Professional Documents
Culture Documents
فضل الذكر والدعاء الشيخ كشك 3
فضل الذكر والدعاء الشيخ كشك 3
0
0
0
0
0
0
0
0
0
0
0
0
0
0
1
الحمد هلل والصالة والسالم على سيدنا ونبينا وموالنا محمد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وعلى اله وصحبة اجمعين أما بعد:
الــــــــــــــــــواقع:
إن كتابات العالم ،القطب ،الفهامة ،خطيب زمانه الشيخ عبد الحميد كشك لها في مكاتب العارفين مكانها المرموق
والمعتبر ،وطلب ها من قبل أهل العلم كثير وبإلحاح شديد .ذلك أن المؤلف الشيخ عبدالحميد كشك من الطراز الرفيع ومن
قامات الراسخين في العلم تميز رحمه هللا باإلخالص مع المعرفة الواسعة والنظرة الثاقبة والتأويل السديد .رحم هللا الشيخ
واسكنه فيح جنانه.
اإلشكـــــــــالية:
ولما طبعت كتب الشيخ طبع منها لجيل واحد ثم غاب جديد االصدار منها .فسعى اوائل المشـترين بما يسعهم من
الجهد أن يجعلوها في متناول قا دم األجيال من خالل تصويرها ضوئيا ورفعها على النت ليسهل التمكن منها .لكن ألن هذه
الكتب كانت طباعتها قديمة والنوعية رديئة كانت بعد تصويرها ضوئيا قراءتها أصعب .مما جعل البعض يعف عن قراءتها
والبعض االخر يقرأها بعد جهد جهيد.
الحـــــــــــــل:
إلى أن يخرجوا وفـق هللا وهدى مجموعة من الشباب الجامعيين الذين ضمهم فريق عمل اسموه ''إنا عاملون''
هذه الكتب من جمود نص التصوير الضوئي الى حيوية النص بصيغة الوورد وال pdfلتسهيل الطباعة والنسخ .واعتمادها
كمصادر سهلة التعامل في البحوث العلمية لألخوة الطلبة.
شكرا لكل فريق العمل .نحتسب عند هللا العلي القدير أجر هذا الجهد اليسير ونأمل أن يصل إلى كل إنسان يسعى إلى
أن يعيش حياته وفق المنهج االسالمي المنقول إلينا عن طريق رجاالت العلم الذين خرجوا لنا هذا المنهج بما يتوافق مع
الوضع االجتماعي الجديد وفق رؤية سليمة سلسة بسيطة.
تمت اللمسة األخير على الكتاب في الرابع من شهر رمضان المبارك 1436هجرية .الموافق ل 21جوان 2015ميالدي.
لطلب جديد الكتب المعادة الكتابة نرجوا الطلب من صاحب االيميل التاليabbes010@gmail.com :
2
الشِيخ عَْبد احلَميد كشْك
3
بِسْـــــم اهللِ الرّمحن الرّحِــــــيم
﴿ رَبَّنَا اغـ ـ ـ ــْفِرْ لِي وَلِـ ـ ـوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِـ ـ ـنيَ يـَوْمََيقُ ـ ـ ـ ـ ـومُ الْحِسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـابُ ﴾
﴿ رَبِّ اغْ ـ ـ ـ ـفِرْ لِي وَلِـ ـ ـوَالِدَيَّ وَلِ ـ ـمَنْ دَخَـ ـ ـ ـلَ بَـيْـتِي مُـ ـ ـؤْمــِناً وَلِلْـ ـمُ ـ ـؤْمِنِنيَ
وَالْمُـ ـ ـ ـؤْمِنَاتِ وَالَ تَـ ـ ـ ـزِدِ الظَّ ـ ـ ـ ـالِمِـ ـ ـ ـنيَ إِالَّ تَبَـ ـ ـ ـاراً ﴾
4
بني يدي الكتاب
إمنا دفعين للكتابة يف هذا املوضوع :ما الحظته من الكثريين الذين يريدون
أن يعرفوا كيفية الذكر على هدي رسول هللا دون اخرتاع أو ابتداع ،فيسلكوا السبيل
القومي على صواب وهدى ،فسألت هللا أن يوفقين للكتابة يف هذا املوضوع ،عسى
ولقد جلت بعقلي ووجداين يف كتاب هللا الكرمي وكتب السنة املطهرة،
مـ ـا هو ال ـ ـ ـذكر؟
مـ ـ ـ ـ ـ ـا هو ال ـ ـ ـ ـذكر؟
5
ال ـ ـ ـذكر :هو ما جيري على اللسان والقلب من تسبيح هللا – تبارك وتعاىل – وتنزيهه ومحده ،والثناء عليه،
ووصفه بصفات الكمال ونعوت اجلالل واجلمال.
وقد أمر هللا تعاىل ابإلكثار منه فقال ﴿ :
وأخ ـ ـرب أنه ي ـذكر من يـ ـذك ـره ،فقال جل شأنه ﴿ :ف ـَاذك ـرون َذك ـ ـركـ ـ ـم ﴾ ،وقال يف احلديث القدسي الذي
رواه البخاري ومسلمَ « :ان عند ظن عبدي يب ،وَان معه حني يذكرن :فإن ذكرن يف نفسه ذكرته يف نفسي ،وإن
ذكرن يف مأل ذكرته يف مأل خري منه ،وإن تقرب إيل شربا تقربت إليه ذراعا ،وإن تقرب إيل ذراعا تقربت إليه
ابعا ،وإن َاتن ميشي َتيته هرولة ».
وأنه -سبحانه – اختص أهل الذكر ابلتفرد والسبق ،فقال رسول هللا ﷺ « :سبق امل ـ ـفردون » قالوا وما
املفردون اي رسول هللا؟ قال « :الذاكرون هللا كثريا والذاكرات » رواه مسلم.
وأن ـهم هم األحياء على احلقيقة ...فعن أيب موسى -رضي هللا عنه – أن النيب ﷺ قال « :مثل الذي يذكر
ربه والذي ال يذكر :مثل احلي وامليت » رواه البخاري.
وال ـذكر رأس األعمال الصاحلة :م ْن وفق له فقد أعطى م ـنشور الوالية ،وهلذا ك ـ ـان رس ـ ـول هللا ﷺ ي ـذكر له
على كل أحيانه ،ويوصي الرجل الذي قال له :إن شرائع اإلسالم قد كثرت علي فأخربين بشيء أتشبث به ،فيقول
له« :ال يزال فوك -فمك – رطبا من ذكر هللا ».
ويقول ألصحابهَ « :ال َنبئكم خبـ ـري َعمالكم وَزكاها عند مليككم ،وَرفعها يف درجاتكم ،وخري لكم من
إنفاق الذهب والورق ،وخري لكم َن تلقوا عدوكم ،فتضربوا َعناقهم ويضربوا َعناقكم؟ قالوا :بلى اي رسول هللا،
قال :ذكر هللا » رواه الرتمذي وأمحد واحلاكم.
والذكر سبيل النجاة ...فعن معاذ -رضي هللا عنه – أن النيب ﷺ قال « :ما عمل آدمي عمال قط َجنى
–من عذاب هللا من ذكر هللا – عز وجل » رواه أمحد.
6
وقال أيضا « :إن مـ ـا تذكرون من جالله – عز وجل – من التهليل والتكبري والتحميد يتعاطفن حول
دوي كدوي النحل ،يذكرون لصاحبهنَ ،فال حيب َحدكم َن يكون له ما يذكر به ».
العرش ،هلن ٌّ
فذكر هللا يف احلقيقة استحصال عظمة هللا – تعاىل – وجالله وكماله استحضارا قلبيا يبعث على اخلشية
واملراقبة ،وال بد أن يكون الذكر مصحواب ابلفكر ،كما قال تعاىل ﴿ :
وقد أمر هللا عباده املؤمنني أن يذكروه كثريا ،فقال عز من قائل ﴿ :
ويف صحيح مسلم عن رسول هللا ﷺ « سب ـق املفردون ،ق ـالوا وما املفردون اي رسول هللا؟ قال :الذاكرون
هللا كثريا والذاكرات».
قال النووي يف بيان الذكر الكثري :ال يكون من الذاكرين هللا كثريا والذاكرات ح ـىت يذكر هللا انئما وقاعدا
ومضطجعا أي على كل حال يف حركاته ومشيه وسكونه ونومه ،ومعىن ذلك أن يستحضر عظمة هللا وجالله وكماله
يف مجيع شئونه كما أخرب بذلك الصادق األمني ﷺ وهو جييب على سؤال جربيل :ما اإلحسان؟ قالَ« :ن تعبد هللا
كأنك تراه فإن مل تكن تراه فإنه يراك».
وليس الذكر قاصرا على حتريك األلسنة والشفاه ،إمنا الذكر على سبعة أحناء :فـ ـذكر العينني البكاء ،وذكر
األذنني اإلصغاء ،وذكر اللسان الثناء ،وذكر اليدين العطاء ،وذكر البدن الوفاء ،وذكر الـ ـروح اخلوف والرجـ ـاء ،وذكر
القلب التسليم والرضاء.
وقد أمر هللا -جل ذكره -أبن ي ْذكر ذكرا كثريا ،ووصف أويل األلباب الذين ينتفعون ابلنظر يف آايته أبهنم:
( آل عمران.) 191 : ﴿ ﴾
7
﴾ ﴿
( األحزاب.) 35 :
وقال جماهد :ال يكون من الـ ـذاكرين هللا كثريا والـ ـذاكرات حىت يذكر هللا قائما وقاعدا ومضطجعا.
وسئل ابن الصالح عن الق ـ ْدر الذي يصري به من الذاكرين هللا كثريا والذاكرات ،فقال :إذا واظب على
األق ـ ـوال املأثورة صباحا ومساء ،يف كل األوقات واألحوال املختلفة ليال وهنارا ،كان من الذاكرين هللا كثريا والذاكرات.
وقال علي بن أيب طلحة عن ابن عباس – رضي هللا عنهما – يف هذه اآلايت قال :إن هللا – تعاىل -مل
يفرض على عباده فريضة إال جعل هلا حدا معلوما ،وعذر أهلها يف حال العذر غري الذكر ،فإن هللا مل جيعل له حدا
ينتهي إليه ،ومل يعذر أحدا يف تركه إال مغلواب على تركه فقال ﴿ :
ب ـالليل والنهار ،يف الرب والبحر ،ويف السفر واحلضر ،والغىن والفقر ،والسقم والصحة ،والسر والعالنية ،وعلى
كل حال.
والذكر يشمل كـ ـل الطاعات .قال سعيد بن جبري :كـ ـل عـ ـامل هلل بطاعة فهو ذاكر هلل .وأراد بعض السلف
أن يـخصص هذا العام فـقصر الذكر على بعض أنواعه،
منهم عطاء حيث يقول :جمالس الذكر هي جمالس احلالل واحلرام ،كيف تشرتي وتبيع ،وتصلي وتصوم،
وتنكح وتطلق ،وحتج ،وأشباه ذلك.
وقال القرطيب :جملس ذكر يعين جملس علم وتذكري وهي اجملالس اليت يذكر فيها اسم هللا وسنة رسوله وأخبار
السلف الصاحلني وكالم األئمة ال ـزهاد املتقدمني املربأة عن التصنع والبدع واملنزهة عن املقاصد الردية والطمع.
8
فضل اإلكثار م ـن ذكر هللا
أرشد هللا عباده إىل اإلكثار من ذكره ...كذلك جاءت األحاديث النبوية الشريفة مبينة ما أعده هللا
للذاكرين من أجر عظيم ،وفضل عميم.
جاء يف احلديث القدسي قوله تعاىل « :ال يذكرن عبد يف نفسه إال ذكرته يف مأل من مالئكيت ،وال يذكرن
يف مإل إال ذكرته يف املأل األعلى » .
وروى أبو هريرة – رضي هللا عنه – عن النيب ﷺ « :إن هللا -عز وجل – يقولَ :ان مع عبدي ،إذا هو
ذكرن وحتركت يب شفتاه » رواه ابن ماجه.
واملعية هنا :دليل التكرمي اإلهلي ،والرفعة الرابنية للعبد الذاكر ،وكفى مبعية هللا شرفا وقدرا.
ها هو ذا معاذ بن جبل – رضي هللا عنه – حيدثنا فيقول « :إن آخر كالم فارقت عليه رسول هللا ﷺ َن
قلتَ :ي األعمال َحب إىل هللا؟ قالَ :ن متوت ولسانك رطب من ذكر هللا ».
وتعال معي أخي املسلم لنطوف هذه الطوفة املباركة ،ونلقي بنظرة على رجل رآه سيد املرسلني ﷺ ليلة املعراج
وقد انل من الرفعة املكانة القصوى.
ي يب برجل مغيب يف نور العرش ،قلت :من هذا؟ َهذا ملك؟ قيل :ال، يقول ﷺ « :مررت ليلة َسر َ
قلت :نيب؟ قيل :ال ،قلت :من هو؟ قال :هذا رجل كان يف الدنيا لسانه رطب من ذكر هللا ،وقلبه معلق
ابملساجد ،ومل يستسب لوالديه » رواه ابن أيب الدنيا.
وقد بلغ من مكانة الذكر عند هللا تب ارك وتعاىل أنه قرنه أبصول الدين ،فجمع بينه وبني الوحدانية والصالة
والصوم والصدقة.
جاء يف حديث جامع وشامل أن رسول هللا ﷺ قال « :إن هللا َوحى إىل حيي بن زكراي خبمس كلماتَ ،ن
يعمل هبن ،وأيمر بين إسرائيل َن يعملوا هبن ،فكأنه َبطأ هبن ،فأاته عيسى فقال :إن هللا َمرك خبمس كلمات َن
تعمل هبن ،وأتمر بين إسرائيل َن يعملوا هبن ،فإما َن ختربهم وإما َن َخربهم ،فقال :اي َخي ال تفعل فإن َخاف
9
ف يب َو َ َع َّذب .قال :فجمع بين إسرائيل ببيت املقدس حىت امتأل املسجد ،وقعدوا
س َ
إن سبقتين هبن َن ُي َ
إيل خبمس كلمات َن َعمل هبن ،وآمر بين إسرائيل َن يعملوا
على الشرفات مث خطبهم ،فقال :إن هللا َوحى َّ
هبنَ :وهلن :ال تشركوا ابهلل شيئا ،فإن مثل من َشرك ابهلل كمثل رجل اشرتى عبدا من خالص ماله بذهب َو
َور ٍق مث َسكنه داراً فقال :اعمل وارفع إيل ،فجعل يعمل ويرفع إىل غري سيده ،فأيكم يرضى َن يكون عبده
كذلك؟ فإن هللا خلقكم ورزقكم فال تشركوا به شيئا ،وإذا قمتم إىل الصالة فال تلتفتوا ،فإن هللا يـقبل ب ـوجهه
إىل وجه عبده ما مل يلتفت .وَمركم ابلصيام ،ومثل ذلك كمثل رجل يف عصابة معه ص َّرة مسك كلهم حيب َن
جيد رحيها ،وإن الصيام َطيب عند هللا من ريح املسك .وَمركم ابلصدقة ،ومثل ذلك كمثل رجل َسـره العدو
فأوثقوا يـده إىل عنقه وقربوه ليضربوا عنقه ،فجعل يقول :هل لكم َن َفدي نفسي منكم؟ وجعل يعطي القليل
والكثري ح ـىت فدى نفسه .وَمركم ب ـذكر هللا كثريا ،ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سـ ـراعا يف َثره حىت َتى
حصناً حصيناً ف ـأح ـ ـرز نفسه فيه ،وكذلك العبد :ال ينجو من الشيطان إال بذكر هللا تعاىل » رواه الرتمذي.
أرأيت إىل الـ ـرباعة يف التشبيه ،وإىل علو الطبقة يف التصوير ،وكيف ضرب احلديث لكل ركن من هذه األركان
صـ ـورة جمسمة حمددة املعامل حىت وصل إىل احلصن احلصني والركن الركني ،وهـ ـو ذكر هللا؟
لقد جاء يف هذا احلديث وصف الذكر على أنه حصن ...وحصن من أي شيء؟ م ـن الشيطان ،وهل هناك
حصن أقوى من هذا الذي يـقي صاحبه وحيميه من كيد الشيطان :إنسيا أو جنيا؟
( آل عمران.) 135 : قال سبحانه عن املؤمنني﴾ ﴿ :
وليس هناك شك يف أن العبد الذي يستحضر عظمة هللا يف قلبه ،وي ـراقب هيمنة سلطانه األعلى على نفسه
ال شك أنه عبد حمفوظ ابلعناية.
قال تعاىل ﴿ :
﴾
( )1
حواب :أي إمثا
10
وروي عن معاذ – رضي هللا عنه – عن رسول هللا ﷺ أن رجال سأله فقالَ « :ي اجملاهدين َعظم َجرا؟
قالَ :كثرهم هلل – تبارك وتعاىل – ذكرا ،مث ذكر الصالة والزكاة واحلج والصدقة ،كل ذلك ورسول هللا ﷺ
يقولَ :كثرهم هلل – تبارك وتعاىل – ذكرا ،فقال َبو بكر لعمر :اي َاب حفص ،ذهب الذاكرون بكل خري ،فقال
رسول هللا ﷺَ :جل » رواه أمحد والطرباين.
لقد دل هذا احلديث الشريف على أن معيار التفضيل :هو كثرة الذكر مقرتان ابلعبادة ،فكلما كثر ذكر العبد
مع أداء الفريضة ازداد فضال واغتنم خريا.
وها هي ذي صحابية جليلة :أم أنس بن مالك – رضي هللا عنهما – تسأل رسول هللا ﷺ الوصية ،فيوصيها
هبذه األشياء ...قال هلا « :اهجري املعاصي فإهنا َفضل اهلجرة ،وحافظي على الفرائض فإهنا َفضل اجلهاد،
وَكثري من ذكر هللا فإنك ال أتتني هللا بشيء َحب إليه من كثرة ذكره » رواه الطرباين.
فإايك اي أخي والغفلة عن ذكر هللا ،واحذر أن تفوتك ساعة تكون فيها غافال عن ذكره – تبارك وتعاىل –
سر َهل اجلنة إال على ساعة
فقد روى معاذ بن جبل – رضي هللا عنه – قال :قال رسول هللا ﷺ « :ليس يَـتَ َح َّ
مرت هبم مل يذكروا هللا – تعاىل – فيها » رواه الطرباين.
11
فضل جمالس الذكر
رغ ب اإلسالم يف اإلجتماع على ذكر هللا تعاىل يف صورة تليق جبالل الذكر ،وال خترج عن حدود ما رمسه
الشرع احلكيم يف قوله تعاىل:
﴿
وجمالس الذكر تغشاها الرمحة ،وتنزل أبصحاهبا السكينة ،وحتف هبا املالئكة املكرمون .جاء يف احلديث
الشريف أن النيب ﷺ قال « :إن هلل مالئكة ،يطوفون يف الطريق يلتمسون َهل الذكر ،فإن وجدوا قوما يذكرون
هللا تنادوا :هلموا إىل حاجتكم ،فيحفوهنم أبجنحتهم إىل السماء الدنيا ،قال :فيسأهلم رهبم – وهو َعلم هبم –
ما يقول عبادي؟ قال :يقولون :يسبحونك ويكربونك وحيمدونك وميجدونك ،قال فيقول :هل رَون؟ قال
فيقولون :ال وهللا اي رب ،ما رَوك .قال :فيقول :كيف لو رَون؟ قال :يقولون:لو رَوك كانوا َشد لك عبادة،
وَشد لك متجيداً ،وَكثر لك تسبيحاً .قال :فيقول :فما يسألون؟ قال :يقولون :يسألونك اجلنة ،قال :فيقول:
وهل رَوها؟ قال :يقولون :ال ،وهللا اي رب ما رَوها .قال :فيقول:فكيف لو رَوها؟ قال :يقولون :لو َهنم رَوها
يتعوذون من النار ،قال:
يتعوذون؟ قالواَّ :
كانوا َشد عليها حرصاً،وَشد هلا طلبا ،وَعظم فيها رغبة .قال :فَم َّم َّ
فيقول :وهل رَوها؟ قال :يقولون :ال وهللا ما رَوها ،قال :فيقول :فكيف لو رَوها؟ قال :يقولون :لو رَوها كانوا
َشد منها فراراً ،وَشد هلا خمافة .قال :فيقولَ :شهدكم َن قد غفرت هلم .قال :يقول ملك من املالئكة :فيهم
فالن ليس منهم ،إمنا جاء حلاجة ،قال :هم القوم ال يشقى هبم جليسهم » رواه البخاري.
هذا ،وقد خرج النيب ﷺ ذات يوم على حلقة من أصحابه ،فقال « :ما َجلسكم؟ قالوا :جلسنا نذكر هللا
وم َّن به علينا ،قال :وهللا ما َجلسكم إال ذلك؟ قالوا :وهللا ما َجلسنا إال ذلك.
وحنمده على ما هداان لإلسالم َ
قالَ :ما إن مل َستحلفكم تـهمة لكم ،ولكن َاتن جربيل فأخربن َن هللا – عز وجل – يباهي بكم املالئكة »
رواه مسلم.
وعن أيب سعيد اخلدري – رضي هللا عنه – أن رسول هللا ﷺ قال « :يقول هللا – عز وجل – يوم القيامة:
ومن َهل الكرم اي رسول هللا؟ قالَ :هل جمالس الذكر » رواه أمحد.
سيعلم َهل اجلمع َمن َهل الكرم ،فقيلَ :
12
لقد بلغ من مكانة ال ـ ـذكر يف قلوهبم أهنم كانوا جيعلونه مبثابة اإلميان ،وينزلونه منزلة اإلميان.
عن أنس بن مالك – رضي هللا عنه – قال :كان عبد هللا بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحاب رسول هللا
ﷺ قال :تعال نؤمن بربنا ساعة .فقاهلا ذات يوم لرجل ،فغضب الرجل ،فجاء إىل النيب ﷺ فقال :اي رسول هللا ،أال
ترى إىل ابن رواحة يـ ْرغب عن إميانك إىل إميان ساعة؟ فقال ﷺ « :يرحم هللا ابن رواحة ،إنه حيب اجملالس اليت
تتباهى هبا املالئكة » رواه أمحد.
وعنه أيضا – رضي هللا عنه – عن رسول هللا ﷺ قال « :ما من قوم اجتمعوا يذكرون هللا – عز وجل –
ال يريدون بذلك إال وجهه ،إال انداهم مناد من السماءَ :ن قـوموا مغفورا لكم ،قد بدلَت سيئاتكم حسنات»
رواه أمحد
وروي عن أنس – رضي هللا – أيضا عن النيب ﷺ قال « :إن هلل سيَّ َارًة من املالئكة يطلبون حلَق الذكر،
فإذا َتوا عليهم حفوا هبم ،مث يقفون وَيديهم إىل السماء ،إىل رب العزة – تبارك وتعاىل – فيقولون :ربنا َتَـينا
على عباد من عبادك يعظمون آالءك ،ويتلون كتابك ،ويصلون على نبيك حممد ﷺ ويسألونك خآخرهتم
ودنياهم ،فيقول هللا تبارك وتعاىل :غَشوهم رمحيت ،فهم اجللساء ال يشقى هبم جليسهم » رواه البزار.
وقد مر رسول هللا ﷺ بعبد هللا بن رواحة ،وهو يذكر أصحابه ،فقال رسول هللا ﷺَ « :ما إنكم املأل الذين
﴿ َمرن هللا َن َصرب نفسي معكم ،مث تال هذه اخآية:
(﴾ الكهفَ .) 28 :ما إنه ما جلس ع َّدتكم إال جلس
معهم ع َّدهتم من املالئكة :إن سبَّحوا هللا – تعاىل -سبَّحوه ،وإن َمحدوا هللا – تعاىل – َمحدوه ،وإن َك َّربوا هللا –
صعدون إىل الرب -جل ثناؤه – وهو َعلم هبم ،فيقولون :اي ربنا :عبادك سبَّحوك فسبَّحنا،
تعاىل – َك َّربوه ،مث يَ َ
فح َمدان ،فيقول ربنا جل جالله :اي مالئكيت َشهدكم َن قد غفرت هلم ».
ومحدوك َ
فكربانَ ،
كربوك َّ
َّ
وقال رسول هللا ﷺ « :إذا مررمت برايض اجلنة فارتعوا ،قالوا وما رايض اجلنة اي رسول هللا؟ قال :حلَق
الذكر ،فإن هلل تعاىل سيَّارات من املالئكة يطلبون حلق الذكر ،فإذا َتوا عليهم حفوا هبم ».
وعن أيب سعيد اخلدري وأيب هريرة رضي هللا عنهما أهنما شهدا على رسول هللا ﷺ أنه قال « :ال يقعد قوم
يذكرون هللا تعاىل إال حفتهم املالئكة ،وغشيتهم الرمحة ،ونزلت عليهم السكينة ،وذكرهم هللا فيمن عنده ».
13
آداب الذكر
آداب ال ـ ـ ـ ــذكر
أما وقد علمنا فضل جمالس الذكر واالجتماع عليه ،فإنه ينبغي أن نعلم أمورا خاصة مبراعاة الذكر.
واملقصود من الذكر :تـ ـزكية األنفس ،وتطهري القلوب ،وإيقاظ الضمائر .وإىل هذا تشري اآلية الكرمية:
﴿
أي أن ذكر هللا يف النهي عن الفحشاء واملنكر :أكرب من الصالة ،وذلك أن الذاكر حني ينفتح لربه جنانه،
ويلهج بذكره لسانه ،يـمـده هللا بنوره ،فيزداد إمياان إىل إميانه ،ويقينا إىل يقينه ،فيسكن قلبه للحق ويطمئن به﴿ :
(﴾ الرعد.) 28 :
وإذا اطمأن القلب للحق اجته حنو املثل األعلى ،وأخذ سبيله إليه ،دون أن تلفته عنه ن ـ ـوازع اهلوى ،وال دوافع
الشهوة ...ومن َث :عظم أمر ال ـ ـذكر ،وجل خطره يف حياة اإلنسان.
ومن غري املعقول أن تـتـحقق هذه النتائج مبجرد لفظ يـلفظه اللسان ،فـ ـإن حركة اللسان قليلة اجلدوى ،ما مل
تكن مواطئة للقلب وموافقة له.
وقـ ـد أرشد هللا – تبارك وتعاىل – إىل األدب الذي ينبغي أن يكون عليه املرء أثناء الذكر فقال:
﴿
وهذه اآلية الكرمية تشـ ـري إىل أنه يـستحب أن يكون الذكر سـ ـ ـرا ال تـ ـرتفع بـه األصـ ـوات.
وقد مسع رسول هللا ﷺ مجاعة من الناس رفعوا أصواهتم ب ـالدعاء يف بعض األسفار فقال « :اي َيها الناس:
اربعوا على َنفسكم ،فإنكم ال تدعون َصم وال غائباً ،إن الذين تدعونه مسيع قريبَ ،ق ـرب إىل َحدكم من عنق
راحلته .» ...
14
كما تش ـ ـري أيضا إىل حالة ال ـرغبة والرهبة ال ـ ـيت يـ ْحسن ابإلنسان أن يتصف هبا عند الذكر.
كذلك من األدب :أن يكون الذاكر نظيف الثوب ،طـ ــاهر البدن ،طيب الرائحة ...ف ـ ـإن ذلك مما يزيد
النفس نشاطا.
﴿
إذ أن خشوع القلب متوقف على خشوع اجل ـ ـ ـوارح ،فيستحب لذاكر هللا أن جيلس مستقبال القبلة كهيئة
التشهد يف الصالة ،وأن يستحضر عظمة هللا تعاىل حىت يكون بني اللسان والقلب توافق وجتاوب فيخشع القلب
ويصدق اللسان.
روي عن عطاء رضي هللا عنه :من صلى الصلوات اخلمس حبقوقها فهو داخل يف قوله تعاىل﴿ :
وقد جاء يف حديث أيب سعيد اخلدري – رضي هللا عنه – قال :قال رسول هللا ﷺ « :إذا َيقظ الرجل
َهله من الليل فصليا َو صلى ركعتني مجيعا ،كتبا يف الذاكرين هللا كثريا والذاكرات » هذا حديث مشهور رواه أبو
داود والنسائي وابن ماجه يف سننهم.
15
َنـ ـ ـ ـ ـ ـواع ال ـ ـ ـذكر
. وذلك ذكر، وهي استحضار نية العمل لـ ـ ـوجه هللا يف كل ما يفعله املسلم:ن ـ ـ ـ ـاحية عامة -1
وإبكماهلا يكون من، وبدوهنا ال يكون اإلنسان ذاكرا، هي الصالة فروضها وسننها:انحية َساسية -2
.الذاكرين هللا كثريا والذاكرات
. وهي األذك ـ ـار املأثورة ابختالف األح ـ ـ ـوال واحل ـ ـاالت واألوق ـ ـات و املناسبات:انحية متم َّمة -3
، أما الناحية األوىل وهي استحضار ال ـن ـيـة فإن نية املرء ت ـعترب عبادة ما دام ينوي بعمله وجه هللا تعاىل والتقرب إليه-
« إذا َنفق املسلم على َهله نفقة: وقال.» « إمنا األعمال ابلنيات وإمنا لكل امرئ ما نوى:ولذا قال ﷺ
.» وهو حيتسبها كانت له صدقة
وهذه. وعزم صاحبها على تنفيذ ما نوى فإن هللا حياسبه على عزمه وتصميمه،فإذا حتولت النية من اخلري إىل الشر
:اآلايت البينات تبني لنا تلك القضية
﴿
﴾
16
-وأما من الناحية الثانية ،وهي الصالة :فإن الصالة كلها ذكر ،لذلك قال تعاىلَ ﴿ :وَقم َّ
الصالَ َة لذكري ﴾
وقال تعاىل ﴿ :
(اجلمعة.) 09 : ﴾
ومبقدار م ـ ـا حيسن اإلنسان فيها يكون ذاكرا ،ومبقدار ما يسيء أو يقصر يكون غافال .قال تعاىل يف وصف
املنافقني ﴿ :
ومن أتمل الصالة وجد أن دعـ ـاء االفتتاح فيها ذكر ،ويف القيام ذكر ،وقراءة القرآن ذكر ،ويف الركوع ذكر،
ويف القيام منه ذكر ،ويف السجود ذكر ،ويف القعدتني ذكر ،وأورادها الراتبة بـ ْعدها ذكر.
فإذا ما أدى اإلنسان الصلوات كلها فرائضها ،وسننها ،وما سن له فيها ،وبعدها ،وقبلها فإن ذلك وحده
جيعله من الذاكرين هللا كثريا والذاكرات .وقد روي عن النووي ما يشري إىل ذلك.
فإذا مـ ـا أقام فريضة الصبح ون ـافلتها بني الفجر والشمس ،وأقام سنة الضحى بـني الشمس والزوال ،وأقام سنة
الظهر القبلية ،وفريضة الظهر وسنتها البعدية بني الزوال والعصر ،وأقام صالة العصر يف وقتها ،واملغرب وسننها كذلك،
والعشاء وسننهاَ ،ث القيام والتهجد والوتر ،ك ـ ـ ـان ال شك من الذاكرين هللا كثريا والذاكرات.
ق ـ ـال عليه السالم « :من قام بعشر آايت مل يكتب من الغافلني ،ومن قام مبائة آية كتب من القانتني ،ومن
قام أبلف آية كتب من املقنطرين ».
-وأما من الناحية الثالثة ،وهي األذكار املأثورة :فإنه يسن للمؤمن أن يذكر هللا على كل حال ،فقد كان رسول هللا
ﷺ يذكر هللا على كل أحواله .وهذا الباب ليس فيه حتديد ،بل على املسلم أن يذكر هللا بشكل مطلق وال يزال
لسانه رطبا من ذكر هللا.
قـ ـال ﷺ « :جددوا إميانكم ،قيل :اي رسول هللا كيف جندد إمياننا؟ قال :أكثروا من ذكر ال إله إال هللا ».
17
وقال موالان تبارك امسه ﴿ :
( النور.) 36،37 : ﴾
ومما جيب التنبيه عليه أن املسلم خيتار األمر الوسط دون إفراط أو تفريط ،وه ـ ـذه سنة اإلسالم يف تشريعاته ال
يعرف اإلسراف وال التقتري ﴿
ولذا فإن هللا سبحانه أيمر ب ـذكره ابلكيفية اليت ال تـعطل مصاحل العباد وقضاء حوائجهم ،وتفريج كروهبم
وإغاثة ملهوفهم ،ويف الوقت نفسه فإن اإلسالم ينهى عن الغفلة ،ويوصي أبن يظل القلب حاضرا مع هللا ،ي ـغذيه
اللسان بذكر هللا .قال ﷺ « :مثل الذي يذكر ربه والذي ال يذكر ربه كمثل احلي وامليت ».
﴿ ﴾
( الرعد.) 28:
قال ﷺ « :ما قعد قوم مقعدا مل يذكروا هللا فيه ،ومل يصلوا على النيب إال كان عليهم حسرة يوم القيامة،
فإن شاء عذهبم وإن شاء غفر هلم ».
وقال ﷺ « :ما جلس قوم جملسا مل يذكروا هللا تعاىل فيه إال كان عليهم تـ ـ ـ َّرة ،وما من رجل ميشي طريقا
فلم يذكر هللا – عز وجل – إال كان عليه ت ـرة ».
ومن فضل هللا تعاىل على عباده ورمحته هبم أنه ال يكلفهم مبا ال يطيقون ،ومل يشق عليهم فيما أمرهم به ،فقد
وردت يف الذكر صيغ جامعة موجزة يف مبناها ،عظيمة يف أجرها وثواهبا ملن ذكر هللا هبا.
عن جويرية أم املؤمنني – رضي هللا عنها – أن النيب ﷺ خرج من عندها بكرة حني صلى الصبح وهي يف
مسجدها َث رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال « :ما زلت اليوم على احلالة اليت فارقتك عليها؟ قالت :نعم،
فقال :النيب ﷺ :لقد قلت بعدك َربع كلمات ثالث مرات لو وزنت مبا قلت منذ اليوم لوزنته َّن :سبحان هللا
وحبمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته » .رواه مسلم
18
وعن ابن عباس أن رسول هللا ﷺ قال « :من قال حني يصبح ﴿ :
.﴾
( الرومَ .) 17،18 :درك ما فاته يف يومه ذلك ،ومن قاهلا حني ميسي َدرك ما فاته يف ليلته » رواه أبو داود.
وهناك أذكار رأينا يف ذكرها التسهيل على العباد حىت ال حيرموا من ذلك اخلري العظيم والربكة والفضل.من
هذه األذكار:
االستغفار ،وهو أن يقول العبد :أستغفر هللا ،أو أن يقول :أستغفر هللا العظيم الذي ال إله إال هو وحده ال
شريك له،له امللك وله احلمد وهو على كل شيء قدير ،فإن من قاهلا يف يوم مائة مرة كانت له عدل عتق
عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ،وحميت عنه مائة سيئة ،وكانت له حرزا م ـن الشيطان ي ـومه ذلك حىت
ميسي ،ومل أيت أحد أبفضل مما جاء به إال رجل عمل أكثر منه.
وكلنا نعلم أن هناك كلمتني خـفيفتني على اللسان ولكنهما ثقيلتان يف امليزان ومها :سبحان هللا وحبمده،
سبحان هللا العظيم.
كما ال يفوتنا أن ن ـذكر وصية اخلليل إبراهيم اليت قاهلا للنيب ليلة املع ـ ـراج « :اي حممد اقرئ أمتك مين السالم
وأخربهم أن اجلنة طيبة الرتبة ،عذبة املاء ،وأهنا قيعان وغراسها سبحان هللا واحلمد هلل وال إله إال هللا وهللا أكرب
».
قال ﷺ « :ال حول وال قوة إال ابهلل كنز من كنوز اجلنة».
19
ال ـذكـ ـ ـر شكـ ـ ـر
شكرتين ،وإذا نسيتين كفرتين » .وهذا مصداق قوله تعاىل ﴿ :
عن زيد بن أسلم أن موسى عليه السالم قال :اي رب كيف أشكرك؟ قال له رب ـه « :تذكرين وال تـنسين ،فإذا
ذكرتين فقد شكرتين ،وإذا نسيتين فقد كفرتين ».
قال احلسن البصري ،وأبو العالية ،والسدى ،والربيع بن أنس « :إن هللا يذكر من يذكره ،ويزيد من شكره،
ويعذب من كفره ».
وقال بعض السلف يف قوله تعاىل ( ﴾ ﴿:آل عمران .) 102 :قال :أ ْن يطاع
وذكر ابن أيب حامت :عن مكحول األزدي قال :قلت البن عمر « :أرأيت قاتل النفس وشارب اخلمر
والسارق والزاين يذكر هللا ،وقد قال هللا تعاىل﴾ ﴿:؟ قال :إذا ذكر هللا هنا ،ذكـ ـره هللا بلعنته
وقال احلسن البصري يف قوله تعاىل ﴾ ﴿ :قال « :اذكروين فيما افرتضت عليكم،
وعن سعيد بن جبري« اذكروين بطاعيت أذكركم مبغفريت » ويف رواية « برمحيت ».
وعن ابن عباس يف قوله ﴾ ﴿ :قال « :ذكر هللا إايكم أكرب من ذ ْكركم إايه » ويف
احلديث الصحيح يقول هللا تعاىل « :من ذكرين يف نفسه ذكرته يف نفسي ،ومن ذكرين يف مأل ذكرته يف مأل خري منه
».
20
وروى اإلمام أمحد عن أنس قال :قال رسـ ـول هللا ﷺ « :قال هللا عز وجل :اي ابن آدم ،إن ذكرتين يف
نفسك ذكرتك يف نفسي ،وإن ذكرتين يف مأل ذكرتك يف مأل من املالئكة – َو قال :يف مأل خري منه – وإن
دنوت مين شربا دنوت منك ذراعا ،وإن دنوت مين ذراعا دنوت منك ب ـاعاً ،وإن َتيتين متشي َتيتك ه ـ ـرولة »
صحيح اإلسناد أخرجه البحرتي من حديث قتادة ،وعنه قال قتادة « :هللا أقرب ابلرمحة ».
وقوله ﴾ ﴿ :أمر هللا تعاىل بشكره ...ووعد على شكره مبزيد اخلري فقال:
﴿ ﴾
( إبراهيم.) 7 :
وروى اإلمام أمحد :عن أيب رجاء العطاردي قال :خرج علينا عمران بن حصني وعليه مطرف من خ ٍز مل نره
عليه قبل ذلك وال بعده ،فقال :إن رسول هللا ﷺ قال « :من َنعم هللا عليه نعمة ،فإن هللا حيب َن يرى َثر نعمته
على خلقه » وقال روح مرة « :على عبده ».
حتـ ـ ـ ـ ـ ـى م ـ ـ ـ ـىت ف ـ ـ ـ ـوق األسـ ـ ـرة ترق ـ ـ ـ ـد قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم يف الدج ـ ـ ـ ـ ـ ـى أيهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا املتعب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـد
والصبح ،و ْامض فقد دعاك املسجد ق ْم ،و ْادع مـوالك الذي خلق الدج ـ ـ ـ ـى
من دون عفوك ليس يل مـ ـا يـ ْعضـ ـ ـ ـد اضرع وق ـ ـ ـل :ي ـ ـا رب عفـ ـوك إنن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي
و ْ
حتت الذنـ ـ ـوب ،وأنت فوقي ترصـ ـ ـ ـد أسفـ ـا عل ـى عمـ ـ ـ ـري الـ ـذي ضيـ ـ ـ ـعت ـ ــه
عـ ـ ـن زلـ ـ ـ ـة ،قـ ـ ـد طـ ـ ـ ـاب فيه ـ ـا امل ـ ـ ْورد ي ـ ـ ـا رب! مل أحسـ ـ ـب م ـ ـرارة مـ ـصـ ــدر
بـ ـ ـ ـإزاء عي ـ ـ ـ ـين ،ل ـ ـ ـ ـ ـم تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزل تتـ ـ ـ ـ ـردد يـ ـ ــا رب! ق ـ ـ ـ ـد ث ـ ـقل ـ ـ ـ ـت عل ـ ـي كب ـ ــائر
طمع ـ ـ ـ ـا ب ـ ـ ـ ـرمحتـ ـ ـ ـ ـك اليت ال تـ ـبـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـد يـ ـ ــا رب! إن أبْـ ـ ـعـ ـدت عنك فـ ـإن يل
ولعـ ـ ـلين عـ ـ ـ ـن بـ ـ ـ ـ ـ ـابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ال أطْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرد يـ ـ ــا رب! مـ ـ ـا يل غري لطفك مـ ـلج ـ ـأ
ديْـنا علي ب ـ ـ ـ ـه ج ـ ـ ـاللـ ـ ـ ـك ي ـشـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـد يـ ـ ــا رب! ه ـ ـ ـ ــب يل تـ ـوبة أقضي هبـا
بسالسـ ـ ـ ـ ـل الـ ـ ـ ـوزر الث ـ ـ ـقيـ ـ ـ ـ ـل مـ ـ ـق ـ ـي ـد أن ـ ـ ـ ـت اخلـ ـ ـ ـبري حب ـ ـ ـ ـال ع ـب ـ ـ ـدك إن ـ ـ ـ ـه
21
أن ـ ـ ـ ـت اجمل ـ ـيـ ـ ـ ـ ـر ل ـ ـكـ ـ ـل م ـ ـ ـن يستنجد داع ي ـلتجئ
أن ـ ـ ـ ـ ـت اجمليـ ـ ـ ـ ـب لـ ـ ـ ـكل ٍ
وإذا كان الشكر هلل يتحقق يف ذكران له ،فإن القلب الذاكر لربه شاكر له ،وله مواصفات .فمن مواصفات
القلب الذاكر :أنه قلب رب ـ ـاين ،إذا أحب أحب هلل ،وإذا أبْـغض أبْـغض هلل ،وإذا أعطى أعطى هلل ،وإذا م ـنع م ـنع يف
هللا ،فكل أحواله هلل.
قال ﷺ « :من َحب هلل ،وَبغض هلل ،وَعطى هلل ،ومنع هلل ،فقد استكمل اإلميان ».
وملا كان احلب يف هللا أساسا لكل خري وتعاون على كل ب ـ ـر ،وإخالصا يف كل شيء ،ووفاء صافيا ،فإننا
نسجل هنا كلمة عن احلب يف هللا فنقول:
احلمد هلل الذي ألف بني قلوب املؤمنني فأصبحوا بنعمته إخواان ،والصالة والسالم على رسوله حممد الذي
ضرب للمؤمنني املثل األعلى يف األخ ـ ـوة والوف ـاء ،حىت أن كل صحايب من صحابته الكرام كان يشعر أنه أقرب الناس
إىل الرسول الكرمي ﷺ وأحب الناس إىل قلبه العظيم.
يقول اإلمام الغزايل رمحه هللا « :إن احملبة هلل هي الغـ ـاية القصوى ،والـ ـذروة العليا من الدرجات ،فما بعد
إدراك احملبة َمر َّإال وهو رمرة من رمارها ،واتبع من توابعها ،كالش ـوق واألن ـس وال ـرضاء وَخ ـواهتا ،وم ـا قبـل احملبة
مقام َّإال وه ـو مق ـ ـدمة من مقدماهتا :كالتوبة والصرب والزهد وغريها ».
وأما حمبة هللا تعاىل فقد ع ـ ـز اإلميان هبا ،وال معىن هلا إال ابملواظبة على طاعة هللا تعاىل .وقد ذهب كثري من
العلماء إىل أن احلب هلل تعاىل ولرسوله ﷺ ف ـ ـرض ،واحلب يـفسر بـ ـالطاعة ،فهي مثرة له ،فـ ـال ب ـد أن يـتـقدم احلب َث
بعد ذلك يطيع من أحب.
وهللا تعاىل يقول﴾ ﴿ :
22
( البقرة.) 165 : ويقول أيضا﴾ ﴿ :
والرسول ﷺ يقول « :ال يؤمن َحدكم حىت يكون هللا ورسوله َحب إليه مما سوامها » رواه أمحد.
ويف حديث آخر « :ال يؤمن العبد حىت َكون َحب إليه من َهله وماله والناس َمجعني » ( متفق عليه ).
ويف معرض التهديد واإلنكار على املؤمنني سلوكهم املخالف لإلميان ،يبني هللا عز وجل مكانة حب هلل
ورسوله ،فيقول ﴿ :
( التوبة.) 23،24 : ﴾
ومـ ـن ذلك ت ـبني لنا أن أصل احلب ه ـ ـو هلل عز وجل ،وحب الرسول ﷺ هو من حب هللا عز وجل ،كما
يتبني لنا أن احلب الناشئ بني العبد والعبد ،إمنا يقوم على أسـ ـ ـ ـاس احلب يف هللا.
ولقـ ـ د ورد يف حديث أخرجه البخاري يف فضائل الصحابة (ابب مناقب األنصار) ومسلم يف اإلميان ( ابب
الدليل على أن حب األنصار -رضي هللا عنهم – من اإلميان ) عن الرباء بن عازب – رضي هللا عنهما – عن النيب
ﷺ أنه قـ ـال يف األنصار « :ال حيبهم َّإال مؤمن ،وال يبغضهم إال منافق ،مـ ـن َحبهم َحبه هللا ،ومن َبغضهم َبغضه
هللا».
ويقول ال ـ ـ ـرسولﷺ « :ال يؤمن َحدكم حىت حيب ألخيه ما حيب لنفسه » ( متفق عليه ).
ومن هذا احلديث يتبني لنا أن اإلميان ال يكون كامال إال إذا أحب املؤمن ألخيه ما حيب لنفسه ،واحملبة يف
هللا تـمزج األرواح ،وتـقرب القلوب ،فال خيفى عن مسامعنا تلك القصة الشهرية اليت تظهر كيف حتول هذا احلديث
الشريف إىل واقع يف حياة مـ ـ ن عرفوا اإلسالم وطبقوه ،حيث أهدى إىل أحد املسلمني رأس شاة فإذا هبذا املسلم
يقول :إن أخي ف ـ ـالان أح ـق هبا مينَ ،ث ذهب وأعطاها له ،وإذا ابلثاين يقول :إن أخي فالان أحق هبا مين ،وهكذا
23
حىت إىل سبعة من املسلمني ،وعادت إىل الشخص األول ،وكان كل واحد منهم يعرب عن حمبته ألخيه بـ ـأن يؤثره على
نفسه ،ح ـ ـىت دارت هذه الص ــدقة دورهتا على سبعة من املسلمني ،وكل واحد منهم ي ـ ـؤثر اآلخر على نفسه.
َث القصة الثانية اليت ت ـب ني لنا كيف يكون احلب لآلخرين يف حالة املوت ،حيث أقبل الساقي بشربة ماء إىل
أحد اجلرحى يف غزوة من الغزوات ،فأشار إىل جـ ـ ـريح آخر ي ـؤثره بشربة املاء على نفسه ،وهكذا أخذ الساقي ينتقل
بني اجلرحى حىت عاد إىل األول ،فـ ـوجده قـ ـد فـ ـ ـ ـارق احلياةَ ،ث إىل الثاين فوجده أيضا قد فارق احلياة ،والثالث حىت
آخرهم.
وال تقتصر مثرات احملبة قي هللا على خري يف الدنيا فقط ،كأن يشعر املؤمن من تـحليه هبذه الصفة اجلليلة
بـحالوة اإلميان ،كما أخرب هبا رسول هللا ﷺ يف احلديث الصحيح « :ثالث من ك َّن فيه وجد حالوة اإلميانَ :ن
ب املرء ال يـحبه إال هلل ،وَن يكره َن يعود يف الكفر بعد إذ
يكون هللا ورسوله َحب إليه مما سوامها ،وَن يـح َّ
َنقذه هللا منه كما يكره َن يلقى يف النار » ( رواه البخاري ).
هذا وال ت ـ قتصر مثرات احلب يف هللا على اخلري الذي يناله العبد من الدنيا ،ولكنها تكون أوضح ما يكون يوم
القيامة ،ولقد وردت عدة أحاديث تبني فضل املتحابني وعلو منزلتهم ،وعظيم أجرهم .فنجد املتحابني يف هللا من
السبعة الذين يظلهم هللا يوم ال ظل إال ظله ،كما أهنم يكونون يوم القيامة على منابر من نور ،يـ ْغبطهم الـنبيون
والصديقون والشهداء ،فـ ـرتى يف وجوههم ي ـوم القيامة ن ـورا ،وال خيـ ـاف ـون إذا خـ ـاف الناس ،وال حيزنون إذا ح ـزنوا.
ويكفيهم – كما ورد يف احلديث الصحيح – مـحبة هللا تـعاىل هلم ،فقد ورد « :أن رجال زار أخا لـ ـه يف قرية
أخرى ،فأرصد هللا تعاىل على الطريق ملكا ،فلما أتى قـ ـال :م ـن تريد؟ قال :أريد أخا يل يف هذه القرية ،قال :هل لك
عليه نعم تـمن هبا عليه؟ قال :ال ،غري أين أحببته يف هللا تعاىل ،قـ ـال :إين رسول هللا إليك أبن هللا قد أحبك كما
أحببته فيه ».
إن من املتعارف عليه أن الناس قد فطروا على حمبة أشباههم الذين ت ـ ْقـرتب م ـيوهلم من ميوهلم ،وطب ـاعهم من
طباعهم ،فكل إنسان أينس إىل شكله ،كما أن كل طري يطري مع جنسه ،وقد رأى مالك – رضي هللا عنه – محامة
أع ـ ـرجان ،فقال :من هنا اتفقا!
وغرااب جمتمعني فتعجب ،وقال :اتفقا وليس من شكل واحد فلما طارا تبني أهنما ْ
وق ـ ـد تـبـني ابإلخـ ـتبار والتج ـربـة أن الناس ال ت ـقوم بينهم الصحبة ،وال تنمو األلفة ،وال يتـ ـولد بينهم احلب إال
لوج ـ ـود شـبـه يف ال ـطباع والـع ـ ـادات ،ف ـإن وجدت الصحبة ومل يوجد إىل جانبها الت ـشابه ،مل تلبث عـ ـ ـرى هذه احملبة أن
ت ـتفك ،ومل يلبث الصاحبان أن ينفصال.
24
إن ال ـ ـذين التقوا يف احلياة الـ ـدنيا على املصاحل واملنافع ،ت ـ ـراهم يـ ـوم القيامة أعـ ـداء لبعضهم البعض ،أما الذين
التقوا يف احلياة الدنيا على حمبة هللا فيكونون يوم القيامة أصدقاء وأحباء وهللا يرشدان إىل ذلك فيقول:
( الزخرف.) 67 : ﴿﴾
وإذ كان ال ـعرج جيمع بني الطائرين على اختالف الفصيلة ،فكيف ال جيمع احلب يف هللا بني املؤمنني؟
إن احملبة يف هللا ت ـرسي قـ ـواعد احلياة اإلجتماعية الفاضلة السعيدة ،اليت يشعر فيها كل فرد من األفراد أبنه لـبنة
من بناء ،وعضو من جسم ،وج ـ ـزء من كل ،فـ ـواجبه أن يكون متجاواب متعاوان مع إخوانه يف هللا ،يتح ـابون ويرتامحون،
وحيـ ـرص كـ ـل واح ـ ـد منهم على مصلحة أخيه.
وبذلك يتحقق ق ـ ـول الرسول ﷺ « :مثل املؤمنني يف توادهم وترامحهم وتعاطفهم مثل اجلسد إذا اشتكى
منه عضو تداعى لـ ـه سائر اجلسد ابلسهر واحلمى» ( متفق عليه ).
وال شك أن حمبة اخلري للغري كمحبة اخلري للنفس فضيلة عزيزة املنال ،حتتاج إىل رايضة وجماهدة ،واليبلغ مرتبة
التحلي هبا على وجهها إال الشخص املؤمن الذي يـطهر قلبه من الغل واحلسد ،فإن احلسد أيكل احلسنات والطيبات
كما أتكل النار احلطب.
ومن البديهي أنـ ـه ال مـحبة إال بعد معرفة وإدراك ،إذ إن اإلنسان ال يـحب إال ما يعرفه وي ــدركه.
والـم ْدركات تنقسم إىل ما يوافق طبع اإلنسان الـم ْدرك وما ي ـنافيه ،فكل مـ ـا يف إدراكـه سعادة وراحة ،فهو
حمبوب عند م ـ ـ ْدركه .وملا كان احلب ت ـ ـابعا لإلدراك واملعرفة فبالتايل ينقسم احلب ابنقسام املدركات واحلواس ،فلكل
حاسة إدراك من املدركات.
وهناك احلـ ـ ـاسة السادسة ،اليت يعرب عنها إما ابلعقل أو النور أو القلب ،فالبصرية الباطنة أقوى من البصر
الظاهر ،والقلب أشد إدراكا من العني ،ومجال املعاين الـم ْدركة ابلعقل أعظم من مجال الصور الظاهرة لألبصار ،فتكون
ال حمالة هلذا القلب مبا يـدركـه مـ ـن األمور الش ـريفة اإلهلية ،ال ـ ـيت تـجل ع ـن أن تدركها احلواس أتـم وأبلغ ،فيكون مـْيل
الطبع السليم هلا.
والـمؤمن ابهلل مـتوازن الش ْخصية ،تـ ْلـمح االعتدال يف سل ـوكه ،ويف فكره ،ويف شعوره .متـ ـوازن ألن ط ـاقته كلها
تعمل وأتخذ نصيبها من احلياة ،مت ـوازن ال يـ ْسبح يف بـ ـرج عاجي من األفكار واألحالم ،وي ـرتك الـ ـواقع ألن ق ـوتـه
احل ـ ـيوية تـ ـرده عـ ـن التحليق الفارغ ،وتـ ـوقـظه لـ ـواقع احلياة ،متوازن ال يغـ ـرق يف مت ـاع األرض ،وال يغ ـ ـرق يف عامل املادة
25
ألن روحه الـمتفتحة الطليقة تـْنشله مـ ـن هذه الـ ـوحدة ،متوازن بـما فيه من ثـقله الطيين ،فهو يستمتع بطيبات احلياة
دون تكـ ـالب عليها ،وهـ ـ ـو عـ ـلى استـع ـداد دائ ـ ـم للتخلي عنها إذا دعا إىل ذلك داع من دواعـ ـي الـجهاد يف سبيل هللا.
الـمـحب شخص متوازن ،ال تستطريه كل نظرية جديدة يسمعها ،ح ـىت ي ـزنـها بـميزانه ،ويـتـثـبت لـما فيها من
ولكنه أيضا ال جيمد على كل قدي ـم ع نده ،فاجلمود ليس من اإلميان ،واالعرتاف بنعمة هللا تقتضي إعمال
الفكر الذي وهبه هللا لإلنسان للتدبر والـمعرفة ،ومن الواجب أن يبحث اإلنسان عن احلق ويتبعه حاملا يـثْـبت له أنه
حق ،وهـ ـو مبقتضى إيـجابيته وفاعليته شخص استقاليل النـ ـ ـزعة ،استقاليل مبعىن أنه شـ ـاعر بـوجوده ووزنه يف احلياة،
وعامل مبقتضى ذلك الشعور ،وه ـو ال يشعر ب ـأمهيته بـ ـوصفه ف ـالان ابن فالن ،الـمعتز بـماله من احلسب والنسب
والقوة واملال ،وإمنا يشعر أبمهيته ألنه مـ ـ ؤمن ،مهتد إىل القوة احلقيقية يف هذا الكون ،ومعتز هبذا اإلميان ،وهذا اهلدي
جيعله قوة كـ ـونية فاعلة ،ومن هنا حيس بقـ ـدرة اإلميان احلقيقي ،ويقدر أمهيته هبذا امليزان.
وحـ ـينئذ يك ـ ـون استقاليل الن ـ ـزعة ،ألنه حيـ ـس أنه ال يستمد وجوده من أسـ ـرة ،وال م ـن وظيفة ،وال من جمتمع،
ولكن من ذاته الـمهتديـ ـة ابهلل ،واحملبة له وفي ـ ـ ـه ،وهو مـ ـع استق ـالله بكيانه املنفرد شخص اجتماعي إىل أبعد احل ـ ـدود،
حيث ما ركب يف طبع امل ـ ـؤمن من التعاون على الرب والتقوى يقتضي بطبيعته االجتماع ابلناس،ليس معىن ذلك أن
يزعجهم برفع احلواجز كلها ،أو برفع التكاليف ح ـيث أن اإلميان هتذيب لألخالق ،هـ ـذا التهذيب قد جعل منه
شخصا حساسا ،صـ ـ ـاحب ذوق ،ال جيعل م ـ ـن حبه للناس ذريعة إلزعـ ـاجهم وإقالق راحتهم.
وليس طلب الوعد واحملافظة على االستئذان للزايرة إق ـ ـامة للحواجز ،وتعطيال للمودة ،بل هي حرص على
املودة أكرب ،وإيثار للناس ابلـ ـ ـراحة ،ومنطق احلب ليس إال اإليثار.
ومن املستحبات :استحباب إعـ ـ ـالم الرجل من حيبه أنه حيبه .وقد ورد عن النيب ﷺ أحاديث صحيحة،
يستفاد منها أن املسلم إذا أحب أخا له يف هللا ،فعليه أن خيربه ،فقد ورد يف سنن أبو داود والرتمذي أن النيب ﷺ
قال «:إذا َحب الرجل َخاه ،فليخربه َنه حيبه» قال الرتمذي :هذا حديث صحيح
26
كما ورد يف سنن أيب داود عن أنس رضي هللا عنه أن رج ـ ـال ك ـ ـان عند النيب ﷺ فمر رجل ،فقال :اي رسول
هللا ،إين ألحب هذا ،فقال له النيب ﷺََ « :علَمته »؟ قال :ال ،قالَ :علمه ف ـلحقه فقال له :إين أحبك يف هللا،
فقال :أحبك هللا الذي أحببتين فيه
ويف سنن أيب داود والنسائي عن معاذ بن جبل أن الرس ـ ـ ـول ﷺ أخذ بيده وقال « :اي معاذ وهللا إن
ألحبكَ ،وصيك اي معاذ ال تـ ـدعن يف دبـ ـر كل صالة َن تقول :اللهم َعين على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
».
ومن هذا احلديث يتضح أن الذي حيب إنساان ،حيب له اخلري ،ويدله على طريق اخلري ،كما خيربه أنه حيبه.
27
اذكـ ـ ـر هللا وال تنس امل ـ ـ ـ ـوت
القلب الشاكر قلب ذاكر هلل ،وال ينسى لقاءه ،ألنه يعلم أنه من أحب لقاء هللا أحب هللا لقاءه ،ومن كره
لقاء هللا كره هللا لقاءه.
و ْاع ـص اهل ـ ـوى ،ف ـاهلـ ـ ـوى م ـازال فت ـان ـــ ـا ي ـا نـ ـفـس تـ ـويب ،ف ـ ـإن الـم ـــ وت ق ْد ح ـان ـا
ص ـرع ـ ـ ـ ـه آث ـ ـ ـ ـ ـار م ـ ـ ـ ـوتـ ـ ـانـ ـ ـ ـ ـ ـا
نـْن ـ ـسى مب ـ ـ ـ ْ يف كـ ـ ـ ـ ـل يـ ـ ـ ـ ـ ْوم لن ـ ـ ـا مـ ـيـ ـت نش ـيـ ـعـ ـ ـ ـ ـه
خـ ـلفي ،وأخ ـ ـ ـ ـ ـرج م ـ ـ ـ ـ ـن دنياي ع ـ ـرايان يـ ـا نـ ـ ـ ْفس مـ ـ ـ ـا ل ـ ـي ول ـأل ْمـ ـ ـ ـوال أ ْكـ ـنـ ـزهـ ـ ـا
ننـ ـ ـ ـسى بـ ـغـ ـ ْفـ ـل ـتن ـ ـ ـ ـا م ـ ـ ـن لـْيـ ـس ينسانـ ـا مـ ـ ـ ـا بـ ـ ـالنـ ـ ـا ن ـتـ ـع ـ ـام ـ ـ ـى ع ْن مـ ـ ـص ـ ـارعـ ـنـ ـ ـ ـا
مـ ـ ـ ـ ـوتـ ـ ـا وق ـ ـ ـ ْد سـ ـ ـلبـ ـ ـوا ديـ ـنـ ـ ـا وإمي ـ ـانـ ـ ـ ـ ـ ـا فـ ـكـ ـم رأيْـ ـ ـن ـ ـ ـا أنـ ـ ـ ـاسا صـ ـ ـاحل ـني ق ـض ـ ـ ـ ـ ـواْ
بس ـ ـ ـ ـ ـ ـوء خ ـ ـ ـ ـ ـ ـامتـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍة لـلمـ ـ ـ ـ ـ ـ ْوت أعيانـ ـ ـ ـا اسـ ـت ـْبـ ـدلـ ـوا ال ـك ـ ْف ـر ب ـاإلميان ،وانْـفصـل ـوا وْ
ق ـ ـ ـ ـ ـ ْد بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـان تقص ـ ـ ـ ـريه ـ ـا قـ ـ ـ ـ ـ ـد بـ ـ ـ ـان ـ ـ ـ ـ ـا أب ـ ـ ْع ـ ـ ـد خْ ـ ـس ـ ـ ـني قـ ـ ـ ْد ق ـ ـض ـيتـ ـه ـ ـا ل ـ ـ ـعـب ـ ـ ـا
ك ـانـ ـ ـت ختـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر لـ ـ ـ ـ ـه األذقـ ـ ـان إذع ـ ـانـ ـ ـا أيْـ ـ ـن امل ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـوك وأبْـ ـن ـ ـاء املـ ـ ـلـ ـ ـوك وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْن
م ـستـب ـدلـ ـ ـني مـ ـ ـ ـ ـن األ ْوطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـان أوطان ـ ـ ـا ت هبـ ـ ْم حـادث ـات الد ْهر ،فانْـقلب ـواْ صـاح ْ
استـ ـفـ ـرش ـ ـوا ح ـ ـفـ ـ ـ ـرا غـ ـ ـ ـربا ،وقيعـ ـ ـانـ ـ ـ ـ ـا وْ أ ْخ ـ ـلـ ـ ـوا م ـنازل ك ـ ـ ـان الـ ـعـ ـ ـ ـ ـز م ـ ـ ـ ْف ـ ـرش ـه ـ ـا
وراف ـ ـ ـ ـال يف ثي ـ ـ ـاب الْغ ـ ـ ـ ـ ـي ن ـ ـ ْش ـ ـ ـوانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا يـ ـ ـا راك ـ ـضا يف ميـ ـ ـ ـادي ـ ـ ـن اهلـ ـ ـوى م ـ ـرح ـ ـا
يكفيك ما ق ْد مضى ،ق ْد كان ما كاان مـ ـ ـضى الـ ـ ـزم ـ ـ ـان ،ووىل الْع ْمـر يف ل ـع ـ ـ ـ ٍ
ب
وعن محزة بن عبد هللا قال :شهدت أاب بكر الشاشي عند موته فقلت له :كيف حالك؟ قال :كسفينة تدور
على الغرق ،فال أرى أأجنو ابلسالمة ،وأتيت املالئكة ابلبشارة﴾ ﴿ :؟(فصلت) 30 :
أم تغرق السفينة ،وأتيت املالئكة تقول﴾ ﴿:؟
(الفرقان.)22:
أي بعدا بعدا ،فال تصلح لنا اي خبيث ،اي عاصي ابْك على ظالم قلبك ،فإنه يضيء ،إذا بكى السحاب
على الرىب تبسمت .وحيك! يقول أان اتئب وتتوقف اهنض وابدر فتالف خريا فات ،إذا صدق التائب يف توبته ،أنْس
هللا كـ ـاتـبـْيه مـ ـا كتـبا ،وأوحى هللا تعاىل إىل األرض :أن ا ْكتمي على عبدي.
28
وارحم بعفوك من أخطأ ومن ندما اي رب قد تبت ،فاغفر زليت كرما
عمري فخذ بيدي ،اي خري من رمحا ال ع ْدت أفعل ما قد كنت أفعله
مل يظلم الناس ،لكن نفسه ظلما ٍ
خائف ،وج ٍل هذا مقام ٍ
ظلوم،
اجرتما
واغفر ذنوب مسيء ،طاملا ْ فاصفح بعفوك عمن جاء معتذرا
واعلم اي ابن آدم أن الشيطان راصد يرصد مجيع املقاصد ﴿ :
واعجبا ملن ك ـ ـان يف ظهر أبيه آدم كيف يدخل انرا وقودها الناس واحلجارة؟ اي ابن آدم إمنا طـ ـردان إبليس ألنه
مل يسجد ألبيك ،فالعجب منك كيف صاحلته وهجرتنا!؟:
فليت شعري ،مىت أتوب؟ ال عذر يل ،قد أتى املشيب
ومسين منهما اللغوب إبليس قد غرين ونفسي
جتددت بعده ذنوب إذا انقضى للشقاء ذنب
ساكنه مفرد غريب ومن ورائي حلول قرب
أاتين رسول ريب مبا أجيب إذا أدري ولست
أم يل يف انره نصيب؟ أم أن ـ ــا يوم احلساب انج
مبنة منك ،ال أخيب اي رب جد يل على رجائي
ويروى أن أخوين كان أحدمها عابدا ،واآلخر مسرفا على نفسه ،وكان العابد يتمىن أن يرى إبليس يف حمرابه،
فتمثل له يوما وقال له :اي أسفا عليك! ضيعت من عمرك أربعني سنة يف حصر نفسك وإتعاب بدنك ،وقد بقي من
عمرك مثل ما مضى ،فأطلق نفسك يف شهواهتا وتلذذَ ،ث تب بعد ذلك وعد إىل العبادة ،فإن هللا غفور رحيم .فقال
العابد :أنْـ ـزل إىل أخي يف أسفل الدار وأوافقه على اهلوى واللذات عشرين سنةَ ،ث أتوب وأعبد هللا يف العشرين اليت
تبقى من عمري .فنزل ،وقال أخوه املسرف على نفسه :قد أفنيت عمري يف املعصية ،وأخي العابد يدخل اجلنة وأان
أدخل النار ،وهللا ألتوبن وأصعد إىل أخي وأوافقه يف العبادة ما بقي من عمري ،فلعل هللا يغفر يل ،فطلع على نية
التوبة ،ونزل أخوه على نية املعصية ،فزلت رجله فوقع على أخيه فماات مجيعا يف السلم ،فحشر العابد على نية
املعصية ،وحشر املسرف على نية التوبة.
29
فيا أيها املسلمون ،ف ـ ـ ـرغوا قلوبكم لالعتبار فيما جيري يف الليل والنهار ،كم من بعيد قـ ـرب ،وكم من قريب
ب ـعد ،جفاه األهل واجلار وكان حظ األول اجلنة ،وحظ الثاين النار ،فاعتربوا اي أويل األبصار!
ندم العابد على تغيري نيته بال شك وخاف ،وبكى على تفريطه بعد عبادته إ ْذ زل وهفا ،يود لو أن صايف
وده ي ـ ـرد وي ـرجع إىل الوفا ،وسيعلم أنه بىن على شفا جرف هار ،فاعتربوا اي أويل األبصار.
إذ قال العبد :اي رب قد أذنبت .قال له هللا :اي عبدي ،وأان قد سرتت.
فـ ـإذا قال العبد :اي رب ،قد تبت .قال له هللا :اي عبدي وأان قد قبلت.
م ـ ـ ـ ـا أحلمك! م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا أرمحك!
لو يعلم املدبرون عنك،كيف انتظارك هلم ،ورفقك هبم ،وشوقك لرتكوا ذنوهبم ،ملاتوا شوقا إليك ،ولتقطعت
أوصاهلم من حمبتك ،إذا كان هذا شأنك ابمل ْدبرين عنك ،فكيف يكون شأنك ابملقبلني عليك؟
و م ْن جيود على العاصي ويست ـ ـره سبحانك م ْن خلق األ ْشياء م ْقتدرا
ويغمر العْب ـ ـ ـ ـ ـد إحساان ،وي ْشكـ ـ ـره خيفي القبيح ،ويـْبـ ـ ـ ـدي ك ـ ـ ـل صاحل ٍة
إذا أن ـ ـ ـاب ،وبـ ـ ـالغ ْف ـ ـ ـ ـران ْجيـ ـبـ ـره ويـ ْغفر الذنْب ل ْلعاصي ،وي ـ ـ ـ ْقبـلـ ـ ـ ـه
ضله عزا ،وينصـ ـ ـره يعطيه م ْن ف ْ ومـ ـ ـن يـلـ ـ ـ ـ ـوذ ب ـ ـ ـه يف دفْ ـ ـ ـ ـ ـع نـ ـ ـ ـ ـائب ٍة
بـ ـ ـ ـل يف امل ـ ـ ـ ـآل يـ ْربـيـ ـ ـه ،وي ـ ـدخـ ـ ـره وال ي ـ ـ ـ ـضيـ ـ ـع مثْـ ـ ـ ـق ـ ـ ـاال لم ـ ـ ـ ْجتهـ ـ ـ ٍد
فـ ــب ـ ـ ــاملدامـ ـ ـ ـ ـع والتق ـ ـ ـ ـوى يطهـ ـ ـره ومن يك ْن قـ ْلبـ ـ ـ ـه ابلذنْب ق ْد دنسا
مواله ،إن شاء يغنيه ويفقـ ـ ـره صـ ـ ـ ـ ـ ـريف ،وإن له ولْيس ل ْلعْب ـ ـ ـد ت ْ
ي ـ ـ ـري ـ ـ ـده هللا ،أو أم ـ ـ ـ ـ ٍر يدب ـ ـ ـره فال ح ـ ـ ـذر ين ـ ـ ـ ـ ـجي الْ ـ ـ ـ ـعْبد م ْن قد ٍر
عند املمات ،وصفوا ال يـ ـك ـ ـدره فـن ْس ـ ـ ـ ـ ـ ـأل هللا حـ ـ ـقا ح ـ ْسـ ـ ـن خ ـ ـ ـ ـ ـامت ٍة
30
قال ﷺ ":إمنا األعمال ابخلوامت " فنسأل هللا حسن اخلامتة .
قال منصور بن عمار رمحة هللا عليه :كان يل أخ يف هللا ي ـفتقـ ـدين ،و يـ ـ ـ ـزورين يف شـ ـ ـدة و رخاء ،و كنت أراه
كثري العبادة و التهجد و البكاء ،ففقدته أايما ،فقيل يل :ه ـ ـ ـو ضعيف ،فسألت عن داره فأتيت الباب فطرقته
استأذنت ل ـي َث عادت وقالت يل :أدخل ،فدخلت
فخرجت إيل ابنته ،فقالت :من تريد ؟ فقلت :فالان ،فدخلت ،و ْ
اسود وجهه ،وازرقت عيناه ،وغلظت شفتاه ،فقلت له و أان فوجدته وسط الدار وهو مضطجع على فـ ـ ـراش ،وقد ْ
خائف منه :اي أخي ،أكثر من قول ال إله إال هللا ،ففتح عينيه ونظر إيل شذرا و غشي عليه فقلت له ثالاث :اي أخي
أكثر من قول ال إله إال هللا ،ولئن مل تقلها ال غسلتك ،وال ك ـفـنـتك وال صليت عليك ،ففتح عينيه وقال :اي أخي ،اي
منصور ،هذه كلمة حـ ــيل بيين و بينها ،فقلت :ال حول وال قوة إال ابهلل العلي العظيمَ ،ث قلت له اي أخي أين تلك
الصالة والصيام والتهجد والقيام؟ فقال :اي أخي ،كـ ـ ـل ذلك كان لغري وجه هللا ،إمنا كنت أفعل ذلك ليقال عين و
أذْك ـ ـر به ،و كنت أفعل ذلك ري ـ ــاء للناس ،فإذا خلوت بنفسي ،أغلقت الباب ،و أرخيت الستور ،وشربت اخلمور ،و
ابرزت ريب املعاصي ،ودمت على ذلك مدة ،فأصابين مرض أشرفت فيه على اهلالك ،فقلت إلبنيت هذه :انوليين
املصحف ففعلت ،فأخذته أقرأ فيه حرفا حرفا حىت بلغت سورة يس ،فرفعت املصحف وقلت :اللهم حبق هذا القرآن
العظيم إال ما شفيتين ،وأان ال أعود إىل ذنيب أبدا ،ففرج هللا عين ،فلما شفيت عدت إىل ما كنت عليه من اللهو و
اللذات ،والزهو ،وأنساين الشيطان العهد الذي كان بيين و بني ريب ،و ب ـقيت على ذلك مدة من الزمان ،فمرضت
مرضا أشرفت فيه على املوت ،فأمرت أهلي فأخرجوين إىل وسط الدار على عاديتَ ،ث دعوت ابملصحف فقرأت فيه،
َث رفعته وقت :اللهم حبرمة ما يف هذا املصحف الكرمي من كالمك القدمي إال ما فـ ـرجت عين ،فاستجاب هللا مين و
فـ ـ ـ ـرج عينَ ،ث عدت إىل ما كنت عليه من اهلوى والغي ،فوقعت يف هذا املرض فأمرت أهلي فأخرجوين إىل وسط
الدار كما تراينَ ،ث دعوت ابملصحف ألقرأ فيه ،فلم يـتـبني يل فيه حرف واحد ،فعلمت أن هللا سبحانه وتعاىل قد
غضب علي ،فرفعت رأسي إىل السماء وقلت :اللهم حبرمة هذا املصحف إال ما فرجت عين اي جبار األرض و
السماء ،فسمعت هاتفا يقول ،ومل أر شخصه:
وتـ ـ ـرجـ ـع للـ ـ ـذن ـ ـوب إذا ب ـ ـرئْ ـ ـ ـ ـ ــتـ ـ ـ ـ ـا ت ـت ـوب من الذنوب إذا مرضت
وأخ ـب ـ ـث م ـ ـا يك ـ ـ ـ ـون إذا قـ ـ ـ ـ ـويـتـ ـ ـ ــا إذا م ـ ـ ــا الضر مسـ ــك أنـ ـ ـت اب ٍك
وك ـ ـم ك ـش ـ ـف البـ ـ ـالء إذا ب ـ ـ ـليتـ ـ ـ ـ ـ ــا فكـ ـ ـ ْم مـ ـ ـ ـ ـن كـ ـ ـ ـربـ ـ ٍة جنـاك من ـ ـ ـ ـ ـ ــها
مـ ـدى األي ـ ـ ـام جـ ـهـ ـ ـ ـرا قد هنيتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب وعـ ـنـ ـ ـ ـ ـهوكـ ـ ـ ـم غط ـ ـ ـاك يف ذنـ ـ ـ ـ ـ ٍ
وأن ـت عـ ـ ـلى اخل ـ ـطـ ـ ـايـ ـ ـا قد دهيتـ ـ ـا أمـ ـ ـا ختْـ ـ ـشى بـ ـ ـ ـأ ْن تـ ـ ـ ـأيت املنـ ـ ــايـ ـا
عليـك وال ا ْرع ـوي ـ ـت ،وال خشيت ـ ـ ـا ب ،ج ـاد فضال وتنسـ ـ ـ ـى فضـ ـل ر ٍ
وف نسـ ـيتـ ـ ـا وأنـ ـ ـت ل ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـل م ـ ـعـ ـر ٍ وكم عـ ـ ـ ـاهدت ثـم نـقضت عهـدا
ْ
إلـ ـ ـى ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍرب إل ـيـ ـ ـ ـه قـ ـ ـ ـ ـ ـد ن ـع ـيتـ ـ ـا فـ ـدارْك قبـ ـل نـ ـقلـ ـك ع ـ ـ ـن ديـ ـ ـارك
31
اي أخا اإلسالم :إن هللا تعاىل يقول يف احلديث القدسي اجلليل « :لقد خلقت خلقا ،ألسنتهم أحلى من
العسل،وقلوهبم أمر من الصرب ،فب ـي حلفت ألتيحنهم فتنة تدع احلليم فيهم حريان ،أبـي يغرتون أم علي يتجرئون؟».
وكان املسيح بن مرمي -على نبينا وعليه الصالة والسالم -يقول « :ي ـا بين إسرائيل ،ال ت ـأتون تلبسون
لباس ال ـ ـرهبان وقلوبكم قلوب الذائب الضواري ،ولكن البسوا ثياب امللوك ،وَلينوا قلوبكم خبشية هللا».
أخـ ـ ـا اإلسالم:
إن الـ ـكـ ـذوب يش ـ ـني ح ـ ـ ـرا يصحب ودع الكذوب فال يكن لك صاحبا
وإذا تـ ـ ـ ـ ـوارى عـن ـ ـ ـك ،فـه ـ ـو العـقـ ـرب يلقـ ـ ـ ـاك ،ي ـ ـقس ـ ـ ـم أن ـ ـ ـه ب ـ ـ ـ ـك واث ـ ـق
وي ـ ـ ـروغ من ـ ـ ـك ك ـمـ ـ ـا ي ـ ـروغ الث ـ ـعلب يسقيـ ـ ـ ـك م ـ ـ ـن ط ـ ـ ـرف اللس ـان حالوة
إن ما رواه منصور بن عمار يذكران ابملدرسة الثعلبية اليت خترج الثعالب ،واليت حذر القرآن الكرمي منها يف قوله
جل شأنه ﴿ :
( التوبة.) 78-75 : ﴾
وال أتمن اثنني على اثنني :ال أتمن رجال على امرأة ،وال أتمن امرأة على سر.
وملا كنا قد حتدثنا عن ذكر هللا ،بقي أن نتحدث عن ذكر املوت ،فـ ـنسيانه ضالل مبني .ف ـالليل مهما طال
فال بد من طلوع الفجر ،والعمر مهما طال فال بد من دخ ـ ـول القرب .واعلم أبن الـ ـ ـدنيا ساعة فاجعلها طاعة ،وأن
النفس طماعة فعودها القناعة.
32
نقول وابهلل التوفيق :احلمد هلل ،املستحق لغاايت التحميد ،املتوحد يف كربايئه من غري تكييف وال حتديد.
الـمانع ،ف ـ ـال معطي لـما م ـ ـ ـ ـنع ،وال راد ملا يريد.
وألزمهم شكره ،وضمن هلم من كـ ـنز فضله املزيد ،وحـ ـكم عليهم ابملوت فما ألحد عنه حميص وال حميد.
فكم أبكى خليال بفراق خليله ،وكم أيتم وليدا وشغله ببكائه وعويله.
فهو ال يـب ـ ـدئ بفرط حزنه وال يعيد ،ه ـ ـدم ابملوت مشيد األعمار ،وحـ ـكم ابلفناء على أهل هذه
الدار،األح ـ ـرار منهم والعبيد ،أوحش املنازل من أقْ ـمارها ،ونفـ ـر طيـ ـور األرواح عن أوكارها ،وع ـ ـوضهم من لذة العيش
ابلتنغيص والتنكيد
ف ـ ـامللك والـم ْملوك ،والغين والصعلوك ،،تساوت قبورهم يف القف ـ ـر والبيـ ـ ـد.
فسبحان من أذل ابملوت من اجلبابرة كل جبار عنيد ،وكسر به من األكاسرة كل بطل صنديد.
أخرجهم من سعة القصور إىل ضيق القبور ،وقـطع حب ـ ـ ـال أمـ ـ ـدهم املديد.
أخـ ـ ـذ ب ـه اآلابء واجلـ ـ ـدود ،واألطفال مـ ـن الـمهود فأسكنهم الل ـحود ،وع ـفـر وج ـ ـوههم يف الصعيد ،وس ـاوى يف
املوت بني الكبري والصغري ،والغين والفقري ،واملأمور واألمري ،والوالد والوليد :أفىن به الذكور واإلانث ،فهم يف سجل
األجداث إىل يوم الوعيد.
أفـ ـ ـ ـال يعترب الغافل مبصرعهم ،وقد أفناهم الـموت بـ ـ ـأمجعهم ،وفـ ـ ـ ـرق مشلهم ابلتبديد؟
33
فكيف ي ـغرت اإلنسان وهو عـ ـ ـامل أبن هللا تعاىل ميلي للظ ـ ـامل ،حىت إذا أخذه مل يـفلته؟ ومل يكن عـ ـنه حميد؟ ما
كانت نفوسهم ب ـ ـذلك عالـمة وهي مـ ـن املوت غري ساملة ﴿
( هود.) 102 : ﴾
أين األمم املاضية؟ أين أرابب القصور العالية؟ حق عليهم الوعيد ،فلو عاينتهم يف قبورهم لعجبت من
أم ـ ـورهم ،قد غ ـ ـ ـ ــرب البلى أح ـ ـ ـ ـ ـ ـواهلم،ومـ ـ ـ ـ ـزق أوصـ ـاهلم ،ومل يعرف منهم األحرار من العبيد.
أما أصبح منهم ذو الشدة والبأس بعد الـق ـ ـرب واإليناس يف ظلمة اللحود وحيدا؟ أما وع ـ ـظهم املوت مبن أخذ
منهم شقيا كان أوسعيدا؟
أما أنذرهم قول اجمليد احلميد﴾ ﴿ :
( ق.)19:
ويْـحك نبه نفسك ،واعمل ملا تلقى غ ـ ـدا ،املوت أييت وليس منه حميد.
إن كنت يـ ـ ـا صاح انئما فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـال بد أن تنتبه يف قربك ،وأنت فيه وحيد:
« الناس نيام ،فإذا ماتوا انتبهوا ،فإذا ما انتبهوا ندموا ،فإذا ما ندموا ال ينفع الندم » ومن سك ـر بـحب الدنيا
كان أشد ممن سكر ابلشراب ،إذ إن من سكر ابلشراب يفيق بعد حلظات ،أما من سكر حبب الدنيا فال يفيق إال إذا
اصطدم رأس ـ ـه جبدار القرب يف معسكر املوتى.
﴿
34
اي ع ـ ـ ـاقال من لك؟ إذا مت مـ ـلك مـ ـن كان يهوى صحبتك ،وحـ ـزت حلدت وحدك وأنت مفلس غريب
وحيد.
وإمنـ ـ ــا العـ ـقـب ـ ــى خ ـلـ ـ ـود امل ـ ـ ـ ـ ـ ـآل دنيـ ــاك س ــاعـات سراع الزوال
وتشرتي دنيا املىن والضالل؟! فهــل تـبـي ــع اخلل ــد يـ ــا غـاف ـ ـ ــال
دع دموعك تغسل م ـ ـا ران على قلبك ،فأنت ال تدري ع ـ ـن أهل املقابر من الشقي ومن السعيد؟ فدع
دموعك جتري قبل أن يقال لك :أمل تكن قبل تدري أن احلساب شديد؟
كل القلوب قد النت لكن قلبك قد قسا ،كأن قلبك أضحى بني القلوب من حديد ...وحيك هيئ زادك،
واحذر من نفاده اي فىت ،قبل أن تسافر بغتة فال يشفع اللـ ـ ـوم والتفنيد.
وقـ ـ ْم هلل ،وامج ـ ـ ـع خـ ـ ـ ـ ـري زاد ت ـ ــزود مـ ــن حي ـ ــات ــك لل ــمع ــاد
فـ ـ ـ ـإن امل ـ ـال جيم ـ ـ ـع للـن ـفـ ـ ـ ـاد وال تـ ـ ــركـ ــن إىل الــدني ـ ــا كث ـ ـ ـريا
هل ـ ـم زاد وأنـ ـ ـت بـغـ ـ ـ ـ ـ ـري زاد؟! أرتــضى أن تـ ـك ـون رفيـ ـق ق ـوم
عن عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه قال :أتيت رسول هللا ﷺ عـ ـاشر عشرة ،فقال رجل من األنصار :اي
رسول هللا ،م ـ ـن أ ْك ـيس الناس؟ قالَ « :كثرهم للموت ذكرا ،وَحسنهم له استعداداَ ،ولئك األكياس ،ذهبوا
بشرف الدنيا وكـ ـ ـرم اخآخرة ».
وقد سئل النيب ﷺ عن قوله تع ـ ـ ـاىل﴾ ﴿ :
(األنعام .) 125 :فقال « :إن النور إذا َح َّل يف القلب انفسح له وانشرح ،قالوا :فهل لـ ـ ـذلك من عالمة اي
رسول هللا؟ قال :نعم ،التجايف عن عن دار الغ ـ ـ ـرور ،واإلنـ ـ ـ ـابة إىل دار اخللـ ـ ـ ـود ،واالستع ـ ـ ـ ـداد للموت قبل جميئه
».
35
﴿
﴿
(اإلسراء.)21-18: ﴾
عن عائشة رضي هللا عنها قالت :قال رسول هللا ﷺ « :من َحب لقاء هللا َحب هللا لقاءه ،ومن كره لقاء
هللا كره هللا لقاءه ،فقلت :اي رسول هللا ،ك ـ ـ ـراهية املوت ،فكلنا يكره املوت؟ فقال :ليس ذاك ولكن املؤمن إذا
بشر ب ـ ـرمحة هللا ورضوانه وجنته َحب لقاء هللا فأحب هللا لقاءه ،والكافر إذا بشر بعذاب هللا وسخطه كره لقاء
هللا فكره هللا لقاءه» ذكره مسلم.
وم ـ ـ ـ ـ ـن َث فقد أخرب الصادق املعصوم ق ـ ـائال وقد عاد رسول هللا ﷺ م ـ ـريضا فوجد املرض قد برح به ،فسأله:
«َال تَـ ـدع هللا؟ قال :بلى اي رسول هللا ،قال له :فما تقول يف دع ـ ـائك؟ قالَ :قول :اللهم إن كنت تعذبين بشيء
يف اخآخرة فعج له يل يف الدنيا .فكأن رسول هللا قد غضب ،فقال له :اي هذا َنت ال تطيقهَ ،ال قلت ﴿ :
( ﴾ البقرة» .) 201 :
وعاد مريضا آخر فسأله« :كيف جت ـ ـدك؟» قال :يـ ـا رس ـ ـول هللا ،أرج ـ ـو رحـمة ريب ،وأخ ـ ـاف ع ـذابه ،فس ـر
رس ـ ـول هللا بذلك ،وقال « :ما اجتمع اخل ـ ـوف وال ـرجـ ـ ـاء لعبد يف مثل هـ ـ ـذا املوطن إال غـ ـ ـفر هللا ل ـ ـه ».
أما عن متين املوت ،فيقول مبعوث العناية اإلهلية « :ال يتمنني َحدكم املوت لضر نَـ ـ َزل به ،فإن ك ـ ـان ال بد
متمنيا فيقل :اللهم َح ـ ــيين ما كانت احلي ـ ـاة خـ ـ ـ ـ ـريا يل ،وتـ ـ ـوفين مـ ـ ـا كـ ـانت الـ ـ ـوفاة خـ ـ ـ ـ ـريا يل ».
36
ف ـ ـاجتهد أيها العبـ ـد يف العمـ ـل الص ـ ـاحل ،وأشـ ـفق م ـ ـن ك ـ ـأس ال بـ ـد أنك ذائقـ ـه ،وارحـ ـ ـل عـ ـن عـ ـيش ال بـ ـد
أنت مفـ ـ ـ ـارقـ ـه ،ي ـ ـا نـ ـاسيا لل ـ ـ ـ ـرحيل وق ـ ـ ـد حـ ـ ـث عـ ـلى حنيب الرحيل سائقه ،اعترب مبن سبقك فإمنا يعصي املىن سابقه.
أمل تـر أن الدهر جتري بـوائقه؟ أال أيها القلب الكثري عالئقه
وطعمة كأس املوت إنك ذائقه رويدك ال تنس املقابر ولبلى
رويدك ،ال تعجل فإنك الحقه أال أيها الباكي على امليت بعده
خبالقه أجناه منهن خالقه إذا اعتصم املخلوق من فنت اهلوى
على ثقة من صاحب ال يفارقه أرى صاحب الدنيا مقيما جبهله
سيأتيك منه عن قريب طوارقه فال تتمن املوت اي صاح إنه
وروي عن النيب ﷺ أنه قال « :ما امليت يف قربه إال كالغريق املغوث ،ينتظر دعوة تلحقه من ابنه َو َخيه
َو صديق له ،فإذا حلقته كانت َحب إليه من الدنيا وما فيها ».
وقال رسول هللا ﷺ « :يقول القرب للميت ح ـ ـ ني يوضع فيه :وحيك اي ابن آدم ما غرك يبَ ،مل تعلم َن
بيت الفتنة ،وبيت الظلمة ،وبيت الوحدة ،وبيت الدود؟ غ ـ ـ ـ َّرك يب إذ كنت متر يب ،فإن كان صاحلا َجاب عنه
جميب القرب فيقولَ :رَيت إن كان أيمر ابملعروف وينهى عن املنكر؟ فيقول القرب :إذاً َحت ـ ـ ـول عليه روضة
خضراء ».
لكان املوت راحة كل ح ٍي ولـ ــو أنـ ـ ـ ــا إذا مـ ـ ــتنا ت ــركن ــا
ونسأل بعده عن كل شيء ولــكن ـ ــا إذا مـ ـ ـتنا ب ـ ـ ـ ـعـ ـث ـ ـنا
روى كعب األحبار رضي هللا عنه أن النيب ﷺ قال « :ال مي ـر َحد يف املقابر إال وتناديه َهل القبور :اي
غافل ،لو علمت ما حنن نعلم لذاب حلمك وجسمك كما يذوب الثلج على النار ».
وقال النيب ﷺ « :من َراد َن يـ ـ ـ ـزور قرباً فـ ـلـيَ ـزره وال يقل إال خريا ،ف ـ ـإن امليت يتـ ـ ـأذى مما يتأذى منه
احلي ».
ويروى عن ابن عباس رضي هللا عنه أنه قال « :م ـ ـا م ـن رجل مير على قرب َخيه املؤمن كان يعرفه فسلم
عليه إال عـ ـ ـرفه َّ
ورد عليه السالم ».
37
ومن هنا فقد ك ـ ـ ـان الصاحلـ ـ ـون إذا ضـ ـ ـاقت عليهم ال ـدنيا ،واستحكمت حلقات الشدائد ،يذهبون إىل القبور
ليزوروا املوتى.
دخل رجل على شيخ ال ـ ـ ـ ـزاهدين إبراهيم بن أدهم يف املقابـ ـ ـر .ف ـ ـوجده جالسا بني أج ـ ـداث املوتى ،فألقى
عليه السالم َث قال له :مـ ـ ـ ـع من جتلس يـ ـ ـا إبراهيم؟ أجلس م ـ ـع قوم إذا كنت بينهم ال يؤذونين ،فإذا ف ـ ـارقتهم ال
يغتابونين .قال له :أال تـ ـ ـدري أن أسعار السلع قد ارتفعت وأنت هنا جالس؟ قـ ـ ـال له بلسان اليقني ومنطق احلق
املبني :علينا أن نسعى كما أم ـ ـ ـران ،وعليه أن يرزقنا كما وعدان.
وقال سليمان بن عبد امللك ال ـ ـداراين رمحة هللا عليه « :قلت ألم هارون الع ـابدة :أحتبني أن متـ ـويت؟ قالت :ال،
قلت :ومل؟ قالت :وهللا ل ـ ـو عصيت خملوق ـ ـا الستحييت مـ ـن لقائه ،فكيف اخلـ ـ ـالق جل جالله؟ ».
وقال أبو بكر الكتاين رمحة هللا عليه « :كان رجل حياسب نفسه على سيئاته وخطاايه ،فحسب يوما سيئة
فوجدها بعد التكليف ستني سنة ،فحسب أايمها فوجدها واحد وعشرين ألف يوم ،وستمائة يوم ( ابحلساب اهلجري
) فصرخ صرخة ،وخر مغشيا عليه ،فلما أفاق قال :اي ويلتاه وأان آيت ريب بواحد وعشرين ألف ذنب وستمائة ذنب
يقول :هذا لو كان يف كل يوم ذنب واحد ،فكيف بذنوب ال حتصى؟ َث قال :آه علي ،ع ـمرت دنياي وخ ـربت
آخريت ،وعصيت موالي الوهابَ ،ث ال أشتهي النقلة مـ ـن العمران إىل اخلراب ،وكيف أقدم يوم احلساب على الكتاب
والعذاب بال عمل وال ثواب؟ منازل دنياي عمرهتا ،وخربت داري يف اآلخرة ،فأصبحت أنكر داري اخل ـ ـراب ،وأرغب
يف داري العامرةَ ،ث شهق شهقة عظيمة ،ووقع على األرض فحركوه فإذا هو ميت رمحة هللا عليه ».
38
قال أبو عمر الضرير :حدثين سهل أخو حازم ،قال :رأيت مالك بن دينار يف املنام بعد موته فقلت له« :اي
أاب حيىي ،مباذا قدمت على هللا عز وجل؟ قال :قدمت عليه بذنوب كثرية حماها حسن ظين ابهلل عز وجل ».
أش ـ ـ ـر النـ ـ ـاس ،إ ْن ملْ تـ ـ ْعـ ـف عـين يــظــن الناس يب خ ْريا وإين
وجودك إ ْن عف ْوت ،وح ْسن ظين وم ـ ــا يل حيلة إال رجـ ـائي
وسئل بعض الزهاد :كيف حالك؟ فقال « :هو حال من يريد سفرا بال زاد ،ويسكن قربا موحشا بال مؤنس،
ويـ ْقدم على ملك قادر بغري حجة ».
فـ ـأنت مـ ـ ـالذي ،سـ ـ ـيدي ومـ ـع ـ ـينـ ـ ـ ـي ضل منك ي ـ ـا م ـلك الـورى تعطف بف ٍ
ف ـ ـ ـأنت رج ـ ـ ـائـ ـي ،شـ ـ ـافع ـ ـي وي ـق ـ ـينـي لئ ـ ـ ـن أبع ـدتْـ ـين ع ـ ـن مح ـ ـاك خ ـ ـطيئيت
رضـ ـ ـاك وإن ال ـ ـع ْف ـ ـو مـنـ ـ ـ ـك يـقـ ـين ـ ـ ـي ول ْست أرى لـ ـ ـ ـ ـي ح ـج ـ ـة أبـتـ ـغي هب ـا
ويروى عن عثمان بن عفان رضي هللا عنه أنه وقف على قرب فبكى ،فقيل له :إنك تذكر اجلنة والنار فال
تبكي ،وتبكي من هذا ،فقال :مسعت رسول هللا ﷺ يقول « :إن القرب أول منزل من منازل اآلخرة ،فإن ينج منه فما
بعده أيسر منه ،ومن مل ينج منه فما بعده أشد منه ».
كان يزيد الرقاشي يقول لنفسه « :وحيك اي يزيد ،من ذا يصلي عنك بعد املوت؟ ومن ذا يصوم عنك بعد
املوت؟ ومن ذا يتوضأ عنك بعد املوت؟ َث يقول :أيها الناس ،مل ال تبكون على أنفسكم يف حياتكم،فمن يكن املوت
موعده ،والقرب بيته ،والرتاب فرشه ،والدود أنيسه ،وهو مع ذلك ينتظر الفزع األكرب ،كيف يكون حاله؟ وكيف يكون
مآله؟ » َث يبكي حىت يسقط مغشيا عليه.
عيـ ـ ـش ،وآخ ـ ـ ـ ـره م ـ ـوت سيعقبه؟ ماذا يكون مآل املرء بعد ،هنا
واملوت عن كل مـ ـا يهواه حيجبه والدهر يفجعه فيمن يسر به
39
جهرا فيمزج ابلتنغيـ ـص م ـش ـ ـربه وح ـ ــادث ـ ــات ليــاليـ ـ ــه تـ ـ ــردعـ ـ ـ ـ ـه
وللمني ـ ـ ـ ـة ق ـ ـ ـ ـ ـ ـرب ل ـ ـ ـ ـ ـيس حيسب ـ ـه يلهـ ـو وحيسب أيـ ـ ـام ـ ـ ـا يعـ ـ ـز هبا
ويروى أن امرأة شكت إىل عائشة رضي هللا عنها قساوة يف قلبها ،فقالت هلا « :أكثري من ذكر املوت يرق
قلبك » ففعلت ذلك ،فرق قلبها ،فشكرت عائشة رضي هللا عنها.
ومرض ابو الدرداء رضي هللا عنه فقالوا له :أي شيء تشتهيه؟ قال :اجلنة ،قالوا:أندعو لك طبيبا؟ قال:
الطبيب أمرضين ،فقال له رجل من أصحايه :اي أاب الدرداء ،أتشتهي أن أسامرك الليلة؟ فقال له أبو الدرداء :أنت
معاىف أان مبتلى ،والعافية ال تدعك أن تسهر ،والبالء ال يدعين أن أانمَ ،ث قال :أسأل هللا الذي ال إله إال هو أن
يهب ألهل العافية الشكر ،وألهل البالء الصرب.
ص ـرب الكرام ،فما يدوم مقامها وإذا ابتليت بشدة فاصرب هلا
تضق ذرعا بنازلة جرت احكامها فاهلل يب ـ ـلـ ـ ـ ـ ـي ك ـ ـي يثيـ ـب فـ ـال
َث اجنلت قبل الظالم ظالمها يوم انزلْتك خطوبه ولرب ٍ
إن األمور قضى هبا عالمها ولئن جزعت ،فليس ذك بنافع
وجاء يف بعض اخلطب املروية :أيها الناس ،إن اآلمال تطوى ،واألعمال تفىن ،واألبدان حتت الرتاب تبلى،
وإن الليل والنهار يرتاكضان كركض الربيد يقرابن كل بعيد ،ويـْبـليـان كل جديد ،ويف كل ذلك – عباد هللا – ما أهلى
عن الشهوات ،وسلى عن اللذات ،ورغب يف األعمال الباقيات الصاحلات.
خليلي إن العمر وايف بلجة ،له دائما حنو املنية إعجال ،وأرواحنا األرزاق ،واملوت ساحل ومن دونه من
عاصف اخلطب أهوال حقيقة ،ذي الدنيا مـحال وابطل ،ويتبعنا فيها حتوف وآجال ،ويف الباقيات الصاحلات كفاية
ملن قصرت منه على الدهر آمال ،وجـ ـاء يف اخلرب :إن العبد الصاحل ليعاجل سكرات املوت وكرابته وإن مفاصله ليسلم
بعضها على بعض ،تقول :السالم عليك.
ولقد كان سيد اخللق وحبيب احلق ملا حضرته الوفاة كان ميسح وجهه مباء ابرد ويقول « :سبحان هللا إن
للموت لسكراتَ ،ث يدعو هللا تعاىل قائال :اللهم هون علي سكرات املوت » فكانت الزهراء رضي هللا عنها تقول:
«واكرابه على كربك اي أبتاه » .فريد عليها قائال « :اي فاطمة ال كرب على أبيك بعد اليوم ».
40
سيدي أاب القاسم اي رسول هللا:
وقيل حلسان بن أيب سنان « :كيف جتدك؟ قال :خبري إن جنوت من النار ،فقيل :ما تشتهي؟ قال :ليلة
طويلة أصيلها كلها ».
وقيل :دخل املزين على الشافعي رضي هللا عنه يف مرضه الذي مات فيه ،فقال له :كيف أصبحت اي أاب عبد
هللا؟ فقال « :أصبحت عن الدنيا راحال ،ولإلخوان مفارقا ،ولسوء عملي مالقيا ،ولكأس املنية شاراب ،وعلى ريب
سبحانه وتعاىل واردا ،وال أدري روحي صائرة إىل اجلنة فأهنيها أو إىل النار فأعزيها؟ » َث أنشد:
جعلت الرجا مين لعفوك سلما وملا قسا قليب ،وضاقت مذاهيب
بعفوك ريب كان عفوك أعظما تعاظمين ذنْيب ،فلما قرنته
مل تزل جتود وتعفو منة وتكرما فما زلت ذا عفو عن الذنب
هذا هو الشافعي الذي ابت ليلة عند تلميذه أمحد بن حنبل ،والحظت عليه بنت اإلمام أمحد ثالثة أمور:
قالت :اي أبتاه :أهذا هو الشافعي الذي حتدثين عنه؟ قال هلا :نعم ،ماذا تريدين منه؟ قالت :الحظت عليه
أمورا ثالثة .قال :وما هي؟
قالـت:
41
فتوجه اإلمام أمحد هبذه األمور إىل اإلمام الشافعي ،فقال اإلمام :أما إنين أكلت كثريا ،فذلك ألنين أعلم أن
طعامك حـالل ،فأكلت أل ْشـتفي ،فطعام ال ـكرمي دواء وطعام البخيل داء ،ومـن أكل مــن طعام أخيه لـيسره ،فبإذن هللا
لن يضره .قال ﷺ « :ال تصاحب إال مؤمنا ،وال أيكل طعامك إال تقي ».
وأما إنين مل أصل قيام الليل ،فذلك ألنين عندما وضعت رأسـي فتح هللا علي ابثنتني وسبعني مسألة،
استنبطتها من كتاب هللا وسنة رسوله ،عسى هللا أن ينفع املسلمني هبا.
وأما إنين مل أتوضأ لصالة الفجر فذلك ألنين صليت الفجر بوضوء العشاء.
وهذا الشافعي ،الذي كان يقول فضال ،وحيكم عدال ،يتفجر العلم من جوانبه ،وتنطق احلكمة من نواحيه،
وصدقت فيه نبوءة املصطفى ﷺ « :عامل قريش ،ميأل طباق األرض علما » هو صاحب القصيدة العصماء اليت تقول
أبياهتا:
فدعه وال تكثر عليه التأسفا إذا املرء ال يلقاك إال تكلفا
ويف القلب صرب للحبيب ولو جفا ففي الناس أبدال ويف الرتك راحة
وال كل من صافيته لك قد صفا فما كل من هتواه يهواك قلبه
فال خري يف ود جييء تكلفا إذا مل يكن صفو الوداد طبيعة
ابجلفا املودة بعد ويلقاه وال خري يف خل خيون خليله
ويظهر سرا كان ابألمس قد خفا وينكر عيشا قد تقادم عهده
42
يصدق الوعد مْنصفا
صديق صدوقْ ، سالم على الدنيا إذا مل يكن هبا
من راحة ،فدع األوطان واغرتب ما يف املقام لذي عقل وذي أدب
وانْصب ،فإن لذيذ العيش يف النصب ساف ْر جتد عوضا عمن فارقته
إن سال طاب ،وإن مل جير مل يطب إين رأيت وقوف املاء يـ ْفسده
مللها الناس من عجم ومن عرب الشمس لو وقفت يف الفلك دائمة
والسهم لوال فراق القوس مل يصب واأل ْسد لوال فراق الغاب ما افرتست
والعود يف أرضه نوع من احلطب والترب كالرتب ملقى يف أماكنه
وإن يعزب ذاك عز كالذهب فإن يعزب هذا عز مطلبه
جعلت الرجا مين لعفوك سلما وملا قسا قليب ،وضاقت مذاهيب
بعفوك ريب ،كان عفوك أعظما تعاظمين ذنيب ،فلما قرنته
جتود ،وتعفو منة وتكرما فما زلْت ذا عفو عن الذنب مل تزل
فأهنأ ،وإما للسعري فأندما؟ فيا ليت شعري ،هل أصري ٍ
جلنة
يروى أن رجال جاءإىل مقربة ،فصلى ركعتنيَ ،ث اضطجع فرأى يف منامه صاحب القرب فقال له « :اي هذا
إنكم تعلمون وتعملون وحنن نعلم وال نعمل ،وهللا ألن تكون ركعتني يف صحيفيت أحب إيل من الدنيا وما فيها »
ويروى أن أحد املتعبدين أتى قرب صاحب له ،كان أيلفه ،فأنشد يقول:
قرب احلبيب ،فلم يرد جوايب مايل مررت على القبور مسلما
أمللت بعدي خلة األصحاب؟ أجب ،ما لك ال جتيب مناداي
أكل الرتاب حماسين وشبايب لو كان ينطق ابجلواب لقال يل
43
األصحاب عين وعنكم خلة فعليكم مين السالم تقطعت
رفيع ثياب اي طاملا لبست ومتزقت تلك اجللود صفائحا
خلط كتايب ما كان أحسنها وتساقطت تلك األانمل من يدي
لرد جواب ما كان أحسنها وتساقطت تلك الثنااي لؤلؤا
اي طاملا نظرت هبا أحبايب وتساقطت فوق اخلدود نواظري
« دخلت املقابر ألزور القبور ،وأعترب ابملوتى ،وأتفكر يف البعث والنشور ،وأعظ نفسي لعلها ترجع عن الغي
والفجور ،فوجدت أهل القبور صامتني ال يتكلمون ،وفرادى ال يتزاورون ،فأيست من مقاهلم ،واعتربت أبحواهلم ،فلما
أردت اخلروج إذا بصوت يقول :اي اثبت ،ال يغرنك صمت أهليها فكم من نفس معذبة فيها ».
مر داود الطائي إبمرأة تبكي على قرب ،وهي تنشد هذه األبيات:
َث قالت :اي أبتاه ،أبي خديْك بدأ الدود؟ قال :فخر داود مغشيا عليه.
44
فضل الذكر والرتهيب من عدم الذكر
وعـ ـن أيب هريرة رضي هللا عنه عن النيب ﷺ « :كلمتان خفيفتان على اللسان ،ثقيلتان يف امليزان ،حبيبتان
إىل الرمحان :سبحان هللا وحبمده ،سبحان هللا العظيم » رواه الشيخان والرتمذي.
وعن أيب هريرة رضي هللا عنه عن النيب ﷺ قال « :ألن َقول سبحان هللا ،واحلمد هلل ،وال إله إال هللا ،وهللا
إيل مما طلعت عليه الشمس » رواه مسلم والنرمذي.
َكربَ ،حب َّ
وعن جابر رضي هللا عنه عن النيب ﷺ قال « :من قال سبحان هللا العظيم وحبمده غرست له خنلة يف
اجلنة» .رواه الرتمذي وحسنه.
وعن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه ان النيب ﷺ قال « :استكثروا من الباقيات الصاحلات ،قيل :وما هن
اي رسول هللا؟ قال :التكبري والتهليل والتسبيح ،واحلمد هلل ،وال حول وال قوة إال ابهلل » رواه النسائي واحلاكم
وقال :صحيح اإلسناد.
وعند مسلم :أن النيب ﷺ قالَ « :حب الكالم إىل هللا َربع ،ال يضرك أبيهن بدَت :سبحان هللا ،واحلمد
هلل ،وال إله إال هللا ،وهللا َكرب ».
وعن ابن مسعود رضي هللا عنه أن النيب ﷺ قال « :من قرَ ابخآيتني من آخر سورة البقرة يف ليلة كفتاه »
رواه البخاري ومسلم .أي أجزأته عن قيام تلك الليلة ،وقيل :كفتاه ما يكون من اآلفات تلك الليلة.وقال ابن خزمية يف
صحيحه « :ابب أقل ما جيزي من القراءة يف قيام الليل » َث ذكره.
45
وعن أيب سعيد رضي هللا عنه قال :قال النيب ﷺَ « :يعجز َحدكم َن يقرَ ثلث القرآن يف ليلة؟ فشق
ذلك عليهم ،وقالواَ :ينا يطيق ذلك اي رسول هللا؟ قال ﷺ :هللا الواحد الصمد :ثلث القرآن » رواه البخاري
ومسلم والنسائي.
وعـ ـن أيب هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا ﷺ قال « :من قال :ال إله إال هللا وحده ال شريك له ،له
امللك وله احلمد ،وهو على كل شيء قدير يف يوم مائة مرة ،كانت له عدل عشر رقاب ،وكتبَت له مائة حسنة،
وحميَت عنه مائة سيئة ،وكانت حـ ـرزاً له من الشيطان يومه ذلك حىت ميسي ،ومل أيت َحد أبفضل مما جاء به إال
َحد عمل َكثر من ذلك» رواه البخاري ومسلم والرتمذي والنسائي وابن ماجه.
وزاد مسلم والرتمذي والنسائي « :ومن قال :سبحان هللا وحبمده يف يوم مائة مرة حطَّت خطاايه ،ولو
كانت مثل زبد البحر ».
عن أيب هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا ﷺ قال « :مـ ـا قعد قوم مقعداً مل يذكروا هللا فيه ،ومل يصلوا على
النيب ﷺ إال كان عليهم حسرة يوم القيامة » رواه الرتمذي.
وروى أمحد بلفظ « :ما جلس قوم جملساً مل يذكروا هللا فيه إال كان عليهم ت َّرة » َي حسرة وندامة « وما
من رجل ميشي طريقا فلم يذكر هللا عز وجل إال كانت عليه ت َّرة ».
جاء يف « فتح العالم » :إن ما جاء يف احلديث يدل على ان الذكر واجب ،وكذلك الصالة على النيب ﷺ
يف اجمللس ،ال سيما مع تفسري « الرتة » :ابلنار ،أو العذاب ،فقد فسرت هبما ،فإن التعذيب ال يكون إال لرتك
واجب أو فعل حم ـ ـ ـظور.
عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا ﷺ « :من جلس جملسا فكثر فيه لغطه ،فقال قبل َن
يقوم مـ ـ ن جملسه :سبحانك اللهم وحبمدكَ ،شهد َن ال إله إال َنتَ ،ستغفرك وَتوب إليك ،إال َّ
كفر هللا له ما
كان يف جملسه ذلك ».
46
فضل من قال :ال إله إال هللا خملصا
ع ـ ـن أيب هريرة رضي هللا عنه أن النيب ﷺ قالَ « :فضل الـ ـذكر :ال إله إال هللا ،وَفضل الدعاء :احلمد هلل
» رواه النسائي وابن ماجه واحلاكم.
جاء رجل إىل احلسن البصري رضي فشكى لـ ـه قلة املطر ،فقال له :استغفرهللا ،وجاء آخر فشكى له قلة
املال ،فقال له :استغفر هللا ،وجاء اثلث فشكى له قلة البنني ،فقال له :استغفر هللا ،وشكى له رابع قلة اإلنبات،
فقال له :استغفر هللا ،قالوا :اي تقي الدين كلما جاءك ٍ
شاك قلت له :استغفر هللا ،قال هلم :نعم،أو ما قرأمت قوله
تعاىل ﴿ :
( نوح.)12-10 : ﴾
عن أنس رضي هللا عنه قال :مسعت رسول هللا ﷺ يقول « :يقول هللا تعاىل :اي ابن آدم ،إنك ما دعوتين
ورجوتين ،غفرت لك على ما كان منك وال َابيل ،اي ابن آدم ،لو بلغت ذنوبك عنان السماء مث استغفرتين
غفرت لك وال َابيل ،اي ابن آدم ،إنك لو َتيتين بقراب األرض خطااي مث لقيتين ال تشرك يب شيئا ألتيتك بقراهبا
مغفرة » رواه الرتمذي.
وعن عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما قال « :من لزم االستغفار جعل هللا له من كل ٍ
هم فرجا ،ومن كل
ضيق خمرجا ،ورزقه من حيث ال حيتسب » رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة واحلاكم
واألمانة مع املال واالستغفار تزيده بركة ومناء ﴿ :
قال ﷺ « :إن اخلازن املسلم األمني الذي يعطي ما َمر به كامالً موفرا طيبةً به نفسه حىت يدفعه إىل
الذي َمر له به َحـ ـ ـد املتصدقني ».
47
وعقب القرآن الكرمي يف اآلية السابقة بقوله جل جالله ﴿ :
هل يضري هللا شيء عندما يبسط يده ابخلري على عباده؟ وهل تنقص خزائنه أن يفيض على الناس من
الربكات؟ ال والذي نفسي بيده.
روى أبو هريرة عن النيب ﷺ أنه قال « :إن ميني هللا مألى ال يغيضها ( َي ال ينقصها ) نفقةَ ،رَيتم ما
َنفق منذ خلق السماوات واألرض ،فإنه مل ينقص ما يف ميينه ،وعرشه على املاء ،وبيده األخرى الفيض َو
القبض يرفع وُيفض ».
إن املؤمن الصادق هو الذي إذا سأل ال يسأل إال هللا ،وإذا استعان ال يستعني إال ابهلل ،وإذا توكل فعلى هللا،
ال يلجأ لغريه ،وال ي ـ ـذل نفسه ما دام يؤمن ب ـأن الرافع اخلافض ه ـ ـو هللا ،وأن الباسـ ـط الق ـ ـابض هـ ـ ـو هللا ،وأن املعز
املذل هو هللا ،وأن املعطي املـ ـ ـ ـانع هو هللا ،وان احمليي املميت هـ ـ ـ ـو هللا ،أما الذي يلجأ لغريه فحسبه ما جلأ إليه.
قال ﷺ « :من فتح على نفسه ابابً من السؤال ،فتح هللا عليه سبعني ابابً من الفقر ».
ما أعظم أن يعرق اجلـ ـ ـبـني يف طلب احلالل ،روي أن النيبﷺ ك ـ ـان جالسا ذات يوم مع أصحابه ،فنظروا إىل
شـ ـ ـاب ذي جل ٍد ،وقد بك ـ ـر يسعى ،فقالوا :ويـ ـح هذا لو كان شبابه وجلده يف سبيل هللا ،فقال ﷺ « :ال تقولوا
هذا ،فإن كان يسعى على نفسه ليكفيها عن املسألة ويغنيها عن الناس فهو يف سبيل هللا ،وإن كان يسعى على
َبـ ـوين ضعيفني َو ذري ـة ضـ ـعاف ليغنيهم ويكفيهم فهو يف سبيل هللا ،وإن كان يسعى تفاخرا وتكاثراً فهو يف
سبيل الشيطـ ـان»
وألمهية االستغفار نقول :إذا ن ـ ـزل القحط ،وامتنع املطر ،تقرب الـ ـزارع املسلم إىل هللا ابلصالة والدعـاء،
ويستحب للزارع إذا نزل هبم القحط وامتنع املطر أن يتقربوا إىل هللا ابلصالة والدعاء اقتداء برسول هللا ﷺ.
فقد حدث ان رجال دخل يوم اجلمعة من ابب كان جتاه املنرب ورسول هللا ﷺ قائم خيطب ،فاستقبل رس ـ ـول
هللا ﷺ قائما فقال :يـ ـا رسـ ـ ـ ـول هللا هلكت املـ ـ ـواشي ،وانقطعت السبل ،فادع هللا يغيثنا.
48
.» اللهم اسقنا، « اللهم اسقنا: فرفع رسول هللا ﷺ يديه فقال:قال
وال وهللا ما نرى يف السماء من سحاب وال ق ـ ـزعة ( القطعة من السحاب الـ ــرقيق األبيض ) وال:قـ ـ ـال أنس
: قال،شيئا (أي من ريـ ـح أو ك ـ ـدرة مما يـ ــدل على املطر) وم ـ ـا بيننا وب ـ ـني سلع ( جبل ابملدينة ) مـ ـن بيت وال دار
فطلعت من ورائه سحابة مثل الرتس ( أي اجملن الذي يتقى به للحرب ) فلما توسطت السماء انتشرت َث أمطرت
:وهللا ما رأينا الشمس ستا ( أسبوع ) َث دخل من ذلك الباب يف اجلمعة املقبلة ورسول هللا ﷺ قائم خيطب فقال:قال
«اللهم: فرفع رس ـ ـ ـول هللا ﷺ يديه َث قال: ق ـ ـ ـال،اي رسـ ـ ـول هللا هلكت األم ـ ـ ـوال وانقطعت السبل فادع هللا ميسكها
اللهم على اخآكام ( اهلضبة او اجلبل الصغري ) واجلبال واخآجام ( الغابة ) والظراب ( اجلبال،حوالينا وال علينا
. فانقطعت وخرجنا منشي يف الشمس: قال،»املنبسطة على األراضي ) واألودية ومنابت الشجر
خرج النيب ﷺ يستسقي فـتـ ـ ـوجه إىل القبلة يدعـ ـ ـو وحـ ـ ـول رداءه َث صلى ركعتني جهر: قال:ويف حديث آخر
.فيهما ابلقراءة
﴿ انظر إىل آاثر رمحة هللا كيف حييي األرض بعد موهتا
﴾
49
كل الوجود على وجودك شاهد سبحانك هللا أنت الواحد
رهبا ،وكل الكائنات توحد اي من عنت الوجوه أبثرها
كل القلوب له تقر وتشهد أنت اإلله الواحد احلق الذي
أرأيت كيف أمر هللا السماء أن متطر حىت صار ماؤها مغزارا ومدرارا ومكثارا ،إنه س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر االستغفار والذكر.
﴿
إن ذك ـ ـ ر هللا يضيء جنبات احلياة إذا أظلمت ،ويبدد ظلماهتا إذا صارت قطعا من الليل مظلما ،ويهدي إىل
سواء الصراط إذا ما ْادلـهمت الفنت واحتدمت اخلطوب.
أسند ع ـ ـ ـ ـن احلارث ،ع ـ ـن علي رضي هللا عنه فيما أخ ـ ـ ـ ـرجه الرتمذي قـ ـ ـال :مسعت رس ـ ـ ـ ـ ـول هللا ﷺ يق ـ ـ ـ ـول« :
ستكون ف ََت كقطع الليل املظلم » .قلت :اي رسول هللا ،وما املخرج منها؟ قال « :كتاب هللا تبارك وتعاىل فيه نبأ
َمن قبلكم ،وخري َمن بعدكم ،وحكم ما بينكم .هو الفصل ليس ابهلزل ،من تركه من جبار قصمه هللا ،ومن ابتغى
اهلدى يف غريه َضله هللا ،هو حبل هللا املتني ،ونوره املبني والذكر احلكيم ،وهو الصراط املستقيم ،وهو الذي ال
تزيغ به األهواء ،وال تلتبس به األلسنة ،وال تتشعب معه اخآراء ،وال يشبع منه العلماء ،وال ميله األتقياء ،وال
ُيلق على كثرة الرد ،وال تنقضي عجائبه ،وهو الذي مل تنته اجلن إذا مسعته َن قالوا ﴿:
لمه سبق ،وم ـ ـن قال به صدق ،وم ـ ـن حكم به ع ـ ـدل ،ومن عمل به َجـ ـر،
( ﴾ اجلنَ .) 01 :م ـن َعلم ع َ
ومن دعـ ـا إليه هدي إىل صـ ـ ـ ـراط مستقيم ».
ويقول ابن عوف فيما رواه البخاري رضي هللا عنه « :ثالث أحبهن لنفسي وإخواين:
50
نقصان :زايدة يف هدى ونقصان من عمر ،واعلموا :أنه ليس على أح ـ ـد بعد القرآن من فاقة ،وال ألح ـ ـد بعد القرآن
من غىن ،فاستشفوه مـ ـن أدوائكم ،واستعينوا بـ ـه آلوائـك ـم ،ف ـ ـ ـإن فيه الشفاء من أكرب الداء .» ...
وعن مرة اهلمداين يقول « :قال عبد هللا :إن أحسن احلديث كتاب هللا ،وأحسن اهلدي هدي حممد ﷺ،
وشر األمور حمداثهتا ،وأن ما تـ ـوعـ ـ ــدون آلت وما أنتم مبعجزين ».
51
الذكر املضاعف وج ـ ـوامعه
ودخل رسول هللا ﷺ على امرأة وبني يديها نوى ( أو حصى ) تسبح هللا به ،فقالَ « :خربك مبا هو َيسر
عليك من هذاَ ،و َفضل؟ فقال :سبحان هللا عدد ماخلق بني ذلك ،وسبحان هللا عدد ما هو خالق ،وهللا اكرب
مثل ذلك ،واحلمد هلل مثل ذلك ،وال إله إال هللا مثل ذلك ،وال حول وال قوة إال ابهلل مثل ذلك » رواه أصحاب
السنن واحلاكم.
وعن ابن عمر رضي هللا عنهما أن رسول هللا ﷺ حدثهم أن عبدا من عباد هللا قال « :اي رب لك احلمد
كما ينبغي جلالل وجهك ولعظيم سلطانك ،فعضلت ابمللكني ،فلم يدراي كيف يكتباهنا ،ومعىن عضلتَ:ي
اشتدت وعظ َمت،فصعدا إىل السماء فقاال :اي ربنا إن عبدك قد قال مق ـ ـالة ال ندري كيف نكتبها؟ قال هللا،
وهو َعلم مبا قاله عبده :ما قال عبدي؟ قاال :اي رب إنه قد قال :اي رب لك احلمد كما ينبغي جلالل وجهك
ولعظيم سلطانك ،فقال هللا هلما :اكتباها كما قال عبدي حىت يلقان فأجـ ـ ـ ـ ـزيه هبا » رواه أمحد وابن ماجة.
52
َذكار الصباح واملساء
روى مسلم عـ ـ ـن أيب هريرة رضي هللا عنه أن النيب ﷺ قال « :من قال حني يصبح وحني يسمي :سبحان
هللا وحبمده مائة مرة ،مل أيت َحد يوم القيامة أبفضل مما جاء به ،إال َحد قال مثل ما قالَ ،و زاد عليه ».
وروى أيضا عن ابن مسعود قال « :كان نيب هللا ﷺ إذا َمسى قالَ :مسينا وَمسى امللك هلل ،واحلمد هلل،
وال إله إال هللا وحده ال شريك له ،له امللك وله احلمد وهو على كل شيء قدير .رب َسألك خري ما يف هذا
الليلة وخري ما بعدها وَعوذ بك من شر ما يف هذه الليلة وشر ما بعدها .رب َعوذ بك من الكسل وسوء
الـكـ ـرب ،رب َعوذ بك من عـ ـ ـذاب يف النار وعذاب يف الق ـ ـرب ،وإذا َصبح قال ذلك َيضاَ :صبحنا وَصبح
امللك هلل ،إىل آخره ».
وروى أبو داود ،عن عبد هللا بن حـ ـبيب ق ـال :قـ ـال رس ـ ـول هللا ﷺ « :ق ـل .قلت :اي رسول هللا ،ما َقول؟
قال :قل هو هللا َحد واملعوذتني حني متسي وحني تصبح – ثالث مرات – تكفك م ـن ك ـ ـل شيء » قال
الرتمذي :حديث حسن صحيح.
وروى أيضا ع ـ ـن أيب هـ ـريرة أن النيب ﷺ كان يعلم أصحابه يقول « :إذا َصبح َحدكم فليقل :اللهم بك
َصبحنا وبك َمسينا ،وبك حنيا ،وبك منوت ،وإليك النشور .وإذا َمسى فليقل :اللهم بك َمسينا ،وبك
َصبحنا ،وبك حنيا ،وبك منوت ،وإليك املصري » قال الرتمذي :حديث حسن صحيح.
ويف صحيح البخاري عن ش ـ ـداد بن أوس عن النيب ﷺ قال « :سيد االستغفار :اللهم َنت ريب ال إله إال
َنت ،خلقتين ،وَان عبدك ،وَان على عهدك ووعدك ما استطعتَ ،عوذ بك من شر ما صنعتَ ،بوء لك
بنعمتك علي ،وَبوء بذنيب ،فاغفر يل ،فإنه ال يغفر الذنوب إال َنت .من قاهلا حني ميسي فمات من ليلته دخل
اجلنة ،ومن قاهلا حني يصبح فمات من يومه دخل اجلنة ».
ويف ال ـ ـرتمذي عـ ـن أيب هريرة رضي هللا عنه :أن أاب بكر الص ـديق رضي هللا عنه قال لرسـ ـول هللا ﷺ :مـ ـ ْرين
رب
بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت ،قال :قل « :اللهم عـ ـامل الغيب والشهادة ،فاطر السماوات واألرضَّ ،
كل شيء ومليكهَ ،شهد َن ال إله إال َنتَ ،عوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه ،وَن نقرتف
53
على نفسي سوءاً َو جنره إىل مسلم .قـله إذا َصبحت وإذا َمسيت وإذا َخذت مضجعك » قال الرتمذي
حديث حسن صحيح.
ويف الرتمذي أيضا عن عثمان بن عفان رضي هللا عنه قال :قال رس ـ ـول هللا ﷺ « :مـ ـا من عبد يقول يف
صباح كل يوم ،ومساء كل ليلة :بسم هللا الذي اليضر مع امسه شيء يف األرض وال يف السماء وهو السميع
العليم ثالث مرات فيضره شيء » أي ال يضره شيء.
وفيه أيضا عن ثوبـ ـان وغريه أن رسول هللا ﷺ قال « :من قال حني ميسي وإذا َصبح :رضيت ابهلل رابً،
وابإلسالم ديناً ،ومبحمد ﷺ نبياً :كـ ـ ـان حقا على هللا َن يرضيه ».
ويف الرتمذي أيضا عن أنس أن رسول هللا ﷺ قال « :م ـ ـن قال حني يصبح َو ميسي :اللهم إن َصبحت
َشهدك وَشهد محلة عرشك ومالئكتك وَنبياءك ومجيع خلقك َنك َنت هللا ،ال إله إال َنت وحدك ال شريك
لك ،وَن حممدا عبدك ورسولك ﷺ َعتق هللا ر َبع ه من النار ،فمن قاهلا مرتني َعتق هللا نصفه من النار ،ومن
قاهلا ثالاث َعتق هللا ثالثة َربَـ ـاعه من النار ،ومن قاهلا َربعا َعتقه هللا من النار »
ويف سنن أيب داود عن عبد هللا بن غنام أن رسول هللا ﷺ قال « :م ـ ـن قال حني يصبح :اللهم ما َصبح
كر يومه،
يب من نعمة َو أبحد من خلقك فمنك وحدك ال شريك لك ،لك احلمد ولك الشكر فقد َدى ش َ
ومن قال مثل ذلك حني ميسي فقد َدى شكر ليلته ».
ويف السنن وصحيح احلاكم عن عبد هللا بن عمر قال :مل يكن النيب ﷺ يدع هؤالء الكلمات حني ميسي
وحني يصبح « :اللهم إن َسألك العفو والعافية يف الدين والدنيا واخآخرة .اللهم إن َسألك العفو والعافية يف
ديين ودنياي وَهلي ومايل ،اللهم اسرت عـ ـ ـورايت ،وآمن روع ـ ـايت ،اللهم احفظين من بني يدي ومن خلفي ،وعن
مييين ،وعن مشايل ،ومن فوقي ،وَعوذ بعظمتك َن َغتال من حتيت » قال وكـ ـ ـيع :يعين اخلسف.
وعن عبد الرمحان بن أيب بكرة أنه قال ألبيه :يـ ـا أبت ،إين أمسعك تدعـ ـ ـو كل غـ ـداة « :اللهم عافين يف
بدن ،اللهم عافين يف مسعي ،اللهم عافين بصري ،ال إله إال َنت .تعيدها ثالاث حني تصبح وحني متسي؟ فقال:
َسَت بسنَّته » رواه أبو داود.
وإن مسعت رسول هللا ﷺ يدعو هبن ،فأان َحب َن َ َّ
وروى ابن السين عن ابن عباس أن رسول هللا ﷺ قال « :من قال إذا َصب ـ ـح :اللهم إن َصبحت منك يف
نعمة وعافية وسرت ،فأتـ ـ َّم علي نعمتك وعافيتك وسرتك يف الدنيا واخآخرة ،ثالث مرات ،إذا َصبح وإذا َمسى
كان حقا على هللا َن يتم عليه ».
54
وروي عـ ـن أنس أنه ﷺ قـ ـ ـالَ « :يعج ـ ـز َح ـ ـدكم َن يكـ ـون ك ـ ـأيب ضمضم؟ قالوا :ومن َبو ضمضم اي
رسول هللا؟ قال :كان إذا َصبح ق ـ ـال :اللهم َو َهـبت نفسي وعـ ـرضي لك ،فال يشتم من شتمه ،وال يظلم من
ظلمه ،وال يضرب من ضربه ».
وروي عن ابن أيب الدرداء رضي هللا عنه عن النيب ﷺ قال « :م ـ ـن ق ـ ـال يف كل يوم حني يصبح وحني
ميسي :حسيب هللا ال إله إال هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ،سبع مرات ،كفاه هللا تعاىل مـ ـا َمهـ ـه مـ ـن
َمـ ـر ال ـدنيا واخآخرة ».
وروي ع ـ ـن ابن حبيب ق ـ ـال :جـ ـاء رج ـل إىل أيب ال ـ ـدرداء ،فقـ ـال :اي أاب الدرداء ،قد اح ـ ـرتق بيتك ،فقال :ما
احرتق ،لـم يكن هللا عز وجل ليفعل ذلك بكلمات مسعتهن من رسول هللا ﷺ ،مـ ـن قـ ـاهلا أول هناره مل تصبه مصيبة
حىت ميسي ،ومن قاهلا آخر هناره مل تصبه مصيبة حىت يصبح:
« اللهم َنت ريب ،ال إله إال َنت ،عليك توكلت ،وَنت رب العرش العظيم ،ما شـ ـ ـاء هللا كان ،وم ـ ـا مل
يشأ مل يكن ،وال حـ ـ ـول وال ق ـ ـ ـوة إال ابهلل العلي العظيمَ ،علم َن هللا على كل شيء قدير ،وَن هللا قد َحاط
بكل شيء علماً .اللهم إن َعوذ بك من شر نفسي ،ومن شر كل دابة َنت آخذ بناصيتها ،إن ريب على صراط
مستقيم » ويف بعض الرواايت أنه قال :اهنضوا بنا ،فقام وقاموا معه ،فانتهوا إىل داره وقد احرتق ما حوهلا ومل يصبها
شيء!!
55
َذكـ ــار الن ــوم و َذكار االستيقاظ
روى البخ ـاري ع ـ ـن حـ ـ ـ ـذيفة وأيب ذر رضي هللا عنهما قـ ـ ـاال :كـ ـ ـان الـ ـنيب ﷺ إذا آوى إىل فـ ـ ـراش ـه ق ـ ـ ـال:
« ابمسك اللهم َحيا وَموت ،وإذا استيقظ قال :احلمد هلل الذي َحياان بعد ما َماتنا وإليه النشور ».
وكان من هديه ﷺ أن يضع يده اليمىن حتت خده ويقول « :اللهم قين عذابك يوم تبعث عبادك – ثالاث
–ويقول :اللهم رب السماوات ورب األرض ورب العرش العظيم ،ربنا ورب كل شيء ،فالق احلب والنوى،
منزل التوراة واإلجنيل والقرآنَ ،عوذ بك من شر كل ذي شر َنت آخذ بناصيتهَ ،نت األول فليس قبلك
شيء ،وَنت اخآخر فليس بعدك شيء ،وَنت الظاهر فليس فوقك شيء ،وَنت الباطن فليس دونك شيء إقض
عنا الدين وَغننا من الفقر »
وكان يقول « :احلمد هلل الذي َطعمنا وسقاان وكفاان وآواان ،فكم ممن ال كايف له وال مؤوي »
وكان إذا آوى إىل فـ ـ ـ ـراشه كل ليلة ج ـ ـمع كفْيه َث نفث فيهما فقـ ـ ـرأ فيهما « :قل هو هللا أحد » و « قل
أعوذ برب الفلق » و « قل أعوذ برب الناس »َ ،ث مسح هبما م ـ ـا است ـ ـطاع مـ ـن ج ـ ـسده ،يبدأ هبما ع ـلى رأسـ ـه
ووجهـ ـه ومـ ـا أقبل من جسده الشريف ،يفعل ذلك ثالث مرات.
وأرش ـ ـ ـد ﷺ أن يق ـ ـول املضطجع « :ابمسك ريب وضعت جنيب وبك َرفعه ،إن َمسكت نفسي فارمحها،
وإن َرسلتها فاحفظها مبا حتفظ به عبادك الصاحلني ».
وقال ﷺ لفاطمةَ « :سبـ ـ ـحي هللا ث ـ ـ ـالاث وثـ ـ ـالثني ،وامح ـ ـ ـديه ث ـ ـالاث وثـ ـالثني ،وَكـ ـبـريه َربـعا وثـ ـ ـالثني ».
وأوصى ﷺ بقراءة الدعاء املتقدم ذكره « :اللهم فاطر السماوات واألرض » ...إخل ،كما أوصى بقراءة آية
الكرسي ،وأخرب ب ـ ـ ـ ـ ـأن من يقرأها ال يزال عليه من هللا حافظ.
وقال للرباء « :إذا َتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصالة ،مث اضطجع على شقك األمين ،وقل :اللهم
َسلمت نفسي إليك ،ووجهت وجهي إليك ،وَجلأت ظهري إليك ،رغ ـ ـبة وره ـ ـبة إليك ،ال ملجأ وال منجـا منك
56
ت م َّ
ت على الفطرة ،واجعلهن إال إليك ،آمنت ب ـ ـكتابك الـ ـ ـذي َن ـ ـزلت ،ونبيك الذي َرسلت ،مث قال :فإن م َّ
آخر ما تقول».
وكان إذا استيقظ قال « :ال إله إال َنت سبحانك ،اللهم َستغفرك لذنيب ،وَسألك رمحتك ،اللهم زدن
علما ،وال تزغ قليب بعد إذ هديتين ،وهب يل من لدنك رمحة إنك َنت الوهاب ».
ار من الليل فقال :ال إله إال هللا وحده ال شريك له ،له امللك وله احلمد،
وصح أنه ﷺ قال « :من تع ـ َّ
وهو على كل شيء قدير ،احلمد هلل ،وسبحان هللا ،وال إله إال هللا ،وهللا َكرب ،وال حول وال قوة إال ابهلل ،مث
قال :اللهم اغفر يل َو دعا استجيب له ،فإن توضأ وصلَّى قبلت صالته ».
عن عمرو بن شعيب ع ـن أبيه عـ ـن جـ ـده أن رسول هللا ﷺ قال « :إذا فـ ـزع َحدكم يف النوم فليقلَ :عوذ
بكلمات هللا التامات من غضبه وعقابه ،وشر عباده ،ومن مه ـ ـزات الشياطـ ـني وَن حيضـ ـرون ،فإهنا ل ـن تضـره »
قال :وكان اب ـن عمر يـعلمها من بـلـ ـغ من ولده ،ومن مل يـْبلغ منهم كتبها يف صك وعلقها يف عنقه .إسناد حسن.
وعن خالد بن الوليد رضي هللا عنه أنه أصابه أرق فقال رسول هللا ﷺَ « :ال َعلمك كلمات إذا قلتهن
منت؟ قل :اللهم رب السماوات السبع وما َظلَّت ورب األرض ـ ـني وما َقلَّت ،ورب الشياطـ ـني وم ـ ـا َضلت،
لي ،عـ ـ ـ َّز ج ـ ـارك ،وج ـ ـل
علي َحـ ـ ـد منهمَ ،و َن يبـغـي ع ـ ـ َّ
كـ ـن يل جار من شـ ـ ـر خلقك كلهم مجيعاَ ،ن يف ـ ـ ـرط َّ
ثناؤك ،وال إله غـ ـ ـريك ،وال إلـ ـه إال َنت ».
57
املؤمن ـ ــون الص ــادقـ ـ ــون
قال هللا تبارك وتعاىل ﴿ :
هذه صفات كرمية ،وخصال نبيلة ،وسجااي محـ ـ ـيدة ،ومـشاع ـ ـر ع ـ ـالية رفيعـ ـة ،بـداها هللا تبارك امسه بق ـ ـ ـ ـ ـوله:
« إمنا املؤمنون » َث حكم هلم يف هناية املطاف أبحكام:
أوهلا « :أولئك هم املؤمنون حقا ».
واثنيها « :هلم درجات عند رهبم ».
واثلثها « :مـغـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة ».
ورابعها « :ورزق كـ ـرمي ».
ما أمجل هذه الصفات اليت من أ ْجلها استحق ه ـ ـ ـؤالء األحكام! فما أص ـ ـ ـدق هللا إذ قـ ـ ـال ،ومـ ـ ـا أعدله إذا
حكم! ،إنه ج ـ ـل شأنه وصف ه ـ ـ ـؤالء أبهنم إذا ذك ـ ـر هللا وجـ ـلت قل ـ ـوهبم مـ ـ ـن عظمته وهيبته ،ون ـزلت فيها السكينة
والطمأنينة لعف ـ ـوه ورمح ـ ـته وبـ ـره وكـ ـ ـرمه ،ق ـ ـال ج ـ ـل ش ـ ـأنه ﴿ :
ووصفهم اثنيا بقوله عز من قائل ﴾ ﴿ :ذلك :ألن اإلميان
ي ـ ـزيد ابلطاعة.
وم ـ ـا من شك يف أن شجرة اإلميان طيبة الثمر ،كـ ـ ـرمية العطاء ،أصلها ث ـ ـابت وفـ ـرعها يف السماء ،كلما
تعه ـدهتا ابألعـ ـمال الصاحلة زادت مناء وكرما ،إذ إهنا ابألعمال الطيبة الصاحلة ﴿ :تـؤيت َكلَ َها ك َّل ح ٍ
ني بذن َرهبَا ﴾.
58
ووصفهم موالان تبارك وتعاىل اثلثا بقوله ﴾ ﴿ :أي ال يسلمون أمورهم ويفوضون
شؤوهنم – بعد األخذ ابألسباب – إال على الـ ـ ـواحد القهار ج ـ ـل شأنه ،فهم إذا سـ ـ ـألوا ال يسألون إال هللا ،وإذا
استعانوا ف ـ ـ ـال يستعينون إال ابهلل ،وإذا تـوكل ـ ـوا فـ ـ ـال يتوكلـ ـ ـون إال على هللا.
ووصفهم موالان رابعا بقوله ﴿ ﴾ أي يـ ـؤدوهنا أداء مستقيما ال ع ـ ـوج فيه
قالت أم امل ـ ـؤمنني ع ـ ـائشة رضي هللا عنها وهي تصف صـ ـ ـالة رس ـ ـ ـول هللا ﷺ « :كـ ـان حي ـدثنا وحنـ ـدثه،
ويكلمنا ونكلمه ،فإذا حضرت الصالة كأنه ال يعرفنا وال نعرفه ».
وقد سئل « حامت األصم » رضي هللا عنه :كيف أنت إذا دخلت الصالة؟ قال :إذا أردت الدخول يف
الصالة توضأت فأحسنت الوضوءَ ،ث إذا توجهت للوقوف بني يدي هللا جعلت كأن الكعبة أمامي ،واملوت ورائي،
واجلنة عن مييين ،والنار عن مشايل ،والصراط حتت قدمي ،وهللا مطلع عليَ ،ث أت ـم رك ـ ـوعها وسج ـودها ،فإذا سلمت ال
أدري أقبلها هللا ،أم ردها علي؟!
يرحم هللا ه ـ ـ ـؤالء األب ـ ـرار األطهار ،األتقياء األنقياء األصفياء األخيار ،إهنم ع ـ ــرفوا هللا فأحبهم هللا ...فـ ـرضي
هللا عنهم ورضـ ـ ـوا عنـ ـه.
كـ ـانوا يف حـ ـالة السلم كما وصفهم م ـ ـوالان ج ـل شـ ـأنه يف قوله ﴿ :
59
﴾
( النور.) 38 – 36 :
وكانوا يف حالة احلرب كما قال هللا يف شأهنم ﴿ :
ووصف هللا تعاىل املؤمنني الصادقني خامسا بقوله ﴾ ﴿ :أي أهنم عرفوا أن نعم
هللا اليت يسديها ويسوقها إىل عباده ال بد هلا من تـ ـزكية تتطهر هبا.
فاملـ ـال :رزق ،وفي ـه نفق ـ ـ ـ ـ ـ ـة.
والعلم :رزق ،وفيـ ـه نفق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة.
والصحة :رزق ،وفيها نفقة.
والذكـاء :رزق ،وفي ـ ـه نفقة.
فنفقة العلم :أن ينفع الناس به ،وخيـ ـ ـ ـرجهم ابهلداية من الظلمات إىل النور.
ونفقة املال :أن يع ـ ـني به الفقراء واملساكني ،ويغيث بـ ـه ذا احلاجة امللهوف وي ـ ـأخذ بيـ ـد الضعيف ،وي ـ ـواسي
ب ـه البؤس ـ ـ ـاء.
ونفقة الصحة :أن يستعملها يف اخلري ،فيشارك الضعفاء ،ويزيل النكبات عن املنكوبني.
ونفقة الذكاء :أن يستغله يف اخلـ ـ ـ ـري والبن ـ ـاء ،ال يف اهل ـ ـ ـ ـدم والت ـ ـ ـ ـخريب وظلم العب ـ ـ ـاد.
هذه نـ ـعم هللا أنـعم هبا ع ـلى ع ـ ـباده ،وأم ـ ـ ـرهم أن ي ـ ـؤدوا م ـ ـا وجـ ـب فيها ،شكـ ـ ـرا هلل املنعم املتفضل ،الذي
يقول يف احلديث القدسي اجلليل « :عبديََ ،نفق َنفق عليك ».
60
ومغفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرة. -3
ورزق كرمي. -4
61
خامتة يف ذكر هللا تعاىل
ملا كانت الصفة األوىل من صفات املؤمنني الصادقني قوله تعاىل ﴿ :
أردان أن نذكر كلمات جامعة يف ذكره جل شأنه :عن أيب أمامة رضي هللا عنه قال « :رآن النيب ﷺ وَان
َحرك شفين ،فقال يل :أبي شيء حترك شفتيك اي َاب َمامة ؟ فقلتَ :ذكر هللا اي رسول هللا ،فقالَ :ال َخربك
أبكثر وَفضل من ذكرك ابلليل والنهار؟ قلت :بلى اي رسول هللا ،قال :تقول :سبحان هللا عدد م ـ ـا خلق،
سب ـ ـحان هللا ملء مـ ـا خلق ،سب ـ ـحان هللا عـ ـ ـدد م ـا يف األرض والسماء ،سبحان هللا ملء ما يف األرض والسماء،
سبحان هللا ملء ك ـ ـل شيء ،احلمد هلل ع ـ ـدد مـ ـا خ ـلق ،واحلـ ـمد هلل مـ ـلء م ـا خـلق ،واحل ـ ـمد هلل ع ـ ـدد م ـ ـا يف
األرض والسماء ،واحل ـ ـمد هلل م ـ ـلء م ـ ـا يف السماء ،واحلـ ـ ـمد هلل عدد ما َحصى كتابه ،واحلمد هلل ملء ما
َحصى كتابه ،واحلمد هلل ملء ما َحصى كتابه ،واحلمد هلل عدد كل شيء ،واحلمد هلل ملء كل شيء » رواه
أمحد.
وروي عن ابن عمر رضي هللا عنهما ع ـ ـن رس ـ ـ ـول هللا ﷺ قـ ـ ـال « :م ـ ـن قـ ـال :احل ـ ـمد هلل رب الع ـ ـاملني
مح ـ ـدا كـث ـ ـ ـريا طيبا مب ـ ـ ـاركا في ـ ـ ـه على ك ـل حـ ـ ـال ،محـ ـ ـدا ي ـ ـوايف نعمه ويك ـ ـافئ مـ ـ ـزيده ،ث ـ ـالث مـ ـ ـرات ،فتق ـ ـول
احلـ ـ ـفظة :ربنا ال حن ـ ـسن ك ـ ـنه مـ ـا قـ ـ ـدسك ع ـ ـبدك هـ ـذا ومح ـ ـدك ،ومـ ـ ـا نـ ـ ـدري كيف نـ ـكتبه؟ فيـ ـ ـوحي هللا إليهم
َن اكتب ـ ـوه كما ق ـ ـ ـال عب ـ ـدي » رواه البخاري.
واحلمد هلل أوال وآخرا .وصلى هللا على سيدان حممد وعلى آله وصحبه وسلم.
62
الصالة على رسول هللا ﷺ وكيفيتها
﴿
« اللهم صل على حممد وعلى آل حممد ،كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ،وابرك على حممد وعلى
آل حممد كما ابركت على إبراهيم يف العاملني إنك محيد جميد ».
إن الصالة على رسول هللا ﷺ ختـ ـ ـرج صاحبها بفضل هللا من ظلمات الغفلة والشهـ ـوة والشبه ـة وت ـ ـرتفع به من
غياهب الظلمات إىل م ـ ـدارج األن ـ ـوار ومعـ ـ ـارج االس ـ ـرار ﴿
علي صـ ـ ـالة واحـ ـ ـدة صلى هللا عليه عـ ـ ـشر صل ـ ـوات ،وحطَّت عنـه عـ ـشر
قـ ـ ـال ﷺ « :م ـ ـن صلى َّ
خـ ـطيئات ،ورفعت له عشر درجات ».
وروى النسائي عن أيب طلحة أن النيب ﷺ جاء ذات يوم والبشرى يف وجهه فقلنا :إان لنرى البشرى يف
وجهك ،قال « :إنه َاتن امللَك فقال :اي حممد إن ربك يقولَ :ما يرضيك َنه ال يصلي َحد عليك إال صليت
عليه عشراً ،وال يسلم َحد عليك إال سلمت عليه عشراً ».
فهذا فضل هللا تعاىل على عباده إذا هم صلوا على نبيه ﷺ.
وتتأكد الصالة على رسـ ـ ـول هللا ﷺ إذا ذكـ ـ ـر امسـ ـه ،ملا رواه الـ ـ ـرتمذي ع ـ ـن علي إبسناد حسن « :البخيل
َمن ذكرت عنده فلم يصل علي ».
وجيب هنا أن نذكر ما جاء يف كتب التفسري عن معىن قوله تعاىل ﴿ :
( األحزاب.)56 : ﴾
63
قال البخاري :قال أبـ ـ ـو العالية :صالة هللا تعاىل ثناؤه عليه عـ ـ ـند املالئكة وصالة املالئكة ال ـ ـدعاء .وقال ابن
عباس :يصلون أي يباركون.
وروي عن سفيان الثوري وغـ ـ ـ ـري واحد من أهل العلم قالوا :صالة الرب الرمحة ،وصالة املالئكة االستغفار.
وروي عن عطاء بن أيب رابح ﴿ .﴾
واملقصود من هذه اآلية أن هللا سبحانه وتعاىل أخرب عباده مبنزلة عبده ونبيه يف املأل األعلى أبنه يثين عليه عند
املالئكة املقربني ،وأن املالئكة تصلي عليهَ ،ث أمر تعاىل أهل العامل السفلى ابلصالة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه
من أهل العاملني العلوي والسفلي مجيعا.
روى ابن أيب حامت عن ابن عباس أن بـين إسرائيل قالوا ملوسى عليه الصالة والسالم :هل يصلي ربك؟ فناداه
ربه عز وجل :اي موسى سـ ـ ـ ألوك ...هل يصلي ربك؟ فقل :نعم أان أصلي ومالئكيت على أنبيائي ورسلي ،ف ـ ـ ـأنزل هللا
عز وجل على نبيه ﷺ ﴿ :
وقد أخرب سبحانه وتعاىل أبنه يصلي على عباده املؤمنني يف قوله ﴿ :
( األحزاب.) 43 – 41 :
وق ـ ـال جل شأنه ﴿ :
64
ويف احلديث الشريف « :إن هللا ومالئكته يصلون على ميامني الصفوف » .وقال عليه الصالة والسالم« :
إن هللا ومالئكته وَهل السماوات واألرض حىت النملة يف جحرها واحليتان يف البحر يصلون على معلم الناس
اخلري »
َ
وللطرباين يف األوسط والكبري عن ابن عباس قال :قال رسول هللا ﷺ « :من قرَ السورة اليت يذكر فيها آل
عمران يوم اجلمعة صلى عليه هللا ومالئكته حىت تغيب الشمس ».
وردت أحاديث عن رسول هللا ﷺ تبني لنا كيفية الصالة عليه كما تفيد األمر ابلصالة عليه.
قال البخاري يف تفسري قوله تعاىل ﴿ :
قال :حدثنا سعيد بن حيىي بن سعيد أخربان أيب عن مسعر عن احلكم عن ابن أيب ليلى عن كعب بن عجرة
قال :قيل :اي رسول هللا ،أما السالم عليك فقد عرفناه ،فكيف الصالة؟ قال « :قولوا :اللهم صل على حممد وعلى
آل حممد كما صليت على آل إبراهيم ،إنك محيد جميد ،اللهم ابرك على حممد وعلى آل حممد كما ابركت على
آل إبراهيم ،إنك محيد جميد ».
ومعىن قوهلم لرسول هللا ﷺ :قد علمنا السالم عليك فاملقصود ما جاء يف التشهد وهو :السالم عليك أيها
النيب ورمحة هللا وبركاته.
ويف حديث آخر قـ ـ ـالوا :اي رسول هللا ،كيف نصلي عليك؟ قال :قولوا « :اللهم صل على حممد وَزواجه
وذريته كما صليت على آل إبراهيم ،وابرك على حممد وَزواجه وذريته كما ابركت على آل إبراهيم إنك محيد
جميد ».
وعن أيب مسعود البدري رضي هللا عنه أهنم قالوا :اي رسول هللا ،أما السالم فقد عرفناه ،فكيف نصلي عليك
إذا حنن صلينا يف صالتنا؟ فقال :قولوا « :اللهم صل على حممد وعلى آل حممد » وذكره .ورواه الشافعي رمحه هللا
65
يف مسنده عن أيب هريرة مبثله ،ومن هنا ذهب الشافعي رمحه هللا إىل أنه جيب على املصلي أن يصلي على رسول هللا
ﷺ يف التشهد األخري ،فإن تركه مل تصح صالته.
وأخرج األمام أمحد :عن بريدة قال :قلنا :اي رسول هللا ،قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟
قال « :قولوا :اللهم اجعل صلواتك ورمحتك وبركاتك على حممد وعلى آل حممد كما جعلتها على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم إنك محيد جميد ».
وروى ابن ماجة بسنده عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه قال :إذا صليتم على رسول هللا ﷺ فأحسنوا
الصالة عليه ،فإنكم ال تدون لعل ذلك يعرض عليه ،قال :فقالوا له :علمنا ،قال :قولوا :اللهم اجعل صلواتك
ورمحتك وبركتك على سيد املرسلني وإمام املتقني وخ ـ ـامت النبيني حممد عبدك ورسولك إم ـ ـام اخلري وق ـائد اخلري ورسول
الرمحة ،اللهم ابعثه مقاما حم ـ ـمودا يـ ْغ ـ بطه به األولون واآلخرون ،اللهم صل على حممد وعلى آل حممد كما صليت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك محيد جميد.
ويف رواية قالوا :يـ ـ ـ ـا رسول هللا علمنا السالم عليك ،فكيف الصالة عليك؟ قال « :اللهم صل على حممد
وعلى آل حممد كما صليت على إبراهيم إنك محيد جميد ،وارحم حممدا كما رمحت آل إبراهيم إنك محيد جميد،
وابرك على حممد وآل حممد كما ابركت على إبراهيم إنك محيد جميد ».
فيستدل هبذا احلديث من ذهب إىل جواز الـ ـرتحم على النيب ﷺ كما هو قول مجـ ـ ـهور العلماء ،ويقويه
حديث األعرايب الذي قال :اللهم ارمح ـ ـين وحممدا وال ت ـ ـرحم معنا أحدا ،فقال رسول هللا ﷺ« :لقد حجرت واسعاً ».
ومن بركات الصالة على رسول هللا ﷺ إن املالئكة تصلي على م ْن صلى عليه مادام يصلي عليه.
66
وروى ابو عيسى الرتمذي بسنده عن عبد هللا بن مسع ـ ـود رضي هللا عنه قـ ـال :قـ ـ ـال رسـ ـ ـول هللا ﷺ:
وعن زيد بن طلحة رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا ﷺَ « :اتن آت من ريب فقال يل :ما من عبد
يصلي عليك صالة إال صلى هللا عليه هبا عشراً .فقام إليه رجل فقال:اي رسول هللاَ ،ال َجعل نصف دعـ ـائي
لك؟ قال :إن شئت ،قالَ :ال َجعل ثلثي دعـ ـ ـائي لك؟ قال :إن شئت ،قالَ :ال َجعل دعائي كله؟ قال :إذن
يـكفيك هللا َهـ ـ َّم الدنيا و َه َّم اخآخرة ».
وروى امحد رضي هللا عنه بسنده ع ـن عبد الرمحان بن عـ ـوف رضي هللا عنه قـ ـال :خـ ـ ـرج رسـ ـ ـول هللا ﷺ
فاتبعته ح ـ ـىت دخ ـ ـل خنال فسجد فأطال السج ـود حـ ـىت خفت أو خشيت أن يكـ ـون ق ـ ـد ت ـوف ـ ـاه هللا أو قبضه ،فقـ ـال:
ف ـجئت أنـظ ـر ،ف ـرفـع رأس ـه فقـ ـال « :مـ ـا لك اي عبد الرمحان؟ قـ ـال :ف ـذكرت ل ـه ذلك ،فق ـ ـال :إن ج ـ ـربيل عليه
السالم قـ ـ ـال يل َال َبـشـرك ،إن هللا ع ـ ـز وج ـل يقـ ـ ـول :مـ ـن صلى عليك صليت عليه ،ومـ ـن سلم عليك سلمت
عليه ».
وروى اإلمام أمحد يف مسنده عن عبد هللا بن أيب طلحة عن أبيه أن رسول هللا ﷺ ج ـ ـاء ذات ي ـوم والس ـرور
ي ـرى يف وجهه ،فقالوا :يـ ـ ـا رسول هللا ،إان لنرى الس ـرور يف وجهك ،فقال « :إن َاتن امللَك فقال :يـ ـا حممد َما
يرضيك َن ربك عـ ـز وج ـ ـل يقول :إنه ال يصلي عليك َحـ ـد مـ ـن َمتك إال صليت عليه عش ـرا ،وال سلم عليك
َحد من َمتك إال سلمت عليه عشرا؟ قلت :بلى ».
وقال اإلم ـ ـام أمحـ ـد رواي ـ ـة ع ـ ـن أيب هـ ـريرة رضي هللا عن ـه عـ ـن النـ ـيب ﷺ أنه ق ـ ـال « :صلوا علي فإهنا زكـ ـاة
لكم ،وسلوا هللا يل الـ ـ ـ ـوسيلة فإهنا درجـ ـ ـة يف َعلى اجلنة وال يناهلا إال رجـ ـ ـل وَرجو َن َك ـ ـ ـون َن ـ ـا هـ ـ ـو ».
ومعىن طلب الوسيلة ل ـ ـ ـرسول هللا ﷺ أن يقـ ـول العبد :اللهم رب ه ـ ـذه الـ ـدعوة الت ـ ـامة والص ـ ـالة القائمة آت
سيـ ـ ـدان حم ـ ـ ـمد ال ـ ـ ــوسيلة والفضيلة وابعثه مقام ـا حمـ ـ ـمودا الذي وعدته.
وروى اإلمـ ـ ـام أمح ـ ـد بسنده ع ـ ـن عبد هللا بن ع ـ ـمرو رضي هللا عـ ـنه ق ـ ـال « :م ـ ـن صلى على رس ـ ـول هللا ﷺ
ص ـ ـالة صلى هللا عليه ومـ ـ ـالئكته هبا سبعـ ـ ـني ص ـ ـالة ،فليقلل عـ ـبد م ـ ـن ذلك َو ليكثر ».
وعـ ـ ـن عبد هللا بن عـ ـمرو قـ ـ ـال:خـ ـ ـ ـ ـرج ع ـلينا رس ـ ـ ـول هللا ﷺ ي ـومـ ـا كاملودع فقـ ـالَ « :ان حممد النيب األمي –
ق ـ ـاله ث ـ ـالث م ـ ـرات – وال نـ ـيب بعـ ـديَ ،وتيت ف ـ ـ ـواتح الكـ ـ ـالم وخـ ـ ـوامته وجـ ـ ـوامعه ،وعلمت كم َخـ ـزنة النار
67
ومحلة العرش وجتـ ـ ـوز يل ،عـ ـوفيت وع ـوفيت َميت ،فامسعوا وَطيعوا ما دمت فيكم ،فإذا ذهب يب فعليكم بكتاب
هللا َحلوا حالله وحرموا حرامه»
وروى أبو داود الطيالسي بسنده عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا ﷺ « :من ذكرت
صل علي ،ومن صلى علي مرة واحدة صلى هللا عليه عشراً ».
عنده فلي َ
يبني الرسول ﷺ يف أحاديثه أن البخيل ،بل إن أخبل الناس ،من إذا مسع اسم الرسـ ـول ﷺ يذكر فال يصلي
عليه.
وروى الرتمذي بسنده عن أيب هـري ـرة رضي هللا عنه قال :قال رسـ ـول هللا ﷺ « :رغم َنف رجل ذكرت عنده
فلم يصل علي ،ورغم َنف رجل دخل رمضان عليه مث انسلخ قبل َن يغ َفر له ،ورغم َنف رجل َدرك عنده َبواه
الك َرب فلم يدخاله اجلنة ».
وعن أيب هريرة رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا ﷺ « :ما جلس ق ـوما جملسا مل يذكروا هللا فيه ومل يصلوا
على نبيهم إال كان عليهم ترة يوم القيامة ،فإن شاء عذهبم وإن شاء غفر هلم ».
وقد روى أبو هريرة عـ ـن النيب ﷺ أنه قال « :ما من قوم يقعدون مث يقومون وال يصلون علي إال كان
عليهم يوم القيامة حسرة وإن دخلوا اجلنة ملا يـ ـرون الثواب ».
وروى اإلمام أمحد رضي هللا عنه بسنده عن عبد هللا بن عمرو بن العاص أنه مسع رس ـ ـ ـ ـول هللا ﷺ يق ـ ـ ـ ــول:
« إذا مسعتم مؤذان فقولوا مثل ما يقول مث صلوا علي ،فإنه من صلى علي ص ـ ـالة صلى هللا عليه هبا عـ ـشرا ،مث
سل ـ ـ وا هللا يل الوسيلة فإهنا منزلة يف اجلنة ال تنبغي إال لعبد مـ ـن عباد هللا وَرجو َن َك ـ ـون َان هو ،فمن س ـ ـأل يل
ال ـ ـوسيلة حلَّت عليه الشفاعة ».
68
علي زكاة لكم ،وسلـ ـوا
وعن أيب هريرة رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا ﷺ « :صلوا علي فإن صالتكم َّ
هللا يل الوسيلة ،والوسيلة َعلى درجة يف اجلنة ».
وروى اإلمام أمحد بسنده عن رويفع بن اثبت األنصاري أنه قال :قال رسول هللا ﷺ « :من صلى على
حممد وقال :اللهم َنزله املقعد املقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعيت ».
وكان ابن عباس رضي هللا عنهما يقول :اللهم تقبل شفاعة حممد الكربى ،وارف ـ ـع درجته العليا ،وأعطه سؤله
يف اآلخرة واألوىل كما آتيت إبراهيم وموسى عليهما السالم.
وروى اإلمام أمحد بسنده عن فاطمة الزهراء بنت رسول هللا ﷺ قالت :كان رسول هللا ﷺ إذا دخل املسجد
صلى على حممد وسلم َث قال « :اللهم اغفر يل ذنويب ،وافتح يل َبواب رمحتك » وإذا خرج صلى على حممد
وسلم َث قال « :اللهم اغفر يل ذنويب وافتح يل َبواب فضلك ».
وقال علي بن أيب طالب رضي هللا عنه « :إذا مررمت ابملساجد فصلوا على النيب ﷺ ».
وروى الرتمذي بسنده عن عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه قال « :الـ ـ ـدعاء موقوف بني السماء واألرض ال
يصعد منه شيء حىت تصلي على نبيك ».
وروى اإلمام أمحد وأهل السنن وابن خزمية وابن حبان واحلاكم من ح ـديث أيب اجلـ ـوزاء عن احلسن بن علي
رضي هللا عنهما قال :علمين رسـ ـ ـول هللا ﷺ كلمات أق ـ ـوهلن يف ال ـ ـوتر « :اللهم اهدن فيمن هديت ،وعافين فيمن
عافيت ،وت ـولَّين فيمن توليت ،وبـ ـارك يل فيما َعطيت ،وقين ش ـ ـر ما قضيت ،فإنك تقضي وال يقضى عليك،
إنه ال يذل من واليت ،وال يعـ ـ ـز من عاديت ،تب ـ ـاركت ربنا وتعاليت » .وزاده النسائي يف سننه بعد هذا «
وصلى هللا على حممد ».
69
الصالة على املختار يوم اجلــمعة وليلتها
ليس هناك أدىن شك يف أن خري يوم طلعت فيه الشمس يوم اجلمعة ،وذلك ألنه ع ـ ـ ـيد املسلمني ،واجلمعة
حج املساكني ،والسماوات واألرض حتتفي هبذا اليوم العظيم.
ومن أفضال هذا اليوم أن الصالة على رسول هللا ﷺ فيه هلا اعلى املكاانت وأعظم الدرجات.
امسع معي ما رواه اإلمام أمحد بسنده عن أوس بن أوس الثقفي رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا ﷺ « :من
َفضل َايمكم يوم اجلمعة ،فيه خلق آدم ،وفيه قبض ،وفيه النفخة ،وفيه الصعقة ،فأكـ ـ ـثروا علي من الصالة
فيه ،فإن صالتكم معـ ـ ـروضة علي .قال ـ ـوا :اي رس ـ ـول هللا ،وكيف تع ـ ـ َرض عليك صالتنا وقد َرمت؟ -يعين قد
بليت – قال :إن هللا ح ـ ـ ـ َّرم على األرض َن أتكل َجساد األنبياء».
وروى عبد هللا بن ماجة بسنده عن أيب ال ـ ـدرداء رضي هللا عنه قال :قال رسـ ـول هللا ﷺَ « :كثروا الصالة
علي يوم اجلمعة فـ ـإنه مشهود تشهده املالئكة ،وإن َحدا ل ـن يصلي علي فيه إال ع ـرضت علي ص ـ ـالته حـ ـىت
يفرغ منها .قال قلت :وبعد امل ـ ـوت؟ ق ـ ـال :إن هللا حرم على األرض َن أتكل َجساد األنبياء ».
وقال الشافعي :أخربان إبراهيم بن حممد أخربان صفوان بن سليم أن النيب ﷺ قال « :إذا كان يوم اجلمعة
وليلة اجلمعة فأكثروا من الصالة علي ».
وهكذا جيب على اخلطيب أن يصلي على النيب ﷺ يوم اجلمعة على املنرب يف اخلـ ـ ـطبتني ،وال تصـ ـح اخلطبتان
إال بذلك ،فإهنا عبادة وذكـ ـر هللا ش ـ ـرط فيها ،ف ـ ـوجب ذك ـ ـر رسـ ـ ـول هللا ﷺ فيها ،ك ـ ـاآلذان والص ـ ـ ـالة ،وهـ ـ ـذا مذهب
الشافعي وأمحـ ـد رضي هللا عنهما .وم ـن ذلك يستحب الص ـ ـالة والسـ ـ ـالم عليه عن ـ ـد زيـ ـ ـارة قـ ـ ـربه ﷺ.
وروى أب ـو داود بسنده عـ ـ ـن أيب هـ ـريرة رضي هللا عنه قـ ـال :ق ـ ـال رس ـ ـ ـول هللا ﷺ « :ما منكم مـ ـن َحد يسلم
علي إال رد هللا علي روح ـ ـي حـ ـىت َرد عليه السـ ـ ـالم ».
وعن أيب هريرة أيضا قال :قال رس ـ ـ ـ ـ ـول هللا ﷺ « :ال جتعلوا بيوتكم قبـ ـ ـ ـورا ،وال جتعلوا ق ـ ـ ـربي عـ ـ ـ ـيدا،
وصلوا علي فإن صـ ـ ـالتكم تبلغين حيثما كنتم ».
صلى عليك هللا يـ ـ ـ ـا علم اهلدى ،ما هبت النسائم ،وما نـ ـاحت على األيك احلـ ـ ـ ـ ـمائم.
70
سيدي أاب القاسم اي رسول هللا:
تباركت ربنا وتعاليت ،جلت حكمتك وعمت رمح ـتك وعظمت رأفتك ،أرسلته هاداي للناس ،ووصفته يف
التوراة بقولك « :ي ـ ـ ـا َيها النيب إان َرسلناك ش ـ ـ ـاهدا ومبشرا ونذيرا وح ـ ـرزا لألمينيَ ،نت عبدي ورس ـ ـويل،
َمسَّـيتك املت ـ ـ ـوكل ،ليس ٍ
بفظ وال غـ ـ ـليظ وال َّ
سخاب يف األسـ ـ ـ ـواق ،وال ي ـدفع ابلسيئة السيئة ،ولكن يعف ـ ـو
ويغفـ ـر ،ولن يقبضه هللا حـ ـ ـىت يقيم به امللة العـ ـوجاء أبن يقول ـ ـوا ال إله إال هللا ،فيفتـ ـ ـح به َع ـ ـينا عمياً وآذاانً
صماً وقل ـ ـ ـواب غلفاً ».
صل ـ ـوات ريب وس ـ ـ ـالمه ع ـ ـليك اي مبعـ ـوث العناية اإلهلي ـ ـة ،يـ ـا من أرسلك هللا رمح ـ ـة للع ـ ـ ـاملني ،يـ ـا خ ـ ـامت
األنبياء وامل ـ ـ ـرسلني ،اي ق ـ ـ ـائد الغ ـ ـر احملـ ـجلني ،يـ ـا إمـ ـام املـ ـ ـوحدين ،اي صـ ـاحب املقام احمل ـ ـمود ،وامل ـ ـوقف املشهود،
واللواء املعقـ ـود ،واحلـ ـ ـوض امل ـ ـورود.
اي من قال هللا يف شأنك ( ﴾ ﴿ :سبأ.) 28 :
واي من قال هللا يف شأنك ﴿ :
71
الفهـــــــــرس
72
الدعاء عند الفزع واألرق والوحشة 57...................................................................
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
73