع على نية‬
‫التوبة‪ ،‬ونزل أخوه على نية املعصية‪ ،‬فزلت رجله فوقع على أخيه فماات مجيعا يف السلم‪ ،‬فحشر العابد على نية‬
‫املعصية‪ ،‬وحشر املسرف على نية التوبة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫فيا أيها املسلمون‪ ،‬ف ـ ـ ـرغوا قلوبكم لالعتبار فيما جيري يف الليل والنهار‪ ،‬كم من بعيد قـ ـرب‪ ،‬وكم من قريب‬
‫ب ـعد‪ ،‬جفاه األهل واجلار وكان حظ األول اجلنة‪ ،‬وحظ الثاين النار‪ ،‬فاعتربوا اي أويل األبصار!‬

‫ندم العابد على تغيري نيته بال شك وخاف‪ ،‬وبكى على تفريطه بعد عبادته إ ْذ زل وهفا‪ ،‬يود لو أن صايف‬
‫وده ي ـ ـرد وي ـرجع إىل الوفا‪ ،‬وسيعلم أنه بىن على شفا جرف هار‪ ،‬فاعتربوا اي أويل األبصار‪.‬‬

‫بال جرم‪ ،‬وال معىن‬ ‫عنا‬ ‫أانس أعرضوا‬


‫وال هم أحسنوا الظنا‬ ‫فينا‬ ‫أساءوا ظنهم‬
‫وإن خانوا‪ ،‬فما خنا‬ ‫فإن عادوا لنا عدان‬
‫فإان عنهموا أغىن‬ ‫وإن كانوا قد استغنوا‬

‫إذ قال العبد‪ :‬اي رب قد أذنبت‪ .‬قال له هللا‪ :‬اي عبدي‪ ،‬وأان قد سرتت‪.‬‬

‫فـ ـإذا قال العبد‪ :‬اي رب‪ ،‬قد تبت‪ .‬قال له هللا‪ :‬اي عبدي وأان قد قبلت‪.‬‬

‫سبحانك ريب‪ ،‬ما أكرمك!‬

‫م ـ ـ ـ ـا أحلمك! م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا أرمحك!‬

‫هتب الكثري‪ ،‬و جترب القلب الكسري‪.‬‬

‫لو يعلم املدبرون عنك‪،‬كيف انتظارك هلم‪ ،‬ورفقك هبم‪ ،‬وشوقك لرتكوا ذنوهبم‪ ،‬ملاتوا شوقا إليك‪ ،‬ولتقطعت‬
‫أوصاهلم من حمبتك‪ ،‬إذا كان هذا شأنك ابمل ْدبرين عنك‪ ،‬فكيف يكون شأنك ابملقبلني عليك؟‬

‫و م ْن جيود على العاصي ويست ـ ـره‬ ‫سبحانك م ْن خلق األ ْشياء م ْقتدرا‬
‫ويغمر العْب ـ ـ ـ ـ ـد إحساان‪ ،‬وي ْشكـ ـ ـره‬ ‫خيفي القبيح‪ ،‬ويـْبـ ـ ـ ـدي ك ـ ـ ـل صاحل ٍة‬
‫إذا أن ـ ـ ـاب‪ ،‬وبـ ـ ـالغ ْف ـ ـ ـ ـران ْجيـ ـبـ ـره‬ ‫ويـ ْغفر الذنْب ل ْلعاصي‪ ،‬وي ـ ـ ـ ْقبـلـ ـ ـ ـه‬
‫ضله عزا‪ ،‬وينصـ ـ ـره‬ ‫يعطيه م ْن ف ْ‬ ‫ومـ ـ ـن يـلـ ـ ـ ـ ـوذ ب ـ ـ ـه يف دفْ ـ ـ ـ ـ ـع نـ ـ ـ ـ ـائب ٍة‬
‫بـ ـ ـ ـل يف امل ـ ـ ـ ـآل يـ ْربـيـ ـ ـه‪ ،‬وي ـ ـدخـ ـ ـره‬ ‫وال ي ـ ـ ـ ـضيـ ـ ـع مثْـ ـ ـ ـق ـ ـ ـاال لم ـ ـ ـ ْجتهـ ـ ـ ٍد‬
‫فـ ــب ـ ـ ــاملدامـ ـ ـ ـ ـع والتق ـ ـ ـ ـوى يطهـ ـ ـره‬ ‫ومن يك ْن قـ ْلبـ ـ ـ ـه ابلذنْب ق ْد دنسا‬
‫مواله‪ ،‬إن شاء يغنيه ويفقـ ـ ـره‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـ ـريف‪ ،‬وإن له‬ ‫ولْيس ل ْلعْب ـ ـ ـد ت ْ‬
‫ي ـ ـ ـري ـ ـ ـده هللا‪ ،‬أو أم ـ ـ ـ ـ ٍر يدب ـ ـ ـره‬ ‫فال ح ـ ـ ـذر ين ـ ـ ـ ـ ـجي الْ ـ ـ ـ ـعْبد م ْن قد ٍر‬
‫عند املمات‪ ،‬وصفوا ال يـ ـك ـ ـدره‬ ‫فـن ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـأل هللا حـ ـ ـقا ح ـ ْسـ ـ ـن خ ـ ـ ـ ـ ـامت ٍة‬

‫‪30‬‬
‫قال ﷺ‪ ":‬إمنا األعمال ابخلوامت " فنسأل هللا حسن اخلامتة ‪.‬‬
‫قال منصور بن عمار رمحة هللا عليه‪ :‬كان يل أخ يف هللا ي ـفتقـ ـدين‪ ،‬و يـ ـ ـ ـزورين يف شـ ـ ـدة و رخاء‪ ،‬و كنت أراه‬
‫كثري العبادة و التهجد و البكاء‪ ،‬ففقدته أايما‪ ،‬فقيل يل‪ :‬ه ـ ـ ـو ضعيف‪ ،‬فسألت عن داره فأتيت الباب فطرقته‬
‫استأذنت ل ـي َث عادت وقالت يل‪ :‬أدخل‪ ،‬فدخلت‬
‫فخرجت إيل ابنته‪ ،‬فقالت‪ :‬من تريد ؟ فقلت‪ :‬فالان ‪ ،‬فدخلت‪ ،‬و ْ‬
‫اسود وجهه‪ ،‬وازرقت عيناه‪ ،‬وغلظت شفتاه‪ ،‬فقلت له و أان‬ ‫فوجدته وسط الدار وهو مضطجع على فـ ـ ـراش‪ ،‬وقد ْ‬
‫خائف منه‪ :‬اي أخي‪ ،‬أكثر من قول ال إله إال هللا‪ ،‬ففتح عينيه ونظر إيل شذرا و غشي عليه فقلت له ثالاث‪ :‬اي أخي‬
‫أكثر من قول ال إله إال هللا‪ ،‬ولئن مل تقلها ال غسلتك‪ ،‬وال ك ـفـنـتك وال صليت عليك‪ ،‬ففتح عينيه وقال‪ :‬اي أخي‪ ،‬اي‬
‫منصور‪ ،‬هذه كلمة حـ ــيل بيين و بينها‪ ،‬فقلت‪ :‬ال حول وال قوة إال ابهلل العلي العظيم‪َ ،‬ث قلت له اي أخي أين تلك‬
‫الصالة والصيام والتهجد والقيام؟ فقال‪ :‬اي أخي‪ ،‬كـ ـ ـل ذلك كان لغري وجه هللا‪ ،‬إمنا كنت أفعل ذلك ليقال عين و‬
‫أذْك ـ ـر به‪ ،‬و كنت أفعل ذلك ري ـ ــاء للناس‪ ،‬فإذا خلوت بنفسي‪ ،‬أغلقت الباب‪ ،‬و أرخيت الستور‪ ،‬وشربت اخلمور‪ ،‬و‬
‫ابرزت ريب املعاصي‪ ،‬ودمت على ذلك مدة‪ ،‬فأصابين مرض أشرفت فيه على اهلالك‪ ،‬فقلت إلبنيت هذه‪ :‬انوليين‬
‫املصحف ففعلت‪ ،‬فأخذته أقرأ فيه حرفا حرفا حىت بلغت سورة يس‪ ،‬فرفعت املصحف وقلت‪ :‬اللهم حبق هذا القرآن‬
‫العظيم إال ما شفيتين‪ ،‬وأان ال أعود إىل ذنيب أبدا‪ ،‬ففرج هللا عين‪ ،‬فلما شفيت عدت إىل ما كنت عليه من اللهو و‬
‫اللذات‪ ،‬والزهو‪ ،‬وأنساين الشيطان العهد الذي كان بيين و بني ريب‪ ،‬و ب ـقيت على ذلك مدة من الزمان‪ ،‬فمرضت‬
‫مرضا أشرفت فيه على املوت‪ ،‬فأمرت أهلي فأخرجوين إىل وسط الدار على عاديت‪َ ،‬ث دعوت ابملصحف فقرأت فيه‪،‬‬
‫َث رفعته وقت‪ :‬اللهم حبرمة ما يف هذا املصحف الكرمي من كالمك القدمي إال ما فـ ـرجت عين‪ ،‬فاستجاب هللا مين و‬
‫فـ ـ ـ ـرج عين‪َ ،‬ث عدت إىل ما كنت عليه من اهلوى والغي‪ ،‬فوقعت يف هذا املرض فأمرت أهلي فأخرجوين إىل وسط‬
‫الدار كما تراين‪َ ،‬ث دعوت ابملصحف ألقرأ فيه‪ ،‬فلم يـتـبني يل فيه حرف واحد‪ ،‬فعلمت أن هللا سبحانه وتعاىل قد‬
‫غضب علي‪ ،‬فرفعت رأسي إىل السماء وقلت‪ :‬اللهم حبرمة هذا املصحف إال ما فرجت عين اي جبار األرض و‬
‫السماء‪ ،‬فسمعت هاتفا يقول‪ ،‬ومل أر شخصه‪:‬‬
‫وتـ ـ ـرجـ ـع للـ ـ ـذن ـ ـوب إذا ب ـ ـرئْ ـ ـ ـ ـ ــتـ ـ ـ ـ ـا‬ ‫ت ـت ـوب من الذنوب إذا مرضت‬
‫وأخ ـب ـ ـث م ـ ـا يك ـ ـ ـ ـون إذا قـ ـ ـ ـ ـويـتـ ـ ـ ــا‬ ‫إذا م ـ ـ ــا الضر مسـ ــك أنـ ـ ـت اب ٍك‬
‫وك ـ ـم ك ـش ـ ـف البـ ـ ـالء إذا ب ـ ـ ـليتـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫فكـ ـ ـ ْم مـ ـ ـ ـ ـن كـ ـ ـ ـربـ ـ ٍة جنـاك من ـ ـ ـ ـ ـ ــها‬
‫مـ ـدى األي ـ ـ ـام جـ ـهـ ـ ـ ـرا قد هنيتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ب وعـ ـنـ ـ ـ ـ ـه‬‫وكـ ـ ـ ـم غط ـ ـ ـاك يف ذنـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫وأن ـت عـ ـ ـلى اخل ـ ـطـ ـ ـايـ ـ ـا قد دهيتـ ـ ـا‬ ‫أمـ ـ ـا ختْـ ـ ـشى بـ ـ ـ ـأ ْن تـ ـ ـ ـأيت املنـ ـ ــايـ ـا‬
‫عليـك وال ا ْرع ـوي ـ ـت‪ ،‬وال خشيت ـ ـ ـا‬ ‫ب‪ ،‬ج ـاد فضال‬ ‫وتنسـ ـ ـ ـى فضـ ـل ر ٍ‬
‫وف نسـ ـيتـ ـ ـا‬ ‫وأنـ ـ ـت ل ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـل م ـ ـعـ ـر ٍ‬ ‫وكم عـ ـ ـ ـاهدت ثـم نـقضت عهـدا‬
‫ْ‬
‫إلـ ـ ـى ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍرب إل ـيـ ـ ـ ـه قـ ـ ـ ـ ـ ـد ن ـع ـيتـ ـ ـا‬ ‫فـ ـدارْك قبـ ـل نـ ـقلـ ـك ع ـ ـ ـن ديـ ـ ـارك‬

‫‪31‬‬
‫اي أخا اإلسالم ‪ :‬إن هللا تعاىل يقول يف احلديث القدسي اجلليل‪ « :‬لقد خلقت خلقا‪ ،‬ألسنتهم أحلى من‬
‫العسل‪،‬وقلوهبم أمر من الصرب‪ ،‬فب ـي حلفت ألتيحنهم فتنة تدع احلليم فيهم حريان‪ ،‬أبـي يغرتون أم علي يتجرئون؟»‪.‬‬

‫وكان املسيح بن مرمي ‪ -‬على نبينا وعليه الصالة والسالم‪ -‬يقول‪ « :‬ي ـا بين إسرائيل‪ ،‬ال ت ـأتون تلبسون‬
‫لباس ال ـ ـرهبان وقلوبكم قلوب الذائب الضواري‪ ،‬ولكن البسوا ثياب امللوك‪ ،‬وَلينوا قلوبكم خبشية هللا»‪.‬‬

‫أخـ ـ ـا اإلسالم‪:‬‬

‫إن الـ ـكـ ـذوب يش ـ ـني ح ـ ـ ـرا يصحب‬ ‫ودع الكذوب فال يكن لك صاحبا‬
‫وإذا تـ ـ ـ ـ ـوارى عـن ـ ـ ـك‪ ،‬فـه ـ ـو العـقـ ـرب‬ ‫يلقـ ـ ـ ـاك‪ ،‬ي ـ ـقس ـ ـ ـم أن ـ ـ ـه ب ـ ـ ـ ـك واث ـ ـق‬
‫وي ـ ـ ـروغ من ـ ـ ـك ك ـمـ ـ ـا ي ـ ـروغ الث ـ ـعلب‬ ‫يسقيـ ـ ـ ـك م ـ ـ ـن ط ـ ـ ـرف اللس ـان حالوة‬

‫إن ما رواه منصور بن عمار يذكران ابملدرسة الثعلبية اليت خترج الثعالب‪ ،‬واليت حذر القرآن الكرمي منها يف قوله‬

‫جل شأنه‪            ﴿ :‬‬

‫‪  ‬‬ ‫‪         ‬‬ ‫‪‬‬

‫‪              ‬‬

‫( التوبة‪.) 78-75 :‬‬ ‫‪﴾          ‬‬

‫اذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر اثنتني‪ :‬هللا‪ ،‬والـمـ ـ ـ ـ ـ ـوت‪.‬‬

‫وانس اثنتني‪ :‬إحسانك إىل الناس‪ ،‬وإساءة الناس إليك‪.‬‬

‫وامحد هللا على اثنني‪ :‬اإلميان والعافية‪.‬‬

‫وال أتمن اثنني على اثنني‪ :‬ال أتمن رجال على امرأة‪ ،‬وال أتمن امرأة على سر‪.‬‬

‫وملا كنا قد حتدثنا عن ذكر هللا‪ ،‬بقي أن نتحدث عن ذكر املوت‪ ،‬فـ ـنسيانه ضالل مبني‪ .‬ف ـالليل مهما طال‬
‫فال بد من طلوع الفجر‪ ،‬والعمر مهما طال فال بد من دخ ـ ـول القرب‪ .‬واعلم أبن الـ ـ ـدنيا ساعة فاجعلها طاعة‪ ،‬وأن‬
‫النفس طماعة فعودها القناعة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫نقول وابهلل التوفيق‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬املستحق لغاايت التحميد‪ ،‬املتوحد يف كربايئه من غري تكييف وال حتديد‪.‬‬

‫العلي‪ ،‬القوي‪ ،‬الويل‪ ،‬احلميد‪.‬‬

‫الغين‪ ،‬املغين‪ ،‬املب ـ ـ ـ ـدئ‪ ،‬املعي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـد‪.‬‬

‫املعطي‪ ،‬الذي ال يفىن عطاؤه وال يبي ـ ـ ـد‪.‬‬

‫الـمانع‪ ،‬ف ـ ـال معطي لـما م ـ ـ ـ ـنع‪ ،‬وال راد ملا يريد‪.‬‬

‫خلق املالئكة وسلكهم أحسن الطريق إىل األمر الرشيد‪.‬‬

‫وص ـ ـورهم فأحسن صورهم‪ ،‬وبشرهم يف اجلنة ابلنعيم والتخليد‪.‬‬

‫وبصرهم بعـ ـ ـ ـ ـني االعتبار‪ ،‬وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـذرهم من ع ـ ـ ـذاب النار والوعيد‪.‬‬

‫وألزمهم شكره‪ ،‬وضمن هلم من كـ ـنز فضله املزيد‪ ،‬وحـ ـكم عليهم ابملوت فما ألحد عنه حميص وال حميد‪.‬‬

‫فكم أبكى خليال بفراق خليله‪ ،‬وكم أيتم وليدا وشغله ببكائه وعويله‪.‬‬

‫فهو ال يـب ـ ـدئ بفرط حزنه وال يعيد‪ ،‬ه ـ ـدم ابملوت مشيد األعمار‪ ،‬وحـ ـكم ابلفناء على أهل هذه‬
‫الدار‪،‬األح ـ ـرار منهم والعبيد‪ ،‬أوحش املنازل من أقْ ـمارها‪ ،‬ونفـ ـر طيـ ـور األرواح عن أوكارها‪ ،‬وع ـ ـوضهم من لذة العيش‬
‫ابلتنغيص والتنكيد‬

‫ف ـ ـامللك والـم ْملوك‪ ،‬والغين والصعلوك‪ ،،‬تساوت قبورهم يف القف ـ ـر والبيـ ـ ـد‪.‬‬

‫فسبحان من أذل ابملوت من اجلبابرة كل جبار عنيد‪ ،‬وكسر به من األكاسرة كل بطل صنديد‪.‬‬

‫أخرجهم من سعة القصور إىل ضيق القبور‪ ،‬وقـطع حب ـ ـ ـال أمـ ـ ـدهم املديد‪.‬‬

‫أخـ ـ ـذ ب ـه اآلابء واجلـ ـ ـدود‪ ،‬واألطفال مـ ـن الـمهود فأسكنهم الل ـحود‪ ،‬وع ـفـر وج ـ ـوههم يف الصعيد‪ ،‬وس ـاوى يف‬
‫املوت بني الكبري والصغري‪ ،‬والغين والفقري‪ ،‬واملأمور واألمري‪ ،‬والوالد والوليد‪ :‬أفىن به الذكور واإلانث‪ ،‬فهم يف سجل‬
‫األجداث إىل يوم الوعيد‪.‬‬

‫أفـ ـ ـ ـال يعترب الغافل مبصرعهم‪ ،‬وقد أفناهم الـموت بـ ـ ـأمجعهم‪ ،‬وفـ ـ ـ ـرق مشلهم ابلتبديد؟‬

‫‪33‬‬
‫فكيف ي ـغرت اإلنسان وهو عـ ـ ـامل أبن هللا تعاىل ميلي للظ ـ ـامل‪ ،‬حىت إذا أخذه مل يـفلته؟ ومل يكن عـ ـنه حميد؟ ما‬

‫كانت نفوسهم ب ـ ـذلك عالـمة وهي مـ ـن املوت غري ساملة ﴿ ‪      ‬‬

‫( هود‪.) 102 :‬‬ ‫‪﴾       ‬‬

‫أين أهل املدن و احلصون‪ .‬أين أرابب املعاين وقصر مشيد؟‬

‫أين األمم املاضية؟ أين أرابب القصور العالية؟ حق عليهم الوعيد‪ ،‬فلو عاينتهم يف قبورهم لعجبت من‬
‫أم ـ ـورهم‪ ،‬قد غ ـ ـ ـ ــرب البلى أح ـ ـ ـ ـ ـ ـواهلم‪،‬ومـ ـ ـ ـ ـزق أوصـ ـاهلم‪ ،‬ومل يعرف منهم األحرار من العبيد‪.‬‬

‫أما أصبح منهم ذو الشدة والبأس بعد الـق ـ ـرب واإليناس يف ظلمة اللحود وحيدا؟ أما وع ـ ـظهم املوت مبن أخذ‬
‫منهم شقيا كان أوسعيدا؟‬

‫أما أنذرهم قول اجمليد احلميد‪﴾           ﴿ :‬‬

‫( ق‪.)19:‬‬

‫ويْـحك نبه نفسك‪ ،‬واعمل ملا تلقى غ ـ ـدا‪ ،‬املوت أييت وليس منه حميد‪.‬‬

‫إن كنت يـ ـ ـا صاح انئما فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـال بد أن تنتبه يف قربك‪ ،‬وأنت فيه وحيد‪:‬‬

‫« الناس نيام‪ ،‬فإذا ماتوا انتبهوا‪ ،‬فإذا ما انتبهوا ندموا‪ ،‬فإذا ما ندموا ال ينفع الندم » ومن سك ـر بـحب الدنيا‬
‫كان أشد ممن سكر ابلشراب‪ ،‬إذ إن من سكر ابلشراب يفيق بعد حلظات‪ ،‬أما من سكر حبب الدنيا فال يفيق إال إذا‬
‫اصطدم رأس ـ ـه جبدار القرب يف معسكر املوتى‪.‬‬

‫﴿ ‪             ‬‬

‫‪          ‬‬ ‫‪ ‬‬

‫‪                ‬‬

‫( احلديد‪.) 21 ، 20 :‬‬ ‫﴾‬

‫‪34‬‬
‫اي ع ـ ـ ـاقال من لك؟ إذا مت مـ ـلك مـ ـن كان يهوى صحبتك‪ ،‬وحـ ـزت حلدت وحدك وأنت مفلس غريب‬
‫وحيد‪.‬‬

‫وإمنـ ـ ــا العـ ـقـب ـ ــى خ ـلـ ـ ـود امل ـ ـ ـ ـ ـ ـآل‬ ‫دنيـ ــاك س ــاعـات سراع الزوال‬
‫وتشرتي دنيا املىن والضالل؟!‬ ‫فهــل تـبـي ــع اخلل ــد يـ ــا غـاف ـ ـ ــال‬

‫دع دموعك تغسل م ـ ـا ران على قلبك‪ ،‬فأنت ال تدري ع ـ ـن أهل املقابر من الشقي ومن السعيد؟ فدع‬
‫دموعك جتري قبل أن يقال لك‪ :‬أمل تكن قبل تدري أن احلساب شديد؟‬

‫والناس حولك يضحكون سرورا‬ ‫أنت الذي ولدتك أمك ابكيا‬


‫يف يوم موتك ضاحكا مسرورا‬ ‫فاعمد إىل عمل تكون إذا بكواْ‬

‫كل القلوب قد النت لكن قلبك قد قسا‪ ،‬كأن قلبك أضحى بني القلوب من حديد‪ ...‬وحيك هيئ زادك‪،‬‬
‫واحذر من نفاده اي فىت‪ ،‬قبل أن تسافر بغتة فال يشفع اللـ ـ ـوم والتفنيد‪.‬‬

‫وقـ ـ ْم هلل‪ ،‬وامج ـ ـ ـع خـ ـ ـ ـ ـري زاد‬ ‫ت ـ ــزود مـ ــن حي ـ ــات ــك لل ــمع ــاد‬
‫فـ ـ ـ ـإن امل ـ ـال جيم ـ ـ ـع للـن ـفـ ـ ـ ـاد‬ ‫وال تـ ـ ــركـ ــن إىل الــدني ـ ــا كث ـ ـ ـريا‬
‫هل ـ ـم زاد وأنـ ـ ـت بـغـ ـ ـ ـ ـ ـري زاد؟!‬ ‫أرتــضى أن تـ ـك ـون رفيـ ـق ق ـوم‬

‫عن عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه قال‪ :‬أتيت رسول هللا ﷺ عـ ـاشر عشرة‪ ،‬فقال رجل من األنصار‪ :‬اي‬
‫رسول هللا‪ ،‬م ـ ـن أ ْك ـيس الناس؟ قال‪َ « :‬كثرهم للموت ذكرا‪ ،‬وَحسنهم له استعدادا‪َ ،‬ولئك األكياس‪ ،‬ذهبوا‬
‫بشرف الدنيا وكـ ـ ـرم اخآخرة »‪.‬‬

‫وقد سئل النيب ﷺ عن قوله تع ـ ـ ـاىل‪﴾          ﴿ :‬‬

‫(األنعام‪ .) 125 :‬فقال‪ « :‬إن النور إذا َح َّل يف القلب انفسح له وانشرح‪ ،‬قالوا‪ :‬فهل لـ ـ ـذلك من عالمة اي‬
‫رسول هللا؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬التجايف عن عن دار الغ ـ ـ ـرور‪ ،‬واإلنـ ـ ـ ـابة إىل دار اخللـ ـ ـ ـود‪ ،‬واالستع ـ ـ ـ ـداد للموت قبل جميئه‬
‫»‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫﴿ ‪             ‬‬

‫‪               ‬‬ ‫‪‬‬

‫(هود‪.)16،15 :‬‬ ‫‪﴾  ‬‬

‫﴿ ‪              ‬‬

‫‪             ‬‬

‫‪           ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫‪              ‬‬

‫(اإلسراء‪.)21-18:‬‬ ‫﴾‬

‫عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ « :‬من َحب لقاء هللا َحب هللا لقاءه‪ ،‬ومن كره لقاء‬
‫هللا كره هللا لقاءه‪ ،‬فقلت‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬ك ـ ـ ـراهية املوت‪ ،‬فكلنا يكره املوت؟ فقال‪ :‬ليس ذاك ولكن املؤمن إذا‬
‫بشر ب ـ ـرمحة هللا ورضوانه وجنته َحب لقاء هللا فأحب هللا لقاءه‪ ،‬والكافر إذا بشر بعذاب هللا وسخطه كره لقاء‬
‫هللا فكره هللا لقاءه» ذكره مسلم‪.‬‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـن َث فقد أخرب الصادق املعصوم ق ـ ـائال وقد عاد رسول هللا ﷺ م ـ ـريضا فوجد املرض قد برح به‪ ،‬فسأله‪:‬‬
‫«َال تَـ ـدع هللا؟ قال‪ :‬بلى اي رسول هللا‪ ،‬قال له‪ :‬فما تقول يف دع ـ ـائك؟ قال‪َ :‬قول‪ :‬اللهم إن كنت تعذبين بشيء‬

‫يف اخآخرة فعج له يل يف الدنيا‪ .‬فكأن رسول هللا قد غضب‪ ،‬فقال له‪ :‬اي هذا َنت ال تطيقه‪َ ،‬ال قلت‪ ﴿ :‬‬

‫‪ ( ﴾           ‬البقرة‪» .) 201 :‬‬

‫وعاد مريضا آخر فسأله‪« :‬كيف جت ـ ـدك؟» قال‪ :‬يـ ـا رس ـ ـول هللا‪ ،‬أرج ـ ـو رحـمة ريب‪ ،‬وأخ ـ ـاف ع ـذابه‪ ،‬فس ـر‬
‫رس ـ ـول هللا بذلك‪ ،‬وقال‪ « :‬ما اجتمع اخل ـ ـوف وال ـرجـ ـ ـاء لعبد يف مثل هـ ـ ـذا املوطن إال غـ ـ ـفر هللا ل ـ ـه »‪.‬‬

‫أما عن متين املوت‪ ،‬فيقول مبعوث العناية اإلهلية‪ « :‬ال يتمنني َحدكم املوت لضر نَـ ـ َزل به‪ ،‬فإن ك ـ ـان ال بد‬
‫متمنيا فيقل‪ :‬اللهم َح ـ ــيين ما كانت احلي ـ ـاة خـ ـ ـ ـ ـريا يل‪ ،‬وتـ ـ ـوفين مـ ـ ـا كـ ـانت الـ ـ ـوفاة خـ ـ ـ ـ ـريا يل »‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ف ـ ـاجتهد أيها العبـ ـد يف العمـ ـل الص ـ ـاحل‪ ،‬وأشـ ـفق م ـ ـن ك ـ ـأس ال بـ ـد أنك ذائقـ ـه‪ ،‬وارحـ ـ ـل عـ ـن عـ ـيش ال بـ ـد‬
‫أنت مفـ ـ ـ ـارقـ ـه‪ ،‬ي ـ ـا نـ ـاسيا لل ـ ـ ـ ـرحيل وق ـ ـ ـد حـ ـ ـث عـ ـلى حنيب الرحيل سائقه‪ ،‬اعترب مبن سبقك فإمنا يعصي املىن سابقه‪.‬‬

‫أمل تـر أن الدهر جتري بـوائقه؟‬ ‫أال أيها القلب الكثري عالئقه‬
‫وطعمة كأس املوت إنك ذائقه‬ ‫رويدك ال تنس املقابر ولبلى‬
‫رويدك‪ ،‬ال تعجل فإنك الحقه‬ ‫أال أيها الباكي على امليت بعده‬
‫خبالقه أجناه منهن خالقه‬ ‫إذا اعتصم املخلوق من فنت اهلوى‬
‫على ثقة من صاحب ال يفارقه‬ ‫أرى صاحب الدنيا مقيما جبهله‬
‫سيأتيك منه عن قريب طوارقه‬ ‫فال تتمن املوت اي صاح إنه‬

‫وروي عن النيب ﷺ أنه قال‪ « :‬ما امليت يف قربه إال كالغريق املغوث‪ ،‬ينتظر دعوة تلحقه من ابنه َو َخيه‬
‫َو صديق له‪ ،‬فإذا حلقته كانت َحب إليه من الدنيا وما فيها »‪.‬‬

‫وقال رسول هللا ﷺ‪ « :‬يقول القرب للميت ح ـ ـ ني يوضع فيه‪ :‬وحيك اي ابن آدم ما غرك يب‪َ ،‬مل تعلم َن‬
‫بيت الفتنة‪ ،‬وبيت الظلمة‪ ،‬وبيت الوحدة‪ ،‬وبيت الدود؟ غ ـ ـ ـ َّرك يب إذ كنت متر يب‪ ،‬فإن كان صاحلا َجاب عنه‬
‫جميب القرب فيقول‪َ :‬رَيت إن كان أيمر ابملعروف وينهى عن املنكر؟ فيقول القرب‪ :‬إذاً َحت ـ ـ ـول عليه روضة‬
‫خضراء »‪.‬‬

‫لكان املوت راحة كل ح ٍي‬ ‫ولـ ــو أنـ ـ ـ ــا إذا مـ ـ ــتنا ت ــركن ــا‬
‫ونسأل بعده عن كل شيء‬ ‫ولــكن ـ ــا إذا مـ ـ ـتنا ب ـ ـ ـ ـعـ ـث ـ ـنا‬

‫روى كعب األحبار رضي هللا عنه أن النيب ﷺ قال‪ « :‬ال مي ـر َحد يف املقابر إال وتناديه َهل القبور‪ :‬اي‬
‫غافل‪ ،‬لو علمت ما حنن نعلم لذاب حلمك وجسمك كما يذوب الثلج على النار »‪.‬‬

‫وقال النيب ﷺ‪ « :‬من َراد َن يـ ـ ـ ـزور قرباً فـ ـلـيَ ـزره وال يقل إال خريا‪ ،‬ف ـ ـإن امليت يتـ ـ ـأذى مما يتأذى منه‬
‫احلي »‪.‬‬

‫ويروى عن ابن عباس رضي هللا عنه أنه قال‪ « :‬م ـ ـا م ـن رجل مير على قرب َخيه املؤمن كان يعرفه فسلم‬
‫عليه إال عـ ـ ـرفه َّ‬
‫ورد عليه السالم »‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ومن هنا فقد ك ـ ـ ـان الصاحلـ ـ ـون إذا ضـ ـ ـاقت عليهم ال ـدنيا‪ ،‬واستحكمت حلقات الشدائد‪ ،‬يذهبون إىل القبور‬
‫ليزوروا املوتى‪.‬‬

‫دخل رجل على شيخ ال ـ ـ ـ ـزاهدين إبراهيم بن أدهم يف املقابـ ـ ـر‪ .‬ف ـ ـوجده جالسا بني أج ـ ـداث املوتى‪ ،‬فألقى‬
‫عليه السالم َث قال له‪ :‬مـ ـ ـ ـع من جتلس يـ ـ ـا إبراهيم؟ أجلس م ـ ـع قوم إذا كنت بينهم ال يؤذونين‪ ،‬فإذا ف ـ ـارقتهم ال‬
‫يغتابونين‪ .‬قال له‪ :‬أال تـ ـ ـدري أن أسعار السلع قد ارتفعت وأنت هنا جالس؟ قـ ـ ـال له بلسان اليقني ومنطق احلق‬
‫املبني‪ :‬علينا أن نسعى كما أم ـ ـ ـران‪ ،‬وعليه أن يرزقنا كما وعدان‪.‬‬

‫اي ابن آدم‪:‬‬

‫وسكـانـها ْحتت التـراب خفوت‬ ‫تـناجيك أ ْموات وهن سكوت‬


‫لم ـن جتـم ـ ـع الدنْـيا وأنْت متوت‬ ‫أي ـ ـ ـا ج ـامـ ـع ال ـ ـدنْـي ـا لغ ْري بالغـ ٍة‬
‫ن ـ ـرد ع ـليكـ ـم واللس ـان صموت‬ ‫وإنكمو إذا م ـ ـا علْيـن ـ ـا ت ـسلم ـوا‬

‫وقال سليمان بن عبد امللك ال ـ ـداراين رمحة هللا عليه‪ « :‬قلت ألم هارون الع ـابدة‪ :‬أحتبني أن متـ ـويت؟ قالت‪ :‬ال‪،‬‬
‫قلت‪ :‬ومل؟ قالت‪ :‬وهللا ل ـ ـو عصيت خملوق ـ ـا الستحييت مـ ـن لقائه‪ ،‬فكيف اخلـ ـ ـالق جل جالله؟ »‪.‬‬

‫أبن إله اخللق ال بد سائله؟‬ ‫وكيف يـلذ العيش من هو عامل‬


‫وجيزيه ابخلري الذي هو فاعله‬ ‫فيأخذ منه ظلمه لعباده‬
‫إىل حلد قرب فيه تبلى مشائله؟‬ ‫وكيف يلذ العيش من كان سائرا‬
‫قريبا‪ ،‬ويبلى جسمه ومفاصله‬ ‫ويذهب رسم الوجه بعد رمسه‬

‫وقال أبو بكر الكتاين رمحة هللا عليه‪ « :‬كان رجل حياسب نفسه على سيئاته وخطاايه‪ ،‬فحسب يوما سيئة‬
‫فوجدها بعد التكليف ستني سنة‪ ،‬فحسب أايمها فوجدها واحد وعشرين ألف يوم‪ ،‬وستمائة يوم ( ابحلساب اهلجري‬
‫) فصرخ صرخة‪ ،‬وخر مغشيا عليه ‪ ،‬فلما أفاق قال‪ :‬اي ويلتاه وأان آيت ريب بواحد وعشرين ألف ذنب وستمائة ذنب‬
‫يقول‪ :‬هذا لو كان يف كل يوم ذنب واحد‪ ،‬فكيف بذنوب ال حتصى؟ َث قال‪ :‬آه علي‪ ،‬ع ـمرت دنياي وخ ـربت‬
‫آخريت‪ ،‬وعصيت موالي الوهاب‪َ ،‬ث ال أشتهي النقلة مـ ـن العمران إىل اخلراب‪ ،‬وكيف أقدم يوم احلساب على الكتاب‬
‫والعذاب بال عمل وال ثواب؟ منازل دنياي عمرهتا‪ ،‬وخربت داري يف اآلخرة‪ ،‬فأصبحت أنكر داري اخل ـ ـراب ‪ ،‬وأرغب‬
‫يف داري العامرة‪َ ،‬ث شهق شهقة عظيمة‪ ،‬ووقع على األرض فحركوه فإذا هو ميت رمحة هللا عليه »‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫قال أبو عمر الضرير‪ :‬حدثين سهل أخو حازم‪ ،‬قال‪ :‬رأيت مالك بن دينار يف املنام بعد موته فقلت له‪« :‬اي‬
‫أاب حيىي‪ ،‬مباذا قدمت على هللا عز وجل؟ قال‪ :‬قدمت عليه بذنوب كثرية حماها حسن ظين ابهلل عز وجل »‪.‬‬

‫أش ـ ـ ـر النـ ـ ـاس‪ ،‬إ ْن ملْ تـ ـ ْعـ ـف عـين‬ ‫يــظــن الناس يب خ ْريا وإين‬
‫وجودك إ ْن عف ْوت‪ ،‬وح ْسن ظين‬ ‫وم ـ ــا يل حيلة إال رجـ ـائي‬

‫وسئل بعض الزهاد‪ :‬كيف حالك؟ فقال‪ « :‬هو حال من يريد سفرا بال زاد‪ ،‬ويسكن قربا موحشا بال مؤنس‪،‬‬
‫ويـ ْقدم على ملك قادر بغري حجة »‪.‬‬

‫فـ ـأنت مـ ـ ـالذي‪ ،‬سـ ـ ـيدي ومـ ـع ـ ـينـ ـ ـ ـي‬ ‫ضل منك ي ـ ـا م ـلك الـورى‬ ‫تعطف بف ٍ‬
‫ف ـ ـ ـأنت رج ـ ـ ـائـ ـي‪ ،‬شـ ـ ـافع ـ ـي وي ـق ـ ـينـي‬ ‫لئ ـ ـ ـن أبع ـدتْـ ـين ع ـ ـن مح ـ ـاك خ ـ ـطيئيت‬
‫رضـ ـ ـاك وإن ال ـ ـع ْف ـ ـو مـنـ ـ ـ ـك يـقـ ـين ـ ـ ـي‬ ‫ول ْست أرى لـ ـ ـ ـ ـي ح ـج ـ ـة أبـتـ ـغي هب ـا‬

‫ويروى عن عثمان بن عفان رضي هللا عنه أنه وقف على قرب فبكى‪ ،‬فقيل له‪ :‬إنك تذكر اجلنة والنار فال‬
‫تبكي‪ ،‬وتبكي من هذا‪ ،‬فقال‪ :‬مسعت رسول هللا ﷺ يقول‪ « :‬إن القرب أول منزل من منازل اآلخرة‪ ،‬فإن ينج منه فما‬
‫بعده أيسر منه‪ ،‬ومن مل ينج منه فما بعده أشد منه »‪.‬‬

‫كأهنمو مل جيلسوا يف اجملالس‬ ‫سالمي على أهل القبور الدوارس‬


‫ومل يطعموا من كل رطب وايبس‬ ‫ومل يشربوا من ابرد املاء هنلة‬
‫طويل املىن فيها‪ ،‬كثري الوساوس‬ ‫ومل يك منهم يف احلياة منافس‬
‫وقرب العزيز‪ ،‬الشامخ املتشاوس؟‬ ‫أال ليت شعري‪ ،‬أين قرب ذليلكم‬
‫فها هم هبا ما بني راج وآيس‬ ‫لقد سكنوا يف موحش التـ ْرب والثرى‬
‫تركتم من الدنيا له‪ ،‬مل ينافس‬ ‫ولو عقل املرء املنافس يف الذي‬

‫كان يزيد الرقاشي يقول لنفسه‪ « :‬وحيك اي يزيد‪ ،‬من ذا يصلي عنك بعد املوت؟ ومن ذا يصوم عنك بعد‬
‫املوت؟ ومن ذا يتوضأ عنك بعد املوت؟ َث يقول‪ :‬أيها الناس‪ ،‬مل ال تبكون على أنفسكم يف حياتكم‪،‬فمن يكن املوت‬
‫موعده‪ ،‬والقرب بيته‪ ،‬والرتاب فرشه‪ ،‬والدود أنيسه‪ ،‬وهو مع ذلك ينتظر الفزع األكرب‪ ،‬كيف يكون حاله؟ وكيف يكون‬
‫مآله؟ » َث يبكي حىت يسقط مغشيا عليه‪.‬‬

‫عيـ ـ ـش‪ ،‬وآخ ـ ـ ـ ـره م ـ ـوت سيعقبه؟‬ ‫ماذا يكون مآل املرء بعد‪ ،‬هنا‬
‫واملوت عن كل مـ ـا يهواه حيجبه‬ ‫والدهر يفجعه فيمن يسر به‬

‫‪39‬‬
‫جهرا فيمزج ابلتنغيـ ـص م ـش ـ ـربه‬ ‫وح ـ ــادث ـ ــات ليــاليـ ـ ــه تـ ـ ــردعـ ـ ـ ـ ـه‬
‫وللمني ـ ـ ـ ـة ق ـ ـ ـ ـ ـ ـرب ل ـ ـ ـ ـ ـيس حيسب ـ ـه‬ ‫يلهـ ـو وحيسب أيـ ـ ـام ـ ـ ـا يعـ ـ ـز هبا‬

‫ويروى أن امرأة شكت إىل عائشة رضي هللا عنها قساوة يف قلبها‪ ،‬فقالت هلا‪ « :‬أكثري من ذكر املوت يرق‬
‫قلبك » ففعلت ذلك‪ ،‬فرق قلبها‪ ،‬فشكرت عائشة رضي هللا عنها‪.‬‬

‫ومرض ابو الدرداء رضي هللا عنه فقالوا له‪ :‬أي شيء تشتهيه؟ قال‪ :‬اجلنة‪ ،‬قالوا‪:‬أندعو لك طبيبا؟ قال‪:‬‬
‫الطبيب أمرضين‪ ،‬فقال له رجل من أصحايه‪ :‬اي أاب الدرداء‪ ،‬أتشتهي أن أسامرك الليلة؟ فقال له أبو الدرداء‪ :‬أنت‬
‫معاىف أان مبتلى‪ ،‬والعافية ال تدعك أن تسهر‪ ،‬والبالء ال يدعين أن أانم‪َ ،‬ث قال‪ :‬أسأل هللا الذي ال إله إال هو أن‬
‫يهب ألهل العافية الشكر‪ ،‬وألهل البالء الصرب‪.‬‬

‫ص ـرب الكرام‪ ،‬فما يدوم مقامها‬ ‫وإذا ابتليت بشدة فاصرب هلا‬
‫تضق ذرعا بنازلة جرت احكامها‬ ‫فاهلل يب ـ ـلـ ـ ـ ـ ـي ك ـ ـي يثيـ ـب فـ ـال‬
‫َث اجنلت قبل الظالم ظالمها‬ ‫يوم انزلْتك خطوبه‬ ‫ولرب ٍ‬
‫إن األمور قضى هبا عالمها‬ ‫ولئن جزعت‪ ،‬فليس ذك بنافع‬

‫وجاء يف بعض اخلطب املروية‪ :‬أيها الناس‪ ،‬إن اآلمال تطوى‪ ،‬واألعمال تفىن‪ ،‬واألبدان حتت الرتاب تبلى‪،‬‬
‫وإن الليل والنهار يرتاكضان كركض الربيد يقرابن كل بعيد‪ ،‬ويـْبـليـان كل جديد‪ ،‬ويف كل ذلك – عباد هللا – ما أهلى‬
‫عن الشهوات‪ ،‬وسلى عن اللذات‪ ،‬ورغب يف األعمال الباقيات الصاحلات‪.‬‬

‫خليلي إن العمر وايف بلجة‪ ،‬له دائما حنو املنية إعجال‪ ،‬وأرواحنا األرزاق‪ ،‬واملوت ساحل ومن دونه من‬
‫عاصف اخلطب أهوال حقيقة‪ ،‬ذي الدنيا مـحال وابطل‪ ،‬ويتبعنا فيها حتوف وآجال‪ ،‬ويف الباقيات الصاحلات كفاية‬
‫ملن قصرت منه على الدهر آمال‪ ،‬وجـ ـاء يف اخلرب‪ :‬إن العبد الصاحل ليعاجل سكرات املوت وكرابته وإن مفاصله ليسلم‬
‫بعضها على بعض‪ ،‬تقول‪ :‬السالم عليك‪.‬‬

‫ولقد كان سيد اخللق وحبيب احلق ملا حضرته الوفاة كان ميسح وجهه مباء ابرد ويقول‪ « :‬سبحان هللا إن‬
‫للموت لسكرات‪َ ،‬ث يدعو هللا تعاىل قائال‪ :‬اللهم هون علي سكرات املوت » فكانت الزهراء رضي هللا عنها تقول‪:‬‬
‫«واكرابه على كربك اي أبتاه »‪ .‬فريد عليها قائال‪ « :‬اي فاطمة ال كرب على أبيك بعد اليوم »‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫سيدي أاب القاسم اي رسول هللا‪:‬‬

‫فطاب من طيبهن القاع واألكم‬ ‫اي خري من دفنت ابلقاع أعظمه‬


‫فيه العفاف‪ ،‬وفيه الطهر وفيه الكرم‬ ‫نفسي تتوق لق ٍرب أنت ساكنه‬

‫وقيل حلسان بن أيب سنان‪ « :‬كيف جتدك؟ قال‪ :‬خبري إن جنوت من النار‪ ،‬فقيل‪ :‬ما تشتهي؟ قال‪ :‬ليلة‬
‫طويلة أصيلها كلها »‪.‬‬

‫غداة أقل احلاملون جنازيت‬ ‫خرجت من الدنيا وقامت قياميت‬


‫خروجي وتعجيلي إليه كراميت‬ ‫وعجل أهلي حفر قربي‪ ،‬وصريوا‬
‫غداة أتى يومي علي وساعيت‬ ‫كأهنمو مل يعرفوا قط صحبيت‬

‫وقيل‪ :‬دخل املزين على الشافعي رضي هللا عنه يف مرضه الذي مات فيه‪ ،‬فقال له‪ :‬كيف أصبحت اي أاب عبد‬
‫هللا؟ فقال‪ « :‬أصبحت عن الدنيا راحال‪ ،‬ولإلخوان مفارقا‪ ،‬ولسوء عملي مالقيا‪ ،‬ولكأس املنية شاراب‪ ،‬وعلى ريب‬
‫سبحانه وتعاىل واردا‪ ،‬وال أدري روحي صائرة إىل اجلنة فأهنيها أو إىل النار فأعزيها؟ » َث أنشد‪:‬‬

‫جعلت الرجا مين لعفوك سلما‬ ‫وملا قسا قليب‪ ،‬وضاقت مذاهيب‬
‫بعفوك ريب كان عفوك أعظما‬ ‫تعاظمين ذنْيب‪ ،‬فلما قرنته‬
‫مل تزل جتود وتعفو منة وتكرما‬ ‫فما زلت ذا عفو عن الذنب‬

‫هذا هو الشافعي الذي ابت ليلة عند تلميذه أمحد بن حنبل‪ ،‬والحظت عليه بنت اإلمام أمحد ثالثة أمور‪:‬‬

‫قالت‪ :‬اي أبتاه‪ :‬أهذا هو الشافعي الذي حتدثين عنه؟ قال هلا‪ :‬نعم‪ ،‬ماذا تريدين منه؟ قالت‪ :‬الحظت عليه‬
‫أمورا ثالثة‪ .‬قال‪ :‬وما هي؟‬

‫قالـت‪:‬‬

‫أوهلـ ـ ـ ـ ـ ـا‪ :‬أنه تن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاول كثـ ـ ـ ـ ـريا مـ ـ ـن الطعـ ـ ـ ـ ـ ـام‪.‬‬

‫واثنيها‪ :‬أنه مل يقم فيصلي من الليل هتجدا‪.‬‬

‫وثـالثها‪ :‬أنـه صل ـى الفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجر ول ـم يتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوضأ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫فتوجه اإلمام أمحد هبذه األمور إىل اإلمام الشافعي‪ ،‬فقال اإلمام‪ :‬أما إنين أكلت كثريا‪ ،‬فذلك ألنين أعلم أن‬
‫طعامك حـالل‪ ،‬فأكلت أل ْشـتفي‪ ،‬فطعام ال ـكرمي دواء وطعام البخيل داء‪ ،‬ومـن أكل مــن طعام أخيه لـيسره‪ ،‬فبإذن هللا‬
‫لن يضره‪ .‬قال ﷺ‪ « :‬ال تصاحب إال مؤمنا‪ ،‬وال أيكل طعامك إال تقي »‪.‬‬

‫وأما إنين مل أصل قيام الليل‪ ،‬فذلك ألنين عندما وضعت رأسـي فتح هللا علي ابثنتني وسبعني مسألة‪،‬‬
‫استنبطتها من كتاب هللا وسنة رسوله‪ ،‬عسى هللا أن ينفع املسلمني هبا‪.‬‬

‫وأما إنين مل أتوضأ لصالة الفجر فذلك ألنين صليت الفجر بوضوء العشاء‪.‬‬

‫وهذا اإلمام اجلليل التقي الزاهد الطاهر النقي‪ ،‬كان يقول‪:‬‬

‫لعلي أ ْن أانل هبم شفاعه‬ ‫أحب الصاحلني ولست منهم‬


‫وإن كنا سويـ ـ ـا يف البضاعه‬ ‫وأك ـ ـ ـ ـ ـره من جتـ ـ ـارهتم معاصي‬
‫فرد عليه اإلمام أمحد قائال‪:‬‬

‫ومنكم سوف يلق ْون الشفاعه‬ ‫حتب الصاحلني وأنت منهم‬


‫وقاك هللا من شر البضاعه‬ ‫وتكره من جتارهتم معاصي‬

‫وهذا اإلمام الشافعي الذي قال‪:‬‬

‫فأرشدين إىل ترك املعاصي‬ ‫شكوت إىل وكي ٍع سوء حفظي‬


‫ونور هللا ال يهدى لعاصي‬ ‫وأخربين أبن العلم نور‬

‫وهذا الشافعي ‪ ،‬الذي كان يقول فضال‪ ،‬وحيكم عدال‪ ،‬يتفجر العلم من جوانبه‪ ،‬وتنطق احلكمة من نواحيه‪،‬‬
‫وصدقت فيه نبوءة املصطفى ﷺ‪ « :‬عامل قريش‪ ،‬ميأل طباق األرض علما » هو صاحب القصيدة العصماء اليت تقول‬
‫أبياهتا‪:‬‬

‫فدعه وال تكثر عليه التأسفا‬ ‫إذا املرء ال يلقاك إال تكلفا‬
‫ويف القلب صرب للحبيب ولو جفا‬ ‫ففي الناس أبدال ويف الرتك راحة‬
‫وال كل من صافيته لك قد صفا‬ ‫فما كل من هتواه يهواك قلبه‬
‫فال خري يف ود جييء تكلفا‬ ‫إذا مل يكن صفو الوداد طبيعة‬
‫ابجلفا‬ ‫املودة‬ ‫بعد‬ ‫ويلقاه‬ ‫وال خري يف خل خيون خليله‬
‫ويظهر سرا كان ابألمس قد خفا‬ ‫وينكر عيشا قد تقادم عهده‬

‫‪42‬‬
‫يصدق الوعد مْنصفا‬
‫صديق صدوق‪ْ ،‬‬ ‫سالم على الدنيا إذا مل يكن هبا‬

‫وهذا الشافعي هو الذي قال يف مدح السفر‪:‬‬

‫من راحة‪ ،‬فدع األوطان واغرتب‬ ‫ما يف املقام لذي عقل وذي أدب‬
‫وانْصب‪ ،‬فإن لذيذ العيش يف النصب‬ ‫ساف ْر جتد عوضا عمن فارقته‬
‫إن سال طاب‪ ،‬وإن مل جير مل يطب‬ ‫إين رأيت وقوف املاء يـ ْفسده‬
‫مللها الناس من عجم ومن عرب‬ ‫الشمس لو وقفت يف الفلك دائمة‬
‫والسهم لوال فراق القوس مل يصب‬ ‫واأل ْسد لوال فراق الغاب ما افرتست‬
‫والعود يف أرضه نوع من احلطب‬ ‫والترب كالرتب ملقى يف أماكنه‬
‫وإن يعزب ذاك عز كالذهب‬ ‫فإن يعزب هذا عز مطلبه‬

‫والشافعي هو الذي قال عند وفاته‪:‬‬

‫جعلت الرجا مين لعفوك سلما‬ ‫وملا قسا قليب ‪ ،‬وضاقت مذاهيب‬
‫بعفوك ريب‪ ،‬كان عفوك أعظما‬ ‫تعاظمين ذنيب‪ ،‬فلما قرنته‬
‫جتود‪ ،‬وتعفو منة وتكرما‬ ‫فما زلْت ذا عفو عن الذنب مل تزل‬
‫فأهنأ‪ ،‬وإما للسعري فأندما؟‬ ‫فيا ليت شعري‪ ،‬هل أصري ٍ‬
‫جلنة‬

‫يروى أن رجال جاءإىل مقربة‪ ،‬فصلى ركعتني‪َ ،‬ث اضطجع فرأى يف منامه صاحب القرب فقال له‪ « :‬اي هذا‬
‫إنكم تعلمون وتعملون وحنن نعلم وال نعمل‪ ،‬وهللا ألن تكون ركعتني يف صحيفيت أحب إيل من الدنيا وما فيها »‬

‫ويروى أن أحد املتعبدين أتى قرب صاحب له‪ ،‬كان أيلفه‪ ،‬فأنشد يقول‪:‬‬

‫قرب احلبيب‪ ،‬فلم يرد جوايب‬ ‫مايل مررت على القبور مسلما‬
‫أمللت بعدي خلة األصحاب؟‬ ‫أجب‪ ،‬ما لك ال جتيب مناداي‬
‫أكل الرتاب حماسين وشبايب‬ ‫لو كان ينطق ابجلواب لقال يل‬

‫قال‪ :‬فهتف يب هاتف من جانب القرب‪:‬‬

‫أان رهني جنادل وتراب؟‬ ‫قال احلبيب‪ :‬وكيف يل جبوابكم‬


‫وحجبت عن أهلي وعن أصحايب‬ ‫أكل الرتاب حماسين‪ ،‬فنسيتكم‬

‫‪43‬‬
‫األصحاب‬ ‫عين وعنكم خلة‬ ‫فعليكم مين السالم تقطعت‬
‫رفيع ثياب‬ ‫اي طاملا لبست‬ ‫ومتزقت تلك اجللود صفائحا‬
‫خلط كتايب‬ ‫ما كان أحسنها‬ ‫وتساقطت تلك األانمل من يدي‬
‫لرد جواب‬ ‫ما كان أحسنها‬ ‫وتساقطت تلك الثنااي لؤلؤا‬
‫اي طاملا نظرت هبا أحبايب‬ ‫وتساقطت فوق اخلدود نواظري‬

‫وقال اثبت البناين رضي هللا عنه‪:‬‬

‫« دخلت املقابر ألزور القبور‪ ،‬وأعترب ابملوتى‪ ،‬وأتفكر يف البعث والنشور‪ ،‬وأعظ نفسي لعلها ترجع عن الغي‬
‫والفجور‪ ،‬فوجدت أهل القبور صامتني ال يتكلمون‪ ،‬وفرادى ال يتزاورون‪ ،‬فأيست من مقاهلم‪ ،‬واعتربت أبحواهلم‪ ،‬فلما‬
‫أردت اخلروج إذا بصوت يقول‪ :‬اي اثبت‪ ،‬ال يغرنك صمت أهليها فكم من نفس معذبة فيها »‪.‬‬

‫مر داود الطائي إبمرأة تبكي على قرب‪ ،‬وهي تنشد هذه األبيات‪:‬‬

‫إذا أنت يف القرب قد أوسدوكا‬ ‫عدمت احلياة فال نلتها‬


‫وها أنت يف القرب قد أفردوكا‬ ‫وكيف ألذ بطعم الكرى‬

‫َث قالت‪ :‬اي أبتاه‪ ،‬أبي خديْك بدأ الدود؟ قال‪ :‬فخر داود مغشيا عليه‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪44‬‬
‫فضل الذكر والرتهيب من عدم الذكر‬

‫فضل التسبيح والتحميد والتهليل والتكبري‬

‫وعـ ـن أيب هريرة رضي هللا عنه عن النيب ﷺ‪ « :‬كلمتان خفيفتان على اللسان‪ ،‬ثقيلتان يف امليزان‪ ،‬حبيبتان‬
‫إىل الرمحان‪ :‬سبحان هللا وحبمده‪ ،‬سبحان هللا العظيم » رواه الشيخان والرتمذي‪.‬‬

‫وعن أيب هريرة رضي هللا عنه عن النيب ﷺ قال‪ « :‬ألن َقول سبحان هللا‪ ،‬واحلمد هلل‪ ،‬وال إله إال هللا‪ ،‬وهللا‬
‫إيل مما طلعت عليه الشمس » رواه مسلم والنرمذي‪.‬‬
‫َكرب‪َ ،‬حب َّ‬

‫َحب الكالم إىل هللا؟ قلت‪َ :‬خربن اي‬


‫وعن أيب ذر رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪َ « :‬ال َخربك أب َ‬
‫َحب الكالم‬
‫ب الكالم إىل هللا‪ ،‬سبحان هللا وحبمده » رواه مسلم والرتمذي‪ ،‬ولفظه‪َ َ « :‬‬
‫َح َّ‬
‫رسول هللا‪ ،‬قال‪ :‬إن َ َ‬
‫إىل هللا عز وجل ما اصطفى هللا ملالئكته‪ :‬سبحان ريب وحبمده‪ ،‬سبحان ريب وحبمده »‪.‬‬

‫وعن جابر رضي هللا عنه عن النيب ﷺ قال‪ « :‬من قال سبحان هللا العظيم وحبمده غرست له خنلة يف‬
‫اجلنة»‪ .‬رواه الرتمذي وحسنه‪.‬‬

‫وعن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه ان النيب ﷺ قال‪ « :‬استكثروا من الباقيات الصاحلات‪ ،‬قيل‪ :‬وما هن‬
‫اي رسول هللا؟ قال‪ :‬التكبري والتهليل والتسبيح‪ ،‬واحلمد هلل‪ ،‬وال حول وال قوة إال ابهلل » رواه النسائي واحلاكم‬
‫وقال‪ :‬صحيح اإلسناد‪.‬‬

‫ري يب فقال‪ :‬اي حممد‪َ ،‬قرئ َمتك‬


‫وعن عبد هللا رضي هللا عنه عن النيب ﷺ قال‪ « :‬لقيت إبراهيم ليلة َس َ‬
‫مين السالم‪ ،‬وَخـ ـ ـربهم َن اجلنة طيبة الرتبة‪ ،‬عذبة املاء‪ ،‬وَهنا قيعان‪ ،‬وَن غراسها‪ :‬سبحان هللا‪ ،‬واحلمد هلل‪ ،‬وال‬
‫إله إال هللا‪ ،‬وهللا َكرب » رواه الرتمذي والطربان‪ ،‬وزاد‪ « :‬وال حول وال قوة إال ابهلل »‪.‬‬

‫وعند مسلم‪ :‬أن النيب ﷺ قال‪َ « :‬حب الكالم إىل هللا َربع‪ ،‬ال يضرك أبيهن بدَت‪ :‬سبحان هللا‪ ،‬واحلمد‬
‫هلل‪ ،‬وال إله إال هللا‪ ،‬وهللا َكرب »‪.‬‬

‫وعن ابن مسعود رضي هللا عنه أن النيب ﷺ قال‪ « :‬من قرَ ابخآيتني من آخر سورة البقرة يف ليلة كفتاه »‬
‫رواه البخاري ومسلم‪ .‬أي أجزأته عن قيام تلك الليلة‪ ،‬وقيل‪ :‬كفتاه ما يكون من اآلفات تلك الليلة‪.‬وقال ابن خزمية يف‬
‫صحيحه‪ « :‬ابب أقل ما جيزي من القراءة يف قيام الليل » َث ذكره‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫وعن أيب سعيد رضي هللا عنه قال‪ :‬قال النيب ﷺ‪َ « :‬يعجز َحدكم َن يقرَ ثلث القرآن يف ليلة؟ فشق‬
‫ذلك عليهم‪ ،‬وقالوا‪َ :‬ينا يطيق ذلك اي رسول هللا؟ قال ﷺ‪ :‬هللا الواحد الصمد‪ :‬ثلث القرآن » رواه البخاري‬
‫ومسلم والنسائي‪.‬‬

‫وعـ ـن أيب هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا ﷺ قال‪ « :‬من قال‪ :‬ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬له‬
‫امللك وله احلمد‪ ،‬وهو على كل شيء قدير يف يوم مائة مرة‪ ،‬كانت له عدل عشر رقاب‪ ،‬وكتبَت له مائة حسنة‪،‬‬
‫وحميَت عنه مائة سيئة‪ ،‬وكانت حـ ـرزاً له من الشيطان يومه ذلك حىت ميسي‪ ،‬ومل أيت َحد أبفضل مما جاء به إال‬
‫َحد عمل َكثر من ذلك» رواه البخاري ومسلم والرتمذي والنسائي وابن ماجه‪.‬‬

‫وزاد مسلم والرتمذي والنسائي‪ « :‬ومن قال‪ :‬سبحان هللا وحبمده يف يوم مائة مرة حطَّت خطاايه‪ ،‬ولو‬
‫كانت مثل زبد البحر »‪.‬‬

‫الرتهيب من عدم ذكر هللا يف اجملالس‬

‫عن أيب هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا ﷺ قال‪ « :‬مـ ـا قعد قوم مقعداً مل يذكروا هللا فيه‪ ،‬ومل يصلوا على‬
‫النيب ﷺ إال كان عليهم حسرة يوم القيامة » رواه الرتمذي‪.‬‬

‫وروى أمحد بلفظ‪ « :‬ما جلس قوم جملساً مل يذكروا هللا فيه إال كان عليهم ت َّرة » َي حسرة وندامة « وما‬
‫من رجل ميشي طريقا فلم يذكر هللا عز وجل إال كانت عليه ت َّرة »‪.‬‬

‫جاء يف « فتح العالم » ‪ :‬إن ما جاء يف احلديث يدل على ان الذكر واجب‪ ،‬وكذلك الصالة على النيب ﷺ‬
‫يف اجمللس‪ ،‬ال سيما مع تفسري « الرتة »‪ :‬ابلنار‪ ،‬أو العذاب‪ ،‬فقد فسرت هبما‪ ،‬فإن التعذيب ال يكون إال لرتك‬
‫واجب أو فعل حم ـ ـ ـظور‪.‬‬

‫ذكــر كـف ـ ــارة اجمللـ ــس‬

‫عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ « :‬من جلس جملسا فكثر فيه لغطه‪ ،‬فقال قبل َن‬
‫يقوم مـ ـ ن جملسه‪ :‬سبحانك اللهم وحبمدك‪َ ،‬شهد َن ال إله إال َنت‪َ ،‬ستغفرك وَتوب إليك‪ ،‬إال َّ‬
‫كفر هللا له ما‬
‫كان يف جملسه ذلك »‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫فضل من قال‪ :‬ال إله إال هللا خملصا‬

‫ع ـ ـن أيب هريرة رضي هللا عنه أن النيب ﷺ قال‪َ « :‬فضل الـ ـذكر‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬وَفضل الدعاء‪ :‬احلمد هلل‬
‫» رواه النسائي وابن ماجه واحلاكم‪.‬‬

‫فضل االستغفـ ـ ـ ـ ـ ــار‬

‫جاء رجل إىل احلسن البصري رضي فشكى لـ ـه قلة املطر‪ ،‬فقال له‪ :‬استغفرهللا‪ ،‬وجاء آخر فشكى له قلة‬
‫املال‪ ،‬فقال له‪ :‬استغفر هللا ‪ ،‬وجاء اثلث فشكى له قلة البنني‪ ،‬فقال له‪ :‬استغفر هللا‪ ،‬وشكى له رابع قلة اإلنبات‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬استغفر هللا‪ ،‬قالوا‪ :‬اي تقي الدين كلما جاءك ٍ‬
‫شاك قلت له‪ :‬استغفر هللا‪ ،‬قال هلم‪ :‬نعم‪،‬أو ما قرأمت قوله‬

‫‪    ‬‬ ‫تعاىل‪       ﴿ :‬‬

‫( نوح‪.)12-10 :‬‬ ‫‪﴾          ‬‬

‫عن أنس رضي هللا عنه قال‪ :‬مسعت رسول هللا ﷺ يقول‪ « :‬يقول هللا تعاىل‪ :‬اي ابن آدم‪ ،‬إنك ما دعوتين‬
‫ورجوتين ‪ ،‬غفرت لك على ما كان منك وال َابيل‪ ،‬اي ابن آدم‪ ،‬لو بلغت ذنوبك عنان السماء مث استغفرتين‬
‫غفرت لك وال َابيل‪ ،‬اي ابن آدم‪ ،‬إنك لو َتيتين بقراب األرض خطااي مث لقيتين ال تشرك يب شيئا ألتيتك بقراهبا‬
‫مغفرة » رواه الرتمذي‪.‬‬

‫وعن عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما قال‪ « :‬من لزم االستغفار جعل هللا له من كل ٍ‬
‫هم فرجا‪ ،‬ومن كل‬
‫ضيق خمرجا‪ ،‬ورزقه من حيث ال حيتسب » رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة واحلاكم‬

‫واألمانة مع املال واالستغفار تزيده بركة ومناء‪       ﴿ :‬‬

‫( األعراف‪.) 96 :‬‬ ‫‪﴾     ‬‬

‫قال ﷺ‪ « :‬إن اخلازن املسلم األمني الذي يعطي ما َمر به كامالً موفرا طيبةً به نفسه حىت يدفعه إىل‬
‫الذي َمر له به َحـ ـ ـد املتصدقني »‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫وعقب القرآن الكرمي يف اآلية السابقة بقوله جل جالله‪     ﴿ :‬‬

‫( األعراف‪.) 96 :‬‬ ‫‪﴾  ‬‬

‫قال ﷺ‪ « :‬إذا َراد هللا بقوم قحطاً‪ ،‬اندى ٍ‬


‫مناد من قبَل هللا‪ :‬اي َمعاء اتسعي‪ ،‬اي بركة ارتفعي‪ ،‬اي عني ال‬
‫تشبعي »‪.‬‬

‫هل يضري هللا شيء عندما يبسط يده ابخلري على عباده؟ وهل تنقص خزائنه أن يفيض على الناس من‬
‫الربكات؟ ال والذي نفسي بيده‪.‬‬

‫روى أبو هريرة عن النيب ﷺ أنه قال‪ « :‬إن ميني هللا مألى ال يغيضها ( َي ال ينقصها ) نفقة‪َ ،‬رَيتم ما‬
‫َنفق منذ خلق السماوات واألرض‪ ،‬فإنه مل ينقص ما يف ميينه‪ ،‬وعرشه على املاء‪ ،‬وبيده األخرى الفيض َو‬
‫القبض يرفع وُيفض »‪.‬‬

‫إن املؤمن الصادق هو الذي إذا سأل ال يسأل إال هللا‪ ،‬وإذا استعان ال يستعني إال ابهلل‪ ،‬وإذا توكل فعلى هللا‪،‬‬
‫ال يلجأ لغريه‪ ،‬وال ي ـ ـذل نفسه ما دام يؤمن ب ـأن الرافع اخلافض ه ـ ـو هللا‪ ،‬وأن الباسـ ـط الق ـ ـابض هـ ـ ـو هللا‪ ،‬وأن املعز‬
‫املذل هو هللا‪ ،‬وأن املعطي املـ ـ ـ ـانع هو هللا‪ ،‬وان احمليي املميت هـ ـ ـ ـو هللا‪ ،‬أما الذي يلجأ لغريه فحسبه ما جلأ إليه‪.‬‬

‫قال ﷺ‪ « :‬من فتح على نفسه ابابً من السؤال‪ ،‬فتح هللا عليه سبعني ابابً من الفقر »‪.‬‬

‫ما أعظم أن يعرق اجلـ ـ ـبـني يف طلب احلالل‪ ،‬روي أن النيبﷺ ك ـ ـان جالسا ذات يوم مع أصحابه‪ ،‬فنظروا إىل‬
‫شـ ـ ـاب ذي جل ٍد‪ ،‬وقد بك ـ ـر يسعى‪ ،‬فقالوا‪ :‬ويـ ـح هذا لو كان شبابه وجلده يف سبيل هللا‪ ،‬فقال ﷺ‪ « :‬ال تقولوا‬
‫هذا‪ ،‬فإن كان يسعى على نفسه ليكفيها عن املسألة ويغنيها عن الناس فهو يف سبيل هللا‪ ،‬وإن كان يسعى على‬
‫َبـ ـوين ضعيفني َو ذري ـة ضـ ـعاف ليغنيهم ويكفيهم فهو يف سبيل هللا‪ ،‬وإن كان يسعى تفاخرا وتكاثراً فهو يف‬
‫سبيل الشيطـ ـان»‬

‫وألمهية االستغفار نقول‪ :‬إذا ن ـ ـزل القحط‪ ،‬وامتنع املطر‪ ،‬تقرب الـ ـزارع املسلم إىل هللا ابلصالة والدعـاء‪،‬‬
‫ويستحب للزارع إذا نزل هبم القحط وامتنع املطر أن يتقربوا إىل هللا ابلصالة والدعاء اقتداء برسول هللا ﷺ‪.‬‬

‫فقد حدث ان رجال دخل يوم اجلمعة من ابب كان جتاه املنرب ورسول هللا ﷺ قائم خيطب‪ ،‬فاستقبل رس ـ ـول‬
‫هللا ﷺ قائما فقال‪ :‬يـ ـا رسـ ـ ـ ـول هللا هلكت املـ ـ ـواشي‪ ،‬وانقطعت السبل‪ ،‬فادع هللا يغيثنا‪.‬‬

‫‪48‬‬
.» ‫ اللهم اسقنا‬،‫ « اللهم اسقنا‬:‫ فرفع رسول هللا ﷺ يديه فقال‬:‫قال‬

‫ وال وهللا ما نرى يف السماء من سحاب وال ق ـ ـزعة ( القطعة من السحاب الـ ــرقيق األبيض ) وال‬:‫قـ ـ ـال أنس‬
:‫ قال‬،‫شيئا (أي من ريـ ـح أو ك ـ ـدرة مما يـ ــدل على املطر) وم ـ ـا بيننا وب ـ ـني سلع ( جبل ابملدينة ) مـ ـن بيت وال دار‬
‫فطلعت من ورائه سحابة مثل الرتس ( أي اجملن الذي يتقى به للحرب ) فلما توسطت السماء انتشرت َث أمطرت‬
:‫وهللا ما رأينا الشمس ستا ( أسبوع ) َث دخل من ذلك الباب يف اجلمعة املقبلة ورسول هللا ﷺ قائم خيطب فقال‬:‫قال‬
‫ «اللهم‬:‫ فرفع رس ـ ـ ـول هللا ﷺ يديه َث قال‬:‫ ق ـ ـ ـال‬،‫اي رسـ ـ ـول هللا هلكت األم ـ ـ ـوال وانقطعت السبل فادع هللا ميسكها‬
‫ اللهم على اخآكام ( اهلضبة او اجلبل الصغري ) واجلبال واخآجام ( الغابة ) والظراب ( اجلبال‬،‫حوالينا وال علينا‬
.‫ فانقطعت وخرجنا منشي يف الشمس‬:‫ قال‬،»‫املنبسطة على األراضي ) واألودية ومنابت الشجر‬

‫ خرج النيب ﷺ يستسقي فـتـ ـ ـوجه إىل القبلة يدعـ ـ ـو وحـ ـ ـول رداءه َث صلى ركعتني جهر‬:‫ قال‬:‫ويف حديث آخر‬
.‫فيهما ابلقراءة‬

‫أرأيت كيف كان الذكر والتضرع إىل هللا واللجوء إليه؟‬

      ﴿ ‫انظر إىل آاثر رمحة هللا كيف حييي األرض بعد موهتا‬

              

                

               

               

             

                

                

﴾                

.) 65-60 :‫( النمل‬

49
‫كل الوجود على وجودك شاهد‬ ‫سبحانك هللا أنت الواحد‬
‫رهبا‪ ،‬وكل الكائنات توحد‬ ‫اي من عنت الوجوه أبثرها‬
‫كل القلوب له تقر وتشهد‬ ‫أنت اإلله الواحد احلق الذي‬

‫أرأيت كيف أمر هللا السماء أن متطر حىت صار ماؤها مغزارا ومدرارا ومكثارا‪ ،‬إنه س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر االستغفار والذكر‪.‬‬

‫﴿ ‪           ‬‬

‫( هود‪.) 52 :‬‬ ‫‪﴾      ‬‬

‫إن ذك ـ ـ ر هللا يضيء جنبات احلياة إذا أظلمت‪ ،‬ويبدد ظلماهتا إذا صارت قطعا من الليل مظلما‪ ،‬ويهدي إىل‬
‫سواء الصراط إذا ما ْادلـهمت الفنت واحتدمت اخلطوب‪.‬‬

‫أسند ع ـ ـ ـ ـن احلارث‪ ،‬ع ـ ـن علي رضي هللا عنه فيما أخ ـ ـ ـ ـرجه الرتمذي قـ ـ ـال‪ :‬مسعت رس ـ ـ ـ ـ ـول هللا ﷺ يق ـ ـ ـ ـول‪« :‬‬
‫ستكون ف ََت كقطع الليل املظلم »‪ .‬قلت‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬وما املخرج منها؟ قال‪ « :‬كتاب هللا تبارك وتعاىل فيه نبأ‬
‫َمن قبلكم‪ ،‬وخري َمن بعدكم‪ ،‬وحكم ما بينكم‪ .‬هو الفصل ليس ابهلزل‪ ،‬من تركه من جبار قصمه هللا‪ ،‬ومن ابتغى‬
‫اهلدى يف غريه َضله هللا‪ ،‬هو حبل هللا املتني‪ ،‬ونوره املبني والذكر احلكيم‪ ،‬وهو الصراط املستقيم‪ ،‬وهو الذي ال‬
‫تزيغ به األهواء‪ ،‬وال تلتبس به األلسنة‪ ،‬وال تتشعب معه اخآراء‪ ،‬وال يشبع منه العلماء‪ ،‬وال ميله األتقياء‪ ،‬وال‬

‫ُيلق على كثرة الرد‪ ،‬وال تنقضي عجائبه‪ ،‬وهو الذي مل تنته اجلن إذا مسعته َن قالوا‪    ﴿:‬‬

‫لمه سبق‪ ،‬وم ـ ـن قال به صدق‪ ،‬وم ـ ـن حكم به ع ـ ـدل‪ ،‬ومن عمل به َجـ ـر‪،‬‬
‫‪( ﴾ ‬اجلن‪َ .) 01 :‬م ـن َعلم ع َ‬
‫ومن دعـ ـا إليه هدي إىل صـ ـ ـ ـراط مستقيم »‪.‬‬

‫ويقول ابن عوف فيما رواه البخاري رضي هللا عنه‪ « :‬ثالث أحبهن لنفسي وإخواين‪:‬‬

‫هذه السنة أن يتعلموها ويسألوا عنها‪.‬‬

‫والقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرآن أن يتفهموه ويسألوا عنه‪.‬‬

‫ويـ ـ ـدعـ ـوا الن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاس إال م ـ ـن خـ ـ ـ ـري »‪.‬‬


‫ويقول سيدان علي رضـ ـ ـوان هللا تعاىل عليه يف كالم طـ ـ ـويل له‪ « :‬اعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي ال‬
‫يـغش‪ ،‬واهلادي الذي ال يضل‪ ،‬واملحدث الذي ال يـكذب‪ ،‬وما ج ـ ـالس هـ ـذا القرآن أحد إال قام عنه بزايدة أو‬

‫‪50‬‬
‫نقصان‪ :‬زايدة يف هدى ونقصان من عمر‪ ،‬واعلموا ‪ :‬أنه ليس على أح ـ ـد بعد القرآن من فاقة‪ ،‬وال ألح ـ ـد بعد القرآن‬
‫من غىن‪ ،‬فاستشفوه مـ ـن أدوائكم‪ ،‬واستعينوا بـ ـه آلوائـك ـم‪ ،‬ف ـ ـ ـإن فيه الشفاء من أكرب الداء ‪.» ...‬‬
‫وعن مرة اهلمداين يقول‪ « :‬قال عبد هللا‪ :‬إن أحسن احلديث كتاب هللا‪ ،‬وأحسن اهلدي هدي حممد ﷺ‪،‬‬
‫وشر األمور حمداثهتا‪ ،‬وأن ما تـ ـوعـ ـ ــدون آلت وما أنتم مبعجزين »‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪51‬‬
‫الذكر املضاعف وج ـ ـوامعه‬

‫الذكـ ــر الـمضاعف وجـ ـ ــوامعه‬


‫عـ ـن جـ ـ ـ ـويرية بنت احلارث أم املؤمنني أن النيب ﷺ خرج من عندها‪َ ،‬ث رجع بعد أن أضحى وهي جالسة‪،‬‬
‫فقال‪ « :‬ما زلت على احلال اليت فارقت عليها؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال النيب ﷺ‪ :‬قلت بعدك َربع كلمات ثالث مرات‬
‫لو وزنت مبا قلت منذ اليوم لوزنتهن‪ :‬سبحان هللا وحبمده‪ ،‬عدد خلقه‪ ،‬ورضاء نفسه‪ ،‬وزنة عرشه‪ ،‬ومداد كلماته‬
‫» رواه مسلم وأبو داود‪.‬‬

‫ودخل رسول هللا ﷺ على امرأة وبني يديها نوى ( أو حصى ) تسبح هللا به‪ ،‬فقال‪َ « :‬خربك مبا هو َيسر‬
‫عليك من هذا‪َ ،‬و َفضل؟ فقال‪ :‬سبحان هللا عدد ماخلق بني ذلك‪ ،‬وسبحان هللا عدد ما هو خالق‪ ،‬وهللا اكرب‬
‫مثل ذلك‪ ،‬واحلمد هلل مثل ذلك‪ ،‬وال إله إال هللا مثل ذلك‪ ،‬وال حول وال قوة إال ابهلل مثل ذلك » رواه أصحاب‬
‫السنن واحلاكم‪.‬‬

‫وعن ابن عمر رضي هللا عنهما أن رسول هللا ﷺ حدثهم أن عبدا من عباد هللا قال‪ « :‬اي رب لك احلمد‬
‫كما ينبغي جلالل وجهك ولعظيم سلطانك‪ ،‬فعضلت ابمللكني‪ ،‬فلم يدراي كيف يكتباهنا‪ ،‬ومعىن عضلت‪َ:‬ي‬
‫اشتدت وعظ َمت‪،‬فصعدا إىل السماء فقاال‪ :‬اي ربنا إن عبدك قد قال مق ـ ـالة ال ندري كيف نكتبها؟ قال هللا‪،‬‬
‫وهو َعلم مبا قاله عبده‪ :‬ما قال عبدي؟ قاال‪ :‬اي رب إنه قد قال‪ :‬اي رب لك احلمد كما ينبغي جلالل وجهك‬
‫ولعظيم سلطانك‪ ،‬فقال هللا هلما‪ :‬اكتباها كما قال عبدي حىت يلقان فأجـ ـ ـ ـ ـزيه هبا » رواه أمحد وابن ماجة‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪52‬‬
‫َذكار الصباح واملساء‬

‫َذك ـ ـ ـ ــار الصبـ ـ ــاح واملسـ ـ ـ ــاء‬


‫أذكار الصباح يبدأ وقتها من طلوع الفجـ ـر إىل طلوع الشمس‪ ،‬وأذكار املساء ما بني العصر والغروب‪.‬‬

‫روى مسلم عـ ـ ـن أيب هريرة رضي هللا عنه أن النيب ﷺ قال‪ « :‬من قال حني يصبح وحني يسمي‪ :‬سبحان‬
‫هللا وحبمده مائة مرة‪ ،‬مل أيت َحد يوم القيامة أبفضل مما جاء به‪ ،‬إال َحد قال مثل ما قال‪َ ،‬و زاد عليه »‪.‬‬

‫وروى أيضا عن ابن مسعود قال‪ « :‬كان نيب هللا ﷺ إذا َمسى قال‪َ :‬مسينا وَمسى امللك هلل‪ ،‬واحلمد هلل‪،‬‬
‫وال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬له امللك وله احلمد وهو على كل شيء قدير‪ .‬رب َسألك خري ما يف هذا‬
‫الليلة وخري ما بعدها وَعوذ بك من شر ما يف هذه الليلة وشر ما بعدها‪ .‬رب َعوذ بك من الكسل وسوء‬
‫الـكـ ـرب‪ ،‬رب َعوذ بك من عـ ـ ـذاب يف النار وعذاب يف الق ـ ـرب‪ ،‬وإذا َصبح قال ذلك َيضا‪َ :‬صبحنا وَصبح‬
‫امللك هلل‪ ،‬إىل آخره »‪.‬‬

‫وروى أبو داود‪ ،‬عن عبد هللا بن حـ ـبيب ق ـال‪ :‬قـ ـال رس ـ ـول هللا ﷺ‪ « :‬ق ـل‪ .‬قلت‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬ما َقول؟‬
‫قال‪ :‬قل هو هللا َحد واملعوذتني حني متسي وحني تصبح – ثالث مرات – تكفك م ـن ك ـ ـل شيء » قال‬
‫الرتمذي‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫وروى أيضا ع ـ ـن أيب هـ ـريرة أن النيب ﷺ كان يعلم أصحابه يقول‪ « :‬إذا َصبح َحدكم فليقل‪ :‬اللهم بك‬
‫َصبحنا وبك َمسينا‪ ،‬وبك حنيا‪ ،‬وبك منوت‪ ،‬وإليك النشور‪ .‬وإذا َمسى فليقل‪ :‬اللهم بك َمسينا‪ ،‬وبك‬
‫َصبحنا‪ ،‬وبك حنيا‪ ،‬وبك منوت‪ ،‬وإليك املصري » قال الرتمذي‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫ويف صحيح البخاري عن ش ـ ـداد بن أوس عن النيب ﷺ قال‪ « :‬سيد االستغفار‪ :‬اللهم َنت ريب ال إله إال‬
‫َنت‪ ،‬خلقتين‪ ،‬وَان عبدك‪ ،‬وَان على عهدك ووعدك ما استطعت‪َ ،‬عوذ بك من شر ما صنعت‪َ ،‬بوء لك‬
‫بنعمتك علي‪ ،‬وَبوء بذنيب‪ ،‬فاغفر يل‪ ،‬فإنه ال يغفر الذنوب إال َنت‪ .‬من قاهلا حني ميسي فمات من ليلته دخل‬
‫اجلنة‪ ،‬ومن قاهلا حني يصبح فمات من يومه دخل اجلنة »‪.‬‬

‫ويف ال ـ ـرتمذي عـ ـن أيب هريرة رضي هللا عنه‪ :‬أن أاب بكر الص ـديق رضي هللا عنه قال لرسـ ـول هللا ﷺ‪ :‬مـ ـ ْرين‬
‫رب‬
‫بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت‪ ،‬قال‪ :‬قل‪ « :‬اللهم عـ ـامل الغيب والشهادة‪ ،‬فاطر السماوات واألرض‪َّ ،‬‬
‫كل شيء ومليكه‪َ ،‬شهد َن ال إله إال َنت‪َ ،‬عوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه‪ ،‬وَن نقرتف‬

‫‪53‬‬
‫على نفسي سوءاً َو جنره إىل مسلم‪ .‬قـله إذا َصبحت وإذا َمسيت وإذا َخذت مضجعك » قال الرتمذي‬
‫حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫ويف الرتمذي أيضا عن عثمان بن عفان رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رس ـ ـول هللا ﷺ‪ « :‬مـ ـا من عبد يقول يف‬
‫صباح كل يوم‪ ،‬ومساء كل ليلة‪ :‬بسم هللا الذي اليضر مع امسه شيء يف األرض وال يف السماء وهو السميع‬
‫العليم ثالث مرات فيضره شيء » أي ال يضره شيء‪.‬‬

‫وفيه أيضا عن ثوبـ ـان وغريه أن رسول هللا ﷺ قال‪ « :‬من قال حني ميسي وإذا َصبح‪ :‬رضيت ابهلل رابً‪،‬‬
‫وابإلسالم ديناً‪ ،‬ومبحمد ﷺ نبياً‪ :‬كـ ـ ـان حقا على هللا َن يرضيه »‪.‬‬

‫ويف الرتمذي أيضا عن أنس أن رسول هللا ﷺ قال‪ « :‬م ـ ـن قال حني يصبح َو ميسي‪ :‬اللهم إن َصبحت‬
‫َشهدك وَشهد محلة عرشك ومالئكتك وَنبياءك ومجيع خلقك َنك َنت هللا‪ ،‬ال إله إال َنت وحدك ال شريك‬
‫لك‪ ،‬وَن حممدا عبدك ورسولك ﷺ َعتق هللا ر َبع ه من النار‪ ،‬فمن قاهلا مرتني َعتق هللا نصفه من النار‪ ،‬ومن‬
‫قاهلا ثالاث َعتق هللا ثالثة َربَـ ـاعه من النار‪ ،‬ومن قاهلا َربعا َعتقه هللا من النار »‬

‫ويف سنن أيب داود عن عبد هللا بن غنام أن رسول هللا ﷺ قال‪ « :‬م ـ ـن قال حني يصبح‪ :‬اللهم ما َصبح‬
‫كر يومه‪،‬‬
‫يب من نعمة َو أبحد من خلقك فمنك وحدك ال شريك لك‪ ،‬لك احلمد ولك الشكر فقد َدى ش َ‬
‫ومن قال مثل ذلك حني ميسي فقد َدى شكر ليلته »‪.‬‬

‫ويف السنن وصحيح احلاكم عن عبد هللا بن عمر قال‪ :‬مل يكن النيب ﷺ يدع هؤالء الكلمات حني ميسي‬
‫وحني يصبح‪ « :‬اللهم إن َسألك العفو والعافية يف الدين والدنيا واخآخرة‪ .‬اللهم إن َسألك العفو والعافية يف‬
‫ديين ودنياي وَهلي ومايل‪ ،‬اللهم اسرت عـ ـ ـورايت‪ ،‬وآمن روع ـ ـايت‪ ،‬اللهم احفظين من بني يدي ومن خلفي‪ ،‬وعن‬
‫مييين‪ ،‬وعن مشايل‪ ،‬ومن فوقي‪ ،‬وَعوذ بعظمتك َن َغتال من حتيت » قال وكـ ـ ـيع‪ :‬يعين اخلسف‪.‬‬

‫وعن عبد الرمحان بن أيب بكرة أنه قال ألبيه‪ :‬يـ ـا أبت‪ ،‬إين أمسعك تدعـ ـ ـو كل غـ ـداة‪ « :‬اللهم عافين يف‬
‫بدن‪ ،‬اللهم عافين يف مسعي‪ ،‬اللهم عافين بصري‪ ،‬ال إله إال َنت‪ .‬تعيدها ثالاث حني تصبح وحني متسي؟ فقال‪:‬‬
‫َسَت بسنَّته » رواه أبو داود‪.‬‬
‫وإن مسعت رسول هللا ﷺ يدعو هبن‪ ،‬فأان َحب َن َ َّ‬

‫وروى ابن السين عن ابن عباس أن رسول هللا ﷺ قال‪ « :‬من قال إذا َصب ـ ـح‪ :‬اللهم إن َصبحت منك يف‬
‫نعمة وعافية وسرت‪ ،‬فأتـ ـ َّم علي نعمتك وعافيتك وسرتك يف الدنيا واخآخرة‪ ،‬ثالث مرات‪ ،‬إذا َصبح وإذا َمسى‬
‫كان حقا على هللا َن يتم عليه »‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫وروي عـ ـن أنس أنه ﷺ قـ ـ ـال‪َ « :‬يعج ـ ـز َح ـ ـدكم َن يكـ ـون ك ـ ـأيب ضمضم؟ قالوا‪ :‬ومن َبو ضمضم اي‬
‫رسول هللا؟ قال‪ :‬كان إذا َصبح ق ـ ـال‪ :‬اللهم َو َهـبت نفسي وعـ ـرضي لك‪ ،‬فال يشتم من شتمه‪ ،‬وال يظلم من‬
‫ظلمه‪ ،‬وال يضرب من ضربه »‪.‬‬

‫وروي عن ابن أيب الدرداء رضي هللا عنه عن النيب ﷺ قال‪ « :‬م ـ ـن ق ـ ـال يف كل يوم حني يصبح وحني‬
‫ميسي‪ :‬حسيب هللا ال إله إال هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم‪ ،‬سبع مرات‪ ،‬كفاه هللا تعاىل مـ ـا َمهـ ـه مـ ـن‬
‫َمـ ـر ال ـدنيا واخآخرة »‪.‬‬

‫وروي ع ـ ـن ابن حبيب ق ـ ـال‪ :‬جـ ـاء رج ـل إىل أيب ال ـ ـدرداء‪ ،‬فقـ ـال‪ :‬اي أاب الدرداء‪ ،‬قد اح ـ ـرتق بيتك‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫احرتق‪ ،‬لـم يكن هللا عز وجل ليفعل ذلك بكلمات مسعتهن من رسول هللا ﷺ‪ ،‬مـ ـن قـ ـاهلا أول هناره مل تصبه مصيبة‬
‫حىت ميسي‪ ،‬ومن قاهلا آخر هناره مل تصبه مصيبة حىت يصبح‪:‬‬

‫« اللهم َنت ريب‪ ،‬ال إله إال َنت‪ ،‬عليك توكلت‪ ،‬وَنت رب العرش العظيم‪ ،‬ما شـ ـ ـاء هللا كان‪ ،‬وم ـ ـا مل‬
‫يشأ مل يكن‪ ،‬وال حـ ـ ـول وال ق ـ ـ ـوة إال ابهلل العلي العظيم‪َ ،‬علم َن هللا على كل شيء قدير‪ ،‬وَن هللا قد َحاط‬
‫بكل شيء علماً‪ .‬اللهم إن َعوذ بك من شر نفسي‪ ،‬ومن شر كل دابة َنت آخذ بناصيتها‪ ،‬إن ريب على صراط‬
‫مستقيم » ويف بعض الرواايت أنه قال‪ :‬اهنضوا بنا‪ ،‬فقام وقاموا معه‪ ،‬فانتهوا إىل داره وقد احرتق ما حوهلا ومل يصبها‬
‫شيء!!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪55‬‬
‫َذكـ ــار الن ــوم و َذكار االستيقاظ‬

‫َذكـ ــار الن ــوم و َذكار االستيقاظ‬

‫َذك ـ ـ ـ ــار النـ ـ ـ ـ ــوم‬

‫روى البخ ـاري ع ـ ـن حـ ـ ـ ـذيفة وأيب ذر رضي هللا عنهما قـ ـ ـاال‪ :‬كـ ـ ـان الـ ـنيب ﷺ إذا آوى إىل فـ ـ ـراش ـه ق ـ ـ ـال‪:‬‬

‫« ابمسك اللهم َحيا وَموت‪ ،‬وإذا استيقظ قال‪ :‬احلمد هلل الذي َحياان بعد ما َماتنا وإليه النشور »‪.‬‬

‫وكان من هديه ﷺ أن يضع يده اليمىن حتت خده ويقول‪ « :‬اللهم قين عذابك يوم تبعث عبادك – ثالاث‬
‫–ويقول‪ :‬اللهم رب السماوات ورب األرض ورب العرش العظيم‪ ،‬ربنا ورب كل شيء‪ ،‬فالق احلب والنوى‪،‬‬
‫منزل التوراة واإلجنيل والقرآن‪َ ،‬عوذ بك من شر كل ذي شر َنت آخذ بناصيته‪َ ،‬نت األول فليس قبلك‬
‫شيء‪ ،‬وَنت اخآخر فليس بعدك شيء‪ ،‬وَنت الظاهر فليس فوقك شيء‪ ،‬وَنت الباطن فليس دونك شيء إقض‬
‫عنا الدين وَغننا من الفقر »‬

‫وكان يقول‪ « :‬احلمد هلل الذي َطعمنا وسقاان وكفاان وآواان‪ ،‬فكم ممن ال كايف له وال مؤوي »‬

‫وكان إذا آوى إىل فـ ـ ـ ـراشه كل ليلة ج ـ ـمع كفْيه َث نفث فيهما فقـ ـ ـرأ فيهما‪ « :‬قل هو هللا أحد » و « قل‬
‫أعوذ برب الفلق » و « قل أعوذ برب الناس »‪َ ،‬ث مسح هبما م ـ ـا است ـ ـطاع مـ ـن ج ـ ـسده‪ ،‬يبدأ هبما ع ـلى رأسـ ـه‬
‫ووجهـ ـه ومـ ـا أقبل من جسده الشريف‪ ،‬يفعل ذلك ثالث مرات‪.‬‬

‫وأرش ـ ـ ـد ﷺ أن يق ـ ـول املضطجع‪ « :‬ابمسك ريب وضعت جنيب وبك َرفعه‪ ،‬إن َمسكت نفسي فارمحها‪،‬‬
‫وإن َرسلتها فاحفظها مبا حتفظ به عبادك الصاحلني »‪.‬‬

‫وقال ﷺ لفاطمة‪َ « :‬سبـ ـ ـحي هللا ث ـ ـ ـالاث وثـ ـ ـالثني‪ ،‬وامح ـ ـ ـديه ث ـ ـالاث وثـ ـالثني‪ ،‬وَكـ ـبـريه َربـعا وثـ ـ ـالثني »‪.‬‬

‫وأوصى ﷺ بقراءة الدعاء املتقدم ذكره‪ « :‬اللهم فاطر السماوات واألرض » ‪ ...‬إخل‪ ،‬كما أوصى بقراءة آية‬
‫الكرسي‪ ،‬وأخرب ب ـ ـ ـ ـ ـأن من يقرأها ال يزال عليه من هللا حافظ‪.‬‬

‫وقال للرباء‪ « :‬إذا َتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصالة‪ ،‬مث اضطجع على شقك األمين‪ ،‬وقل‪ :‬اللهم‬
‫َسلمت نفسي إليك‪ ،‬ووجهت وجهي إليك‪ ،‬وَجلأت ظهري إليك‪ ،‬رغ ـ ـبة وره ـ ـبة إليك‪ ،‬ال ملجأ وال منجـا منك‬

‫‪56‬‬
‫ت م َّ‬
‫ت على الفطرة‪ ،‬واجعلهن‬ ‫إال إليك‪ ،‬آمنت ب ـ ـكتابك الـ ـ ـذي َن ـ ـزلت‪ ،‬ونبيك الذي َرسلت‪ ،‬مث قال‪ :‬فإن م َّ‬
‫آخر ما تقول»‪.‬‬

‫دع ـ ـ ـاء االستيقاظ من الن ـ ـ ـوم‬


‫أرش ـ ـد رس ـ ـول هللا ﷺ املستيقظ مـ ـن ن ـوم ـه أن يق ـ ـول‪ « :‬احلمد هلل الذي رد علي روحي‪ ،‬وع ـافان يف‬
‫جسدي‪ ،‬وََذ َن يل بذكره »‪.‬‬

‫وكان إذا استيقظ قال‪ « :‬ال إله إال َنت سبحانك‪ ،‬اللهم َستغفرك لذنيب‪ ،‬وَسألك رمحتك‪ ،‬اللهم زدن‬
‫علما‪ ،‬وال تزغ قليب بعد إذ هديتين‪ ،‬وهب يل من لدنك رمحة إنك َنت الوهاب »‪.‬‬

‫ار من الليل فقال‪ :‬ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬له امللك وله احلمد‪،‬‬
‫وصح أنه ﷺ قال‪ « :‬من تع ـ َّ‬
‫وهو على كل شيء قدير‪ ،‬احلمد هلل‪ ،‬وسبحان هللا‪ ،‬وال إله إال هللا‪ ،‬وهللا َكرب‪ ،‬وال حول وال قوة إال ابهلل‪ ،‬مث‬
‫قال‪ :‬اللهم اغفر يل َو دعا استجيب له‪ ،‬فإن توضأ وصلَّى قبلت صالته »‪.‬‬

‫الدعاء عند الفزع واألرق والوحشة‬

‫عن عمرو بن شعيب ع ـن أبيه عـ ـن جـ ـده أن رسول هللا ﷺ قال‪ « :‬إذا فـ ـزع َحدكم يف النوم فليقل‪َ :‬عوذ‬
‫بكلمات هللا التامات من غضبه وعقابه‪ ،‬وشر عباده‪ ،‬ومن مه ـ ـزات الشياطـ ـني وَن حيضـ ـرون‪ ،‬فإهنا ل ـن تضـره »‬
‫قال‪ :‬وكان اب ـن عمر يـعلمها من بـلـ ـغ من ولده‪ ،‬ومن مل يـْبلغ منهم كتبها يف صك وعلقها يف عنقه‪ .‬إسناد حسن‪.‬‬

‫وعن خالد بن الوليد رضي هللا عنه أنه أصابه أرق فقال رسول هللا ﷺ‪َ « :‬ال َعلمك كلمات إذا قلتهن‬
‫منت؟ قل‪ :‬اللهم رب السماوات السبع وما َظلَّت ورب األرض ـ ـني وما َقلَّت‪ ،‬ورب الشياطـ ـني وم ـ ـا َضلت‪،‬‬
‫لي‪ ،‬عـ ـ ـ َّز ج ـ ـارك‪ ،‬وج ـ ـل‬
‫علي َحـ ـ ـد منهم‪َ ،‬و َن يبـغـي ع ـ ـ َّ‬
‫كـ ـن يل جار من شـ ـ ـر خلقك كلهم مجيعا‪َ ،‬ن يف ـ ـ ـرط َّ‬
‫ثناؤك‪ ،‬وال إله غـ ـ ـريك‪ ،‬وال إلـ ـه إال َنت »‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪57‬‬
‫املؤمن ـ ــون الص ــادقـ ـ ــون‬

‫املؤمن ـ ــون الص ــادقـ ـ ــون‬

‫قال هللا تبارك وتعاىل‪          ﴿ :‬‬

‫‪   ‬‬ ‫‪       ‬‬

‫‪          ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫( األنفال‪.) 4 – 2 :‬‬ ‫‪﴾  ‬‬

‫هذه صفات كرمية‪ ،‬وخصال نبيلة‪ ،‬وسجااي محـ ـ ـيدة‪ ،‬ومـشاع ـ ـر ع ـ ـالية رفيعـ ـة‪ ،‬بـداها هللا تبارك امسه بق ـ ـ ـ ـ ـوله‪:‬‬
‫« إمنا املؤمنون » َث حكم هلم يف هناية املطاف أبحكام‪:‬‬
‫أوهلا‪ « :‬أولئك هم املؤمنون حقا »‪.‬‬
‫واثنيها‪ « :‬هلم درجات عند رهبم »‪.‬‬
‫واثلثها‪ « :‬مـغـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة »‪.‬‬
‫ورابعها‪ « :‬ورزق كـ ـرمي »‪.‬‬
‫ما أمجل هذه الصفات اليت من أ ْجلها استحق ه ـ ـ ـؤالء األحكام! فما أص ـ ـ ـدق هللا إذ قـ ـ ـال‪ ،‬ومـ ـ ـا أعدله إذا‬
‫حكم!‪ ،‬إنه ج ـ ـل شأنه وصف ه ـ ـ ـؤالء أبهنم إذا ذك ـ ـر هللا وجـ ـلت قل ـ ـوهبم مـ ـ ـن عظمته وهيبته‪ ،‬ون ـزلت فيها السكينة‬

‫والطمأنينة لعف ـ ـوه ورمح ـ ـته وبـ ـره وكـ ـ ـرمه‪ ،‬ق ـ ـال ج ـ ـل ش ـ ـأنه‪        ﴿ :‬‬

‫(الرعد‪.) 28 :‬‬ ‫‪﴾     ‬‬

‫ووصفهم اثنيا بقوله عز من قائل‪ ﴾       ﴿ :‬ذلك‪ :‬ألن اإلميان‬

‫ي ـ ـزيد ابلطاعة‪.‬‬
‫وم ـ ـا من شك يف أن شجرة اإلميان طيبة الثمر‪ ،‬كـ ـ ـرمية العطاء‪ ،‬أصلها ث ـ ـابت وفـ ـرعها يف السماء‪ ،‬كلما‬
‫تعه ـدهتا ابألعـ ـمال الصاحلة زادت مناء وكرما‪ ،‬إذ إهنا ابألعمال الطيبة الصاحلة‪ ﴿ :‬تـؤيت َكلَ َها ك َّل ح ٍ‬
‫ني بذن َرهبَا ﴾‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ووصفهم موالان تبارك وتعاىل اثلثا بقوله‪ ﴾    ﴿ :‬أي ال يسلمون أمورهم ويفوضون‬

‫شؤوهنم – بعد األخذ ابألسباب – إال على الـ ـ ـواحد القهار ج ـ ـل شأنه‪ ،‬فهم إذا سـ ـ ـألوا ال يسألون إال هللا‪ ،‬وإذا‬
‫استعانوا ف ـ ـ ـال يستعينون إال ابهلل‪ ،‬وإذا تـوكل ـ ـوا فـ ـ ـال يتوكلـ ـ ـون إال على هللا‪.‬‬

‫ورحم هللا القائل‪:‬‬

‫فإن ذلك نقص منك يف الدين‬ ‫ٍ‬


‫ملخلوق على طم ٍع‬ ‫ال ختضعن‬
‫إال إبذن الذي سواك من طني‬ ‫لن يقدر العبد أن يعطيك خردلة‬
‫وكن عفيفا‪ ،‬وعظم حرمة الدين‬ ‫فال تصاحب غنيا تستعز به‬

‫فإن رزقك بني الكاف والنون‬ ‫واسرتزق هللا مما يف خزائنه‬


‫استغىن امللوك بدنياهم عن الدين‬ ‫واستغن ابهلل عن دنيا امللوك كما‬

‫ووصفهم موالان رابعا بقوله ﴿ ‪ ﴾   ‬أي يـ ـؤدوهنا أداء مستقيما ال ع ـ ـوج فيه‬

‫وال نقص‪ ،‬وإمنا كمال وخشوع وج ـ ـ ـالل‪.‬‬

‫قالت أم امل ـ ـؤمنني ع ـ ـائشة رضي هللا عنها وهي تصف صـ ـ ـالة رس ـ ـ ـول هللا ﷺ‪ « :‬كـ ـان حي ـدثنا وحنـ ـدثه‪،‬‬
‫ويكلمنا ونكلمه‪ ،‬فإذا حضرت الصالة كأنه ال يعرفنا وال نعرفه »‪.‬‬

‫وقد سئل « حامت األصم » رضي هللا عنه‪ :‬كيف أنت إذا دخلت الصالة؟ قال‪ :‬إذا أردت الدخول يف‬
‫الصالة توضأت فأحسنت الوضوء‪َ ،‬ث إذا توجهت للوقوف بني يدي هللا جعلت كأن الكعبة أمامي‪ ،‬واملوت ورائي‪،‬‬
‫واجلنة عن مييين‪ ،‬والنار عن مشايل‪ ،‬والصراط حتت قدمي‪ ،‬وهللا مطلع علي‪َ ،‬ث أت ـم رك ـ ـوعها وسج ـودها‪ ،‬فإذا سلمت ال‬
‫أدري أقبلها هللا‪ ،‬أم ردها علي؟!‬

‫يرحم هللا ه ـ ـ ـؤالء األب ـ ـرار األطهار‪ ،‬األتقياء األنقياء األصفياء األخيار‪ ،‬إهنم ع ـ ــرفوا هللا فأحبهم هللا‪ ...‬فـ ـرضي‬
‫هللا عنهم ورضـ ـ ـوا عنـ ـه‪.‬‬

‫كـ ـانوا يف حـ ـالة السلم كما وصفهم م ـ ـوالان ج ـل شـ ـأنه يف قوله‪      ﴿ :‬‬

‫‪     ‬‬ ‫‪        ‬‬

‫‪59‬‬
‫‪              ‬‬

‫‪﴾                ‬‬

‫( النور‪.) 38 – 36 :‬‬

‫وكانوا يف حالة احلرب كما قال هللا يف شأهنم‪       ﴿ :‬‬

‫‪                ‬‬

‫(األحزاب‪.)24 ،23 :‬‬ ‫‪﴾‬‬

‫ووصف هللا تعاىل املؤمنني الصادقني خامسا بقوله‪ ﴾    ﴿ :‬أي أهنم عرفوا أن نعم‬

‫هللا اليت يسديها ويسوقها إىل عباده ال بد هلا من تـ ـزكية تتطهر هبا‪.‬‬
‫فاملـ ـال‪ :‬رزق‪ ،‬وفي ـه نفق ـ ـ ـ ـ ـ ـة‪.‬‬
‫والعلم‪ :‬رزق‪ ،‬وفيـ ـه نفق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة‪.‬‬
‫والصحة‪ :‬رزق‪ ،‬وفيها نفقة‪.‬‬
‫والذكـاء‪ :‬رزق‪ ،‬وفي ـ ـه نفقة‪.‬‬
‫فنفقة العلم‪ :‬أن ينفع الناس به‪ ،‬وخيـ ـ ـ ـرجهم ابهلداية من الظلمات إىل النور‪.‬‬
‫ونفقة املال‪ :‬أن يع ـ ـني به الفقراء واملساكني‪ ،‬ويغيث بـ ـه ذا احلاجة امللهوف وي ـ ـأخذ بيـ ـد الضعيف‪ ،‬وي ـ ـواسي‬
‫ب ـه البؤس ـ ـ ـاء‪.‬‬

‫ونفقة الصحة‪ :‬أن يستعملها يف اخلري‪ ،‬فيشارك الضعفاء‪ ،‬ويزيل النكبات عن املنكوبني‪.‬‬

‫ونفقة الذكاء‪ :‬أن يستغله يف اخلـ ـ ـ ـري والبن ـ ـاء‪ ،‬ال يف اهل ـ ـ ـ ـدم والت ـ ـ ـ ـخريب وظلم العب ـ ـ ـاد‪.‬‬

‫هذه نـ ـعم هللا أنـعم هبا ع ـلى ع ـ ـباده‪ ،‬وأم ـ ـ ـرهم أن ي ـ ـؤدوا م ـ ـا وجـ ـب فيها‪ ،‬شكـ ـ ـرا هلل املنعم املتفضل‪ ،‬الذي‬
‫يقول يف احلديث القدسي اجلليل‪ « :‬عبدي‪ََ ،‬نفق َنفق عليك »‪.‬‬

‫هذه خس صفات‪ ،‬استحقوا مبقتضاها أن حيكم هلم أبربعة أحكام‪:‬‬

‫أولئك هم املؤمنون حقا‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫هلم درجات عند رهبم‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪60‬‬
‫ومغفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ورزق كرمي‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫فرضي هللا عنهم‪ ،‬ورضوا عنه‪ ،‬وجعلنا منهم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪61‬‬
‫خامتة يف ذكر هللا تعاىل‬

‫خ ـ ــامتة يف ذكـ ــر هللا تعـ ـ ـ ــاىل‬

‫ملا كانت الصفة األوىل من صفات املؤمنني الصادقني قوله تعاىل‪     ﴿ :‬‬

‫( األنفال‪.) 02 :‬‬ ‫‪﴾   ‬‬

‫أردان أن نذكر كلمات جامعة يف ذكره جل شأنه‪ :‬عن أيب أمامة رضي هللا عنه قال‪ « :‬رآن النيب ﷺ وَان‬
‫َحرك شفين‪ ،‬فقال يل‪ :‬أبي شيء حترك شفتيك اي َاب َمامة ؟ فقلت‪َ :‬ذكر هللا اي رسول هللا‪ ،‬فقال‪َ :‬ال َخربك‬
‫أبكثر وَفضل من ذكرك ابلليل والنهار؟ قلت‪ :‬بلى اي رسول هللا‪ ،‬قال‪ :‬تقول‪ :‬سبحان هللا عدد م ـ ـا خلق‪،‬‬
‫سب ـ ـحان هللا ملء مـ ـا خلق‪ ،‬سب ـ ـحان هللا عـ ـ ـدد م ـا يف األرض والسماء‪ ،‬سبحان هللا ملء ما يف األرض والسماء‪،‬‬
‫سبحان هللا ملء ك ـ ـل شيء‪ ،‬احلمد هلل ع ـ ـدد مـ ـا خ ـلق‪ ،‬واحلـ ـمد هلل مـ ـلء م ـا خـلق‪ ،‬واحل ـ ـمد هلل ع ـ ـدد م ـ ـا يف‬
‫األرض والسماء‪ ،‬واحل ـ ـمد هلل م ـ ـلء م ـ ـا يف السماء‪ ،‬واحلـ ـ ـمد هلل عدد ما َحصى كتابه‪ ،‬واحلمد هلل ملء ما‬
‫َحصى كتابه‪ ،‬واحلمد هلل ملء ما َحصى كتابه‪ ،‬واحلمد هلل عدد كل شيء‪ ،‬واحلمد هلل ملء كل شيء » رواه‬
‫أمحد‪.‬‬

‫وروي عن ابن عمر رضي هللا عنهما ع ـ ـن رس ـ ـ ـول هللا ﷺ قـ ـ ـال‪ « :‬م ـ ـن قـ ـال‪ :‬احل ـ ـمد هلل رب الع ـ ـاملني‬
‫مح ـ ـدا كـث ـ ـ ـريا طيبا مب ـ ـ ـاركا في ـ ـ ـه على ك ـل حـ ـ ـال‪ ،‬محـ ـ ـدا ي ـ ـوايف نعمه ويك ـ ـافئ مـ ـ ـزيده‪ ،‬ث ـ ـالث مـ ـ ـرات‪ ،‬فتق ـ ـول‬
‫احلـ ـ ـفظة‪ :‬ربنا ال حن ـ ـسن ك ـ ـنه مـ ـا قـ ـ ـدسك ع ـ ـبدك هـ ـذا ومح ـ ـدك‪ ،‬ومـ ـ ـا نـ ـ ـدري كيف نـ ـكتبه؟ فيـ ـ ـوحي هللا إليهم‬
‫َن اكتب ـ ـوه كما ق ـ ـ ـال عب ـ ـدي » رواه البخاري‪.‬‬

‫واحلمد هلل أوال وآخرا‪ .‬وصلى هللا على سيدان حممد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪62‬‬
‫الصالة على رسول هللا ﷺ وكيفيتها‬

‫الصـ ـ ـ ـالة على رسول هللا ﷺ‬

‫﴿ ‪            ‬‬

‫( األحزاب‪.)56 :‬‬ ‫‪﴾  ‬‬

‫« اللهم صل على حممد وعلى آل حممد‪ ،‬كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‪ ،‬وابرك على حممد وعلى‬
‫آل حممد كما ابركت على إبراهيم يف العاملني إنك محيد جميد »‪.‬‬

‫إن الصالة على رسول هللا ﷺ ختـ ـ ـرج صاحبها بفضل هللا من ظلمات الغفلة والشهـ ـوة والشبه ـة وت ـ ـرتفع به من‬

‫غياهب الظلمات إىل م ـ ـدارج األن ـ ـوار ومعـ ـ ـارج االس ـ ـرار ﴿ ‪     ‬‬

‫‪               ‬‬

‫(األحزاب‪.)43،44:‬‬ ‫‪﴾   ‬‬

‫علي صـ ـ ـالة واحـ ـ ـدة صلى هللا عليه عـ ـ ـشر صل ـ ـوات‪ ،‬وحطَّت عنـه عـ ـشر‬
‫قـ ـ ـال ﷺ‪ « :‬م ـ ـن صلى َّ‬
‫خـ ـطيئات‪ ،‬ورفعت له عشر درجات »‪.‬‬

‫وروى النسائي عن أيب طلحة أن النيب ﷺ جاء ذات يوم والبشرى يف وجهه فقلنا‪ :‬إان لنرى البشرى يف‬
‫وجهك‪ ،‬قال‪ « :‬إنه َاتن امللَك فقال‪ :‬اي حممد إن ربك يقول‪َ :‬ما يرضيك َنه ال يصلي َحد عليك إال صليت‬
‫عليه عشراً‪ ،‬وال يسلم َحد عليك إال سلمت عليه عشراً »‪.‬‬

‫فهذا فضل هللا تعاىل على عباده إذا هم صلوا على نبيه ﷺ‪.‬‬

‫وتتأكد الصالة على رسـ ـ ـول هللا ﷺ إذا ذكـ ـ ـر امسـ ـه‪ ،‬ملا رواه الـ ـ ـرتمذي ع ـ ـن علي إبسناد حسن‪ « :‬البخيل‬
‫َمن ذكرت عنده فلم يصل علي »‪.‬‬

‫وجيب هنا أن نذكر ما جاء يف كتب التفسري عن معىن قوله تعاىل‪    ﴿ :‬‬

‫( األحزاب‪.)56 :‬‬ ‫‪﴾           ‬‬

‫‪63‬‬
‫قال البخاري‪ :‬قال أبـ ـ ـو العالية‪ :‬صالة هللا تعاىل ثناؤه عليه عـ ـ ـند املالئكة وصالة املالئكة ال ـ ـدعاء‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس‪ :‬يصلون أي يباركون‪.‬‬

‫وروي عن سفيان الثوري وغـ ـ ـ ـري واحد من أهل العلم قالوا‪ :‬صالة الرب الرمحة‪ ،‬وصالة املالئكة االستغفار‪.‬‬

‫وروي عن عطاء بن أيب رابح ﴿ ‪.﴾       ‬‬

‫قال‪ :‬صالته تبارك وتعاىل سب ـ ـ ـ ـوح قدوس سبقت رمحيت غضيب‪.‬‬

‫واملقصود من هذه اآلية أن هللا سبحانه وتعاىل أخرب عباده مبنزلة عبده ونبيه يف املأل األعلى أبنه يثين عليه عند‬
‫املالئكة املقربني‪ ،‬وأن املالئكة تصلي عليه‪َ ،‬ث أمر تعاىل أهل العامل السفلى ابلصالة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه‬
‫من أهل العاملني العلوي والسفلي مجيعا‪.‬‬

‫روى ابن أيب حامت عن ابن عباس أن بـين إسرائيل قالوا ملوسى عليه الصالة والسالم‪ :‬هل يصلي ربك؟ فناداه‬
‫ربه عز وجل‪ :‬اي موسى سـ ـ ـ ألوك‪ ...‬هل يصلي ربك؟ فقل‪ :‬نعم أان أصلي ومالئكيت على أنبيائي ورسلي‪ ،‬ف ـ ـ ـأنزل هللا‬

‫عز وجل على نبيه ﷺ‪            ﴿ :‬‬

‫‪.﴾  ‬‬

‫وقد أخرب سبحانه وتعاىل أبنه يصلي على عباده املؤمنني يف قوله‪     ﴿ :‬‬

‫‪     ‬‬ ‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫‪﴾         ‬‬

‫( األحزاب‪.) 43 – 41 :‬‬

‫وق ـ ـال جل شأنه‪           ﴿ :‬‬

‫‪          ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫( البقرة‪.) 157 – 155 :‬‬ ‫﴾‬

‫‪64‬‬
‫ويف احلديث الشريف‪ « :‬إن هللا ومالئكته يصلون على ميامني الصفوف »‪ .‬وقال عليه الصالة والسالم‪« :‬‬
‫إن هللا ومالئكته وَهل السماوات واألرض حىت النملة يف جحرها واحليتان يف البحر يصلون على معلم الناس‬
‫اخلري »‬
‫َ‬
‫وللطرباين يف األوسط والكبري عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ « :‬من قرَ السورة اليت يذكر فيها آل‬
‫عمران يوم اجلمعة صلى عليه هللا ومالئكته حىت تغيب الشمس »‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫كيفـيـ ــة الصـ ــالة علــى رسـ ــول هللا ﷺ‬

‫وردت أحاديث عن رسول هللا ﷺ تبني لنا كيفية الصالة عليه كما تفيد األمر ابلصالة عليه‪.‬‬

‫قال البخاري يف تفسري قوله تعاىل‪         ﴿ :‬‬

‫‪.﴾      ‬‬

‫قال‪ :‬حدثنا سعيد بن حيىي بن سعيد أخربان أيب عن مسعر عن احلكم عن ابن أيب ليلى عن كعب بن عجرة‬
‫قال‪ :‬قيل‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬أما السالم عليك فقد عرفناه‪ ،‬فكيف الصالة؟ قال‪ « :‬قولوا‪ :‬اللهم صل على حممد وعلى‬
‫آل حممد كما صليت على آل إبراهيم‪ ،‬إنك محيد جميد‪ ،‬اللهم ابرك على حممد وعلى آل حممد كما ابركت على‬
‫آل إبراهيم‪ ،‬إنك محيد جميد »‪.‬‬

‫ومعىن قوهلم لرسول هللا ﷺ ‪ :‬قد علمنا السالم عليك فاملقصود ما جاء يف التشهد وهو‪ :‬السالم عليك أيها‬
‫النيب ورمحة هللا وبركاته‪.‬‬

‫ويف حديث آخر قـ ـ ـالوا‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬كيف نصلي عليك؟ قال‪ :‬قولوا‪ « :‬اللهم صل على حممد وَزواجه‬
‫وذريته كما صليت على آل إبراهيم‪ ،‬وابرك على حممد وَزواجه وذريته كما ابركت على آل إبراهيم إنك محيد‬
‫جميد »‪.‬‬

‫وعن أيب مسعود البدري رضي هللا عنه أهنم قالوا‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬أما السالم فقد عرفناه‪ ،‬فكيف نصلي عليك‬
‫إذا حنن صلينا يف صالتنا؟ فقال‪ :‬قولوا‪ « :‬اللهم صل على حممد وعلى آل حممد » وذكره‪ .‬ورواه الشافعي رمحه هللا‬

‫‪65‬‬
‫يف مسنده عن أيب هريرة مبثله‪ ،‬ومن هنا ذهب الشافعي رمحه هللا إىل أنه جيب على املصلي أن يصلي على رسول هللا‬
‫ﷺ يف التشهد األخري‪ ،‬فإن تركه مل تصح صالته‪.‬‬

‫وأخرج األمام أمحد‪ :‬عن بريدة قال‪ :‬قلنا‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟‬
‫قال‪ « :‬قولوا‪ :‬اللهم اجعل صلواتك ورمحتك وبركاتك على حممد وعلى آل حممد كما جعلتها على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك محيد جميد »‪.‬‬

‫وروى ابن ماجة بسنده عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه قال‪ :‬إذا صليتم على رسول هللا ﷺ فأحسنوا‬
‫الصالة عليه‪ ،‬فإنكم ال تدون لعل ذلك يعرض عليه‪ ،‬قال‪ :‬فقالوا له‪ :‬علمنا‪ ،‬قال‪ :‬قولوا‪ :‬اللهم اجعل صلواتك‬
‫ورمحتك وبركتك على سيد املرسلني وإمام املتقني وخ ـ ـامت النبيني حممد عبدك ورسولك إم ـ ـام اخلري وق ـائد اخلري ورسول‬
‫الرمحة‪ ،‬اللهم ابعثه مقاما حم ـ ـمودا يـ ْغ ـ بطه به األولون واآلخرون‪ ،‬اللهم صل على حممد وعلى آل حممد كما صليت على‬
‫إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك محيد جميد‪.‬‬

‫ويف رواية قالوا‪ :‬يـ ـ ـ ـا رسول هللا علمنا السالم عليك‪ ،‬فكيف الصالة عليك؟ قال‪ « :‬اللهم صل على حممد‬
‫وعلى آل حممد كما صليت على إبراهيم إنك محيد جميد‪ ،‬وارحم حممدا كما رمحت آل إبراهيم إنك محيد جميد‪،‬‬
‫وابرك على حممد وآل حممد كما ابركت على إبراهيم إنك محيد جميد »‪.‬‬

‫فيستدل هبذا احلديث من ذهب إىل جواز الـ ـرتحم على النيب ﷺ كما هو قول مجـ ـ ـهور العلماء‪ ،‬ويقويه‬
‫حديث األعرايب الذي قال‪ :‬اللهم ارمح ـ ـين وحممدا وال ت ـ ـرحم معنا أحدا‪ ،‬فقال رسول هللا ﷺ‪« :‬لقد حجرت واسعاً »‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫بركات الصالة على رسول هللا ﷺ‬

‫ومن بركات الصالة على رسول هللا ﷺ إن املالئكة تصلي على م ْن صلى عليه مادام يصلي عليه‪.‬‬

‫علي فليقل عبد من ذلك َو‬


‫علي صالة مل تزل املالئكة تصلي عليه ما صلى َّ‬
‫قال ﷺ‪ « :‬من صلى َّ‬
‫ليكثر »‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫وروى ابو عيسى الرتمذي بسنده عن عبد هللا بن مسع ـ ـود رضي هللا عنه قـ ـال‪ :‬قـ ـ ـال رسـ ـ ـول هللا ﷺ‪:‬‬

‫« َوىل الناس يب يوم القيامة َكثرهم علي صالة »‪.‬‬

‫وعن زيد بن طلحة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪َ « :‬اتن آت من ريب فقال يل‪ :‬ما من عبد‬
‫يصلي عليك صالة إال صلى هللا عليه هبا عشراً‪ .‬فقام إليه رجل فقال‪:‬اي رسول هللا‪َ ،‬ال َجعل نصف دعـ ـائي‬
‫لك؟ قال‪ :‬إن شئت‪ ،‬قال‪َ :‬ال َجعل ثلثي دعـ ـ ـائي لك؟ قال‪ :‬إن شئت‪ ،‬قال‪َ :‬ال َجعل دعائي كله؟ قال‪ :‬إذن‬
‫يـكفيك هللا َهـ ـ َّم الدنيا و َه َّم اخآخرة »‪.‬‬

‫وروى امحد رضي هللا عنه بسنده ع ـن عبد الرمحان بن عـ ـوف رضي هللا عنه قـ ـال‪ :‬خـ ـ ـرج رسـ ـ ـول هللا ﷺ‬
‫فاتبعته ح ـ ـىت دخ ـ ـل خنال فسجد فأطال السج ـود حـ ـىت خفت أو خشيت أن يكـ ـون ق ـ ـد ت ـوف ـ ـاه هللا أو قبضه‪ ،‬فقـ ـال‪:‬‬
‫ف ـجئت أنـظ ـر‪ ،‬ف ـرفـع رأس ـه فقـ ـال‪ « :‬مـ ـا لك اي عبد الرمحان؟ قـ ـال‪ :‬ف ـذكرت ل ـه ذلك‪ ،‬فق ـ ـال‪ :‬إن ج ـ ـربيل عليه‬
‫السالم قـ ـ ـال يل َال َبـشـرك‪ ،‬إن هللا ع ـ ـز وج ـل يقـ ـ ـول‪ :‬مـ ـن صلى عليك صليت عليه‪ ،‬ومـ ـن سلم عليك سلمت‬
‫عليه »‪.‬‬

‫وروى اإلمام أمحد يف مسنده عن عبد هللا بن أيب طلحة عن أبيه أن رسول هللا ﷺ ج ـ ـاء ذات ي ـوم والس ـرور‬
‫ي ـرى يف وجهه‪ ،‬فقالوا‪ :‬يـ ـ ـا رسول هللا‪ ،‬إان لنرى الس ـرور يف وجهك‪ ،‬فقال‪ « :‬إن َاتن امللَك فقال‪ :‬يـ ـا حممد َما‬
‫يرضيك َن ربك عـ ـز وج ـ ـل يقول‪ :‬إنه ال يصلي عليك َحـ ـد مـ ـن َمتك إال صليت عليه عش ـرا‪ ،‬وال سلم عليك‬
‫َحد من َمتك إال سلمت عليه عشرا؟ قلت‪ :‬بلى »‪.‬‬

‫وقال اإلم ـ ـام أمحـ ـد رواي ـ ـة ع ـ ـن أيب هـ ـريرة رضي هللا عن ـه عـ ـن النـ ـيب ﷺ أنه ق ـ ـال‪ « :‬صلوا علي فإهنا زكـ ـاة‬
‫لكم‪ ،‬وسلوا هللا يل الـ ـ ـ ـوسيلة فإهنا درجـ ـ ـة يف َعلى اجلنة وال يناهلا إال رجـ ـ ـل وَرجو َن َك ـ ـ ـون َن ـ ـا هـ ـ ـو »‪.‬‬

‫ومعىن طلب الوسيلة ل ـ ـ ـرسول هللا ﷺ أن يقـ ـول العبد‪ :‬اللهم رب ه ـ ـذه الـ ـدعوة الت ـ ـامة والص ـ ـالة القائمة آت‬
‫سيـ ـ ـدان حم ـ ـ ـمد ال ـ ـ ــوسيلة والفضيلة وابعثه مقام ـا حمـ ـ ـمودا الذي وعدته‪.‬‬

‫وروى اإلمـ ـ ـام أمح ـ ـد بسنده ع ـ ـن عبد هللا بن ع ـ ـمرو رضي هللا عـ ـنه ق ـ ـال‪ « :‬م ـ ـن صلى على رس ـ ـول هللا ﷺ‬
‫ص ـ ـالة صلى هللا عليه ومـ ـ ـالئكته هبا سبعـ ـ ـني ص ـ ـالة‪ ،‬فليقلل عـ ـبد م ـ ـن ذلك َو ليكثر »‪.‬‬

‫وعـ ـ ـن عبد هللا بن عـ ـمرو قـ ـ ـال‪:‬خـ ـ ـ ـ ـرج ع ـلينا رس ـ ـ ـول هللا ﷺ ي ـومـ ـا كاملودع فقـ ـال‪َ « :‬ان حممد النيب األمي –‬
‫ق ـ ـاله ث ـ ـالث م ـ ـرات – وال نـ ـيب بعـ ـدي‪َ ،‬وتيت ف ـ ـ ـواتح الكـ ـ ـالم وخـ ـ ـوامته وجـ ـ ـوامعه‪ ،‬وعلمت كم َخـ ـزنة النار‬

‫‪67‬‬
‫ومحلة العرش وجتـ ـ ـوز يل‪ ،‬عـ ـوفيت وع ـوفيت َميت‪ ،‬فامسعوا وَطيعوا ما دمت فيكم‪ ،‬فإذا ذهب يب فعليكم بكتاب‬
‫هللا َحلوا حالله وحرموا حرامه»‬

‫وروى أبو داود الطيالسي بسنده عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ « :‬من ذكرت‬
‫صل علي‪ ،‬ومن صلى علي مرة واحدة صلى هللا عليه عشراً »‪.‬‬
‫عنده فلي َ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫مـ ــن َخب ـ ــل الن ـ ـ ــاس؟‬

‫يبني الرسول ﷺ يف أحاديثه أن البخيل‪ ،‬بل إن أخبل الناس‪ ،‬من إذا مسع اسم الرسـ ـول ﷺ يذكر فال يصلي‬
‫عليه‪.‬‬

‫وقال ﷺ ‪ «:‬البخيل من ذكـ ـ ـرت عنده مث مل يصل علي »‪.‬‬

‫وقال ﷺ‪ « :‬حبسب امرئ من البخل َن َذ َك ـ ـر عنده فال يصلي علي »‪.‬‬

‫وروى الرتمذي بسنده عن أيب هـري ـرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسـ ـول هللا ﷺ‪ « :‬رغم َنف رجل ذكرت عنده‬
‫فلم يصل علي‪ ،‬ورغم َنف رجل دخل رمضان عليه مث انسلخ قبل َن يغ َفر له‪ ،‬ورغم َنف رجل َدرك عنده َبواه‬
‫الك َرب فلم يدخاله اجلنة »‪.‬‬

‫وعن أيب هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ « :‬ما جلس ق ـوما جملسا مل يذكروا هللا فيه ومل يصلوا‬
‫على نبيهم إال كان عليهم ترة يوم القيامة‪ ،‬فإن شاء عذهبم وإن شاء غفر هلم »‪.‬‬

‫وقد روى أبو هريرة عـ ـن النيب ﷺ أنه قال‪ « :‬ما من قوم يقعدون مث يقومون وال يصلون علي إال كان‬
‫عليهم يوم القيامة حسرة وإن دخلوا اجلنة ملا يـ ـرون الثواب »‪.‬‬

‫وروى اإلمام أمحد رضي هللا عنه بسنده عن عبد هللا بن عمرو بن العاص أنه مسع رس ـ ـ ـ ـول هللا ﷺ يق ـ ـ ـ ــول‪:‬‬
‫« إذا مسعتم مؤذان فقولوا مثل ما يقول مث صلوا علي‪ ،‬فإنه من صلى علي ص ـ ـالة صلى هللا عليه هبا عـ ـشرا‪ ،‬مث‬
‫سل ـ ـ وا هللا يل الوسيلة فإهنا منزلة يف اجلنة ال تنبغي إال لعبد مـ ـن عباد هللا وَرجو َن َك ـ ـون َان هو‪ ،‬فمن س ـ ـأل يل‬
‫ال ـ ـوسيلة حلَّت عليه الشفاعة »‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫علي زكاة لكم‪ ،‬وسلـ ـوا‬
‫وعن أيب هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ « :‬صلوا علي فإن صالتكم َّ‬
‫هللا يل الوسيلة‪ ،‬والوسيلة َعلى درجة يف اجلنة »‪.‬‬

‫وروى اإلمام أمحد بسنده عن رويفع بن اثبت األنصاري أنه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ « :‬من صلى على‬
‫حممد وقال‪ :‬اللهم َنزله املقعد املقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعيت »‪.‬‬

‫وكان ابن عباس رضي هللا عنهما يقول‪ :‬اللهم تقبل شفاعة حممد الكربى‪ ،‬وارف ـ ـع درجته العليا‪ ،‬وأعطه سؤله‬
‫يف اآلخرة واألوىل كما آتيت إبراهيم وموسى عليهما السالم‪.‬‬

‫وروى اإلمام أمحد بسنده عن فاطمة الزهراء بنت رسول هللا ﷺ قالت‪ :‬كان رسول هللا ﷺ إذا دخل املسجد‬
‫صلى على حممد وسلم َث قال‪ « :‬اللهم اغفر يل ذنويب‪ ،‬وافتح يل َبواب رمحتك » وإذا خرج صلى على حممد‬
‫وسلم َث قال‪ « :‬اللهم اغفر يل ذنويب وافتح يل َبواب فضلك »‪.‬‬

‫وقال علي بن أيب طالب رضي هللا عنه‪ « :‬إذا مررمت ابملساجد فصلوا على النيب ﷺ »‪.‬‬

‫وروى الرتمذي بسنده عن عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه قال‪ « :‬الـ ـ ـدعاء موقوف بني السماء واألرض ال‬
‫يصعد منه شيء حىت تصلي على نبيك »‪.‬‬

‫وروى اإلمام أمحد وأهل السنن وابن خزمية وابن حبان واحلاكم من ح ـديث أيب اجلـ ـوزاء عن احلسن بن علي‬
‫رضي هللا عنهما قال‪ :‬علمين رسـ ـ ـول هللا ﷺ كلمات أق ـ ـوهلن يف ال ـ ـوتر‪ « :‬اللهم اهدن فيمن هديت‪ ،‬وعافين فيمن‬
‫عافيت‪ ،‬وت ـولَّين فيمن توليت‪ ،‬وبـ ـارك يل فيما َعطيت‪ ،‬وقين ش ـ ـر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي وال يقضى عليك‪،‬‬
‫إنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعـ ـ ـز من عاديت‪ ،‬تب ـ ـاركت ربنا وتعاليت »‪ .‬وزاده النسائي يف سننه بعد هذا «‬
‫وصلى هللا على حممد »‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪69‬‬
‫الصالة على املختار يوم اجلــمعة وليلتها‬

‫ليس هناك أدىن شك يف أن خري يوم طلعت فيه الشمس يوم اجلمعة‪ ،‬وذلك ألنه ع ـ ـ ـيد املسلمني‪ ،‬واجلمعة‬
‫حج املساكني‪ ،‬والسماوات واألرض حتتفي هبذا اليوم العظيم‪.‬‬

‫ومن أفضال هذا اليوم أن الصالة على رسول هللا ﷺ فيه هلا اعلى املكاانت وأعظم الدرجات‪.‬‬

‫امسع معي ما رواه اإلمام أمحد بسنده عن أوس بن أوس الثقفي رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ « :‬من‬
‫َفضل َايمكم يوم اجلمعة‪ ،‬فيه خلق آدم‪ ،‬وفيه قبض‪ ،‬وفيه النفخة‪ ،‬وفيه الصعقة‪ ،‬فأكـ ـ ـثروا علي من الصالة‬
‫فيه‪ ،‬فإن صالتكم معـ ـ ـروضة علي‪ .‬قال ـ ـوا‪ :‬اي رس ـ ـول هللا‪ ،‬وكيف تع ـ ـ َرض عليك صالتنا وقد َرمت؟ ‪ -‬يعين قد‬
‫بليت – قال‪ :‬إن هللا ح ـ ـ ـ َّرم على األرض َن أتكل َجساد األنبياء»‪.‬‬

‫وروى عبد هللا بن ماجة بسنده عن أيب ال ـ ـدرداء رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسـ ـول هللا ﷺ‪َ « :‬كثروا الصالة‬
‫علي يوم اجلمعة فـ ـإنه مشهود تشهده املالئكة‪ ،‬وإن َحدا ل ـن يصلي علي فيه إال ع ـرضت علي ص ـ ـالته حـ ـىت‬
‫يفرغ منها‪ .‬قال قلت‪ :‬وبعد امل ـ ـوت؟ ق ـ ـال‪ :‬إن هللا حرم على األرض َن أتكل َجساد األنبياء »‪.‬‬

‫وقال الشافعي‪ :‬أخربان إبراهيم بن حممد أخربان صفوان بن سليم أن النيب ﷺ قال‪ « :‬إذا كان يوم اجلمعة‬
‫وليلة اجلمعة فأكثروا من الصالة علي »‪.‬‬

‫وهكذا جيب على اخلطيب أن يصلي على النيب ﷺ يوم اجلمعة على املنرب يف اخلـ ـ ـطبتني‪ ،‬وال تصـ ـح اخلطبتان‬
‫إال بذلك‪ ،‬فإهنا عبادة وذكـ ـر هللا ش ـ ـرط فيها‪ ،‬ف ـ ـوجب ذك ـ ـر رسـ ـ ـول هللا ﷺ فيها‪ ،‬ك ـ ـاآلذان والص ـ ـ ـالة‪ ،‬وهـ ـ ـذا مذهب‬
‫الشافعي وأمحـ ـد رضي هللا عنهما‪ .‬وم ـن ذلك يستحب الص ـ ـالة والسـ ـ ـالم عليه عن ـ ـد زيـ ـ ـارة قـ ـ ـربه ﷺ‪.‬‬

‫وروى أب ـو داود بسنده عـ ـ ـن أيب هـ ـريرة رضي هللا عنه قـ ـال‪ :‬ق ـ ـال رس ـ ـ ـول هللا ﷺ‪ « :‬ما منكم مـ ـن َحد يسلم‬
‫علي إال رد هللا علي روح ـ ـي حـ ـىت َرد عليه السـ ـ ـالم »‪.‬‬

‫وعن أيب هريرة أيضا قال‪ :‬قال رس ـ ـ ـ ـ ـول هللا ﷺ‪ « :‬ال جتعلوا بيوتكم قبـ ـ ـ ـورا‪ ،‬وال جتعلوا ق ـ ـ ـربي عـ ـ ـ ـيدا‪،‬‬
‫وصلوا علي فإن صـ ـ ـالتكم تبلغين حيثما كنتم »‪.‬‬

‫صلى عليك هللا يـ ـ ـ ـا علم اهلدى‪ ،‬ما هبت النسائم‪ ،‬وما نـ ـاحت على األيك احلـ ـ ـ ـ ـمائم‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫سيدي أاب القاسم اي رسول هللا‪:‬‬

‫وسرى الضياء بسائر األكوان‬ ‫صلت عليك مالئك الرمحان‬


‫حبمى اإلله وراية القرآن‬ ‫ملا طلعت على الوجود مزودا‬

‫تباركت ربنا وتعاليت‪ ،‬جلت حكمتك وعمت رمح ـتك وعظمت رأفتك‪ ،‬أرسلته هاداي للناس‪ ،‬ووصفته يف‬
‫التوراة بقولك‪ « :‬ي ـ ـ ـا َيها النيب إان َرسلناك ش ـ ـ ـاهدا ومبشرا ونذيرا وح ـ ـرزا لألميني‪َ ،‬نت عبدي ورس ـ ـويل‪،‬‬
‫َمسَّـيتك املت ـ ـ ـوكل‪ ،‬ليس ٍ‬
‫بفظ وال غـ ـ ـليظ وال َّ‬
‫سخاب يف األسـ ـ ـ ـواق‪ ،‬وال ي ـدفع ابلسيئة السيئة‪ ،‬ولكن يعف ـ ـو‬
‫ويغفـ ـر‪ ،‬ولن يقبضه هللا حـ ـ ـىت يقيم به امللة العـ ـوجاء أبن يقول ـ ـوا ال إله إال هللا‪ ،‬فيفتـ ـ ـح به َع ـ ـينا عمياً وآذاانً‬
‫صماً وقل ـ ـ ـواب غلفاً »‪.‬‬

‫صل ـ ـوات ريب وس ـ ـ ـالمه ع ـ ـليك اي مبعـ ـوث العناية اإلهلي ـ ـة‪ ،‬يـ ـا من أرسلك هللا رمح ـ ـة للع ـ ـ ـاملني‪ ،‬يـ ـا خ ـ ـامت‬
‫األنبياء وامل ـ ـ ـرسلني‪ ،‬اي ق ـ ـ ـائد الغ ـ ـر احملـ ـجلني‪ ،‬يـ ـا إمـ ـام املـ ـ ـوحدين‪ ،‬اي صـ ـاحب املقام احمل ـ ـمود‪ ،‬وامل ـ ـوقف املشهود‪،‬‬
‫واللواء املعقـ ـود‪ ،‬واحلـ ـ ـوض امل ـ ـورود‪.‬‬

‫اي من قال هللا يف شأنك‪ ( ﴾        ﴿ :‬سبأ‪.) 28 :‬‬

‫واي من قال هللا يف شأنك‪          ﴿ :‬‬

‫( األحزاب‪.) 56 :‬‬ ‫‪﴾     ‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪71‬‬
‫الفهـــــــــرس‬

‫ب ـ ـني ي ـدي الك ـتاب ‪05..................................................................................‬‬

‫م ـ ـ ـا هـ ـو ال ـذكـ ـ ـر؟ ‪06....................................................................................‬‬

‫فضل اإلك ـث ـار م ـ ـن ذك ـ ـر هللا تعـ ـاىل‪09....................................................................‬‬

‫فضل جمـ ـ ـالس الـ ـ ـذكر‪12.................................................................................‬‬

‫آداب الـ ـ ـذكر ‪14........................................................................................‬‬

‫َنـ ـ ـواع ال ـ ـذكر ‪16........................................................................................‬‬

‫ال ـ ـذك ـر شـ ـكر ‪20.......................................................................................‬‬

‫‪ -‬احلـ ـب يف هللا رم ـ ـرة مـ ـن رمرات الـ ـذكـ ـر ‪22........................................................‬‬

‫اذكر هللا وال تنس امل ـ ـوت ‪28............................................................................‬‬

‫فضل ال ـذك ـر والـ ـ ـرتهيب مـ ـن عـ ـدم ال ـذك ـ ـر ‪45...........................................................‬‬

‫‪ -‬فـضل التسبيح والتحميد والتهليل والتكبري ‪45...................................................‬‬

‫‪ -‬الرتهيب من عدم ذكر هللا يف اجملالس ‪46.........................................................‬‬

‫‪ -‬ذكر كفارة اجمللس ‪46...........................................................................‬‬

‫‪ -‬فضل من قال ال إله إال هللا خملصا ‪47...........................................................‬‬

‫‪ -‬فضل االستغفار ‪47.............................................................................‬‬

‫الذكر املضاعف وجوامعه ‪52............................................................................‬‬

‫َذكار الصباح واملساء ‪53................................................................................‬‬

‫َذك ـ ــار الن ـ ــوم واالستيق ــاظ ‪56...........................................................................‬‬

‫َذكار النوم ‪56..........................................................................................‬‬

‫دعاء االستيق ــاظ من النوم ‪57...........................................................................‬‬

‫‪72‬‬
‫الدعاء عند الفزع واألرق والوحشة ‪57...................................................................‬‬

‫املؤمنون الصادقون ‪58..................................................................................‬‬

‫خامتة يف ذكر هللا تعاىل ‪62...............................................................................‬‬

‫الص ـ ـالة على رسـ ـ ـول هللا ﷺ وك ــيفيتها ‪62...............................................................‬‬

‫‪ -‬الصـ ـ ـ ـ ـ ـالة على رس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـول هللا ﷺ ‪65............................................................‬‬

‫‪ -‬كيفية الص ـ ـ ـ ـ ـ ـالة على رسـ ـول هللا ‪65............................................................‬‬

‫‪ -‬بركات الصالة على رسول هللا ﷺ ‪66............................................................‬‬

‫‪ -‬من َخبل الناس؟ ‪68..............................................................................‬‬

‫‪ -‬الصالة على املختار يوم اجلمعة وليلتها ‪70.......................................................‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫متت حبمد اهلل وفضله‬

‫‪73‬‬

You might also like